الجزء الأول
مقدمة:
بسم الله الرّحمن الرّحيم تشتمل الأمالى على أربعة وثمانين مجلسا، تقدّمت بتسعة وأربعين مجلسا منها، مع دراسة بعنوان (ابن الشجرى وآراؤه النحوية) إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة للحصول على درجة الدكتوراه، من قسم النحو والصرف والعروض، بها. وقد نوقشت الرسالة يوم الأربعاء 18من شوال 1398هـ 20من سبتمير 1978م.
وناقشها الأساتذة:
الدكتور عبد الله درويش رحمه الله مشرفا، والدكتور حسن عون رحمه الله عضوا، والدكتور محمد بدوى المختون حفظه الله عضوا.
وأجيزت الرسالة بمرتبة الشرف الأولى.
هذا، وقد كان أمر تلك الرسالة فى مراحلها الأولى بيد أستاذى الفاضل النبيل الدكتور تمام حسان. ثم حال سفره دون أن يمضى بها إلى نهايتها، فحرمته خيرا كثيرا:
مدحتك بالحقّ الذى أنت أهله ... ومن مدح الأقوام حقّ وباطل(1/2)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة المحقق:
الحمد لله ذى العزّة والجلال، والطّول والإنعام، أحمده سبحانه على توالى مننه، حمدا يبلغ رضاه، ويوافى نعمه ويكافئ مزيده. وأصلّى وأسلّم على خير خلق الله، سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى إخوانه المصطفين الأخيار، وآله الأطهار، وصحبه الأبرار، وعلى كلّ من سلك سبيله وسبيلهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
فهذا إمام من أئمة العربية، وكتابه أصل من أصولها، لم يؤت حظّه من الدرس والتأمّل، وكاد الرجوع إليه ينحصر في دائرة تخريج الشعر وتوثيقه. ومن عجب أن يظلّ هذا الكتاب بعيدا عن ميدان الدراسات النحوية (1)، مع أنه اشتمل على جملة صالحة من أصول النحو وفروعه، بل إنه عرض لمسائل منه لا تكاد توجد فى كتب النحو المتداولة، ولعلّ الذى صرف دارسى النحو عنه ما يوحى به عنوانه من أنه خالص للأدب للّذى سبق به أبو عليّ القالى، رحمه الله. وما أكثر العنوانات الخادعة فى مكتبتنا العربية لمن لا يحسن النظر والتأمل، ثم ما أكثر النحو المفرّق فى كتب العربية المختلفة وهذا حديث طويل:
فدع عنك نهبا صيح فى حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرواحل
وقد كان من صنع الله لى وتوفيقه إيّاى أن تقدمت بتحقيق الجزء الأول (تسعة وأربعون مجلسا) من أمالى ابن الشجرى إلى قسم النحو والصرف والعروض، بكلية دار العلوم للحصول على درجة الدكتوراه.
__________
(1) من الدراسات الجامعية التى تناولت ابن الشجرى نحويّا دراسة بعنوان (ابن الشجرى ومنهجه فى النحو) للزميل عبد المنعم أحمد التكريتى. حصل بها على درجة الماجستير من جامعة بغداد، ونشرها ببغداد سنة 1975م كما أن هناك رسالة ما جستير بكلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1971م بعنوان (ابن الشجرى اللغوى الأديب) للزميل العراقى على عبود السّاهى.(1/3)
الجزء الثالث
المجلس الحادى والسبعون يتضمّن الكلام فى الحال
الحال فضلة فى الخبر (1)، والخبر على ضربين: خبر المبتدأ، وخبر الفاعل، وما قام مقام الفاعل، فمثال خبر المبتدأ: زيد جالس، وأخوك فى الدار، ومثال خبر الفاعل: خرج بكر وسيقوم بشر، ومثال خبر ما أقيم مقام الفاعل: ضرب عمرو، ويكرم جعفر. تقول: زيد جالس متّكئا، وأخوك فى الدار مضطجعا، وأقبل محمد مسرعا، وسيقوم بشر ضاحكا، وضرب عمرو مشدودا، ويكرم جعفر قادما.
ومن الأفعال مالا يسمّى خبرا لفاعله، ولكن مسندا إليه، وذلك أفعال الأمر والنهى، كقولك: ليخرج بكر، ولا يخرج أخوك.
فالحال إذن (2) فضلة على المسند، كما أنها فضلة على الخبر.
والضّرب الأول يطلق عليه الإسناد، كما يطلق عليه الإخبار، فالإسناد أعمّ إذن لأن كلّ إخبار إسناد، وليس كلّ إسناد إخبارا، وذلك أن الإخبار ما جاز أن يقابل بصدق أو كذب.
ولمّا كانت الحال فضلة على الخبر، والخبر فى الأمر العامّ إنما يستفاد إذا كان نكرة، لزم الأحوال أن يكنّ نكرات، حملا على الأضل لأن الأصل التنكير، قال
__________
(1) المراد بالخبر هنا: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، ويقال فى مقابل الإنشاء.
(2) يكتبها بعضهم «إذا» بألف مبدلة من النون. والأكثر كتابتها بالنون. ويروى عن المبرد أنه قال:
أشتهى أن أكوى يد من يكتب «إذن» بالألف لأنها مثل أن ولن.(3/3)
وقد قدّمت لهذا التحقيق بدراسة أدرتها على ثلاثة أبواب:
تحدثت فى الباب الأول عن حياة ابن الشجرىّ وتقلّبه فى العالمين. ولم أسرف فى الحديث عن التحولات السياسيّة والاجتماعية التى طرأت على المجتمع البغدادىّ فى العصر الذى عاش فيه ابن الشجرىّ وهو عصر السّلاجقة إذ كان ذلك ممّا يلتمس من مظانّه من كتب التاريخ. ثم إنّى لم أحاول أيضا أن أتصيّد مظاهر علوّ لهذا العصر الذى عاشه ابن الشجرىّ، ذلك أن كثيرا من الدراسين يخطئون حين يسرفون فى تقسيم عصور الفكر العربّى إلى عصور علوّ وعصور انحطاط. وإن المتتبّع لحركة الفكر العربّى فى عصوره المختلفة يروعه هذا الحشد الهائل من العلماء وطلاب المعرفة، فلم يكد ينتصف القرن الثانى الهجرى، وأظلّ عصر التدوين والتسجيل حتى اندفع العلماء فى التنصيف والجمع، وعمرت حلقات الدّرس بالطلاب، وزخرت المكتبات بالمصنّفات فى شتّى فروع الثقافة. وقد شمل هذا النشاط العالم الإسلامىّ كلّه، مشرقه ومغربه، ولم يفضل عصر أو مصر سواهما إلّا ما يكون من بعض الفروق الهيّنة التى تفرضها طبائع الزمان والمكان، أمّا حركة العقل العربىّ من حيث هى فلم تخمد جذوتها، ولم تسكن حدّتها، بتغيّر الحكّام وتبدّل الأيام، وإن أردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى ما اشتمل عليه القرنان السادس والسابع من كبار المفكّرين والعلماء، وأنت تعلم أن هذين القرنين قد شهدا أعنف هجوم تعرّضت له الأمة الإسلامية: الحروب الصليبية، والغزوة التّتريّة، وقد كان هذا الهجوم الكاسح كفيلا بالقضاء على هذه الأمة الإسلامية لولا دفع الله وصيانته، بما أودعه فى روح العقيدة الإسلامية من عوامل النماء والبقاء والازدهار.
أمّا ما تسمعه الآن من ثرثرة حول الحروب، وما تحدثه من إحباط وانكسار، فهو من التعلّات الباطلة، والكذب على النفس، وكلّ أولئك مما يلجأ إليه الضّعفة ويحتمى به الكسالى، وإنما هو فساد الزمان وسقوط الهمم.
ودعك من الدراسات الحديثة التى تعكس وجهات نظر أصحابها، واصبر نفسك مع تلك الكتب التراثية الموسوعيّة فى فنّ التراجم وليس كالتراجم كاشفا لتاريخنا الحضارىّ، ومسيرتنا الثقافية مثل سير أعلام النبلاء، لأبى عبد الله الذهبىّ
(748هـ)، والوافى بالوفيات، لصلاح الدين الصفدىّ (764هـ)، وطبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكى (771هـ) واقرأ على مهل وتؤدة، وأعط نفسك حظّها من التأمل والتدبّر، ولمح الأشباه، ورصد النظائر، وسترى أن مفكرينا وعلماءنا، رضى الله عنهم، كانوا يعملون فى الحلّ والتّرحال، وعلى المنشط والمكره، وفى اليسر والعسر، بل إن بعضهم كان يبدع مع تزاحم العلل عليه، وتقسّم نفسه مع الأوصاب والأوجاع والصّوارف وهذا أيضا حديث طويل (1).(1/4)
الرّبعىّ: الحال زيادة فى الخبر، والخبر فى الأمر العامّ يكون نكرة، فوجب أن تكون الحال نكرة لأنها مستفادة مع الجملة، كما يستفاد الخبر مع الواحد. انتهى كلامه.
* * * والحال تشبه المفعول به من وجه، وتخالفه من وجوه، فوجه الشبه بينهما أن النصب يجمعهما، ومن وجوه الخلاف (1) بينهما ما ذكرناه من لزومها التنكير، والمفعول يكون معرفة ويكون نكرة.
والثانى: أن الحال فى الأغلب / هى ذو الحال، وليس المفعول هو الفاعل.
والثالث: أن الحال يعمل فيها الفعل ومعنى الفعل، والمفعول لا يعمل فيه المعنى.
والرابع: أن المفعول يبنى له الفعل فيرفع رفع الفاعل، والحال لا يبنى لها الفعل.
* * * والحال تشبه التمييز من ثلاثة أوجه، وتخالفه من وجه (2).
فأحد وجوه المشابهة: أنك إذا قلت: جاء زيد، احتمل أن يكون مجيئه على صفة تخالف صفة، كالركوب والمشي، والسّرور والحزن، والبكاء والضحك، فإذا قلت: راكبا أو ماشيا أو مسرورا أو محزونا، فقد بيّنت الحال التى جاء عليها، كما أنك إذا قلت: عندى عشرون، احتمل أن يكون المميّز درهما، وأن يكون ثوبا، وأن
__________
(1) حكاه السيوطىّ فى الأشباه والنظائر 2/ 444.
(2) راجع المغنى ص 464460.(3/4)
ودعك من الدراسات الحديثة التى تعكس وجهات نظر أصحابها، واصبر نفسك مع تلك الكتب التراثية الموسوعيّة فى فنّ التراجم وليس كالتراجم كاشفا لتاريخنا الحضارىّ، ومسيرتنا الثقافية مثل سير أعلام النبلاء، لأبى عبد الله الذهبىّ
(748هـ)، والوافى بالوفيات، لصلاح الدين الصفدىّ (764هـ)، وطبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكى (771هـ) واقرأ على مهل وتؤدة، وأعط نفسك حظّها من التأمل والتدبّر، ولمح الأشباه، ورصد النظائر، وسترى أن مفكرينا وعلماءنا، رضى الله عنهم، كانوا يعملون فى الحلّ والتّرحال، وعلى المنشط والمكره، وفى اليسر والعسر، بل إن بعضهم كان يبدع مع تزاحم العلل عليه، وتقسّم نفسه مع الأوصاب والأوجاع والصّوارف وهذا أيضا حديث طويل (1).
والباب الثانى وهو لبّ الرّسالة وعصبها وقفته على آراء ابن الشجرىّ النحوية، وقد سلكت سبيلين فى التعرّف إلى تلك الآراء: ما ذكره هو نفسه من قوله:
وهذا ما خطر لى، أو: والقول عندى كذا، أو: والصحيح كذا، والاختيار كذا، أو: فتأمّل ما استنبطته لك. ونحو ذلك. ثم ما أورده النحاة المتأخّرون، كابن هشام والمرادىّ والسّيوطىّ والبغدادىّ، من أقوال وآراء نسبوها إلى ابن الشجرى.
وأريد أن أنبّه بادئ ذى بدء، إلى أنى وجدت فى «الأمالى» آراء كثيرة فى النحو والصرف واللغة، ساقها ابن الشجرىّ غير معزوّة إلى أحد، ولم أقطع بنسبتها إليه، لاحتمال وجودها فى كلام غيره ممّن سبقه، وقد أمكننى عون الله وتوفيقه أن أردّ بعض هذه الآراء إلى أصحابها.
وقد وجدت بعضا ممّن يدرسون علما من الأعلام يحشدون آراءه حشدا، دون فصل بين ما قال وما حكى، وبعض مصنّفى الكتب القديمة لم يعنوا بعزو كلّ رأى إلى قائله، خوفا من الإملال والإطالة. هذا أمر، وأمر آخر أنّ حركة التأليف العربىّ عرفت لونا من ألوان التصنيف، تمثل فى تلك الرسائل والكتب الصغيرة التى
__________
(1) انظر كتابى: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربى ص 20وما بعدها، ثم انظر كتابى الصغير:
الموجز فى مراجع التراجم والبلدان ص 24وما بعدها، فقد ناقشت هناك باختصار فكرة العصور، وأن العصور المتأخرة فى تاريخنا الثقافى هى عصور تكرار واجترار!(1/5)
يكون غيرهما من الأجناس، فإذا قلت: درهما أو دينارا أو غير ذلك، بيّنت ما أردت.
والثانى: أن التنكير يلزم المميّز كما يلزم الحال.
والثالث: أنهما لا يجيئان إلّا بعد التمام، فالمميّز يجىء بعد تمام الجملة، كقولك: امتلأ إلاناء، أو بعد تمام الاسم بالنون كقولك: عشرون، أو بالتنوين كقولك: راقود، أو بالمضاف إليه كقولك: لى مثله، كما تجىء الحال بعد الجملة المبتدئيّة أو الفعليّة.
ووجه المخالفة بينهما أن الحال فى الأغلب يلزمها الاشتقاق، والمميّز يلزمه أن يكون اسم جنس، فإن جاء صفة فقدّر له موصوفا محذوفا، كقولك: عشرون ظريفا.
* * * وبين الحال والظّرف مشابهة (1) ومخالفة، فوجه المشابهة أنّ الحال مفعول فيها، كما أن الظرف مفعول فيه.
والمخالفة: أن الحال لا يعمل فيها المعنى إذا تقدّم عليها، لا يجوز: زيد قائما فى الدار، وليس كذلك الظرف لأنك تقول: كلّ يوم لك ثوب، فتنصب كلّ يوم بلك، وإنما لم يعمل المعنى فى الحال إذا تقدّمت عليه لشبه الحال (2) بالمفعول به، من حيث كان المفعول به لا يعمل فيه المعنى، وإنما جاز إذا / تأخّرت الحال أن يعمل فيها المعنى، لأن الشىء إذا وقع فى موضعه جاز فيه مالا يجوز إذا وقع فى غير موضعه، تقول: ما جاءنى أحد إلا زيد، ترفع زيدا على الإبدال من أحد، فإن
__________
(1) راجع ما تقدم فى المجلس السابع عشر.
(2) فى الأصل: «لشبه الفعل». وهو خطأ.(3/5)
قدّمته لم يجز فيه الرفع، لأن البدل تابع فلا يكون من قبل المتبوع.
وإنما جاز للحال أن تجىء غير مشتقّة لأن الخبر نفسه قد جاء غير مشتقّ، فى نحو: زيد غلامنا، وبكر أخو جعفر، وإذا جاز ذلك فى الخبر جاز فى الفضلة على الخبر، فمن ذلك فى التنزيل: {هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً} (1) أى علامة لصدقي، وجاء فى الشعر لأبى الصّلت الثقفىّ:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... فى رأس غمدان ذارا منك محلالا (2)
نصب «دارا» على الحال من رأس غمدان، قصر بصنعاء، وجاز ذلك لأن الدار منزل، ومن هذا قول المتنبّى (3).
بدت قمرا وماست خوط بان ... وفاحت عنبرا وزنت غزالا
الميس والميسان: مشي فيه تبختر وتهاد.
والخوط: الغصن.
والرّنوّ: النّظر، يقال: رنا، إذا مدّ بصره.
ونصب «قمرا وخوط بان وعنبرا وغزالا» على الحال، ويتأوّل فيهنّ الاشتقاق، فيحملن على قولنا: بدت مشرقة، وماست متثنّية، وفاحت طيّبة، ورنت مليحة، ونظير هذا البيت قول آخر (4):
__________
(1) سورة الأعراف 73، وهود 64.
(2) فرغت منه فى المجلس السادس والعشرين، والكلام على موضع الشاهد منه فى المجلسين الثالث والعشرين، والخامس والعشرين.
(3) ديوانه 3/ 224، ودلائل الإعجاز ص 302، 450، وأسرار البلاغة ص 178، والعمدة 1/ 293 (باب التشبيه)، ومعاهد التنصيص 2/ 83، ونهاية الأرب 7/ 43، والخزانة 3/ 222، والموضع الآتى من اليتيمة، والوفيات.
(4) هو أبو القاسم الزاهى، على بن إسحاق بن خلف البغدادى. توفّى فيما قيل سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وقيل: بعد سنة ستين وثلاثمائة. يتيمة الدهر 1/ 249، وتاريخ بغداد 11/ 350 ووفيات الأعيان 3/ 371، 372، والموضع السابق من معاهد التنصيص، والخزانة.(3/6)
التقمتها الكتب الكبار، فضاعت فى غمارها، وطويت فى لجّتها، وحين جاء أصحاب الموسوعات النحوية شغل بعضهم بما انتهى إليهم من هذه الكتب الكبار، فنسبوا الآراء إلى أصحاب هذه الكتب، ثم نسج على نولهم من جاء بعدهم.
على أنّى فى ذكر آراء ابن الشجرىّ لم أحاول أن أضعه فى غير موضعه، أو أرتفع به على من سبقوه، فإن من آفات البحث العلمىّ العصبيّة الطائشة للشخصية المدروسة. فقد جاء ابن الشجرىّ وقد استوى النحو العربىّ على سوقه أو كاد، فقد فرغ النحاة الأوائل من وضع الأصول وتمهيد الفروع، ولم يكد أبو الفتح بن جنى يضع قلمه المبدع بعد هذه التصانيف الجياد التى نفذ بها إلى أسرار العربية، حتى كان هذا إيذانا ببدء مرحلة جديدة من التصنيف النحوى، يعكف فيها النحاة على هذا الموروث العظيم الذى آل إليهم: كشفا عن أسراره، ونفاذا إلى دقائقه، وتنبيها على غوامضه، واستدراكا لفائته.
ونعم كان للجيل الذى تلا ابن جنى آراء مبتكرة، والعربية فسيحة الأرجاء، متراحبة الأطراف، وقد يفتح الله على الأواخر بما لم يفتح به على الأوائل، ولكن يظلّ الفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما ترى من الفرق بين الجدول الصغير والبحر الزخّار، ولو أتيح لكل مصنّفات الأوائل أن تذيع وتنتشر وخاصة تصانيف أبى على الفارسى لظهر لك صدق هذا الكلام.
وابن الشجرىّ واحد من هذا النّفر الكريم الذين عرفوا للغتهم حقّها من دقّة النظر، وحسن الفقه، وكريم الرعاية. ولقد عكف على ذلك الحصاد الطيب الذى سبق به الأوائل: شارحا ومفسّرا، ومتعقّبا وناقدا، ومضيفا ومستدركا.
وقد جمعت له أربعة وستّين رأيا، ذكرتها وأوردت ما قيل حولها من آراء النحاة، استحسانا أو نقدا، وناقشته وناقشتهم فى بعضها.
وقد وقفت عند ظاهرتين غلبتا على أمالى ابن الشجرىّ، ولم يكد يخلو منهما مجلس من مجالسه، وهما ظاهرة الإعراب وظاهرة الحذوف، وقد رأيت أن أفرد كلّ ظاهرة منهما بكلمة، إذ كان جمهور مسائل النحو راجعا إليهما ومبنيّا عليهما، ثم
لأن هاتين الظاهرتين قد ثار حولهما لغط كثير، وتناولهما بعض الدراسين بكثير من السهولة واليسر، دون مراجعة الأصول واستقراء النصوص.(1/6)
وقد وقفت عند ظاهرتين غلبتا على أمالى ابن الشجرىّ، ولم يكد يخلو منهما مجلس من مجالسه، وهما ظاهرة الإعراب وظاهرة الحذوف، وقد رأيت أن أفرد كلّ ظاهرة منهما بكلمة، إذ كان جمهور مسائل النحو راجعا إليهما ومبنيّا عليهما، ثم
لأن هاتين الظاهرتين قد ثار حولهما لغط كثير، وتناولهما بعض الدراسين بكثير من السهولة واليسر، دون مراجعة الأصول واستقراء النصوص.
ولمّا كان ابن الشجرى من أهم من عرضوا لمبحث الأدوات: معانيها وعملها وشواهدها، ودخول بعضها مكان بعض، فقد تكلمت عن الكتب التى عالجت هذا المبحث، وعن مكان ابن الشجرى وكتابه بين هذه الكتب.
ثم درست الشواهد عند ابن الشجرىّ (القرآن الكريم، والحديث الشريف، والأثر، والشّعر)، وقد ظهر لى أن ابن الشجرىّ لم يعرض لأصل من الأصول، أو قاعدة من القواعد إلا استشهد لها بآية أو أكثر من الكتاب العزيز، وقد استشهد بالقراءات السّبعيّة، ووجّه بعض القراءات الشاذّة.
ثم وقفت وقفة طويلة عند شواهد الشعر عند ابن الشجرىّ، وقد ظهر لى أن كتابه ضمّ قدرا ضخما من الشواهد الشعرية، فقد بلغت شواهده أكثر من مائة وألف بيت، غير المكرّر. وشواهد ابن الشجرىّ منتزعة من شعر الجاهليّين والمخضرمين والإسلاميين والمحدثين، والاستشهاد بشعر هذه الطبقة الأخيرة محلّ خلاف كبير، وقد استكثر ابن الشجرىّ من شعر هذه الطبقة، من أمثال دعبل الخزاعيّ، ومروان بن أبى حفصة، وابن المعتزّ، وأبى تمّام، والبحترىّ ومن إليهم، بل إنه احتفل احتفالا زائدا بشعر أبى الطيب المتنبى، ممّا يجعله من شرّاحه البارزين.
وقد أوردت جمعة ملاحظات حول منهج ابن الشجرىّ فى رواية الشواهد ونسبتها.
ثم تحدثت عن مصادر ابن الشجرى وموارده فى تأليف «الأمالى» مبتدئا بإمام النحاة سيبويه، ومنتهيا بالخطيب التّبريزى. وقد نقل ابن الشجرى كثيرا عن أعلام النحو واللغة المتقدّمين. وتظهر أهمية هذه النّقول فيما حكاه عن كتبهم المفقودة، من مثل كتاب «الأوسط» للأخفش سعيد بن مسعدة، وكتاب «الواسط» لأبى بكر بن الأنبارى، وبعض كتب أبى علىّ الفارسىّ، ثم فيما حكاه عن سيبويه والمبرد، مما ليس يوجد فى المطبوع من «الكتاب» و «المقتضب والكامل».
ولم أذكر من أعلام النحاة من نقل عنهم ابن الشجرىّ الرأى والرأيين، وإنما
ذكرت من أكثر من النقل عنهم والانتصار لهم، والاستدراك عليهم، بما يجلو شخصيته النحوية، ويبرز موقفه من مصنّفات الأوائل، وهو موقف ذو ثلاث شعب كما ترى.(1/7)
سفرن بدورا وانتقبن أهلّة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا
واحد الجآذر: جؤذر، ولد البقرة الوحشيّة، ومن هذا الضّرب قولهم:
«هذا بسرا أطيب منه رطبا (1)» التقدير: هذا إذا وجد صلبا أطيب منه إذا وجد ليّنا، فهذا يقال فيه إذا كان بلحا.
وممّا جاءت فيه الحال بمعنى المشتقّ قوله تعالى: {فَمََا لَكُمْ فِي الْمُنََافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (2) انتصاب {فِئَتَيْنِ} على الحال لأن المعنى: ما لكم منقسمين فى شأنهم فرقتين، فرقة / تمدحهم، وفرقة تذمّهم.
وحقيقة المعنى عندى (3) أن «فئتين» فى معنى مختلفين، فحرف الجرّ الذى هو «فى» متعلّق بهذا المعنى، أى ما لكم مختلفين فى أمرهم، فانتصابه كانتصاب {مُعْرِضِينَ} فى قوله: {فَمََا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (4).
واختلف فى هؤلاء المنافقين (5)، فقيل: هم قوم تخلّفوا يوم أحد، و {قََالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتََالًا لَاتَّبَعْنََاكُمْ} (6) وقيل: هم قوم قدموا المدينة وأظهروا الإسلام، ورجعوا إلى مكة فأظهروا الكفر، وقيل: هم قوم أسلموا بمكة، وكانوا يعينون المشركين، والدليل على أنهم من أهل مكة قوله: {فَلََا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيََاءَ حَتََّى يُهََاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ} (7).
__________
(1) تقدّم فى المجلس الخامس والعشرين. ويأتى مرّة أخرى فى هذا المجلس، والمجلس السادس والسبعين. وقد تكلّم عليه ابن قيم الجوزية كلاما طويلا، فى بدائع الفوائد 2/ 130119. وقد أفرد السيوطىّ لهذه المسألة رسالة صغيرة سمّاها: (تحفة النّجبا فى قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا) تراها بآخر كتابه الأشباه والنظائر 4/ 662652، وقد سلخها من كلام ابن قيم الجوزية. وهذا عوّل على ما ذكره السّهيلى فى نتائج الفكر ص 405399، وانظر المقتضب 3/ 251، وحواشيه
(2) سورة النساء 88.
(3) سبق إلى هذا أبو زكريا الفراء. معانى القرآن 1/ 280. وراجع إعراب القرآن للنحاس 1/ 442.
(4) سورة المدثر 49.
(5) أسباب النزول ص 160، والدر المنثور 2/ 190.
(6) سورة آل عمران 167.
(7) سورة النساء 89.(3/7)
وقوله: {وَاللََّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمََا كَسَبُوا} أى نكسهم والمعنى ردّهم فى حكم الكفر، قال الكسائىّ: يقال: أركسه وركسه.
وتقول: زيد فى الدار قائما وقائم، فالظرف فى النصب يتعلّق بالاستقرار، وفى الرفع يتعلّق بقائم، وإن لم يكن الظرف تامّا (1) لم يجز فيما بعد المبتدأ إلّا الرفع تقول: زيد فيك راغب، وأخوك منك متعجّب لأن الكلام لا يتمّ بقولك: زيد فيك، ولا بقولك: أخوك من زيد، وتقول: إنّ القوم فى الدار مقيمين ومقيمون، على ما قدّمناه من نصبك «مقيمين» بالاستقرار، ورفعك له بأنه الخبر، فمثال النصب فى التنزيل {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ وَنَعِيمٍ. فََاكِهِينَ} (2) ومثال الرفع: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذََابِ جَهَنَّمَ خََالِدُونَ} (3) وتقول: أقبل رجل راكب وراكبا، والنصب ضعيف، وإنما قوي الرفع لأنهما نكرتان، فوصف النكرة بالنكرة أولى من مخالفتها لها فى إعرابها، وجاز نصبها على الحال لأن الكلام قد تمّ بالنكرة، كما يتمّ بالمعرفة لو قلت: أقبل زيد، وعلى هذا جاء {فِيهََا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنََا} (4)
فقوله: {أَمْراً} حال (5) من {كُلُّ أَمْرٍ} والأمران مختلفان فى المعنى، فالأول واحد الأمور، والثانى نقيض النهي، فالتقدير: مأمورا به من عندنا.
/ وأقول: إنما حسن مجىء الحال من النكرة فى الآية لأن قوله: {كُلُّ أَمْرٍ} معناه كلّ الأمور، كما تقول: جاءنى كلّ رجل فى الدار، والمعنى: كلّ الرجال الذين فى الدار، فلمّا تضمّن هذا المعنى كان حكمه حكم المعرفة.
__________
(1) الظرف التام: هو الجارّ والمجرور الذى يتم به الكلام حين يتعلق بالاستقرار، كما مثّل. وسيأتى مرّة أخرى فى المجلس الحادى والثمانين. وانظر المقتضب 4/ 302، وحواشيه.
(2) سورة الطور 17، 18.
(3) سورة الزخرف 74.
(4) سورة الدخان 4، 5.
(5) راجع ما تقدّم فى المجلس السابق.(3/8)
ولم أذكر من أعلام النحاة من نقل عنهم ابن الشجرىّ الرأى والرأيين، وإنما
ذكرت من أكثر من النقل عنهم والانتصار لهم، والاستدراك عليهم، بما يجلو شخصيته النحوية، ويبرز موقفه من مصنّفات الأوائل، وهو موقف ذو ثلاث شعب كما ترى.
والحديث عن مصادر ابن الشجرىّ وموارده مفض إلى الحديث عن أثره فيمن جاء بعده من النحاة. ويمثّل ابن الشجرى ومن إليه من نحاة القرنين الخامس والسادس حلقة الوصل بين المتقدّمين من النحاة والمتأخرين، فقد كان لقرب هذا الجيل من المنابع الأولى بالتلقّى والمشافهة، وما ظهر به نحاة هذا الجيل أيضا من الكتب والمصنّفات التى عمرت بها دور العلم وخزائن المكتبات، قبل أن تعصف بها عوادى الناس والأيام، كان لذلك كلّه فضل حفظ آراء المتقدّمين، ممّا أمدّ النحاة المتأخرين بذلك الفيض الزاخر من الوجوه والآراء.
وقد تتبّعت ابن الشجرى فى مصنّفات النحويين المتأخرين، باستقراء أرجو ألّا يكون فاتنى معه شىء، ثم أفضى تخريج شواهده من كتب العربية إلى تأثّر خفىّ من أصحاب هذه الكتب، لم يصرّحوا به، وقد ابتدأت بأبى البركات الأنبارى، وانتهيت بالمرتضى الزّبيدىّ.
وفى ختام هذا الباب أبنت عن مذهب ابن الشجرىّ النحوىّ، وانتهيت إلى أنه بصرىّ خالص، وقد قوّى حجج البصريّين، وانتصر لهم فى أكثر من موضع من الأمالى، بل إن كثيرا من حجج البصريين فى المسائل الخلافية التى أوردها الأنبارىّ فى كتابه «الإنصاف» منتزعة من كلام ابن الشجرىّ.
أمّا الباب الثالث فقد قصرته على كتاب «الأمالى» فتحدثت عن معنى الأمالى، والفرق بينها وبين المجالس، وذكرت الأمالى المصنّفة فى علوم العربية قبل أمالى ابن الشجرىّ، وبيّنت أن هذه انفردت بظاهرة لم تعرف فى الأمالى الأخرى، وهى ظاهرة التأريخ للمجالس، ثم تكلمت على منهج ابن الشجرىّ فى أماليه، وأنه مع طول الأمالى وتشعّب القول فيها يبدو متنبها لبعض الموضوعات التى عالجها من قبل، مما يدلّ على أنه احتشد للأمالى احتشادا، فليست آراء يمليها على الطلبة ثم يفرغ منها.(1/8)
فإن قدّمت صفة النّكرة عليها صار ما كان ضعيفا فى التأخير لا يجوز غيره، تقول: فى الدار قائما رجل، كما قال:
لعزّة موحشا طلل (1)
بطل (2) كونه صفة لما تقدّم لأنّ الصفة لا تكون إلّا تابعة، والتابع لا يقع قبل المتبوع.
* * * قد ذكرنا من المعانى التى تعمل فى الحال الظروف، وتعمل فيها أيضا أسماء الإشارة وحرف التنبيه، تقول: ذا زيد مقبلا، وها زيد مقبلا، وهذا زيد مقبلا، وفى التنزيل: {وَهََذََا صِرََاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} (3) وفيه {وَهََذََا بَعْلِي شَيْخاً} (4) وتقول: هاتا أمتك سافرة، وتلك هند جالسة، كما قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خََاوِيَةً} (5) وتقول:
هذا أبوك مقبلا ومقبل، فرفعه من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون خبرا بعد خبر.
والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، فيكون الكلام فى تقدير جملتين، أى هو مقبل.
والثالث: أن تبدله من الأب، فكأنك قلت: هذا مقبل.
والرابع: أن تبدل الأب من هذا، فكأنك قلت: أبوك مقبل، وفى مصحف
__________
(1) تكملته:
يلوح كأنه خلل
وهو لكثير عزة. ديوانه ص 506، وتخريجه فيه، وهو بيت مفرد فى الديوان. وانظر كتاب الشعر ص 220.
(2) فى مطبوعة الهند: «وبطل»، ولم ترد الواو فى النّسخ الثلاث.
(3) سورة الأنعام 126.
(4) سورة هود 72.
(5) سورة النمل 52.(3/9)
ثم تحدثت عن علوم العربية فى الأمالى، وذكرت أن ابن الشجرى أفسح أماليه لمسائل من اللغة والأدب والبلاغة والعروض والتاريخ والأخبار والجغرافية والبلدان. وقد ظهر لى أن أهمّ فنّ عالجه ابن الشجرىّ بعد النحو والصرف هو فنّ اللغة، فقد عنى ابن الشجرىّ عناية فائقة باللغة: دلالة واشتقاقا، ثم عرض لقضايا وظواهر لغوية كثيرة، كالمشترك اللفظىّ، وتركّب اللغات وتداخلها، ولغة العامة ولهجات القبائل، والأصوات ومخارج الحروف، وتطوّر دلالات الألفاظ.
وفى ختام هذا الباب تحدّثت عن نسخ الأمالى المخطوطة، ثم أفردت كلمة عن النسخة التى اتخذتها أصلا، وهى نسخة مكتوبة بخطّ نسخى نفيس جدا، تمّ نسخها فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، أى بعد وفاة ابن الشجرىّ بتسع وثلاثين سنة. والنسخة مقابلة على أصلها، وبآخرها سماع لعلماء القرنين: السادس والسابع، وجاء بحواشيها تعليقات جيدة، وقد تضمنت هذه التعليقات فوائد كثيرة منها النصّ على أوهام ابن الشجرى، ونسبة بعض الأقوال إلى أصحابها، وتصحيح نسبة بعض الشواهد. وبعض هذه التعليقات لأبى اليمن الكندى، تلميذ ابن الشجرى، وبعضها لأحد تلاميذ ابن هشام.
وقد انتهيت من خلال دراستى لابن الشجرىّ وأماليه إلى هذه النتائج:
أولا: يعدّ كتاب الأمالى من كتب الدراسات القرآنية، حيث بسط ابن الشجرىّ الكلام فيه على مسائل من تفسير القرآن وإعرابه وحذوفه ومشكله.
ثانيا: يعدّ ابن الشجرىّ من شرّاح سيبويه وأبى علىّ الفارسىّ، وقد حفظ لنا نصوصا وشواهد عن سيبويه ليست فى المطبوع من «الكتاب». ومعروف عند الدراسين أنّ بين أصول «الكتاب» القديمة اختلافا فى عدّة الأبيات، وأن بعضها ربّما انفرد بشواهد أخلّ بها غيره، وقد صرّح ابن الشجرىّ نفسه بأن لكتاب سيبويه أكثر من نسخة. ثم عرض ابن الشجرىّ لشرح مسائل كثيرة من كلام سيبويه وأبى على الفارسىّ، وذكر أن الشرّاح قصّروا فى الإبانة عن مرامى أبى على.(1/9)
ابن مسعود: «وهذا بعلى شيخ» ورفعه من الأوجه الأربعة (1). وقال جرير (2):
هذا ابن عمّي فى دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إليّ قطينا
يجوز أن تنصب «خليفة» باسم الإشارة، فيكون حالا منه، ويحوز أن تعمل فيه الظرف، فيكون حالا من الذّكر (3) الذى فيه، ويجوز أن ترفعه من وجهين، أحدهما: أن يكون خبرا ثالثا، ابن عمى: الأوّل، وفى دمشق: الثانى، وخليفة الثالث.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، على ما قدّمنا ذكره.
القطين: الأتباع.
/ وقد أعملوا فى الحال من حروف المعانى ثلاثة: كأنّ وليت ولعلّ، وذلك لقوّة شبههنّ بالفعل، تقول: كأنّ زيدا راكبا أسد، وليت زيدا مقيما عندنا، ولعلّ بكرا جالسا فى الدار، قال النابغة:
كأنّه خارجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عند مفتاد (4)
شبّه قرن ثور وحشيّ طعن به كلبا، فأخرجه من صفحة عنقه، بسفّود قوم يشربون الخمر نسوه عند مفتاد، والمفتأد: المشتوى والمطّبخ، مكان الشّيّ والطّبخ، يقال: فأدت اللحم: إذا شويته، ويقال للسّفّود: المفأد.
* * * __________
(1) راجع المقتضب 4/ 308، وحواشيه. والمحتسب 1/ 324.
(2) ديوانه ص 388، والكامل ص 1075، والجمل المنسوب للخليل ص 38، وعيار الشعر ص 152، والموشح صفحات 190، 191، 201.
(3) أى الضمير.
(4) فرغت منه فى المجلس الرابع والعشرين. وسيعيد ابن الشجرى الكلام على إعمال هذه الحروف الثلاثة فى الحال قريبا. وانظر المقتضب 4/ 301، وحواشيه.(3/10)
ثالثا: حفظ لنا ابن الشجرىّ نصوصا من كتب مفقودة، مثل كتاب «الأوسط». للأخفش سعيد بن مسعدة. و «الواسط» لأبى بكر بن الأنبارى، وبعض كتب أبى علىّ الفارسى.
رابعا: يعتبر كتاب الأمالى على رأس الكتب التى تحدثت عن الحذوف، وعالجت مسائل الإعراب، وتحدّثت عن الأدوات وحروف المعانى.
خامسا: يمثّل ابن الشجرىّ الخطوات الأولى للنحو التعليمىّ الذى يعنى ببسط العبارة، وكثرة التنظير، والبعد عن التكلّف والتعقيد.
سادسا: يحتلّ كتاب الأمالى مكانة طيبة فى ميدان الدراسات اللغوية: دلالة واشتقاقا.
سابعا: وسّع ابن الشجرىّ دائرة الاستشهاد بالشعر على مسائل النحو، ولم يقف كما وقف غيره عند إبراهيم بن هرمة والعصر الأموىّ.
ثامنا: احتفظت الأمالى بنصوص شعرية، ليست فى دواوين الشعراء المطبوعة، مثل الأخطل وكثيّر، وأبى دؤاد الإيادى، وأبى حيّة النّميرىّ.
تاسعا: حقّق ابن الشجرىّ الأمنيّة التى نادى بها كثير من الدراسين، وهى أن تعالج مسائل النحو من خلال النصوص الأدبية خروجا من دائرة التجريد.
عاشرا: يعدّ ابن الشجرىّ من شرّاح المتنبى، وقد ذكره فى خمسة وثمانين موضعا من الأمالى، عدا المجلس الأخير الذى نبّه فيه على فضائله، وأورد فيه غررا من حكمه وشعره الذى يتمثّل به.
وقد أورد ابن الشجرى شعر المتنبى، مستشهدا به على إعراب أو قاعدة، ومتعقّبا شرّاحه، وشارحا ومعربا ما أغفله هؤلاء الشرّاح. وهذا الذى ذكره ابن الشجرى حول شعر المتنبى ينهض كتابا مستقلّا يضمّ إلى ما كتب عن أبى الطيّب.
وبعد: فإذا كان لصاحب هذه الدراسة أن يقترح، فإنه يرى أن تجمع مسائل النحو من بطون كتب العربية المختلفة، فإن مجاز كتب العربية مجاز الكتاب
الواحد، ففى كتب التفسير وعلوم القرآن نحو كثير، وفى معاجم اللغة وكتب الأدب والبلاغة نحو كثير، بل إنك واجد فى كتب أصول الفقه والسّير والتاريخ، والمعارف العامة، من أصول النحو وفروعه ما لا تكاد تجده فى كتب النحو المتداولة، والأمثلة عندى حاضرة كثيرة، لا داعى للإطالة بذكرها، وحسبى أن أشير إلى مثالين: الأول أنى خرّجت مسألة نحويّة من كتاب «مثالب الوزيرين» لأبى حيان التوحيدى، ويا بعد ما بين كتابه وكتب النحو! والمثال الثانى طريف جدّا: وهو أن الشاهد النحوىّ المعروف «أكلونى البراغيث» لم أجده منسوبا لقائل فى كتاب من كتب النحو التى أعرفها، على حين وجدته منسوبا فى كتاب أبى عبيدة «مجاز القرآن».(1/10)
وبعد: فإذا كان لصاحب هذه الدراسة أن يقترح، فإنه يرى أن تجمع مسائل النحو من بطون كتب العربية المختلفة، فإن مجاز كتب العربية مجاز الكتاب
الواحد، ففى كتب التفسير وعلوم القرآن نحو كثير، وفى معاجم اللغة وكتب الأدب والبلاغة نحو كثير، بل إنك واجد فى كتب أصول الفقه والسّير والتاريخ، والمعارف العامة، من أصول النحو وفروعه ما لا تكاد تجده فى كتب النحو المتداولة، والأمثلة عندى حاضرة كثيرة، لا داعى للإطالة بذكرها، وحسبى أن أشير إلى مثالين: الأول أنى خرّجت مسألة نحويّة من كتاب «مثالب الوزيرين» لأبى حيان التوحيدى، ويا بعد ما بين كتابه وكتب النحو! والمثال الثانى طريف جدّا: وهو أن الشاهد النحوىّ المعروف «أكلونى البراغيث» لم أجده منسوبا لقائل فى كتاب من كتب النحو التى أعرفها، على حين وجدته منسوبا فى كتاب أبى عبيدة «مجاز القرآن».
والاقتراح الثانى: أن تفهرس مسائل النحو فهرسة دقيقة، تجمع الأشباه والنظائر، ثم ترتّب أبواب النحو ومسائله ترتيبا هجائيا فإن كتب النحو الأولى ترتّب مسائل النحو، وتضع لها عنوانات تخالف ما ألفه الطلبة والدارسون فى أيامنا هذه، بعد ما سادت طريقة ابن مالك وشرّاحه. وبمثل هذا الجمع والفهرسة تظهر صورة النحو العربىّ على وجهها الصحيح، وتستقيم دراسته وتمضى إلى ما يراد لها من كمال.
أما تحقيق الكتاب فقد مضيت فيه وفق مناهج التوثيق والتحقيق التى ارتضاها شيوخ الصنعة، وقد حرصت على تتبّع مسائل الكتاب وشواهده فى كتب العربية المختلفة للذى ذكرته من قبل، من أن مجاز هذه الكتب مجاز الكتاب الواحد، وأريد أن أنبّه إلى أننى وجدت فى حواشى بعض الكتب تحقيقات وتخريجات جيدة، أفدت منها وأحلت عليها، ولم أستبح لنفسى أن أنسبها إلى جهدى كما يفعل كثير من الناس فى زمان السّوء هذا ذلك لأنى لم أرد أن أتشبّع بما لم أعط فأكون كلابس ثوبى زور. وأيضا:
فإن الدرهم المضروب باسمى ... أحبّ إلىّ من دينار غيرى
وثالثة يقولها أبو منصور الأزهرىّ:
«ولقليل لا يخزى صاحبه خير من كثير يفضحه».(1/11)
وقد تقع الجمل أحوالا، كما تقع أخبارا وأوصافا، ولا بدّ فى الجملة من ضمير إذا وقعت خبرا أو صفة، يعود إلى المخبر عنه وإلى الموصوف، ولمّا وجب هذا فى الخبر والصّفة وجب فى الحال لأنها صفة ذى الحال، وأنّها زيادة فى الخبر، فقد أخذت شبها منهما.
وكلتا الجملتين المبتدئية والفعلية تقع حالا.
وإذا كانت الجملة مبتدئية ووقعت (1) حالا، جاز أن تأتى فيها بواو، وليست الواو العاطفة، ولكنّها التى شبّهها سيبويه بإذ، وإنما شبّهها بإذ، لأنها تتعلّق بما قبلها من الكلام، كما تتعلّق «إذ، وذلك فى قوله تعالى: {وَطََائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (2) بعد قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعََاساً يَغْشى ََ طََائِفَةً مِنْكُمْ} وكذلك الواو فى قوله: {وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} (3) فموضع {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} نصب على الحال، قال (4) سيبويه: «والبحر هذه حاله»، والعامل فى هذه الحال الفعل الذى عمل فى «أنّ»، وتقديره: ولو كان، أو ولو وقع، أو ولو وجد أنّ ما فى الأرض من الشجر أقلام.
وقد جاءت الواو فى الجملة الفعليّة إذا كان الفعل ماضيا معه «قد»، كقولك: جاء زيد وقد وضع يده على وجهه.
فمن الجمل التى وقعت فى موضع الحال قول الهزّانيّة (5):
__________
(1) فى الأصل: «وقعت» بواو واحدة.
(2) سورة آل عمران 154.
(3) سورة لقمان 27.
(4) فى مطبوعة الهند: «وقال». وليست الواو فى النّسخ الثلاث. والذى فى الكتاب 2/ 144:
«والبحر هذا أمره»، وكذلك فيما حكى عنه النحاس، فى إعراب القرآن 2/ 606. وعبارة «هذه حاله» من كلام الزجاج، فى معانى القرآن 4/ 200.
(5) هى أم ثواب، ولم يذكروا لها اسما. وشعرها هذا فى العققة والبررة (نوادر المخطوطات) 2/ 364، وبلاغات النساء ص 334، والكامل ص 312، وشرح الحماسة ص 756.(3/11)
/ ربّيته وهو مثل الفرخ أعظمه ... أمّ الطّعام ترى فى ريشه زغبا
قولها: «أعظمه أمّ الطعام» حال من الفرخ، والعامل فيها ما فى «مثل» من معنى التشبيه، فالمعنى، مثل الفرخ صغيرا، لأنها أرادت بأمّ الطعام حوصلته، ولا تكون حوصلته أعظمه إلّا وهو صغير.
ولو حذفت الضمير من جملة الحال المبتدئّية واكتفيت بالواو، جاز، كقولك: جاء زيد وعمرو حاضر، ولو حذفت الواو اكتفاء بالضمير، فقلت:
خرج أخوك يده على وجهه، جاز، كما قال المسيّب بن علس، يصف غوّاصا:
نصف النّهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب ما يدرى (1)
أى ما يدرى ما حاله.
وأما الجملة الفعليّة فلا يخلو الفعل أن يكون حاضرا أو مستقبلا أو ماضيا، فإن كان حاضرا حسن وقوعه فى موضع الحال، كقولك: جاء زيد يسرع، ومنه قول الحطيئا (2):
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
وإن كان ماضيا لم يحسن وقوعه فى موضع الحال إلّا ومعه «قد» كقولك:
جاء زيد قد عرق، وذلك أنّ «قد» تقرّبه إلى الوقت الحاضر، وكان أبو الحسن الأخفش يجيز إيقاعه حالا و «قد» مقدّره (3) فيه، واحتجّ بقول الله تعالى: {أَوْ جََاؤُكُمْ}
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الثالث والستين.
(2) ديوانه ص 81. وقال ابن السكّيت: تعشو: أى تحيىء على غير بصر ثابت فيهتدى بناره.
يقال: عسا يعشو: إذا استدلّ ببصر ضعيف. قال: وقوله «تعشو» فى محل نصب. أراد: متى تأته عاشيا.
وانظر البيت الشاهد فى الكتاب 3/ 86، والمقتضب 2/ 65، والجمل المنسوب للخيل ص 143، 198، وشرح اللمع ص 133، وشرح الجمل 2/ 203، وغير ذلك مما تراه فى حواشى المحققين.
(3) هكذا ينسب ابن الشجرى ذلك الرأى إلى الأخفش، لكنه فى المجلس الرابع والأربعين نسب إليه ما ينسبه إلى سيبويه هنا، وقد به على هذا الاضطراب محقّق لباب الإعراب ص 329. ولم يذكر أبو الحسن الأخفش شيئا من هذا الرأى أو ذاك، حين عرض للآية الكريمة فى معانى القرآن ص 244.(3/12)
ولن أدع مقامى هذا حتى أقدّم أصدق الشكر وأخلصه إلى الأستاذ الدكتور عبد الله درويش، الذى تفضل فقبل الإشراف على هذه الرسالة العلمية، ثم إلى الأستاذين الفاضلين: الدكتور حسن عون برّد الله مضجعه، ورحمه رحمة واسعة سابغة والدكتور محمد بدوى المختون، بارك الله فى أيامه، ومتّعه بالصحة والعافية، لتفضّلهما بقبول مناقشة الرسالة، وإخلاصهما فى النّصح والتوجيه والنقد.
ودعاء بالمغفرة والرضوان للشاعر المبدع، والمحقّق الثبت الأستاذ حسن كامل الصيرفى، هذا الرجل الذى عبر دنياه كنسمة هادئة، والذى عاش حياته كلّها محبّا ودودا، بارّا كريما، لم يسع إلى جاه، ولم يركض خلف شهرة، ووقف هادئا يرقب الناس وهم يتواثبون ويقفزون، مخلصا لفنّه الشّعرىّ، باذلا أقصى جهده فى إخراج نصوص التراث (1). ولهذا الرجل الكريم فضل علىّ سابغ، فى بداياتى العلمية، ثم فضل آخر على هذه الرسالة، فقد فتح لى قلبه ومكتبته الحافلة بنوادر كتب الأدب والشعر، أوثّق منها شواهد أمالى ابن الشجرى. رحمه الله ورضى عنه.
أما شيخ العربية، أبو فهر محمود محمد شاكر، هذا الإمام الجليل: فإن له علىّ أيادى كثيرة أعدّ منها ولا أعدّدها، كما يقول صاحبه أبو الطيّب، وحسبه أنه أشعر قلبى حبّ هذا التراث والعصبيّة له، وتلقّيه بما ينبغى له من الجلال والحيطة والحذر. ثم إنه قد وقف خلفى فى هذه الرسالة، يستحثنى ويطلب عجلتى، ويتولّى عنى ما يؤودنى ويثقل كاهلى، بل إنه كان يفتح علىّ اتّصالا هاتفيّا مع عصر كلّ يوم (2) يرقب خطوى ويجبر نقصى إلى أشياء أخرى، لا يحبّ أن أذكرها، ولا أحبّ أن أخالف عن أمره. جزاه الله خير الجزاء.
__________
(1) من أعماله العظيمة فى مجال تحقيق النصوص: ديوان البحترى، وهو غاية فى الصبر على الجمع والتوثيق. وطيف الخيال، للشريف المرتضى. ولطائف المعارف، للثعالبى، ودواوين: عمرو بن قميئة، والمتلمّس الضبعى، والمثقّب العبدىّ، وقد جرى فى إخراج هذه الدواوين على نهج معجب فى التخريج والتحقيق.
(2) ليس هذا من التفصيل المملّ، ولكنه تاريخ ينبغى أن يسجّل لهؤلاء الشيوخ العظام، وما يبذلونه لتلاميذهم، سخيّة نفوسهم، طيّبة قلوبهم. ولم يكن هذا صنيع الشيخ معى وحدى، بل كان هذا دأبه وديدنه مع سائر تلاميذه ومحبّيه، ولكنّ أكثر الناس يجحدون.(1/12)
اللهم اغفر زلّاتى وآمن روعاتى، واجبرنى وعافنى واعف عنى، وبارك لى فى ذرّيتى، وزدنى علما، وتقبّل منى صالح عملى، وتجاوز لى عن سيّئه فإن الأمر كلّه لك، بيدك الخير وأنت على كلّ شىء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا محمد خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
أبو محمد
محمود محمد الطناحى
6 - شارع بشّار بن برد المنطقة السادسة مدينة نصر القاهرة فى يوم: الجمعة 28من جمادى الآخرة 1412هـ
3 - من يناير 1992م(1/13)
{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (1) قال: أراد قد حصرت، وهذا لا يجيزه سيبويه، وحمل الآية (2)
على غير هذا، فقال: {حَصِرَتْ} صفة لمحذوف، تقديره: قوما حصرت صدورهم، فقوما نصب على الحال، وحصرت صفتهم، وحذف الموصوف وأبقيت صفته.
وكان أبو العباس المبرّد يقول فى قوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}. قولا ثالثا، وهو أنه خرج مخرج الدعاء عليهم (3)، كما قال تعالى: {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ} (4) فالمعنى:
ضاقت صدورهم عن / قتالكم. والذى قاله جائز، لولا ما جاء بعده من قوله:
{أَوْ يُقََاتِلُوا قَوْمَهُمْ} ونحن لا ندعو بأن تضيق صدورهم عن قتال قومهم، بل نقول: اللهمّ ألق بأسهم بينهم، فلمّا عطف على الأول ما لا يصحّ أن يقع موقع الأوّل لم يصحّ الذى تأوّله (5).
وقد جاء الفعل الماضى فى موضع الحال مقدّرة معه «قد» فى قوله تعالى:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوََاتاً فَأَحْيََاكُمْ} (6) المراد: وقد كنتم، ومثله {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (7) أراد: وقد اتّبعك.
فإن كان الفعل مستقبلا لم يقع حالا، لا تقول: جاء زيد سيضحك، أو جاء زيد يضحك غدا لأنّ الحال إنما تكون لما أنت فيه.
فإن قيل: فقد جاء فى كتاب سيبويه: «مررت برجل معه صقر صائدا به
__________
(1) سورة النساء 90.
(2) لا ذكر لهذه الآية الكريمة فى كتاب سيبويه المطبوع.
(3) المقتضب 4/ 124، ولم يتل المبرّد هذه الآية التى تلاها ابن الشجرى، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 328، 329.
(4) سورة التوبة 30، والمنافقون 4.
(5) بهامش الأصل: «هذا قول أبى علىّ يردّ به على المبرّد، رحمهما الله»، وانظر الإيضاح ص 277، وكتاب الشعر ص 56، وما سبق فى المجلس الرابع والأربعين.
(6) سورة البقرة 28.
(7) سورة الشعراء 111.(3/13)
غدا (1)» فقوله: «معه صقر»، لا يخلو «صقر أن يكون مبتدءا والظرف الذى هو «معه» خبره، فيكون إذن فى الظرف ذكر (2) مقدّر يعود على رجل، من الجملة التى هى وصف له، أو يكون «صقر» مرتفعا بالظرف ارتفاع الفاعل بفعله، فالقول أنه مرتفع بالظرف (3)، على قول سيبويه فى هذه المسألة، وإن كان سيبويه ليس مذهبه أن يرفع بالظرف، وإنما رفع بالظرف هاهنا لوقوع الظرف صفة، فأشبه بذلك الفعل، فعمل عمله، وكذلك يرفع بالظرف إذا وقع صلة، ووقوعه صلة أشدّ تقريبا له من الفعل لأنه إذا وقع صلة لم يتعلّق إلّا بفعل، وذلك فى نحو قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ} (4) لا يكون {عِلْمُ الْكِتََابِ} فى التحقيق إلّا مرتفعا بالظرف، وإنما جاز «صائدا به غدا» لأنها حال مقدّره، فالمعنى: معه صقر مقدّرا به الصيد، وهى حال من الهاء التى فى «معه»، ومن الحال المقدّرة فى التنزيل قوله: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ} (5) أراد: مقدّرين الخلود، ومثله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ / إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (6) أى مقدّرين التحليق والتقصير، فأمّا قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللََّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبََادِهِ وَالطَّيِّبََاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا خََالِصَةً يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (7) فقرأ نافع وحده {خََالِصَةً} رفعا (8)، فمن نصبها جعلها حالا من الذّكر (9) الذى فى خبر {هِيَ}
__________
(1) تقدّم فى المجلس الثانى عشر.
(2) أى ضمير.
(3) علّقت على ذلك فى المجلس الخامس والعشرين.
(4) آخر سورة الرعد.
(5) سورة الزمر 73.
(6) سورة الفتح 27.
(7) سورة الأعراف 32.
(8) فتكون خبرا ل {هِيَ}. الكشف عن وجوه القراءات 1/ 461، ومشكل إعراب القرآن 1/ 312.
(9) أى الضمير.(3/14)
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول ابن الشجرى حياته وعصره
هو الشريف (1) ضياء الدين أبو السعادات هبة الله بن على بن محمد بن حمزة، ينتهى نسبه إلى الحسن (2) بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهما. ويعرف بابن الشجرى. وقد اختلف فى هذه النسبة، فقال ياقوت: «نسبة إلى بيت الشجرى من قبل أمه» وقال ابن خلكان: «هذه النسبة إلى شجرة، وهى قرية من أعمال المدينة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وشجرة أيضا: اسم رجل، وقد سمت به العرب ومن بعدها، وقد انتسب إليه خلق كثير من العلماء وغيرهم، ولا أدرى إلى من ينتسب الشريف المذكور منهما، هل هو نسبة إلى القرية، أم إلى أحد أجداده، كان اسمه شجرة، والله أعلم».
__________
(1) ترجمته فى: نزهة الألباء ص 406404، وأيضا ص 392 (فى أثناء ترجمة الزمخشرى)، وخريدة القصر (قسم العراق) الجزء الثالث المجلد الأول ص 5452، والمنتظم 10/ 130، ومعجم الأدباء 19/ 284282، وإنباه الرواة 3/ 356، 357، وتهذيب الأسماء واللغات، الجزء الثانى من القسم الثانى ص 132 (فصل «ما» من حرف الميم) ووفيات الأعيان 5/ 10096، والعبر 4/ 116، والمشتبه ص 354، وتاريخ الإسلام 13/ 115، وسير أعلام النبلاء 20/ 194، والبدر السافر، ورقة 219، والوافى بالوفيات 27/ 124122، وفوات الوفيات 2/ 614610، والترجمة فيه منتزعة من وفيات الأعيان ومرآة الجنان 3/ 275، 276، والبداية والنهاية 12/ 223، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد ص 248، والبلغة فى تاريخ أئمة اللغة ص 278، وعمدة الطالب فى أنساب آل أبى طالب ص 188، والنجوم الزاهرة 5/ 281، وبغية الوعاة 2/ 324، والمزهر 2/ 468، وشذرات الذهب 4/ 134132، وكشف الظنون صفحات 162، 174، 413، 692، 1563، 1573، والدرجات الرفيعة فى طبقات الشيعة ص 519516، وتاج العروس (شجر) 12/ 138، وأعيان الشيعة 51/ 48.
(2) وصل بعضهم النسب إلى الحسن رضى الله عنه، ووقع بينهم اختلاف فى سلسلة النسب، ولذلك اكتفيت بما اكتفى به أبو البركات الأنبارى، وابن الجوزى، والقفطى، وابن خلكان.(1/15)
لأن التقدير: هي ثابتة للذين آمنوا [فى الحياة الدنيا (1)] فى حال خلوصها لهم يوم القيامة.
* * * قال أبو الفتح عثمان: «تقول: مررت بهند جالسة، ولا يجوز: مررت جالسة بهند، لأنّ حال المجرور لا يتقدّم عليه (2)»، وهذا قول جميع النحوييّن إلّا ابن كيسان (3)، فإنه أجاز تقديم حال المجرور عليه، واحتجّ بأن قال: العامل فى الحال على الحقيقة هو مررت، وإذا كان العامل هو الفعل لم يمتنع تقديم الحال، واحتجّ أيضا بقوله جلّ وعز: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ} (4) قال: أراد إلّا للناس كافّة، أى إلى الناس، يقال: خرج القوم كافّة، ولقيتهم كافّة، كما قال تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (5).
وعلّة النحوييّن فى امتناعهم من هذا أن العامل فى الحال هو العامل فى ذى الحال فى الأكثر، فالعامل فى الحال هاهنا هو الجارّ لأنه عمل فى لفظ ذى الحال، ولم يكن كالفعل الذى عمل فى الموضع، وقاس النحويّون الخافض على الرافع والناصب، فلمّا خالفهما ألزموا حال المخفوض التأخير، وذلك أن الرافع والناصب يتقدّم الحال عليهما لأن المرفوع والمنصوب يجوز تقديمه عليهما، تقول: خرج زيد مسرعا، وزيد خرج مسرعا، فلما جاز تقديم زيد على خرج، جاز تقديم الحال عليه، فقيل: مسرعا خرج زيد، وتقول فى عامل النصب فى ذى الحال: ضربت
__________
(1) سقط من مطبوعة الهند.
(2) اللمع ص 147.
(3) راجع المقتضب 4/ 171، 303، وارتشاف الضرب 2/ 348. ثم انظر: ابن كيسان النحوى، للدكتور محمد إبراهيم البنا ص 158.
(4) سورة سبأ 28.
(5) سورة البقرة 208.(3/15)
ونقل الصفدى عن بعضهم أنه كانت فى دارهم شجرة، ليس فى البصرة غيرها، ومثل هذا حكى السيوطى، لكن عنده: «ليس فى البلد غيرها».
وجاء بهامش مطبوع عمدة الطالب، نقلا عن مخطوطته: «الشجرى منسوب إلى شجرة، وهى قرية مشرفة على الوادى، على سبعة أميال من المدينة».
ولد ابن الشجرى ببغداد فى شهر رمضان، سنة خمسين وأربعمائة، وتوفى بها فى شهر رمضان (1) سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. ودفن من الغد فى داره بالكرخ، وأمّ الناس فى الصلاة عليه أبو الحسن على بن الحسين الغزنوى الواعظ.
ولم تذكر كتب التراجم شيئا عن أسرة ابن الشجرى، سوى أن والده كان نقيبا للطالبيين بالكرخ، ثم ذكر ابن عنبة فى «عمدة الطالب» أن عقب ابن الشجرى انقرض، وأن لأخيه بقيّة بالنيل والحلّة.
__________
(1) اختلف المترجمون فى تحديد يوم الوفاة، لكنهم أجمعوا على أنه توفى فى شهر رمضان.(1/16)
زيدا مشدودا، وزيدا ضربت مشدودا، فجاز لذلك: مشدودا ضربت زيدا، فقد رأيت كيف جاز تقديم ذى الحال المرفوع على الرافع، وذى الحال المنصوب / على الناصب، ولا يمكن تقديم المخفوض على الخافض، فامتنع لذلك تقديم الحال على ذى الحال المخفوض.
وقال أبو القاسم الثّمانينىّ: قد أجاز بعض النحويّين تقديم حال المجرور عليه، وقال: إنّ العامل فى الحال هو الفعل، والفعل متصرّف فى نفسه، فينبغى أن يتصرّف معموله، فيجوز تقديم الحال على صاحبها، قال: وهذا الذى ذكره ليس بصحيح لأن الفعل عمل فى الجارّ والمجرور جميعا، وقد صارا كالشىء الواحد، فإن جاز أن يتقدّم الحال عليهما وجب أن تكون لهما معا، ومحال أن يكون للحرف حال. انتهى كلامه.
وأمّا ما تعلّق به ابن كيسان من قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ} فإن {كَافَّةً} ليس بحال من الناس، كما توهّم، وإنما هو على ما قاله أبو إسحاق الزجّاج: حال من الكاف فى {أَرْسَلْنََاكَ} والمراد (1) كافّا، وإنما دخلته الهاء للمبالغة فى الوصف، كدخولها فى علّامة ونسّابة وراوية، أى أرسلناك لتكفّ الناس عن الشّرك وارتكاب الكبائر.
* * * ومن مسائل الحال: ضربى زيدا قائما، التقدير: إذ كان قائما، إن قيل هذا وقد مضى ضربه، وإذا كان قائما، إن قيل هذا وضربه متوقّع (2).
__________
(1) الذى ذكره أبو إسحاق الزجاج، فى معانى القرآن 4/ 254، قال: «المعنى أرسلناك جامعا للناس فى الإنذار والإبلاغ». وانظر المجلس الحادى والخمسين.
(2) راجع نظير هذا فى المجلس السابع والثلاثين.(3/16)
عصر ابن الشجرى
عاصر ابن الشجرى من خلفاء بنى العباس: القائم بأمر الله (467هـ)، والمقتدى بأمر الله (487هـ)، والمستظهر بالله (512هـ)، والمسترشد بالله (529هـ)، والراشد بالله (532هـ) والمقتفى لأمر الله (555هـ).
وقد ولد ابن الشجرى ومات ببغداد، كما ترى، وبغداد يومئذ تحت سلطان السلاجقة الذين دخلوها (1) عام سبعة وأربعين وأربعمائة، بقيادة محمد بن ميكائيل ابن سلجوق المعروف بطغرل بك، الذى عمل مع جنده على إعادة الخليفة العباسى القائم بأمر الله، من الحديثة إلى بغداد، ورجع الخطبة باسمه، ثم أزال ملك بنى بويه من العراق وغيره.
وقد أفاض المؤرخون فى الحديث عن التحولات السياسية والاجتماعية التى طرأت على المجتمع البغدادى فى ظل الدولة السلجوقية، والذى يعنينا فى هذا المجال حركة الفكر والثقافة، وأود أن أشير إلى أمر هام، يغفل عنه كثير من الدراسين، حين يسرفون فى تقسيم العصور إلى عصور علو وعصور انحطاط، فالمتتبع لحركة الفكر العربى فى عصوره المختلفة يروعه هذا الحشد الهائل من العلماء وطلاب المعرفة، فلم يكد ينتصف القرن الثانى الهجرى حتى اندفع العلماء فى الجمع والتصنيف، فعمرت حلقات الدرس بالطلاب، وزخرت المكتبات بالتآليف فى شتى فروع الثقافة، وقد شمل هذا النشاط العالم الإسلامى كله، مشرقة ومغربه، ولم يفضل عصر أو مصر سواهما إلا ما يكون من بعض الفروق الهيّئة التى تفرضها طبائع الزمان والمكان، أما حركة العقل العربى من حيث هى فلم تخمد جذوتها، ولم تسكن حدّتها، بتغير الحكام أو تبدل الأيام، وإن أردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى ما اشتمل عليه القرنان السادس والسابع، من كبار المفكرين والعلماء، مع أن هذين القرنين قد شهدا أعنف هجوم تعرضت له الأمة الإسلامية: الحروب الصليبية والغزوة التترية، وقد كان هذا الهجوم الكاسح كفيلا بالقضاء على الأمة الإسلامية، لولا دفع الله وصيانته، بما أودعه فى روح العقيدة الإسلامية من عوامل النماء والبقاء والازدهار.
__________
(1) تاريخ دولة آل سلجوق ص 9.(1/17)
وقول المتنبّى:
بحبّ قاتلتى والشّيب تغذيتى ... هواى طفلا وشيبى بالغ الحلم (1)
في موضع «هواى وشيبى» من الإعراب قولان، الأول: أنهما مبتدآن، وطفلا وبالغ الحلم، حالان سدّا مسدّ الخبرين، والتقدير: هواى إذ كنت طفلا، وشيبي إذ كنت بالغ الحلم، كما تقول: انطلاقك مسرورا، وشربك السّويق ملتوتا، أى إذ كنت مسرورا، وإذا كان ملتوتا، وإنما يقدّر «إذ وإذا» على ما قرّرته بحسب ما يقتضيه الكلام من المضىّ والاستقبال، و «كان» المضمرة هاهنا هى / المكتفية بمرفوعها (2).
والقول الثانى: أنّ «هواى وشيبى» مجروران على البدل من «حبّ قاتلتى» و «الشّيب»، كما تقول: مررت بأخيك وغلامك زيد وخالد، فالتقدير: تغذيتى بحبّ قاتلتى والشّيب (3)، بهواى طفلا، وبشيبي بالغ الحلم، ويعمل فى الحالين على هذا القول المصدران، كأنك قلت: بأن هويت طفلا، وبأن شبت بالغ الحلم، وهذا قول عليّ بن عيسى الرّبعىّ، والأول قول ابن (4) جنّى، وكلا القولين سديد.
وإضافة «بالغ» إلى «الحلم» كإضافته فى قول الله جلّ ثناؤه: {هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ} (5).
* * * __________
(1) فرغت منه فى المجلس الحادى عشر.
(2) راجع (المسألة الثامنة) من المجلس السابع والثلاثين.
(3) فى ط، د: «وبالشيب».
(4) بمعناه فى الفتح الوهبى ص 147، وشرح الواحدى ص 53.
(5) سورة المائدة 95، ويريد ابن الشجرى بالتنظير هنا: أن الإضافة فى هذا الموضع إضافة لفظية أو غير محضة لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا، وأن المعنى: بالغا الحلم، وبالغا الكعبة، وحذف التنوين تخفيفا. قال أبو إسحاق الزجاج: «لفظه لفظ معرفة، ومعناه النكرة، المعنى بالغا الكعبة إلّا أن التنوين حذف استخفافا». معانى القرآن 2/ 208.(3/17)
فهذا العصر السلجوقى الذى عاش فيه ابن الشجرى لم يتميز على غيره من العصور، من حيث وفرة العلماء وكثرة التصنيف، إلا ما كان من التوسّع فى إنشاء المدارس، فلم يعد المسجد هو المكان الوحيد الذى يتحلّق فيه التلاميذ وطلاب المعرفة، بل ظهر إلى جواره المدارس التى تنافس سلاطين السلاجقة ووزراؤها فى بنائها، ويبرز من بين رجالات هذا العصر وزير كبير، هو نظام الملك الحسن بن على بن إسحاق الطوسى، المولود فى سنة ثمان وأربعمائة، والمقتول بيد الباطنية سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وهذا الرجل كان من جلّة الوزراء. «وكانت مجالسه معمورة بالعلماء، مأهولة بالأئمة والزهاد، لم يتفق لغيره ما اتفق له من ازدحام العلماء عليه، وتردادهم إلى بابه، وثنائهم على عدله، وتصنيفهم الكتب باسمه (1)».
وقد بنى نظام الملك أشهر مدرسة فى تاريخ المدارس الإسلامية، وهى المدرسة النظامية ببغداد، سنة 457، ثم بنى مدارس أخرى فى عواصم كثيرة، فيقال: إن له فى كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة. وقد أقام نظام الملك هذه المدارس على أسس مذهب السنة، ليحارب المذاهب الأخرى كالشيعة والباطنية، ثم وقف عليها ضياعا وحمامات ودكاكين للإنفاق عليها، ويقال: إن نظام الملك هو أول من قدّر المعاليم للطلبة (2).
ثم تنافس وزراء السلاجقة بعد ذلك فى تأسيس المدارس وجلب العلماء إليها.
وقد شهد هذا العصر كوكبة من أفذاذ الفقهاء والعلماء فى مختلف فروع الفكر الإسلامى، أذكر منهم إمام الحرمين الجوينى وأبا إسحاق الشيرازى والقشيرى وأبا حامد الغزالى وأبا الوفاء بن عقيل والدامغانى والزوزنى وعبد القاهر الجرجانى والخطيب البغدادى وأبا سعد السمعانى والميدانى والتبريزى والزمخشرى والجواليقى وابن الخشاب وأبا البركات الأنبارى.
وقد كان لابن الشجرى خصوصية ببعض هؤلاء الأعلام: فقد تلمذ للتبريزى، وأخذ عنه اللغة والأدب، ثم كان شيخا لابن الخشاب وأبى البركات
__________
(1) طبقات الشافعية 4/ 313.
(2) المصدر السابق.(1/18)
وتقول: «لقيت زيدا مصعدا منحدرا (1)، فتجعل «مصعدا» حالا من زيد، لأنه ملاصق له، و «منحدرا» حالا من ضميرك ليكون في الكلام فصل واحد، وهو فصلك بزيد وحاله بين التاء وحالها، ولو جعلت «مصعدا» حالا من التاء، و «منحدرا» حالا من زيد، كان فى الكلام فصلان: فصلك بزيد بين التاء وحالها، وهو «مصعدا» وفصلك بمصعدا بين زيد وحاله، التى هى «منحدرا».
* * * وتقول: أحسن ما يكون زيد قائما «ما» هذه هى المصدريّة، فقولك:
«ما يكون» بمعنى الكون، و «كان» هى التامّة، ولمّا أضفت «أحسن» إلى المصدر صار مصدرا، وقد ذكرت فيما تقدّم (2) أن «أفعل» هذا لا يضاف إلّا إلى ما هو بعض له، وخبر هذا المبتدأ محذوف، و «قائما» نصب على الحال، وسدّت الحال مسدّ الخبر، وجاز ذلك لأنها بعض الخبر وأنت قد تحذف الخبر بأسره، فحذف بعضه أسهل، والتقدير: أحسن ما يكون زيد إذا كان قائما، والعامل فى الظرف اسم فاعل محذوف، تقديره ثابت إذا كان قائما، وقد ذكرت أنّ «كان» المقدّرة هى التامّة، فالمعنى: إذا وجد قائما، ولو كانت الناقصة، لسمع فى هذا المنصوب التعريف، فهذا يبطل قول من قال (3) إنّ خبر «كان» والمفعول الثانى من باب «ظننت» ينتصب على الحال، ألا ترى أنك / تقول: ظننته إيّاك، وتقول:
رأيت رجلا يعدو، فتقول: كنته.
* * * __________
(1) انظر هذه المسألة فى المقتضب 4/ 169، وما فى حواشيه، والأصول 1/ 218، وارتشاف الضرب 2/ 359.
(2) راجع المجلسين الحادى عشر، والسابع والثلاثين.
(3) هم الكوفيون. الإنصاف ص 821، والتبيين ص 295، وائتلاف النصرة ص 121.(3/18)
الأنبارى، وحكى ابن خلكان فى ترجمة ابن الشجرى، قال: «وذكره الحافظ أبو سعد السمعانى فى كتاب الذيل (1)، وقال: اجتمعنا فى دار الوزير أبى القاسم على بن طراد الزينبى وقت قراءتى عليه الحديث، وعلقت عنه شيئا من الشعر فى المدرسة، ثم مضيت إليه وقرأت عليه جزءا من أمالى أبى العباس ثعلب النحوى».
أما الإمام الزمخشرى، فقد ذكر أبو البركات الأنبارى فى ترجمته (2)، قال:
«وقدم إلى بغداد للحج، فجاءه شيخنا الشريف ابن الشجرى، مهنئا له بقدومه، فلما جالسه أنشده الشريف، فقال:
كانت مساءلة الركبان تخبرنى ... عن أحمد بن دواد أطيب الخبر (3)
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذنى بأحسن ممّا قد رأى بصرى
وأنشده أيضا:
وأستكثر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغّر الخبر الخبر (4)
وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشرى حتى فرغ الشريف من كلامه، فلما فرغ، شكر الشريف وعظّمه وتصاغر له، وقال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحين بصر بالنبى صلّى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادة، فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلم:
«يازيد الخيل، كل رجل وصف لى وجدته دون الصفة، إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت»، وكذلك أنت يا أيها الشريف (5)، ودعا له وأثنى عليه. قال:
فتعجب الحاضرون من كلامهما، لأن الخبر كان أليق بالشريف، والشعر أليق بالزمخشرى».
__________
(1) يريد الذيل على تاريخ بغداد للخطيب البغدادى.
(2) نزهة الألباء، الموضع المذكور من قبل.
(3) البيتان ينسبان لابن هانئ الأندلس، يقولهما فى جعفر بن فلاح. راجع وفيات الأعيان 1/ 362، 5/ 97، وأنشدهما من غير نسبة ابن الشجرى فى حماسته ص 406، والرواية عنده وعند ابن خلكان: «عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر».
ورواه شارح شواهد الكشاف 4/ 341: «عن أحمد بن سعيد». وذكر القصة.
(4) للمتنبى فى ديوانه 2/ 155.
(5) فى نزهة الألباء: «وكذلك الشريف» وأثبت ما فى شرح شواهد الكشاف. وفى رواية ياقوت فى معجم الأدباء 19/ 129: «وكذلك سيدنا الشريف».(1/19)
وتقول: أرخص ما يكون البرّ مدّان بدرهم، الرفع في هذا أجود، والنصب جائز، مدّان مبتدأ، وبدرهم خبره، والعائد محذوف، تقديره: منه، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع نصب على الحال، والنصب على تقدير: إذا كان، أى إذا وجد مسعّرا، مدّين بدرهم، حذفت الحال وبقى معمولها. وتقول: «سادوك كابرا عن كابر (1)» والمعنى كبيرا بعد كبير، فعن فى هذا الموضع بمعنى «بعد»، التى ظهرت فى. قول القائل:
بقيّة قدر من قدور توورثت ... لآل الجلاح كابرا بعد كابر (2)
وتقول: بيّنت له حسابه بابا بابا، أى مفصّلا، لا بدّ من تكرير «بابا» لئلّا يظنّ أن حسابه كلّه باب واحد، وتقول: بعته ناجزا بناجز، ويدا بيد، والمعنى:
بعته نقدا لا بنسيئة (3)، وكلّمته فاه إلى فىّ، أى جاعلا فاه إلى فىّ، فحذفوا الحال، وبقى معمولها، كما جاء فى التنزيل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضََاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيََاتٍ إِلى ََ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} (4) أى مرسلا إلى فرعون، والمعنى:
كلّمته مشافها، ويجوز: كلّمته فوه إلى فيّ، أى كلّمته وهذه حاله (5)، ولا يجوز على هذا: بعته يد بيد، لأنك لا تريد: بعته ويده بيدى، وإنما تريد: أعطيته وأخذت منه، وأنت تريد في المسألة الأولى المشافهة والقرب، فإذا قلت: وفوه إلى فيّ، فإنما تريد: كلّمته وأنا قريب منه.
وتقول: أخذته بدرهم فصاعدا، المعنى: فذهب الثّمن صاعدا إلى أثمان شتّى، فالعامل في هذه الحال هذا الفعل المقدّر، ومعنى هذا أنك ابتعته أوّلا بدرهم
__________
(1) تقدم فى المجلس السابق.
(2) فرغت منه فى المجلس السابق أيضا.
(3) النسيئة: هى البيع إلى أجل معلوم، من النّسء، وهو التأخير
(4) سورة النمل 12.
(5) راجع الكتاب 1/ 391، والمقتضب 3/ 236، وما تقدم فى المجلس الثالث والعشرين.(3/19)
ثم زاد الثمن فأخذته بأكثر من ذلك، ولا بدّ من الفاء لهذا المعنى، ولو جئت مكانها بثمّ لجاز، ولو جئت بالواو لم يجز لأنك كنت توجب أنك أخذته بدرهم وزيادة من أول شىء (1).
وقالوا: جاء القوم الجمّاء الغفير، بمعنى: جاؤا بأجمعهم، فنصبوهما على الحال، بتقدير زيادة الألف واللام، / وقالوا أيضا: جاؤا جمّاء الغفير، وجمّ الغفير، وجمّا غفيرا، وهذا مؤذن بزيادة الألف واللام فيهما.
والجمّاء من الجمّ، وهو الكثير فى قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمََالَ حُبًّا جَمًّا} (2).
والغفير: من قولهم: غفرت الشىء: إذا غطّيته، ومنه الغفر والغفران لأنه تغطية الذّنوب، ومنه قيل للكمّة من الزّرد التى يغطّى بها الرّأس فى الحرب: مغفر، فأرادوا أنهم جاؤا يغطّون الأرض لكثرتهم.
وتأنيث الجمّاء لتأنيث الجماعة، وتذكير الغفير لتذكير الجمع.
وممّا جاء بلفظ التعريف وظاهره أنه حال، وإنما انتصابه انتصاب المصادر قولهم: طلبته جهدك، ورجع عوده على بدئه، أى رجع من حيث جاء، وأرسلها العراك، والتقدير: طلبته تجهد جهدك، ورجع يعود عوده، وأرسلها تعارك العراك (3)، فالحال فى الحقيقة الفعل الناصب للمصدر، قال لبيد، يصف حمارا وحشيّا وآتنا:
__________
(1) بيان ذلك فى الكتاب 1/ 290، والمقتضب 3/ 255، وحواشيه.
(2) سورة الفجر 20، و {يُحِبُّونَ} بالياء التحتية فى الأصل، وط. وهى قراءة أبى عمرو. السبعة ص 685، والكشف 2/ 372.
(3) حكاه الشيخ خالد، عن ابن الشجرى باختلاف يسير. التصريح على التوضيح 1/ 374.(3/20)
شيوخه
تلمذ ابن الشجرى لمشيخة جليلة من علماء عصره، وأنا ذاكرهم بترتيب وفياتهم:
1 - الشريف أبو المعمّر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوى. كان عالما بالشعر والأدب، وإليه انتهت معرفة نسب الطالبيين فى وقته. توفى سنة 478هـ (1).
2 - أبو الحسن على بن فضّال المجاشعى القيروانى. صاحب المصنفات فى العربية والتفسير. توفى سنة 479هـ (2).
3 - أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفى. من كبار الحفاظ، يقال: كان عنده ألف جزء بخط الدارقطنى. توفى سنة 500هـ، وقد روى ابن الشجرى عنه كتاب «المغازى» لسعيد بن يحيى الأموى، كما ذكر الذهبى فى سير أعلام النبلاء (3).
4 - أبو زكريا يحيى بن على الخطيب التّبريزى. من أئمة النحو واللغة والأدب والعروض توفى سنة 502هـ، وسأخصه بكلمة فى حديثى عن مصادر ابن الشجرى. وقد ذكر صاحب كتاب (4) «نضرة الإغريض» شيئا من مرويات ابن الشجرى عن شيخه التبريزى، قال: «وروى لى الغزنوى عن هبة الله المعروف بابن الشجرى، قال: حدثنى أبو زكريا التبريزى، قال: كنت أسأل المعرى عن شعر أقرؤه عليه، فيقول لى: هذا نظم جيد، فإذا مرّ به بيت جيد، قال: يا أبا زكريا هذا هو الشعر».
5 - أبو على محمد بن سعيد بن نبهان الكرخى الكاتب، مسند العراق، وهو صاحب شعر وأدب، وكان فيه تشيع. توفى سنة 511هـ (5).
__________
(1) نزهة الألباء ص 370.
(2) العبر 3/ 295.
(3) الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(4) نصرة الإغريض ص 11.
(5) العبر 4/ 25.(1/20)
6 - أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد العلوى الزيدى الكوفى. من أئمة النحو واللغة والفقه والحديث. توفى سنة 539هـ. قال القفطى فى ترجمته (1):
«وسافر إلى الشام وأقام بدمشق مدة، ثم بحلب مدة، وقرأ بها «الإيضاح» لأبى على الفارسى، فى سنة خمس وخمسين وأربعمائة، على رجل يقال له: أبو القاسم زيد ابن على الفارسى، عن خاله أبى على الفارسى، وروى هذا الشريف الكتاب أعنى الإيضاح بهذا الطريق بالكوفة، المدة الطويلة، وأخذه عنه بهذا السبيل الجمّ الغفير من علماء الرواة والنحاة».
7 - أبو الفرج سعيد بن على السّلالى الكوفى. ذكر تلمذة ابن الشجرى له: ياقوت والصفدى والسيوطى، ولم أقف له على ترجمة، وقد ذكره ابن الشجرى فى المجلس السادس والستين من الأمالى، ونقل من خطه فائدة عن أبى العلاء المعرى.
هؤلاء هم شيوخ ابن الشجرى الذين ذكرهم مترجموه، ولم يصرح ابن الشجرى فى «أماليه» بأىّ منهم، إلا بأبى الفرج السّلالى وأبى المعمر بن طباطبا، والتبريزى، أما ابن طباطبا، فقد كان يفتخر به، وقد ذكره مرة واحدة فى الأمالى، فى إنشاد شعر لحاجب بن زرارة (2)، وأما التبريزى فقد صرح بالنقل عنه فى غير.
موضع من الأمالى، ثم تعقبه فى بعض شروحه على شعر المتنبى، ويأتى هذا إن شاء الله فى الحديث عن مصادر ابن الشجرى.
وقد أنشد ابن الشجرى عن الطغرائى شيئا من شعره (3). والطغرائى هو إسماعيل بن على، وهو صاحب «لامية العجم» الشهيرة. توفى سنة 513هـ.
هذا وقد ذكر محققا كتاب «الجمان فى تشبيهات القرآن» لابن ناقيا البغدادى، ذكرا أن ابن الشجرى (4) قد تلمذ لابن ناقيا، وأنه أثنى على مصنفاته،
__________
(1) إنباه الرواة 2/ 324، وانظر تلمذة ابن الشجرى له فى البغية 2/ 215.
(2) الأمالى المجلس السابع عشر. وانظر معجم الأدباء 20/ 33.
(3) وفيات الأعيان الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(4) مقدمة تحقيق «الجمان» للدكتورين عدنان زرزور، ومحمد رضوان الداية. الكويت 1968م.(1/21)
فأوردها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدّخال (1)
أراد: أوردها يعارك بعضها بعضا عند ورودها لتزاحمها على الماء.
وقوله:
ولم يشفق على نغص الدّخال
أصل الدّخال: أن يدخل بعير قد شرب بين بعيرين لم يشربا، يفعل به ذلك لضعفه، كأنّ ضعفه منعه من الرّىّ فى الشّرب الأوّل، فينغّص عليهما شربهما بإدخاله بينهما.
وروى: على نغض الدّخال، والنّغض: كثرة الحركة، ومن هذا المعنى قول المتنبّى (2).
فلا غيضت بحارك يا جموما ... على علل الغرائب والدّخال
غيضت: نقصت، يقال: غاض الماء وغضته. والجموم: من الجمّ، وقد تقدّم ذكره.
والعلل: الشّرب الثانى
والغرائب: الإبل الغريبة ترد على الحوض، وليست من إبل أهله، ضرب له هذا مثلا، فأراد: أنت كثير العطاء ومعاود له لمن هو مقيم عندك، ولمن يرد عليك غريبا قد ناله قبل ذلك برّك، فكان له كالشّرب / الأول، وهو النّهل، والبرّ الثانى كالعلل.
* * * __________
(1) ديوانه ص 86، وتخريجه فى ص 374، والمقتضب 3/ 237، 238، والمسائل المنثورة ص 15.
(2) ديوانه 3/ 20.(3/21)
وأنه سمع منه كتابه «الجمان» ثم نقلا عن ابن الشجرى قوله فى وصف ابن ناقيا:
«شاعر مطبوع»، ثم قوله فى وصف الكتاب: «سمعته منه ولم يسبق إلى مثله».
ولست أعرف من أين جاء المحققان بهذا الكلام، فقد تتبعت ترجمة ابن الشجرى ثم ترجمة ابن ناقيا، فلم أجد أحدا ذكر علاقة بين الرجلين، ثم رأيت الدكتور مصطفى الصاوى الجوينى قد نبّه على هذا الوهم، وذكر أن قائل هذا الكلام فى وصف ابن ناقيا، وفى وصف كتابه هو أبو نصر هبة الله بن على بن المجلى (1).
__________
(1) راجع مقدمة الدكتور الجوينى لتحقيق كتاب «الجمان». الطبعة المصرية. منشأة المعارف بالأسكندرية 1974م.(1/22)
ومن الحال قولهم: هو زيد معروفا، وفى التنزيل: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} (1)
فهذه حال مؤكّدة (2) لأن الحقّ لا يكون إلّا مصدّقا، ومثله: {وَهََذََا صِرََاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} (3) لأنّ الاستقامة لزم (4) صراط الله ولأنّ قولك: هو زيد، قد دلّ على أنه معروف عندك، فجئت بقولك «معروفا» مؤكّدا به، قال (5):
أنا ابن دارة معروفا بها (6) نسبى ... فهل بدارة يا للنّاس من عار
ولو قلت: هو زيد قائما، لم يجز لأنه ليس فى «قائم» ما يدلّ على الأوّل. والعامل فى «معروفا ومصدّقا» وما أشبهه معنى الجملة، ولهذا لا يجيز النحويّون: معروفا هو زيد.
* * * ومن الحال وقد تقدّم (7) هذا الضّرب قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا.
فإن قلت: هذا رطب أطيب منه بسر، فقولك: «أطيب منه بسر» جملة فى موضع الصفة لرطب، ولو قلت: هذا رطب أطيب منه عنب، لم يجز فيه إلّا الرفع، لأنّ
__________
(1) سورة البقرة / 91.
(2) بيانها فى المقتضب 4/ 310وحواشيه.
(3) سورة الأنعام 126.
(4) هكذا ضبط فى ط، د، بفتح اللام والزاى. واللّزم: فصل الشىء، من قوله تعالى: {لَكََانَ لِزََاماً} أى فيصلا. وقيل: هو من اللّزوم. راجع اللّسان.
(5) هو سالم بن مسافع بن يربوع، من بنى عبد الله بن غطفان. وعرف بسالم بن دارة، فقيل: دارة أمّه، سمّيت بذلك لجمالها، تشبيها بدارة القمر، وقيل: دارة لقب غلب على جدّه. وابن دارة هذا ممن أدرك الجاهلية والإسلام، وقتل فى خلافة عثمان رضى الله عنه. من نسب إلى أمّه من الشعراء، وأسماء المغتالين (نوادر المخطوطات) 1/ 92، 2/ 156، والشعر والشعراء ص 401، والإصابة 3/ 247.
والبيت الشاهد فى الكتاب 2/ 79، والبغداديات ص 546، والبصريات ص 663، 904، والخصائص 2/ 268، 3/ 60، والبسيط ص 521. والخزانة 3/ 265، وانظر فهارسها، وحواشى البسيط.
(6) فى النّسخ الثلاث: «لها» باللام، وليس محفوظا.
(7) فى هذا المجلس.(3/22)
تلاميذه
جلس ابن الشجرى للناس جلوسا عامّا، حين أملى «الأمالى»، وقد أقرأ أيضا كتابه «الانتصار» الذى ردّ به على انتقادات ابن الخشاب، ثم كانت له حلقة بجامع المنصور، يوم الجمعة، يقرئ الناس فيها الأدب والنحو، فكثر تلاميذه والآخذون عنه، على أن كتب التراجم قد أفردت بعض هؤلاء التلاميذ بالذكر، فى ترجمة ابن الشجرى، ثم فى تراجم هؤلاء التلاميذ أنفسهم، وأنا ذاكرهم كما صنعت فى ذكر شيوخه بحسب وفياتهم:
1 - أبو منصور محمد بن إبراهيم بن زبرج العتّابى. له معرفة بالنحو واللغة وفنون الأدب. توفى سنة 556هـ (1).
2 - أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعانى. الحافظ الكبير، صاحب كتاب «الأنساب» وغيره، توفى سنة 562هـ، وقد قرأ على ابن الشجرى جزءا من «أمالى ثعلب» كما سبق.
3 - أبو الغنائم حبشىّ بن محمد بن شعيب الواسطى الضرير، النحوى المقرئ، توفى سنة 565هـ (2) وقد ذكره ابن الشجرى فى المجلس الحادى والثلاثين من «الأمالى» مجيبا له عن بعض مسائل من الإعراب، وقد رأيت سماعا لحبشى هذا على ابن الشجرى، بآخر نسخة الرباط من «الأمالى» وتاريخ هذا السماع سنة 539هـ.
4 - أبو محمد عبد الله بن أحمد، المعروف بابن الخشاب النحوى البغدادى، من كبار النحاة المعاصرين لابن الشجرى، وهو صاحب كتاب «المرتجل فى شرح الجمل» لعبد القاهر الجرجانى. أخذ عن ابن الشجرى، ثم أورد عليه بعض الانتقادات، يأتى ذكرها فى حديثى عن «الأمالى». توفى سنة 567هـ.
__________
(1) معجم الأدباء 18/ 251، وفيات الأعيان 4/ 22، بغية الوعاة 1/ 173.
(2) معجم الأدباء 7/ 214، إنباه الرواة 1/ 337، نكت الهميان ص 133.(1/23)
الرّطب لا يتحوّل فيصير عنبا. وتقول: ما شأنك قائما، فما مبتدأ، وشأنك خبره، وقائما حال، العامل فيها معنى الكلام لأنّ معنى ما شأنك؟ ما تلابس؟
فإن قلت: فهلّا جعلت العامل فى الحال ما دلّ عليه الاستفهام (1) من معنى الفعل، فأجزت: هل زيد جالسا فى الدار؟.
قيل: هذا لا يجوز لأن هذه الحروف إنما جاؤا بها نائبة عن الأفعال، فلو أعملوها فى الأحوال كان إعمالها بمنزلة إظهار الفعل، وهم إنما جاؤا بها اختصارا، فأمّا ليت وكأنّ ولعلّ، فاستجازوا إعمالهنّ فى الأحوال لأنهنّ أشبهن الأفعال من جهة اللفظ والمعنى، فقوين بهذه المشابهة، فمشابهتهنّ للفعل من جهة اللفظ بناؤهنّ على الفتح كبناء الأفعال الماضية عليه، وأنّ عدّة حروفهنّ كعدّة حروف الفعل / الماضى، ثلاثة فما زاد، ومشابهتهنّ من جهة المعنى أنّ ليت بمعنى أتمنّى، ولعلّ بمعنى أترجّى، وكأنّ بمعنى أشبّه، ولا يجوز فى إنّ ولكنّ ما جاز فيهنّ لأنهما لم يغيّرا معنى الكلام، بل أكّداه.
وقد أعملوا فى الحال كاف التشبيه، كما أعملوا فيها كأنّ، فقالوا: زيد كعمرو خاطبا، وبكر كبشر محاربا، وقوّة هذا الحرف بأنّ له حظّا فى الاسميّة بإسنادهم الفعل إليه، وإدخالهم الجارّ عليه، فإسناد الفعل إليه فى قول الأعشى:
أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط ... كالطّعن يهلك فيه الزّيت والفتل (2)
وإدخال الجارّ عليه فى قول امرىء القيس:
__________
(1) الاستفهام لا يعمل فى الحال. راجع المقتضب 3/ 273وحواشيه.
(2) فرغت منه فى المجلس السابع والستّين.(3/23)
فرحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ... تصوّب فيه العين طورا وترتقى (1)
ونصبوا به التمييز، فى نحو: زيد كزهير شعرا، وبشر كحاتم جودا، ونصبوه به محذوفا، كقولك: أخوك حاتم جودا، وأبوك النابغة شعرا.
* * * __________
(1) وهذا أيضا فرغت منه فى المجلس المذكور.(3/24)
5 - أبو الحسن على بن أحمد بن بكرى ويقال: على بن عمر بن أحمد ابن عبد الباقى بن بكرى. خازن كتب المدرسة النظامية. توفى سنة 575هـ (1).
6 - أبو الحسن على بن عبد الرحيم بن الحسن السلمى الرّقّى البغدادى المعروف بابن العصار. من علماء النحو واللغة. توفى سنة 576هـ (2).
7 - أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنبارى. صاحب «الإنصاف فى مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين». ومن كبار علماء العربية فى القرن السادس، ومن أنبه تلاميذ ابن الشجرى، توفى سنة 577هـ، وقد أفردته بكلمة فى حديثى عن أثر ابن الشجرى فى الدراسات النحوية.
8 - أبو الفرج محمد بن أحمد بن حمزة بن جيا. الشاعر الأديب. توفى سنة 579هـ (3).
9 - أبو العباس الخضر بن ثروان بن أحمد الثعلبى الضرير. توفى سنة 580هـ (4).
10 - أبو محمد الحسن بن على بن بركة النحوى المقرئ الفرضى، المعروف بابن عبيدة بفتح العين توفى سنة 582هـ (5).
11 - أبو الفرج محمد بن الحسين بن على الجفنى النحوى اللغوى، المعروف بابن الدباغ. توفى سنة 584هـ (6).
__________
(1) بغية الوعاة 2/ 142.
(2) معجم الأدباء 14/ 10، إنباه الرواة 1/ 337، وفيات الأعيان 3/ 25.
(3) معجم الأدباء 17/ 270، المحمدون من الشعراء ص 47، بغية الوعاة 1/ 23.
(4) معجم الأدباء 11/ 59، إنباه الرواة 1/ 356، نكت الهميان ص 149، طبقات الشافعية 7/ 82.
(5) معجم الأدباء 9/ 40، إنباه الرواة 1/ 316، طبقات القراء 1/ 224.
(6) إنباه الرواة 3/ 113، المحمدون من الشعراء ص 342، الوافى بالوفيات 3/ 5.(1/24)
المجلس الثانى والسبعون ذكر مواضع تاء التأنيث التى تنقلب فى الوقف هاء
فمن ذلك دخولها للفرق بين المذكّر والمؤنّث، فى الصّفات وغيرها، فالصّفات كفاضل وفاضلة، ومحبوب ومحبوبة، وظريف وظريفة، ومكّىّ ومكّيّة، وأشر وأشرة، وقتّال وقتّالة، ومطراب ومطرابة.
وغير الصفات كمرء ومرأة، وامرىء وامرأة، ألحقوهما ألف الوصل، كما فعلوا ذلك فى ابن وابنة، وأصلهما بنو وبنوة، وقيل: بل بنى وبنية لأنّ الابن مبنيّ على أبيه، فحذفوا لاميهما وأسكنوا فاءيهما واجتلبوا (1) لهما همزة الوصل عوضا ممّا حذف منهما، كما فعلوا ذلك فى اثنين واثنتين واسم واست.
فإن قيل: فامرؤ وامرأة لم يدخلهما حذف، فما الذى أوجب اجتلاب / همزة الوصل لهما؟
قيل: إنّ الهمزة حرف عليل، يحذف لاستثقاله تارة، ويبدل تارة، ويليّن تارة، فهو موجود كمعدوم، والألف واللام لا يدخلان على امرىء وامرأة، استثقالا لكسرة لام التعريف فيهما لو قالوا: الإمرؤ والإمرأة، ولم يستثقلوا المرء والمرأة، وفى التنزيل: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} (2) وقد ألحقوا الرّجل الهاء، فقالوا: رجلة، قال:
__________
(1) فى الأصل: فاجتلبوا.
(2) سورة الأنفال 24.(3/25)
12 - أبو الحسن على بن المبارك بن على القمّى، المعروف بابن الزاهدة النحوى. توفى سنة 594هـ (1).
13 - أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادى. من كبار الحفاظ، توفى سنة 607هـ، وقد روى «الأمالى» عن ابن الشجرى، وأقرأها بدمشق، وترجمت له فى صدر المجلس الأول من «الأمالى».
14 - أبو اليمن تاج الدين زيد بن الحسن الكندى، الإمام النحوى اللغوى المقرئ المحدث الحافظ. توفى سنة 613هـ. قال ابن الجزرى (2) فى ترجمته:
«وتلقن القرآن على سبط الخياط وله نحو من سبع سنين، وهذا عجيب، وأعجب من ذلك أنه قرأ القراءات العشر وهو ابن عشر، وهذا لا يعرف لأحد قبله، وأعجب من ذلك طول عمره وانفراده فى الدنيا بعلو الإسناد فى القراءات والحديث، فعاش بعد أن أقرأ القراءات ثلاثا وثمانين سنة، وهذا ما نعلمه وقع فى الإسلام».
وقد قرأ الكندى على ابن الشجرى «الإيضاح» لأبى على الفارسى، و «اللمع» لابن جنى، وقد وجدت له تعليقات على مخطوطة «الأمالى» نقلتها فى حواشى التحقيق.
هذا وقد ذكر الذهبى فى «سير أعلام النبلاء» تلاميذ آخرين لابن الشجرى، لم أر فائدة من التطويل بذكرهم، ولأنهم لم يشتهروا شهرة من ذكرتهم.
__________
(1) معجم الأدباء 14/ 108، إنباه الرواة 2/ 318.
(2) طبقات القراء 1/ 297، وانظر إنباه الرواة 2/ 10.(1/25)
خرّقوا جيب فتاتهم ... لم يبالوا حرمة الرّجله (1)
وكذلك قالوا: شيخ وشيخة، وغلام وغلامة، قال (2):
ومر كضة صريحيّ أبوها ... تهان لها الغلامة والغلام
وقال الآخر (3):
كأنّها شيخة رقوب
الرّقوب من النّساء: التى لا يعيش لها ولد، ومثلها المقلات، وقالوا فى ذوات الحافر: برذون وبرذونة، وبغل وبغلة، وحمار وحمارة، ومن السّباع: ذئب وذئبة، وكلب وكلبة، وأسد وأسدة، ومن الطير: قمريّ وقمريّة، ومن ذوات.
__________
(1) قبله:
كلّ جار ظلّ مغتبطا ... غير جيرانى بنى جبله
ولم يذكروا لهما قائلا. الكامل ص 366، والمذكر والمؤنث للمبرد ص 84، ولابن الأنبارى ص 91، والأصول 2/ 407، والتكملة ص 120، وإعراب ثلاثين سورة ص 44، والتلخيص فى معرفة أسماء الأشياء 1/ 185، وشروح سقط الزند ص 1221، وإيضاح شواهد الإيضاح ص 614، وشرح المفصل 5/ 98، وغير ذلك مما تراه فى حواشى المحققين.
(2) أوس بن غلفاء الهجيمىّ، يصف فرسا. وقوله: «ومركضة» ضبط فى النّسخ الثلاث بالجرّ على توهّم أن الواو واو «ربّ» والصواب أنها واو العطف، على مرفوع فى البيت السابق، وهو قوله:
أعان على مراس الحرب زغف ... مضاعفة لها حلق تؤام
والزغف: الدرع اللينة.
ذكره ابن برى فى التنبيه 1/ 252 (صرح). وانظر أيضا الموضع السابق من التكملة وإيضاح شواهد الإيضاح، والتلخيص، والمذكر والمؤنث لابن الأنبارى ص 92، وشرح المفضليات ص 598، والحيوان 1/ 329، وشرح القصائد التسع ص 513، وحواشى المحققين.
(3) عبيد بن الأبرص. ديوانه ص 18، وشرح القصائد العشر ص 480، والتكملة ص 120، وإيضاح شواهد الإيضاح ص 608، وفى حواشيه فضل تخريج. وصدر البيت:
باتت على إرم رابئة
يصف عقابا فى موضع مرتفع كالمنار، وهو الإرم، شبّهها بشيخة رقوب، وهى التى لا ولد لها، وقيل: هى التى ترقب بعلها يموت فترثه. والرابئة: المراقبة.(3/26)
علمه وخلقه
استفاضت كتب التراجم بالثناء على ابن الشجرى، ووصفه بالجلالة وغزارة العلم، فيصفه تلميذه أبو البركات الأنبارى بأنه «كان فريد عصره ووحيد دهره فى علم النحو، وكان تامّ المعرفة باللغة، وكان فصيحا حلو الكلام حسن البيان والإفهام». ثم قال فى آخر الترجمة: «وكان الشريف ابن الشجرى أنحى من رأينا من علماء العربية، وآخر من شاهدنا من حذاقهم وأكابرهم».
وقال ياقوت عنه: «كان أوحد زمانه وفرد أوانه فى علم العربية، ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها، متضلعا من الأدب، كامل الفضل وأقرأ النحو سبعين سنة».
ويقول ابن النجار فيما حكى عنه الذهبى فى سير أعلام النبلاء: «ابن الشجرى شيخ وقته فى معرفة النحو، درس الأدب طول عمره، وكثر تلامذته وطال عمره».
وقال الذهبى فى «تاريخ الإسلام»: «أحد الأئمة الأعلام فى علم اللسان وطال عمره، وانتهى إليه علم النحو، ومتّع بحواسّه وجوارحه».
وبمثل هذه الأقوال قال كل من ترجم لابن الشجرى، ثم امتدحوا «أماليه» بما أنا ذاكره فى موضعه إن شاء الله. وقد تجلى علم ابن الشجرى فى هذه المعارف التى ملأ بها كتابه «الأمالى»، والتى تدل على تبحره وعلوّ مقامه، ويأتى الكلام على ذلك كلّه مبسوطا فى الباب الثانى من هذه الدراسة.
وكما أثنى المترجمون على علمه أثنوا على خلقه، فيقول أبو البركات الأنبارى:
«وكان وقورا فى مجلسه، ذا سمت حسن، لا يكاد يتكلم فى مجلسه بكلمة إلا وتتضمن أدب نفس أو أدب درس، ولقد اختصم إليه يوما رجلان من العلويين، فجعل أحدهما يشكو ويقول عن الآخر: إنه قال فىّ كذا وكذا، فقال له الشريف:
«يا بنى احتمل، فإن الاحتمال قبر المعايب».
قال الأنبارى: «وهذه كلمة حسنة نافعة، فإن كثيرا من الناس تكون لهم
عيوب، فيغضون عن عيوب الناس، ويسكتون عنها، فتذهب عيوب لهم كانت فيهم، وكثير من الناس يتعرضون لعيوب الناس، فتصير لهم عيوب لم تكن فيهم».(1/26)
الخفّ: بختىّ وبختيّة، ألحقوا فى هذه الأسماء وفيما قدّمته من الصّفات وفى نظائرهما التاء علما للتأنيث، وكان المؤنّث أحقّ بأن تلحقه العلامة لأن المذكّر هو الأصل، والقياس أن الأصل لا يحتاج إلى علامة.
والضّرب الثانى: عكس هذا الضّرب، وذلك إلحاقهم تاء التأنيث اسم العدد من الثلاثة إلى العشرة، علامة للتذكير، وحذفهم إياها علامة للتأنيث، كقولهم:
ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، وأربعة أحمرة، وأربع آتن، وخمسة أبغل، وخمس بغلات، وستّة أثواب، وستّ ملاحف، وعشرة أرطال، وعشر أواق، كما جاء فى التنزيل، فى العدد المضاف إلى جمع الذكور: {لَوْلََا جََاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} (1)، وجاء / بعكسه: {فَشَهََادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهََادََاتٍ بِاللََّهِ} (2) وقال: {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} (3)، وقال فى عدد اللّيالى:
{وَوََاعَدْنََا مُوسى ََ ثَلََاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنََاهََا بِعَشْرٍ} (4) وعلّة ذلك أن أسماء العدد الخالية من علامة التأنيث كذوات العلامة فى التأنيث، فثلاث كأتان وعناق، كما أنّ ثلاثة كزرافة وبغاثة.
وإذا عرفت هذا فالأصل فى التأنيث أن تكون له علامة، فتأنيث أتان وعناق فرع على تأنيث حمامة وقطاة، ولمّا كان إلحاق علامة التأنيث أصلا، والتذكير أصلا
__________
(1) سورة النور 13.
(2) الآية السادسة من سورة النور. وقوله تعالى: {أَرْبَعُ} ضبط فى الأصل، وط بالفتح. وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر، وعاصم فى رواية أبى بكر. ووجه النصب أن «شهادة» بمعنى «أن يشهد»، وقد عمل هذا فى {أَرْبَعُ} فنصبه. وجائز أن يكون منصوبا على المصدر حين أضيف إلى المصدر كما تقول: شهدت مائة شهادة، وضربته مائة سوط. راجع السبعة ص 452، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 433، والكشف 2/ 134.
(3) سورة البقرة 196.
(4) سورة الأعراف 142.(3/27)
قال الأنبارى: «وهذه كلمة حسنة نافعة، فإن كثيرا من الناس تكون لهم
عيوب، فيغضون عن عيوب الناس، ويسكتون عنها، فتذهب عيوب لهم كانت فيهم، وكثير من الناس يتعرضون لعيوب الناس، فتصير لهم عيوب لم تكن فيهم».
ويقول عنه ابن النجار: «وكان حسن الخلق رفيقا».
ولن يغضّ من هذا الوصف الكريم الذى وصف به ابن الشجرى ما تراه فى «الأمالى» من هجومه الحادّ وتجريحه العنيف لمن خالفهم أو خالفوه، صنيعه مع مكى بن أبى طالب، ثم مع تلميذه ابن الخشاب، ومعاصره أبى نزار الحسن بن صافى، المعروف بملك النحاة (1)، وقد استعمل ابن الشجرى فى هجومه هذا ألفاظا كان الأولى به الإمساك عنها، ولكنها غضبة العالم حين يرى حدّا من حدود العلم قد انتهك.
__________
(1) حديث مكى تراه فيما يأتى عن مصادر ابن الشجرى، وابن الخشاب فى الكلام عن انتقادات «الأمالى» وملك النحاة فى المجلس الثامن والخمسين من الأمالى.(1/27)
للتأنيث، أعطوا المذكّر الذى هو الأصل إلحاق علامة التأنيث الذى هو أصل، فأثبتوها علما للتذكير فى هذا الضّرب من العدد.
الزّرافة: الجماعة (1) قال:
طاروا إليه زرافات ووحدانا (2)
والبغاثة (3): واحدة البغاث، وهو ما لا يصيد من الطير، ولا يمتنع أن يصاد، قال:
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصّقر مقلات نزور (4)
قد تقدّم تفسير المقلات، والنّزور: فعول من الشىء النّزر، وهو القليل.
والثالث من ضروب التاء: أن تلحق الواحد للفرق بينه وبين الجمع، نحو تمرة وتمر، وشعرة، وشعر، وحمامة، وحمام، وجرادة وجراد، وسحابة وسحاب، وشجرة وشجر، وبقرة وبقر، ونخلة ونخل، ونبلة ونبل، وهذا الضرب إنما هو فى الحقيقة اسم للجمع يدلّ على الجنس، يجوز تذكيره وتأنيثه، فقد وصفوه بالواحد المذكّر،
__________
(1) فى الأصل «الزرافات: الجماعات»، وأثبتّه على الإفراد من ط، ود. وهو أسلوب المؤلف فى شرح ما سبق، وقد سبق مفردا.
(2) صدره:
قوم إذا الشّر أبدى ناجذيه لهم
وقائله قريط بن أنيف، من بنى العنبر بن تميم. وقد افتتح أبو تمام حماسته بشعره هذا. راجع الحماسة ص 58، وتخريج الشاهد فى حواشيها.
و «وحدانا» بضم الواو: جمع واحد، كصاحب وصحبان، وراكب وركبان.
وجاء فى ط، د: «أحدانا» بهمزة مضمومة، وهى رواية، قلبت الواو همزة لضمّتها، مثل أجوه فى وجوه، وأقتت فى وقتت. شرح الحماسة لأبى زكريا التبريزى 1/ 16.
(3) الباء مثلثة. المثلث لابن السّيد 1/ 351، وإكمال الإعلام ص 10.
(4) من أبيات تنسب للعباس بن مرداس، ولمعوّد الحكماء وهو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب ولكثير عزة. راجع الحماسة ص 580، والسمط ص 190، وديوان كثير ص 530.(3/28)
مذهبه
ابن الشجرى من ذرية جعفر بن الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، فهو حسنى علوى، وقد عدّه مؤرخو (1) الشيعة من مشايخ الإمامية وأكابر علمائهم. وقد تولى ابن الشجرى نقابة الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده (2)
الطاهر، وهو منصب دينى رفيع، يكون لمن يتولاه رعاية شئون أتباعه وتفقد أحوالهم، وتقسيم الأموال عليهم، وإليه معرفة أنسابهم وحفظها.
ومع انتماء ابن الشجرى للعلويّة، وكونه من أكابر علماء الإمامية، لم يؤثر عنه أنه ألّف أو كتب شيئا عن عقيدة القوم وأصول مذهبهم، بل دارت تصانيفه فى فلك النحو واللغة والأدب، ولم يظهر فى شىء من تصانيفه وبخاصة الأمالى وهى أعظم تصانيفه شىء من عقائد الشيعة أو أصول الإمامية، إلا ما كان من حكاية أقوال سيدنا على بن أبى طالب (3) رضى الله عنه، وكلامه كرم الله وجهه فى الذروة من الفصاحة والبلاغة، إذ كان مشتملا على كريم الألفاظ وشريف المعانى، والاستشهاد بكلام الإمام على، ليس وقفا على الشيعة، فأنت تراه فى كتبهم وكتب مخالفيهم، من علماء اللغة والأدب والبلاغة.
على أن استشهاد ابن الشجرى بكلام الإمام لم يأت مفتعلا متكلّفا، بل جاء فى حاقّ موضعه من الاستشهاد على مسائل النحو واللغة، ثم إن ابن الشجرى قد استشهد أيضا بكلام سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، على خروج النداء إلى الاستغاثة (4)، ثم ترضّى عليه، وعلى سيدنا أبى بكر الصديق، وسيدنا عثمان بن عفان، رضى الله عنهم أجمعين (5).
__________
(1) راجع الدرجات الرفيعة، وأعيان الشيعة، الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(2) جاء فى بعض مصادر ترجمة ابن الشجرى: «نيابة عن ولد الطاهر» وفى بعضها: «نيابة عن الطاهر» وقد صحح العلامة الشيخ محمد بهجة الأثرى أن الصواب: «والده الطاهر» كما فى وفيات الأعيان وغيره.
راجع الموضع المذكور من الخريدة فى صدر الترجمة.
(3) راجع الأمالى المجلس الخامس والثلاثين، والثانى والستين (فى موضعين).
(4) المجلس الخامس والثلاثون من الأمالى.
(5) المجلس السادس والمعشرون.(1/28)
وبالواحد المؤنّث، ووصفوه بالجمع، فمثال وصفه بالواحد المذكّر قوله تعالى:
{وَالسَّحََابِ الْمُسَخَّرِ} (1)، ومثال وصفه بالجمع قوله: {وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ} (2) وقال تعالى فى وصفه بالواحد المؤنّث: {أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} (3)، وبالمذكّر: {أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (4) و {جَرََادٌ مُنْتَشِرٌ} (5)، و {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} (6) / وجاء فى وصفه بالجمع، وبالواحد المذكّر قول النابغة (7):
واحكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثّمد
قوم يغلطون فيكتبون «واردى الثّمد» بالياء، يريدون: واردين.
الثّمد: الماء القليل الذى لا مادّة له.
وإنما وصفوا هذا الضّرب بالمذكّر لأنه اسم جنس، لا جمع تكسير، ووصفوه بالمؤنّث حملا على معنى الجماعة.
__________
(1) سورة البقرة 164.
(2) سورة الرعد 12.
(3) سورة الحاقة 7.
(4) سورة القمر 20.
(5) سورة القمر 7.
(6) سورة يس 80.
(7) ديوانه ص 14، وشرح القصائد التسع ص 753، والكتاب 1/ 168، وطبقات فحول الشعراء ص 548، وشرح شواهد المغنى ص 77، وحكى كلام ابن الشجرى.
والشاعر يخاطب النعمان بن المنذر. قال الأصمعى: «معنى احكم: أى كن حكيما كفتاة الحىّ إذ أصابت ووضعت الشىء فى موضعه. قال: وهى لم تحكم، إنما قالت شيئا كانت فيه حكيمة، قال: فأصب كإصابتها ولا تقبل ممّن سعى على». والفعل على هذا التفسير: حكم، من باب ظرف.
وفتاة الحىّ: هى زرقاء اليمامة، وكانت حديدة النّظر، رأت حماما مرّ بها طائرا فقدّرت عدده فأصابت الحقيقة. وشراع، بالشين المعجمة: أى واردات الماء، من الشّريعة، وهى مورد الناس للاستقاء.
وفسّره شيخنا أبو فهر فى حواشى ابن سلام، فقال: شراع: متماثلات، وشراع: جمع شرع (بكسر فسكون) وهو المثل، هذا شرع ذلك، أى على مثاله. ويروى «سراع».(3/29)
وليس من التشيع أيضا استشهاده بشعر الشريف الرضى (1)، وشرحه المستفيض لقصيدة من قصائده الجياد، فالشريف الرضى من فحول شعراء العربية، وتأمل شعره وشرحه حقّ على كل ذى بيان.
ثم ليس من التشيع الخالص أخيرا ما حكاه ابن الشجرى من قول الإمام الحسن البصرى، فى وصف سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه، قال (2):
«وقال رجل للحسن البصرى: يا أبا سعيد إن العامة تزعم أنك تبغض عليا، فأكب يبكى طويلا، ثم رفع رأسه، وقال: والله لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهما من مرامى الله على أعدائه، ربّانىّ هذه الأمة، ذو شرفها وفضلها، وذو قرابة من رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم قريبة، لم يكن بالنّومة عن حق الله، ولا بالغافل عن أمر الله، ولا بالسّروقة من مال الله، أعطى القرآن عزائمه فى ماله وعليه، فأشرف منها على رياض مؤنقة وأعلام بيّنة، ذلك على بن أبى طالب يالكع».
فلو لم يكن فى هذا الكلام إلا ما تراه من حلاوة اللفظ وكمال المعنى، لكان ذلك من أقوى الأسباب إلى نشره وإذاعته.
__________
(1) انظر ما يأتى عن الاستشهاد عند ابن الشجرى.
(2) المجلس السابع والخمسون، وساقه ابن الشجرى شاهدا على استعمال «يا لكع» فى النداء.(1/29)
هل كان ابن الشجرى معتزليّا؟
العلاقة وثيقة بين التشيّع والاعتزال، فقد ذكر كثير من الباحثين قديما وحديثا أن الشيعة وافقوا المعتزلة فى كثير من أصولهم، وذكروا أيضا أن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وهو رأس الشيعة والزيدية قد تلمذ فى الأصول لواصل بن عطاء، رأس المعتزلة، واقتبس منه علم الاعتزال.
ولم يذكر أحد من مترجمى ابن الشجرى أنه معتزلى، لكنك تجد فى «الأمالى» شيئا من مصطلحات المعتزلة وأفكارهم، فمن ذلك استعمال ابن الشجرى تعبير «المنزلة بين المنزلتين»، وهو من مبادىء المعتزلة الخمسة المشهورة، قال فى رده على معاصره ملك النحاة (1): «وقد كان شافهنى هذا المتعدّى طوره بهذا الهراء الذى ابتدعه، والهذاء الذى اختلفه واخترعه، فقلت له: إن ضمة المنادى لها منزلة بين منزلتين، فقال منكرا لذلك: وما معنى المنزلة بين المنزلتين؟
فجهل معنى هذا القول، ولم يحسّ بأن هذا الوصف يتناول أشياء كثيرة من العربية، كهمزة بين بين، التى هى بين الهمزة والألف، أو الهمزة والياء، أو الهمزة والواو، وكألف الإمالة التى هى بين ألف التفخيم والياء، وكالصاد المشربة صوت الزاى، وكالقاف التى بين القاف الخالصة والكاف».
على أن استعمال ابن الشجرى لذلك المصطلح المعتزلى فى هذا السياق يؤذن بأنه استعمال لغوى، بمعنى التوسّط، ليس غير.
وأصرح من ذلك ما ذكره ابن الشجرى فى تأويل قوله تعالى: {وَلََا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنََا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنََا}، قال (2): «ومعنى أغفلنا قلبه: وجدناه غافلا، كقولك:
لقيت فلانا فأحمدته، أى وجدته محمودا».
__________
(1) الأمالى المجلس الثامن والخمسون. وانظر هذا المصطلح المعتزلى أيضا فى المجلس العاشر.
(2) الأمالى المجلس الثانى والعشرون.(1/30)
والضّرب الرابع: نقيض هذا الضّرب، وهو أن يدلّ لحاق التاء على الجمع، كقولهم: رجل جمّال ورجال جمّالة، وبغّال وبغّالة، وحمّار وحمّارة، وسيّار وسيّارة، قال الهذلىّ:
حتّى إذا أسلكوهم فى قتائدة ... شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا (1)
قتائدة: اسم مكان، والبيت آخر القصيدة، فلا يجوز أن تنصب «شلّا» بأسلكوهم لئلّا تبقى «إذا» بغير جواب ظاهر ولا مقدّر، ولكن تنصبه بفعل تضمره، فيكون جواب «إذا» فكأنك قلت: حتى إذا أسلكوهم شلّوهم شلّا (2)، ومثله فى التنزيل: {إِنََّا زَيَّنَّا السَّمََاءَ الدُّنْيََا بِزِينَةٍ الْكَوََاكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ مََارِدٍ} (3) أراد: وحفظناها حفظا، ومثله: {وَزَيَّنَّا السَّمََاءَ الدُّنْيََا بِمَصََابِيحَ وَحِفْظاً} (4).
ومن هذا الضّرب فى أحد القولين قولهم: كمء للواحد، فإذا أرادوا الجمع قالوا: كمأة، وهو الذى حكاه أبو زيد عن منتجع ورؤية بن العجّاج، والقول الآخر نقيضه، وهو يروى عن أبى خيرة الأعرابىّ، قال: الكمأة للواحدة، والكمء للجمع، فكمأة إذن وكمء كنخلة ونخل.
والخامس: لحاق التاء لغير فرق (5)، بل لتكثير الكلمة، وذلك نحو غرفة وبرمة وعمامة وإداوة وقرية وكلية وبهيمة ومدينة وبرّيّة وعلّيّة (6) وموماة ومرضاة.
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الثانى والأربعين.
(2) حكاه البغدادى عن ابن الشجرى. الخزانة 7/ 40.
(3) الآيتان السادسة والسابعة من سورة الصافات. وقوله تعالى: {بِزِينَةٍ} ضبط فى الأصل وط بكسرة واحدة تحت التاء، على الإضافة للكواكب. وهى قراءة غير عاصم وحمزة من السبعة. الكشف 2/ 221، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 738.
(4) سورة فصلت 12.
(5) يريد لغير فرق بين تذكير وتأنيث. فهذه الكلمات التى ذكرها وضعت من أول أمرها على تاء التأنيث دون أن يكون لها مذكر. ومن أمثلتها: نهاية. راجع كتاب الشعر ص 119.
(6) هى الغرفة، وهى بكسر العين، وضمّها لغة.(3/30)
وقد وجدت بهامش أصل الأمالى حاشية، تعليقا على هذا الذى ذكره ابن الشجرى، قال كاتب الحاشية: «قال شيخنا الإمام العلامة جمال الدين بن هشام، أبقاه الله سبحانه: هذه المقالة أعنى كون «أغفلنا» بمعنى وجدناه غافلا، تقدمه إليها ابن جنى، نص عليها فى «المحتسب» وغيره، وحامله عليها الاعتزال».
وابن هشام يشير إلى قاعدة المعتزلة المعروفة، أن الله لا يخلق فعل الضلال والمعصية، وإنما ذلك من فعل العبد.(1/31)
/ والسادس: أن تلحق الكلمة للمبالغة فى المدح والذمّ، كقولهم فى المدح:
رجل علّامة ونسّابة وراوية للأخبار، وكقولهم فى الذمّ: رجل لحّانة وهلباجة، وهو الأحمق، ومثله جخابة، بوزن غزالة، وكذلك فقاقة، على زنته، وهو الأحمق المخلّط فى كلامه، وقيل فى قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسََانُ عَلى ََ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (1) وفى قوله: {مََا فِي بُطُونِ هََذِهِ الْأَنْعََامِ خََالِصَةٌ لِذُكُورِنََا} (2) إنّ المراد بالتاء فيهما المبالغة، وكذلك قالوا فى قولهم: خليفة، إن الأصل خليف، والهاء للمبالغة، وقد أشبعت الكلام فى هذا الفنّ فيما قدّمته (3).
والسابع: إلحاقها لفظ الجمع توكيدا لتأنيثه، وتغليبا للحمل على الجماعة، كما ألحقت نحو ناقة ونعجة، وذلك على ضربين: ضرب تطّرد فيه فتلزمه، وضرب لا تلزمه، فلزومها جاء فى مثالين: أفعلة وفعلة، فأفعلة كأجربة وأقفزة (4) وأرغفة وأغربة، قال (5):
من فوقه أنسر سود وأغربة ... وتحته أعنز كلف وأتياس
وفعلة كإخوة وغلمة وصبية وخصية وعلية، جمع خصىّ وعليّ، ومنه نيرة وجيرة، وقيعة، فى جمع نار وجار وقاع، كما جاء فى التنزيل: {كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ} (6)
وقالوا فى جمع شيخ: شيخة.
__________
(1) سورة القيامة 14.
(2) سورة الأنعام 139.
(3) راجع المجلس الحادى والخمسين.
(4) أجربة: جمع جريب، وهو القطعة المتميّزة من الأرض. والقفيز: مكيال، وهو أيضا من الأرض: عشر الجريب.
(5) أبو ذؤيب الهذلى، وقيل: مالك بن خويلد الخناعى الهذلى. شرح أشعار الهذليين ص 228، 440، وتخريجه فى ص 1399، والتكملة ص 165، وإيضاح شواهد الإيضاح ص 811.
وأغربة: جمع غراب. وكلف: من الكلف، وهو سواد تخالطه حمرة، والسّواد فيه أكثر.
(6) سورة النور 39.(3/31)
شعره
نظم ابن الشجرى الشعر، كما ينظم العلماء، فجاء خاليا من النّفس الشعرىّ الذى يسرى فى قصيد الشعراء، وقد نبّه على هذا الأقدمون، فيقول العماد الأصفهانى (1): «وفضله أعلى من شعره»، وقال فى موضع آخر (2): «وكان له شعر مقارب».
ويقول الأدفوى (3): «وله نظم غير طائل»
وقد حكم عليه معاصره أبو محمد الحسن بن أحمد بن حكّينا (4)، الشاعر، فكتب إليه:
يا سيدى والذى يعيذك من ... نظم قريض يصدا به الفكر
ما فيك من جدّك النبىّ سوى ... أنك ما ينبغى لك الشعر
ومن شعر ابن الشجرى الذى أورده مترجموه، قوله:
لا تمزحنّ فإن مزحت فلا يكن ... مزحا تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحة تعود عداوة ... إن المزاح على مقدّمة الغضب
وقوله، وقد استجاده الأدفوى:
هل الوجد خاف والدموع شهود ... وهل مكذب قول الوشاة جحود
وحتى متى تفنى شئونك بالبكا ... وقد حدّ حدّا للبكاء لبيد ... (5)
وإنى وإن لانت قناتى لضعفها ... لذو مرّة فى النائبات شديد (5)
__________
(1) الخريدة، الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(2) الخريدة، قسم العراق الجزء الثانى ص 235، فى أثناء ترجمة ابن حكينا.
(3) البدر السافر، الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(4) بكسر الحاء المهملة، وكسر الكاف أيضا مشدّدة، ويتصحّف فى بعض الكتب بالجيم (جكينا) نبّه عليه العلامة الزركلى، رحمه الله، فى الأعلام 2/ 195، عن تاج العروس (حكن).
(5) يريد قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر(1/32)
والضّرب الذى لا تلزمه مثالان أيضا: فعال وفعول، فدخولها فى فعال نحو قولهم: حجارة وجمالة وذكارة وفحالة، وفى التنزيل: {تَرْمِيهِمْ بِحِجََارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} (1) وفيه: «كأنّه جمالات صفر» (2) ودخولها فى فعول نحو قولهم فى جمع عمّ وخال وبعل: عمومة وخؤولة وبعولة، وفى جمع صقر: صقورة، وقالوا أيضا: فحولة وذكورة، وفى التنزيل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (3) وقال الشاعر:
يدفّنّ البعولة والأبينا (4)
وهى فى بعض هذه الكلم أكثر استعمالا، فاستعمالها فى العمومة والخؤولة والبعولة أكثر، وكذلك الحجارة والذّكارة.
/ والضّرب الثامن: لحاقها على ما كان من الجمع على مثال مفاعل كيلا (5)
للدّلالة على معنى النّسب، كقولهم: المهالبة والأزارقة والأشاعثة والمناذرة، فى النّسب إلى المهلّب بن أبى صفرة، ونافع بن الأزرق، ومحمد بن عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس، والمنذر بن الجارود، وكذلك المسامعة والأشاعرة، فى النّسب إلى مسمع (6)
__________
(1) الآية الرابعة من سورة الفيل.
(2) سورة المرسلات 33. وقوله تعالى: «جمالات» جاء هكذا بألف بعد اللام فى النّسخ الثلاث. وهى قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبى عمرو، وأبى بكر عن عاصم. وقرأ حمزة والكسائى وحفص عن عاصم {جِمََالَتٌ} بغير ألف، ويوقف عليه بالهاء. السبعة ص 666، والكشف 2/ 358.
قلت: وهذه القراءة الثانية هى الأولى بالإثبات هنا لأنها هى التى جاءت فى تمثيل المصنّف مع نظيراتها. ولكنى عدلت عنها إلى القراءة الأولى، لأن النّسخ الثلاث أجمعت عليها، ومن هذه النّسخ: النسخة (ط) وهى مقروءة على المؤلف كما سبق. وعلى كلّ فإن «جمالات» جمع جمالة، التى يمثّل لها ابن الشجرىّ.
(3) سورة البقرة 228.
(4) فرغت منه فى المجلس التاسع والأربعين.
(5) هكذا، ولعله يريد وزنا. يقال: كال الدراهم والدّنانير: وزنها. ويقال: كلّ ما وزن فقد كيل. راجع اللسان.
(6) مسمع بن شيبان من بنى عكابة بن صعب. وهم أهل بيت شرف متصل بالجاهلية.
الاشتقاق ص 355. وانظرهم فى جمهرة ابن حزم ص 320.(3/32)
والأشعر (1)، جمعوا المهلّبىّ والأزرقىّ والأشعريّ والأشعثىّ والمنذرىّ والمسمعىّ، بحذف ياء النسب، وعوّضوا منها تاء التأنيث، وقد فعلوا ذلك فى جمع التصحيح، فقالوا: الأشعرون والأشعثون، ونحو ذلك، وعليه جاء فى التنزيل:
{وَلَوْ نَزَّلْنََاهُ عَلى ََ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} (2) قيل: أراد الأعجميّين.
والتاسع: لحاقها ما كان على هذا المثال من الأعجميّة المعرّبة للدّلالة على العجمة، نحو الجواربة والموازجة، جمع الجورب والموزج، وهو الخفّ، وكذلك الطّيالسة والصّوالجة، والكرابجة، جمع الكربج، وهو الحانوت، وأصله بالفارسيّة كربه، كما أنّ الموزج أصله موزه.
وقد جاء فى هذا الضّرب اسمان، اجتمع فيهما ما افترق فى المهالبة والكرابجة من النّسب والعجمة، وهما السّبابجة (3) والبرابرة، فأفادا معنى السّبيجيّين والبربريّين، واحدهم سبيجىّ وبربرىّ، فلحاق تاء التأنيث لهما أوكد من لحاقها لما لم يجتمع فيه المعنيان.
والسّبابجة: قوم من السّند يستأجرون ليكونوا فى السفينة كالبذرقة (4).
وإنما اجتمع التعريف والنّسب فيما ذكرناه من لحاق تاء التأنيث لاتّفاقهما فى النّقل من حال إلى حال، فالنّسب يصير به الاسم وصفا بعد أن لم يكن كذلك، ويصير به بعد تعريف العلميّة نكرة، والتعريف ينقل الأعجمىّ إلى حيّز العربىّ.
__________
(1) فى مطبوعة الهند «والأشعرىّ» خطأ. والأشعر: هو نبت بن أذد بن زيد بن يشجب. الجمهرة ص 397، ووفيات الأعيان 3/ 285 (ترجمة أبى الحسن الأشعرىّ).
(2) سورة الشعراء 198.
(3) فى الأصل، وط: «السيابجة» بياء تحتية بعد السين. وصوابه بالباء الموحّدة، وقد علّقت عليه فى المجلس الرابع عشر
(4) البذرقة: الحراسة والخفارة والمبذرق، بكسر الراء الخفير فارسيّة المعرب ص 67، وحواشيه.(3/33)
وقوله:
وتجنّب الظلم الذى هلكت به ... أمم تودّ لو أنها لم تظلم
إياك والدنيا الدنيّة إنها ... دار إذا سالمتها لم تسلم
وهذا شعر كما ترى.
ثم ذكروا له قصيدة طويلة فى مدح الوزير نظام الدين أبى نصر المظفر بن على ابن محمد بن جهير، أولها:
هذى السديرة والغدير الطافح ... فاحفظ فؤادك إننى لك ناصح (1)
ثم أورد له محققا (2) الحماسة قصيدة غزلية، أولها:
ليلة الرمل جددت لى وصالا
ولم يذكر المحققان مرجعا لهذه القصيدة، ولم أجدها فيما بين يدىّ من تراجم ابن الشجرى. وقد أورد بهاء الدين العاملى (3) قصيدة رثاء، مطلعها:
كلّ حىّ إلى الفناء يؤول ... فتزوّد إن المقام قليل
ونسبها إلى أبى السعادات الحسينى النحوى، فهل هو ابن الشجرى؟ فإن كان العاملى يعنى ابن الشجرى فيكون الصواب «الحسنىّ» بغير ياء.
هذا وقد ذكر الأستاذ الزركلى (4) أن لابن الشجرى ديوان شعر مطبوعا، وهذا ما لم أعرفه، ولا ذكره أحد من مترجمى ابن الشجرى.
__________
(1) انظر تمامها فى وفيات الأعيان، الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(2) مقدمة تحقيق الحماسة (ز).
(3) الكشكول 1/ 140.
(4) الأعلام 9/ 62.(1/33)
مصنّفاته
طال عمر ابن الشجرى، وتوفّى عن اثنين وتسعين عاما، ومع ذلك لم تكثر تصانيفه، لاشتغاله بالتدريس والإقراء منذ صباه، فقد ذكر ياقوت أنه أقرأ النحو سبعين سنة، وقد دارت تآليفه فى فلك النحو واللغة والأدب، وهذا بيانها:
1 - الأمالى: وهو أكثر مصنفاته شهرة وذيوعا، وهذه الدراسة معقودة لها.
2 - الانتصار: وهو ردّه على انتقادات ابن الخشاب (1) على الأمالى. قال القفطي: «وهو كتاب على صغر جرمه فى غاية الإفادة، وملكته والحمد لله بخطه رحمه الله، وقد قرأه عليه الناس». وهذا الانتصار من الكتب المفقودة.
3 - الحماسة: وهى مجموعة قصائد (2) ومقطوعات وأبيات، اختارها ابن الشجرى على غرار ما فى الحماسات الأخرى، ولا سيما حماسة أبى تمام، لشعراء الجاهلية وصدر الإسلام والعصرين الأموى والعباسى. وقد أثنى العلماء على كتاب الحماسة، فيقول ابن خلّكان عنه: «ضاهى به حماسة أبى تمام الطائى، وهو كتاب غريب مليح أحسن فيه».
وقد نقل العلامة البغدادى فى موسوعته «الخزانة» عن حماسة ابن الشجرى، وامتدحها، قال فى شرح قول مضرّس بن ربعىّ:
وليل يقول الناس من ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها
كأن لنا منه بيوتا حصينة ... مسوحا أعاليها وساجا كسورها
«(3) قال غلام ثعلب فى كتاب اليوم والليلة: يقال: إن أشعر ما قيل فى الظلمة قول مضرس وكذلك قال الشريف ضياء الدين هبة الله بن على بن محمد ابن حمزة الحسنى، فى حماسته التى صنفها كحماسة أبى تمام، وزاد عليه أبوابا كثيرة، وأورد فيها أشعارا جيدة، وقد أجاد فى الاختيار والنقد عندما أورد هذا الشعر فيها».
__________
(1) انظر ما يأتى عن انتقادات الأمالى.
(2) راجع مقدمة تحقيق الحماسة، الطبعة الدمشقية.
(3) خزانة الأدب 5/ 19.(1/34)
ونقول بعبارة أخرى: لحقت تاء التأنيث مفاعل دالّة على النّسب، نحو المهالبة، ولحقت الأعجميّ المعرّب، نحو الموازجة لمشابهة العجمة للنّسب، من حيث كان / النّسب ينقل الاسم من العلميّة إلى الوصفيّة، والعجمىّ منقول بالتعريف إلى العربيّة.
والعاشر: ما دخلته التاء من الجمع الذى جاء على مثال من هذه الأمثلة، عوضا من يائه، كقولهم فى جمع زنديق وفرزان وجحجاح، وهو السيّد، وتنبال، وهو القصير: زنادقة وفرازنة (1) وجحاجحة وتنابلة، فالتاء فى هذا الضرب معاقبة للياء التى فى زناديق وفرازين وجحاجيح وتنابيل، فهى عوض منها، فلا يجوز إخلاؤه منهما معا، ومنه قولهم فى جمع إنسان: أناسية، التاء بدل من ياء أناسىّ، هذا أصله، كما جاء فى التنزيل: {وَأَنََاسِيَّ كَثِيراً} (2).
والحادى عشر: ضرب من الجمع جاء على مثال مفاعل كيلا (3)، ودخلته التاء تغليبا لمعنى الجماعة، ولم تلزمه، وذلك قولهم فى جمع صيقل وصيرف وقشعم:
صياقلة وصيارفة وقشاعمة، والصّياقل والصّيارف والقشاعم أكثر. والقشعم:
المسنّ، وأكثر ما يستعمل فى النّسور.
وهذا الضّرب نظير فعال وفعول، فى قولهم: جمالة وبعولة، إلّا أنّى أفردته لمقاربته للأمثلة التى جاءت على مثال مفاعيل، ومنه الملائكة والملائك، والملائكة أكثر، قال أميّة بن أبى الصّلت (4).
__________
(1) مفرده: فرزان، وهو من لعب الشطرنج.
(2) سورة الفرقان 49.
(3) أى وزنا. وتقدّم قريبا.
(4) ديوانه ص 189، وتخريجه فى ص 187، وروايته:
فكأن برقع والملائك حولها ... سدر تواكله القوائم أجرد
وبرقع. اسم السماء الدنيا، وقيل اسم للسماء السابعة وفى قافية البيت اختلاف يراه فى تخريج المحققة، واللسان (ملك)(3/34)
وقد طبع كتاب الحماسة طبعة حجرية فى مصر سنة 1306هـ، ثم طبع بمصر أيضا سنة 1326هـ، وفى حيدر آباد الدكن بالهند سنة 1345هـ بتصحيح المستشرق الألمانى كرنكو، وآخر طبعاته الطبعة التى أصدرتها وزارة الثقافة بدمشق سنة 1970م، وهى طبعة جيدة، قام على تحقيقها عبد المعين الملّوحى وأسماء الحمصىّ.
ديوان مختارات الشعراء مختارات أشعار العرب.
4 - الردّ على أبى الكرم بن الدبّاس (1) فى كتابه الذى سماه «المعلم» وهذا الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجموا لابن الشجرى، أو كتبوا عنه، قديما وحديثا، وقد ذكره هو فى المجلس الثانى والثمانين من «الأمالى». وهذا «الردّ» من الكتب المفقودة، وهو الكتاب الوحيد من بين مصنفات ابن الشجرى الذى أشار إليه فى «الأمالى».
5 - شرح التصريف الملوكى، لابن جنى، وهو والذى بعده من الكتب المفقودة.
6 - شرح اللمع، لابن جنى أيضا.
7 - ما اتفق لفظه واختلف معناه، ومنه نسخة خطية ببرلين (2)، برقم (3142) باسم: معجم للمشترك اللفظى.
وقد وجدت فى دفاترى القديمة اسم كتاب مخطوط لابن الشجرى، بعنوان «كتاب فى اللغة» محفوظ بمكتبة إسماعيل صائب بأنقرة (3)، ويحمل هذا المخطوط رقم (2459) فلعله هو كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه».
__________
(1) هو المبارك بن الفاخر بن محمد النحوى البغدادى. توفى سنة 500هـ، ترجمته فى نزهة الألباء ص 382، إنباه الرواة 3/ 256، وغير ذلك مما تراه فى حواشى الإنباه.
(2) تاريخ الأدب العربى 5/ 165.
(3) رأيت هذا المخطوط فى أثناء زيارتى لتركيا فى شتاء عام 1970م، ولم أعن بتأمل أبوابه ومنهجه، إذ لم أكن وقتئذ معنيا بابن الشجرى.(1/35)
وكأنّ أجنحة الملائك حوله
وللنّحويّين فى أصل «ملك» قولان، قال بعضهم: أصله ملأك، واحتجّ بقول الشاعر:
فلست لإنسيىّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السّماء يصوب (1)
وقال آخرون: أصله مألك، مأخوذ من الألوك والمألكة [والمألكة (2)] وهى الرّسالة، وقول الشاعر: «لملأك» كان الوجه أن يقول: لمألك، ولكنّه قلب فقدّم اللام وأخّر الهمزة، فوزنه معفل.
والثانى عشر: أربعة أمثلة من المصادر، لحقتها تاء التأنيث عوضا من محذوف:
/ فالأوّل: مصدر وعد يعد، ووزن يزن ونظائرهما، فهذا الضّرب له مصدران، الأصل منهما وزنه فعل: وعد ووزن، والآخر وزنه فى الأصل فعل، مثل جذع، وعد ووزن، فأعلّوه بحذف فائه لأمرين، أحدهما كسر واوه، والآخر كونه مصدر فعل معتلّ محذوف الفاء، فصار إلى عل: عد وزن، فعوّضوه من فائه التاء، فقالوا: عدة وزنة.
والمصدر الثانى: مصدر أفعل المعتلّ العين، نحو أقام وأعان، وأباع فرسه: إذا عرّضه للبيع، أصل مصدر هذا الضّرب البناء على إفعال، قياسا على الصحيح:
إقوام وإعوان وإبياع، كإكرام وإحسان، فحملوه على فعله فى الإعلال لأنّ من شأن المصادر أن تتبع أفعالها فى التصحيح والإعلال، فألقوا فتحة عينه على فائه، ثم قلبوا العين ألفا لتحرّكها فى الأصل وانفتاح ما قبلها الآن، فاجتمع ألفان المنقلبة عن العين، وألف إفعال، فحذفوا ألف إفعال لأنها زائدة، فصار إلى إقام وإعان وإباع،
__________
(1) فرغت منه فى المجلس السابع والأربعين.
(2) ليس فى ط، د.(3/35)
8 - مختارات أشعار العرب، ويسمى ديوان مختارات الشعراء، ويعرف عند المحققين باسم مختارات ابن الشجرى. وقد طبع هذا الكتاب بمصر سنة 1306هـ طبعة حجرية، ثم فى سنة 1344هـ 1926م بمصر أيضا، بإشراف محمود حسن زناتى، ثم أعاد نشره على محمد البجاوى بالقاهرة سنة 1394هـ 1974م.
ومن هذا الكتاب نسخة بخط ابن الشجرى نفسه (1)، وخطه نسخى نفيس، يجرى على نمط خطوط القرن السادس الجيدة المضبوطة.
9 - شرح لاميّة العرب، للشّنفرى.
وهذا الشرح لم يذكره أحد من الذين ترجموا لابن الشجرىّ، قديما وحديثا.
وقد ذكره العلّامة البغدادى، فى حديثه عن اللاميّة، لكنه ذكر أنه لم يره (2).
وقد وقفت على نقل عنه، فى كتاب «الإكسير فى علم التفسير» لنجم الدين الطوفىّ الحنبلىّ، المتوفى سنة (716)، قال: «وابن الشجرىّ من أعيان أهل الأدب، حكى عن شرحه لامية العرب، أنه قال فيه فى قوله:
«وأستفّ ترب الأرض» إن أصله أستفعل. وقد عيب [عليه] لأنه وهم قبيح ووزن أستف: أفتعل. والسّين أصل (3)».
* * * وهناك ملاحظة عامة على كتب ابن الشجرى المطبوعة: الأمالى والحماسة والمختارات، وهى أنها كلها خلت من مقدمة، كالتى نراها فى أول المصنفات، تبين عن منهج المؤلف، والدافع له إلى تأليف كتابه. وقد يدل هذا على أن ابن الشجرى كان يملى مصنفاته إملاء.
* * * __________
(1) انظر نموذجا منه فى الأعلام 9/ 32الصفحة المقابلة.
(2) الخزانة 3/ 341.
(3) الإكسير ص 48، 49، ومما ينبغى التنبيه عليه أن ابن الشجرى أورد «لامية الشنفرى» فى مختاراته ص 10672، وذكر بعض الشروح اللغوية، وليس منها هذا الذى حكاه الطوفىّ.(1/36)
فألحقوه تاء التأنيث عوضا من المحذوف، فقالوا: إقامة وإعانة وإباعة، وربّما أسقطوا هذه التاء إذا أضافوه، كما جاء فى التنزيل: {وَأَقََامَ الصَّلََاةَ} (1).
والمصدر الثالث: مصدر استفعل، المعتلّ العين، نحو استقام واستعان واستبان، كان قياسه: استقوام واستعوان واستبيان، فأتبعوه فعله فى الإعلال، فألقوا فتحة العين على الفاء، ثم قلبوا العين ألفا لتحرّكها فى الأصل وانفتاح ما قبلها الآن، فاجتمع ألفان، المنقلبة عن العين وألف استفعال، فحذفوا الزائدة وعوّضوه منها التاء، فقالوا: استقامة واستعانة واستبانة.
والمصدر الرابع: مصدر فعّلت المعتلّ اللام، يجىء على التّفعلة، نحو غطّيته تغطية، وعدّيته تعدية، وفدّيته تفدية، جاءوا به على هذا المثال مخالفة لمصدر فعّلت الصحيح اللام لأنه جاء على التفعيل، نحو قطّعته تقطيعا، وكسّرته تكسيرا، / {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} (2) وكذلك المعتلّ الفاء، نحو وجّهته توجيها، والمعتلّ العين نحو عوّدته تعويدا، وغيّبته تغييبا (3)، فكرهوا التفعيل فى المعتلّ اللام فلم يقولوا: التّغطّى والتعدّى، استثقالا لتضعيف الياء، فحذفوا ياء التفعيل وعوّضوا منها تاء التأنيث، كما عوّضوها فى باب الإقامة والاستقامة.
وقد جاء لبعض أبنية الأفعال مصدران، مذكّر، ومؤنّث، ولم تدخله التاء عوضا من محذوف، وذلك مثالان: فعللت وفاعلت، ففعللت نحو دحرجته دحرجة، وسرهفته سرهفة، والمصدر الآخر: الدّحراج والسّرهاف، قال (4):
__________
(1) ضبط فى ط بكسر ميم {وَأَقََامَ} وعليه فهو جزء من الآية 37من سورة النور. وفى الكتاب العزيز أيضا {وَأَقََامَ الصَّلََاةَ} بفتح الميم، من الآية 73من سورة الأنبياء.
(2) سورة النساء 164.
(3) فى الأصل: «عوذته تعويذا» بالذال المعجمة، و «عيبته تعييبا» بالعين المهملة.
(4) العجاج، يعاتب ولده رؤبة، فى قصة طريفة تراها فى أخبار النحويين البصريين ص 100، والخزانة 2/ 45، والرواية فى ديوان العجاج ص 111:(3/36)
الباب الثانى آراء ابن الشجرى النحوية
سلكت سبيلين فى التعرّف على آراء ابن الشجرى: ما ذكره هو نفسه من قوله: وهذا ما خطر لى، أو: والقول عندى كذا، أو: والصحيح كذا والاختيار كذا، أو: فتأمل ما استنبطته لك، ونحو ذلك. ثم ما أورده النحاة المتأخرون، كابن هشام والمرادى والسيوطى والبغدادى، من أقوال وآراء نسبوها إلى ابن الشجرى.
وأريد أن أنبه بادىء ذى بدء إلى أنى وجدت فى «الأمالى» آراء كثيرة فى النحو والصرف واللغة، ساقها ابن الشجرى غير معزوّة إلى أحد ممن تقدمه، ولم أقطع بنسبتها إليه، لاحتمال وجودها فى كلام غيره ممن سبقه، وقد أمكننى عون الله وتوفيقه أن أردّ بعض هذه الآراء إلى أصحابها، وإذا كنت قد وقفت عند بعض هذه الآراء التى نسبها ابن الشجرى إلى نفسه أو نسبت إليه ورددتها إلى أصحابها من النحاة المتقدّمين، فما ظنّك بهذه الآراء التى جاءت فى «الأمالى» غير معزوّة ولا منسوبة؟
وقد وجدت كثيرا ممن يدرسون علما من الأعلام يحشدون آراءه حشدا، دون فصل بين ما قال وما حكى، وبعض مصنفى الكتب القديمة لم يعنوا بعزو كل رأى إلى قائله، خوفا من الإملال والإطالة، ولا نظنّ بهم إلا خيرا، هذا أمر، وأمر آخر أن حركة التأليف العربى عرفت لونا من ألوان التصنيف، تمثّل فى تلك الرسائل والكتب الصغيرة التى التقمتها الكتب الكبار، فضاعت فى غمارها وطويت فى لجّتها، وحين جاء أصحاب الموسوعات النحوية شغل بعضهم (1) بما انتهى إليهم
__________
(1) قلت: «بعضهم» لأخرج العلامة البغدادى، فقد ذكر فى موسوعته العظيمة «خزانة الأدب» كثيرا من هذه الرسائل الصغيرة، وحرص على عزو الآراء ونسبتها إلى أصحابها الحقيقيين.(1/37)
سرهفته ما شئت من سرهاف
ومعنى سرهفته: حسّنت غذاءه.
ومصدر فاعلت المذكّر: الفعال، والمؤنّث: المفاعلة، نحو خاصمته خصاما ومخاصمة، وسابقته سباقا ومسابقة، وكذلك المعتلّ الفاء، نحو واجهته مواجهة، وواعدته مواعدة. والمعتلّ العين، نحو غاورته مغاورة، وحاورته محاورة، والمعتلّ اللام، نحو راميته مراماة، وساميته مساماة. والمضاعف نحو راددته مرادّة، وعاززته معازّة.
وقال بعض التّصريفيّين: إنّ (1) تاء التأنيث المزيدة فى نحو الدّحرجة والسّرهفة زيدت عوضا من ألف الدّحراج والسّرهاف لأنّ التذكير هو الأصل.
والضّرب الثالث عشر: كلّ مصدر دخلته التاء لتبيين عدد المرّات، فجاء على مثال فعلة، نحو جلست جلسة، وضربت ضربة، وأكلت أكلة، ولبست الثوب لبسة، وركبت فرسك ركبة، كلّ هذا يراد به المرّة الواحدة، فإن كسرت أوّل شىء منه، فقلت: هو حسن الجلسة والرّكبة، فإنّما تريد الهيئة التى هو عليها فى الجلوس والرّكوب، وكذلك إذا قلت: خطوت خطوة، وغرفت غرفة، بفتح أوله، أردت المرّة، كما جاء فى التنزيل: {إِلََّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً / بِيَدِهِ} (2) فإن
__________
سر عفته ما شئت من سرعاف
وكذلك فى ألفاظ ابن السّكيت ص 323، المخصص 1/ 27، وهو بمعنى سرهفته. والشاهد بروايتا فى المقتضب 2/ 95، والأصول 3/ 230، والمنصف 1/ 41، 3/ 4، والسّمط ص 788، وشرح المفصل 6/ 47، 49، ونسبه لرؤبة، خطأ.
(1) ذكر هذا المبرد فى المقتضب.
(2) سورة البقرة 249. وقرأ بالفتح ابن كثير ونافع وأبو عمرو. السبعة ص 187.(3/37)
ضممت فقلت: الخطوة والغرفة، فالخطوة: ما بين القدمين، والغرفة: ما تأخذه المغرفة (1).
والرابع عشر: ما دخلته التاء للازدواج، وذلك فى قولهم: «لكلّ ساقطة لاقطة» قال أبو بكر محمد بن بشّار الأنبارىّ: معناه: لكلّ كلمة تسقط من متكلّم لا قط لها، يتحفّظها، فقيل: لاقطة، لتزدوج الكلمة الثانية مع الأولى، كما قالوا: «إنّ فلانا يأتينا بالعشايا والغدايا» فجمعوا الغداة غدايا، لتزدوج مع العشايا (2).
* * * __________
(1) وهو اسم الماء المغترف، ونصبه إذن على المفعول به، لأن الفعل قد تعدّى إليه، كأنه قال:
إلّا من اغترف ماء على قدر مثل ملء اليد. قاله مكى فى الكشف 1/ 304.
(2) الزاهر 1/ 350. وإنما تجمع الغداة على الغدوات. راجع اللسان (غدا)، وغريب الحديث للخطابى 3/ 13، وأدب الكاتب ص 600.(3/38)
من هذه الكتب الكبار فنسبوا الآراء إلى أصحاب هذه الكتب، ثم نسج على نولهم من جاء بعدهم (1).
والأمر من قبل ومن بعد موكول إلى ثقافة الدارس ومحاولته التعرّف على مسار التأليف العربى، وإدراك العلائق بين الكتب: تأثرا أو نقدا أو شرحا أو اختصارا أو تذييلا، وهذا مفض لا محالة إلى التوقّف والحذر فى نسبة الآراء وعزوها.
وهذه آراء ابن الشجرى، أسوقها بحسب تسلسلها فى «الأمالى» إلا إذا اقتضت المناسبة أن أجمع ما يتصل بالمسألة الواحدة فى مكان واحد:
1 - قسم ابن الشجرى التثنية إلى ثلاثة أضرب (2): تثنية لفظية وتثنية معنوية وردت بلفظ الجمع، وتثنية لفظية كان حقها التكرير بالعطف. وعن الضرب الثانى، وهو تثنية آحاد ما فى الجسد، كالأنف والوجه والبطن والظهر، نحو ضربت رءوس الرجلين، وشققت بطون الحملين، قال: «وربما استغنوا فى هذا النحو بواحد، لأن إضافة العضو إلى اثنين تنبئ عن المراد، كقولك: ضربت رأس الرجلين، وشققت بطن الحملين، ولا يكادون يستعملون هذا إلا فى الشعر، وأنشدوا شاهدا عليه:
كأنه وجه تركيين قد غضبا ... مستهدفين لطعن غير تذبيب
وقد حكى البغدادى (3) هذا الكلام، ثم قال: «والعجب من ابن الشجرى فى حمله الإفراد على ضرورة الشعر، فإنه لم يقل أحد إنه من قبيل الضرورة وتبعه ابن عصفور فى كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر».
هذا كلام البغدادى، والمتأمل لعبارة ابن الشجرى: «ولا يكادون يستعملون هذا إلا فى الشعر» يراها غير قاطعة بأن استعمال ذلك خاصّ بالشعر، وصدر
__________
(1) دليل ذلك يظهر إن شاء الله فيما أكتبه عن مصادر ابن الشجرى، ثم أثره فى الدراسات النحوية.
(2) المجلس الثانى من الأمالى.
(3) الخزانة 3/ 371.(1/38)
كلامه يشعر بهذا، فإنه يقول: «وربما استغنوا فى هذا النحو بواحد». إلى آخر ما قال، ولو كان يرى قصر استعمال مثل هذا على الشعر لصرّح به من أول الأمر.
2 - ضعّف ابن الشجرى مجىء الحال من المضاف إليه، وتأول ما ورد من ذلك، فقال فى المجلس الثالث: «وأنشدوا فى الحال من المضاف إليه قول تأبط شرا:
سلبت سلاحى بائسا وشتمتنى ... فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب
ولست أرى أن «بائسا» حال من ضمير المتكلم الذى فى «سلاحى» ولكنه عندى حال من مفعول «سلبت» المحذوف، والتقدير: سلبتنى بائسا سلاحى، وجاء بالحال من المحذوف، لأنه مقدّر عنده منوىّ، ومثل ذلك فى القرآن قوله جل وعز: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} فوحيدا حال من الهاء العائدة فى التقدير على (من)، ومثله: {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} ألا ترى أنك لابد أن تقدر:
خلقته وحيدا، وبعثه الله رسولا، لأن الاسم الموصول لابد له من عائد، لفظا أو تقديرا، وإنما وجب العدول عن نصب «بائس» على الحال من الياء التى فى «سلاحى» لما ذكرته لك من عزّة حال المضاف إليه، فإذا وجدت مندوحة عنه وجب تركه».
وقال فى المجلس السادس والسبعين (1): «فإن قيل: قد جاءت الحال من المضاف إليه فى القرآن فى قوله عز وجل: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} فالقول عندى أن الوجه أن تجعل (حنيفا) حالا من الملّة، وإن خالفها بالتذكير، لأن الملّة بمعنى الدّين، فجاءت الحال على المعنى، ألا ترى أن الملّة قد أبدلت من الدين فى قوله: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً}».
3 - ذهب ابن الشجرى إلى أن الإشارة بمنزلة الإضمار. قال (2):
«ألا ترى أنها قد سدت مسدّ الضمير فى قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤََادَ}
__________
(1) وانظر أيضا المجلس الحادى والثمانين، وحكاه عنه البغدادى فى الخزانة 3/ 173، 174، وانظر ما يأتى فى الحديث عن مصادر ابن الشجرى (أبو على الفارسى الفقرة التاسعة).
(2) المجلس العاشر.(1/39)
المجلس الثالث والسبعون ذكر أقسام أيّ
أىّ منقسمة فى المعانى إلى ضروب:
أحدها: أن تكون شرطيّة، كقولك: أيّهم يكرمنى أكرمه، وأيّهم تكرم أكرمه، نصبت «أيّهم» بالشّرط، كما جاء فى التنزيل: {أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ} (1) ما هذه زائدة للتوكيد، زيدت بين منصوب وناصب، ومجزوم وجازم، ومثل ذلك فى انتصاب «أىّ» بما بعدها وكونها شرطا قوله: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ} (2) وتقول: على أيّهم تنزل أنزل، تريد: أنزل عليه، فتحذف «عليه» استخفافا، وإن شئت ذكرته.
والقسم الثانى: أن تكون استفهاميّة، كقولك: أيّهم عندك؟ وأيّ القوم لقيت، وبأيّهم مررت، ويعلّقون عنها العلم، فيقولون: قد علمت أيّهم أخوك؟
ومعنى التعليق: أنّ الفعل يعمل فى الموضع دون اللفظ، ومنه فى التنزيل:
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنََا أَشَدُّ عَذََاباً} (3) و {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ََ} (4) وتقول: أيّهم تظنّ منطلقا؟ فتعمل فيها الظّنّ لوقوعه بعدها، وإن شئت ألغيته، فقلت: أيّهم تظنّ منطلق؟ وإنما لم يعمل فيها ما قبلها من الأفعال إذا كانت استفهاما، لأن الاستفهام
__________
(1) سورة الإسراء 110.
(2) سورة القصص 28.
(3) سورة طه 71، وانظر المجلس الحادى والثمانين.
(4) سورة الكهف 12.(3/39)
له صدر الكلام، / وإعمال الفعل الذى قبلها فيها يخرجها من الصّدر، وكذلك إذا كانت شرطيّة، حكمها فى التصدير حكم الاستفهامية.
ولأيّ فى الاستفهام إذا أضيفت أحكام، فمنها: إذا أضيفت إلى معرفة كانت سؤالا عن الاسم دون الصفة، وهى بعض المعرفة التى تضاف إليها، كقولك:
أيّ الرجلين أخوك؟ وأيّ الرجال قام؟ فأيّ واحد من الاثنين، ومن الجماعة، فالجواب أن تقول: زيد أو عمرو، أو نحو ذلك، فتجيب بأحد الاسمين أو الأسماء.
وإذا أضيفت إلى النكرة فإنها تكون سؤالا عن الصفة، وتكون بعدد النكرة كلّها، فإذا قال: أيّ رجل أخوك؟ وأيّ رجل زيد؟ قلت: طويل أو قصير، أو بزّاز أو صائغ، أو نحو ذلك، فأجبت بصفة الاسم.
فإذا (1) أضيفت إلى نكرتين فقيل: أىّ رجلين أخواك؟ قلت: سمينان أو هزيلان، أو سمين وهزيل، أو نحو ذلك.
فإذا أضيفت إلى جماعة، فقيل: أيّ رجال إخوتك؟ قلت: طوال أو قصار، أو بعضهم طوال وبعضهم قصار، ولا يجوز أن تضيف «أيّا» إلى معرفة واحدة، لا تقول: أيّ الرجل أخوك؟ ولا أيّ زيد خرج؟ لأنها سؤال عن البعض، والواحد لا يتبعّض، وأمّا فى النكرة فإنها سؤال عن الكلّ لأن التنكير يقتضى العموم، فلذلك جاز إضافتها إلى نكرة واحدة، فى نحو: أيّ رجل أخوك؟
والثالث من أقسامها: أن تكون اسما ناقصا بمعنى الذى أو التى أو الذين أو اللّاتى، يلزمه أن يوصل بما يوصل به أحد هذه الأسماء النّواقص، من الجمل أو الظّروف، كقولك: أيّ القوم قامت أخته زيد، أى الذى قامت أخته زيد، وأيّ النّسوة خرج أخوها زينب، أى التى خرج أخوها زينب.
__________
(1) فى ط، د: وإذا.(3/40)
{كُلُّ أُولََئِكَ كََانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا} فالإشارة من (أولئك) قامت مقام الضمير العائد من الجملة إلى المخبر عنه، فكأنه قيل: كلّهن كان عنه مسؤولا».
4 - وجّه ابن الشجرى التأنيث فى قول أعشى تغلب (1):
وقد خاب من كانت سريرته الغدر
بأنه أنث «الغدر» لمّا كان السريرة فى المعنى، واستشهد لذلك بقراءة النصب فى قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} قال: فالتقدير: ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم، وجاز تأنيث القول لأنه الفتنة فى المعنى، ومثله رفع «الإقدام» ونصب «العادة» فى قول لبيد:
فمضى وقدّمها وكانت عادة ... منه إذا هى عرّدت إقدامها
وإنما استجاز تأنيث «الإقدام» لتأنيث خبره، لأن الخبر إذا كان مفردا فهو المخبر عنه فى المعنى، وقد قيل فى الآية وفى بيت لبيد قول آخر، وذلك أنهم حملوا «أن قالوا» على معنى المقالة، وحملوا «الإقدام» على معنى التقدمة. قال: والقول الأول هو المأخوذ به، والثانى قول الكسائى، وليس فى بيت أعشى تغلب إلا ما ذكرناه أولا فيجب أن يكون العمل عليه.
وأقول: كأن ابن الشجرى ينكر تأنيث المذكر، لأن فيه ردّ أصل إلى فرع.
قال ابن جنى (2): «وتذكير المؤنث واسع جدا، لأنه ردّ فرع إلى أصل، لكن تأنيث المذكر أذهب فى التناكر والإغراب».
5 - ذكر ابن الشجرى (3) أن «أبى يأبى» مما شذ عن القياس، لمجيئه على فعل يفعل، بفتح العين من الماضى والمستقبل، وليست عينه ولا لامه من حروف الحلق، وكان قياسه: يأبى، مثل يأتى.
ثم حكى ثلاثة أقوال فى تعليل ذلك، وصحّح الأول منها.
__________
(1) المجلس التاسع عشر.
(2) الخصائص 2/ 415.
(3) المجلس الحادى والعشرون.(1/40)
و «أيّ» معربة فى جميع أحوالها، بخلاف نظائرها من الأسماء التى ضمّنت معانى الحروف، كمن وما وأين ومتى، وكم وكيف وأيّان وأنّى، وإنما أعربوها / حملا على نظيرها، وهو بعض، وعلى نقيضها وهو كلّ، وسيبويه (1) يحكم ببنائها على الضمّ إذا كانت اسما ناقصا موصولا بجملة ابتداء، والمبتدأ من الجملة محذوف، وهو العائد منها إلى أيّ، كقولك: أكرمت أيّهم صاحبك.
فإن قلت: أكرمت أيّهم هو صاحبك، نصبتها وفاقا، وذلك لتمام صلتها.
وإنما حكم ببنائها إذا نقصت صلتها لأنه جعل لتضمّنها معنى الحرف تأثيرا فيها، وخصّ بذلك حال النّقص الذى دخلها، كأنها لمّا حذف المبتدأ العائد عليها من صلتها ضعفت فرجعت إلى البناء الذى استحقّه الذى ومن وما، وبقوله قال المازنيّ وجماعة من البصريّين، وإلى بنائها ذهب فى قول الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمََنِ عِتِيًّا} (2) لأن التقدير عنده: الذى هو أشدّ على الرحمن عتيّا، أو الذين هم أشدّ، فالضّمة على قوله بناء، وقد حكى مع ذلك أنّ هارون الأعور القارىء قرأها بالنّصب (3).
__________
(1) راجع الكتاب 2/ 398، وما بعده.
(2) سورة مريم 69. وقد ضبطت عين {عِتِيًّا} فى الأصل، ط بالضم. وهما لغتان: الكسر والضم. فقرأ بالكسر: حمزة والكسائى وحفص، والباقون بالضم. الإقناع ص 695، والإتخاف 2/ 234، وشرح الحماسة للمرزوقى ص 80.
(3) الكتاب 2/ 399، ومختصر فى شواذ القراءات ص 86، ومعانى القرآن للزجاج 3/ 69، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 322، والبحر 6/ 209.
وهذا «هارون بن موسى البصرى الأعور» صاحب قراءة وعربية، أخذ عن الأصمعىّ ويحيى بن معين، توفى فى حدود السبعين والمائة، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه، ناظره يوما إنسان فى مسألة، فغلبه هارون، فلم يدر المغلوب ما يصنع، فقال له: أنت كنت يهوديّا فأسلمت! فقال له هارون: فبئسما صنعت؟ قال: فغلبه أيضا فى هذا. قيل: وكان أول من تتبع وجوه القرآن وألّفها وتتّبع الشاذ منها. تاريخ بغداد 14/ 3، وطبقات القراء لابن الجزرى 2/ 348، والشعور بالعور ص 233.(3/41)
6 - ذهب ابن الشجرى إلى أن الفصل بالأجنبى يمنع التعلّق، وساق عليه شواهد من القرآن الكريم والشعر، وقد تعقبه ابن هشام فى «المغنى» لكنه تناقض ورجع إلى تأويل ابن الشجرى فى «شرح بانت سعاد» ذكرت كل ذلك فى حواشى تحقيق المجلس التاسع والعشرين (1).
7 - جمع ابن الشجرى (2) «المكان» بمعنى الموضع على «مكانات».
وهو جائز على قاعدة أن كل مذكر غير عاقل يجوز جمعه بالألف والتاء، كما تقول فى حمّام: حمّامات.
وقد ذكر ابن الشجرى ذلك فى تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ فِي مَوََاطِنَ كَثِيرَةٍ} قال: «أى مكانات حرب». والذى رأيته فى كتب التفسير فى شرح «مواطن»: أماكن حرب. وفى لسان العرب، مادة (مكن وكون) عن ابن سيده: «المكان: الموضع، والجمع: أمكنة، كقذال وأقذلة، وأماكن: جمع الجمع». وذكر صاحب اللسان عن ابن سيده أيضا أن المكانات جمع المكانة، بمعنى المنزلة عند الملك.
8 - يرى ابن الشجرى (3) أن «الأحباب» فى قول المتنبى:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
جمع حبّ، كعدل وأعدال، قال: ولا ينبغى أن يكون جمع حبيب، كشريف وأشراف، ويتيم وأيتام، لأمرين: أحدهما أن الأول أقيس وأكثر، والثانى أن يتيما وشريفا من باب فعيل الذى بمعنى فاعل، وحبيبا: فعيل الذى بمعنى مفعول، فأصله محبوب، كما أن قتيلا أصله مقتول، فافترقا.
هذا كلام ابن الشجرى، وقد كان ينبغى عليه أن يذكر على أى شىء يجمع «حبيب» الذى هو فعيل بمعنى مفعول، وقد ذكرت فى حواشى التحقيق أنه يجمع
__________
(1) وانظر أيضا المجلس الحادى والعشرين.
(2) المجلس السابع والعشرون.
(3) المجلس الحادى والثلاثون.(1/41)
وفى رفعها قولان آخران، حكاهما سيبويه، أحدهما عن يونس: وهو أنه علّق عنها {لَنَنْزِعَنَّ} فرفعها بالابتداء، و {أَشَدُّ} خبرها، كما ارتفعت فى قوله تعالى:
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنََا أَشَدُّ عَذََاباً} (1) والخليل وسيبويه منعا من تعليق {لَنَنْزِعَنَّ} لأنّ النّزع فعل علاجىّ، وإنما يعلّق أفعال العلم والشّكّ، واعتذر بعضهم ليونس، فقال: إنّ النّزع قد يكون بالقول.
والقول الآخر فى رفعها قول الخليل، وهو ارتفاعها على الحكاية، فأيّهم مبتدأ وأشدّ خبره، وتقديره عنده: ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة الذى من أجل عتوّه يقال:
أيّ هؤلاء أشدّ عتيّا، ومثل ذلك عنده قول الشاعر (2):
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ... فأبيت لا حرج ولا محروم
وهذا عند سيبويه مرفوع بلا، وهى المشبّهة بليس، وخبرها محذوف تقديره:
/ لا حرج ولا محروم فى مكاني، والجملة خبر أبيت، والياء التى فى مكانى هى العائد من الجملة إلى اسم أبيت، ومن جعله حكاية فخبر أبيت محذوف عنده، وهو المقدّر فى قوله: فأبيت بمنزلة الذى يقال له: لا حرج ولا محروم، قال أبو بكر بن السّرّاج، وذكر المذاهب الثلاثة فى الآية: «وأنا أستبعد بناء «أيّ» مضافة، وكانت مفردة أحقّ بالبناء، وما أحسب الذين رفعوا أرادوا إلّا الحكاية (3)»، يعنى من رفعها من العرب إذا حذف المبتدأ من صلتها.
وممّا خالفت (4) فيه «أيّ» أخواتها الموصولات حسن حذف المبتدأ من صلتها
__________
(1) تقدّمت قريا.
(2) الأخطل. ديوانه ص 382، والكتاب، الموضع السالف، والأصول 2/ 324، والمخصص 8/ 69، 16/ 110، وشرح الحماسة ص 80، والإنصاف ص 710، وشرح المفصل 3/ 146، 7/ 87، والخزانة 6/ 139.
(3) الأصول، الموضع المذكور فى تخريج الشاهد السابق.
(4) هنا سقط فى ط، ينتهى عند القسم السادس من أقسام «أىّ».(3/42)
على أفعلاء: أحبّاء، كما جاء فى قوله تعالى: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصََارى ََ نَحْنُ أَبْنََاءُ اللََّهِ وَأَحِبََّاؤُهُ}. وعدم تصريح ابن الشجرى بذكر هذا الجمع غريب على أسلوبه فى «الأمالى»، فقد درج على الاستطراد وذكر الغرائب والفوائد، لأدنى ملابسة.
9 - وكما قصّر ابن الشجرى فى ذكر جمع فعيل الذى بمعنى مفعول، قصّر أيضا فى ذكر جمع «النادى»، وهم القوم المجتمعون، قال فى بيت فارعة بنت شدّاد (1):
رفّاع ألوية شهّاد أندية ... سدّاد أوهية فتاح أسداد
«والأندية ليست بجمع ناد، لما قلنا من أن فاعلا لا يجمع على أفعلة، لكنها جمع ندىّ، كرغيف وأرغفة، وهو مجلس القوم ومتحدّثهم» وقد قلت فى حواشى التحقيق إن «النادى» جمع فى الحديث على أنداء، ففى حديث أبى سعيد الخدرى: «كنا أنداء فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم». قال ابن الأثير (2):
«الأنداء. جمع النادى، وهم القوم المجتمعون».
10 - أثبت ابن الشجرى جمع جمع الجمع، فقال فى أصائل (3):
«الواحد أصيل، فقدّروا جمعه على أصل، كقضيب وقضب، ثم جمعوا الأصل فى التقدير على آصال، كمشط وأمشاط، وعنق وأعناق، ثم جمعوا الآصال على أصائل».
وابن الشجرى مسبوق فى ذلك بابن عزيز فى كتابه «غريب القرآن»، والزجاجى فى «الجمل». وقد تعقّب ابن الخشاب ابن الشجرى فى ذلك، وذكر كلاما طويلا أوردته فى حواشى التحقيق، وممن أنكر هذا الجمع أيضا السهيلى فى «الروض الأنف». وحكيت كلامه أيضا.
__________
(1) المجلس الثانى والثلاثون.
(2) النهاية 5/ 37.
(3) المجلس السابق.(1/42)
حتّى كثر ذلك فى الاستعمال، تقول: أكرم أيّهم أفضل، ولا يحسن: أكرم من أفضل، حتى تقول: من هو أفضل، ولا تقول: كل ما أطيب، حتى تقول: ما هو أطيب، ولا يحسن: أكرم الذى أفضل، وإن كان قد قرىء فى الشّذوذ: {تَمََاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (1).
وفى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى ََ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (2)
قولان: أحدهما: أن يكون {أَيُّهُمْ} مبتدءا، و {أَقْرَبُ} خبره، والمعنى: يبتغون الوسيلة إلى ربّهم، ينظرون أيّهم أقرب فيتوسّلون به.
والثانى: أن يكون {أَيُّهُمْ} اسما موصولا، والمبتدأ محذوف من صلته، وهو بدل من الواو التى فى {يَبْتَغُونَ} فالتقدير بإيقاعه موقع الواو: يبتغى إلى ربّهم الوسيلة الذى هو أقرب، أو الذين هم أقرب، فالضمّة فى {أَيُّهُمْ} إعراب، إلّا على مذهب سيبويه، والذى ذهب إليه من بناء «أيّ» إذا حذف المبتدأ من صلتها، رواه عن العرب باجتماع شرطين، أحدهما: اختصاص ذلك بحال الإضافة، فإن نوّنوها أعربوها، فقالوا: لقيت أيّا أفضل.
والثانى: أنهم لا يبنونها إذا كان العامل فيها جارّا، بل يقولون: مررت بأيّهم أفضل. هذا قول بعض النحويّين الأوائل، وخصّ سيبويه بالجارّ الباء دون غيرها.
ومن العرب من يعربها فى كلّ أحوالها، يحملونها على القياس، فيقولون:
كلّم / أيّهم أفضل، يعملون فيها الناصب، ويرفعون الاسم بعدها، على أنه خبر مبتدأ محذوف.
قال سيبويه: وهى لغة جيّدة، نصبوها كما جرّوها، وعلى هذه اللغة قرأ هارون الأعور {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}.
__________
(1) سورة الأنعام 154، وفرغت من تخريج هذه القراءة فى المجلس الحادى عشر.
(2) سورة الإسراء 57.(3/43)
11 - تحدث ابن الشجرى عن وضع المفرد موضع الجمع، وساق له شواهد كثيرة من القرآن الكريم والشعر، ومن تلك الأمثلة قال (1): «وكإيقاع «كثير» فى موضع «كثيرين» و «قليل» فى موضع «قليلين»، فكثير فى قوله تعالى: {رِجََالًا كَثِيراً وَنِسََاءً} وقليل فى قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ}
فالمعنى: وقليلون من عبادى الشاكرون».
ويرى الأستاذ الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة (2) أن جمع «كثير وقليل» مما انفرد به ابن الشجرى، وأنه لم يجد ذلك فى شىء من كتب النحو، ثم أفاد أن «كثير» قد لزمت الإفراد فى القرآن الكريم، أما «قليل» فقد جاءت مفردة ومجموعة فى القرآن الكريم، ومن مجيئها مجموعة قوله تعالى: {إِنَّ هََؤُلََاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}.
وأقول: استعمل ابن الشجرى هذا الجمع فى المجلس الرابع والسبعين، فقال فى شرح بيت المتنبى:
وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت فى عين من لا يجرب
قال: والأصدقاء كذلك كثير عددهم، إلا أنهم عند التحصيل والتحقيق قليلون وكذلك من لم يجرب الأصدقاء ويختبرهم عند شدته يراهم كثيرين.
12 - ولعله من تمام الفائدة أن أشير إلى ما ذكره ابن الشجرى عن الجمع على غير اللفظ، وعن الجمع على غير قياس، وعن جمع الجمع، فى المجالس: الثالث والثلاثين، والخامس والثلاثين، والأربعين، والتاسع والأربعين.
13 - نسب النحاة المتأخرون: المرادى وابن هشام والأشمونى، إلى ابن الشجرى أنه أجاز الجزم بلو. والحق أن ابن الشجرى ضعّف الجزم بلو، حين قصره على الضرورة الشعرية (3)، وكلامه صريح فى أن «لو» لا تجزم، قال فى بيت الشريف الرضى:
__________
(1) المجلس الثامن والأربعون.
(2) النحويين التجديد والتقليد ص 89مقالة بمجلة كلية اللغة العربية بالرياض العدد السادس 1396هـ 1976م.
(3) المجلسان: الثامن والعشرون، والأربعون.(1/43)
إن الوفاء كما اقترحت فلو تكن ... حيّا إذا ما كنت بالمزداد
جزم بلو، وليس حقها أن يجزم بها، لأنها مفارقة لحروف الشرط وإن اقتضت جوابا، كما تقتضيه «إن» الشرطية، وذلك أن حرف الشرط ينقل الماضى إلى الاستقبال، كقولك: إن خرجت غدا خرجنا، ولا تفعل ذلك «لو» وإنما تقول:
لو خرجت أمس خرجنا.
هذا صريح كلام ابن الشجرى. وقد أحسن البغدادى (1) كلّ الإحسان حين قال: «وما نقلوه عن ابن الشجرى من أنه جوّز الجزم بلو فى الشعر، غير موجود فى «أماليه» وإنما أخبرنا بأنها جزمت فى بيت، وقد تكلم عليه فى مجلسين من أماليه».
14 - ذكر ابن الشجرى (2) أن «إطل» واحد الآطال، وهى الخواصر، بكسر الطاء، وهو أحد ما جاء من الأسماء على «فعل» بكسر الفاء والعين، ثم أفاد أن الطاء قد تخفف، أى تسكن، وذهب ابن السيد البطليوسى (3) إلى عكس هذا، فذكر أن «إطل» بالسكون، وأنه لم يسمع محركا إلا فى الشعر (4).
وابن الشجرى فى إيراده لإطل، ضمن ما جاء من الأسماء على فعل، مسبوق بابن قتيبة وابن جنى، لكنهما لم يذكرا فيه سكون الطاء.
15 - أورد ابن الشجرى سؤالا (5) حول «كلا وكلتا»: لم خالفت إضافتهما إلى المضمر إضافتهما إلى المظهر، وكان آخرهما فى الإضافة إلى الضمير ألفا فى الرفع، وياء فى الجر والنصب، وفى الإضافة إلى الظاهر ألفا فى الرفع والنصب والجر؟
__________
(1) الخزانة 4/ 522.
(2) المجلس الثامن والعشرون.
(3) الاقتضاب ص 273.
(4) أدب الكاتب ص 611، والمنصف 1/ 18.
(5) المجلس الثامن والعشرون.(1/44)
والرابع من أقسامها: أن تكون تعجّبا، فلا تضاف إلّا إلى النّكرات، تقول:
أيّ رجل زيد! وأيّ رجلين أخواك! وأيّ رجال إخوتك! وإن شئت أدخلت قبلها سبحان الله لئلّا يلتبس التعجّب بالاستفهام، فقلت: سبحان الله، أيّ رجل زيد!
والخامس: أن تكون مناداة، فيلزمها حرف التنبيه، والوصف بما فيه الألف واللام، تقول: يا أيّها الرجل، وإنما جعلوها وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام لأنهم كرهوا الجمع بين التخصيص بالنداء والألف واللام، ولا يجوز فى صفتها إلّا الرفع لأنها صفة لا يجوز الوقف دونها، فهى المناداة فى المعنى، بخلاف الصّفة فى قولك: يا زيد الظريف، وفى قوله (1):
يا حكم الوارث عن عبد الملك
وأجاز المازنىّ نصب صفتها حملا على نصب «الظريف» و «الجواد» فى قول جرير (2):
فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا
والقياس ما أجمع عليه النحويّون، وقد أوضح ما قلته سيبويه، فى قوله:
«وإنما صار وصفه، لا يجوز فيه إلّا الرفع لأنك لا تستطيع أن تقول: يا أيّ، ولا: يا أيّها، وتسكت لأنه مبهم يلزمه التفسير، فصار هو والرجل بمنزلة اسم واحد، فكأنك قلت: يا رجل (3)». انتهى كلامه.
فإن جئت بعد صفتها بمضاف، فلك فيه الرفع والنصب، تقول: يا أيّها الرجل ذو الجمّة، على الوصف للرجل، وذا الجمّة على البدل من «أيّ» كأنك
__________
(1) رؤية. ديوانه ص 118، والمقتضب 4/ 208، والمغنى ص 19، وشرح أبياته 1/ 60.
(2) فرغت منه فى المجلس الثامن والثلاثين.
(3) الكتاب 2/ 188، وفيه «لا يكون فيه» مكان: «لا يجوز فيه».(3/44)
قلت: يا ذا / الجمّة، ويجوز نصبه على استئناف نداء، وعلى هذ يحمل قوله (1):
يا أيّها الجاهل ذا التّنزّى ... لا توعدنّى حيّة بالنّكز
[ويروى: لا توعدنّ حيّة (2)].
التّنزّى: تسرّع الإنسان إلى الشّرّ، ويقال: نكزته الحيّة نكزا: إذا ضربته بفيها ولم تنهشه.
والسادس: أن تكون «أيّ» نعتا للنكرة، يراد به المدح، كقولك: مررت برجل أيّ رجل، ورأيت رجلا أيّ رجل، وجاءنى رجل أيّ رجل، وجاءنى رجلان أيّ رجلين، ورأيت رجالا أيّ رجال، وإن شئت أظهرت المبتدأ فقلت: وأيّ رجل هو، وتقول: مررت برجل أيّ رجل أبوه، ترفع «أيّا» بأنها خبر مقدّم، وكذلك تقول فى المعرفة: مررت بزيد أيّ رجل أبوه، وتقول فى المؤنّث: مررت بجارية أيّة جارية، كما جاء التأنيث فى التنزيل: {يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (3) وإن شئت اكتفيت بتأنيث الجارية، فقلت: بجارية أيّ جارية، كما جاء فى التنزيل: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مََا شََاءَ رَكَّبَكَ} (4) و {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (5).
* * * __________
(1) فرغت منه فى المجلس الثامن والخمسين.
(2) ساقط من 5.
(3) سورة الفجر 27.
(4) الآية الثامنة من سورة الانفطار.
(5) الآية الأخيرة من سورة لقمان.(3/45)
وقد أجاب ابن الشجرى عن هذا السؤال بكلام جيد، وقال فى آخره:
فتأمل ما استنبطته لك فى هاتين اللفظتين حقّ التأمل، فهو من أعجب ما ألقته أفئدة العرب على ألسنتها.
هذا وقد أغار أبو البركات الأنبارى (1) على بعض كلام شيخه ابن الشجرى فى هذه المسألة، من غير تصريح باسمه.
16 - ذكر ابن الشجرى علّة النحويين فى حذف النون للإضافة، فى نحو:
مكرماك ومكرموك، وأن ذلك الحذف لزم النون حملا لها على التنوين، كأنهم لما ألزموا التنوين الحذف، فى قولهم: مكرمك وضاربه، فلم يقولوا: مكرمنك ولا ضاربنه، ألزموا النون الحذف، فلم يقولوا: مكرمانك ولا مكرمونك. قالوا: وإنما لزم حذف التنوين مع الضمير، لأنه مماثله، من حيث كان التنوين مما لا ينفصل، كما أن هذا الضمير وضع متصلا، فلا ينفصل، وكرهوا الجمع بينه وبين التنوين، كما كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد، كالجمع بين إنّ ولام التوكيد.
وقد تعقّب ابن الشجرى تعليل النحويين هذا، فقال: إنّ فى العلة التى ذكرها النحويون نظرا، من حيث كان الشبه العارض بين التنوين والضمير غير مانع من الجمع بينهما، كما لم يمتنع الجمع بين هذا الضمير ونون التوكيد الخفيفة فى نحو:
لا يطغينك مالك {وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} فى قراءة من خفف النون، وحكم هذه النون حكم التنوين فى أنه لا ينفصل. ثم قال: والجواب الذى خطر لى فى امتناع ثبوت التنوين والنون مع الضمير وذكر كلاما طويلا، تراه فى المجلس الثلاثين.
17 - حكى ابن الشجرى الخلاف (2) فى اسم المفعول من الثلاثى المعتل العين، نحو قال وباع، وذكر أن مذهب الخليل وسيبويه أن المحذوف واو مفعول، ومذهب أبى الحسن الأخفش أن المحذوف هو العين، فوزنه على قولهما: مفعل، وعلى قوله: مفول.
__________
(1) الإنصاف ص 450.
(2) المجلس الحادى والثلاثون، وقد عرض لهذه المسألة أيضا فى المجلسين: السابع عشر، والسادس والأربعين.(1/45)
فصل يتضمّن ذكر أحكام «ربّ»
فمن أحكامها: أنها وضعت للتقليل، ومن أحكامها أنّ لها صدر الكلام، بمنزلة ألف الاستفهام، و «ما» النافية لأنّ تقليل الشىء مضارع لنفيه، وقد استعملوا قلّ وأقلّ نفيا، فقالوا: قلّ رجل يقول ذاك إلّا زيد، وأقلّ رجل يقول ذاك إلّا عمرو (1)، كما تقول: ما رجل يقول ذاك إلّا عمرو، فلذلك ألزموها صدر الكلام، فقالوا: ربّ رجل جاءنى، ولم يقولوا: جاءنى ربّ رجل.
ومن أحكامها: دخولها على النكرة دون المعرفة، وأجاز النحويّون: ربّ رجل وأخيه منطلقين، ولم يجيزوا: ربّ رجل وزيد منطلقين، وإنما أجازوا الأول لأنّ / قولك: وأخيه، يقدّر: وأخ له.
ومن أحكامها: أنه لا بدّ للنكرة التى تدخل عليها من صفة، إمّا اسم، وإمّا فعل، وإمّا ظرف، وإمّا جملة من مبتدأ وخبر، ولا يجوز أن تقول: ربّ رجل وتسكت، حتى تقول: ربّ رجل صالح، أو ربّ رجل يعلم ذاك، أو ربّ رجل عندك، أو ربّ رجل أبوه عالم، فأمّا قول الشاعر (2):
إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك وربّ قتل عار
__________
(1) راجع كتاب الشعر ص 91.
(2) ثابت قطنة، يرثى يزيد بن المهلّب بن أبى صفرة. المقتضب 3/ 66، والحماسة الشجرية 1/ 330، والحماسة البصرية 2/ 212، وشرح الجمل 1/ 477، والمقرب 1/ 220، والضرائر ص 173، والمغنى صفحات 27، 134، 503، وشرح أبياته 1/ 126، وارتشاف الضرب 2/ 52، 585، والخزانة 9/ 576، وفى حواشى المحققين فضل تخريج.
وانظر أحكام «رب» وإعرابها فى الإنصاف ص 832، وتذكرة النحاة ص 5، وأول سطر فيها خطأ. قال: «ربّ حرف جرّ، قاله الكسائىّ وابن الطراوة». وصواب الكلام: «ربّ حرف جرّ، خلافا للكسائىّ وابن الطراوة». وانظر أيضا إعراب الحديث النبوىّ للعكبرى ص 203، وفتح البارى 13/ 23 (باب لا يأتى زمان إلّا الذى بعده شرّ منه. من كتاب الفتن). والإنصاف لابن السيّد ص 114.(3/46)
وقد عرض ابن الشجرى حجج الفريقين، وانتصر لرأى الخليل وسيبويه، واحتج لهما فى كلام طويل جدا، وبعض احتجاجاته مسلوخ من كلام المبرد وابن جنى، وقد نبهت على ذلك فى حواشى التحقيق.
18 - ذهب ابن الشجرى إلى أن «كلّا» لا تضاف إلى واحد معرفة.
قال (1): إلا أن يكون مما يصحّ تبعيضه، كقولك: رأيت كل البلد، ولا تقول:
لقيت كل الرجل الذى أكرمته، فإن قلت: لقيت كل رجل أكرمته، حسن ذلك، وصحّت إضافته إلى المفرد النكرة، كما تصح إضافته إلى الجمع المعرفة، نحو: لقيت كلّ الرجال الذين أكرمتهم.
وكأن ابن الشجرى قد أخذ هذا من ابن جنى، فإنه يرى أن «كلّا» لا يضاف إلا إلى النكرة التى فى معنى الجنس. حكاه عنه السيوطى (2).
19 - حكى ابن الشجرى (3) قول ابن جنى عن استعمال المتنبى «لدن» بغير «من» فى قوله:
فأرحام شعر يتصلن لدنّه ... وأرحام مال ماتنى تتقطع
قال ابن جنى: واستعمل «لدن» بغير «من» وهو قليل فى الكلام، لا يكادون يستعملونها إلا ومعها «من» كما جاء فى التنزيل: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} و {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}.
وقد تعقبه ابن الشجرى فقال: وقد جاء «لدن» بغير «من» فيما أنشده يعقوب، من قوله:
فإنّ الكثر أعيانى قديما ... ولم أقتر لدن أنى غلام
وقال كثيّر:
__________
(1) المجلس الحادى والثلاثون.
(2) الأشباه والنظائر 3/ 131، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 3/ 147.
(3) المجلس الحادى والثلاثون.(1/46)
ومازلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكلّ مكان
وقد حكى ردّ ابن الشجرى هذا العكبرىّ فى شرحه (1) لديوان المتنبى، دون عزو إلى ابن الشجرى.
20 - فرق ابن الشجرى (2) بين «لدن ولدى» وبين «عند» وحكى رأى أبى هلال العسكرى وقوّاه، ثم حكى مذهب أبى العلاء المعرى وضعّفه.
21 - ذهب ابن الشجرى (3) إلى أن «معا» فى قول الخنساء:
* وأفنى رجالى فبادوا معا *
منصوب على الحال، بمنزلة جميعا، وهو فى الأصل ظرف موضوع للصحبة، قال: وعند بعض النحويين أن «معا» فى قولك: جاءوا معا، ينتصب على الظرف، كانتصابه فى قولك: معهم، وإنما فكت إضافته وبقيت علّة نصبه على ما كانت عليه، والصحيح ما ذكرته أولا، لأنه قد نقل من ذلك الموضع، وصار معناه معنى جميعا.
22 - تكلم ابن الشجرى (4) عن الفرق بين «أن» المخففة من الثقيلة، و «أن» المصدرية، وأن كل واحدة منهما مختصة بنوع من الفعل، ولهما اشتراك فى نوع منه، ثم ردّ على المبرد إنكاره على سيبويه ما أجازه من إيقاع الناصبة للفعل بعد العلم، على الوجه الذى قرره سيبويه، وأنكر أيضا إيقاعه بعد الخوف والخشية المخففة من الثقيلة، ثم قال: «إن استبعاد أبى العباس لما أجازه سيبويه من إيقاع المخففة بعد الخوف، على المعنى الذى عناه سيبويه، استبعاد غير واقع موقعه، لأن الشعر القديم، قد ورد بما أنكره أبو العباس» وساق شواهده.
__________
(1) فى نسبة هذا الشرح إلى العكبرى خلاف، والصحيح أنه ليس له، ويأتى الكلام عليه قريبا.
(2) المجلس السابق.
وانظر المعنى ص 169، والهمع 1/ 200، 202، والأشباه والنظائر 2/ 186، وشرح الأشمونى على الألفية 2/ 264.
(3) المجلس الثانى والثلاثون.
(4) المجلس الثالث والثلاثون، وأيضا المجلس التاسع والسبعون.(1/47)
فإنما أراد: هو عار، فحذف المبتدأ من الجملة التى هى صفة لمعمول ربّ.
ومن أحكامها: أنها تكون لتقليل ما مضى، وما هو حاضر، دون المستقبل، تقول: ربّ رجل أخبرنا بحاله، وربّ رجل يخبرنا الآن، ولا تقول: ربّ رجل سيخبرنا، ولا: ربّ رجل ليخبرنّنا غدا لأن ما لم يقع لا يعرف كمّيّته فيقلّل ولا يكثّر.
ومن أحكامها: أنها تدخل على الضمير قبل الذّكر، على شريطة التفسير بنكرة منصوبة، كقولهم: ربّه رجلا جاءنى، ومعنى ربّه رجلا: ربّ رجل، وليست الهاء بضمير شىء جرى ذكره، ولو كانت ضمير شىء جرى ذكره لكانت معرفة، ولم يجز أن تلي ربّ، ولكنها ضمير مبهم، فأشبه بإبهامه النّكرات لأنّك إذا قلت: ربّه، احتاج إلى أن تفسّره، فضارع النّكرات إذ كان لا يخصّ، كما أنّ النكرة لا تخصّ، وهذا الضمير لا يثنّى عند البصريّين ولا يجمع، ولا يؤنّث لأنه ضمير مجهول، يعتمد فيه على التفسير، فيغنى تفسيره عن تثنيته وجمعه، وأجاز فيه الكوفيّون التثنية والجمع والتأنيث.
قال أبو سعيد السّيرافىّ: وممّا قدّم من الضمائر على شرط التفسير: إنّه كرام قومك، وإنّه ذاهبة فلانة (1)، وربّه رجلا، وليست الهاء بضمير شىء جرى ذكره، ولكنها ضمير مبهم، أشبه بإبهامه النّكرات.
/ قال: وقال أبو إسحاق الزّجّاج: معنى ربّه رجلا: أقلل به فى الرّجال:
انتهى كلامه.
ومن أحكامها: أن تلحق بها تاء التأنيث، فيقال: ربّت، كما ألحقت بثمّ،
__________
(1) ويقال أيضا: إنه أمة الله ذاهبة. راجع الكتاب 1/ 147، 2/ 176، والهمع 1/ 67، وتذكرة النحاة ص 167، وعدّه محققه شاهدا شعريّا، وليس كذلك. وهذا هو ضمير الشأن.(3/47)
ثم قال: وكذلك استبعاده لإجازة سيبويه: «ما أعلم إلا أن تقوم» استبعاد فى غير حقه، لأن سيبويه قد أوضح المعنى الذى أراده به فى قوله: «وتقول:
ما علمت إلا أن تقوم» إذا أردت أنك لم تعلم شيئا كائنا ألبتة، ولكنك تكلمت به على وجه الإشارة، كما تقول: أرى من الرأى أن تقوم، فأنت لا تخبر أن قياما قد ثبت كائنا أو يكون فيما يستقبل.
والذى قاله سيبويه غير مدفوع مثله، لأنهم كثيرا ما يستعملون فى معنى بلفظ معنى آخر. ثم ساق ابن الشجرى الشواهد على ذلك، وختم كلامه بقوله: وإذا تأملت ما ذكرته لك من استعمال معنى بلفظ معنى آخر، فى الكتاب العزيز وفى الشعر القديم، وفى الكلام الفصيح، وقفت من ذلك على أمر عجيب، فأول فهمك ما أذكره لك من هذا الفن، بعد ذكر أصول المعانى وفروعها.
23 - ذهب ابن الشجرى إلى أن النداء ليس من باب الأمر (1).
هذا وقد ذكر ابن الشجرى فى المجلس الخامس والثلاثين وجوها كثيرة للنداء، ساق شواهدها، وقال فى آخر كلامه: فهذه وجوه شتى قد احتملها النداء، وإن كان فى أصل وضعه لتنبيه المدعوّ، والذى حملنى على تلخيصها ما ذكرته لك من إنكار كثير منهم أن يكون لفظ النداء محتملا لمعنى غيره، وقد أريتك أن أكثر معانى الكلام، ليس لفظ من ألفاظها إلا وهو محتمل لمعان مباينة للمعنى الذى وضع له ذلك اللفظ، فلا يكون فى احتماله لتلك المعانى ما يخرجه عن معناه الأصلى.
24 - وصحّح أن التعجب (2) داخل فى حيّز الخبر، قال: لأنك إذا قلت: ما أحسن زيدا، فكأنك قلت: زيد حسن جدّا، وتمثيله عند الخليل وسيبويه: شىء أحسن زيدا، وعند الأخفش: الذى أحسن زيدا شىء، وعند آخرين: شىء أحسن زيدا كائن.
وكان ابن الشجرى قد حكى أن بعضهم جعل التعجب معنى مفردا.
25 - وذهب (3) إلى أن العرض ليس استفهاما. قال: واختلفوا فى العرض
__________
(1) المجلس الثالث والثلاثون.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس نفسه.(1/48)
ولا، قال ابن أحمر (1):
وربّت سائل عنّى حفىّ ... أعارت عينه أم لم تعارا
عارت: من العور، أصله عورت، وأراد تعارن، فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا فى الوقف، قياسا على التنوين إذا انفتح ما قبله، فى نحو: رأيت زيدا، وقال آخر فى ثمّ:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّنى ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى (2)
وجاء فى التنزيل: {وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ} (3) أى وليس حين مهرب.
ومن أحكام «ربّ» تخفيفها فى لغة بعض العرب، قال أبو كبير الهذلىّ:
أزهير إن يشب القذال فإنّه ... رب هيضل لجب لففت بهيضل (4)
الهيضل: جمع هيضلة، وهى الجماعة.
واللّجب: الكثير الأصوات.
ومن أحكامها: أنها توصل ب «ما»، فيقع بعدها المعرفة والفعل، وقد قدّمت ذكر ذلك (5)، وحقّ الفعل بعدها أن يكون ماضيا أو حالا، على ما قرّرته قبل، وقد ذكرت
__________
(1) ديوانه ص 76، وتخريجه فى ص 202، وزد عليه الأزهية ص 272، وضرائر الشعر ص 47، وتذكرة النحاة ص 382، وارتشاف الضرب 3/ 280، ومعجم شواهد العربية ص 143، وحواشى المحققين.
وعارت عينه: أى سال دمعها. ويروى «أغارت» بالغين المعجمة. وغارت العين: دخلت فى الرأس.
(2) هذا شاهد كثير الدّوران، وللنحويين فيه أكثر من شاهد. وهو من مقطوعة لشمر بن عمرو الحنفىّ، أحد شعراء بنى حنيفة باليمامة. الأصمعيات ص 126، والكتاب 3/ 24، وشرح الجمل 1/ 250، والخزانة 1/ 357، وانظر فهارسها.
(3) الآية الثالثة من سورة ص، وانظر إعرابها فى المجلس الثالث والثلاثين.
(4) فرغت منه فى المجلس السادس والأربعين. و «زهير» مرخّم «زهيرة» ابنة الشاعر. وتفتح الراء وتضمّ، على قاعدة المرخّم. وقد ضبطت بالضم فى النسخة (ط)، وهى نسخة المؤلف، كما سبق.
(5) المجلس الثامن والستين.(3/48)
فقال قوم: هو من الخبر، لأنه إذا عرض عليك النزول، فقال: ألا تنزل، فقد أخبر بأنه يحبّ نزولك عنده، وأدخله قوم فى الاستفهام، لأن لفظه كلفظه، ولو كان استفهاما لم يكن المخاطب به مكرما لمن خاطبه، ولا موجبا عليه بذلك شكرا.
وقال فى المجلس الخامس والثلاثين: وإذا قال: ألا تنزل عندنا، فلفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الطلب، فكأنه قال: انزل عندنا.
26 - ومنع أن يدخل التمنى فى الخبر، قال (1): وقال بعضهم: التمنى داخل فى الخبر، وكذلك الترجى، لأنه إذا قال: ليت لى مالا، فقد أخبر أنه تمنى ذلك، ولو كان الأمر على ما قال، لما امتنع فيه التصديق والتكذيب.
هكذا قال ابن الشجرى فى المجلس الثالث والثلاثين، وزاده بيانا فى المجلس الخامس والثلاثين.
27 - وذهب (2) إلى أن الجزاء يدخل فى الخبر، وليس قسما منفردا، قال: وذهب بعضهم إلى أن الجزاء قسم منفرد، وليس الأمر كذلك، لأن قول الله سبحانه: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلََا يَخََافُ بَخْساً} يدخله التصديق.
وقال فى المجلس الخامس والثلاثين: إذا قال: من يأتنى آته، فقد أخبر.
28 - فرق ابن الشجرى بين النفى والجحد، فقال (3): وقد يكون النفى جحدا، فإذا كان النافى صادقا فيما قاله سمى كلامه نفيا، وإن كان يعلم أنه كاذب فيما نفاه سمى ذلك النفى جحدا، فالنفى إذن أعم من الجحد، لأن كل جحد نفى، وليس كل نفى جحدا، فمن النفى قوله تعالى: {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ} ومن الجحد نفى فرعون وقومه لآيات موسى، فى قوله تعالى: {فَلَمََّا جََاءَتْهُمْ آيََاتُنََا مُبْصِرَةً قََالُوا هََذََا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}.
__________
(1) المجلس نفسه.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس نفسه.(1/49)
ما قاله النحويّون فى قوله تعالى: {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ} (1).
فمن أقوالهم: أنه حكاية حال قد مضت، ومنها إضمار «كان» بعد ربما، وهو أردأ ما قيل فيه، وأجودها أنّ ربما فى الآية دخلت على الفعل المستقبل لصدق المخبر سبحانه وعلمه بما سيكون كعلمه بما كان، فإخباره بما لم يكن كإخباره بالكائن، ألا ترى أنّ قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ فَزِعُوا فَلََا فَوْتَ} (2) جاء فى اللفظ كأنه قد كان، وهو لصدقه كائن لا محالة، ومثله قوله: {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ} (3)، وقوله: {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (4).
* * * __________
(1) راجع المجلس المذكور.
(2) سورة سبأ 51.
(3) سورة السجدة 12.
(4) سورة سبأ 31.(3/49)
قال: ومن العلماء بالعربية من لا يفرق بين النفى والجحد، والأصل فيه ما ذكرت لك. وقد حكى الزركشى (1) هذه التفرقة بين النفى والجحد، عن ابن الشجرى.
29 - ذهب ابن الشجرى (2) إلى أن الاستفهام يجىء بمعنى الخبر بعد التسوية، فى قولك: ما أدرى أزيد فى الدار أم عمرو؟ ومنه قول زهير:
وما أدرى ولست إخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء
وقد تعقّبه ابن هشام، فقال (3): والذى غلّط ابن الشجرى حتى جعله من النوع الأول توهمه أن معنى الاستفهام فيه غير مقصود ألبتة، لمنافاته لفعل الدراية، وجوابه أن معنى قولك: علمت أزيد قائم: علمت جواب أزيد قائم، وكذلك ما علمت.
30 - عقد ابن الشجرى فصلا للأمر (4)، وحدّه بأنه استدعاء الفعل بصيغة مخصوصة مع علو الرتبة، ثم ذكر الأوجه التى يستعمل فيها الأمر على غير الوجه الذى حدّه، نحو الندب والاستحباب والإباحة والوعيد والتأديب والإرشاد والخبر والتحدى والتنبيه على قدرة الخالق عز وجل، وضرب لذلك الأمثال. ثم قال فى آخر هذا الفصل: واعلم أن من أصحاب المعانى من قال: إن صيغة الأمر مشتركة بين هذه المعانى. وهذا غير صحيح، لأن الذى يسبق إلى الفهم هو طلب الفعل، فدل على أن الطلب حقيقة فيها دون غيره، ولكنها حملت على غير الأمر الواجب بدليل، والأمر الواجب هو الذى يستحق بتركه الذم، كقوله تعالى: {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لََا يَرْكَعُونَ} فذمهم على ترك الركوع بقوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.
هذا وإن ما ذكره ابن الشجرى حول النداء والخبر والاستفهام والتمنى والأمر، إنما يعالج فى فن المعانى من علوم البلاغة.
__________
(1) البرهان 2/ 276.
(2) المجلس الرابع والثلاثون.
(3) المغنى ص 41.
(4) المجلس نفسه.(1/50)
سئلت عن معنى قول المتنبّي (1)
وأنّك لا تجود على جواد ... هباتك أن يلقّب بالجواد
فأجبت بأنه استعار الجود للهبات، فأسند «لا تجود» إليها، والمعنى أنّ هباتك عظمت وتوالت، واحتقر فى جنبها هبات غيرك، فمنعت أن يسمّى جواد غيرك جوادا.
* * *وسئلت عن قوله (2)
كتمت حبّك حتّى منك تكرمة ... ثم استوى فيك إسرارى وإعلانى
كأنه زاد حتى فاض عن جسدى ... فصار سقمى به فى جسم كتمانى
فأجبت بأنه أراد: بالغت فى كتمانى حبّك، حتى أنّى كتمته منك تكرمة لك.
ويجوز (3) أن يكون المعنى: إكراما للحبّ وإعظاما له، حتى لا يطّلع عليه، ثم
__________
(1) ديوانه 1/ 359، وقبل البيت الشاهد:
نلومك يا علىّ لغير ذنب ... لأنك قد زريت على العباد
يمدح على بن إبراهيم التنوخى.
قال ابن سيده فى شرح البيت: «أى لم تترك هباتك أحدا غيرك يستحق أن يلقّب بالجواد إذا قيس بك. وتلخيص ذلك: أى لا تجود هباتك على أحد بهذا الاسم ف «أن» على هذا القول نصب بإسقاط الحرف، أى بأن يلقّب. و «هباتك» فاعلة بتجود. ولا تكون التاء فى «تجود» للمخاطبة، وتكون «هباتك بدلا من الضمير الذى فى «تجود» لا يجوز ذلك ألبتّة لأن المخاطب لا يبدل منه ألبتّة». شرح مشكل شعر المتنبى ص 75.
(2) ديوانه 4/ 192، وحكى شارحه كلام ابن الشجرى.
(3) هذا من كلام الواحدى. راجع شرحه ص 87، 88.(3/50)
31 - ذهب ابن الشجرى (1) إلى اعتبار «أن» فى قول عنترة:
إن العدوّ لهم إليك وسيلة ... أن يأخذوك تكحّلى وتخضّبى
مصدرية، ووجّه تفسيره على هذا، فقال: وقوله: «أن يأخذوك» موضعه نصب، بتقدير حذف الخافض، أى فى أن يأخذوك، أى لهم قربة إليك فى أخذهم إياك، فذمها بإرادتها أن تؤخذ مسبية، فلذلك قال: تكحلى وتخضبى.
وقد حكى البغدادى (2) تأويل ابن الشجرى هذا، ثم تعقبه قائلا: «وهذا تحريف منه، فإن «إن» شرطية، لا مفتوحة مصدرية، وقد جزمت الشرط والجزاء، وقد غفل عنهما».
واعتبار «إن» شرطية، أورده البغدادى عن الأعلم.
32 - أجاز ابن الشجرى (3) أن يجىء اسم «لا» العاملة عمل «ليس» معرفة، والنحويون على أن «لا» المشبهة بليس إنما ترفع النكرات خاصة، وأنشد ابن الشجرى شاهدا على ذلك قول النابغة الجعدى:
وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ ... سواها ولا عن حبّها متراخيا
وقول المتنبى:
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
وقد حكى هذا الرأى عن ابن الشجرى: المرادى وابن هشام والعينى والأشمونى.
وابن الشجرى مسبوق فى هذا بابن جنى، كما ذكر المرادى ومن بعده، وكما ذكر ابن الشجرى نفسه، قال: ووجدت أبا الفتح عثمان بن جنى غير منكر لذلك
__________
(1) المجلس الثالث والثلاثون.
(2) الخزانة 3/ 12.
(3) المجلس الخامس والثلاثون. وانظر الجنى الدانى ص 293، والمغنى ص 264، وشرح الشواهد 2/ 144، وشرح الأشمونى 1/ 253.(1/51)
إنّ إسرارى وإعلانى تساويا، وسبب مساواة الإعلان للإسرار أن الحبّ أسقمه، فذلّ نحول جسمه على الحبّ، ثم قال: كأنه زاد حتى فاض عن جسدى، فشبّه حبّه بأحد الأشياء المائعات، فوصفه بالفيض، ثم قال: فصار سقمى به فى جسم كتمانى، أى لمّا أفرط الحبّ فى الزّيادة فصار كالشىء الفائض تعدّى سقمى به إلى جسم كتمانى، فأذابه وأضعفه، فلما ضعف الكتمان ظهر الحبّ لضعف مخفيه.
مخفيه.
وقال أبو الفتح عثمان بن جنّى فى تفسير البيت الثانى: كأنه، أى كأنّ / الكتمان، فأضمره وإن لم يجر ذكره، لأنه لمّا قال: كتمت، دلّ على الكتمان (1).
قال: وما علمت أن أحدا ذكر استتار سقمه وأنّ الكتمان أخفاه، غير هذا الرجل، وهو من بدائعه.
وفى هذا القول اختلال فى الإعراب، وفساد فى المعنى، وتناقض فى اللفظ لو كان الشاعر أراده، وذلك أنه إذا أعدنا الهاء من «كأنه» إلى الكتمان كما زعم، وجب إعادة الضمائر التى بعدها إلى الكتمان أيضا، فصار التقدير: كأن / الكتمان زاد حتى فاض، فصار سقمى به، أى بالكتمان فى جسم كتمانى، ففى هذا من اختلال الإعراب ما ترى، وفيه أنه جعل الكتمان هو الذى أسقمه، والصحيح أن الحبّ هو المسقم (2) له، ثم إن قوله: ذكر استتار سقمه وأنّ الكتمان أخفاه، متناقض لمساواة إعلانه لإسراره، فى قوله:
ثم استوى فيك إسرارى وإعلانى
* * *
__________
(1) الفتح الوهبى ص 168، والكلام الذى بعده لم أجده فيه، ولعله فى شرحه الكبير على الديوان، المسمّى: الفسر.
(2) كأن ابن الشجرى سلخ هذا من كلام الواحدى، راجع شرحه ص 88.(3/51)
فى تفسيره لشعر المتنبى، ولكنه قال بعد إيراد البيت: «شبه «لا» بليس، فنصب بها الخبر».
وفى ظنى أن ابن الشجرى قد انفرد بإنشاد بيت النابغة المذكور، كما ذكر المرادى والأشمونى، وكما تدل عليه عبارة ابن الشجرى نفسه، فإنه قال بعد إنشاد بيت المتنبى، وحكاية قول ابن جنى: «ومرّ بى بيت للنابغة الجعدى، فيه مرفوع «لا» معرفة». وأنشد البيت.
33 - حكى ابن الشجرى (1) عن بعض النحويين المتأخرين حدّ الاسم بأنه «كلمة تدل على معنى فى نفسها غير مقترنة بزمان محصل». وقد شرح ابن الشجرى هذا الحدّ، ثم تعقبه فقال: ومما اعترض به على هذا الحدّ قولهم: آتيك مضرب الشّول ومقدم الحاج وخفوق النجم، لدلالة هذه الأسماء على الزمان، مع دلالتها على الحدث الذى هو الضّراب والقدوم والخفقان، فقد دلت على معنيين.
ثم قال: «وأسلم حدود الاسم من الطعن قولنا: الاسم ما دل على مسمّى به دلالة الوضع» وقد شرح ابن الشجرى هذا الحدّ شرحا وافيا.
34 - سئل ابن الشجرى (2) فى جملة مسائل وردت إليه من الموصل، عن العلّة الموجبة لفتح التاء فى «أرأيتكم» وهو لجماعة.
فأجاب: أما فتح التاء فى أرأيتكم وأ رأيتكما وأ رأيتك يا هذه وأ رأيتكن: فقد علمت أنك إذا قلت: رأيت يا رجل، فتحت التاء، وإذا قلت: رأيت يا فلانة، كسرتها، وإذا خاطبت اثنين أو اثنتين أو جماعة ذكورا أو إناثا، ضممتها، فقلت:
رأيتما ورأيتم ورأيتن، وقد ثبت واستقر أن التذكير أصل للتأنيث، وأن التوحيد أصل للتثنية والجمع، فلما خصوا الواحد المذكر المخاطب بفتح التاء، ثم جردوا التاء من الخطاب، فانفردت به الكاف فى أرأيتك وأرأيتك يا زينب، والكاف وما زيد عليها فى أرأيتكما وأريتكم وأريتكن ألزموا التاء الحركة الأصلية، وذلك لما ذكرته لك من كون الواحد أصلا للاثنين والجماعة، وكون المذكر أصلا للمؤنث، فاعرف هذا واحتفظ به.
__________
(1) المجلس السابع والثلاثون.
(2) المجلسان السادس والثلاثون والسابع والثلاثون.(1/52)
المجلس الرابع والسبعون ذكر ما جاء فى الذى والتى و [فى (1)] تثنيتهما وجمعهما من اللّغات
اختلف النحويّون فى أصل «الذى»، فقال البصريّون: أصله لذ، بوزن شج وعم (2)، وقال بعضهم: إنّ الألف واللام دخلتا عليه للتعريف، وقال آخرون، وهو الصحيح: بل دخلتا زائدتين لتحسين اللفظ، ولوصف الذى بما فيه الألف واللام، كقولك: مررت بالذى أكرمته الظريف، وجاءنى الذى عندك الطويل، ولم يفعلوا هذا فى «من» إذا كانت موصولة، لم يقولوا: مررت بمن أكرمته الظريف، قالوا: وإنّما تعرّف «الذى» بصلته كما تعرّف «من» و «ما» بصلتهما، وكما تعرّف «ذو» فى قول الشاعر:
لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه (3)
أى الذى أنا عارقه، بصلته.
وقال الفرّاء: أصل الذى: ذا، المشار به إلى الحاضر، أرادوا نقله من الحضرة إلى الغيبة، فأدخلوا عليه الألف واللام للتعريف، وحطّوا ألفه إلى الياء،
__________
(1) زيادة من ط، د.
(2) راجع هذه المسألة فى الإنصاف ص 669، وحواشيه.
(3) صدره:
فإن لم أصدق بعض ما قد صنعتم
وقائله: قيس بن جروة الطائى، الملقّب بعارق الطائى لهذا البيت. وقيل: هو عمرو بن ملقط. وقد فرغت منه فى كتاب الشعر ص 415.(3/52)
للفرق بين الإشارة إلى الحاضر والغائب، وهذا قول ظاهر الفساد، وهو من دعاوى الكوفيّين، فمن فساده أنّ «ذا» معرفة بما فيه من الإشارة، فلا حاجة به إلى التعريف بالألف واللام، ثم قوله: «حطّوا ألفه إلى الياء، للفرق بين الإشارة إلى الحاضر والغائب» فاسد أيضا لأنّنا لسنا نجد فى «الذى» إشارة إلى غائب، كما نجد فى «ذلك» وفى «تلك وذانك وأولئك» إشارة إلى غائب، وأقوى وجوه فساده أنه إذا كان أصل «الذى» ذا، بزعمه، فما وجه هذه / اللام المدغمة فيها لام التعريف؟ فقد وضح لك بما ذكرته أن أصل الذى والتى: لذ ولت، كما قال البصريّون.
وأمّا اللّغات فيها، فأوّلها الّذى، وهى اللغة العليا. والثانية: الّذ، بحذف الياء وإبقاء الكسرة، قال الشاعر:
والّذ لو شاء لكانت براّ ... أو جبلا أصمّ مشمخرّا (1)
والثالثة: الّلذ، بإسكان الذال، قال (2):
فظلت فى شرّ من الّلذ كيدا ... كالّلذ تزبّى زبية فاصطيدا
الزّبية: حفيرة يستتر فيها الرجل للصيّد.
والرابعة: الّذىّ، بتشديد الياء، قال:
__________
(1) الأزهية ص 302، والإنصاف ص 676، وشرح الكافية الشافية ص 254، وشرح الجمل 1/ 170، والهمع 1/ 82، والخزانة 5/ 505. ويروى البيت الأول:
والّذ لو شاء لكنت صخرا
والمشمخرّ: العالى البالغ الارتفاع. وقيل: الراسخ.
(2) هو رجل من هذيل، لم يسمّ. شرح أشعار الهذليين ص 651، والكامل ص 27، والإنصاف ص 675، وشرح الكافية الشافية ص 255، وشرح الجمل 1/ 171، والخزانة 6/ 3، 11/ 421، وانظر حواشى المحققين، والموضع السابق من الأزهية.(3/53)
وقد بينت فى حواشى التحقيق أن أصل هذا التعليل عند الفراء (1).
35 - أجاز ابن الشجرى (2) حذف خبر «كان» ومثّل له بأن يقول لك قائل: من كان فى الدار؟ فتقول: كان أبوك، فتحذف الظرف، ويقول: من كان قائما؟ فتقول: كان حموك، فتحذف «قائما».
والمسألة خلافية، فقد أجاز بعضهم حذف خبر «كان»، ومنهم ابن جنى، وبعضهم منعه إلا فى ضرورة شعر، ومنهم أبو حيان (3).
36 - ذهب ابن الشجرى (4) إلى أن المنادى قد حذف فى قراءة من قرأ:
{أَلََّا يَسْجُدُوا لِلََّهِ} بتخفيف اللام من «ألا».
واعتبار المنادى هنا محذوفا ذهب إليه أبو العباس المبرد، وأنكره عليه ابن جنى، ورأى أن «يا» هنا أخلصت للتنبيه، مجردا من النداء، وقد تكلمت عليه فى حواشى التحقيق.
37 - ضعّف ابن الشجرى (5) الرفع فى نحو: أزيد ضربته، وزيد أكرمه، وعمرو لا تضربه، وعلل ذلك بأن الجملتين الأمرية والنهييّة يضعف الإخبار بهما، لأن الخبر حقّه أن يكون محتملا للتصديق والتكذيب.
وقد حكى الشيخ خالد (6) هذا الرأى عن ابن الشجرى، ثم قال: «قاله ابن الشجرى، ونوقش فيه»، وقال الشيخ يس فى حاشيته عليه: «وجه المناقشة أن الخبر المحتمل لما ذكر يقابل الإنشاء، أى الكلام الخبرى، لا خبر المبتدأ».
__________
(1) معانى القرآن 1/ 333، ذكره فى تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتََاكُمْ عَذََابُ اللََّهِ}
التوبة 40.
(2) المجلس التاسع والثلاثون.
(3) الخصائص 2/ 375، والبحر المحيط 6/ 143، والأشباه والنظائر 1/ 296، والهمع 1/ 116، وحواشى المقتضب 4/ 118.
(4) المجلس نفسه.
(5) المجلس الأربعون.
(6) التصريح على التوضيح 1/ 298، ومعه حاشية الشيخ يس.(1/53)
وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أغناك إلّا للّذىّ
يريد به العلاء ويصطفيه ... لأقرب أقربيه وللقصبىّ
والخامسة: استعمالهم «ذا» بمعنى «الذى» (1)، وذلك إذا أوقعوه بعد «ما» الاستفهامية، كقولك: ماذا صنعت؟ وماذا معك؟ تريد: ما الذى صنعت؟
وما الذى معك؟ هذا مذهب سيبويه، وفاقا للكوفيين، ومنه فى الشّعر قول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل (2)
ومثله فى التنزيل: {مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} (3) قال: معناه: ما الذى أنزل ربّكم؟
والسادسة: أنّ منهم من يقيم مقام الذى: ذو، ومقام التى: ذات، وهى لغة طيّىء، يقولون: زيد ذو قام، وهند ذات قامت، بمعنى التى قامت، قال (4):
فإنّ بيت تميم ذو سمعت به ... فيه تنمّت وأرست عزّها مضر
و «ذو» موحّدة على كلّ حال، فى التثنية والجمع، وكذلك «ذات»، موحّدة مضمومة في كلّ حال، قال الفراء: سمعت بعضهم يقول: «بالفضل ذو فضّلكم الله به، / وبالكرامة ذات أكرمكم الله بها (5)».
__________
(1) الأزهية ص 303، والإنصاف ص 675، وشرح الكافية الشافية ص 254، وشرح الجمل 1/ 170، والهمع 1/ 82، والخزانة 5/ 504، وحواشيها.
(2) فرغت منه فى المجلس الحادى والستين.
(3) سورة النحل 24، 30.
(4) رجل من طيّىء أدرك الإسلام، على ما ذكر أبو ريد فى نوادره ص 265، وعنه المبرد فى الكامل ص 1139، والشاهد فى الأزهية ص 303، والجمل المنسوب للخليل ص 161.
(5) الأزهية ص 304، وشرح الكافية الشافية ص 275، والمساعد على التسهيل 2/ 410.
وأوضح المسالك 1/ 155، واللسان (ذا) 20/ 348، والهمع 1/ 84. وقوله: «أكرمكم الله بها» هكذا جاء فى أصول الأمالى واللسان. والذى فيما ذكرت من كتب «به» بفتح الباء وسكون الهاء. قال الهروىّ فى الأزهية: «يريد بها، فلما أسقط الألف جعل الفتحة التى كانت فى الهاء فى الباء عوضا منها». وهذا من لغة طيّىء أيضا.(3/54)
38 - علّل ابن الشجرى (1) عدم صرف «سبحان» بأنه لما صار علما للتسبيح، وانضم إلى العلمية الألف والنون الزائدتان، تنزل منزلة عثمان، فوجب ترك صرفه، وقد قطعوه عن الإضافة ونوّنوه، لأنهم نكّروه، وذلك فى الشعر، كقول أمية بن أبى الصلت، فيما أنشده سيبويه:
سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبلنا سبّح الجودىّ والجمد
وقد عرّفوه بالألف واللام فى قول الشاعر:
* سبحانك اللهم ذا السبحان *
وقد حكى البغدادى (2) هذا الكلام عن ابن الشجرى، وذكر أن ما ذهب إليه ابن الشجرى فى توجيه التنوين فى «سبحان» هو أحد رأيين فيه، والرأى الأول أنه نوّن ضرورة.
39 - عقد ابن الشجرى فى المجلس الثانى والأربعين، فصلا لشرح ما حكاه سيبويه من قولهم:
«افعل ذا إمّالا» أورد فيه كلاما جيدا عن استعمال هذا التركيب وما فيه من حذوف، ثم قال فى آخره: «فتأمل هذا الفصل، فما علمت أن أحدا كشفه هذا الكشف».
وقد ذكرت فى حواشى التحقيق أن ابن الشجرى مسبوق ببعض هذا الذى قاله فى ذلك الفصل.
40 - منع ابن الشجرى (3) أن تكون الواو زائدة فى قوله تعالى: {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} وتأوله على حذف الجواب، وهو «سعدوا»، وهو رأى المبرد وكثير من البصريين، وقال فى ذلك: «قيل فى الآية إن الواو مقحمة، وليس ذلك بشىء، لأن زيادة الواو لم تثبت فى شىء من الكلام الفصيح».
__________
(1) المجلس الثانى والأربعون.
(2) الخزانة 3/ 248.
(3) المجلس نفسه.(1/54)
ومنهم من يجعل ذو بمعنى الذى والتى، فيقول: هذه هند ذو سمعت بها، ومررت بهند ذو سمعت بها، ورأيت أخويك ذو مررت بهما، ومررت بالقوم ذو سمعت بهم، كما جعلوا «من» للذكر والأنثى وللاثنين والجميع، قال سنان بن الفحل الطائىّ (1):
فإنّ الماء ماء أبى وجدّى ... وبئرى ذو حفرت وذو طويت
قال بعض النّحويّين (2): وربّما ثنّوا وجمعوا، فقالوا: هذان ذوا تعرف، وهؤلاء ذوو تعرف، وهاتان ذواتا تعرف، وهؤلاء ذوات تعرف، ويضمّون التاء على كلّ حال، قال الفرّاء: أنشدنى بعضهم:
جمعتها من إبل موارق ... ذوات ينهضن بغير سائق (3)
موارق، من قولهم: مرق السّهم: إذا نفذ.
فإن ثنّيت الذى، ففيه ثلاث لغات: اللّذان بتخفيف النون، واللّذانّ بتشديدها، والتشديد لغة قريش، واللّذا بحذف النون، قال الأخطل (4):
أبنى كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
هذا قول الكوفيّين، وقال البصريّون: إنما حذف النون لطول الاسم بالصّلة،
__________
(1) شاعر إسلامى من الدولة المروانية. شرح الحماسة ص 591، والأزهية ص 305، والإنصاف ص 384، وشرح الكافية الشافية ص 274، وشرح الجمل 1/ 177، والبسيط ص 291، والخزانة 6/ 34، وغير ذلك مما تراه فى حواشى المحققين.
(2) هذا الكلام كله للهروىّ صاحب الأزهية. وابن الشجرى كثير الإغارة على كلامه دون غزو إليه، وقد أشرت إلى ذلك فى الدراسة ص 145، ثم ظهرت لى بعد ذلك شواهد كثيرة على ما قلت، وهذا الموضع أحدها. الأزهية ص 305.
(3) نسبهما العينى 1/ 440لرؤبة، وهما فى ذيل ديوانه ص 180، والموضع السابق من الأزهية، وشرح الكافية الشافية ص 275، وشرح ابن الناظم ص 34، والمقرب 1/ 58، وأوضح المسالك 1/ 156، وانظر معجم شواهد العربية ص 509.
(4) ديوانه ص 108، وخرّجته فى كتاب الشعر ص 125، وزد على ما ذكرته هناك: ضرورة الشعر ص 200، وليس فى كلام العرب ص 336، والجمل المنسوب للخليل ص 216، والأزهية ص 306.(3/55)
وقد وجدت لأبى جعفر الطبرى كلاما شبيها بهذا الذى ذكره ابن الشجرى، قال (1): «وغير جائز إبطال حرف كان دليلا على معنى فى الكلام».
وقد حكى البغدادى رأى ابن الشجرى هذا، وتعقبه فى كلام طويل، اشتمل على فوائد جمة (2).
41 - قوّى ابن الشجرى (3) قراءة ابن كثير: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ} قال:
وقد جاء حذف النون وإبقاء اللام فى قراءة ابن كثير: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ}
وحذف النون ها هنا حسن، لأن نون التوكيد تخلص الفعل للاستقبال، والله تعالى أراد الإقسام فى الحال، كقولك: والله لأخرج، تريد بذلك خروجا أنت فيه، ولو قلت: لأخرجن، أردت خروجا متوقعا.
وابن الشجرى فيما ذكره من أن حذف النون ها هنا حسن، قد خالف ابن جنى، الذى ذكر أن حذف النون هنا ضعيف خبيث (4).
42 - روى ابن الشجرى (5) قول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
بجرّ «ذاكر»، قال: عطف نكرة على نكرة مجرورة بإضافة «غير» إليها.
وقال البغدادى (6): «روى بنصب «ذاكر» وجره، فالنصب للعطف على «غير»، وقال بعض فضلاء العجم فى شرح أبيات المفصل: نصب «ذاكرا» على أن «لا» بمعنى «غير» وقد تعذر فيها الإعراب، فأعرب ما بعدها، كما فى نحو:
جاءنى رجل لا عالم ولا عاقل اه والجر للعطف على «مستعتب» و «لا» لتأكيد النفى المستفاد من «غير» وعلى هذه الرواية اقتصر ابن الشجرى» ثم حكى تمام كلامه.
__________
(1) تفسيره 1/ 440، قاله ردا على من ذهب إلى أن «إذ» زائدة فى قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ رَبُّكَ لِلْمَلََائِكَةِ إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} البقرة 30.
(2) الخزانة 3/ 170.
(3) المجلسان الرابع والأربعون، والسابع والستون.
(4) المحتسب 2/ 341.
(5) المجلس الخامس والأربعون.
(6) الخزانة 4/ 557، 558.(1/55)
43 - ذكر ابن الشجرى (1) أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين متّسع فى الشعر، وأنشد عليه شواهد كثيرة، وذكر أيضا أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين قد جاء فيما روى عن أبى عمرو فى بعض طرقه: {أَحَدٌ اللََّهُ الصَّمَدُ}.
وقد حكى البغدادى رأى ابن الشجرى هذا، وذكر أنه قد تبع سيبويه فى ذلك، وأفاد أيضا أن ابن هشام خالف فى ذلك، إذ جعل هذا الحذف قليلا (2).
44 - نصر ابن الشجرى (3) مذهب ابن السكيت، فيما ذهب إليه من أن القيل وهو الملك من ملوك حمير أصله من ذوات الواو، وحكى المذهب الآخر الذى يرى أنه من اليائى، قال: وأقول: إن قول ابن السكيت غير بعيد، فيجوز أن يكون أصله «فيعل» من القول، فلما خففوه، حمله من قال فى جمعه:
أقيال، على لفظه، وحمله من قال: أقوال، على أصله، كما قالوا من الشوب:
مشوب ومشيب، فمن قال: مشيب، حمله على لفظ شيب، ومثله المجفو والمجفى، وهو من جفوت.
45 - حكى ابن الشجرى (4) عن ابن جنى اللغات الثمانية فى «أف»، ثم تعقبه فى قوله: «ولا يقال: أفّى، بالياء، كما تقول العامة».
قال ابن الشجرى: إن الذى تقوله العامة جائز فى بعض اللغات، وذلك فى لغة من يقول فى الوقف: أفعى وأعمى وحبلى، يقلبون الألف ياء خالصة، فإذا وصلوا عادوا إلى الألف، ومنهم من يحمل الوصل على الوقف، وهم قليل.
46 - إذا اجتمع نون الوقاية ونون «إن» وأخواتها، جاز التخفيف بحذف إحدى النونات، وقد ذهب ابن الشجرى (5) إلى أن المحذوف النون الوسطى، قال: لأنها هى التى حذفها قبل أن يتصلن بالنون الثالثة، وجاء القرآن بإقرارها فى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللََّهُ} وبحذفها فى قوله: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}.
__________
(1) المجلس نفسه.
(2) الخزانة 4/ 555، وراجع المغنى ص 716.
(3) المجلس نفسه.
(4) المجلس نفسه.
(5) المجلس السادس والأربعون.(1/56)
وقد قرىء {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا} (1) بتخفيف النون وتشديدها، فمن شدّد جعل التشديد عوضا من ياء الذى، وكذلك من قرأ {فَذََانِكَ} (2) و {هََاتَيْنِ} (3)
و {هََذََانِ} (4) بالتشديد، جعله عوضا من الحرف المحذوف فى التثنية، وإنما حذفوا ياء الذى، فلم يقولوا: الّذيان، وقالوا فى الشّجى ونحوه: الشّجيان، للفرق بين المعرب وغير المعرب، وكذلك حذفوا ألف «ذا» فقالوا: ذان، وقلبوا ألف المعرب، فقالوا عصوان (5) لما ذكرنا من الفرق.
وزعم الفراء أن ألف ذان، هى ألف ذا، قال: لأنه لا يجوز أن يبقى الاسم غير / المضمر على حرف. والدليل على أنها ألف التثنية انقلابها فى الجرّ والنّصب، وإنما جاز أن يبقى الاسم على حرف لأنّه تكثّر بألف التثنية ونونها.
وفى جمع «الذى» لغات، أوجهها قول من قالوا: الّذين، فى الأحوال الثلاث، هى (6) اللغة العليا، لأنّ القرآن نزل بها، ومنهم من يقول فى الرفع: الّذون، وهى لغة هذيل، وعلى هذا أنشد من سمعهم ينشدون هذا البيت:
وبنو نويجية الّذون كأنّهم ... معط مخدّمة من الخزّان (7)
الخزّان: جمع الخزز، وهو ذكر الأرانب.
والمعط: جمع الأمعط، وهو الذى سقط شعره.
__________
(1) سورة النساء 16. وقراءة التشديد لابن كثير، ووافقه أبو عمرو على التشديد فى قوله تعالى:
{فَذََانِكَ} خاصّة. وباقى القراء بالتخفيف. الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 381.
(2) سورة القصص 32.
(3) سورة القصص 27.
(4) سورة طه 63. وجاء فى الأصل: «هاتان» وليست فى التلاوة. وجاءت على الصواب فى ط، د. وراجع الموضع السابق من الكشف، والأزهية.
(5) فى الأصل: «عضوان» بالضاد المعجمة. والصواب بالمهملة من ط، د.
(6) هكذا فى النّسخ الثلاث، والوجه: «وهى» بإثبات واو.
(7) الأزهية ص 308، وإعراب ثلاثين سورة ص 30، والمقاييس 2/ 151، والمجمل ص 274، وشرح الجمل 1/ 172، ولم أجده فى أشعار الهذليين.(3/56)
والمخدّم: الأبيض الأطراف.
ومنهم من يأتى بالجمع بلفظ الواحد، كما قال (1):
وإنّ الذى حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد
وقيل فى قول الله تعالى: {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (2) إنه بهذه اللغة، وكذلك قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ} (3) قيل: إنّ المعنى: كمثل الّذين استوقدوا، فلذلك قيل: {ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ} فحمل أوّل الكلام على لفظ الواحد، وآخره على الجمع. وأمّا قوله عزّ وجل: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خََاضُوا} (4) فإنّ «الذى» هاهنا وصف لمصدر محذوف، تقديره: وخضتم كالخوض الذى خاضوه.
ومنهم من قال فى جمع الذى: الألى، وهذه اللغة تلى الّذين فى الفصاحة، قال القطامىّ (5).
أليسوا بالألى قسطوا جميعا ... على النّعمان وابتدروا السّطاعا
قسطوا: جاروا، ونقيضه: أقسطوا: عدلوا، قال الله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (6)، وقال: {وَأَمَّا الْقََاسِطُونَ فَكََانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} (7).
__________
(1) الأشهب بن رميلة. والبيت فى شعره (شعراء أمويون) 4/ 231، 232، وتخريجه فيه، وزد عليه ما فى حواشى الأزهية ص 309، والجمل المنسوب للخليل ص 216، وشرح الجمل 1/ 172، 2/ 237، وشرح أبيات المغنى 4/ 182، وأنشده القرطبى فى تفسيره 1/ 212، حكاية عن ابن الشجرى.
وفلج، بفتح الفاء وسكون اللام: موضع فى طريق البصرة إلى مكة.
(2) سورة الزمر 33.
(3) سورة البقرة 17، والسياق كلّه فى الأزهية ص 309، 310.
(4) سورة التوبة 69.
(5) ديوانه ص 36، والأزهية ص 312.
(6) الآية التاسعة من سورة الحجرات.
(7) سورة الجن 15.(3/57)
قال السيوطى (1): «إذا اجتمع نون الوقاية ونون إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ، جاز حذف أحدهما، وفى المحذوفة قولان: أحدهما نون الوقاية، وعليه الجمهور، وقيل:
نون إن، لأن نون الوقاية دخلت للفرق بين إننى وإنى، وما دخل للفرق لا يحذف، ثم اختلف، هل المحذوف الأولى المدغمة، لأنها ساكنة، والساكن يسرع إلى الحذف، أو الثانية المدغم فيها، لأنها طرف، على قولين، صحح أبو البقاء فى «اللباب» أولهما».
47 - حكى ابن الشجرى (2) قول قطرب وغيره من علماء العربية، فى اللغات الواردة فى لفظ الجلالة، قال فى حكايته: إن هذا الاسم لكثرة دوره فى الكلام، كثرت فيه اللغات، فمن العرب من يقول: والله لا أفعل، ومنهم من يقول: لاه لا أفعل، ومنهم من يقول: والله، بحذف ألفه وإسكان هائه، وترك تفخيم لامه، وأنشدوا:
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلّه
وقد عقّب ابن الشجرى على هذه اللغة الأخيرة، فقال: إن حذف ألفه إنما استعمله قائل هذا الرجز للضرورة، وأسكن آخره للوقف عليه، ورقّق لامه لانكسار ما قبلها، ولو لم يأت فى قافية البيت الثانى: «المغله» لأمكن أن يقول: جاء من أمر اللاه، فيثبت ألفه ويقف على الهاء بالسكون.
وقد حكى البغدادى كلام ابن الشجرى هذا (3).
48 - منع ابن الشجرى (4) رفع «الفضل» على المجاورة، فى قول المتنخل:
السالك الثغرة اليقظان كالئها ... مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل
__________
(1) الأشباه والنظائر 1/ 34، وقد عرض أبو حيان لهذه المسألة فى البحر المحيط 1/ 451، 5/ 238، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 423.
(2) المجلس السابع والأربعون.
(3) الخزانة 4/ 343.
(4) المجلس التاسع والأربعون.(1/57)
وشنّع على قائله. قال: «وزعم بعض من لا معرفة له بحقائق الإعراب، بل لا معرفة له بجملة الإعراب أن ارتفاع «الفضل» على المجاورة للمرفوع، فارتكب خطأ فاحشا، وإنما «الفضل» نعت للهلوك على المعنى، لأنها فاعلة من حيث أسند المصدر الذى هو «المشى» إليها، كقولك: عجبت من ضرب زيد الطويل عمرا، رفعت «الطويل» لأنه وصف لفاعل الضرب، وإن كان مخفوضا فى اللفظ».
وقد أثبتّ فى حواشى التحقيق أن أول من قال برفع «الفضل» على المجاورة، وذهب إليه ابن قتيبة، ثم نقلت قول البغدادى فى الخزانة إن الرفع على المجاورة لم يثبت عند المحققين، وإنما ذهب إليه بعض ضعفة النحويين، ثم حكى كلام ابن الشجرى.
ويبدو أن ابن الشجرى كان لا يميل إلى توجيه الإعراب على المجاورة، فقد نقل عن أبى على الفارسى أن قول امرىء القيس:
كأن ثبيرا فى عرانين وبله ... كبير أناس فى بجاد مزمّل
على تقدير: «مزمّل فيه».
قال ابن الشجرى (1): «ولولا تقدير «فيه» ها هنا، وجب رفع «مزمل» على الوصف لكبير، وتقدير «فيه» أمثل من حمل الجر على المجاورة».
49 - حكى ابن الشجرى (2) الخلاف بين الصرفّيين فى المحذوف من «دم ويد» هل هو الياء أو الواو، ورجح أن يكون المحذوف منهما الياء. فى كلام طويل، حكاه عنه البغدادى (3).
50 - تكلم ابن الشجرى (4) على حذف ألف «تبالى» فى قولهم:
__________
(1) المجلس الثالث عشر.
(2) المجلس التاسع والأربعون.
(3) الخزانة 3/ 350.
(4) المجلس الرابع والخمسون.(1/58)
والسّطاع: عمود الخيمة.
وقال عبيد بن الأبرص:
/ نحن الألى فاجمع جمو ... عك ثمّ وجّههم إلينا (1)
أراد نحن الألى عرفتهم، فحذف الصّلة، وهو من الضّرورات البعيدة.
ومنهم من يقول فى الرفع: هم اللّاءون فعلوا كذا، واللّائين، فى الجرّ والنصب، قال الهذلىّ:
هم اللّاءون فكّوا الغلّ عنّى ... بمرو الشاهجان وهم جناحى (2)
ومنهم من يقول: اللاءو، بحذف النون، قال الكسائىّ: سمعت هذيل تقول: هم اللاءو فعلوا كذا وكذا.
ومنهم من يقول: هم اللائى فعلوا، بالياء فى الأحوال الثلاث، قال الفرّاء:
وهذه اللغة سواء فى الرجال والنساء، ومنهم من يحذف الياء فى الرجال والنساء، فيقول: هم اللاء فعلوا، وهنّ اللاء فعلن، قال: وأنشدنى رجل من بنى سليم:
فما آباؤنا بأمنّ منه ... علينا اللّاء قد مهدوا الحجورا (3)
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الخامس.
(2) إعراب ثلاثين سورة ص 30، والأزهية ص 310، وشرح الجمل 1/ 173، والمغنى ص 410، وشرح أبياته 6/ 255، والهمع 1/ 83. ولم ينسب فى أىّ من هذه الكتب. وقال البغدادى فى شرح الأبيات: ولقد راجعت أشعار الهذليين الذى جمعه السكّرىّ، فلم أجد فيه هذا البيت، فضلا عن تتمّته واسم قائله. والله أعلم.
(3) الأزهية ص 311وفيه: لرجل من بنى تميم وشرح الكافية الشافية ص 259، وشرح ابن عقيل 1/ 145، وأوضح المسالك 1/ 146، وشرح الشواهد الكبرى 1/ 429، والهمع 1/ 83، ومعجم الشواهد ص 144.
قال العينىّ: والحجور: جمع حجر الإنسان وحجره، بفتح الحاء وكسرها. والمعنى: ليس آباؤنا الذين أصلحوا شأننا ومهدوا أمرنا وجعلوا حجورهم لنا كالمهد، بأكثر امتنانا علينا من هذا الممدوح.(3/58)
«لا تبل» وتكلم أيضا على قولهم: «لم أبله» بإلحاق هاء السكت، ثم أورد اعتراضا على دخول هاء السكت فى هذا الموضع، وأجاب عليه، قال: وقد اعترض فى دخول هاء السكت فى «لم أبله» على اللام وهى ساكنة، وهاء السكت لا تدخل إلا على متحرك، لتبين حركته، كقولهم فى عمّ ولم: عمه ولمه؟ وفى كتابى وحسابى: كتابيه وحسابيه، وفى قولهم: اسع وادن: اسعه وادنه، وتدخل على الألف، لأن الألف لخفائها تشبه الحركة، وذلك فى الندبة.
والجواب عن هذا الاعتراض أن لام «أبالى» مكسورة كسرا أصليا، كما ترى، والجازم أوجب حذف الياء منه وحدها، كحذفها فى لم أرام، فحذف الكسرة بعد حذف الياء حذف بغير استحقاق، لأن علم الجزم فى «أبالى» إنما هو حذف يائه، ولما حذفوا الياء ثم أتبعوها الكسرة كان ذلك جزما بغير جزم، فالجزم الثانى غير مستحق، وإذا كان إسكان اللام بغير استحقاق، وكانت الكسرة المحذوفة مقدرة فى اللام، فكأنها موجودة لفظا، وإذا كانت فى تقدير الوجود صارت هاء السكت كأنها دخلت على متحرك، وشبيه هذا، وإن كان بعكسه، تقدير السكون والعمل بمقتضى وجوده، وذلك أن «هلم» مركب من حرف وهو «ها» وفعل وهو «المم» فهمزة الوصل سقطت فى الدرج، والميم الأولى ألقيت ضمتها على اللام، ثم أدغمت فى الثانية بعد تحريك الثانية بالفتح، فصار إلى «ها لم» فلم يعتدوا بضمة اللام، لأنها منقولة إليها من الميم، فنزلت اللام منزلة الساكن، حيث لم تكن ضمتها أصلية، فكأنه التقى ساكنان، فحذفوا ألف حرف التنبيه الذى هو «ها» لما كانت اللام ساكنة تقديرا، فكما حذفوا هذه الألف لسكون مقدر، كذلك أدخلوا هاء السكت على «أبل» لحركة مقدرة أسقطت بغير حق، لأنهم أسقطوها لجزم ثان، فكأنها لذلك موجودة لفظا، وهذا الجواب عن هذا الاعتراض مما استخرجته».
ولعل هذا الذى سقته من كلام ابن الشجرى خير مثال على منهجه فى القياس والاستدلال.
51 - حكى ابن الشجرى اختلاف العلماء فى معنى «إن» من قوله تعالى:
{وَلَقَدْ مَكَّنََّاهُمْ فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} ثم اختار أن تكون نافية بمعنى «ما».(1/59)
وأما الّتى ففيها أربع لغات: هذه أعلاها.
والثانية: الّت، بحذف الياء وإبقاء الكسرة.
والثالثة: الّت، بإسكان التاء، أنشد الفرّاء:
فقل للّت تلومك إنّ نفسى ... أراها لا تعوّذ بالتّميم (1)
التّميم: جمع تميمة، وهي التّعويذ.
والرابعة: أنّ منهم من يقيم مقام التى: ذات، كما أنّ منهم من يقيم مقام الذى: ذو، وهى لغة طيىء، وقد تقدّم ذكرها.
وذكر أبو القاسم الثمانينىّ لغة خامسة، وهى التىّ، بتشديد الياء، كما قالوا فى المذكّر: الذىّ.
وفى تثنية «التى» ثلاث لغات: اللّتان، بتخفيف النون، واللّتانّ بتشديدها، واللّتا، بحذفها، أنشد الفرّاء:
هما اللّتا لو ولدت تميم ... لقيل فخر لهم صميم (2)
وفى جمعها لغات، أحدها: اللّاتى، وفى التنزيل: {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ / مِنْ نِسََائِكُمْ} (3).
والثانية: اللّات، بحذف الياء وإبقاء الكسرة، قال الأسود بن يعفر (4):
__________
(1) الأزهية ص 312، والهمع 1/ 82، والخزانة 6/ 6، عن ابن الشجرى.
(2) الأزهية ص 313، وأوضح المسالك 1/ 141، وشرح الشواهد الكبرى 1/ 425، والتصريح 1/ 132، والهمع 1/ 49، والخزانة 6/ 14. والشطران نسبهما العينىّ إلى الأخطل. قال البغدادىّ: وقد فتّشت أنا ديوانه فلم أجده فيه. والله أعلم.
(3) سورة النساء 15.
(4) ديوانه ص 38، وتخريجه فى ص 78، والأزهية ص 314(3/59)
اللّات كالبيض لمّا تعد أن درست ... صفر الأنامل من قرع القواقيز
شبّه النّساء بالبيض، كما جاء فى التنزيل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} (1).
ومعنى «درست»: حاضت.
والأنامل: أطراف الأصابع.
والقواقيز: الأقداح التى يشرب بها الخمر وغيرها من الأشربة، واحدها:
قاقوزة وقازوزة، وهو القدح الضّيّق الأسفل.
واللغة الثالثة: اللّائى، بالهمزة وإثبات الياء.
والرابعة: اللّاء، بكسر الهمزة وحذف الياء، وقد قرىء: {وَاللََّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسََائِكُمْ} (2) بهاتين اللّغتين، وقال الشاعر (3):
من اللّاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البرىء المغفّلا
وقد قرأ بعض القرّاء (4) بتخفيف الهمزة من اللّاء، وقياسها أن تجعل بين بين.
والخامسة: اللّا، بحذف الهمزة، قال الكميت (5):
__________
(1) سورة الصافات 49.
(2) الآية الرابعة من سورة الطلاق. وانظر اختلاف القرّاء فى هذا الحرف، فى السبعة ص 518، والكشف 2/ 193فى الآية الرابعة من سورة الأحزاب.
(3) العرجى. ديوانه ص 74، والأزهية ص 316. وتمثلت عائشة بنت طلحة بهذا البيت. العقد الفريد 6/ 109، فنسب بعضهم البيت لها! ونسبه أبو عبيدة فى المجاز 1/ 120، 121، لعمر بن أبى ربيعة، وليس فى ديوانه المطبوع. ونسبه الحصرى مع بيت آخر للحارث بن خالد المخزومى. زهر الآداب ص 168، فى قصة طريفة.
والبيت من غير نسبة فى معانى القرآن للزجاج 2/ 28، والعضديات ص 171، وتفسير القرطبى 5/ 108.
(4) وكذلك قرأها ورش. راجع الإتحاف 2/ 369فى آية الأحزاب أيضا.
(5) الكميت بن معروف، كما نصّ أبو علىّ فى كتاب الشعر ص 426. والكميت هذا يعرف بالكميت الأوسط لتوسّطه فى الزمن بين جدّه الكميت بن ثعلبة، والكميت بن زيد، شاعر الهاشميين الكبير، والمتعصّب للمضريّة على القحطانية.(3/60)
قال: اختلف فى «إن» هذه، فزعم قطرب أنها بمعنى «قد»، وزعم الأخفش أنها زائدة، وقوله أمثل من قول قطرب، وقال غيرهما: إنها نافية، مثلها فى قوله تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطََانٍ بِهََذََا}، وهذا القول أسدّ ما قيل فيها، لأن «ما» بمعنى «الذى» والمعنى: ولقد مكناهم فى الذى ما مكناكم فيه، فهذا مطابق لقوله عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مََا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} (1).
وقد حكى رأى ابن الشجرى هذا الزركشىّ، وذكر أنه رأى الزمخشرى أيضا (2).
وأقول: إن ابن الشجرىّ والزمخشرىّ مسبوقان فيما ذهبا إليه بالمبرد، فهذا هو رأيه وتقديره فى الآية الكريمة، حكاه عنه القرطبى (3). وقبل الثلاثة: الفراء، فقد ذهب إلى أن «إن» بمنزلة «ما» فى الجحد، لكنه جعل تقدير الآية الكريمة: فى الذى لم نمكنكم فيه (4).
ولابن الشجرى فضل التنظير والمطابقة بقوله تعالى: {مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مََا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} وقد ذكر هذا التنظير ابن هشام (5)، مؤيدا به كون «إن» بمعنى «ما» ولم يعزه إلى ابن الشجرى.
وممن ذهب إلى أن «إن» بمعنى «ما» الهروى، ومكى بن أبى طالب (6).
52 - حكى ابن الشجرى (7) الخلاف فى تقدير جواب الأمر، من قوله
__________
(1) المجلس الثالث والستون وأيضا المجلس التاسع والسبعون.
(2) البرهان 4/ 218، وراجع الكشاف 3/ 525.
(3) تفسيره 16/ 208.
(4) معانى القرآن 3/ 56.
(5) المغنى ص 19.
(6) الأزهية ص 43، ومشكل إعراب القرآن الكريم 2/ 302.
(7) المجلس السابق.(1/60)
وكانت من اللّا لا يعيّرها ابنها ... إذا ما الغلام الأحمق الأمّ عيرا
وقال آخر:
فدومى على العهد الذى كان بيننا ... أم أنت من اللّا ما لهنّ عهود (1)
فإن جمعت الجمع، قلت فى اللاتى: اللّواتى، وفى اللاء: اللّوائى، وقد روى عنهم: اللّوات، بحذف الياء وإبقاء الكسرة.
* * * __________
والبيت وضعه جامع ديوان الكميت بن زيد فى شعره. وانظر حواشى كتاب الشعر، والأزهية ص 315، والمساعد 1/ 144، وشفاء العليل فى إيضاح التسهيل ص 225.
وقوله: «لا يعيرها» ضبط فى الأصل بكسر الياء، على البناء للفاعل. وضبط فى ط بالفتح، على البناء للمفعول، وهو الصواب. قال صاحب الأزهية: «وقوله: لا يعيّرها ابنها، أراد لا يعيّر بها ابنها. تقول العرب: عيرتنى كذا، ولا تقول: عيّرتنى بكذا». قلت: وقد جاء فى بعض المراجع: «لا يغيرها
غيرا» بالغين المعجمة، خطأ.
(1) الأزهية ص 315، وكتاب الشعر ص 425، وحواشيه.(3/61)
تعالى: {وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} وقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ}.
قال: «اختلف فى جزم «يقولوا ويغضوا ويغفروا» فذهب الأخفش إلى أنهن أجوبة «قل» وذهب غيره إلى أنهن أجوبة أمر آخر مضمر، تقديره: قل لعبادى قولوا التى هى أحسن يقولوا، وقل للمؤمنين غضوا من أبصاركم يغضوا، وقل للذين آمنوا اغفروا للذين لا يرجون أيام الله يغفروا، وهذا أوجه القولين، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ} والذى يوضّح إضمار أمر آخر أن «قل» لا بدّ له من جملة تحكى به، فالجملة المحكيّة به هى التى ذكرناها، لأن أمر الله لنبيّه بالقول ليس فيه بيان لهم بأن يقيموا الصلاة حتى يقول لهم النبىّ: أقيموا الصلاة، فلا يجوز أن تكون هذه المجزومات أجوبة لقل» انتهى كلام ابن الشجرى.
ولى عليه قولان:
الأول: أن قوله: «وذهب غيره» المراد به المبرد، فهذا رأيه (1)، وذهب إليه ابن الأنبارى أيضا، على ما حكاه ابن الجوزى (2). وأفسد هذا الرأى العكبرىّ، وأبو حيان بكلام العكبرىّ (3).
الثانى: أن استدلال ابن الشجرى بقوله: «لأن أمر الله لنبيه بالقول»
إلى آخر ما قال، هو من كلام مكى بن أبى طالب (4)، وأفسده أيضا العكبرىّ.
53 - اختار ابن الشجرى (5) أن تقع «إذ» زائدة بعد «بينا وبينما» خاصة، فى نحو: بينما زيد إذ جاء عمرو، قال: وصواب هذا الكلام عندى الحكم بزيادة «إذ» لأنك لو جعلتها غير زائدة، أعملت فيها الخبر مذكورا أو مقدرا، وهى
__________
(1) فى المقتضب 2/ 84.
(2) زاد المسير 4/ 363.
(3) التبيان ص 770، والبحر 5/ 426.
(4) مشكل إعراب القرآن الكريم 1/ 451.
(5) المجلس الخامس والستون.(1/61)
فصل يتضمّن أقسام «من»
وهى أربعة، أحدها: أنها تكون شرطيّة، فيحكم عليها بالرفع وبالنصب وبالخفض، فالرفع كقولك: من يكرمنى أكرمه، فمن مبتدأ، والفعلان بعده / مجزومان بكونهما شرطا وجزاء، والجملة من الشرط والجزاء خبر «من» وقد قيل إنّ الشرط هو الخبر (1)، ومثله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً} (2) والنصب كقولك: من تكرم أكرم، فمن مفعول به، والناصب له الشرط دون الجزاء، كما نصب الشرط «أيّا» فى قوله: {أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ} (3) فإن أضفت إلى «من» اسما يظهر فيه الإعراب نصبته إذا لم تشغل الفعل بغيره، كقولك: صاحب من تكرم أكرم، فإن شغلت الفعل عنه رفعته بالابتداء، فقلت: صاحب من تكرمه أكرمه.
فأمّا الجرّ فى «من» ونظائرها فبحرف جرّ أو بإضافة اسم إليها، وإنما جاز للجارّ أن يتقدّم على ما لا يتقدّم عليه الفعل لأنّ الجارّ كالجزء من المجرور.
والقسم الثانى: أن تكون استفهاميّة، فتحكم عليها بالرفع والنصب والخفض، كما حكمت على الشرطيّة، تقول: من جاءك؟ فتحكم عليها بالرفع بالابتداء، فإن قلت: من أكرمت؟ حكمت عليها بالنصب لأنك لم تشغل عنها الفعل، فإن قلت: من أكرمت أخاه؟ حكمت عليها بالرفع لأنك شغلت الفعل عنها.
وتقول فى الجرّ: بمن مررت؟ وصاحب من أكرمت؟ فتعمل أكرمت فى
__________
(1) راجع الخلاف حول هذه المسألة فى المباحث المرضية المتعلقة ب «من» الشرطية ص 35، وتعليق المحقق ص 43.
(2) سورة الفرقان 68.
(3) سورة الإسراء 110.(3/62)
مضافة إلى الجملة الفعلية التى هى «جاء» وفاعله، وهذا الفعل هو الناصب لبينما، فإذا قدرت «إذ» مضافة إليه وهى على بابها غير زائدة، بطل إعماله فى «بينما» لأن المضاف إليه كما لا يصح إعماله فى المضاف، كذلك لا يصح أن يعمل فيما قبل المضاف، ألا ترى أنهم لم يجيزوا فى قولهم: أنت مثل ضارب زيدا، تقديم «زيد»، فيقولوا: أنت زيدا مثل ضارب.
وقد حكى اختيار ابن الشجرى هذا: ابن هشام والسيوطى (1).
54 - ذهب ابن الشجرى (2) إلى أن خبر المبتدأ بعد «لولا» قد ظهر فى قوله تعالى: {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطََانَ} وكذلك قوله:
{وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طََائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.
وقد تعقبه ابن هشام فى موضعين من المغنى (3)، فقال فى الموضع الأول:
وزعم ابن الشجرى أن من ذكره أى من ذكر الخبر بعد لولا {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} وهذا غير متعيّن، لجواز تعلّق الظرف بالفضل. وقال فى الموضع الثانى: وأما قول ابن الشجرى فى {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} إن (عليكم) خبر، فمردود، بل هو متعلق بالمبتدأ، والخبر محذوف.
وقد حكى هذا الرأى عن ابن الشجرى: المرادىّ، والشيخ خالد، والسيوطىّ والأشمونى (4)، وأفادوا أن هذا الرأى يعزى أيضا إلى الرّمانى والشلوبين وابن مالك.
وقال ابن مالك (5): وهذا الذى ذهبت إليه هو مذهب الرمانى والشجرى والشلوبين.
55 - ضعّف ابن الشجرى (6) مجىء «لولا» بمعنى «لم».
__________
(1) المغنى ص 88، والهمع 1/ 204، 206.
(2) المجلس السادس والستون.
(3) المغنى ص 302، 482.
(4) الجنى الدانى ص 600، والتصريح 1/ 179، والهمع 1/ 104، وشرح الأشمونى على الألفية 216.
(5) التسهيل، حواشى ص 45.
(6) المجلس نفسه.(1/62)
المضاف، فإن قلت: صاحب من أكرمت أخاه؟ رفعته بالابتداء، وتقول: من ضرب أخاك إلّا زيد؟ فمن هاهنا استفهام فى تأويل النّفى، كأنك قلت: ما ضرب أخاك إلّا زيد، ومثله فى التنزيل: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللََّهُ} (1) كأنه قيل: ليس يغفر الذنوب إلّا الله، وجاز هذا لما بين الاستفهام والنفى من المضارعة، بإخراجهما الكلام إلى غير الإيجاب، تقول: هل زيد إلّا صاحبك؟ كما جاء فى التنزيل: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (2).
وتقول: أبا من تكنى؟ فتنصب الأب لأنه مفعول مقدّم، ووجب تقديمه لإضافته إلى «من» لأن الاستفهام صدر أبدا، لا يجوز تقدّم الفعل العامل فيه عليه.
والثالث من أقسامها: أن تكون موصولة، فتؤدّى لإبهامها معنى الذى / والتى وتثنيتهما وجمعهما، ويفرق بين هذه المعانى الضّمير العائد إليها من صلتها، تقول:
جاءنى من أكرمته، ومن أكرمتها، ومن أكرمتهما، ومن أكرمتهم، ومن أكرمتهنّ، فمثال المفرد المذكّر فى التنزيل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (3)، ومثال المجموع قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (4) ومثله: {وَمِنَ الشَّيََاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} (5)
وجاء فى المثنّى قول الفرزدق، وقد ألقى إلى ذئب طرقه كتف شاة مشويّة:
تعشّ فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (6)
وقد توقع «من» على جماعة فيعاد عليها ضمير مفرد على لفظها، وضمير
__________
(1) سورة آل عمران 135. وانظر الأزهية ص 107، والتبيان ص 293.
(2) سورة الرحمن 60.
(3) سورة الأنعام 25.
(4) سورة يونس 42.
(5) سورة الأنبياء 82.
(6) فرغت منه فى المجلس الثامن والثلاثين.(3/63)
قال: وزعم قوم من الكوفيين أن «لولا» قد استعملت بمعنى «لم» واحتج بقوله: {فَلَوْلََا كََانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهََا إِيمََانُهََا إِلََّا قَوْمَ يُونُسَ}، قال: معناه: لم تكن قرية آمنت عند نزول العذاب فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، وكذلك {فَلَوْلََا كََانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسََادِ فِي الْأَرْضِ إِلََّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنََا مِنْهُمْ} وهذا التقدير موافق للمعنى ومباين لأصح الإعرابين، لأن المستثنى بعد النفى يقوى فيه البدل، ويجوز النصب، ولم يأت فى الآيتين إلا النصب.
وقد حكى الزركشى (1) كلام ابن الشجرى ووضحه فقال: «أى فدل على أن الكلام موجب». ثم قال: «وجوابه ما ذكرنا من أن فيه معنى النفى».
وممن ذهب إلى أن «لولا» فى الآيتين بمعنى «لم» ابن فارس والهروى (2).
وهذا الذى استشكله ابن الشجرى قد ردّه أبو جعفر الطبرى (3) بقوله:
«فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن قوله: {فَلَوْلََا كََانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهََا إِيمََانُهََا} بمعنى: فما كانت قرية آمنت، بمعنى الجحود، فكيف نصب (قوم) وقد علمت أن ما قبل الاستثناء إذا كان جحدا، كان ما بعده مرفوعا، وأن الصحيح من كلام العرب: ما قام أحد إلا أخوك، وما خرج أحد إلا أبوك.
قيل: إن ذلك فيما يكون كذلك، إذا كان ما بعد الاستثناء من جنس ما قبله، وذلك أن الأخ من جنس أحد، وكذلك الأب، ولكن لو اختلف الجنسان حتى يكون ما بعد الاستثناء من غير جنس ما قبله، كان الفصيح من كلامهم النصب، وذلك لو قلت: ما بقى فى الدار أحد إلا الوتد لأن الوتد من غير جنس أحد فكذلك نصب (قوم يونس) لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم، ومن غير جنسهم وشكلهم، وإن كانوا من بنى آدم، وهذا الاستثناء الذى يسميه بعض أهل العربية الاستثناء المنقطع، ولو كان قوم يونس بعض الأمة الذين استثنوا منهم، كان الكلام رفعا، ولكنهم كما وصفت.
__________
(1) البرهان 4/ 379.
(2) الصاحبى ص 254، والأزهية ص 178.
(3) تفسيره 15/ 206.(1/63)
مجموع على معناها، كقولك: جاءنى من أكرمته ولهم عليّ حقّ، ومثله فى التنزيل: {مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) وكذلك يعاد إليها ضمير مذكّر، حملا على لفظها، ثم يعاد بعده ضمير مؤنّث حملا على المعنى، كما جاء فى التنزيل: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفََاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضََاعَفْ لَهَا الْعَذََابُ} (2) وقال: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صََالِحاً نُؤْتِهََا أَجْرَهََا} (3) وكذلك حكم الإفراد والتثنية، تقول:
أكرمت من أكرمته وأجزلت عطاءهما.
والقسم الرابع: أن تكون «من» نكرة بمعنى إنسان أو ناس، وتلزمها الصّفة بمفرد أو بجملة، قال عمرو بن قميئة (4):
يا ربّ من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين
__________
(1) سورة البقرة 62.
(2) سورة الأحزاب 30. وقوله تعالى: {مُبَيِّنَةٍ} ضبط فى ط وهى نسخة المؤلف بفتح الياء. وهى قراءة ابن كثير، وأبى بكر عن عاصم. راجع السبعة ص 230، والكشف 1/ 383، عند الآية 19من سورة النساء. قلت: وابن كثير يقرأ: «نضعّف لها العذاب» بالنون والتشديد وكسر العين ونصب «العذاب». انظر الكشف 2/ 196.
(3) سورة الأحزاب 31.
(4) ديوانه ص 196، وتخريجه فيه. والأزهية ص 102، والأصول 2/ 325، والبغداديات ص 566، والتبصرة ص 289، والصاهل والشاحج ص 465، والبرصان والعرجان ص 493.
ونسبه أبو تمام فى الوحشيات ص 9لعمرو بن لأى التّيمىّ، من أشراف بكر بن وائل فى الجاهليّة.
وكذلك صدر الدين البصرى فى الحماسة 1/ 280، وقد صحح شيخنا محمود محمد شاكر هذه النسبة، وردّ على من نسبه إلى عمرو بن قميئة. قال: «وهو خطأ تابعوا عليه ما جاء فى كتاب سيبويه». انظر حواشى الوحشيات. وقد ضبط شيخنا صدر البيت على هذا النحو:
يا ربّ من نبغض، أذوادنا
وعلّق على هذا الضبط الذى ارتضاه فى المستدرك ص 307.
والأذواد: جمع ذود، وهو القطيع من الإبل ما بين الثلاث إلى الثلاثين. يقول: نحن محسّدون لشرفنا وكثرة مالنا، والحاسد لا ينال منّا أكثر من إظهار البغضاء لنا لعزّنا وامتناعنا.(3/64)
انتهى كلام أبى جعفر الطبرى، وهو منتزع من كلام الفراء (1).
56 - ذكر ابن الشجرى (2) من أوجه «لا» أن تجىء مؤكدة للنفى فى غير موضعها الذى تستحقه، كقوله تعالى: {وَمََا يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَلَا الْمُسِيءُ}، قال: لأنك تقول: ما يستوى زيد وعمرو، ولا تقول: ما يستوى زيد، فتقتصر على واحد، ومثله: {وَلََا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ}.
وقد حكاه عن ابن الشجرى الزركشى (3)، ثم قال: وقال غيره: «لا» ها هنا صلة أى زائدة لأن المساواة لا تكون إلا بين شيئين.
57 - ذكر ابن الشجرى (4) من وجوه «ما» أن تكون اسما بمعنى الحين، كقوله تعالى: {كُلَّمََا خَبَتْ زِدْنََاهُمْ سَعِيراً} و {كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا} و {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}، قال: «أى فى كلّ حين خبت، وفى كل حين نضجت جلودهم، وفى كل حين أضاء لهم، ومنه قول الشاعر:
منا الذى هو ما إن طرّ شاربه ... والعانسون ومنّا المرد والشّيب
قال ابن السكيت: يريد حين أن طر شاربه».
وقد ذكر ابن هشام (5) «ما» هذه، وسماها الزمانية، وذهب إلى أنها تدل على الزمان بالنيابة عن الظرف المحذوف، لا بذاتها. قال: «والزمانية نحو {مََا دُمْتُ حَيًّا} أصله: مدة دوامى حيا، فحذف الظرف، وخلفته «ما» وصلتها».
ثم تعقّب ابن السكيت وابن الشجرى، فقال: ولو كان معنى كونها زمانية
__________
(1) فى معانى القرآن 1/ 479.
(2) المجلس السابع والستون.
(3) البرهان 4/ 357.
(4) المجلس الثامن والستون.
(5) المغنى ص 336.(1/64)
أنها تدل على الزمان بذاتها لا بالنيابة، لكانت اسما، ولم تكن مصدرية، كما قال ابن السكيت وتبعه ابن الشجرى، فى قوله:
منا الذى البيت.
قال: «وبعد، فالأولى فى البيت تقدير «ما» نافية، لأن زيادة «إن» حينئذ قياسية، ولأن فيه سلامة من الإخبار بالزمان عن الجثة، ومن إثبات معنى واستعمال «لما» لم يثبتا له، وهما كونها للزمان مجردة، وكونها مضافة، وكأن الذى صرفهما عن هذا الوجه مع ظهوره، أن ذكر «المرد» بعد ذلك لا يحسن، إذ الذى لم ينبت شاربه أمرد، والبيت عندى فاسد التقسيم بغير هذا، ألا ترى أن العانسين، وهم الذين لم يتزوجوا، لا يناسبون بقية الأقسام، وإنما العرب محميون من الخطأ فى الألفاظ دون المعانى».
وهنا أمران، الأول: أن ابن السكيت أنشد هذا البيت فى إصلاح المنطق، ص 341، شاهدا على شرح العانس، ولم يذكر ما حكاه عنه ابن الشجرى من قوله: «يريد حين أن طر شاربه» ولعل ابن السكيت ذكره فى كتاب آخر غير «الإصلاح»، ولم أجده أيضا فى كتابيه: الألفاظ، والقلب والإبدال.
والثانى: أن ما ذكره ابن الشجرى من مجىء «ما» اسما بمعنى الحين، والشواهد التى ساقها، وحكاية قول ابن السكيت، إنما سلخه من كلام الهروى بنصّه وفصّه، فى كتابه الأزهية (1)، وقد خفى هذا على ابن هشام كما ترى.
58 - ذهب ابن الشجرى (2) إلى أن اللام فى بيت متمّم بن نويرة:
فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
بمعنى «بعد»، وحكاه عنه المرادى (3)، وبعضهم يرى أنها فى البيت بمعنى «مع» أى مع طول اجتماع (4).
__________
(1) الأزهية ص 95، 97.
(2) المجلس السبعون.
(3) الجنى الدانى ص 101.
(4) الأزهية ص 299، ورصف المبانى ص 223، والمغنى ص 234، وسياقه يؤذن بأنه ينقل عن ابن الشجرى.(1/65)
أراد: يا ربّ إنسان يبغض أذوادنا، وقال حسّان:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النبيّ محمّد إيّانا (1)
ويروى: «غيرنا» بالرفع، فمن فى هذه الرواية معرفة لأنها موصولة، والتقدير: على / الذين هم غيرنا، وقال الفرزدق (2):
إنّى وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا ... كمن بواديه بعد المحل ممطور
فمن هاهنا نكرة لأنه وصفها بممطور، كأنه قال: كإنسان ممطور.
وزاد الكسائىّ فى معانى «من» قسما آخر، فزعم أنها قد جاءت صلة، يعنى زائدة، وأنشد فى ذلك:
إنّ الزّبير سنام المجد قد علمت ... ذاك العشيرة والأثرون من عددا (3)
قال: أراد: والأثرون عددا، وقال غيره: معناه: والأثرون من يعدّ (4) عددا، فحذف الفعل واكتفى بالمصدر منه، كما تقول: ما أنت إلّا سيرا، فمن فى هذا القول نكرة موصوفة بالجملة المحذوفة، فالتقدير: والأثرون إنسانا يعدّ.
وتقول (5): غلام من تضرب أضرب، فتجزم الفعلين، وتنصب الغلام بالفعل الأوّل، لأنّ الثانى جواب، فإن جعلت «من» استفهاما رفعت الفعل الأول،
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الحادى والستين.
(2) ديوانه ص 263، والكتاب 2/ 106، وطبقات فحول الشعراء ص 367، والبغداديات ص 376، والأزهية ص 103، والمغنى ص 328، وشرح أبياته 5/ 335، وشرح الجمل 2/ 458.
(3) الأزهية ص 103، وشرح القصائد السبع ص 353، والضرائر ص 81، وشرح الجمل 2/ 458، 560، والمغنى ص 329، وشرح أبياته 5/ 344، والخزانة 6/ 128. وروى: آل الزبير.
(4) هكذا ضبط فى الأصل، وط «يعدّ» بفتح الياء وضم العين، على البناء للفاعل، وضبط فى الخزانة بضبط القلم «يعدّ» مبنيا للمفعول، وأنا أعتدّ بضبط النسخة (ط) لأنها محرّرة ومتقنة، فضلا عن أنها نسخة المؤلف كما سلف.
(5) هذا كلام الهروى فى الأزهية ص 105.(3/65)
وجزمت الثانى، فقلت: غلام من تضرب أضرب؟ ووجه جزمه أنك جعلته جوابا للاستفهام، كقولك: من الذى أكرمك أحسن إليه؟ فإن جعلت «من» بمعنى الذى، رفعت الفعلين، فقلت: غلام من تضرب أضرب، تنصب الغلام بالفعل الثانى، لأمرين: أحدهما أنّ الموصول لا يتقدّم عليه شىء من صلته، والآخر: أن الفعل الأول واقع على ضمير غيبة يعود على «من».
* * *
بيت سأل عنه أبو الرّضا بن صدقة(3/66)
59 - الأصل فى «رب» أن تدخل على الفعل الماضى، أما دخولها على المضارع فى قوله تعالى: {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ}، فقد تأوله النحويون على أقوال، حكاها ابن الشجرى، مضعّفا لبعضها، ومقوّيا لبعضها الآخر. قال (1): «فمن أقوالهم أنه حكاية حال قد مضت، ومنها إضمار «كان» بعد «ربما»، وهو أردأ ما قيل فيه، وأجودها أن «ربما» فى الآية دخلت على الفعل المستقبل، لصدق المخبر سبحانه وعلمه بما سيكون، كعلمه بما كان، فإخباره بما لم يكن كإخباره بالكائن، ألا ترى أن قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ فَزِعُوا فَلََا فَوْتَ}
جاء فى اللفظ كأنه قد كان، وهو لصدقه كائن لا محالة».
وهذا القول الذى ارتضاه ابن الشجرى راجع إلى كلام الفراء (2)، وقد حكاه ابن الشجرى فى المجلس الثامن والستين، عن علىّ بن عيسى الرّمانى، لكن لابن الشجرى فضل بسط العبارة وبيانها.
ولم يصرح ابن الشجرى بمن قال بإضمار «كان» بعد «ربما». وقد أفاد أبو البركات الأنبارى (3) أنه أبو إسحاق، وهو الزجاج.
60 - ذكر ابن الشجرى (4) من معانى «أو» أن تكون بمعنى «إن» الشرطية مع الواو، كقولك: لأضربنك عشت أو مت، معناه: إن عشت بعد الضرب وإن مت، ومثله: لآتينك إن أعطيتنى أو حرمتنى، معناه: وإن حرمتنى.
وحكاه عن ابن الشجرى ابن هشام والسيوطى (5)، وتعقبه ابن هشام، فقال: «وينبغى لمن قال: إنها تأتى للشرطية، أن يقول: وللعطف، لأنه قدّر مكانها: وإن، والحق أن الفعل الذى قبلها دالّ على معنى حرف الشرط، كما قدره
__________
(1) المجلس الثالث والسبعون.
(2) معانى القرآن 2/ 82.
(3) البيان 2/ 63.
(4) المجلس الخامس والسبعون.
(5) المغنى ص 70، 71، والهمع 2/ 134.(1/66)
* * *
بيت سأل عنه أبو الرّضا بن صدقة
مكاتبة من الموصل، وهو:
ووحشيّة لسنا نرى من يصدّها ... عن الفتك فضلا أن نرى من يصيدها
أطلق على امرأة هذا الاسم، مبالغة فى تشبيهها بظبية أومهاة، وهى البقرة الوحشيّة.
ونفس السّؤال أنه قال: علام انتصب «فضلا» وما معناه؟
فأجبت بأنّ انتصابه على المصدر، والتقدير: فضل انتفاء أن نرى إنسانا يصدّها / عن الفتك بنا فضلا عن رؤيتنا إنسانا يصيدها لنا، ففضل هاهنا مصدر فضل من الشىء كذا: إذا بقيت منه بقيّة، كقولك: أنفقت أكثر دراهمك والذى فضل منها ثلاثة، وكقولك لإنسان خلص من أمر عظيم ولحقه منه بعض الضّرر:
معك فضل كثير، وكذلك وجود إنسان يصيد هذه الوحشيّة، وانتفاء من يكفّها عن الفتك، بينهما فضل كبير، فإذا كان من يكفّها عن الفتك معدوما، فكيف يكون من يقدر على صيدها موجودا (1).
* * * __________
(1) لابن هشام رسالة فى إعراب «فضلا» ومعناه، أوردها السيوطى فى الأشباه والنظائر 3/ 447، وما بعدها.
وحكى الفيومى فى المصباح (فضل) عن قطب الدّين الشيرازىّ، فى شرح المفتاح: «اعلم أن «فضلا» يستعمل فى موضع يستبعد فيه الأدنى، ويراد به استحالة ما فوقه، ولهذا يقع بين كلامين متغايرى المعنى، وأكثر استعماله أن يجىء بعد نفى. وقال شيخنا أبو حيان الأندلسىّ نزيل مصر المحروسة، أبقاه الله تعالى: ولم أظفر بنصّ على أن مثل هذا التركيب من كلام العرب». وانظر الكليات 3/ 334.
قلت: وقد جاء هذا التعبير «فضلا عن» فى أسلوب ابن فارس مرتين فى الصاحبى (باب القول فى أن لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها) ص 16، 18. ومن قبله الجاحظ فى البيان 3/ 291.
لكنه استعمله معدّى ب «على»، وذلك فى رسالة ابن التوأم، قال: «هل رأيت أحدا قط أنفق ماله على قوم كان غناهم سبب فقره أنه سلّم عليهم حين افتقر فردّوا عليه، فضلا على غير ذلك؟» البخلاء ص 176. وكذلك ابن جنى فى المحتسب 1/ 236، وانظر طبقات الشافعية 6/ 248.(3/67)
هذا القائل، وأن «أو» على بابها، ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط، دخل المعطوف فى معنى الشرط». انتهى كلام ابن هشام، وقد غاب عنه أن ابن الشجرى إنما ذكر هذا القسم من معانى «أو» عن الهروى (1)، ولم يصرح ابن الشجرى بأخذه عنه، كما هو شأنه فى مواطن كثيرة، سلخ فيها كلام الهروى، وساقه كأنه من عند نفسه.
61 - ذهب ابن الشجرى (2) إلى أن الفاء زائدة فى قوله تعالى: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قال: «لأنك إن لم تحكم بزيادتها أدّى ذلك إلى دخول الواو العاطفة عليها، وهى عاطفة» وابن الشجرى مسبوق فى ذلك بأبى الحسن الأخفش وابن جنى (3).
62 - ذكر ابن الشجرى (4) من معانى «إما» التخيير، قال: «كقولك لمن تخيّره فى مالك: خذ إما ثوبا وإما دينارا، ومثله قوله تعالى: {إِمََّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمََّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} وقوله: {إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، وقوله:
{إِمََّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمََّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ}، وقوله: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً}
هذا كلّه تخيير، إنما هو هذا أو هذا».
وقد تعقبه ابن هشام، فقال (5): «ووهم ابن الشجرى، فجعل من ذلك:
{إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، وكان ابن هشام قد جعل «إما» فى الآية الكريمة لمعنى الإبهام.
وعلّق الدمامينى على كلام ابن هشام، فقال (6): «ولم يبيّن المصنف وجه الوهم، وكأنه ما تقرّر من أنه لابدّ من أن يكون حرف التخيير مسبوقا بطلب، وليس
__________
(1) فى كتابه الأزهية ص 127.
(2) المجلس السادس والسبعون.
(3) راجع شرح المفصل لابن يعيش 8/ 95، وتفسير القرطبى، وكتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 244.
(4) المجلس الثامن والسبعون.
(5) المغنى ص 62.
(6) شرحه على المغنى 1/ 131.(1/67)
هنا طلب، ولابن الشجرى أن يمنع اشتراط ذلك، ويقول: المعنى بكونها للتخيير دخولها بين شيئين أو أشياء يكون للمتكلّم أو للسامع الخيرة فى فعل ما شاء من الأمرين المذكورين».
انتهى كلام الدمامينى، وأصرح منه فى الدفاع عن ابن الشجرى ما ذكره الأمير (1)، قال: «قال الشّمنّىّ: ووجه الوهم أن التخيير إنما يكون بعد الطلب، ولا يقع بعد «إما» فيه إلا مفرد، صريحا أو تأويلا، وكلاهما منفىّ فى الآية، قال:
وخفى هذا على بعضهم حتى قال: وجه الوهم أن التخيير يستلزم مخيرا، وهو ممتنع على الله، وأجاب بأنه يجوز أن يكون تخييره تعالى من ذاته. نعم لابن الشجرى أن لا يلتزم شيئا مما سبق، كما أشار له الشارح، ويقول: المدار على استواء الأمرين، وتحقق الخيرة بينهما، وأيضا ظاهر أنه لا يجتمع التعذيب والتوبة».
وأقول: هذا كلام ابن هشام، وكلام شرّاحه، وقد خفى عليهم جميعا أن ابن الشجرى إنما انتزع كلامه وشواهده فى هذا الباب من كلام الهروىّ، فى كتابه الأزهية (2).
63 - منع ابن الشجرى (3) مجىء «أن» بمعنى «إذ» قال: «زعم بعض النحويين أنّ «أن» قد استعملت بمعنى «إذ» فى نحو: هجرنى زيد أن ضربت عمرا، قال: معناه: إذ ضربت، واحتج بقول الله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} قال: أراد: إذ جاءهم، وبقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتََاهُ اللََّهُ الْمُلْكَ} وبقوله: {إِنََّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنََا رَبُّنََا خَطََايََانََا أَنْ كُنََّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}، وبقوله: {وَلََا تَأْكُلُوهََا إِسْرََافاً وَبِدََاراً أَنْ يَكْبَرُوا}، وبقوله:
{وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ}، وبقوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} فى قراءة من فتح الهمزة، وبقول الشاعر:
__________
(1) حاشيته على المغنى 1/ 58.
(2) الأزهية ص 149.
(3) المجلس التاسع والسبعون.(1/68)
سئلت عن قول أبى الطّيّب
وما الخيل إلّا كالصّديق قليلة ... وإن كثرت فى عين من لا يجرّب (1)
فقلت: هذا البيت مضمّن تشبيه قلّة الخيل بقلّة الصّديق، وإن كانت الخيل فى مرآة العين كثيرة، والأصدقاء كذلك، كثير عددهم، إلّا أنّهم عند التحصيل والتحقيق قليلون لأنّ الصّديق الذى يركن صديقه إليه، ويعتمد فى الشّدائد عليه قليل جدّا، وكذلك الخيل التى تلحق فرسانها بالطّلبات وتنجيهم من الغمرات قليلة، ومن لم يجرّب الخيل ويعرفها حقّ معرفتها يراها فى الدنيا كثيرة، وكذلك من لم يجرّب الأصدقاء ويختبرهم عند شدّته يراهم كثيرين.
والذى أراد الشاعر أنّ الخيل الأصيلة (2) المجرّبة قليلة، كما أنّ الصديق الصادق فى مودّته الذى يصلح لصديقه فى شدّته قليل.
* * * قوله فى قصيدته التى أولها:
فى الخدّ أن عزم الخليط رحيلا
لو كان ما تعطيهم من قبل أن ... تعطيهم لم يعرفوا التّأميلا (3)
فى معناه وإعرابه إشكال.
وأقول: إنّ خبر «كان» ومفعول «تعطيهم» الثانى محذوفان، وتقدير خبر كان: لهم، وكذلك العائد إلى الموصول من «تعطيهم» الأول محذوف، فالمعنى
__________
(1) ديوانه 1/ 180.
(2) فى الأصل، د «الأصلية» بتقديم اللام، وأثبته بتقديم الياء من ط
(3) ديوانه 3/ 244.(3/68)
والتقدير: / لو كان لهم الذى تعطيهموه من قبل أن تعطيهم إيّاه لم يعرفوا التأميل لأنّ ذلك كان يغنيهم عن التأميل، وقد كشف أبو نصر بن نباتة هذا المعنى، وجاء به فى أحسن لفظ فى قوله:
لم يبق جودك لى شيئا أؤمّله ... تركتنى أصحب الدّنيا بلا أمل (1)
ومثله لأبى الفرج الببّغاء.
لم يبق جودك لى شيئا أؤمّله ... دهرى لأنّك قد أفنيت آمالى (2)
وكان أبو الفرج وابن نباتة متعاصرين، فلست أعلم أيّهما أخذ من (3) صاحبه.
* * * __________
(1) يتيمة الدهر 2/ 389، ووفيات الأعيان 3/ 191، ومختارات البارودى 2/ 206.
(2) اليتيمة 1/ 263. ورواية الصدر فيها:
لم يبق لى أمل أرجو نداك به
(3) فى ط، د: من الآخر.(3/69)
سألتانى الطلاق أن رأتانى ... قلّ مالى قد جئتمانى بنكر
وبقول جميل:
أحبّك أن سكنت جبال حسمى ... وأن ناسبت بثنة من قريب
وبقول الفرزدق:
أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم
وهذا قول خال من علم العربية، والصواب أن «أن» فى الآى المذكورة والأبيات الثلاثة على بابها، فهى مع الفعل الذى وصلت به فى تأويل مصدر، مفعول من أجله، فقوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} معناه: لأن جاءهم، أو من أجل أن جاءهم، وكذا التقدير فى جميع ما استشهد به.
ثم أقول: «إن تقدير «إذ» فى بعض هذه الآى التى استشهد بها يفسد المعنى ويحيله، ألا ترى أن قوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوهََا إِسْرََافاً وَبِدََاراً أَنْ يَكْبَرُوا} لا يصح إلا بتقدير من أجل أن يكبروا، ويفسد المعنى بتقدير: إذ يكبروا، ثم إذا قدرها فى هذه الآية بالظرف الذى هو «إذ» ونصب بها الفعل، فحذف نون يكبرون كان فسادا ثانيا».
وقد ذكر المرادى وابن هشام هذا الوجه من معانى «أن» وصوّبا ما انتهى إليه ابن الشجرى (1).
64 - علّل ابن الشجرى (2) لضعف الابتداء بالنكرة. قال: «وإنما ضعف الابتداء بالنكرة، لأن النفس تتنبّه بالمعرفة على طلب الفائدة، وإذا كان المخبر عنه مجهولا، كان المخبر حقيقا باطراح الإصغاء إلى خبر من لا يعرفه، وحدّ الكلام إذا كان المبتدأ منكورا، وتضمن خبره اسما معروفا، أن يقدم الخبر، كقولك: لزيد مال، لأن الغرض فى كل خبر أن يتطرق إليه بالمعرفة، فيصدّر الكلام بها، وهذا موجود ها هنا، لأنك وضعت زيدا مجرورا، لتخبر عنه بأن له مالا قد استقر له، فقولك: لزيد مال، فى تقدير: زيد ذو مال، فالمبتدأ الذى هو «مال» هو الخبر فى
__________
(1) الجنى الدانى ص 225، والمغنى ص 35.
(2) المجلس الحادى والثمانون.(1/69)
المجلس الخامس والسبعون ذكر معانى «أو» ومواضعها
«أو» مع لزومها للعطف تدلّ على معان مختلفة، وإنما قلت مع لزومها للعطف لأنّ الواو تدلّ على معان مختلفة إذا فارقت العطف، نحو كونها للحال، وكونها للقسم، وكونها بمعنى «مع» فى نحو: «استوى الماء والخشبة».
فمن معانى «أو» كونها للشّكّ فى نحو: جاءنى زيد أو عمرو، يجوز أن يكون المتكلّم بهذا شاكّا، ويجوز أن يكون قاصدا بذلك تشكيك مخاطبه.
والثانى: أن تكون للتّخيير بين الشيئين، وقصد أحدهما دون الآخر، كقولك: كل سمكا أو اشرب لبنا، أمرته بأن لا يجمعهما، بل يختار أحدهما، وكقولك: تزوّج هندا أو بنتها، خيّرته فيهما، ولا يجوز أن يجمعهما، ومنه فى التنزيل قوله تعالى: {إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (1) ومثله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيََامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2) أنت مخيّر فى جميع هذا، أيّ ذلك فعلت أجزأك.
والثالث: أن تكون للإباحة، كقولك: تعلّم الفقه أو النّحو، وجالس الحسن / أو ابن سيرين، واصحب الفقهاء أو النحويّين، أى هذا مباح لك، تفعل
__________
(1) سورة المائدة 89. وجاء فى النّسخ الثلاث من الأمالى: «فإطعام» بإقحام الفاء، خطأ. وجاء على الصواب فى الأزهية ص 115، وسياق ابن الشجرى متفق مع سياقه، ولست أشك أن ابن الشجرى ينقل عنه، وسبقت دلائل كثيرة.
(2) سورة البقرة 196.(3/70)
الحقيقة، وقولك: «لزيد» هو المبتدأ فى المعنى. وقوله (1): «منى كنّ لى» مفيد، لأن فى ضمن الخبر ضمير المتكلم، وهو أعرف المعارف، ولو قال: منى كن لرجل، لم يحصل بذلك فائدة، لخلوه من اسم معروف. فاحتفظ بهذا الفصل فإنه أصل كبير».
* * * وبعد: فهذه أبرز آراء ابن الشجرى النحوية، كما ظهرت لى من استقراء كتابه «الأمالى»، ومن خلال نقول النحاة المتأخرين عنه، وأكرر ما قلته من قبل أن كتاب «الأمالى» زاخر بالآراء الغريبة العجيبة، وهى آراء تكاد تستغرق أبواب النحو والصرف كلها، على أنى لم أستبح لنفسى أن أنسب إلى ابن الشجرى منها، إلا ما صرّح هو به من نسبته إلى نفسه، أو صرح به النحاة المتأخرون.
وقد وقفت عند ابن الشجرى على ظاهرتين غلبتا على كتابه «الأمالى» ولم يكد يخلو منهما مجلس من مجالسه، وهما ظاهرة الإعراب، وظاهرة الحذوف، وقد رأيت أن أفرد كل ظاهرة منهما بكلمة، إذ كان جمهور مسائل النحو راجعا إليهما ومبنيّا عليهما، ثم لأن هاتين الظاهرتين قد ثار حولهما لغط كثير، وتناولهما بعض الدارسين بكثير من السهولة واليسر، دون مراجعة الأصول واستقراء الأسباب، والنفاذ إلى أسرار العربية فى علومها المختلفة.
الظاهرة الإعرابية
كادت كتب النحو الأولى تخلص لإرساء القواعد ووضع الأصول، وما جاء فيها من كلام فى الإعراب إنما جاء لترسيخ هذه القواعد، وإيضاح تلك الأصول، ولم تعرف ظاهرة التوسع فى الإعراب إلا من خلال كتب إعراب القرآن الكريم، وكتب القراءات، ولئن ضاعت بعض الأصول الأولى المصنّفة فى هذين الفنين، فإن القدر الذى بقى منهما كاف فى الدلالة على أن ظاهرة الإعراب إنما أخذت صورتها الحقيقية من خلال هذه الكتب، وحسبنا التمثيل بمعانى القرآن للفراء، وإعراب
__________
(1) يشير إلى قول المتنبى:
منى كن لى أن البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب(1/70)
فيه ما شئت على الانفراد والاجتماع، وكذلك إذا نهيته كانت «أو» حظرا للجميع، كما كان فى الأمر إطلاقا، تقول: لا تجالس مغتابا أو كذّابا، ومنه فى التنزيل: {وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (1).
والفرق بين التّخيير والإباحة: أنك إذا قلت: جالس فقيها أو نحويّا، فجالسهما أو جالس أحدهما، لم يكن عاصيا، وإذا قلت له: كل سمكا أو اشرب لبنا، فجمعهما، كان عاصيا، وكذلك إذا خيّرته فى مالك، فقلت: خذ ثوبا أو دينارا، فأخذهما. فقد فعل محظورا، كما لو جمع بين هند وبنتها فى التزوّج كان مرتكبا محرّما.
ولا يجوز أن تقع «أو» مع الأفعال التى تقتضى فاعلين أو أكثر، وكذلك الأسماء التى تقتضى اثنين فما زاد، لا يجوز: تخاصم زيد أو عمرو، ولا: جلست بين زيد أو عمرو، وكذلك لا تقول: سيّان زيد أو بكر، فأمّا قول الشاعر:
فكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح (2)
فقال أبو علي: «إنّما أنّسه (3) بذلك أنك تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، فيستقيم له أن يجالسهما جميعا».
السّىّ: المثل.
والسّوح: جمع ساحة، ومثله ناقة ونوق، ولابة ولوب، واللّابة: الحرّة، وهى أرض ذات حجارة سود.
__________
(1) سورة الإنسان (الدهر) 24.
(2) فرغت منه فى المجلس التاسع.
(3) الإيضاح ص 285، وفيه: «إنما يشبه بذلك» تحريف. وجاء على الصواب فى شرح الإيضاح، المسمّى المقتصد ص 939.(3/71)
القرآن، للزجاج والنحاس ومكى بن أبى طالب، والحجة فى القراءات، لأبى على الفارسى، والكشف عن وجوه القراءات لمكى بن أبى طالب، ثم من جاء بعد هؤلاء، كأبى البركات الأنبارى، فى كتابه «البيان فى غريب إعراب القرآن»، وأبى البقاء العكبرى، فى كتابه «التبيان فى إعراب القرآن» (1).
ولقد كانت هذه المصنفات الروافد التى أمدّت كتب النحو المتأخرة بذلك الفيض الزاخر من أوجه الإعراب المختلفة.
ولعل «أمالى ابن الشجرى» هو أول كتاب نحوى حفل بظاهرة الإعراب، فإن الناظر فى كتاب «الأمالى» يستوقفه هذا الحشد الهائل من الوجوه الإعرابية فى آيات القرآن الكريم، وشواهد الشعر القديم والمحدث. وقد استكثر ابن الشجرى من الإعراب، مفردا له بعض مجالسه، أو مستطردا إليه من خلال ما يعرض له من مسائل العربية المختلفة التى يستفتى فيها ويسأل عنها. وابن الشجرى بهذه المثابة يمثل البداية الحقيقية للنحو التطبيقى التعليمى.
وقد كان لابن الشجرى وجوه من الإعراب، خالف بها من سبقوه، ووجوه أخرى انفرد بها وخولف فيها. وهو حريص فى كل ذلك على أن يؤكد أن الإعراب مرتبط بصحة المعنى أو فساده، وأن المعنى يقدم على الوجه الإعرابى (2) وإن كان جائزا، وأنه لا بد من إعطاء الكلام حقّه من المعنى والإعراب.
__________
(1) طبع قديما باسم: إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى القرآن. والصحيح ما أثبت.
(2) العلاقة بين المعنى والإعراب عالجها النحاة من قبل ابن الشجرى، وتعرض لها ابن جنى فى أكثر من موضع من كتابه الخصائص، فقال فى 1/ 283: «باب فى الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى: فإن أمكنك أن يكون تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى، فهو ما لا غاية وراءه، وإن كان تقدير الإعراب مخالفا لتفسير المعنى، تقبلت تفسير المعنى على ما هو عليه، وصححت طريق تقدير الإعراب، حتى لا يشذ شىء منها عليك». وقال فى 3/ 255: «باب فى تجاذب المعانى والإعراب: وذلك أنك تجد فى كثير من المنثور والمنظوم، الإعراب والمعنى متجاذبين، هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلاما مّا أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب» وانظر تقدمتى لكتاب الشعر ص 36.(1/71)
وقوله: «أن لا يسرحوا نعما» معناه: أن لا يرعوا إبلا. وصف سنة ذات جدب، فرعي النّعم وترك رعيها سواء.
وإنما قال: «سيّان» فرفعه وهو نكرة، وقوله: «أن لا يسرحوا» معرفة (1)
لأنه أضمر فى «كان» ضمير الشأن.
والرابع: أن تكون «أو» للإبهام، كقول القائل لمن يعلم سامعو لفظه أنه مبطل: أحدنا مبطل أو محق. وقال أبو إسحاق الزّجّاج فى قول الله تعالى: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (2) روي فى التفسير: وإنّا لعلى هدى وإنّكم لفى ضلال / مبين. قال: وهذا فى اللّغة غير جائز، ولكنه يؤول تفسيره إلى هذا المعنى، والمعنى: إنّا لعلى هدى أو فى ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين، وهذا كما يقول القائل، إذا كانت الحال تدلّ على أنه صادق: أحدنا صادق أو كاذب، ويؤول معنى الآية: وإنّا (3) لما أقمنا من البرهان لعلى هدى وإنكم لفى ضلال مبين.
وقال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (4): قوله: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً}
قال المفسّرون: معناه: وإنّا لعلى هدى وأنتم فى ضلال مبين (5)، قال: وكذلك هو فى المعنى، غير أنّ العربيّة على غير ذلك، والمعنى: وإنّا لضالّون أو مهتدون، وإنّكم أيضا لضالّون أو مهتدون، والله يعلم أنّ رسوله المهتدى، وأنّ غيره الضّالّ، وأنت
__________
(1) اعلم أن النحويين يعدّون المصدر المؤول من «أن وأنّ» معرفة، لأنه يشبه الضمير، من حيث إنه لا يوصف كما أن الضمير كذلك. ولهذا قرأ السبعة: {مََا كََانَ حُجَّتَهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} الجاثية 25. {فَمََا كََانَ جَوََابَ قَوْمِهِ إِلََّا أَنْ قََالُوا} النمل 56، وغيرها. بنصب {حُجَّتَهُمْ} و {جَوََابَ} على الخبر. واعتبار المصدر المؤول هو اسم كان. قال ابن هشام: «والرفع ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عمّا دونه فى التعريف». المغنى ص 453 (الباب الرابع.
ما يعرف به الاسم من الخبر). وانظر ما يأتى فى ص 152.
(2) سورة سبأ 24، وانظر معانى القرآن للزجاج 4/ 253.
(3) فى الأصل، ط «أو إنا»، وأثبت ما فى د. والذى فى معانى الزجاج: إنا.
(4) معانى القرآن 2/ 362.
(5) بعد هذا فى المعانى: «معنى «أو» معنى الواو عندهم».(3/72)
ويميل ابن الشجرى فى ذكر الأوجه الإعرابية إلى السهولة وطرح التكلف.
وهذه شواهد ومثل، استخرجتها من «الأمالى» تكشف عن موقف ابن الشجرى من الظاهرة الإعرابية، وتبين عن اتجاهاته التى أشرت إليها، ولا سبيل إلى ذكر كل ما فى «الأمالى» من إعراب، فإن هذا محوج إلى صفحات كثيرة، للذى ذكرته من أن ابن الشجرى لم يكد يخلى مجلسا من مجالسه من وجوه الإعراب:
1 - حكى ابن الشجرى (1) ما جرى بين الأصمعى والكسائى من خلاف حول إعراب «رئمان» من قول الشاعر:
أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزوننى السّوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن
وذكر أن الأصمعى يرويه «رئمان» بالنصب، والكسائى يجيز فيه الرفع والنصب والخفض، وعقّب ابن الشجرى فقال: «وانتصاب «الرئمان» هو الوجه الذى يصح به المعنى والإعراب، وإنكار الأصمعى لرفعه إنكار فى موضعه، لأن رئمان العلوق للبوّ بأنفها هو عطيتها، ليس لها عطية غيره، فإذا أنت رفعته لم يبق لها عطية فى البيت لفظا ولا تقديرا، ورفعه على البدل من «ما» لأنها فاعل «ينفع» وهو بدل الاشتمال، ويحتاج إلى تقدير ضمير يعود منه على المبدل منه، كأنك قلت: رئمان أنفها إياه، وتقدير مثل هذا الضمير قد ورد فى كلام العرب، ولكن فى رفعه ما ذكرت لك من إخلاء «تعطى» من مفعول فى اللفظ والتقدير، وجرّ «الرئمان» على البدل أقرب إلى الصحيح قليلا، وإعطاء الكلام حقه من المعنى والإعراب إنما هو بنصب «الرئمان». ولنحاة الكوفيين فى أكثر كلامهم تهاويل فارغة من حقيقة».
وقد حكى النحاة المتأخرون: ابن هشام والدمامينى والبغدادى، كلام ابن الشجرى هذا، وتعقّبه الدمامينى بما ذكرته فى حواشى التحقيق.
__________
(1) المجلس السادس.(1/72)
2 - ذكر ابن الشجرى (1) فى إعراب قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} قال: فأما قوله: {أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} فيحتمل العامل فيه وجوها: أحدها فى قول بعض معربى القرآن أن يكون فى موضع نصب، بدلا من (ما)، والثانى: أجازه هذا المعرب، أن يكون فى موضع رفع، على تقدير مبتدأ محذوف، أى هو ألا تشركوا به شيئا، ولا يصح عندى هذان التقديران، إلا أن يحكم بزيادة (لا)، لأن الذى حرمه الله عليهم هو أن يشركوا به، فإن حكمت بأن (لا) للنفى، صار المحرم ترك الإشراك، فإذا قدرت بها الطرح، كما لحقت مزيدة فى نحو: {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ} و {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} استقام القولان.
ثم قال: ويحتمل عندى قوله: {أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ} وجهين آخرين: أحدهما:
أن تكون (أن) مفسّرة بمعنى «أى» كالتى فى قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} معناه: أى امشوا، وتكون (لا) نهيا، و «أن» المفسرة تؤدى معنى القول، فكأنه قيل: أقول: لا تشركوا به شيئا.
والوجه الثانى: أن تجعل (عليكم) منفصلة مما قبلها، فتكون إغراء، بمعنى الزموا، كأنه اجتزىء بقوله: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ثم قيل على وجه الاستئناف: {عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}.
3 - أعرب ابن الشجرى (2) «ما» مصدرية، من قول الشاعر:
ألف الصّفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا
قال: «ما» مصدرية، فالمعنى: من قيامه، و «من» متعلقة بالخبر المحذوف، ثم قال: فتحقيق اللفظ والمعنى: ألف القيام على ثلاث فما يزال كسيرا، أى ثانيا إحدى قوائمه، حتى كأنه مخلوق من القيام على الثلاث.
__________
(1) المجلس الثامن.
(2) المجلس الحادى عشر.(1/73)
تقول للرجل يكذّبك: والله إنّ أحدنا لكاذب، وأنت تعنيه (1)، فكذّبته تكذيبا غير مكشوف، وهذا فى القرآن وكلام العرب كثير أن يوجّه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف.
وقال قتادة بن دعامة فى تفسير الآية: قد قال أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم للمشركين: والله ما نحن وأنتم على أمر واحد، وإنّ أحد الفريقين لمهتد (2).
وأقول: إنّ هذا اللفظ جاء على الإبهام لأنّ المشركين إذا أفكروا فيما هم عليه عند سماع هذا الكلام الباعث لهم على الفكر، فأجالوا أفكارهم فى إغارات بعضهم على بعض، وسبى ذراريّهم، واستباحة أموالهم، وقطع الأرحام، وركوب الفروج الحرام، وقتل النفوس التى حرّم الله قتلها، وشرب الخمر الذى يذهب العقول ويحسّن ارتكاب الفواحش، وأفكروا فيما النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون عليه، من صلة الأرحام، واجتناب / الآثام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإطعام المسكين، وبرّ الوالدين، والمواظبة على عبادة الله، علموا أن النبيّ والمسلمين على الهدى، وأنّهم هم على الضلال، فبعثهم ذلك على الإسلام.
فهذه الفائدة العظيمة هى الداعية إلى الإبهام فى هذا الكلام.
والخامس: أن تكون «أو» بمعنى واو العطف، وهو من أقوال الكوفيّين، ولهم فيه احتجاجات من القرآن، ومن الشّعر القديم.
فممّا احتجّوا به من القرآن قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} (3) و {عُذْراً أَوْ نُذْراً} (4)
و {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} (5) ومن الشّعر القديم قول توبة بن الحميّر:
__________
(1) فى الأصل، د: «تعينه» بتقديم الياء على النون، وأثبتّه على العكس من ط، وممّا حكاه ابن الجوزى عن الفراء، فى زاد المسير 6/ 455، ولم ترد هذه العبارة فى كتاب الفراء.
(2) الدر المنثور 5/ 237، وتفسير الطبرى 22/ 64.
(3) سورة طه 44.
(4) الآية السادسة من سورة المرسلات.
(5) سورة طه 113.(3/73)
وقد زعمت ليلى بأنّى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها (1)
وقول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحا ... عدلت بهم طهيّة والخشابا (2)
أى عدلت هاتين القبيلتين بهاتين القبيلتين، وقول جرير أيضا:
نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر (3)
وقول آخر:
قفا نسأل منازل من لبينى ... خلاء بين فردة أو عرادا (4)
__________
(1) أمالى القالى 1/ 88، والأزهية ص 119، والتبصرة ص 132، والمغنى ص 62، وشرح أبياته 2/ 20، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى تفسير الطبرى 1/ 336.
(2) فرغت منه فى المجلس الموفى الأربعين.
(3) ديوانه ص 416، برواية:
نال الخلافة إذ كانت له قدرا
وعليها يفوت الاستشهاد.
وانظره برواية النحويين فى الأزهية ص 120، والمغنى ص 62، وشرح أبياته 2/ 26، وتفسير الطبرى 1/ 337، 2/ 236، والجمل المنسوب للخليل ص 290، وشرح الكافية الشافية ص 1222، وغير ذلك كثير.
(4) أنشده الفراء فى معانيه 2/ 256، ونسبه للأشهب بن رميلة، وهو فى شعره (شعراء أمويون) 4/ 230، برواية:
قفا نعرف منازل من سليمى ... دوارس بين حومل أو عرادا
ورواية الفراء:
قفا نسأل منازل آل ليلى ... بتوضح بين حومل أو عرادا
وبمثل رواية الفراء أنشده أبو بكر بن الأنبارى فى شرح القصائد السبع ص 19، ورواية ابن الشجرى هى رواية الهروى فى الأزهية ص 120
و «فردة» بالفاء كما فى ط، د ماء من مياه نجد، ذكره البكرى فى معجم ما استعجم ص 1017. وجاء فى أصل الأمالى والأزهية «قردة» بالقاف، وأشار ياقوت إلى أنها رواية فى «فردة».
راجع معجم البلدان 3/ 871.(3/74)
4 - أعرب ابن الشجرى (1) بيت لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
وضعف إعراب بعض النحويين لمخالفته لصحة المعنى.
قال: والمضمر فى «غدت» ضمير بقرة وحشية، تقدم ذكرها، ويروى:
«فعدت» من العدو وموضع «كلا» رفع بالابتداء، والجملة من «تحسب» وفاعله ومفعوله خبر المبتدأ، وعائد الجملة الهاء التى فى اسم «أن»، وعاد إلى «كلا» ضمير مفرد، لأنه اسم مفرد، وإن أفاد معنى التثنية، وموضع المبتدأ مع الجملة التى هى خبره نصب بأنها خبر «غدت» لأن منهم من يجعل «غدا» فى الإعمال بمنزلة «أصبح وأضحى»، ومن جعلها تامة كان موضع الجملة بعدها نصبا على الحال، ومن رواها بالعين غير المعجمة، فالجملة حال لا غير. و «خلفها» رفع على البدل من «كلا»، والتقدير: فغدت وخلفها وأمامها تحسب أنه يلى المخافة، وإن رفعته بتقدير: هو خلفها وأمامها، فجائز.
قال: وبعض النحويين أبدله من «مولى المخافة» وذلك فاسد من طريق المعنى، لأن البدل يقدر إيقاعه فى مكان المبدل منه، وإن منع من ذلك موجب اللفظ فى بعض الأماكن، فلو قلت: كلا الفرجين تحسب أنه خلفها وأمامها، لم تحصل بذلك فائدة، لأن الفرجين هما خلفها وأمامها، فليس فى إيقاع الحسبان على ذلك فائدة.
5 - ذكر ابن الشجرى (2) تقديرات وحذوفا كثيرة فى قوله تعالى:
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}، ثمّ وجّه الإعراب وفق هذه الحذوف، وقال فى آخر كلامه: «والذى ذكرته من التقديرات والحذوف فى هذه الآية مشتمل على حقيقة الإعراب مع المعنى».
ثم أخذ على الزجاج وأبى على الفارسى إخلالهما بحقيقة إعراب الآية، قال:
«وذكر الزجاج وأبو على فى تفسير قوله: {فَكَرِهْتُمُوهُ} تفسيرا تضمن المعنى دون
__________
(1) المجلس السابع عشر.
(2) المجلس الثالث والعشرون.(1/74)
وقول ابن أحمر (1).
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكما ما غيّبتنى غيابيا
أراد: ونصف ثالث لأن لبث (2) نصف الثالث لا يكون إلّا بعد لبث الشهرين.
وقول لبيد (3):
تمنّى ابنتاى أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر
__________
(1) ديوانه ص 171، ومعانى القرآن للأخفش ص 35، والخصائص 2/ 460، والمحتسب 2/ 227، 228، والأزمنة والأمكنة 2/ 307، والأزهية ص 121، والإنصاف ص 483، وأعاد ابن الشجرى إنشاده فى المجلس الثانى والثمانين.
قال المرزوقى فى الأزمنة: «قوله: «ما غيبتنى غيابيا» أراد بالغياب: الغيابة، لذلك أنّث [أى أنّث الفعل غيبتنى] كما قال تعالى: {فِي غَيََابَتِ الْجُبِّ} [إلّا] أنه حذف الهاء مع الإضافة لأن المضاف إليه كالعوض مثل: ليت شعرى، وهو أبو عذرها. ويجوز أن يكون غيابة وغياب، مثل قتادة وقتاد، فحمله على التأنيث مثل {نَخْلٍ خََاوِيَةٍ»}.
قلت: يريد أن ليت شعرى وأبو عذرها، أصلهما: ليت شعرتى، وأبو عذرتها. قال بعضهم:
ثلاثة تحذف تاءاتها ... مضافة عند جميع النّحاه
وهى إذا شئت أبو عذرها ... وليت شعرى وإقام الصلاه
والقتاد: شجر صلب.
(2) لبث بالمكان لبثا، من باب تعب، وجاء فى المصدر السكون للتخفيف.
(3) ديوانه ص 213، وتخريجه فى ص 386، والأزهية ص 122، والتبصرة ص 132، والمغنى ص 569، 670، وشرح أبياته 7/ 197، والخزانة 11/ 68، وحكى كلام ابن الشجرى. والشاهد أعاده ابن الشجرى فى المجلس الحادى والثمانين.
وقوله «تمنّى» فعل مضارع، وأصله: تتمنّى، فحذف إحدى التاءين. وزعم ابن مالك أنه فعل ماض، من باب:
ولا أرض أبقل إبقالها
وردّه ابن هشام. راجع الموضع الثانى من المغنى.(3/75)
حقيقة الإعراب. قال الزجاج فى تقدير المحذوف: فكما تكرهون أكل لحمه ميتا، كذلك تجنبوا ذكره بالسوء غائبا. وقال أبو على فى «التذكرة»: فكما كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوا غيبته واتقوا الله.
ثم أخذ على الفراء إغفاله لجانب المعنى، قال: وقال الفراء: فقد كرهتموه فلا تفعلوه، يريد: فقد كرهتم أكل لحمه ميتا فلا تغتابوه، فإن هذا كهذا، فلم يفصح بحقيقة المعنى.
6 - قال ابن الشجرى (1) فى بيت المتنبى:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
«والمصدر الذى هو «مفارقة» مضاف إلى فاعله، وليس بمضاف إلى مفعوله، كإضافة السؤال فى قوله تعالى: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤََالِ نَعْجَتِكَ}، ولا يحسن أن تقدر: لولا مفارقة المحبين الأحباب، وإن كان ذلك جائزا من طريق الإعراب، لأن المحب لا يوصف بمفارقة محبوبه، وإيجاد سبيل للمنية إلى روحه، وإنما هو مفارق لا مفارق».
7 - وجّه ابن الشجرى (2) قوله تعالى: {وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} على حذف اللام. قال: «معناه: كالوا لهم أو وزنوا لهم، وأخطأ بعض المتأولين فى تأويل هذا اللفظ، فزعم أن قوله: «هم» ضمير مرفوع، وكّدت به الواو، كالضمير فى قولك: خرجوا هم، «فهم» على هذا التأويل عائد على «المطففين».
ويدلك على بطلان هذا القول عدم تصوير الألف بعد الواو فى {كََالُوهُمْ}
و {وَزَنُوهُمْ}، ولو كان المراد ما ذهب إليه هذا المتأول، لم يكن بدّ من إثبات ألف بعد الواو، على ما اتفقت عليه خطوط المصاحف كلها، فى نحو {خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ} و {قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} وإذا ثبت بهذا فساد قوله، فالضمير الذى هو «هم» منصوب بوصول الفعل إليه، بعد حذف اللام، وهو عائد على {النََّاسِ}
__________
(1) المجلس الحادى والثلاثون.
(2) المجلس الثالث والأربعون.(1/75)
فى قوله تعالى: {إِذَا اكْتََالُوا عَلَى النََّاسِ} وهذا أيضا دليل على فساد قوله: إن الضمير مرفوع، ألا ترى أن المعنى: إذا كالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوا للناس أو وزنوا للناس يخسرون».
فابن الشجرى فى هذا النص يقوّى ما ذهب إليه بعامل صناعى، وهو رسم المصاحف، وعامل معنوىّ، وهو صحة المعنى وسلامته.
8 - حكى ابن الشجرى (1) إعراب الزجاج والسيرافى «للمستخف» من قول الأخطل:
إن العرارة والنّبوح لدارم ... والمستخفّ أخوهم الأثقالا
ثم قال: وأسهل من هذا عندى أن ترفع «المستخف» بتقدير: وهم المستخف أخوهم الأثقالا، والمضمر المقدر عائد على «دارم» و «هم» من «أخوهم» عائد على الألف واللام، لأنهما بمعنى الذين، فكأنك قلت: وهم الذين يستخف أخوهم الأثقالا.
9 - تعقب ابن الشجرى (2) شرّاح المتنبى: ابن جنى وأبا العلاء المعرى والربعى، فى إعرابهم بيت المتنبى:
كفى ثعلا فخرا بأنك منهم ... ودهر لأن أمسيت من أهله أهل
فقال عن إعراب ابن جنى: إنه قول من لم ينعم النظر، وقنع بأول لمحة، ووصف قول المعرى بأن فيه إسهابا وتكلفا شاقا، وقول الرّبعى بأنه بعيد من حصول فائدة، ثم قال بعد حكاية أقوالهم: «والأوجه المذكورة عمن عزوتها إليهم، ليس فيها وجه خال من حذف، إلا الوجه الذى ذهب إليه الربعى فى النصب، وهو قول لا تصحبه فائدة، فأبو الفتح والربعى قدّرا فعلا لرفع «دهر»، والمعرى قدّر مبتدأ لرفع «أهل»، وقدّر المعرى أيضا لنصب «دهر» ما حكيت لك لفظه الشاقّ.
__________
(1) المجلس التاسع والعشرون.
(2) المجلس الثلاثون.(1/76)
قالوا: «أو» هاهنا بمعنى الواو لأنه لا يشكّ فى نسبه حتى أنه لا يدرى أمن ربيعة / هو أم من مضر، ولكنه أراد بربيعة أباه الذى ولده لأنه لبيد بن ربيعة، ثم قال: أو مضر (1)، يريد: ومضر، يعنى مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، واحتجّوا بقول متمّم بن نويرة (2).
فلو أنّ البكاء يردّ شيئا ... بكيت على بجير أو عفاق
على المرأين إذ هلكا جميعا ... لشأنهما بشجو واشتياق
قال: على المرأين لأنه أراد: على بجير وعفاق، فأبدل اثنين من اثنين، واحتجّوا بقول الراجز:
خلّ الطريق واجتنب أرماما ... إنّ بها أكتل أو رزاما (3)
خويربين ينقفان الهاما ... لم يدعا لسارج مقاما
قالوا: أراد أكتل ورزاما، فلذلك قال: خويربين، ولو كانت «أو» على بابها لقال: خويربا، كما تقول: زيد فى الدار أو عمرو جالس، ولا تقول: جالسان.
وأبطل البصريّون الاحتجاج بهذا الشّعر بقول الخليل: إنّ «خويربين» نصب على الشّتم، قال سيبويه: «وسألت الخليل عن قول الأسدىّ:
إنّ بها أكتل أو رزاما ... خويربين ينقفان الهاما
فزعم أن «خويربين» نصب على الشّتم، كما انتصب «{حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} (4)
على الشّتم، و:
__________
(1) وهو أبوه الأكبر، على ما ذكر صاحب الأزهية، وقد استاق ابن الشجرىّ كلامه كلّه.
(2) ديوانه (مالك ومتمم ابنا نويرة ابنا نويرة اليربوعى) ص 124، ومعانى القرآن للأخفش ص 35، والأضداد لابن الأنبارى ص 280، وتفسير الطبرى 1/ 337، وأمالى المرتضى 2/ 58، والأزهية ص 122.
(3) الكتاب 2/ 149، 150، ومجاز القرآن 2/ 175، والمقتضب 4/ 315، والكامل ص 937، والأزهية ص 121، والمغنى ص 63، وشرح أبياته 2/ 37وانظر فهارسه واللسان (خرب).
(4) الآية الرابعة من سورة المسد.(3/76)
قال: ويتجه عندى فى إعراب البيت بعد هذا وجه لم يذهب إليه من تقدم، كما لم يذهبوا إلى عطف «دهر»، على فاعل «كفى»، وهو أنك ترفع «الفخر» بإسناد «كفى» إليه، وتخرج الباء عن كونها زائدة فتجعلها معدّية متعلقة بالفخر، وتجر «الدهر» بالعطف على مجرور الباء، وترفع «الأهل» بتقدير المبتدأ الذى تقدم ذكره، فيصير اللفظ: كفى ثعلا فخر بكونك منهم، وبدهر هو أهل لأن أمسيت من أهله، والمعنى أنهم اكتفوا بفخرهم به، وبزمانه عن الفخر بغيرهما».
10 - ذكر ابن الشجرى (1) من شواهد إعمال «لا» عمل «ليس» قول النابغة الجعدى:
وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ ... سواها ولا عن حبها متراخيا
ثم قال: «فمبتغ خبرها، وكان حقه أن ينصب، ولكنه أسكن الياء فى موضع النصب، كما أسكنها الآخر فى قوله:
* كفى بالنأى من أسماء كافى *
وكان حقه «كافيا» لأنه حال بمنزلة المنصوب فى قوله تعالى: {وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَلِيًّا وَكَفى ََ بِاللََّهِ نَصِيراً}.
قال: ووجدت بعد انقضاء هذه الأمالى فى كتاب عتيق، يتضمن المختار من شعر الجعدىّ: «لا أنا باغيا سواها». فهذه الرواية تكفيك تكلّف الكلام على مبتغ».
وهذه العبارة الأخيرة صريحة الدلالة على أن ابن الشجرى يميل فيما يعالج من إعراب إلى إيثار السهولة وطرح التكلف وعدم التعلق بالضرورة.
11 - ذهب ابن الشجرى (2) إلى أن «محمدا» فى قول العباس بن مرداس:
__________
(1) المجلس الخامس والثلاثون.
(2) المجلس السابع عشر.(1/77)
النّازلين بكلّ معترك (1)
على التعظيم».
أكتل ورزام: لصّان كانا يقطعان الطريق بأرمام (2)، وينقفان هام من يمرّ بها.
وخويرب: تحقير خارب، والخارب لصّ الإبل.
واختلفوا فى قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (3) فقال بعض الكوفيّين: أو بمعنى الواو، وقال آخرون منهم: المعنى: بل يزيدون، وهذا القول ليس بشىء عند البصريّين.
وللبصريّين فى «أو» هذه ثلاثة أقوال: أحدها قول سيبويه (4)، / وهو أن «أو» هاهنا للتخيير، والمعنى: أنه إذا رآهم الرائى يخيّر فى أن يقول: هم مائة ألف، وأن يقول: أو يزيدون.
والقول الثانى: عن بعض البصريّين: أنّ «أو» هاهنا لأحد الأمرين، على الإبهام.
والثالث: ذكره ابن جنّى (5)، وهو أنّ «أو» هاهنا للشّكّ، والمعنى: أنّ الرائى إذا رآهم شكّ فى عدّتهم لكثرتهم.
__________
(1) شطر بيت للخرنق فرغت منه فى المجلس الحادى والأربعين.
(2) أرمام: اسم جبل، وقيل: واد. وينقفان الهام: يستخرجان الدماغ والمخ. والهام: جمع هامة، وهى الرأس.
(3) سورة الصافات 147.
(4) لم أجد قوله هذا فى كتابه المطبوع. وقد حكاه ابن هشام فى المغنى ص 64، عن ابن الشجرى وشكّك فيه، قال: «وفى ثبوته عنه نظر»، وانظر هذه المسألة، بصرية وكوفية فى: معانى القرآن للفراء 2/ 393، وللزجاج 4/ 314، ومجاز القرآن 2/ 175، ومجالس ثعلب ص 112، والمقتضب 3/ 304، والخصائص 2/ 461، والأزهية ص 127، والإنصاف ص 478، وزاد المسير 7/ 89، والبحر 7/ 376، وكتب أعاريب القرآن الكريم.
(5) راجع الموضع المذكور من الخصائص.(3/77)
ومن قبل آمنّا وقد كان قومنا ... يصلون للأوثان قبل محمدا
منصوب على نزع الخافض. قال: «نصب «محمد» بآمنا، والأصل:
بمحمد». وقد ذكرت فى حواشى التحقيق أن ابن الشجرى قد خالف المعربين قبله، فقد ذكروا أن «محمدا» منصوب على المفعولية لآمنا المضمن معنى صدّقنا. هذا وقد حكى السخاوى (1) الوجهين، ثم استحسن النصب على إسقاط الخافض.
12 - قال ابن الشجرى (2) فى بيت الشماخ:
وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه ... بضاحى عذاة أمره وهو ضامز
«وفى البيت فصل بالظرف الأجنبى بين المصدر ومنصوبه، لأن قوله:
«بضاحى عذاة» متعلق بوقوف أو ينتظرن، فهو أجنبى من المصدر الذى هو «قضاء» فوجب لذلك حمل المفعول على فعل الآخر، كأنه لما قال: «ينتظرن قضاءه بضاحى عذاة» أضمر «يقضى» فنصب به أمره».
وقد حكى ابن هشام عن النحويين أن الباء فى قوله: «بضاحى» متعلقة بقضائه، لا بوقوف ولا بينتظرن، لئلا يفصل بين «قضاءه» و «أمره» بالأجنبى. ثم قال: «ولا حاجة إلى تقدير ابن الشجرى وغيره «أمره» معمولا لقضى محذوفا، لوجود ما يعمل».
هذا كلام ابن هشام فى المغنى (3)، ولكنه نقضه فى كتابه شرح بانت سعاد (4)، حيث قال بعد أن أنشد البيت: «وأمره منتصب بقضائه محذوفا، مبدلا من «قضائه» المذكور، ولا ينتصب بالمذكور، لأن الباء ومجرورها متعلقان بينتظرن، ولا يفصل المصدر من معموله». انتهى كلامه، وواضح أنه يرجع إلى كلام ابن الشجرى، والفرق الوحيد بينهما أن ابن الشجرى يقدر المحذوف أو المضمر «يقضى». وابن هشام يقدره «قضاء».
__________
(1) فى سر السعادة ص 719، وحكاه السيوطى فى الأشباه والنظائر 3/ 183.
(2) المجلس التاسع والعشرون.
(3) ص 595.
(4) ص 94.(1/78)
ومن زعم أن المعنى: بل يزيدون، قال مثل ذلك فى قوله: {فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (1) وفى قوله: {وَمََا أَمْرُ السََّاعَةِ إِلََّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} (2) وقوله: {فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ََ} (3) ومن قال: إنّ المعنى:
ويزيدون (4)، قال مثل ذلك فى هذه الآي.
والوجه: أن تكون «أو» فيهنّ للتخيير، أى: إن قلت: إنّ قلوبهم كالحجارة جاز، وإن قلت: إنها أشدّ قسوة جاز، وعلى هذا تقدير الآيتين الأخريين (5)، ويجوز أن تكون «أو» فيهنّ للإبهام.
والسادس من معانى «أو»: أن تكون بمعنى إلّا أن، كقولهم: لألزمنّه أو يتّقينى بحقّى، معناه: إلّا أن يتّقينى، وقال الكوفيّون: حتى يتّقينى، ومنه قول امرىء القيس (6):
بكى صاحبى لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
ومثله قول زياد الأعجم:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما (7)
__________
(1) سورة البقرة 74. وانظر تفسير الطبرى 2/ 236، والقرطبى 1/ 463.
(2) سورة النحل 77.
(3) سورة النجم 9.
(4) أى أن «أو» هنا بمعنى واو العطف. راجع الأزهية ص 128.
(5) فى الأصل: الآخرتين.
(6) ديوانه ص 65، 66، والكتاب 3/ 47، والمقتضب 2/ 28، والأصول 2/ 156، والخصائص 1/ 263، واللامات للزجاجى ص 56، والأزهية ص 129، والتبصرة ص 398، وشرح المفصل 7/ 22 وشرح الجمل 2/ 156، والخزانة 8/ 544، وانظر فهارسها.
وقوله «صاحبى» هو عمرو بن قميئة، وقصّتهما معروفة فى كتب الأدب والأخبار.
(7) الكتاب 3/ 48، والمقتضب 2/ 29، والأزهية ص 128، والتبصرة الموضع السابق وإيضاح شواهد الإيضاح ص 350، والمقرب 1/ 263، والمغنى ص 66، وشرح أبياته 2/ 68، وغير ذلك مما تراه فى حواشى المحققين.
والغمز: العصر باليد. والقناة: الرمح.(3/78)
13 - ذهب ابن الشجرى (1) إلى أن الضمير يقوم مقام الواو المحذوفة فى ربط الجملة الاسمية الحالية، قال: «ولو حذفت الواو اكتفاء بالضمير، فقلت:
خرج أخوك يده على وجهه، جاز، كما قال المسيب بن علس:
نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب ما يدرى
أى ما يدرى ما حاله».
وقد تعقبه البغدادى (2)، فقال: «والعجب من كلام ابن الشجرى فى «أماليه» فإنه جعل الجملة حالا من «النهار» المرفوع، وقال: «الرابط الضمير»، وهذا لا يصح، فإن الضمير ليس للنهار». وكان البغدادى قد قدر الضمير فى «غامره» عائدا على الغوّاص. وابن هشام (3) قدّر الرابط فى البيت الواو المحذوفة.
14 - سئل ابن الشجرى (4) عن إعراب «فضلا» ومعناه، فى قول الشاعر:
ووحشيّة لسنا نرى من يصدّها ... عن الفتك فضلا أن نرى من يصيدها
فأجاب بأنه ينتصب على المصدر، قال: «والتقدير: فضل انتفاء أن نرى إنسانا يصدها عن الفتك بنا فضلا عن رؤيتنا إنسانا يصيدها لنا، ففضل هاهنا مصدر فضل من الشىء كذا: إذا بقيت منه بقية، كقولك: أنفقت أكثر دراهمك، والذى فضل منها ثلاثة، وكقولك لإنسان خلص من أمر عظيم ولحقه منه بعض الضرّ: معك فضل كثير، وكذلك وجود إنسان يصيد هذه الوحشية، وانتفاء من يكفها عن الفتك بينهما فضل كبير، فإذا كان من يكفها عن الفتك معدوما، فكيف من يقدر على صيدها موجودا».
__________
(1) المجلس الحادى والسبعون.
(2) الخزانة 3/ 234.
(3) المغنى ص 559، 707.
(4) المجلس الرابع والسبعون.(1/79)
والسابع: استعمالها بمعنى «إن» الشرطية مع الواو، كقولك: لأضربنّك عشت أو متّ (1)، معناه: إن عشت بعد الضرب وإن متّ، ومثله: لآتينّك إن أعطيتنى أو حرمتنى، معناه: وإن حرمتنى.
والثامن: أن يعطف بها بعد ألف الاستفهام وهل، فتكون لأحد الشيئين / أو الأشياء، كقولك: أقام زيد أو عمرو؟ معناه: أقام أحدهما؟ وهل تعفو عن زيد أو تحسن إلى أخيه؟ أى هل يكون منك أحد هذين؟ قال الله سبحانه:
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} (2) أى هل يكون منهم أخذ هذه الأشياء؟ ومثله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} (3) {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} (4) وإنّما عدّ هذا قسما على حياله، لأن الاستفهام أخرجه من الشّكّ والتخيير والإباحة.
والتاسع: أن تكون للتبعيض، فى قول بعض الكوفيّين، وإنّما جعلها للتبعيض لأنها لأحد الشّيئين، وذلك فى قول الله سبحانه: {وَقََالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ تَهْتَدُوا} (5) وهذا القول إنما هو إخبار من الله عز وجل عن الفريقين، وفى الكلام حذوف، أوّلها: حذف مضاف من أوّله، ثم حذف واو العطف، وجملتين
__________
(1) حكاه ابن هشام فى المغنى ص 67، والسّيوطى فى الهمع 2/ 134، عن ابن الشجرىّ، وأصله فى الأزهية ص 127.
(2) سورة الشعراء 72، 73.
(3) آخر سورة مريم.
(4) سورة الزخرف 40.
(5) سورة البقرة 135. وراجع الأزهية ص 129. وقد حكى ابن هشام معنى «التبعيض» هذا عن ابن الشجرى، ثم قال: «والذى يظهر لى أنه إنما أراد معنى التفصيل السابق، فإن كلّ واحد ممّا قبل «أو» التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدّم عليهما من المجمل، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرّد معنى التبعيض» المغنى ص 67. قلت: لم يطلع ابن هشام على كلام الهروى فى الأزهية، وقد استاقه ابن الشجرىّ على عادته مع الهروى، فإن كان تعقّب فعلى الهروىّ!(3/79)
فعليّتين من آخره، وهما قال وفاعله، وكان واسمها (1).
فأمّا تقدير المضاف، فإنّ قوله: {وَقََالُوا} معناه: وقال بعضهم يعنى اليهود كونوا هودا، وتقدير الواو والجملتين: وقال بعضهم: كونوا نصارى، فقام قوله:
{أَوْ نَصََارى ََ} مقام هذا الكلام. وهذا يدلّك على شرف هذا الحرف. ولا يجوز أن تكون «أو» هاهنا للتخيير لأنّ جملتهم لا يخيّرون بين اليهوديّة والنصرانيّة.
* * * __________
(1) حكم ابن هشام على تقدير ابن الشجرىّ لهذه الحذوف بالتعسّف. المغنى ص 65.(3/80)
وتعبير «فضلا» مما شغل به اللغويون والنحاة المتأخرون، وقد ذكر الفيومى فى مادة (فضل) من المصباح المنير ذكر إعراب «فضلا» ومعناه بمثل ما ذكره ابن الشجرى، ثم حكى عن قطب الدين الشيرازى فى شرح المفتاح، قال: «وقال شيخنا أبو حيان الأندلسى نزيل مصر المحروسة، أبقاه الله تعالى: ولم أظفر بنص على أن مثل هذا التركيب من كلام العرب».
ولابن هشام رأى فى إعراب «فضلا»، حكاه عنه السيوطى (1).
15 - ومما يتصل بإعراب التعبيرات النحوية، ما ذكره ابن الشجرى (2) من إعراب قولهم: «أخطب ما يكون الأمير قائما»، وقولهم: «شربى السّويق ملنوتا»، وهما من التعبيرات النحوية الشائعة، وقد أطال ابن الشجرى فى إعراب التعبير الأول، ثم قال فى آخر كلامه: «فتأمل جملة الكلام فى هذه المسألة، فقد أبرزت لك غامضها وكشفت لك مخبوءها».
16 - تعقب ابن الشجرى شيخه التبريزى فى إعراب «مواهبا» من قول المتنبى:
ومحل قائمة يسيل مواهبا ... لو كنّ سيلا ما وجدن مسيلا
فقال: «قال يحيى بن على التبريزى: مواهبا منصوبة، لأنها مفعول.
فقلت: لا يجوز أن تكون مفعولا، لأن «يسيل» لا يتعدى إلى مفعول به، بدلالة أنه لا ينصب المعرفة، تقول: سال الوادى رجالا، ولا تقول: سال الوادى الرجال، وسالت الطرق خيلا، ولا تقول: سالت الطرق الخيل، فلما لزمه نصب النكرة خاصة، والمفعول يكون معرفة ويكون نكرة، والمميز لا يكون إلا نكرة، ثبت أن قوله: «مواهبا» مميز، ويوضح هذا لك أنك إذا أدخلت همزة النقل على سال، تعدى إلى مفعول واحد، تقول: أسال الوادى الماء المعين، فلو كان قبل النقل بالهمزة يتعدى إلى مفعول، لتعدى بعد النقل إلى مفعولين.
__________
(1) فى الأشباه والنظائر 3/ 187.
(2) المجلس السابع والثلاثون.(1/80)
من شعر كتاب سيبويه قول خزز (1) بن لوذان السّدوسىّ
يا صاح يا ذا الضّامر العنس (2)
وقول عبيد بن الأبرص الأسدىّ (3):
يا ذا المخوّفنا بمقتل شيخه ... حجر تمنّى صاحب الأحلام
قال (4) أبو سعيد: ذا، فى البيتين للإشارة، وما بعدهما نعت لهما، وهو رفع وإن كان مضافا لأن الأصل فيه غير (5) الإضافة. أمّا البيت الأول فتقديره: يا ذا الضامر عنسه، كما تقول: أيّها الضامر عنسه، والبيت الثاني تقديره: يا ذا المخوّف لنا، كما / تقول: أيّها المخوّف لنا، ومثله: يا ذا الحسن الوجه، وتقديره: يا ذا الحسن وجهه، وليس «ذا» بمنزلة يا ذا المال، ويا ذا الجمّة، تريد: يا صاحب المال، ويا صاحب الجمّة، وهو الذى يكون فى الرفع بالواو وفى الخفض بالياء وفى النّصب بالألف، تقول: جاءنى ذو المال، ومررت بذى المال، ورأيت ذا المال، وهو معرفة بإضافته إلى ما بعده، وتقول فى الآخر: جاءنى ذا الحسن الوجه، ومررت بذا الحسن الوجه، ورأيت ذا الحسن الوجه.
__________
(1) خزز، بزاءين، بوزن عمر، ابن لوذان، بفتح اللام وبذال معجمة، شاعر جاهلىّ قديم.
حواشى البيان والتبيين 3/ 316، والخزانة 2/ 233. وقد نسب إليه شعر فى المجلس الثالث والثلاثين، وفاتنى هناك أن أضبطه وأعرّف به.
(2) الكتاب 2/ 190، وفرغت منه فى كتاب الشعر ص 346، وينسب لخالد بن المهاجر بن خالد ابن الوليد.
(3) ديوانه ص 122، والكتاب 2/ 191، والتبصرة ص 345، وارتشاف الضرب 3/ 130، والخزانة 2/ 212.
والشاعر يخاطب امرأ القيس، وكان امرؤ القيس قد توعّد بنى أسد الذين قتلوا أباه، فيقول له عبيد:
ما تمنّيته لن يقع، وإنما هو أضغاث أحلام.
وقوله «تمنّى» منصوب على أنه مصدر عامله محذوف، أى تمنّيت تمنّى صاحب الأحلام.
(4) فى الأصل: «وقال» ولم ترد هذه الواو فى ط، د.
(5) يريد أن الإضافة هنا غير محضة، وأنه يقدّر فيها الانفصال.(3/81)
فإن قيل: إن المميز من شأنه أن يكون واحدا.
قلنا: لعمرى، إن هذا هو الأغلب، وقد يكون جمعا، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} وكقوله: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوََالًا وَأَوْلََاداً}.
انتهى كلام ابن الشجرى، وقد حكاه شارح ديوان المتنبى (1)، وأفاد أن إعراب «مواهبا» مفعولا به، هو قول ابن جنى أيضا.
وبعد: فهذه أبرز آراء ابن الشجرى الإعرابية، استخرجتها لتدلّ على غيرها، مما زخرت به الأمالى، ومما ينبغى التنبه له والإشارة إليه أن الهدف التعليمىّ الذى أخذ به ابن الشجرى نفسه، وصرف إليه همته، قد حمله على إجالة النظر وتقليب الفكر، فيما تمثل فى هذه الأوجه (2) الإعرابية الكثيرة التى أوردها فى الكلمة الواحدة، مما يدل على تمكنه وتبحره فى فقه العربية، ومما يدل أيضا على أن ظاهرة التوسّع الإعرابى (3) ليست من صنيع النحاة المتأخرين، كما يظنّ بعض الدراسين.
* * * __________
(1) شرح ديوان المتنبى المنسوب إلى العكبرى 3/ 237.
(2) انظر مثلا: المجالس: العشرين، والثامن والعشرين، والحادى والثلاثين، والثانى والثلاثين والحادى والأربعين.
(3) بل هى أقدم من ابن الشجرى، فيما تراه عند أبى على الفارسى. راجع مقدمتى لكتاب الشعر ص 32.(1/81)
الحذف
الحذف من خصائص العربية، وهو سمة من سمات فصاحتها وبلاغتها، إذ كان بيانها قائما على الإيجاز والاختصار، ويجعله ابن جنى من باب شجاعة العربية (1).
والحذف: إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام. هكذا عرّفه الرمانى (2).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (3): والاختصار فى كلام العرب كثير لا يحصى، وهو عندنا أعرب الكلام وأفصحه، وأكثر ما وجدناه فى القرآن.
ويرى ابن الشجرى (4) أن الحذف من أفصح كلام العرب، لأن المحذوف كالمنطوق به، من حيث كان الكلام مقتضيا له، لا يكمل معناه إلا به.
والحذف خلاف الأصل. قال الزركشى (5): «والحذف خلاف الأصل، وعليه ينبنى فرعان، أحدهما: إذا دار الأمر بين الحذف وعدمه، كان الحمل على عدمه أولى، لأن الأصل عدم التغيير. والثانى: إذا دار الأمر بين قلة المحذوف وكثرته، كان الحمل على قلته أولى».
ولما كان الحذف بهذه المثابة، فقد أجمعوا على أنه لا يصار إليه ولا يستحسن إلا باجتماع شيئين: أولهما: أن تدعو إليه ضرورة فنية، مبناها على ما اختصت به العربية من الإيجاز وطرح فضول الكلام، والاكتفاء باللمحة الدالة، وطلب الخفة واليسر، رعاية للانسجام الصوتى فى بعض أنواع الكلمة والكلام، ثم من قبل كل
__________
(1) الخصائص 2/ 362، ولله در ابن جنى، كيف تأتّى له هذا التعبير!
(2) النكت فى إعجاز القرآن ص 70.
(3) غريب الحديث 2/ 272.
(4) الأمالى المجلس الثالث والأربعون.
(5) البرهان 3/ 104.(1/82)
والكوفيون ينشدون:
يا صاح يا ذا الضّامر العنس
بحفض «الضامر» لأنهم يضيفون «ذا» إلى الضامر، ويجعلونه بمنزلة: يا ذا الجمّة، ويا ذا المال، ويحتجّون لصحّة روايتهم بقوله بعد:
والرّحل والأقتاد والحلس (1)
بخفض الرّحل والأقتاد، ويقدّرون: يا ذا العنس الضامر والرّحل، بمعنى:
يا صاحب العنس، وقالوا: لو كان على ما قاله سيبويه لم يستقم خفض «الرّحل»، لأن إنشاد سيبويه برفع «الضامر» إنما يكون بمعنى: يا ذا الضامر عنسه، كقولنا:
يا ذا الحسن الوجه، بمعنى الحسن وجهه، ولا يستقيم فى الرّحل إذا عطفناه على العنس، أن تقول: الذى ضمر رحله.
قال أبو سعيد: والذى أنكروه ليس بمنكر لأن هذا من باب قوله:
علفتها تبنا وماء باردا (2)
وقوله (3):
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا
على أن تجعل الثانى على ما يليق به، ولا يخرج عن مقصد الأوّل، فيكون معنى الضامر المتغيّر، والرحل محمول عليه، كأنه قال: المتغيّر العنس والرّحل، ويدخل الرّحل فى لفظ الضامر، لإرادة معنى التغيّر به. انتهى كلامه.
__________
(1) راجع الخزانة 2/ 232.
(2) تمامه:
حتى شتت همّالة عيناها
وتخريجه فى كتاب الشعر ص 533، وزد عليه: تأويل مشكل القرآن ص 213، وأمالى المرتضى 2/ 259، 375، والرسالة الموضحة ص 121.
(3) هو عبد الله بن الزّبعرى، رضى الله عنه. وتخريج بيته فى كتاب الشعر ص 532، وانظر الموازنة 1/ 236.(3/82)
وأقول: إنّ هذا الفنّ متّسع فى كلام العرب، يقدّرون للثانى ما يصلح حمله عليه، ولا يخرج به عن المراد بالأوّل، فيقدّرون فى قوله:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا
/ وحاملا رمحا، كما قدّروا (1) فى قوله:
علفتها تبنا وماء باردا
وسقيتها.
وقد قيل فى قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدََّارَ وَالْإِيمََانَ} (2) إنّ المعنى: وأحبّوا الإيمان، وكذلك يقدّر فى قول المتنبّى (3):
ذات فرع كأنّما ضرب العن ... بر فيه بماء ورد وعود
ودخان عود لأن العود لا ماء له، وكذلك قوله (4):
وقد كان يدنى مجلسى من سمائه ... أحادث فيها (5) بدرها والكواكبا
من قال: إنه أراد بالكواكب خصال سيف الدولة، كما قال (6):
أقلّب منه طرفى فى سماء ... وإن طلعت كواكبها خصالا
فلا بدّ من تقدير فعل ينصب الكواكب لأنّ الخصال لا توصف بالمحادثة، وتقديره: وأستضىء الكواكب، أى أستفيد من فضائله، وأقتبس من محاسنه.
__________
(1) فى الأصل: «كما قد روى فى قوله». خطأ، صوابه فى ط، د.
(2) سورة الحشر 9.
(3) ديوانه 1/ 316.
(4) ديوانه 1/ 70.
(5) فى الأصل: «فيه» وأثبت ما فى ط، د، والديوان.
(6) ديوانه 3/ 232، وروايته: «أقلّب منك» يمدح بدر بن عمّار.(3/83)
ذلك ومن بعده إمتاع الذهن بما تذهب إليه النفس فى تقدير المحذوف المطوىّ فى ثنايا الكلام (1).
والثانى: أن يدل على المحذوف دليل، كما أفاد الرمانى فى كلامه السابق.
وقال المبرد (2): ولا يجوز الحذف حتى يكون المحذوف معلوما بما يدلّ عليه من متقدم خبر، أو مشاهدة حال.
وقال أبو جعفر الطبرى (3): قد دللنا فيما مضى أن العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلمة ولم تشكك أن سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ما حذفت حذف ما كفى منه الظاهر من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التى حذفت قولا أو تأويل قول.
وقال ابن جنى (4): قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شىء من ذلك إلا عن دليل عليه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب فى معرفته.
وقال الشريف المرتضى (5): وإنما تستحسن العرب الحذف فى بعض المواضع، لاقتضاء الكلام المحذوف ودلالته عليه.
__________
(1) ترى أمثلة ذلك فى البرهان 3/ 220104، وانظر مبحث الحذف وأمثلته بالإضافة إلى ما ذكرت فى مجاز القرآن 1/ 8، والبيان والتبيين 2/ 278، وتأويل مشكل القرآن ص 210، والصناعتين ص 181، والصاحبى ص 337، 393386، وإعجاز القرآن للباقلانى ص 262، والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ص 237، والتبيان فى علم البيان ص 112، والمغنى ص 725668، والحذف يسمى أيضا: الإضمار والاختصار، وفرق المرتضى بين الحذف والاختصار، فجعل الحذف يتعلق بالألفاظ، والاختصار يرجع إلى المعانى. راجع أماليه 2/ 73.
(2) المقتضب 2/ 81.
(3) تفسير الطبرى 1/ 139، 179، وانظر أيضا 2/ 27.
(4) الخصائص 2/ 360.
(5) أمالى المرتضى 2/ 48.(1/83)
وقال الشيخ عبد القاهر (1) عن الحذف: هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتمّ ما تكون بيانا إذا لم تبن، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر، وأنا أكتب لك بديئا أمثلة مما عرض فيه الحذف، ثم أنبهك على صحة ما أشرت إليه، وأقيم الحجة من ذلك عليه.
وقال أيضا فيما نقل عنه الزركشى (2): ما من اسم حذف فى الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره، ولله درّ القائل:
إذا نطقت جاءت بكل مليحة ... وإن سكتت جاءت بكل مليح
63 - وقال العز بن عبد السلام (3): والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا وصلة إليه، لأن حذف ما لا دلالة عليه مناف لغرض وضع الكلام من الإفادة والإفهام، وفائدة الحذف تقليل الكلام، وتقريب معانيه إلى الأفهام.
وقال حازم القرطاجنّى، فيما حكى عنه الزركشى (4): إنما يحسن الحذف ما لم يشكل به المعنى، لقوة الدلالة عليه، أو يقصد به تعديد أشياء، فيكون فى تعدادها طول وسآمة، فيحذف ويكتفى بدلالة الحال عليه، وتترك النفس تجول فى الأشياء المكتفى بالحال عن ذكرها على الحال.
وقد تنازع مبحث الحذف علماء إعجاز القرآن، والبلاغة والنحو، لكن علماء الإعجاز والبلاغة عالجوا الحذف فى أبواب خاصة أفردوها له ووقفوها عليه، ثم تكلموا عليه مرّة واحدة، وخلطوا مباحث البيان بمباحث النحو، أما النحويون فقد
__________
(1) دلائل الإعجاز ص 146.
(2) البرهان 3/ 105.
(3) الإشارة إلى الإيجاز فى بعض أنواع المجاز ص 5.
(4) الموضع السابق من البرهان، وقد حكى الزركشى كلام حازم هذا من كتابه «منهاج البلغاء» ولم أجده فى المطبوع منه، ووضعه محققه فى ملحق الكتاب ص 391، نقلا عن البرهان.(1/84)
الأقتاد: خشب الرّحل، واحدها قتد، وقالوا أيضا فى جمعه: قتود.
والعنس من النّوق: الصّلبة الشّديدة.
لك على مذهب سيبويه فى قوله: «ياذا الضّامر العنس» أن تقول: يا زيد الحسن الوجه، برفع الحسن، والحسن الوجه، بنصبه، كما تقول: يا زيد الحسن والحسن، لأنّ الإضافة فى هذا الباب كالإفراد، من حيث كان التقدير: الحسن وجهه.
قول أبى سعيد: إن «الضامر» مضاف إلى «العنس»، صحيح لأن الضامر غير متعدّ، والاسم الذى بعده فيه ألف ولام، وقوله: إنّ «المخوّف» مضاف إلى ما بعده، سهو لأنّ المخوّف متعدّ، وليس بعده اسم فيه ألف ولام، وأنت لا تقول: المخوّف زيد، فالضمير فى قوله «المخوّفنا» منصوب لا مجرور.
* * *
قول أبى الطيّب فى سيف الدّولة(3/84)
* * *
قول أبى الطيّب فى سيف الدّولة
إذا نحن سمّيناك خلنا سيوفنا ... من التّيه فى أغمادها تتبسّم (1)
/ معدود فى أبياته النادرة، وقد عاب بعض نقّاد الشّعر قوله:
من التّيه فى أغمادها تتبسّم
وقال: أخطأ فى هذا، ووضع الشىء فى غير موضعه، وعند من لا ينقد الشعر حقّ نقده، ولا يلطف فكره للغوامض أنّ هذا البيت أحسن بيت له، ووجه الأخطاء أنه قال: تتبسّم من التّيه، وإنما يكون من التّيه العبوس، وأن يشمخ الإنسان بأنفه، كذلك يكون التائه المتكبّر، وإنما يكون التبسّم من المرح والفرح. انتهى كلامه.
وأقول: إنّ التبسّم قد يكون من المعجب بنفسه، التائه على أضرابه استكثارا لما عنده، واستقلالا لما عندهم، فليس ينكر أن يكون التبسّم من الإعجاب، فكأنّ السّيوف تبسّمت إعجابا بأنفسها، لمشاركة الممدوح لها فى التسمية، فحقرت بذلك الرّماح وغيرها من السّلاح.
* * * __________
(1) ديوانه 3/ 361، يمدح سيف الدولة. ورواه الحاتمى سماعا من المتنبى:
أتحسب بيض الهند أصلك أصلها ... وأنّك منها ساء ما تتوهّم
إذا سمعت باسم الأمير حسبتها ... من التّيه فى أغمادها تتبسّم
ثم قال: الثانى من قول أبى نواس نقلا من جهة إلى جهة:
تتيه الشمس والقمر المنير ... إذا قلنا كأنهما الأمير»
الرسالة الموضحة ص 20.(3/85)
فرقوا الكلام على الحذف، على أبواب النحو المختلفة، كحذف المبتدأ والخبر، وحذف المفعول والحال والتمييز والصلة والعطف والموصوف والصفة، ثم حذف الأدوات. وقلّ من رأيناه أفرد للحذف بابا، نعم وقف ابن هشام بعض الباب الخامس من «المغنى» على الكلام على الحذف: شروطه وأنواعه وأمثلته، لكنه عالج أيضا مسائل من الحذف، فى مباحث الكتاب المختلفة، شأنه شأن النحاة السابقين واللاحقين.
هذا وقد حدّد ابن هشام مجال البحث النحوى فى الحذف، فقال (1):
«الحذف الذى يلزم النحوىّ النّظر فيه هو ما اقتضته الصناعة، وذلك بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس، أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس، أو معطوفا بدون معطوف عليه، أو معمولا بدون عامل، نحو: {لَيَقُولُنَّ اللََّهُ} ونحو: {قََالُوا خَيْراً}، ونحو: «خير عافاك الله»، وأما قولهم فى نحو {سَرََابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}:
إن التقدير: والبرد، ونحو: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهََا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرََائِيلَ}: إن التقدير: ولم تعبّدنى، ففضول فى فن النحو، وإنما ذلك للمفسرّ، وكذا قولهم:
يحذف الفاعل لعظمته، وحقارة المفعول، أو بالعكس، أو للجهل به، أو للخوف عليه أو منه، ونحو ذلك، فإنه تطفل منهم على صناعة البيان».
والبحث النحوىّ يتناول حذف الجملة والمفرد والحرف والحركة (2)، وهذان الأخيران مما اختص بهما علم الصرف.
وقد أفسح ابن الشجرى «أماليه» لكل أنواع هذه الحذوف، ثم تناول أيضا تلك الحذوف التى أشار ابن هشام إلى أنها من علمى التفسير والبيان. ذكر ابن الشجرى كل ذلك وضرب له الأمثال من الكتاب العزيز، ومن كلام العرب وأشعارها، ثم اعتنى عناية خاصة بذكر حذوف القرآن الكريم، ويقول فى ذلك (3):
«فحذوف القرآن كثيرة عجيبة».
__________
(1) المغنى ص 724.
(2) الخصائص 2/ 360، والأشباه والنظائر 1/ 28.
(3) المجلس الثالث والعشرون.(1/85)
وأقول في بيت آخر [له (1)] وهو قوله:
فيوما بخيل تطرد الرّوم عنهم ... ويوما بجود تطرد الفقر والجدبا (2)
أنشد أبو زكريا يحيى بن علىّ التّبريزىّ: «بجود يطرد» بالياء، وقال: التاء فى «تطرد» للخيل، والياء فى «يطرد» الثانى للجود.
والصواب عندى إنشاد الثانى بالتاء كالأول، وتكون التاآن لخطاب الممدوح لأمرين: أحدهما: أن خطابه قد جاء قبل هذا البيت وبعده، فمجيئه قبله فى قوله:
هنيئا لأهل الثّغر رأيك فيهم ... وأنّك حزب (3) الله صرت لهم حزبا
وأنّك رعت الدّهر فيها وريبه ... فإن شكّ فليحدث بساحتها خطبا
ومجيئه بعده فى قوله:
سراياك تترى والدّمستق هارب ... وأصحابه قتلى وأمواله نهبى
والأمر الآخر: أنك إذا جعلت التاءين للخطاب علّقت الجارّين بالفعلين / اللّذين بعدهما، ولم تحتج إلى تقدير ما تعلّقهما به، فكأنك قلت: فيوما تطرد الرّوم عنهم بخيل، ويوما تطرد الفقر عنهم بجود، وإذا جعلت «تطرد» للخيل، و «يطرد» للجود كان الفعلان وصفين لخيل وجود، أى فيوما بخيل طاردة عنهم الروم، ويوما بجود طارد عنهم الفقر، فلا بدّ من تقدير ما يتعلّق به الباآن على هذا القول، فكأنك قلت: فيوما تحوطهم بخيل تطرد الروم عنهم، ويوما تنعشهم بجود يطرد الفقر عنهم، فالذى ذهبت إليه هو الصحيح الذى لا يخفى إلّا على موغل فى التقصير.
* * * __________
(1) زيادة من ط، د.
(2) ديوانه 1/ 62، 63، يمدح سيف الدولة.
(3) منصوب على النداء المضاف. أى: يا حزب الله.(3/86)
وابن الشجرى يشترط ما اشترطه غيره من ضرورة قيام دليل على المحذوف، قال (1): «إن حذف المضاف فى كلام العرب وأشعارها، وفى الكتاب العزيز أكثر من أن يحصى، وأحسنه ما دل عليه معنى أو قرينة أو نظير أو قياس» ثم مثل لهذه الدلالات.
وقد عالج ابن الشجرى ضروب الحذف فى ثنايا كثير من مجالسه (2)، قصدا أو استطرادا، ثم أفرد لها سبعة عشر مجلسا، بدءا من منتصف المجلس التاسع والثلاثين، استغرقت مائة وخمسين ورقة من مخطوطة الأمالى التى اتخذتها أصلا، وهو قدر كبير يصلح أن يكون كتابا مستقلا، وقد تكلم فى هذه المجالس على الحذوف الواقعة بالأسماء المفردة والجمل والأفعال والحروف، وهذه المباحث تكاد تستغرق أبواب النحو كلها، وفى كلام ابن الشجرى عن الحذف فى الحروف، أراد حروف المعانى، كاللام ومن والباء وعلى وإلى، مما بحروف الجر، ثم الحروف التى هى من بنية الكلمة، وحذف هذه الحروف الأخيرة يعالج فى أبواب الصرف كالإعلال والإبدال والقلب والنقل.
وإفراد ابن الشجرى هذه المجالس المتتابعة لدراسة الحذوف مفيد فى ميدان الدراسات النحوية والصرفية، إذ كان ذلك مغنيا عن تلمّس ظاهرة الحذوف فى أبواب النحو المختلفة، حيث تأتى أمثلة الحذوف مفرقة بحسب ترتيب أبواب النحو، وبخاصة فى الكتب التعليمية المتأخرة، ابتداء من القرن السابع، على يد شراح ابن مالك.
وابن الشجرى يمثل أحيانا لظهور المحذوف الذى يقدره، فى شاهد آخر، فقد قال (3) فى أدلة الحذوف: «ودلالة النظير مع القياس والقرينة، كقوله سبحانه:
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} أراد: هل يسمعون دعاءكم، كما قال فى الأخرى:
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لََا يَسْمَعُوا دُعََاءَكُمْ} ودلالة القياس على هذا المحذوف أنك لا تقول:
__________
(1) المجلس الثامن، وانظر أيضا المجلس السابع والثلاثين.
(2) انظر مثلا المجالس: الأول والرابع والخامس والسابع والتاسع والسادس والثلاثين والثامن والستين.
(3) المجلس الثامن.(1/86)
سمعت زيدا وتمسك، حتى تأتى، بعد ذلك بلفظ مما يسمع، كقولك: سمعته يقرأ، وسمعته ينشد».
وحكى فى الكلام على حذف المبتدأ، قال (1): «وجاء الحذف فى قوله تعالى: {طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} فقيل: تقديره: أمرنا طاعة، واحتج صاحب هذا القول بقول الشاعر:
فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد
فقال: فقد أظهر الشاعر المبتدأ المحذوف فى الآية».
وقال فى حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه (2): «ومنه {وَإِلى ََ مَدْيَنَ أَخََاهُمْ شُعَيْباً} أى إلى أهل مدين، ألا ترى أن الضمير الذى هو الهاء والميم فى (أخاهم) لا يعود على (مدين) نفسها، وإنما يعود على أهلها، وقد أظهر هذا المحذوف فى موضع آخر، وهو قوله: {وَمََا كُنْتَ ثََاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}.
وذكر فى حديثه عن حذف العائد من جملة الصفة إلى الموصوف، قال (3):
«وفى التنزيل: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} أراد: لا تجزى فيه، فحذف الجارّ والمجرور المقرّين فى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ}».
وقد أسرف ابن الشجرى فى تقدير بعض الحذوف، فقال فى ذكر معانى «أو (4)»: «التاسع أن تكون للتبعيض فى قول بعض الكوفيين، وإنما جعلها للتبعيض، لأنها لأحد الشيئين، وذلك فى قول الله سبحانه: {وَقََالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ تَهْتَدُوا} وهذا القول إنما هو إخبار من الله عز وجل عن الفريقين، وفى الكلام حذوف: أولها: حذف مضاف من أوله، ثم حذف واو العطف وجملتين فعليتين من آخره، وهما قال وفاعله، وكان واسمها. فأما تقدير المضاف فإن قوله:
__________
(1) المجلس التاسع والثلاثون.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس الأربعون.
(4) المجلس الخامس والسبعون.(1/87)
المجلس السادس والسبعون الكلام فى قول الله عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنََا}
(1) يتوجّه فى قوله {لَكَ} سؤال، فيقال: لو قيل: ألم نشرح صدرك، كان الكلام مكتفيا، ومثله: {وَرَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ} فلأىّ معنى ذكر {لَكَ}؟
والجواب عن هذا السؤال: أن اللام فى {لَكَ} لام العلّة التى تدخل على المفعول من أجله، فى نحو قولك: فعلت ذاك لإكرامك، فإن حذفتها قلت: فعلته إكرامك، كما قال:
متى تفخر ببيتك فى معدّ ... يقل تصديقك العلماء جير (2)
الأصل: لتصديقك، فلما حذف اللام نصب، فإن حذفت المصدر رددت اللام فقلت: فعلت ذاك لك، ومثله: جئت لمحبّة زيد، ومحبّة زيد، ولزيد، ومنه قول عمر بن أبى ربيعة (3):
وقمير بدا ابن خمس وعش ... رين له قالت الفتاتان قوما
أراد: لأجله قالت الفتاتان: قوما.
وإذا عرفت هذا فالمعنى: ألم نشرح لهداك (4) صدرك؟ كما قال تعالى: {فَمَنْ}
__________
(1) أول سورة الشرح.
(2) تقدّم فى المجلس الرابع والأربعين.
(3) ديوانه ص 234، ونوادر أبى زيد ص 536. والألف التى فى «قوما» ليست ألف التثنية، وإنما هى الألف المنقلبة عن نون التوكيد الخفيفة. وراجع المجلس الخامس والأربعين.
(4) راجع المجلس الحادى والثلاثين.(3/87)
{يُرِدِ اللََّهُ / أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ} (1) فلمّا حذف المصدر وجب إثبات اللام، وكذلك قوله: {وَرَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ} أراد: رفعنا لتشريفك ذكرك.
وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} إنّما كرّرت الجملة توكيدا كقول الشاعر:
وكلّ حظّ امرىء دونى سيأخذه ... لا بدّ لا بدّ أن يحتازه دونى (2)
وكقول الخنساء:
هممت بنفسى بعض الهموم ... فأولى لنفسى أولى لها (3)
وقد جاءت الجملة مكرّرة فى القرآن بالعاطف، فى قوله تعالى: {أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ. ثُمَّ أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ} (4).
وإنما كان «العسر» معرّفا و «اليسر» منكّرا لأنّ الاسم إذا تكرّر منكّرا فالثانى غير الأوّل (5)، كقولك: جاءنى رجل فقلت لرجل جاء بعده: كذا وكذا، وكذلك إن كان الأوّل معرفة والثانى نكرة، كقولك: حضر الرجل فقلت لرجل:
كيت وكيت، فإن كان الأوّل نكرة والثانى معرفة، فالثانى هو الأول، كقولك:
مررت برجل فقلت للرجل: افعل كذا، ومثله فى التنزيل: {كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (6) ومثله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا}
__________
(1) سورة الأنعام 125.
(2) فرغت منه فى المجلس الثانى والثلاثين.
(3) وهذا مثل سابقه.
(4) سورة القيامة 34، 35. وراجع تأويل مشكل القرآن ص 236. ولمبحث التكرير فى القرآن العزيز انظر: إعجاز القرآن ص 106، وبديع القرآن لابن أبى الإصبع ص 151، والمثل السائر 3/ 10.
(5) راجع هذه المسألة فى معانى القرآن للفراء 3/ 275، وللزجاج 5/ 341، وغريب الحديث للخطابى 2/ 69، وزاد المسير 9/ 166164، والكشاف 4/ 267، وتفسير القرطبى 20/ 107، والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ص 46، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 243، والبرهان فى علوم القرآن 4/ 94، والمغنى ص 656 (الباب السادس).
(6) سورة المزمل 15، 16. وراجع البرهان 4/ 87.(3/88)
(وقالوا) معناه: وقال بعضهم يعنى اليهود كونوا هودا، وتقدير الواو والجملتين: وقال بعضهم: كونوا نصارى، فقام قوله: (أو نصارى) مقام هذا الكلام، وهذا يدلك على شرف هذا الحرف».
وقد حكى ابن هشام (1) تقدير ابن الشجرى هذا، ونسبه إلى التعسّف.
ولما كان الحذف خلاف الأصل كما ذكرت فى صدر هذا البحث فإن ابن الشجرى يضعّفه ما لم تدع إليه ضرورة فنية، وما لم يدلّ عليه دليل، ويقوّى الأوجه الخالية من الحذف، وقد ذكرته فى الفقرة التاسعة من آرائه الإعرابية. وقد حكى اختلاف النحاة فى قول دريد بن الصمة:
لقد كذبتك عينك فاكذبنها ... فإن جزعا وإن إجمال صبر
فقال (2): قال سيبويه: فهذا على «إما» ولا يكون على «إن» التى للشرط، لأنها لو كانت للشرط لاحتيج إلى جواب، لأن جواب «إن» إذا ألحقتها الفاء لا يكون إلا بعدها، فإن لم تلحقها فقلت: أكرمك إن زرتنى، سدّ ما تقدم على حرف الشرط مسد الجواب وقال غير سيبويه: هو على «إن» التى للشرط، والجواب محذوف، فكأنه قال: إن كان شأنك جزعا شقيت به، وإن كان إجمال صبر سعدت به.
قال ابن الشجرى: وقول سيبويه هو القول المعوّل عليه، لأنه غير مفتقر إلى هذا الحذف، الذى هو حذف كان ومرفوعها، وحذف جوابين لا دليل عليهما.
وقد ضعّف ابن الشجرى بعض الحذوف، فقال فى حذف الموصوف (3):
«وكذلك لا يجوز: مررت بالطويل زيد، على أن تجعل الطويل صفة لزيد، ولكن إن أردت: مررت بالرجل الطويل، فحذفت الموصوف، وأبدلت زيدا من الصفة، جاز على قبح، لأن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، مما شدّد فيه سيبويه، وإن
__________
(1) المغنى ص 69.
(2) المجلس التاسع والسبعون.
(3) المجلس السابع والعشرون.(1/88)
{مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ الزُّجََاجَةُ كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (1) فذكر المعرفة بعد النّكرة يجرى مجرى ذكر المعرفة بعد المعرفة، كقولك: حضر الرجل فأكرمت الرجل، ولذلك قال ابن عباس رضوان الله عليه: «لن يغلب عسر يسرين» وقد روى هذا الكلام عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم (2).
وقوله: {وَإِلى ََ رَبِّكَ فَارْغَبْ} جامعت الفاء الواو، متعلقة بما بعد الفاء، ولو وضعت {إِلى ََ} فى محلّها الذى تستحقّه لقيل: وفارغب إلى ربّك، ومثله: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (3) انتصب ما قبل الفاء بما بعدها، وهذا من عجيب كلام العرب / لأنّ الفاء إنما تعطف، أو تدخل فى الجواب وما أشبه الجواب، كخبر الاسم الناقص، نحو {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ سِرًّا وَعَلََانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} (4) وهى هاهنا خارجة عمّا وضعت له، ومثل ذلك دخولها فى الأمر المصوغ من «كان» مع تقدّم الخبر، كقول أبى الطيّب (5):
ومثل سراك فليكن الطّلاب
وإنما جاءوا بها فى هذا النحو ليعلموا أن المفعول أو الخبر وقع فى غير موقعه، فإذا لم يكن فى الكلام الواو ولا غيرها من حروف العطف، كقولك: زيدا فاضرب، فقد قال أبو عليّ: زيد منصوب بهذا الفعل، وليس تمنع الفاء من العمل، وقال:
__________
(1) سورة النور 35.
(2) أخرجه الحاكم من حديث الحسن. المستدرك 2/ 528، وأخرجه مالك موقوفا عن عمر، من طريق منقطع. الموطأ (باب الترغيب فى الجهاد. من كتاب الجهاد) ص 446. وقال الحافظ ابن حجر:
«روى هذا مرفوعا موصولا ومرسلا، وروى أيضا موقوفا» ثم ذكر طرقه. فتح البارى (سورة ألم نشرح من كتاب التفسير) 8/ 712، وانظر زاد المعاد 3/ 9، وكشف الخفا 2/ 149، وتفسير الطبرى 30/ 151، والدر المنثور 6/ 364.
(3) سورة المدثر 4، 5.
(4) سورة البقرة 274. وانظر الكلام على هذه الفاء فى كتاب الشعر ص 494، وحواشيه.
(5) ديوانه 1/ 85، وصدره:
كذا فليسر من طلب الأعادى(3/89)
كان قد ورد ذلك فى الاستعمال على شذوذه، كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ} أى العبد الشكور، وكقوله: {أَنِ اعْمَلْ سََابِغََاتٍ} أى دروعّا سابغات، وكقوله: {وَذََلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أى الأمّة القيمة».
قلت: لم أجد فيما بين يدىّ من كتب النحو إنكار حذف الموصوف، وقد أجازوه بشرط وجود الدليل عليه، وشروط أخرى (1)، وابن الشجرى نفسه قد استشهد لحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، بشواهد كثيرة فى المجالس: التاسع والثلاثين، والستين، والرابع والستين، والتاسع والستين، ولم يصفه هناك بقبح أو شذوذ، كصنيعه هنا.
هذا وتعبير ابن الشجرى بالشذوذ فى الاستعمال القرآنى فيه نظر، ولعله إنما يتكلّم بحسب الصنعة ليس غير، فقد ذكر ما يشبه هذا فى موطن آخر، حين استشهد لحذف اللام على الشذوذ (2)، بما جاء من حذف الياء اكتفاء بالكسرة، فى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} وقوله: {ذََلِكَ مََا كُنََّا نَبْغِ}.
* * * __________
(1) راجع المغنى ص 728، وشرح ابن عقيل 2/ 162، وشرح الأشمونى 2/ 70، والتصريح على التوضيح 2/ 118وعبارته «ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم» والهمع 2/ 120.
(2) المجلس الثالث والخمسون.(1/89)
وتسمّى هذه الفاء معلّقة، كأنها تعلّق الفعل المؤخّر بالاسم المقدّم، وكأنها هنا شبيهة بالزائد، ويدلّ على أن العامل هو هذا الفعل قولك: بزيد فامرر، لو لم تكن معلّقة بامرر هذا لم يجز لأنه لا بدّ للباء من شىء تتعلّق به، ولو علّقتها بفعل آخر لاحتجت لهذا الفعل إلى باء أخرى (1). انتهى كلامه.
وأقول: إنها زائدة لا محالة فى قوله تعالى: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (2) لأنك إن لم تحكم بزيادتها أدّى ذلك إلى دخول الواو العاطفة عليها وهى عاطفة، وكذلك «ثمّ» زائدة فى قول زهير (3):
أرانى إذا ما بتّ بتّ على هوى ... فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا
قال الفراء: ألم نشرح (4) صدرك: ألم نليّن قلبك، {وَوَضَعْنََا عَنْكَ}
__________
(1) البصريات ص 666، مع اختلاف يسير، ولعله نقله من كتاب آخر لأبى علىّ.
(2) سورة المدثر 4، 5. وراجع ما ذكرته فى الدراسة ص 67، وكتاب الشعر ص 280، 326.
(3) ديوانه بشرح ثعلب ص 285، وسرّ صناعة الإعراب ص 264، 386، وشرح الكافية الشافعية ص 1258، وشواهد التوضيح ص 251، وشرح المفصل 8/ 96، والمغنى ص 117، وشرح أبياته 3/ 36، والخزانة 8/ 491.
والرواية فى الديوان بشرح الأعلم الشنتمرى ص 168:
أرانى إذا ما بتّ بتّ على هوى ... وأنّى إذا أصبحت أصبحت غاديا
ولا شاهد فى البيت على هذه الرواية.
و «أرانى» هنا بضم الهمزة، وهى من أفعال القلوب. وقوله: «بتّ على هوى» قال ثعلب: «على أمر أريده، فإذا أصبحت جاء أمر غير ما بتّ عليه، من موت وغير ذلك، يريد أن حاجتى لا تنقضى».
وقال الأعلم: «أى لى حاجة لا تنقضى أبدا لأن الإنسان مادام حيّا فلا بدّ من أن يهوى شيئا ويحتاج إليه».
وقوله «غاديا» أى إلى حفرة، يريد أن الموت سبيل كلّ نفس. ويقال: غدا إلى كذا بمعنى صار إليه.
وحكى السيوطىّ عن السّيرافىّ، قال: الأجود فثمّ، بفتح الثاء لكراهة دخول عاطف على عاطف.
شرح شواهد المغنى ص 284. وثمّ: ظرف، أى ففى ذلك المكان.
(4) هكذا فى نسخ الأمالى الثلاث. والذى فى معانى القرآن 3/ 275: ألم نشرح لك صدرك: نليّن لك قلبك.(3/90)
الأدوات عند ابن الشجرى
المراد بالأدوات: الحروف (1) وما شابهها من الأسماء والأفعال والظروف، ويطلق عليها حروف المعانى. وقد جاء الحديث عن الأدوات مفرّقا فى ثنايا كتب التفسير، وكتب علوم القرآن، نحو مشكل القرآن لابن قتيبة، والبرهان للزركشى، وكتب اللغة والبلاغة.
وقد تناولت المصنّفات النحوية مبحث الأدوات خلال أبواب النحو المختلفة، ثم أفرد بعض النحاة تصانيف خاصة للأدوات، ومن أشهر هذه التصانيف: معانى الحروف للرمانى (2)، وكتاب اللامات للزجاجى، والأزهية للهروى، ورصف المبانى فى حروف المعانى للمالقى، والجنى الدانى فى حروف المعانى لابن أم قاسم المرادى، وجواهر الأدب فى معرفة كلام العرب للإربلى، ثم خصص ابن هشام الجزء الأول من «المغنى» للأدوات.
ويعد ابن الشجرى من أهم من عالجوا مبحث الأدوات: معانيها وعملها وشواهدها، ودخول بعضها مكان بعض، ذكر كل ذلك فى ثنايا مجالسه، ثم أفرد مجالس خاصة لبعض هذه الأدوات، فقصر المجلس السابع والستين على «لا»، قال فى آخره: «فهذه وجوه «لا» لم أخلّ منها بشىء، والمجلس الذى بعده خصصه لمعانى وعمل «ما»، ثم عقد فصلا فى المجلس السبعين لدخول حروف الخفض بعضها مكان بعض، وهو فصل مفيد جدا، أتى فيه ابن الشجرى على شواهد كثيرة من الكتاب العزيز، مما يفيد فى مجال الدراسات القرآنية. وعمل ابن الشجرى هذا يعدّ حلقة من السلسلة التى بدأها ابن قتيبة فى كتابه تأويل مشكل القرآن، وابن فارس فى كتابه الصاحبى.
وتكلم ابن الشجرى فى المجلس الثالث والسبعين، عن «أى» و «رب»، وفى المجلس الذى بعده تحدث عن أقسام «من» الاسمية، وافتتح المجلس الخامس والسبعين بذكر معانى «أو» ومواضعها، وكذلك تحدث عن معانى «أم» ومواضعها
__________
(1) مقدمة تحقيق الجنى الدانى فى حروف المعانى ص 3.
(2) إن صحّت نسبته إليه.(1/90)
{وِزْرَكَ} قال: إثم الجاهليّة. وقال الزجّاج: غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر (1).
{الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} فى كلّ التفاسير: أثقل ظهرك، وزاد بعضهم:
فتنقّضت له العظام، كما يتنقّض البيت إذا صوّت للوقوع، وزاد آخر فقال: نقص من لحمه، وهو من قولهم للبعير الذى أتعبه السفر والعمل فنقص لحمه: بعير نقض.
{وَرَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ} قال الفراء: لا أذكر إلّا ذكرت معى (2).
وقال الزجّاج: جعل ذكره عليه / السلام مقرونا بذكر توحيد الله فى الأذان، وفى كثير مما يذكر الله فيه.
وقال قتادة بن دعامة: رفع الله ذكره، فليس خطيب ولا متشهّد إلّا يبدأ «بأشهد أن لا إله إلّا الله» وبعده «وأشهد أنّ محمدا رسول الله (3)».
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} قال الزّجاج: كان أصحاب النبيّ عليه السلام فى ضيق شديد، فأعلمهم الله أنّهم سيوسرون، وأنهم سيفتح عليهم، ففتح الله عليهم، وأبدلهم بالعسر يسرا.
{فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال الزّجاج: معناه: إذا فرغت من صلاتك فانصب فى الدعاء إلى ربّك.
{وَإِلى ََ رَبِّكَ فَارْغَبْ} أى اجعل رغبتك إلى الله وحده، وكذلك قال قتادة، ثم قال: وقال الحسن: أمره الله بأنّه إذا فرغ من غزوه أن يجتهد فى العبادة.
__________
(1) معانى القرآن 5/ 341.
(2) وهو المأثور عن مجاهد: انظر الرسالة للإمام الشافعى ص 16، وطبقات الشافعية الكبرى 1/ 151. ولم يذكره فى تفسيره، وذكره محققه فى حواشيه. انظره ص 736.
(3) تفسير الطبرى 30/ 151، والدر المنثور 6/ 363.(3/91)
فى المجلس السابع والسبعين، وابتدأ المجلس التالى بذكر أقسام «إما» المكسورة، و «أما» المفتوحة، وبسط الكلام على «إن» الخفيفة المكسورة والمفتوحة فى المجلس الذى بعده.
وقد أفاد ابن الشجرى فى معالجته للأدوات من جهود العلماء السابقين، وعلى رأسهم الهروىّ صاحب «الأزهية»، وقد أغار ابن الشجرى على كثير من مباحث هذا العالم، من غير أن ينبّه عليه، وحديث هذا يأتى إن شاء الله فى الكلام على مصادر ابن الشجرى، ثم أفاد النحاة المتأخرون من جهود ابن الشجرى فى هذا المجال، وصرحوا بالنقل عنه والأخذ منه، ومن هؤلاء المرادى صاحب «الجنى الدانى»، وابن هشام فى «المغنى» لكن ابن هشام يغفل أحيانا ذكر ابن الشجرى، وقد عارضت كلامه بكلامه، ونبهت عليه فى حواشى التحقيق.
وتبدو أهمية ابن الشجرى فى هذا المجال، متمثلة فى ذلك الفيض الزاخر من الشواهد التى انتزعها من كتاب الله العزيز، ومن أشعار العرب، وبعض هذه الشواهد مما انفرد به ابن الشجرى، ولم يرد فى أشهر كتب الأدوات التى ذكرتها، ومن ذلك ما أنشده على زيادة «ما»، من قول الشاعر (1):
ما مع أنك يوم الورد ذو جزر ... ضخم الدّسيعة بالسّلمين وكّار
* * *
__________
(1) المجلسان الرابع والأربعون والسابع والستون.(1/91)
الشواهد عند ابن الشجرى
شواهد القرآن الكريم:
لم يعرض ابن الشجرى لأصل من الأصول أو قاعدة من القواعد إلا استشهد لها بآية أو أكثر من الكتاب العزيز. وقد استكثر ابن الشجرى من شواهد القرآن الكريم، فيما عرض له من مسائل الإعراب والحذوف والأدوات، ثم عقد أبوابا وفصولا خاصة لبعض آى الذكر الحكيم: تفسيرا وإعرابا (1)، بل إنه قصر المجلسين الحادى والثمانين والذى بعده، على ذكر زلات مكى بن أبى طالب المغربى، فى كتابه مشكل إعراب القرآن الكريم.
ولعل خير ما يكشف عن منهج ابن الشجرى فى تناوله لتفسير وإعراب القرآن الكريم هذان المثلان، مما ذكره فى المجلس العاشر.
قال: سألنى سائل عن قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}
فقال: ما معنى تستجيبون بحمده؟ وبم تتعلق الباء؟ فقد زعم بعض المفسرين أن معنى بحمده: بأمره.
وقال فى الموضع الآخر: سألنى سائل مكاتبة عن قوله عز من قائل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا} الآية، فقال: ما معنى الاصطفاء، وما أصله الذى اشتق منه، وما حقيقة معنى المقتصد، وإلى أى شىء هذا السبق، وما معنى الخيرات ها هنا، وكيف دخل الظالم لنفسه فى الذين اصطفاهم الله، وقد قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلََّهِ وَسَلََامٌ عَلى ََ عِبََادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ََ} وإلى أى شىء تتوجه الإشارة فى قوله: {ذََلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}؟
وقد أجاب ابن الشجرى عن السؤالين إجابة العالم المتمكن.
ولم يخل ابن الشجرى «أماليه» من مسائل الصرف فى آى القرآن الكريم، وقد ذكر من هذه المسائل الكثير على امتداد مجالسه، ثم أفرد فى المجلس الرابع
__________
(1) أمثلة ذلك فى المجالس: السابع والثامن والتاسع، والثانى والعشرين والثالث والعشرين، والحادى والثلاثين، والحادى والستين، والثالث والستين، والرابع والستين، والسادس والسبعين.(1/92)
قول (1) المتنبّى:
يا من لجود يديه فى أمواله ... نقم تعود على اليتامى أنعما (2)
حتى يقول الناس ماذا عاقلا ... ويقول بيت المال ماذا مسلما
قال فيه أبو زكريّا يحيى بن علىّ التّبريزىّ: عظّم الممدوح تعظيما وجب معه ألّا يكون خاطبه بقوله:
حتى يقول الناس ماذا عاقلا
وإنما تبع فى ذلك قول أبى نواس (3):
جاد بالأموال حتّى ... قيل ما هذا صحيح
فظنّ أنه أراد: ما هذا صحيح العقل، ولعلّ أبا نواس لم يرد ما ظنّه أبو الطيّب، وإنما أراد: ما هذا الفعل صحيح. انتهى كلامه.
وأقول: إن أبا نواس لم يرد بقوله: «ما هذا صحيح» إلّا ما ذهب إليه أبو الطيّب وإنما أراد: ما هذا الفعل صحيح. انتهى كلامه.
وأقول: إن أبا نواس لم يرد بقوله: «ما هذا صحيح» إلّا ما ذهب إليه أبو الطيّب لأن أبا نواس قد صرّح بهذا المعنى فى قصيدة أخرى، وأتى بلفظة أقبح من اللفظة التى فى البيت الأول، فقال:
جاد بالأموال حتّى ... حسبوه الناس حمقا (4)
__________
(1) من هنا إلى قول المتنبى فى وصف الأسد: «ما قوبلت عيناه» زيادة من النسختين ط، د، على نسخة الأصل. ويلاحظ أن الكلام على بيتى المتنبى فى أول هذه الزيادة: «يا من يجود» أعاده ابن الشجرى فى المجلس الأخير، مع اختلاف يسير. وقد عوّدنا ابن الشجرى أن يعيد الكلام على المسألة الواحدة فى غير مجلس، وهذه طبيعة الأمالى، لا سيّما الأمالى المطوّلة.
(2) ديوانه 4/ 32، والوساطة ص 259.
(3) ديوانه ص 70، والرواية فيه:
جدت بالأموال حتى
يمدح العباس بن عبيد الله بن أبى جعفر المنصور.
(4) ديوانه ص 121، وروايته:
جاد إبراهيم حتى ... جعلوه الناس حمقا
يمدح ابراهيم بن عبيد الله الحجبى.(3/92)
والستين مسألة للكلام على «تريّن». قال: سئلت عن (ترينّ) فى قول الله سبحانه: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} وذكر السائل لى أن الواعظ المعروف بالشعرى امتحن الناس بهذه اللفظة على الكرسى، فقال: ما المحذوف منها، وما وزنها؟ فرأيت أن أقدم أسّا يبنى الكلام فيها عليه.
ثم أجاب ابن الشجرى بكلام طويل، تضمن فوائد صرفية جيدة، وقال فى آخر إجابته: «فأحسن تأمل ما ذكرته، فقد بالغت فى إيضاح المسؤول عنه بتوفيق الله».
ومسألة «ترينّ» مما أكثر الصرفيّون الكلام فيه، ولم أجد أحدا من السابقين على ابن الشجرى فيما بين يدىّ من كتبهم المطبوعة أشبع الكلام فيها على هذا النحو.
وقد انتزع ابن الشجرى شواهد كثيرة من الكتاب الحكيم لما عرض له من مسائل علم البلاغة، فقد استشهد للاستعارة والتكرير والترصيع والخبر والاستفهام والأمر والنهى (1)، ثم كانت له مع المفسرين وقفات، ردّ عليهم فى بعضها، وزاد على أقوالهم فى بعضها الآخر (2).
وقد عرض ابن الشجرى لبعض الآيات المشكلة التى يشكك بها الملاحدة، قال فى المجلس الثامن: «تأويل قوله تعالى: {قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً} هذه الآية من الآى المشكلة التى تعلقت بها الملحدة، وأنا إن شاء الله أكشف لك غموضها وأبرز مكنونها» إلى آخر ما ذكر.
وابن الشجرى فيما استخرجه من شواهد القرآن الكريم نحوا وصرفا ولغة ومعانى يحرص كثيرا على ضمّ النظير إلى نظيره، وربط آى القرآن بعضها ببعض، وذلك (3) «لأن مجاز القرآن مجاز الكلام الواحد والسورة الواحدة» قالوا: والذى يدل
__________
(1) المجالس: الحادى والثلاثون، والثانى والثلاثون، والرابع والثلاثون.
(2) المجالس: الثانى والخمسون، والثالث والستون، والخامس والسبعون.
(3) المجلسان: الرابع والأربعون، والسابع والستون.(1/93)
وتبعه فى ذلك أبو تمّام فقال:
ما زال يهذر بالمكارم والنّدى ... حتى ظننّا أنه محموم (1)
الهذر: الهذيان، يقال: رجل مهذار.
فعلى هذا المنوال نسج أبو الطيّب بيته، فأراد أنه يفرط فى الجود حتى ينسبه الناس إلى الجنون، ولو كان بيت المال ممّا يصحّ منه الكلام لقال: ماذا مسلما لأنه فرّق أموال المسلمين، ويجوز أن يكون أراد: ويقول خزّان بيت المال، فحذف المضاف، كما حذف فى قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (2).
والأصل فى هذا قول أعرابىّ، فيما أنشده الجاحظ فى كتاب الحيوان (3):
حمراء تامكة السّنام كأنّها ... جمل بهودج أهله مظعون
جادت بها عند الوداع يمينه ... كلتا يدى عمر الغداة يمين
ما كان يعطى مثلها فى مثله ... إلّا كريم الخيم أو مجنون
الخيم: السّجيّة. والهاء فى «مثله» تعود على الوداع، أى فى مثل ذلك الوقت.
* * * من العرب من يذكّر السّماء، وفى تذكيرها وجهان: أحدهما أنها جمع سماوة، كسحاب وسحابة، ونخل ونخلة. وهذا الضّرب من الجمع قد ورد فيه التذكير والتأنيث، فالتذكير فى قوله تعالى: {وَالسَّحََابِ الْمُسَخَّرِ} (4) و {أَعْجََازُ نَخْلٍ}
__________
(1) ديوانه 3/ 291، يمدح محمد بن الهيثم بن شبانة. ورواية الديوان: «يهذى». وانظر أخبار أبى تمام ص 32.
(2) سورة يوسف 82.
(3) 3/ 107، 6/ 245، من غير نسبة. والأبيات تنسب إلى يزيد بن الطثرية. انظر شعره ص 93، وإلى عبيد بن أيوب العنبرى، انظر شعره ضمن أشعار اللصوص ص 161.
و «عمر» هنا: هو عمر بن ليث، أحد بنى جحش بن كعب بن عميرة ابن خفاف. راجع حواشى الوحشيات ص 268، وفيها نسبة الأبيات لثالث.
(4) سورة البقرة 164.(3/93)
{مُنْقَعِرٍ} (1)، والتأنيث فى قوله: {أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} (2).
ويدلّ على أن السماء جمع إعادة ضمير الجمع إليها فى قوله: {ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ فَسَوََّاهُنَّ} (3) كما دلّ وصف السحاب بالجمع فى قوله: {وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ} (4) على أنه جمع.
والوجه الآخر أن السماء سقف الدّنيا، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمََاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} (5) فمن ذكّرها، لأنه ذهب بها هذا المذهب، فهو قول حسن كالأوّل، وعليهما يحمل قوله تعالى: {السَّمََاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} (6) وقول الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوما ... لحقنا بالسماء مع السّحاب (7)
* * * ممّا أوقعته العرب موقع غيره لاتّفاقهما فى المعنى، الحوادث فى قول الشاعر:
فإمّا ترينى ولى لمّة ... فإن الحوادث أودى بها (8)
أعاد إلى الحوادث ضميرا مذكّرا لأنه حمله على الحدثان، من حيث وافقه فى المعنى، كما حمل الآخر الحدثان على الحوادث فى قوله:
ألا هلك الشّهاب المستنير ... ومدرهنا الكمىّ إذا نغير
__________
(1) سورة القمر 20، وانظر المذكر والمؤنث للمبرد ص 86، 111.
(2) سورة الحاقة 7.
(3) سورة البقرة 29، وراجع المجلس الثامن والثلاثين.
(4) سورة الرعد 12.
(5) سورة الأنبياء 32.
(6) سورة المزمل 18، وراجع المجلس الثالث والستّين.
(7) من غير نسبة فى معانى القرآن للفراء 1/ 128، 3/ 199، والمخصص 17/ 22، وغير ذلك كثير، تراه فى حواشى المذكر والمؤنث لابن الأنبارى ص 367.
(8) فرغت منه فى المجلس السادس عشر.(3/94)
على ذلك أنه قد يذكر الشىء فى سورة فيجىء جوابه فى سورة أخرى، كقوله:
{وَقََالُوا يََا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} جاء جوابه فى سورة أخرى:
{مََا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}.
وأمام هذا الحشد الهائل من شواهد الكتاب العزيز التى زخرت بها «الأمالى» وقع ابن الشجرى فى بعض الاختلاف والاضطراب والأخطاء، فقد استشهد على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة بشواهد كثيرة، ذكر منها قوله تعالى: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ} ذكر ذلك فى المجلس الثامن عشر، ثم أعاد الآية الكريمة فى المجلسين التاسع والثلاثين والأربعين، شاهدا على حذف المفعول، وقد تعقّبه الزركشى (1)، فقال فى أثناء كلامه على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة: «وجعل منه ابن الشجرى: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ} وقد سبق أنه على حذف المفعول، فلا التفات». هذا كلام الزركشى، وقد خفى عنه الموضع الثانى الذى ذكر فيه ابن الشجرى أنه على حذف المفعول.
وأخطأ ابن الشجرى فى بعض تلاوات القرآن الكريم، وقد نبهت عليه فى حواشى التحقيق (2). وما ينبغى أن تحمل مثل هذه الأخطاء على أوهام النّسّاخ، فالخطأ ثابت فى كلتا النسختين المخطوطتين من الأمالى، وأيضا فإن بعض هذه الأخطاء ثابت فى خزانة الأدب للبغدادى فيما حكاه عن ابن الشجرى.
__________
(1) البرهان 3/ 319.
(2) المجالس: الرابع والثلاثون، والتاسع والثلاثون، والثالث والأربعون، والثامن والأربعون.(1/94)
وحمّال المئين إذا ألمّت ... بنا الحدثان والأنف النّصور (1)
إنما منع الأول أن يقول: «فإن الحوادث أودت» كراهية إفساد القافية لأن ألف «أودى» تأسيس، والتأسيس يلزم أبيات القصيدة كلّها، والحرف الذى بعده يسمّى الدّخيل، والذى بعد الدّخيل هو الروىّ، والألف المتطرّفة حرف إطلاق القافية.
وقال آخر:
بال سهيل فى الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللّقاح وبرد (2)
ذكّر الضمير الذى فى «برد» لأنه أعاده إلى اللّبن، فأمّا ما جاء فى التنزيل من عود الضمير مذكّرا بعد جمع فى قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعََامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهِ} (3) فإن الضمير أعيد إلى النّعم وهو واحد الأنعام، وهو مع تذكيره يوقع على جماعة من الإبل، فيقال: لمن هذا النّعم؟ كما يقال: لمن هذا القطيع؟
قال ابن فارس: الفضيخ: أن يشدخ الرّطب ثم ينبذ (4). والمدره: السّيّد.
__________
(1) وهذا أيضا فرغت منه فى المجلس المذكور. وزد على ما هناك إيضاح شواهد الإيضاح ص 514.
(2) من غير نسبة فى معانى القرآن للفراء 1/ 129، 2/ 108، والجمل المنسوب للخليل ص 85، ومجالس ثعلب ص 421، ومجالس العلماء ص 117، ومبادىء اللغة ص 79، وغريب الحديث للخطابى 1/ 642، ومنال الطالب ص 41، واللسان (خرت فضخ كتد بول جبه).
وسهيل: نجم. يقول: لما طلع هذا النجم فذهب زمن البسر وهو التّمر قبل أن يصير رطبا انقطع الفضيخ. فكأنه فسد.
وقوله «بال» تعبير مجازىّ، أى لمّا كان الفضيخ يفسد بطلوع سهيل كان ظهوره عليه مفسدا له.
ذكره أصحاب الغريب فى سياق شرح قوله صلّى الله عليه وسلم: «من نام حتى أصبح فقد بال الشيطان فى أذنه». المجموع المغيث 1/ 199، والنهاية 1/ 163.
(3) سورة النحل 66. وانظر الآية 21من سورة المؤمنون.
(4) المقاييس 4/ 509، والمجمل ص 723.(3/95)
القراءات عند ابن الشجرى
أكثر الدارسون قديما وحديثا من الكلام حول قبول القراءات والاستشهاد بها والاحتجاج لها، وقد أثر عن جماعة من نحاة البصرة المتقدّمين شىء من الطعن على بعض القراءات السبعية وردّها والتشنيع على من قرأ بها (1). ولم يقف ابن الشجرى من القراءات هذا الموقف، فهو قد استشهد بالقراءات، متواترها وشاذّها، على مسائل النحو والصرف واللغة، بل إنه قوّى بعض القراءات السبعية، ووجّه بعض القراءات الشاذة، ولا سبيل إلى ذكر كل ما عرض له ابن الشجرى من قراءات (2).
فأكتفى بذكر مثلين يكشفان عن منهج ابن الشجرى وموقفه من القراءات، الأول فى الترجيح بين قراءتين سبعيتين، والثانى فى توجيه قراءة شاذة:
1 - ذكر ابن الشجرى فى تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدََاةِ وَالْعَشِيِّ}، قال (3): «وقرأ ابن عامر: {بِالْغَدََاةِ}، وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمى، وأوجه القراءتين: {بِالْغَدََاةِ}، لأن غدوة معرفة علم للحين، ومثلها بكرة، تقول: جئتك أمس غدوة، ولقيته اليوم بكرة، قال الفراء:
سمعت أبا الجراح يقول فى غداة يوم بارد: ما رأيت كغدوة قط، يريد غداة يومه، وقال الفراء: ألا ترى أن العرب لا تضيفها، وكذلك لا تدخلها الألف واللام، إنما يقولون: أتيتك غداة الخميس، ولا يقولون: غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة. انتهى كلامه. وأقول: إن حق الألف واللام الدخول على النكرات، وإنما دخلتا فى الغداة، لأنك تقول: خرجنا فى غداة باردة، وهذه غداة طيبة، ووجه قراءة ابن عامر أن سيبويه قال: «زعم الخليل أنه يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة، فجعلتهما بمنزلة ضحوة»، وإنما علقوا غدوة وبكرة على الوقت علمين،
__________
(1) انظر مقدمة المقتضب ص 111، ومدرسة الكوفة ص 337، 345.
(2) راجع المجالس: الثالث، والخامس عشر، والسادس عشر، والثامن عشر، والثالث والعشرين، والثلاثين، والثامن والثلاثين، والسادس والأربعين، وانظر الفقرة الحادية والأربعين من آراء ابن الشجرى النحوية.
(3) المجلس الثانى والعشرون.(1/95)
وقال المتنبّى فى وصف أسد
ما قوبلت عيناه إلّا ظنّتا ... تحت الدّجى نار الفريق حلولا (1)
نصب «حلولا» على الحال، والظاهر أنه حال من «الفريق» والحال من المضاف (2) إليه قليل مستضعف، وإن كان قد جاء فى الشعر القديم، كقول تأبّط شرّا:
سلبت سلاحى بائسا وشتمتنى ... فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب (3)
وكقول الجعديّ فى وصف فرس:
كأنّ حواميه مدبرا ... خضبن وإن كان لم يخضب (4)
وقال أبو عليّ فى المسائل الشّيرازيّات: قد جاء الحال من المضاف إليه، فى نحو ما أنشده أبو زيد:
عوذ وبهثة حاشدون عليهم ... حلق الحديد مضاعفا يتلهّب (5)
انتهى كلامه.
/ والوجه فى هذا البيت فيما أراه: أن «مضاعفا» حال من «الحلق» لا من «الحديد» لأمرين، أحدهما: أنه إذا أمكن مجىء الحال من المضاف كان أولى
__________
(1) ديوانه 3/ 238.
(2) تقدم هذا كثيرا، ويظهر فى الفهارس إن شاء الله. وانظر بدائع الفوائد 2/ 48.
(3) فرغت منه فى المجلس الثالث.
(4) مثل سابقه. وجاء فى الأصل: «وإن كنّ لم تخضب». وأثبتّ ما فى ط، د. وراجع تخريج البيت.
(5) فرغت منه فى المجلس الخامس والعشرين. وانظر شرح ابن عقيل 1/ 646، وشرح الأشمونى 2/ 179، حيث ذكرا ما حكاه ابن الشجرى عن أبى على، من جواز مجىء الحال من المضاف إليه.(3/96)
لأنهما جعلا اسمين لوقت منحصر، ولم يفعلوا ذلك فى ضحوة وعشية، لأنهما لوقتين متسعين، ومما يحتج به لليحصبى والسلمى أن بعض أسماء الزمان قد استعملته العرب معرفة بغير الألف واللام، وقد سمع منهم إدخال الألف واللام عليه، نحو ما حكاه أبو زيد من قولهم: لقيته فينة فينة يافتى، غير مصروف، ولقيته الفينة بعد الفينة، أى الحين بعد الحين، ووجه إدخال الألف واللام فى هذا الضرب أنه يقدر فيه الشياع».
2 - حكى ابن الشجرى (1) اختلاف القراء فى إعراب قوله تعالى: {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} بنصب {يَوْمُ} ورفعه. وقال فى آخر ما حكاه:
«وقد قرىء فيما شذ من القراءات السبع: {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
بنصب {صِدْقُهُمْ} مع نصب {يَوْمُ}، وإسناد {يَنْفَعُ} إلى ضمير راجع إلى الله سبحانه وتعالى. ويحتمل نصب {صِدْقُهُمْ} ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون مفعولا له، أى ينفع الله الصادقين لصدقهم، والثانى أن تنصبه على المصدر، لا بفعل مضمر، ولكن تعمل فيه {الصََّادِقِينَ}، فتدخله فى صلة الألف واللام، وتقدير الأصل: ينفع الله الصادقين صدقا، ثم أضيف إلى ضمير «هم» فقيل: صدقهم، كما تقول: أكرمت القوم إكراما، وأكرمتهم إكرامهم، قال الله تعالى فى الإفراد:
{وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنََا مَكْراً} وفى الإضافة: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ}، ومثله:
{وَزُلْزِلُوا زِلْزََالًا} و {إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزََالَهََا} والثالث: أن تنصبه بتقدير حذف الباء، لأنك تقول: نفعته بكذا، فيكون الأصل: ينفع الله الصادقين بصدقهم، فلما سقطت الباء وصل الفعل، ومثله فى إسقاط الباء ثم إيصال الفعل قوله سبحانه: {إِنَّمََا ذََلِكُمُ الشَّيْطََانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيََاءَهُ} أى بأوليائه، لأن المعنى يخوّفكم بهم، ويدلك عليه قوله: {فَلََا تَخََافُوهُمْ}.
* * * __________
(1) المجلس السابع.(1/96)
من مجيئها من المضاف إليه، ولا مانع فى البيت من كون «مضاعفا» حالا من «الحلق» لأننا نقول: حلق محكم ومحكمة.
والآخر: أنّ وصف «الحلق» بالمضاعف أشبه، كما قال (1):
يخببن بالحلق المضاعف والقنا
ويجوز أن تجعل «مضاعفا» حالا من المضمر فى «يتلهّب» و «يتلهّب» فى موضع الحال من «الحلق»، فكأنه قال: عليهم حلق الحديد يتلهّب مضاعفا (2).
* * * وذكر أبو عليّ فى المسائل الشّيرازيات، فى قول أبى الصّلت الثّقفىّ:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... فى رأس غمدان دارا منك محلالا (3)
أنّ «دارا» يجوز أن تكون حالا من المضاف، ويجوز أن تكون حالا من المضاف إليه، فإن جعلتها حالا من «الرأس» أعملت فيها «مرتفقا» وإن شئت أعملت فيها «اشرب» وإن جعلتها حالا من «غمدان» أعملت فيها ما فى الكلام من معنى الفعل. قال: ألا ترى أنه لا تخلو الإضافة فى الأمر العامّ من أن تكون بمعنى اللام أو بمعنى من، يعنى أنك تعمل فى الحال ما تتضمّنه الإضافة من معنى الاستقرار أو الكون، وإنما قال: فى الأمر العامّ، لخروج باب الحسن الوجه، من التقديرين من حيث لا يصحّ: الحسن للوجه، ولا الحسن من الوجه.
والحال فى قول الجعديّ: «كأنّ حواميه مدبرا» أقرب إلى الصواب من قول تأبّط: «سلبت سلاحى بائسا» لأن الحوامى ما عن أيمان حوافره وشمائلها، فهى بعض المضاف إليه، وليس السلاح بعض ما أضيف إليه.
__________
(1) المتنبى. وتقدّم فى المجلس الخامس والعشرين.
(2) حكاه البغدادى عن ابن الشجرى. الخزانة 3/ 173.
(3) فرغت منه فى المجلس المذكور.(3/97)
شواهد الحديث النبوى
الاستشهاد بالحديث النبوىّ، واعتباره مصدرا من مصادر الاحتجاج فى قضايا النحو والصرف، أمر كثر الجدل حوله بين مؤيّد ومعارض، وقد أشبع العلامة البغدادى الكلام فيه (1).
وقد قلّ استشهاد ابن الشجرى بالحديث فى «أماليه» قلّة ظاهرة، بالقياس إلى شواهد القرآن الكريم، وشواهد الشعر القديم والمحدث.
ولم أجد له استشهادا بالحديث على قضايا النحو إلا فى موضعين اثنين من «الأمالى» أولهما ما أورده شاهدا على حذف خبر «إن» فيما رواه (2) عن أبى عبيد القاسم بن سلام: «أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، إن الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا وفعلوا بنا وفعلوا، فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا: بلى، قال: فإن ذلك». قوله: «فإن ذلك» معناه: فإن ذلك مكافأة منكم لهم، أى معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة لهم. وهذا كحديثه الآخر: «من أزلت إليه نعمة فليكافىء بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا»، فقوله عليه السلام: «فإن ذلك» يريد به هذا المعنى.
والموضع الثانى ما ذكره فى الكلام على لام الأمر، قال (3): إن الأصل فى أمر المواجه أن يستعمل بلام الأمر مع تاء الخطاب، فقد روى عن النبى عليه السلام أنه قال فى بعض مغازيه: «لتأخذوا مصافّكم»، وفى قراءة أبىّ: {فَبِذََلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}.
__________
(1) الخزانة 1/ 159، وينظر أيضا البحث الذى كتبه الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين، عن الاستشهاد بالحديث، فى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 3/ 199. ومن الدراسات الحديثة التى عنيت بهذا الموضوع: الحديث النبوى الشريف وأثره فى الدراسات اللغوية والنحوية. للدكتور محمد ضارى حمادى.
بغداد 1402هـ 1982م. وموقف النحاة من الاحتجاج بالحديث. للدكتورة خديجة الحديثى. بغداد 1401هـ 1981م. والحديث النبوى فى النحو العربى. للدكتور محمود فجّال. نادى أبها الأدبى.
المملكة العربية السعودية 1404هـ 1984م. ثم انظر تقدمتى لكتاب الشعر ص 71.
(2) المجلس التاسع والثلاثون.
(3) المجلس السادس والستون.(1/97)
وقد استشهد ابن الشجرى بالحديث الشريف على مسائل اللغة وتفسيرها، فقال (1) فى شرح الضبع، وهو السنة الشديدة: «ومنه الحديث عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «أن رجلا جاءه، فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضبع وتقطعت عنا الخنف» قال: عنى بالخنف جمع خنيف، وهو ثوب من كتان ردىء».
وذكر فى تفسير «الخير» من قوله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} (2):
«والخير هاهنا هو الخيل (3)، وتسميتها بالخير مطابق لقوله عليه السلام: الخيل معقود فى نواصيها الخير».
وقال (4) فى شرح «مغيون» من قول الشاعر:
* وإخال أنك سيد مغيون *
مغيون: مفعول من قولهم: غين على قلبه: أى غطّى عليه، وفى الحديث:
«إنه ليغان على قلبى».
واستشهد على تخفيف «هينة» بقوله صلّى الله عليه وسلم (5): «المؤمن هين لين».
وقال فى شرح الوكاء، وهو السير الذى يشدّ به رأس القربة (6): «وشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، العينين فى اليقظة بالوكاء، فى قوله: «العينان وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء». قال: «السّه والاست بمعنى» أراد أن العينين شداد الاست، فإذا كان يقظان حفظت عينه استه، كما يحفظ الوكاء ما فى الوعاء، فإذا نام انحل الشداد».
__________
(1) المجلس الخامس.
(2) المجلس التاسع.
(3) المجلس الخامس.
(4) المجلس السابع عشر.
(5) المجلسان الخامس والثلاثون، والخامس والأربعون.
(6) المجلس التاسع والأربعون.(1/98)
فإن قيل: قد جاءت الحال من المضاف إليه فى القرآن، فى قوله عزّ وجل:
{قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} (1).
فالقول عندى أن الوجه أن تجعل {حَنِيفاً} حالا من الملّة / وإن خالفها بالتذكير لأن الملّة بمعنى الدّين، فجاءت الحال على المعنى ألا ترى أن الملّة قد أبدلت من الدّين فى قوله: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} (2). وقوله هاهنا:
{يُظْلَمُونَ} يحتمل ان يكون وصفا لقوله: {حَنِيفاً} ويحتمل أن يكون بدلا من الملّة، ويحتمل أن يكون حالا من {إِبْرََاهِيمَ} والعامل فيه ما فى الكلام من معنى الفعل، على ما قرّره أبو عليّ.
والصواب أن تجعل «حلولا (3)» حالا من المضمر فى «الفريق» لأن الفريق الجماعة التى تفارق عشيرتها أو غيرهم من الناس.
وقال أبو عليّ فى مجىء الاسم (4) حالا فى قول أبى الصّلت: «دارا منك محلالا»: إنّ مجىء الاسم حالا كثير، فمنه فى التنزيل: {هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً} (5).
ومنه قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا (6)، وقولهم: «العجب من برّ مررنابه قفيزا بدرهم»، وقولهم: مررت بزيد رجلا صالحا. قال: وهذا من طريق القياس بيّن أيضا لأنّ الحال إنما هى زيادة فى الخبر، فكما (7) أنّ الخبر يكون تارة اسما وتارة وصفا، كذلك الزيادة عليه.
__________
(1) سورة البقرة 135.
(2) سورة الأنعام 161. وقوله تعالى: {قيما} ضبطت فى الأصل، ط بفتح القاف وتشديد الياء مكسورة، وهى قراءة عزوتها فى المجلس الثالث.
(3) رجع إلى بيت المتنبى.
(4) يعنى بالاسم الجامد غير المشتقّ. وراجع المجلس الخامس والعشرين.
(5) سورة الأعراف 73، وهود 64.
(6) راجع المجلس الحادى والسبعين.
(7) فى الأصل: وكما.(3/98)
وأما انتصاب الملّة، فى قوله: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} فبفعل مقدّر، دلّ عليه ما قبله لأنّ قوله: {وَقََالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ} يدلّ على: اتّبعوا اليهوديّة أو النّصرانيّة، فنصب {بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} بتقدير: بل نتّبع ملّة إبراهيم.
* * *
مسألة(3/99)
وذكر فى المحذوف اللام: «دد»، قال (1): «وقولهم: دد، أصله ددن، وهو اللهو واللعب، وجاء فى الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أنا من دد ولا الدّد منى» وقال عدىّ بن زيد العبادىّ:
أيها القلب تعلّل بددن ... إنّ همّى فى سماع وأذن
الأذن: الاستماع، يقال: أذن للحديث يأذن أذنا: إذا استمع، وفى المأثور عنه عليه السلام: ما أذن الله لشىء كأذنه لنبى يتغنى بالقرآن».
ثم استشهد ابن الشجرى بالحديث على قضايا من علم البلاغة، فى أربعة مواضع من الأمالى:
الأول: ما أورده (2) فى مبحث الاستعارة، قال: «ومن ذلك استعارة النبى صلّى الله عليه وسلم للغيرة أنفا، وقد رأى عليا وفاطمة عليهما السلام، فى بيت، فردّ الباب عليهما وقال: جدع الحلال أنف الغيرة».
قلت: لم أجد هذا الحديث فيما بين يدى من كتب السنة، ولا فى كتب غريب الحديث التى أعرفها، وكذلك لم أجده فى المظان الأخرى، مثل المجازات النبوية للشريف الرضى، ونهج البلاغة اعتمادا على فهارسه ثم وجدت الثعالبى (3) يقول عند كلامه على «أنف الكرم»: قد تصرف الناس فى استعارة الأنف، بين الإصابة والمقاربة، وأحسن وأبلغ ما سمعت فيها قول النبى صلّى الله عليه وسلم:
«جدع الحلال أنف الغيرة».
وذكره الميدانى (4)، ثم قال: «قاله صلّى الله عليه وسلم، ليلة زفّت فاطمة إلى على رضى الله تعالى عنهما، وهذا حديث يروى عن الحجاج بن منهال، يرفعه».
والثانى (5): ما استشهد به على خروج الخبر إلى الأمر، من قوله صلّى الله عليه وسلم:
__________
(1) المجلس التاسع والأربعون.
(2) المجلس الحادى والثلاثون.
(3) ثمار القلوب ص 330.
(4) مجمع الأمثال 1/ 163. وذكره أيضا أبو هلال، فى ديوان المعانى 1/ 101، 2/ 95.
(5) المجلس الثالث والثلاثون.(1/99)
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، قال: أى اقرءوا فى الصلوات الفاتحة.
والثالث (1): ما ذكره من شواهد خروج صيغة الأمر إلى الندب والاستحباب، من قوله صلّى الله عليه وسلم: «من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل».
والرابع (2): ما أورده من شواهد النهى، وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا».
وفى هذا الموضع استشهد بحديث شريف، على خروج النهى إلى معنى التنزيه، قال: وقد ترد هذه الصيغة، والمراد بها التنزيه، كقوله تعالى: {وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} أى لا تتركوه، وليس ذلك بحتم، وكقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا» ولا تحمل هذه الصيغة على التنزيه إلا بدليل.
شواهد الأثر:
ومما يتصل بالاستشهاد بالحديث الاستشهاد بالأثر، وهو كلام الصحابة والتابعين، رضى الله عنهم أجمعين، والنحويون يستشهدون بالأثر كثيرا، فمن ذلك استشهادهم فى باب التحذير والإغراء بقول عمر رضوان الله عليه: «إياى وأن يحذف أحدكم الأرنب» وفى باب المقصور والممدود بقوله أيضا: «لولا الخلّيفى لأزّنت» أى الخلافة.
وقد استشهد ابن الشجرى بكلام العباس بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب، وعمر بن عبد العزيز، رضوان الله عليهم أجمعين.
فقد استدل على أنه يمكنك أن تقول فى الوقف (3): يا طلحت، بسكون التاء، بما روى عن العباس رضى الله عنه، أنه قال فى ندائه المسلمين لما انهزموا يوم
__________
(1) المجلس الرابع والثلاثون.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس الرابع والخمسون.(1/100)
* * *
مسألة
قال أبو عليّ فى كتابه الذى سماه التذكرة: قيل لنا: علام عطف قول الله سبحانه وتعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ} من قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} (1).
فقلنا: المعنى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة واتّقوا الله، فقوله: {وَاتَّقُوا اللََّهَ} عطف على قوله: «فاكرهوا» وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، كقوله:
{اضْرِبْ بِعَصََاكَ / الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} (2) أى فضرب فانفجرت، وقوله:
{فَكَرِهْتُمُوهُ} كلام مستأنف، وإنما دخلت الفاء لما فى الكلام من معنى الجواب لأن قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} كأنهم قالوا فى جوابه: لا، فقال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} أى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، فهو جواب لما يدلّ عليه الكلام، من قولهم: لا، فالفاء هاهنا بمنزلتها فى الجزاء، والمعنى على: فكما كرهتموه، وإن لم تكن «كما» مذكورة، كما أن قولهم: ما تأتينى فتحدّثنى، المعنى: ما تأتينى فكيف تحدّثنى؟ وإن لم تكن «كيف» مذكورة، وإنما هى مقدّرة.
والقول عندى (3) أن الذى قدّره أبو عليّ هاهنا بعيد، لأنه قدّر المحذوف موصولا، وهو «ما» المصدريّة، وحذف الموصول وإبقاء صلته رديء ضعيف، ولو قدّر المحذوف مبتدأ كان جيّدا لأنّ حذف المبتدأ كثير فى القرآن، والتقدير عندى:
فهذا كرهتموه، والجملة المقدّرة المحذوفة مبتدئيّة لا أمريّة، كما قدّرها،
__________
(1) سورة الحجرات 12. وراجع المجلس الثالث والعشرين.
(2) سورة البقرة 60.
(3) حكى هذا عن ابن الشجرىّ: بدر الدين الزركشى، فى البرهان 3/ 196، وابن هشام فى المغنى ص 167، وحكم على ابن الشجرىّ بأنه لم يتأمل كلام الفارسىّ.(3/100)
فكأنه قيل: فهذا كرهتموه والغيبة مثله، وإنما قدّرها أمريّة ليعطف عليها الجملة الأمريّة التى هى {اتَّقُوا اللََّهَ} ولا حاجة بالكلام إلى تقدير جملة أمريّة لتعطف عليها الجملة الأمريّة لأنّ قوله: {وَاتَّقُوا اللََّهَ} عطف على الجملة النّهييّة التى هى قوله:
{وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وعطف الجملة على جملة مذكورة أولى من عطفها على جملة مقدّرة، والإشارة فى المبتدأ الذى قدّرته، وهو «هذا» موجّهة إلى الأكل الذى وصفه الله، كأنه لما قدّر أنهم قالوا: لا، فى جواب قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} قيل: فهذا كرهتموه، أى فأكل لحم الأخ الميّت كرهتموه، والغيبة مثله. فتأمّل ما ذكرته تجده أصوب الكلامين، وقد ذكر أبو عليّ هذه المسألة فى الحجّة أيضا.
* * *
/ مسألة(3/101)
حنين: «يا أصحاب بيعة الشجرت، يا أصحاب سورة البقرت، فقال المجيب له منهم: والله ما أحفظ منها آيت».
واستشهد (1) لمجىء النداء استغاثة بقول عمر رضى الله عنه، لما طعنه العلج:
«يا لله وللمسلمين».
وذكر فى كلامه (2) على النداء أنهم قد ينادون الأوقات، وأورد شواهد كثيرة، منها نداء أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه، للدنيا وخطابه لها: «يادنيا ألى تعرضت، لا حان حينك، قد بتتّك ثلاثا، لا رجعة لى فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير، وخطرك يسير».
واستدل (3) على حذف خبر «إن» بما روى أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه، فجعل يمت بقرابته، فقال عمر: «فإن ذاك»، ثم ذكر له حاجته، فقال: «لعل ذاك»، لم يزده على أن قال: «فإنّ ذاك» و «لعل ذاك»، أى إن ذاك كما قلت، ولعل حاجتك أن تقضى.
* * * __________
(1) المجلس الخامس والثلاثون.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس التاسع والثلاثون.(1/101)
شواهد الشعر
لا أعرف كتابا نحويّا قبل كتاب ابن الشجرى، ضمّ هذا القدر الضخم من الشواهد الشعرية، فقد بلغت شواهده أكثر من مائة وألف (1) بيت (1100)، ولم أدخل فى هذا العدد ما أورده ابن الشجرى فى المجلس الأخير، من أبيات كثيرة للمتنبى، مما يتمثّل به، ولم أعتبر فى هذا العدد أيضا الشواهد المكررة، فكثير من الشواهد قد تكرر مرتين، وبعضها تكرر ثلاثة وأربع مرات، وبعض ثالث تكرر خمس مرات، كقول القائل:
إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف
ونعم ليست هذه الشواهد كلّها خالصة للنحو والصرف، ففيها من شواهد اللغة والأدب والبلاغة والعروض والقوافى، أبيات ذوات عدد، لكن يبقى القدر الأكبر خالصا للنحو والصرف.
وشواهد ابن الشجرى منتزعة من شعر الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين والمحدّثين، والاستشهاد بشعر هذه الطبقة الأخيرة محل خلاف، تكلم عليه البغدادى (2)، وأفاد أن الطبقتين الأوليين يستشهد بشعرهما إجماعا، وأما الثالثة فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها، وأما الرابعة فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقا، وقيل: يستشهد بكلام من يوثق به منهم، واختاره الزمخشرى.
وقد استكثر ابن الشجرى من شعر الشعراء المحدثين، أمثال دعبل الخزاعى، ومروان بن أبى حفصة (3) ونص على أنهما من المحدثين وابن المعتز وأبى تمام والبحترى وابن نباتة، ومن إليهم.
__________
(1) بلغت شواهد سيبويه فيما أحصاه أستاذنا أحمد راتب النفاخ سبعة وأربعين بيتا وألف بيت (1047) فهرس شواهد سيبويه ص 9.
(2) الخزانة 1/ 6.
(3) المجالس: التاسع، والحادى والثلاثون، والثانى والثلاثون.(1/102)
* * *
/ مسألة
إن قيل: لم استتر ضمير الواحد المذكّر فى قم ونحوه، وبرز ضمير الأنثى والاثنين والجماعة؟
فالجواب: أنّ الفعل لا بدّله بقضيّة العقل من فاعل، ولا يقتضى العقل أن الفاعل لا بدّ أن يكون مؤنّثا، أو لا بدّ أن يكون مثنّى، أو لا بدّ أن يكون مجموعا، كما أنه لا يقتضى وجوب تذكير الفاعل مع كونه واحدا، فوجب لذلك الفرق بين هذه المعانى بعلامات تختصّ كلّ علامة منها بمعنى، ولمّا لزمهم الفرق، وكان التذكير أصلا للتأنيث، والواحد أصلا لجميع الأعداد، جعلت العلامة للمعنى الطارىء، ليدلّ تغيّر اللفظ على تغيّر المعنى، ولمّا تميّزت الفروع بعلامات، فقيل: قومى وقوما، وقوموا، وقمن، تميّز الأصل بقوله: قم لأنّ عدم العلامة فى الأصل علامة له.
* * *
قول أبى الطيب(3/102)
* * *
قول أبى الطيب
فمن كان يرضى اللّؤم والكفر ملكه ... فهذا الذى يرضى المكارم والرّبّا (1)
الإشارة بهذا، فى نقدى واستخراجى، موجّهة إلى ملك الممدوح، لا إلى الممدوح لأمرين، أحدهما: أنه لو أراد الممدوح لقال:
فأنت الذى ترضى المكارم والرّبّا
لأنّ اللفظ بالخطاب فى مثل هذا أمدح.
والآخر: أنه أشار إلى الملك، فجعل الإرضاء له لأنّ الإرضاء فى قوله:
فمن كان يرضى اللؤم والكفر ملكه
مسند إلى الملك، كما ترى، فوجب أن يكون الإرضاء الثانى كذلك، فوجّه (2) الإشارة إليه لأنّ قوله: «ملكه» قد دلّ عليه، كما توجّهت الإشارة إلى الصّبر، فى قوله الله تعالى جدّه: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3)
لدلالة {صَبَرَ} عليه، وكما عاد الضمير فى «به» إلى «الملك» فى قول القطامىّ:
/ هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... والآخذون به والسّاسة الأول (4)
وكانت المقابلة تقتضى أن يقول: يرضى المكارم والإيمان، ليقابل بالإيمان الكفر، كما قابل بالمكارم اللّؤم، ولكنّه لمّا اضطرّه الوزن والقافية إلى وضع لفظة
__________
(1) ديوانه 1/ 69.
(2) هكذا ضبط فى ط بتشديد الجيم، على أنه فعل، مع نصب «الإشارة» على المفعولية، ويقوّيه قوله بعد: «توجّهت». وضبط فى الأصل «فوجه» بسكون الجيم ورفع الهاء، على أنه اسم. وفيما حكى شارح ديوان المتنبى عن ابن الشجرى: «لأنّ وجه الإشارة إليه».
(3) سورة الشورى 43.
(4) فرغت منه فى المجلس العاشر.(3/103)
وكأنما أحسّ ابن الشجرى حرجا أو نقدا، فى إيراده لشعر هؤلاء المحدثين والاحتجاج به، فقال فى مبحث النداء، عندما استشهد ببيت للشريف الرضى (1): «ومن وصف الليل بالقصر، لما نال واصفه فيه من السرور، وأحسن ما شاء، قول الشريف أبى الحسن الرضى، رضى الله عنه وأرضاه، وإن كان متأخرا، فإنما نسج المتأخّرون على منوال المتقدمين:
يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعثر فيها العشاء بالسّحر
ولابن الشجرى عناية خاصة بالشريف الرضى، فقد أنشد له واستشهد به فى بعض مجالسه، ثم أفرد المجلس الثانى والستين لشرح قصيدته النونية التى مطلعها:
مازلت أطرف المنازل بالنّوى ... حتى نزلت منازل النعمان
وقد أتى فى هذا الشرح على مسائل جياد من النحو واللغة والأدب.
ويقف أبو الطيب المتنبى على رأس الشعراء المحدثين الذين استشهد بشعرهم ابن الشجرى، فقد ذكر شعره فى خمسة وثمانين موضعا من الأمالى، عدا المجلس الأخير الذى قصره على التنبيه على فضائله، وأورد فيه غررا من حكمه وشعره الذى يتمثل به.
وقد أورد ابن الشجرى شعر المتنبى، مستشهدا به على إعراب أو قاعدة، ومتعقبا شرّاحه: ابن جنى وأبا العلاء المعرى وابن فورّجة، والتبريزى، ومن إليهم، وشارحا ومعربا ما أهمله هؤلاء الشراح. قال فى إعراب بيت المتنبى:
أىّ يوم سررتنى بوصال ... لم ترعنى ثلاثة بصدود
«(2) وإنما أذكر من شعره ما أهمله مفسّروه، فأنبه على معنى أو إعراب أغفلوه، وهذا البيت لبعده من التكلف، وخلوّه من التعسّف، وسرعة انصبابه إلى السمع وتولّجه فى القلب، أهملوا تأمله فخفى عنهم ما فيه».
__________
(1) المجلس الخامس والثلاثون وانظر عن الاستشهاد بشعر المحدثين، تقدمتى لكتاب الشعر ص 73.
(2) المجلس الثانى عشر.(1/103)
«الرّبّ» فى موضع الإيمان، كان ذلك فى غاية الحسن لأن المراد في الحقيقة إرضاء أهل اللؤم وأهل الكفر، وكذلك إرضاء الإيمان إنما يراد به إرضاء أهله، وإرضاء أهله تابع لإرضاء الله جلّت عظمته.
* * * وقوله:
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأنّ عليه من حدق نطاقا (1)
أى الأبصار تثبت فى خصرها استحسانا له، وتكثر عليه من جوانبه حتّى تصير كالنّطاق، وهذا منقول من قول بشّار بن برد (2):
ومكلّلات بالعيو ... ن طرقننا ورجعن ملسا
أراد أنهنّ لحسنهنّ تعلو الأبصار إلى وجوههنّ ورءوسهنّ، حتى كأنّ لهنّ من العيون أكاليل، فنقل أبو الطيّب المعنى من الأعالى والأكاليل، إلى الخصر والنّطاق، وكشف السرىّ الموصلىّ عن هذا المعنى فى قوله (3):
أحاطت عيون العاشقين بخصره ... فهنّ له دون النّطاق نطاق
* * * وله وقد وصف سيفا، ثم قال فى وصف يد منتضيه:
ومحلّ قائمه يسيل مواهبا ... لو كنّ سيلا ما وجدن مسيلا (4)
__________
(1) ديوانه 2/ 296، وديوان المعانى 1/ 264، 322، وشرح مشكل شعر المتنبى ص 200، وشرح الديوان للواحدى ص 425، وابن الشجرى ينقل كلامه، وإن لم يصرّح.
(2) ديوانه ص 142، وهو فيه بيت مفرد.
(3) ديوانه 2/ 475.
(4) ديوانه 3/ 237.(3/104)
وقال فى قوله:
جرّبت من نار الهوى ما تنطفى ... نار الغضا وتكلّ عما تحرق
«(1) وهذا البيت أيضا مما أمرّوه على أسماعهم إمرارا، فلم يعطوه حصّة من التفكّر، ولم يولوه طرفا من التأمل».
وابن الشجرى بهذه المثابة يعدّ من شرّاح المتنبى، فما أورده من شعره والكلام عليه ينهض كتابا مستقلا، يضمّ إلى ما كتب عن أبى الطيب، ولعل الله ييسّر لى صنع هذا الكتاب الذى يعين على فهم شعر المتنبى والإبانة عنه.
ولندع حديث أبى الطيب، وشعر المحدثين، ولنفرغ إلى منهج ابن الشجرى فى شواهده الشعرية، فأقول: إن اشتغال ابن الشجرى برواية الأدب وجمع الشعر قد أعاناه على اختيار شواهده الشعرية من أوثق النصوص وأبعدها عن الشكّ والوضع، وحين عرض لبعض الشواهد الموضوعة لغاية تعليمية، نصّ على أنها مصنوعة، فقال فى قول الراجز (2):
إنّ هند الكريمة الحسناء ... وأى من أضمرت لوأى وفاء
«وهذا البيت والذى قبله من الأبيات المصنوعة لرياضة المبتدئين، لا تزال تداولها ألسن الممتحنين».
ويتنبه ابن الشجرى لمظنّة صنع الشاهد، ويدفعها بإنشاد بيت قبله وبيت بعده، ليدلّ على أن الشاهد منتزع من قصيدة، فقد استشهد على مجىء اسم «لا» العاملة عمل «ليس» معرفة، فقال (3): «ومرّ بى بيت للنابغة الجعدى، فيه مرفوع «لا» معرفة، وهو:
وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ ... سواها ولا عن حبّها متراخيا
__________
(1) المجلس الثانى عشر، وأنبه هنا إلى أن شرح ابن الشجرى للمتنبى كان مددا وعونا لبعض شراحه، مما يأتى بسط الكلام عليه فى (أثر ابن الشجرى فى الدراسات النحوية) إن شاء الله.
(2) المجلس الثامن والثلاثون.
(3) المجلس الخامس والثلاثون.(1/104)
قال يحيى بن عليّ التّبريزىّ: «مواهبا» منصوبة لأنها مفعول.
فقلت: لا يجوز أن تكون مفعولا لأنّ «يسيل» لا يتعدّى إلى مفعول به، بدلالة أنه لا ينصب المعرفة، تقول: سال الوادى رجالا، ولا تقول: سال الوادى الرجال، وسالت الطّرق خيلا، ولا تقول: سالت الطرق الخيل، فلما لزمه نصب النكرة خاصّة، والمفعول يكون معرفة ويكون نكرة، والمميّز لا يكون إلا نكرة، ثبت أن قوله: «مواهبا» / مميّز، ويوضّح هذا لك أنك إذا أدخلت همزة النّقل على «سال» تعدّى إلى مفعول واحد، تقول: أسال الوادى الماء المعين، فلو كان قبل النّقل بالهمزة يتعدّى إلى مفعول لتعدّى بعد النّقل إلى مفعولين.
فإن قيل: إنّ المميّز من شأنه أن يكون واحدا.
قلنا: لعمرى إنّ هذا هو الأغلب، وقد يكون جمعا، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} (1)، وكقوله: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوََالًا وَأَوْلََاداً} (2).
* * * __________
(1) سورة الكهف 103.
(2) سورة سبأ 35.(3/105)
وقبله:
دنت فعل ذى حبّ فلما تبعتها ... تولّت وردّت حاجتى فى فؤاديا
وبعده:
وقد طال عهدى بالشباب وظلّه ... ولاقيت أياما تشيب النواصيا
وإنما ذكرت هذين البيتين، مستدلا بهما على نصب القافية، لئلا يتوهم متوهم أن البيت فرد مصنوع، لأن إسكان الياء فى قوله: «متراخيا» ممكن مع تصحيح الوزن، على أن يكون البيت من الطويل الثالث، مثل:
أقيموا بنى النعمان عنا صدوركم ... وإلّا تقيموا صاغرين الرءوسا
وابن الشجرى حريص على الدقة فى رواية الشعر، والاحتياط لأمن الّلبس، وسلامة القواعد، فيقول فى بيت ابن أحمر (1):
على حيين فى عامين شتا ... فقد عنّا طلابهما وطالا
«ومعنى «شتا» افترقا، ولا يجوز أن تكتب «شتا» ها هنا بالياء، كالتى فى قوله تعالى: {وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى}، لأن ألف «شتّا» فى البيت ضمير، و «شتى» فى الآية اسم على فعلى، جمع شتيت، كقتيل وقتلى، وإنما ذكرت هذا، لأنى وجدته فى نسخة بالياء».
وقال فى قوله من القصيدة نفسها:
وجرد يعله الداعى إليها ... متى ركب الفوارس أو متالا
«(2) ومتى هاهنا شرط، وجوابه محذوف للدلالة عليه، فالتقدير: متى ركب الفوارس أو متى لم يركبوا، عله الداعى إليها وينبغى أن تكتب «متالا» الثانية بالألف، لأن ألفها ردف، وإذا صوّرتها ياء كان ذلك داعيا إلى جواز إمالتها، وإمالتها تقربها من الياء، وإذا كانت الألف ردفا، انفردت بالقصيدة أو المقطوعة.
__________
(1) المجلس الحادى والعشرون.
(2) المجلس الثانى والعشرون.(1/105)
المجلس السابع والسبعون ذكر معانى «أم» ومواضعها
فمن ذلك أنها تكون عاطفة بعد ألف الاستفهام، معادلة لها، فتكون معها بمعنى أيّهما وأيّهم وأيّهنّ، كقولك: أزيد عندك أم بكر؟ معناه أيّهما عندك؟
جعلت «الهمزة» مع أحد الاسمين المسؤول عنهما، وجعلت «أم» مع الآخر، فهذا (1)
هو المعادلة، وجواب هذا القول بالتّعيين، وذلك أن يقول: زيد، إن كان عنده زيد، أو بكر، إن كان عنده بكر، ومثله: أزيد فى الدار أم بشر أم خالد؟ بمعنى:
أيّهم فى الدار؟ وكذلك: أهند حاضرة أم زينب أم سعاد؟ بمعنى أيّهن.
فإذا (2) كانت المعادلة بين اسمين ومعهما فعل فالأحسن تقديم الاسم، كقولك: أزيد خرج أم محمد؟ ويجوز: أخرج زيد أم محمد؟ فإن كانت المعادلة بين فعلين، فالأحسن تقديم الفعل، كقولك: أضربت زيدا أم شتمته؟ ويجوز (3):
أزيدا ضربت أم شتمته؟
والمعنى الثانى: أن تكون «أم» عاطفة بعد ألف التسوية، كقولك: سواء عليّ أقمت أم قعدت، وما أدرى أزيد فى الدار أم بشر، وما أبالى أسافر زيد أم أقام، فاللفظ على الاستفهام والمراد به الخبر، / وإنما تريد تسوية الأمرين عندك، قال الله سبحانه: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (4) أى سواء عليهم
__________
(1) هكذا فى النّسخ الثلاث، وهو عربىّ فصيح. وانظر المقتضب 3/ 286، 287، وحواشيه.
(2) فى ط، د: وإذا.
(3) فى الأصل: والمعنى.
(4) سورة المنافقون 6. وانظر لإعراب هذا ونظائره دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 302.(3/106)
ويظهر إجلال ابن الشجرى للشعر القديم، والاحتجاج به، فيما تعقب (1)
به أبا العباس المبرد، فى طعنه على قصيدة يزيد بن الحكم الثقفى، وقوله: «إن فى هذه القصيدة شذوذا فى مواضع، وخروجا عن القياس، فلا معرّج على هذا البيت» (2).
فقال ابن الشجرى: إن الحرف الشاذ أو الحرفين أو الثلاثة، إذا وقع ذلك فى قصيدة من الشعر القديم، لم يكن قادحا فى قائلها، ولا دافعا للاحتجاج بشعره، وقد جاء فى شعر لأعرابى:
* لولاك هذا العام لم أحجج *
ولا يقف ابن الشجرى فى إيراد الشاهد عند حدود الغرض النحوى الذى سيق له، بل يستطرد إلى شرح غريبه وتفسير معناه، مازجا النحو باللغة والأدب، فإذا وجد خطأ لبعض الشراح نبّه عليه، ومن ذلك بيت الحطيئة، وأورده شاهدا على إضافة المصدر إلى المفعول:
أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشؤون وكيف
قال (3): الرسم ها هنا مصدر رسم المطر الدار يرسمها رسما: إذا جعل فيها رسوما، أى آثارا، وهو مضاف إلى المفعول، والمربع: رفع بأنه الفاعل، والمراد به مطر الربيع، والمصيف: مطر الصيف، ومن فسّر شعر الحطيئة من اللغويين فسّروا الرسم بالأثر، وفسروا المربع بأنه المنزل فى الربيع، والمصيف بأنه المنزل فى الصيف، وذلك فاسد، لأن تقديره: أمن أثر دار منزل فى الربيع ومنزل فى الصيف؟ ثم لا يتصل عجز البيت بصدره على هذا التقدير، وتكون «من» فى هذا القول للتبعيض، فكأنه قال: أبعض أثر دار منزل فى الربيع، وهى فى قول بعض النحويين بمعنى لام العلة، مثلها فى قول الله تعالى: {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ مِنْ إِمْلََاقٍ} أى
__________
(1) المجلس السابع والعشرون.
(2) يريد قوله:
وكم موطن لولاى طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى
وهو شاهد على وقوع الضمير المتصل بعد «لولا»، وقد منعه المبرد.
(3) المجلس الثانى والأربعون.(1/106)
لإملاق، وفى قولهم: فعلت ذلك من أجلك، يريدون لأجلك، والصحيح ما ذهب إليه النحويون، لأن المعنى: أمن أجل أن أثّر فى دار مطر ربيع ومطر صيف، لعينيك وكيف من ماء الشؤون؟
نسبة الشواهد:
عزا ابن الشجرى كثيرا من الشواهد إلى قائليها، وسكت عن نسبة بعض أبيات، عزوت قدرا منها، بالرجوع إلى دواوين الشعر ومصنّفات النحو وسائر كتب العربية، وشذّ منها شىء لم أجده فيما بين يدىّ من مظان، وقد انفرد ابن الشجرى بإنشاد أبيات، كما انفرد بنسبة أبيات، وظنّى أن مرجعه فى الحالين كتب أبى على الفارسى (1)، المخطوطة والمفقودة، فقد رأيت ابن الشجرى كثير التطواف حول أبى على، ويأتى هذا مبسوطا إن شاء الله فى حديثى عن مصادر ابن الشجرى.
وتمثّل بعض شواهد ابن الشجرى إضافات جيّدة لشعر بعض الشعراء، فقد أنشد بيتين لكثيّر لم أجدهما فى ديوانه المطبوع بتحقيق الدكتور إحسان عباس.
البيت الأول:
من اليوم زوراها خليلىّ إنها ... سيأتى عليها حقبة لا نزورها (2)
ولم أجد هذا البيت أيضا فيما بين يدىّ من كتب النحو والتفسير واللغة.
والبيت الثانى:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكلّ مكان (3)
وهذا البيت أنشد من غير نسبة فى المنصف لابن جنى 3/ 52، وشرح ديوان المتنبى المنسوب إلى العكبرى 2/ 241.
__________
(1) رأيت تصديق هذا حين حقّقت كتاب الشّعر لأبى على.
(2) المجلس الأول، ولكثير قصيدة من بحر هذا البيت وقافيته، ديوانه ص 312.
(3) المجلس الحادى والثلاثون.(1/107)
استغفارك لهم وترك استغفارك، ومثله: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (1)
{سَوََاءٌ عَلَيْنََا أَجَزِعْنََا أَمْ صَبَرْنََا} (2) ومن ذلك قول زهير:
وما أدري وسوف أخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء (3)
وقال الحارث بن كلدة الثّقفىّ:
فما أدرى أغيّرهم تناء ... وطول العهد أم مال أصابوا (4)
وقال حسّان (5):
ما أبالى أنبّ بالحزن تيس ... أم لحانى بظهر غيب لئيم
النّبيب: صوت التّيس عند النّزو.
والثالث: أن تكون مقدّرة ببل مع همزة الاستفهام، فتسمّى منقطعة، ومن شرائطها أن يقع بعدها الجملة دون المفرد، وأن تأتى بعد الاستفهام بهل وبعدها الخبر، وقد تأتى بعد الهمزة، فمجيئها بعد «هل» كقوله (6):
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
التقدير: بل أحبلها مصروم؟ ثم قال بعد هذا:
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم
جمع بين أم وهل، ولا يجوز الجمع بين استفهامين، ولا يجوز تقدير «هل» هاهنا بقد، كما قدّرت بها فى قوا، الآخر:
__________
(1) الآية السادسة من سورة البقرة. وانظر الآية العاشرة من سورة يس.
(2) سورة إبراهيم 21.
(3) فرغت منه فى المجلس الرابع والثلاثين.
(4) وهذا سبق فى أوّل مجلس.
(5) ديوانه، رضى الله عنه، ص 40، والتخريج فيه، والمقتضب 3/ 298، وأمالى ابن الحاجب 4/ 56، وشرح الكافية الشافية ص 1213.
(6) علقمة الفحل. ديوانه ص 50، وتخريجه فى ص 145.(3/107)
وتظهر أهمية شواهد ابن الشجرى أيضا، فيما حكاه عن سيبويه، فقد استدل على حذف المنادى بما أنشده سيبويه من قول الشاعر (1):
ألا يا إننى سلم ... لأهلك فاقبلى سلمى
وهذا الشاهد لم أجده فى كتاب سيبويه، اعتمادا على ما صنع له من فهارس، ومعروف عند الدارسين «أن بين أصول الكتاب القديمة اختلافا فى عدة الأبيات، وأن بعضها ربما انفرد بشواهد أخلّ بها غيره» (2). وابن الشجرى نفسه يصرح بأن لكتاب سيبويه أكثر من نسخة (3).
وهذه جملة ملاحظات حول منهج ابن الشجرى فى نسبة الشواهد وروايتها:
1 - روى ابن الشجرى قول أبى تمام (4):
أفى الحقّ أن يمسى بقلبى مأتم ... من الشوق والبلوى وعيناى فى عرس
ورواية البيت فى ديوان أبى تمام 4/ 220:
أسكن قلبا هائما فيه مأتم ... من الشوق إلا أنّ عينى فى عرس
ويا بعد ما بين الروايتين فى مجال الدرس الأدبى.
2 - وأنشد بيت الفرزدق (5):
ولو بخلت يداى بها وضنّت ... لكان علىّ للقدر الخيار
ورواية الديوان ص 364:
ولو رضيت يداى بها وقرّت ... لكان لها على القدر الخيار
ويقال فيه ما قيل فى سابقه.
__________
(1) المجلس التاسع والثلاثون. والبيت من غير نسبته فى اللسان (سلم).
(2) فهرس شواهد سيبويه ص 9لشيخنا العلامة أحمد راتب النّفّاخ.
(3) المجلس الحادى عشر.
(4) المجلس الثامن عشر.
(5) المجلس نفسه.(1/108)
سائل فوارس يربوع بشدّتنا ... أهل رأونا بسفح القفّ ذى الأكم (1)
وكما قدّرت بها فى {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (2) و {هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ} (3) وإنما لم تقدّر فى البيت بقد لوقوع الجملة المبتدئيّة بعدها.
/ وإذا لم يجز تقديرها بقد، ولم يجز الجمع بين استفهامين، وجب حمل اجتماعهما على ما يصحّ، وفى ذلك قولان: أحدهما للكوفيّين، وهو أنهم يحكمون على «أم» المنقطعة بأنها تكون بمعنى «بل» مجرّدة من الاستفهام، فالتقدير على هذا: بل هل كبير بكى؟ والبصريّون مجمعون على أنها لا تكون بمعنى «بل» إلّا بتقدير همزة الاستفهام معها (4).
والقول الآخر: أن يكون أحد الحرفين زائدا، دخوله كخروجه، وإذا حكمنا بزيادة أحدهما، فالأولى أن نحكم بزيادة «هل» لوقوعها حشوا لأن الأغلب أن لا يكون الزائد أوّلا، فالتقدير: بل أكبير بكى؟
ومعنى «لم يقض عبرته»: لم ينفد ماء شؤونه.
ومعنى «مشكوم» مثاب مجازى.
وأما مجىء المنقطعة بعد الهمزة فكقولك: أزيد فى الدار أم جعفر حاضر؟
فالجواب: لا، أو نعم، لأنّ المعنى: بل أجعفر حاضر؟
ووقوعها بعد الخبر، كقولك: قام أخوك أم محمد جالس؟ ومن كلامهم:
إنها لإبل أم شاء؟ كأنه رأى أشخاصا من البعد فقال متيقّنا: إنها لأبل، ثم أدركه
__________
(1) تقدم فى المجلس السادس عشر. وانظر شعر زيد الخيل (شعراء إسلاميون) ص 206.
(2) أول سورة الإنسان.
(3) أول سورة الغاشية.
(4) راجع أسرار العربية ص 305، والمغنى ص 45، وبدائع الفوائد 1/ 205، والتصريح 2/ 144، والخزانة 11/ 140، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 313.(3/108)
3 - نسب ابن الشجرى هذا البيت من الرجز، إلى الشماخ (1):
* ربّ ابن عمى لسليمى مشمعل *
والصواب أنه لجبار بن جزء، على ما فى ديوان الشماخ ص 389، وجزء أخو الشماخ. وهذا البيت أنشده ابن الشجرى مع بيت بعده، من غير نسبة، فى المجلس التاسع والستين.
4 - أنشد ابن الشجرى فى المجلس الثانى والعشرين، هذين البيتين، ونسبهما إلى تأبط شرا:
فإما تعرضنّ أميم عنى ... وينزعك الوشاة أولو النّياط
فخور قد لهوت بهنّ عين ... نواعم فى البرود وفى الرّياط
ثم أنشدهما فى المجلس الثالث والأربعين، ونسبهما إلى الهذلى من غير تعيين، والبيتان من قصيدة للمتنخل الهذلى، كما فى شرح أشعار الهذليين ص 1267.
5 - نسب ابن الشجرى إلى رؤبة هذين البيتين:
والله لولا أن يحشّ الطّبّخ ... بى الجحيم حين لا مستصرخ (2)
ولم يردا فى ديوان رؤبة المطبوع، وهما فى ديوان أبيه العجاج ص 459.
6 - وصنع عكس هذا، حين نسب بيتا للعجاج (3)، والصواب أنه لرؤبة فى ديوانه ص 16، وذلك قوله:
* وقد تطوّيت انطواء الحضب *
7 - ونسب إلى رؤبة (4):
__________
(1) المجلس التاسع عشر.
(2) المجلس الخامس والثلاثون، وأنشد جزءا من البيت الثانى، من غير نسبة فى المجلس الحادى والثلاثين.
(3) المجلس التاسع والخمسون.
(4) المجلس الثامن والسبعون، ولم يرد البيتان فى ديوان رؤبة المطبوع.(1/109)
الشكّ فأضرب عن ذلك، فقال: أم شاء، على معنى: بل أهى شاء؟ وإذا ورد فى التنزيل شىء من هذا سمّى تركا لكلام وأخذا فى كلام آخر، فمن ذلك قوله تعالى: {الم. تَنْزِيلُ الْكِتََابِ لََا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ} [1]
المعنى: بل أيقولون افتراه؟ فهو استفهام أريد به تعنيف المشركين، فأمّا قول الأخطل (2):
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا
فإنه أراد: أكذبتك؟ فحذف الهمزة وهو ينويها، ومثله قول عمر بن أبى ربيعة:
لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان (3)
أراد: أبسبع؟
والرابع: أن تكون «أم» زائدة، واستشهدوا على هذا بقول ساعدة بن جؤيّة (4):
/ يا ليت شعرى ولا منجا من الهرم ... أم هل على العيش بعد الشّيب من ندم
التقدير: ليت شعرى! هل على العيش من ندم؟ وقال أبو زيد، فى قوله تعالى جدّه:
__________
(1) سورة السجدة 1، 2، 3.
(2) ديوانه ص 105، ونقائض جرير والأخطل ص 70، والكتاب 3/ 174، والمقتضب 3/ 295، والكامل ص 793، والمسائل المنثورة ص 190، والمغنى ص 45، وشرح أبياته 1/ 235 وانظر فهارسه والخزانة 11/ 131، وانظر فهارسها. والكذب هنا بمعنى الخطأ. راجع النهاية 4/ 159، وأنشد بيت الأخطل.
(3) سبق فى المجلس الرابع والثلاثين.
(4) شرح أشعار الهذليين ص 1122، والتخريج فى ص 1493، وضرائر الشعر ص 74، والمغنى ص 48، وشرح أبياته 1/ 284، والخزانة 11/ 62.(3/109)
يا أيها المائح دلوى دونكا ... إنى رأيت الناس يحمدونكا
ونسبة البيتين إلى رؤبة خطأ، تبع فيه ابن الشجرى القاضى الجرجانى فى الوساطة ص 275، وقد تعقب البغدادىّ (1) ابن الشجرى فى هذه النسبة، ثم عزا البيتين إلى راجز جاهلى من بنى أسيد بن عمرو بن تميم.
8 - استشهد ابن الشجرى على حذف اللام فى الشعر بقول الأعشى (2):
أبالموت الذى لا بدّ أنى ... ملاق لا أباك تخوّفينى
فإن كان ابن الشجرى يريد الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، فإنى لم أجد هذا البيت فى ديوانه المطبوع، وقد تكلمت عليه فى حواشى التحقيق.
9 - روى ابن الشجرى «متتايع» فى هذا البيت (3):
أرى ابن نزار قد جفانى وملنى ... على هنوات شأنها متتايع
بالياء التحتية، وشرح التتايع بأنه التهافت فى الشر، وقد ذكرت فى حواشى التحقيق أن الرواية «متتابع» بالباء الموحدة، فى كل ما رجعت إليه من كتب، وهى الكتاب والمقتضب والمنصف، وسرّ صناعة الإعراب، وشرح المفصل، وشرح الملوكى، واللسان، ثم نقلت عن الأعلم أنهما روايتان.
10 - روى ابن الشجرى بإسناده إلى بديع الزمان الهمذانى، قصيدة بشر ابن عوانة الأسدى، التى مطلعها (4):
أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
وقال فى تقدمة القصيدة: «قيل إن أجود شعر قيل فى لقاء الأسد، من الشعر القديم هذه القصيدة».
__________
(1) الخزانة 3/ 18.
(2) المجلس الثالث والأربعون.
(3) المجلس التاسع والأربعون.
(4) المجلس الرابع والستون.(1/110)
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هََذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} (1): أم زائدة، قال: والتقدير:
أفلا تبصرون، أنا خير من هذا الذى هو مهين، وأنشد قول الراجز:
يا دهن أم ما كان مشيى رقصا ... بل قد تكون مشيتى توقّصا (2)
قال: المعنى: ما كان مشيى.
وقول سيبويه في الآية: أنّ «أم» منقطعة، قال: «كأنّ فرعون قال:
أفلا تبصرون أم أنتم بصراء، فقوله: أم أنا خير، بمنزلة قوله: أم أنتم بصراء، لأنهم لو قالوا: أنت خير منه، كان بمنزلة قولهم: نحن بصراء، فكذلك أم أنا خير بمنزلة قوله لو قال: أم أنتم بصراء (3)»، وهذا التأويل فى «أم» هاهنا أحسن من الحكم بزيادتها.
قول الراجز: «يا دهن» ترخيم دهناء (4).
والرّقص (5): الخبب، عن ابن فارس (6). وقال ابن دريد: الرّقص: شبيه بالنّقزان من النّشاط، والقولان متقاربان.
والتّوقّص: تقارب الخطو، وقيل: شدّة الوطء، وكلاهما من فعل الهرم.
ومن مسائل الفرق بين «أم» و «أو» أنه إذا قال: أخرج زيد أو عمرو؟
فمعناه: أخرج أحدهما؟ فجوابه: لا أو نعم، فإن قلت: نعم، فقد أخبرته
__________
(1) سورة الزخرف 52.
(2) المقتضب 3/ 297، والمنصف 3/ 118، واللسان (أمم)، والموضع السابق من الضرائر والخزانة.
(3) الكتاب 3/ 173.
(4) كأن «دهناء» من أسماء النساء. ويروى «يا دهر»، و «يا هند» الخزانة 11/ 65.
(5) بفتح القاف لا غير، على ما يرى ابن دريد، قال: وهو أحد المصادر التى جاءت على فعل فعلا، وعدّ منها ثمانية، ثم قال: ومن سكّن القاف فقد أخطأ. الجمهرة 2/ 357.
قلت: أجازت كتب اللغة والأفعال سكون القاف وفتحها. راجع اللسان (رقص) والأفعال للسرقسطى 3/ 66، ولابن القطّاع 2/ 31.
(6) المقاييس 2/ 428.(3/110)
ويرى الأستاذ الدكتور مصطفى الشّكعة (1) أن بشر بن عوانة الأسدى هذا شخصية وهمية، اخترعها بديع الزمان فى مقاماته، وأجرى على لسانها هذه الأبيات.
وقد سبق إلى هذا التنبيه الأستاذ الزركلى (2)، رحمه الله رحمة واسعة.
11 - أنشد ابن الشجرى شاهدا على التمدح هذين البيتين (3):
لحافى لحاف الضيف والبيت بيته ... ولم يلهنى عنه غزال مقنّع
أحادثه إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسى أنه سوف يهجع
ونسبهما لعقبة بن مسكين الدارمى، وقد انفرد ابن الشجرى بهذه النسبة، كما ذكر البغدادى (4)، وأفاد أن البيتين لمسكين الدارمى، وأن الجاحظ والأعلم الشنتمرى نسبا البيتين إلى كعب بن سعد الغنوى، ونسبهما التبريزى إلى عتبة بن بجير.
* * * __________
(1) مناهج التأليف عند العلماء العرب ص 396.
(2) الأعلام 2/ 27، وانظر المثل السائر 3/ 284.
(3) المجلس الخامس والستون.
(4) الخزانة 4/ 254، والبيتان فى ديوان مسكين ص 51، وتخريجهما فى 76.(1/111)
بخروج أحدهما من غير تعيين، فإذا أراد التعيين سأل بأم فقال: أزيد الخارج أم عمرو؟ فالجواب: زيد، إن كان زيد هو الخارج، أو عمرو، إن كان عمرو هو الخارج لأنّ المعنى: أيّهما خرج؟ وكذلك إذا قال: أتصدّقت بدرهم أو دينار؟
فجوابه: لا أو نعم، لأن المعنى: أتصدّقت بأحدهما؟ فإن قلت: نعم، وطلب منك التعيين قال: أبدرهم تصدقت أم دينار؟ أراد بأيّهما تصدّقت؟
ومن مسائل الإيضاح (1): آلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفيّة؟
/ فالجواب: أحدهما، بهذا اللفظ لأنه أراد: أأحد هذين أفضل أم ابن الحنفيّة؟ ومن هذا قول صفيّة بنت عبد المطّلب، وقد جاءها صبيّ يطلب الزّبير ليصارعه فصرعه الزّبير، فقالت له:
كيف رأيت زبرا ... أأقطا أو تمرا
أم قرشيّا صارما هزبرا (2)
هذه رواية سيبويه (3)، وروى غيره:
أم قرشيّا صقرا
__________
(1) ص 291، والمقتصد ص 950، والخصائص 2/ 266، والمغنى ص 43.
(2) الكتاب 3/ 182، والمقتضب 3/ 304، والكامل ص 1096، وغريب الحديث للخطابى 2/ 209، وطبقات ابن سعد 3/ 101، وسير أعلام النبلاء 1/ 45، والإصابة 2/ 555، واللسان (زبر).
(3) الذى فى الكتاب المطبوع «أم قرشيا صقرا». وأشار شيخنا عبد السلام هارون برّد الله مضجعه فى حواشيه إلى أن الرواية فى ط، وهى الطبعة الأوربيّة من الكتاب: «أم قرشيا صارما هزبرا»، وكذلك جاءت الرواية عند الشنتمرى فى شرحه لأبيات الكتاب، ثم حكى عنه قوله: «ويروى أم قرشيا صقرا، والرواية الأولى أصحّ، فكأنها أرادت السّجع ولم تقصد قصد الرجز».
قلت: وقد رواه الشنتمرىّ أيضا فى كتابه النّكت فى تفسير كتاب سيبويه ص 804: «أم قرشيّا صارما هزبرا» ثم رأيت رواية غريبة، انفرد بها ابن السّيرافىّ:
أم حضر ميّا مرّا
قال: «أرادت الصّبر الحضرمىّ، يعنى الذى يحمل من ناحية حضر موت «شرح أبيات سيبويه 2/ 190.(3/111)
مصادر ابن الشجرى
جاء ابن الشجرى وقد استوى النحو العربى على سوقه أو كاد، فقد فرغ النحاة من وضع الأصول وبسط الفروع، ولم يكد أبو الفتح ابن جنى يضع قلمه المبدع بعد هذه التصانيف الجياد التى نفذ بها إلى أسرار العربية، حتى كان هذا إيذانا ببدء مرحلة جديدة يعكف فيها النحاة على هذا الموروث العظيم الذى آل إليهم: كشفا عن أسراره، ونفاذا إلى دقائقه، وتنبيها على غوامضه، واستدراكا لفائته.
ونعم كان للجيل الذى تلا ابن جنى، ولجيل ابن الشجرى آراء مبتكرة، والعربية فسيحة الأرجاء، متراحبة الأطراف، وقد يفتح الله على الأواخر بما لم يفتح به على الأوائل، ولكن يظل الفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما ترى من الفرق بين الجدول الصغير والبحر الزخّار، ولو أتيح لكل مصنّفات الأوائل أن تذيع وتنتشر، لعرفت صدق ما أقول.
وما أريد أن أسلب الأجيال الخالفة حقها، فما إلى هذا قصدت، وما أنا بمستطيعه، ولكنى أريد أن أدل على عظمة الأوائل الذين عرفوا للغتهم حقّها، من دقة النظر وحسن الفقه، وكريم الرعاية، ثم ما كان لنا أن نفقه سرّ العربية ونقف على دقائقها لولا جهود هذه الأجيال اللاحقة التى جمعت الوجوه، ورصدت النظائر، ثم أحسنت التبويب والتأليف.
وابن الشجرى واحد من هذا النفر الكريم الذين أحسنوا النظر فى ذلك الحصاد الطيب الذى سبق به الأوائل، وعكف عليه: شارحا ومفسّرا، ومتعقّبا وناقدا، ومضيفا ومستدركا.
وقد كانت أمالى ابن الشجرى معرضا لآراء أعلام النحاة، على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، وقد نقل ابن الشجرى كثيرا عن أعلام النحو واللغة المتقدمين، وتظهر أهمية هذه النقول فيما حكاه عن كتبهم المفقودة، من مثل كتاب «الأوسط» للأخفش سعيد بن مسعدة، و «الواسط» لأبى بكر بن الأنبارى، وبعض كتب أبى على الفارسى، وما إليها، ثم فيما حكاه عن سيبويه والمبرد، مما ليس يوجد فى المطبوع من «الكتاب والمقتضب والكامل».(1/112)
وإنما أدخلت «أو» بين الأقط والتمر لأنها لم ترد أن تجعل التمر عديلا للأقط، بمعنى أيّهما؟ ولكنها جعلتهما كاسم واحد، وعادلت بينه وبين قرشىّ، أى: أحد هذين رأيته أم قرشيّا؟
و «زبر» مكبّر الزّبير، ويحتمل أن يكون مصدر زبرت الكتاب: إذا كتبته، وأن يكون مصدر زبرت الرجل: إذا انتهرته، وأن يكون مصدر زبرت البئر: إذا طويتها (1)، وأن يكون الزّبر الذى هو العقل، يقال: ما لفلان زبر: أى عقل.
والأقط: اللّبن الرائب يطبخ حتى ينعقد، ثم يجعل أقراصا ثم يجفّف فى الشمس.
* * * __________
(1) ذكره ابن الأعرابى فى كتاب البئر ص 59.(3/112)
وليس يعنينى هنا أن أتحدّث عن هؤلاء الأعلام الذين حكى عنهم ابن الشجرى الرأى والرأيين، دون أن يعرض لهذه الآراء بتقوية أو تضعيف، ومن هؤلاء:
أبو عمرو بن العلاء، والخليل ويونس وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبيد القاسم ابن سلام، وأبو زيد والمازنى والجاحظ وابن قتيبة وثعلب وابن السراج وابن دريد وأبو بكر بن الأنبارى وابن درستويه وابن فارس وابن فورّجة.
وإنما أذكر من هؤلاء الأعلام من أكثر ابن الشجرى من النقل عنهم، والانتصار لهم، والاستدراك عليهم، بما يجلو شخصيته النحوية، ويبرز موقفه من مصنفات الأوائل، وهو موقف ذو ثلاث شعب، كما رأيت، وسنرى من بين هؤلاء الأعلام من أخذ ابن الشجرى عنهم، ولم يصرح، وساق كلامهم كأنه من عند نفسه، وها أنا ذا أذكرهم بحسب وفياتهم:
سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان (180هـ)
ابن الشجرى موصول النسب النحوى بسيبويه، قال أبو البركات الأنبارى فى ترجمة ابن الشجرى (1): «وعنه أخذت علم العربية، وأخبرنى أنه أخذه عن ابن طباطبا، وأخذه ابن طباطبا عن على بن عيسى الرّبعى، وأخذه الربعى عن أبى على الفارسى، وأخذه أبو على الفارسى عن أبى بكر بن السراج، وأخذه ابن السراج عن أبى العباس المبرد، وأخذه المبرد عن أبى عثمان المازنى وأبى عمر الجرمى، وأخذاه عن أبى الحسن الأخفش، وأخذه الأخفش عن سيبويه وغيره».
وسيبويه إمام النحاة، وكتابه العظيم قرآن النحو، لا يخلو كتاب نحوىّ من الأخذ عنه والنقل منه، وقد استكثر ابن الشجرى من حكاية أقواله والاحتجاج بكلامه، ثم نصب نفسه لشرحه والانتصار له، وتصحيح ما ذهب إليه. وقد تبعه ابن الشجرى فى مسائل كثيرة، تراها على امتداد «الأمالى»، غير أنى رأيته يتابع آراءه دون أن يصرح، فمن ذلك ما ذكره ابن الشجرى (2) من أن «حسّانا» فى قول الشاعر:
__________
(1) نزهة الألباء ص 406، وترجمة ابن الشجرى آخر تراجم الكتاب.
(2) المجلس السادس.(1/113)
مسألة (1)
سأل سائل عن قراءة من قرأ: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (2) برفع «الملائكة»، فقال: ما وجه ذلك؟
فأجبت بأنّ رفع «الملائكة» بالابتداء، و {يُصَلُّونَ} خبر عنها، وخبر «إنّ» محذوف، لدلالة الخبر المذكور عليه (3)، فالتقدير: إنّ الله يصلّى على النبىّ، وملائكته يصلّون على النبىّ، فحذف الخبر الأوّل لدلالة الثانى عليه، ونظير ذلك قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأى مختلف (4)
أراد: نحن بما عندنا راضون، فاجتزأ بذكر «راض» عنه، ومثله حذف أحد الخبرين من قول الله جلّ ثناؤه: {وَاللََّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} (5) ولو كان {أَحَقُّ} خبرا عنهما لقيل «يرضوهما».
ويجوز أن يكون قوله: {وَمَلََائِكَتَهُ} معطوفا على موضع «إنّ» واسمها
__________
(1) هذه المسألة ممّا زادته النسختان ط، د على نسخة الأصل. لكنى وجدت بهامش الأصل هذه العبارة: «من ها هنا مسألة الملحقة فى أول الوقة التى قبل هذه» ولم تظهر هذه الورقة الملحقة فى التصوير، ولا ريب أنها تتضمّن هذه المسألة.
(2) سورة الأحزاب 56، وقرأ بالرفع ابن عباس، وعبد الوارث عن أبى عمرو. مختصر فى شواذ القراءات ص 120، والبحر 7/ 248، وانظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 645، والمغنى ص 606 (الباب الخامس).
وممّن قرأ الآية بالرفع، ولكن على وجه الخطأ، محمد بن سليمان الهاشمىّ أمير البصرة، وقد ردّه عليه الأخفش سعيد بن مسعدة. انظر مجالس العلماء للزجاجى ص 54، وأماليه ص 226، وحواشيها.
(3) وهذا هو رأى البصريين فى توجيه الرفع.
(4) فرغت منه فى المجلس السابع والثلاثين.
(5) سورة التوبة 62. وراجع ما تقدّم فى المجلس المذكور.(3/113)
قتلنا منهم كلّ ... فتى أبيض حسّانا
منصوب على الوصف لكل، ثم ذكر البغدادى أن ابن الشجرى تبع سيبويه فى ذلك (1).
ومن ذلك ما ظهر لى من كلام ابن الشجرى فى تأويل قول الراجز:
* أطربا وأنت قنّسرىّ *
قال (2): «خاطب نفسه مستفهما، وهو مثبت، أى قد طربت، ولا يجوز: هل طربا» فقد رأيت مشابه بين هذا الكلام وقول سيبويه (3): «ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل، أنك تقول للرجل: أطربا؟ وأنت تعلم أنه قد طرب، لتوبخه وتقرره ولا تقول هذا بعد هل».
وقد لا يكون ابن الشجرى أخذ هذا الكلام من سيبويه، فإن ذلك مما يعدّ قدرا مشتركا بين الكتب، ولكنه كلام من نظر فى كتاب سيبويه، بلا ريب.
وهذه مثل أجتزىء بها مما أورده ابن الشجرى، شرحا لكلام سيبويه واحتجاجا لأقواله، وردّا على من خالفه:
1 - نقل ابن الشجرى (4) عن سيبويه: «وتقول: ما مررت بأحد يقول ذاك إلا عبد الله، وما رأيت أحدا يفعل ذاك إلا زيدا. هذا وجه الكلام، وإن حملته على الإضمار الذى فى الفعل فقلت: إلا زيد، فرفعت، فعربى، قال الشاعر:
فى ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلا كواكبها
وكذلك: ما أظن أحدا يقول ذاك إلا زيدا، وإن رفعت فجائز حسن، وإنما اختير النصب ها هنا، لأنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه، ولا يكون
__________
(1) الخزانة 2/ 407، والأمر على ما قال البغدادى، فى كتاب سيبويه 2/ 111.
(2) المجلس الرابع والثلاثون.
(3) الكتاب 3/ 176.
(4) المجلس الحادى عشر.(1/114)
لأنّ «إنّ» من الحروف التى تدخل على الكلام فلا تغيّر معناه، فموضعها مع اسمها رفع بالابتداء، فالتقدير: الله وملائكته يصلّون على النبىّ.
وأجاز أبو علىّ الحسن بن أحمد الفارسىّ أن يكون {يُصَلُّونَ} خبرا عن الله تعالى، والخبر عن الملائكة محذوف، والتقدير: إنّ الله يصلّون (1) على النبىّ وملائكته كذلك، وحسن الإخبار عن الله سبحانه بلفظ الجميع تفخيما وتعظيما، كما جاء خطابه بلفظ الجمع فى قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ} (2)، وكما جاء إخباره عن نفسه بلفظ الجميع فى كثير من القرآن، كقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} (3) و {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} (4)
و {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (5).
* * * روت الرّواة بإسناد جمعوه، إلى خريم بن أوس بن حارثة بن لأم الطائىّ: أنه قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منصرفه من تبوك، فأسلمت وعنده يومئذ عمّه العبّاس، فسمعته يقول: إنى أريد أن أقول قولا أثنى عليك به، فقال له: قل يا عمّ، لا يفضض الله فاك، فأنشأ يقول:
من قبلها طبت فى الظّلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق (6)
__________
(1) هذا تقدير بارد جدّا، وغفر الله لقائله وحاكيه. ولا يخفى أن التنظير بالآيات الكريمات لا يشفع فى ثقل هذا التقدير، فإن الإخبار عن المولى عز وجل بلفظ الجمع إنما جاء فى كلامه هو تباركت أسماؤه، وكلامه تعالى فى أرفع محلّ من الجلال والبهاء واليسر. وإن فى وضع هذا المثال الذى هو من صنع البشر بإزاء ما تلى من آيات كريمات أبلغ دليل على أن كلامه عز وجل مباين لكلام البشر، وأنه تنزيل من حكيم حميد.
(2) سورة المؤمنون 99.
(3) سورة يوسف 3، وسورة الكهف 13.
(4) سورة طه 132.
(5) أول سورة القدر.
(6) خرّجت هذه الأبيات الشريفة فى منال الطالب ص 440، وزد على ما ذكرته هناك: المعجم الكبير للطبرانى 4/ 252، 253، واشتقاق أسماء الله للزجاجى ص 231، والمستدرك 3/ 327، والأسماء المبهمة ص 449، وزاد المعاد 3/ 551، ومنح المدح ص 192، وسبل الهدى والرشاد 1/ 90، ثم انظر الموازنة 1/ 271، وطبقات الشافعية الكبرى 10/ 281.(3/114)
بدلا إلا من منفى، لأن المبدل منه منصوب منفى، ومضمره مرفوع، فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا من «أحد»، لأنه هو المنفى، وجعلوا «يقول ذاك» وصفا للمنفى، وقد تكلموا بالآخر، لأن معناه معنى المنفى، إذ كان وصفا لمنفى. انتهى كلامه. قال ابن الشجرى: «ومعنى قوله: «تكلموا بالآخر» أى تكلموا بالرفع فى المستثنى» ثم استطرد فى شرح هذه المسألة.
2 - تكلم سيبويه على حذف الفعل مع «أمّا» من قولهم: «أما أنت منطلقا انطلقت معك»، قال: فإنما هى «أن» ضمت إليها «ما» وهى ما التوكيد، ولزمت «ما» كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل، كما كانت الهاء والألف عوضا من ياء الزنادقة واليمانى».
ويتناول ابن الشجرى هذا الكلام الموجز بالشرح والبسط (1).
3 - رجّح ابن الشجرى (2) مذهب سيبويه على مذهب الأخفش، فى كون «أنّ» تسدّ مسدّ مفعولين، فى باب ظن وأخواتها.
4 - حكى ابن الشجرى (3) مذهب سيبويه فى أن «ما» المصدرية لا تحتاج إلى عائد، وذكر أن أبا الحسن الأخفش كان يخالفه فى ذلك، ويضمر لها عائدا، فهى على قوله اسم، وعلى قول سيبويه حرف.
وقد أبطل ابن الشجرى مذهب الأخفش بقوله: «ومما يبطل قول الأخفش أننا نقول: عجبت مما ضحكت، ومما نام زيد، فنجد «ضحك ونام» خاليين من ضمير عائد على «ما» ظاهر ومقدر، ونجد أبدا عائدا إلى «ما» الخبرية، ظاهرا فى نحو: عجبت مما أخذته، ومما جلبه زيد، ومقدرا فى نحو {فَكُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اللََّهُ}
فإن احتج للأخفش بأن الفعل الذى لا يتعدى إلى مفعول به يتعدى إلى مصدره، كما يتعدى الفعل المتعدى إلى المفعول به إلى مصدره، والفعل إذا ذكر دل بلفظه على مصدره، فنقدر إذن ضميرا يعود على الضحك، فى قولنا: عجبت مما ضحكت،
__________
(1) المجلس الثانى والأربعون.
(2) المجلس السابع.
(3) المجلس الثامن والستون.(1/115)
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السّفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق (1)
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
/ حتّى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النّطق
وأنت لمّا ولدت أشرقت ال ... أرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن فى ذلك الضّياء وفى النّ ... ور وسبل الرّشاد نخترق
قوله: «من قبلها»: أى من قبل الخليقة، كنى عن غير مذكور، والعرب تفعل ذلك توسّعا واختصارا، وثقة بفهم السامع.
وأقول: إنّ ضمير الغيبة ينقسم إلى أربعة أضرب، أحدها، وهو الأصل: أن يعود إلى شىء قد تقدّم ذكره، كقولك: زيد لقيته، وهند خرجت، وأخواك أكرمتهما، والقوم انطلقوا، وضرب زيد غلامه، ومثله فى التنزيل: {وَعَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ} (2) {وَنََادى ََ نُوحٌ ابْنَهُ} (3).
والثانى: أن يعود إلى مذكور في سياقة الكلام، مؤخّر فى اللفظ، مقدّم فى النيّة لأنّ رتبته التقديم، كقولك: ضرب غلامه زيد، وكقولهم: «فى بيته يؤتى الحكم (4)»، ومثله فى التنزيل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ََ} (5) وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لََا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ} (6).
والثالث: أن لا يعود على مذكور، ويلزمه أن يفسّر بنكرة منصوبة،
__________
(1) زاد صاحب سبل الهدى بعد هذا البيت بيتا، هو من أزكى الكلام وأشرفه، وهو قوله:
وردت نار الخليل مكتتما ... تجول فيها وليس تحترق
(2) سورة طه 121.
(3) سورة هود 42.
(4) من أمثال العرب. الفاخر ص 76، وجمهرة الأمثال 1/ 368، 2/ 101.
(5) سورة طه 67.
(6) سورة الرحمن 39.(3/115)
وضميرا يعود على النوم، فى قولنا: عجبت مما نام زيد، ويجوز أن نبرز هذا الضمير فنقول: عجبت مما ضحكته، ومما نامه زيد، فهذا قد أفسده النحويون بقول الله تعالى: {وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ بِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} فى قراءة من ضم ياءه وشدّد ذاله، وقالوا: لا يخلو الضمير المحذوف من قوله {يَكْذِبُونَ} أن يعود على القرآن، أو على النبى، أو على المصدر الذى هو التكذيب، فإن أعدناه إلى القرآن أو النبى، فقد استحقوا بذلك العذاب، وإن أعدناه إلى التكذيب لم يستحقوا العذاب، لأنهم إذا كذبوا التكذيب بالقرآن وبالنبى كانوا بذلك مؤمنين، فكيف يكون لهم عذاب أليم بتكذيب التكذيب»؟.
وقد تعقب ابن هشام ابن الشجرى فيما حكاه من إفساد قول الأخفش، قال (1): «وقال ابن الشجرى: أفسد النحويون تقدير الأخفش بقوله تعالى:
{وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ بِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} فقالوا: إن كان الضمير المحذوف للنبى عليه السلام أو للقرآن، صحّ المعنى وخلت الصلة عن عائد، أو للتكذيب فسد المعنى، لأنهم إذا كذّبوا التكذيب بالقرآن أو النبى كانوا مؤمنين اه وهذا سهو منه ومنهم، لأن كذبوا ليس واقعا على التكذيب، بل مؤكد به، لأنه مفعول مطلق، لا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضا، أى بما كانوا يكذبون النبى أو القرآن تكذيبا، ونظيره: {وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا كِذََّاباً}.
وقد انتصر ابن الشجرى لسيبويه فى المسألة الزنبوريّة الشهيرة التى جرت بينه وبين الكسائى، ثم انتصر له أيضا فى مواضع أخرى من الأمالى (2).
وكما نسب ابن الشجرى إلى سيبويه إنشاد شاهد من الشواهد، لم أجده فى المطبوع من الكتاب ورجعت هذا إلى اختلاف نسخ كتاب سيبويه كذلك حكى عنه أقوالا لم أجدها فى الكتاب، فمن ذلك: ما حكاه فى معنى «أو»، قال (3): واختلفوا فى قوله: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} فقال بعض
__________
(1) المغنى ص 338.
(2) انظر المجلسين السابع والعشرين، والحادى والثلاثين، والفقرتين السابعة عشرة والثانية والعشرين من آراء ابن الشجرى، ثم ما كتبته عن الحذوف.
(3) المجلس الخامس والسبعون، وانظر أيضا المجلس الأول فى الكلام على حذف العائد.(1/116)
أو بجملة، فالمفسّر بالمنصوب المنكور المضمر فى نعم وبئس وربّ، كقولك:
نعم رجلا زيد، وبئس غلاما بكر، وربّه رجلا أكرمته.
والمفسّر بالجملة ضمير الشأن وضمير القصّة، وهو على ضربين: مرفوع ومنصوب، فالمرفوع على ضربين: منفصل ومتّصل مستتر، فمثال المنفصل: هو زيد منطلق، و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (1) التقدير: الشأن: زيد منطلق، والشأن: الله أحد، وأما المستتر فيضمر فى «كان» كقولك: كان زيد جالس، تريد: كان الشأن: زيد جالس، ومنه قول الشاعر (2):
فلا أنبأنّ أنّ وجهك شانه ... خموش وإن كان الحميم حميم
/ ومثله:
إذا متّ كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالّذى كنت أصنع (3)
أراد كان الشأن: الناس نصفان [والمنصوب (4)]، كقولك: إنه زيد شاخص.
ويكون ضمير القصّة إذا كان الاسم مؤنّثا، كقولك: إنها هند شاخصة،
__________
(1) أول سورة الإخلاص.
(2) عبد قيس بن خفاف البرجمىّ. نوادر أبى زيد ص 386، والإيضاح ص 105، وإيضاح شواهده ص 137، وشرحه المقتصد 1/ 424، والحلبيات ص 256. والبيت من غير نسبة فى شرح ما يقع فيه التصحيف ص 138، وأنشده عن أبى على: ابن أبى الربيع، فى البسيط ص 740. والشاعر يخاطب زوجه، ويحضّها على الصبر إن نزلت بها مصيبة من فقد حميم أو غيره.
وهذا «عبد قيس بن خفاف» شاعر جاهلى، يكنى أبا جبيل. قال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله:
«لم نجد له ترجمة» الشعر والشعراء 1/ 165، قلت: ذكره أبو الفرج فى الأغانى 8/ 246، وأفاد أن أخباره قليلة، ثم ذكر له قصة مع حاتم الطائى. وقد تتبّع هذا الخبر فى مظانّه صديقى الدكتور عادل سليمان، فى ديوان حاتم ص 272، 273. وانظر أيضا حواشى الحماسة الشجرية ص 468.
(3) للعجير السّلولىّ شاعر أموىّ الكتاب 1/ 71، وجمل الزجاجى ص 50، والجمل المنسوب للخليل ص 119، والبسيط ص 696، وفى حواشيه فضل تخريج.
هذا وقد روى البيت فى نوادر أبى زيد ص 442، والأغانى 13/ 71: «كان الناس نصفين»،
ولا شاهد على هذه الرواية.
(4) سقط من الأصل.(3/116)
الكوفيين: «أو» بمعنى الواو، وقال آخرون منهم: المعنى بل يزيدون، وهذا القول ليس بشىء عند البصريين، وللبصريين فى «أو» هذه ثلاثة أقوال: أحدها قول سيبويه، وهو أن «أو» هاهنا للتخيير، والمعنى أنه إذا رآهم الرائى يخيّر فى أن يقول: هم مائة ألف، وأن يقول: أو يزيدون».
وقد فتّشت فى كتاب سيبويه، فلم أجد فيه شيئا مما حكاه عنه ابن الشجرى، ثم رأيت ابن هشام يشكك فى هذا الذى حكاه ابن الشجرى، قال بعد ذكر هذا الوجه (1): «نقله ابن الشجرى عن سيبويه، وفى ثبوته عنه نظر، ولا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما».
الكسائى على بن حمزة (189هـ)
اختار ابن الشجرى ما ذهب إليه الكسائى فى تقدير المحذوف من قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}.
قال (2): «التقدير: لا تجزى فيه، كما قال: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ} واختلف النحويون فى هذا الحرف، فقال الكسائى: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا الهاء، أراد أن الجارّ حذف أولا، ثم حذف العائد ثانيا. وقال نحوىّ آخر: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا «فيه». وقال أكثر أهل العربية، منهم سيبويه والأخفش: يجوز الأمران. والأقيس عندى أن يكون حرف الظرف حذف أولا، فجعل الظرف مفعولا به على السعة».
وهذا القول الذى جعله ابن الشجرى هو الأقيس عنده، هو رأى الكسائى السابق. وقد نصّ ابن هشام (3) على أن ابن الشجرى نقله عن الكسائى.
__________
(1) المغنى ص 67.
(2) المجلس الأول.
(3) المغنى ص 682.(1/117)
هذا هو الأحسن، ويجوز: إنه هند شاخصة، فضمير الشّأن فى التنزيل: {إِنَّهُ أَنَا اللََّهُ} (1) وضمير القصّة: {فَإِنَّهََا لََا تَعْمَى الْأَبْصََارُ} (2).
وقد جاء ضمير الفاعل مستترا مفسّرا بمفعول لأنه لم يعد إلى مذكور، وذلك على مذهب البصريّين فى باب إعمال الفعلين، فى نحو: أكرمنى وأكرمت زيدا، أردت: أكرمنى زيد، فأضمرت زيدا ولم تحذفه، كما رأى حذفه الكسائىّ، وحسن إضماره لدلالة ما بعده عليه.
والضّرب الرابع: أن يعود الضمير إلى معلوم قد تقرّر فى النّفوس، فقام قوّة العلم به وارتفاع اللّبس فيه مقام تقدّم الذّكر له، كقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (3) و {مََا تَرَكَ عَلى ََ ظَهْرِهََا مِنْ دَابَّةٍ} (4) أضمر الأرض، وكقوله: {فَلَوْلََا إِذََا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (5)، و {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} (6)، أضمر النّفس والرّوح، وكقوله:
{إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (7)، و {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سََامِراً تَهْجُرُونَ} (8) أضمر القرآن (9) والمسجد الحرام، وقال حاتم الطائىّ:
لعمرك ما يغنى الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر (10)
__________
(1) سورة النمل 9.
(2) سورة الحج 46.
(3) سورة الرحمن 26.
(4) الآية الأخيرة من سورة فاطر.
(5) سورة الواقعة 83.
(6) سورة القيامة 26.
(7) أول سورة القدر.
(8) سورة المؤمنون 67.
(9) هكذا فى النّسخ الثلاث «والمسجد» بالواو، والأولى أن تكون «أو». فقد قال الجمهور إن الضمير فى «به» عائد على الحرم أو المسجد أو البلد الذى هو مكة. وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن.
تفسير القرطبى 12/ 136.
(10) فرغت منه فى المجلس التاسع.(3/117)
وقوّى ابن الشجرى رأى الكسائى فى حذف الفاعل، فى باب إعمال الفعلين (1).
وإلى جانب هذا ضعّف ابن الشجرى ما ذهب إليه الكسائى فى توجيه التأنيث من قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} وقد تكلمت عليه فى الفقرة الرابعة من آراء ابن الشجرى النحوية.
ثم ضعّف رأيه فى المسألة الزّنبوريّة الشهيرة، وأشرت إليها قريبا فى حديث سيبويه.
قطرب محمد بن المستنير (206هـ)
حكى عنه ابن الشجرى (2) مجىء «لعلّ» بمعنى «لام كى». ثم تعقبه فيما حكاه من مجىء «إن» بمعنى «قد» قال (3): «وقد حكى قطرب أن «إن» قد جاءت بمعنى «قد»، وهو من الأقوال التى لا ينبغى أن يعرّج عليها».
الفرّاء يحيى بن زياد (207هـ)
نقل عنه ابن الشجرى رأيه فى أن «غدوة» معرفة بغير دخول الألف واللام (4).
وحكى عنه تفسيره لقوله تعالى: {وَلََا تَعْدُ عَيْنََاكَ عَنْهُمْ} بمعنى لا تنصرف عيناك عنهم (5).
__________
(1) المجلس الثانى والثلاثون.
(2) المجلس الثامن.
(3) المجلس التاسع والسبعون.
(4) المجلس الثانى والعشرون.
(5) المجلس نفسه.(1/118)
أراد: حشرجت النّفس، أى تردّدت، ومنه قول الأخطل:
أخالد هاتى خبّرينى وأعلنى ... حديثك إنّى لا أسرّ التّناجيا (1)
حديث أبى سفيان لمّا سمابها ... إلى أحد حتّى أقام البواكيا
أراد سما بالخيل.
ومن هذا الفنّ فى أشعار المحدثين قول دعبل بن علىّ، فى إبراهيم بن المهدىّ / وقد بويع فى العراق:
نفر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق (2)
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
أراد: مضطلعا بالخلافة، يقال: اضطلع فلان بالأمر: إذا قام به.
وشكلة: اسم أمّه.
والأطلس: الذئب الأغبر، شبّهم بالذّئاب الطّلس.
والمائق: الأحمق.
ومخارق: مغنّ كان أوحد فى الغناء.
ومن هذا إضمار الخمر فى قول عبد الله بن المعتزّ:
وندمان دعوت فهبّ نحوى ... وسلسلها كما انخرط العقيق (3)
* * *
__________
(1) لم أجد البيتين فى ديوان الأخطل المطبوع، وأيضا لم أجدهما فى كتاب. و «خالد» هنا ترخيم «خالدة». ويرى شيخنا محمود محمد شاكر أن هذا الشعر يستحيل من كلّ الوجوه أن يكون للأخطل، وإنما هو لشاعر من المشركين، أتاه خبر هزيمة المسلمين فى أحد، فهو فى غاية من السرور والشماتة.
(2) فرغت منه فى المجلس التاسع.
(3) مثل سابقه.(3/118)
وقد تعقّبه ابن الشجرى فى تفسيره لقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} فقال بعد أن حكى تأويل الزجاج والفارسى (1): «وقال الفراء: فقد كرهتموه فلا تفعلوه، يريد: فقد كرهتم أكل لحمه ميتا فلا تغتابوه، فإن هذا كهذا، فلم يفصح بحقيقة المعنى».
وتعقّبه أيضا فى إعرابه «خيرا» من قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ}
فقال (2): «والثانى أن «خيرا» صفة مصدر محذوف، تقديره: انتهوا انتهاء خيرا لكم، وهو قول الفراء، وهذا القول ليس فيه زيادة فائدة على ما دلّ عليه «انتهوا» لأن «انتهوا» يدل على الانتهاء بلفظه، فيفيد ما يفيده الانتهاء».
وقد ذكرت فى تحقيقى أن الفراء لم يقل هذا الرأى صراحة، ولكنّ محقّق كتابه «معانى القرآن» قد أوّل كلامه تأويلا ينتهى إلى ما ذكره عنه ابن الشجرى، وذكرت أيضا أن الأخفش الصغير سبق ابن الشجرى فى هذا التعقب (3).
هذا وقد ساق ابن الشجرى بعض الآراء، غير معزوّة، وظهر لى بالتتبّع والمراجعة أنها من كلام الفراء، فمن ذلك:
1 - أنشد ابن الشجرى شاهدا على الإضمار لغير مذكور قول القطامىّ (4):
هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... والآخذون به والسّاسة الأول
قال: أراد الآخذون بالملك.
وقد ذكر البغدادى أن ابن الشجرى أخذ هذا من الفراء، ولم يعزه إليه (5).
2 - حكى ابن الشجرى ثلاثة أقوال، فى ضم الضاد وتشديد الراء ورفعها،
__________
(1) المجلس الثالث والعشرون.
(2) المجلس الحادى والأربعون، وانظر مثالا آخر لتعقب الفراء فى المجلس الخمسين.
(3) معانى القرآن للفراء 1/ 295، وتفسير القرطبى 6/ 25.
(4) المجلس العاشر.
(5) الخزانة 2/ 384، وراجع معانى القرآن للفراء 1/ 104.(1/119)
وقوله: «طبت فى الظّلال»: أى فى ظلال الجنة المذكورة فى قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلََالٍ وَعُيُونٍ} (1) والظّلال: جمع ظلّ، وإنما يريد ظلّ شجرها، ويجوز أن يراد أنّ الجنّة كلّها ظلّ لا شمس فيها، كما قال تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (2)
وقال: {لََا يَرَوْنَ فِيهََا شَمْساً} (3).
وقوله: «فى مستودع» أى فى صلب آدم قبل أن يهبط إلى الأرض، كما قال تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} (4) أى مستقرّ فى الأرحام، ومستودع فى الأصلاب.
وقوله «حيث يخصف الورق» يعنى حيث خصف آدم وحوّاء عليهما الورق حين بدت سوءاتهما، قال تعالى: {وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ عَلَيْهِمََا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (5) والخصف: ضمّ الشىء إلى الشىء وإلصاقه به، ومنه قولهم: خصفت النّعل: أى رقعتها، وصانعها خصّاف، والإشفى مخصف. وقوله:
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
يعنى هبوطه وهو نطفة فى صلب آدم، لم يصر علقا ولا مضغة. والعلق:
الدّم الجامد، والمضغة: القطعة من اللّحم.
وقوله: «بل نطفة تركب السّفين» يعنى فى صلب نوح، كما جاء فى التنزيل: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنََّا حَمَلْنََا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (6).
__________
(1) سورة المرسلات 41.
(2) سورة الواقعة 30.
(3) سورة الإنسان 13.
(4) سورة الأنعام 98. وقوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ} ضبط فى الأصل بفتح القاف، وضبط فى ط، د بكسرها، وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. وقد اخترت هذه القراءة لمجيئها فى النسخة ط، وهى نسخة المؤلف، وقرئت عليه، كما سبق، وأيضا فإن شرح المؤلّف بعد يؤكدها، وعلى هذه القراءة يكون «مستقر» اسما غير ظرف، على معنى: فمستقرّ فى الأرحام، بمعنى «قارّ» فى الأرحام. الكشف 1/ 442.
(5) سورة الأعراف 22.
(6) سورة يس 41.(3/119)
من قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} وقال فى الوجه الثالث (1): «أن يكون ضم الراء إتباعا لضمة الضاد، كقولك: لم يردّكم، والأصل: يضرركم ويرددكم، فألقيت ضمة المثل الأول على الساكن قبله، وحرك الثانى بالضم إتباعا للضمة قبله، فلما حرك الثانى وقد سكن الأول وجب الإدغام. وتحريك الثانى فى هذا النحو بالفتح هو الوجه، لخفة الفتحة مع التضعيف، وبه قرأ فى هذا الحرف المفضل الضبى، عن عاصم بن أبى النّجود».
ووجه الفتح هذا هو اختيار الفراء، كما فى معانى القرآن 1/ 232.
3 - أشار ابن الشجرى إلى ما قيل فى اتصال قوله تعالى: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكََارِهُونَ} بما قبله وبما بعده، ثم قال (2): «وأوجه ما قيل فيه أن موضع الكاف رفع خبر مبتدأ محذوف أى اقبلوا ما أمركم الله ورسوله به فى الغنائم وغيرها، ثم قال: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} والتقدير: كراهيتهم لما فعلت فى الغنائم كإخراجك من بيتك على كره منهم، ودل على ذلك قوله: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكََارِهُونَ}.
وهذا الوجه الذى اختاره ابن الشجرى هو من تقدير الفرّاء، وذكره فى معانى القرآن 1/ 403، وحكاه ابن الشجرى بألفاظه فى المجلس الحادى والثمانين، ونسبه أبو جعفر الطبرى إلى بعض نحويّى الكوفة (3).
4 - تكلّم ابن الشجرى على دخول «إلا» فى قول ابن أحمر: «أبت عيناك إلا أن تلجّا»، فقال (4): «دخلت «إلا» ها هنا موجبة للنفى الذى تضمنه هذا الفعل، ألا ترى أنك إذا قلت: أبى زيد أن يقوم، فقد نفيت قيامه، فإذا قلت: أبى إلا أن يقوم، فقد أوجبت بإلّا قيامه، لأن المعنى: لم يرد إلا أن يقوم. وفى التنزيل: {وَيَأْبَى اللََّهُ إِلََّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} أى لا يريد الله إلا إتمام نوره».
__________
(1) المجلس الثانى عشر.
(2) المجلس الثالث عشر.
(3) تفسير الطبرى 13/ 392.
(4) المجلس الحادى والعشرون.(1/120)
/ وحذف الهاء من السفينة يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون حذفها ومراده بالسّفين الواحدة، وقد تفعل الشّعراء ذلك، ومنه قول أبى طالب (1):
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السّيول من إساف ونائل
أراد: نائلة، ونائلة وإساف: صنمان. ومنه قول مالك بن حيّان:
ولا نجاوركم إلّا على ناحى (2)
أراد: ناحية.
والثانى: أن يكون أراد بالسّفين الجمع، واستعمل الجمع فى موضع الواحد، كقولهم: بعير ذو عثانين (3)، وشابت مفارقه، وكقول الشاعر:
والزّعفران على ترائبها ... شرق به اللّبّات والنّحر (4)
استعمل التّرائب واللّبّات فى موضع التّربية واللّبّة. واللّبّة: موضع القلادة من الصدر، والتّربية والتّريب أيضا: الصّدر، قال (5):
__________
(1) ديوانه المسمّى غاية المطالب ص 102، والسيرة النبوية 1/ 83، 273، والأصنام لابن الكلبى ص 29.
(2) صدره: إنّا بنو عمّكم لا أن نباعلكم
وبعده:
وقد بلوتك إذنلت الثّراء فلم ... ألقك بالمال إلّا غير مرتاح
يخاطب ابن عمّه حاتما الطائىّ، وكان قد ذهب إليه يطلب عونه على المفاخرة. يقول: لا نباعلكم، أى لا نتزوج منكم ولا تتزوّجون منا. وعلى ناج: أى على ناحية وطرف من الأمر، ولا نجاوركم مجاورة خالصة مطلقة. انظر الشعر وقصّته فى الأغانى 17/ 371. والبيت الشاهد فى الخصائص 3/ 212من غير نسبة، ونسب فى المحتسب 1/ 144لمالك بن جبّار الطائى، وكذلك جاء «جبّار» فى الأغانى والموفقيات ص 504، ويقال: جبّار وحيّان. انظر ديوان حاتم ص 176، 178، 243.
(3) راجع المجلس الحادى عشر.
(4) فرغت منه فى المجلس المذكور.
(5) الأغلب العجلى. والرجز فى شعره (شعراء أمويون) 4/ 152، وتخريجه فى ص 181.(3/120)
وكلام ابن الشجرى هذا منتزع من كلام الفراء، فى معانى القرآن 1/ 433، مع اختلاف العبارة، ومع وضع المصطلح البصرى موضع المصطلح الكوفى، وأعنى كلمة «النفى» عند ابن الشجرى مكان «الجحد» عند الفراء.
5 - استشهد ابن الشجرى على جواز مجىء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف ملتبسا به، بقوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنََاقُهُمْ لَهََا خََاضِعِينَ}، قال (1):
«أخبر بخاضعين عن المضاف إليه، ولو أخبر عن المضاف لقال: «خاضعة، أو خضّعا أو خواضع، وإنما حسن ذلك، لأن خضوع أصحاب الأعناق بخضوع أعناقهم».
وهذا الذى استحسنه ابن الشجرى هو اختيار الفراء، فى معانى القرآن 2/ 277.
6 - أورد ابن الشجرى (2) أقوالا كثيرة فى تقدير جواب القسم المحذوف لقوله تعالى: {ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}، وذكر من هذه الأقوال أن الجواب قوله تعالى: {إِنَّ ذََلِكَ لَحَقٌّ تَخََاصُمُ أَهْلِ النََّارِ}، وعلّق على هذا التقدير فقال: «وهذا قول ضعيف جدا، لبعد ما بينه وبين القسم، ولأن الإشارة بقوله: {ذََلِكَ}
متوجهة إلى ما يكون من التلاوم والتخاصم بين أهل النار يوم القيامة، وذكر تلاومهم متأخر عن القسم».
وقد سبق الفرّاء إلى تضعيف هذا التقدير، فقال (3): «وذلك كلام قد تأخّر تأخّرا كثيرا عن قوله: {وَالْقُرْآنِ}، وجرت بينهما قصص مختلفة، فلا نجد ذلك مستقيما فى العربية».
7 - ذكر ابن الشجرى فى إعراب {فِئَتَيْنِ} من قوله تعالى: {فَمََا لَكُمْ فِي الْمُنََافِقِينَ فِئَتَيْنِ} قال (4): «انتصاب فئتين على الحال، لأن المعنى: ما لكم
__________
(1) المجلس الرابع والعشرون.
(2) المجلس الثانى والأربعون.
(3) معانى القرآن 2/ 397.
(4) المجلس الحادى والسبعون.(1/121)
أشرف ثدياها على التّريب
فقوله: التّرائب واللّبّات، كأنه جمعهما بما حولهما، وكذلك السّفين يكون على تسمية كلّ جزء من السّفينة سفينة. وقوله:
وقد ألجم نسرا وأهله الغرق
أراد بنسر: الصّنم الذى كان قوم نوح يعبدونه، وقد ذكره الله تعالى فى قوله: {وَلََا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلََا سُوََاعاً وَلََا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (1)، وأدخل فيه الشاعر الألف واللام زيادة للضّرورة، فى قوله:
أما ودماء مائرات تخالها ... على قنّة العزّى، وبالنّسر عندما (2)
وما سبّح الرّهبان فى كلّ ليلة ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما
لقد هزّ منّى عامر يوم لعلع ... حساما إذا ما هزّ بالكفّ صمّما
دماء مائرات: متردّدات. مار الدّم على وجه الأرض يمور: إذا تردّد.
وقنّة العزّى: أعلاها، وقنّة الجبل: أعلاه.
والعندم: البقّم (3)، والعندم: دم الأخوين.
والأبيل: الرّاهب (4)، فأبيل الأبيلين: راهب الرّهبان.
/ وصمّم: مضى، يقال: صمّم الرجل فى الأمر: إذا جدّ فيه. ومثل زيادة الألف واللام فى النّسر زيادتها فى اليزيد، من قول الشاعر:
__________
(1) سورة نوح 23.
(2) راجع المجلس الثالث والعشرين.
(3) صبغ أحمر. وهو فارسىّ معرّب. المعرّب ص 59.
(4) راجع النهاية 1/ 16.(3/121)
منقسمين فى شأنهم فرقتين، فرقة تمدحهم وفرقة تذمّهم. وحقيقة القول عندى أن {فِئَتَيْنِ} فى معنى مختلفين، فحرف الجر الذى هو «فى» متعلق بهذا المعنى، أى ما لكم مختلفين فى أمرهم، فانتصابه كانتصاب {مُعْرِضِينَ} فى قوله: {فَمََا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}.
وتفسير {فِئَتَيْنِ} بمختلفين، هو من قول الفراء (1)، ولابن الشجرى فضل التنظير بالآية الأخرى.
هذه مآخذ ابن الشجرى من الفراء، وقد لا يكون صاحبنا أخذ هذه الآراء نصّا، ولكنه كلام من نظر فى كتاب الفراء، كما قلت من قبل فى مآخذ ابن الشجرى من سيبويه.
الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (215هـ)
نقل ابن الشجرى عنه فى مواضع من «الأمالى»، وبخاصة من كتابه (2)
«الأوسط»، وهو من الكتب المفقودة حتى الآن.
وقد ضعّف ابن الشجرى بعض آراء الأخفش التى خالف فيها سيبويه، وذكرت هذا فى حديثى عن سيبويه.
هذا وقد وجدت بعض آراء أوردها ابن الشجرى غير معزوّة، ورأيت بالتتبّع نسبتها إلى الأخفش، فمن ذلك:
استشهد ابن الشجرى على تقديم المعطوف على المعطوف عليه، بقول الشاعر (3):
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام
__________
(1) معانى القرآن 1/ 280.
(2) المجلسان الثالث والثلاثون والثانى والأربعون.
(3) المجلس السابع والعشرون.(1/122)
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله (1)
أعباء الخلافة: أثقالها، واحدها: عبء، مثل قمع.
والكاهل: أعلى الظّهر.
وقوله:
تنقل من صالب إلى رحم
الصّالب والصّلب: الصّلب، ثلاث لغات. وقوله:
إذا مضى عالم بدا طبق
الطّبق هاهنا: القرن من الناس، سمّوا بذلك لأنهم كالطّبق للأرض، والطّبق فى غير هذا: الحال، ومنه قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} (2) أى حالا بعد حال. وقوله:
حتّى احتوى بيتك المهيمن
بيت الرّجل: يستعمل بمعنى أصله ومنبته، وبمعنى عترته.
والمهيمن: أصله أن يستعمل وصفا لله سبحانه، وهو ممّا جاء لفظه مشبها لفظ المصغّر، وهو مكبّر، كقولهم للمسلّط: مسيطر، وللبيطار: مبيطر.
وقد وصف به فى القرآن غير الله، فى قوله: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتََابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (3) وقيل فى معنى {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}
أقوال، قال بعض المفسّرين: وشاهدا عليه، وقال بعضهم: مؤتمنا عليه، وقال آخرون: المهيمن: الحافظ والرّقيب، وأمّا أهل العربيّة، منهم أبو العباس محمد بن يزيد، فقالوا: أصله مؤيمن، وأبدلت من الهمزة (4) الهاء، كما قالوا فى أرقت الماء:
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الثالث والعشرين.
(2) سورة الانشقاق 19.
(3) سورة المائدة 48.
(4) انظر تفسير أسماء الله الحسنى للزجّاج ص 32، واشتقاق أسماء الله للزّجاجى ص 228.(3/122)
وتقديره عنده: عليك السلام ورحمة الله. وقد أفاد البغدادى (1) أن هذا من تقدير الأخفش. ومنه أيضا أن ابن الشجرى (2) ذكر من شواهد حذف الجملة.
قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، ثم قال: أى وقيل لى: {وَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وهذا تأويل الأخفش، كما ذكر ابن الجوزى (3)، والذى ذكره ابن الشجرى أخذه من الشريف المرتضى (4).
هذا وقد نسب ابن الشجرىّ إلى الأخفش رأيين متعارضين فى وقوع جملة الماضى حالا. ونبهت عليه فى حواشى التحقيق (5).
الأصمعى عبد الملك بن قريب (216هـ)
نقل عنه ابن الشجرى تفسيره لقول لبيد (6):
حتى تهجّر فى الرواح وهاجها ... طلب المعقّب حقّه المظلوم
وقوّى رأيه فى أن «إن» للشرط فى قول الشاعر (7):
سقته الرّواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما
وأن المعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرىّ. ثم حكى عن سيبويه قوله: أراد: وإمّا من خريف، وحذف «ما» لضرورة الشعر، وإنما يصف وعلا.
قال ابن الشجرى: وقول الأصمعى قوىّ من وجهين، أحدهما أن «إما» لا تستعمل إلا مكررة، أو يكون معها ما يقوم مقام التكرير، كقولك: إما أن نتحدث بالصدق وإلا فاسكت، وإما أن تزورنى أو أزورك، وهذا معدوم فى البيت.
__________
(1) الخزانة 1/ 399، 2/ 192.
(2) المجلس الثالث والأربعون.
(3) زاد المسير 3/ 11وهو فى معانى القرآن للأخفش ص 270.
(4) أماليه 2/ 71.
(5) المجلس الرابع والأربعون، والحادى والسبعون.
(6) المجلس التاسع والأربعون.
(7) المجلس التاسع والسبعون.(1/123)
هرقت، وفى إيّاك: هيّاك، وهذا القول موافق لقول من قال من المفسّرين إن معناه:
مؤتمن وأمين، وعلى هذا يحمل قوله:
حتّى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء
أى احتوى بيتك الأمين منزلة علياء من مجد خندف، وسامى شرفها.
والنّطق: جمع نطاق، وهو ما يشدّ به الرجل وسطه والمرأة، وهذا مثل ضربه لأنّ النّطاق يشدّ تحت محلّ القلب، فشبّه محلّ شرفه فى خندف بمحلّ القلب من الجسد، / وهو أعلى [من (1)] مكان النّطاق.
وقوله: ضاءت بنورك الأفق. أنّث الأفق حملا على المعنى لأنّ معناه الناحية.
ودليل تذكيره قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} (2) وأراد بالأفق الآفاق، ولكنّه استعمل الواحد فى موضع الجمع، كما جاء فى التنزيل: {وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ} (3) و {خَلَصُوا نَجِيًّا} (4) {وَحَسُنَ أُولََئِكَ رَفِيقاً} (5) ومثله فى الشّعر:
قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس (6).
وقول الآخر:
كلوا فى نصف بطنكم تعفّوا ... فإنّ زمانكم زمن خميص (7)
__________
(1) تكملة من ط، د، ومكانها فى الأصل بياض.
(2) سورة التكوير 23.
(3) سورة التحريم 4.
(4) سورة يوسف 80.
(5) سورة النساء 69.
(6) فرغت منه فى المجلس التاسع والأربعين.
(7) سبق فى المجلس الثامن والثلاثين.(3/123)
والثانى أن مجىء الفاء فى قوله: «فلن يعدما» يدل على أن «إن» الشرطية، لأن الشرطية تجاب بالفاء، وإمّا لا تقتضى وقوع الفاء بعدها، ولا يجوز ذلك فيها، تقول: إما تزورنى وإما أزورك، ولا يجوز: وإما فأزورك، فبهذين كان قول الأصمعىّ عندى أصوب القولين».
وقوّى رأيه أيضا فيما ذهب إليه من نصب «رئمان» وإنكار رفعه فى قول الشاعر:
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان إذا ما ضنّ باللبن
وقد عرضت لهذا فى الفقرة الأولى من آراء ابن الشجرى الإعرابية.
الجرمىّ صالح بن إسحاق (225هـ)
حكى ابن الشجرى رأيه فى إعراب «دخلت البيت» قال (1): فمذهب سيبويه أن البيت ينتصب بتقدير حذف الخافض أى دخلت إلى البيت وخالفه فى ذلك أبو عمر الجرمى، فزعم أن البيت مفعول به، مثله فى قولك: بنيت البيت.
وتعقّبه فى وزن «كلتا» قال (2): وذهب الجرمىّ إلى أن وزن كلتا: فعتل، وأن التاء على تأنيثها، ويشهد بفساد هذا القول ثلاثة أشياء، أحدها: سكون ما قبلها، والثانى: أن تاء التأنيث لا تزاد حشوا، والثالث: أن مثال فعتل معدوم فى العربية.
وكان ابن الشجرى قد حكى مذهب سيبويه، قال: وذهب سيبويه فى «كلتا» إلى أنها فعلى، كذكرى، وأصلها: كلوى، فحذفوا واوها، وعوّضوا منها التاء، كما فعلوا فى بنت وأخت وهنت.
__________
(1) المجلس الثالث والأربعون.
(2) المجلس الثالث والخمسون.(1/124)
ويقال: ضاء المكان وأضاء، وضاءت النار وأضاءت، غير متعدّيين، وقد استعملوا أضاء متعدّيا، فقالوا: أضاءت النار المكان، قال الشاعر:
حضأت له نارى فأبصر ضوءها ... وما كاد لولا حضأة النار يبصر (1)
دعته بغير اسم هلمّ إلى القرى ... فأسرى يبوع الأرض والنار تزهر
فلمّا أضاءت شخصة قلت مرحبا ... هلمّ وللصّالين بالنار أبشروا
حضأت النار، مهموز، وحضوتها، لغتان: سعرتها.
ويبوع الأرض: يقطعها.
* * * __________
(1) الأبيات من حماسيّة مجهولة القائل. شرح الحماسة للمرزوقى ص 1646، وتخريجها فى متن الحماسة للدكتور عبد الله عسيلان 2/ 301.(3/124)
ابن السّكّيت يعقوب بن إسحاق (244هـ)
نقل عنه ابن الشجرى فى غير مجلس، كثيرا من شروحه اللغوية، ورجّح رأيه فى اشتقاق «القيل». قال (1): فأما قولهم للملك الذى دون الملك الأعظم: قيل، فقال فيه ابن السكيت: القيل: الملك من ملوك حمير، وجمعه أقيال وأقوال، فمن قال: أقيال، بناه على لفظ قيل، ومن قال: أقوال، جمعه على الأصل، وأصله من ذوات الواو، وكان أصله قيّل، فخفف، مثل سيّد، من ساد يسود.
ثم ذكر ابن الشجرى الرأى الآخر، فى اشتقاق «قيل»، وهو أن أصله من اليائى، وقال: إنّ قول ابن السكيت غير بعيد، فيجوز أن يكون أصله فيعل، من القول، فلما خففوه، حمله من قال فى جمعه: أقيال، على لفظه، وحمله من قال:
أقوال، على أصله، كما قالوا من الشّوب: مشوب ومشيب.
المبرّد محمد بن يزيد (285هـ)
ابن الشجرىّ موصول النسب (2) النحوى بأبى العباس المبرّد، وقد نقل ابن الشجرى آراءه، مستشهدا وشارحا وناقدا.
وحكاية ابن الشجرى لأقوال المبرد كثيرة فى «الأمالى»، ولا سبيل إلى إيرادها كلّها، والذى يعنينى ذكر المواضع التى تعقّب فيها ابن الشجرى أبا العباس المبرد، وهذه مثل منها:
1 - فى حديث ابن الشجرى عن «أما»، قال (3): «واعلم أن «أما» لما نزلت منزلة الفعل نصبت، ولكنها لم تنصب المفعول به لضعفها، وإنما نصبت الظرف الصحيح، كقولك: أما اليوم فإنى منطلق، وأما عندك فإنى جالس، وتعلق
__________
(1) المجلس الخامس والأربعون.
(2) راجع ما نقلته عن أبى البركات الأنبارى فى حديث سيبويه.
(3) المجلس السادس والثلاثون، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثامن والسبعين.(1/125)
المجلس الثامن والسبعون ذكر أقسام «إمّا» المكسورة و «أمّا» المفتوحة
فمن معانى المكسورة أنها تكون للشّكّ، كقولك: جاءنى إمّا زيد وإمّا جعفر، فأنت فى هذا القول متيقّن أنه جاءك أحدهما، وغير عالم به أيّهما هو، وكذلك: لقيت إمّا زيدا وإمّا جعفرا.
والثانى: أنها تكون للتخيير، كقولك لمن تخيّره فى مالك: خذ إمّا ثوبا وإمّا دينارا، ومثله قوله تعالى: {إِمََّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمََّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (1)، وقوله:
{إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (2) وقوله: {إِمََّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمََّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ} (3)، / وقوله: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (4) هذا كلّه تخيير، إنما هو هذا أو هذا، وانتصاب «منّا وفداء» على تقدير: فإمّا تمنّون منّا، وإمّا تفادون فداء.
والثالث: أن تكون للإباحة، كقولك: تعلّم إمّا الفقه وإمّا النّحو، فإن
__________
(1) سورة الكهف 86.
(2) سورة التوبة 106، وجاء فى النّسخ الثلاث «فإما» بإقحام الفاء، خطأ. وقد وهمّ ابن هشام ابن الشجرى فى جعله «إما» فى هذه الآية للتخيير. قال الدّمامينىّ: «ولم يبيّن المصنّف وجه الوهم، وكأنه ما تقرّر من أنه لا بدّ من أن يكون حرف التخيير مسبوقا بطلب، وليس هنا طلب. ولابن الشجرىّ أن يمنع اشتراط ذلك، ويقول: المعنى بكونها للتخيير دخولها بين شيئين أو أشياء يكون للمتكلم أو للسامع الخيرة فى فعل ما شاء من الأمرين المذكورين». راجع دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 339. والمغنى ص 60 قلت: ابن الشجرىّ مسبوق فى ذلك بالهروىّ، فهو الذى عدّ الآية الكريمة من التخيير، فإن كان إيراد فعلى الهروىّ، راجع الأزهية ص 149، وابن الشجرىّ كثير الإناخة عليه، كما نبّهت كثيرا.
(3) سورة طه 65. وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 341.
(4) الآية الرابعة من سورة محمد صلّى الله عليه وسلم.(3/125)
بها حرف الظرف، فى نحو قولك: أما فى الدار فزيد نائم، وإنما لم يجز أن يعمل ما بعد الظرف فى الظرف، لأن ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها، وعلى ذلك يحمل قول أبى على: «أمّا على أثر ذلك فإنى جمعت»، ومثله قولك: أما فى زيد فإنى رغبت، ففى متعلقة بأما نفسها فى قول سيبويه وجميع النحويين، إلا أبا العباس المبرد، فإنه زعم أن الجار متعلق برغبت، وهو قول مباين للصحة، خارق للإجماع، لما ذكرته لك من أن «إن» تقطع ما بعدها عن العمل فيما قبلها، فلذلك أجازوا:
زيدا جعفر ضارب، ولم يجيزوا: زيدا إنّ جعفرا ضارب، فإن قلت: أما زيدا فإنى ضارب، فهذه المسألة فاسدة فى قول جميع النحويين، لما ذكرته لك من أن «أما» لا تنصب المفعول الصريح، وأن «إن» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وهو فى مذهب أبى العباس جائز، وفساده واضح».
هذا وقد أفاد السيوطى (1) أن المبرد قد رجع عن رأيه هذا.
2 - حكى ابن الشجرى (2) تضعيف أبى على الفارسى لما ذهب إليه المبرد من أن قوله تعالى: {أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقََاتِلُوكُمْ أَوْ يُقََاتِلُوا قَوْمَهُمْ}
دعاء عليهم، على طريقة {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ} و {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} قال ابن الشجرى: ودفع ذلك أبو على وغيره بقوله تعالى: {أَوْ يُقََاتِلُوا قَوْمَهُمْ}، قالوا:
لا يجوز أن ندعو عليهم بأن تحصر صدورهم عن قتالهم لقومهم، بل نقول: اللهم ألق بأسهم بينهم.
3 - حكى ابن الشجرى (3) أقوال العلماء فى تأويل وإعراب قوله تعالى:
{يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}، ثم قال: وقال أبو العباس محمد بن يزيد:
«يدعو فى موضع الحال، والمعنى: ذلك هو الضلال البعيد فى حال دعائه إياه، وقوله: {لَمَنْ}، مستأنف مرفوع بالابتداء، وقوله: {ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}
صلته، و {لَبِئْسَ الْمَوْلى ََ} خبره».
__________
(1) الهمع 2/ 68، ونقلت عبارته فى حواشى التحقيق.
(2) المجلس الرابع والأربعون، وأعاده فى المجلس الحادى والسبعين.
(3) المجلس الحادى والستون. وانظر أمثلة أخرى لموقف ابن الشجرى من المبرد، شارحا وناقدا، فى المجالس: التاسع عشر، والخامس والخمسين، والسادس والخمسين، والسابع والخمسين.(1/126)
تعلّمهما معا فقد أطاع، وإن تعلّم أحدهما فقد أطاع، فهى فى هذه المعانى الثلاثة بمنزلة «أو» والفرق بينهما أنك إذا قلت: جاءنى إمّا زيد وإمّا جعفر، فقد بنيت كلامك على الشكّ، وإذا قلت: جاءنى زيد أو جعفر، فإنّما اعترضك الشكّ بعد أن مضى صدر كلامك على اليقين (1).
ومن الفرق بينهما أن «إمّا» ليست من حروف العطف، كما زعم بعض (2)
النحويّين، لأنه لا يخلو أن تكون الأولى منهما عاطفة أو الثانية، فلا يجوز أن تكون الثانية عاطفة لأنّ الواو معها، والواو هى الأصل فى العطف، فإن جعلت «إمّا» عاطفة فقد جمعت بين عاطفين، ولا يجوز أن تكون الأولى عاطفة لأنها تقع بين العامل والمعمول، كقولك: خرج إمّا زيد وإمّا بكر، ولقيت إمّا زيدا وإمّا بكرا، فهل عطفت الفاعل على رافعه، أو المفعول على ناصبه؟ فأمّا قوله تعالى: {حَتََّى إِذََا رَأَوْا مََا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذََابَ وَإِمَّا السََّاعَةَ} (3) فانتصاب {الْعَذََابَ} على أنه بدل من قوله: {مََا يُوعَدُونَ} وإنما ذكرها من ذكرها من النّحويّين فى حروف العطف تقريبا لأنها بمعنى «أو» ولأنّ إعراب ما بعد الثانية كإعراب ما قبلها.
وقد أجازوا أن تأتى بها غير مكرّرة، وذلك إذا كان فى الكلام عوض من تكريرها (4)، كقولك: إمّا أن تكلّمنى كلاما جميلا وإلّا فاسكت، المعنى: وإمّا أن تسكت، واستشهدوا بقول المثقّب العبدىّ:
فإمّا أن تكون أخى بصدق ... فأعرف منك غثّي من سمينى (5)
__________
(1) هذا من كلام المبرد فى المقتضب 1/ 11.
(2) هو أبو على الفارسى، كما جاء بحواشى الأصل. وقد صرّح به فى الإيضاح ص 289، والبغداديات ص 319، والمسائل المنثورة ص 186، وكتاب الشعر ص 7، ثم انظر بدائع الفوائد 4/ 201، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 338.
(3) سورة مريم 75، وانظر دراسات 1/ 340.
(4) راجع الأزهية ص 149، والدراسات 1/ 337.
(5) البيتان الأوّلان مقطوع بنسبتهما إلى المثقّب، وهما من مفطوعة فى ديوانه ص 211، 212، وانظر تخريجهما فى صدر القصيدة. أما البيت الثالث فقد اختلف فى نسبته اختلافا كثيرا، وسبق الكلام(3/126)
قال ابن الشجرى: وهذا الذى قاله يستقيم لو كان فى موضع {يَدْعُوا}
يدعى، فيكون تقديره: ذلك هو الضلال البعيد مدعوّا، فيكون حالا من الضلال، فمجيئه بصيغة فعل الفاعل، وليس فيه ضمير عائد على المدعوّ، يبعده عن الصواب.
هذا وقد نسب ابن الشجرى إلى المبرد ما لم يقل به، حين حكى اختلاف النحويين فى إعراب {تُؤْمِنُونَ} و {تُجََاهِدُونَ} من قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ}
قال (1): «فذهب أبو العباس المبرد إلى أن قوله: {تُؤْمِنُونَ} و {تُجََاهِدُونَ}
معناه آمنوا وجاهدوا وقال غير أبى العباس: تؤمنون وتجاهدون، عطف بيان على ما قبله.
وقد ظهر لى أن المبرد لم يذهب هذا المذهب، إنما جعل «تؤمنون» بيانا للتجارة، وهو الوجه الذى عزاه ابن الشجرى لغير المبرد، وظهر لى أيضا أن نسبة الوجه الأول إلى المبرد، قديمة، فقد نسبه إليه أبو جعفر النحاس (2).
ثم رأيت ابن الشجرى ينقل كلاما عن المبرد، لم أجده فى كتابيه المقتضب والكامل. قال ابن الشجرى فى أوجه النداء (3): «وقال أبو العباس المبرد: من قال: يا بؤسا لزيد، جعل النداء بمعنى الدعاء على المذكور، وكذلك قول سعد بن مالك بن ضبيعة:
يابؤس للحرب التى ... وضعت أراهط فاستراحوا
كأنه دعا على الحرب، وأراد يابؤس الحرب، فزاد اللام».
ولم أجد من هذا الكلام كله عند المبرد إلا قوله: «أراد يابؤس الحرب، فأقحم اللام توكيدا، لأنها توجب الإضافة». وهذا وجدته فى الكامل 3/ 217، وقد ذكره ابن الشجرى فى المجلس الرابع والخمسين.
__________
(1) المجلس الثالث والثلاثون.
(2) راجع المقتضب 2/ 82، 135، وإعراب القرآن للنحاس 3/ 423.
(3) المجلس الخامس والثلاثون.(1/127)
وإلّا فاطّرحنى واتّخذنى ... عدوّا أتّقيك وتتّقينى
فلو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين
/ وقال الفرّاء: قد أفردت العرب «إمّا» من غير أن تذكر «إمّا» سابقة، وهى تعنى بها «أو» وأنشد:
تلمّ بدار قد تقادم عهدها ... وإمّا بأموات ألمّ خيالها (1)
أراد: أو بأموات.
واعلم أن «إمّا» لا تقع فى النّهي، لا تقول: لا تضرب إمّا زيدا وإمّا عمرا لأنها تخيير، فكيف تخيّره وأنت قد نهيته عن الفعل، فالكلام إذن مستحيل (2).
ول «إمّا» وجه رابع: وهو أن تكون مركّبة من «إن» الشرطية و «ما» ويلزمها فى أكثر الأمر نون التوكيد، ولا تكون مكرّرة، كما لا يكون حرف الشرط مكرّرا، كقولك: إمّا تنطلقنّ فإنّى أصحبك، وإمّا تخرجنّ أخرج معك، وفى التنزيل: {وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً} (3) وفيه: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} (4)، وفيه: {فَإِمََّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} (5) وقد تطرح نون التوكيد من هذا فى الشّعر، كقول الأعشى:
إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا ... إنّا كذلك ما نحفى وننتعل (6)
__________
عليه فى المجلس التاسع والأربعين. وهذا الخلط مما سبق به الهروىّ، راجع الأزهية ص 150، وتأمّل هناك زيادة النسخة (أ).
(1) للفرزدق. ديوانه ص 618، وينسب لذى الرمة. ملحقات ديوانه ص 1902. وانظر معانى القرآن للفراء 1/ 390، والأزهية ص 151. وزدته تخريجا فى كتاب الشعر ص 85.
(2) الأزهية ص 151، والدراسات 1/ 337.
(3) سورة الأنفال 58، وفى النّسخ الثلاث «فإما» بالفاء، وصواب التلاوة بالواو، ونبّهت عليه فى المجلس الثامن والستين.
(4) سورة مريم 26.
(5) سورة الأنفال 57.
(6) فرغت منه فى المجلس الثامن والسّتّين.(3/127)
وقد وجدت ابن الشجرى يغير على كلام المبرد، دون عزو إليه، فقد قال فى المجلس الأول: «حذف الضمير العائد من الصلة أقيس من حذف العائد من الصفة، لأن الصلة تلزم الموصول، ولا تلزم الصفة الموصوف، فتنزل الموصول والصلة منزلة اسم واحد، فحسن الحذف لما جرت أربعة أشياء مجرى شىء واحد، وهى الموصول والفعل والفاعل والمفعول».
فهذا من كلام المبرد فى المقتضب 1/ 19، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس الأربعين.
ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن الشجرى من شواهد حذف خبر «إن» فى قول الأخطل:
سوى أن حيّا من قريش تفضّلوا ... على الناس أو أن الأكارم نهشلا
ال ابن الشجرى (1): «أراد: أو أن الأكارم نهشلا تفضّلوا على الناس، والبيت آخر القصيدة».
وهذه الجملة الأخيرة من كلام المبرد فى المقتضب أيضا 4/ 131.
ابن كيسان محمد بن أحمد (299هـ)
ردّ عليه ابن الشجرى ما أجازه من تقديم حال المجرور عليه، فقال (2):
«وأما ما تعلق به ابن كيسان من قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ} فإن {كَافَّةً} ليس بحال من {لِلنََّاسِ} كما توهّم، وإنما هو على ما قاله أبو إسحاق الزجاج حال من الكاف فى {أَرْسَلْنََاكَ} والمراد كافّا، وإنما دخلته الهاء للمبالغة، كدخولها فى علّامة ونسّابة وراوية، أى أرسلناك لتكفّ الناس عن الشّرك وارتكاب الكبائر».
__________
(1) المجلس التاسع والثلاثون.
(2) المجلس الحادى والسبعون.(1/128)
وكقوله أيضا:
فإمّا ترينى ولى لمّة ... فإنّ الحوادث أودى بها (1)
واختلفوا فى قوله تعالى: {إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً} (2)
فذهب البصريّون إلى أنها للتخيير، فانتصاب «شاكرا وكفورا» على الحال، قال الزجّاج: هديناه الطريق، إمّا طريق السعادة أو الشّقاوة، وقال غيره: التخيير هاهنا إعلام من الله أنه يختار ما يشاء ويفعل ما يشاء، وليس التخيير للإنسان، وقيل:
هى حال مقدّرة، والمعنى إمّا أن يحدث منه عند فهمه الشكر، فهو علامة السعادة، وإمّا أن يحدث منه الكفر، فهو علامة الشّقاوة (3).
وأجاز الكوفيّون أن تكون / «إمّا» هاهنا هى الشرطية، والفرّاء قطع بأنها هى، فقال: معناه: إنّا هديناه السّبيل، إن شكر وإن كفر (4).
وقال مكيّ بن أبى طالب المغربىّ، فى مشكل إعراب القرآن: أجاز الكوفيّون فى قوله تعالى: {إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً} أن تكون «إمّا» إن الشرطيّة، زيدت عليها «ما» قال: ولا يجوز هذا عند البصريّين لأن «إن» الشرطيّة لا تدخل على الأسماء، إلا أن تضمر بعد «إن» فعلا، وذلك فى نحو:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} (5) أضمر «استجارك» بعد «إن» ودلّ عليه الثانى، فحسن لذلك حذفه، ولا يحسن إضمار فعل بعد «إن» هاهنا لأنه يلزم رفع «شاكر» بذلك الفعل، وأيضا فإنه لا دليل على ذلك الفعل المضمر فى الكلام. انتهى كلامه (6).
__________
(1) وهذا سبق فى المجلس السادس عشر.
(2) سورة الإنسان 3.
(3) معانى القرآن 5/ 257، باختلاف يسير. وراجع الأزهية ص 149، والدراسات 1/ 341.
(4) معانى القرآن 3/ 214.
(5) سورة التوبة 6.
(6) مشكل إعراب القرآن 2/ 435.(3/128)
وقد روى عنه ابن الشجرى حكاية طريفة، تدل على فضله، ونبالته، قال (1): «روى عن أبى الحسن بن كيسان أنه قال: حضرت مجلس إسماعيل القاضى، وحضر أبو العباس المبرد، فقال لى أبو العباس: ما معنى قول سيبويه:
«هذا باب ما يعمل فيه ما قبله وما بعده»! قال: فقلت: هذا باب ذكر فيه سيبويه مسائل مجموعة، منها ما يعمل فيه ما قبله، نحو قولهم: أنت الرجل دينا، نصبوه على الحال، أى أنت الرجل المستحقّ الرجولية فى حال دين، ومنها ما يعمل فيه ما بعده، نحو قولهم: أما زيدا فأنا ضارب، فالعامل فى «زيد» ها هنا «ضارب»، لأن «أما» لا تعمل فى صريح المفعول، ولم يرد سيبويه بقوله هذا أن شيئا واحدا يعمل فيه ما قبله وما بعده، هذا لا يكون. فقال لى أبو العباس: هذا لا يوصل إليه إلا بعد فكر طويل، ولا يفهمه إلا من أتعب نفسه. فقلت له: منك سمعت هذا، وأنت فسّرته لى، فقال: إنى من كثرة فضولى فى جهد.
الزّجّاج إبراهيم بن السّرىّ (311هـ)
حكى عنه ابن الشجرى كثيرا من آرائه (2)، وبخاصة فى إعراب القرآن الكريم، وكتاب الزجاج فيه من الأصول التى اعتمد عليها المعربون واللغويون والمفسّرون. ثمّ رأيت ابن الشجرى يورد كلامه من غير تصريح بنسبته إليه، جاء ذلك فى تفسير قوله تعالى: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} (3).
وقد رجح ابن الشجرى رأى الزّجّاج على رأى أبى على الفارسىّ، فى إعراب {هَنِيئاً} من قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً}، فأبو على يرى أن {هَنِيئاً}
حال وقعت موقع الفعل، بدلا من اللفظ به، كما وقع المصدر فى قولهم: سقيا له ورعيا، بدلا من اللفظ بسقاه الله ورعاه الله، والزجاج يذهب إلى أن {هَنِيئاً} وقع وهو صفة فى موضع المصدر.
__________
(1) المجلس الثامن والسبعون.
(2) راجع المجالس: الثامن والتاسع، والثانى والعشرين، والتاسع والستين.
(3) المجلس الرابع والثلاثون، ويقارن ما أورده ابن الشجرى بما فى معانى القرآن للزجاج 1/ 269.
وانظر أيضا المجلس الحادى والستين.(1/129)
وهذا القول منه ليس بصحيح لأن (1) النحويّين يضمرون بعد «إن» الشرطيّة فعلا يفسّره ما بعده لأنه من لفظه، فيرتفع الاسم بعد «إن» بكونه فاعلا لذلك المضمر، كقولك: إن زيد زارنى أكرمته، تريد: إن زارنى زيد، وكذلك: إن زيد حضر حادثته، تريد: إن حضر زيد، وكقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (2)، {وَإِنِ امْرَأَةٌ خََافَتْ} (3) {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} هذه الأسماء ترتفع بأفعال مقدّرة، وهذه الظاهرة مفسّرة لها، وكما يضمرون بعد حرف الشرط أفعالا ترفع الاسم بأنه فاعل كذلك يضمرون بعده أفعالا تنصب الاسم بأنه مفعول، كقولك:
إن زيدا أكرمته نفعك، تريد: إن أكرمت زيدا، ومنه قول النّمر بن تولب:
لا تجزعى إن منفسا أهلكته ... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى (4)
أراد: إن أهلكت منفسا.
وإذا عرفت هذا فليس يلزم {شََاكِراً} أن يرتفع فى قول من قال إنّ «إمّا» شرطيّة.
وقوله: لا دليل على الفعل المضمر فى الكلام، يعنى / فى قوله: {إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً} قول بعيد من معرفة الإضمار فى مثل هذا الكلام لأنّ المضمر هاهنا فعل تشهد بإضماره القلوب، وهو «كان» وذلك أنّ سيبويه (5) لا يرى إضمار «كان» إلّا فى مثل هذا المكان، كقولك: أنا أزورك إن قريبا وإن بعيدا، تريد: إن كنت قريبا وإن كنت بعيدا، ومن ذلك البيت المشهور، وهو للنّعمان بن المنذر:
__________
(1) حكى ردّ ابن الشجرى ابن هشام فى المغنى ص 60، والزركشى فى البرهان 4/ 246.
(2) الآية الأخيرة من سورة النساء.
(3) سورة النساء 128.
(4) فرغت منه فى المجلس الخامس.
(5) راجع الكتاب 1/ 258.(3/129)
قال ابن الشجرى (1): «وقول الزّجّاج أقيس من قول أبى على، لأنه نصب {هَنِيئاً} نصب المصدر، والمصدر قد استعملته العرب بدلا من الفعل، فى نحو:
سقيا له ورعيا، وجاء {هَنِيئاً} على قول الزجاج مفردا بعد لفظ الجمع فى قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً} لأنه وقع موقع المصدر، والمصدر يقع مفردا فى موضع التثنية وفى موضع الجمع، كقولك: ضربتهما ضربا، وقتلتهم قتلا، لأنه اسم جنس، بمنزلة العسل والبرّ والزيت، فلا يصح تثنيته وجمعه، إلا أن يتنوع».
وقد تعقب ابن الشجرى الزجاج، وأفسد ما ذهب إليه فى تأويل قوله تعالى:
{يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}، وذلك أن ابن الشجرى حكى أقوال العلماء فى توجيه الآية الكريمة، ثم قال (2): «قال الزجاج: ومثل (يدعو) قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر فى لبان الأدهم
أى يقولون: يا عنتر، وهذا القول فى تقدير الزجاج فاسد المعنى، وإنما كان يصح لو كانت اللام لام الجر، فقيل: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاى، وفى التقدير الآخر يصح لو كان تقدير يدعو: يزعم، وهذا غير معروف، وذلك أن الزعم يتعدى إلى مفعولين، ويجوز تعليقه عنهما باللام المفتوحة، كقولك: زعمت لزيد منطلق، والمعنى فى تقدير الزجاج بعيد من الصواب، لأن المعنى فى تقديره:
يقول عابد الوثن: من ضرّه أقرب من نفعه هو مولاى، لا فرق فى المعنى بين إدخال اللام وإسقاطها، وكيف يقر عابد الوثن أن ضر الوثن أقرب إليه من نفعه، وهو يعبده ويزعم أنه مولاه؟ ولم يكن عبّاد الأوثان يزعمون أن عبادتها تضرهم، بل كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيََاءَ مََا نَعْبُدُهُمْ إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ} أى يقولون ما نعبدهم.
السّيرافىّ أبو سعيد الحسن بن عبد الله (368هـ)
نقل عنه ابن الشجرى نقلا عزيزا، لا تكاد تظفر به فى كتاب من كتب
__________
(1) المجلس الخامس والعشرون.
(2) المجلس الحادى والستون.(1/130)
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا ... فما اعتذارك من شىء إذا قيلا (1)
وقول ليلى الأخيليّة:
لا تقربنّ الدّهر آل مطرّف ... إن ظالما فيهم وإن مظلوما (2)
أي إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما، وكذلك التقدير: هديناه السّبيل إن كان شاكرا، وإن كان كفورا، وإضمار الفعل بعد حرف الشرط مخصوص به «إن»، وربّما استعمله الشاعر مع غيرها، كقوله:
صعدة نابتة فى حائر ... أينما الرّيح تميّلها تمل (3)
الصّعدة: القناة التى تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف، وامرأة صعدة:
مستوية القامة، شبّهوها بالقناة.
والحائر: المكان الذى يتحيّر (4) فيه الماء.
ولمكّىّ فى تأليفه مشكل إعراب القرآن، زلّات سأذكر فيما بعد (5) طرفا منها إن شاء الله.
* * * وأمّا «أمّا» المفتوحة فلها ثلاثة مواضع، أحدها: أن تكون لتفصيل ما أجمله المتكلّم واستئناف (6) كلام، كقولك: جاءنى إخوتك، فأمّا زيد فأكرمته، وأمّا خالد فأهنته، وأمّا بكر فأعرضت عنه، قال الله تعالى بعد ذكر السفينة والغلام والجدار:
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الحادى والأربعين.
(2) مثل سابقه.
(3) وهذا تقدّم فى المجلس الموفى الأربعين.
(4) أى يتردّد.
(5) انظر ما يأتي فى ص 164.
(6) عرض ابن الشجرى لهذا فى المجلس السادس والثلاثين.(3/130)
النحو، وذلك أن أبا القاسم الآمدىّ صاحب «الموازنة» استشكل شيئا من معانى «قد» ذكره المبرد فى «المقتضب» فكتب يستفتى أبا سعيد السّيرافىّ.
قال ابن الشجرى (1): «وروى عن أبى أحمد عبد السلام بن الحسين البصرى، أنه قال: كتب إلىّ شيخنا أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدى، رقعة نسختها: أريد قدّمت قبلك أن تسأل القاضى أبا سعيد، أدام الله عزّه، عما أنا ذاكره فى هذه الرقعة، وتتطوّل بتعريفى ما يكون فى الجواب» ثم ذكر ابن الشجرى صورة السؤال والجواب.
وحكى عنه ما اعترض به المبرد، فى تكرير «لا» (2).
وقد تعقب ابن الشجرى أبا سعيد السّيرافى، فى بعض ما ذهب إليه من آراء، قال فى ترخيم «طيلسان» مسمّى به (3): «وأجاز أبو سعيد السّيرافى «ياطيلس» بكسر اللام، على لغة من ضم آخر المرخّم، وإن لم يكن فى الصحيح اسم على فيعل. قال: كما جاز: يا منص، فجىء به على مفع، وليس مثله فى الكلام».
قال ابن الشجرى: وهذا تشبيه فاسد، لأنه شبّه مثالا تامّا بمثال ناقص محذوف اللام، وإنما يشبه التام بالتام، كتشبيه طيلس بحيدر».
وردّ عليه ما أورده فى شرح كتاب سيبويه، من تفسير لعبارة «أكلونى البراغيث» فى كلام طويل، أورده فى المجلسين: العشرين، والحادى والستين.
ونسبه إلى السّهو فيما عرض له من الكلام على قول الشاعر:
* يا صاح يا ذا الضامر العنس *
وقول عبيد:
يا ذا المخوفنا بمقتل شيخه ... حجر تمنى صاحب الأحلام
__________
(1) المجلس الحادى والثلاثون.
(2) المجلس نفسه.
(3) المجلس السادس والخمسون.(1/131)
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ} {وَأَمَّا الْغُلََامُ فَكََانَ أَبَوََاهُ مُؤْمِنَيْنِ} {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} (1).
/ ومن أحكامها أنها لا يليها إلّا الاسم، مرفوعا بالابتداء، أو منصوبا بفعل بعده، غير مشغول عنه، وأنّ الفاء تقع بعدها جوابا لها، لتضمّنها معنى الفعل الشّرطىّ، ولتضمّنها معنى الفعل لم يلاصقها فعل.
فمثال ارتفاع الاسم بعدها قولك: أمّا زيد فعالم، وأمّا بكر فجاهل، التقدير عند النحويين: مهما يكن من شىء فزيد عالم ومهما يكن من شىء فبكر جاهل.
وإذا أوليتها الاسم المنصوب بما بعده قلت مخبرا: أمّا بكرا فأهنت، وأمّا عمرا فأكرمت، وقلت آمرا: أمّا بكرا فحارب، وأمّا عمرا فعاتب، وقلت ناهيا:
أمّا عمرا فلا تحارب، وأمّا بكرا فلا تعاتب، قال الله جلّ اسمه: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ} (2).
فإن شغلت الفعل عن الاسم رفعته فقلت: أمّا زيد فأكرمته، وأما خالد فأهنته، كما جاء فى التنزيل: {وَأَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ} (3) وقد نصب بعض القرّاء «ثمود» بفعل مضمر مفسّر بالفعل الذى بعده، تقديره: وأمّا ثمود فهدينا، وينشدون بيت بشر بن أبى خازم رفعا ونصبا:
فأمّا تميم تميم بن مرّ ... فألفاهم القوم روبى نياما (4)
__________
(1) سورة الكهف 8179.
(2) سورة الضحى 9، 10.
(3) سورة فصلت 17. وقراءة النصب لابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر الثقفى، ورويت عن الحسن أيضا فى إحدى قراءتيه. مختصر فى شواذ القراءات ص 133، والبحر 7/ 491، والإتحاف 2/ 442.
وانظر الكتاب 1/ 81، وفهارسه 5/ 10، ومعانى القرآن للفراء 3/ 14، وللأخفش ص 75، 84، والتبصرة ص 326، وشرح المفصل 2/ 33، وارتشاف الضرب 3/ 109.
(4) ديوانه ص 190، والكتاب 1/ 82، ومعانى القرآن للأخفش ص 85، وأدب الكاتب ص 81، ومجالس ثعلب ص 191، والمحتسب 1/ 191، والتبصرة ص 327، والأزهية ص 155، ومختارات ابن الشجرى ص 275.(3/131)
فقال (1): «قال السّيرافى: ذا فى البيتين للإشارة، وما بعدهما نعت لهما، وهو رفع وإن كان مضافا، لأن الأصل فيه غير الإضافة. أما البيت الأول فتقديره:
ياذا الضامر عنسه، كما تقول: أيها الضامر عنسه، والبيت الثانى تقديره: ياذا المخوف لنا، كما تقول: أيها المخوف لنا».
قال ابن الشجرى: قول أبى سعيد إن الضامر مضاف إلى العنس، صحيح، لأن الضامر غير متعدّ، والاسم الذى بعده فيه ألف ولام، وقوله: إن المخوف مضاف إلى ما بعده، سهو، لأن المخوف متعد، وليس بعده اسم فيه ألف ولام، وأنت لا تقول: المخوف زيد، فالضمير فى قوله: المخوفنا، منصوب لا مجرور.
الفارسّى أبو على الحسن بن أحمد (377هـ)
وأبو على ركن من العلم باذخ، وقد أوى إليه ابن الشجرى كثيرا فى «أماليه»، وطوّف به: مستشهدا وشارحا وناقدا.
وابن الشجرى موصول النسب النحوى بأبى (2) على، ويبدو إجلاله له واحتفاله بمصنفاته فى هذا الحشد الهائل من النقول التى حكاها عنه ابن الشجرى، وملأ بها كتابه، ثم فى تصدّيه لشراحه، وردّه كتبه بعضها إلى بعض، وأظن ظنا أن قدرا كبيرا من الآراء التى ساقها ابن الشجرى غير معزوة، إنما ترجع إلى مصنفات أبى على (3)، فقد رأيت ابن الشجرى كثير الإعظام له والتعويل عليه، ثم ظهر لى فى تحقيق الجزء الأول من الأمالى ثمانية مواضع، أورد فيها ابن الشجرى آراء لأبى على، لم يعزها إليه، وساقها كأنها من عند نفسه (4)، ولا سبيل إلى ذكر كل المواضع التى
__________
(1) المجلس الخامس والسبعون.
(2) راجع كلامى عن سيبويه.
(3) هذا ما قلته منذ إحدى عشرة سنة عند إعداد هذه الرسالة. وقد رأيت تصديقه، حين اتصلت بأبى علىّ، وخبرت منهجه، فى أثناء تحقيقى لكتابه (الشعر) وذكرت ذلك فى مقدمة تحقيقى له ص 9290.
(4) انظرها فى المجالس: الرابع والحادى عشر، والثانى والعشرين والسابع والعشرين، والحادى والثلاثين والخامس والثلاثين والسابع والثلاثين (مرتين).
وانظر «أبو على الفارسى» ص 650وما بعدها.(1/132)
الرّوبى: الذين استثقلوا نوما، الواحد روبان، وقال بعد هذا:
وأمّا بنو عامر بالنّسار ... غداة لقوا القوم كانوا نعاما (1)
حذف الفاء من جواب «أمّا» ولا يجوز حذفها فى حال السّعة إلّا أنها قد جاءت محذوفة فى القرآن مع جملة القول، فكان حذفها أحسن من إثباتها لكثرة حذف القول، وذلك فى قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} (2) أى فيقال لهم: أكفرتم؟ ومثل بيت بشر فى حذفها قول الآخر:
فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا فى عراض المواكب (3)
والثانى من مواضع «أمّا» أن تكون أخذا فى كلام مستأنف من غير أن يتقدّمها كلام، وعلى هذا يرد ما يأتى فى أوائل الكتب، كقولك: أمّا بعد كذا، فإنّى / فعلت، وأمّا على أثر (4) ذلك فإنّى صنعت، واستفتح أبو عليّ كتابه الذى سماه الإيضاح بقوله: «أمّا على إثر ذلك فإنّى جمعت».
فالعامل فى الظرف الذى هو «على» عند سيبويه وجميع النحويين «أمّا» لأنّها لنيابتها عن الفعل تعمل فى الظّروف خاصّة، فعلى هذا تقول: أمّا اليوم فإنى خارج، فتعمل «أمّا» فى «اليوم» ولا تعمل فيه «خارجا» لأنّ «إنّ» تقطع ما بعدها عن العمل فيما قبلها فإن قلت: أمّا اليوم فأنا خارج، جاز أن تعمل فى اليوم «أمّا» وجاز أن تعمل «خارجا»، فإن قلت: أمّا زيدا فأنا ضارب، لم يعمل فى «زيد» إلّا ضارب لأنّ «أمّا» لا تعمل فى المفعول الصريح، وإن قلت: أمّا زيدا فإنّى ضارب، فهذه غير جائزة عند جميع النحويّين إلا أبا العبّاس المبرّد، فإنه أجاز
__________
(1) سبق هذا فى المجلس السادس والثلاثين.
(2) سورة آل عمران 106.
(3) فرغت منه فى المجلس المذكور.
(4) يقال: جئت فى أثره، بفتحتين، وإثره، بكسر الهمزة والسّكون كلّ ذلك صواب أى تبعته عن قرب.(3/132)
أفاد فيها ابن الشجرى من أبى على، فهى إلى الكثرة ما هى. وحسبى أن أذكر أمثلة من شرح ابن الشجرى له، واستدراكه عليه، ومخالفته عن آرائه:
1 - حكى ابن الشجرى عن أبى على قوله فى باب تخفيف الهمزة:
«ولا تخفّف الهمزة إلا فى موضع يجوز أن يقع فيه ساكن غير مدغم، إلا أن يكون الساكن الذى بعده الهمزة المخففة الألف، نحو هباءة».
قال ابن الشجرى (1): قلت: «قد ألغز فى كلامه هذا، وما وجدت لأحد من مفسّرى (2) كتابه الذى وسمه بالإيضاح، تفسير هذا الكلام» ثم أورد كلاما طويلا فى شرح قول أبى على المذكور.
2 - نقل ابن الشجرى أقوال النحاة فى تفسير «عمرك الله» ثم ساق تأويل أبى على، وعرض له بالشرح، قائلا (3): «ويجب أن ترعى قلبك ما أقوله فى تفسير قول أبى على». وهذه العبارة تؤذن بأن هذا الشّرح ممّا ظهر لابن الشجرىّ، من دون سائر الشّرّاح.
3 - تكلّم ابن الشجرى على قولهم: «ويلمّه» وحذف إحدى اللامين منه، إذ كان الأصل: ويل لأمه. ثم حكى كلام أبى على، وأورد عليه شرحا جيدا، خلص منه إلى مسائل من الإدغام (4).
4 - حكى ابن الشجرى الخلاف الشهير فى وزن «أشياء» والمحذوف منها، ونقل كلام أبى على، ثم عرض له بالشرح والبيان (5).
5 - استفتح ابن الشجرى المجلس الخمسين بذكر الحذف من قولهم:
«فوك وذو مال» ثم قال: «ولأبى على كلام فى «فىّ» أورده فى تكملة الإيضاح، وهو مفتقر إلى كلام يبرزه وتفسير يوضحه» ثم حكى كلامه، وشرحه.
__________
(1) المجلس التاسع والثلاثون.
(2) أنظر أيضا مثالا لتعقب ابن الشجرى شراح أبى على، فى المجلس السابع والثلاثين.
(3) المجلس الثانى والأربعون.
(4) المجلس السادس والأربعون.
(5) المجلس الثامن والأربعون.(1/133)
نصب «زيد» بضارب (1)، وممّا أنشده سيبويه قول ابن ميّادة، ولقبه الرّمّاح:
ألا ليت شعرى هل إلى أمّ معمر ... سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا (2)
ويروى «إلى أمّ جحدر»، فالصبر مبتدأ، والجملة من لا واسمها وخبرها خبر عنه، وخبر «لا» محذوف، أراد: فلا صبر لى، ولا عائد من الجملة على المبتدأ الذى هو «الصبر» لدخوله تحت «الصبر» الثانى، من حيث كان عامّا مستغرقا للجنس، كما دخل «القتال» الأول تحت الثانى فى قوله:
فأمّا القتال لا قتال لديكم
وكما دخل «زيد» تحت «الرجل» فى قولهم: زيد نعم الرّجل.
واعترض بيت ابن ميّادة، وقد كنت ذكرته فيما تقدّم من الأمالى، جويهل (3)، فزعم أنّ قافيته مرفوعة، وإنما صغّرته بقولى: جويهل لأنه شويّب (4) / استولى الجهل عليه (5)، فعدا طوره، وجاوز حدّه، مع حقارة علمه، ورداءة فهمه.
وهذا البيت من مقطوعة منصوبة القوافى، وكذلك أورده سيبويه، وقد أوردتها لتعرفها:
ألا ليت شعرى هل إلى أمّ معمر ... سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا (6)
فأعجب دار دارها غير أنّنى ... إذا ما أتيت الدار فارقتها صفرا
__________
(1) علّقت عليه فى آخر المجلس السادس والثلاثين.
(2) فرغت منه فى المجلس المذكور.
(3) جاء بهامش الأصل أنه ابن الخشاب. وقد ذكرت أسباب عداوة ابن الشجرىّ لابن الخشاب، فيما سبق من الدراسة ص 195.
(4) فى ط، د «شبيّب».
(5) فى ط، د: على عقله.
(6) ديوانه ص 135133، بغير هذا الترتيب، ومع بعض اختلاف فى الرواية.(3/133)
6 - صحّح ابن الشجرى خطأ لأبى على، أورده فى كتابه «العوامل»، فقد استشهد أبو علىّ على استعمال الظن بمعنى التهمة، فقال: «وعلى هذا قوله:
أو ظنين فى ولاء».
قال ابن الشجرى (1): «والصواب: «أو ظنينا» هكذا هو منصوب، عطف على مستثنى موجب، فى رسالة عمر رضوان الله عليه، إلى أبى موسى، وذلك قوله: «المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلودا فى حدّ، أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا فى ولاء أو نسب».
والأمر على ما قال ابن الشجرى فى الكامل للمبرد 1/ 13، وهو من أوثق المصادر التى ذكرت هذه الرسالة.
7 - خالف ابن الشجرى أبا على، فى إعراب «خضبن» من قول النابغة الجعدى (2):
كانّ حواميه مدبرا ... خضبن وإن كان لم يخضب
حجارة غيل برضراضة ... كسين طلاء من الطّحلب
فقوله: «خضبن» عند أبى على، فى موضع نصب بأنه حال من «الحوامى» والعامل فيه ما فى «كأن» من معنى الفعل، ولم يجعل أبو على «خضبن» خبر «كأن» لأنه جعل خبرها قوله: «حجارة غيل»، ولم يجز أن يكونا خبرين لكأن، على حدّ قولهم: هذا حلو حامض، أى قد جمع الطعمين، قال: لأنك لا تجد فيما أخبروا عنه بخبرين أن يكون أحدهما مفردا، والآخر جملة، لا تقول: زيد خرج عاقل.
قال ابن الشجرى: «والقول عندى أن يكون موضع» خضبن» رفعا بأنه خبر «كأن» وقوله: «حجارة غيل» خبر مبتدأ محذوف، أى هى حجارة غيل، وأداة التشبيه محذوفة ومثله فى حذف حرف التشبيه فى التنزيل: {وَأَزْوََاجُهُ أُمَّهََاتُهُمْ}، أى مثل أمهاتهم فى تحريمهن عليهم والتزامهم تعظيمهن».
__________
(1) المجلس الثالث والعشرون.
(2) المجلس الرابع والعشرون.(1/134)
عشيّة أثنى بالرّداء على الحشا ... كأنّ الحشا من دونه أشعرت جمرا
وإنّى لأستنشى (1) الحديث من اجلها ... لأسمع عنها وهى نازحة ذكرا
وإنّى لأستحيي من الله أن أرى ... إذا غدر الخلّان أنوى لها غدرا
قوله: «فارقتها صفرا» أى خاليا ممّا أشتهيه، يقال: صفر المنزل وغيره: إذا خلا، ويقولون فى الدعاء على الرجل: ما له؟ صفر إناؤه! أى ماتت ماشيته.
والحشا: واحدة أحشاء الجوف، وهى نواحيه.
وقوله: «أشعرت (2) جمرا» أى صار لها الجمر كالشّعار، وهو الثوب الذى يلى الجسد.
والثالث: من مواضع «أمّا» استعمالها مركّبة من «أن وما» فى قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت معك، وهى من مسائل سيبويه، وقد ذكرتها فى موضعين (3)، وأصلها: أن كنت منطلقا، فحذفوا «كان» وعوّضوا منها «ما» وأدغموا نون «أن» فى ميم «ما» ووضعوا «أنت» في موضع التاء، وأعملوا «كان» محذوفة، وموضع «أن» مع صلتها نصب لأنه مفعول له، والتقدير: لأجل أن كنت منطلقا انطلقت معك، وعلى هذا أنشد سيبويه:
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر ... فإنّ قومى لم تأكلهم الضّبع (4)
قال سيبويه: إن أظهرت الفعل كسرت، فقلت: إن كنت منطلقا انطلقت معك. انتهى الكلام فى «أمّا».
__________
(1) فى النسخ الثلاث «لأستثنى». وأثبتّ رواية الديوان. وأستنشى الحديث: أتعرّفه وأبحث عنه.
الأغانى 2/ 276.
(2) رواية الديوان: «أسعرت» بالسين المهملة.
(3) فى المجلسين: الخامس، والثانى والأربعين.
(4) سبق فى المجلسين المذكورين. وانظر الأزهية ص 156.(3/134)
قلت: وإعراب ابن الشجرى أولى من إعراب أبى على، لأن إعراب هذا يؤول إلى التطويل بذكر الخبر، وذكر حالين متواليين قبل استيفاء الخبر.
8 - ذكر أبو على أقوالا فى «مخضّب» من قول الأعشى (1):
أرى رجلا منكم أسيفا كأنما ... يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا
ومن هذه الأقوال أن يكون صفة لرجل، لأنك تقول: رجل مخضوب، إذا خضبت يده، كما تقول: مقطوع، إذا قطعت يده، فتقول على هذا: رجل مخضب، إذا أخضبت يده، قال: وإن شئت جعلته حالا من الضمير المرفوع فى «يضم» أو المجرور فى قوله: «كشحيه»، لأنهما فى المعنى لرجل المذكور.
قال ابن الشجرى: وأقول: إنك إذا جعلته حالا من المضمر فى «يضم» كان أمثل من أن تجعله حالا من المضاف إليه، إلا أن ذلك جاز لالتباس الكشحين بما أضيفتا إليه، وأما إجازته أن يكون وصفا لرجل، ففاسد فى المعنى، وهو محمول على ترك إنعام نظره فيه، لأنك إذا فعلت ذلك، أخرجته من حيز التشبيه والمجاز، فصار وصفا حقيقيا، والشاعر لم يرد ذلك، لأن الرجل الذى عناه لم يكن مخضبا على الحقيقة، وإنما شبهه بمن قطعت يده، وضمها إليه مخضبة بالدم.
هذا كلام ابن الشجرى، وهو يرجع إلى رأيه فى أن التوجيه الإعرابى مرتبط بصحة المعنى وسلامته، كما ذكرت من قبل فى الظاهرة الإعرابية عند ابن الشجرى.
9 - ذكر ابن الشجرى فى قول أبى الصلت:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... فى رأس غمدان دارا منك محلالا
قال (2): وأما قوله: «دارا» فحال من «رأس غمدان»، وأجاز أبو على أن يكون حالا من «غمدان». قال: لأن الحال قد جاءت من المضاف إليه، نحو ما أنشده أبو زيد:
عوذ وبهثة حاشدون عليهم ... حلق الحديد مضاعفا يتلهّب
__________
(1) المجلس الرابع والعشرون.
(2) المجلس الخامس والعشرون، وأيضا المجلس السادس والسبعون.(1/135)
/ معنى الضبّع، فى قوله: «لم تأكلهم الضبّع» السّنة المجدبة، وروى أنّ رجلا جاء إلى النبىّ عليه السلام، فقال: «يا رسول الله، أكلتنا الضبّع (1)» يريد السّنة.
* * * روى عن أبى الحسن بن كيسان أنه قال: حضرت مجلس إسماعيل القاضى (2)، وحضر أبو العباس المبرّد، فقال لى أبو العباس: ما معنى قول سيبويه: «هذا باب ما يعمل فيه ما قبله وما بعده (3)» قال: فقلت: هذا باب ذكر فيه سيبويه مسائل مجموعة، منها ما يعمل فيه ما قبله، نحو قولهم: «أنت الرجل دينا، نصبوه على الحال، أى أنت الرجل المستحقّ الرّجوليّة فى حال دين، ومنها ما يعمل فيه ما بعده نحو قولهم: أمّا زيدا فأنا ضارب، فالعامل فى «زيد» هاهنا «ضارب» لأن «أمّا» لا تعمل فى صريح المفعول. ولم يرد سيبويه بقوله هذا أنّ شيئا واحدا يعمل فيه ما قبله وما بعده، هذا لا يكون. فقال لى أبو العباس: هذا لا يوصل إليه إلّا بعد فكر طويل، ولا يفهمه إلّا من أتعب نفسه، فقلت له: منك سمعت هذا، وأنت فسّرته لى، فقال: إنّى من كثرة فضولى فى جهد.
* * * __________
(1) أخرجه أحمد فى المسند 5/ 117، 153، 154، 178، 368، وفى الموضع الأول أن الرجل جاء إلى عمر، رضى الله عنه. والهيثمىّ فى مجمع الزوائد (باب استعمال الذهب. من كتاب اللباس) 5/ 150.
(2) إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم. أبو إسحاق الأزدى القاضى. كان إماما فى العربية. كان المبرد يقول عنه: «القاضى أعلم منى بالتصريف». ولد سنة 200، وتوفى سنة 282، تاريخ بغداد 6/ 284، والبغية 1/ 443.
(3) لم أجده فى الكتاب بهذا العنوان. والذى وجدته فى صفحة 384من الجزء الأول (هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار فيه المذكور) وقد ذكر فيه عبارة «وعمل فيه ما قبله وما بعده»، ثم عولجت فيه المسألتان اللتان ذكرهما ابن كيسان: أنت الرجل دينا. وأمّا زيدا فأنا ضارب، مع بعض اختلاف فى العبارة.(3/135)
قال ابن الشجرى: وليس فى هذا البيت شاهد قاطع بأن «مضاعفا» حال من «الحديد» بل الوجه أن يكون حالا من «الحلق» لأمرين: أحدهما ضعف مجىء الحال من المضاف إليه (1)، والآخر أن وصف الحلق بالمضاف أشبه من وصف الحديد به، كما قال أبو الطيب:
أقبلت تبسم والجياد عوابس ... يخببن فى الحلق المضاعف والقنا
ويتوجه ضعف ما قاله من جهة أخرى، وذلك أنه لا عامل له فى هذه الحال، إذا كانت من «الحديد» إلا ما قدره فى الكلام من معنى الفعل بالإضافة، وذلك قوله: «ألا ترى أنه لا تخلو الإضافة من أن تكون بمعنى اللام أو من».
قال ابن الشجرى: وأقول إن «مضاعفا» فى الحقيقة إنما هو حال من الذكر المستكن فى «عليهم» إن رفعت «الحلق» بالابتداء، وإن رفعته بالظرف، على قول الأخفش والكوفيين، فالحال منه، لأن الظرف حينئذ يخلو من ذكر.
10 - خالف ابن الشجرى أبا على فى تقدير الجواب من قوله تعالى (2):
{وَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ * فَسَلََامٌ لَكَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ} فأبو علىّ يرى أن الفاء جواب «إن»، وابن الشجرى يذهب إلى أن الفاء جواب «أمّا». ولم يصرح ابن الشجرى بهذه المخالفة، وإنما ظهرت لى من كلام أبى حيان (3).
11 - استبعد ابن الشجرىّ ما ذهب إليه أبو على فى تأويل قوله تعالى:
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}.
قال (4): «قال أبو على فى كتابه الذى سماه «التذكرة»: «قيل لنا: علام عطف قول الله سبحانه تعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ} من قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}؟ فقلنا: المعنى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله
__________
(1) راجع الفقرة الثانية من آراء ابن الشجرى النحوية.
(2) المجلس الثانى والأربعون. وانظر أيضا المجلس الحادى والثلاثين، وكتاب الشعر لأبى على ص 64.
(3) البحر المحيط 8/ 216، وانظر المقتضب 2/ 70، وحواشيه.
(4) المجلس السادس والسبعون، وانظر أيضا المجلس الثالث والعشرين.(1/136)
كان الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد منحرفا عن المتنبىّ لأنه طلب منه أن يمدحه فأبى، فأظهر لشعره معايب (1)، ونسبه إلى أنّ معانيه مسترقة، ثم عمد بعد هذا إلى استراق معنى منه بلفظه ووزنه وقافيته، وهو قوله:
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملى علىّ وأكتب (2)
فقال الصاحب فى وصف قصيدة مدح بها سيف الدّولة:
وما هذه إلّا وليدة ليلة ... يغور لها شعر الوليد وينضب (3)
على أنها إملاء مجدك ليس لى ... سوى أنّه يملى عليّ وأكتب
أراد بالوليد: أبا عبادة البحترىّ.
* * * / قول أبى الطيّب (4).
نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنّئت الدّنيا بأنّك خالد
__________
(1) وهو ما جمعه فى رسالته: الكشف عن مساوئ المتنبى، وآخر طبعاتها تلك التى صدرت عن دار المعارف بمصر مع الإبانة عن سرقات المتنبى للعميدىّ.
(2) ديوانه 1/ 181.
(3) لم أجدهما فى ديوان الصاحب بن عباد، الذى نشره الشيخ محمد حسن آل ياسين ببغداد، ولا فى الفصل الذى ذكره الثعالبى فى ترجمته من اليتيمة 3/ 279، باسم «نبذ من ذكر سرقاته» ولا فى الفصل الذى ذكره فى ترجمة المتنبى 1/ 144، باسم «أنموذج لسرقات الشعراء منه».
والبيتان أوردهما شارح ديوان المتنبى الموضع السابق عن ابن الشجرى، وإن لم يصرّح.
(4) ديوانه 1/ 277، وما ذكره ابن الشجرى من تفسير للبيت هو من كلام الواحدى فى شرحه ص 466. وسيعيد ابن الشجرى إنشاده فى المجلس الأخير. والبلاغيون يستشهدون ببيت المتنبى هذا على لون من البديع يسمونه «الاستتباع» وهو المدح بشىء يستتبع المدح بشىء على وجه آخر فإنه وصفه بالشجاعة على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا، حيث جعلها مهنأة بخلوده. ويسميه أبو هلال «المضاعفة» الصناعتين ص 424، وانظر سر الفصاحة ص 147، وشرح الكافية البديعية ص 289، ومعاهد التنصيص 3/ 132، وأنوار الربيع 6/ 148.(3/136)
فقوله: {وَاتَّقُوا اللََّهَ} عطف على قوله: فاكرهوا، وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، كقوله: {اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} أى فضرب فانفجرت، وقوله:
{فَكَرِهْتُمُوهُ} كلام مستأنف، وإنما دخلت الفاء، لما فى الكلام من معنى الجواب، لأن قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} كأنهم قالوا فى جوابه:
لا، فقال: {فَكَرِهْتُمُوهُ}، أى فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، فهو جواب لما يدلّ عليه الكلام، من قولهم: «لا»، فالفاء ها هنا بمنزلتها فى الجزاء، والمعنى على:
فكما كرهتموه، وإن لم تكن «كما» مذكورة، كما أن قولهم: ما تأتينى فتحدثنى، المعنى: ما تأتينى فكيف تحدثنى، وإن لم تكن «كيف» مذكورة، وإنما هى مقدرة».
قال ابن الشجرى: والقول عندى أن الذى قدّره أبو على ها هنا بعيد، لأنه قدّر المحذوف موصولا، وهو «ما» المصدرية، وحذف الموصول وإبقاء صلته ردىء ضعيف، ولو قدر المحذوف مبتدأ، كان جيدا، لأن حذف المبتدأ كثير فى القرآن والتقدير عندى: فهذا كرهتموه، والجملة المقدرة المحذوفة مبتدئية، لا أمرية، كما قدّرها، فكأنه قيل: فهذا كرهتموه، والغيبة مثله، وإنما قدّرها أمريّة ليعطف عليها الجملة الأمرية، التى هى: {وَاتَّقُوا اللََّهَ}، ولا حاجة بالكلام إلى تقدير جملة أمرية لتعطف عليها الجملة الأمرية، لأن قوله: {وَاتَّقُوا اللََّهَ} عطف على الجملة النهيية التى هى قوله: {وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}، وعطف الجملة على جملة مذكورة أولى من عطفها على جملة مقدرة، والإشارة فى المبتدأ الذى قدرته، وهو «هذا» موجهة إلى الأكل الذى وصفه الله، كأنه لما قدّر أنهم قالوا: لا، فى جواب قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} قيل: فهذا كرهتموه، أى: فأكل لحم الأخ الميت كرهتموه، والغيبة مثله. فتأمل ما ذكرته تجده أصوب الكلامين.
وقد ذكر أبو على هذه المسألة فى «الحجة» أيضا». انتهى كلام ابن الشجرى، وقد حكاه الزركشىّ (1). ثم حكى ابن هشام كلا التقديرين وقال (2):
«وبعد فعندى أن ابن الشجرى لم يتأمل كلام الفارسىّ، فإنه قال: «كأنهم قالوا فى الجواب: «لا» فقيل لهم: فكرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله، فاتقوا عطف على
__________
(1) البرهان 3/ 196.
(2) المغنى ص 181.(1/137)
هذا من أحسن ما مدح به ملك، وهو مدح موجّه، أى ذو وجهين، كالثوب الموجّه، وذلك أنه مدحه فى النّصف الأول بالشجاعة وبالقدرة على نهب الأعمار، وفى النصف الثانى، بأنه لو عاش مقدار ما نهبه من الأعمار كانت الدنيا مهنّأة ببقائه، ولو قال: لبقيت خالدا، لم يكن المدح موجّها.
قال عليّ بن عيسى الرّبعىّ: المدح فى هذا البيت من وجوه، أحدها: أنه وصفه بنهب النّفوس دون الأموال.
والثانى: أنه كثّر قتلاه، بحيث لوورث أعمارهم خلد فى الدنيا.
والثالث: أنه جعل خلوده صلاحا لأهل الدنيا، بقوله:
لهنّئت الدّنيا بأنك خالد
والرابع: أنّ جميع مقتوليه لم يكن ظالما فى قتلهم لأنّه لم يقصد بذلك إلّا صلاح الدّنيا وأهلها، فهم مسرورون ببقائه، فلذلك. قال:
لهنّئت الدنيا بأنّك خالد
أى هنّىء أهل الدنيا.
* * * أوّل من ذكر الطير التى تتبع الجيش لتصيب من لحوم القتلى، الأفوه الأودىّ فى قوله (1):
وترى الطير على آثارنا ... رأي عين ثقة أن ستمار
__________
(1) ديوانه ص 13 (الطرائف الأديبة)، والوساطة ص 274، والموازنة 1/ 62، وحواشيها، والصناعتين ص 225، والحماسة البصرية 1/ 172، ومعاهد التنصيص 4/ 95، والخزانة 4/ 289.(3/137)
فاكرهوا، وإن لم يذكر، كما فى: {اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ}، والمعنى:
فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، وإن لم تكن «كما» مذكورة، كما أن «ما تأتينا فتحدثنا» معناه: فكيف تحدثنا؟ وإن لم تكن «كيف» مذكورة اه. وهذا يقتضى أن «كما» ليست محذوفة، بل إن المعنى يعطيها، فهو تفسير معنى، لا تفسير إعراب.
الرّمّانى علىّ بن عيسى (384هـ)
نقل عنه ابن الشجرى (1) أن اللام فى قوله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُضِيعَ إِيمََانَكُمْ} لام الجحد، وأن الفعل بعدها منصوب بإضمار «أن»، ولا تظهر «أن» هذه بعد اللام.
وتعقّبه فى تقدير المحذوف من قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} فقال بعد أن حكى تقدير الكسائى والفراء والمبرد (2): وقال علىّ بن عيسى الرمانى: إن التقديرين (3) فى قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} واقعان موقعهما، لأن البيان لا يكون طريقا إلى الضلال، فمن حذف «لا» فحذفها للدلالة عليها، كما حذفت للدلالة عليها من جواب القسم فى نحو: والله أقوم، أى لا أقوم، إلا أن أبا العباس حمل الحذف على الأكثر، لأن حذف المضاف لإقامة المضاف إليه مقامه أكثر من حذف لا.
قال ابن الشجرى: وأقول: ليس يجرى حذف «لا» فى نحو: {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} مجرى حذفها من جواب القسم، لأن الدلالة عليها إذا حذفت من جواب القسم قائمة، لأنك إذا قلت: والله أقوم، لو لم ترد «لا» لجئت باللام والنون، فقلت: لأقومنّ.
وحكى تأويله (4) لموضع الكاف من قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} ثم
__________
(1) المجلس الرابع والأربعون.
(2) المجلس التاسع والسبعون.
(3) التقدير الأول: لئلا تضلوا، والثانى: كراهة أن تضلوا.
(4) المجلس الثمانون.(1/138)
ثم النابغة الذّبيانىّ فى قوله (1):
إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم ... عصائب طير تهتدى بعصائب
لهنّ عليهم عادة قد عرفنها ... إذا عرّضوا الخطّىّ فوق الكواثب
الكاثبة: ما ارتفع من منسج الفرس، والمنسج أمام القربوس (2).
ثم حميد بن ثور، فى وصف الذّئب:
إذا ما عدا يوما رأيت غياية ... من الطّير ينظرن الذى هو صانع (3)
/ أصل الغياية: الظّلمة والغبرة، واستعارها للطير المصطفّة فى الجوّ، لأنها تغطّى عين الشمس.
ثم أبو نواس يمدح العبّاس بن عبد الله بن جعفر بن المنصور:
تتأيّا الطير غدوته ... ثقة بالشّبع من جزره (4)
تأيّيت: تمكّثت، أى تنتظر الطير غدوته للحرب.
والجزر: الشاء المذبوحة، واحدتها جزرة، شبّه بها القتلى.
ثم مسلم بن الوليد الأنصاريّ، يمدح يزيد بن مزيد الشّيبانىّ، فى قوله (5):
قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يصحبنه فى كلّ مرتحل
__________
(1) ديوانه ص 57، 58، ودلائل الإعجاز ص 501، والمثل السائر 3/ 281، والمعاهد 4/ 97، والوساطة، والموازنة، والخزانة.
(2) هو حنو السّرج، وهما قربوسان، والخطّىّ: الرّماح، منسوبة إلى الخطّ، جزيرة معروفة.
(3) ديوانه ص 106، والتخريج فيه، وزد عليه الموازنة 1/ 63، وما فى حواشيها.
(4) ديوانه ص 69، والصناعتين ص 226، والموازنة، وحواشيها، ودلائل الإعجاز ص 501، والمثل السائر 3/ 282.
(5) ديوانه ص 12، والموازنة 1/ 62، وما أورده محققها رحمه الله فى حواشيها. والمثل السائر.(3/138)
ذكر أن كلام الرمانى فى الآية الكريمة كلام من نظر فى كتاب الفراء.
هذا وقد حكى ابن الشجرىّ رأى الرمانىّ فى زيادة الباء فى {كَفى ََ بِاللََّهِ} ولم ينسبه إليه، ونبّه على هذا البغدادىّ فى شرح أبيات المغنى (1).
ابن جنّى أبو الفتح عثمان بن جنى (392هـ)
وأبو الفتح من عرفت نفاذ بصيرة ولطافة حسّ فتح للعربية آفاقا رحبة، وكشف عن جوانب فذّة منها، أضاءت الطريق للباحثين والدارسين، قديما وحديثا.
ولابن الشجرى خصوصية بابن جنى، فقد شرح كتابيه: التصريف الملوكى، واللمع، وقد أفاد ابن الشجرى من ابن جنى، ووقف منه موقفه من أعلام العربية: ناقلا وشارحا وناقدا. ولا سبيل إلى ذكر كلّ المواضع التى نقل فيها ابن الشجرى عن ابن جنى، فقد امتلأ كتاب الأمالى بأقوال ابن جنى، وكان أبو الفتح أوّل علم يحكى عنه ابن الشجرى فى المجلس الأول من الأمالى. ولكن الذى يعنينى هو تلك المواطن التى ذكر فيها ابن الشجرى آراء ابن جنى دون أن يعزوها إليه، أو تلك الآراء التى ساقها ابن الشجرى غير منسوبة، ورأيت فيها مشابه من كلام ابن جنى، وكذلك الآراء التى نصره أو تعقّبه فيها. فمن ذلك:
1 - ذكر ابن الشجرى فى قول عدىّ بن زيد:
لم أر مثل الأقوام فى غبن الأيام ينسون ما عواقبها.
قال (2): وقوله: «ما عواقبها» ما استفهامية، و «ينسون» معلّق، كما علّق نقيضه وهو يعلمون، فالتقدير: ينسون أىّ شىء عواقبها.
وقد ذكرت فى تحقيقى أن هذا من كلام ابن جنى فى كتابه المحتسب.
__________
(1) 2/ 347، 348، وأمالى ابن الشجرى، المجلس الموفى الثلاثين.
(2) المجلس الحادى عشر.(1/139)
ثم أبو تمّام حبيب بن أوس، فى قوله (1):
وقد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير فى الدّماء نواهل
أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها ... من الجيش إلّا أنها لم تقاتل
زعم قوم من نقّاد الشّعر (2) أن أبا تمّام زاد عليهم بقوله: «إلا أنها لم تقاتل» وأحسن من هذه الزيادة عندى (3) قوله: «فى الدماء نواهل»، وقوله: «أقامت مع الرايات»، وبذلك يتمّ حسن قوله: «إلّا أنها لم تقاتل» على أنّ الأفوه قد فضل الجماعة بأمور، منها: السّبق، وهى الفضيلة العظمى.
والثانى: أنه قال: «رأي عين» فخبّر عن قربها، لأنّها إذا بعدت تخيّلت تخيّلا، وإنما يكون قربها توقّعا لما تصيبه من القتلى، وهذا يؤكّد المعنى.
والثالث: أنه قال: «ثقة أن ستمار» فجعلها واثقة بالميرة، ولم يجمع هذه الأوصاف غيره.
وأما أبو نواس، فإنّه نقل اللّفظة فى قوله: «ثقة بالشّبع»، ولم يزد فيفضّل، وكذلك مسلم أخذ قوله: «قد عوّد الطّير عادات» من قول النابغة:
لهنّ عليهم عادة قد عرفتها
وأخذ قوله: «وثقن بها» من قول الأفوه: «ثقة أن ستمار».
وقال المتنبّى (4):
سحاب من العقبان يزحف تحته ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه
__________
(1) ديوانه 3/ 82، وأخبار أبى تمام ص 164، وفيه شعر الأفوه والنابغة وأبى نواس ومسلم.
والموازنة 1/ 62، 3/ 337، والمراجع التى بحواشيها.
(2) منهم الصولى فى أخبار أبى تمام. وانظر أيضا الصناعتين.
(3) ليست عنده هو! فإن هذا كلام القاضى على بن عبد العزيز الجرجانى بحروفه. بل إن عبارة «وأحسن من هذه الزيادة عندى» بحروفها من كلام القاضى الجرجانى. وانظر الوساطة ص 274، 275.
(4) ديوانه 3/ 338، والإبانة ص 64، وشرح مشكل شعر المتنبى ص 172، والصبح المنبى ص 74، والمثل السائر 3/ 283.(3/139)
2 - فرق ابن الشجرى بين تخفيف الهمزة، وبين إبدالها ياء، فذكر فى قول المتنبى:
جربت من نار الهوى ما تنطفى ... نار الغضا وتكل عما تحرق
قال (1): أبدل من همزة «تنطفىء» ياء، لانكسار ما قبلها، كما أبدل الفرزدق من المفتوح ما قبلها ألفا، فى قوله:
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع
وهذا لا يسمى تخفيفا، وإنما هو إبدال، لا يجوز إلا فى الشعر، والتخفيف الذى يقتضيه القياس فى هذا النحو أن تجعل الهمزة بين بين.
وهذا من كلام ابن جنى فى المحتسب أيضا، كما ذكرت فى حواشى التحقيق.
3 - حكى ابن الشجرى عن أبى على الفارسى حذف «فيه» من قول امرىء القيس:
* كبير أناس فى بجاد مزمّل *
أى مزمّل فيه، ثم قال ابن الشجرى (2): «ولولا تقدير «فيه» ها هنا، وجب رفع «مزمّل» على الوصف لكبير، وتقدير «فيه» أمثل من حمل الجرّ على المجاورة».
وقد ذكرت فى تحقيق هذا الموضع أن هذا هو رأى ابن جنى فى الخصائص.
4 - ذهب ابن الشجرى (3) إلى أن «كلّا» لا تضاف إلى واحد معرفة.
وقد رأيت هذا الرأى معزّوا إلى ابن جنى، فى الأشباه والنظائر للسيوطى. وذكرته فى حواشى التحقيق.
__________
(1) المجلس الثانى عشر.
(2) المجلس الثالث عشر.
(3) المجلس الحادى والثلاثون.(1/140)
فزاد أن جعل الطّير والجيش سحابين، وجعل السّحاب الأسفل يسقى السّحاب الأعلى، فغرّب فى هذا، وقد تعنّته فى هذا البيت مقصّر (1) فى معرفة التّدقيق فى المعانى بأمرين، أحدهما: أنّ السحاب لا يسقى ما فوقه، والآخر: أنّ الطير لا تستسقى، وإنما تستطعم.
وأقول (2): أمّا إسقاء السّحاب ما فوقه، وهو الذى غرّب به، فإنه لم يجعل الجيش سحابا فى الحقيقة فيمتنع إسقاؤه لما فوقه، وإنما أقامه مقام السّحاب لأنه طبّق الأرض لكثرته وتزاحمه (3)، وغطّاها كما يغطّى السحاب السماء، وقد فعلت العرب ذلك فى أشعارها، ولمّا سمّاه لذلك سحابا جعله يستسقى فيسقى، مع أن الطير لا تصيب من القتلى ما تصيبه وهى فى الجوّ، وإذا كانت تهبط إلى الأرض حتى تقع على القتيل فالسّحاب السّاقى عال عليها.
فأمّا استسقاء الطير فجار على عادة العرب فى استعارة هذه اللفظة تعظيما لقدر الماء. قال علقمة بن عبدة، يطلب أن يفكّ أخوه شأس من الأسر، يخاطب بذلك ملك الشام:
وفى كلّ حىّ قد خبطت بنعمة ... وحقّ لشأس من نداك ذنوب (4)
وأصل الذّنوب الدّلو العظيمة، وقيل للنّصيب: ذنوب، فى قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحََابِهِمْ} (5) لأنهم كانوا يقتسمون الماء فيأخذ هذا ذنوبا وهذا ذنوبا. وقال رؤبة (6):
يا أيّها المائح دلوى دونكا ... إنى رأيت الناس يحمدونكا
__________
(1) هو العميدىّ فى الإبانة عن سرقات المتنبى، الموضع السابق.
(2) القائل هو القاضى الجرجانى، كما ذكرت.
(3) هنا وقفت مطبوعة الهند من الأمالى.
(4) فرغت منه فى المجلس الثانى والسّتّين.
(5) سورة الذاريات 59.
(6) هكذا ينسب ابن الشجرى الرجز لرؤبة متابعة للقاضى الجرجانى فى الوساطة، والكلام كلّه(3/140)
5 - فى مبحث التكرير استشهد ابن الشجرى على تكرير المفرد بقول القائل (1):
أبوك أبوك أربد غير شكّ ... أحلّك فى المخازى حيث حلّا
وقد رأيت بحاشية أصل الأمالى: «هذا البيت وما معه من الشرح كله كلام ابن جنى فى كتاب مشكل أبيات الحماسة».
6 - أنشد ابن الشجرى فى عود الضمير مفردا إلى اثنين قول الشاعر (2):
أخو الذئب يعوى والغراب ومن يكن ... شريكيه يطمع نفسه شرّ مطمع
ثم قال: «جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد، فأعاد إليهما ضميرا مفردا، لأنهما كثيرا ما يصطحبان فى الوقوع على الجيف، ولولا ذلك كان حقه أن يقول:
ومن يكونا شريكيه».
وقد رأيت هذا الكلام لابن جنى فى المحتسب، مع اختلاف يسير فى العبارة، كما ذكرت فى حواشى التحقيق.
7 - ذكر ابن الشجرى (3) أن الألف لا يفارق المدّ. وقد وجدت هذا لابن جنى فى اللسان (ردف).
8 - فى حديث ابن الشجرى عن الحذوف، أنشد قول الراجز (4):
تروّحى أجدر أن تقيلى ... غدا بجنبى بارد ظليل
وذكر أن فيه خمسة حذوف، ثم قال: «لأنه قدّر: إيتى مكانا أجدر بأن تقيلى فيه، فحذف الفعل، وحذف المفعول الموصوف الذى هو «مكانا»، وحذف الباء التى يتعدى بها «أجدر»، وحذف الجار من «فيه» فصار: تقيليه،
__________
(1) المجلس الثانى والثلاثون.
(2) المجلس الثامن والثلاثون.
(3) المجلس التاسع والثلاثون.
(4) المجلس الحادى والأربعون.(1/141)
وهما لم يستسقيا فى الحقيقة ماء، وإنما استطلق أحدهما أسيرا، وطلب الآخر عطاء ولذلك سمّوا السّائل والمجتدى مستميحا، أخذوه من الميح، وهو أن يجمع المائح الماء فى الدّلو، والمائح: الذى ينزل إلى البئر فيملأ الدّلاء.
ثم إن سباع الطير قد تلغ فى الدّماء، ولذلك قال أبو تمام:
بعقبان طير فى الدّماء نواهل
والنّهل لا يكون إلّا من المشروب دون المطعوم. وقد كرّر أبو الطيّب هذا المعنى فغيّره وألطف، فجاء كالمعنى المخترع، قال (1):
تفدّى أتمّ الطير عمرا سلاحه ... نسور الملا أحداثها والقشاعم
وما ضرّها خلق بغير مخالب ... وقد خلقت أسيافه والقوائم
وذكر الطير فى موضع آخر، فأحسن وجاء بما لم يسبق إليه فقال (2):
يطمّع الطّير فيهم طول أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقع
ومن مستحسن ما قيل فى هذا المعنى قوله أيضا فى وصف جيش:
وذى لجب لا ذو الجناح أمامه ... بناج ولا الوحش المثار بسالم (3)
قال أبو الفتح: أراد أن الجيش يصيد الوحش، والعقبان فوقه تسايره فتخطف الطير أمامه.
__________
فيها، كما نبّهت عليه. وقد خطّأ البغدادىّ هذه النسبة فى الخزانة 6/ 207، والبيتان لراجز جاهلىّ من بنى أسيّد بن عمرو بن تميم، وقد استفاضت بهما كتب الأدب والنحو واللغة. انظر الخزانة 6/ 200وحواشيها، ومعانى أبيات الحماسة ص 262، وإصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمرى ص 7876.
(1) ديوانه 3/ 379، وشرح مشكل شعر المتنبى ص 240، والفتح على أبى الفتح ص 287، وتفسير أبيات المعانى من شعر أبى الطيب ص 239.
(2) ديوانه 2/ 225، والصناعتين ص 226، ونسبه لبعض المحدثين. وسيعيده المصنّف فى المجلس الأخير.
(3) ديوانه 4/ 113.(3/141)
فحذف العائد إلى الموصوف، كما حذف فى قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} أى لا تجزى فيه».
وقد رأيت هذا الكلام كلّه عدا الاستشهاد بالآية الكريمة فى المحتسب لابن جنى.
9 - فى حديث ابن الشجرى عن حذف النون، قال (1): «وإنما استمرّ هذا الحذف والإبدال فى النون، لما بينها وبين حروف العلة من المشابهة، لأنها إذا سكنت تضمنت غنّة، كما تتضمن حروف اللين مدّا».
وهذا من كلام ابن جنى فى المنصف، ولابن الشجرى فضل التمثيل والإيضاح بما ذكره بعد.
هذا ولابن الشجرى وقفات مع ابن جنى، نصره فى بعضها، وتعقّبه فى بعضها الآخر: فمن ذلك:
1 - ما ذكره فى إعراب «هنيئا»، قال (2): وجعل أبو الفتح بن جنى هنيئا فى قول كثيّر:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
حالا، وقعت بدلا من اللفظ بالفعل، وخالف أبا على فى تقدير ذلك الفعل، فزعم أن التقدير: ثبت هنيئا لعزّة ما استحلّت من أعراضنا، فحذف «ثبت» وأقام «هنيئا» مقامه، فرفع به الفاعل الذى هو «ما استحلّت»، وكذلك قال فى قول المتنبى:
* هنيئا لك العيد الذى أنت عيده *
قال: العيد مرفوع بفعله، والأصل: ثبت هنيئا لك العيد، فحذف الفعل وقامت الحال مقامه، فرفعت الحال العيد، كما كان الفعل يرفعه. وقول أبى الفتح فى
__________
(1) المجلس الخامس والأربعون. والمنصف 2/ 228، وأيضا سرّ صناعة الإعراب ص 438.
(2) المجلس الخامس والعشرون.(1/142)
وقال أبو العلاء المعرّىّ: يقول: إذا طار ذو الجناح أمامه فليس بناج لأنّ الرّماة كثيرة فى الجيش، وإن ثار وحش أدركوه فأخذوه.
وقول أبى العلاء إن ذا الجناح تصيبه الرّماة أوجه لأن الشاعر أراد تفخيم الجيش وتعظيمه فلا يفوته طائر ولا وحشىّ. ثم قال:
تمرّ عليه الشمس وهى ضعيفة ... تطالعه من بين ريش القشاعم (1)
أراد أن الجيش ارتفع غباره، فالشمس تصل إليه ضعيفة داخلة بين ريش الطير التى تتبعه لتصيب من لحوم القتلى. ثم قال:
إذا ضوؤها لاقى من الطير فرجة ... تدوّر فوق البيض مثل الدراهم (2)
وذكر أبو نصر بن نباتة الطير، فزاد زيادة أبدع فيها، فقال (3):
ويوماك يوم للعفاة مذلّل ... ويوم إلى الأعداء منك عصبصب
إذا حوّمت فوق الرّماح نسوره ... أطار إليها الضّرب ما تترقّب
وقال:
وإنّك لا تنفكّ تحت عجاجة ... تقطّع فيها المشرفيّة بالطّلا
إذا يئست عقبانها من خصيلة ... رفعت إليها الدّارعين على القنا
الخصيلة: كلّ لحمة فيها عصب. والطّلا: الأعناق.
وقول أبى تمام:
إذا ظلّلت عقبان أعلامه
يقال للراية: عقاب، وتجمع عقبانا.
* * * آخر المجلس
__________
(1) ديوانه 4/ 114.
(2) الموضع المذكور من الديوان. وجاء فى الأصل: «لاقى من الليل»، وأثبتّ ما فى ط، د، والديوان.
(3) يمدح الحسن بن محمد المهلبىّ. مختارات البارودى 2/ 171.(3/142)
هذا أشبه (1) من قول أبى على، لأن أبا على زعم أن «هنيئا» وقع موقع «ليهنئك»، وهذا لفظ أمر، والأمر لا يقع حالا، أو موقع «هنأك»، وهذا لفظ خبر يراد به الدعاء، كقولهم: رحم الله فلانا، والدعاء أيضا لا يكون حالا.
2 - حكى ابن الشجرى كلام الشراح فى قول المتنبى (2):
كفى ثعلا فخرا بأنك منهم ... ودهر لأن أمسيت من أهله أهل
ونقل رأى ابن جنى، قال: قال أبو الفتح: «ارتفع «أهل» لأنه وصف لدهر، وارتفع «دهر» بفعل مضمر، دل عليه أول الكلام، فكأنه قال: وليفخر دهر أهل لأن أمسيت من أهله، لا يتجه رفعه إلا على هذا، لأنه ليس قبله مرفوع يجوز عطفه عليه».
وقد تعقبه ابن الشجرى، فقال: وأما قول أبى الفتح إنه ليس قبله مرفوع يجوز عطفه عليه، فقول من لم ينعم النظر، وقنع بأول لمحة، فقد يجوز عطف «دهر» على فاعل «كفى» وهو المصدر المقدر، لأن «أن» مع خبرها ها هنا بمعنى الكون، لتعلق «منهم» باسم الفاعل المقدر الذى هو «كائن»، فالتقدير:
كفى ثعلا فخرا كونك منهم، ودهر مستحق لأن أمسيت من أهله، أى وكفاهم فخرا دهر أنت فيه، فأراد أنهم فخروا بكونه منهم، وفخروا بزمانه، لنضارة أيامه، كما قال أبو تمام:
* كأنّ أيامهم من حسنها جمع *
3 - قال ابن جنى فى شرح قول المتنبى:
ويصطنع المعروف مبتدئا به ... ويمنعه من كلّ من ذمّه حمد
«معناه: يعطى معروفه المستحقين، ومن تزكو عنده الصّنيعة، ويمنعه من كل ساقط، إذا ذمّ أحدا فقد مدحه».
__________
(1) انظر مثالا آخر لنصر ابن الشجرى رأى ابن جنى، فيما يأتى من حديث أبى العلاء المعرى.
(2) المجلس الثلاثون.(1/143)
المجلس التاسع والسبعون ذكر معانى «إن» الخفيفة المكسورة
قد تصرّفت العرب فيها، فاستعملتها شرطيّة، ونافية، ومخفّفة من الثقيلة وزائدة مؤكّدة.
فإذا كانت نافية، فسيبويه (1) لا يرى فيها إلّا رفع الخبر، يقول: إن زيد قائم، كما تقول (2) فى اللغة التّميميّة: ما زيد قائم، وإنّما حكم سيبويه بالرفع بعدها لأنها حرف (3) يحدث معنى فى الاسم والفعل، كألف الاستفهام، فوجب لذلك ألّا يعمل، كما لم يعمل ألف الاستفهام، وكما لم تعمل «ما» النافية فى اللغة التّميميّة، وهو وفاق للقياس، ولمّا خالف بعض العرب القياس فأعملوا «ما» لم يكن لنا أن نتعدّى القياس فى غير «ما».
وغير سيبويه أعمل «إن» على تشبيهها بليس، كما استحسن بعض العرب ذلك فى «ما»، واحتجّ بأنه لا فرق بين «إن» و «ما» فى المعنى إذ هما لنفى ما فى الحال، وتقع بعدهما جملة الابتداء، كما تقع بعد «ليس»، وأنشد:
إن هو مستوليا على أحد ... إلّا على جزبه الملاعين (4)
__________
(1) الكتاب 3/ 152، والمقتضب 2/ 362، والأزهية ص 32، وابن الشجرى ينقل عنه وإن لم يصّرح، وقد نبّهت على ذلك مرارا كثيرة. والخزانة 4/ 167، حكاية عن ابن الشجرى.
(2) فى د: يقول.
(3) فى المقتضب والأزهية: «حرف نفى». وفى الخزانة: «حرف جحد».
(4) غير معروف القائل، على شهرته وكثرة دورانه فى الكتب. وانظره فى الأزهية ص 33، ورصف المبانى ص 190، والمقرب 1/ 105، وأوضح المسالك 1/ 291، وارتشاف الضرب 2/ 109، والبحر 1/ 276، والهمع 1/ 125، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى شفاء العليل ص 193، والخزانة 4/ 166.(3/143)
وقد تعقّبه ابن الشجرى فى هذا الشرح (1)
4 - حكى ابن الشجرى عن ابن جنى اللغات الثمانية فى «أف»، وقوله:
«ولا يقال: أفّى، بالياء، كما تقول العامة».
قال ابن الشجرى (2): وأقول: إن الذى تقوله العامة جائز فى بعض اللغات، وذلك فى لغة من يقول فى الوقف: أفعى وأعمى وحبلى، يقلبون الألف ياء خالصة، فإذا وصلوا عادوا إلى الألف، ومنهم من يحمل الوصل على الوقف، وهم قليل (3).
الجرجانىّ القاضى علىّ بن عبد العزيز (392هـ)
1 - حكى عنه ابن الشجرى علة زيادة الضاد فى قول المتنبى (4):
إنّ شكلى وإن شكلك شتّى ... فالزمى الخصّ واخفضى تبيضّضى
2 - ونقل عنه أيضا تأويله لقول المتنبى (5):
أمط عنك تشبيهى بما وكأنه ... فما أحد فوقى ولا أحد مثلى
3 - ومع تصريح ابن الشجرى بالنقل عن القاضى الجرجانىّ فى الموضعين السابقين، إلا أنه قد أغار على كلامه الذى أورده فى الوساطة، عن الشعراء الذين ذكروا الطير التى تتبع الجيش لتصيب من لحوم القتلى. ولم يكتف ابن الشجرى بهذا حتى استاق كلام الجرجانىّ، وتأويله لبيت المتنبى:
سحاب من العقبان يزحف تحته ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه (6)
__________
(1) المجلس الحادى والثلاثون.
(2) المجلس الخامس والأربعون.
(3) وانظر نقدا آخر لابن الشجرى حول تفسير ابن جنى لشعر المتنبى فى المجلس الثالث والسبعين.
(4) المجلس الحادى والثلاثون، وقارن بالوساطة ص 455.
(5) المجلس الثالث والثمانون، والوساطة ص 442.
(6) المجلس الثامن والسبعون، والوساطة ص 274، 275.(1/144)
وهو قول الكسائىّ، وأبى العباس المبرّد، ووافق الفرّاء (1) فى قوله سيبويه.
ولك فى «إن» إذا كانت نافية ثلاثة أوجه: أحدها ألّا تأتى بعدها بحرف إيجاب، كقولك: إن زيد قائم، إن أقوم معك، كما قال تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطََانٍ بِهََذََا} (2)، وقال: {وَلَئِنْ زََالَتََا إِنْ أَمْسَكَهُمََا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} (3) اللام فى {لَئِنْ} مؤذنة بالقسم، وقوله: {إِنْ أَمْسَكَهُمََا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} جواب القسم المقدّر. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مََا تُوعَدُونَ} (4) أى ما أدرى. فأمّا قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنََّاهُمْ فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} (5) ففى «إن» قولان، أحدهما أنها نافية، و «ما» بمعنى الذى، فالتقدير: مكّنّاهم فى الذى ما مكّنّاكم فيه.
والقول الآخر: أنّ «إن» زائدة، فالتقدير: مكّنّاهم فى الذى مكّنّاكم فيه، والوجه هو القول الأوّل، بدلالة قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مََا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} (6).
والثانى من أوجهها الثلاثة: أن تأتى بعدها بإلّا فاصلة بين الجز أين فتجعل الكلام موجبا، كقولك: إن زيد إلّا قائم، وإن خرج إلّا أخوك، وإن لقيت إلّا زيدا، كما قال تعالى: {إِنِ الْكََافِرُونَ إِلََّا فِي غُرُورٍ} (7) و {إِنْ أُمَّهََاتُهُمْ إِلَّا اللََّائِي وَلَدْنَهُمْ} (8) و {إِنْ هُوَ إِلََّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (9) و {إِنْ يَقُولُونَ إِلََّا}
__________
(1) راجع معانى القرآن 2/ 145، وانظر رأى المبرد فى الموضع السابق من المقتضب.
(2) سورة يونس 68.
(3) سورة فاطر 41.
(4) سورة الجن 25.
(5) سورة الأحقاف 26. وراجع ما تقدم فى المجلس الثالث والستين.
(6) سورة الأنعام 6.
(7) سورة الملك 20.
(8) سورة المجادلة 2.
(9) سورة الأعراف 184.(3/144)
والعجب من ابن الشجرى إذ ينقل كلام الجرجانىّ بحروفه، ثم ينسبه إلى نفسه.
الهروىّ على بن محمد النحوىّ (نحو 415هـ)
وهذا عالم من علماء العربية، حجب الزمن تصانيفه، ولم يظهر منها إلا كتاب «الأزهية» الذى طبع فى دمشق منذ ثمانية عشر عاما (1)، وهو كتاب رائد فى علم الحروف والأدوات، ولما كان ابن الشجرى قد عالج مبحث الأدوات فى كثير من مجالسه، كما أشرت إلى ذلك من قبل (2)، فقد أفاد من جهود العلماء المتقدمين، وعلى رأسهم الهروى، لكن ابن الشجرى لم يصرح بالنقل عنه ألبتة.
وهذا ما ظهر لى من ذلك بالمراجعة:
1 - ذكر ابن الشجرى من معانى «ما» أن تكون اسما بمعنى الحين، وكلامه فى ذلك كله منتزع من كلام الهروى، وقد خفى هذا على ابن هشام، فتعقب ابن الشجرى فيما أورده، ونبهت عليه فى الفقرة السابعة والخمسين من آراء ابن الشجرى.
2 - ما أورده ابن الشجرى من مجىء «أو» بمعنى واو العطف، وشواهد ذلك، أخذه كله من الهروى (3).
3 - وفى حديثه عن «أو» أيضا، ذكر أنها تستعمل بمعنى «إن» الشرطية مع الواو، وذلك مما سبق به الهروىّ، وقد خفى هذا أيضا على ابن هشام والسيوطى فنسباه إلى ابن الشجرى، وأشرت إليه فى الفقرة الستين من آراء ابن الشجرى.
4 - سلخ ابن الشجرى كلام الهروى جميعه فى «إما» وقد وهّم (4) ابن
__________
(1) ثم طبع كتابه «اللامات» فى بغداد ومصر.
(2) راجع ما كتبته عن «الأدوات عند ابن الشجرى».
(3) المجلس الخامس والسبعون، وقارن بالأزهية ص 123117.
(4) راجع الفقرة الثانية والستين من آراء ابن الشجرى.(1/145)
{كَذِباً} (1) و {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا إِنََاثاً} (2) {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلََّا قَلِيلًا} (3).
فأمّا قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ إِلََّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} (4) فالتقدير فيه: وإن أحد من أهل الكتاب، وحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، ومثله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} (5) التقدير: وإن أحد منكم.
والوجه الثالث: أن تدخل «لمّا» التى بمعنى «إلّا» موضع «إلّا»، وهى التى فى قولهم: «بالله لمّا فعلت»، وحكى سيبويه: «نشدتك الله لمّا فعلت» (6) أى إلّا فعلت، تقول: إن زيد لمّا قائم، تريد: ما زيد إلّا قائم، قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} (7)، وقال: {وَإِنْ كُلٌّ لَمََّا جَمِيعٌ لَدَيْنََا مُحْضَرُونَ} (8)، {وَإِنْ كُلُّ ذََلِكَ لَمََّا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (9).
وقد قرئت هذه الآيات بتخفيف الميم (10)، فمن شدّد جعل «لمّا» بمعنى «إلّا»، و «إن» نافية، فالمعنى: ما كلّ نفس إلّا عليها حافظ، وكذلك الآيتان الأخريان.
ومن خفّف الميم جعل «ما» زائدة، و «إن» مخفّفة من الثقيلة، واللام
__________
(1) سورة الكهف 5.
(2) سورة النساء 117.
(3) سورة الإسراء 52.
(4) سورة النساء 159.
(5) سورة مريم 71.
(6) الكتاب 3/ 105.
(7) سورة الطارق 4.
(8) سورة يس 32.
(9) سورة الزخرف 35.
(10) راجع المجلسين: السادس والأربعين، والثامن والستين، ثم انظر إعراب ثلاثين سورة ص 41.(3/145)
هشام ابن الشجرى فى توجيه قوله تعالى: {إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} على التخيير، وابن الشجرى إنما انتزع شواهده كلّها ومنها الآية الكريمة فى هذا المبحث من الهروى، فإن كان إيراد فعلى الهروىّ.
5 - سطا ابن الشجرى (1) على كلام الهروى وشواهده حول معانى «إن» الخفيفة، مكسورة ومفتوحة، لكنه خالفه فى تقدير «ما» من قول الشاعر:
ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته ... على السّنّ خيرا لا يزال يزيد
فابن الشجرى يقدرها «ما» المصدرية، والهروى يراها «ما» التى بمعنى «حين».
الرّبعىّ علىّ بن عيسى (420هـ)
الرّبعىّ شيخ شيوخ ابن الشجرى، وقد حكى عنه ابن الشجرى قوله فى بناء «حذام» ونظائرها، فقال بعد أن نقل آراء النحاة (2): ولعلىّ بن عيسى الربعى فى بناء «حذام» ونظائرها علّة لم يسبق إليها، وهى تضمنهنّ معنى علامة التأنيث التى فى حاذمة وقاطمة وراقشة، فلما عدلن عن اسم مقدّرة فيه تاء التأنيث، وجب بناؤهنّ لتضمنهنّ معنى الحرف.
ونقل عنه شرحه لقول المتنبى (3):
نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنّئت الدنيا بأنك خالد
وقوله (4):
لا تكثر الأموات كثرة قلّة ... إلا إذا شقيت بك الأحياء
__________
(1) المجلس التاسع والسبعون، وقارن بالأزهية ص 7032.
(2) المجلس السابع والخمسون.
(3) المجلس الثامن والسبعون.
(4) المجلس الثانى والثمانون.(1/146)
للتوكيد، فارقة بين النافية والموجبة، والمعنى: إنّ كلّ نفس لعليها حافظ، والكوفيّون يقولون فى هذا النّحو: إن نافية، واللام بمعنى «إلّا»، وهو من الأقوال البعيدة.
والمخفّفة من الثقيلة لك فيها وجهان: إن شئت رفعت ما بعدها بالابتداء، وألزمت خبرها لام التوكيد، فقلت: إن زيد لقائم، تريد: إنّ زيدا لقائم. هذا هو الوجه لأنها إنّما كانت تعمل بلفظها وفتح آخرها، على التشبيه بالفعل الماضى، فلما نقص اللفظ وسكن الآخر بطل الإعمال، فمن ذلك قول النابغة (1):
وإن مالك للمرتجى إن تقعقعت ... رحى الحرب أو دارت علىّ خطوب
وقول آخر:
إن القوم والحىّ الذى أنا منهم ... لأهل مقامات وشاء وجامل (2)
الجامل: الجمال، وكذلك الباقر: البقر، وإنما ألزمت خبرها اللام إذا رفعت لئلّا تلتبس بالنافية لو قلت: إن زيد قائم. وإن شئت نصبت فقلت: إن زيدا قائم، وإن أخاك خارج، وتستغنى عن اللام إذا نصبت لأنّ النصب قد أبان للسامع أنّ الكلام إيجاب، وإن استعملت اللام مع النصب جاز، وأنشدوا بالنصب قول الشاعر:
كليب إن الناس الذين عهدتهم
بجمهور حزوى فالرياض لدى النّخل (3)
نصب «الناس» على نيّة تثقيل «إن»، وعلى هذا قراءة من قرأ: {وَإِنَّ}
__________
(1) هكذا ينسبه ابن الشجرى للنابغة، متابعا الهروىّ فى الأزهية ص 34، وليس فى أشعار النوابغ الثلاثة المطبوعة: الذبيانى والجعدى والشيبانى.
(2) فى الموضع السابق من الأزهية. وشاء وجامل، أى شياه وجمال.
(3) الأزهية ص 35، واللامات لصاحب الأزهية ص 114. والجمهور: الرملة المشرفة على ما حولها المجتمعة. وحزوى: اسم موضع.(3/146)
وقوله (1):
أمط عنك تشبيهى بما وكأنه ... فما أحد فوقى ولا أحد مثلى
ثم تعقّبه فى تفسيره لقول المتنبى:
رمانى خساس الناس من صائب استه ... وآخر قطن من يديه الجنادل
فقال (2): «وفسّر على بن عيسى الربعى قوله: «من صائب استه» بأنه من ضعفه إذا رمى يصيب استه، فحمله على معنى قوله: «وآخر قطن من يديه الجنادل» وليس هذا القول بشىء، لأننا لم نجد فى الموصوفين بالضعف من يرمى بحجر أو غير حجر مما ترمى به اليد فيصيب استه، وإنما هو مثل ضربه، فذكر تفصيل عائبيه. فقال: عابنى أراذل الناس، فمنهم من رمانى بعسب هو فيه، وهو الأبنة، فانقلب قوله عليه، فأصاب استه بالعيب الذى رمانى به، وآخر لم يؤثر كلامه فى عرضى، لعيّه وحقارته، فهو كمن يرمى قرنه بسبائح القطن، أى الذين رمونى من هذين الصنفين بهذين الوصفين».
وقد رأيت أحمد بن على بن معقل المهلّبى الأزدى المتوفى سنة 644هـ، يردّ على ابن الشجرى تفسيره هذا، فيقول، بعد أن ذكر البيت (3): «وقال شيخ شيخنا الشريف ابن الشجرى: إنما هذا مثل، أى رمانى بعيب هو فيه، لأنه ذو أبنة، فكأنه أراد: أصابنى فأصاب استه. وأقول: إن هذه الأقوال ضعيفة، وأضعفها قول ابن الشجرى: «رمانى بعيب هو فيه، أى رمانى بالأبنة». والمعنى أنه رمانى بسهم من عيب فردّ عليه أقبح رد، كأنه يقول: أنا ليس فىّ عيب، فعابنى عائب نفسه أقبح عيب».
__________
(1) المجلس الثالث والثمانون.
(2) المجلس الرابع والثمانون، وذكر شارح ديوان المتنبى 3/ 174، كلام ابن الشجرى هذا، فى إفساد قول الربعى، ولم يعزه إلى ابن الشجرى.
(3) مآخذ الأزدى على أبى اليمن الكندى فى تفسير شعر المتنبى. تحقيق الدكتور هلال ناجى، نشر بمجلة المورد العراقية المجلد السادس العدد الثالث 1397هـ 1977م.(1/147)
{كُلًّا لَمََّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمََالَهُمْ} (1).
وإذا بطل عمل المخفّفة جاز أن يقع بعدها الفعل، فلم يكن بينها وبين النافية فرق فى ذلك إلّا باللام، تقول فى النافية: إن قام زيد، وإن ضربت زيدا، وتقول فى المؤكّدة: إن قام لزيد، وإن ضربت لزيدا، تدخل اللام على الفاعل وعلى المفعول، للفرق بين الإيجاب والنفى، قال:
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما ... وجبت عليك عقوبة المتعمّد (2)
وكذلك تقول: إن كان زيد منطلقا، تريد: ما كان زيد منطلقا، وتقول: إن كان زيد لمنطلقا، تريد: إنه كان زيد منطلقا، فتدخلها على خبر «كان»، كما جاء فى التنزيل: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغََافِلِينَ} (3)، {إِنْ كََانَ وَعْدُ رَبِّنََا لَمَفْعُولًا} (4) وعلى خبر كاد: {وَإِنْ كََادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} (5)، وعلى المفعول الثانى من باب الظّنّ: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكََاذِبِينَ} (6)، {وَإِنْ وَجَدْنََا أَكْثَرَهُمْ لَفََاسِقِينَ} (7)
«إن» فى هذه المواضع مخفّفة من الثقيلة بإجماع البصريّين، واللام لام التوكيد (8)، والكوفيون يجعلونها النافية، ويزعمون أنّ اللام بمعنى «إلّا»، وقد ذكرت أنه قول ضعيف بعيد.
__________
(1) سورة هود 111، وراجع المجلس السادس والأربعين.
(2) البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، من أبيات ترثى بها زوجها الزبير بن العوام رضى الله عنه، وتخاطب عمرو بن جرموز. أسماء المغتالين، والمردفات من قريش (نوادر المخطوطات) 1/ 64، 2/ 158، والبغداديات ص 178، والمحتسب 2/ 255، وسر صناعة الإعراب ص 548، 550، واللامات للزجاجى ص 121، والأزهية ص 37، والتبصرة ص 458، والإنصاف ص 641، والمغنى ص 24، وشرح أبياته 1/ 89، وأوضح المسالك 1/ 368، والخزانة 10/ 373، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى المحققين.
(3) سورة يوسف 3.
(4) سورة الإسراء 108.
(5) سورة الإسراء 73.
(6) سورة الشعراء 186.
(7) سورة الأعراف 102.
(8) وهى الفارقة أيضا بين النافية والمخففة من الثقيلة. وانظر العضديات ص 69.(3/147)
الشريف المرتضى على بن الحسين (436هـ)
تجمع بين الشريف المرتضى وبين ابن الشجرى علاقة التشيّع. وهذا الشريف من أصحاب الأمالى، وتحتلّ «أماليه» مكانة عالية فى كتب علوم العربية، وتسمى غرر الفوائد ودرر القلائد. وقد كان لابن الشجرى نسخة من هذه الأمالى، استنسخها بخطه (1).
وقد أغار ابن الشجرى على كلام المرتضى فى الحذوف، وذكر كلامه بألفاظه، دون أن يصرح بالنقل عنه أو الإفادة منه (2)
والموضع الوحيد الذى صرح فيه ابن الشجرى بالشريف المرتضى، غمزه فيه، ونسبه إلى شىء من القصور. قال: «ذكر الشريف المرتضى رضى الله عنه، البيتين اللذين الأول منهما: «(3) ويلم قوم» فى كتابه الذى سماه غرر الفوائد، وبين معنييهما، غير أنه لم يستوعب تفسير ما فيهما من اللغة، ولم يتعرض للإعراب فيهما، ولم يزل قليل الإلمام بهذا الفنّ».
مكىّ بن أبى طالب القيسى الأندلسى (437هـ)
ومكّىّ علم من أعلام العربية فى القرنين الرابع والخامس، وكتبه فى علم القراءات وإعراب القرآن الكريم من عمد هذين الفنين.
وقد خطّأه ابن الشجرى فيما ذهب إليه، من أن «إن» الشرطية لا تدخل على الأسماء، إلا أن تضمر بعد «إن» فعلا يرتفع بعده الاسم على الفاعلية، ليس غير، وصحح ابن الشجرى أن النحويين كما يضمرون بعد حرف الشرط أفعالا ترفع
__________
(1) راجع مقدمة تحقيق أمالى المرتضى ص 21.
(2) المجلس الثالث والأربعون، وقارن بما فى أمالى المرتضى 2/ 72.
(3) يعنى قول الشاعر:
ويلم قوم غدوا عنكم لطيتهم ... لا يكتنون غداة العل والنهل
راجع المجلس التاسع والأربعين، وأمالى المرتضى 2/ 157.(1/148)
وأمّا الزائدة فقد زادوها بعد «ما» النافية، كافّة لها عن عملها، فى لغة أهل الحجاز، فيقع بعدها المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، تقول: ما إن زيد قائم، وما إن يقوم زيد، وما إن رأيت مثله. قال فروة بن مسيك (1):
فما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
طبّنا: شأننا.
وقال النابغة (2):
ما إن أتيت بشىء أنت تكرهه ... إذن فلا رفعت سوطى إلىّ يدى
وقال امرؤ القيس (3):
حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال
أراد: فما حديث، فزاد «إن» و «من» وقد زادها آخر بعد «ما» المصدريّة فى قوله (4):
ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته ... على السّنّ خيرا لا يزال يزيد
أراد: لا يزال يزيد خيرا.
__________
(1) المرادىّ. رضى الله عنه. السيرة النبوية 2/ 582، والكتاب 3/ 153، 4/ 221، والأصول 1/ 236، 2/ 196، 258، والبصريات ص 650، والبغداديات ص 280، والعضديات ص 70، والوحشيات ص 28، والصاحبى ص 176، وفرحة الأديب ص 202، والأزهية ص 40، والمغنى ص 25، وشرح أبياته 1/ 102، والخزانة 4/ 112، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى المحققين.
(2) ديوانه ص 20، والأزهية ص 41، والخزانة 8/ 449وحواشيها.
(3) ديوانه ص 32، والأزهية ص 41، وللنحاة فى هذا البيت شاهد آخر، انظر الأصول 1/ 242، وشرح الجمل 1/ 527، وشواهد التوضيح والتصحيح ص 225، والخزانة 10/ 71وحواشيها.
(4) المعلوط بوزن مضروب بن بدل القريعى، وهو شاعر إسلامى. السّمط ص 434، والبيت الشاهد فى الكتاب 4/ 222، والأصول 2/ 206، 3/ 173، والبغداديات ص 280، 427، والخصائص 1/ 110، والأزهية ص 42، وضرائر الشعر ص 61، 196، والمغنى ص 25وانظر فهارسه وشرح أبياته 1/ 111، وفهارسه. وانظر حواشى المحققين.(3/148)
الاسم بأنه فاعل، كذلك يضمرون بعده أفعالا تنصب الاسم بأنه مفعول. ثم قال ابن الشجرى بعد أن استوفى هذا المبحث (1): «ولمكى فى تأليفه «مشكل إعراب القرآن» زلّات، سأذكر فيما بعد طرفا منها إن شاء الله».
وقد أفرد ابن الشجرى لهذه الزلات المجلس الثمانين، وبعضا من الحادى والثمانين، بدأ بذكر أغلاط مكى فى سورة البقرة، وانتهى بسورة مريم، ثم قال فى آخر كلامه: «هذه جملة ما علقت به من سقطات هذا الكتاب، على أننى لم أبالغ فى تتبعها، وإنما ذكرت هذه الردود على هذه الأغاليط، لئلا يغترّ بها مقصّر فى هذا العلم، فيعوّل عليها ويعمل بها».
وقد رأيت ابن هشام يدفع بعض اعتراضات ابن الشجرى على مكى (2). ثم كتب الدكتور أحمد حسن فرحات، ثلاث مقالات بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (3)، بعنوان «نظرات فى ما أخذه ابن الشجرى على مكى فى كتاب مشكل إعراب القرآن»، ردّ فى هذه المقالات بعض مآخذ ابن الشجرى بأنها راجعة إلى سقم النّسخة التى وقعت لابن الشجرى من «المشكل»، وذكر أن بعضا آخر من هذه المآخذ موجود فى كتب المفسّرين والمعربين قبل مكى.
ولعل موقف مكىّ من المعتزلة الذين يرجع إليهم ابن الشجرى فى عقيدته وتهجمّه عليهم (4)، هو الذى أغرى ابن الشجرى به، ودفعه إلى الانتقاص منه والطعن عليه.
والعجب من ابن الشجرى، يحمل على مكى ثم يستاق كلامه، فقد رأيت مواضع من الأمالى اتفق فيها سياق ابن الشجرى مع سياق مكى فى «المشكل»
__________
(1) المجلس الثامن والسبعون.
(2) المغنى ص 195، فى الكلام على الكاف المفردة.
(3) الأجزاء الثلاثة الأولى من المجلد الحادى والخمسين (يناير يوليو 1976)، وانظر أيضا: ما لم ينشر من الأمالى الشجرية. تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن مجلة المورد العراقية المجلد الثالث العددان الأول والثانى 1974.
(4) راجع مشكل إعراب القرآن 2/ 432، فى تأويل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ * إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ}.(1/149)
وقد ذكروا لهذا الحرف معنى خامسا، فقالوا: إنه بمعنى «إمّا» فى قول النّمر ابن تولب (1):
سقته الرّواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما
قال سيبويه (2): أراد: وإمّا من خريف، وحذف «ما» لضرورة الشّعر، وإنما يصف وعلا، وقبل هذا البيت:
فلو أنّ من حتفه ناجيا ... لكان هو الصّدع الأعصما
والمعنى: سقته الرّواعد من مطر الصيف، وإمّا فى الخريف فلن يعدم السّقى.
وقال الأصمعىّ: «إن» هاهنا للشّرط، أراد: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرّىّ. وبقول الأصمعىّ أخذ أبو العباس المبرّد (3) لأنّ «إمّا» تكون مكرّرة، وهى هاهنا غير مكرّرة، واحتجّ من قال بقول سيبويه أنه وصفه بالخصب، وأنه لا يعدم الرّىّ، ويجب فى قول الأصمعىّ أن لا يقطع له بالرّىّ لأنه إذا كانت «إن» للشّرط لم يقطع له بأنّ الخريف يسقيه، كما تقول: إن حضر زيد أكرمته، فلا يقطع له بالحضور، كما يقطع له به فى قولك: إذا حضر زيد أكرمته، ولذلك تقول: أسافر إذا جاء الصّيف، ولا تقول: أسافر إن جاء الصيف لأن الصيف لا بدّ من مجيئه، فكأنه قال: وإن سقاه الخريف فلن يعدم الرّىّ، فدلّ هذا على أنه يعدم الرّىّ إن لم يسقه الخريف.
وقول الأصمعىّ قوىّ من وجهين، أحدهما أنّ «إمّا» لا تستعمل
__________
(1) رضى الله عنه، والبيت فى ديوانه ص 104، وتخريجه فيه، وفى كتاب الشعر ص 85، والأزهية ص 47.
(2) الكتاب 1/ 267، 3/ 141.
(3) راجع حواشى المقتضب 3/ 28.(3/149)
اتفاقا تاما، كأن ابن الشجرى ينقل عنه، أو كأنهما ينقلان عن مصدر واحد، بل إن ابن الشجرى ينقل استدلال مكى بحروفه، وقد دللت على ذلك فى حواشى التحقيق (1)، بما يغنى عن الإطالة بذكره هنا.
الثّمانينى عمر بن ثابت (442هـ)
نقل عنه ابن الشجرى ما حكاه عن بعض النحويين، من إجازة تقديم حال المجرور عليه، وتضعيفه لذلك (2)
وحكى عنه لغة فى «التى» قال (3): وذكر أبو القاسم الثمانينى لغة خامسة، وهى التّى، بتشديد الياء، كما قالوا فى المذكر: الذىّ.
ثم ضعّف رأيه فى فتح عين «يأبى»، فقال (4): وقال بعض النحويين: إنما فتحوا عين يأبى على سبيل الغلط، وتوهموا أن ماضيه على فعل، وعوّل أبو القاسم الثمانينى على هذا القول، والصواب ما ذكرته أولا.
أبو العلاء المعرّىّ أحمد بن عبد الله (449هـ)
نقل عنه ابن الشجرى نقلا عزيزا، فقال بعد أن حكى أقوال العلماء فى شرح عبارة سيبويه «ما أغفله عنك شيئا»: (5) ووجدت بخط أبى الفرج سعيد بن على بن السلالى الكوفى، ما أملاه عليه أبو العلاء المعرى، ونسبه المعرى إلى بعض
__________
(1) راجع المجالس: التاسع، والثالث والثلاثين، والأربعين، وانظر أيضا ما سبق فى الفقرة الثانية والخمسين من آراء ابن الشجرى.
(2) المجلس الحادى والسبعون.
(3) المجلس الرابع والسبعون.
(4) المجلس الحادى والعشرون.
(5) المجلس السادس والستون.(1/150)
إلّا مكرّرة، أو يكون معها ما يقوم مقام التكرير، كقولك: إما أن تتحدّث بالصّدق وإلّا فاسكت، وإمّا أن تزورنى أو أزورك، وهذا معدوم فى البيت.
والثانى: أنّ مجىء الفاء فى قوله: «فلن يعدما» يدلّ على أنّ «إن» شرطيّة لأنّ الشرطيّة تجاب بالفاء. و «إمّا» لا تقتضى وقوع الفاء بعدها، ولا يجوز ذلك فيها، تقول: إمّا تزورنى وإما أزورك، ولا يجوز: وإمّا فأزورك، فبهذين كان قول الأصمعىّ عندى أصوب القولين.
وكذلك اختلفوا فى قول دريد بن الصّمّة (1):
لقد كذبتك عينك فاكذبنها ... فإن جزعا وإن إجمال صبر
قال سيبويه (2): فهذا على «إمّا» ولا يكون على «إن» التى للشّرط لأنها لو كانت للشّرط لا حتيج إلى جواب لأنّ جواب «إن» إذا لحقتها الفاء لا يكون إلّا بعدها، فإن لم تلحقها الفاء فقلت: أكرمك إن زرتنى، سدّ ما تقدّم على حرف الشّرط مسدّ الجواب، ولو ألحقت الفاء فقلت: أكرمك فإن زرتنى، لم يسدّ أكرمك مسدّ جواب الشّرط، فلا بدّ أن تقول: أكرمك فإن زرتنى زدت فى إكرامك، أو ما أشبه هذا، فلذلك بطل أن يكون قوله: «فإن جزعا» على معنى الشّرط، وحملت «إن» على معنى «إمّا»، وحذفت «ما» للضرورة، والمعنى: فإن ما جزعت جزعا، وإمّا أجملت إجمال صبر.
وقال غير سيبويه: هو على «إن» التى للشّرط، والجواب محذوف، فكأنه
__________
(1) ديوانه ص 110، والتخريج فيه، وفى كتاب الشعر ص 86، والأزهية ص 49، وقوله:
«كذبتك» بفتح الكاف، و «فاكذبنها» بنون التوكيد الخفيفة، هكذا جاء فى النّسخ الثلاث من الأمالى، وكذلك جاء فى كتاب سيبويه 1/ 266، على أن البيت خطاب للمذكّر. وجاء فى الخزانة 11/ 113 «وهذا تحريف من النّسّاخ، وإنما الرواية «فاكذبيها» بالياء، والكافان مكسورتان لأنه خطاب مع امرأته». قلت:
وقد نبّه على هذا ابن السّيرافىّ فى شرحه لأبيات الكتاب 1/ 208. وهى رواية الديوان. وانظر سمط اللآلى ص 436.
(2) الموضع السابق من الكتاب، وابن الشجرى يحكى كلام سيبويه بلفظ الهروىّ فى الأزهية ص 49، 50.(3/150)
النحويين ولم يسمّه، قال: إن الذى قيل له هذا الكلام كان له صديق عوّده أن يبرّه ويحسن إليه، وأنه ذكر صنيعه به، فقال له السامع: ما أغفله عنك شيئا، قال:
فالكلام يتم عند قوله: «عنك»، وقوله: «شيئا» من كلام مستأنف، كأنه قال:
فكر شيئا، أى تفكيرا قليلا، أى إنه قد انتقل عن الحال التى كنت تجده عليها، فكأن الرجل المثنى على الصديق شكّ فى أمره، ولم يدر ما أغفله عنه، فقال له من حضر: فكّر شيئا، أى دع الشك، لأنه إذا فكّر وجب أن يصحّ له الأمر. وقال المعرى: إن المراد بقوله: «ما أغفله عنك» التعجب، ويحتمل أن يكون استفهاما، كأنه قال: أى شىء أغفله عنك؟
وقد تعقب ابن الشجرى أبا العلاء فى شرحه لقولهم: «عمرك الله» (1).
وتعقبه أيضا فى شرحه لشعر المتنبى، فقال فى قوله (2):
وأنك بالأمس كنت محتلما ... شيخ معد وأنت أمردها
وحكى أبو زكريا فى تفسيره لشعر المتنبى، عن أبى العلاء المعرى، أنه قال:
زعم بعض النحويين أن «كان» لا تعمل فى الحال، قال: وإذا أخذ بهذا القول جعل العامل فى «محتلما» من قوله: «وأنك بالأمس كنت محتلما» الفعل المضمر الذى عمل فى قوله: بالأمس.
قال ابن الشجرى: وأقول: إن هذا القول سهو من قائله وحاكيه، لأنك إذا علقت قوله «بالأمس» بمحذوف، فلابد أن يكون «بالأمس» خبرا لأن، أو لكان، لأن الظرف لا يتعلق بمحذوف إلا أن يكون خبرا أو صفة أو حالا أو صلة، ولا يجوز أن يكون خبرا لأن ولا لكان، لأن ظروف الزمان لا توقع أخبارا للجثث، ولا صفات لها ولا صلات ولا أحوالا منها، وإذا استحال أن يتعلق قوله:
«بالأمس» بمحذوف، علقته بكان، وأعملت «كان» فى «محتلما».
__________
(1) المجلس الثانى والأربعون.
(2) المجلس التاسع والسبعون. ويعدّ أبو العلاء من شراح المتنبى الكبار، واسم شرحه: معجز أحمد، ويسمى أيضا اللامع العزيزى. وانظر كلاما جيدا حول هذين الكتابين فى (أبو العلاء الناقد الأدبى) للأخ الدكتور السعيد السيّد عبادة ص 126112.(1/151)
قال: إن كان شأنك جزعا شقيت به، وإن كان إجمال صبر سعدت به.
وقول سيبويه هو القول المعوّل عليه لأنه غير مفتقر إلى هذا الحذف، الذى هو حذف كان ومرفوعها، وحذف جوابين لا دليل عليهما.
الصّدع: الفتىّ من الأوعال. وواحد الأوعال وعل، وهو تيس الجبل.
وفى الأعصم قولان، قيل: هو الذى فى رسغه بياض، والرّسغ: موصل الكفّ فى الذّراع، وموصل القدم فى السّاق، ويقال لموصل الكفّ فى الذّراع:
المعصم. وقيل: إنه سمّى أعصم لاعتصامه فى قلّة الجبل.
وزعم قوم أنّ «إن» قد وردت بمعنى «إذ»، واستشهدوا بقوله تعالى: {وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) فقالوا: المعنى: إذ كنتم مؤمنين لأنّ الخطاب للمؤمنين، ولو كانت «إن» للشرط لوجب أن يكون الخطاب لغير المؤمنين، ومثله: {وَلََا تَهِنُوا وَلََا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2)، ومثله أيضا: {فَاللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3).
وقال من ردّ هذا القول: إن للشّرط، والمعنى: من كان مؤمنا ترك الرّبا، ومن كان مؤمنا لم يخش إلّا الله. وهذا أصحّ القولين.
وقد حكى قطرب بن المستنير أنّ «إن» قد جاءت بمعنى «قد»، وهو من الأقوال التى لا ينبغى أن يعرّج عليها (4).
__________
(1) سورة البقرة 278.
(2) سورة آل عمران 139.
(3) سورة التوبة 13. وفى النّسخ الثلاث «والله» بالواو، خطأ.
(4) الأزهية ص 39. ويستشهد قطرب ببعض الآيات السابقة فى ص 147.(3/151)
وقد أخذ ابن الشجرى على أبى العلاء تفسيره لقول المتنبى (1):
لم تسم يا هارون إلا بعد ما اق ... ترعت ونازعت اسمك الأسماء
فقال: قال فيه أبو الفتح: أراد لم تسم بهذا الاسم إلا بعد ما تقارعت عليك الأسماء، فكلّ أراد أن يسمّى به، فخرا بك. وقال أبو العلاء: أجود ما يتأول فى هذا أن يكون الاسم ها هنا فى معنى الصيت، كما يقال: فلان قد ظهر اسمه، أى قد ذهب صيته فى الناس، فذكره لا يشاركه فيه أحد، وماله يشترك فيه الناس، فأما أن يكون عنى باسمه هارون، فهذا يحتمله ادعاء الشعراء، وهو مستحيل فى الحقيقة، لأن العالم لا يخلو أن يكون فيهم جماعة يعرفون بهارون.
والذى ذهب إليه أبو الفتح من إرادته اسمه العلم هو الصواب، وقول المعرى إن الاسم هنا يريد به الصيت، ليس بشىء يعول عليه، لأن قول أبى الطيب: «لم تسم» معناه لم يجعل لك اسم، وأما دفع المعرى أن يكون المراد الاسم العلم بقوله:
إن فى الناس جماعة يعرفون بهارون، فقول من لم يتأمل لفظ صدر البيت الذى يلى هذا البيت، وهو قوله:
* فغدوت واسمك فيك غير مشارك *
والمعنى: إن اسمك انفرد بك دون غيره من الأسماء، فمعارضته بأن فى الناس جماعة يعرفون بهارون، إنما يلزم أبا الطيب، لو قال: فغدوت وأنت غير مشارك فى اسمك، فلم يفرق المعرى بين أن يقال: اسمك مشارك فيك، وأن يقال: أنت غير مشارك فى اسمك، وإنما أراد أن اسمك انفرد بك دون الأسماء، ولم يرد أنك انفردت باسمك دون الناس، فاللفظان متضادان كما ترى.
الواحدىّ على بن أحمد (468هـ)
الواحدىّ من شراح المتنبى المعدودين، وقد أفاد منه ابن الشجرى فى بعض
__________
(1) المجلس الثانى والثمانون.(1/152)
ذكر أقسام «أن» المفتوحة الخفيفة
فأحد أقسامها: أن تدخل على الفعل فتكون معه فى تأويل مصدره، إن كان ماضيا أو مستقبلا أو أمريّا. وهذا الحرف أحد الحروف الموصولة، فيكون مع صلته فى تأويل مصدر، فى موضع رفع أو نصب أو خفض، فكونه فى موضع رفع، مثاله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (1) أى وصومكم، ومثله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ََ} (2) أى وعفوكم. ومن المرفوع بكان: {أَكََانَ لِلنََّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنََا} (3) {فَمََا كََانَ جَوََابَ قَوْمِهِ إِلََّا أَنْ قََالُوا} (4) فى قراءة من نصب الجواب.
ومن المنصوب: {يُرِيدُ اللََّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (5) و {إِنََّا أَرْسَلْنََا نُوحاً إِلى ََ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} (6) معناه: بأن أنذر قومك، فلمّا حذفت الباء تعدّى الفعل فنصب، ومنه فى أحد القولين: {مََا قُلْتُ لَهُمْ إِلََّا مََا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ} (7).
__________
(1) سورة البقرة 184.
(2) سورة البقرة 237.
(3) سورة يونس 2.
(4) سورة النمل 56، والعنكبوت 24، 29، وفى النّسخ الثلاث {وَمََا} بالواو، وهى الآية 82 من سورة الأعراف، وقد اخترت تلاوة النمل والعنكبوت لأن الكلام على قراءة الرفع والنصب إنما جاء فيهما، فقد قالوا إن قراءة الجمهور فيهما بالنصب، وقرأ بالرفع الحسن وابن أبى إسحاق. انظر المحتسب 2/ 141، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 529، والبحر 7/ 86وانظر أيضا 4/ 334والإتحاف 2/ 331، والمغنى ص 453.
وأيضا فإن الآية فى الأزهية ص 51 {فَمََا} بالفاء، وابن الشجرى ينقل عنه، وإن لم يصرح.
وقد ذكرت فيما تقدم علّة النحويّين فى اعتبار المصدر المؤوّل هو المبتدأ أو اسم كان. راجع المجلس الخامس والسبعين فى الكلام على قول الشاعر:
فكان سيّان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح
راجع ص 72من هذا الجزء.
(5) سورة النساء 28.
(6) أول سورة نوح.
(7) سورة المائدة 117.(3/152)
ما عرض له من شعر المتنبى، ولم يصرح ابن الشجرى بالنقل عن الواحدى، مع إغارته على كلامه بحروفه فى المواضع التى ظهرت لى خلال تحقيق الجزء الأول من الأمالى.
ويبدو أن ابن الشجرى كان فى نفسه شىء من الواحدى، وآية ذلك أنه حين اضطر أن يحكى كلامه فى الردّ على ابن جنى، ولم يرض أن ينسب الردّ إلى نفسه، ذكره بأسلوب الإخفاء والإغماض.
وذلك أن ابن الشجرى حكى شرح ابن جنى لقول المتنبى (1).
من لى بفهم أهيل عصر يدعى ... أن يحسب الهندىّ فيهم باقل
قال: قال ابن جنى: فى هذا البيت شىء يمكن أن يتعلق به عليه، وذلك أن باقلا لم يؤت من سوء حسابه، وإنما أتى من سوء عبارته، فكان ينبغى أن يذكر مع سوء العبارة الخطابة والفصاحة، لأن سوء العبارة والفصاحة ضدان، ولا يذكر مع عىّ اللسان جودة الحساب، لأنهما ليسا ضدين، ولو قال: «أن يفحم الخطباء فيهم باقل» ونحو ذلك، كان أسوغ.
وقال من ردّ على ابن جنى: ليس الأمر كما قال، فإن باقلا كما أتى من سوء البيان أتى من الجهل بعقد البنان، فإنه لو ثنى من سبابته وإبهامه دائرة، ومن خنصره عقدة، لم تفلت منه الظبية، فقد صحّ قوله فيما نسبه إليه من الجهل بالحساب.
انتهى ما ذكره ابن الشجرى، وهذا الردّ على ابن جنى، من كلام الواحدى (2)، مع اختلاف يسير فى العبارة، وقد صرّح بنسبته إليه شارح ديوان المتنبى (3).
وقد رأيت ابن الشجرى يسلخ كلام الواحدى فى مواضع من شرح المتنبى، ودللت على هذه المواضع فى حواشى التحقيق (4).
وأصرح من كل ذلك ما ذكره ابن الشجرى فى شرح قول المتنبى:
__________
(1) المجلس الخامس والستون.
(2) شرح ديوان المتنبى ص 271.
(3) شرح ديوان المتنبى المنسوب خطأ للعكبرى 3/ 260.
(4) راجع المجلسين التاسع والعشرين، والحادى والثلاثين (فى ثلاثة مواضع).(1/153)
قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ} فى موضع نصب على البدل من قوله: {مََا أَمَرْتَنِي بِهِ}، ويجوز أن تكون «أن» هاهنا مفسّرة بمعنى «أى» فلا يكون لها موضع من الإعراب.
ومثال المجرور: {قََالُوا أُوذِينََا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنََا} (1) أى من قبل إتيانك.
وتقع بعد «عسى» فتكون مع صلتها فى تأويل مصدر منصوب، إذا كانت عسى ناقصة، كقولك: عسى زيد أن ينطلق، ومثله: {عَسى ََ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} (2)، وتكون فى تأويل مصدر مرفوع إذا كانت عسى تامّة، كقولك: عسى أن أنطلق، ومثله: {وَعَسى ََ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} {وَعَسى ََ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً} (3).
والقسم الثانى من أقسامها: أن تكون مخفّفة من الثقيلة، ويليها الاسم والفعل، فإذا وليها الاسم فلك فيه مذهبان: أحدهما أن تنصبه على نيّة تثقيلها، تقول: علمت أن زيدا قائم، قال الشاعر:
فلو أنك فى يوم الرّخاء سألتنى ... فراقك لم أبخل وأنت صديق (4)
وقال كعب بن زهير (5):
وقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا
__________
(1) سورة الأعراف 129.
(2) سورة الإسراء 8.
(3) سورة البقرة 216.
(4) معانى القرآن 2/ 90، والمنصف 3/ 128، والأزهية ص 54، والإنصاف ص 205، والمقرب 1/ 111، وشرح المفصل 8/ 71، 73، والمغنى ص 31، وشرح أبياته 1/ 147، والخزانة 5/ 426، وانظر فهارسها.
(5) هكذا جاءت نسبة البيتين لكعب، وليسا فى ديوانه، وابن الشجرى يتابع الهروىّ فى الأزهية ص 55.
والبيتان من قصيدة لجنوب أخت عمرو ذى الكلب الهذلية، ترثى أخاها عمرا. الحماسة الشجرية ص 308، ورواية البيت هناك:
بأنك كنت الربيع المغيث ... لمن يعتريك وكنت الثمالا(3/153)
نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنّئت الدنيا بأنك خالد
حيث أغار على كل ما ذكره الواحدى فى شرح البيت (1).
التّبريزى أبو زكريا يحيى بن على (502هـ)
من أبرز شيوخ ابن الشجرى، أخذ عنه اللغة والأدب. وقد تعقبه ابن الشجرى فى مواضع من شرحه لشعر المتنبى:
فقال بعد أن حكى ثلاثة أقوال فى قول المتنبى (2):
أمط عنك تشبيهى بما وكأنه ... فما أحد فوقى ولا أحد مثلى
والرابع: قول أبى على بن فورّجة، قال: هذه «ما» التى تصحب «كأن» إذا قلت: كأنما زيد الأسد، وإليه ذهب أبو زكريا، قال: أراد أمط عنك تشبيهى بأن تقول: كأنه الأسد، وكأنما هو الليث. وهذا القول أردأ الأقوال، وأبعدها من الصواب، لأن المتنبى قد فصل «ما» من «كأن» وقدّمها عليه، وأتى فى مكانها بالهاء، فاتصال «ما» بكأنه غير ممكن، لفظا ولا تقديرا، وهى مع ذلك لا تفيد معنّى إذا اتصلت بكأن، فكيف إذا انفصلت منه وقدّمت عليه؟
وقد أخذ ابن الشجرى على شيخه تفسير قول أبى الطيب:
أنت الجواد بلا منّ ولا كدر ... ولا مطال ولا وعد ولا مذل
فقال (3): سألنى سائل عن المذل، فقلت: قد قيل فيه قولان: أحدهما أن معناه القلق، يقال: مذلت من كلامك، أى قلقت، ومذل فلان على فراشه: إذا قلق فلم يستقر، والقول الآخر: البوح بالسّرّ، يقال: فلان مذل بسرّه، وكذلك هو مذلّ بماله: إذا جاد به.
وذكر أبو زكريا فى تفسير البيت الوجهين فى المذل، ثم قال: والذى أراد
__________
(1) المجلس الثامن والسبعون، وقارن بما فى شرح الواحدى ص 466.
(2) المجلس الثالث والثمانون.
(3) المجلس الرابع والثمانون، وقد تعقب ابن الشجرى شيخه التبريزى فى موضعين آخرين من هذا المجلس.(1/154)
بأنك ربيع وغيث مريع ... وقدما هناك تكون الثّمالا
والمرملون: الذين لا زاد معهم. والمريع: الكثير النّبات، غيث مريع، ومكان مريع، وقد مرع المكان وأمرع.
وقوله: «وهبّت شمالا» أضمر الرّيح ولم يجر لها ذكر، فنصب شمالا على الحال، وقد أشبعت الكلام فى هذا النّحو.
و «هناك» فى هذا البيت ظرف زمان، وإنما وضع ليشار به إلى المكان، واتّسع فيه، ومثله فى التنزيل: {هُنََالِكَ الْوَلََايَةُ لِلََّهِ الْحَقِّ} (1) و {هُنََالِكَ دَعََا زَكَرِيََّا رَبَّهُ} (2).
والثّمال: الغياث.
وممّا جاءت فيه «أن» معملة على هذا الوجه من أشعار المحدثين قول المتنبّى (3):
وأنك بالأمس كنت محتلما ... شيخ معدّ وأنت أمردها
فى قوله: «محتلما» كلام رأيت إيراده لما فيه من الفائدة، وذلك أنّ «محتلما» حال، وخبر «كان» قوله: «شيخ معدّ»، والعامل فى الحال «كان»، ومن منع من إعمال «كان» فى الأحوال فغير مأخوذ بقوله لأنّ الحال فضلة فى الخبر منكورة، فرائحة الفعل تعمل فيها، فما ظنّك بكان، وهى فعل
__________
ولا شاهد فيه
والبيت برواية النحويين فى معانى القرآن، الموضع السابق، والخزانة 4/ 382والتخريج فى حواشيها وحواشى الحماسة الشجرية.
(1) سورة الكهف 44.
(2) سورة آل عمران 38.
(3) ديوانه 1/ 310.(3/154)
أبو الطيب بالمذل أنه لا يقلق بما يلقاه من الشدائد، كما يقلق غيره. وليس ما قاله بشىء عليه تعويل، بل المذل ها هنا البوح بالأمر ونفى ذلك عنه، فأراد أنه إذا جاد كتم معروفه، فلم يبح به، وقول أبى زكريا: «أراد أنه لا يقلق بما يلقاه من الشدائد» قد زاد بذكر «الشدائد» ما ذهب إليه بعدا من الصواب، وهل فى البيت ما يدل على الشدائد؟ إنما مبنى البيت على الجود، والخلال التى مدحه بنفيها عنه متعلقة بمعنى الجود، وهى المنّ والكدر والمطال والوعد، والمذل الذى هو البوح بالشىء.
* * *
أثر ابن الشجرى فى الدراسات النحوية واللغوية(1/155)
متصرّف، تعمل الرفع والنّصب فى الاسم الظاهر والمضمر، وليست «كان» فى نصبها الحال بأسوأ حالا من حرف التنبيه والإشارة، وحكى أبو زكريّا فى تفسيره لشعر المتنبّى، عن أبى العلاء المعرّى أنه قال: زعم بعض النحويّين أنّ «كان» لا تعمل فى الحال. قال: وإذا أخذ بهذا القول جعل العامل فى «محتلما» من قوله:
وأنك بالأمس كنت محتلما
الفعل المضمر الذى عمل فى قوله: «بالأمس».
وأقول: إنّ هذا القول سهو من قائله وحاكيه لأنّك إذا علّقت قوله «بالأمس» بمحذوف، فلا بدّ أن يكون «بالأمس» خبرا لأن أو لكان لأنّ الظّرف لا يتعلّق بمحذوف إلّا أن يكون خبرا أو صفة أو حالا أو صلة، ولا يجوز أن يكون خبرا لأن ولا لكان لأنّ ظروف الزمان لا توقع أخبارا للجثث، ولا صفات لها، ولا صلات ولا أحوالا منها. وإذا استحال أن يتعلّق قوله «بالأمس» بمحذوف، علّقته بكان، وأعملت «كان» فى «محتلما».
والوجه الثانى من وجهى إعمال «أن»: أنّك تعملها فى مقدّر، وهو ضمير الشأن، وتوقع بعدها الجملة خبرا عنها، كقولك: علمت أن زيد قائم، وأكثر قولى أن لا إله إلّا الله، ومنه قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1)
التقدير: أنه زيد قائم، وأنه لا إله إلّا الله، وأنّه الحمد لله، ومثله: {أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (2) فى قراءة من خفّف ورفع، ومثله: {وَنََادَيْنََاهُ أَنْ يََا إِبْرََاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيََا} (3) التقدير: أنه قد صدّقت الرّؤيا، أو أنّك قد صدّقت الرؤيا، ومنه
__________
(1) سورة يونس 10.
(2) سورة الأعراف 44. وهذه القراءة لابن كثير فى رواية قنبل ونافع وأبى عمرو وعاصم.
السبعة ص 281، والكشف 1/ 463.
(3) سورة الصافات 104، 105، وانظر البرهان 4/ 225.(3/155)
* * *
أثر ابن الشجرى فى الدراسات النحوية واللغوية
يمثّل ابن الشجرى ومن إليه من نحاة القرنين الخامس والسادس (1)، حلقة الوصل بين المتقدمين من النحاة وبين المتأخرين.
فقد كان لقرب هذا الجيل من المنابع الأولى، بالتلقّى والمشافهة، وما ظفر (2)
به نحاة هذا الجيل من الكتب والمصنفات التى عمرت بها دور العلم وخزائن المكتبات، قبل أن تعصف بها عوادى الناس والأيام، كان لذلك كله فضل حفظ آراء المتقدمين، مما أمدّ النحاة المتأخرين بذلك الفيض الزاخر من الوجوه والآراء، وفتح لهم آفاق النظر، ومهد أمامهم سبل البحث.
وقد أودع ابن الشجرى كتابه «الأمالى» علما كثيرا، أفاد منه المتأخرون، مصرّحين بالأخذ عنه وغير مصرحين، على أن تأثيره فى مصنفات من بعده يبدو بشكل عام فيما عالجه من مسائل الإعراب والحذوف، ثم فى هذا الحشد الهائل من شواهد القرآن الكريم والشعر.
وقد تتبعت ابن الشجرى فى مصنفات النحاة المتأخرين، باستقراء أرجو ألا يكون فاتنى معه شىء، ثم أفضى تخريج شواهده من كتب العربية إلى تأثّر خفىّ من أصحاب هذه الكتب لم يصرّحوا به.
وهذا بيان الآخذين عن ابن الشجرى والمستفيدين منه، أذكرهم بحسب وفياتهم، صنيعى فى مصادر ابن الشجرى:
الأنبارى أبو البركات عبد الرحمن بن محمد (577هـ)
وأبو البركات من أبرز تلاميذ ابن الشجرى، أخذ عنه علم العربية، كما ذكر
__________
(1) من مثل الزمخشرى وأبى البركات الأنبارى وابن يعيش، فى المشرق، وابن السيّد البطليوسىّ وابن الباذش والسّهيلى فى المغرب.
(2) قد يمثّل لذلك بما ظفر به ابن الشجرى من كتاب «الأزهية» للهروى وإن لم يصرح وهذا الكتاب مما لم يتح لابن هشام والسيوطى، كما ذكرت فى حديثى عن الهروى. ومن قبل «الأزهية» كتاب «الأوسط» للأخفش، و «الواسط» لأبى بكر بن الأنبارى، كما تقدّم.(1/156)
قول الأعشى:
فى فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (1)
وإذا وليها الفعل لم يجمعوا عليها مع النّقص الذى دخلها بحذف إحدى نونيها وحذف اسمها، أن يليها مالا يجوز أن يليها وهى مثقّلة، فكان الأحسن عندهم الفصل بينها وبينه بأحد أربعة أحرف: السّين وسوف ولا وقد، تقول: علمت أن ستقوم، وأن سوف تقوم، وأن لا تقوم، وأن قد تقوم، وفى التنزيل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} (2)، وفيه: {أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (3)، وقال جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يا مربع (4)
وقال أميّة بن أبى الصّلت:
وقد علمنا لو أنّ العلم ينفعنا ... أن سوف يتبع أخرانا بأولانا (5)
وربما وليها الفعل بغير فصل، كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} (6)، وإنّما حسن أن يليها «ليس» لضعف «ليس» فى الفعليّة، وذلك لعدم تصرّفها، وقد وليها الفعل المتصرّف فى الشّعر فى قوله:
إنّى زعيم يا نوي ... قة إن سلمت من الرّزاح (7)
__________
(1) فرغت منه فى المجلس السادس والأربعين.
(2) الآية الأخيرة من سورة المزمل.
(3) سورة طه 89.
(4) فرغت منه فى المجلس الثالث والثلاثين.
(5) وهذا سبق فى المجلس الخامس.
(6) سورة النجم 39.
(7) أنشده الفراء عن القاسم بن معن. معانى القرآن 1/ 136، والخصائص 1/ 389، والأزهية ص 58، وضرائر الشعر ص 163، وشرح ابن الناظم ص 69، وشرح المفصل 7/ 9، وشرح الشواهد الكبرى 2/ 297، وشرح الأشمونى 1/ 292، والخزانة 8/ 421، واللسان (زوح طلح صلف أنن). و «نويقة» تصغير ناقة.(3/156)
هو نفسه، فى ترجمته التى ختم بها كتابه «نزهة الألبا».
وقد ذهب الأنبارى بالشهرة كلها، بكتابه «الإنصاف فى مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين» الذى أفاد فيه من ابن الشجرى إفادة واضحة، كما أفاد منه فى كتبه الأخرى، والعجب من الأنبارى يثنى على شيخه ويفيد منه كلّ هذه الإفادة، ثم لا يصرّح باسمه فى أىّ من كتبه المطبوعة!
وقبل أن أدلّ على مواضع أخذ الأنبارى من ابن الشجرى، أشير إلى أن الأستاذ الدكتور محمد خير الحلوانى (1)، قد تنبّه قبلى إلى تأثير ابن الشجرى فى الأنبارى، وذكر أن الأنبارىّ أخذ معظم أدلة ابن الشجرى فى الخلاف بين البصريين والكوفيين، وأنه أغار على أسلوبه اللفظى فى غير موضع (2).
وهذه مثل لما رأيته عند الأنبارىّ من كلام شيخه ابن الشجرى:
1 - نقل الأنبارى كلام ابن الشجرى عن «كلا وكلتا»، وفى تعليل حملهما على المفرد إذا أضيفا إلى المظهر، وعلى المثنى إذا أضيفا إلى المضمر، ذكر رأى ابن الشجرى، ثم قال: «وهذا الوجه ذكره بعض المتأخرين». ولست أدرى لماذا لم يصرح الأنبارى بنسبة هذا الوجه إلى شيخه ابن الشجرى، وهو لم يعرف عن غيره من المتأخرين (3)؟
2 - فى تعليل بناء «قبل وبعد» على الضمة دون الفتحة والكسرة، ذكر الأنبارى تعليل ابن الشجرى ولم يعزه إليه (4).
3 - وفى حديثه عن التثنية وأن أصلها العطف، استاق كلام ابن الشجرى (5)
__________
(1) رحمه الله رحمة واسعة، فقد كان من فضلاء علماء سوريّة، وقد سعدت بمعرفته أيام اشتغاله برسالة الدكتوراه التى تقدم بها إلى كلية الآداب بجامعة عين شمس.
(2) الخلاف النحوى بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف، صفحات 134131، 145 147، 266.
(3) الإنصاف ص 450 (المسألة 62) ويقارن بالأمالى المجلس الثامن والعشرين.
(4) أسرار العربية ص 31، ويقارن بالأمالى المجلس الأربعين.
(5) أسرار العربية ص 47، ويقارن بالأمالى المجلس الثانى.(1/157)
وسلمت من عرض الحتو ... ف من الغدوّ إلى الرّواح
أن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطّلاح
رفع الفعل لأنه أراد: أنّك تهبطين. الرّزاح (1): الإعياء، يقال: إبل مرازيح ورزحى ورزاحى.
والطّلاح: جمع الطّلح، وهو شجر عظام كثير الشّوك، وأمّا الطّلح فى قوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} (2) فزعم المفسّرون أنه الموز.
* * * __________
(1) وروى «الزواح» ومعناه الذهاب. راجع اللسان (زوح).
(2) سورة الواقعة 29.(3/157)
4 - نقل ما ذكره ابن الشجرى من رأى الكوفيين، فى مجىء «أو» بمعنى الواو، وبمعنى «بل»، وردّ البصريين عليهم (1).
5 - وأبين من ذلك كلّه فى أخذ الأنبارى من ابن الشجرى، ما ذكره فى الخلاف فى «نعم وبئس» و «أفعل التعجب»، فقد أغار الأنبارى فى هاتين المسألتين على كلام ابن الشجرى، واستعان بشواهده وطريقة حجاجه وردّه، كما لاحظ بحق الأستاذ الدكتور الحلوانى فى كتابه المذكور (2) وهناك مواضع تأثير أخرى، أشار إليه الدكتور الحلوانى وأحسن كل الإحسان فى كتابى ابن الشجرى والأنبارى (3).
العكبرىّ أبو البقاء عبد الله بن الحسين (616هـ)
من النّحاة البارزين فى عصره، وقد اشتهر بكتابه «التبيان فى إعراب القرآن» ونشر له أخيرا كتاب «إعراب الحديث النبوى» (4). وقد اعتنى فى هذين الكتابين بغاية تعليمية تطبيقية، فلم يهتم كثيرا بنسبة الأوجه الإعرابية إلى أصحابها، ولا أستبعد أن يكون قد أفاد (5) من الوجوه الإعرابية التى ملأ بها ابن الشجرى «أماليه»، فهو قريب العهد والدار من ابن الشجرى، ثم هو قد تلمذ لابن الخشاب الذى ردّ على ابن الشجرى فى «أماليه».
على أن العكبرىّ قد أشار إلى ابن الشجرى إشارة غامضة، حين ذكر اختلاف النحاة فى حدّ الاسم، فقال: «وقال ابن السرّاج: هو كلّ لفظ دل على
__________
(1) الإنصاف ص 481478 (المسألة 67)، ويقارن بالأمالى المجلس الخامس والسبعين.
(2) الإنصاف ص 14897 (المسألتان 14، 15) ويقارن بالأمالى المجلسان التاسع والخمسون والستون.
(3) الخلاف النحوى ص 146.
(4) ثم نشر له بعد ذلك: شرح لامية العرب، والتبيين عن مذاهب النحويين.
(5) انظر مثلا التبيان فى إعراب القرآن ص 1142، وقارن بالأمالى المجلس الحادى عشر، فى إعراب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلََهٌ}.(1/158)
فصل
الأفعال التى تقع بعدها «أن» ثلاثة أضرب: ضرب قد ثبت فى النفوس واستقرّ، وهو علمت وأيقنت، ورأيت فى معنى علمت.
وضرب بعكس هذا، نحو طمعت وخفت واشتهيت.
وضرب متوسّط بينهما، وهو حسبت وخلت وظننت.
فالضّرب الأول: لا يقع بعده إلّا الثّقيلة والمخفّفة منها لأن التوكيد إنما يقتضيه ما ثبت فى النفوس واستقرّ.
والضّرب الثانى: لا يقع بعده إلّا المصدريّة، تقول: طمعت أن تزورنى، وخفت أن تهجرنى، واشتهيت أن تواصلنى، وفى التنزيل: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} (1)، وفيه: {وَأَخََافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} (2).
والضرب الثالث: يقع بعده المخفّفة والمصدريّة، كما جاء فى التنزيل: {وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (3) قرئ برفع {تَكُونَ} ونصبها.
وقد جاءت المخفّفة من الثقيلة بعد الخوف، فى قول أبى محجن الثّقفىّ:
إذا متّ فادفنّى إلى أصل كرمة ... تروّى عظامى بعد موتى عروقها (4)
ولا تدفننّى بالفلاة فإنّنى ... أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
وقد جاءت الثقيلة بعد الخوف فى قول الآخر:
__________
(1) سورة الشعراء 82.
(2) سورة يوسف 13.
(3) سورة المائدة 71. وسبق الكلام على قراءة الرفع والنصب، فى المجلس الثالث والثلاثين.
(4) وهذا تقدم أيضا فى المجلس المذكور.(3/158)
معنى فى نفسه غير مقترن بزمان محصل، وزاد بعضهم فى هذا دلالة الوضع».
ويقول الأستاذ الدكتور محمد خير الحلوانى، تعليقا على ذلك (1): لعله يريد به ابن الشجرى، لأنه ينسب إلى نفسه هذه الزيادة.
شارح ديوان المتنبى
ومما يتّصل بأبى البقاء العكبرىّ شرح ديوان المتنبى، الذى ظل ينسب إليه دهرا طويلا، حتى جاء الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، وأثبت أن هذا الشرح ليس للعكبرى (2)، وأنه لابن عدلان، وهو عفيف الدين أبو الحسن على بن عدلان ابن حماد الربعى الموصلى النحوى المتوفى بالقاهرة سنة 666هـ.
وقد يقوّى رأى الدكتور مصطفى جواد أن أبا البقاء العكبرى لم يذكر ابن الشجرى فى أىّ من كتبه المطبوعة التى رأيتها، على حين نرى شارح ديوان المتنبى كثير النقل عن ابن الشجرى والتصريح باسمه، فلو كان العكبرىّ هو شارح ديوان المتنبى لما اختلف حاله بين شرح الديوان وسائر كتبه.
ومهما يكن من أمر فقد أفاد شارح ديوان المتنبى هذا من ابن الشجرى، وحكى كلامه مصرّحا وغير مصرح، ولست بسبيل ذكر كلّ المواضع التى صرّح فيها الشارح بابن الشجرى، فهى بالغة الكثرة (3)، ولكنى أدلّ على المواطن التى أغار فيها على كلام ابن الشجرى، من غير تصريح بالنقل عنه:
1 - أورد الشارح إعراب ابن الشجرى لبيت الشماخ (4):
__________
(1) مسائل خلافية فى النحو، للعكبرى، تحقيق الدكتور الحلوانى ص 42، وراجع ما سبق فى الفقرة الثالثة والثلاثين من آراء ابن الشجرى النحوية.
(2) مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق المجلد الثانى والعشرون ص 37، 110دمشق 1366هـ 1947م. وانظر ما كتبه الأخ الدكتور عبد الرحمن العثيمين فى مقدمة تحقيق التبيين ص 49.
(3) انظر مثلا شرح الديوان 1/ 27، 379، 2/ 239، 339، 3/ 162، 163، 190، 4/ 36، 129، 192، وفى بعض هذه المواضع يصرح هذا الشارح بأنه نقل بخطه من أمالى ابن الشجرى، وذلك بعض ما اعتمد عليه الدكتور مصطفى جواد فى ردّ نسبة الشرح إلى العكبرى، إذ كان هذا ضريرا، أضرّ فى صباه بالجدرى.
(4) شرح الديوان 2/ 174والأمالى المجلس الرابع.(1/159)
وما خفت يا سلّام أنّك قاطعى (1)
وأشدّ من هذا مجيئها بعده فى التنزيل، فى قوله: {وَلََا تَخََافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللََّهِ} (2).
والثالث من أقسام «أن»: استعمالها زائدة للتوكيد، كقولك: لمّا أن جاء زيد أكرمته، ووالله أن لو أقمت لكان خيرا لك، قال (3):
ولمّا أن رأيت الخيل قبلا ... تبارى بالخدود شبا العوالى
القبل: جمع الأقبل، وهو الذى ينظر إلى طرف أنفه، وفى التنزيل: {فَلَمََّا أَنْ جََاءَ الْبَشِيرُ} (4).
والرابع: كون «أن» بمعنى «أى» التى للعبارة والتفسير لما قبلها، كقولك: دعوت الناس أن ارجعوا، معناه: أى ارجعوا، قال الله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} (5) معناه: أى امشوا، وقال: {وَعَهِدْنََا إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ وَإِسْمََاعِيلَ أَنْ طَهِّرََا بَيْتِيَ} (6) معناه: أى طهّرا. وتكون هذه فى الأمر خاصّة، ولا تجىء إلّا بعد كلام تامّ لأنها تفسير، ولا موضع لها من الإعراب لأنها حرف يعبّر به عن المعنى (7).
__________
(1) وهذا أيضا فرغت منه فى المجلس المذكور.
(2) سورة الأنعام 81.
(3) ليلى الأخيلية. أدب الكاتب ص 111، وحواشيه، والأزهية ص 63. وتبارى: تعارض وتسابق. والشّبا: أطراف الأسنّة، الواحد شباة. والعوالى: جمع عالية الرمح، وهى ما دون السّنان إلى نصف القناة. وتريد أن أعناق الخيل طوال، فخدودها توازى أطراف الرّماح إذا مدّها الفرسان. شرح أدب الكاتب ص 201، والاقتضاب ص 325.
(4) سورة يوسف 96.
(5) الآية السادسة من سورة ص.
(6) سورة البقرة 125.
(7) حكاه الزركشى فى البرهان 4/ 226، عن ابن الشجرى، وإنما هو كلام الهروىّ فى الأزهية ص 64.(3/159)
إذا الأرطى توسّد أبرديه ... خدود جوازىء بالرمل عين
2 - نقل الشارح إعراب ابن الشجرى بحروفه لقول المتنبى (1):
جربت من نار الهوى ما تنطفى ... نار الغضا وتكلّ عما تحرق
3 - وحكى توجيهه لقول المتنبى (2):
كبّرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
4 - ونقل تأويله لقول المتنبى (3):
حشاى على جمر ذكىّ من الهوى ... وعيناى فى روض من الحسن ترتع
5 - وذكر إعرابه لقول المتنبى (4):
يعطى فلا مطله يكدّرها ... بها ولا منّه ينكّدها
6 - ولخّص كلامه على قول المتنبى (5):
ما لمن ينصب الحبائل فى الأر ... ض ومرجاه أن يصيد الهلالا
7 - واستاق شرحه لقول المتنبى (6):
وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت فى عين من لا يجرّب
8 - وفى قول المتنبى (7):
لو كان ما تعطيهم من قبل أن ... تعطيهم لم يعرفوا التأميلا
أخذ الشارح تفسير وإعراب ابن الشجرى بألفاظه، ثم أورد ما أنشده ابن الشجرى من شعر أبى نصر بن نباتة وأبى الفرج بن الببّغاء، على معنى بيت المتنبى.
__________
(1) شرح الديوان 2/ 333والأمالى المجلس الثانى عشر.
(2) شرح الديوان 2/ 337، والأمالى المجلس نفسه.
(3) شرح الديوان 2/ 235، والأمالى المجلس الثامن عشر.
(4) شرح الديوان 1/ 304، والأمالى المجلس التاسع والعشرون.
(5) شرح الديوان 3/ 144، والأمالى المجلس الحادى والثلاثون.
(6) شرح الديوان 1/ 180، والأمالى المجلس الرابع والسبعون.
(7) شرح الديوان 3/ 244، والأمالى المجلس نفسه.(1/160)
فصل
اختلف النحويّون فى مواضع من كتاب الله، منها قوله: {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (1) ومنها: {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى ََ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مََا جََاءَنََا مِنْ بَشِيرٍ} (2)، ومنها: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ شَهِدْنََا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيََامَةِ إِنََّا كُنََّا عَنْ هََذََا غََافِلِينَ} (3)، ومنها: {وَأَلْقى ََ فِي الْأَرْضِ رَوََاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (4)، ومنها: {إِنَّ اللََّهَ يُمْسِكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولََا} (5)، ومنها: {وَلََا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمََالُكُمْ} (6)، ومنها: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيََّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللََّهِ رَبِّكُمْ} (7)، وأضافوا إلى ذلك قول عمرو بن كلثوم (8):
نزلتم منزل الأضياف منّا ... فعجّلنا القرى أن تشتمونا
فقال الكسائىّ والفرّاء (9): يبيّن الله لكم لئلّا تضلّوا، وقال أبو العباس المبرّد:
بل المعنى: كراهة أن تضلّوا (10)، وكذلك قوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيََّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللََّهِ رَبِّكُمْ}، قال الكوفيان (11): معناه لئلّا تؤمنوا بالله، وقال المبرّد: كراهة أن تؤمنوا بالله، وكذلك قول عمرو بن كلثوم:
__________
(1) الآية الأخيرة من سورة النساء.
(2) سورة المائدة 19.
(3) سورة الأعراف 172.
(4) سورة النحل 15، ولقمان 10.
(5) سورة فاطر 41.
(6) سورة الحجرات 2.
(7) أول سورة الممتحنة.
(8) من معلقته. شرح القصائد السبع ص 420، والأزهية ص 66، والمغنى ص 36، وشرح أبياته 1/ 181.
(9) معانى القرآن 1/ 297.
(10) وهو رأى البصريين. راجع معانى القرآن للزجاج 2/ 136، 137، وسائر كتب أعاريب القرآن الكريم.
(11) الكسائى والفراء. وتختلف عبارة الفراء عما ذكره ابن الشجرى. راجع معانى القرآن 3/ 149.(3/160)
9 - وسلخ إعراب ابن الشجرى لقول المتنبى (1):
ما قوبلت عيناه إلا ظنتا ... تحت الدجى نار الفريق حلولا
ثم أنشد شواهده على مجىء الحال من المضاف إليه، ونقل حكايته عن أبى على الفارسى، فى «المسائل الشيرازيات»، كلّ ذلك فعل، دون أن يصرح بابن الشجرى.
10 - وساق كلامه كلّه فى علّة منع الابتداء بالنكرة، والكلام على قول المتنبى (2):
منّى كنّ لى أن البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب
11 - أفسد الشارح كلام الرّبعىّ بما أفسده به ابن الشجرى، وساق الكلام كأنه من عند نفسه، وقد أشرت إلى ذلك فى حديثى عن الربعى.
ومن قبل كلّ ذلك ومن بعده، أخذ شارح ديوان المتنبى ما أفرده ابن الشجرى فى المجلس الأخير من «أماليه» لأعجاز أبيات أبى الطيب التى يتمثّل بها، ثم الأبيات التى تعدّ من بدائعه (3).
ابن يعيش يعيش بن على بن يعيش (643هـ)
اشتهر عند الدراسين بشرحه على «المفصل للزمخشرى» وبشرحه على «الملوكى فى التصريف» لابن جنى، ولم يصرح بنقل عن ابن الشجرى، لكنى رأيت فى بعض مباحثه مشابه من كلام ابن الشجرى، كأنه ينقل عنه، أو كأن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد (4)، فمن ذلك:
__________
(1) شرح الديوان 3/ 238، والأمالى المجلس السادس والسبعون.
(2) شرح الديوان 1/ 188، والأمالى المجلس الحادى والثمانون.
(3) شرح ديوان المتنبى 1/ 22، 162.
(4) وهذا المصدر الواحد فيما أرجّح هو أبو على الفارسى، فقد كان ابن يعيش كثير الأخذ عنه، وكذلك ابن الشجرى، كما أخبرتك. وانظر مقدمتى لكتاب الشعر ص 92.(1/161)
فعجّلنا القرى أن تشتمونا
قالا: معناه لئلّا تشتمونا، وقال أبو العباس: أراد كراهة أن تشتمونا، وقال علىّ بن عيسى الرّمّانىّ: إن التقديرين فى قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}
واقعان موقعهما لأنّ البيان لا يكون طريقا إلى الضّلال، فمن حذف «لا» فحذفها للدّلالة عليها، كما حذفت للدّلالة عليها من جواب القسم، فى نحو: والله أقوم، أى لا أقوم، إلّا أنّ أبا العبّاس حمل الحذف على الأكثر لأنّ حذف المضاف لإقامة المضاف إليه مقامه أكثر من حذف «لا».
وأقول: ليس يجرى حذف «لا» فى نحو {يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}
مجرى حذفها من جواب القسم لأنّ الدّلالة عليها إذا حذفت من جواب القسم قائمة لأنك إذا قلت: والله أقوم، لو لم ترد «لا» لجئت باللام والنون، فقلت:
لأقومنّ.
* * *
فصل(3/161)
ما ذكره فى الكلام على «أف» فقد اتفق سياقه مع سياق ابن الشجرى تماما (1). وما أورده فى أن أصل التثنية العطف بالواو (2). وغير ذلك كثير، مما حاك فى صدرى أن ابن يعيش متأثّرّ فيه ابن الشجرى، ولكنى لا أملك الدليل القاطع عليه.
المظفّر بن الفضل العلوىّ الحسينىّ (656هـ)
صاحب «نضرة الإغريض فى نصرة القريض»، وهو كتاب فى صناعة الشعر، على غرار كتاب «العمدة» لابن رشيق.
وقد روى العلوىّ هذا من طريق ابن الشجرى، كلمة لأبى العلاء المعرى عن الشعر، قال (3): «وروى لى الغزنوى، عن هبة الله المعروف بابن الشجرى، قال:
حدثنى أبو زكريا التّبريزى، قال: كنت أسأل المعرى عن شعر أقرؤه عليه، فيقول لى: هذا نظم جيد، فإذا مرّ به بيت جيد، قال: يا أبا زكريا، هذا هو الشعر».
ثم رأيت مواضع من كتابه هذا، أكاد أقطع بأن مصدره فيها ابن الشجرى، وإن لم يصرح بالنقل عنه، وقد أشرت إلى ذلك فى حواشى التحقيق (4).
ابن عصفور على بن مؤمن (669هـ)
فى حديث ابن الشجرى عن التثنية، قال (5): «وربّما استغنوا فى هذا
__________
(1) شرح الملوكى ص 438، ويقارن بالأمالى المجلس الخامس والأربعون.
(2) شرح المفصل 4/ 138، 8/ 91، والأمالى المجلس الثانى.
(3) نضرة الإغريض ص 11.
(4) نضرة الإغريض، صفحات 246، 268262، 283، وقارن بالأمالى المجالس:
السابع، والسادس عشر، والخامس والأربعين.
(5) المجلس الثانى.(1/162)
* * *
فصل
زعم بعض النحوّيين أنّ «أن» قد استعملت بمعنى «إذ (1)» فى نحو: هجرنى زيد أن ضربت عمرا، قال: معناه إذ ضربت، واحتجّ بقول الله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} (2) قال: أراد: إذ جاءهم، وبقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتََاهُ اللََّهُ الْمُلْكَ} (3)، وبقوله: {إِنََّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنََا رَبُّنََا خَطََايََانََا أَنْ كُنََّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} (4)، وبقوله: {وَلََا تَأْكُلُوهََا إِسْرََافاً وَبِدََاراً أَنْ يَكْبَرُوا} (5)، وبقوله: {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} [6]، وبقوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} (7) فى قراءة من فتح الهمزة، وبقول الشاعر (8):
سالتانى (9) الطّلاق أن رأتانى ... قلّ مالى قد جئتمانى بنكر
وبقول جميل (10):
أحبّك أن سكنت جبال حسمى ... وأن ناسبت بثنة من قريب
__________
(1) كما قالوه فى «إن» المكسورة أيضا، وتقدّم فى ص 151. وانظر الأزهية ص 67، والجنى الدانى ص 225، والمغنى ص 36.
(2) الآية الرابعة من سورة ص.
(3) سورة البقرة 258.
(4) سورة الشعراء 51.
(5) سورة النساء 6.
(6) سورة المائدة 2.
(7) سورة الزخرف 5، وقرأ بالفتح ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر. السبعة ص 584، والكشف 2/ 255.
(8) زيد بن عمرو بن نفيل، من حكماء الجاهلية، وقيل: غيره. الكتاب 2/ 155، 3/ 555، والأصول 1/ 252، 3/ 470، والأزهية ص 68، والصاحبى ص 283، والحماسة البصرية 2/ 257، وشرح شواهد الشافية ص 339، والخزانة 6/ 410.
(9) أبدل الهمزة ألفا للتخفيف. راجع الموضع الثانى من كتاب سيبويه.
(10) ديوانه ص 35، والأزهية ص 69.(3/162)
النحو بواحد، لأن إضافة العضو إلى اثنين تنبئ عن المراد، كقولك: ضربت رأس الرجلين، وشققت بطن الحملين، ولا يكادون يستعملون هذا إلا فى الشعر».
وقد علق البغدادىّ على هذا، فقال (1): «والعجب من ابن الشجرى فى حمله الإفراد على ضرورة الشعر، فإنه لم يقل أحد إنه من قبيل الضرورة وتبعه ابن عصفور فى كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر».
القرطبىّ محمد بن أحمد (671هـ)
نقل فى «تفسيره» أقوال ابن الشجرى، مصرّحا به وغير مصرّح، فمما صرح فيه:
1 - إعراب قوله تعالى (2): {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
2 - تأويل قوله تعالى (3): {قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ}.
ومما لم يصرح به، واتفق سياقه مع سياق ابن الشجرى، كأنه ينقل عنه، أو أن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد:
1 - الكلام (4) على معنى {اصْطَفَيْنََا} من قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا}.
2 - شرح قول الشاعر (5):
نعاطى الملوك السّلم ما قصدوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرّم
__________
(1) الخزانة 7/ 538، وانظر الفقرة الأولى من آراء ابن الشجرى، وضرائر الشعر لابن عصفور ص 249، ولم يذكر ابن عصفور ابن الشجرىّ.
(2) تفسير القرطبى 7/ 131، والأمالى المجلس الثامن.
(3) تفسيرالقرطبى 13/ 84، والأمالى المجلس نفسه. وانظر أيضا 1/ 212، 235، 3/ 112، 5/ 68، 83.
(4) تفسير القرطبى 14/ 347، والأمالى المجلس العاشر.
(5) تفسير القرطبى 14/ 349، والأمالى المجلس نفسه.(1/163)
وبقول الفرزدق (1):
أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم
وهذا قول خال من علم العربيّة. والصواب أنّ «أن» فى الآى المذكورة والأبيات الثلاثة، على بابها، فهى مع الفعل الذى وصلت به فى تأويل مصدر مفعول من أجله، فقوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} معناه: لأن جاءهم، ومن أجل أن جاءهم، وكذا التقدير فى جميع ما استشهد به، ثم أقول: إنّ تقدير «إذ» فى بعض هذه الآى التى استشهد بها يفسد المعنى ويحيله، ألا ترى أنّ قوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوهََا إِسْرََافاً وَبِدََاراً أَنْ يَكْبَرُوا} لا يصحّ إلّا بتقدير: من أجل أن يكبروا، ويفسد المعنى بتقدير: إذ يكبروا، ثم إذا قدّرها فى هذه الآية بالظرف الذى هو «إذ» ونصب بها الفعل، فحذف نون «يكبرون» كان فسادا ثانيا.
قول جميل: «ناسبت بثنة» اسم محبوبته بثينة، وإنما كبّرها ضرورة، والبثنة: الزّبدة.
* * * __________
(1) ديوانه ص 855، والكتاب 3/ 161، ومعانى القرآن للفراء 3/ 27، والبصريات ص 444، والمسائل المنثورة ص 233، والأزهية ص 69، ومشكل إعراب القرآن الكريم 1/ 218، والمعنى ص 26، وشرح أبياته 1/ 117، والخزانة 9/ 78، وفهارسها.
وقتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلىّ، وابن خازم: هو عبد الله بن خازم السلمى. الكامل ص 598 601.(3/163)
3 - الحديث عن حمل الأفعال بعضها على بعض (1)، عند تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ}.
4 - تأويل قوله تعالى (2): {وَلََا تَعْدُ عَيْنََاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا}.
ابن مالك محمد بن عبد الله (672هـ)
أبرز نحاة القرن السابع، وصاحب أشهر نظم فى النحو.
ذكر ابن هشام أن ابن مالك قد تبع ابن الشجرى فى إعراب قول الشاعر (3):
غير مأسوف على زمن ... ينقضى بالهم والحزن
وصرّح ابن مالك أن مذهبه فى ظهور الخبر بعد «لولا»، هو مذهب الرمانى وابن الشجرى والشّلوبين. وقد أشرت إلى ذلك فى الفقرة الرابعة والخمسين من آراء ابن الشجرى. كما حكى عنه فى مواضع من شرح الكافية الشافية (4).
رضىّ الدين الشاطبىّ محمد بن على (684هـ)
من كبار اللغويين والقراء، روى عنه القراءة أبو حيان النحوى. وقد حكى رضىّ الدين عن ابن الشجرى تفسيره للألى، من قول الشريف الرضى:
قد كان جدك عصمة العرب الألى ... فاليوم أنت لهم من الإعدام
ونقله ابن منظور (5) من خط رضىّ الدين.
__________
(1) تفسير القرطبى 2/ 316، والأمالى المجلس الثانى والعشرون.
(2) تفسير القرطبى 10/ 391، والأمالى المجلس نفسه.
(3) المغنى ص 172، والأمالى المجلس الخامس.
(4) صفحات 440، 961، 1632.
(5) لسان العرب (ألا) 20/ 322، والأمالى المجلس الخامس.(1/164)
المجلس الموفى الثمانين
في ذكر زلّات مكّىّ بن أبى طالب المغربىّ، فى «مشكل إعراب القرآن:
يتضمّن ما وعدت به من ذكر زلّات مكّىّ بن أبى طالب المغربىّ، فى «مشكل إعراب القرآن (1)».
فمن ذلك أنه قال فى قول الله سبحانه: {أُولََئِكَ عَلى ََ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} (2):
واحد أولئك: ذلك، فإذا كان للمؤنّث فواحده ذى أو ذه أو تى. انتهى كلامه.
وأقول: إن أسماء الإشارة منها ما وضع للقريب، ومنها ما وضع للمتراخى البعيد، ومنها ما وضع للمتوسّط، فالموضوع للقريب المذكّر ذا، والمؤنّث ذى وذه وتا، وللاثنين ذان، وللانثتين تان، وللجماعة الذّكور والإناث: ألاء، ممدود، وألا، مقصور.
وقالوا للمتوسّط: ذاك، فزادوا الكاف، وتيك، وذانك وتانك، وألاك وألائك.
وقالوا للمتباعد الغائب: ذلك، فزادوا اللام، وتلك وتالك، قال القطامىّ (3):
__________
(1) كتب الدكتور أحمد حسن فرحات ثلاث مقالات: بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، بالأجزاء الثلاثة الأولى من المجلد الحادى والخمسين (المحرم رجب 1396هـ يناير. يوليو 1976م) بعنوان:
«نظرات فيما أخذه ابن الشجرى على مكّىّ فى كتاب مشكل إعراب القرآن». وقد رجع الدكتور فرحات فى هذه المقالات بعض مآخذ ابن الشجرى إلى سقم النسخة التى وقعت له من مشكل إعراب القرآن، ثم ذكر أن بعضا آخر منها موجود فى كتب المفسّرين والمعربين قبل مكّى. وانظر أيضا مقدمة تحقيق المشكل، طبعة بغداد، لصديقنا الدكتور حاتم صالح الضامن.
وكان ابن الشجرى قد أشار إلى زلّات مكّىّ هذه فى المجلس الثامن والسبعين.
(2) سورة البقرة 5. وانظر مشكل إعراب القرآن 1/ 19.
(3) ديوانه ص 35. وصدر البيت:
تعلّم أن بعد الغىّ رشدا(3/164)
أبو حيان الأندلسى محمد بن يوسف (745هـ)
من فحول النحاة فى القرن الثامن. وما زال أكبر أعماله مخطوطا، وهو كتاب التذييل والتكميل، شرح التسهيل لابن مالك، وهو أمر يدعو إلى العجب والأسف معا.
وقد رأيت عنده موضعا (1)، حكى فيه كلام ابن الشجرى، عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
ثم حكى عن ابن الشجرى ما ذكره من جمع جمع الجمع، ونقل ردّ ابن الخشاب عليه، رأيت ذلك فى كتاب مخطوط له اسمه «تذكرة النحاة» (2).
المرادىّ الحسن بن قاسم، أو ابن أمّ قاسم (749هـ)
من شرّاح الزمخشرى وابن معطى وابن مالك، وقد عرف بكتابه «الجنى الدانى فى حروف المعانى».
وقد حكى المرادى عن ابن الشجرى أقواله (3) فى مجىء اللام بمعنى «بعد»، وفى الجزم بلو، وعمل «لا» عمل «ليس» فى المعرفة، وظهور الخبر بعد «لولا».
ثم كانت شواهد ابن الشجرى مددا له فى كتابه المذكور.
__________
(1) البحر المحيط 4/ 249، وقارن بما فى الأمالى المجلس الثامن.
(2) الموجود منه الجزء الثانى، وهو مخطوط بالخزانة العامة بالرباط المغرب، وأشرت إلى ذلك فى حواشى تحقيق المجلس الثانى والثلاثين. وقد طبع أخيرا، وذكرت موضع هذا النقل من المطبوع فى تعليقاتى فى المجلس المذكور. ثم حكى عنه فى ثلاثة مواضع من ارتشاف الضرب 1/ 219، 2/ 31، 572.
(3) الجنى الدانى صفحات 101، 286، 293، 600، وقد أشرت إلى ذلك فى الحديث عن آراء ابن الشجرى.(1/165)
فإنّ لتالك الغمر (1) انقشاعا
وقالوا: ألالك، وعلى هذا أنشدوا:
ألالك قومى لم يكونوا أشابة ... وهل يعظ الضّلّيل إلّا ألالكا (2)
وقالوا فى المثنّى: ذانّك وتانّك، فشدّدوا النون. فكان الصواب أن يذكر مع أولئك: ذاك وتيك، فذكره ذى وذه خطأ، والصحيح أنّ نظير ذى وذه للمؤنّث «تا»، فأمّا «تى» فمجهولة فى أكثر الرّوايات.
وقال فى قوله: {وَاللََّهُ مُحِيطٌ بِالْكََافِرِينَ} [3]: أصل محيط: محيط، ثم ألقيت حركة الياء على الحاء (4).
والصّحيح أنّ أصل محيط: محوط لأنه من حاط يحوط، والحائط أصله
__________
(1) فى الديوان: «الغمم». والغمر: جمع غمرة، وهى الشّدّة: ذكرها ابن جنى فى تفسير أرجوزة أبى نواس ص 158، وأنشد عليها البيت.
وقوله: «تعلّم» بمعنى اعلم. وهو تفعّل بمعنى افعل. ذكره الزجاجى فى اشتقاق أسماء الله ص 59، وأنشد عليه البيت، وكذلك ابن فارس فى الصاحبى ص 370.
(2) البيت من غير نسبة فى إصلاح المنطق ص 382، واللامات للزجاجى ص 142، والصاحبى ص 28، والمنصف 1/ 166، 3/ 26، وسرّ صناعة الإعراب ص 322، وشرح المفصل 10/ 6، وشرح الجمل 1/ 202، وشفاء العليل ص 256، واللسان (ألا) 20/ 321.
وقد جاء عجز البيت مع صدر آخر هو:
ألم تك قد جرّبت ما الفقر والغنى
وذلك فيما أنشده أبو زيد لأخى الكلحبة اليربوعى، يردّ عليه. النوادر ص 438، والخزانة 1/ 394.
والأشابة بضم الهمزة: الأخلاط.
(3) سورة البقرة 19.
(4) وهكذا جاء فى مشكل إعراب القرآن 1/ 28طبعة دمشق. أما فى طبعة العراق 1/ 81، 82، فجاء: «وأصل محيط محوط، فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها».
وهذا هو الذى يراه ابن الشجرى، فظهر أن نقده لمكّىّ راجع إلى سقم النسخة التى وقعت له من المشكل، كما يرى الدكتور فرحات والدكتور حاتم.(3/165)
ابن مكتوم أحمد بن عبد القادر (749هـ)
من تلاميذ أبى حيان، وجمع من تفسيره مجلّدا، سماه الدرّ (1) اللّقيط من البحر المحيط، وله تصانيف أخر فى اللغة وأخبار النحاة.
وقد حكى السيوطى (2) إعراب ابن الشجرى لقول الشاعر:
غير مأسوف على زمن ... ينقضى بالهم والحزن
ونسبه إلى ابن مكتوم هذا فى «تذكرته». وهذا الذى حكاه السيوطى موجود حرفا حرفا عند ابن الشجرى. ولست أدرى هل أغار ابن مكتوم على كلام ابن الشجرى، أم أن السيوطىّ قد سها، ونسب ما وجده فى أمالى ابن الشجرى إلى تذكرة ابن مكتوم؟ وقد ينفى هذا الاحتمال الثانى أن السيوطىّ حين أورد هذا الكلام كان بصدد حكاية نقول كثيرة عن تذكرة ابن مكتوم، ثم إنه صدّر ما حكاه فى شرح البيت بقوله: وقال ابن مكتوم فى موضع آخر من تذكرته.
ابن هشام عبد الله بن يوسف (761هـ)
أبرز نحاة القرن الثامن، شرّقت كتبه وغرّبت، وذهب كتابه «المغنى» بالشهرة والصّيت. وقد نقل فى «المغنى» آراء ابن الشجرى، وتعقّبه فى بعضها، وظهر فى كلامه شىء من التحامل عليه، على أن ابن هشام قد أفاد من ابن الشجرى إفادة واضحة، وبخاصة فى مباحثه عن الأدوات، معانيها وشواهدها، بل إنه ساق عباراته بألفاظها، دون أن يصرح بنسبة الكلام إليه. وقد ثبت أن ابن هشام كانت لديه نسخة من أمالى ابن الشجرى، صححها وأملى عليها بعض تعليقات، كتبها أحد تلاميذه (3).
__________
(1) طبع بهامش البحر المحيط.
(2) الأشباه والنظائر 3/ 126، ويقارن بالأمالى المجلس الخامس.
(3) انظر ما يأتى عن نسخ الأمالى.(1/166)
حاوط لأنك تقول: حوّطت المكان، إذا جعلت عليه حائطا، فألقيت كسرة الواو على الحاء، فصارت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما صارت واو الوزن والوقت والوعد ياء، فى ميزان وميقات وميعاد.
وقال فى قوله تعالى: {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} (1): كلّما نصب على الظرف بمشوا، وإذا كانت «كلّما» ظرفا فالعامل فيها الفعل الذى هو جواب لها، وهو {مَشَوْا} لأنّ فيها معنى الشّرط، فهى تحتاج إلى جواب، ولا يعمل فيها {أَضََاءَ} لأنه فى صلة «ما»، ومثله: {كُلَّمََا رُزِقُوا} (2)
الجواب: {قََالُوا}، وهو العامل فى «كلّ» و «ما» اسم ناقص، صلته الفعل الذى يليه (3). انتهى كلامه.
وأقول: إنه لا يجوز أن تكون «ما» فى «كلّما» هذه ونظائرها اسما ناقصا لأنّ التقدير فيها إذا جعلتها ناقصة: كلّ الذى أضاء لهم البرق مشوا فى البرق لأن الهاء التى فى «فيه» تعود على البرق، فلا ضمير إذن فى الصّلة يعود على الموصول، ظاهرا ولا مقدّرا، والصحيح أنّ «ما» هاهنا نكرة موصوفة بالجملة، مقدّرة باسم زمان، فالمعنى: كلّ وقت أضاء لهم البرق مشوا فيه.
فإن قيل: فإذا كانت نكرة موصوفة بالجملة، فلا بدّ أن يعود عليها من صفتها عائد، كما لا بدّ أن يعود على الموصول عائد من صلته.
فالجواب: أنّ الجملة إذا وقعت صفة بخلافها إذا وقعت صلة لأنّ الصّلة مع الموصول بمنزلة اسم مفرد، فلا معنى للموصول إلّا بصلته، وليس كذلك الصّفة مع الموصوف.
__________
(1) سورة البقرة 20.
(2) سورة البقرة 25.
(3) المشكل. طبعة دمشق 1/ 29، وبغداد 1/ 82.(3/166)
وليس يعنينى هنا ذكر المواضع التى حكى فيها ابن هشام آراء ابن الشجرى، فهذا قد ذكرته فى حواشى التحقيق، وإنما أشير إلى المواضع التى أفاد فيها ابن هشام من ابن الشجرى وتأثره، دون أن يصرح به، ثم أعرض لمآخذ ابن هشام على ابن الشجرى. فمن ذلك:
1 - نقل ابن هشام بعض ما ذكره ابن الشجرى فى إعراب قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلََهٌ} (1).
2 - نفى ابن هشام أن تكون «أى» شرطية، فى قول المتنبى:
أىّ يوم سررتنى بوصال ... لم ترعنى ثلاثة بصدود
قال: لأن المعنى حينئذ: «إن سررتنى يوما بوصالك آمنتنى ثلاثة أيام من صدودك، وهذا عكس المعنى المراد، وإنما هى للاستفهام الذى يراد به النفى، كقولك لمن ادعى أنه أكرمك: أيّ يوم أكرمتنى؟». هذا تأويل ابن هشام، وهو مسلوخ من كلام ابن الشجرى (2)، وقد نبّه البغدادىّ على أن ابن هشام قد أخذ كلام ابن الشجرىّ هنا برمّته (3).
3 - قال ابن هشام: من مشكل باب «ليت» قول يزيد بن الحكم:
فليت كفافا كان خيرك كلّه ... وشرّك عنى ما ارتوى الماء مرتوى
ثم أورد أوجه الإشكال فى إعراب هذا البيت، وساق الأجوبة عليها. وقد أغار ابن هشام فيما أورد وساق، على كلام ابن الشجرى، الذى أطال النّفس فى هذا البيت، وقد نبّه البغدادى إلى أن ابن هشام قد تبع ابن الشجرى فى كلامه على ذلك البيت، وقال: وقد لخص ابن هشام فى «المغنى» كلام ابن الشجرى فى غير وجهه، فإنه لم يبيّن ما ينبنى على كل قول من الأقوال (4).
__________
(1) المغنى ص 485، والأمالى المجلس الحادى عشر.
(2) المغنى ص 83، والأمالى المجلس الثانى عشر.
(3) شرح أبيات المغنى 2/ 155.
(4) المغنى ص 320، والأمالى المجلس الثامن والعشرون، والخزانة 10/ 483.(1/167)
وإذا عرفت هذا فالعائد من الجملة الوصفيّة إلى الموصوف محذوف.
التقدير: كلّ وقت أضاء لهم البرق فيه مشوا فيه، فحذفت «فيه» هاهنا، كما حذفت من الجملة الموصوف بها فى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} (1) التقدير: لا تجزى فيه، كما قال: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ} (2).
وقال فى قوله: {إِلََّا إِبْلِيسَ} (3): إبليس: نصب على الاستثناء المنقطع، ولم ينصرف لأنه أعجمىّ معرفة. وقال أبو عبيدة (4): هو عربىّ، مشتقّ من أبلس: إذا يئس من الخير، ولكنّه لا نظير له فى الأسماء، وهو معرفة فلم ينصرف لذلك.
قلت: إن كان يريد بقوله: «لا نظير له» فى وزنه، فليس هذا بصحيح لأنّ مثال «إفعيل» كثير فى العربيّة، كقولهم للطّلع: إغريض، وللعصفر: إحريض، وللسّنام الطّويل: إطريح. ولا خلاف فى أنّك لو سمّيت بإغريض ونحوه لصرفت.
وإن كان يريد أنه لا نظير له فى هذا التركيب على هذا المثال، فكذلك إغريض منفرد بهذا التركيب على هذا المثال، ولو انضمّ التعريف إلى ذلك لم يمتنع من الصّرف، وأبو عبيدة إنما كان صاحب لغة.
وقال فى قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ}
__________
(1) سورة البقرة 48، 123.
(2) سورة البقرة 281.
(3) سورة البقرة 34.
(4) هكذا فى نسخ الأمالى الثلاث، وكذلك جاء فى إعراب القرآن للنحاس 1/ 162، وتفسير القرطبى 1/ 295، والمشكل 1/ 37طبعة دمشق. أما فى الطبعة البغدادية 1/ 87، فقد أثبته المحقق من نسخة «أبو عبيد». ويظهر أنه هو الصواب، فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى ذكر الرأى الأول ليس غير. قال:
«نصب إبليس على استثناء قليل من كثير، ولم يصرف إبليس لأنه أعجمى». مجاز القرآن 1/ 38، ونقل هذا عن أبى عبيدة بعض أهل العلم، كأبى حاتم أحمد بن حمدان الرازى فى الزينة 2/ 192، وأبى الفرج بن الجوزى فى زاد المسير 1/ 65. على أن قول ابن الشجرى فيما بعد: «وأبو عبيدة إنما كان صاحب لغة» يبطل شبهة التحريف فإن هذا الوصف ينصرف إلى أبى عبيدة معمر بن المثنّى لا محالة.
هذا وقد رجّح أبو منصور الجواليقى أن «إبليس» غير عربى. المعرّب ص 23.(3/167)
4 - أورد ابن هشام فى شواهد «إذ» بيت الأخطل:
كانت منازل ألّاف عهدتهم ... إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانا
ثم تكلّم على إعراب البيت بكلام يرجع إلى ما ذكره ابن الشجرى فيه (1).
وقد رجّح عندى أن ابن هشام ناقل عن ابن الشجرى فى هذا الموضع، أن ذلك البيت لم يرد فى ديوان الأخطل المطبوع، وأنى لم أجد أحدا أنشده، أو نسبه هذه النسبة قبل ابن هشام سوى ابن الشجرى، ويبدو أنه وحده صاحب (2) هذه النسبة، فقد قال السيوطى: «قال ابن الشجرى فى أماليه: هو للأخطل» (3).
5 - فى حديثه عن قوله تعالى: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}
حكى كثيرا من ألفاظ ابن الشجرى فى تأويل الآية الكريمة (4).
6 - نقل ابن هشام كلام ابن الشجرى على بيت المتنبى (5):
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
7 - تكلّم ابن هشام على الفاء التى فى جواب «أمّا»، وأورد فيها احتمالات ثلاثة أن تكون عاطفة أو زائدة أو جزاء. ثم صحّح أنها للجزاء. وهذا الذى أورده ابن هشام كأنه خارج من كيس ابن الشجرى (6).
8 - فى حديث ابن هشام عن حذف المبتدأ، تشابه سياقه مع سياق ابن الشجرى، كأنه ينقل عنه، أو كأن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد (7).
9 - ساق ابن هشام شواهد كثيرة على «القلب»، وبعض هذه الشواهد منتزع من ابن الشجرى انتزاعا، وهو مما لا يخفى على المتأمّل لكلا السّياقين (8).
__________
(1) المغنى ص 90، والأمالى المجلس الثلاثون.
(2) هذا ما قلته عند إعداد هذه الرسالة منذ إحدى عشرة سنة، ثم ظهر لى أن صاحب هذه النسبة هو أبو على الفارسى. وهو فى كتابه: الشعر ص 284.
(3) شرح شواهد المغنى ص 88.
(4) المغنى ص 389، 390، والأمالى المجلس الحادى والثلاثون.
(5) المغنى ص 245، والأمالى المجلس نفسه.
(6) المغنى ص 57، والأمالى المجلس السادس والثلاثون.
(7) المغنى ص 699، والأمالى المجلس التاسع والثلاثون.
(8) المغنى ص 776، 777، والأمالى المجلس الثالث والأربعون.(1/168)
{إِيمََانِكُمْ كُفََّاراً} (1): قوله: {كُفََّاراً} مفعول ثان ل {يَرُدُّونَكُمْ}، وإن شئت جعلته حالا من الكاف والميم فى {يَرُدُّونَكُمْ} [2].
قلت: لا يجوز أن يكون قوله: {كُفََّاراً} مفعولا ثانيا ل {يَرُدُّونَكُمْ}
لأن «ردّ» ليس مما يقتضى مفعولين (3)، كما يقتضى ذلك باب «أعطيت» بدلالة أنه إذا قيل: أعطيت زيدا، قلت: ماذا أعطيته؟ فيقال: درهما، أو الدّرهم الصّحيح، أو نحو ذلك. ولو قيل: رددت زيدا، لم تقل: ماذا رددته؟ فبهذا يعتبر (4) الفعل المتعدّى وغير المتعدّى، ويزيد ذلك وضوحا أنّ منصوب «رددت» الثانى يلزمه التّنكير والاشتقاق، وأن يكون هو الأوّل، كقولك: رددت زيدا مسرورا، ورددته ماشيا، ورددته راكبا، ولو كان مفعولا لم تلزمه هذه الأشياء ألا ترى أنك تقول:
أعطيت زيدا الدّرهم، فتجد فى المنصوب الثانى التعريف والجمود، وأنه غير الأول، ثم يجوز مع هذا أن يكون المنصوب الثانى فى هذا الباب مضمرا، تقول: الدّرهم أعطيتكه، وأعطيتك إيّاه، وجميع هذه الأوصاف لا يصحّ منها وصف واحد فى قولك: رددت زيدا راكبا ونحوه، حتى إنّ التعريف وحده ممتنع، تقول: رددتكم ركبانا، ولا تقول: رددتكم الرّكبان، ولا رددتك الراكب.
وقال فى قوله: {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}: من متعلّقة بحسد، فيجوز الوقف على {كُفََّاراً}، ولا يجوز الوقف على {حَسَداً} وقيل: هى متعلّقة ب {وَدَّ كَثِيرٌ}، ولا يوقف على {كُفََّاراً} ولا على {حَسَداً} (5).
__________
(1) سورة البقرة 109.
(2) المشكل 1/ 68 (دمشق)، 1/ 108 (بغداد).
(3) لكن يعترض هذا بأن «ردّ» هنا تكون بمعنى «صيّر» التى تنصب مفعولين بلا خلاف. ذكره السّمين فى الدرّ المصون 2/ 67، ورجّحه على الوجه الثانى الذى يعتبر «ردّ» متعديّة لمفعول واحد، وينصب {كُفََّاراً} على الحال. وانظر مقالة الدكتور فرحات المذكورة.
(4) فى ط، د: تعتبر.
(5) المشكل الموضع السابق. وانظر معانى القرآن 1/ 73، وإيضاح الوقف والابتداء 1/ 528، والقطع والائتناف ص 158.(3/168)
قلت: إنّ قول النحويّين: هذا الجارّ متعلّق بهذا الفعل، يريدون أنّ العرب وصلته به، واستمرّ سماع ذلك منهم، فقالوا: رغبت فى زيد، ورضيت عن جعفر، وعجبت من بشر، وغضبت على بكر، ومررت بخالد، وانطلقت إلى محمد، وكذلك قالوا: حسدت زيدا على علمه وعلى ابنه، ولم يقولوا: حسدته من ابنه، وكذلك «وددت» لم يعلّقوا به «من»، فثبت بهذا أنّ قوله: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} لا يتعلّق ب {حَسَداً} ولا ب {وَدَّ}، ولكنه يتعلّق بمحذوف يكون وصفا لحسد، أو وصفا لمصدر {وَدَّ}، فكأنه قيل: حسدا كائنا من عند أنفسهم، أو ودّا كائنا من عند أنفسهم.
وقال فى قوله: {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (1) و {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (2): الكاف فى الموضعين فى موضع نصب، نعت لمصدر محذوف، أى قولا مثل ذلك قال الذين لا يعلمون، وقولا مثل ذلك قال الذين من قبلهم، ثم قال: ويجوز أن يكونا فى موضع رفع على الابتداء، وما بعد ذلك الخبر (3). انتهى كلامه.
وأقول: لا يجوز أن يكون موضع الكاف فى الموضعين رفعا كما زعم لأنك إذا قدّرتها مبتدأ احتاجت إلى عائد من الجملة، وليس فى الجملة عائد.
فإن قلت: أقدّر العائد محذوفا، كتقديره فى قراءة من قرأ: «وكلّ وعد الله الحسنى» (4) أى وعده الله، فأقدّر: كذلك قاله الذين لا يعلمون، وكذلك قاله الذين من قبلهم. لم يجز هذا لأنّ {قََالَ} قد تعدّى إلى ما يقتضيه من منصوبه، وذلك قوله {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} فلا يتعدّى إلى منصوب آخر (5).
__________
(1) سورة البقرة 113.
(2) سورة البقرة 118.
(3) المشكل 1/ 69 (دمشق)، 1/ 109 (بغداد).
(4) سورة الحديد 10، وراجع توجيه هذه القراءة فى المجلس الأول.
(5) حكاه ابن هشام فى المغنى ص 179، قال: «وردّ ابن الشجرى ذلك على مكّىّ بأنّ {قََالَ}
قد استوفى معموله وهو {مِثْلَ}، وليس بشىء لأنّ {مِثْلَ} حينئذ مفعول مطلق أو مفعول به ليعلمون، والضمير المقدّر مفعول به ل {قََالَ}. وانظر مقالة الدكتور فرحات.(3/169)
10 - هذا وقد أشرت فى الفقرة الثامنة والخمسين من آراء ابن الشجرى، إلى أن سياق ابن هشام فى الكلام على مجىء اللام بمعنى «بعد» يؤذن بأنه ينقل عن ابن الشجرى.
وقد أخذ ابن هشام على ابن الشجرى أشياء، نسبه فيها إلى الوهم. فمن ذلك:
1 - نسب إليه أنه أجاز الجزم بلو، ثم نسب إليه أيضا أنه أنشد شاهدا على الجزم بلو قول الشاعر (1):
تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ... إحدى نساء بنى ذهل بن شيبانا
وهذا الشاهد لا وجود له فى أمالى ابن الشجرى، كما أن ابن الشجرى لم يجز الجزم بلو، وإنما قصره على الضرورة الشعرية. وقد ذكرت ذلك فى الفقرة الثالثة عشرة من آراء ابن الشجرى.
2 - أخذ ابن هشام على ابن الشجرى إعرابه لقول الشماخ:
وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه ... بضاحى عذاة أمره وهو ضامز
وذلك أن ابن الشجرى قال (2): وفى البيت فصل بالظرف الأجنبى بين المصدر ومنصوبه، لأن قوله: «بضاحى عذاة» متعلق بوقوف أو ينتظرن، فهو أجنبى من المصدر الذى هو «قضاء» فوجب لذلك حمل المفعول على فعل الآخر، كأنه لما قال: ينتظرن قضاءه بضاحى عذاة، أضمر «يقضى» فنصب به «أمره».
وقد ذكر ابن هشام عن النحويين أن الباء فى قوله: «بضاحى» متعلقة بقضائه، لا بوقوف ولا بينتظرن، لئلا يفصل بين «قضاءه وأمره» بالأجنبى، ثم قال (3): «ولا حاجة إلى تقدير ابن الشجرى وغيره «أمره» معمولا لقضى محذوفا، لوجود ما يعمل».
__________
(1) شرح قصيدة بانت سعاد ص 11، والمغنى ص 300، 779.
(2) المجلس التاسع والعشرون.
(3) المغنى ص 595.(1/169)
وقال فى قوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَجْعَلُوا اللََّهَ عُرْضَةً لِأَيْمََانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} (1): أن تبرّوا فى موضع نصب، على معنى: فى أن تبرّوا، فلمّا حذف حرف الجرّ تعدّى الفعل، وقيل: تقديره: كراهة أن، وقيل: لئلّا أن (2). انتهى كلامه.
وأقول: إنّ ما حكاه من أن التقدير: لئلّا أن، خطأ فاحش لتكرير «أن» وتبرّوا مراد بعدها، فالتقدير: لئلّا أن تبرّوا. وأن تبرّوا معناه: برّكم، فالتقدير: لئلّا برّكم.
وممّا أهمل ذكره، ولم يفعل ذاك متعمّدا، ولكنه خفى عليه، وهو من مشكل الإعراب لأنّ عامله محذوف: وجه النصب فى {فَرِجََالًا} من قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجََالًا أَوْ رُكْبََاناً} (3). والقول فيه أن {فَرِجََالًا} هاهنا ليس بجمع رجل، وإنما هو جمع راجل، كصاحب، وصحاب، وصائم وصيام، ونائم ونيام، وقائم وقيام، وتاجر وتجار، وقد قالوا فى جمعه: رجل، كما قالوا: صحب وتجر وركب، ولكونه جمع راجل، عطف عليه جمع راكب، وانتصابه على الحال، بتقدير: فصلّوا رجالا، ودلّ على هذا الفعل قوله: {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ} (4) ثم قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فصلّوا رجلا أو على الرّكائب. ومن شواهد هذا الجمع قول عمرو بن قميئة (5):
ونكسو القواطع هام الرجال ... وتحمى الفوارس منّا الرّجالا
الرجال الأولى: جمع رجل، والثانية: جمع راجل.
__________
(1) سورة البقرة 224.
(2) المشكل 1/ 97 (دمشق)، 1/ 130 (بغداد). ويلاحظ أن الكلام انتهى فى المشكل بطبعتيه عند قوله «لئلّا» ولم ترد «أن» فيه. وعليه يسقط اعتراض ابن الشجرى كلّه.
(3) سورة البقرة 239.
(4) سورة البقرة 238.
(5) ديوانه ص 119. ويريد بالقواطع السّيوف المواضى.(3/170)
هذا كلام ابن هشام فى «المغنى»، ولكنه نقضه فى كتابه «شرح بانت سعاد» (1) حيث قال بعد أن أنشد البيت: «وأمره منتصب بقضاءه محذوفا، مبدلا من «قضاءه» المذكور، ولا ينتصب بالمذكور، لأن الباء ومجرورها متعلقان بينتظرن، ولا يفصل المصدر من معموله».
انتهى كلامه، وواضح أنه يرجع إلى كلام ابن الشجرى، والفرق الوحيد بينهما أن ابن الشجرى يقدر المحذوف أو المضمر «يقضى» وابن هشام يقدره «قضاء».
3 - استشهد ابن الشجرى على مجىء الاستفهام بمعنى الخبر بعد التسوية، بقول زهير (2):
وما أدرى وسوف إخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء
وقد ردّ ابن هشام على ابن الشجرى هذا الاستشهاد، فقال (3): والذى غلّط ابن الشجرى حتى جعله من النوع الأول توهّمه أن معنى الاستفهام فيه غير مقصود ألبتّة، لمنافاته لفعل الدّراية، وجوابه أن معنى قولك: علمت أزيد قائم؟:
علمت جواب أزيد قائم، وكذلك ما علمت.
4 - تشكّك ابن هشام فى نقل ابن الشجرى عن سيبويه أن «أو» فى قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} للتخيير، وقد ذكرت ذلك فى حديثى عن سيبويه، وذكرت أيضا أن الحق مع ابن هشام، فى تشككه فى هذا النقل، إذ لم أجده فى كتاب سيبويه المطبوع.
5 - نسب ابن هشام ابن الشجرى إلى التعسّف، فيما قدّره من حذوف، فى قوله تعالى: {وَقََالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ تَهْتَدُوا}، وقد أشرت إلى ذلك فى مبحث الحذوف.
__________
(1) شرح بانت سعاد ص 94.
(2) الأمالى المجلس الرابع والثلاثون.
(3) المغنى ص 41.(1/170)
وقال فى قوله تعالى: {لََا تُبْطِلُوا صَدَقََاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ََ كَالَّذِي يُنْفِقُ مََالَهُ} (1): الكاف فى موضع نصب، نعت لمصدر محذوف، تقديره: إبطالا كالذى (2). هذا منتهى كلامه.
ومن عادته أن يقف على الموصولات بغير صلاتها، كما وقف على «أن» فى قوله: لئلّا (3) أن، وكراهة أن.
وأقول فى قوله: إنّ الكاف نعت لمصدر محذوف، تقديره إبطالا كالذى ينفق: إنه قول فيه بعد وتعسّف لأنّ ظاهره تشبيه حدث بعين، ولا يصحّ إلّا بتقدير حذفين بعد حذف المصدر، أى إبطالا كإبطال إنفاق الذى ينفق ماله.
والوجه أن يكون موضع الكاف نصبا على الحال من الواو فى {تُبْطِلُوا}
فالتقدير: لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذى ينفق ماله رئاء الناس (4). فهذا قول لا حذف فيه، والتشبيه فيه تشبيه عين بعين.
ومن زلّاته فى سورة آل عمران: أنه قال فى قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} (5): الكاف فى موضع نصب على النّعت لمصدر محذوف، تقديره عند الفرّاء (6): كفرت العرب كفرا ككفر آل فرعون. قال: وفى هذا القول إبهام للتفرقة بين الصّلة والموصول (7). أراد أنّ الكاف فى هذا القول قد دخلت فى صلة {الَّذِينَ}
__________
(1) سورة البقرة 264.
(2) المشكل 1/ 111 (دمشق)، 1/ 139 (بغداد).
(3) ذكرت قريبا أنّ «أن» هذه غير موجودة فى المشكل بطبعتيه.
(4) ذكر هذا الردّ على مكّىّ: ابن هشام فى المغنى ص 599، دون أن ينسبه إلى ابن الشجرى.
وراجع مقالة الدكتور فرحات.
(5) سورة آل عمران 11.
(6) معانى القرآن 1/ 191، وعبارته: «كفرت اليهود ككفر آل فرعون وشأنهم».
(7) المشكل 1/ 117 (دمشق)، 1/ 150 (بغداد).(3/171)
6 - وهّم ابن هشام ابن الشجرى فى جعله قوله تعالى: {إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} من باب التخيير، وقد ذكرت ذلك فى الفقرة الثانية والستين من آراء ابن الشجرى، وأشرت إلى أن ابن الشجرى إنما انتزع كلامه من كلام الهروى، فى «الأزهية»، فإن كان إيراد فعلى الهروىّ، ومثل ذلك ذكرت فى الفقرتين السابعة والخمسين، والستين.
7 - ردّ ابن هشام ما أخذه ابن الشجرى على مكى بن أبى طالب، فى إعراب قوله تعالى من سورة البقرة: {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} و {كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} وذلك أن مكيّا قال فيما حكى ابن الشجرى (1): «الكاف فى الموضعين فى موضع نصب، نعت لمصدر محذوف، أى قولا مثل ذلك قال الذين لا يعلمون، وقولا مثل ذلك قال الذين من قبلهم، ثم قال: ويجوز أن تكونا فى موضع رفع على الابتداء، وما بعد ذلك الخبر».
ويعقّب ابن الشجرى فيقول: لا يجوز أن يكون موضع الكاف فى الموضعين رفعا، كما زعم، لأنك إذا قدرتها مبتدأ، احتاجت إلى عائد من الجملة، وليس فى الجملة عائد، فإن قلت: أقدّر العائد محذوفا، كتقديره فى قراءة من قرأ: وكلّ {وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} أى وعده الله، فأقدّر: كذلك قاله الذين لا يعلمون، وكذلك قاله الذين من قبلهم، لم يجز هذا، لأن «قال» قد تعدى إلى ما يقتضيه من منصوبه، وذلك قوله: {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} ولا يتعدّى إلى منصوب آخر.
ويعلّق ابن هشام على كلام ابن الشجرى، فيقول (2): وردّ ابن الشجرى ذلك على مكى، بأنّ «قال» قد استوفى معموله، وهو {مِثْلَ}، وليس بشىء، لأن {مِثْلَ} حينئذ مفعول مطلق، أو مفعول به ليعلمون، والضمير المقدّر مفعول به لقال.
8 - وقد ردّ ابن هشام على ابن الشجرى ما انتقده على أبى على الفارسى،
__________
(1) المجلس الثمانون، وقارن بمشكل إعراب القرآن لمكى 1/ 69.
(2) المغنى ص 195.(1/171)
من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوََالُهُمْ وَلََا أَوْلََادُهُمْ مِنَ اللََّهِ شَيْئاً وَأُولََئِكَ هُمْ وَقُودُ النََّارِ} (1). فبعدت من الناصب لها، وهو {كَفَرُوا}، وكان الواجب على هذا المعرّب (2) حيث أنكر قول الفرّاء، أن يعتمد على قول غيره، ولا يقتصر على ذكر قول مناف لقياس العربيّة.
قال أبو إسحاق الزّجّاج: كدأب آل فرعون: أى كشأن آل فرعون. كذا قال أهل اللغة. ويقال: دأبت أدأب دأبا ودأبا ودؤوبا: إذا اجتهدت، وموضع الكاف رفع لأنها فى موضع خبر ابتداء. المعنى: دأب هؤلاء كدأب آل فرعون والذين من قبلهم، أى اجتهادهم فى كفرهم وتظاهرهم على النبىّ، كاجتهاد آل فرعون فى كفرهم وتظاهرهم على موسى.
ولا يصلح أن تكون الكاف فى موضع نصب بكفروا، لأنّ كفروا فى صلة الذين، فلا يصلح: إنّ الذين كفروا ككفر آل فرعون لأنّ الكاف خارجة من الصّلة، فلا يعمل فيها ما فى الصّلة (3). انتهى كلام الزّجّاج.
وهذا القول منه قول من نظر فى كتاب الفرّاء لأنه حكى كلامه بلفظه.
وقال علىّ بن عيسى الرّمّانىّ: كدأب آل فرعون: كعادتهم فى التكذيب بالحقّ، وقيل: كعادتهم فى الكفر، وقيل: شأنهم كشأن آل فرعون فى عقاب الله إيّاهم، والكاف فى {كَدَأْبِ} يتّصل بمحذوف، تقديره: عبادتهم كدأب آل فرعون، فموضع الكاف رفع لأنها فى موضع خبر الابتداء، ولا يجوز أن يعمل فيها {كَفَرُوا} لأنّ صلة {الَّذِينَ} قد انقطعت بالخبر. وهذا الكلام أيضا كلام من نظر فى كتاب الفراء.
__________
(1) الآية السابقة.
(2) هكذا ضبطت الراء بالتشديد فى النّسخ الثلاث.
(3) معانى القرآن وإعرابه 1/ 380، مع اختلاف يسير بالتقديم والتأخير.(3/172)
فى توجيه قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}. وأشرت إلى ذلك من قبل (1).
هذا وقد أورد ابن هشام اعتراضا لابن الشجرى على أبى على الفارسى، ولم أجد هذا الاعتراض فى «أمالى ابن الشجرى»، قال ابن هشام (2): وقول الفارسى فى {وَرَهْبََانِيَّةً ابْتَدَعُوهََا} إنه من باب «زيدا ضربته»، واعترضه ابن الشجرى بأن المنصوب فى هذا الباب، شرطه أن يكون مختصا، ليصحّ رفعه بالابتداء، والمشهور أنه عطف على ما قبله، و {ابْتَدَعُوهََا} صفة، ولابدّ من تقدير مضاف، أى:
وحبّ رهبانية، وإنما لم يحمل أبو على الآية على ذلك، لاعتزاله، فقال: لأن ما يبتدعونه لا يخلقه الله عز وجل.
بهاء الدين السّبكىّ أحمد بن على (763هـ)
من علماء البلاغة، وكتابه «عروس الأفراح» من الكتب المعتبرة فى الفنّ، وقد نقل عن ابن الشجرى فى كتابه المذكور (3)، فى أثناء «شرح نفى النفى إثبات»، قال: يعنى أن الإنكار إذا دخل على النفى كان لنفى النفى، وهو إثبات، ولذلك قيل: إن أمدح بيت قالته العرب:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
نقله ابن الشجرى فى «أماليه» ولولا صراحته فى تقدير المدح لما قيل ذلك.
ابن عقيل عبد الله بن عبد الرحمن (769هـ)
نقل عن ابن الشجرى نقلا غريبا، فقد ذكر فى باب المبتدأ والخبر، قال (4):
__________
(1) راجع الفقرة الحادية عشرة من الكلام على أبى على الفارسى.
(2) المغنى ص 639، وانظر كلام أبى على فى الإيضاح ص 31.
(3) عروس الأفراح المنشور ضمن شروح التلخيص 2/ 297، وقارن بالأمالى المجلس الرابع والثلاثين.
(4) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 1/ 200.(1/172)
وقال فى نصب اليوم، من قوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مََا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} (1): يوم منصوب ب {يُحَذِّرُكُمُ} أى: ويحذّركم الله نفسه فى يوم تجد، ثم قال: وفيه نظر. وقال: ويجوز أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا، أى:
واذكر يا محمد يوم تجد، ويجوز أن يكون العامل فيه {الْمَصِيرُ} أى: وإليه المصير فى يوم تجد، ويجوز أن يكون العامل فيه {قَدِيرٌ}، أى قدير فى يوم تجد (2).
انتهى كلامه.
وأقول: إنه لا يجوز أن يكون العامل فيه {يُحَذِّرُكُمُ} لأنّ تحذير الله للعباد إنما يكون فى الدّنيا دون الآخرة، ولا يصحّ أن يكون مفعولا به، كما كان كذلك فى قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} (3)، وقوله: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلََاقِ} (4)، وقوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (5)، وإنما لم يجز أن يكون اليوم فى هذه الآيات ظرفا لأنّ الإنذار لا يكون فى يوم القيامة. فانتصب اليوم فيهنّ انتصاب الصاعقة فى قوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صََاعِقَةً} (6)، وإنما لم يصحّ أن يكون اليوم فى قوله: {يَوْمَ تَجِدُ} مفعولا به لأنّ الفعل من قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ} قد تعدّى إلى ما يقتضيه من المفعول به، ولا يجوز أن يعمل فيه المصدر الذى هو {الْمَصِيرُ}
للفصل بينهما (7)، ولا يعمل فيه أيضا {قَدِيرٌ} لأنّ قدرة الله على الأشياء كلّها لا تختصّ بزمان دون زمان (8)، فبقى أن يعمل فيه المضمر الذى هو «اذكر»،
__________
(1) سورة آل عمران 30.
(2) المشكل 1/ 134 (دمشق)، 1/ 155 (بغداد).
(3) سورة غافر 18.
(4) سورة غافر 15.
(5) سورة مريم 39.
(6) سورة فصلت 13، ويريد النصب على المفعولية.
(7) وهذا ضعيف على قول البصريّين. قال السّمين الحلبى: «وقد يقال: إن جمل الاعتراض لا يبالى بها فاصلة، وهذا من ذاك». الدر المصون 3/ 115.
(8) ردّ هذا السّمين، فقال: «لا يقال: يلزم من ذلك تقييد قدرته بزمان لأنه إذا قدر فى ذلك اليوم الذى يسلب كلّ أحد قدرته فلأن يقدر فى غيره بطريق أولى وأحرى، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن الأنبارى». الدرّ 3/ 114، وانظر مقالة الدكتور فرحات.(3/173)
«ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجرى الإجماع من البصريين والكوفيين، على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة، وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف فى ذلك عن الكوفيين».
والذى ذكره ابن الشجرى الإجماع من البصريين ليس غير. قال وقد سئل عن إعراب هذا البيت (1):
أنى تردّ لى الحمول أراهم ... ما أقرب الملسوع منه الداء
«فأجبت بأن الداء مبتدأ قدّم خبره عليه، وإن كان الخبر جملة اتساعا، لأن البصريين مجمعون على جواز تقديم الجملة على المخبر بها عنه، كقولك: مررت به المسكين، وأكرمت أخاه زيد، أى المسكين مررت به، وزيد أكرمت أخاه».
ثم نقل عن ابن الشجرى، فى باب الاشتغال، نصب «فارس» من قول الشاعرة (2):
فارسا ما غادروه ملحما ... غير زمّيل ولا نكس وكل
ونقل عنه أيضا ما حكاه عن أبى على الفارسى، من جواز مجىء الحال من المضاف إليه (3).
الزركشى محمد بن بهادر بن عبد الله (794هـ)
صاحب كتاب «البرهان فى علوم القرآن»، وعليه بنى السّيوطىّ كتابه «الإتقان فى علوم القرآن» الذى ذهب بالشهرة كلها. وقد نقل الزركشىّ فى كتابه هذا عن ابن الشجرى، مصرّحا بالنقل، فى تسعة عشر موضعا (4). غير أن هناك ملاحظتين على نقل الزركشى عن ابن الشجرى:
__________
(1) المجلس الرابع.
(2) شرح ابن عقيل على الألفية 1/ 447، وقارن بالأمالى المجلس الثامن والعشرين.
(3) شرح ابن عقيل على الألفية 1/ 546، وقارن بالأمالى المجلس السادس والسبعين.
(4) تراها فى فهرس الأعلام من البرهان 4/ 474.(1/173)
وإن شئت قدّرت: احذروا يوم تجد كلّ نفس، فنصبته نصب المفعول به، كما نصبته فى تقدير: اذكر، على ذلك.
وقال فى قول الله تعالى: {آيَتُكَ أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ ثَلََاثَةَ أَيََّامٍ إِلََّا رَمْزاً} (1):
قوله: {إِلََّا رَمْزاً} استثناء ليس من الأول، وكلّ استثناء ليس من جنس الأوّل فالوجه فيه النّصب (2). انتهى كلامه.
وأقول: إنّ «إلّا» فى قوله: {إِلََّا رَمْزاً} إنما هى لإيجاب النفى، كقولك:
ما لقيت إلّا زيدا، فليس انتصاب {رَمْزاً} على الاستثناء، ولكنه مفعول به (3)، منتصب بتقدير حذف الخافض، والأصل: ألّا تكلّم الناس إلّا برمز، أى بتحريك الشّفتين باللفظ من غير إبانة بصوت، فالعامل الذى قبل «إلّا» مفرّغ فى هذا النّحو للعمل فيما بعدها، بدلالة أنك لو حذفت «إلّا» وحرف النفى استقام الكلام، تقول فى قولك: ما لقيت إلّا زيدا: لقيت زيدا، وفى قولك: ما خرج إلّا زيد: خرج زيد، وكذلك لو قيل: آيتك أن تكلّم الناس رمزا، كان كلاما صحيحا، وليس كذلك الاستثناء فى نحو: ليس القوم فى الدار إلّا زيدا، وإلّا زيد، فلو حذفت النّافى والموجب فقلت: القوم فى الدار زيدا، أو زيد، لم يستقم الكلام. وكذلك: ما خرج إخوتك إلّا جعفر، لو قلت: خرج إخوتك جعفر، لم يجز، وكذلك الاستثناء المنقطع، نحو: ما خرج القوم إلّا حمارا، لو قلت:
خرج القوم حمارا، لم يستقم، فاعرف الفرق بين الكلامين.
__________
(1) سورة آل عمران 41.
(2) المشكل 1/ 140 (دمشق)، 1/ 159، (بغداد).
(3) يظهر أن هذا مما انفرد به ابن الشجرى، فالمعربون على أنه منصوب على الاستثناء، واختلافهم إنما هو فى: الاستثناء المتصل أو المنقطع. ويقوّى هذا قول الشّهاب الآلوسى: «وتعقّب ابن الشجرىّ النصب على الاستثناء هنا مطلقا وادّعى أن {رَمْزاً} مفعول به منتصب بتقدير حذف الخافض» وحكى بقية كلامه. روح المعانى 3/ 151، وراجع البحر 2/ 452، والدرّ المصون 3/ 165، ومقالة الدكتور فرحات.(3/174)
الأولى: ما ذكره فى حديثه عن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، قال (1):
«وجعل منه ابن الشجرى: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ}، وقد سبق أنه على حذف المفعول، فلا التفات».
وهذا الذى حكاه الزركشى عن ابن الشجرى، مذكور فى المجلس الثامن عشر من «الأمالى»، لكن ابن الشجرى أعاد هذه الآية الكريمة فى المجلسين التاسع والثلاثين والأربعين، شاهدا على حذف المفعول، كما يرى الزركشىّ، الذى خفى عليه هذا الموضع الثانى من «الأمالى»، فقال ما قال، وقد أشرت إلى ذلك فى حديثى عن شواهد القرآن الكريم عند ابن الشجرى.
والملاحظة الثانية: حكى الزركشىّ كلام ابن الشجرى، فى معنى «أن» من قوله تعالى: {وَنََادَيْنََاهُ أَنْ يََا إِبْرََاهِيمُ}، وقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرََا بَيْتِيَ}، وكلام ابن الشجرى فى الآيتين مسلوخ من كلام الهروى، صاحب كتاب «الأزهية»، وقد نبّهت عليه من قبل (2).
العينى محمود بن أحمد (855هـ)
صاحب كتاب «المقاصد النحوية فى شرح شواهد شروح الألفية» وقد أنشد العينىّ فى هذا الكتاب (3) عن ابن الشجرى قول الراجز:
يا عنز هذا شجر وماء ... وحجرة فى جوفها صلاء
ثم رأيته قد لخّص كلام ابن الشجرى فى معانى «القول»، ولم يصرّح بالنقل عنه (4).
__________
(1) البرهان 3/ 319.
(2) البرهان 4/ 225، والأمالى المجلس التاسع والسبعون، والأزهية ص 56، 64.
(3) المقاصد النحوية 4/ 314، وقارن بالأمالى المجلس الخامس والثلاثين.
(4) المقاصد النحوية 1/ 362، وقارن بالأمالى المجلس الثامن والثلاثين.(1/174)
ثم أقول: إنّ المستثنى الذى ليس من جنس الأوّل يصحّ أن يقع به الفعل الذى عمل فى الأول، تقول: ما لقيت أحدا إلّا حمارا، فيصحّ أن تقول: لقيت حمارا، وكذلك: ما مرّ بى أحد إلّا غزالا، يصحّ أن تقول: مرّ بى غزال، ولا يصحّ أن توقع التكليم بالرّمز فتقول: كلّمت رمزا، كما تقول: كلّمت زيدا.
وقال فى قوله تعالى: {تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمْ أَلََّا نَعْبُدَ إِلَّا اللََّهَ} (1): أن فى موضع خفض، بدل (2) من {كَلِمَةٍ}، وإن شئت فى موضع رفع، على إضمار مبتدأ، تقديره: هى أن لا نعبد، ويجوز أن تكون مفسّرة بمعنى أى، على أن تجزم {نَعْبُدَ} و {نُشْرِكَ} بلا، ولو جعلت «أن» مخفّفة من الثقيلة رفعت {نَعْبُدَ} و {نُشْرِكَ} وأضمرت الهاء (3). انتهى كلامه.
وأقول: أغرب الوجوه التى قد ذكرها فى إعراب {نَعْبُدَ} وما عطف عليه الجزم. قال الزجّاج: لو كان {أَلََّا نَعْبُدَ إِلَّا اللََّهَ} بالجزم، {وَلََا نُشْرِكَ}
لجاز، على أن تكون «أن» مفسّرة فى تأويل أى، ويكون {أَلََّا نَعْبُدَ} على جهة النّهى، والمنهىّ هو الناهى فى الحقيقة، كأنهم نهوا أنفسهم (4). انتهى كلام أبى إسحاق.
وأقول: إنّ النّهى قد يوجّهه الناهى إلى نفسه، إذا كان له فيه مشارك، كقوله لواحد أو لأكثر: لا نسلّم على زيد، ولا ننطلق إلى أخيك، وكذلك الأمر، كقولك: لنقم إلى زيد، ولننطلق إلى أخيك، كما جاء فى التنزيل: {وَلْنَحْمِلْ خَطََايََاكُمْ} (5).
__________
(1) سورة آل عمران 64.
(2) ويكون التقدير: تعالوا إلى ترك عبادة غير الله. راجع التبيان ص 269.
(3) المشكل 1/ 143 (دمشق)، 1/ 162 (بغداد).
(4) معانى القرآن 1/ 426.
(5) سورة العنكبوت 12، وراجع المجلس السابع والخمسين.(3/175)
الأشمونىّ علىّ بن محمد (نحو 900هـ)
شارح ألفية ابن مالك، وقد نقل فى شرحه هذا عن ابن الشجرى، فحكى عنه رواية نصب «فارس» من قول الشاعرة (1):
فارسا ما غادروه ملحما ... غير زمّيل ولا نكس وكل
وحكى عنه الفرق بين «عند ولدن» (2).
ونقل عنه ما حكاه عن أبى على الفارسى، من جواز مجىء الحال من المضاف إليه (3).
ثم ذكره فى مواضع أخرى من شرحه المذكور (4).
الشيخ خالد بن عبد الله الأزهرىّ (905هـ)
حكى فى كتابه «التصريح على التوضيح» عن ابن الشجرى، فذكر تأويله لقول القطامىّ (5):
صريع غوان راقهنّ ورقنه ... لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب
ونقل رأيه فى أن الجملتين الأمرية والنهيية يضعف الإخبار بهما، لأن الخبر حقّه أن يكون محتملا للتصديق والتكذيب. حكى هذا الكلام ثم قال (6): «قاله ابن الشجرى ونوقش فيه». ولم يبين الشيخ خالد وجه المناقشة، وتكفل بها الشيخ
__________
(1) شرح الأشموى 2/ 82، وانظر ما تقدم قريبا عن ابن عقيل.
(2) شرح الأشموى 2/ 264، والأمالى المجلس الحادى والثلاثين.
(3) شرح الأشموى 2/ 179، وانظر ما تقدم قريبا عن ابن عقيل.
(4) شرح الأشموى 1/ 216 (باب المبتدأ والخبر)، و 1/ 253 (فصل لا العاملة عمل ليس) و 4/ 14 (باب الجوازم).
(5) التصريح على التوضيح 2/ 46، ويقارن بالأمالى المجلس الحادى والثلاثين.
(6) التصريح على التوضيح 1/ 298، ويقارن بالأمالى المجلس الأربعين.(1/175)
وليس لمكّىّ فيما أورده من الكلام فى هذه الآية زلّة، وإنما ذكرت ما ذكرته فيها لما فيه من الفائدة.
وقال فى قوله جلّ وعزّ: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلََّا أَذىً} (1): أذى فى موضع نصب، استثناء ليس من الأوّل (2).
وهذا القول نظير ما قاله فى قوله تعالى: {إِلََّا رَمْزاً} إنما {أَذىً} موضعه نصب بتقدير حذف الخافض، أى لن يضرّوكم إلّا بأذى لأنك لو حذفت «لن» و «إلّا» فقلت: يضرّونكم بأذى، كان مستقيما.
وقال فى قوله: {رَبَّنََا أَخْرِجْنََا مِنْ هََذِهِ الْقَرْيَةِ الظََّالِمِ أَهْلُهََا} (3): إنّما وحّد الظالم لجريانه على موحّد (4).
قوله: «وحّد لجريانه على موحّد» قول فاسد لأنّ الصّفة إذا ارتفع بها ظاهر وحّدت، وإن جرت على مثنّى أو مجموع، نحو: مررت بالرجلين الظريف أبواهما، وبالرجال الكريم آباؤهم لأنّ الصفة التى ترفع الظاهر تجرى مجرى الفعل الذى يرتفع به الظاهر، فى نحو: خرج أخواك، وينطلق غلمانك.
وحكى عن الفراء أنّ {الصََّابِئُونَ} من قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالصََّابِئُونَ وَالنَّصََارى ََ} (5) معطوف على المضمر فى {هََادُوا}، فنسب إليه ما لم يقله عن نفسه، وإنما حكاه عن الكسائىّ، وأبطله الفراء من وجه غير وجه (6)
__________
(1) سورة آل عمران 111.
(2) المشكل 1/ 152 (دمشق)، 1/ 170، (بغداد).
(3) سورة النساء 75.
(4) المشكل 1/ 197 (دمشق)، 1/ 203، وراجع مقالة الدكتور فرحات.
(5) سورة المائدة 69. والمشكل 1/ 237 (دمشق)، 1/ 232 (بغداد).
(6) هكذا فى نسخ الأمالى الثلاثة.(3/176)
يس، فقال (1): «وجه المناقشة أن الخبر المحتمل لما ذكر يقابل الإنشاء، أى الكلام الخبرى، لا خبر المبتدأ».
ثم حكى الشيخ خالد أقوال ابن الشجرى فى مواضع أخر من كتابه المذكور، ولم يتعرض له فيها بشىء (2).
السّيوطىّ عبد الرحمن بن أبى بكر (911هـ)
أشهر النحاة المتأخرين على الإطلاق، وقد حكى فى كتبه: همع الهوامع، والأشباه والنظائر، وشرح شواهد المغنى، حكى أقوال ابن الشجرى، ولم يتعقّبه فى شىء.
وترجع أهمية نقول السيوطى عن ابن الشجرى، إلى أنه لم يحك رأيا أو اختيارا لابن الشجرىّ فقط، بل إنه تجاوز ذلك إلى نقل فصول بأكملها، مما يعدّ توثيقا للأمالى (3).
وقد رأيت السيوطىّ ينسب كلاما إلى ابن مكتوم، هو من صميم كلام ابن الشجرى، وقد ذكرت هذا، فى حديثى عن ابن مكتوم.
البغدادىّ عبد القادر بن عمر (1093هـ)
صاحب «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب»، وهو شرح شواهد الرضىّ على كافية ابن الحاجب.
ويعدّ هذا الكتاب أعلى موسوعة فى علوم العربية وآدابها، شحنه بالنصوص
__________
(1) حاشية يس على التصريح، المنشورة بحاشية التصريح.
(2) التصريح على التوضيح 1/ 303، 304، 374، 2/ 144.
(3) راجع الأشباه والنظائر 1/ 84، 2/ 76، 186، 191، 286، 3/ 72، 4/ 131، 160، وشرح شواهد المغنى ص 88، 246، والهمع 1/ 104، 200، 202، 204، 206، 2/ 134.(1/176)
أبطله به مكّىّ، فقال فى كتابه الذى ضمّنه معانى القرآن: قال الكسائىّ:
ترفع {الصََّابِئُونَ} على إتباعه الاسم الذى فى {هََادُوا} وتجعله من قوله: {إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ} أى تبنا، ولا تجعله من اليهوديّة.
قال الفرّاء: وجاء التفسير بغير ذلك لأنه أراد بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا}:
الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى والصابئين، فقال: {مَنْ آمَنَ} منهم فله كذا وكذا، فجعلهم منافقين ويهودا ونصارى وصابئين. انتهى كلام الفرّاء (1).
يعنى أنه إذا صار معنى {هََادُوا}: تابوا هم والصابئون، بطل ذكر اليهود فى الآية. وأمّا الوجه الذى أبطل به مكّىّ قول الكسائىّ وعزاه إلى الفرّاء، فقوله:
وقد قال الفرّاء فى {الصََّابِئُونَ}: هو عطف على المضمر فى {هََادُوا}، قال:
وهذا غلط لأنه يوجب أن يكون الصابئون والنصارى يهودا، وأيضا فإنّ العطف على المضمر المرفوع قبل أن يؤكّد أو يفصل بينهما بما يقوم مقام التوكيد، قبيح عند بعض النحويّين.
ثم ذكر وجوها فى رفع الصابئين. وأقول: إنك إذا عطفت على اسم «إنّ» قبل الخبر، لم يجز فى المعطوف إلّا النّصب، نحو إنّ زيدا وعمرا منطلقان، ولا يجوز أن ترفع المعطوف حملا على موضع إنّ واسمها لأنّ موضعهما رفع بالابتداء، فتقول: إنّ زيدا وعمرو منطلقان لأن قولك: عمرو رفع بالابتداء، ومنطلقان خبر عنه وعن اسم إنّ، فقد أعملت فى الخبر عاملين: الابتداء وإنّ، وغير جائز أن يعمل فى اسم عاملان، وإن لم تثنّ الخبر فقلت: إنّ زيدا وعمرو منطلق، ففى ذلك قولان: أحدهما أن يكون خبر إنّ محذوفا، دلّ عليه الخبر المذكور، فالتقدير: إنّ
__________
(1) معانى القرآن 1/ 312، مع شىء من الاختلاف.(3/177)
النادرة، وحفظ لنا به بقايا من كتب قد فقدت أو اندثرت، مع عناية فائقة بالنقد والتحقيق لكلّ ما يورده من ذلك (1).
وقد أورد البغدادىّ «أمالى ابن الشجرى» ضمن الموادّ التى اعتمد عليها فى تأليف كتابه (2).
ثم رأيته قد ذكر ابن الشجرى فى نحو تسعين ومائة موضع من الخزانة (3)، ناقلا آراءه وأقواله فى مسائل النحو والصرف واللغة والأدب، ومنشدا شواهده فى كل ذلك.
ومع تصريح البغدادىّ بابن الشجرى فيما حكاه من أقواله، فإنى رأيت موضعا من الخزانة، نقل فيه كلام ابن الشجرى، ولم يصرح، وذلك ما ذكره فى شرح قول امرىء القيس (4):
على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا
وقريب من هذا أن البغدادىّ ينقل كلام سيبويه من طريق ابن الشجرى، دون أن يصرح، فمن ذلك ما حكاه عن سيبويه، فى مسألة: «ما مررت بأحد يقول ذاك إلا عبد الله»، وقول الشاعر:
فى ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلا كواكبها
فقد رأيت سياقه يتفق مع سياق ابن الشجرى تماما، مع تصرّف ابن الشجرى فيما نقل عن سيبويه، وقد نبه إلى هذا شيخنا عبد السلام هارون (5)، رحمه الله ورضى عنه.
ومن ذلك أيضا ما حكاه البغدادىّ عن سيبويه حول إلغاء «لا» وزيادتها فى قول الشاعر:
تركتنى حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان الناس أو كلبا
__________
(1) من كلام شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله رحمة واسعة فى مقدمة تحقيق الخزانة ص 19.
(2) الخزانة 1/ 18.
(3) راجع فهارس الخزانة 13/ 19، 284.
(4) الخزانة 10/ 193، ويقارن بالأمالى المجلس التاسع والعشرين.
(5) الخزانة 3/ 349، والأمالى المجلس الحادى عشر، والكتاب 2/ 312.(1/177)
زيدا منطلق وعمرو منطلق، وإلى هذا ذهب أبو الحسن الأخفش (1)، وأبو العباس المبرّد.
والآخر قول سيبويه (2)، وهو أن يكون الخبر المذكور خبر إنّ، وخبر المعطوف محذوفا، فالتقدير: إنّ زيدا منطلق وعمرو كذلك. فالتقدير فى الآية على المذهب الأول: إنّ الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله أى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم، [والصابئون والنّصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم (3)] فحذف الخبر الأول لدلالة الثانى عليه.
وعلى المذهب الآخر، وهو أن يكون الخبر المذكور خبر إنّ، وخبر الصابئين والنصارى محذوفا، كأنه قيل: والصابئون والنصارى كذلك.
* * * __________
(1) معانى القرآن ص 261، 262.
(2) الكتاب 2/ 155.
(3) سقط من الأصل.(3/178)
فقد سطا على ما حكاه ابن الشجرى عن سيبويه (1).
وقد استصوب البغدادىّ تأويل ابن الشجرى لقول الشاعر:
وقد جعلت نفسى تطيب لضغمة ... لضغمهما ها يقرع العظم نابها
فقال: وقد اختلف الناس فى معنى هذا البيت، وأصوب من تكلم عليه ابن الشجرى فى أماليه، فى موضعين منها (2).
ثم دفع ما ذكره النحاة المتأخرون من أن ابن الشجرى. قد أجاز الجزم بلو، وقد ذكرت ذلك فى الفقرة الثالثة عشرة من آراء ابن الشجرى.
وقد تعقب البغدادىّ ابن الشجرى فيما ذكره من أن قول أبى طالب (3):
ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادا فإنك عاقر
فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم.
قال البغدادى (4): وهذا البيت من قصيدة لأبى طالب عمّ النبى صلّى الله عليه وسلم، رثى بها أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وغلط بعضهم فزعم أنها مدح فى مسافر بن أبى عمرو. وأفحش من هذا القول قول ابن الشجرى فى «أماليه» إنها فى النبىّ صلّى الله عليه وسلم.
هذا وقد حكى البغدادىّ أيضا عن ابن الشجرى، فى مواضع من كتابه «شرح شواهد الشافية» وقد دللت على تلك المواضع فى حواشى التحقيق.
وفى كتابه شرح أبيات مغنى اللبيب، ذكره نحو أربعين ومائة مرّة (5).
وفى كتابه شرح شواهد شرح التحفة الوردية، ذكره مرّتين (6).
__________
(1) الخزانة 4/ 39، 40، والأمالى المجلس الحادى والثلاثين، والكتاب 2/ 302.
(2) الخزانة 5/ 302، والأمالى المجلسين الثالث عشر، والخامس والستين.
(3) الأمالى المجلس السابع والخمسون.
(4) الخزانة 4/ 244، والأمر على ما قال البغدادى فى ديوان أبى طالب ص 77.
(5) شرح أبيات المغنى 8/ 352.
(6) ص 88، 123.(1/178)
المجلس الحادى والثمانون يتضمّن ذكر ما لم نذكره من زلّات مكّىّ
فمن ذلك غلطه فى قوله تعالى، فى سورة الأنعام: {وَكَذََلِكَ نُفَصِّلُ الْآيََاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (1) قال: من قرأ بالتاء ونصب ال {سَبِيلُ} جعل التاء علامة خطاب واستقبال، وأضمر اسم النبىّ فى الفعل.
ومن قرأ بالتاء ورفع ال {سَبِيلُ} جعل التاء علامة تأنيث واستقبال، ولا ضمير فى الفعل، ورفع ال {سَبِيلُ} بفعله. حكى سيبويه (2): استبان الشىء، واستبنته أنا.
فأمّا من قرأ بالياء ورفع ال {سَبِيلُ} فإنّه ذكّر ال {سَبِيلُ} لأنه ممّا يذكّر ويؤنّث (3)، ورفعه بفعله.
ومن قرأ بالتاء (4) ونصب ال {رَحِيمٌ} أضمر اسم النبىّ عليه السّلام فى الفعل، ونصب ال {سَبِيلُ} لأنه مفعول به، واللام فى {لِتَسْتَبِينَ} متعلّقة بفعل محذوف، تقديره: ولتستبين سبيل المجرمين فصّلناها (5). انتهى كلامه.
__________
(1) سورة الأنعام 55. والقراءة الأولى لنافع وأبى جعفر، والثانية لابن كثير وأبى عمرو وابن عامر، وحفص عن عاصم، وكذا يعقوب، ووافقهم ابن محيصن واليزيدى والحسن. والثالثة لعاصم فى رواية أبى بكر، وحمزة والكسائىّ. السبعة ص 258، والكشف 1/ 433، والإتحاف 2/ 13، والدرّ المصون 4/ 655.
(2) الكتاب 4/ 63.
(3) المذكر والمؤنث لابن الأنبارى ص 320.
(4) فى المشكل بطبعتيه: «بالياء» وهو خطأ. وواضح أن هذا تقرير وتوجيه للقراءة الأولى، أعاده مكىّ، إذ لم يقرأ أحد بالياء ونصب السّبيل.
(5) المشكل 1/ 269 (دمشق)، 1/ 254 (بغداد).(3/179)
المرتضى الزّبيدى محمد بن محمد (1205هـ)
صاحب أضخم المعجمات العربية: تاج العروس فى شرح القاموس. وقد وقع لى موضع من هذا المعجم، ذكر فيه الزّبيدىّ ابن الشجرى، ولم أستقص جميع أجزاء ذلك المعجم الضخم، فإن ذلك محوج إلى زمن طويل:
ذكر الزّبيدىّ أقوال العلماء فى اشتقاق «القيل» وهو الملك من ملوك حمير، ثم قال (1): «وفيه كلام طويل لابن الشجرى وغيره».
ثم رأيت موضعا آخر، رجحت فيه أن الزّبيدىّ ناقل عن ابن الشجرى، وذلك ما أنشده من قول الشاعر:
رحت وفى رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر
ثم قال الزّبيدى (2): «قلت: هو للأقيشر، وقد جاء فى شعر الفرزدق أيضا، وصدره:
وأنت لو باكرت مشمولة ... صهباء مثل الفرس الأشقر
وقد ذكرت فى حواشى التحقيق ترجيحا أن الزّبيدىّ نقل ذلك من أمالى ابن الشجرى، استنادا إلى أن ابن الشجرى انفرد بهذه الرواية، وبنسبة الشعر إلى الفرزدق.
* * * __________
(1) تاج العروس. مادة (قول)، ويقارن بالأمالى المجلس الخامس والأربعين.
(2) تاج العروس. مادة (هنو) ويقارن بالأمالى المجلس التاسع والأربعين.(1/179)
وأقول: إنه غلط فى قوله: «واستقبال» بعد قوله: «جعل التاء علامة خطاب، وجعل التاء علامة تأنيث» لأنّ مثال «تستفعل» لا شبه بينه وبين مثال الماضى فتكون التاء علامة للاستقبال، فقولك: تستقيم أنت وتستعين هى، لا يكون إلّا للاستقبال، تقول: أنت تستقيم غدا، وهى تستعين بك بعد غد، ولا تقول: تستقيم أمس، ولا تستعين أوّل من أمس، فهو بخلاف «تفعّل» لأنك إذا قلت: أنت تبيّن حديثها، وهى تبيّن حديثك، أردت: تتبيّن، فحذفت التاء الثانية استثقالا للجمع بين مثلين متحرّكين، كما حذفت [من قوله (1)]: {تَنَزَّلُ الْمَلََائِكَةُ وَالرُّوحُ} (2) الأصل: تتنزّل، ففعل فيه ما ذكرنا من حذف الثانية، ولمّا حذفت التاء من قولك: تتبيّن، صار بلفظ الماضى فى قولك: قد تبيّن الحديث، وفى قوله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (3) فحصل الفرق بين الماضى والمستقبل باختلاف حركة آخرهما، ففى هذا النّحو يقال: التاء للخطاب والاستقبال، أو للتأنيث والاستقبال.
السّبيل ممّا ذكّروه، وأنّثوه، فالتأنيث فى قوله تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي} (4)، والتذكير فى قوله: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} (5).
وقال فى {جَنََّاتٍ} من قوله عزّ وجلّ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَأَخْرَجْنََا بِهِ نَبََاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنََا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرََاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهََا قِنْوََانٌ دََانِيَةٌ وَجَنََّاتٍ مِنْ أَعْنََابٍ} (6): من نصب {جَنََّاتٍ}
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) سورة القدر 4.
(3) سورة البقرة 265.
(4) سورة يوسف 108.
(5) سورة الأعراف 146.
(6) سورة الأنعام 99.(3/180)
مذهب ابن الشجرىّ النحوىّ
وإذا فرغت من بيان آراء ابن الشجرى، والكشف عن مصادره وموارده، وأثره فيمن جاء بعده من النحاة، يأتى السؤال التقليدىّ: أين يقف ابن الشجرى من المدارس النحوية: بصرية وكوفية وبغدادية؟
وقد كفانا ابن الشجرى مؤونة البحث والاستنتاج، حين نسب نفسه صراحة إلى البصريين، وذلك قوله فى سرد حجج البصريين فى فعلية «أفعل التعجب»:
«لأصحابنا» وقوله: «ومن أدلّة مذهبنا» (1).
ثم إن ابن الشجرى موصول النّسب النحوىّ بالبصرية، فإن سلسلة شيوخه كلها من نحاة البصرة، وقد ذكرتها نقلا عن تلميذه أبى البركات الأنبارى، فى أثناء حديثى عن سيبويه. وتبدو بصرية ابن الشجرى على امتداد كتابه «الأمالى» ودلائلها كثيرة، لعل من أبرزها موقفه من الخلاف بين سيبويه والكسائى، فى المسألة الزنبورية، وانتصاره لسيبويه، ثم من الخلاف بين البصريين والكوفيين، فى «نعم وبئس» و «أفعل التعجب»، واختياره جانب البصريين وقد أشرت إلى ذلك من قبل ثم ما وراء ذلك من استعمال المصطلحات البصرية.
وقد أعمل ابن الشجرى القياس، وأجرى العلّة، واعتبر العامل، لفظيّا ومعنويّا، كلّ ذلك فعل، فى مسائل النحو والصرف واللغة، وفق المنهج البصرى (2).
وقد صحّح ابن الشجرى آراء البصريين فى مواضع من الأمالى، منها رأيهم فى
__________
(1) المجلس التاسع والخمسون.
(2) أكثر الدارسون، قديما وحديثا، من الكلام على القياس والعلة والعامل، مما يجعل التعرض لذلك ضربا من اللغو والهذر، وتسويد الصفحات بما لا طائل تحته ولا غناء فيه. وبحسبى أن أشير إلى بعض المواضع التى عالج فيها ابن الشجرى القياس والعلة والعامل، وتراها فى المجالس: الأول والسابع والثامن، والثالث والعشرين والخامس والعشرين، والحادى والثلاثين والثانى والثلاثين، والثانى والأربعين والرابع والأربعين، والثامن والخمسين، والثالث والستين، والسبعين.(1/180)
عطفها على {نَبََاتَ}، وقد روى الرفع عن عاصم (1)، على الابتداء، بتقدير: ولهم جنّات، ولا يجوز عطفها على {قِنْوََانٌ} لأنّ الجنّات لا تكون من النخل (2).
أراد أنك لا ترفع {جَنََّاتٍ} بالعطف على {قِنْوََانٌ}، من قوله: {قِنْوََانٌ دََانِيَةٌ} لأن القنوان جمع قنو، وهو العذق التامّ، ويقال له أيضا: الكباسة، فلو عطفت {جَنََّاتٍ} على {قِنْوََانٌ} صار المعنى: ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب.
فقوله (3): لأن الجنّات لا تكون من النخل، فيه لبس لأنه يوهم أنها لا تكون إلّا من العنب دون النخل، وليس الأمر كذلك، بل قد تكون الجنّة من العنب على انفراده، وتكون من النخل على انفراده، وتكون منهما معا، فدلالة كونها منهما معا قوله: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ} (4)، ودلالة كونها من النخل بانفراده قول زهير (5):
كأنّ عينىّ فى غربى مقتّلة ... من النّواضح تسقى جنّة سحقا
قوله: «سحقا» صفة لمضاف محذوف، فالتقدير: تسقى نخل جنّة سحقا لأنّ السّحق جمع سحوق، وهى النخلة الباسقة، فكان الصواب أن يقول:
لأنّ الجنّات التى من الأعناب لا تكون من النّخل.
قول زهير:
كأنّ عينىّ فى غربى مقتّلة
__________
(1) فى رواية عن أبى بكر شعبة بن عيّاش، عنه، وقرأ بالرفع أيضا الأعمش ومحمد بن أبى ليلى.
مختصر فى شواذّ القراءات ص 39، وانظر توجيه هذه القراءة فى معانى القرآن للفراء 1/ 347، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 569، والكشاف 2/ 39، 40، والدرّ المصون 5/ 76، والإتحاف 2/ 24.
(2) المشكل 1/ 281 (دمشق)، 1/ 264 (بغداد).
(3) فى ط، د: وقوله.
(4) سورة الإسراء 91.
(5) ديوانه ص 37.(3/181)
عدم الجمع بين حرف النداء والميم فى «اللهم» (1)، ومنها قولهم فى أن الفتحة فى نحو «لا رجل فى الدار» بناء يشبه الإعراب (2).
هذا وقد جرت قواعد البصريين على لسان ابن الشجرى، من غير أن يصرّح بنسبتها إليهم، وهو مما ظهر لى فى أثناء تحقيق الجزء الأول من الأمالى، فمن ذلك:
1 - تعليل استعمال الجمع مكان المثنى، فى نحو «ما أحسن وجوه الرجلين» ذكره ابن الشجرى، وحكاه عنه البغدادى، ثم قال (3): «وهذا علّة البصريين».
2 - ذكر ابن الشجرى أن الضّعف والضّعف، بفتح الضاد وضمها، لغتان، كالزّعم والزّعم، والفقر والفقر، قال: وزعم قوم أن الضّعف بالضم، فى الجسم، والضّعف فى العقل، وليس هذا بقول يعتمد عليه، لأن القرّاء قد ضمّوا الضاد وفتحوها فى قوله تعالى: {اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}.
هذا كلام ابن الشجرى (4)، وهو راجع إلى رأى أهل البصرة، كما جاء فى اللسان، مادة (ضعف).
3 - قال ابن الشجرى فى قول الأعشى:
* يقولون أصبح ليل والليل عاتم *
أراد: ياليل، فحذف حرف النداء، وحذفه إذا صح أن يكون المنادى صفة لأىّ، قليل، لشذوذه عن القياس (5).
وقد أفاد الشيخ خالد الأزهرى أن هذا رأى البصريين (6).
__________
(1) المجلس السادس والخمسون.
(2) المجلس السابع والستون.
(3) الخزانة 3/ 370، والأمالى المجلس الثانى.
(4) المجلس الحادى والثلاثون.
(5) المجلس الخامس والثلاثون.
(6) التصريح على التوضيح 2/ 165.(1/181)
الغربان: الدّلوان الضّخمان. والمقتّلة: المذّللة، وإنما جعلها مذلّلة لأنّ المذللّة تخرج الغرب ملآن يسيل من نواحيه، والصّعبة تنفر فتهريقه، فلا يبقى منه إلّا صبابة، وكلّ بعير استقى عليه فهو ناضح، والرجل الذى يستقى عليه ناضح (1).
ومن أغاليطه قوله فى قوله تعالى، فى سورة الأعراف: {حَتََّى إِذَا ادََّارَكُوا فِيهََا} (2): أصل {ادََّارَكُوا} تداركوا، ثم أدغمت التاء فى الدال، فسكن أوّل المدغم، فاحتيج إلى ألف الوصل، فثبتت الألف فى الخطّ، ولا تستطاع على وزنها مع ألف الوصل لأنّك تردّ الزائد أصليّا، فتقول: وزنها إفّاعلوا، فتصير تاء «تفاعلوا» فاء الفعل لإدغامها فى فاء الفعل، وذلك لا يجوز، فإن وزنتها على الأصل جاز فقلت: تفاعلوا (3). انتهى كلامه.
وأقول: إنّ عبارته فى هذا الفصل مختلّة، ورأيت فى نسخة من هذا التأليف:
«لا يستطاع على وزنها» بالياء. والصحيح استعماله بغير الجارّ: لا يستطاع وزنها (4) لأن «استطعت» ممّا يتعدّى بنفسه، كما جاء: {فَلََا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} [5]، و «تستطاع» بالتاء جائز على قلق فيه، وكان الأولى أن يقول:
ولا يسوغ وزنها مع التلفّظ بتاء «تفاعلوا» فاء، ثم إنّ منعه أن توزن هذه الكلمة وفيها ألف الوصل غير جائز لأنك تلفظ بها مع إظهار التاء، فتقول: وزن ادّاركوا: اتفاعلوا، وإن شئت قلت: ادفاعلوا، فلفظت بالدال المبدلة من التاء.
وقال فى قوله تعالى: {سََاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} (6): فى {سََاءَ} ضمير الفاعل، و {مَثَلًا} تفسير، و {الْقَوْمُ} رفع بالابتداء، وما قبلهم خبرهم، أو رفع على
__________
(1) هذا الشرح كله من كلام ثعلب، فى شرحه للديوان ص 38، وانظر أيضا شرح الأعلم ص 66.
(2) سورة الأعراف 38.
(3) المشكل 1/ 314 (دمشق)، 1/ 290 (بغداد).
(4) فيما حكاه السّمين عن مكّىّ «ولا يستطاع اللفظ بوزنها مع ألف الوصل». الدرّ المصون 5/ 313. وراجع مقالة الدكتور فرحات.
(5) سورة يس 50.
(6) سورة الأعراف 177.(3/182)
4 - ذكر ابن الشجرى أن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له خبرا أو وصفا لزمك إبراز ضمير المتكلم والمخاطب والغائب (1). وهذا هو رأى البصريين، وقد عقد له أبو البركات الأنبارى مسألة فى الإنصاف (2).
5 - حكى ابن الشجرى عن المبرد وهو من أئمة البصريين أن المراد فى قوله تعالى: {وَلَدََارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ}: ولدار الساعة الآخرة، على تقدير حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه (3).
وقد ذكرت فى حواشى التحقيق أن الكوفيين يجعلون هذا ونحوه من باب إضافة الشىء إلى نفسه، كمسجد الجامع، وصلاة الأولى.
6 - ذكر ابن الشجرى أن الاسم الظاهر لا يسوغ عطفه على الضمير المجرور إلا بإعادة الجارّ (4). وهذا مذهب البصريين، وأشهر شواهده قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا اللََّهَ الَّذِي تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ}.
7 - ذكر ابن الشجرى (5) من حروف المعانى التى حذفت وقدّرت «قد» فى قوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}، أى: وقد اتبعك الأرذلون، أى:
أنؤمن لك فى هذه الحال. قال: وإنما وجب تقدير «قد» ها هنا، لأن الماضى لا يقع فى موضع الحال إلا ومعه «قد» ظاهرة أو مقدرة.
وهذا قول البصريين، كما ذكر الأنبارىّ (6).
ومع ولاء ابن الشجرى للمدرسة البصرية، ونزوعه إلى آرائها، فإنه قد خالف عن أقوالها، فيما تعقّب به المبرد ومن إليه من أعلام هذه المدرسة، وقد عرضت لذلك فى حديثى عن مصادره.
__________
(1) المجلس التاسع والثلاثون.
(2) الإنصاف (المسألة الثامنة) ص 57.
(3) المجلس التاسع والثلاثون.
(4) المجلس الحادى والأربعون.
(5) المجلس الرابع والأربعون.
(6) الإنصاف (المسألة الثانية والثلاثون) ص 252.(1/182)
إضمار مبتدأ، تقديره: ساء المثل مثلا هم القوم الذين كذّبوا، مثل نعم رجلا زيد.
وقال الأخفش (1): تقديره: ساء مثلا مثل القوم (2).
قلت: ساء بمنزلة بئس، وهذا الباب لا يكون فيه المقصود بالذمّ أو المدح إلّا من جنس الفاعل، فلا يجوز: بئس مثلا غلامك، إلّا أن يراد: مثل غلامك، فيحذف (3) المضاف. فقول الأخفش هو الصّواب، ومن زعم أن التقدير: ساء مثلا هم القوم، فقد أخطأ خطأ فاحشا.
ومن الأغاليط الشنيعة أقوال حكاها فى سورة الأنفال، فى قوله تعالى: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} (4) قال: الكاف من {كَمََا} فى موضع نصب، نعت لمصدر {يُجََادِلُونَكَ} أى جدالا كما، وقيل: هى نعت لمصدر يدلّ عليه معنى الكلام، تقديره: الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك، وقيل: هى نعت لحقّ، أى هم المؤمنون حقّا كما. وقيل: الكاف فى موضع رفع، والتقدير: كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ، فاتّقوا الله، فهو ابتداء وخبر. وقيل: الكاف بمعنى الواو للقسم، أى الأنفال لله والرسول والذى أخرجك (5). انتهى كلامه.
وهذه أقوال رديئة منحرفة عن الصّحة انحرافا كلّياّ، وأوغلها فى الرّداءة القول الرابع والخامس. فقوله: الكاف من {كَمََا} فى موضع رفع بالابتداء، وخبره {فَاتَّقُوا اللََّهَ} (6) قول ظاهر الفساد، من وجوه، أحدها أن الجملة التى
__________
(1) معانى القرآن ص 342.
(2) المشكل 1/ 335 (دمشق)، 1/ 306 (بغداد).
(3) فى الأصل: فحذف.
(4) سورة الأنفال 5، وقد عرض ابن الشجرى لتأويل هذه الآية الكريمة فى المجلس الثالث عشر.
(5) المشكل 1/ 339، 340 (دمشق)، 1/ 309. 310 (بغداد).
(6) من الآية الأولى من السورة.(3/183)
ثم رأيته قد خالف البصرية فى توجيه الباء فى قوله تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} فهو يرى أن الباء هنا بمعنى «عن»، وأن المراد: فاسأل عنه خبيرا (1).
وأهل البصرة على غير هذا. قال ابن هشام (2): وتأول البصريون {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} على أن الباء للسببيّة، وزعموا أنها لا تكون بمعنى «عن» أصلا، وفيه بعد، لأنه لا يقتضى قولك: سألت بسببه، أن المجرور هو المسؤول عنه.
* * * __________
(1) المجلس السبعون.
(2) المغنى ص 110، وراجع دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 17.(1/183)
هى {فَاتَّقُوا اللََّهَ} مع تقديمها على الكاف، بينها وبين الكاف فصل بثلاث آيات، وبعض آية رابعة، وهذا الفاصل مشتمل على عشر جمل، وليس (1) فى كلام العرب، ولا فى الشّعر الذى هو محلّ الضّرورات خبر قدّم على المخبر عنه، مع الفصل بينهما بعشر جمل أجنبيّة.
والثانى: دخول الفاء فى الجملة التى زعم أنها الخبر، والفاء لا تدخل فى خبر المبتدأ إلّا أن يغلب عليه شبه الشّرط، بأن يكون اسما موصولا بجملة فعليّة، أو يكون نكرة موصوفة، كقولك: الذى يزورنى فله درهم، وكلّ رجل يزورنى فله درهم، أو يكون خبر المبتدأ الواقع بعد «أمّا».
والثالث: أن الجملة التى هى قوله: {فَاتَّقُوا اللََّهَ} خالية من ضمير يعود على الكاف الذى زعم أنه مبتدأ، وهى مع ذلك جملة أمريّة، والجمل الأمريّة لا تكاد تقع أخبارا إلّا نادرا، وتمثيل هذا الذى قد قرّره قائله وهو تقرير باطل قولك: فاتّق الله كما أخرجك زيد من الدار، وأىّ فائدة فى انعقاد هذين الكلامين؟
والقول الآخر التابع لما قبله فى الرّذالة، والآخذ بالحظّ الوافر من الاستحالة قول من زعم أن الكاف للقسم، بمنزلة الواو، وهذا ممّا لا يجوز حكايته، فضلا عن تقبّله، وما علمت فى مذهب أحد ممّن يوثق بعلمه فى النحو بصرىّ ولا كوفىّ، أنّ الكاف تكون بمنزلة الواو فى القسم (2)، فلو قال قائل: كالله لأخرجنّ، يريد: والله لأخرجنّ، لاستحقّ أن يبصق فى وجهه. ثم إنه جعل هذا
__________
(1) فى ط: «ولم يأت»، وفى د: «ولا يأت».
(2) بل أثر هذا عن أبى عبيدة، فقد قال: «مجازها مجاز القسم، كقولك: والذى أخرجك ربّك لأن «ما» فى موضع «الذى» وفى آية أخرى: {وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} الشمس 5أى والذى بناها» مجاز القرآن 1/ 240، وذكره أبو جعفر الطبرى عن بعضهم. تفسيره 13/ 393. وحكاه أيضا ابن هشام عن أبي عبيدة، وذكره فى الجهة الثالثة من الجهات التى يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها، وهو التخريج على ما لم يثبت فى العربية، من الجهل أو الغفلة، ثم ذكر تشنيع ابن الشجرى على مكّىّ. المغنى ص 546. وراجع مقالة الدكتور فرحات. وحكاه أيضا عن أبى عبيدة أبو حيان، وقال فيه: «وكان ضعيفا فى علم النحو». البحر 4/ 459.(3/184)
ابن الشجرى ومدرسة الكوفة
لابن الشجرى كلمة عن أهل الكوفة، تعكس موقفه منهم وحكمه عليهم، وذلك قوله تعقيبا على رأى الكسائى، فى إعراب قول الشاعر:
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنف إذا ماضن باللّبن
قال ابن الشجرى بعد مناقشة إعراب الكسائى (1): ولنحاة الكوفة فى أكثر كلامهم تهاويل فارغة من حقيقة.
ثم يمضى ابن الشجرى على امتداد الأمالى يردّ على الكوفيين ويستبعد أقوالهم، وقد مرّ بك موقفه من الكسائى رأس مدرسة الكوفة فى المسألة الزنبورية، ونصره لمذهب سيبويه، ثم موقفه من الخلاف بين البصريين والكوفيين، فى فعلية «نعم وبئس» و «أفعل التعجب»، ومن ذلك أيضا تضعيفه لرأيهم فى اشتقاق الاسم (2). وردّه عليهم فى إعراب فعل الأمر للمخاطب، قال (3): «وزعم الكوفيون أن فعل الأمر للمواجه مجزوم بتقدير اللام الأمرية، وهو قول مناف للقياس، وذلك أن الجزم فى الفعل نظير الجر فى الاسم، فحرف الجرّ أقوى من حرف الجزم، كما أن الاسم أقوى من الفعل، وحرف الجر لا يسوغ إعماله مقدّرا إلا على سبيل الشذوذ، وإذا امتنع هذا فى القوىّ، فامتناعه فى الضعيف أجدر». ثم استبعد أقوال الكوفيين فى مواضع أخرى من الأمالى (4).
على أن موقف ابن الشجرى هذا من الكوفيين، لم يمنعه من الأخذ عنهم، والميل إلى آرائهم، وقد تقدمت حكايته أقوال الكسائى والفراء، بل إنه قوّى رأى الكسائى فى بعض الأحيان، وتأثّر أبا زكريا الفراء فى أشياء كثيرة، وقد تحدثت عن ذلك من قبل. ثم حكى رأى ثعلب فى الفرق بين قام زيد وعمرو معا، وقام زيد
__________
(1) المجلس السادس.
(2) المجلس الثالث والخمسون.
(3) المجلس السابع والخمسون.
(4) تراها فى المجالس: الثامن والستين، والرابع والسبعين، والتاسع والسبعين.(1/184)
القسم واقعا على أوّل السّورة، وجعل «ما» التى فى قوله: {كَمََا أَخْرَجَكَ}
بمعنى الذى، وجعلها واقعة على القديم تعالى جدّه، مع جعله الكاف بمعنى الواو، فقال فى حكايته: الأنفال لله والرسول والذى أخرجك. وهذا لو كان على ما تلفّظ به لوجب أن يكون فاعل {أَخْرَجَكَ} مضمرا عائدا على «الذى»، وكيف يكون فى {أَخْرَجَكَ} ضمير، والفاعل {رَبُّكَ}؟ فكأنه قيل: الأنفال لله والرسول والذى أخرجك ربّك. ثم تعليقه لهذا الذى زعم أنه قسم، بأوّل السّورة يجرى مجرى القول الذى قبله فى تباعد المتعاقدين.
وأمّا قوله: إن موضع الكاف نصب على أنها نعت لمصدر {يُجََادِلُونَكَ}
فإنه أيضا قول فاسد لأنّ قوله: {يُجََادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} معناه: فى إخراجك من بيتك وخروجهم معك، فلهذا قال: {كَأَنَّمََا يُسََاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} فيكون المعنى على هذا التأويل: يجادلونك فى إخراجك من بيتك جدالا مثل ما أخرجك ربّك من بيتك. فهذا تشبيه الشىء بنفسه لأنه تشبيه إخراجه من بيته بإخراجه من بيته.
وقوله: إن الكاف تكون نعتا لمصدر يدلّ عليه (1) معنى الكلام، تقديره: قل الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك. فهذا أيضا ضعيف لتباعد ما بينهما.
وأقرب هذه الأقوال إلى الصحّة قوله: إن الكاف تكون نعتا للمصدر الذى هو {حَقًّا} (2) لأمرين: أحدهما تقارب ما بينهما، والآخر: أنّ إخراجه من بيته كان حقّا، بدلالة وصفه له بالحقّ فى قوله: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}.
وإيراد مكّىّ لهذه الأقوال الفاسدة، من غير إنكار شىء منها دليل على أنه كان مثل قائليها فى عدم البصيرة.
__________
(1) فى الأصل: «على». خطأ.
(2) ذكر هذا الوجه أبو الحسن الأخفش، فى معانى القرآن ص 345، وراجع الموضع السابق عن البحر، والدرّ المصون 5/ 559.(3/185)
وعمرو جميعا (1). وقد ثبت أن ابن الشجرى كان يقرىء. «أمالى ثعلب»، وقد أقرأ جزءا منها للحافظ أبى سعد السمعانى (2).
وقد استجاد ابن الشجرى رأى الكوفيين فى تعليق {عَلَيْكُمْ} من قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} قال (3): فإن علقت {عَلَيْكُمْ} بحرّم، فهو الوجه، لأنه الأقرب، وهو اختيار البصريين، وإن علقت بأتل، فجيّد، لأنه الأسبق، وهو اختيار الكوفيين.
ولم يمنع ابن الشجرى من تقدير الكوفيين فى إعراب «أجرّبه» من قول المتنبى:
أتأذن لى ولك السابقات ... أجرّبه لك فى ذا الفتى
قال (4): وفى قوله: «أجرّبه» حذفان، لأن الأصل: فى أن أجرّبه، فحذف الجار، وحذف «أن» فارتفع الفعل، ولو نصبته بتقدير «أن» لجاز، على المذهب الكوفى.
ثم رأيته يتابع الكوفية غير مصرح، فمن ذلك:
توجيه إعراب «فاه» من قولهم: «كلمته فاه إلى فىّ»، قال (5):
«فالجواب أن «فاه» عند النحويين منتصب بمحذوف مقدر، وذلك المحذوف كان هو الحال فى الحقيقة، وهذا المنصوب المعرفة قائم مقامه، وتقديره: «جاعلا فاه» إلى فىّ. وقد ذكرت فى حواشى التحقيق، نقلا عن ابن يعيش وأبى حيان، أن هذا من تقدير الكوفيين.
وقال (6) فى إعراب {لِمَنْ كََانَ} من قوله تعالى: {لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي}
__________
(1) المجلس الثانى والثلاثون.
(2) مرآة الجنان 3/ 275.
(3) المجلس الثامن.
(4) المجلس الحادى والثلاثون.
(5) المجلس الثالث والعشرون.
(6) المجلس الحادى والأربعون.(1/185)
والقول فى تحقيق إعراب هذا الحرف (1): أن قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} الآية، نزلت فى أنفال أهل بدر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه (2) لمّا رأى قلّة أصحابه وكراهيتهم للقتال قال ليرغّبهم فى القتال: «من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا (3)». فلما فرغ من أهل بدر قام سعد بن معاذ (4)، فقال: يا رسول الله، إن نفّلت هؤلاء ما سمّيت لهم بقى كثير من المسلمين بغير شىء. فأنزل الله: {قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللََّهَ وَأَصْلِحُوا ذََاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ} فى قسمه الغنائم، فهى له يصنع فيها ما يشاء. فسكتوا وفى أنفسهم من ذلك كراهية، وهو قوله: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}
على كره منهم من المسلمين، فامض لأمر الله فى المغانم، كما مضيت على مخرجك وهم له كارهون. فموضع الكاف على هذا رفع، بأنها مع ما اتّصلت به خبر مبتدأ محذوف، فالتقدير: كراهيتهم لقسمتك الأنفال كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، فقوله: {كَمََا أَخْرَجَكَ} معناه: مثل إخراجك. وإن قدّرت المبتدأ «هذا» وأشرت به إلى كراهيتهم لقسمة النبىّ للأنفال، فأردت: هذا كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ، فحسن. وبالله التوفيق.
ومن أغاليطه فى سورة براءة، ما قاله فى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ}
__________
(1) راجع المجلس الثالث عشر.
(2) هكذا فى النّسخ الثلاث، بدون ذكر «وسلّم». وهذه طريقة لبعض العلماء المتقدمين، وقد رأيتها فى أسلوب الشافعىّ فى الرسالة، والحربىّ فى غريب الحديث، والخطابىّ فى غريب الحديث أيضا، والهروىّ فى الغريبين. وانظر حكم الصلاة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم نطقا وخطأ فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للخطيب 1/ 271، ومقدمة تحقيق الرسالة ص 25، ومتن الرسالة ص 17، وطبقات الشافعية 1/ 22.
(3) أسباب النزول للواحدى ص 228، وتخريج الحديث فى حواشى محقّقه شيخنا السيد أحمد صقر رحمه الله رحمة سابغة. وانظره أيضا فى مصنّف عبد الرزاق 5/ 239.
(4) هكذا هنا وفيما سبق فى المجلس الثالث عشر، ومثله فى معانى القرآن للفراء 1/ 403، والذى فى مصنف عبد الرزاق، وتفسير ابن كثير 3/ 549، والدر المنثور 3/ 160، وسير أعلام النبلاء 1/ 274:
«سعد بن عبادة».(3/186)
{رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ}: فقوله: {لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ} بدل من قوله: {لَكُمْ} وأعيدت اللام فى البدل، كما أعيدت فى قوله تعالى: {قََالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}، وقد أشرت فى حواشى التحقيق إلى أن هذا رأى الكوفيين والأخفش، وعليه الزمخشرى، ولا يجيزه البصريون، لأن الغائب لا يبدل من المخاطب، وعندهم أن اللام فى {لِمَنْ} متعلقة بحسنة.
ويبقى بعد ذلك أن أشير إلى ما ذكره أستاذنا الدكتور شوقى ضيف (1)، فقد جعل ابن الشجرى فى عداد المدرسة البغدادية، التى خلطت المذهبين، مع نزوع إلى آراء البصريين، ويدفع ذلك تصريح ابن الشجرى نفسه ببصريته فى غير موضع من الأمالى، كما قدمت، وابن الشجرى يذكر البغداديين (2) ولا يعدّ نفسه فيهم.
* * * __________
(1) المدارس النحوية ص 277.
(2) المجلس الثانى والثلاثون.(1/186)
{الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقََاتِ وَالَّذِينَ لََا يَجِدُونَ إِلََّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} (1) قال: {وَالَّذِينَ لََا يَجِدُونَ} فى موضع خفض، عطف على {الْمُؤْمِنِينَ}، ولا يحسن عطفه على {الْمُطَّوِّعِينَ} لأنه لم يتمّ اسما بعد لأنّ {فَيَسْخَرُونَ} عطف على {يَلْمِزُونَ} هكذا ذكر النّحاس فى الإعراب له، وهو عندى وهم (2). انتهى كلامه.
يعنى أنّ النّحاس ذكر أن قوله (3): {وَالَّذِينَ لََا يَجِدُونَ} عطف على {الْمُطَّوِّعِينَ} ومنع هو من هذا لأن {الْمُطَّوِّعِينَ} بزعمه لم تتمّ صلته، وليس الأمر على ما قال، بل صلة الألف واللام من {الْمُطَّوِّعِينَ} آخرها قوله: {فِي الصَّدَقََاتِ}، واحتجّ بأنّ {الْمُطَّوِّعِينَ} لم تتمّ صلته بعطف {فَيَسْخَرُونَ} على {يَلْمِزُونَ} وأىّ حجّة فى هذا، و {يَلْمِزُونَ}
قبل {الْمُطَّوِّعِينَ}؟ وزعم أن {الَّذِينَ لََا يَجِدُونَ} عطف على {الْمُؤْمِنِينَ}، وهذا غير صحيح لأن تقدير الكلام على قوله: يلمزون من تطوّع من المؤمنين، ومن الذين لا يجدون إلّا جهدهم، فيكون الذين لا يجدون إلّا جهدهم غير مؤمنين لأنّ المعطوف يلزمه أن يكون غير المعطوف عليه، تقول: جاءنى أصحابك والرجال النّصارى، فيكون النّصارى غير أصحابه، وجاءنى الرجال النصارى وأصحابك، فيكون أصحابه غير نصارى.
__________
(1) سورة التوبة 79.
(2) المشكل 1/ 368 (دمشق)، 1/ 334 (بغداد). وإعراب القرآن للنحاس 2/ 33.
(3) هذا غير صحيح. وظاهر أن ابن الشجرىّ لم يطّلع على كلام النحاس فى كتابه إعراب القرآن، ولو رآه لعلم أن مكيّا قد نقله بتمامه، وأن عبارة «وهو عندى وهم» التى قالها مكّىّ تنسحب على كلّ ما ذكره فى الآية الكريمة محكيّا عن النحاس. وقول ابن الشجرى: «ومنع هو من هذا» لا ينبغى أن تعود على مكّىّ، فإنه لم يمنع شيئا، والمانع فى الحقيقة هو النحاس، فإن كان إيراد وتعقّب فعليه لا على مكّىّ. وقد نبّه على هذا الدكتور فرحات فى مقالته. وانظر إعراب الآية فى إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج 2/ 638، 749، والبحر المحيط 5/ 76، والدرّ المصون 6/ 88.(3/187)
الباب الثالث أمالى ابن الشجرى
قال الحاجّ خليفة (1): «الأمالى: هو جمع الإملاء (2)، وهو أن يقعد عالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيتكلم العالم بما فتح الله سبحانه وتعالى عليه من العلم، ويكتبه التلامذة، فيصير كتابا ويسمّونه الإملاء والأمالى، وكذلك كان السّلف من الفقهاء والمحدثين وأهل العربية وغيرها فى علومهم، فاندرست لذهاب العلم والعلماء، وإلى الله المصير، وعلماء الشافعية يسمّون مثله التعليق».
وقد كثرت الأمالى فى مختلف العلوم والفنون، ولعل علماء الحديث هم أكثر الناس اهتماما بهذا اللون من التأليف.
والذى يعنينا هنا الأمالى المصنّفة فى علوم العربية، فمن أشهرها:
1 - أمالى ثعلب (291هـ) وقد نشرت باسم: مجالس ثعلب، بتحقيق شيخنا الجليل عبد السلام هارون رحمه الله، وقد طبعت أكثر من طبعة بدار المعارف بمصر، وهى الكتاب الأول من سلسلة ذخائر العرب.
2 - أمالى اليزيدى (310هـ)، نشرت فى حيدر آباد بالهند، سنة 1367هـ.
3 - أمالى الزجاجى (3) (340هـ) حققها شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله. مطبعة المؤسسة العربية الحديثة القاهرة 1382هـ.
4 - أمالى القالى (356هـ) وهى أكثر كتب الأمالى شهرة وذيوعا.
طبعت بدار الكتب المصرية سنة 1344هـ.
__________
(1) كشف الظنون ص 161.
(2) على غير قياس، وقيل: جمع أملية، كأغنية وأحجية وأثفية وأمسية. راجع مقالة الدكتور عمر الدقاق (أبو على القالى وكتابه الأمالى) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مجلد 44جزء 3ص 527.
(3) ويلتحق بأمالى الزجاجى: مجالسه، التى نشرها شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله بالكويت سنة 1962م، للصلة الوثيقة بين الأمالى والمجالس، وإن كان شيخنا يرى بينهما فرقا دقيقا، ذكره فى(1/187)
والصواب عطف {الَّذِينَ لََا يَجِدُونَ} على {الْمُطَّوِّعِينَ}، فالتقدير:
يلمزون الأغنياء المتطوّعين، ويلمزون ذوى الأموال الحقيرة، الذين لا يجدون إلّا جهدهم، وذلك أن عبد الرحمن بن عوف أتى بصرّة من ذهب تملأ الكفّ، وأتى رجل يقال له: أبو عقيل (1) بصاع من تمر، فعابه المنافقون بذلك، فقالوا: ربّ محمد غنىّ عن صاع هذا. فالنّحّاس إذن مصيب (2)، والرادّ عليه هو المخطىء.
وقال فى قوله تعالى، فى سورة يونس: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللََّهُ لِلنََّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجََالَهُمْ بِالْخَيْرِ} (3) قوله: {اسْتِعْجََالَهُمْ} مصدر، تقديره: استعجالا مثل استعجالهم، ثم أقام الصفة، وهى «مثل» مقام الموصوف، وهو الاستعجال، ثم أقام المضاف إليه، وهو «استعجالهم» مقام المضاف، وهو «مثل» هذا مذهب سيبويه. وقيل: تقديره: كاستعجالهم، فلمّا حذف حرف الجرّ نصب. ويلزم من قدّر حذف حرف الجرّ منه أن يجيز: زيد الأسد، فينصب الأسد، على تقدير:
كالأسد (4).
قلت: لا يلزم من قدّر الكاف فى قوله: {اسْتِعْجََالَهُمْ} أن يجيز: زيد الأسد لأن الكاف حرف شاعت فيه الاسميّة، حتى دخل عليه الخافض، وأسند إليه الفعل (5)، وليس من الحروف الخافضة التى إذا أسقطتها نصبت ما بعدها، وإنما هى أداة تشبيه، إذا حذفت جرى ما بعدها على إعراب ما قبلها، كقولك: فينا رجل كأسد، ورأيت رجلا كأسد، ومررت برجل كأسد، تقول إذا ألقيتها: فينا رجل أسد، ورأيت رجلا أسدا، ومررت برجل أسد، فلا يجوز: زيد الأسد، بالنصب لأنّ منزلتها منزلة «مثل» فى قولك: زيد مثل بكر، تقول إذا حذفت
__________
(1) الأنصارى. واختلف فى اسمه، على ما تراه فى حواشى تفسير الطبرى 14/ 384.
(2) النحاس ينبغى أن يكون هو المخطىء، وفق ما قرّره ابن الشجرى، وراجع التعليق السابق.
(3) سورة يونس 11.
(4) المشكل 1/ 375 (دمشق)، 1/ 340 (بغداد).
(5) راجع المجلسين: السابع والستين، والحادى والسبعين.(3/188)
5 - أمالى المرتضى (436هـ) وتسمى غرر الفوائد ودرر القلائد، نشرها الأستاذ الكبير محمد أبو الفضل إبراهيم، رحمه الله، بمطبعة عيسى البابى الحلبى، بالقاهرة سنة 1373هـ.
6 - أمالى ابن الشجرى (542هـ) موضوع هذه الدراسة.
7 - أمالى ابن الحاجب (646هـ) أقام عليها درسا للدكتوراه الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الدايم، رحمه الله. ونشرها الدكتور هادى حسن حمّودى، سنة 1405هـ 1985م عالم الكتب بيروت.
8 - أمالى الشّهاب الخفاجى (1069هـ)، وتسمى طراز المجالس (1)، طبعت بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1284هـ وقد أشار الخفاجى فى مقدمة «أماليه» هذه إلى ابن الشجرى، وذلك قوله: «فهذه بنات فكر زففتها إليك، وأمالى مجالس أمليتها عليك، مما تقرّ به عين الأدب، ويتحلّى بذوقه لسان العرب، لو رآها ابن الشجرى لقال: هذه ثمرات الألباب، أو ابن الحاجب لقام بين يديها من جملة الحجّاب، أو ثعلب لراغ عمّا أملاه، أو القالى لهجر ما أملاه وقلاه».
* * * وقد اختلفت هذه الأمالى فيما بينها شرعة ومنهاجا، من حديث غلبة فنّ من الفنون على سواه من الفنون الأخرى، كما ترى من غلبة اللغة والأدب على أمالى القالى.
__________
مقدمة «مجالس ثعلب»، من حيث إن الأمالى كان يمليها الشيخ أو من ينيبه عنه بحضرته، فيتلقفها الطلاب بالتقييد فى دفاترهم، وفى هذا يكون الشيخ قد أعدّ ما يمليه، أو يلقى إلى الطلبة ما يشاء من تلقاء نفسه، وأما المجالس فتختلف عن تلك بأنها تسجيل كامل، لما كان يحدث فى مجالس العلماء، ففيها يلقى الشيخ ما يشاء من تلقاء نفسه، وفيها كذلك يسأل الشيخ فيجيب، فيدوّن كلّ ذلك فيما يسمى مجلسا.
وقد يردّ ما ذهب إليه أستاذنا شيئان: الأول أن كتب الأمالى تسمى مجالس، كما فى أمالى ثعلب وأمالى الخفاجى الآتية. والثانى أن بعض كتب الأمالى تأتى مسائلها تحت اسم «مجالس» كما هو الحال فى أمالى المرتضى وأمالى ابن الشجرى، فلا فرق إذن.
(1) راجع مقدمة تحقيق ريحانة الألبا ص 12، 21.(1/188)
«مثلا»: زيد بكر، كما قال تعالى: {وَأَزْوََاجُهُ أُمَّهََاتُهُمْ} (1)، ولعمرى إن قول سيبويه (2) فى الآية هو الوجه. ومن قدّر الكاف وحذفها، فنصب ما بعدها، فلأنّ ما قبلها منصوب.
وقال فى قوله تعالى: {فَزَيَّلْنََا بَيْنَهُمْ} (3): هو فعّلنا، من زلت الشىء عن الشىء، فأنا أزيله: إذا نحّيته، والتشديد للتكثير، ولا يجوز أن يكون فيعلنا، من زال يزول لأنه يلزم فيه الواو، فيقال: زوّلنا. وحكى الفرّاء (4) أنه قرىء:
«فزايلنا» من قولهم: لا أزايل فلانا، أى لا أفارقه. ومعنى زايلنا وزيّلنا واحد (5).
انتهى كلامه.
أمّا قوله: لا يجوز أن يكون فيعلنا من زال يزول لأنه يلزم فيه الواو، فيقال: زوّلنا. فغير صحيح، من قبل أنه لو كان فيعلنا من زال يزول، كان أصله: زيولنا، ثم يصير الواو ياء لوقوع الياء قبلها ساكنة، ثم تدغم الياء فى الياء، فيقال: زيّلنا، وذلك أنّ من شرط الياء والواو إذا تلاصقتا والأولى منهما ساكنة: أن تقلب الواو ياء، ولا تقلب الياء واوا كما زعم مكّىّ. فممّا تقدّمت فيه الياء قولهم فى فيعل من الموت: ميّت، ومن هان يهون، وساد يسود: هيّن وسيّد. الأصل:
ميوت وهيون وسيود، ففعل فيهنّ ما ذكرنا.
وممّا تقدّمت فيه الواو: الشّىّ والطّىّ واللّىّ، مصادر: شويت وطويت ولويت، أصلهنّ: شوى وطوى ولوى، ثمّ صرن إلى القلب والإدغام.
__________
(1) سورة الأحزاب 6، وراجع المجلسين: الرابع والعشرين، والسابع والعشرين.
(2) لم ترد الآية الكريمة فى كتاب سيبويه المطبوع.
(3) سورة يونس 28.
(4) معانى القرآن 1/ 462، والقراءة غير معزوّة، راجع إعراب القرآن للنحاس 2/ 57، والكشاف 2/ 235، والبحر 5/ 152، والدرّ المصون 6/ 191.
(5) المشكل 1/ 380 (دمشق)، 1/ 344 (بغداد).(3/189)
وتفوق أمالى ابن الشجرى كلّ هذه الأمالى: حجما ومادّة، فقد بلغت مجالسها أربعة وثمانين مجلسا، استغرقت من الصفحات قدرا كبيرا، وعرض فيها لمسائل من النحو والصرف واللغة والأدب والبلاغة والعروض والتاريخ والأخبار. ولئن طوّف ابن الشجرى بكل هذه الفنون، إلا أنه ظلّ مشدودا إلى مسائل النحو والصرف، مما جعل العلامة البغدادى يضع «أمالى ابن الشجرى» ضمن مراجعه فى علم النحو (1).
وتنفرد أمالى ابن الشجرى بظاهرة لم تعرف فى الأمالى الأخرى، وهى ظاهرة التأريخ للمجالس، غير أنّ هذه الظاهرة لم تطّرد فى كلّ المجالس، فقد بدأت بالمجلس الثامن الذى أرّخ يوم السبت مستهلّ جمادى الأولى، من سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وفى يوم السبت التالى له كان المجلس التاسع، وأرخ المجلس العاشر يوم السبت الثانى والعشرين من الشهر نفسه، وعقد المجلس الحادى عشر يوم السبت سلخ الشهر المذكور، ولم يؤرخ للمجلس الثانى عشر، وأرخ المجلس الثالث عشر يوم السبت رابع جمادى الآخرة، ولم يؤرخ للرابع عشر، لاتصاله بما قبله، ثم أرخ الخامس عشر يوم السبت ثامن وعشرين من جمادى الآخرة، ثم تتابعت المجالس بعد ذلك كل يوم سبت، حتى المجلس الثانى والعشرين الذى أرخ يوم الثلاثاء من جمادى الأولى، سنة ست وعشرين وخمسمائة. ومعنى ذلك أن بين المجلس الحادى والعشرين والثانى والعشرين نحو سنتين توقف فيهما الإملاء.
ثم تتابعت المجالس بعد ذلك التاريخ، كل يوم ثلاثاء، وقد تتوقف أسبوعين أو ثلاثة. ثم توقف الإملاء بين المجلس الحادى والثلاثين (2)، المؤرخ يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال، سنة ست وعشرين وخمسمائة، وبين المجلس الثانى والثلاثين المؤرخ يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول، سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
ومعنى هذا أن الإملاء قد انقطع عشر سنوات، وهذه فجوة كبيرة، فهل توقّف ابن الشجرى طيلة هذه المدّة عن الإملاء، أم أن هذه التواريخ من صنع بعض التلامذة المستملين الذين قد يتطرّق الوهم إلى ذاكرتهم فى تسجيل التاريخ؟
__________
(1) خزانة الأدب 1/ 18.
(2) ثبت من استقراء نسخ الأمالى أن هذا المجلس هو ختام الجزء الأول من الأمالى. ويأتى حديث ذلك.(1/189)
وقال فى قوله تعالى، فى سورة الحجر: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ. وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوََاناً} (1): إخوانا حال من {الْمُتَّقِينَ}، أو من الضمير المرفوع فى {ادْخُلُوهََا}، أو من الضّمير فى {آمِنِينَ}، ويجوز أن يكون حالا مقدّرة من الهاء والميم فى {صُدُورِهِمْ} (2).
وأقول: إنّ «إنّ» ليست من الحروف التى تنصب الأحوال، كما تنصبها «كأنّ» فى نحو: كأنّ زيدا محاربا أسد، لما فى «كأنّ» من التشبيه الذى ضارعت به الفعل، ولكن يجوز أن يكون قوله: {إِخْوََاناً} حالا من المضمر فى الظّرف الذى هو خبر «إنّ» لأنه ظرف تامّ (3)، والظّروف التّوامّ تنصب الأحوال لنيابتها عن الاستقرار أو الكون، فالتقدير: إنّ المتّقين مستقرّون فى جنّات. وجاز أن يكون {إِخْوََاناً} حالا من هذا الضمير على ضعف، وذلك لبعد الحال منه لأن مجموع هذه الآيات تشتمل على ثلاث جمل: الأولى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ}، والثانية: {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ}، والثالثة: {وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} فإن جعلت {إِخْوََاناً} حالا من الواو فى {ادْخُلُوهََا} فهى حال مقدّرة (4)
لقوله: {عَلى ََ سُرُرٍ مُتَقََابِلِينَ} لأنهم لا يدخلونها وهم متقابلون على سرر، وإنما يكون ذلك بعد الدخول، فالتقدير: مقدّرين التّقابل على سرر، وإن جعلت الحال من المضمر فى {آمِنِينَ} فحسن، وإن جعلتها من الضمير الذى هو الهاء والميم فى {صُدُورِهِمْ} فالحال من المضاف إليه ضعيفة، وقد بسطت القول فى هذا النّحو، فيما تقدّم (5). ولكن يجوّز ويحسّن أن يكون قوله: {إِخْوََاناً} حالا من
__________
(1) سورة الحجر 4745.
(2) المشكل 2/ 8 (دمشق)، 1/ 414 (بغداد).
(3) يعنى الجارّ والمجرور. أما الظرف الآخر الذى هو ظرف الزمان والمكان فيقال له: الظرف الصحيح. راجع المجلس السادس والثلاثين.
(4) تحدّث ابن الشجرى عن هذه الحال المقدّرة فى المجلسين: الثانى عشر، والحادى والسبعين.
(5) فى المجالس: الثالث، والحادى والثلاثين، والسادس والسبعين.(3/190)
وقد يدل على أن هذه التواريخ من صنع أحد التلامذة المستملين، ما جاء بآخر المجلس الحادى والثلاثين، من زيادة قال جامعها: «هذه زيادة ألحقت بهذا الجزء فى شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، ولم تعدّ فى مجالسه، وهى مضمّنة فوائد جمّة».
ومهما يكن من أمر فقد وقف التأريخ للمجالس عند المجلس الثالث والثلاثين، المؤرخ فى يوم السبت الخامس عشر من شهر ربيع الأول من سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ولم يؤرخ لباقى المجالس بعد ذلك.
* * *
منهج ابن الشجرى فى الأمالى(1/190)
هذا الضمير شيآن: أحدهما قربه منه، والآخر أن المضاف الذى هو «الصّدور» بعض المضاف إليه، فكأنه قيل: ونزعنا ما فيهم من غلّ، فليس هذا المضاف كالمضاف فى قول تأبّط شرّا:
سلبت سلاحى بائسا وشتمتنى (1)
فاعرف الفرق بين الحالين.
وقال فى قوله عزّ وجلّ، فى سورة مريم: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (2): ذهب يونس إلى أنّ {أَيُّهُمْ} رفع بالابتداء، لا على الحكاية، ويعلّق (3)
الفعل، وهو {لَنَنْزِعَنَّ} فلا يعمله فى اللفظ، ولا يجوز تعليق مثل {لَنَنْزِعَنَّ}
عند سيبويه والخليل (4)، وإنما يجوز أن تعلّق (5) أفعال الشكّ وشبهها، مما لم يتحقّق وقوعه (6).
قلت: اختصاصه بالتعليق أفعال الشكّ وشبهها ممّا لم يتحقّق وقوعه.
خطأ لأنّ أفعال العلم تعلّق، ولها فى تحقّق الوقوع القدم الراسخة، فممّا علّق فيه الماضى منها عن لام الابتداء قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرََاهُ مََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ} [7]، وممّا علّق فيه المستقبل منها عن الاسم الاستفهامىّ قوله:
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنََا أَشَدُّ عَذََاباً} (8).
* * * __________
(1) فرغت منه فى المجلس الثالث.
(2) سورة مريم 69.
(3) من هنا سقط فى ط إلى قوله «فى تقدير زيد ذو مال» بعد نحو صفحتين.
(4) راجع المجلس الثالث والسبعين.
(5) فى المشكل: «إنما يجوز أن تعلق مثل أفعال الشك». بزيادة كلمة «مثل».
(6) المشكل 2/ 61 (دمشق)، 2/ 459 (بغداد).
(7) سورة البقرة 102.
(8) سورة طه 71.(3/191)
* * *
منهج ابن الشجرى فى الأمالى
لا ريب أن ابن الشجرى قد نظر فى الأمالى التى سبق بها الأوائل، وقد ثبت أنه كان يقرىء أمالى ثعلب، كما ثبت أنه استنسخ بخطه نسخة من أمالى المرتضى (1).
والناظر فى أمالى ابن الشجرى يرى مشابه واضحة بينها وبين أمالى المرتضى، فى الشكل العام، من حيث تقسيم الأمالى إلى مجالس، وتفريع المجالس إلى مسائل وفصول، ثم تعدّى تأثّر ابن الشجرى الشريف المرتضى فى الشكل العام للأمالى، إلى أن نقل شيئا من كلامه وشواهده، مصرحا وغير مصرح، وقد أشرت إلى ذلك فى حديثى عن الشريف المرتضى.
وقد جرى ابن الشجرى فى «أماليه» على أن يستفتح مجلسه بذكر مسألة من مسائل النحو أو الصرف، أو آية قرآنية، أو بيت من الشعر، ثم يدلف من ذلك إلى مباحث أخرى يدعو إليها الاستطراد والتداعى (2).
ومسائل الأمالى ذات ثلاث شعب: مسائل يلقيها ابن الشجرى من ذات نفسه، ومسائل أخرى يجيب بها تلامذته، والثالثة ما يردّ به على المسائل التى ترد عليه من البلدان كالموصل وغيرها (3).
ومع طول الأمالى وتشعّب الأقوال فيها، يبدو ابن الشجرى متنبّها لبعض الموضوعات التى عالجها من قبل، وهذا يدلّ على أنه احتشد للأمالى احتشادا، فليست آراء يمليها على الطلبة ثم يفرغ منها، فمن ذلك أنه حينما تكلم على «أما» فى المجلس الثامن والسبعين، قال: «وقد ذكرتها فى موضعين». ومن ذلك أيضا قوله فى المجلس الثامن والخمسين: «قد تكرر قولنا إن الكسر هو الأصل فى التقاء الساكنين»، وقال فى المجلس التاسع والستين: «وقد بسطت الكلام على «مع» فى الجزء الثانى من هذه الأمالى».
__________
(1) أشرت إلى ذلك فى حديثى عن الشريف المرتضى، وعن موقف ابن الشجرى من الكوفيين.
(2) من أمثلة الاستطراد ما تراه فى المجالس: الرابع عشر والسابع عشر والثامن عشر.
(3) انظر أمثلة لذلك فى المجلسين: الرابع، والحادى والثلاثين.(1/191)
هذه جملة ما علقت به من سقطات هذا الكتاب، على أنّنى لم أبالغ فى تتبّعها، وإنما ذكرت هذه الرّدود على هذه الأغاليط لئلّا يغترّ بها مقصّر فى هذا العلم فيعوّل عليها ويعمل بها. والله ولىّ التوفيق للصلاح فى كلّ ما أنويه وأعتمده، بمنّه وطوله.
ممّا دقّق فيه أبو الطّيب قوله
لا يستكنّ الرّعب بين ضلوعه ... يوما ولا الإحسان أن لا يحسنا (1)
وأقول: إن الإحسان فى اللغة على معنيين: الأوّل نظير الإنعام، ونقيض الإساءة، ويتعدّى فعله بحرف خفض، إمّا «إلى» أو «الباء»، تقول: أحسنت إليه، كما جاء: {وَأَحْسِنْ كَمََا أَحْسَنَ اللََّهُ إِلَيْكَ} (2)، وإن شئت: أحسنت به، كما جاء: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} (3)، وكذلك نقيضه، تقول:
أسأت إليه، وأسأت به. قال كثيّر:
أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت (4)
والثانى: أن يكون الإحسان بمعنى إجادة العمل، يقال: هو يحسن كذا:
إذا كان عارفا به، حازقا له، وفعله يتعدّى بنفسه كما ترى، ومنه فى التنزيل: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (5)، وقال امرؤ القيس:
__________
(1) ديوانه 4/ 200، يمدح بدر بن عمّار.
(2) سورة القصص 77.
(3) سورة يوسف 100.
(4) فرغت منه فى المجلس الثامن.
(5) سورة الكهف 104، وقد ضبطت السّين من {يَحْسَبُونَ} بالكسر فى الأصل، د. وهى قراءة غير ابن عامر وعاصم وحمزة وأبى جعفر، من القراء. الإتحاف 2/ 228.(3/192)
وظاهرة التكرير واضحة فى «الأمالى» فقد تكلم ابن الشجرى على بعض المسائل فى أكثر من مجلس، فمن ذلك: مجىء الحال من المضاف إليه، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وحذف الضمير العائد من الصلة ومن الصفة، وإعادة الضمير إلى مصدر مقدر، دل السياق عليه (1).
وهذا التكرار قد أوقع ابن الشجرى فى شىء من الاختلاف لم يتنبه له، فمن ذلك أنه وجّه قوله تعالى: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ} على أنه من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ثم عاد فى موضع آخر ووجّهه على حذف المفعول، وقد أشرت إلى ذلك فى حديثى عن شواهد القرآن الكريم عند ابن الشجرى، ثم فى الحديث عن الزركشىّ.
* * * __________
(1) اقتضانى ذلك أن أفهرس لمسائل الكتاب وشواهده قبل تحقيقه، فسهل علىّ بذلك ربط الكتاب بعضه بالبعض الآخر. وهذا حتم واجب على كلّ من يتصدّى لتحقيق النصوص.(1/192)
وقد زعمت بسباسة اليوم أنّنى ... كبرت وأن لا يحسن السّرّ أمثالى (1)
وقال الراجز (2):
قد قارعت معن قراعا صلبا ... قراع قوم يحسنون الضّربا
فقول أبى الطّيّب: «أن لا يحسنا» معمول الإحسان، فكأنه قال:
ولا يستكنّ بين ضلوعه أن يحسن أن لا ينعم، ومثله قول الآخر:
يحسن أن يحسن حتى إذا ... رام سوى الإحسان لم يحسن (3)
المعنى: يجيد أن ينعم حتّى إذا ما رام سوى الإنعام لم يجد ما رامه.
ومن قيله:
منى كنّ لى أنّ البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب (4)
ليالى عند البيض فوداى فتنة ... وفخر وذاك الفخر عندى عاب
منى: مبتدأ وإن كان نكرة، وقد يفيد الابتداء بالنكرة إذا أخبرت عنها بجملة تتضمّن اسما معرفة، كقولك: امرأة خاطبتنى، وكذلك إن أخبرت بظرف مضاف إلى معرفة، كقولك: رجل خلفك، قال الهذيل بن مجاشع:
ونار القرى فوق اليفاع ونارهم ... مخبّأة، بتّ عليها وبرنس (5)
البتّ: الكساء الغليظ، وإنما ضعف الابتداء بالنكرة لأن النفس تتنبّه بالمعرفة على طلب الفائدة، وإذا كان المخبر عنه مجهولا كان المخبر حقيقا باطّراح الإصغاء إلى
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الخامس والأربعين.
(2) هو عبد الرحمن المعنىّ، ولقبه مرقس، شاعر إسلامى. ورجزه فى الحماسة 1/ 307، وشرحها للمرزوقى ص 603.
(3) البيت من غير نسبة فى شرح الواحدى ص 235، وشرح مشكل شعر المتنبى ص 110.
(4) ديوانه 1/ 188، 189، وذكر شارحه كلام ابن الشجرى كلّه دون غزو.
(5) من أبيات يهجو فيها الطّرمّاح بن حكيم، أوردها ابن الشجرى فى حماسته ص 424، 425.(3/193)
أسلوب ابن الشجرى فى الأمالى
عمد ابن الشجرى فى سرد القواعد والأحكام إلى أخفّ الألفاظ وأيسرها، ثم غلب عليه أسلوب المعلّمين فى البسط والشرح، وتقليب العبارة، وكثرة التنظير (1)، فإذا جاء إلى موضع أدب، رأيت الفحولة والجزالة، فمن ذلك قوله فى بيت المتنبى:
أى يوم سررتنى بوصال ... لم ترعنى ثلاثة بصدود
قال (2): «وإنما أذكر من شعره ما أهمله مفسّروه، فأنبّه على معنى أو إعراب أغفلوه، وهذا البيت لبعده من التكلّف وخلّوه من التعسّف، وسرعة انصبابه إلى السمع وتولّجه فى القلب، أهملوا تأمّله فخفى عنهم ما فيه».
ويقول فى الرد على معاصره أبى نزار الملقب ملك النحاة (3): «ومن خطّأ الأعشى فى لغته التى جبل عليها وشعره يستشهد به فى كتاب الله تعالى فقد شهد على نفسه بأنه مدخول العقل، ضارب فى غمرة الجهل، وليس لهذا المتطاول إلى ما يقصر عنه ذرعه شىء يتعلّق به فى تخطئة العرب إلا قول الشاعر:
حراجيج ما تنفكّ إلا مناخة ... على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا
فكلّ فاقرة ينزلها بالعربية يزفّ أمامها هذا البيت، معارضا به أشعار الفحول من العرب العاربة».
وقد وصف أبو البركات الأنبارى شيخه ابن الشجرى، بأنه كان فصيحا حلو الكلام، حسن البيان والإفهام (4).
__________
(1) لا سبيل إلى التمثيل لما ذكرت، فهو شائع شيوعا على امتداد الأمالى، وبخاصة فى إجراء الإعراب وتقدير الحذوف.
(2) المجلس الثانى عشر.
(3) المجلس الثامن والخمسون.
(4) نزهة الألبا ص 404.(1/193)
خبر من لا يعرفه. وحدّ الكلام إذا كان المبتدأ منكورا وتضمّن خبره اسما معروفا أن يقدّم الخبر، كقولك: لزيد مال لأنّ الغرض فى كلّ خبر أن يتطرّق إليه بالمعرفة فيصدّر الكلام بها، وهذا موجود هاهنا لأنك وضعت زيدا مجرورا لتخبر عنه بأنّ له مالا قد استقرّ له، فقولك: لزيد مال، فى تقدير: زيد ذو مال، فالمبتدأ الذى هو «مال» هو الخبر فى الحقيقة، وقولك: «لزيد» هو المبتدأ فى المعنى.
وقوله: «منى كنّ لى» مفيد لأنّ فى ضمن الخبر ضمير المتكلّم، وهو أعرف المعارف. ولو قال: منى كنّ لرجل، لم يحصل بذلك فائدة لخلوّه من اسم معروف. فاحتفظ بهذا الفصل فإنه أصل كبير.
وقوله: «أنّ البياض خضاب» منقطع من أوّل البيت، وتحتمل «أنّ» الرفع والنّصب، فالرفع على إضمار مبتدأ، كأنه قال: إحداهنّ أنّ البياض خضاب، أو أقدمهنّ أن البياض خضاب لأنه قد أخبر بأنّ ذلك كان فى أيّام حداثته وريعان شبيبته بقوله:
ليالى عند البيض فوداى فتنة
الفود: معظم شعر اللّمّة ممّا يلى الأذنين.
وأما النّصب فعلى إضمار «تمنّيت» لدلالة «منى» عليه، كما أضمر «نتّبع» فى قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} (1)، وكإضمار «اشدد» فى قول أحيحة بن الجلاح (2):
__________
(1) سورة البقرة 135.
(2) ديوانه ص 70، عن مجمع الأمثال 1/ 366 (باب الشين). والشاعر يخاطب ابنه. والبيت الثانى مع بيت بعده ينسبان إلى على بن أبى طالب، رضى الله عنه. راجع أمثال أبى عبيد ص 231، وفصل المقال ص 332، والكامل ص 1121، والتعازى والمراثى ص 223، ومقاتل الطالبيين ص 31 للأصفهانى، وصرّح فى الأغانى 15/ 229بأن عليّا تمثّل بالبيتين. والنهاية 1/ 467.
ويروى العروضيّون: اشدد حيازيمك وهو عندهم شاهد على الخزم، وهو زيادة فى أول(3/194)
وقال ابن خلكان عنه (1): وكان حسن الكلام، حلو الألفاظ، فصيحا، جيّد البيان والتفهيم.
اعتداد ابن الشجرىّ بآرائه:
يرى بعض العلماء أن الله قد فتح عليه بما لم يفتح به على سواه، فيجرى على لسانه شىء من الزّهو، يحمل على الرضا والحمد أكثر مما يردّ إلى العجب والتفاخر، وقد ختم ابن الشجرى بعض مباحثه بشىء من هذا، فقال عقب شرح قولهم: «افعل ذا إمّا لا»، قال (2): «فتأمل هذا الفصل، فما علمت أن أحدا كشفه هذا الكشف».
وقال بعد أن علّل ضعف الابتداء بالنكرة (3): «فاحتفظ بهذا الفصل، فإنه أصل كبير».
وقال بعد كلام عن «قبل وبعد»: «(4) فهذا قول جلىّ كما تراه، والمتّسمون بالنحو قبيل وقتنا هذا، ممّن شاهدته وسمعت كلامه على خلاف ما قلته وأوضحته، فاستمسك بما ذكرته لك، فقد أقمت له برهانه».
ثناء العلماء على الأمالى:
حظى كتاب الأمالى بالشهرة وبعد الصّيت، وقد أحسن العلماء الثناء عليه، فيقول أبو البركات الأنبارى تلميذ ابن الشجرى، فى الموضع المذكور قريبا من نزهة الألبا: «وأملى كتاب الأمالى، وهو كتاب نفيس، كثير الفائدة، يشتمل على فنون من علوم الأدب».
ويقول ياقوت (5): «وصنّف الأمالى، وهو أكبر تصانيفه وأمتعها».
__________
(1) وفيات الأعيان 5/ 96.
(2) المجلس الثانى والأربعون.
(3) المجلس الثانى والثمانون.
(4) المجلس نفسه.
(5) معجم الأدباء 19/ 283.(1/194)
ألا أبلغ سهيلا أنّنى ما عشت كافيكا
حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا (1)
فإن قيل: إن التمنّى ممّا لم يثبت كالرجاء والطّمع، فلا يقع على «أنّ» الثقيلة لأنّها للتحقيق، فهى أشبه بأفعال اليقين، وإنما يقع التمنّى وما شاكله على «أن» الخفيفة لأنها تخلّص الفعل للاستقبال، فهى أشبه بالطّمع والرجاء والتمنّى، من حيث تعلّقت هذه المعانى بما يتوقّع، ومنه قول لبيد:
تمنّى ابنتاى أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (2)
قيل: لا يمتنع وقوع التمنّى على «أنّ» الثقيلة، كما لم يمتنع وقوع «وددت» عليها، ووددت وتمنّيت بمعنى واحد، فمن ذلك فى التنزيل: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذََاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} (3).
ويدلّك على أن وددت وتمنّيت معناهما واحد، قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوََّى بِهِمُ الْأَرْضُ} (4). والمعنى: لو يجعلون والأرض سواء، كما قال: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مََا قَدَّمَتْ يَدََاهُ وَيَقُولُ الْكََافِرُ يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً} (5).
وهذا استدلال أبى علىّ.
__________
البيت لا يعتدّ بها فى تقطيعه. العمدة 1/ 141 (باب الأوزان)، والعيون الغامزة ص 101.
والحيازيم: جمع الحيزوم، وهو الصدر، وقيل وسطه. وهو كناية عن التشمير للأمر والاستعداد له.
(1) فى ط: آتيكا.
(2) فرغت منه فى المجلس الخامس والسبعين.
(3) سورة الأنفال 7.
(4) سورة النساء 42.
(5) الآية الأخيرة من سورة النبأ.(3/195)
ونحو هذا قال المترجمون المتأخرون، ويرى الأستاذ مصطفى صادق الرافعى (1) أن خاتمة أهل الإملاء على طريقة المتقدمين هو إمام العربية فى عصره أبو السعادات ابن الشجرى.
الانتقادات على الأمالى:
قال القفطىّ فى ترجمة ابن الشجرى (2): «ولمّا أملى «أماليه» فى النحو، أراد ابن الخشاب النحوى أن يسمعها عليه، فامتنع من ذلك، فعاداه وردّ عليه فى مواضع منها، ووقف الشريف أبو السعادات على شىء من الردّ، فردّ عليه فيه، وبيّن موضع غلطه فى كتاب سماه «الانتصار»، وهو كتاب على صغر جرمه فى غاية الإفادة، وملكته والحمد لله بخطه رحمه الله، وقد قرأه عليه الناس».
وابن الخشاب من تلاميذ ابن الشجرى، ولم تعرف لردّه هذا نسخة خطية، لكنى ظفرت بشىء من هذا الردّ، وذلك منعه لجمع جمع الجمع الذى ذكره ابن الشجرى، وقد وقفت عليه فى كتاب مخطوط ينسب إلى أبى حيان، يسمى التذكرة، وذكرته فى تحقيق المجلس الثانى والثلاثين، ثم ظفرت أيضا بشىء من ردّ ابن الشجرى على ابن الخشاب، وذلك قوله بعد إعراب بيت ابن ميادة:
ألا ليت شعرى هل إلى أم معمر ... سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا
قال ابن الشجرى (3): «واعترض بيت ابن ميادة وقد كنت ذكرته فيما تقدّم من الأمالى جويهل، فزعم أن قافيته مرفوعة، وإنما صغرته بقولى: جويهل، لأنه شويبّ استولى الجهل عليه، فعدا طوره، وجاوز حدّه، مع حقارة علمه ورداءة فهمه، وهذا البيت من مقطوعة منصوبة القوافى».
وقد جاء بحاشية أصل الأمالى أن هذا الجويهل هو الخشّاب.
__________
(1) تاريخ آداب العربية 1/ 327.
(2) إنباه الرواة 3/ 356.
(3) المجلس الثامن والسبعون.(1/195)
ويجرى مجرى التّمنّى فيما ذكرته الخوف، وقد جاء: {وَأَخََافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [1]، وقد جاء: {وَلََا تَخََافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللََّهِ} (2). ومثل تمنّيت اشتهيت، وقد قال أبو تمام (3):
مضى طاهر الأثواب لم تبق بقعة ... غداة ثوى إلّا اشتهت أنها قبر
وجاء صريح التمنّى فى قول الآخر:
ما روضة إلّا تمنّت أنّها ... لك مضجع ولخطّ قبرك موضع
ويجوز أن تكون «منى» منصوبة نصب الظروف، والجملة التى هى كان واسمها وخبرها نعت لها، فتتّصل «أنّ» بما قبلها، كأنه قال: فى منى كنّ لى أنّ البياض خضاب، أى فى جملة منى، كما قالوا: حقّا أنّك ذاهب، وأكبر ظنّى أنّك مقيم، يريدون: فى حقّ، وفى أكبر ظنّى، وإذا أردت معنى الظرفيّة فى «منى» فلك فى «أنّ» مذهبان، فمذهب سيبويه والأخفش والكوفيّين، رفع «أنّ» بالظرف، وكلّ اسم حدث يتقدّمه ظرف يرتفع عند سيبويه بالظّرف، ارتفاع الفاعل، وقد مثّل ذلك بقوله: غدا الرّحيل (4)، وأحقّا أنك ذاهب؟ والحقّ أنّك ذاهب؟ قال: حملوه على: أفى حقّ أنك ذاهب؟ قال: وكذلك إن أخبرت فقلت: حقّا أنك ذاهب، والحقّ أنك ذاهب، وأكبر ظنّى أنك ذاهب.
وإذا كان هذا مذهب سيبويه، مع من ذكرناه، فالمنية تقارب الظنّ، فيحسن أن تقول: أكبر مناى أنك ذاهب، فتنصب «أكبر» بتقدير «فى»،
__________
(1) سورة يوسف 13.
(2) سورة الأنعام 81.
(3) ديوانه 4/ 84، من قصيدته الجهيرة فى رثاء محمد بن حميد الطائى.
(4) الكتاب 3/ 135. وانظر مسألة «الرفع بالظرف» فى الإنصاف ص 51، وحواشى كتاب الشعر ص 265، وفهارسه ص 661.(3/196)
هذا وقد رأيت فى كلام ابن الخشاب فى كتابه «المرتجل» مشابه من كلام ابن الشجرى، وذلك فيما ذكره فى نقض كلام الجرمى، فى وزن «كلتا» (1).
رواية الأمالى:
احتفظت النسخة الهندية من الأمالى بذكر السند فى أولها، ويبدأ السند بأبى حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادى، الذى أقرأ الأمالى بدمشق سنة ثلاث وستمائة، رواية عن ابن الشجرى ببغداد، ولم يصرّح المسند الأول الذى روى عن ابن طبرزد، باسمه.
وقد خلت «الأمالى» من مقدمة، حيث بدأ الكلام بالمجلس الأول مباشرة، وهذه الظاهرة ملحوظة أيضا فى كتابى ابن الشجرى: الحماسة، ومختارات شعراء العرب، فقد خلا هذان الكتابان أيضا من مقدمة، حيث بدأت الحماسة بشعر لمحرز بن المكعبر الضبى، وبدأت المختارات بقصيدة لقيط بن يعمر. وقد أشرت إلى ذلك فى حديثى عن «مصنفات ابن الشجرى» فى الباب الأول.
علوم العربية فى الأمالى:
ذكر ابن خلكان أن كتاب الأمالى قد اشتمل على فوائد جمّة من فنون الأدب، وذكر اليافعىّ أن الأمالى تضمنت خمسة فنون من الأدب (2).
فما هى فنون الأدب عند الأقدمين؟ يقول أبو جعفر أحمد بن يوسف الأندلسى المتوفى سنة 779هـ: علوم الأدب ستة: اللغة والصرف والنحو، والمعانى والبيان والبديع (3).
وقد أفسح ابن الشجرى «أماليه» لهذه الفنون المذكورة، وأيضا عالج مسائل من العروض والقوافى، والتاريخ والأخبار، والجغرافيا والبلدان، ثم الأدب بمعناه الحديث، من نقد وموازنة.
__________
(1) المرتجل شرح الجمل ص 67، ويقارن بالأمالى المجلس الثالث والخمسين.
(2) وفيات الأعيان ومرآة الجنان، الموضع المذكور فى صدر ترجمة ابن الشجرى.
(3) خزانة الأدب 1/ 5.(1/196)
وأنشد سيبويه فى ذلك للأسود بن يعفر (1):
أحقّا بنى أبناء سلمى بن جندل ... تهدّدكم إيّاى وسط المجالس
وأنشد:
أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا ... فنيّتنا ونيّتهم فريق (2)
فى أبيات أخر. فهذا أحد المذهبين، والمذهب الآخر مذهب الخليل، وذلك أنه يرفع اسم الحدث بالابتداء، ويخبر عنه بالظّرف المتقدّم، حكى ذلك عنه سيبويه فى قوله: وزعم الخليل أن التهدّد هاهنا يعنى فى بيت الأسود بمنزلة «الرحيل بعد غد» وأنّ «أنّ» بمنزلته، وموضعها كموضعه (3). انتهت حكايته عن الخليل.
وأقول: إن اعترض معترض، وقال: كيف تحكمون على «أنّ» المفتوحة بالابتداء، والعرب لم تبتدىء بها.
فالجواب: أنهم لم يبتدئوا بها لئلّا يعرّضوها لدخول «إنّ» المكسورة عليها، وإذا كانوا قد كرهوا دخول المكسورة على لام التوكيد لأنهما بمعنى واحد، فكراهيتهم لدخولها على «أنّ» مع تقارب لفظيهما واتفاقهما فى العمل والمعنى،
__________
(1) ديوانه ص 42، والموضع السابق من الكتاب، والعضديات ص 195، والمسائل المنثورة ص 185، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج 2/ 525وعقد بابا طويلا للمسألة والخزانة 1/ 401، 10/ 276.
(2) الكتاب 3/ 136، وقائله المفضّل النّكرىّ شاعر جاهلىّ وقيل غيره. وانظر المغنى ص 55، وشرح أبياته 1/ 346، ومعجم الشواهد ص 248. والبيت مطلع قصيدة تعدّ من المنصفات.
وهى فى الأصمعيات ص 200، ورواية صدر البيت هناك:
ألم تر أن جيرتنا استقلّوا
وكذلك فى طبقات فحول الشعراء ص 275، والمنصفات ص 13، ولا شاهد فى البيت على هذه الرواية.
(3) الكتاب 3/ 136.(3/197)
وهذا بيان تلك الفنون من «الأمالى»، وقد سبق الكلام على النحو والصرف، إذ كان مبنى الدراسة عليهما.
اللغة فى الأمالى:
لعلّ هذا الفنّ أهمّ الفنون التى عالجها ابن الشجرى بعد النحو والصرف، فقد احتفل احتفالا زائدا باللغة: دلالة واشتقاقا، فلم يدع لفظا غريبا أو دون الغريب، فى شاهد من الشواهد إلا عرض له بالشرح والبيان، ناقلا عن أئمة اللغة، كأبى زيد والأصمعى وابن السكيت (1) وابن قتيبة وابن دريد وابن فارس، ومن إليهم.
ولم يقف ابن الشجرى عند حدود الحكاية والنقل، بل صحح بعض اللغات وقوّاها، ووفّق بين آراء اللغويين فيما يبدو متعارضا (2)، وفرّق بين ما يبدو مترادفا (3)، وتعقب بعض علماء اللغة (4).
وقد عرض ابن الشجرى لقضايا وظواهر لغوية كثيرة، كالمشترك اللفظى (5)، وتركّب اللغات وتداخلها (6)، ولغة العامة (7)، ولهجات القبائل (8)، والأصوات ومخارج الحروف (9)، وتطور دلالات الألفاظ (10).
__________
(1) رأيت ابن الشجرى يعوّل كثيرا على ابن السكيت، ثم رأيته ينقل كلامه دون أن يصرح، وقد أشرت إلى ذلك فى الحديث عن مصادر ابن الشجرى، وانظر أيضا المجلس الثامن والثلاثين، فى التفرقة بين زريت عليه وأزريت به.
(2) فمن ذلك التوفيق بين ابن دريد وابن فارس فى شرح التقويض، فى المجلس الرابع والستين.
(3) كتفرقته بين السماع والاستماع، فى المجلس التاسع والأربعين.
(4) كتعقبه ابن فارس فى اشتقاق «نياط المفازة» فى المجلس الثانى والعشرين.
(5) راجع المجلس التاسع والعشرين، فى شرح «العرارة»، والمجلس الثامن والثلاثين، فى تفسير «الشمال».
(6) المجلس الحادى والعشرون.
(7) المجلس الثانى والأربعون، والخامس والأربعون، والتاسع والأربعون.
(8) المجلس السابع عشر، والسادس والعشرون، والخامس والثلاثون، والحادى والخمسون.
(9) المجلس الرابع عشر، والخامس والثلاثون، والثالث والستون، والسادس والستون.
(10) المجلس الثامن.(1/197)
أشدّ، فلمّا ألزموها التأخير استجازوا رفعها بالابتداء لأنّ «إنّ» المكسورة لا تباشرها إذا دخلت على الجملة، كقولك: إنّ من الصّواب أنك تنطلق.
ومثل قوله:
أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا
{وَمِنْ آيََاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خََاشِعَةً} (1) على المذهبين.
وقال أبو العلاء المعرّىّ فى تفسير قوله: «منى كنّ لى» البيت: لو أنّ هذا الكلام فى غير الشّعر لكان ثبوت الألف واللام فى «شباب» أحسن لأنه مضاه لقولهم: المشيب. وكانت العرب فى الجاهليّة إذا اتّفق لها مثل هذا آثرت دخول لام التعريف، وإن قبح فى السّمع، وأكثر ما يجىء فى شعر امرىء القيس، فمنه قوله (2):
فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان
فقد أساءت الألف واللام الوزن عند السّامع، وآثرها قائل البيت على الحذف، ولو حذف لكان الحذف أحسن فى الغريزة، ولكن دخول الألف واللام أثبت فى تمكين اللفظ، وكذلك قوله (3):
فلما أجنّ الشّمس عنّى غؤورها ... نزلت إليه قائما بالحضيض
وأقول: إنّ اللام فيما ذكره أبو العلاء لا تخلو أن تكون لتعريف الجنس، أو تكون عوضا من تعريف الإضافة إلى الضمير، فكونها لتعريف الجنس، فى مثل قوله: «وجه الجبان»، وكونها عوضا من تعريف الإضافة، فى مثل قولك: حسن الوجه، الأصل: حسن وجهه، فلما حذفت الهاء من «وجهه» عرّفته باللام،
__________
(1) سورة فصلت 39. وانظر إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج 2/ 514.
(2) ديوانه ص 86.
(3) ديوانه ص 74.(3/198)
وقد غلبت على ابن الشجرى طبيعة المعلم، فى ذلك الحشد الضخم من الشروح والتفسيرات اللغوية للمفردات والتراكيب، ثم فى محاولة النظم التعليمى، فيقول (1): الفدوكس: الشديد، فى قول ثعلب، وقال أبو زيد: هو الغليظ الجافى، وقد نظمت فيه بيتا لئلا يشذّ عن الحفظ، وهو:
فدوكس عن ثعلب شديد ... وعن أبى زيد غليظ جافى
ولم يسلم ابن الشجرى من بعض الهنات اللغوية، فمن ذلك أنه روى «مغيون» بالغين المعجمة، من قول العباس بن مرداس:
قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وإخال أنك سيد مغيون
وقال (2): «مغيون: مفعول من قولهم: غين على قلبه: أى غطى عليه، وفى الحديث: «إنه ليغان على قلبى»، ولكن الناس ينشدونه بالباء، وهو تصحيف، وقد روى «معيون» بالعين غير المعجمة، أى مصاب بالعين، ومغيون هو الوجه».
وقد انفرد ابن الشجرى برواية الغين المعجمة، ثم وجدت بهامش أصل الأمالى فى المجلس الحادى والثلاثين حاشية، نصها: «هذا البيت يروى بالعين المهملة بإجماع الرواة إلا الشريف، ألفيته رحمه الله قد رواه بالغين المعجمة أيضا، وكنت أسمع قديما ببغداد أنه أنكر عليه تصحيفه».
ومن أوهامه اللغوية ما أورده فى تفسير «العلّ والنّهل»، قال (3): «والعل:
الشرب الأول، والنهل: الشرب الثانى». هذا كلامه، والذى فى كتب اللغة عكس هذا، ومن أقوالهم: سقاه عللا بعد نهل.
ومن ذلك أيضا وسبقه إليه الشريف المرتضى فى أماليه شرحه لقول الشاعر (4):
__________
(1) المجلس السادس والخمسون.
(2) المجلسان: السابع عشر، والحادى والثلاثون.
(3) المجلس التاسع والأربعون.
(4) المجلس نفسه.(1/198)
ولو قلت: حسن وجه، جاز على ضعف لأنه قد علم أنك لا تعنى من الوجوه إلّا وجه المذكور.
فحقّ «شباب» فى بيت المتنبّى أن يكون معرّفا باللام، عوضا من تعريف الإضافة إلى الضمير، من حيث كان مراده: شبابى، فدخول اللام هاهنا لو استعمل أقلق الوزن، إلا أنه كان يكمّل المعنى واللفظ، على أن إسقاط اللام منه زحاف، وقد قيل: ربّ زحاف أطيب (1) فى الذّوق من الأصل (2).
قال أبو الفتح في تفسير البيت: يقول: شيبى هذا منى كنّ لى قديما، وإنما كنت أتمنّى المشيب ليخفى شبابى (3). والقرون: الذّوائب، واحدها قرن.
* * * __________
(1) هكذا ضبطت الباء فى ط، د بالفتح، وهى الفتحة النائبة عن الكسرة، لأنه وصف لمجرور «ربّ». وهو أحد وجهين فى إعرابه. والوجه الثانى أنه مرفوع، خبر ابتداء محذوف، والتقدير: هو أطيب. والوجه الأول أقوى عندهم. راجع إعراب الحديث النبوى للعكبرى ص 203، والمغنى ص 136، وفتح البارى 13/ 23. وانظر الكلام على «ربّ» فى المجلس الثالث والسبعين.
(2) الكافى للتبريزى ص 19.
(3) الفتح الوهبى ص 43، وانظر ردّ الأصفهانى عليه فى الواضح فى مشكلات شعر المتنبى ص 35، 36.(3/199)
* لا يكتنون غداة العلّ والنّهل *
قال: «وقال بعض أهل العلم باللغة فى قوله: «يكتنون» إنه من قولهم:
كتنت يده تكتن: إذا خشنت من العمل».
وقد جاء بهامش أصل الأمالى حاشية تعليقا على هذا التأويل: «كأن هذا سهو، لأن خشونة اليد وصلابتها من العمل، يقال له: «الكنب» بالنون والباء، كنبت يده وأكنبت، فأما «كتنت» بالتاء والنون، فمعناه الوسخ والدرن، يتلطخ به الشىء، وهو أثر الدخان».
هذا وقد غمز ابن الشجرى فى معرفته باللغة، حكى الذهبى فى ترجمته (1)، قال: «قال أبو الفضل بن شافع» (2) فى «تاريخه»: «وكان نحويا حسن الشرح والإيراد والمحفوظ، وقد صنف أمالى قرئت عليه، فيها أغاليط، لأن اللغة لم يكن مضطلعا بها».
البلاغة فى الأمالى:
عرض ابن الشجرى لكثير من قضايا علم البلاغة، بأقسامها الثلاثة: المعانى والبيان والبديع، فتكلم على الخبر والإنشاء، والتشبيه والاستعارة، والترصيع والتضمين والتكرير والطباق (3).
الأدب فى الأمالى:
كان ابن الشجرى متضلّعا من الأدب، كما يقول ياقوت فى ترجمته، كما كان بصيرا بأشعار العرب، وله فى ذلك كتابان يحتلّان مكانة سامقة فى المكتبة العربية:
الحماسة ومختارات أشعار العرب.
وقد استفاض كتابه «الأمالى» بأشعار القدامى والمحدثين، وإذا تركنا الشواهد
__________
(1) من تاريخ الإسلام، الموضع المذكور فى صدر الترجمة.
(2) هو أحمد بن صالح بن شافع الجيلى، من مؤرخى بغداد، توفى سنة 565هـ، شذرات الذهب 4/ 215.
(3) راجع هذه المباحث فى المجالس: الثانى عشر والسابع والعشرين، ومن الحادى والثلاثين إلى الخامس والثلاثين، والسادس والأربعين، والثانى والخمسين، والحادى والستين.(1/199)
مسألة
الفرق بين اسم الفاعل والمصدر فى العمل: أنّ اسم الفاعل يضاف إلى المفعول، ولا يضاف إلى الفاعل لأن اسم الفاعل عبارة عن الفاعل، والشىء لا يضاف إلى نفسه، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول.
واسم الفاعل يعمل إذا كان للحال أو الاستقبال، ولا يعمل إذا كان لما مضى وذلك لأنّ اسم الفاعل يشبه الفعل المضارع، ولا يشبه الماضى، من جهة أنه يجرى على المضارع، فى حركاته وسكونه وعدد حروفه، فمدحرج جار على يدحرج، وليس بجار على دحرج، فلمّا أشبهه بجريانه عليه حمل عليه فى العمل، وحمل الفعل على اسم الفاعل فى الإعراب. والمصدر يعمل إن كان للماضى من الزّمان أو الحاضر أو المستقبل.
ومن الفرق بينهما أن المصدر يعمل معتمدا وغير معتمد، واسم الفاعل لا يعمل عند سيبويه إلّا معتمدا، واعتماده أن يكون وصفا أو خبرا أو حالا، فيعتمد على الموصوف، أو المخبر عنه، أو ذى الحال.
واسم الفاعل يضمر الفاعل فيه، والمصدر يحذف الفاعل منه، وإنما أضمر الفاعل فى اسم الفاعل لأنّه مشتقّ من الفعل، فأضمروا فيه الفاعل، كما أضمروه فى الفعل. والمصدر بعكس ذلك لأن الفعل مشتقّ منه.
واسم الفاعل يتقدّم منصوبه عليه، كما يتقدّم على الفعل، والمصدر لا يتقدّم عليه منصوبه لأنّ المصدر المعمل عمل الفعل مقدّر بأن والفعل، و «أن» حرف موصول، والصّلة لا تتقدّم على الموصول لأنهما بمنزلة كلمة، فإن شئت قدّرته بأن وفعل سمّى فاعله، وإن شئت بأن وفعل لم يسمّ فاعله، فالأول كقول الله
تعالى: {فَمَنْ تََابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} (1) أى من بعد أن ظلم، والثانى كقوله:(3/200)
النحوية التى بلغت قدرا ضخما أشرت إليه فى حديثى عن الشواهد، وجدنا ابن الشجرى يروى قصائد جيادا، لعدىّ بن زيد، والنابغة الجعدى، وأعشى تغلب، وأبى الصلت الثقفى، ويزيد بن الحكم، وابن أحمر، والخنساء، والعباس بن عبد المطلب. ومن شعر المحدثين روى للمتنبى (1) والشريف الرضى، وابن نباتة السعدى. ثم عرض لهذه القصائد بالشرح والبيان، ويعد شرحه لبعض هذه القصائد، من الشروح النادرة العزيزة، التى لا تكاد توجد فى كتاب، كشرحه لقصيدة يزيد بن الحكم (2).
وتعدّ «الأمالى» بهذه المثابة مرجعا هامّا فى جمع الشعر وتوثيقه، وبخاصّة أن ابن الشجرى ينفرد برواية قصائد لبعض الشعراء، يقلّ وجودها عند غيره من رواة الشعر، كما فعل فى رواية قصيدة ابن أحمر، فقد روى منها خمسة عشر بيتا، وأبيات هذه القصيدة لا تكاد توجد مجتمعة بهذا العدد فى أىّ من الكتب المطبوعة (3).
وقد عنى ابن الشجرى بذكر مآخذ الشعراء والموازنة بينهم، فقد ذكر (4) أن الشريف الرضى أخذ قوله:
من الركب ما بين النقا والأناعم ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم
من قول العملّس:
فأصبحن بالموماة يحملن فتية ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم
وقال فى بيت ابن نباتة السعدى (5):
لأية حال يختلسن نفوسهم ... وهنّ عليها بالحنين نوادب
__________
(1) راجع حديث المتنبى، فى الكلام على الشواهد الشعرية.
(2) هذه القصيدة تعد من بليغ العتاب فى الشعر، وقد ذكرها ابن الشجرى فى المجلس السابع والعشرين، ثم عرض لها بالشرح الجامع البديع، وقد أثنى على هذا الشرح الشيخ الجليل أحمد محمد شاكر، رحمه الله، فى حواشى لباب الآداب ص 396.
(3) راجع المجلس الحادى والعشرين، وديوان ابن أحمر ص 124، 213.
(4) المجلس العشرون.
(5) المجلس الثالث والستون.(1/200)
واسم الفاعل يتقدّم منصوبه عليه، كما يتقدّم على الفعل، والمصدر لا يتقدّم عليه منصوبه لأنّ المصدر المعمل عمل الفعل مقدّر بأن والفعل، و «أن» حرف موصول، والصّلة لا تتقدّم على الموصول لأنهما بمنزلة كلمة، فإن شئت قدّرته بأن وفعل سمّى فاعله، وإن شئت بأن وفعل لم يسمّ فاعله، فالأول كقول الله
تعالى: {فَمَنْ تََابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} (1) أى من بعد أن ظلم، والثانى كقوله:
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} (2) أى بعد أن ظلم.
* * * __________
(1) سورة المائدة 39.
(2) سورة الشورى 41.(3/201)
وقد نظر فى هذا إلى قول ابن الرومى:
كالقوس تصمى الرمايا وهى مرنان
وفى شرحه لقصيدة بشر بن عوانة، قال فى (1) بيته:
إذن لرأيت ليثا أمّ ليثا ... هزبرا أغلبا لاقى هزبرا
أخذ البحترى هذا البيت لفظا ومعنى، فى قوله:
هزبر مشى يبغى هزبرا وأغلب ... من القوم يغشى باسل الوجه أغلبا
وذكر فى شرح بيت المتنبى:
لو كان ما تعطيهم من قبل أن ... تعطيهم لم يعرفوا التأميلا
قال (2): التقدير: لو كان لهم الذى تعطيهموه من قبل أن تعطيهم إياه، لم يعرفوا التأميل، لأن ذلك كان يغنيهم عن التأميل، وقد كشف أبو نصر بن نباتة هذا المعنى، وجاء به فى أحسن لفظ، فى قوله:
لم يبق جودك لى شيئا أؤمّله ... تركتنى أصحب الدّنيا بلا أمل
ومثله لأبى الفرج الببغاء:
لم يبق جودك لى شيئا أؤمله ... دهرى لأنك قد أفنيت آمالى
وكان أبو الفرج وابن نباتة متعاصرين، فلست أعلم أيّهما أخذ من صاحبه.
ومن الموازنات ما أورده ابن الشجرى فى المجلس الثامن والسبعين، عن الشعراء الذين ذكروا الطير التى تتبع الجيش، لتصيب من لحوم القتلى، وقد أغار فى هذا الفصل على كلام القاضى الجرجانىّ فى «الوساطة»، وقد أشرت إليه فى حديثى عن مصادر ابن الشجرى.
__________
(1) المجلس الرابع والستون. وراجع الكلام على قصيدة بشر فى حديث الشواهد الشعرية، وإذا صح أن «بشرا» هذا شخصية وهمية اخترعها بديع الزمان الهمذانى، وأجرى على لسانها هذه الأبيات، إذا صح هذا فيكون بديع الزمان هو الذى أخذ البيت لفظا ومعنى من البحترى، إذ كان بديع الزمان توفى سنة 398، والبحترى سنة 284.
(2) المجلس الرابع والسبعون.(1/201)
المجلس الثانى والثمانون يتضمّن ذكر أبيات من شعر أبى الطيّب
منها قوله يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ:
يمشى بأربعة على أعقابه ... تحت العلوج ومن وراء يلجم (1)
ذهب باليدين والرّجلين مذهب الأعضاء، فذكّر على المعنى، كما قال الأعشى:
يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضبّا (2)
وكان القياس أن يقول: بأربع، ولكنه ألحق الهاء ضرورة، وقد أنّثوا المذكّر على المعنى، فيما رواه الأصمعىّ، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابيّا يمانيا يقول: فلان لغوب، جاءته كتابى فاحتقرها (3). فقلت له: أتقول جاءته كتابى؟
فقال: أليس بصحيفة؟ فقلت له: ما اللّغوب؟ فقال: الأحمق.
وقال الشاعر:
وحمّال المئين إذا ألمّت ... بنا الحدثان والأنف النّصور (4)
ويروى: «الغيور». أنّث الحدثان على معنى الحادثة. ومن تأنيث المذكّر على المعنى تأنيث الأمثال فى قوله عزّ وجلّ: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (5) لأنّ الأمثال فى المعنى حسنات، فالتقدير: عشر حسنات أمثالها. وإذا
__________
(1) ديوانه 4/ 127.
(2) فرغت منه فى المجلس الرابع والعشرين.
(3) تقدم فى المجلس الحادى والستين.
(4) فرغت منه فى المجلس السادس عشر.
(5) سورة الأنعام 160.(3/202)
وقد روى ابن الشجرى أشعارا فى الهجاء لبعض الشعراء المغمورين فى عصره (1).
وتعدّ شروح ابن الشجرى لما عرض له من شعر المتنبى (2) إضافة جيّدة لفهم هذا الشاعر العظيم، وإلقاء الضوء على المفاهيم الأدبية فى ذلك العصر، ثم تكشف هذه الشروح أيضا عن مشاركة النحاة فى توجيه الدراسات الأدبية، فلم يكن النحويون الأوائل بمعزل عن هذه الدراسات، كما يفهم بعض الدراسين وهذا حديث طويل.
العروض والقوافى فى الأمالى:
عالج ابن الشجرى فى «أماليه» مسائل من العروض والقوافى (3)، ولعله قد درس هذا الفنّ على شيخه التّبريزى، الذى عرف بالاشتغال به، وله فيه مصنّف شهير، هو «الكافى فى العروض والقوافى»، ولم يسند ابن الشجرى شيئا ممّا عالجه فى العروض والقوافى إلى التّبريزى، ولكنى رأيت له كلاما فى الزّحاف، كأنه سلخه من كلام أستاذه، وذلك قوله (4): «وقد قيل: ربّ زحاف أطيب فى الذوق من الأصل»، فهذا من قول التّبريزى فى كتابه الكافى (5): «وربما كان الزحاف فى الذوق أطيب من الأصل»، إلا إن كانت هذه العبارة أقدم من التّبريزى.
وتمثّل بعض شواهد ابن الشجرى التى ساقها فيما عالج به مسائل القافية، إضافة لشواهد هذا الفن، ومن ذلك أنه ذكر شواهد كثيرة على الإكفاء (6)، ومن هذه الشواهد واحد لم أجده فيما بين يدىّ من كتب القوافى المطبوعة، وهو:
يا ريّها اليوم على مبين ... على مبين جرد القصيم
__________
(1) المجلس الثانى والخمسون.
(2) راجع ما كتبته عن المتنبى فى الحديث عن الشواهد الشعرية.
(3) ترى هذه المسائل فى المجالس: الخامس عشر، والثامن عشر، والحادى والثلاثين، والثالث والثلاثين.
(4) المجلس الحادى والثمانون.
(5) الكافى ص 19.
(6) المجلس الخامس والثلاثون.(1/202)
كانوا قد أنّثوا المذكّر على المعنى، فتذكير المؤنّث أسهل لأنّ حمل الفرع على الأصل أسهل من حمل الأصل على الفرع.
وقال: «على أعقابه» فجمع فى موضع التثنية، وحقّه فى الكلام: على عقبيه، كما جاء فى التنزيل: {نَكَصَ عَلى ََ عَقِبَيْهِ} (1)، ولكنّهم قد جمعوا فى موضع الإفراد، فقالوا: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين، وقال الشاعر:
والزّعفران على ترائبها ... شرق به اللّبّات والنّحر (2)
فجمع التّربية واللّبّة بما حولهما. وإذا كان هذا قد جاز فى موضع الواحد، فالجمع فى موضع التثنية أجوز.
وأمّا (3) إعراب «وراء» مع حذف المضاف إليه، فإنّ الغايات، وهى الظّروف التى حذفوا منها المضاف إليه، وبنوها على الضمّ، كقبل وبعد وفوق وتحت، إنّما بنوها لأنّ المضاف إليه مقدّر عندهم، حتى إنها متعرّفة به محذوفا، فلما اقتصروا على المضاف فجعلوه نهاية، صار كبعض الاسم، وبعض الاسم لا يعرب، فإن نكّروا شيئا من ذلك أعربوه، فقالوا: جئت قبلا، ومن قبل، وبعدا، ومن بعد، قال الشاعر:
فساغ لى الشّراب وكنت قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الفرات (4)
وقرأ بعض القرّاء: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (5)، فأعرب لنيّة التكرير.
__________
(1) سورة الأنفال 48.
(2) فرغت منه فى المجلس الحادى عشر.
(3) فى ط، د: فأمّا.
(4) ويروى: بالماء الحميم. وينسب ليزيد بن الصّعق، ولعبد الله بن يعرب. معانى القرآن 2/ 320، وشرح المفصل 4/ 88، وشرح ابن عقيل 2/ 73، وشرح الشواهد الكبرى 3/ 435، وشفاء العليل ص 714، والخزانة 1/ 429426، وحواشى المحققين.
(5) سورة الروم 4، وهذه القراءة بالكسر والتنوين، قرأ بها أبو السّمّال والجحدرىّ وعون العقيلى.
البحر 7/ 162، وتفسير القرطبى 14/ 7، والهمع 1/ 209. وراجع إعراب «قبل وبعد» فى المجلسين:
الأربعين، والسبعين.(3/203)
وقد وهم ابن الشجرى فى مسألة من مسائل العروض، فقد قال فى بيت امرىء القيس:
وعين لها حدرة بدرة ... شقّت مآقيهما من أخر
قال (1): «والبيت من ثالث البحر المسمّى المتقارب، عروضه سالمة، وضربه محذوف، ووزنه فعل، وقد استعمل فيه الخرم الذى يسمى الثلم، فى أول النصف الثانى، وقلّ ما يوجد الخرم إلا فى أول البيت».
وموضع الوهم فى قوله: «عروضه سالمة»، وجاء بهامش أصل الأمالى حاشيتان تعقيبا على هذا القول، الحاشية الأولى: «هذا البيت عروضه وضربه جميعا محذوفان» والثانية: «وقوله: سالمة، ينبغى أن يكون غلطا من الكاتب إن شاء الله».
وقد حكى البغدادى (2) كلام ابن الشجرى هذا، كما ورد فى الأمالى، ولم يتعقبه بشىء، لكن قال مصحح الطبعة الأولى من الخزانة معلّقا: «قوله: عروضه سالمة. فيه أن العروض محذوفة مثل الضرب».
التاريخ والأخبار فى الأمالى:
نثر ابن الشجرى فى «أماليه» كثيرا من الأخبار والحوادث التاريخية وأيام العرب وأنسابها. فذكر (3) حديث فاطمة بنت الخرشب الأنمارية وبنيها الكملة بنى زياد العبسيّين، وما كان بينهم وبين قيس بن زهير العبسى.
وألمّ بشىء من تاريخ سابور ذى الأكتاف، وكسرى أنوشروان (4).
وتحدث عن حرب بكر وتغلب (5).
__________
(1) المجلس الثامن عشر.
(2) الخزانة 3/ 379.
(3) المجلسان: الثالث، والثالث عشر.
(4) المجلسان: الرابع عشر، والخامس عشر.
(5) المجلس السابع عشر.(1/203)
فقوله: «من وراء» على تقدير التنكير، كأنه قال: من جهة تخالف وجهه يلجم.
والعلج: يجمع علوجا، وأعلاجا، كجذوع وأجذاع. والعلج: الرجل العجمىّ، والحمار الوحشىّ. وقالوا: رجل علج، أى شديد، واشتقاقه من المعالجة، كأنه لشدّته يعالج الشىء الثّقيل، وقالوا لحمار الوحش علج لأنه يعالج آتنه، يعاركها، وقالوا: اعتلجت الأمواج: التطمت.
يقول: يمشى القهقرى على أربع حبّا للاستدخال، ولمّا وصفه بالمشى على أربع كالبهيمة جعل ما يولج فيه لجاما.
* * * ومنها قوله:
وجفونه ما تستقرّ كأنّها ... مطروفة أو فتّ فيها حصرم
أراد أنه أبدا يحرّك جفونه، يستدعى بذلك العلوج، فإشارته إليهم بجفونه متتابعة، حتى كأنّ بعينه طرفة، أو حصرما فتّ فيها، فهى لا تستقرّ. و «فتّ» معطوف على «مطروفة»، وليس من حقّ الفعل أن يعطف على الاسم، ولا حقّ الاسم أن يعطف على الفعل، ولكن ساغ ذلك فى اسم الفاعل واسم المفعول، لما بينهما وبين الفعل من التّقارب، بالاشتقاق والمعنى (1)، ولذلك عملا عمله، فممّا عطف فيه الفعل على الاسم قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صََافََّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} (2) وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقََاتِ وَأَقْرَضُوا اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً} (3).
وممّا عطف فيه الاسم على الفعل قول الراجز (4):
__________
(1) سبق هذا المبحث فى المجلس الحادى والسّتّين.
(2) سورة الملك 19.
(3) سورة الحديد 18.
(4) لم أعرفه.(3/204)
وتكلم على أذواء اليمن: تاريخهم واشتقاق أسمائهم (1).
وعرض لحديث المغيرة بن شعبة مع هند بنت النعمان، وخبر جذيمة الأبرش، والغساسنة ملوك الشام (2).
وقد حرص ابن الشجرى فى كثير مما أورد من أسماء قديمة على أن يتكلم على اشتقاقها وضبطها (3).
الجغرافيا والبلدان فى الأمالى:
تكلّم ابن الشجرى على البلدان والمواضع التى وردت فى ثنايا الشعر الذى رواه، ومن هذه البلدان ما هو موغل فى القدم، كمدينة الحضر، بين دجلة والفرات، وقد ذكر أنه دخلها وشاهد بقاياها (4). ثم تحدث عن البنايات الشهيرة، كالخورنق والسّدير، وقصر غمدان بصنعاء (5).
* * * __________
(1) المجلس السادس والعشرون.
(2) المجلس الثانى والستون.
(3) انظر مثلا المجلس السابع عشر.
(4) المجلس الرابع عشر.
(5) المجلسان: الخامس عشر، والسادس والعشرون.(1/204)
تبيت لا تأوى ولا نفّاشا
وقول الآخر:
بات يغشّيها بعضب باتر ... يقصد فى أسوقها وجائر (1)
وإنما ساغ ذلك فى هذا الضّرب من الأسماء لصحّة تقدير الاسم بالفعل، والفعل بالاسم، فالتقدير: صافّات وقابضات، وإنّ الذين تصدّقوا وأقرضوا، ولا تأوى ولا تنفش، ويقصد فى أسوقها ويجور، وطرفت وفتّ فيها حصرم.
النّفّاش: الغنم التى تنتشر بالليل فترعى بلا راع، وكذلك الإبل، يقال:
نفشت تنفش نفشا، مفتوح الثانى، وفى التنزيل: {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} (2).
* * * ومنها قوله:
وإذا أشار محدّثا فكأنه ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم
إن قيل: كيف قابل القهقهة، وهى صوت، باللّطم، وليس بصوت، وإنما كان حقّ الكلام أن يضع فى موضع «تلطم» تولول، أو تبكى، أو نحو ذلك لأنّه إنّما شبّه حديثه بقهقهة القرد، فشبّه صوتا بصوت، ولا معنى لتشبيه الحديث باللّطم.
وعن هذا السّؤال جوابان: أحدهما أنه شبّه حديثه بقهقهة قرد، أو بلطم عجوز خدّها فى مناحة، ولطم النّساء فى المناحة لا بدّ أن يصحبه صوت، فلمّا
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الحادى والسّتّين.
(2) سورة الأنبياء 78.(3/205)
نسخ الأمالى:
رزق كتاب الأمالى الحظوة والقبول، فكثرت نسخه، وقد ذكر بروكلمان (1)
منه هذه النسخ:
1 - نسخة عاشر افندى برقم (751).
2 - نسخة سليم أغا برقم (1077/ 3).
3 - نسخة راغب باشا برقم (10721071) (2).
4 - نسخة بايزيد برقم (2902).
5 - نسخة فيض الله برقم (15761574).
وهذه المكتبات الخمس باستانبول.
6 - نسخة المكتبة الآصفية بحيدرآباد الهند 1/ 142، برقم (70).
ومما لم يذكره بروكلمان:
7 - نسخة بدار الكتب المصرية (3)، كتبها على بن محمد بن مصطفى شمس الدين، فرغ من كتابتها سنة 1300هـ، والنسخة محفوظة بالدار برقم (59 ش).
8 - نسخة أخرى بالدار المذكورة، منقولة من النسخة السابقة، كتبها محمد بن إبراهيم الخفير، فرغ منها فى شهر صفر سنة 1339هـ، برقم (3633).
9 - نسخة محفوظة بالخزانة التيمورية الملحقة بدار الكتب المصرية، برقم (672أدب)، وتاريخ هذه النسخة سنة 1920م.
__________
(1) تاريخ الأدب العربى 5/ 165.
(2) جاء فى كتاب برو كلمان المذكور (1171، 1172) والذى أثبته من واقع صورة النسخة المحفوظة بمعهد المخطوطات.
(3) فهرس دار الكتب المصرية 3/ 22، وقد أشار بروكلمان إلى هذا الفهرس فقط.(1/205)
اضطرّه الوزن والقافية إلى ذكر اللّطم الدالّ على الولولة والنّوح، اكتفى بذكر الدّليل من المدلول عليه.
و «أو» هاهنا للإباحة، فكأنه قال: إن شبّهته فى حديثه بقرد يقهقه فكذاك هو، وإن شبّهته بعجوز تلطم وتولول فكذاك.
والجواب الثانى: أنه شبّه شيئين بشيئين، شبّه حديثه بقهقهة القرد، وشبّه إشارته فى أثناء حديثه بلطم العجوز، وإنما جعل حديثه كضحك القرد لأنه لعيّه غير مفهوم الحديث، وجعله مشيرا بيديه لأنه لا يقدر على الإفصاح، فهو يستعين بالإشارة إذا حدّث، كما أشار باقل (1) حين عجز عن الجواب وقد مرّ بقوم ومعه ظبى اشتراه بأحد عشر درهما، وهو متأبّطه، فقالوا: بكم اشتريت الظّبى؟ فمدّ يديه وفرّق أصابعه ودلع لسانه، يريد بأصابعه عشرة دراهم، وبلسانه درهما، فشرد الظّبى حين مدّ يديه.
وقد ضمّن هذا التشبيه معنى آخر، وهو أنه أراد قبح وجهه، وكثرة تشنّجه، فهو فى القبح كوجه القرد، وفى التّغضّن وهو التّشنّج كوجه العجوز.
فإن قيل: كيف يشبّه شيئين بشيئين، ويعطف بأو، وهى لأحد الشيئين، وإنما حقّ ذلك العطف بالواو لأنّ (2) التقدير: وإذا أشار محدّثا فكأنّه فى حديثه قرد يقهقه، وفى إشارته عجوز تلطم؟
فعن هذا الاعتراض جوابان: أحدهما: أن «أو» هاهنا للإباحة، وقد قدّمت ذكر ذلك.
__________
(1) سبق حديث «باقل» فى المجلس الخامس والسّتّين.
(2) فى الأصل: ولأنّ.(3/206)
10 - نسخة محفوظة بمكتبة الأوقاف ببغداد، برقم (5667) فى مجلد أوله المجلس الثانى والثلاثون. وهذه النسخة منقولة عن نسخة كتبت سنة 540هـ، وبآخرها إجازة فى التاريخ المذكور، من ابن الشجرى لأبى القاسم نصر بن سعيد بن سميع الموصلى، أن يروى عنه مقروآته ومسموعاته (1).
11 - نسخة فى مكتبة المتحف العراقى ببغداد، برقم (1331) تبدأ بالمجلس الثانى والثلاثين، وتنتهى بالمجلس الخامس والخمسين (2). وهذه القطعة تمثل الجزء الثانى.
12 - الجزء الثالث من نسخة، بمكتبة الدراسات العليا ببغداد، برقم (369)، وهذا الجزء بخط نسخى جيد، كتب سنة 624هـ، ويبدأ بالمجلس السادس والخمسين، وينتهى بنهاية الكتاب وعدد أوراق هذا الجزء 193ورقة، ومسطرته 19سطرا، ومن هذا الجزء صورة بمعهد المخطوطات لم تفهرس بعد. وقد رمزت له فى تعليقاتى بالحرف (د).
13 - الجزء الثالث أيضا من نسخة، بالخزانة العامة بالرباط، برقم (342ك) ويبدأ وينتهى مثل سابقه، وفى أثنائه سقط كبير، يبدأ فى أثناء المجلس السادس والخمسين، وينتهى فى أثناء المجلس التاسع والستين. ويقع فى الطبعة الهندية من ص 98إلى 262، وهذا الجزء بخط نسخى نفيس، وجاء بأوله أنه بخط ابن الشجرى، وبآخره سماع لأبى الغنائم حبشى بن محمد الواسطى، على ابن الشجرى، وهذا السماع مؤرخ سنة 539هـ، وكتب ابن الشجرى صحة السّماع بما صورته: «هذا صحيح. وكتب هبة الله بن على بن محمد بن حمزة الحسنى».
ثم قراءات أخرى على ابن الشجرى، سنة 540، 541، وأبو الغنائم الواسطى هذا من تلاميذ ابن الشجرى، وقد تكلمت عليه من قبل.
وفى هذا الجزء زيادة مسألتين على ما فى نسخة «راغب باشا» وهى النسخة التى اتخذتها أصلا. وترى هاتين المسألتين، فى المجلسين: السادس والسبعين، والسابع والسبعين.
__________
(1) ابن الشجرى ومنهجه فى النحو ص 60.
(2) المرجع نفسه.(1/206)
والثانى: أنّ «أو» قد وردت فى مواضع من كلام العرب بمعنى الواو، واعتمد بعض النحويّين على ذلك، وأنشدوا:
فقلت البثوا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكم ما غيّبتنى غيابيا (1)
أراد: ونصف ثالث.
قال الأصمعىّ: الكركرة والقهقهة: رفع الصوت بالضّحك، والاستغراب أشدّ منهما.
* * * ومنها قوله:
يقلى مفارقة الأكفّ قذاله ... حتى يكاد على يد يتعمّم
القلى: البغض، مكسور مقصور، وقد صرّفت العرب منه مثالين: قلاه يقليه، مثل رماه يرميه، وقليه يقلاه، مثل رضيه يرضاه، وهو من الياء، بدلالة يقلى، ولو كان من الواو كان يقلو، وأنشدوا فى يقلى:
وترميننى بالطّرف أى أنت مذنب ... وتقليننى لكنّ إيّاك لا أقلى (2)
وفى التنزيل: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ} (3)، وروى أبو الفتح لغة ثالثة:
قلاه يقلوه قلاء (4)، مثل: رجاه يرجوه رجاء، وأنشد:
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الخامس والسبعين.
(2) وفيه شواهد أخرى. انظر معانى القرآن 2/ 144، وشواهد التوضيح والتصحيح ص 142، وشرح المفصل 8/ 140، والمغنى صفحات 76، 400، 413، وشرح أبياته 2/ 141، 143، والخزانة 11/ 225، 229، وحواشى المحققين.
(3) سورة الضحى 3.
(4) وهناك لغة رابعة حكاها سيبويه: قلى يقلى، مثل نهى ينهى وقرأ يقرأ. الكتاب 4/ 105، واللسان (قلا). ثم انظرها فى النوادر ص 232. وراجع ما تقدّم فى المجلسين: الحادى والعشرين، والحادى والستين. وانظر إعراب ثلاثين سورة ص 117، والأفعال لابن القطاع 3/ 61.(3/207)
ويقع هذا الجزء قبل السّقط فى 177صفحة، ومسطرته 20سطرا.
ومن هذا الجزء صورة بمعهد المخطوطات لم تفهرس بعد، وقد رمزت له فى تعليقاتى بالحرف (ط).
ويتضح من هذا العرض أن نسخ القاهرة الثلاث ليست بذات طائل، لحداثة نسخها، وأن نسخ استانبول مجهولة الصفة، إلا نسخة راغب باشا، وهى النسخة التى اتخذتها أصلا، وسأفرد لها كلمة، وكذلك سأفرد كلمة لنسخة الآصفية، وأن بقية النسخ أخلّت بالجزء الأول، وقد ظهر أن الأمالى تقع فى ثلاثة أجزاء، تجزئة قديمة، ينتهى الجزء الأول بالمجلس الحادى والثلاثين، وينتهى الجزء الثانى بالمجلس الخامس والخمسين، ويمضى الثالث إلى نهاية الكتاب. وقد ألحقت بآخر الجزء الأول زيادة فى شهر ربيع الآخر، من سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وقد أشرت إلى ذلك من قبل.
نسخة راغب باشا باستانبول:
اتخذت هذه النسخة أصلا، وهى محفوظة بمكتبة راغب باشا، برقم (1071، 1072) ومنها صورة بمعهد المخطوطات (1) برقم (59أدب).
وتقع هذه النسخة فى جزءين، الأول فى 344ورقة، وينتهى بالمجلس التاسع والأربعين، والثانى فى 335ورقة، وفى كل ورقة 15سطرا، ومقاسها 5، 12* 20 سم، وبأثناء الجزء الأول أوراق قليلة بخط حديث.
والنسخة مكتوبة بخط نسخى نفيس جدا، وقد ضبطت بالشكل الكامل، ضبطا صحيحا متقنا، وناسخها أثابه الله خيرا هو أسعد بن معالى بن إبراهيم ابن عبد الله، فرغ من نسخها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ويبدو أن هذا الناسخ المتقن كان محترفا نسخ الكتب، فقد وقع لى مخطوط آخر، قام على نسخه، وهو شرح ديوان هذيل (2)، لابن جنى، وهذا المخطوط محفوظ بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد، برقم (5657)، وقد فرغ أسعد هذا من نسخه سنة ثمانين وخمسمائة.
ومن هذه النسخة صورة بمعهد المخطوطات.
__________
(1) فهرس المخطوطات المصورة 1/ 427، والمدرج فى هذا الفهرس الجزء الثانى فقط من النسخة، وقد استبعد الجزء الأول لعيب فى تصويره، ولكنه أصلح، وعاد سليما مقروءا، والحمد لله.
(2) نشر فى بغداد باسم «التمام فى تفسير أشعار هذيل» سنة 1962م، بتحقيق أحمد ناجى القيسى وخديجة الحديثى وأحمد مطلوب، وقد نشر الكتاب عن النسخة المذكورة.(1/207)
ونعود إلى نسختنا من الأمالى فنقول: إنها مقابلة بأصلها المنقول منه، وجاء بآخرها سماع هذا صورته: «سمع جميع هذه المجلدة على الشيخ الأمين أبى القاسم (1) الحسين بن هبة الله بن صصرى، أبقاه الله، بإجازته من ممليها الشريف أبى السعادات بن الشجرى صاحبها: المولى الإمام العالم القاضى الأشرف بهاء الدين شرف المحدثين أبو العباس (2) أحمد بن القاضى الفاضل أبى على عبد الرحيم بن على البيسانىّ، أدام الله أيامه، والشيخ الإمام العالم المقرىء علم القراء علم الدين أبو الحسن على بن محمد السخاوى (3)، والحاجب الأخص عز الدين أبو الفتح عمر ابن محمد بن منصور الأمينى، وصح وثبت بقراءة عبيد الله».
وقد ضاع فى آخر النسخة اسم القارىء، ومكان السماع وتاريخه، ولكن تراجم رجال السماع تدل على أنه كان بدمشق، فى القرن السادس أو السابع، من حيث إن هؤلاء الرجال كلهم من أهل دمشق، وإن أبا القاسم بن صصرى توفى سنة ست وعشرين وستمائة.
وبحواشى النسخة تعليقات جيدة، بعضها بخط قديم، وبعضها بخط فارسى حديث، وهذه التعليقات الحديثة منقولة من نسخة مصححة، بتصحيح ابن هشام صاحب «المغنى» وكتب التعليقات أحد تلاميذه.
وقد تضمنت هذه التعليقات فوائد كثيرة، منها النصّ على أوهام ابن الشجرى، ونسبة بعض الأقوال المهملة إلى أصحابها، وتصحيح نسبة بعض الشواهد (4)، وقد نسبت بعض هذه التعليقات لأبى اليمن الكندى، تلميذ ابن الشجرى.
__________
(1) ترجمته فى العبر 5/ 105، وقارن بما فى طبقات الشافعية 7/ 483.
(2) ترجمته فى العبر 5/ 175.
(3) ترجمته فى طبقات الشافعية 8/ 297، وكان السخاوى إماما فى النحو والقراءات والتفسير، توفى سنة 643هـ، وبعض أهل زماننا يخلطون بينه وبين شمس الدين السخاوى المؤرخ، صاحب «الضوء اللامع» والمتوفى سنة 902.
(4) راجع ما سبق عن اللغة والعروض والقوافى فى الأمالى، وانظر الأمالى: المجلس الخامس فى قول عبيد: «ونحن ألى ضربنا رأس حجر»، والمجلس السادس والعشرين فى الحديث عن «الأذعار»، والخامس والأربعين فى الحديث عن اشتقاق «القيل»، وانظر أيضا ما كتبته عن «مذهب ابن الشجرى واعتزاله» فى الباب الأول.(1/208)
إن تقل بعد الودّ أمّ محلّم ... فسيّان عندى ودّها وقلاؤها (1)
والقذال: جماع مؤخّر الرأس. ويجوز أن يرتفع قذاله بإسناد «يقلي» إليه، كأنه قال: يبغض قذاله مفارقة الأكفّ إيّاه، ويجرى إسناد البغض إلى القذال مجرى إسناد الاشتهاء إلى السّفن فى قوله:
تجرى الرّياح بمالا تشتهى السّفن (2)
والوجه أن تضمر فى «يقلى» فاعلا، وتعمل المفارقة فى القذال، فإن نصبته فالأكفّ فاعلة، وإن رفعته فالأكفّ مفعولة، على منهاج:
قرع القواقيز أفواه الأباريق (3)
يقول: يحبّ أن يقفد (4)، حتى إنه ليكاد يتعمّم على يد قافدة، أى صافعة، فقوله:
__________
(1) لم أجده. وهم يستشهدون على هذا المصدر بقول نصيب:
عليك سلام لا مللت قريبة ... ومالك عندى إن نأيت قلاء
ديوانه ص 57، واللسان (قلا).
(2) ديوان المتنبى 4/ 236، وصدره:
ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه
(3) صدره:
أفنى تلادى وما جمّعت من نشب
وهو من قصيدة للأقيشر الأسدى. ولد فى الجاهلية ونشأ فى أول الإسلام. الأغانى 11/ 251.
والشاهد فى المقتضب 1/ 21، والإنصاف ص 233، وشرح الجمل 2/ 26، والمقرّب 1/ 130، والمغنى ص 536، وشرح أبياته 7/ 157، والخزانة 4/ 491استطرادا، وغير ذلك مما تراه فى حواشى المحققين.
والتلاد بوزن كتاب: كل مال ورثته عن آبائك، ومثله التالد والتليد، والنّشب بفتحتين: العقار.
والقوافيز: جمع قافوزة، وهى القدح الذى يشرب فيه.
(4) قفده بوزن ضربه: صفع قفاه بباطن كفه.(3/208)
هذا وقد رأيت بعض أخطاء النسخة ثابتة عند البغدادى (1)، فيما ينقل عن ابن الشجرى، مما يدل على أن نسخة البغدادى من «الأمالى» هى هذه النسخة، أو أن الاثنتين ترجعان إلى أصل واحد.
نسخة الآصفية بحيدر آباد الهند
الموجود من هذه النسخة الجزء الأول فقط، وهو مكتوب بقلم نسخى جيد، كتبه محمد بن حسين بن على الشهير بالعاملى، فرغ منه يوم الجمعة خامس المحرم، من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وينتهى هذا الجزء بالمجلس الخامس والأربعين، وقد ألحق به بخط حديث المجالس: من السادس والأربعين إلى التاسع والأربعين. وبهذا الجزء بعض الأسقاط أشرت إليها فى حواشى التحقيق (2). ويقع فى مائتى ورقة، ومسطرته 22سطرا، مقاس 5، 11* 5، 19سم، ورقمه فى المكتبة الآصفية (70بلاغة) ومنه صورة بمعهد المخطوطات لم تفهرس بعد. وقد اعتبرت هذا الجزء فى تحقيقى للكتاب، ورمزت له بالحرف (هـ).
وبهذه النسخة زيادة ليست فى نسخة راغب باشا، التى اتخذتها أصلا، وهى المسألة التى تراها فى آخر الزيادة التى ألحقت بالمجلس الحادى والثلاثين (مسألة إذا قال رجل لامرأته: إن أكلت إن شربت فأنت طالق).
__________
(1) راجع المجلس الحادى عشر، فى الاستشهاد بقوله تعالى: {مََا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبََاعَ الظَّنِّ}
والمجلس الحادى والثلاثين، فى الكلام على قول الشاعر: حنت قلوصى حين لا حين محن.
(2) ترى نماذج من هذه الأسقاط فى المجالس: 8، 12، 13، 16، 17، 20، 21، 22، 23، 25، 27، 28، 29، 30، 31، 33، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 44، 46، 48، 49.
وهذه الأسقاط تراها فى طبعة الهند من الأمالى التى سأذكرها قريبا، فى الجزء الأول، صفحات:
51، 81، 82، 84، 85، 90، 107، 108، 110، 113، 114، 116، 131، 133، 134، 137، 139، 140، 141، 143، 144، 153، 164، 182، 184، 186، 194، 196، 199، 204، 212، 215، 216، 223، 224، 252، 260، 277، 284، 288، 289، 294، 310، 312، 320، 329، 330، 341، 370، 372.
وفى الجزء الثانى، صفحات 9، 11، 21، 23، 30، 32. وإنما كان ذلك كذلك لأن طبعة الهند قد عوّلت على نسخة الآصفية التى تنتهى بنهاية المجلس التاسع والأربعين، كما ذكرت.(1/209)
يقلى مفارقة الأكفّ قذاله
كقولك: يحبّ مواصلة الأكفّ قفاه.
* * * ومنها قوله:
وتراه أصغر ما تراه ناطقا ... ويكون أكذب ما يكون ويقسم
هذا البيت قد تكلمت عليه، وأوضحت وجوه إعرابه فيما قدّمته من الأمالى (1)، وهو والأبيات الأربعة التى ذكرتها قبله، وذكرت ما اقتضته من التفسير، مهملة كلّها فى تفسير أبى زكريّا، لم يصحب بيتا منها كلمة فذّة، وأبو الفتح ذكر فى بيتين منها أحرفا يسيرة.
* * * حذف أبو الطيّب «أن» ورفع الفعل فى قوله:
يا حاديى عيسها وأحسبنى ... أوجد ميتا قبيل أفقدها (2)
وحذفها فى هذا النحو للضّرورة، ولا يجوز عند البصريّين النصب بها مضمرة إلّا بعد عوض، كإضمارها بعد الفاء فى جواب ما ليس بواجب، كالنّهى فى قوله:
{لََا تَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ} (3) والكوفيّون يرون النصب بها محذوفة وإن لم
__________
(1) فى أول المجلس السادس.
(2) فرغت منه فى المجلس الثانى عشر.
(3) سورة طه عليه الصلاة والسلام 61. وقد ضبطت الياء من {فَيُسْحِتَكُمْ} بالفتح فى النسخة ط، وهى نسخة المؤلف. وهى قراءة ابن كثير ونافع وعاصم، فى رواية أبى بكر، وأبى عمرو وابن عامر، من الفعل الثلاثى «سحت». وقرأ بالضم من «أسحت» عاصم، فى رواية حفص، وحمزة والكسائىّ.
السبعة لابن مجاهد ص 419. وقال أبو حاتم: يقال: سحته الله وأسحته: إذا استأصله، لغتان معروفتان جيّدتان، وقرىء: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذََابٍ}، وأيضا {فَيُسْحِتَكُمْ}» فعلت وأفعلت ص 132. ومجاز القرآن 2/ 20، ومعانى القرآن للفراء 2/ 182، وتفسير غريب القرآن ص 280، وأدب الكاتب ص 436.(3/209)
طبعتان للأمالى:
طبعت الأمالى أوّل ما طبعت فى دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الهند سنة 1349هـ، فى جزءين: الأول ينتهى بالمجلس الخامس والأربعين، والثانى وقف فى أثناء المجلس الثامن والسبعين. وجاء بخاتمة الطبع: «إلى هنا انتهى ما تيسّر لنا الحصول عليه من الجزء الثانى، وقد بقيت بقية (1) كما يعلم من الخاتمة».
وهذه الطبعة ملفقة من نسختين: نسخة الآصفية المشار إليها، ونسخة راغب باشا (2) التى اتخذتها أصلا. وإن كان التعويل على نسخة الآصفية إلى نهاية المجلس التاسع والأربعين، وهو نهاية هذه النسخة كما ذكرت.
وقد قام على هذه الطبعة علماء كرام أفاضل، فى دائرة المعارف العثمانية، هم: حبيب عبد الله بن حمد العلوى، وعبد الرحمن اليمانى، والسيد زين العابدين الموسوى. وبرغم ما بذله هؤلاء الأفاضل من إتقان أحسن الله إليهم، وأثابهم خيرا فقد اشتملت هذه الطبعة على عدّة أسقاط، وبعض هنات. وبخاصة فى الجزء الأول الذى كان الاعتماد فيه على نسخة الآصفية، وبها من الأسقاط ما وصفت.
__________
(1) نشر هذه البقيه وهى بقية المجلس الثامن والسبعين إلى المجلس الرابع والثمانين، وبه تمام الأمالى.
وهذه البقية تقع فى سبعين ورقة من نسخة راغب باشا نشرها الأخ الصديق الدكتور حاتم صالح الضامن، فى مجلة المورد العراقية المجلد الثالث العددان الأول والثانى 1974م.
(2) لم يصرح ناشرو الطبعة الهندية بهذه النسخة، وإنما ذكروها على الإطلاق «نسخة فى بعض المكاتب الإسلامبولية» ولكنّ إشاراتهم إلى قراءتها وفروقها فى الحواشى متفقة تماما مع نسخة راغب باشا التى بيدىّ، مما رجّح عندى أنها هى. إلا أنهم لم يحصّلوها كاملة. يقول السيد زين العابدين الموسوى أحد مصحّحى الطبعة الهندية: «ومجمل أحوال نشره وإشاعته أن أرباب مجلس الدائرة لمّا وجدوا الجلد الأول من هذا الكتاب فى المكتبة الآصفية، ورأوا المصلحة فى نشره أمروا بطبعه، فاشتغلنا بتصحيحه والنظر فيه، وبينما نحن فيه إذ سمعنا بوجود نسخة كاملة منه فى بعض المكاتب الإسلامبولية، فسعينا فى تحصيل تلك النسخة من هناك بواسطة العالم الجليل (مستر سالم الكرنكوى الألمانى) مصحح الدائرة، فحصل الجناب المومى إليه عكس تلك النسخة، وجعل يرسل إلينا شيا فشيئا منها، فمن سوء الاتفاق ما أمكنه تحصيل عكس النسخة كاملا، بل شطرا قليلا من أول الجزء الأول، وشيئا وافرا من الجزء الثانى، فوصل كلا الجزءين إلينا ناقصا».(1/210)
يكن عوض، وينشدون قول طرفة:
ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغا ... وأن أشهد اللذّات هل أنت مخلدى (1)
بنصب «أحضر»، وعلى مذهبهم قال أبو الطيّب:
بيضاء يمنعها تكلّم دلّها ... تيها ويمنعها الحياء تميسا (2)
والمراد بتصغير الظروف تقريب الأوقات والأماكن، كقولك: خرجت قبيل الظّهر، وبعيد المغرب، وقعدت دوين الحائط، كما قال ذو القروح، يصف ذنب فرسه:
بضاف فويق الأرض ليس بأعزل (3)
الضّافى: السّابغ. والأعزل من الأذناب: الذى يميل يمنة أو يسرة.
فإن قيل: لم كان حذف «أن» اضطرارا فى قوله: «قبيل أفقدها»، وظاهر أمر «قبل وبعد» أنهما ظرفا زمان، فهلّا أضيفا إلى الفعل بغير تقدير «أن» كسائر أسماء الزمان؟
فالجواب: أنّ المكان أحقّ بهما من الزمان، وقد أوضح حالهما أبو سعيد السّيرافىّ، فى شرح الكتاب، فى قوله: إنّ «قبل وبعد» غير متمكّنين، فلا يرفعان، ولا يجوز: سير قبلك، والذى منعهما من التصرّف والرفع أنهما ليسا باسمين لشىء من الأوقات، كالليل والنهار، والساعة والظّهر والعصر، وإنما استعملا فى الوقت للدّلالة على التقديم والتأخير. يعنى أنك إذا قلت: جئت قبل زيد، أردت
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الثانى عشر.
(2) ديوانه 2/ 195. وقال الواحدى: «أراد أن تتكلّم، فحذف «أن» وأبقى عملها». شرح الديوان ص 94، وكذلك أن تميسا.
(3) فرغت منه فى المجلس التاسع والخمسين.(3/210)
ولما كانت هذه الطبعة الهندية من الأمالى قد استقرّت فى المكتبات ودور العلم زمانا طويلا، وكثر الاقتباس منها والإحالة عليها، فقد أثبتّ أرقام صفحاتها على جوانب نشرتى هذه.
ثم طبع الجزء الأول بمصر، بمطبعة الأمانة سنة 1930م، وقد تضمّن هذا الجزء تسعة وأربعين مجلسا. وقام على طبعه الشيخ مصطفى عبد الخالق محمد. ولم أر هذا الجزء، ولكنى نقلت وصفه من بعض الفهارس.
* * *
صفحة العنوان من النسخة الأصل (راغب باشا)(1/211)
تقديم زمان مجيئك على زمان مجيئه، وإذا قلت: جئت بعده، أردت تأخير زمان مجيئك عن زمان مجيئه.
ويشهد بأنّ أصلهما المكان ثلاثة أشياء: أحدها امتناعهم من إضافتهما إلى الفعل فى حال السّعة، وإنما يضافان إلى أن والفعل، وما والفعل، كما جاء فى التنزيل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنََا وَمِنْ بَعْدِ مََا جِئْتَنََا} (1).
والثانى: إخبارك بهما عن الجثّة، كقولك: الجبل بعد الوادى، والوادى قبل الجبل، وظروف الزمان لا تستعمل أخبارا عن الأشخاص.
والثالث: أنهما أصل فى الغايات، ولم نجدهم أدخلوا فى حكمهما إلّا ظروف المكان، كفوق وتحت ووراء وقدّام وعل. فهذا قول جلىّ كما تراه، والمتّسمون بالنحو قبيل وقتنا هذا، ممّن شاهدته وسمعت كلامه على خلاف ما قلته وأوضحته. فاستمسك بما ذكرته لك، فقد أقمت لك (2) برهانه.
وهذه المسألة ممّا ذكرته فى الرّدّ على أبى الكرم بن الدّبّاس أغاليطه فى كتابه الذى سمّاه: المعلم (3).
* * * __________
(1) سورة الأعراف 129.
(2) فى الأصل: له.
(3) راجع قسم الدراسة ص 35.(3/211)
من مشكل كلام أبى علىّ فى الإيضاح
قوله فى (باب الجمع الذى على حدّ التثنية): «لو سمّيت رجلا بخالد أو حاتم وكسّرته قلت: خوالد وحواتم، كما تقول: كاهل وكواهل، ولو سمّيته أحمر لقلت: الأحمرون والأحامر، وإذا كانوا قد قالوا: الأباطح، فهذا أجدر، ومن قال: الحرّث (1)، فقياس قوله: أن يقول: حمر، وإن نكّره كان قياس قوله ألّا يصرف بلا خلاف (2)».
وأقول: إنّ كلّ ما كان من الصّفات على مثال فاعل، كجالس، وضارب، فإنهم لم يجمعوه على فواعل وصفا للرجال، لئلّا يلتبس بفواعل إذا أريد به النّساء، كقولك: نسوة جوالس وضواحك، كما جاء فى التنزيل: {وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ} (3) وشذّ من جمع الرجال: فوارس، وذلك لاختصاص هذا الوصف بالرّجال، فإن سمّوا رجلا بوصف على هذا المثال، كخالد وحاتم وحارث، كسّروه على فواعل، وإنما استجازوا جمعه علما على فواعل لخروجه من الوصفيّة إلى العلميّة، كما أنّ أحمر لا يجمع وصفا إلّا على فعل، فإذا أخرجوه عن الوصفيّة بالتسمية جمعوه جمع السّلامة لأنه صار كأحمد وأكثم، فقالوا: الأحمرون، كما قالوا: الأحمدون، وكسّروه على الأفاعل، كما قالوا فى العلم: الأحامد، وفى غير العلم: الأجادل.
وقوله: وإذا كانوا قد قالوا: الأباطح، فهذا أجدر. يعنى أن الأبطح ومؤنّثه ممّا أخرجته العرب عن الوصفيّة، فلم يجروه على ما قبله فيقولوا: مكان أبطح، ولا بقعة بطحاء، وكذلك الأبرق والبرقاء، فالأبطح والأبرق صفتان غالبتان، بمعنى
__________
(1) فى التكملة «الحوص» خطأ. وسيأتى فى شرح ابن الشجرى.
(2) التكملة ص 45وهى الجزء الثانى من الإيضاح.
(3) سورة النور 60.(3/212)
* * *
صفحة العنوان من النسخة الأصل (راغب باشا)
وهذا الخطّ الحديث الذى تراه على يمين الصورة هو خط عالم المخطوطات الكبير الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب، رحمه الله رحمة واسعة، وصف به النسخة أيام أن كان فى استانبول سنة 1949م(1/212)
الصفحة الأولى من النسخة الأصل (راغب باشا)(1/213)
أنّهما غلبا على الاسميّة، فلم يجريا على موصوف، وجمع المذكّر منهما على الأفاعل (1): الأباطح والأبارق، كما جمع الاسم عليه، كالأزمل والأزامل، ولم يجمعوا مؤنّثهما على قياس باب «حمراء» فيقولوا: بطح وبرق، لمفارقتهما له من حيث لم يجريا على موصوف، بل شبّهوهما لتأنيثهما وفتح أوّلهما بباب «جفنة» فقالوا:
بطحاوات وبرقاوات، كصحراوات، كما شبّهوا باب «الكبرى» لتأنيثه وضمّ أوله بباب «غرفة» فقالوا: الكبر، كما قالوا: الغرف. وكذلك قالوا فى تكسيرهما:
بطاح وبراق، كجفان وقصاع.
فإذا سمّيت بأحمر وجمعته على الأحامر فهو أجدر من جمع الأبطح على الأباطح لأنك قد أخرجت أحمر عن معناه، بنقله إلى العلميّة، والأبطح غير خارج عن معناه الوصفىّ الذى وضع له، ونقيض هذا قول من جمع الحارث على الحرّث، وذلك أنهم ردّوه بهذا الجمع إلى الوصفيّة، فجمعوه على فعّل، كشاهد وشهّد، وصائم وصوّم، وغاز وغزّى، فقياس هذا أن يجمع أحمر علما على مثال جمعه وصفا، فيقال: حمر، وإن نكّرته على هذا القول قلت: مررت بأحمر وأحمر آخر، فلم تصرفه نكرة لمراعاة الوصفيّة فيه، من حيث جمع على حمر.
وقوله: «بلا خلاف» يعنى بلا خلاف بين سيبويه والأخفش لأنّ سيبويه إذا سمّى رجلا بأحمر ثم نكّره لم يصرفه (2)، مراعاة للوصف فيه، والأخفش يصرفه لزوال الوصف بالتسمية، وقد أوردت هذه المسألة فيما تقدّم. فهاهنا يوافق الأخفش سيبويه، فلا يصرفه منكّرا لأنّ جمعه على فعل مصرّح له بالوصفيّة.
الأبطح والبطحاء: كلّ مكان متّسع. والأبرق والبرقاء: مكان ذو حجارة مختلفة الألوان. والكاهل: ما بين الكتفين. والحارث فى أصل وضعه: الكاسب.
والأزمل: الصوت. والأجدل: الصّقر.
__________
(1) بحاشية الأصل: «فقيل».
(2) الكتاب 3/ 198، ورأى الأخفش فى حواشيه من نسختين من الكتاب.(3/213)
وقال أبو علىّ، فى (باب الأفعال المنصوبة): «وتقول: «كان سيرى أمس حتّى أدخلها. إن جعلت «كان» بمعنى وقع، جاز الرفع والنّصب فى «أدخلها»، وإن جعلت «كان» المفتقرة إلى الخبر، وجعلت «أمس» من صلة السّير، لم يجز إلّا النّصب لأنك إن رفعت بقيت «كان» بلا خبر، وإذا نصبت كان قولك:
«حتى أدخلها» فى موضع الخبر (1)». انتهى كلامه.
وأقول: إنّك إن جعلت «كان» بمعنى «وقع» فالكلام يتمّ إذا قلت: كان سيرى، فإن جعلت «حتّى» غاية جاز أن تعلّقها بكان، وجاز أن تعلّقها بالسّير، وإن جعلتها للاستئناف فقد أتيت بجملة تامّة بعد جملة تامّة.
فإن جعلت «كان» الناقصة، وجعلت «أمس» خبرا لها، علّقته بمحذوف، وجاز أيضا فى «أدخلها» الرفع والنصب، وإن علّقت «أمس» بالسّير، احتجت إلى خبر لكان.
فإن جعلت «حتّى» غاية، فهى وما بعدها فى تأويل «إلى» ومجرورها لأنّ التقدير: حتى أن أدخلها، أى حتّى دخولها، والمعنى: إلى دخولها، فكأنك قلت: كان سيرى إلى دخول المدينة، فإلى متعلّقة بمحذوف، أى منتهيا إلى دخول المدينة.
وإذا جعلت «حتى» للاستئناف، فالتقدير: كان سيرى حتى أنا أدخل المدينة، فالجملة التى هى: حتى أنا أدخل المدينة، خالية من ضمير يعود على اسم «كان» ظاهر ومقدّر.
* * * __________
(1) الإيضاح ص 318.(3/214)
الصفحة الأخيرة من النسخة الأصل (راغب باشا)(1/214)
صفحة العنوان من النسخة البغدادية (د)(1/215)
من روى لأبى الطيّب:
نرى عظما بالبين والصّدّ أعظم (1)
فالمعنى أنّ البين يزيله قطع المسافة، والصّدّ لا تقطع مسافته. ومن روى (2):
نرى عظما بالصّدّ والبين أعظم
فالمعنى: أن الحبيب وإن صدّ فعين المحبّ تدركه، وإذا فارق حال البعد عن النّظر إليه.
* * * وقوله:
خود جنت بينى وبين عواذلى ... حربا وغادرت الفؤاد وطيسا (3)
الوطيس فى العربيّة مستعمل على معنيين: أحدهما معركة الحرب، والآخر:
تنّور من حديد. وقيل قول ثالث: أنه حفرة يختبز فيها.
وقيل: أوّل من قال: «الآن حمى الوطيس (4)» النبىّ صلى الله
__________
(1) تمامه:
ونتّهم الواشين والدمع منهم
ديوانه 4/ 81.
(2) وهى رواية تفسير أبيات المعانى من شعر أبى الطيب ص 262.
(3) ديوانه 2/ 195.
(4) ويروى: «هذا حين حمى الوطيس». وأخرجه مسلم فى صحيحة (باب فى غزوة حنين، من كتاب الجهاد والسّير) ص 1399، وأحمد فى المسند 1/ 207. وهو برواية ابن الشجرى فى: الأمثال فى الحديث النبوى، لأبى الشيخ الأصبهانى ص 135، والمجازات النبوية ص 135، والروض الأنف 2/ 286.
هذا وقد حكى التبريزى عن أبى العلاء، قال: «وبعض الناس يدّعى أن أول من قال «حمى الوطيس» النبىّ صلّى الله عليه وسلم، وما أحسب هذا إلّا وهما لأن الوطيس قد كثر فى الشعر القديم» ثم أنشد بيت تأبط شرّا الآتى، وبيت الأفوه الأودىّ:
أدين بالصبر إذا ضرّمت ... نيرانها الحرب اضطرام الوطيس
ديوان أبى تمام بشرح التبريزى 2/ 266. ويبقى أن أشير إلى أن أبا هلال لم يذكر هذا الحديث فى كتابه:
الأوائل. وأن بيت «الأفوه» هذا لم يرد فى ديوانه (الطرائف الأديبة) مع وجود أبيات من وزن البيت وقافيته.(3/215)
الصفحة الأولى من النسخة البغدادية (د)(1/216)
عليه (1). يريد الحرب، شبّه اشتعالها باشتعال النّار فى التّنّور، قال ذلك يوم حنين.
قال تأبّط شرّا (2):
إنّى إذا حمى الوطيس وأوقدت ... للحرب نار منيّة لم أنكل
قال أبو الفتح: حمل الوطيس فى البيت على التّنّور أشبه لأنه يريد حرارة قلبه.
والقول الآخر غير ممتنع هاهنا لأنهم يقولون: حميت الحرب، واحتدمت، وتضرّمت.
وأقول: إنّ الأحسن عندى أن يكون أراد معركة الحرب لأمرين: أحدهما قوله: «جنت حربا». والآخر: أنّ حرب العواذل إنما تكون بالّلوم، والّلوم إنما يلحق القلب دون غيره من الأعضاء، فهو معركة حربهنّ.
* * * وقوله فى أبى علىّ هارون بن عبد العزيز الأوارجىّ الكاتب:
لا تكثر الأموات كثرة قلّة ... إلّا إذا شقيت بك الأحياء (3)
أراد بقوله: «كثرة قلّة» كثرة يقلّ لها الأحياء. قدّر أبو الفتح مضافا محذوفا من قوله: «بك» قال: أراد شقيت بفقدك (4).
وذهب أبو العلاء المعرّىّ إلى أنهم شقوا به، أى بقتله إيّاهم. وقال: أراد أنّ
__________
(1) هكذا بدون ذكر «وسلّم» وعلّقت عليه قريبا، فى ص 186.
(2) ديوانه ص 194، وفى عجزه هناك زيادة «نيرانها» وبها اختلّ الوزن.
(3) ديوانه 1/ 27.
(4) بمعناه فى الفتح الوهبى ص 33. وانظر شرح مشكل شعر المتنبى ص 93.(3/216)
الأحياء إذا شقيت بك كثرت الأموات، وتلك الكثرة تؤدّى إلى القلّة إمّا لأنّ الأحياء يقلّون بمن يموت منهم، وإمّا لأنّ الميّت يقلّ فى نفسه.
وقال أبو زكريّا: قول أبى الفتح: شقيت بك يريد بفقدك، يحيل معنى البيت لأنّ الأحياء شقوا به لأنه قتلهم.
وأقول: إنّ الصحيح قول أبى الفتح، إنه أراد: شقيت بفقدك، وبهذا فسّره علىّ بن عيسى الرّبعىّ. قال: ذهب إلى أنه نعمة على الأحياء، وفقده (1) شقاء لهم.
وممّا حذفت منه هذه اللفظة التى هى «الفقد» قول المرقّش:
ليس على طول الحياة ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم (2)
أراد: ليس على فقد طول الحياة لا بدّ من تقدير هذا. وأظهر هذه اللفظة فى هذا المعنى بعينه وهو كون حياته نعمة، وكون موته شقاء ونقمة الشاعر فى قوله:
لعمرك ما الرّزيّة فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير (3)
ولكنّ الرّزيّة فقد حرّ ... يموت لموته خلق كثير
وقد صرّح بهذا المعنى ما رواه الرّبعىّ عن المتنبّى، أنه قال: قال لى أبو عمر السّلمىّ: عدت أبا علىّ الأوارجىّ فى علّته التى مات فيها بمصر، فاستنشدنى:
لا تكثر الأموات كثرة قلّة البيت
فأنشدته، فجعل يستعيده ويبكى حتى مات (4)، فإذا كان المتنبّى قد حكى هذا، فهل يجوز أن يكون المعنى إلّا على ما قدّره أبو الفتح؟
* * * __________
(1) فى ط، د «ففقده».
(2) فرغت منه فى المجلس الثامن.
(3) لامرأة أعرابية. سمط اللآلى ص 603.
(4) قال ابن سيده: «أخبرنى بعض أهل بغداد أن الممدوح بهذه القصيدة أدركته الوفاة بعد إنشاد المتنبى إيّاه هذا الشعر بأيام قليلة، فكان يتقلّب على فراشه ويردّد البيت الذى فسّرنا». شرح المشكل ص 94.(3/217)
الصفحة الأخيرة من النسخة البغدادية (ذ)(1/217)
وقوله:
لم تسم يا هارون إلّا بعد ما ... اقترعت ونازعت اسمك الأسماء (1)
قال فيه أبو الفتح: أراد: لم تسم بهذا الاسم إلّا بعد ما تقارعت عليك الأسماء، فكلّ أراد أن تسمى به، فخرا بك.
وقال أبو العلاء: أجود ما يتأوّل فى هذا: أن يكون الاسم هاهنا فى معنى الصّيت، كما يقال: فلان قد ظهر اسمه، أى قد ذهب صيته فى الناس، فذكره لا يشاركه فيه أحد، وماله يشترك فيه الناس.
فأمّا أن يكون عنى باسمه هارون، فهذا يحتمله ادّعاء الشّعراء، وهو مستحيل فى الحقيقة لأنّ العالم لا يخلو أن يكون فيهم جماعة يعرفون بهارون.
والذى ذهب إليه أبو الفتح، من إرادته اسمه العلم هو الصّواب. وقول المعّرىّ إن الاسم هنا يريد به الصّيت ليس بشىء يعوّل عليه لأنّ قول أبى الطيّب:
«لم تسم» معناه: لم يجعل لك اسم. وأمّا دفع المعرّىّ أن يكون المراد الاسم العلم بقوله: إنّ فى الناس جماعة يعرفون بهارون، فقول من لم يتأمّل لفظ صدر البيت الذى يلى هذا البيت، وهو قوله:
فغدوت واسمك فيك غير مشارك (2)
والمعنى: أنّ اسمك انفرد بك دون غيره من الأسماء، فمعارضته بأنّ فى الناس جماعة يعرفون بهارون إنما تلزم أبا الطيّب لو قال: فغدوت وأنت غير مشارك فى اسمك، فلم يفرق المعرّىّ بين أن يقال: اسمك غير مشارك فيك، وأن يقال:
أنت غير مشارك فى اسمك، فإنما أراد أنّ اسمك انفرد بك دون الأسماء، ولم يرد أنك انفردت باسمك دون الناس، فاللفظان متضادّان كما ترى.
* * * __________
(1) الديوان 1/ 28، 29.
(2) تمامه:
والناس فيما فى يديك سواء(3/218)
صفحة العنوان من النسخة المغربية (ط)(1/218)
الصفحة الأولى من النسخة المغربية (ط)(1/219)
المجلس الثالث والثمانون تفسير قول أبى الطيّب:
عزير أسا من داؤه الحدق النّجل ... عياء به مات المحبّون من قبل (1)
روى بعض الرّواة: عزيز أسا (2)، بتنوين «أسا» ونصبه على التمييز، كما تقول:
عزيز دواء زيد، فرفعوا «من» بالابتداء، و «عزيز» خبرها لأنّ «من» معرفة بصلتها، أو نكرة متخصّصة بصفتها، فهى أولى بالابتداء فى كلا وجهيها، وصفة «من» تكون على ضربين: جملة ومفرد، فالجملة فى قول عمرو بن قميئة:
يا ربّ من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين (3)
وفى قول الآخر:
ربّ من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنّى لى موتا لم يطع (4)
والمفرد فى قول حسّان:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النبىّ محمّد إيّانا (5)
__________
(1) ديوانه 3/ 180.
(2) هكذا جاء فى النسخ الثلاث، وفى كلّ المواضع «أسا» بالألف. قال ابن ولّاد: «الأسى:
الحزن مقصور، يكتب بالياء لأنك تقول: رجل أسيان، وقالوا: أسوان، فجائز أن يكتب بالألف على هذا القول». المقصور والممدود ص 9.
(3) فرغت منه فى المجلس الرابع والسبعين.
(4) وهذا سبق فى المجلس الحادى والسّتّين.
(5) مثل سابقه.(3/219)
فمن نكرة فى البيت الأوّل والثانى لأن «ربّ» لا تليها المعرفة. وفى البيت الثالث لأن المفرد لا يكون صلة، فكأنه قال: على ناس غيرنا، أو قوم غيرنا، وإن رفعت «غيرنا» بأنه خبر مبتدأ محذوف، تريد: من هو غيرنا، فجعلت «من» موصولة، كقراءة من قرأ: {تَمََاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (1) يريد: هو أحسن، جاز. ومثله ما رواه الخليل من قولهم: ما أنا بالذى قائل لك شيئا.
ويجوز فى قول من نوّن «أسا» أن ترفع «من» بعزيز، رفع الفاعل بفعله، على ما يراه الأخفش والكوفيّون، من إعمال اسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة المشبّهة باسم الفاعل وإن لم يعتمدن، كقولك: قائم غلاماك، ومضروب صاحباك، وظريف أخواك.
والوجه إعمالهنّ إذا اعتمدن على مخبر عنه، أو موصوف، أو ذى حال، وأقلّ ما يعتمدن عليه همزة الاستفهام، و «ما» النافية.
وروى آخرون إضافة «أسا» ورفعه بالابتداء لتخصّصه بالإضافة، و «عزيز» خبره، وإن شئت رفعت «عزيزا» بالابتداء، ورفعت «أسا» به، على المذهب الأضعف.
وأما «عياء» ففى رفعه ثلاثة أوجه: إن شئت جعلته خبرا بعد خبر، كقولهم: هذا حلو حامض، أى قد جمع الطّعمين. وإن شئت أبدلته من الحدق لأنها هى الداء فى المعنى، فكأنك قلت: من داؤه عياء (2). و «عزيز» هنا يحتمل أن يكون من عزّ الشىء: إذا قلّ وجوده. ويحتمل أن يراد به: شديد صعب، غالب للصّبر، من قولهم: عزّه يعزّه، إذا غلبه، ومنه {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مََا عَنِتُّمْ} (3)، أى شديد عليه عنتكم، أى هلاككم.
__________
(1) سورة الأنعام 154. وتقدم تخريج هذه القراءة فى المجلس الحادى عشر.
(2) لم يذكر ابن الشجرى الوجه الثالث فى رفع «عياء» وقد ذكر فى الموضع المذكور من شرح الديوان، قال: «وإن شئت أضمرت له ابتداء».
(3) سورة التوبة 128.(3/220)
الصفحة الأخيرة من النسخة المغربية (ط)
ويظهر فيها خط ابن الشجرىّ (هبة الله بن على بن محمد بن حمزة الحسنى)(1/220)
أمالى ابن الشّجرىّ هبة الله بن علىّ بن محمّد بن حمزة الحسنىّ العلوىّ (450هـ 542هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أخبرنا الشيخ الأجلّ المسند أبو حفص عمر (1) بن محمد بن طبرزد البغدادىّ، قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق فى ذى الحجّة سنة ثلاث وستمائة.(1/221)
وللأسا وجهان: أحدهما الحزن، وفعله: أسى يأسى، والآخر: العلاج والإصلاح، وفعله: أسا يأسو، يقال: أسوت الجرح: إذا أصلحته وداويته، أسوا وأسا. قال الأعشى (1):
عنده البرّ والتّقى وأسا الشّقّ ... وحمل لمضلع الأثقال
وحدقة العين: سوادها، والجميع: حدق وحداق، فحدق من باب قصبة وقصب، وحداق مثل رقبة ورقاب، ورحبة ورحاب.
والنّجل: جمع نجلاء، والمصدر: النّجل، وهو السّعة فى حسن.
* * * تفسير قوله:
كفى بجسمى نحولا أننى رجل ... لولا مخاطبتى إيّاك لم ترنى (2)
يتوجّه فى هذا البيت سؤال عن الفرق فى الإعراب بين «كفى بجسمى نحولا» {وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَكِيلًا} (3).
وسؤال ثان، وهو أنّ «أنّ» المفتوحة تكون مع خبرها فى تأويل مصدر، كقولك: بلغنى أنّك ذاهب، أى بلغنى ذهابك، فبأىّ مصدر تتقدّر فى هذا البيت؟
وسؤال ثالث، وهو أن يقال: إن الجملة التى هى «لولا مخاطبتى إياك لم ترنى» وصف لرجل، ورجل اسم غيبة، فكيف عاد إليه منها ضمير متكلّم؟ وكان القياس أن يقال: لولا مخاطبته إيّاك لم تره.
__________
(1) ديوانه ص 9، والموضع السابق من المقصور والممدود.
(2) الديوان 4/ 186، والمغنى ص 109، 667، وشرح أبياته 2/ 381.
(3) سورة النساء 81، وغير ذلك من الكتاب العزيز.(3/221)
الجواب: أنّ «كفى» ممّا غلب عليه زيادة الباء، تارة مع فاعله، وتارة مع مفعوله، ودخولها على مفعوله قليل، فزيادتها مع الفاعل مثل: كفى بالله، المعنى: كفى الله، ويدلّك على أنها مزيدة فى «بالله» قول سحيم (1):
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا
وأمّا زيادتها مع المفعول، فمنه ما أوردته آنفا من قول الأنصارىّ:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النبىّ محمد إيّانا
ومنه:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا (2)
التقدير: كفاك داء رؤيتك الموت، ومنه: «كفى بجسمى نحولا» لأنّ فاعل «كفى» أنّ وما اتّصل بها. واسبك لك من ذلك فاعلا بما دلّ عليه الكلام من النفى بلم، وامتناع الشىء لوجود غيره بلولا، فالتقدير: كفى بجسمى نحولا انتفاء رؤيتى لولا وجود مخاطبتى، وانتصاب «نحولا» على التفسير (3)، والتفسير فى هذا النحو للفاعل دون المفعول، فوكيلا تفسير لاسم الله تعالى، و «نحولا» تفسير لانتفاء الرّؤية، كما كان «فضلا» فى بيت الأنصارىّ تفسيرا لحبّ النبىّ إيّاهم. فقد بان لك الفرق فى الإعراب بين «كفى بجسمى نحولا» «وكفى بالله وكيلا» من حيث كان «بالله» فاعلا، و «بجسمى» مفعولا.
وإنما زيدت الباء فى نحو «كفى بالله» حملا على معناه، إذ كان بمعنى اكتف بالله، ونظيره قولهم: حسبك بزيد، زادوا الباء فى خبر «حسبك» لمّا دخله معنى اكتف.
__________
(1) ديوانه ص 16، وصدر البيت:
عميرة ودّع إن تجّهزت غاديا
وتخريجه فى كتاب الشعر ص 437.
(2) للمتنبى. وقد فرغت منه فى المجلس الحادى عشر.
(3) أى على التمييز.(3/222)
أمالى ابن الشّجرىّ هبة الله بن علىّ بن محمّد بن حمزة الحسنىّ العلوىّ (450هـ 542هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أخبرنا الشيخ الأجلّ المسند أبو حفص عمر (1) بن محمد بن طبرزد البغدادىّ، قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق فى ذى الحجّة سنة ثلاث وستمائة.
قال: أخبرنا السّيد الشريف العلّامة ذو الشّرفين أبو السعادات هبة الله بن على بن محمد بن حمزة العلوىّ الحسنىّ المعروف بابن الشجرىّ، قراءة عليه وأنا أسمع ببغداد قال (2):
المجلس الأول
(مسألة)
قال أطال الله بقاءه (3): إنما وجب بناء ما قبل ياء المتكلّم على الكسرة لأنهم لو أعربوه لم تسلم الياء مع الضم والفتح، إذ الضمّ يقتضى قلبها إلى الواو، والفتح يقتضى قلبها ألفا.
فإن قيل: قد فعلوا ذلك فى نحو يا غلاما.
__________
(1) عمر بن محمد بن معمّر بتشديد الميم بن طبرزد. محدّث مشهور، سمع وحدّث كثيرا، مولده سنة 516، وتوفى ببغداد سنة 607. وفيات الأعيان 3/ 124، والعبر 5/ 24. وطبرزد، بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وسكون الراء وفتح الزاى، فارسى، وهو نوعّ من السّكّر. وفيات الأعيان، والمعرّب للجواليقى ص 228.
(2) لم يرد هذا الإسناد فى الأصل، وأثبتّه من هـ.
(3) فى هـ: رضى الله عنه.(1/223)
وأمّا رجل من قوله: «أننى رجل» فخبر موطّىء (1)، وإنما الخبر فى الحقيقة هو الجملة التى وصف بها رجل، والخبر الموطّىء هو الذى لا يفيد بانفراده ممّا بعده، كالحال الموطّئة (2) فى نحو: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (3) ألا ترى أنّك لو اقتصرت على رجل هنا لم تحصل به فائدة، وإنما الفائدة مقرونة بصفته، فالخبر الموطّىء كالزيادة فى الكلام، فلذلك عاد الضّميران اللذان هما الياءان فى «مخاطبتى» و «لم ترنى» إلى الياء فى «أنّنى»، ولم يعودا على «رجل» لأن الجملة فى الحقيقة خبر عن الياء فى «أنّنى»، وإن كانت بحكم اللفظ صفة لرجل، فلو (4) قلت: إنّ «رجل»، لمّا كان هو الياء التى فى «أنّنى» من حيث وقع خبرا عنها عاد الضّميران إليه على المعنى كان قولا. ونظيره عود الياء إلى «الذى» فى قول علىّ عليه السلام:
أنا الذى سمّتن أمّى حيدره (5)
لمّا كان «الذى» هو «أنا» فى المعنى (6)، وليس هذا ممّا يحمل على الضّرورة لأنه قد جاء مثله فى القرآن، نحو: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (7) فتجهلون فعل خطاب وصف به اسم غيبة كما ترى، ولم يأت بالياء وفاقا ل {قَوْمٌ}، ولكنه جاء وفق المبتدأ الذى هو {أَنْتُمْ} فى الخطاب، ولو قيل: بل أنتم قوم، لم
__________
(1) فى النّسخ الثلاث: «موطّأ» بفتح الطاء، هنا وفى المواضع الآتية، وكذلك جاء فى أصول الخزانة 6/ 62، فيما حكاه البغدادىّ عن ابن الشجرى، وصحّحه شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله رحمة سابغة. وكذلك جاء على الصواب فى المغنى ص 667. وانظر التعليق التالى.
(2) فى النّسخ الثلاث «الموطّأة» وصحّحت بحاشية الأصل بخط الناسخ نفسه: «الموطّئة». والحال الموطّئة معروفة فى كتب النحو.
(3) سورة يوسف 2. وانظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 119، والمشكل 1/ 418، والمغنى ص 587.
(4) فى ط، د: ولو.
(5) فرغت منه فى المجلس الموفى السّتين.
(6) راجع كتاب الشعر ص 399.
(7) سورة النمل 55.(3/223)
قيل: إنما فعلوا ذلك فى النداء لأنه باب تغيير وتخفيف لكثرة استعماله، وجاء ذلك فيه قليلا، والأكثر: يا غلامى، فلما تعذّر رفع الحرف المتصل بهذه / الياء ونصبه، كسروه ليسلم.
حكم أبو الفتح عثمان بن جنّى فى كتابه الذى سماه (كتاب الخصائص) (1) على الكسرة فى غلامى ونحوه بأنها لا حركة إعراب ولا حركة بناء، وإنما حكم بذلك لأن الاسم الذى اتصلت به الياء لم يشبه الحرف، ولا تضمن معناه.
وأقول (2): إن هذه الحركة (3) حركة بناء كحركة التقاء الساكنين فى نحو لم يخرج القوم، و {لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ} (4) وإن كانت فى كلمة معربة. وأقول: إن كلّ حركة لم تحدث (5) عن عامل حركة بناء، كما حكم أبو علىّ فى الباب الثانى من الجزء الثانى (6) من كتاب الإيضاح، بأن حركة التقاء الساكنين حركة بناء، وذلك فى قوله:
«وحركات البناء التى تتعاقب على أواخر هذه المبنية نحو حركة التقاء الساكنين فى اردد القوم».
ألا ترى أن أبا الفتح قد نصّ على ما قلته فى قوله: الإعراب ضد البناء فى المعنى ومثله فى اللفظ، والفرق بينهما زوال الإعراب لتغيّر العامل، وانتقاله (7)، ولزوم البناء الحادث من غير عامل وثباته.
أراد أن البناء حدوثه عن علّة لا عن عامل، فالعلّة التى أوجبت الكسرة فى لم يخرج القوم التقاء الساكنين، والعلة التى أوجبت الكسرة فى غلامى ونحوه انقلاب الياء واوا لو ضمّ ما قبلها، وانقلابها ألفا لو فتح ما قبلها.
__________
(1) الخصائص 2/ 356 (باب فى الحكم يقف بين الحكمين)، وينظر أيضا 3/ 57، وشرح المفصل 3/ 32، والتبيين للعكبرى ص 150، وحواشيه.
(2) فى هـ: فأقول.
(3) فى الأصل: «إن هذه الحركة التقاء الساكنين» وأثبتّ ما فى هـ.
(4) سورة آل عمران 28.
(5) فى هـ: من.
(6) وهو التكملة ص 5.
(7) فى هـ: وانتفائه.(1/224)
يحصل بهذا الخبر فائدة. وممّا جاء من ذلك فى الشّعر لغير ضرورة قوله (1):
أأكرم من ليلى علىّ فتبتغى ... به الجاه أم كنت امرءا لا أطيعها
أعاد من «أطيعها» ضمير متكلّم، ولم يعد ضمير غائب وفاقا لامرىء.
فهذا دليل إلى (2) دليل التنزيل. فاعرف هذا وقس عليه نظائره.
* * * وممّا أهمل مفسّرو شعر أبى الطيّب تعريبه قوله (3):
بئس اللّيالى سهدت (4) من طربى ... شوقا إلى من يبيت يرقدها
يتوجّه فى هذا البيت السّؤال عن المقصود فيه بالذمّ، وما موضع «من طربى» من الإعراب؟ وما الذى نصب «شوقا»؟ وكم وجها فى نصبه؟ وبم يتعلّق «إلى»؟ وكم حذفا فى البيت؟.
فأمّا المقصود بالذمّ فمحذوف، وهو نكرة موصوفة بسهدت، والعائد إليه من صفته محذوف أيضا، فالتقدير: ليال سهدت فيها، ونظير هذا الحذف فى التنزيل، فى قوله تعالى: {وَمِنْ آيََاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} (5)، التقدير: آية يريكم فيها البرق.
__________
(1) قيس بن الملوّح (المجنون)، أو عبد الله بن الدّمينة، أو إبراهيم بن العباس الصولى. ديوان الأول ص 195، والثانى ص 207، 208، وتخريجه فى ص 262، وزيادات ديوان الثالث (الطرائف الأديبة ص 185).
وانظر المغنى ص 587، وشرح أبياته 2/ 120، 121.
(2) «إلى» هنا بمعنى «مع».
(3) الديوان 1/ 298.
(4) فى الأصل والديوان «سهرت» بالراء، وأثبتّه بالدال من ط، د، ويؤكّده الشرح الآتى، وقد جاء كذلك بالدال فى الخزانة 6/ 161، وحكى شرح ابن الشجرى. وكذلك أصلحها شيخنا أبو فهر فى دلائل الإعجاز ص 489، لكن ابن الشجرى سيشير قريبا إلى أنه يروى بالراء.
(5) سورة الروم 24. وانظر كتاب الشعر ص 307.(3/224)
(مسألة) قال حرس الله نعمته (1): استدلوا على أن الظرف إذا وقع خبرا تضمن ضميرا منتقلا إليه (2) من الخبر الأصلىّ المرفوض استعماله، وهو مستقر أو كائن، أو نحو ذلك بقول كثيّر (3):
/ فإن يك جثمانى بأرض سواكم ... فإنّ فؤادى عندك الدّهر أجمع
إذا قلت هذا حين أسلو ذكرتها ... فظلّت لها نفسى تتوق وتنزع
ووجه هذا الاستدلال أن قوله: «أجمع» لا بد أن يكون تابعا لمرفوع، وليس فى قوله: «فإن فؤادى عندك الدهر» مرفوع ظاهر، فلم يبق إلا أن يكون تابعا للضمير المستكن فى قوله: «عندك».
(مسألة) قال كبت الله أعداءه (4): حذف الضمير العائد من الصلة أقيس من حذف العائد من الصفة، لأن الصلة تلزم الموصول، ولا تلزم الصفة الموصوف، فتنزّل الموصول (5) والصلة منزلة اسم واحد، فحسن الحذف (6) لما جرت أربعة أشياء مجرى شىء واحد، وهى الموصول والفعل والفاعل والمفعول، وإنما شبّهوا الصفة بالصلة من حيث كانت موضّحة للموصوف، كما توضّح الصلة الموصول، ومن حيث كانت الصفة لا تعمل فى الموصوف، كما لا تعمل الصلة فى الموصول، فحذفوا العائد من الجملة الوصفية، كما حذفوه من الجملة الموصول بها فى نحو: {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} (7)، وذلك نحو قول الحارث بن كلدة (8) الثقفىّ:
__________
(1) فى هـ: رضى الله عنه.
(2) فى الأصل: عن.
(3) ديوانه ص 404، والبيتان ينسبان أيضا إلى جميل، ديوانه ص 118، وانظر معجم شواهد العربية ص 217، وقد أنشد ابن الشجرى البيت الأول مرة أخرى فى المجلس المتمّ الأربعين، منسوبا لكثيّر أيضا.
(4) فى هـ: تغمّده الله برضوانه.
(5) فى الأصل «الصلة والموصول»، وأثبتّ ما فى هـ، وسيأتى نظيره فى المجلس المتم الأربعين.
(6) أعاده ابن الشجرى فى المجلس المذكور، وهو مأخوذ من كلام أبى العباس المبرد، فى كتابه المقتضب 1/ 19. وانظر ما يأتى فى المجلسين الرابع عشر، والأربعين.
(7) سورة الفرقان 41، وانظر البرهان 3/ 160، 161، فقد نقل الزركشى كلام ابن الشجرى هذا فى الحذف.
(8) فى هـ: «حلزة» وهو خطأ، وسيأتى الكلام عليه قريبا مع بقية الأبيات.(1/225)
وجاء فى الشّعر حذف النكرة المجرورة الموصوفة بالجملة، فى قول الرّاجز:
مالك عندى غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جادت بكفّى كان من أرمى البشر (1)
أراد: بكفّى رجل، فحذف رجلا، وهو ينويه.
وقوله: «من طربى» مفعول له. و «من» بمعنى اللام، كما تقول: جئت لأجلك، ومن أجلك، وأكرمته لمخافة شرّه، ومن مخافة شرّه، {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ مِنْ إِمْلََاقٍ} (2) أى لإملاق.
و «شوقا» يحتمل أن يكون مفعولا من أجله، عمل فيه «طربى»، فيكون الشوق علّة للطّرب، والطرب علّة للسّهاد، ولا يعمل «شهدت» فى «شوقا» لأنه قد تعدّى إلى علّة فلا يتعدّى إلى أخرى إلّا بعاطف، كقولك: أقمت سهرا وخوفا، وسهدت طربا وشوقا.
ويحتمل «شوقا» أن ينتصب انتصاب المصدر، كأنه قال: شقت شوقا، أو شاقنى التذكّر شوقا، وشقت: ما لم يسمّ فاعله، كقول المملوك: قد بعت، أى باعنى مالكى، وكقول الأمة وقد سئلت عن المطر: «غثنا ما شئنا (3)»، والأصل: غاثنا الله.
فأمّا «إلى» فالوجه أن تعلّقها بالشّوق لأنه أقرب المذكورين إليها، وإن
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الموفى السّتين.
(2) سورة الأنعام 151.
(3) وهو ما روى عن ذى الرمّة، قال: ما رأيت أفصح من جارية بنى فلان! قلت لها: كيف كان المطر عندكم؟ قالت: غثنا ما شئنا». أى مطرنا مطرا بقدر طلبنا وحاجتنا، موافقا لاختيارنا، غير مسرف يؤذى، ولا قليل يمحل. إصلاح المنطق ص 255، ووصف المطر والسّحاب ص 78، وديوان المعانى 2/ 7، وغريب الحديث للخطابى 1/ 439، ومنال الطالب ص 265.(3/225)
شئت علّقتها بالطّرب، وذلك إذا نصبت «شوقا» بطربى، فإن نصبته على المصدر امتنع تعليق «إلى» بطربي لأنك حينئذ تفصل ب «شوقا» وهو أجنبىّ بين الطّرب وصلته.
وكان الوجه فى «يرقدها»: يرقد فيها، كما تقول: يوم السّبت خرجت فيه، ولا تقول: خرجته، إلّا على سبيل التوسّع فى الظرف، تجعله مفعولا به على السّعة، كقوله:
ويوما شهدناه سليما وعامرا (1)
وكقول الآخر:
فى ساعة يحبّها الطّعام (2)
المعنى: يحبّ فيها، وشهدنا فيه.
ففى البيت أربعة حذوف: الأوّل: حذف المقصود بالذمّ، وهو ليال.
والثانى: حذف «فى» من «سهدت فيها»، فصار «سهدتها»، والثالث: حذف الضمير من «سهدتها». والرابع: حذف «فى» من «يرقدها».
وقد روى: سهرتها طربا، وسهرت من طرب.
وقد فرّق بعض اللّغويّين بين (3) السّهاد والسّهر، فزعم أن السّهاد للعاشق واللّديغ، والسّهر فى كلّ شىء، وأنشد قول النابغة (4):
يسهّد فى ليل التّمام سليمها
__________
(1) فرغت منه فى المجلس الأول.
(2) مثل سابقه.
(3) لم يذكره أبو هلال فى الفروق اللغوية، وفى كتابه التلخيص فى معرفة أسماء الأشياء ص 134 لم يفرق بين السّهاد والسّهر. وكذلك لم يذكر أبو البقاء الكفوى فيه شيئا، فى الكليات.
(4) ديوانه ص 46. وعجزه:
لحلى النساء فى يديه قعاقع
وليل التّمام، بكسر التاء، وهو أطول ليالى الشتاء.(3/226)
فما أدرى أغيّرهم تناء ... وطول العهد أم مال أصابوا
وقول جرير (1):
أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شىء حميت بمستباح
التقدير: أصابوه، وحميته.
وقد حذفوا العائد المجرور مع الجارّ كقول كثيّر (2):
/ من اليوم زوراها خليلىّ إنها ... سيأتى عليها حقبة لا نزورها
التقدير: لا نزورها فيها، ومثله فى التنزيل: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} (3) التقدير: لا تجزى فيه، كما قال: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ} (4)
وكذلك تقدّر فى الجمل المعطوفة على الأولى، لأن حكمهنّ حكمها، فالتقدير ولا تقبل منها شفاعة فيه، ولا يؤخذ منها عدل فيه، ولا هم ينصرون فيه.
واختلف النحويون فى هذا الحرف، فقال الكسائى: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا الهاء، أراد أن الجارّ حذف أولا، ثم حذف العائد ثانيا.
وقال نحوىّ آخر: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا «فيه».
وقال أكثر أهل العربية، منهم سيبويه، والأخفش: يجوز الأمران (5).
__________
(1) ديوانه ص 89، وقد أنشده المصنف أيضا فى المجلسين الثانى عشر، والأربعين، وانظر الشعر 388، وحواشيه، ومعجم الشواهد ص 88، والجمل المنسوب للخليل ص 36.
(2) ليس فى ديوانه كثير المطبوع بتحقيق الدكتور إحسان عباس، ولم أجده فى كتب النحو والتفسير واللغة التى بين يدىّ.
(3) سورة البقرة 48، 123.
(4) سورة البقرة 281.
(5) تفصيل هذه المسألة تجده فى الكتاب 1/ 386، ومعانى القرآن للفراء 1/ 32، وللأخفش ص 88، ومجالس ثعلب ص 403، والشعر ص 234، والعسكريات ص 191، وتفسير الطبرى 2/ 27، وشرح الحماسة ص 33، والبحر المحيط 1/ 189، ومغنى اللبيب ص 557 (الباب الرابع) و 682 (الباب الخامس)، ولسان العرب (جزى).(1/226)
والأقيس عندى: أن يكون (1) حرف الظرف حذف أولا، فجعل الظرف مفعولا [به] (2) على السّعة، كما قال (3):
ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى الطّعن النّهال نوافله
وكقول الآخر:
فى ساعة يحبّها الطّعام (4)
أراد شهدنا فيه، ويحبّ فيها، ثم حذف الجارّين توسّعا، والأصل:
لا تجزى فيه، ثم لا تجزيه، ثم لا تجزى، وإنما (5) جاز حذف الجارّ من ضمير الظرف كما جاز حذفه من مظهره، إذ كنت تقول: قمت فى اليوم، وقمت اليوم،
__________
والذى نسبه ابن الشجرى إلى سيبويه من تجويزه الأمرين، لم أجده فى الكتاب المطبوع، والذى وجدته حذف «فيه» فقط، وهذه عبارته فى الموضع الذى ذكرته: «كما قال سبحانه: {يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ} أضمر فيه». وقد نص ابن هشام على هذا، فقال فى الموضع الثانى من المغنى: «وعن سيبويه أنهما حذفا دفعة». وقد تعقّب ابن هشام ابن الشجرىّ، فيما حكاه فى المسألة، فقال فى الموضع الأول:
«وهو مخالف لما نقل غيره»، وقال فى الموضع الثانى: «وهو نقل غريب».
(1) هذا اختيار لرأى الكسائىّ السابق، وقد نصّ عليه ابن هشام فى الموضع الثانى.
(2) ليس فى هـ.
(3) هو رجل من بنى عامر، كما فى الكتاب 1/ 178، والبيت من غير نسبة فى المقتضب 3/ 105، والكامل 1/ 33، والشعر ص 45، وشرح الحماسة ص 88، والمقرب 1/ 147، والتبصرة ص 308، 529، ومجمع الأمثال 1/ 12، وشرح ديوان المتنبى المنسوب خطأ إلى العكبرى 1/ 299، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص 450، والمغنى ص 503، وشرح أبياته 7/ 84، واللسان (جزى). وفى حواشى المقتضب تخريجات أخرى. وأعاده ابن الشجرى فى المجلسين الثامن والعشرين، والثالث والثمانين.
(4) معانى القرآن 1/ 32، والكامل 1/ 34، وتفسير الطبرى 2/ 26، والأضداد لأبى الطيب ص 732، ومعجم الشواهد ص 536، وأعاده المصنف فى المجلسين المذكورين قبل. وجاء بهامش الأصل: «قال شيخنا ابن هشام، أبقاه الله سبحانه: لا دليل فى هذا البيت ولا فى الذى قبله على مدّعاه، وهو الجار [هكذا، ولعله: وهو الحذف] على التدريج، غاية ما فيه أنه حذف حرف الجرّ منهما وأبقى مجروره، ومدّعاه إذا حذفهما على التدريج. من خط تلميذ المولى ابن هشام».
(5) فى هـ: فإنما.(1/227)
وقول الأعشى:
وبتّ كما بات السّليم مسهّدا (1)
والطّرب: خفّة تصيب الإنسان لشدّة سرور أو حزن. قال ابن قتيبة:
يذهب الناس إلى أنّ الطّرب فى الفرح دون الجزع، وليس كذلك، إنّما الطّرب خفّة تصيب الرجل لشدّة السّرور، أو لشدّة الجزع (2)، وأنشد:
وأرانى طربا فى إثرهم ... طرب الواله أو كالمختبل (3)
ومثله قول الآخر:
وقلن لقد بكيت فقلت كلّا ... وهل يبكى من الطّرب الجليد (4)
* * * وقوله:
أمط عنك تشبيهى بما وكأنّه ... فما أحد فوقى وما أحد مثلى (5)
يتوجّه فيه سؤال عن «ما» من قوله: «تشبيهى بما» وليست «ما» من أدوات التشبيه.
وقد قيل فى ذلك أقوال، أحدها: ما حكاه أبو الفتح عن المتنبّى، أنه كان إذا سئل عن ذلك أجاب بأنّ «ما» سبب للتشبيه لأنّ القائل إذا قال: ما الذى يشبه هذا؟ قال المجيب: كأنّه الأسد، أو كأنّه الأرقم، أو نحو ذلك، فأتى
__________
(1) فرغت منه فى المجلس السابع والثلاثين.
(2) أدب الكاتب: ص 22، 23.
(3) للنابغة الجعدىّ، رضى الله عنه، فى ديوانه ص 93.
(4) ينسب لبشّار، ولعروة بن أذينة، ولغيرهما. انظر ديوان الأول ص 73، والثانى ص 414، وحواشى أدب الكاتب. ويروى «من الشوق» وعليها يفوت الاستشهاد.
(5) ديوانه 3/ 161.(3/227)
كذلك قلت: اليوم قمت فيه، واليوم قمته، ولولا تقدير العوائد من هذه الجمل لأضيف اليوم إلى لا تجزى، فقيل: واتقوا يوم لا تجزى نفس، لأن إضافته إلى الجملة تخرج الجملة عن أن تكون وصفا، وإذا خرجت عن / أن تكون وصفا بطل الاحتياج إلى عائد منها لفظا وتقديرا.
وحذف العائد من الصلة إنما يقع بالمنصوب المتصل غالبا نحو: قام الذى أكرمت و {أَرَأَيْتَكَ هََذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} (1) فإن كان مجرورا منصوبا فى المعنى جاز حذفه، كقولك: هذا الذى زيد ضارب، وعجبت مما أنت صانع، ومثله:
{فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ} (2) التقدير: ضاربه وصانعه وقاضيه، فإن اتصل العائد بحرف جر، نحو قام الذى مررت به، فحذفه قليل جدا، فمما جاء من ذلك فى الشعر القديم قول القائل (3):
وقد كنت تخفى حبّ سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذى أنت بائح
الأصل: بائح به، ثم بائحه، ثم بائح، ومثله فى التنزيل: {ذََلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللََّهُ عِبََادَهُ} (4) الأصل: يبشّر به، ثم يبشّره، ثم يبشّر.
فإن كان العائد متصلا مرفوعا فى المعنى لم يجز حذفه كقولك: قام الذى أعجب ضربه زيدا، لا يجوز الذى أعجب ضرب زيدا، لأن الهاء فاعل المصدر، وإنما جاز حمل المجرور على المنصوب لاتفاقهما فى كونهما فضلتين، وقد شبّهوا العائد من جملة الخبر إلى المخبر عنه، بالعائد من جملة الصفة إلى الموصوف فحذفوه، وحذفه ضعيف، لا يحسن استعماله فى حال السّعة، وإنما قبح ذلك لأن الفعل إذا وقع خبرا وكان متعدّيا فحذفت الضمير الذى تعدّى إليه، تسلّط الفعل على المبتدأ
__________
(1) سورة الإسراء 62، وقد جاءت تلاوة الآية خطأ فى الأصل، هـ هكذا «أهذا الذى كرمت علىّ».
(2) سورة طه 76.
(3) عترة العبسى، ديوانه ص 42، والخصائص 3/ 90، وشرح ابن عقيل على الألفية 1/ 151، واللسان (أين)، ومعجم الشواهد ص 84.
(4) سورة الشورى 23.(1/228)
المتنبّى بحرف التشبيه الذى هو «كأنّ» وبلفظ الحرف الذى كان سؤالا عن التشبيه، فأجيب عنه بكأنّ. فذكر السّبب والمسبّب جميعا. قال أبو الفتح: وقد فعل أهل اللّغة مثل هذا، فقالوا: الألف والهمزة فى «حمراء» علامة التأنيث، وإنّما العلامة فى الحقيقة الهمزة وحدها، ولكنّها لمّا صاحبت الألف، وكان انقلابها لسكون الألف قبلها قيل: هما جميعا للتأنيث (1).
والثانى: ما حكاه القاضى أبو الحسن علىّ بن عبد العزيز الجرجانىّ، صاحب كتاب «الوساطة بين المختصمين فى شعر المتنبّى» عن المتنبّى أيضا، قال: سئل عن معنى قوله: «بما وكأنّه» قال: أردت: لا تقل ما هو إلّا كذا، وكأنّه كذا لأنه ليس فوقى أحد ولا مثلى فتشبّهنى به، وقال هذا الراوى مقويّا لهذا الوجه: إذا قلت: ما هو إلّا الأسد، وإلّا كالأسد، فقد أتيت ب «ما» لتحقيق التشبيه، كما قال لبيد (2):
وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه
فليس ينكر أن ينسب التّشبيه إلى «ما» إذا كان لها هذا الأثر (3).
والثالث: ما رواه الرّبعىّ عن المتنبّى أيضا، قال: سئل عن قوله: «بما وكأنّه» فقال: أردت: ما أشبه فلانا بفلان، وكأنه فلان.
__________
(1) الفتح الوهبى ص 120. وقد حكى ابن فورّجة كلام ابن جنى هذا، ثم شنّع عليه، فقال:
«أحلف بالله العظيم إن كان أبو الطيّب سئل عن هذا البيت فأجاب بهذا الجواب الذى حكاه ابن جنى! وإن كان متزيّدا مبطلا فيما يدّعيه عفا الله عنه وغفر له، فالجهل والإقرار به أحسن من هذا». الفتح على أبى الفتح ص 247.
(2) ديوانه ص 169، وتخريجه فى 380، وتمام البيت:
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
ويحور: يصير.
(3) الوساطة ص 443، مع شىء من الاختلاف. وشرح الواحدى ص 22، 23.(3/228)
فنصبه، كقولك فى زيد ضربته: زيدا ضربت، فهذا وجه الكلام.
فإن قلت: زيد ضربت، على إرادة الهاء لم يجز ذلك إلا فى الشعر، على أن الروايات قد تظاهرت عن ابن عامر بأنه قرأ «وكلّ» {وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} (1) فى سورة الحديد خاصّة، وكذلك جاءت / الرواية بالرفع فى قول الراجز (2):
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كلّه لم أصنع
رووه بالرفع لمّا تقدّم على الفعل، وحجز حرف النفى بينهما، وإن كان ذلك لا يمنع من تسلط الفعل عليه (3)، فلما كان الضمير متى حذفته من جملة الخبر تسلط الفعل على المبتدأ، ومتى حذفته من جملة الصفة لم يتسلّط الفعل على الموصوف، لأن الصفة كبعض الموصوف، كما أن الصلة كبعض الموصول: جاز حذف العائد من جملة الصفة، وقبح حذفه من جملة الخبر.
__________
(1) سورة النساء 95، والحديد 10، وآية الحديد هى المرادة كما نصّ المصنف، وجاء بحاشية الأصل: «إنما قرأ ابن عامر بالرفع فى سورة الحديد خاصة لأنه شغل الخبر بهاء مضمرة، وليس قبل هذه الجملة جملة فعلية يختار لأجلها النصب، فرفع بالابتداء، وأما الذى فى سورة النساء {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} فإنما اختار فيه النصب لأن فيه جملة فعلية، وهى قوله: {فَضَّلَ اللََّهُ الْمُجََاهِدِينَ بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقََاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ}.
وانظر توجيه قراءة ابن عامر، فى الكشف عن وجوه القراءات، لمكى 2/ 307، ومشكل إعراب القرآن، له 2/ 357، والبحر المحيط 8/ 219والتبيان فى إعراب القرآن للعكبرى ص 383، فى آية سورة النساء.
(2) أبو النجم العجلى. ديوانه ص 132، والكتاب 1/ 85، 127، 137، والخزانة 1/ 359، 3/ 20، واستقصيت تخريجه فى كتاب الشعر ص 504، والبيتان أعادهما ابن الشجرى فى المجلسين الرابع عشر، والمتمّ الأربعين.
(3) بحاشية الأصل: «بل يمتنع تسلّط الفعل عليه من وجه آخر، وهو أن «كلّا» إذا أضيفت إلى المضمر لا تستعمل إلّا تاكيدا أو مبتدأ، وليس فى الكلام ما تجرى عليه تأكيدا، فتعيّن الابتداء، وامتنع تسلّط الفعل عليه. والله أعلم».(1/229)
فهذه ثلاثة أقوال مختلفة، كما ترى، ولا يمتنع أن يجيب المسؤول بأجوبة مختلفة فى أوقات متغايرة.
والرابع: قول أبى علىّ بن فورّجة، قال: هذه «ما» التى تصحب «كأنّ» إذا قلت: كأنّما زيد الأسد (1)، وإليه ذهب أبو زكريّا، قال: أراد: أمط عنك تشبيهى بأن تقول: كأنّه الأسد، وكأنما هو اللّيث. وهذا القول أردأ الأقوال وأبعدها من الصّواب لأنّ المتنبىّ قد فصل «ما» من «كأنّ»، وقدّمها عليه، وأتى فى مكانها بالهاء، فاتّصال «ما» بكأنّه غير ممكن لفظا ولا تقديرا، وهى مع ذلك لا تفيد معنى إذا اتّصلت بكأنّ، فكيف إذا انفصلت منه وقدّمت عليه، وهى فى الأقوال الثلاثة المحكيّة عن المتنبّى منفصلة قائمة بنفسها تفيد معنى، فهى فيما رواه أبو الفتح استفهاميّة، وفيما رواه علىّ بن عبد العزيز الجرجانىّ نافية، وفيما رواه الرّبعىّ تعجّبيّة. والكافّة إنما تدخل لتكفّ عن العمل، لا لمعنى تحدثه، فهى بمنزلة «ما» الزائدة.
ثم إنّ هذين اللفظين اللذين قد مثّل بهما أبو زكريّا، فقال: كأنّه الأسد، وكأنما هو الليث، قد أتى فيهما بأداة التشبيه التى هى «كأنّ» وحدها لأنّ معنى كأنّه وكأنما هو واحد، فلا فرق بينه وبين أن تقول: أمط عنك تشبيهى بكأنّ وكأنّ، فهو فاسد من كلّ وجه.
يقال: ماط الله (2) عنك الأذى، وأماطه، أى أزاله، وماط الشىء: زال، ومطه عنك، وأمطه: نحّه وأزله، ومط عنّى: تنحّ وزل. استعملوا ماط لازما ومتعديّا.
وقوله: «تشبيهى» أراد: تشبيهك إيّاى، فحذف الفاعل، وهو الكاف،
__________
(1) حكاه ابن فورّجة عن أبى العلاء المعرّى، قال: «وليس مما استنبطته». الفتح على أبى الفتح ص 248، وانظر أيضا تفسير أبيات المعانى ص 204، 205.
(2) فعلت وأفعلت لأبى حاتم ص 105.(3/229)
والبيت المنسوب إلى الحارث بن كلدة (1) من مقطوعة متضمّنة ألطف عتاب وأحسنه، قالها وقد خرج إلى الشام، فكتب إلى بنى عمّه فلم يجيبوه، وهى:
ألا أبلغ معاتبتى وقولى ... بنى عمّى فقد حسن العتاب (2)
وسل هل كان لى ذنب إليهم ... هم منه فأعتبهم غضاب
كتبت إليهم كتبا مرارا ... فلم يرجع إلىّ لها جواب
فما أدرى أغيّرهم تناء ... وطول العهد أم مال أصابوا
فمن يك لا يدوم له وصال ... وفيه حين يغترب انقلاب
فعهدى دائم لهم وودّى ... على حال إذا شهدوا وغابوا
وإنما قال: «أم مال أصابوا» لأن الغنى فى أكثر الناس يغيّر الإخوان على إخوانهم. فمن ذلك ما روى أنّ أبا الهول (3) الشاعر كان له صديق ضرب فى البلاد فأيسر، فاحتاج أبو الهول إليه فلم يجده بحيث يحبّ، فكتب إليه:
/ لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة ... فأصبحت فيها بعد عسر أخايسر (4)
لقد كشف الإثراء منك خلائقا ... من اللّؤم كانت تحت ثوب من الفقر
__________
(1) الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام عرف بطبيب العرب، من ثقيف، وهو من أهل الطائف، رحل إلى فارس، وأخذ الطبّ فى مدرسة جند يسابور، ثم عاد إلى بلاده، وتوفى نحو سنة 13، واختلف فى إسلامه. طبقات الأطباء والحكماء ص 54، وتاريخ الحكماء ص 161، وأسد الغابة 1/ 413، والمؤتلف والمختلف ص 261.
(2) الأبيات فى الحماسة الشجرية 1/ 260، والبيت الشاهد وهو الرابع أعاده المصنف فى المجلسين، المتمّ الأربعين، والسابع والسبعين، وهو فى الكتاب 1/ 88، 130، والأزهية ص 146، والتبصرة ص 328، 331، وشرح المفصل 6/ 89، وشرح ابن عقيل 2/ 156، والبحر المحيط 1/ 190، 219، ومعجم الشواهد ص 48.
(3) أبو الهول الحميرىّ، اسمه عامر بن عبد الرحمن، شاعر مقلّ، من شعراء الدولة العباسية. انظر حواشى البيان والتبيين 3/ 351، وطبقات الشعراء لابن المعتزّ ص 153.
(4) البيتان لأبى الهول فى الحماسة الشجرية 1/ 289، والحماسة البصرية 2/ 267، فى هجاء طلحة بن معمر التيمىّ، ومن غير نسبة فى كتاب الآداب لجعفر بن شمس الخلافة ص 116، وشرح شواهد الكشاف 4/ 327. وفى زهر الآداب ص 828أن محمد بن الحسن بن سهل كتب البيتين لصديق له رأى منه(1/230)
وأضاف المصدر إلى المفعول، فصار المنفصل متّصلا. والمصدر كثيرا ما يحذف فاعله.
* * * أنشد بعض (1) أهل الأدب لأخى الحارث بن حلّزة:
ربّما قرّت عيون بشجى ... مرمض قد سخنت منه عيون
وقال: من هذا البيت أخذ المتنبّى قوله (2):
مصائب قوم عند قوم فوائد
قلت: إن كان الجاهلىّ أبا عذرة هذا المعنى، فلقد أحسن أبو الطيّب أخذه، حيث أتى به فى نصف بيت.
* * * __________
(1) لعله يريد أبا علىّ الحاتمى، فهو أقدم من ذكر ذلك. الرسالة الموضحة ص 135. وأخو الحارث ابن حلّزة هذا اسمه: عمرو. ترجم له الآمدى فى المؤتلف ص 124، والمرزبانى فى معجم الشعراء ص 8. وبيته من أبيات حكيمة، يقول فيها:
لم يكن إلّا الذى كان يكون ... وخطوب الدهر بالناس فنون
ربّما قرّت عيون بشجى ... مرمض قد سخنت منه عيون
يلعب الناس على أقدارهم ... ورحى الأيام للناس طحون
يأمن الأيّام مغترّ بها ... ما رأينا قطّ دهرا لا يخون
والملمّات فما أعجبها ... للملمّات ظهور وبطون
إنما الإنسان صفو وقذى ... وتوارى نفسه بيض وجون
هوّن الأمر تعش فى راحة ... قلّما هوّنت إلّا سيهون
لا تكن محتقرا شأن امرىء ... ربّما كان من الشأن شؤون
(2) ديوانه 1/ 276، وصدره:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها(3/230)
ومن جيّد الشعر فى العتاب أبيات أنس بن زنيم الهذلى (1)، وقد وفد على عمر بن عبيد الله (2) بن معمر التّيمىّ، فى جماعة من الشعراء، فصدّه الحاجب عن الدخول لخماشة (3) كانت بينهما، وأذن لغيره، فلمّا طال حجابه كتب إليه (4):
لقد كنت أسعى فى هواك وأبتغى ... رضاك وأرجو منك ما لست لاقيا
حفاظا وإمساكا لما كان بيننا ... لتجزينى يوما فما كنت جازيا
أرانى إذا ما شمت منك سحابة ... لتمطرنى عادت عجاجا وسافيا (5)
إذا قلت نالتنى سماؤك يا منت ... شآبيبها أو أثجمت عن شماليا (6)
وأدليت دلوى فى دلاء كثيرة ... فأبن ملاء غير دلوى كما هيا
__________
نبوة وتغيّرا. ونسبهما ابن خلكان لإبراهيم بن العباس الصولىّ، قالهما فى محمد بن عبد الملك الزيات.
وفيات الأعيان 4/ 185، وهما فى ديوان الصولى (الطرائف الأدبية) ص 158، وانظر حواشى الحماسة الشجرية.
(1) هكذا يذكر ابن الشجرى هنا، وفى حماسته 1/ 279أن أنس بن زنيم هذلى، ولم يذكر أحد ممن ترجمه أنه هذلى، وكلهم أجمعوا على أنه دؤلىّ، من بنى الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأنس هذا من الشعراء الصحابة. انظر ترجمته فى أسد الغابة 1/ 147، وجمهرة الأنساب لابن حزم ص 184، والحيوان 5/ 255، وخزانة الأدب 2/ 121، والمؤتلف والمختلف ص 70، والشعر والشعراء ص 737. ويبقى بعد ذلك أنى لم أجد له ذكرا ولا شعرا فى شرح أشعار الهذليين.
(2) فى الأصل، والموضع السابق من الحماسة الشجرية «عبد الله» وأثبتّ ما فى هـ، ومثله فى المحبر ص 66، 151، والمعارف ص 234وانظر فهارسه والعقد الفريد 4/ 47، والمردفات من قريش (نوادر المخطوطات 1/ 71).
(3) الخماشة بضم الخاء المعجمة هى من الجنايات: كل ما كان دون القتل والدية، من قطع أو جرح أو ضرب أو نهب، ونحو ذلك من أنواع الأذى.
(4) الأبيات فى الموضع السابق من الحماسة الشجرية، والحماسة البصرية 2/ 24، لأنس بن زنيم، ونسبها صاحب الأغانى 13/ 84للمغيرة بن حبناء، وهى فى طبقات ابن المعتز ص 156لنصيب الأصغر، أبى الحجناء، وأورد ابن المعتز فيها هذا البيت السّيّار:
كلانا غنىّ عن أخيه حيائه ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا
وانظر له شرح شواهد المغنى ص 189، وشرح أبياته 4/ 270.
(5) شام السحابة: نظر إليها أين تمطر. والعجاج: الغبار. والسّافى: الريح التى تسفى التراب، أو هو التراب نفسه.
(6) بحاشية الأصل: «ويروى: واثعنجرت» وسيأتى فى شرح المصنف.(1/231)
قوله (1):
إلام طماعية العاذل ... ولا رأى فى الحبّ للعاقل
ظاهره أن معنى عجزه غير متعلّق بمعنى صدره، وأين قوله فى الظاهر:
ولا رأى فى الحبّ للعاقل
من قوله:
إلام طماعية العاذل؟
ويحتمل تعلّقه به وجوها، أحدها: أن يريد: إلام يطمع عاذلى فى إصغائى إلى قوله، والعاقل إذا أحبّ لم يبق له مع الحبّ رأى يصغى به إلى قول ناصح، فعذله غير مجد نفعا.
والثانى: أن العاقل لا يرتئى فى الحبّ، فيقع به اختيارا، وإنما يقع اضطرارا، فلا معنى لعذله (2).
والثالث: أن العاقل ليس من رأيه أن يورّط نفسه فى الحبّ، وإنما ذلك من فعل الجاهل، وعذل الجاهل أضيع من سراج فى الشّمس (3)، فكيف يطمع فى نزوعه؟
* * * ومن مشكل أبياته قوله (4):
لا تجزني بضنى بى بعدها بقر ... تجزى دموعى مسكوبا بمسكوب
__________
(1) ديوانه 3/ 21.
(2) هذا من كلام الواحدىّ فى شرحه ص 395.
(3) هو من أقوال العرب. الدرة الفاخرة 1/ 277.
(4) ديوانه 1/ 160.(3/231)
كنى بالبقر عن النّساء، على مذهب العرب فى تشبيههم النّساء بالبقر الوحشيّة، يريدون بذلك شدّة سواد عيونهنّ، قال عبد الرحمن بن حسّان (1):
صفراء من بقر الجواء كأنّما ... ترك الحياء بها رداع سقيم
الرّداع: وجع الجسم أجمع. ويروى: «أثر الحياء».
وقوله: «لا تجزنى» دعاء بلفظ النّهى، فحكمه فى الجزم حكم النّفى، كما قال:
فلا تشلل يد فتكت بعمرو ... فإنّك لن تذلّ ولن تضاما (2)
وكذلك استعمال الدعاء بلفظ الأمر، كقولك: ليقطع الله يده.
والضّنى: الداء المخامر الذى إذا ظنّ صاحبه أنه قد برأ نكس.
وقوله: «بعدها» أراد بعد فراقها، فحذف المضاف.
وقوله: «بى» صفة لضنى، فالباء متعلّقة بمحذوف، تقديره: كائن أو واقع. ويحتمل الناصب للظّرف الذى هو «بعدها» وجهين: إن شئت أعملت فيه المصدر الذى هو «ضنى»، وإن شئت أعملت فيه الباء التى فى «بى» لأنّ الظرف وحرف الخفض إذا تعلّقا بمحذوف عملا فى الظرف وفى الحال، كقولك:
زيد فى الدار اليوم، وهو عند جعفر غدا.
والهاء فى «بعدها» عائدة على «بقر»، وإن كانت «بقر» متأخّرة، وجاز
__________
(1) لم أجد من نسبه هذه النسبة غير ابن الشجرىّ، وقد نسبه الشريف المرتضى فى أماليه 1/ 494 لبشر بن عبد الرحمن الأنصارى. ونسب فى اللسان (ردع) إلى مجنون بنى عامر، وأنشد من غير نسبة فى أمالى القالى 1/ 203، والصحاح (ردع) وشرح الحماسة ص 1357. وأثبته جامع ديوان المجنون ص 256، عن اللسان، وفى حواشيه فضل تخريج. والجواء: اسم موضع.
(2) فرغت منه فى المجلس السابع والسّتّين.(3/232)
أأقصى ويدنى من يقصر رأيه ... ومن ليس يغنى عنك مثل غنائيا
فلما قرأ الأبيات عنّف حاجبه، وأذن له وقال: ويحك ما الذى دهاك؟ قال: / فعل حاجبك وطول مقامى ببابك، وأنت تعطى من أقبل وأدبر، ولا تلتفت إلىّ، فقال له: يا هذا أشهدت معى مودّأة هجر (1)؟ قال: لا، قال: فهل كنت معى يوم الخوارج (2) بدولاب الأهواز؟ قال: لا، قال: فهل لك علىّ من يد تستحقّ بها ما طلبت؟ قال: نعم كنت أجلس بين يديك فأسمع حديثك فأنشر محاسنه وأطوى مساويه، قال: إنّ فى هذا لما يشكر، كم أقمت بالباب؟ قال: أربعين يوما، فأمر له بأربعين ألفا.
الشّؤبوب: الدّفعة من المطر، ويقال: أثجم المطر: إذا دام، والاثعنجار:
الهطلان.
* * * __________
(1) فى الأمالى، والحماسة الشجرية «موادة» بألف غير مهموزة بعد الدال، وصوابه بالهمز لأنه من (ودأ). وقد ضبطت ميم «الموداة» فى أصل الأمالى بالضم. والأرض المودأة: هى المهلكة. وهجر:
بالبحرين. وراجع هذه الموقعة فى تاريخ الطبرى 6/ 193.
(2) فى الأصل: «الخزرج» وأثبت ما فى هـ، ومثله فى الحماسة الشجرية، وانظر عن يوم الخوارج بدولاب الأهواز: تاريخ الطبرى 6/ 120، والكامل للمبرد 3/ 297، وحواشى الحماسة الشجرية 1/ 221.(1/232)
ذلك لأنها فاعل (1)، والفاعل رتبته التقدّم، فإذا أخّرته جاز تقديم الضمير العائد إليه لأنّ النيّة به التقديم، ومثله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ََ} (2).
وفى الكلام حذف وذلك أنه أراد: لا تجزنى بضنى بى ضنى بها، أى ضنى يقع بها، فحذف ذلك للعلم به.
و «مسكوبا» لا يجوز أن ينتصب على الحال من «دموعى» لأن الواحد المذكّر لا يكون حالا من جماعة، لا تقول: طلعت الخيل مترادفا، ولكن:
مترادفة، ولو قلت: مترادفات، كان أحسن، كما جاء فى التنزيل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صََافََّاتٍ} (3).
ولو قال: تجزى دموعى مسكوبة، كان حالا. وإذا بطل انتصاب «مسكوبا» على الحال، نصبته على البدل من «الدموع» كأنه قال: تجزى مسكوبا منها بمسكوب من دموعها، فحذف الجارّين والمجرورين، وإنما احتيج إلى تقدير «منها» لأنّ بدل البعض وبدل الاشتمال لا بدّ أن يتّصل بهما ضمير يعود على المبدل منه، كقولك: ضربت زيدا رأسه، وأعجبنى زيد علمه. ومن بدل الاشتمال المحذوف منه الضمير قول الأعشى:
لقد كان فى حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم (4)
__________
(1) هذا على رأى الأخفش: أن ما بعد الظرف يرتفع بالظرف ارتفاع الفاعل بفعله، ويوافقه سيبويه فى بعض التراكيب، لا على الإطلاق. وقد أشرت إلى ذلك فى المجلس الحادى والثمانين، وانظر المراجع المذكورة هناك.
(2) سورة طه 67.
(3) سورة الملك 19.
(4) فرغت منه فى المجلس الثالث والأربعين.(3/233)
المجلس الثانى تقاسيم فى التثنية
قال أدام الله نعمته (1): التثنية والجمع المستعملان بالحرف أصلهما التثنية والجمع بالعطف، فقولك: جاء الرجلان، ومررت بالزيدين (2) أصله: جاء الرجل والرجل، ومررت بزيد وزيد، فحذفوا العاطف والمعطوف، وأقاموا حرف التثنية مقامهما اختصارا، وصحّ ذلك لاتفاق الذاتين فى التسمية بلفظ واحد، فإن اختلف لفظ الاسمين رجعوا إلى التكرير بالعاطف، كقولك: جاء الرجل والفرس، ومررت بزيد وبكر، إذ كان ما فعلوه من الحذف فى المتفقين يستحيل فى المختلفين، ولمّا التزموا فى تثنية المتّفقين ما ذكرناه من الحذف كان (3) التزامه فى الجمع مما لا بدّ منه ولا مندوحة عنه، لأنّ حرف الجمع ينوب عن ثلاثة فصاعدا إلى ما لا يدركه الحصر.
ويدلّك على صحة ما ذكرته لك أنهم ربّما رجعوا إلى الأصل فى تثنية المتفقين وما فويق (4) ذلك من العدد، فاستعملوا التكرير بالعاطف، إما للضرورة، وإما للتفخيم، فالضرورة كقول القائل (5):
__________
(1) فى هـ: رضى الله عنه.
(2) فى الأصل: «بالرجلين»، لكن فيه بعد ذلك فى التمثيل والتفصيل: «ومررت بزيد وزيد» وأثبت ما فى هـ، ومثله فى الخزانة 3/ 340، من كلام ابن الشجرى. وانظر المقتصد 1/ 183، وشرح المفصل 5/ 2، وشرح الجمل 1/ 135، والبسيط ص 247.
(3) فى الأصل: «وكان». ولم ترد الواو فى هـ، والخزانة.
(4) فى هـ: «فوق». وما فى الأصل مثله فى الخزانة.
(5) هو منظور بن مرثد الأسدىّ. ويقال: منظور بن حبة وحبّة أمّه انظر المؤتلف(1/233)
كأنّ بين فكّها والفكّ
أراد أن يقول: بين فكّيها، فقاده تصحيح / الوزن والقافية إلى استعمال العطف، ومثله:
ليث وليث فى مكان ضنك (1)
ومثله فيما جاوز الاثنين قول أبى نواس (2):
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم التّرحّل خامس (3)
فإن استعملت هذا فى السّعة فإنما تستعمله لتفخيم الشىء الذى تقصد تعظيمه، كقولك لمن تعنّفه بقبيح تكرّر منه، وتنبّهه على تكرير عفوك عنه: قد صفحت لك عن جرم وجرم وجرم وجرم، وكقولك لمن يحقر أيادى أسديتها إليه،
__________
والمختلف ص 147، ومعجم الشعراء ص 281. والبيت الشاهد ينسب أيضا إلى رؤبة، وهو فى زيادات ديوانه ص 191، وانظر إصلاح المنطق ص 7، وأسرار العربية ص 47، وضرائر الشعر ص 257، والبسيط ص 200، 247، وحواشيه والخزانة 3/ 340، 343، واللسان (فكك).
(1) أنشد المصنف هذا البيت مع أبيات أخر ضمن قصة ونسبه لجحدر بن مالك الحنفى فى المجلس الرابع والستين، وينسب أيضا لواثلة بن الأسقع الصحابى، كما فى الخزانة 3/ 341، والدرر اللوامع 1/ 18، وأنشد من غير نسبة فى أسرار العربية ص 48، وضرائر الشعر ص 257، والمقرب لابن عصفور 2/ 41، وشرح الجمل له 1/ 137، والهمع 1/ 43.
(2) ديوانه ص 295، والكامل ص 1049، وأمالى الزجاجى ص 147وأمالى المرتضى 1/ 198، وضرائر الشعر ص 258، والمغنى ص 393، وشرح أبياته 6/ 83، والخزانة 3/ 340، عن ابن الشجرى كما سبق. وأنشد من غير نسبة فى المقرب 2/ 49وشرح الجمل 1/ 146. وانظر معجم الشواهد ص 197، ثم انظر رأى ضياء الدين بن الأثير فى ضعف هذا البيت، فى المثل السائر 3/ 24، وردّ صلاح الدين الصفدى عليه فى الغيث المسجم 1/ 185.
(3) جاء بهامش الأصل: «فسّر الأبّذىّ فى شرح الجزولية مدّة الإقامة فى هذا البيت الذى لأبى نواس بأنها أربعة أيّام، والصواب أنها ثمانية، ويدلّ عليه قوله «ويوما» بعد قوله «ثالثا»، فدلّ على أنه يوم(1/234)
أراد: ثويته فيه.
ومعنى البيت: أنه بكى عند الفرقة وبكين، فجزين دمعه بدمع، فدعا لهنّ بألّا يجزينه بضناه ضنى، كما جزينه بالدّمع دمعا.(3/234)
المجلس الرابع والثمانون قول أبى الطيّب (1):
أنت الجواد بلا منّ ولا كدر ... ولا مطال ولا وعد ولا مذل
سألنى سائل عن المذل، فقلت: قد قيل فيه قولان: أحدهما أن معناه القلق، يقال: مذلت من كلامك، أى قلقت، ومذل فلان على فراشه: إذا قلق فلم يستقرّ.
والقول الآخر: البوح بالسّرّ، يقال: فلان مذل بسرّه، وكذلك هو مذل بماله: إذا جاد به.
وذكر أبو زكريّا فى تفسير البيت الوجهين فى المذل، ثم قال: والذى أراد أبو الطيّب بالمذل: أنه لا يقلق بما يلقاه من الشّدائد، كما يقلق غيره. وليس ما قاله بشىء عليه تعويل، بل المذل هاهنا البوح بالأمر، ونفى ذلك عنه، فأراد:
أنه إذا جاد كتم معروفه، فلم يبح به.
وقول أبى زكريّا: «أراد أنه لا يقلق بما يلقاه من الشدائد» قد زاد بذكر الشدائد ما ذهب إليه بعدا من الصّواب، وهل فى البيت ما يدلّ على الشّدائد؟ إنما مبنى البيت على الجود، والخلال التى مدحه بنفيها عنه متعلّقة بمعنى الجود، وهى المنّ والكدر، والمطال والوعد، والمذل الذى هو البوح بالشىء.
* * * __________
(1) ديوانه 3/ 87.(3/235)
أو ينكر ما أنعمت به عليه: قد أعطيتك ألفا وألفا وألفا، فهذا أفخم فى اللفظ، وأوقع فى النفس من قولك: قد صفحت لك عن أربعة أجرام، وقد أعطيتك ثلاثة آلاف.
والتثنية تنقسم إلى ثلاثة أضرب: تثنية لفظيّة، وتثنية معنويّة وردت بلفظ الجمع، وتثنية لفظيّة كان حقّها التكرير بالعطف.
فالضّرب الأول عليه معظم الكلام، كقولك فى رجل: رجلان، وفى زيد: زيدان.
والضّرب الثانى: تثنية آحاد ما فى الجسد كالأنف والوجه والبطن والظهر، تقول: ضربت رءوس الرجلين، وشققت بطون الحملين (1)، ورأيت ظهوركما، وحيّا الله وجوهكما، فتجمع وأنت / تريد: رأسين وبطنين وظهرين ووجهين، ومن ذلك فى التنزيل قوله جل ثناؤه: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} (2) وجروا على هذا السّنن فى المنفصل عن الجسد، فقالوا: مدّ الله فى أعماركما، ونسأ الله فى آجالكما، ومثله فى المنفصل فيما حكاه سيبويه (3): ضع رحالهما.
ومن العرب من يعطى هذا كلّه حقّه من التثنية، فيقولون (4): ضربت رأسيهما،
__________
رابع، ثم قال «له» أى لذلك اليوم الرابع يوم الترحّل خامس، وتقدير البيت: أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ويوما رابعا، يوم الترحّل خامس له، أى لذلك اليوم الرابع، وخامس الرابع تاسع، وهذا التاسع هو الترحّل، فيبقى ثمانية. والذى يوهم كون الإقامة أربعة حمل قوله «خامس» على أنه خامس واحد، وليس كذلك، وإنما هو خامس أربعة. وهذا التفسير، أى كون الإقامة ثمانية منقول عن الأستاذ أبى موهوب منصور الجواليقى. من خط تلميذ ابن هشام».
انتهت الحاشية، وأورد ابن هشام ملخصها فى الموضع المذكور من المغنى. وعبارة الأبّذى فى شرحه على الجزولية: «لولا الضرورة لقال أياما أربعة» راجع: الأبذى ومنهجه فى النحو مع تحقيق السفر الأول من شرحه على الجزولية، ص 111 (رسالة دكتوراة مخطوطة، بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى من إعداد الأخ الدكتور سعد حمدان الغامدى).
(1) فى هـ «الجملين»، وسيأتى بالحاء المهملة قريبا.
(2) الآية الرابعة من سورة التحريم، وانظر معانى القرآن 1/ 306، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج 3/ 787، وشرح الحماسة ص 886، وقد حكى البغدادىّ هذا الكلام عن ابن الشجرى الخزانة 3/ 370.
(3) الكتاب 3/ 622، عن يونس، وحكاه فى 2/ 49 «وضعا رحالهما» بصيغة الماضى لا الأمر، ونبّه عليه البغدادى فيما سبق من الخزانة. وبهذه الصيغة أعاده ابن الشجرى فى المجلس الخامس والستّين.
(4) فى هـ «فيقول» وما فى الأصل مثله فى الخزانة 3/ 371، عن ابن الشجرى.(1/235)
فصل
أنبّه فيه على فضائل أبى الطّيّب، وأورد فيه غررا من حكمه. فمن بدائعه قوله فى الحمّى:
وزائرتى كأنّ بها حياء ... فليس تزور إلّا فى الظّلام (1)
بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت فى عظامى
المطارف: جمع مطرف، ومطرف، وهو الذى فى طرفه علمان.
والحشايا: جمع حشيّة، وهو ما حشى، ممّا يفرش.
إذا ما فارقتنى غسّلتنى ... كأنّا عاكفان على حرام
إنما خصّ الحرام، والاغتسال يكون من الحلال والحرام لأنه جعلها زائرة، والزائرة غريبة، فليست بزوجة ولا مملوكة (2).
كأنّ الصّبح يطردها فتجرى ... مدامعها بأربعة سجام
إنما قال: «بأربعة» لأنه أراد الغروب والشّؤون، وواحدهما: غرب وشأن، وهما مجارى الدّموع.
أراقب وقتها من غير شوق ... مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصّدق شرّ ... إذا ألقاك فى الكرب العظام
أبنت الدّهر عندى كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزّحام
جعل الحمّى بنتا للدّهر لأنها تحدث فيه، فكأنه أب لها.
وقوله: «عندى كلّ بنت» يريد كلّ شديدة يحدثها الدهر.
__________
(1) ديوانه 4/ 148146.
(2) ويقول الواحدى: «وإنما خصّ الحرام لحاجته إلى القافية، وإلّا فالاجتماع على الحلال كالاجتماع على الحرام فى وجوب الغسل». شرح الديوان ص 678.(3/236)
وشققت بطنيهما، وعرفت ظهريكما، وحيّا الله وجهيكما، فممّا ورد بهذه اللغة قول الفرزدق (1):
بما فى فؤادينا من الشوق والهوى
وقول أبى ذؤيب (2):
فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التى لا ترقع
أراد بطعنات نوافذ، والعبط: جمع العبيط: وهو البعير الذى ينحر لغير داء.
والجمع فى هذا ونحوه، هو الوجه، كما جاء فى التنزيل: {قََالََا رَبَّنََا ظَلَمْنََا أَنْفُسَنََا} (3)، وجمع هميان بن قحافة بين اللغتين فى قوله:
ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور التّرسين (4)
المهمه: المفازة الخرقاء، والقذف والقذيف: البعيد، والمرت: كلّ مكان لا ينبت مرعى.
وربما استغنوا فى هذا النحو بواحد، لأن إضافة العضو إلى اثنين تنبئ عن المراد، كقولك: ضربت رأس الرجلين، وشققت بطن الحملين، ولا يكادون يستعملون
__________
(1) ديوانه ص 554، والكتاب 3/ 623، والجمل ص 312، والتبصرة ص 685، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 185، وتفسير الطبرى 8/ 41، وأنشده ابن الشجرى مرة أخرى فى المجلس الخامس والستين. وانظر معجم الشواهد ص 236. وعجز البيت:
فيبرأ منهاض الفؤاد المشعف
وفى رواية القافية خلاف، انظره فى حواشى الكتاب والطبرى.
(2) شرح أشعار الهذليين ص 40، وتخريجه فى ص 1362، ومعجم الشواهد ص 227، هو أيضا فى شواهد التوضيح ص 61.
(3) سورة الأعراف 23.
(4) ينسب أيضا إلى خطام المجاشعى. وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الخامس والستين. وانظر الكتاب 2/ 48، 3/ 622، والبيان والتبيين 1/ 156، وغريب القرآن لابن قتيبة ص 439، والجمل ص 313، والتبصرة ص 684، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص 787، وشواهد التوضيح ص 61، وضرائر الشعر ص 250، والخزانة 3/ 374، وشرح شواهد الشافية ص 94، ومعجم الشواهد ص 543.(1/236)
وفيها:
وضاقت خطّة فخلصت منها ... خلاص الخمر من نسج الفدام
خطّة: حال صعبة. والفدام: مصفاة الخمر. ويقال: فدّام، بالتشديد.
قال أبو الفتح، بعد أن ذكر هذه الأبيات: ما قيل شعر فى وصف حال نهكت صاحبها واشتدّت به، ثم عاد إلى حال السّلامة، إلّا وهذا أحسن منه. وقد ذكر عبد الصمد بن المعذّل الحمّى فى قصيدة رائيّة (1)، وليست فى طرز هذه، وإن كان عبد الصّمد حاذقا مخترعا غير مدفوع الفضل.
* * * وقال أبو الفتح بعد قوله:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السّقيم (2)
ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم
هذا كلام شريف، لا يصدر إلّا عن فضل باهر.
القريحة: خالص الطّبع، وهى مأخوذة من قريحة (3) البئر، وهو أوّل ما يخرج من مائها، ومن هذا قيل: ماء قراح، أى لا يخالطه غيره.
* * * __________
(1) انظرها فى الوساطة ص 121، 122، وديوان المعانى 2/ 167، 168، ومطلعها فى الوساطة:
وبنت المنيّة تنتابنى ... هدوّا وتطرقنى سحره
(2) ديوانه 4/ 120.
(3) فى كتاب البئر لابن الأعرابى ص 58 «القريح». وجاء فى اللسان: «والقريحة والقرح: أول ما يخرج من البئر حين تحفر».(3/237)
هذا إلا فى الشعر (1)، وأنشدوا شاهدا عليه:
كأنه وجه تركيّين قد غضبا ... مستهدفين لطعن غير تذبيب (2)
ذبّ فلان عن فلان: دفع عنه، وذبّب فى الطعن والدفع: إذا لم يبالغ فيهما.
قال سيبويه (3): وسألته، يعنى الخليل، عن قولهم: ما أحسن وجوههما [فجمعوا وهم يريدون اثنين (4)] فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا [ذاك (5)]، ولكنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يكون مفردا (6)، وبين ما يكون شيئا من شىء.
/ والقول فى تفسير هذه الحكاية: أنهم قالوا: ما أحسن وجوه الرجلين، فاستعملوا الجمع موضع الاثنين، كما قال الاثنان: نحن فعلنا، ونحن إنما هو ضمير موضوع للجماعة، وإنما استحسنوا ذلك لما بين التثنية والجمع من التقارب، من
__________
(1) قال البغدادى: «والعجب من ابن الشجرى فى حمله الإفراد على ضرورة الشعر فإنه لم يقل أحد إنه من قبيل الضرورة وتبعه ابن عصفور فى كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر» الخزانة 3/ 371. هذا كلام البغدادى، وفيه نظر، فإن عبارة «ولا يكادون يستعملون هذا إلّا فى الشعر» تؤذن بأنه قد يستعمل فى سعة الكلام أيضا.
(2) للفرزدق. ديوانه ص 371، ورواية العجز فيه:
مستهدف لطعان غير منحجر
وقد أنشد البغدادى البيت عن ابن الشجرى، ثم قال: «والبيت الشاهد قافيته رائية لا بائية» ويبدو أن ابن الشجرى قد تابع الفراء فى إنشاد البيت على قافية الباء، فإنه رواه هكذا فى معانى القرآن 1/ 308. وقد جاءت هذه القافية فى بيت للفرزدق، فى ديوانه ص 25، من قصيدة يمدح بها الحكم بن أيوب الثقفى.
قال:
مجاهد لعداة الله محتسب ... جهادهم بضراب غير تذبيب
وانظر التبصرة ص 684، والبيان لأبى البركات الأنبارى 1/ 291، وشرح المفصل 4/ 157، وشرح الجمل 1/ 421، 2/ 444.
(3) الكتاب 2/ 48.
(4) لم يرد عند سيبويه، ولا عند البغدادى فيما حكاه فى الخزانة 3/ 368.
(5) زيادة من الكتاب والخزانة.
(6) فى الكتاب والخزانة: «منفردا» وكذلك فيما يأتى.(1/237)
وقال أبو الفتح عقيب قوله:
لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم (1)
أشهد بالله أنه لو لم يقل المتنبّى غير (2) هذا البيت لوجب أن يتقدّم كثيرا من المجيدين.
* * * وقال أبو الطيّب فى أسد قتله بدر بن عمّار، وفرّ منه أسد آخر:
تلف الذى اتّخذ الجراءة خلّة ... وعظ الذى اتّخذ الفرار خليلا (3)
وقال أبو الفتح بعد إيراد هذا البيت: هذا من حكمه التى يرسلها، وله فى شعره أشباه لهذا كثيرة، منها قوله:
الرأى قبل شجاعة الشّجعان ... هو أوّل وهى المحلّ الثانى (4)
ومنها:
مصائب قوم عند قوم فوائد (5)
ومنها:
إن النّفيس غريب حيث ما كانا (6)
__________
(1) ديوانه 4/ 125.
(2) فى ط، د: «إلّا». وما فى الأصل جاء مثله فى اليتيمة 1/ 224، من كلام ابن جنى أيضا.
(3) ديوانه 3/ 243.
(4) ديوانه 4/ 174.
(5) تقدّم فى المجلس السابق.
(6) ديوانه 4/ 223. وصدره:
وهكذا كنت فى أهلى وفى وطنى(3/238)
حيث كانت التثنية عددا تركّب من ضمّ واحد إلى واحد، وأول الجمع، وهو الثلاثة، تركّب من ضمّ واحد إلى اثنين، فلذلك قال: «لأن الاثنين جميع» وقوله:
«ولكنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يكون مفردا وبين ما يكون شيئا من شىء» معناه أنهم أعطوا المفرد حقّه من لفظ التثنية، فقالوا فى رجل: رجلان، وفى وجه:
وجهان، ولم يفعل ذلك أهل اللغة العليا فى قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين، وذلك أن الوجه المضاف إلى صاحبه إنما هو شىء من شىء، فإذا ثنّيت الثانى منهما علم السامع ضرورة أن الأول لابد من أن يكون وفقه فى العدّة (1)، فجمعوا الأول كراهة أن يأتوا بتثنيتين متلاصقتين فى مضاف ومضاف إليه، والمتضايفان يجريان مجرى الاسم الواحد، فلمّا كرهوا أن يقولوا: ما أحسن وجهى الرجلين، فيكونوا كأنهم قد جمعوا فى اسم واحد بين تثنيتين، غيّروا لفظ التثنية الأولى بلفظ الجمع، إذ العلم محيط بأنه لا يكون للاثنين أكثر من وجهين، فلمّا أمنوا اللبس فى وضع الوجوه موضع الوجهين استعملوا أسهل اللفظين (2).
فأمّا ما فى الجسد منه اثنان، فتثنيته إذا ثنّيت المضاف إليه واجبة، تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما، لأنك لو قلت: أعينهما وآذانهما، لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع.
فإن قيل: فقد جاء فى القرآن: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (3) فجمع اليد، وفى الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع.
الجواب: أن المراد: فاقطعوا أيمانهما، وكذلك هى فى مصحف عبد الله (4)، فلما / علم بالدليل الشرعىّ أن القطع محلّه اليمين، وليس فى الجسد إلّا يمين واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد فجمعت كما جمع الوجه والظهر والقلب (5).
__________
(1) فى هـ «لا بدّ أن يكون وفقه فى جميع العدّة» وفى الخزانة 3/ 370 «لا بدّ أن يكون وفقه فى العدد».
(2) هنا انتهى ما حكاه البغدادىّ عن ابن الشجرىّ. وقال عقبه: وهذا علّة البصريين.
(3) سورة المائدة 38.
(4) ابن مسعود، رضى الله عنه. وانظر معانى القرآن 1/ 306، وتفسير الطبرى 10/ 294، والخزانة 3/ 371.
(5) فى الخزانة: والبطن.(1/238)
ومنها:
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ (1)
* * * وقال أبو الفتح بعد إيراد قوله:
ولقد عرفت وما عرفت حقيقة ... ولقد جهلت وما جهلت خمولا (2)
نطقت بسؤددك الحمام تغنيّا ... وبما تجشّمها الجياد صهيلا
أشهد بالله لو خرس بعد هذين البيتين لكان أشعر الناس، والسّلام.
* * * وقال أبو الفتح فى قوله:
نهبت من الأعمار ما لوحويته ... لهنّئت الدّنيا بأنك خالد (3)
لو لم يمدحه إلّا بهذا البيت وحده لكان قد أبقى له مالا يخلقه الزّمان، وهذا هو المدح الموجّه لأنه بنى البيت على أن مدحه باستباحة الأعمار، ثم تلقّاه فى آخره بذكر سرور الدنيا ببقائه واتّصال أيّامه.
وهذا البيت قد ذكرت ما فيه فيما تقدّم.
* * * __________
(1) ديوانه 1/ 375.
(2) ديوانه 3/ 244، 245.
(3) فرغت منه فى المجلس الثامن والسبعين. وانظر اليتيمة 1/ 201.(3/239)
والضرب الثالث من ضروب التثنية: تثنية التغليب، وذلك أنهم أجروا المختلفين مجرى المتفقين، بتغليب أحدهما على الآخر، لخفّته أو شهرته، جاء ذلك مسموعا فى أسماء صالحة، كقولهم للأب والأم: الأبوان، وللشمس والقمر: القمران، ولأبى بكر وعمر رضى الله عنهما: العمران، غلّبوا القمر على الشمس لخفّة التذكير، وغلّبوا عمر على أبى بكر، لأن أيام عمر امتدّت فاشتهرت، ومن زعم أنهم أرادوا بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، فليس قوله بشىء، لأنهم نطقوا بالعمرين من قبل أن يعرفوا عمر بن عبد العزيز، وروى أنهم قالوا لعثمان رضوان الله عليه: نسألك سيرة العمرين، وقال الفرزدق (1):
أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنّجوم الطّوالع
أراد لنا شمسها وقمرها، وعنى بالشمس إبراهيم، وبالقمر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وبالنّجوم عشيرة (2) النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك أراد المتنبى بالقمرين الشمس والقمر فى قوله (3):
واستقبلت قمر السّماء بوجهها ... فأرتنى القمرين فى وقت معا
ولو لم يرد الشمس والقمر لم يدخل (4) الألف واللام، ولقال: أرتنى قمرين.
وقيل فى قوله تعالى: {يََا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (5): إن المراد المشرق والمغرب، فغلّب المشرق لأنه أشهر الجهتين.
__________
(1) ديوانه ص 519، وأنشده ابن الشجرى أيضا فى المجلس الحادى والستين. وانظر الكامل 1/ 143، والمقتضب 4/ 326، ومجالس العلماء ص 36، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص 788، وشرح الجمل 1/ 136، ومعجم الشواهد ص 221.
(2) حكى تاج الدين السبكى فى طبقات الشافعية الكبرى 2/ 198، عن والده، هذا التأويل عن أمالى ابن الشجرى، لكن ورد فى حكايته أن المراد بالنجوم «الصحابة». وانظر الموضع السابق من مجالس العلماء، والمغنى ص 765، وشرح أبياته 8/ 88.
(3) ديوانه 2/ 260، ومعجم الشواهد ص 214.
(4) هذا من تأويل الشيخ عبد القاهر فى أسرار البلاغة ص 293.
(5) سورة الزخرف 38، وحكى تأويل ابن الشجرىّ، الزركشىّ فى البرهان 3/ 312.(1/239)
وقال أبو العلاء المعرّىّ فى قوله:
إلف هذا الهواء أوقع فى الأن ... فس أنّ الحمام مرّ المذاق (1)
والأسى قبل فرقة الرّوح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق
هذان البيتان يفضلان كتابا من كتب الفلاسفة لأنهما متناهيان فى الصّدق وحسن النّظام، ولو لم يقل شاعرهما سواهما لكان فيهما جمال وشرف.
* * * وقال أبو العلاء فى مرثية أبى الطيّب، التى رثابها أخت سيف الدولة، التى أوّلها:
إن يكن صبر ذى الرّزيّة فضلا (2)
لو لم يكن للمتنبّى غير هذه القصيدة فى سيف الدولة لكان ذلك كثيرا، وأين منها قصيدة البحترىّ التى أوّلها:
إنّ سير الخليط لمّا استقلّا (3)
انتهى كلامه.
* * * __________
(1) ديوانه 2/ 369، 370. وذكر الحاتمىّ أن البيت الأول مأخوذ من قول أرسطا طاليس:
«النفوس البهيميّة تألف مساكنة الأجسام الترابية فلذلك يصعب عليها مفارقة أجسامها، والنفوس الصافية بضدّ ذلك». الرسالة الحاتمية فى موافقة شعر المتنبى لكلام أرسطا طاليس ص 159. (ضمن التحفة البهية والطرفة الشهيّة).
(2) ديوانه 3/ 123، وتمامه:
فكن الأفضل الأعزّ الأجلّا
(3) ديوانه ص 1655، وتمامه:
كان عونا للدمع حتى استهلّا(3/240)
وقالوا لمصعب بن الزبير (1) وابنه المصعبان، وقالوا لعبد الله بن الزّبير وأخيه مصعب: الخبيبان، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب، قال الراجز (2):
قدنى من نصر الخبيبين قدى
وقد أفرد صاحب (إصلاح المنطق) لهذا الضرب (3) بابا.
كان لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (4)
من شعراء الجاهلية وأدرك الإسلام فحسن إسلامه، وترك قول الشعر فى الإسلام، وسأله عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فى خلافته، عن شعره واستنشده، فقرأ سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتا من الشّعر بعد إذ علّمنى الله البقرة وآل عمران، فأعجب عمر قوله، وكان عطاؤه ألفين فزاده خمسمائة، وعاش إلى بعض أيام معاوية، وكان عطاؤه بالكوفة، وكتب معاوية إلى زياد بأن المال قد قلّ وكثر أهل العطاء، فانقص من أعطيات أهل الشرف خمسمائة [خمسمائة (5)] فنقصهم زياد عند أخذهم للعطاء رجلا رجلا، حتى انتهى إلى لبيد، فقال (6) له: هذان الخرجان يا أبا عقيل فما هذه العلاوة (7)؟ فقال له لبيد: أمضها لا أبا لك، فعن قليل ما يرجع إليك الخرجان والعلاوة، فاستحيا منه زياد لسنّه
__________
(1) اسمه عيسى. راجع تاريخ الطبرى 6/ 158 (حوادث سنة 71)، واللسان (صعب) وزاد قولا آخر أن المراد بالمصعبين: مصعب بن الزبير وأخوه عبد الله.
(2) هو حميد الأرقط، وقيل غيره. الكتاب 2/ 371، واستقصيت تخريجه فى كتاب الشعر ص 155، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس التاسع والخمسين.
(3) إصلاح المنطق ص 400، وترجم له بباب الاسمين يغلّب أحدهما على صاحبه لشهرته أو لخفّته.
(4) بقية نسبه فى الأغانى 15/ 361، وترجمة لبيد فى غير كتاب. انظر الشعر والشعراء 1/ 274، وحواشيه.
(5) ليس فى هـ.
(6) الذى فى الأغانى والشعر والشعراء أن القائل هو معاوية.
(7) العلاوة بكسر العين ما عولى فوق الحمل وزيد عليه. النهاية 3/ 295.(1/240)
ومن معانى أبى الطيّب المستحسنة وإن كان مما سبق إليه قوله:
ذو العقل يشقى فى النّعيم بعقله ... وأخو الجهالة فى الشّقاوة ينعم (1)
أصل هذا المعنى قول أرسطاطاليس: العقل سبب رداءة العيش (2)، وأخذه عبد الله ابن المعتزّ فى قوله:
وحلاوة الدنيا لجاهلها ... ومرارة الدنيا لمن عقلا (3)
وكرّره أبو الطيّب فى قوله:
أفاضل الناس أغراض لذا الزّمن ... يخلو من الهمّ أخلاهم من الفطن (4)
* * * ومن ابتداءاته الغزلة (5) الفائقة قوله:
أريقك أم ماء الغمامة أم خمر ... بفىّ برود وهو فى كبدى جمر (6)
* * * ومن بارع ابتداءات المراثى قوله:
نعدّ المشرفيّة والعوالى ... وتقتلنا المنون بلا قتال (7)
ونرتبط السّوابق مقربات ... وما ينجين من خبب اللّيالى
__________
(1) ديوانه 4/ 124.
(2) ذكر الحاتمى أن أصله قول أرسطا طاليس: «العاقل لا يساكن شهوة الطبع لعلمه بزوالها، والجاهل يظن أنها خالدة له وهو باق عليها، فهذا يشقى بعقله، وهذا ينعم بجهله». الرسالة الحاتمية ص 154.
(3) ديوانه 2/ 414.
(4) ديوانه 4/ 209.
(5) فى ط، د: الغزليّة.
(6) ديوانه 2/ 123. وسيأتى مرة أخرى فى هذا المجلس.
(7) ديوانه 3/ 208.(3/241)
وشرفه، فأعطاه عطاءه على تمامه، ولم يفعل ذلك مع أحد غيره، فكان ذلك آخر ما قبض [من العطاء (1)].
وكان لبيد آلى على نفسه فى الجاهلية ألّا تهبّ الصّبا إلّا نحر وأطعم الناس حتى تسكن، وألزم ذلك (2) نفسه فى الإسلام، وخطب الوليد بن عقبة بن أبى معيط الناس بالكوفة فى يوم صبا، فقال: معاشر الناس، إن أخاكم لبيد بن ربيعة آلى على نفسه فى الجاهلية ألّا تهبّ الصّبا إلا نحر وأطعم الناس حتى تسكن، وأقام على سنّته فى الإسلام، وهذا اليوم من أيامه فأعينوه، وأنا أول من يعينه، ونزل عن المنبر، فبعث إليه بمائة بكرة، وكتب إليه بهذه الأبيات:
أرى الجزّار يشحذ شفرتيه ... إذا هبّت رياح أبى عقيل (3)
أشمّ الأنف أصيد عامرىّ ... طويل الباع كالسيف الصّقيل
وفى ابن الجعفرىّ بما عليه ... على العلّات والمال القليل
فلما وصلت الأبيات إلى لبيد، قال لبنت له: يا بنيّة أجيبيه، فقد رأيتنى وما أعيا بجواب شاعر، فقالت:
إذا هبّت رياح أبى عقيل ... دعونا عند هبّتها الوليدا
أشمّ الأنف أصيد عبشميّا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأنّ ركبا ... عليها من بنى حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إنّ الكريم له معاد ... وظنّى بابن أروى أن يعودا
__________
(1) ليس فى هـ.
(2) فى هـ «وألزم نفسه ذلك»، وما فى الأصل مثله فى الحماسة الشجرية 1/ 378.
(3) الأبيات فى الأغانى، والشعر والشعراء، والحماسة الشجرية، وجمهرة أشعار العرب 1/ 87، وشرح القصائد السبع ص 515.(1/241)
فقال لها أبوها: أحسنت لولا أنك استزدتيه، فقالت: إن الأمراء لا يستحيا من الطلب إليهم، ولا غضاضة على سائلهم، فقال: وأنت فى هذا القول أشعر.
* * *
المجلس الثالث(1/242)
وما وصف أحد ما اعتوره من نوائب الدّهر بأحسن من قوله:
رمانى الدهر بالأرزاء حتّى ... فؤادى فى غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتنى سهام ... تكسّرت النّصال على النّصال
وهل وصف واصف نساء بالجمع بين بكاء الفجيعة وبكاء الدّلال بأبرع من قوله:
أتتهنّ المصيبة غافلات ... فدمع الحزن فى دمع الدّلال
وهل أبّن شاعر امرأة بأبلغ من قوله:
ولو كان النّساء كمن فقدنا ... لفضّلت النّساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... وما التذكير فخر للهلال
ومن هذه القصيدة فى المدح قوله:
فإن تفق الأنام وأنت منه ... فإنّ المسك بعض دم الغزال (1)
* * * وممّا جمع فيه بين الصّنعة وحسن المعنى، وهو من شوارد بدائعه، قوله:
أزورهم وسواد الليل يشفع لى ... وأنثنى وبياض الصّبح يغرى بى (2)
قابل أزورهم بأنثنى، وسواد الليل ببياض الصّبح، ويشفع لى بيغرى بى.
* * * __________
(1) سبق هذا فى المجلس الحادى والثلاثين. وقوله «وأنت منه» هكذا جاء فى النّسخ الثلاث. والذى فى الديوان: وأنت منهم.
(2) ديوانه 1/ 161. ويرى الثعالبىّ أن هذا البيت أمير شعره. اليتيمة 1/ 193، ويستشهد به البلاغيون على «المقابلة» فى فنّ البديع. انظر تحرير التحبير ص 181، ومعالم الكتابة ص 112، وشرح الكافية البديعية ص 75، وأنوار الربيع 1/ 303، 5/ 324، وانظر الصبح المنبى ص 162، 287.(3/242)
وأجمع أهل المعرفة بالشّعر على أنه لم يمدح أسود بأحسن من قوله فى كافور:
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلّت بياضا خلفها ومآقيا (1)
حتى قال بعضهم: لو مدح بهذا أبيض لكان غاية فى المدح، فكيف والممدوح به أسود؟
* * * وما ذمّ شاعر الدّنيا بمثل قوله:
فذى الدار أخون من مومس ... وأغدر من كفّة الحابل (2)
تفانى الرجال على حبّها ... وما يحصلون على طائل
المومس من النّساء: الفاجرة.
* * * ومن بديع الاستعتاب بأحسن لفظ وأعذب معنى قوله:
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا ... فما لجرح إذا أرضاكم ألم (3)
* * *
__________
(1) ديوانه 4/ 287.
(2) ديوانه 3/ 33، 34، والحابل: الصائد ذو الحبالة. والكفّة بكسر الكاف: كلّ مستدير، وبالضمّ: كلّ مستطيل، وبالفتح: المرّة الواحدة من كففته. وكفّة الصائد: حبالته. انظر المثلّث لابن السيّد ص 118.
(3) ديوانه 3/ 370. وقد جاءت هذه المختارات فى شرح ديوان المتنبى 1/ 167162، وكأنه ينقل عن ابن الشجرى فقد ذكرها وفق إيراد ابن الشجرىّ وترتيبه.(3/243)
* * *
المجلس الثالث
قال كبت الله أعداءه (1): كان بنو زياد العبسيّون الرّبيع وعمارة وقيس وأنس، كلّ واحد منهم قد رأس فى الجاهلية وقاد جيشا، وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وكانت إحدى المنجبات (2)، وهى التى سئلت فقيل لها: أىّ بنيك أفضل؟ فقالت:
ربيع، بل عمارة، بل قيس، بل أنس، ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أدرى. وكان لكلّ واحد منهم لقب، فكان عمارة يقال له: الوهّاب، وكان الربيع يقال له:
الكامل، وقيس يقال (3) له: الجواد، وأنس يقال له: أنس الحفاظ، وكان عمارة آلى على نفسه ألّا يسمع صوت أسير ينادى فى الليل / إلا افتكّه، وفيه يقول المسيّب ابن عامر (4).
جزى الله عنّى والجزاء بكفّه ... عمارة عبس نضرة وسلاما
كسيف الفرند العضب أخلص صقله ... تراوحه أيدى الرّجال قياما
إذا ما ملمّات الأمور غشينه ... تفرّجن عنه أصلتيّا حساما
__________
(1) فى هـ: تغمده الله برضوانه.
(2) فى هـ: «كانت من المنجبات». وأخبار فاطمة فى غير كتاب، انظر المحبر ص 398، 458، والكامل 1/ 226، والشعر والشعراء 1/ 316، والأغانى 17/ 197، ويقال فى الأمثال: «أنجب من فاطمة بنت الخرشب» انظر الدرة الفاخرة 1/ 410، ومجمع الأمثال 2/ 349.
(3) الذى فى المراجع: قيس الحفاظ وأنس الفوارس.
(4) لم أعرف المسيّب هذا، ولم أجد أبياته فيما بين يدىّ من مراجع، وقد أنشد البغدادىّ البيت الثانى منسوبا إلى المسيب هذا، حكاية عن ابن الشجرى. الخزانة 3/ 163.(1/243)
لعمرك ما ألفيته متعبّسا ... ولا ماله دون الصّديق حراما
النّضرة: الحسن، ونضر الله وجهك: حسّنه، ومنه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} (1)
{وَلَقََّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} (2) والسّلام: التحيّة، والسّلام: السّلامة، والسّلام: الله جلّت عظمته، ومن السّلامة قول الشاعر:
تحيّى بالسّلامة أمّ بكر ... وهل لى بعد قومى من سلام (3)
ومن السلامة أيضا قول الله جلّ ثناؤه: {لَهُمْ دََارُ السَّلََامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (4) وسمّى الله الجنة دار السلام، لسلامة أهلها من الآفات: الفقر والمرض والموت والأحزان.
والفرند: جوهر السيف. والأصلتىّ: الحسن، والأصلتىّ: الماضى من كلّ شىء.
ونصب «قياما» على الحال من الرجال، والحال من المضاف إليه قليلة، فمن ذلك قول الجعدىّ يصف فرسا (5):
كأنّ حواميه مدبرا ... خضبن وإن كان لم يخضب
نصب «مدبرا» على الحال من الهاء، والحامية: ما فوق الحافر، وقيل الحامية:
ما عن يمين الحافر وشماله (6)، وهذا أثبت.
وأنشدوا فى الحال من المضاف إليه قول تأبّط شرّا: (7)
__________
(1) سورة القيامة 22.
(2) سورة الإنسان 11.
(3) أنشده المصنف أيضا فى المجلس الثامن، وهو من قصيدة لابن شعوب وهى أمه واسمه عمرو بن سمىّ، قالها فى بكاء قتلى بدر. راجع من نسب إلى أمه من الشعراء ص 83 (نوادر المخطوطات)، وسيرة ابن هشام 3/ 29، والبيت من غير نسبة فى تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 6، واللسان (سلم) واشتقاق أسماء الله، لأبى القاسم الزجاجى ص 215، وفى حواشيه زيادة فى تخريج البيت، وفى نسبته.
(4) سورة الأنعام 127.
(5) ديوان النابغة الجعدى ص 20، وقد أنشد المصنف البيت فى المجالس: الثالث والعشرين، والرابع والعشرين، والسادس والسبعين، وهو فى الخيل لأبى عبيدة ص 164، والخزانة 3/ 161، وفى حواشى الديوان فضل تخريج.
(6) هذا تفسير ابن قتيبة. وسيأتى التصريح به فى المجلس الرابع والعشرين.
(7) ديوانه ص 62، والخزانة 3/ 164، وأعاده المصنف فى المجالس: الحادى والثلاثين، والسادس والسبعين، والحادى والثمانين.(1/244)
ومن أبلغ الوصف بالجود قوله:
أرجو نداك ولا أخشى المطال به ... يا من إذا وهب الدّنيا فقد بخلا (1)
* * * ومن أشدّ ما هجى به خصىّ أسود قوله:
وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السّود (2)
* * * ومن درّ قلائده، وهو ممّا أقرّ له فيه أبو نصر بن نباتة بالفضيلة، فقال:
إننا لنقول وما نحسن (3) أن نقول كقول أبى الطيّب:
إذا ما سرت فى آثار قوم ... تخاذلت الجماجم والرّقاب (4)
* * * وممّا زاد فيه على من تقدّمه قوله فى الطّير التى تصحب الجيش لتصيب من القتلى:
يطمّع الطّير فيهم طول أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقع (5)
أراد: طول أكلها إيّاهم، فحذف فاعل المصدر، وأضافه إلى المفعول، كما جاء فى التنزيل: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤََالِ نَعْجَتِكَ} (6) أى بسؤاله إيّاك نعجتك.
__________
(1) ديوانه 3/ 172.
(2) ديوانه 2/ 46.
(3) فى ط: ولا.
(4) ديوانه 1/ 78.
(5) فرغت منه فى المجلس الثامن والسبعين.
(6) سورة ص 24.(3/244)
سلبت سلاحى بائسا وشتمتنى ... فياخير مسلوب ويا شرّ سالب
ولست أرى أن «بائسا» حال من ضمير المتكلم الذى فى «سلاحى» ولكنه عندى حال من مفعول «سلبت» المحذوف، والتقدير: سلبتنى بائسا سلاحى، وجاء بالحال من المحذوف لأنه مقدّر عنده منوىّ، ومثل ذلك فى القرآن قوله جلّ وعزّ:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (1) فوحيدا حال من الهاء العائدة فى التقدير على «من» ومثله: {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} (2) ألا ترى أنك لابدّ أن تقدّر خلقته وحيدا، وبعثه الله رسولا، لأن الاسم الموصول لابدّ له من عائد لفظا أو تقديرا.
وإنما وجب العدول (3) عن نصب «بائس» على الحال من الياء التى فى «سلاحى» لما ذكرته لك من عزّة حال المضاف إليه، فإذا وجدت مندوحة عنه وجب تركه.
وسلب: يتعدى إلى مفعولين، يجوز الاقتصار على أحدهما، كقولك: سلبت زيدا ثوبا، وقالوا: سلب زيد ثوبه، بالرفع على بدل الاشتمال، وثوبه، بالنصب على أنه مفعول ثان، وفى التنزيل: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبََابُ شَيْئاً لََا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} (4)
فيجوز على هذا أن تجعل «بائسا» مفعولا ثانيا بتقدير حذف الموصوف: أى سلبت سلاحى رجلا بائسا، كما تقول: لتعاملنّ منّى رجلا منصفا، ومما جاءت فيه الحال من المضاف إليه فى القرآن قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} (5) قيل:
إن «حنيفا» حال من إبراهيم، وأوجه من ذلك عندى أن تجعله حالا من «الملّة» وإن خالفها بالتذكير، لأن الملّة فى معنى الدّين، ألا ترى أنها قد أبدلت من الدّين فى قوله جلّ وعزّ: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} (6) فإذا جعلت «حنيفا» حالا من «الملّة»
__________
(1) سورة المدثر 11.
(2) سورة الفرقان 41.
(3) فى هـ: من.
(4) سورة الحج 73.
(5) سورة البقرة 135.
(6) سورة الأنعام 161، و «قيما» ضبطت فى الأصل بفتح القاف وتشديد الياء، وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو. السبعة لابن مجاهد ص 274، وقال أبو جعفر الطبرى فى تفسيره 12/ 282إنها قراءة عامة قراءة المدينة وبعض البصريين.(1/245)
ومن أحسن المدح باستلذاذ المسؤول السّؤال قوله:
إذا غزته أعاديه بمسألة ... فقد غزته بجيش غير مغلوب (1)
كأنّ كلّ سؤال فى مسامعه ... قميص يوسف فى أجفان يعقوب
* * * ومن أرقّ لفظ فى المدح وأظرفه قوله:
تأبى خلائقك التى شرفت ... ألّا تحنّ وتذكر العهدا (2)
لو كنت عصرا منبتا زهرا ... كنت الربيع وكانت الوردا
* * * ومن غرره قوله:
وجرم جرّه سفهاء قوم ... فحلّ بغير جارمه العذاب (3)
وقوله:
وما الحسن فى وجه الفتى شرفا له ... إذا لم يكن فى فعله والخلائق (4)
وقوله:
فإنّ قليل الحبّ بالعقل صالح ... وإنّ كثير الحبّ بالجهل فاسد (5)
وقوله:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنّنّ أن الليث مبتسم (6)
__________
(1) ديوانه 1/ 172، والبيت الأول عندنا هو الثانى هناك، وكذلك جاء البيتان فى شرح الواحدى ص 637.
(2) ديوانه 1/ 325، 326.
(3) ديوانه 1/ 81.
(4) ديوانه 2/ 320.
(5) ديوانه 1/ 280.
(6) ديوانه 3/ 368، وروايته: إذا نظرت.(3/245)
فالناصب له هو الناصب للملّة، وتقديره: بل نتّبع ملّة إبراهيم حنيفا، وإنما أضمر «نتّبع» لأن ما حكاه الله عنهم من قولهم: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ تَهْتَدُوا} معناه:
اتبعوا اليهودية أو النّصرانية، فقال لنبيّه قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا.
وإنما ضعف مجىء الحال من المضاف / إليه، لأن العامل فى الحال ينبغى أن يكون هو العامل فى ذى الحال.
رجعنا إلى ما بدأنا به من الإخبار عن عمارة بن زياد العبسىّ. قالوا: وكان عمارة يحسد عنترة على شجاعته، إلا أنه كان يظهر تحقيره، ويقول لقومه: إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أنى لقيته خاليا حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد، وكان عمارة مع جوده كثير المال، وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلا، ولكن يعطيها إخوته ويقسمها فيهم، فبلغه ما يقول عمارة فقال (1):
أحولى تنفض استك مذرويها ... لتقتلنى فها أنا ذا عمارا
متى ما تلقنى خلوين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا
وسيفى صارم قبضت عليه ... أشاجع لا ترى فيها انتشارا
حسام كالعقيقة فهو كمعى ... سلاحى لا أفلّ ولا فطارا
ومطّرد الكعوب أحصّ صدق ... تخال سنانه فى اللّيل نارا
ستعلم أيّنا للموت أدنى ... إذا دانيت لى الأسل الحرارا
وخيل قد دلفت لها بخيل ... عليها الأسد تهتصر اهتصارا
المذروان: جانبا الأليتين المقترنان، ومن كلام العرب: «جاء ينفض مذرويه (2)»
__________
(1) ديوانه ص 75، والأبيات أنشدها المصنف فى حماسته 1/ 26، وانظر غريب الحديث لأبى عبيد 4/ 455، والكامل 1/ 100، والشعر ص 118، وتفسير الطبرى 11/ 283، والتبصرة ص 236، وأمالى المرتضى 1/ 156، والسمط 1/ 483، والحماسة البصرية 1/ 16، وشرح الجمل 1/ 402، والخزانة 3/ 362، واللسان (طير فطر هصر كمع رنف عقق فلل).
(2) مجمع الأمثال 1/ 171، قال الميدانى: يضرب لمن يتوعّد من غير حقيقة.(1/246)
وقوله:
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... فى طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل (1)
وقوله:
لعلّ عتبك محمود عواقبه ... وربّما صحّت الأجسام بالعلل (2)
وقوله:
وإذا الشيخ قال أفّ فما م ... لّ حياة وإنما الضّعف ملّا (3)
آلة العيش صحّة وشباب ... فإذا ولّيا عن المرء ولّى
أبدا تستردّ ما تهب الدّن ... يا فيا ليت جودها كان بخلا
وقوله:
وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت فى مرادها الأجسام (4)
وقوله:
أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم (5)
وما انتفاع أخى الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظّلم
وقوله:
وما الدهر أهل أن تؤمّل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النّسل (6)
__________
(1) ديوانه 3/ 81. وجاء فى الأصل «طلعة البدر». وأثبت ما فى ط، د، والديوان، وكذلك هو فى شرح الواحدى ص 490.
(2) ديوانه 3/ 86.
(3) ديوانه 3/ 130.
(4) ديوانه 3/ 345.
(5) ديوانه 3/ 366، 367.
(6) ديوانه 3/ 52.(3/246)
وقوله:
إذا ما الناس جرّبهم لبيب ... فإنّى قد أكلتهم وذاقا (1)
فلم أر ودّهم إلّا خداعا ... ولم أر دينهم إلّا نفاقا
وقوله:
فما ترجّى النّفوس من زمن ... أحمد حاليه غير محمود (2)
وقوله:
أبى خلق الدّنيا حبيبا تديمه ... فما طلبى منها حبيبا تردّه (3)
وأسرع مفعول فعلت تغيّرا ... تكلّف شىء فى طباعك ضدّه
وقوله:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدّق ما يعتاده من توهّم (4)
وعادى محبّيه بقول عداته ... وأصبح فى ليل من الشكّ مظلم
وما كلّ هاو للجميل بفاعل ... ولا كلّ فعّال له بمتمّم
وقوله:
ومثلك من كان الوسيط فؤاده ... فكلّمه عنّى ولم أتكلّم
وقوله:
وكلّ امرىء يولى الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب (5)
__________
(1) ديوانه 2/ 303.
(2) ديوانه 1/ 263.
(3) ديوانه 2/ 19.
(4) ديوانه 4/ 135، 137، 142.
(5) ديوانه 1/ 183.(3/247)
إذا جاء يتهدّد. وهذا الحرف مما شذ عن [قياس (1)] نظائره، وكان حقّه أن تصير واوه إلى الياء كما صارت إلى (2) الياء فى قولهم: ملهيان ومغزيان، لأن الواو متى وقع فى هذا النحو طرفا رابعا فصاعدا استحق الانقلاب إلى الياء، حملا على انقلابه فى الفعل فى نحو يلهى ويغزى، وإنما انقلبت الواو ياء فى قولك: ملهيان ومغزيان وإن لم تكن طرفا، لأنّها فى تقدير الطّرف، من حيث كان حرف التثنية لا يحصّن ما اتّصل به، لأن دخوله كخروجه، وصحّت الواو فى المذروين لأنّهم بنوه على التثنية، فلم يفردوا فيقولوا مذرى (3)، كما قالوا: ملهى، فصحّت لذلك، كما صحّت الواو والياء فى العلاوة والنّهاية، فلم يقلبا إلى الهمزة، لأنهم بنوا الاسمين على التأنيث، وكما صحّت الياء فى الثّنايين من قولهم: عقلته بثنايين: إذا عقلت يديه جميعا بطرفى حبل، لأنهم صاغوه مثنّى، ولو أنهم تكلّموا بواحده لقالوا: ثناء، مهموز كرداء، ولقالوا فى تثنيته: ثناءان وثناءين، كرداءين.
وقوله: «متى ما تلقنى خلوين» نصب «خلوين» على الحال من الفاعل والمفعول، أراد خاليين، ويروى، برزين: أى بارزين، ومثله الحال من ضمير الاثنين المستتر فى الظّرف من قوله عز وجل: {فَكََانَ عََاقِبَتَهُمََا أَنَّهُمََا فِي النََّارِ خََالِدَيْنِ} (4).
والرّانفة: طرف الألية الذى يلى الأرض إذا كان الإنسان قائما. وأما الألية
__________
(1) ليس فى هـ.
(2) هكذا جاءت العبارة فى الأصل، وفيما نقله البغدادى عن ابن الشجرى. وجاء فى هـ: كما صارت إليها فى قولهم
(3) انظر هذه المسألة والتى بعدها: (مذروان عقلته بثنايين) فى كتاب الشعر ص 119، وحواشيه، والكامل ص 133، والمقتضب 1/ 191، والمخصص 15/ 114، وليس فى كلام العرب ص 266، 334، وشرح الحماسة ص 1191، وشرح الرضىّ على الكافية 3/ 359.
(4) سورة الحشر 17.(1/247)
وقوله:
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ... تجرى الرّياح بمالا تشتهى السّفن (1)
وقوله:
ومراد النّفوس أصغر من أن ... نتعادى فيه وأن نتفانا (2)
غير أنّ الفتى يلاقى المنايا ... كالحات ولا يلاقى الهوانا
ولو أنّ الحياة تبقى لحىّ ... لعددنا أضلّنا الشّجعانا
وإذا لم يكن من الموت بدّ ... فمن العجز أن تكون جبانا
وقوله:
ولمّا صار ودّ الناس خبّا ... جزيت على ابتسام بابتسام (3)
وصرت أشكّ فيمن أصطفيه ... لعلمى أنه بعض الأنام
ومنها:
وآنف من أخى لأبى وأمّى ... إذا ما لم أجده من الكرام
ولم أر فى عيوب الناس شيئا (4) ... كنقص القادرين على التّمام
وقوله:
إذا أتت الإساءة من وضيع ... ولم ألم المسىء فمن ألوم (5)
__________
(1) سبق فى المجلس الثانى والثمانين.
(2) ديوانه 4/ 241.
(3) ديوانه 4/ 144، 145. والخبّ: المكر والخداع.
(4) بحاشية الأصل «عيبا» إشارة إلى رواية فى «شيئا».
(5) ديوانه 4/ 152، وروايته: من لئيم.(3/248)
فقال أبو علىّ الحسن بن أحمد الفارسىّ رحمه الله: قد جاء (1) من المؤنّث بالياء حرفان، لم يلحق فى تثنيتهما التاء وذلك قولهم: خصيان وأليان، فإذا أفردوا قالوا: خصية وألية، وأنشد أبو زيد (2):
ترتجّ ألياه ارتجاج الوطب
وأنشد سيبويه (3):
كأنّ خصييه من التّدلدل ... ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
انتهى كلامه (4). وقد جاءت فى قوله: «روانف أليتيك» تاء التأنيث، كما ترى، / فالعرب إذا مختلفة فى ذلك.
__________
(1) عبارة أبى علىّ فى التكملة ص 118 «وقد جاء حرفان لم يلحق».
(2) فى نوادره ص 130، وانظره فى التكملة، والمقتضب 3/ 41، وأدب الكاتب ص 410، والمنصف 2/ 131، والمقرب 2/ 45، وشرح الجمل 1/ 140، والخزانة 3/ 360، واللسان (ألا خصا) وأنشده ابن سيده فى المخصص 16/ 98، عن أبى علىّ.
(3) الكتاب 3/ 569، 624، والمقتضب 2/ 156، وإصلاح المنطق ص 168، والتكملة والمنصف المواضع السابقة والمخصص 12/ 110، 13/ 196، 16/ 98، وشرح الحماسة ص 1847، والمقرب 1/ 305، 2/ 45، وشرح الجمل 1/ 140، 276، 2/ 29، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 184، وهمع الهوامع 1/ 253، والخزانة، الموضع السابق، واللسان (ثنى خصا).
والبيتان ينسبان لخطام المجاشعى، ولجندل بن المثنى، ولسلمى الهذلية، ولشمّاء الهذلية. راجع الدرر اللوامع 1/ 209، ومعجم الشواهد ص 524.
(4) الذى حكاه الرضىّ عن أبى على الفارسىّ، يدلّ على أنه يجوز أن يقال: «أليتان وخصيتان» بتاء التأنيث، وأن حذف التاء منهما إنما يجىء فى ضرورات الشعر، كما فى الشاهدين السابقين، وقد نبه البغدادىّ على ذلك. انظر شرح الكافية 2/ 176، والخزانة 3/ 359. والمسألة محررة فى المراجع التى ذكرتها فى تخريج الشاهدين.
وجاء بهامش الأصل «جاء من كلام العرب أيضا التاء فى تثنية خصية. أنشد العلامة إمام النحاة ابن مالك فى شرح التسهيل، لطفيل الغنوى:
فإنّ الفحل تنزع خصيتاه ... فيضحى جافرا قرح العجان
انتهى. فبطل بهذا وبقول عنترة: «أليتيك» قول الفارسىّ من أن العرب لا تثبت فى تثنية هاتين الكلمتين التاء. ثم قول الفارسى «فإذا أفردوا قالوا خصية وألية» يوهم أنهم لم يقولوا غير ذلك. وقد نقل ابن مالك أنهم قالوا: ألى وخصى، بمعنى ألية وخصية. انتهى من خط تلميذ ابن هشام».
قلت: لم أجد هذا البيت فى ديوان طفيل الغنوى، المطبوع، وهو ليزيد بن الصعق، فى اللسان (خصا).(1/248)
ومعنى «تستطار»: تستخفّ، ويحتمل قوله «وتستطارا» وجهين من الإعراب، أحدهما: أن يكون مجزوما معطوفا على جواب الشرط، وأصله:
تستطاران، فسقطت نونه للجزم، فالألف على هذا ضمير عائد على الرّوانف، وعاد إليها وهى جمع ضمير تثنية، لأنها من الجموع الواقعة فى مواقع التثنية، نحو قولك:
وجوه الرجلين، فعاد الضمير على معناها دون لفظها، إذ المعنى رانفتا أليتيك، كما أن معنى الوجوه من قولك: حيّا الله وجوهكما، معنى الوجهين، لأنه لا يكون لواحد أكثر من وجه، كما أنه ليس للألية إلا رانفة واحدة.
والوجه الثانى: أن يكون نصبا على الجواب بالواو، بتقدير: وأن تستطارا (1)، فالألف على هذا لإطلاق القافية، والتاء للخطاب، وهى فى الوجه الأول للتأنيث، ويجوز أن تجعل التاء فى هذا الوجه أيضا لتأنيث الرّوانف، وجاء الجواب بعد الشرط والجزاء، كما يجىء بعد الكلام الذى ليس بواجب، كالنهى والنفى فى قولهم: «لا تأكل السمك وتشرب (1) اللبن»، و «لا يسعنى شىء ويعجز عنك»، ومثله فى انتصاب الجواب بالواو بعد الشرط والجزاء قول الله عز وجل: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوََاكِدَ عَلى ََ ظَهْرِهِ} (2) ثم قال: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمََا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ. وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجََادِلُونَ} (2) ومن قرأ: {وَيَعْلَمَ} رفعا وهو نافع (3) وابن عامر استأنفه، ومثله فى النصب على الجواب بعد الواو قول النابغة (4):
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والشّهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام
__________
(1) سيأتى الكلام على هذا والذى بعده فى المجلس الرابع والأربعين.
(2) سورة الشورى 3533.
(3) السبعة لابن مجاهد ص 581، وانظر معانى القرآن 3/ 24، وإعراب القرآن للنحاس 3/ 63.
(4) ديوانه ص 231، وقد استشهد المصنف بالبيت الثانى فى المجلس التاسع والخمسين. وانظر معجم لشواهد ص 351، والتبيين للعكبرى ص 287.(1/249)
وقوله:
إذا ما عدمت الأصل والعقل والنّدى ... فما لحياة فى حياتك طيب (1)
وقوله:
لولا المشقّة ساد الناس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال (2)
إنّا لفى زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
ذكر الفتى عمره الباقى (3) وحاجته ... ماقاته وفضول العيش أشغال
وقوله:
إنّى لأجبن من فراق أحبّتى ... وتحسّ نفسى بالحمام فأشجع (4)
ويزيدنى غضب الأعادى قسوة ... ويلمّ بى عتب الصديق فأجزع
تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عمّا مضى فيها وما يتوقّع
ولمن يغالط فى الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
أين الذى الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع (5)
بمصر أهرام، منها اثنان ارتفاع كلّ واحد منهما مائة ذراع (6).
__________
(1) هذا البيت من أبيات أربعة أوردها الواحدىّ فى شرحه للديوان ص 704، ولم ترد فى شرح الديوان المنسوب للعكبرى وهو الذى أعتمده فى الإحالة على موضع شعر المتنبى لكنّ هذا البيت قد جاء فيه 1/ 164، ضمن الاختيارات من شعر المتنبى، وقد أشرت قريبا إلى أن هذا الشارح للديوان قد ذكر هذه الاختيارات وفق إيراد ابن الشجرى وبترتيبه.
وفى شرح الواحدى: «فى جنابك طيب»، وأشار إلى روايتنا.
(2) ديوانه 3/ 287، 288.
(3) رواية الديوان: الثانى.
(4) ديوانه 2/ 269، 270.
(5) هذا البيت والذى بعده فى حسن المحاضرة 2/ 80، وفيه الكلام عن بناء الهرمين.
(6) جاء بحاشية الأصل: الهرمان بمصر، كلّ هرم منها أربع مثلثات، مطبق بعضها إلى بعض، ارتفاعها أربع مائة ذراع، وكذلك كلّ جانب منها. وقيل: إنّ مسقط حجرها ثلاثمائة ذراع وعشرون ذراعا.(3/249)
تتخلّف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع
ومن ذلك قوله:
توهّم القوم أنّ العجز قرّبنا ... وفى التقرّب ما يدعو إلى التّهم (1)
ولم تزل قلّة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال ولو كانوا ذوى رحم
وفيها:
هوّن على بصر ما شقّ منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم
ولا تشكّ إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم (2)
وكن على حذر للناس تستره ... ولا يغرّك منهم ثغر مبتسم
غاض الوفاء فما تلقاه فى عدة ... وأعوز الصّدق فى الإخبار والقسم
غاض: ذهب، من قولك: غاض الماء.
وفيها:
أتى الزمان بنوه فى شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على الهرم
ومن ذلك قوله:
تريدين لقيان المعالى رخيصة ... ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل (3)
وقوله:
تمنّ يلذّ المستهام بمثله ... وإن كان لا يغنى فتيلا ولا يجدى (4)
__________
(1) ديوانه 4/ 163161.
(2) الرّخم: خسيس الطّير.
(3) ديوانه 3/ 290.
(4) ديوانه 2/ 60، 61.(3/250)
قد روى [ونأخذ (1)] جزما بالعطف على جواب الشرط، ويروى: «ونأخذ»، رفعا على الاستئناف، ويروى: «ونأخذ»، نصبا على الجواب، ومثله الجواب بالفاء بعد الشرط والجزاء فى قول الله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ} (2) الاختلاف فى «فيغفر» كالاختلاف فى «ونأخذ» قرأه ابن كثير (3)، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائى، جزما بالعطف على «يحاسبكم» وقرأ عاصم وابن عامر، رفعا على الاستئناف، ويروى (4) نصبه على الجواب عن ابن عباس (5) رضى الله عنه، وإنما نصبوا الجواب بعد جملة الشرط والجزاء، لأن الجزاء متعلّق بالشرط، يقع بوقوعه ويمتنع بامتناعه، فأشبه النفى.
والأشاجع: عروق ظاهر الكفّ، واحدها: أشجع، وبه سمّى الرجل، وهو قبل التسمية مصروف كما ينصرف أفكل، ويقال: رجل عارى الأشاجع: إذا كان قليل لحم الكفّ.
وقوله: «حسام كالعقيقة فهو كمعى» العقيقة: الشّقّة من البرق، وهى ما انعقّ منه، وانعقاقه: تشقّقه. والكمع، والكميع: الضّجيع، وجاء فى الحديث النّهى عن المكامعة والمكاعمة والمكامعة: أن يضطجع الرجلان فى ثوب واحد ليس بينهما حاجز، والمكاعمة: أن يقبّل الرجل الرجل على (6) فيه.
وقوله: «لا أفلّ ولا فطارا»: أى لا فلّ فيه ولا فطر، والفلّ: الثّلم، والفطر:
الشّقّ.
__________
(1) زيادة من الخزانة 3/ 360، حكاية عن ابن الشجرى.
(2) سورة البقرة 284.
(3) السبعة ص 195، وإرشاد المبتدى ص 253.
(4) فى هـ: وروى.
(5) وتروى هذه القراءة أيضا عن الأعرج وأبى حيوة. إعراب القرآن للنحاس 1/ 304، ومشكل إعراب القرآن 1/ 121، والبحر 2/ 360. وانظر الإشارة إلى هذه القراءة فى الكتاب 3/ 90.
(6) مأخوذ من كعام البعير، وهو أن يشدّ فمه إذا هاج، وكلّ مشدود الفم: مكعوم. ذكره أبو عبيد فى غريب الحديث 1/ 171.(1/250)
وغيظ على الأيام كالنار فى الحشى ... ولكنّه غيظ الأسير على القدّ
وقوله:
نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بدّ من شربه (1)
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هى من كسبه
فهذه الأرواح من جوّه ... وهذه الأجسام من نربه
لو فكّر العاشق فى منتهى ... حسن الذى يسبيه لم يسبه
يموت راعى الضّأن فى جهله ... موتة جالينوس فى طبّه
وقوله:
فلا تغررك ألسنة موال ... تقلّبهنّ أفئدة أعادى (2)
فإنّ الجرح ينفر بعد حين ... إذا كان البناء على فساد
وإنّ الماء يجرى من جماد ... وإنّ النار تخرج من زناد
وقوله:
على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة ... وميت ومولود وقال ووامق (3)
المقة: المحبّة.
تغيّر حالى واللّيالى بحالها ... وشبت وما شاب الزمان الغرانق
الغرانق من الرجال: الشابّ الناعم، وجمعه: غرانق، بفتح الغين.
__________
(1) ديوانه 1/ 213211.
(2) ديوانه 1/ 363، 364.
(3) ديوانه 2/ 342، 343.(3/251)
وموضع قوله: «كالعقيقة» رفع، وصف لحسام، ففى الكاف ضمير عائد على الموصوف. وانتصاب «أفلّ» على الحال من المضمر فى الكاف، والعامل فى الحال ما فى الكاف من معنى التشبيه، والتقدير: حسام يشبه العقيقة غير منفلّ ولا منفطر.
وقوله: «ومطّرد الكعوب»: أى متتابع الكعوب، أى ليس فى كعوبه اختلاف [يقال (1)]: اطّرد القول: إذا تتابع، والكعوب من الرمح: العقد ما بين كل أنبوبين كعب.
والأحصّ: الأملس، يقال: انحصّ رأسه: إذا ذهب شعره، وسنة حصّاء:
لانبت فيها
والصّدق: الصّلب، وقوله:
ستعلم أيّنا للموت أدنى ... إذا دانيت لى الأسل الحرارا
أراد: إلى الموت أدنى، وإذا دانيت إلىّ الأسل، فوضع اللام فى موضع «إلى»، لأن الدّنوّ وما تصرّف منه أصله التعدّى بإلى، ومثله فى إقامة اللام مقام «إلى» قول الله سبحانه: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى ََ لَهََا} (2) أى أوحى إليها، ومثله {قُلِ اللََّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} ثم قال: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} (3).
والأسل: الرّماح. والحرار: العطاش، ومن دعائهم: «رماه الله بالحرّة (4)
تحت القرّة»: أى بالعطش تحت البرد.
__________
(1) ليس فى هـ.
(2) سورة الزلزلة 5، وانظر كتاب الشعر ص 103، 360.
(3) سورة يونس 35، وانظر كتاب الشعر ص 103.
(4) بكسر الحاء، وحقّها الفتح، ولكنهم كسروها لتزاوج القرّة.(1/251)
وقوله: «وخيل قد دلفت لها بخيل» الدّليف: المشى الرّويد، وهو فويق الدّبيب، وهو مشى الكتيبة إلى الكتيبة.
وقوله: «عليها الأسد تهتصر» معنى تهتصر: تجتذب أقرانها، يقال:
هصرت الغصن واهتصرته: إذا جذبته، ويقال: رجل هصر: إذا كان شديد الجذب للأقران، ومنه اشتقاق: مهاصر، اسم رجل. آخر المجلس.
* * *
المجلس الرابع باب يشتمل على تفسير أبيات، إعرابا ومعنى(1/252)
ومن ذلك قوله:
فؤاد ما تسلّيه المدام ... وعمر مثل ما يهب اللّئام (1)
ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام
وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذّهب الرّغام (2)
الرّغام: التّراب.
خليلك أنت لا من قلت خلّى ... وإن كثر التجمّل والكلام
ولو حيز الحفاظ بغير عقل ... تجنّب عنق صيقله الحسام
وشبه الشىء منجذب إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطّغام
الطّغام: جمع طغامة، وهو الجاهل الذى لا يعرف شيئا.
ولو لم يعل إلّا ذو محلّ ... تعالى الجيش وانحطّ القتام
وقوله:
أنكرت طارقة الحوادث مرّة ... ثم اعترفت بها فصارت ديدنا (3)
ومنها:
ومكائد السّفهاء واقعة بهم ... وعداوة الشّعراء بئس المقتنى
لعنت مقارنة اللئيم فإنّها ... ضيف يجرّ من النّدامة ضيفنا
الضيّفن: ضيف الضيّف. ومن ذلك قوله:
واحتمال الأذى ورؤية جاني ... هـ غذاء تضوى به الأجسام (4)
__________
(1) ديوانه 4/ 7269.
(2) تقدّم هذا البيت فى المجلس الحادى والثلاثين.
(3) ديوانه 4/ 197، 206، 207. وفى الأصل: «فكانت ديدنا». وأثبتّ ما فى ط، د، والديوان.
(4) ديوانه 4/ 93، 94.(3/252)
ذلّ من يغبط الذّليل بعيش ... ربّ عيش أخفّ منه الحمام
كلّ حلم أتى بغير اقتدار ... حجّة لاجىء إليها اللّئام
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميّت إيلام
وقوله:
أعرّض للرّماح الصمّ نحرى ... وأنصب حرّ وجهى للهجير (1)
وأسرى فى ظلام الليل وحدى ... كأنّى منه فى قمر منير
فقل فى حاجة لم أقض منها ... على تعبى (2) بها شروى نقير
الشّروى: المثل. يقال: هذا شروى هذا، أى مثله.
والنّقير ممّا ضربوا به المثل فى الحقارة، كالفتيل والقطمير، فالنّقير: النّقرة، أى النّكتة التى فى ظهر النّواة. والفتيل: الذى فى شقّ النّواة. والقطمير: القشرة الرّقيقة التى عليها. وروى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه وضع طرف إبهامه على باطن سبّابته ثم نقدها (3) وقال: هذا النّقير (4). وقال: الفتيل: ما يخرج من بين الإصبعين إذا فتلتهما.
ونفس لا تجيب إلى خسيس ... وعين لا تدار على نظير
وكفّ لا تنازع من أتانى ... ينازعنى سوى كرمى (5) وخيرى
الخير: الكرم، وعطفه عليه لا ختلاف لفظيهما، كما قال الحطيئة:
وهند أتى من دونها النّأى والبعد (6)
__________
(1) ديوانه 2/ 144142.
(2) فى الديوان: شغفى.
(3) يقال: نقد الشىء ينقده نقدا: إذا نقره بإصبعه كما تنقر الجوزة.
(4) تفسير الطبرى 8/ 475الآية 53من سورة النساء والدرّ المنثور 2/ 173، والنهاية 5/ 104.
(5) فى الديوان «شرفى» لكنّ كلام ابن الشجرىّ على البيت يصّحح رواية «كرمى».
(6) فرغت منه فى المجلس التاسع والأربعين.(3/253)
* * *
المجلس الرابع باب يشتمل على تفسير أبيات، إعرابا ومعنى
بيت للكميت بن زيد الأسدىّ، من قصيدة مدح بها بعض (1) ملوك بنى أمية:
صرّ رجل الغراب ملكك فى النا ... س على من أراد فيه الفجورا (2)
نصب «رجل الغراب»، على المصدر، قال أبو عبيد القاسم بن سلّام: رجل الغراب: ضرب من صرّ أخلاف الناقة لا ينحلّ، ولا يقدر فصيل على أن يرضع معه، انتهى كلامه.
قال كبت (3) الله عدوّه: إن هذا مثل ضربه وتشبيه، ومفعول «صرّ» محذوف، والمعنى: صرّ ملكك البلاد فمنعها من المفسدين وفطمهم منها، كما يمنع الفصيل لبن أمّه بالصّرّ، والتقدير: صرّ البلاد ملكك صرّا مثل الصّرّ المعروف برجل الغراب.
بيت للشمّاخ (4).
إذا الأرطى توسّد أبرديه ... خدود جوازىء بالرّمل عين
الأبردان: الغداة والعشىّ، والجوازىء من البقر والظباء: التى جزأت بالرّطب
__________
(1) هشام بن عبد الملك. الأغانى 17/ 21.
(2) ديوان الكميت ص 213، وتخريجه فى ص 349.
(3) فى هـ: قال المصنف.
(4) ديوانه ص 331، وتخريجه فى ص 348.(1/253)
و «سوى» متعلّق بتنازع، أى لا تنازع سوى كرمى من أتانى ينازعنى
وقلّة ناصر جوزيت عنّى ... بشرّ منك يا شرّ الدّهور
عدوّى كلّ شىء فيك حتّى ... لخلت الأكم (1) موغرة الصّدور
فلو أنّى حسدت على نفيس ... لجدت به لذى الجدّ العثور
الجدّ هاهنا: الحظّ.
ولكنّى حسدت على حياتى ... وما خير الحياة بلا سرور
وفيها:
فلو كنت امرءا يهجى هجونا ... ولكن ضاق فتر (2) عن مسير
ومن ذلك قوله:
أفاضل الناس أغراض لذا الزّمن ... يخلو من الهمّ أخلاهم من الفطن (3)
أغراض: أهداف.
وإنما نحن فى جيل سواسية ... شرّ على الحرّ من سقم على بدن
سواسية: مستوون فى الشرّ.
حولى بكلّ مكان منهم خلق ... تخطى إذا جئت فى استفهامها بمن
أراد: باستفهامك عنها، فحذف فاعل المصدر والجارّ. وفيها:
فقر الجهول بلا قلب إلى أدب ... فقر الحمار بلا رأس إلى رسن
وفيها:
لا يعجبنّ مضيما حسن بزّته ... وهل يروق دفينا جودة الكفن
__________
(1) الأكم: جمع أكمة، وهى الموضع الذى هو أشدّ ارتفاعا ممّا حوله.
(2) الفتر: دون الشّبر، وهو ما بين السّبّابة والإبهام إذا فتحا.
(3) ديوانه 4/ 213209. وتقدم عندنا فى ص 241.(3/254)
عن الماء، أى استغنت، وهو جمع جازىء وجازئة، والمصدر الجزء مضموم الأول، والجزوء أيضا على الفعول (1)، والعين: الواسعة العيون، الواحد أعين وعيناء.
ويقال: ما موضع الأرطى؟
والجواب: نصب (2) بتوسّد، ولا حاجة بك إلى إضمار فعل ينصبه (3)، يكون هذا مفسّرّا له، لأن الظاهر غير مشغول عن (4) العمل فيه، وانتصاب «أبرديه (5)» على الظرف، والهاء عائدة على الأرطى، ولو أنها اتصلت بالفعل فقيل: توسّده، وجب أن تضمر للأرطى ناصبا يفسّره هذا الظاهر، ولكنه كقولك: إذا زيدا أكرم بكر طرفى نهاره كان كذا.
أنشد أبو العباس محمد بن يزيد، فى المقتضب (6):
بعد اللّتيّا واللّتيّا والّتى ... إذا علتها أنفس تردّت
لم يأت للموصولين الأوّلين بصلة، لأن صلة الموصول الثالث دلّت على ما أراد، ومثله:
من اللّواتى والّتى واللّاتى ... زعمن أنّى كبرت لداتى (7)
وصل اللاتى وحذف صلة اللواتى والتى، للدّلالة عليها.
__________
(1) فى هـ: المفعول.
(2) انظر هذا الإعراب فى شرح ديوان المتنبى المنسوب خطأ إلى العكبرى 2/ 174.
(3) ذهب إلى هذا الإضمار، البغدادىّ فى الخزانة 4/ 356.
(4) فى هـ: من.
(5) أعرب البغدادىّ «أبرديه» بدل اشتمال من «الأرطى».
(6) المقتضب 2/ 289، والبيتان للعجاج، فى ديوانه ص 274، والكتاب 2/ 347، 3/ 488، وغير ذلك كثير.
واللّتيّا، بفتح اللام وضمّها، كما ذكر أبو زيد، فى النوادر ص 376، وأفاد أن الضمّ جرى على أصل التصغير، لكنّ الحريرىّ ذكر أن الضمّ خطأ. درة الغواص ص 12.
(7) البيتان من غير نسبة فى الشعر والشعراء 1/ 88، وشرح الجمل 1/ 93، 187، واللسان (لتى) وانظر كتاب الشعر ص 425، وحواشيه.(1/254)
ومما حذف منه صلة موصولين، فلم يؤت فيه بصلة أخرى، قول سلمىّ (1) بن ربيعة السّيدىّ:
/ ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانيها اللّتيّا والّتى
أراد اللّتيّا والتى تأتى على النفوس، لأن تأنيث اللّتيّا والتى ها هنا إنما هو لتأنيث الداهية، ألا ترى إلى قول الراجز (2):
بعد اللّتيّا واللّتيّا والتى ... إذا علتها أنفس تردّت
وتردّت: تفعّلت من الرّدى، مصدر ردى يردى: إذا هلك، وإن شئت أخذته من التردّى: الذى هو السّقوط من علو، ومنه «المتردّية (3)»: الشاة التى تسقط من جبل أو حائط، أو فى بئر فتموت، ومنه: {وَمََا يُغْنِي عَنْهُ مََالُهُ إِذََا تَرَدََّى} (4) أى إذا سقط على رأسه فى جهنم.
وحذف الصّلة (5) من هذا الضّرب من الموصولات إنما هو لتعظيم الأمر وتفخيمه (6)، ومثل ذلك حذف الأجوبة فى نحو: {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ فِي غَمَرََاتِ الْمَوْتِ} (7)
__________
(1) ضبط فى الأصل بضم السين وسكون اللام وكسر الميم وتشديد الياء، وهو أحد ضبطين فيه، والثانى بفتح السين وسكون اللام وفتح الميم. وفيه كلام كثير تراه فى حواشى شرح الحماسة ص 546، وأنا أميل إلى الضبط الأول، لخلوصه من شبه التأنيث.
والبيت الشاهد من قصيدة تروى لسلمىّ بن ربيعة هذا، ولعلباء بن أرقم، وينسب بيتان منها لعمرو بن قميئة. راجع الموضع السابق من شرح الحماسة، ونوادر أبى زيد ص 374، والأصمعيات ص 161، وديوان عمرو بن قميئة ص 197، وانظر كتاب الشعر ص 390.
(2) تقدّم قريبا.
(3) انظرها فى الآية الثالثة من سورة المائدة.
(4) سورة الليل 11.
(5) فى هـ: «وحذف الحذف»، وفى الخزانة 2/ 560من طبعة بولاق «والحذف من هذا الضرب» وحكاه البغدادى عن ابن الشجرى. وانظر طبعة شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله وبرّد مضجعه 6/ 155.
(6) ذكره ابن الأثير فى منال الطالب ص 163، 513.
(7) سورة الأنعام 93.(1/255)
راقنى الشىء: أعجبنى.
ومن ذلك قوله فى مرثية جدّته:
عرفت الليالى قبل ما صنعت بنا ... فلمّا دهتنا لم تزدنى بها علما (1)
وما الجمع بين الماء والنار فى يدى ... بأصعب من أن أجمع الجدّ والفهما
وإنّى لمن قوم كأنّ نفوسهم (2) ... بها أنف أن تسكن اللّحم والعظما
فلا عبرت بى ساعة لا تعزّنى ... ولا صحبتنى مهجة تقبل الظّلما
ومن ذلك قوله:
وأنا الذى اجتلب المنيّة طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل (3)
وفيها:
ما نال أهل الجاهليّة كلّهم ... شعرى ولا سمعت بسحرى بابل
فإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهى الشهادة لى بأنّى فاضل (4)
ومن ذلك قوله:
ولا تحسبنّ المجد زقّا وقينة ... فما المجد إلّا السّيف والفتكة البكر (5)
ومن ينفق الساعات فى جمع ماله ... مخافة فقر فالذى فعل الفقر
وفيها:
وما زلت حتى قادنى الشوق نحوه ... يسايرنى فى كلّ ركب له ذكر
__________
(1) ديوانه 4/ 104، 108، 109.
(2) فى الديوان: نفوسنا.
(3) ديوانه 3/ 250، 259، 260.
(4) فى الديوان: «كامل». وبمثل رواية ابن الشجرى جاء فى ديوان المعانى 2/ 237، والتمثيل والمحاضرة ص 111.
(5) ديوانه 2/ 149، 150، 155. والزّق: كأس الخمر، والقينة: المغنّية.(3/255)
وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر
ومن ذلك قوله:
لا أستزيدك فيما فيك من كرم ... أنا الذى نام إن نبّهت يقظانا (1)
ومن ذلك قوله:
كذا فتنحّوا عن علىّ وطرقه ... بنى اللّؤم حتى يعبر الملك الجعد (2)
الجعد هاهنا: السّخىّ (3)، مشبّه بالثّرى النّدىّ، إذا قالوا: ثرى جعد فإنما يريدون أنه يجتمع فى الكفّ، وكذلك إذا قالوا: شعر جعد.
فما فى سجاياكم منازعة العلى ... ولا فى طباع التّربة المسك والنّدّ
فإن يك سيّار بن مكرم انقضى ... فإنك ماء الورد إن ذهب الورد (4)
وقوله:
من خصّ بالذّمّ الفراق فإنّنى ... من لا يرى فى الدهر شيئا يحمد (5)
وقوله:
يهون على مثلى إذا رام حاجة ... وقوع العوالى دونها والقواضب (6)
إليك فإنّى لست ممّن إذا اتّقى ... عضاض الأفاعى نام فوق العقارب
__________
(1) ديوانه 4/ 230.
(2) ديوانه 1/ 383، 380. و «على» هنا هو: على بن محمد بن سيّار بن مكرم التميميّ.
(3) ويقال أيضا للبخيل: رجل أجعد، وجعد الكفّ، فهو من الأضداد. انظر الأضداد للسّجستانى (ثلاثة كتب فى الأضداد ص 155)، ولأبى الطيّب ص 163.
(4) تقدّم هذا فى المجلس الحادى والثلاثين.
(5) ديوانه 1/ 384.
(6) ديوانه 1/ 150.(3/256)
ونحو: {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنََا أَبْصَرْنََا وَسَمِعْنََا فَارْجِعْنََا نَعْمَلْ صََالِحاً} (1) تقدير الجواب، والله أعلم: لرأيت أمرا هائلا، ومن ذلك قولهم: «أصاب الناس جهد ولو ترى أهل مكة» (2) تقدير المحذوف: لرأيتهم بأسوا حال، وقد جاء التحقير فى كلامهم للتعظيم كقوله (3):
وكلّ أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل
أراد بالدّويهية الموت، ولا داهية أعظم منها، وكقول أوس بن حجر (4):
فويق جبيل شامخ الرأس لم تكن ... لتبلغه حتّى تكلّ وتعملا
أى لم تكن لتبلغ رأسه.
فتحقير اللّتيّا هاهنا إنما هو تعظيم، ويبعد أن يكون أراد باللّتيّا الفعلة الهيّنة لقوله: «وكفيت جانيها اللّتيّا»، والفعلة الهيّنة لا يكاد فاعلها يسمّى جانيا.
/ فأما قوله: «ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها» فالرّأب: الإصلاح، والثّأى:
الفساد، والظّرف متعلّق بالثّأى: أى أصلحت ما فسد بينها.
بيت، سأل عن إعرابه ومعناه أبو الحسن علىّ بن عبد الرحمن المغربىّ:
أنّى تردّ لى الحمول أراهم ... ما أقرب الملسوع منه الداء (5)
فأجبت بأن الداء مبتدأ قدّم خبره عليه، وإن كان الخبر جملة، اتّساعا، لأن
__________
(1) سورة السجدة 12.
(2) اللسان (رأى)، وأعاده المصنف فى المجلس الرابع والخمسين.
(3) لبيد، رضى الله عنه، والبيت فى ديوانه ص 257، وتخريجه فى ص 390، وقد أنشده المصنف من غير نسبة فى المجلس الحادى والخمسين، ومنسوبا للبيد فى المجلس التاسع والخمسين. وهو أيضا فى كتاب الشعر ص 391، وشرح الجمل 2/ 289.
(4) ديوانه ص 87، وتخريجه فى ص 164، وهو فى الموضع السابق من شرح الجمل.
(5) البيت من غير نسبة فى اللسان (حمل).(1/256)
وقوله:
يخيّل لى أنّ البلاد مسامعى ... وأنّى فيها ما يقول العواذل (1)
وقوله:
إذا غامرت فى شرف مروم ... فلا تقنع بمادون النّجوم (2)
فطعم الموت فى أمر حقير ... كطعم الموت فى أمر عظيم
يرى الجبناء أنّ العجز عقل ... وتلك خديعة الطبع اللّئيم
وقوله، وقد تقدّم ذكره (3):
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله ... وأخو الجهالة فى الشّقاوة ينعم
وكذلك قوله:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدّم
أراد: لا يسلم للشريف شرفه من أذى الحسّاد والأعداء حتى يقتل حسّاده وأعداءه، فإذا أراق دماءهم سلم له شرفه، فإنه إنما يصير مهيبا بالغلبة.
والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ... ذاعفّة فلعلّة لا يظلم (4)
والذّلّ يظهر فى الذّليل مودّة ... وأودّ منه لمن يودّ الأرقم
ومن البليّة عذل من لا يرعوى ... عن جهله وخطاب من لا يفهم
ومن ذلك قوله:
كلام أكثر من تلقى ومنظره ... ممّا يشقّ على الآذان والحدق (5)
__________
(1) ديوانه 3/ 177.
(2) ديوانه 4/ 119، 120.
(3) فى هذا المجلس.
(4) ديوانه 4/ 125، 127، 130.
(5) ديوانه 2/ 361.(3/257)
البصريّين مجمعون (1) على جواز تقديم الجملة على المخبر بها عنه، كقولك: مررت به المسكين، وأكرمت أخاه زيد، أى المسكين مررت به، وزيد أكرمت أخاه، والمعلّق للجملة بالمبتدأ الهاء فى «منه» فالتقدير: الداء ما أقرب الملسوع منه، كقولك:
زيد ما أحسن وجهه، وجاز الإخبار بجملة التعجب، لأن التعجب ضرب من الخبر، من حيث يدخله التصديق والتكذيب، ومثل ذلك الإخبار بنعم وفاعلها، فى قولك: نعم الرجل زيد، فى قول من جعل زيدا مبتدأ، كأنك قلت: زيد نعم الرجل، وإنما ألزموا الخبر المركّب من نعم وفاعلها التقديم على المبتدأ غالبا لقوّة عنايتهم بالمدح.
والأصل فى الحمول أن تكون الأحمال، واتّسعوا فيها حتى استعملوها للمتحمّلين.
ومن ذلك قول المتنبى فى وصف الدنيا (2):
من رآها بعينها شاقه القطّ ... ان فيها كما تشوق الحمول
أى كما يشوق المتحمّلون (3).
وقوله: «أنّى تردّ لى الحمول» استفهام أخرجه مخرج الإنكار، وقال:
«أراهم» فأعاد إلى الحمول ضمير العقلاء الذّكور، لأنه ذهب بالحمول إلى المتحمّلين.
وقد جاءت الحمول بمعنى النساء المتحمّلات فى قول معقّر بن حمار البارقىّ:
__________
(1) ذكر ابن عقيل فى باب المبتدأ والخبر من شرحه على الألفية 1/ 200، قال: «ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجرى، الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة، وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف فى ذلك عن الكوفيين». انتهى كلام ابن عقيل. وأنت ترى أن ابن الشجرى إنما نقل الإجماع عن البصريين ليس غير.
(2) ديوانه 3/ 150.
(3) وفيه رأى آخر: أنه على حذف المضاف، كأنه أراد ذوى الحمول. راجع الديوان.(1/257)
وقوله:
مشبّ الذى يبكى الشّباب مشيبه ... فكيف توقّيه وبانيه هادمه (1)
وتكملة العيش الصّبا وعقيبه ... وغائب لون العارضين وقادمه (2)
وما خضب الناس البياض لأنّه ... قبيح ولكن أحسن الشّعر فاحمه
وقوله:
يدفّن بعضنا بعضا ويمشى ... أواخرنا على هام الأوالى (3)
الأوالى: مقلوب من الأوائل، فوزنه الأفالع.
وكم عين مقبّلة النّواحى ... كحيل بالجنادل والرّمال
ومغض كان لا يغضى لخطب ... وبال كان يفكر فى الهزال
وقوله:
وما الموت إلّا سارق دقّ شخصه ... يصول بلا كفّ ويسعى بلا رجل (4)
يردّ أبو الشّبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنّمل (5)
وقوله:
أرى كلّنا يبغى الحياة بسعيه ... حريصا عليها مستهاما بها صبّا (6)
__________
(1) ديوانه 3/ 333، 334. ومعنى البيت فيما يقول الواحدى فى شرحه ص 378: «الذى يجزع على فقد الشباب إنما أشابه من أشبّه، والشيب حصل من عند من حصل منه الشباب، فلا سبيل إلى التوقّى من المشيب لأن أمره بيد غيره».
(2) غائب لون العارضين: هو البياض، والقادم: هو السّواد السابق إلى العارض. وفيه أقوال أخرى ذكرها الواحدىّ.
(3) ديوانه 3/ 18، 19.
(4) ديوانه 3/ 48.
(5) الشبل: ولد الأسد، والخميس: الجيش العطيم. يقول: الأسد يردّ الجيش عن ابنه، ويسلمه لأدنى النمل عند ولادته، فيحميه من العظيم الكثير، ويسلمه إلى الحقير اليسير. ويقال: إن النمل إذا اجتمع على ولد الأسد أكله وأهلكه. قاله شارح ديوان المتنبى.
(6) ديوانه 1/ 65.(3/258)
أمن آل شعثاء الحمول البواكر ... مع الصّبح قد زالت بهنّ الأباعر (1)
والمعنى أنه استبعد بقاءه إلى حين رجعة المتحملين إليه ونظره إليهم، فقال: / كيف يردّ لى الذين تحمّلوا حتى أراهم، أى لا يكون ذلك لأنى كالملسوع الذى داؤه المؤدّى إلى موته أقرب الأشياء إليه، لأن داء الملسوع لا تكاد ترجى السلامة منه.
امرؤ القيس، فى وصف ناقته (2):
تخدى على العلّات سام رأسها ... روعاء منسمها رثيم دامى
جالت لتصرعنى فقلت لها اقصرى ... إنى امرؤ صرعى عليك حرام
خدى البعير يخدى خديا، ووخد يخد وخدانا ووخدا: كلاهما من السير السريع.
وقوله: «على العلّات» أى على ما بها من الكلال والجوع والعطش.
و «سام رأسها»: أى مرتفع من نشاطها، وموضع «سام» نصب على الحال، ولكنه أسكنه ضرورة، كقول بشر بن أبى خازم (3):
كفى بالنأى من أسماء كافى
__________
(1) البيت فى اللسان (حمل) والموضع المذكور من ديوان المتنبى، وهو مطلع قصيدة معقّر التى فيها البيت الذائع:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
نقائض جرير والفرزدق ص 676.
(2) ديوانه ص 116.
(3) ديوانه ص 142، وتخريجه فيه، وزد عليه كتاب الشعر ص 110وحواشيه، وسيعيده ابن الشجرى فى المجالس: الثامن والعشرين، والخامس والثلاثين، والسابع والثلاثين. وعجز البيت:
وليس لحبّها إذ طال شاف
وأنشد ابن الشجرى القصيدة فى مختاراته ص 290279، وانظر معجم الشواهد ص 240.(1/258)
فرأسها إذا مرتفع بسام، دون الابتداء، ارتفاع الفاعل بفعله، لأن اسم الفاعل إذا اعتمد عمل عمل الفعل، واعتماده أن يكون خبرا أو صفة أو صلة أو حالا.
وروعاء: حديدة الفؤاد، ترتاع من كلّ شىء، وانتصابها على الحال.
والمنسم للبعير كالظّفر للإنسان.
ورثيم: مشقوق، فعيل بمعنى مفعول، صكّته الحجارة فرثمته، وأصل الرّثم فى الأنف، يقال: رثمت أنفه: إذا شققته حتى يسيل [منه (1)] دم، ولكنه استعاره للمنسم.
وقوله: اقصرى، من القصر الذى هو الحبس، أى احبسى جولانك، ومنه {حُورٌ مَقْصُورََاتٌ} (2).
وقوله: «إنى امرؤ صرعى عليك» كان حقّه أن يقول: صرعه، فيعيد إلى امرىء ضمير غيبة، لأنه اسم غيبة، ولكنه لما وقع خبرا عن ياء المتكلم، والخبر المفرد هو المخبر عنه، أعاد إليه من الجملة التى وصفه بها ضمير متكلّم، ونظير ذلك فى التنزيل قوله جلّت عظمته: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (3) كان قياسه: يجهلون بالياء، لأنه صفة قوم، وقوم اسم غيبة، والتاء / خطاب، ولكن حسن إجراء الخطاب وصفا لقوم، لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين.
وقال أبو حاتم سهل بن محمد فى قوله: «صرعى عليك حرام»: المعنى أنه حاذق بالركوب، فهذه الناقة لا تقدر أن تصرعه، وقال غير أبى حاتم: معناه قد آتيت إليك من الإحسان ما لا ينبغى لك معه أن تصرعينى، أى قد حرّم إحسانى إليك صرعى عليك.
__________
(1) ليس فى الأصل.
(2) سورة الرحمن 72.
(3) سورة الأعراف 138.(1/259)
فحبّ الجبان النّفس أورده التّقى (1) ... وحبّ الشّجاع النّفس أورده الحربا
ويختلف الرّزقان والفعل واحد ... إلى أن يرى إحسان هذا لذا ذنبا
ومن ذلك قوله:
طوى الجزيرة حتى جاءنى خبر ... فزعت منه بآمالى إلى الكذب (2)
حتى إذا لم يدع لى صدقه أملا ... شرقت بالدّمع حتى كاد يشرق بى
أى صغرت فى جنب الدمع، فصرت بالإضافة إليه كالشىء يشرق به فى القلّة (3).
ومن ذلك قوله:
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرم (4)
ليت الغمام الذى عندى صواعقه ... يزيلهنّ إلى ما عنده الدّيم
وقوله:
إذا ما لبست الدهر مستمتعا به ... تخرّقت والملبوس لم يتخرّق (5)
وإطراق طرف العين ليس بنافع ... إذا كان طرف القلب ليس بمطرق
وما ينصر الفضل المبين على العدى ... إذا لم يكن فضل السّعيد الموفّق
وقوله:
ربّ أمر أتاك لا تحمد الفعّ ... ال فيه وتحمد الأفعالا (6)
__________
(1) التّقى هنا: اتّقاء الحرب وترك القتال حبّا للنفس وخوفا على الرّوح.
(2) ديوانه 1/ 87، 88.
(3) هذا من شرح ابن جنى فى الفتح الوهبى ص 38، وردّه أبو القاسم الأصبهانى، فقال: «معنى هذا البيت أنه لمّا أتانى نعىّ المتوفّاة نزفت دمعى بالبكاء حتى لم يكد يجرى، وبقى حائرا فى الجفن، فكدت أقضى نجنى فيجفّ الدمع بى، وليس للكثرة والقلّة معنى كما ذكره أبو الفتح». الواضح فى مشكلات شعر المتنبى ص 31.
(4) ديوانه 3/ 371.
(5) ديوانه 2/ 307، 315، 316.
(6) ديوانه 3/ 138، 143، 147.(3/259)
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطّعن وحده والنّزالا
من أطاق التماس شىء غلابا ... واغتصابا لم يلتمسه سؤالا
كلّ غاد لحاجة يتمنّى ... أن يكون الغضنفر الرّئبالا
وقوله:
الرأى قبل شجاعة الشجعان ... هو أوّل وهى المحلّ الثانى (1)
فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة ... بلغت من العلياء كلّ مكان
ولربّما طعن الفتى أقرانه ... بالرأى قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان
وقوله:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا (2)
تمنّيتها لمّا تمنّيت أن ترى ... صديقا فأعيا أو عدوّا مداجيا
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلّة ... فلا تستعدّنّ الحسام اليمانيا
ولا تستطيلنّ الرّماح لغارة ... ولا تستجيدنّ العتاق المذاكيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطّوى ... ولا تتّقى حتى تكون ضواريا
حببتك قلبى قبل حبّك من نأى ... وقد كان غدّارا فكن لى وافيا
وأعلم أنّ البين يشكيك بعده ... فلست فؤادى إن رأيتك شاكيا
أقلّ اشتياقا أيّها القلب ربّما ... رأيتك تصفى الودّ من ليس جازيا
خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصّبا ... لفارقت شيبى موجع القلب باكيا
__________
(1) ديوانه 4/ 174.
(2) ديوانه 4/ 284281. وهذا البيت الأول أنشده ابن الشجرىّ فى المجلس الحادى عشر(3/260)
وهذا البيت انفرد الأصمعىّ (1) بروايته، وروى «حرام» مكسور الميم، ولو رواه بضمها على الإقواء (2) كان أحبّ إلىّ، وقال أبو حاتم فى تعليل الكسر فيه: أخرج «حرام» مخرج كفاف، من قول الراجز (3):
ياليت حظّى من جداك الضّافى ... والفضل أن تتركنى كفاف
عدل (4) كفاف عن كاف، وإن شئت قدّرتها معدولة عن التّركة الكافّة. انتهى كلامه.
قال أدام الله نعمته (5): حرام لا يتأتّى فيها العدل عن فاعل أو فاعلة، كما تأتّى ذلك فى كفاف، وكفاف قد اتّسع استعمالها فى الشعر القديم، وقد ورد فى أشعار المتأخّرين، كقول أبى العلاء المعرّىّ، فى ابتداء مرثية أبى أحمد الموسوىّ والد المرتضى والرّضىّ:
أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف (6)
المسيف: الذى ذهب ماله (7)، والمستاف مفتعل من السّوف، وهو الشّمّ.
__________
(1) وكذا ذكر محقق الديوان فى تخريج البيت ص 410.
(2) وهذا هو رأى امرىء القيس، فيما استنطقه أبو العلاء المعرّى. جاء فى رسالة الغفران ص 233:
«أتقول: «حرام»، فتقوى، أم تقول: «حرام» فتخرجه مخرج حذام وقطام؟ وقد كان بعض علماء الدولة الثانية [أى الدولة العباسية] يجعلك لا يجوز الإقواء عليك. فيقول امرؤ القيس: «لا نكرة عندنا فى الإقواء» إلى آخر ما قال.
(3) هو رؤبة. ديوانه ص 100، وشروح سقط الزّند ص 1264، 1265، واللسان (كفف)، ومعجم الشواهد ص 503.
(4) قال ابن هشام: «فالأصل كفافا، فهو حال، أو ترك كفاف، فهو مصدر» المغنى ص 758.
(5) فى هـ: رحمه الله.
(6) شروح سقط الزند ص 1264.
(7) المال هنا: الإبل. المرجع السابق، واللسان (سوف)، وقال ابن الأثير فى النهاية 4/ 373: «المال فى الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كلّ ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم».(1/260)
عدل كفاف عن كافّة، أى ليت الحادثات كفّت عنا خيرها وشرّها، فلم تسد إلينا خيرا، ولم توقع بنا شرّا، فقام هذا بهذا.
وإذا كان العدل فى «كفاف» ممكنا وفى «حرام» متعسّفا وجب اطّراح المتعسّف، وأن تحمل هذه اللفظة على وجه يستقيم به فيها الكسر، وذلك أن يكون / ألحقها ياء النّسب للمبالغة (1)، من حيث كانت وصفا، كقولهم فى الأحمر: أحمرىّ، وفى الدّوّار: دوّارىّ، قال الراجز (2):
والدّهر بالإنسان دوّارىّ
ثم خفّف الياء من «حرامىّ» ضرورة، كما خفّفها القائل (3):
قتلت علباء وهند الجملى
فهذا أمثل ممّا رآه أبو حاتم، ويجب على هذا الوجه إثبات الياء فى الخطّ.
* * * __________
(1) هذا تأويل أبى على الفارسىّ، كما ذكر ابن هشام فى المغنى، الموضع السابق.
(2) هو العجاج. ديوانه ص 310، والتبصرة ص 473، ومعجم الشواهد ص 561.
(3) هو عمرو بن يثربى. تاريخ الطبرى 4/ 517، واللسان (جمل). وانظر شرح نهج البلاغة 1/ 259، فى أحداث يوم الجمل.(1/261)
وفيها:
إذا الجود لم يرزق خلاضا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا (1)
وللنّفس أخلاق تدلّ على الفتى ... أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
ومن ذلك قوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا (2)
ووضع النّدى فى موضع السيف بالعلا ... مضرّ كوضع السيف فى موضع النّدى
ومن ذلك قوله:
تخالف الناس حتّى لا اتّفاق لهم ... إلّا على شجب والخلف فى الشّجب (3)
الشّجب: الهلاك. أراد أن الناس مختلفون فى كلّ شىء، ولم يقع الاتفاق منهم إلّا على الموت، ثم إنهم قد اختلفوا فيه، وبيّن وجه اختلافهم بقوله:
فقيل تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء فى العطب
قيل: إن الملحدين يقولون: إن النفس تهلك كما يهلك الجسم، وروى عن أفلاطون وأرسطوطا ليس فى ذلك خلاف، فقيل إن أحدهما كان يقول: تبقى النفس الخيّرة بعد خروجها من الجسد، وإنّ الآخر كان يقول: تبقى النفس المحمودة والمذمومة. ومن يذهب إلى هذا الوجه يزعم أنها تكون ملتذة بما فعلته من الخير فى الدار الفانية.
ومن تفكّر فى الدّنيا ومهجته ... أقامه الفكر بين العجز والتّعب
* * *
__________
(1) تقدّم هذا البيت فى المجلسين: الخامس والثلاثين، والسابع والستّين.
(2) ديوانه 1/ 288.
(3) ديوانه 1/ 95، 96.(3/261)
المجلس الخامس
بيت للرّضىّ من قصيدة مدح بها الطائع، رضى الله عنه:
قد كان جدّك عصمة العرب الألى ... فاليوم أنت لهم من الإعدام (1)
قوله: «الألى» يحتمل (2) وجهين، أحدهما: أن يكون اسما ناقصا بمعنى الذين أراد الألى سلفوا، فحذف الصّلة للعلم بها، كما حذفها عبيد بن الأبرص فى قوله:
نحن الألى فاجمع جمو ... عك ثم وجّههم إلينا (3)
أراد نحن الألى عرفتهم.
والوجه الثانى: أن يكون أراد الأولى، فحذف الواو التى هى عين الفعلى، كما حذفها الأسود بن يعفر فى قوله:
وأتبعت أخراهم طريق الاهم ... كما قيل نجم قد خوى متتايع (4)
__________
(1) ديوان الشريف الرضىّ 2/ 335، واللسان (ألا) 20/ 322، وأنشده المصنّف فى المجلس الثانى والستّين.
(2) حكاه صاحب اللسان، عن رضىّ الدين الشاطبىّ، عن ابن الشجرىّ.
(3) ديوانه ص 137، وكتاب الشعر ص 422، وحواشيه، واللسان (ألا). وأنشده المصنف فى المجلسين: الثانى والسّتين، والرابع والسبعين.
(4) ديوان الأسود بن يعفر ص 45، وتخريجه فى ص 79، وانظر كتاب الشعر ص 208، وحواشيه.
وأعاد المصنف الشاهد فى المجلس الثانى والستين.
وقد وردت قافية البيت فى الديوان ومراجع تخريج البيت على ثلاث صور: متتابع، بالباء الموحدة قبل العين، ومتتابع، بالياء التحتية، ومتتائع، بالهمز. والصورة الأولى أضعفهن. وقد أثبت البغدادىّ،(1/262)
وقد وردت لأبى الطيّب أمثال فى أعجاز أبيات (1)
منها قوله:
إنّ المعارف فى أهل النّهى ذمم (2)
وقوله:
أنا الغريق فما خوفى من البلل (3)
وقوله:
وقد يؤذى من المقة الحبيب (4)
وقوله:
ولكن ربّما خفى الصّواب (5)
وقوله:
وكلّ اغتياب جهد من ماله جهد (6)
وقوله:
ليس التكحّل فى العينين كالكحل (7)
__________
(1) أورد هذه الأعجاز بترتيب ابن الشجرىّ شارح ديوان المتنبى 1/ 22، 23. وقد اختار أبو منصور الثعالبىّ أيضا من شعر المتنبى أعجازا يتمثّل بها، على غير إيراد ابن الشجرىّ. اليتيمة 1/ 214 217، وانظر أيضا تنبيه الأديب ص 337.
(2) الديوان 3/ 370.
(3) الديوان 3/ 76.
(4) الديوان 1/ 72.
(5) الديوان 1/ 81.
(6) الديوان 1/ 376. وفى الديوان: «من لا له» وبمثل رواية ابن الشجرى جاء فى شرح الواحدى ص 299.
(7) الديوان 3/ 87.(3/262)
قيل: إنه أراد هجوت آخرهم كما هجوت أولهم، أى ألحقت آخرهم بأولهم فى الهجاء، ويقال: خوت النجوم: إذا سقطت فلم يكن عن سقوطها مطر.
ويدلك على أنه أراد بألاهم أولاهم أمران، أحدهما: معادلتها لأخراهم، ومثله قول أميّة بن أبى الصّلت (1):
وقد علمنا لو أنّ العلم ينفعنا ... أن سوف تلحق أخرانا بأولانا
/ ومثله فى كتاب الله عزّ وجلّ: {قََالَتْ أُولََاهُمْ لِأُخْرََاهُمْ} (2).
/ والثانى: أنها لا تخلو من أن يكون المراد بها ما ذكرته، أو تكون «ألى» المبهمة التى فى قول الأعشى (3):
هاؤلا ثم هاؤلا كلّا اعطي ... ت نعالا محذوّة بنعالى
أو تكون التى (4) بمعنى الذين، كقول بشر (5):
__________
الصورة الثالثة، قال فى الخزانة 11/ 307: «ومتتائع بالهمز لأنه اسم فاعل من التتايع، بالمثناة التحتية.
قال فى الصحاح: التتايع: التهافت فى الشرّ واللجاج، ولا يكون التتايع إلّا فى الشرّ». وجاء بحاشية الخزانة، طبعة بولاق 4/ 526 «قوله ومتتائع بالهمز الخ فى ذلك نظر ظاهر». وقال شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله ورضى عنه فى حواشى طبعته: «المعهود أن يعامل هذه المعاملة اسم الفاعل من الثلاثى المعتل، أما نحو المتبايع من التبايع، والمتساير من التساير، فلا تقلب فيه الياء همزة، وفى الحديث: «المتبايعان بالخيار»، وذلك لأن عين الفعل من تبايعا وتتايعا وتسايرا لم تعلّ، فهى نحو عين وعور، فهو عاين وعاور». انتهى كلام شيخنا، وانظر هذه المسألة التصريفية فى الكامل ص 1089. ويبقى أن أقول: إن الرواية فى ديوانه (طبع بغداد) «متتائع» بالهمز، أما فى طبعة فينا (ضمن الصبح المنير فى شعر أبى بصير. وهو المسمى ديوان الأعشين) فهى «متتايع» بالياء التحتية، وهو الصواب إن شاء الله، على ما يقتضيه حق التصريف.
واعلم أن شعر الأسود بن يعفر وضع مع شعر الأعشين لأنه عرف بأعشى بنى نهشل.
(1) ديوانه ص 517، وأعاده المصنف فى المجلسين: الثانى والستّين، والتاسع والسبعين. وانظر كتاب الشعر ص 422، وسياقه يؤذن بأن ابن الشجرى ينقل عن أبى على.
(2) سورة الأعراف 39، وتلاوة الآية الكريمة: «وقالت» لكنّ ترك الواو والفاء ونحو هما فى أول الاستشهاد جائز، وقد جرى الإمام الشافعىّ على هذا النحو فى ثلاثة مواضع من «الرسالة». راجع حواشى الحيوان 4/ 57، ومجالس ثعلب ص 555، والفصول الخمسون ص 165، ومنال الطالب ص 468.
(3) ديوانه ص 11، والقافية فيه: «بمثال». وانظر كتاب الشعر ص 416، وحواشيه.
(4) فى هـ «أو يكون بمعنى الذين».
(5) فى النسختين: الأصل وهـ: «كقول عبيد»، ولم أجده فى ديوان عبيد بن الأبرص المطبوع.(1/263)
وقوله:
وتأبى الطّباع على الناقل (1)
وقوله:
وفى الباقى لمن بقى اعتبار (2)
وقوله:
ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا (3)
وقوله:
ومن لك بالحرّ الذى يحفظ اليدا (4)
وقوله:
والمستغرّ بما لديه الأحمق (5)
__________
(1) الديوان 3/ 22.
وقوله: «وتأبى الطباع: هو هكذا بالتاء المثناة من فوق، فى النسخ الثلاث. وكذلك جاء فى شرح الديوان للواحدى ص 395، ودلائل الإعجاز ص 423، 424، 428، وهو المحفوظ. لكنه جاء فى شرح ديوانه المنسوب للعكبرى «ويأبى» بالياء التحتية. وحكى شارحه عن ابن القطاع قال: قد أفسد هذا البيت سائر الرواة فرووه: وتأبى بالتاء، وهو غلط لا يجوز: قال: قال لى شيخى: أخبرنى أبو على بن رشدين، قال: لمّا قرأت هذا البيت قرأته بالتاء، فقال: لم أقل هكذا، إلّا أن الطبع والطباع والطبيعة واحد. والطبع مصدر لا يثنى ولا يجمع. والطبيعة مؤنثة، وجمعها: طبائع، والطباع واحد مذكر، وجمعه طبع، ككتاب وكتب، وليس الطباغ جمعا لطبع». انتهى كلامه. وهو بحاجة إلى تحقيق، فإنهم قالوا أيضا: إن الطباع جمع طبع. وذكره الأزهرى فى التهذيب 2/ 186، وانظر الكلام عليه فى التاج.
(2) الديوان 2/ 108.
(3) الديوان 1/ 292.
(4) الديوان 1/ 288.
(5) الديوان 2/ 335. والمستغر: المغرور. ويروى: «المستعز» من العزّ.(3/263)
ونحن ألى ضربنا رأس حجر
فلا يجوز أن تكون المبهمة ولا الموصولة، لأنّ تينك لا تضافان، فثبت ما ذكرته أن المراد بها أولاهم، وإنما استجازوا مثل هذا الحذف فى المعتلّ الأصلىّ تشبيها له بالزائد، كقولهم فى الرّءوف: الرّؤف، وفى العلابط: العلبط، وفى العرنتن:
العرتن، وفى العريقصان: العرقصان، ومن ذلك حذفهم اللام من مراما (1)، فى قولهم مرامىّ تشبيها لها بألف التأنيث فى حبارى، وحذفهم الياء الساكنة التى هى عين فى تحيّة، تشبيها بالياء الزائدة فى حنيفة، فقالوا: تحوىّ (2)، كما قالوا: حنفىّ، وكذلك شبّهوا اللامات المعتلّة بالحركة الزائدة، فحذفوهنّ للجزم فى نحو: لم يدع ولم يمش ولم يخش، كما حذفوا الحركة من الصحيح.
العلابط: القطيع الضخم من الغنم، والعرنتن: ضرب من الشجر، والعريقصان: اسم جنس من الدوابّ.
بيت للرضىّ، قال (3) أدام الله نعمته: سئلت عنه:
تزهى على تلك الظّبا ... ء فليت شعرى من أباها (4)
وقف الهوى بى عندها ... وسرت بقلبى مقلتاها
يحتمل قوله: «من أباها» ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون بمعنى قولك:
أبواها، فهو تثنية أب، على لغة من قال: هذان أبان، ورأيت أبين، ومررت / بأبين، فلم يردّ لامه فى التثنية، كما لم يردّ اللام من قال: يدان ودمان، وأنشدوا
__________
وجاء بهامش الأصل: «صوابه بشر بن أبى خازم الأسدى» وقد رأيته فى ديوانه بشر ص 166. وتمامه:
بأسياف مهنّدة رقاق
وانظر كتاب الشعر ص 414، 415، 422.
(1) كتاب الشعر ص 208، 421.
(2) وكتاب الشعر أيضا ص 421.
(3) فى هـ: قال رحمه الله: تزهى
(4) ديوانه 2/ 567، واللسان (أبى) عن ابن برّى.(1/264)
وقوله:
وفى عنق الحسناء يستحسن العقد (1)
وقوله:
وليس بمنكر سبق الجواد (2)
وقوله:
ولكنّ صدم الشّرّ بالشّرّ أحزم (3)
وقوله:
قد أفسد القول حتى أحمد الصّمم (4)
وقوله:
مصائب قوم عند قوم فوائد (5)
وقوله:
ومخطىء من رميّة القمر (6)
وقوله:
فإنّ فى الخمر معنى ليس فى العنب (7)
__________
(1) الديوان 2/ 10.
(2) الديوان 2/ 18.
(3) الديوان 3/ 360.
(4) الديوان 4/ 26.
(5) تقدّم فى هذا المجلس.
(6) الديوان 2/ 90.
(7) سبق هذا فى المجلس الحادى والثلاثين.(3/264)
وقوله:
ومن قصد البحر استقلّ السّواقيا (1)
وقوله:
وأين من المشتاق عنقاء مغرب (2)
وقوله:
ولا يردّ عليك الفائت الحزن (3)
وقوله:
بجبهة العير يفدى حافر الفرس (4)
وقوله:
والجوع يرضى الأسود بالجيف (5)
وقوله:
إذا عنّ بحر لم يجز لى التّيمّم (6)
وقوله:
إنّا لنغفل والأيام فى الطّلب (7)
__________
(1) الديوان 4/ 287.
(2) الديوان 1/ 183.
(3) الديوان 4/ 234.
(4) الديوان 2/ 188.
(5) الديوان 2/ 281.
(6) الديوان 4/ 91.
(7) الديوان 1/ 93.(3/265)
على هذه اللغة قول الفرزدق (1).
يا خليلىّ اسقيانى ... أربعا بعد اثنتين
من شراب كدم الجو ... ف يحرّ الكليتين
واصرفا الكأس عن الجا ... هل يحيى بن حصين
لا يذوق اليوم كأسا ... أو يفدّى بالأبين
وعلى هذا المذهب ثنّاه المتنبىّ فى قوله (2):
تسلّ بفكر فى أبيك فإنّما ... بكيت فكان الضّحك بعد قريب
فوزن أباها وأبيك: فعاها وفعيك، وحذفا منهما النّونين للإضافة.
والثانى: أن يكون المراد بقوله «أباها» واحدا، على لغة من قال: هذا أبا، ورأيت أبا، ومررت بأبا، فأبدل من الواو التى هى لام الفعل ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، إذا الأصل فيه: أبو كقلم، فجاء به على حدّ عصا، ويدلّ على أنه فى الأصل فعل مفتوح العين جمعه على آباء، فجاء على حدّ جبل وأجبال، وهذه اللغة رواها أبو العباس ثعلب.
والثالث: أن يكون معنى قوله: «من أباها» من كان لها أبا، فأباها على هذا فعل كقولك: رآها، من قولهم: أبوت ثلاثة: أى كنت أبا لثلاثة.
ورووا أن أعرابيّا وقف على قوم فسألهم فقال: إنى أبوت عشرة، وأخوت عشرة، وأنا اليوم وحيد، فرحم الله من أمر بمير أو دعا بخير.
وقوله: «تزهى» من الزّهو، الذى هو الكبر، لا يستعملونه إلا مضموم الأول
__________
(1) لم أجد هذه الأبيات فى ديوان الفرزدق المطبوع، وهى له فى الموضع المذكور من اللسان.
(2) ديوانه 1/ 54.(1/265)
على ما لم يسمّ فاعله، تقول: زهيت علينا يا رجل (1) تزهى، فأنت مزهوّ، أى تكبّرت، ولا تقول: زهوت، فتجعل الفعل له، لأن الفعل إنما هو للشىء الذى يحمله على الزّهو، كالمال والجمال والسلطان، وإنما يفسّرون زهيت بتكبّرت مجازا، وتفسيره (2): حملت على التكبّر.
/ وقوله: «ليت شعرى من أباها» لك فى خبر «ليت» مذهبان: إن شئت قلت: هو محذوف لطول الكلام، وتقديره: واقع أو موجود، وإن شئت قلت: لمّا كان قوله «ليت شعرى» مؤدّيا معنى ليتنى أشعر، استغنى عن خبر، كما استغنى المبتدأ فى قولك: أقائم أخواك، حيث أدّى معنى يقوم، وقوله: «من أباها» جملة ابتداء عمل فى موضعها المصدر، كأنه قال: ليت أن أشعر أىّ الناس أباها.
وأمّا قول القائل:
ليت شعرى إذا القيامة قامت ... ودعا بالحساب أين المصيرا (3)
وقبله:
خمّر الشّيب لمّتى تخميرا ... وحدا بى إلى القبور البعيرا
فإن المصير منصوب بالمصدر (4)، وأين: خبر مبتدأ محذوف، تقديره أين هو، وقد
__________
(1) فى هـ: يافلان.
(2) فى هـ: وتفسيره فى الحقيقة: حملت
(3) البيت الأول وحده من غير نسبة فى كتاب الشعر ص 314، والبيتان من غير نسبة أيضا فى الإفصاح ص 181.
(4) وهو «شعرى» وأصله «شعرتى». يقال: شعر به، وشعر يشعر، شعرا وشعرا وشعرة. قال سيبويه: قالوا: ليت شعرى، فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة يعنى لكثرة الاستعمال كما قالوا: ذهب بعذرتها، وهو أبو عذرها، فحذفوا التاء مع الأب خاصة. اللسان (شعر). وانظر كلام سيبويه فى الكتاب 4/ 44، وأدب الكاتب ص 61.
وهذا التركيب «ليت شعرى» ممّا حذف فيه الخبر. قال ابن الأثير: «وفيه أى فى الحديث وليت شعرى ما صنع فلان، أى ليت علمى حاضر أو محيط بما صنع، فحذف الخبر، وهو كثير فى كلامهم».
النهاية 2/ 480.(1/266)
وقوله:
إنّ النّفيس غريب حيث ما كانا (1)
وقوله:
وبضدّها تتبيّن الأشياء (2)
وقوله:
غير مدفوع عن السّبق العراب (3)
وقوله:
ما كلّ دام جبينه عابد (4)
وقوله:
ومن يسدّ طريق العارض الهطل (5)
وقوله:
ويبين عتق الخيل فى أصواتها (6)
وقوله:
والشّيب أوقر والشّبيبة أنزق (7)
__________
(1) سبق فى هذا المجلس.
(2) الديوان 1/ 22.
(3) الديوان 1/ 135.
(4) الديوان 2/ 77.
(5) الديوان 3/ 87.
(6) الديوان 1/ 233.
(7) الديوان 2/ 336.(3/266)
أساء بشيئين، بحذف المبتدأ، وبالفصل بين شعرى ومعموله بأين، وهو أجنبى، ولو أعطى الكلام حقّه قيل: ليت شعرى المصير أين هو؟
وقوله: «خمّر الشّيب لمّتى» معناه غطّى سوادها، ومنه الخمار لتغطيته الوجه، والخمر لأنها تغطّى العقل، والخمر: ما يوارى من الشّجر، وعنى بالبعير عمره، كقولهم: من كان الليل والنهار مطيّته أسرعا به السّير.
بيت سئلت عنه
غير مأسوف على زمن ... ينقضى بالهمّ والحزن (1)
فقيل: بم يرتفع «غير»؟ فأقول: إن قوله: «مأسوف» مفعول من الأسف، وهو الحزن، «وعلى» متعلّقة (2) به، كقولك: أسفت على كذا أسفا، وحزنت عليه حزنا، ولهفت عليه لهفا، وأسيت عليه أسى، وموضع قوله: «بالهمّ» نصب على الحال، والتقدير: ينقضى مشوبا بالهمّ و «غير» رفع بالابتداء، ولما أضيفت إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجارّ والمجرور، استغنى المبتدأ عن خبر، كما استغنى «قائم ومضروب» فى قولك: أقائم أخواك؟ وما مضروب غلاماك (3)، عن خبر، من حيث سدّ الاسم المرفوع بهما مسدّ الخبر، لأن «قائم ومضروب» قاما مقام يقوم ويضرب، فتنزّل كلّ واحد منهما مع المرفوع به منزلة الجملة، وكذلك إذا أسندت اسم المفعول إلى الجارّ والمجرور سدّ الجارّ والمجرور مسدّ الاسم الذى يرتفع به، كقولك: أمحزون
__________
(1) البيت لأبى نواس، كما فى المغنى ص 171، 753، وليس فى ديوانه. ويقال: إن «عالى» بن أبى الفتح بن جنى، سأل أباه عن إعراب هذا البيت. راجع شرح ابن عقيل 1/ 165، وتذكرة النحاة ص 171، 366، 405، وشرح الشواهد للعينى 1/ 513، والهمع 1/ 94، والأشباه والنظائر 3/ 123، وشرح الأشمونى 1/ 191، والخزانة 1/ 345، وشرح أبيات المغنى 4/ 3.
(2) فى هـ «متعلّق» وقد حكى السيوطىّ هذا الكلام كلّه فى الأشباه 3/ 126، معزوّا إلى ابن مكتوم فى «تذكرته». وابن مكتوم متأخّر عن ابن الشجرىّ بقرنين من الزمان، فقد توفى سنة 749.
(3) حكى ابن هشام هذا الوجه عن ابن الشجرى، ونصّ على أن ابن مالك قد تبعه. المغنى ص 172.(1/267)
وقوله:
وفى التجارب بعد الغىّ ما يزع (1)
يزع: يكفّ، أى يكفّ الغاوى عن غيّه.
وجاء بمثل فى ثلث بيت، وهو قوله:
ومن للعور بالحول (2)
* * * وليس شىء مما ذكرته من هذه الآداب البارعة والأمثال السائرة الرائعة إلّا قد فاوضت فيه شيوخ أهل العلم، فأبدءوا فيه وأعادوا، واستحسنوا واستجادوا. وإنما ذكرت لك طرفا من عيون كلمه، وبعضا من فنون حكمه لأنبّهك على جلالة قدره، وأعرّفك أنه فى الشّعر نسيج وحده وقريع عصره. ومن صغّر شأنه فقد أبان عن نقص فى نفسه كثير، وما أحسن قول النابغة:
أىّ الرجال المهذّب (3)
والفاضل من عدّت سقطاته، والإساءة فى البيت الفذّ مغفورة بالإضافة إلى ألف حسنة، كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع (4)
وبعد هذا، من الذى سلم فى شعره من الشّعراء المتقدّمين؟ ولو اقتصصت
__________
(1) الديوان 2/ 221.
(2) الديوان 3/ 84. والبيت بتمامه:
إن كنت ترضى بأن يعطوا الجزى بذلوا ... منها رضاك ومن للعور بالحول
وأنشده الصفدى فى الشّعور بالعور ص 103.
(3) تقدّم فى المجلس الرابع والثلاثين.
(4) هذا البيت من المحفوظات الدائرة على الألسنة، وهو من غير نسبة فى تمام المتون ص 89، وزاد المعاد 3/ 170، ونفح الطيب 6/ 25، وقد قرأته فى غير كتاب، لكنّ الله لم يفتح علىّ الآن إلّا بهذه المراجع الثلاثة!.(3/267)
على زيد؟ وما مأسوف على بكر، كما تقول فى الفعل: أيحزن على زيد؟ وما يؤسف على بكر، فلما كانت «غير» للمخالفة فى الوصف، فجرت [لذلك (1)] مجرى حرف النفى، وأضيفت إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجارّ والمجرور، والمتضايفان بمنزلة الاسم الواحد سدّ ذلك مسدّ الجملة، حيث أفاد قولك:
غير مأسوف على زيد، ما يفيده قولك: ما يؤسف على زيد (2).
ربيعة بن مقروم الضّبّىّ:
وواردة كأنها عصب القطا ... تثير عجاجا بالسّنابك أصهبا (3)
كففت بمثل السّيد نهد مقلّص ... كميش إذا عطفاه ماءا تحلّبا
إن احتجّ محتجّ لمن أجاز: عرقا تصبّبت، فالدافع له أن يقول: إن العامل فى الماء هو الرافع للعطفين، من حيث كان التقدير: إذا تحلّب عطفاه ماءا، كقولك: إذا زيد راكبا خرج (4) أكرمته، وإنما احتجت إلى إضمار الفعل بعد «إذا»، لأنها تطلب الفعل كما تطلبه «إن» الشرطيّة، والاسم بعدها يرتفع أو ينتصب بفعل مضمر يفسّره الظاهر، كما ارتفع بعد «إن» فى نحو: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (5) وانتصب بعدها فى نحو:
لا تجزعى إن منفسا أهلكته (6)
__________
(1) ليس فى هـ. وفى الأشباه: «جرت لذلك» بإسقاط الفاء، وفى الخزانة «وجرت لذلك».
(2) فيه وجوه أخرى من الإعراب، اطلبها فى الأشباه والخزانة.
(3) الأصمعيات ص 224، والمفضليات ص 376، والشعر والشعراء 1/ 320، وشرح الشواهد للعينى 3/ 229. وشعره ص 249، 250، ضمن (شعراء إسلاميون).
(4) فى هـ «يخرج».
(5) سورة النساء 176.
(6) للنمر بن تولب، رضى الله عنه. ديوانه ص 72، وتخريجه فى ص 147، وزد عليه كتاب الشعر ص 77، 87، 326، وحواشيه. وعجزه:
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى(1/268)
لك سقطات بشّار وأبى نواس وأبى تمّام والبحترىّ، وغيرهم من الفحول المبرّزين، المتقدّمين والمتأخّرين، لاستحسنت من شعر أبى الطيّب ما استقبحته، واستجدت ما استرذلته، على أنه لم يرتكب لفظة مستهجنة إلّا وليس له عنها مندوحة، ولست تقدر أن توجدنى أمثالا عدد أمثاله فى شعر واحد من نظرائه وأمثاله، بل لا تجد ذلك لمجيدين أو ثلاثة مكثرين، من المتقدّمين والمتأخّرين، وما أحسن قوله:
فجازوا بترك الذّم إن لم يكن حمد (1)
وأسخف شعره القصيدة التى أوّلها (2):
ما أنصف القوم ضبّه
وفيها:
إن أوحشتك المعالى ... فإنها دار غربه
أو آنستك المخازى ... فإنها بك أشبه (3)
وكلّ من خطّأه فى معنى أو كلمة لغويّة فهو مخطىء فى تخطئته.
فممّن خطّأه فى كلمة لغويّة أبو زكريا، فقال فى قوله (4):
قد كنت تهزأ بالفراق مجانة
__________
(1) ديوانه 2/ 10، وصدره:
ومنّى استفاد الناس كلّ غريبة
(2) ديوانه 1/ 204، 209.
(3) الذى فى الديوان:
فإنها لك نسبة
أما هذا العجز، فقد جاء فى الديوان لصدر آخر:
وإن جهلت مرادى ... فإنه بك أشبه
(4) ديوانه 4/ 7، وتمامه:
وتجرّ ذيلى شرّة وعرام
والشّرّة: الحدّة والنّشاط. والعرام: الحدّة أيضا والشّرس.(3/268)
فمثال المرتفع بعد إذا {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} (1) و {إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ} (2)
ومثال المنتصب بعدها:
إذا ابن أبى موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر (3)
فإن قيل: لم نجد اسمين معا مرفوعا ومنصوبا عمل فيهما فعل مضمر.
قيل: بلى، قال سيبويه فى (باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره (4)):
من ذلك قول العرب: أمّا أنت منطلقا انطلقت معك [أى لأن كنت منطلقا انطلقت معك] (5) وأمّا زيد ذاهبا ذهبت معه، قال عبّاس بن مرداس:
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر ... فإنّ قومى لم تأكلهم الضّبع (6)
ثم قال: فإنما هى «أن» ضمّت إليها «ما» وهى ما التوكيد، وألزمت (7) «ما» لتكون عوضا من ذهاب الفعل، كما كانت الهاء والألف عوضا من ياء الزّنادقة واليمانى. انتهى كلامه.
__________
وأعاده ابن الشجرى فى المجلسين: المتمّ الأربعين، والثامن والسبعين.
(1) الآية الأولى من سورة الانشقاق.
(2) الآية الأولى من سورة الانفطار.
(3) قائله ذو الرمة. ديوانه ص 1042، وتخريجه فى ص 2012، وزد عليه كتاب الشعر ص 491، وحواشيه.
(4) الكتاب 1/ 293.
(5) ما بين الحاصرتين لم يرد فى هـ، ولا فى كتاب سيبويه.
(6) الكتاب، الموضع السابق، والخصائص 2/ 381، والمنصف 3/ 116، والإنصاف ص 71، والمقرب 1/ 259، وشرح الكافية الشافية ص 418، وشرح ابن عقيل 1/ 256، والمغنى صفحات 35، 59، 437، 694، وشرح أبياته 1/ 173، وفهارسه، والخزانة 4/ 13، وانظر كتاب الشعر ص 58، وأعاده ابن الشجرى فى المجلسين الثانى والأربعين، والثامن والسبعين.
(7) فى الكتاب: ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا(1/269)
الناس يستعملون المجانة فى معنى الهزء بالشىء والتّهاون به، يقولون: فلان ماجن، إذا كان مسرفا فى اللهو والقول لما لم يكن. فأمّا أهل اللغة فيقولون:
مجن: إذا مرن على الشىء. انتهى كلامه.
والذى قاله غير صحيح، بدلالة أن المجانة قد وردت فى الشّعر القديم، على ما ذهب إليه المتنبّى، وذلك فى قول يزيد بن مفرّغ الحميرىّ، يهجو عبّاد بن زياد بن أبيه:
شجاع فى المجانة والمخازى ... جبان عند محتضر المصاع (1)
وقال أبو الحسين بن فارس فى المجمل: «المجون: ألّا يبالى الإنسان بما صنع» (2)، فهذا دفع لما قاله أبو زكريّا، من جهة شعر العرب، ومن جهة قول أهل اللغة.
* * * وقال المتنبّى يصف جيشا فى أرض قطعها، ويخاطب الممدوح:
جيش كأنك فى أرض تطاوله ... والأرض لا أمم والجيش لا أمم (3)
يقول: بعدت الأرض وطالت، فكأنها تطاول جيشك البعيد أطرافه.
والأمم: بين القريب والبعيد. ثم فسّر هذا بقوله:
إذا مضى علم منها بدا علم ... وإن مضى علم منها بدا علم
أراد بالعلم من الأرض: الجبل، وبالعلم من الجيش: الراية، يقول:
فلا الجبال تفنى، ولا أعلام الجيش.
__________
(1) لم أجده فى ديوان ابن مفرّغ المطبوع، مع وجود أبيات من وزن البيت وقافيته وموضوعه، وذلك فى ص 104100.
(2) المجمل ص 823، وأيضا المقاييس 5/ 299.
(3) ديوانه 4/ 18، 19.(3/269)
وهذا الذى قد ذكره من مجىء اسمين مرفوع ومنصوب بفعل مضمر وإن لم يكثر فإنه قد ورد كما ترى.
ولو زعم زاعم أن «عطفاه» رفع بالفعل المضمر، وأن «ماءا» منتصب بقوله «تحلّبا» على قول من روى:
وما كان نفسا بالفراق تطيب (1)
لم يبعد قوله
فأما قول سيبويه: «كما كانت الهاء والألف عوضا من ياء الزنادقة واليمانى» فتفسيره أن أصل الزنادقة: الزناديق، وأصل اليمانى: اليمنىّ، فحذفوا الياء من الزناديق، وعوّضوا منها هاء التأنيث، وحذفوا الياء الساكنة من اليمنىّ، وعوّضوا منها الألف.
والسّيد: الذئب، والنّهد من الخيل: الجسيم، والمقلّص: المرتفع، والكميش:
الصّغير الجردان (2).
والضّبع فى قوله: «فإن قومى لم تأكلهم الضبع» فيها قولان، أحدهما أنه عنى بالضبع السّنة الشديدة، ومنه الحديث عن النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أن رجلا جاءه فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضّبع، وتقطّعت عنّا الخنف» (3) عنى بالخنف جمع خنيف: وهو ثوب من كتّان ردىء.
والثانى: أنه أراد [أن قومه (4)] لم يقتلوا فتأكلهم الضّباع.
__________
(1) صدره:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها
وينسب للمخبّل السعدى، ولأعشى همدان، وللمجنون وليس فى ديوانه المطبوع وهو فى شعر أعشى همدان المنشور ضمن الصبح المنير ص 312، وهو فيه بيت مفرد. وراجع الكتاب 1/ 211وهو فيه من زيادات المازنى والأصول 1/ 224، والمقتضب 3/ 37، والخصائص 2/ 384، والتبصرة ص 319، والإنصاف ص 828، وشرح ابن عقيل 1/ 565، وشرح الجمل 2/ 283، وغير ذلك كثير تراه فى حواشى إيضاح شواهد الإيضاح ص 249، ومعجم الشواهد ص 41.
(2) الجردان: القضيب من ذوات الحافر، وقيل: هو الذكر عموما. والمعروف فى تفسير «الكميش» أنه السريع.
(3) هذا ملفّق من حديثين، رواهما الإمام أحمد فى مسنده 3/ 487 (من حديث رجل يسمّى طلحة)، 5/ 154، 178، 368 (عن رجل لم يسمّ). وانظر غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 47، 3/ 45.
(4) سقط من هـ.(1/270)
قال أبو زكريا: ولو قال: وإن مضى عالم منه، لكان أحسن فى حكم الشّعر لأنّ تكرير «العلم» فى البيت كثر. وقوله: وإن مضى عالم، يقلّل تردّد «العلم» ويدلّ على كثرة الجيش. انتهى كلامه.
وأقول: إن المتنبّى لو قال ما ذهب إليه أبو زكريّا، فاستعمل «العالم» فى موضع «العلم» كان قبيحا فى صناعة الشّعر لأنه قد أتى بذكر «العلم» الذى هو الجبل مرّتين، فوجب أن يقابله بذكر «العلم» الذى هو الراية مرّتين.
وأما قوله: إنه لو قال: «مضى عالم» دلّ على كثرة الجيش، فكذلك ذكر «العلم» يدلّ على كثرة الجيش لأن العلم يكون تحته أمير معه عالم.
وأمّا كراهيته لتكرير «العلم» فقول من جهل ما فى التكرير من التوكيد والتّبيين، إذا تعلّق التكرير بعضه ببعض، بحرف عطف، أو بحرف شرط، أو غير ذلك من المعلّقات، كما جاء فى التنزيل: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتََابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتََابِ وَمََا هُوَ مِنَ الْكِتََابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ وَمََا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} (1) ومثله: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلََاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلََاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلََاقِهِمْ} (2). فالتكرير فى هذا النحو حسن مقبول، وإذا جاء هذا فى القرآن علمت أن التكرير فى بيت أبى الطيّب غير معيب، وإنما يعاب التكرير إذا ورد اللفظ فى بيتين أو ثلاثة والمعنى واحد.
ووهم (3) أبو زكريّا في بيت لأبى نواس، حمل عليه بيتا لأبى الطيّب، وذلك قول أبى الطيّب:
__________
(1) سورة آل عمران 78. وانظر مبحث التكرير فى القرآن الكريم، فى تأويل مشكل القرآن ص 235، وإعجاز القرآن ص 106، وبديع القرآن ص 151، والمراجع التى بحاشيته. وشرح الكافية البديعية ص 134.
(2) سورة التوبة 69.
(3) هذه المسألة كلّها إلى قوله: «مثل وقت الوداع» تقدّمت فى المجلس السادس والسبعين.
والشواهد كلّها مخرّجة هناك.(3/270)
المجلس السادس
بيت للمتنبّى لم يعرض له أحد من مفسّرى شعره، وهو (1):
وتراه أصغر ما تراه ناطقا ... ويكون أكذب ما يكون ويقسم
يقال: من أىّ الرّؤيتين «ترى» الأول والثانى، أمن رؤية العين، أم من رؤية القلب، أم أحدهما من رؤية العين، والثانى من رؤية القلب؟
وأيّهما العامل فى «ناطق»؟.
وما معنى «يكون» الأول والثانى، أناقصان هما أم تامّان، أم أحدهما ناقص والآخر تامّ؟
وما معنى «ما» الأولى والثانية؟.
وعلام انتصاب «أصغر وأكذب»؟.
وما معنى الواو فى قوله: «ويقسم» وظاهر أمرها أنها عاطفة؟ فما المعنى فى عطف «يقسم» على «يكون»؟ فإن قلت: إنها واو الحال فأنت لا تقول: رأيت زيدا ويضحك، تريد ضاحكا، فإن حذفت الواو صحّ أن يكون حالا.
الجواب: إن كلّ واحد من الفعلين المأخوذين من الرّؤية قد تعدّى إلى مفعول واحد، وهو الهاء، لأن «أصغر» منصوب على المصدر، و «ناطقا» منصوب على
__________
(1) ديوانه 4/ 129، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثانى والثمانين.(1/271)
يا من لجود يديه فى أمواله ... نقم تعود على اليتامى أنعما
حتى يقول الناس ماذا عاقلا ... ويقول بيت المال ماذا مسلما
قال أبو زكريّا: عظّم الممدوح تعظيما وجب معه ألا يكون خاطبه بقوله:
حتى يقول الناس ماذا عاقلا
وإنما تبع فى ذلك الحكمىّ فى قوله:
جاد بالأموال حتّى قيل ما هذا صحيح
ويجوز أن يكون أبو الطيّب ظنّ أنّ أبا نواس أراد: ما هذا صحيح العقل، ولعلّه لم يرد ذاك، وإنما أراد: ما هذا الفعل صحيح. انتهى كلامه.
وأقول: إن أبا نواس لم يرد إلّا ما ذهب إليه المتنبّى لأنّ أبا نواس قد صرّح بهذا المعنى فى قصيدة أخرى، وأتى بلفظة أقبح من قوله: «ما هذا صحيح» فقال:
جدت بالأموال حتّى ... حسبوه الناس حمقا
وتبعه فى ذلك أبو تمام فقال:
ما زال يهذى بالمكارم والنّدى ... حتى ظننّا أنه محموم
ويروى: «يهذر» والأصل فى هذا قول أعرابىّ، فيما أورده الجاحظ فى كتاب الحيوان:
حمراء تامكة السّنام كأنها ... جمل بهودج أهله مظعون
جادت بها عند الوداع يمينه ... كلتا يدى عمر الغداة يمين
ما كان يعطى مثلها فى مثله ... إلّا كريم الخيم أو مجنون
فعلى هذا المنوال نسج أبو الطيّب بيته، فأراد أنه يفرط فى الجود حتّى ينسبه الناس إلى عدم العقل، ولو كان بيت المال مما يصحّ منه الكلام لقال: ماذا مسلما لأنه فرّق أموال المسلمين، ويجوز أن يكون أراد: حتى يقول خزّان بيت المال، وحذف المضاف، كما حذف فى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}.(3/271)
وقول الأعرابىّ: «تامكة السّنام» أى عاليته. تمك السّنام: علا.
والخيم: السّجيّة، وهى الخليقة. والهاء فى «مثله» تعود على الوداع، أى فى مثل وقت الوداع.
* * * قد أثبتّ لك ما ظفرت به بالتتبّع، من حكم أبى الطيّب، ولم أثبت إلّا ما رأيته فى مكاتبة، أو سمعته فى مفاوضة، فقد كفيتك مؤونة تطلّبه، وبقى عليك تكلّف تحفّظه.
فمن فضائل هذا الشاعر من دون قائلى القريض (1)، أنك لا تجد واحدا من الناس إلّا وهو يحفظ من شعره قصائد أو قصيدتين أو قصيدة، أو مقطوعة أو بيتا، أو صدر بيت، أو عجز بيت. فممّا أجمع الناس على حفظه، أو حفظ عجزه قوله:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد (2)
ولقد سمعت من أدوان العوامّ مرارا غير محصاة أناسا ينشدون:
ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ (3)
وكذلك قوله:
والظّلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفّة فلعلّة لا يظلم (4)
__________
(1) فى الأصل: الشعر.
(2) تقدّم قريبا.
(3) ديوانه 1/ 375.
(4) تقدّم قريبا.(3/272)
الحال [وإذا (1)] كان لم يتعدّ إلا إلى مفعول واحد ثبت أنه من الرؤية التى هى الإبصار، دون الرؤية التى هى العلم، وإنما قلنا (2) إن «أصغر» منصوب (3) على المصدر لأنه مضاف إلى «ما» وهى مصدرية، وأفعل الموضوع للمفاضلة إنما هو بعض ما يضاف إليه، فصار كقولك: سرت أشدّ السير، وكذلك «أكذب» حكمه حكم «أصغر» والناصب «ناطقا» هو الأول منهما، وقد علمت أن الهاء من «تراه» عائدة على عين، فلو كان من الرؤية التى يراد بها العلم اقتضى مفعولا ثانيا، يكون هو الأول فى المعنى، كقولك: رأيت الله غالبا (4)، ولما كانت الهاء / عائدة على جثّة، فلم يجز لذلك أن يكون المفعول الثانى حدثا، وكان انتصاب «ناطقا» على الحال، علمت أن «تراه» بمعنى تبصره، لا بمعنى تعلمه، فتقدير الإعراب: تراه ناطقا أحقر رؤيتك إياه، فالتحقير تناول الرؤية فى اللفظ، والمراد تحقير المرئىّ، لأن المعنى: تراه ناطقا أحقر منه إذا رأيته ساكتا.
وأما «يكون» الأول والثانى فكلاهما بمعنى يوجد، فإن قلت: أجعل الأول ناقصا وأجعل خبره «أكذب»، لم يجز ذلك لما ذكرته من انتصاب «أكذب» على المصدر لإضافته إلى المصدر، وإذا ثبت أنه اسم حدث لإضافته إلى «ما» المصدرية، والمضمر فى «يكون» عائد على عين، وخبر «كان» إذا كان مفردا فهو واسمها عبارة عن شىء واحد، بطل أن تجعل «يكون» ناقصا، لفساد الإخبار عن الجثث بالأحداث.
والواو فى قوله «ويقسم» واو الحال، فالجملة بعده حال، عمل فيها «يكون» الأول، وهى جملة ابتداء، والمبتدأ محذوف، فالتقدير: وهو يقسم، وحذف «هو»
__________
(1) تكملة من هـ.
(2) فى هـ: قلت.
(3) من هنا إلى قوله تعالى: {وَالنَّهََارَ مُبْصِراً} حكاه شارح ديوان المتنبى الموضع المذكور عن ابن الشجرى بشىء من التصرف.
(4) فى هـ: قاهرا.(1/272)
إلا أنهم يغلطون فيقولون: فإن ترى. يستعملون «ترى» موضع «تجد».
وما أوقع قوله فيمن ذمّه:
وإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهى الشهادة لى بأنى فاضل (1)
وقوله:
رمانى خساس الناس من صائب استه ... وآخر قطن من يديه الجنادل (2)
ومن جاهل بى وهو يجهل جهله ... ويجهل علمى أنه بى جاهل
أمّا إعراب هذين البيتين: فإنّ دخول «من» فى قوله: «من صائب استه» كدخولها فى قولك: جاء القوم من ضاحك ومن باك، فهى للتبعيض لأنّ المعنى:
بعضهم ضاحك، وبعضهم باك. ويقال: أصاب السهم الهدف فهو مصيب، وصابه فهو صائب، لغيّة. قال بشر بن أبى خازم الأسدىّ (3):
تسائل عن أخيها كلّ ركب ... ولم تعلم بأنّ السّهم صابا
وقوله:
ويجهل علمى أنه بى جاهل
علمى: مفعول يجهل. وقوله: «أنه بى جاهل» هو الفاعل، أى يجهل جهله بى علمى (4).
__________
(1) وهذا كسابقه.
(2) ديوانه 3/ 174. وانظر الفتح الوهبى ص 123، وشرح الواحدى ص 49، 50، وشرح مشكل شعر المتنبى ص 4644.
(3) ديوانه ص 25. ورواية صدر البيت فيه:
ترجّى أن أؤوب لها بنهب
وكذلك الرواية فى مختارات ابن الشجرى ص 303.
(4) هذا وجه من الإعراب ضعيف. والأولى أن يكون المصدر المنسبك من قوله: «أنه بى جاهل» مفعول المصدر الذى هو «علمى» ويكون التقدير: أى يجهل معرفتى بجهله بى. وكذلك جاء فى شرح ديوان المتنبى. وهو واضح فى تقدير الواحدىّ، قال: «ويجهل أنى أعلم أنه جاهل بى».(3/273)
كما حذف الأعشى «هى» من قوله (1):
وردت على سعد بن قي ... س ناقتى ولما بها
أراد: وهى لما بها من الجهد، فحذف المبتدأ من جملة الحال، فالتقدير:
ويوجد (2) وهو مقسم وجودا أكذب وجوده (3)، فالوصف بالكذب يتناول وجوده لفظا وهو فى المعنى موجّه إليه، إذا المعنى: يوجد مقسما أكذب منه إذا وجد غير مقسم، وإنما أضاف الكذب إلى وجوده وكونه، كما أضافوا الخطابة إلى كون الأمير فى قولهم: «أخطب ما يكون الأمير قائما (4)» فالتقدير عند النحويين: أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما، وهذا اتّساع جرى فى كلام العرب، كما قالوا: «نام ليلك» والمعنى: نمت ليلك كلّه، قال الشاعر (5):
لقد لمتنا يا أمّ غيلان فى السّرى ... ونمت وماليل المطىّ بنائم
وقال آخر (6):
/ فنام ليلى وتجلّى همّى
ومثله فى الاتّساع وصف النهار بمبصر فى قوله تعالى: {اللََّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهََارَ مُبْصِراً} (7) وإنما النهار مبصر فيه، ومن هذا الضّرب قوله
__________
(1) ديوانه ص 257، وشرح ديوان المتنبى، الموضع السابق.
(2) فى هـ: فيوجد، وفى شرح الديوان: يوجد.
(3) فى شرح الديوان: أكذب وجوده غير مقسم.
(4) يأتى الكلام عليه مبسوطا فى المجلسين: الحادى عشر، والسابع والثلاثين.
(5) جرير. ديوانه ص 993، والكتاب 1/ 160، والكامل ص 176، 285، 1356، والجمل المنسوب للخليل ص 44، والإنصاف ص 243، وتفسير القرطبى 8/ 360، 20/ 42، والخزانة 1/ 465، وأنشده ابن الشجرى أيضا فى المجلس السابع والثلاثين.
(6) رؤبة. ديوانه ص 142، ومجاز القرآن 1/ 279، والكامل، والمقتضب 3/ 105، 4/ 331، والمحتسب 2/ 184، وتفسير القرطبى 14/ 303، ومعجم الشواهد ص 538.
(7) سورة غافر 61.(1/273)
جلّ وعز: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} (1) [وحقيقته مكركم فى الليل والنهار (2)].
روى عن أبى العباس ثعلب (3) أنه قال: كان الكسائىّ والأصمعىّ يوما بحضرة الرّشيد، وكانا ملازمين له، يقيمان بإقامته، ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائىّ:
أنّى جزوا عامرا سوءى بفعلهم ... أم كيف يجزوننى السّوءى من الحسن (4)
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن
فقال الأصمعى: إنما هو رئمان أنف، بالنصب، فقال له الكسائىّ: اسكت ما أنت وهذا! يجوز رئمان أنف، ورئمان أنف، ورئمان أنف، بالرفع والنصب والخفض، أما الرفع فعلى الرّدّ (5) على «ما» لأنها فى موضع رفع بينفع، التقدير:
كيف ينفع رئمان أنف، والنصب بتعطى، والخفض على الردّ على الهاء التى فى به.
قال: فسكت الأصمعىّ، ولم يكن له علم بالعربية، إنما كان صاحب لغة، لم يكن صاحب إعراب. انتهى كلامه.
__________
(1) سورة سبأ 33.
(2) سقط من هـ. وانظر معانى القرآن 2/ 363، والموضع السابق من الكامل والمقتضب.
(3) رويت هذه القصة من طريق ثعلب فى أمالى الزجاجى ص 50، ومجالس العلماء، له ص 42، ومعجم الأدباء 13/ 83 (ترجمة على بن حمزة الكسائى)، والأشباه والنظائر 3/ 224، والخزانة 4/ 458.
(4) البيتان من كلمة لأفنون التغلبى، وقد استفاضت بهما كتب اللغة والأدب والنحو. انظر مع المراجع السابقة: المفضليات ص 263، والكامل 1/ 107، والبيان والتبيين 1/ 9، وأمالى القالى 2/ 51، والبغداديات ص 419، والاشتقاق ص 259، والخصائص 2/ 184، 3/ 107، والمغنى ص 45، وشرح أبياته 1/ 240، وغير ذلك كثير، تراه فى حواشى تلك الكتب.
(5) أى البدل من «ما». ويقولون إن «الرد» مصطلح كوفى، يقابله عند البصريين: البدل أو عطف البيان. وقد استعمله الفرّاء الكوفىّ كثيرا، فى معانى القرآن، ولكنى رأيت هذا المصطلح عند واحد من البصريين المعاصرين للفرّاء، وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى، فى كتابه شرح النقائض ص 817، وذلك ما ذكره فى قول الفرزدق:
لعلّك فى حدراء لمت على الذى ... تخيّرت المعزى على كلّ حالب
عطيّة أو ذى شملتين كأنه ... عطيّة زوج للأتان وراكب
قال: «ردّ عطيّة على الذى».(1/274)
وفسّر علىّ بن عيسى الرّبعىّ قوله: «من صائب استه» بأنه من ضعفه إذا رمى يصيب استه، فحمله على معنى قوله:
وآخر قطن من يديه الجنادل
وليس هذا القول بشىء لأننا لم نجد فى الموصوفين بالضّعف من يرمى بحجر أو غير حجر مما ترمى به اليد فيصيب استه، وإنما هو مثل ضربه، فذكر تفصيل عائبيه، فقال: عابنى أراذل الناس، فمنهم من رمانى بعيب هو فيه، وهو الأبنة، فانقلب قوله عليه، فأصاب استه بالعيب الذى رمانى به. وآخر لم يؤثّر كلامه فى عرضى لعيّه وحقارته، فهو كمن يرمى قرنه بسبائح القطن، أى الذين رمونى من هذين الصّنفين بهذين الوصفين.
* * * تمّت الأمالى التى أملاها الشريف النقيب ضياء الدين أبو السّعادات هبة الله ابن علىّ الشجرىّ البغدادىّ. رحمه الله.
وكتب أسعد بن معالى بن إبراهيم بن عبد الله. فى شهور سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. حامدا لله تعالى على نعمه، ومصليّا على خيرته من خلقه محمّد النبىّ، وعلى آله وصحبه، ومسلّما. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
بلغ العرض على أصله المنقول منه، فصحّ والله الموفّق (1)
* * *
__________
(1) هذا ختام نسخة الأصل.
وختام النسخة ط: «تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيّدنا محمد خاتم النبيّين،(3/274)
وأقول: إن الضمير الذى هو الهاء والميم فى قوله: «بفعلهم» يعود على عامر، لأنه أراد به القبيلة، وقوله: «من الحسن» متعلّق بحال محذوفة، والتقدير: كيف يجزوننى السّوءى بدلا من الحسن، ومثله فى التنزيل: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيََاةِ الدُّنْيََا مِنَ الْآخِرَةِ} (1) أى بدلا (2) من الآخرة، وقال جلّ ثناؤه: {وَلَوْ نَشََاءُ لَجَعَلْنََا مِنْكُمْ مَلََائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (3) التقدير: لجعلنا بدلا منكم ملائكة، وقال كثيّر.
وإنّا لنعطى العقل دون دمائنا ... ونأبى فلا نستاق من دمنا عقلا (4)
أراد بدلا من دمنا، والعقل هاهنا: الدّية، وقال آخر فى وصف الإبل:
كسوناها من الرّيط اليمانى ... مسوحا فى بنائقها فضول (5)
أى كسوناها بدلا من الرّيط مسوحا، والرّيط: جمع ريطة، وهى الملاءة التى لا تكون لفقين، والبنائق: جمع بنيقة، وهى كلّ رقعة ترقع فى القميص كاللّبنة ونحوها، وأراد بالمسوح عرقها، شبّهه لسواده بالمسوح.
والعلوق من النّوق: التى تأبى أن ترأم ولدها أو بوّها، والبوّ يقال له الجلد (6) أيضا:
جلد الحوار يحشى ثماما أو حشيشا غيره ويقدّم إليها لترأمه فتدرّ عليه فتحلب فهى ترأمه بأنفها وينكره قلبها، فرأمها له أن تشمّه فقط، ولا ترسل لبنها، وهذا يضرب مثلا لمن يعد بكلّ جميل ولا يفعل منه شيئا، لأن قلبه منطو على ضدّه.
__________
(1) سورة التوبة 38.
(2) أعاده المصنف فى المجلس الثانى والخمسين.
(3) الآية المتمة الستّين من سورة الزخرف.
(4) نسبه ابن الشجرى إلى كثيّر أيضا فى المجلس الثانى والخمسين، وكذلك فى حماسته 1/ 206، وقد أفاد محقق ديوان كثيّر أن البيت للأفوه الأودىّ. ديوان كثير ص 384، 386. وهو فى ديوان الأفوه (الطرائف الأدبية ص 23) برواية:
وإنا لنعطى المال دون دمائنا ... ونأبى فما نستام دون دم عقلا
(5) أعاده فى المجلس الثانى والخمسين، وأنشده صاحب اللسان (طها) من غير نسبة.
(6) بفتح الجيم والدال.(1/275)
الفهارس(3/275)
وقوله: «ما تعطى العلوق به رئمان أنف» ما خبريّة بمعنى الذى، وهى واقعة على البوّ، وانتصاب «الرّئمان» هو الوجه الذى يصحّ به المعنى والإعراب، وإنكار الأصمعىّ (1) لرفعه إنكار فى موضعه، لأنّ رئمان العلوق للبوّ بأنفها هو عطيّتها ليس لها عطيّة غيره، فإذا أنت رفعته لم يبق لها عطيّة فى البيت، لفظا ولا تقديرا، ورفعه على البدل من «ما» لأنها فاعل «ينفع» وهو بدل الاشتمال، ويحتاج إلى تقدير ضمير يعود منه على المبدل منه، كأنك قلت: رئمان أنفها إياه، وتقدير مثل هذا الضمير قد ورد فى كلام العرب، ولكن فى رفعه ما ذكرت لك من إخلاء «تعطى» من مفعول فى اللفظ والتقدير (2)، وجرّ الرئمان على البدل أقرب إلى الصّحيح قليلا، وإعطاء الكلام حقّه من المعنى والإعراب إنما / هو بنصب الرئمان، ولنحاة الكوفيّين فى أكثر كلامهم تهاويل فارغة من حقيقة (3).
ذو الإصبع العدوانىّ:
لقينا منهم جمعا ... فأوفى الجمع ما كانا (4)
__________
(1) حكى ابن هشام فى المغنى ص 45تصويب ابن الشجرى لإنكار الأصمعىّ هذا. ويرى البغدادى أن هذا إقرار من ابن هشام لرأى ابن الشجرى، ثم نقل اعتراض الدمامينى على ابن الشجرى قال: «ولقد أجاد الدمامينى فى الاعتراض على ابن الشجرى بقوله: ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون الضمير من «به» عائدا على «ما» لا على «البوّ»، و «به» يتعلق بتعطى، على أنه مضمّن معنى تجود، فلا يكون مخلّى من مفعول مع رئمان». الخزانة 4/ 460458.
(2) قال فى الخزانة: «وقد اعترض الدمامينى على مستند ابن الشجرى فى إنكار الرفع بأنه قد يلتزم ولا محذور فيه لأن الفعل المتعدى قد يكون الغرض منه إثباته لفاعله أو نفيه عنه فقط، فينزّل منزلة اللازم، ولا يقدّر له مفعول، تقول: فلان يعطى، أى يفعل الإعطاء، فلا تذكر للفعل مفعولا ولا تقدّره، لأن ذلك يخلّ بالغرض، واعتبار هذا المعنى فى البيت ممكن» هذا كلام الدمامينى، وقد حكى البغدادى اعتراض ابن الحنبلى عليه فى كلام طويل.
(3) فى هـ: «الحقيقة» وما فى الأصل مثله فى الخزانة، عن ابن الشجرى.
(4) تنسب هذه الأبيات لذى الإصبع كما ذكر المصنف ولأبى بجيلة، ولبعض اللصوص. راجع الكتاب 2/ 111، 362، وتهذيب الألفاظ لابن السكيت ص 210، والإنصاف ص 699، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 174، وضرائر الشعر ص 261، وشرح الجمل 2/ 18، والخزانة 2/ 407، واللسان (حسن أيا).(1/276)
كأنّا يوم قرّى إنّ ... ما نقتل إيّانا
قتلنا منهم كلّ ... فتى أبيض حسّانا
يرى يرفل فى بردي ... ن من أبراد نجرانا
البيت الثانى من أبيات «الكتاب (1)» شاهد على وضع الضمير المنفصل موضع المتّصل.
قوله: «فأوفى الجمع ما كانا» أى فأوفى الجمع الذى لقيناه ما كان عليه أن يفعله، وقرّى (2): اسم مكان.
وكان حقّ الكلام أن يقول: نقتل أنفسنا، لأن الفعل لا يتعدّى فاعله إلى ضميره إلا أن يكون من أفعال العلم والحسبان والظّنّ، لا تقول: ضربتنى ولا أضربنى (3)، ولا ضربتك، بفتح التاء، ولا زيد ضربه، على إعادة الضمير إلى زيد، ولكن تقول:
ضربت نفسى، وضربت نفسك، وزيد ضرب نفسه، وإنما تجنّبوا تعدّى الفعل إلى ضمير فاعله، كراهة أن يكون الفاعل مفعولا فى اللفظ، فاستعملوا فى موضع الضمير النّفس، نزّلوها منزلة الأجنبىّ، واستجازوا ذلك فى أفعال العلم والظّنّ الداخلة على جملة الابتداء، فقالوا: حسبتنى فى الدار، وظننتنى منطلقا، وظننتك قادما، وزيد خاله عالما، وعمرو يراه محسنا، بمعنى يعلمه، كما جاء فى التنزيل:
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ} (4) ولم يأت ذلك فى غير هذا الباب، إلا فى فعلين قالوا: عدمتنى وفقدتنى، وأنشدوا لجران العود (5):
__________
(1) فى الموضع الثانى المذكور فى التعليق السابق.
(2) بضم أوله وتشديد ثانيه: موضع فى بلاد بنى الحارث بن كعب، وقيل: ماءة من تبالة، بلدة صغيرة من اليمن. معجم ما استعجم ص 1062، والموضع المذكور من الخزانة.
(3) الكتاب 2/ 366، وشرح الحماسة ص 1090.
(4) سورة العلق 6، 7.
(5) ديوانه ص 4، ومعجم الشواهد ص 82.(1/277)
الفهارس الفنّيّة
1 - فهرس الآيات القرآنية
2 - فهرس الأحاديث النبويّة، القوليّة والفعليّة
3 - فهرس الأمثال وأقوال العرب
4 - فهرس الأشعار
5 - فهرس الأساليب والنماذج النحويّة واللغويّة
6 - فهرس الأمثلة والأبنية والأوزان والصّيغ
7 - فهرس اللغة التى شرحها ابن الشجرىّ
8 - فهرس مسائل النحو والصرف، ويشمل الحروف والأدوات والمصطلحات
9 - فهرس مسائل العلوم والفنون (القراءات الفقه علم الكلام والفلسفة ضرائر الشعر العروض والقوافى الأدب البلاغة الأخبار المعارف العامة)
10 - فهرس الأعلام ونحوها
11 - فهرس البلدان والمواضع ونحوها
12 - فهرس الأيام والوقائع
13 - فهرس الكتب التى ذكرها ابن الشجرى
14 - فهرس الفوائد والتنبيهات من التعليقات
15 - فهرس أبواب الدراسة
16 - فهرس مراجع الدراسة والتحقيق
* * *
1 - فهرس الآيات القرآنية(3/277)
لقد كان لى عن ضرّتين عدمتنى ... وعمّا ألاقى منهما متزحزح
/ ولمّا لم يمكن هذا الشاعر أن يقول: نقتل أنفسنا، ولا نقتلنا، وضع «إيانا موضع «نا» وحسّن ذلك قليلا أنّ استعمال المتّصل هاهنا قبيح أيضا، وأنّ الضمير المنفصل أشبه بالظاهر من المتّصل، فإيّانا أشبه بأنفسنا من «نا» ولكن أقبح من هذا قول الراجز (1):
إليك حتى بلغت إيّاكا
لأنّ اتصال الكاف ببلغت حسن، فكذلك وضع «إيّاهم» فى موضع «هم» من قوله (2):
بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير
قبيح، ومثله فى ضمير الرفع قول طرفة (3):
أصرمت حبل الوصل أم صرموا ... يا صاح بل قطع الوصال هم
__________
(1) حميد الأرقط. الكتاب 2/ 362، والجمل المنسوب للخليل ص 92، والخصائص 1/ 307، 2/ 194، والإنصاف ص 699، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 174، وضرائر الشعر ص 261، وشرح الجمل 2/ 19، والخزانة 2/ 406، وغير ذلك.
(2) الفرزدق. ديوانه ص 264، والإنصاف ص 698، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 138، وضرائر الشعر الموضع السابق وشرح ابن عقيل 1/ 89، 95، والتصريح 1/ 104، وشرح الأشمونى 1/ 116، والخزانة 2/ 409.
ونسبه ابن جنى فى الخصائص 1/ 307، 2/ 159، لأمية بن أبى الصلت. وقد أثبته محقق ديوان أمية ص 551، فى القسم الذى لا تصحّ نسبته إلى أميّة.
(3) ديوانه ص 193، وضرائر الشعر ص 260، والهمع 1/ 60، والخزانة 2/ 410، حكاية عن ابن الشجرى. والتقدير: بل صرموا الحبال. والنحاة يستشهدون لهذا أيضا بقول زياد بن حمل:
لم ألق بعدهم حيّا فأخبرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إلىّ هم
فقد وضع الضمير المنفصل موضع المتصل لأنه كان الوجه أن يقول: إلّا يزيدونهم حبّا إلىّ. راجع سر صناعة الإعراب ص 271، وضرائر الشعر الموضع السابق وشرح أبيات المغنى 3/ 275. وانظر أيضا شرح الحماسة ص 1392.(1/278)
* * *
1 - فهرس الآيات القرآنية
فاتحة الكتاب
الآية: رقمها: رقم الجزء والصفحة
{الْحَمْدُ} [1] لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ: 1: 1/ 2177/ 368
{مََالِكِ} [2] يَوْمِ الدِّينِ: 4: 2/ 576
{إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ}: 5: 1/ 177
سورة البقرة
{ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ}: 2: 1/ 415
{بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ} [3] هُمْ يُوقِنُونَ: 4: 2/ 213، 546
{أُولََئِكَ عَلى ََ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ}: 5: 3/ 164
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}: 6: 1/ 360، 406 3/ 107
{وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ بِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} (4): 10: 2/ 559، 604
{أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}: 12: 2/ 544
{أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهََاءُ}: 13: 2/ 297
{وَإِذََا خَلَوْا إِلى ََ شَيََاطِينِهِمْ}: 14: 2/ 608
__________
(1) وقرأ بكسر الدال الحسن البصرىّ وزيد بن على، وقرأ بضم اللام من لفظ الجلالة إبراهيم بن أبى عبلة.
(2) قراءة غير عاصم والكسائىّ من السبعة.
(3) قراءة ورش، بحذف الألف وإلقاء حركتها على الساكن قبلها، وهو ما يعرف عند القرّاء بالنقل
(4) بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال: قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر.(3/278)
وأما معنى قوله: «كأنّا نقتل إيّانا» فإنه شبّه المقتولين بنفسه وقومه، فى الحسن والسّيادة، فلذلك وصفهم بقوله:
قتلنا منهم كلّ ... فتى أبيض حسّانا
وبقوله:
يرى يرفل فى بردي ... ن من أبراد نجرانا
أى هم سادة يلبسون أبراد اليمن، فكأننا بقتلنا إيّاهم قتلنا أنفسنا، ونصب «حسّانا (1)» على الوصف لكلّ، ولو كان فى نثر لجاز «حسّانين» وصفا لكلّ، على معناها، لأنّ لفظها لفظ واحد ومعناها معنى جمع، فلذلك عاد إليها ضمير واحد فى قوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللََّهِ} (2) وضمير جمع فى قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ} (3) وأفرد خبرها فى قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} (4) وجمع فى قوله جلّ وعز: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ} ومثل ذلك فى إجراء الوصف على المضاف تارة والمضاف إليه أخرى، قولك: أخذت خمسة أثواب طوالا، على النّعت للعدد، وطوال، على النعت للمعدود، وجاء الوصف للمعدود فى قوله جلّ ثناؤه: / {إِنِّي أَرى ََ سَبْعَ بَقَرََاتٍ سِمََانٍ} (5) وفى قوله: {وَسَبْعَ سُنْبُلََاتٍ خُضْرٍ} (5) وجاء وصف العدد فى قوله سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ طِبََاقاً} (6) قيل: «طباقا (7)» جمع طبقة، كرقبة ورقاب، وقيل: جمع طبق، كجبل
__________
(1) بضم الحاء وتشديد السّين، وهو وصف بمعنى الكثير الحسن، كالطّوال، بمعنى المفرط فى الطول.
ذكره البغدادى فى الخزانة 2/ 407، ونصّ على أن ابن الشجرى تبع سيبويه فى نصب «حسّان» على الوصف لكلّ. ورأى سيبويه هذا فى الكتاب 2/ 111. وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 360.
(2) سورة البقرة 285، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 350، وأيضا كتاب الشعر ص 128، 277.
(3) سورة النمل 87.
(4) سورة مريم 95.
(5) سورة يوسف 43.
(6) الآية الثالثة من سورة الملك.
(7) فى هـ: طباق.(1/279)
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ}: 17: 3/ 57
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}: 18، 171: 1/ 97
{وَاللََّهُ مُحِيطٌ بِالْكََافِرِينَ}: 19: 3/ 165
{كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}: 20: 2/ 555 3/ 166
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: 21: 1/ 76، 410 2/ 411
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرََاشاً وَالسَّمََاءَ بِنََاءً}: 22: 2/ 502
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}: 23: 1/ 267، 413
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}: 24: 1/ 413
{كُلَّمََا رُزِقُوا}: 25: 3/ 166
{إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا بَعُوضَةً} (1): 26: 1/ 112 2/ 550، 554، 561، 569
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوََاتاً فَأَحْيََاكُمْ}: 28: 1/ 404 2/ 3146/ 13
{ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ فَسَوََّاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ}: 29: 2/ 348/ 94
{وَإِذْ قََالَ رَبُّكَ لِلْمَلََائِكَةِ إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}: 30: 1/ 268
{إِلََّا إِبْلِيسَ}: 34: 3/ 167
__________
(1) بالرفع قراءة رؤبة بن العجّاج.(3/279)
وجبال، لأنّ السماء كالطّبق لما تحتها، قال امرؤ القيس (1):
ديمة هطلاء فيها وطف ... طبق الأرض تحرّى وتدرّ
الدّيمة: مطر يدوم أياما، وهى هاهنا سحابة يدوم مطرها، وصارت الواو فيها إلى الياء، لسكونها وانكسار ما قبلها، فإذا حقّرتها أعدت الواو فقلت: دويمة، وكذلك الفعل منها، تقول: دوّمت السّحابة.
وهطلاء: ذات هطلان، وهو تتابع القطر.
وفيها وطف: أى استرخاء، وهى (2) أن يكون لها شبه الهدب من ربابها، والرّباب:
سحاب رقيق دون السّحاب الكثيف.
وتحرّى: من قولهم: تحرّى فلان بالمكان: تمكّث فيه (3).
وتدرّ: ترسل درّتها، أى ترسل ما فيها من الماء، كما ترسل الناقة لبنها.
وقد قيل فى قوله تعالى: {سَبْعَ سَمََاوََاتٍ طِبََاقاً}: إن «طباقا» نصب على المصدر، أى طوبقت طباقا، والتفسير الأول أحبّ إلىّ.
ويقال: حسن وحسنة، فإذا بالغوا فى الحسن قالوا: حسان وحسانة مخفّفان، فإذا أرادوا النهاية فيه قالوا: حسّان وحسّانة، مثقّلان، قال (4):
دار الفتاة التى كنّا نقول لها ... يا ظبية عطلا حسّانة الجيد
وإذا طال الثوب على لابسه وجرّه فى مشيه وركله، قيل: جاء يرفل فى ثيابه، يفعلون ذلك تكبّرا، قال شاعر الكوفة (5):
__________
(1) ديوانه ص 144، 422.
(2) فى هـ: وهو.
(3) فى هـ: به.
(4) الشماخ. ديوانه ص 112، وتخريجه فى ص 125.
(5) أبو الطيب المتنبى، يمدح عمر بن سليمان الشرابى. ديوانه 4/ 85.(1/280)
{فَمَنْ تَبِعَ هُدََايَ} (1): 38: 1/ 429
{وَإِيََّايَ فَارْهَبُونِ}: 40: 2/ 291
{وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}: 48، 123: 1/ 6، 117 2/ 71، 100 3/ 167
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنََا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمََاءِ}: 59: 1/ 370
{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ}: 60: 1/ 231 2/ 123 3/ 100
{مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ}: 62: 2/ 341/ 64
{خُذُوا مََا آتَيْنََاكُمْ بِقُوَّةٍ}: 63: 2/ 434
{فَقُلْنََا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ}: 65: 1/ 413
{وَإِذْ قََالَ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}: 67: 1/ 117 الآية:: 2/ 145
{إِنَّهََا بَقَرَةٌ لََا فََارِضٌ وَلََا بِكْرٌ عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ}: 68: 1/ 135 2/ 435، 539
{قََالُوا الْآنَ}: 71: 2/ 153
{فَقُلْنََا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهََا كَذََلِكَ يُحْيِ اللََّهُ الْمَوْتى ََ}: 73: 1/ 231 2/ 124
__________
(1) قراءة شاذة.(3/280)
{فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}: 74: 3/ 78
{أَفَكُلَّمََا جََاءَكُمْ رَسُولٌ}: 87: 1/ 400
{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمََا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيََاءَ اللََّهِ مِنْ قَبْلُ}: 91: 1/ 267/ 34، 453، 546، 3/ 22
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}: 93: 1/ 78، 283 2/ 558
{أَوَكُلَّمََا عََاهَدُوا عَهْداً}: 100: 1/ 400، 401
{وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ}: 102: 2/ 609
{وَمََا يُعَلِّمََانِ مِنْ أَحَدٍ}: 102: 2/ 379
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرََاهُ مََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ}: 102: 3/ 191
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِكُمْ كُفََّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}: 109: 3/ 167، 168
{كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ}: 113: 3/ 169
{كَذََلِكَ قََالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: 118: 3/ 169
{وَعَهِدْنََا إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ وَإِسْمََاعِيلَ أَنْ طَهِّرََا بَيْتِيَ}: 125: 3/ 159
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرََاهِيمُ الْقَوََاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمََاعِيلُ رَبَّنََا} [1]
تَقَبَّلْ مِنََّا: 127: 1/ 186 2/ 10، 408
{إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ لَكُمُ الدِّينَ}: 132: 1/ 101
«نعبد إلهك وإله أبيك (2) إبراهيم وإسماعيل وإسحاق»: 133: 2/ 237
__________
(1) وقرأ ابن مسعود: يقولان ربّنا.
(2) قراءة ابن عباس وغيره.(3/281)
ولا يرمح الأذيال من جبريّة ... ولا يخدم الدنيا وإياه تخدم (1)
وأراد بأبراد نجران أبراد اليمن، لأنّ نجران من ناحية اليمن، وبين البصرة والكوفة مكان فى البرّيّة يسمّى نجران.
* * * __________
(1) الرّمح: الضرب بالرجل أو الرجلين، وأصله من فعل كلّ ذى ظفر. والجبريّة بكسر الجيم وسكون الباء وكسر الراء: التكبّر.(1/281)
{وَقََالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ}: 135: 1/ 25، 26 3/ 79،
{إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً}:: 98، 99، 194
{لََا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}: 136: 2/ 435
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللََّهُ}: 137: 1/ 310
{وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُضِيعَ إِيمََانَكُمْ}: 143: 2/ 149
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهََا}: 148: 2/ 155
{وَاشْكُرُوا لِي وَلََا تَكْفُرُونِ}: 152: 2/ 126، 129
«إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة (1) والناس أجمعون»: 161: 2/ 222
{وَالسَّحََابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ}: 164: 1/ 2123/ 47 3/ 29، 93
{إِنَّمََا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}: 173: 2/ 561
{وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ}: 177: 2/ 67
{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذََا عََاهَدُوا وَالصََّابِرِينَ فِي الْبَأْسََاءِ}: 177: 2/ 102
{فَمَنْ خََافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً}: 182: 2/ 583
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ}: 183: 1/ 394
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ}: 184، 185: 2/ 349
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}: 184: 3/ 152
__________
(1) بالرفع قراءة شاذّة للحسن.(3/282)
/ المجلس السابع
قال كبت الله عدوّه: قال لقيط بن يعمر الإيادىّ (1):
يادار عمرة من محتلّها الجرعا ... هاجت لى الهمّ والأحزان والوجعا
الجرع والجرعاء: رملة لا تنبت.
ويقال: ما معنى «محتلّ» هاهنا، وعلام انتصب «الجرع» وبماذا تتعلق «من» وما معناها، أهى لابتداء الغاية أم للتبعيض أم للتبيين؟
الجواب: محتلّ هاهنا: مصدر بمعنى الاحتلال، لأن العرب إذا بنوا المفعل بمعنى المصدر، ممّا جاوز الثلاثة جاءوا به على صيغة اسم المفعول، فقالوا: أكرمته مكرما، ودحرجته مدحرجا، وقطّعته مقطّعا، واستخرجت المال مستخرجا، قال جرير (2):
ألم تعلم مسرّحى القوافى ... فلا عيّا بهنّ ولا اجتلابا
أراد تسريحى، وفى التنزيل: {وَمَزَّقْنََاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} (3) أى كلّ تمزيق، وفيه:
__________
(1) ديوانه ص 30، وتخريجه فى ص 59.
(2) ديوانه ص 651، وتخريجه فى ص 1095. ورواية الديوان: «ألم تخبر بمسرجى» ورواية «مسرّحى» بضم الميم وفتح السين وتشديد الراء، هى رواية النحويّين. انظر الكتاب 1/ 233، 336، والمقتضب 1/ 75، والخصائص 1/ 367، 3/ 294، والجمل المنسوب للخليل ص 116، والكشاف 3/ 280، والبحر المحيط 7/ 260.
(3) سورة سبأ 19.(1/282)
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كََانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ}: 185: 1/ 392، 410 2/ 480
{دَعْوَةَ الدََّاعِ}: 186: 1/ 149 2/ 292
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ}: 187: 1/ 223، 283
{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}: 187: 1/ 411
{وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}: 195: 1/ 131
{وَلََا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتََّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيََامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذََا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ}.: 196: 1/ 2392/ 123
3/ 27، 70
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ وَمََا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللََّهُ}: 197: 1/ 78، 415 2/ 67، 545
{فَإِذََا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفََاتٍ فَاذْكُرُوا اللََّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرََامِ}: 198: 1/ 411
{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}: 208: 2/ 138، 256، 3491/ 15
{وَزُلْزِلُوا حَتََّى يَقُولَ} [1] الرَّسُولُ: 214: 2/ 149
__________
(1) بالرفع قراءة نافع.(3/283)
{أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبََارَكاً} (1) أى إنزالا.
والمصدر مضاف إلى فاعله، لأن الهاء عائدة على «عمرة» لا على الدار.
وانتصاب «الجرع» على الظّرف، وكان حقّه إيصال الفعل إليه بفى، ولكنه حذف «فى» كما حذفها القائل (2):
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه ... فيه كما عسل الطّريق الثّعلب
أراد: فى الطريق، فحذف «فى» ضرورة.
و «من» هاهنا خارجة عن معانيها الثلاثة الابتداء والتبعيض والتبيين، ومعناها معنى لام العلّة، كقولك: جئت من أجلك ولأجلك، وأكرمته من خوفه ولخوفه، وهى متعلّقة بهاجت، فجملة النداء منقطعة ممّا بعدها، كأنه نادى الدار تلهّفا ثم ترك خطابها، وقال: من احتلال عمرة فى الجرع هاجت لى الهمّ.
سلمىّ بن ربيعة، أخو بنى السيّد
زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى (3)
الزّعم والزّعم (4): القول عن غير صحة، قال الله جلّ ثناؤه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} (5).
__________
(1) سورة المؤمنون 29.
(2) ساعدة بن جوية الهذلىّ. والبيت فى شرح أشعار الهذليين ص 1120. وتخريجه فى ص 1493، وكتاب الشعر ص 338، 446، وحواشيه، والجمل المنسوب للخليل ص 42، وأعاد ابن الشجرىّ إنشاده فى المجلس التاسع والستين.
(3) البيت فى شرح الحماسة ص 547، ورسالة الملائكة ص 146، والهمع 2/ 63، والخزانة 3/ 400. وأعاده المصنف فى المجلس الثالث والخمسين. وقد تكلمت على القصيدة التى منها هذا البيت، فى المجلس الرابع.
(4) وبكسر الزاى أيضا، فهو مثلّث.
(5) الآية السابعة من سورة التغابن.(1/283)
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتََالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى ََ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى ََ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}: 216: 1/ 271 3/ 153
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ}: 217: 2/ 94
{وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (1): 219: 2/ 444
{وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}: 220: 2/ 213
{وَلََا تَجْعَلُوا اللََّهَ عُرْضَةً لِأَيْمََانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا}: 224: 3/ 170
{وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ}: 228: 1/ 392، 412
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}: 228: 3/ 32
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجََالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: 228: 1/ 394
{إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ}: 230: 1/ 385
{وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ}: 233: 1/ 393
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}: 234: 1/ 392
{وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا}: 235: 2/ 173
{وَلََا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكََاحِ}: 235: 1/ 2286/ 23
{إِلََّا أَنْ يَعْفُونَ}: 237: 2/ 153
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ََ وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}: 237: 1/ 414 2/ 377 3/ 152
{حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ}: 238: 3/ 170
__________
(1) قرىء بالنصب والرفع.(3/284)
و «تماضر» من أسماء النساء، كزينب وسعاد، والتاء فيه على رأى بعض البصريين (1) فاء، فهو عندهم فعالل، لأن التاء متى وقعت فى مواقع الحروف الأصول فهى أصل، حتى يقوم دليل على زيادتها، كتاء ترجمان (2) وتبراك، وهو اسم مكان (3)، وتبرّك فلان بالمكان: أقام فيه، فترجمان فعللان كجلجلان، وهو السّمسم، وتبراك: فعلال كقرطاس، وتبرك: فعلل، مثل دحرج، وكذلك تاء كبريت وحلتيت أصل، لوقوعها موقع الزاى من دهليز، وكذلك التاء الواقعة حشوا كتاء عتريف، وهو الرجل الخبيث، وعترفان، وهو الدّيك، وبحتر، وهو القصير.
فتاء تماضر عند هؤلاء أصل، لوقوعها موقع العين من عذافر، والدال من دوادم، وقالوا للبعير الصّلب: عذافر، ولما يخرج من السّمر، وهو ضرب من الشجر شبه الدّم: دوادم، وبعض التصريفيين (4) يشتقّ تماضر من اللّبن المضير والماضر: وهو الحامض، فهو على هذا القول تفاعل، ولا أرى بهذا القول بأسا، ويقوّى ذلك أن النساء يوصفن بالبياض.
والزّعم يقتضى مفعولين، كما يقتضيهما الحسبان ونحوه.
ومذهب سيبويه أن «أنّ» تسدّ فى هذا الباب مسدّ المفعولين، لأنها تتضمّن جملة أصلها مبتدأ وخبر، كما أن المفعولين فى هذا الباب أصلهما الابتداء وخبره، ومذهب أبى الحسن الأخفش أن «أنّ» بصلتها سدّت مسدّ مفعول واحد، والمفعول الآخر مقدّر، تقديره: كائنا أو واقعا، والذى ذهب إليه سيبويه أولى، لأن المفعول المقدّر عند الأخفش لم يظهر فى شىء من كلام العرب.
و «أبينون» عند سيبويه (5) تصغير اسم / للجمع غير مسموع، وتقديره: ابنا،
__________
(1) وإلى هذا ذهب ابن جنى. راجع الخصائص 3/ 197، والخزانة 8/ 38، وانظر الممتع ص 96.
(2) بضم التاء وفتحها.
(3) اختلفوا فى تحديده. راجع معجم البلدان 1/ 820.
(4) راجع الجمهرة 2/ 367، والاشتقاق ص 30، والمراجع المذكورة.
(5) الكتاب 3/ 456، 486، وكتاب الشعر ص 138، وسيعيد ابن الشجرى هذا البحث فى المجلس الثالث والخمسين.(1/284)
مقصور، مثل أعمى، فهو اسم سمّوا به الجمع ولم ينطقوا به، ولكن لما سمع تصغيره دلّ على أن المكبّر أفعل، وليس «أبينون» جمعا لتصغير ابن، لو كان كذلك لقيل: بنيّون، وليس أيضا بجمع لتصغير أبناء، لأن ذلك يقتضى أن يقال:
أبيناءون، ولو أرادوا هذا لاستغنوا بقولهم: أبيناء عن جمعه بالواو والنون، ولمّا بطل هذان علمت أنه جمع لتحقير اسم وضع دالّا على الجمع، غير داخل فى أبنية التكسير، والمكبّر: ابنا، وتصغيره: أبين يافتى، مثل أعيم، ووزن أبينون: أفيعون حذفت لامه كما حذفت اللام فى قولك: قاضون.
والخلّة فى الكلام على معان: أحدها الحاجة، والثانى الخصلة، والثالث الاختلال، وهو المراد فى هذا البيت، وأصل الخلل: الفرجة بين الشيئين، أى زعمت تماضر أن أبناءها الأصاغر يسدّون بعدى ما اختلّ من الأمور.
* * *
المجلس السابع باب يشتمل على تفسير آى من كتاب الله تعالى وتعريبها(1/285)
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجََالًا أَوْ رُكْبََاناً}: 239: 3/ 170
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}: 243: 1/ 403 2/ 131
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً}: 245: 1/ 409
{قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ}: 246: 2/ 131
{إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً}: 248: 2/ 439
{إِلََّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً} [1] بِيَدِهِ: 249: 3/ 37
{وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ}: 251: 2/ 89، 111
{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجََاتٍ}: 253: 1/ 286
{لََا بَيْعٌ} [2] فِيهِ وَلََا خُلَّةٌ وَلََا شَفََاعَةٌ: 254: 2/ 66
{لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ}: 256: 1/ 415
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتََاهُ اللََّهُ الْمُلْكَ}: 258: 1/ 403 3/ 162
{أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا}: 259: 1/ 401
{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}: 260: 1/ 106 2/ 434
{لََا تُبْطِلُوا صَدَقََاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ََ كَالَّذِي يُنْفِقُ مََالَهُ}: 264: 3/ 171
{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}: 265: 3/ 180
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقََاتِ} [3] فَنِعِمََّا هِيَ: 271: 2/ 419، 554
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ سِرًّا وَعَلََانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ}: 274: 2/ 3551/ 89
__________
(1) بفتح الغين، على المرّة: قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو.
(2) بالنصب، وبغير تنوين: قراءة ابن كثير وأبى عمرو.
(3) قرىء بفتح النون وكسرها مع كسر العين.(3/285)
* * *
المجلس السابع باب يشتمل على تفسير آى من كتاب الله تعالى وتعريبها
إعراب قوله عزّ وجلّ: {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (1) انفرد نافع بنصب الميم من «يوم»، وأجمع الباقون من السّبعة على رفعها (2)، فمن رفعها فالإشارة بهذا إلى اليوم، وهو يوم القيامة، أى هذا اليوم يوم ينفع الصادقين صدقهم، فهذا مبتدأ، ويوم ينفع الصادقين صدقهم خبره، وموضع الجملة نصب بوقوع القول عليها، وموضع الجملة التى هى «ينفع الصادقين صدقهم» جر بإضافة «يوم» إليها.
ومن نصب الميم فموضع «هذا» فى قراءته نصب، مفعول لقال، وانتصاب «يوم» على الظرف للقول، والإشارة بهذا إلى القصص الذى تقدم ذكره فى قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي / وَأُمِّي إِلََهَيْنِ مِنْ دُونِ اللََّهِ} (3) إلى قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبََادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فالمعنى: قال الله هذا الكلام فى يوم ينفع الصادقين صدقهم،
__________
(1) سورة المائدة 119.
(2) راجع السبعة ص 250، ومعانى القرآن 1/ 326، وتفسير الطبرى 11/ 241، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 533، والكشف عن وجوه القراءات 1/ 423، ومشكل إعراب القرآن 1/ 255، والمغنى ص 572.
(3) سورة المائدة 118116.(1/286)
{وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: 278: 3/ 151
{وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ}: 280: 1/ 394
{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ}: 281: 1/ 6، 117 2/ 372/ 167
{وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ}: 282: 1/ 412
{وَاتَّقُوا اللََّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللََّهُ وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: 282: 1/ 370
{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمََانَتَهُ}: 283: 1/ 412
{وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ}: 284: 1/ 30
{كُلٌّ آمَنَ بِاللََّهِ}: 285: 1/ 59، 233
سورة آل عمران
{وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ}: 7: 2/ 349
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوََالُهُمْ وَلََا أَوْلََادُهُمْ مِنَ اللََّهِ شَيْئاً}: 10: 3/ 172
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ}: 11: 3/ 171
{مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا}: 14: 2/ 69
{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ}: 20: 1/ 327، 403
{فَكَيْفَ إِذََا جَمَعْنََاهُمْ لِيَوْمٍ لََا رَيْبَ فِيهِ}: 25: 1/ 409
{لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}: 28: 1/ 4، 414 2/ 375، 533
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مََا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً}: 30: 3/ 173
{يََا مَرْيَمُ أَنََّى لَكِ هََذََا}: 37: 1/ 401
{هُنََالِكَ دَعََا زَكَرِيََّا رَبَّهُ}: 38: 2/ 574، 599 3/ 154(3/286)
{آيَتُكَ أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ ثَلََاثَةَ أَيََّامٍ إِلََّا رَمْزاً}: 41: 3/ 174
{إِذْ قََالَتِ الْمَلََائِكَةُ}: 45: 2/ 417
{قََالَتْ رَبِّ أَنََّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ}: 47: 2/ 103
{تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمْ أَلََّا نَعْبُدَ إِلَّا اللََّهَ}: 64: 3/ 175
{إِنَّ أَوْلَى النََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهََذَا النَّبِيُّ} (1): 68: 2/ 431
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتََابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتََابِ وَمََا هُوَ مِنَ الْكِتََابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ وَمََا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ}: 78: 3/ 270
{لََا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}: 84: 2/ 435
{لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبََارَكاً}: 96: 1/ 356 2/ 615
{وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}: 97: 1/ 393
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ}: 106: 1/ 286/ 10، 119، 122، 3408/ 132
{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتََابِ لَكََانَ خَيْراً لَهُمْ}: 110: 1/ 82، 252 2/ 213 (2)، 385
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلََّا أَذىً}: 111: 3/ 176
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مََا ثُقِفُوا إِلََّا بِحَبْلٍ مِنَ اللََّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النََّاسِ}: 112: 2/ 435
__________
(1) وقرىء مع الرفع بالنصب والجرّ.
(2) وفى هذا الموضع ذكر لقراءة ورش «ولو امن» بحذف الألف وإلقاء حركتها على الساكن قبلها. وهو ما يعرف عند القرّاء بالنقل.(3/287)
وحقيقته: يقول الله، وكذلك معنى إذ قال الله: إذا يقول الله، وإنما حسن إيقاع الماضى فى موضع الآتى، لأنّ أمر القيامة لظهور براهينه، وصدق المخبر به بمنزلة ما وقع وشوهد (1)، وقال أبو النّجم (2):
ثمّ جزاه الله عنّا إذ جزى ... جنّات عدن فى العلالىّ العلى
فوضع «إذ جزى» فى موضع إذا يجزى (3)، ومثله: {وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ أَصْحََابَ النََّارِ} (4) وقد جاء فى القرآن عكس هذا، فمن ذلك قوله تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيََاءَ اللََّهِ مِنْ قَبْلُ} (5) وقوله: {مََا يَعْبُدُونَ إِلََّا كَمََا يَعْبُدُ آبََاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} (6)
وضع «يعبد» فى موضع «عبد» و «تقتلون» فى موضع «قتلتم» وقال الطّرمّاح (7):
وإنّى لآتيكم تشكّر ما مضى ... من الودّ واستيجاب ما كان فى غد
وضع «كان» فى موضع «يكون» ونقيضه قول زياد الأعجم:
وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخا دم وذبائح (8)
__________
(1) أحال الشيخ عضيمة رحمه الله، على مراجع كثيرة فى هذا المبحث، فى كتابه دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 46.
(2) ديوانه ص 210، وتخريجه فى ص 256، وتفسير الطبرى 11/ 235، 317.
(3) فى هـ: جزى.
(4) سورة الأعراف 44.
(5) سورة البقرة 91.
(6) سورة هود 109.
(7) ذيل ديوانه ص 572، وتخريجه فيه، وسيعيده ابن الشجرى فى المجلسين: الثامن والثلاثين، والثانى والستين، والبيت من غير نسبة فى شرح الجمل، المنسوب للخليل ص 119، وسر صناعة الإعراب ص 398، وتفسير القرطبى 1/ 86، وهو فى نضرة الإغريض ص 283، نقلا عن ابن الشجرى، وإن لم يصرح صاحبه.
وقوله «من الود» كتبت فى أصل الأمالى «من الأمس» ثم وضع فوقها «الود»، وفوقها «صح».
وانظر حواشى الديوان، ففى ألفاظ البيت روايات متعددة.
(8) أعاده ابن الشجرى فى المجلسين المذكورين فى التعليق السابق. والبيت من قصيدة زياد الشهيرة التى رئى بها المغيرة بن المهلب. انظرها فى الأغانى 15/ 381، وأمالى المرتضى 2/ 199، 301، وذيل أمالى القالى ص 8، والشعر والشعراء ص 431. وقد افتتح اليزيدىّ أماليه بهذه القصيدة.(1/287)
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}: 120: 1/ 125
{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللََّهُ}: 135: 3/ 63
{وَلََا تَهِنُوا وَلََا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: 139: 3/ 151
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قََاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (1): 146: 1/ 160
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خََاسِرِينَ}: 149: 1/ 416
{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}: 152: 1/ 261
{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعََاساً يَغْشى ََ طََائِفَةً مِنْكُمْ وَطََائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}: 154: 3/ 11
{فَبِمََا رَحْمَةٍ مِنَ اللََّهِ}: 159: 2/ 142، 524، 568، 603
{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمََا غَلَّ يَوْمَ الْقِيََامَةِ}: 161: 1/ 416
{قََالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتََالًا لَاتَّبَعْنََاكُمْ}: 167: 3/ 7
{الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزََادَهُمْ إِيمََاناً}: 173: 2/ 37
{إِنَّمََا ذََلِكُمُ الشَّيْطََانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيََاءَهُ فَلََا تَخََافُوهُمْ وَخََافُونِ}: 175: 1/ 70، 287 2/ 23
{وَلََا يَحْسَبَنَّ} [2] الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ: 180: 2/ 36، 385، 507
{سَتُكْتَبُ شَهََادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ}: 181: 1/ 399
__________
(1) لم يتل ابن الشجرى هذه الآية الكريمة، لكنّ كلامه مصروف إليها.
(2) قرىء بالياء والتاء.(3/288)
ووجه استجازتهم هذا الإبدال مع تضادّ الأفعال أنّ الأفعال جنس واحد (1)، وإنما خولف بين صيغها، لتدلّ كلّ صيغة على زمان غير الذى تدلّ عليه الأخرى، وإذا تضمّن الكلام معنى يزيح الإلباس، جاز وضع بعضها فى موضع بعض توسّعا.
وأجاز الفراء (2) أن يكون النصب فى {يَوْمُ يَنْفَعُ} بناء، وموضع «يوم» رفع، فيكون المعنى فى قراءة نافع كالمعنى فى الأخرى، ولم يجز ذلك أحد من البصريين، لأن المضارع معرب، وإنما يجيزون البناء فى المضاف إذا كان فيه إبهام، كمثل وغير وحين، وأضيف إلى مبنىّ، كإضافة حين إلى «عاتبت» فى قوله (3):
/ على حين عاتبت المشيب على الصّبا
وإضافة «يوم» إلى «إذ» فى نحو {مِنْ عَذََابِ يَوْمِئِذٍ} (4) و {مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} (5) وإضافة «مثل» إلى «أنّ» فى قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (6) وإضافة «غير» إلى «أن» فى قول القائل (7):
__________
(1) هذا كلام أبى بكر بن السرّاج، وسيأتى التصريح به فى المجلسين المذكورين، ويأتى شىء منه فى المجلس العاشر.
(2) معانى القرآن الموضع السابق وتفسير القرطبى 6/ 380.
(3) النابغة الذبيانى. وعجز البيت:
فقلت ألمّا تصح والشيب وازع
ديوانه ص 44، وهو بيت سيّار، تراه فى غير كتاب. انظر الكتاب 2/ 330، والأصول 1/ 276، والبغداديات ص 337، والتبصرة ص 294وحواشيها والبسيط ص 161وفهارسه وشرح الجمل 1/ 106، 2/ 328. وأعاده ابن الشجرى فى المجلسين: التاسع والخمسين، والمتمّ السبعين.
(4) سورة المعارج 11، وعلى إضافة «يوم» إلى «إذ» تفتح الميم فى الآيتين، وهى قراءة نافع والكسائىّ. السبعة ص 336، والكشف 2/ 532، وسيعيد ابن الشجرى الكلام على الآيتين فى المجلس المتمّ السبعين.
(5) سورة هود 66.
(6) سورة الذاريات 23. وكلام ابن الشجرى متجه على أنّ «ما» زائدة، ولذلك قال «إضافة مثل إلى أنّ» فلم يعتبر «ما». وانظر الكشف 2/ 287.
(7) هو أبو قيس بن الأسلت. ديوانه ص 85، والكتاب 2/ 329، والأصول 1/ 276، 298، والتبيين ص 418، وشرح الجمل 2/ 328، والموضع السابق من الكشف، ومعجم الشواهد ص 314، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس المتمّ السبعين.(1/288)
{وَمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا إِلََّا مَتََاعُ الْغُرُورِ}: 185: 2/ 69
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوََالِكُمْ}: 186: 2/ 492
{رَبَّنََا إِنَّنََا سَمِعْنََا مُنََادِياً يُنََادِي لِلْإِيمََانِ}: 193: 2/ 616
{لََا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلََادِ. مَتََاعٌ قَلِيلٌ}: 196، 197: 2/ 60
سورة النساء
{رِجََالًا كَثِيراً وَنِسََاءً}: 1: 2/ 212
{فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ}: 3: 1/ 412
{وَلََا تَأْكُلُوهََا إِسْرََافاً وَبِدََاراً أَنْ يَكْبَرُوا}: 6: 3/ 162، 163
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً}: 10: 1/ 415
{فَلَهَا النِّصْفُ}: 11: 1/ 234
{وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ}: 15: 3/ 59
{وَالَّذََانِ} [1] يَأْتِيََانِهََا: 16: 3/ 56
{لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً}: 19: 1/ 271
{وَقَدْ أَفْضى ََ بَعْضُكُمْ إِلى ََ بَعْضٍ}: 21: 1/ 223، 283
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ}: 23: 1/ 415
{يُرِيدُ اللََّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}: 28: 3/ 152
{فَالصََّالِحََاتُ قََانِتََاتٌ حََافِظََاتٌ لِلْغَيْبِ بِمََا حَفِظَ اللََّهُ} (2): 34: 2/ 521
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضََاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}: 34: 1/ 411
{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوََّى بِهِمُ الْأَرْضُ}: 42: 3/ 195
__________
(1) قرىء بتخفيف النون وبتشديدها.
(2) بالنصب: قراءة أبى جعفر يزيد بن القعقاع المدنىّ.(3/289)
لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت ... حمامة فى غصون ذات أوقال
وإضافة «بين» إلى الضمير فى قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (1) والإعراب فى هذه الأحرف ونظائرها حسن، وإنما سرى البناء من المضاف إليه إلى المضاف كما سرى إليه منه الاستفهام فى نحو: غلام أيّهم تضرب؟، والجزاء فى نحو: صاحب من تكرم أكرم.
ووجه إجازة الفرّاء الفتح فى «يوم ينفع» حمله الفعل على الفعل، والقياس يمنع من جوازه، وقد قرىء فيما شذّ من القراءات السبع: {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} بنصب «صدقهم (2)» مع نصب «يوم» وإسناد «ينفع» إلى ضمير راجع إلى الله سبحانه وتعالى، ويحتمل نصب «صدقهم» ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون مفعولا له، أى ينفع الله الصادقين لصدقهم.
والثانى: أن تنصبه على المصدر، لا بفعل مضمر، ولكن تعمل فيه الصادقين، فتدخله فى صلة (3) الألف واللام، وتقدير الأصل: ينفع الله الصادقين صدقا، ثم أضيف إلى ضمير «هم» فقيل: صدقهم، كما تقول: أكرمت القوم إكراما، وأكرمتهم إكرامهم، قال الله تعالى فى الإفراد: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنََا مَكْراً} (4) وفى الإضافة: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ} (5) ومثله: {وَزُلْزِلُوا زِلْزََالًا} (6) و {إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزََالَهََا} (7).
__________
(1) سورة الأنعام 94، وقراءة النصب هذه عن نافع والكسائىّ، وحفص عن عاصم، كما ذكر المصنف فى المجلس التاسع والستين. وانظر السبعة ص 263، وتفسير الطبرى 11/ 549، والقرطبى 7/ 43، ومجالس العلماء للزجاجى ص 143، والغريبين 1/ 234.
(2) لم أجد هذه القراءة فى المحتسب، ومختصر فى شواذ القراءات، والإتحاف، وقد ذكرها العكبرى فى التبيان 1/ 477، وأبو حيان فى البحر 4/ 63، وزادا فى توجيهها وجها رابعا، سأذكره حين يفرغ ابن الشجرى من ذكر أوجهه.
(3) فى الأصل «صفة»، وأثبت ما فى هـ، وهو فى تقدير العكبرى وأبى حيان، قالا: أى الذين يصدقون صدقهم.
(4) الآية المتمة الخمسين من سورة النمل.
(5) سورة إبراهيم 46.
(6) سورة الأحزاب 11.
(7) أول سورة الزلزلة.(1/289)
والثالث: أن تنصبه بتقدير حذف الباء، لأنك تقول: نفعته بكذا، فيكون الأصل: ينفع الله الصادقين بصدقهم، فلما سقطت الباء وصل الفعل، ومثله فى إسقاط الباء ثم إيصال الفعل قوله سبحانه: {إِنَّمََا ذََلِكُمُ الشَّيْطََانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيََاءَهُ} (1) أى بأوليائه، لأنّ المعنى يخوّفكم (2) بهم، ويدلّك عليه قوله:
{فَلََا تَخََافُوهُمْ} (3) آخر المجلس.
* * * __________
(1) سورة آل عمران 175.
(2) هذا تأويل ابن عباس رضى الله عنهما. تفسير الطبرى 7/ 416، وقيل إن المعنى: يجعلكم تخافون أولياءه، على إرادة المفعول فى «يخوّف». راجع المحتسب 1/ 177، ومجالس ثعلب ص 550، واللسان (خوف) والدر المصون 3/ 491، وقد أعاد ابن الشجرى الكلام على حذف الباء هنا، فى المجلسين الثامن والعشرين، والسابع والثلاثين.
(3) زاد العكبرى وأبو حيان وجها رابعا فى نصب «صدقهم»: وهو أن يكون مفعولا به، والفاعل مضمر فى «الصادقين» أى يصدقون الصدق، كقوله: صدقته القتال، والمعنى: يحققون الصدق.(1/290)
{وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَلِيًّا وَكَفى ََ بِاللََّهِ نَصِيراً}: 45: 1/ 433
{وَلََا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ}: 49، 50: 2/ 166
{كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا}: 56: 2/ 554
{إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ}: 58: 2/ 133
{فَإِنْ تَنََازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللََّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ}.: 59: 2/ 119
{بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}: 60: 2/ 546
«ما فعلوه إلّا قليلا (1) منهم»: 66: 1/ 110
{وَحَسُنَ أُولََئِكَ رَفِيقاً}: 69: 1/ 266 2/ 211 3/ 123
{فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ}: 71: 2/ 267
{يََا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}: 73: 1/ 427
{وَمََا لَكُمْ لََا تُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ}: 75: 1/ 403
{رَبَّنََا أَخْرِجْنََا مِنْ هََذِهِ الْقَرْيَةِ الظََّالِمِ أَهْلُهََا}: 75: 3/ 176
{قُلْ مَتََاعُ الدُّنْيََا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى ََ}: 77: 1/ 416
{أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}: 78: 1/ 416 2/ 569
{وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَكِيلًا}: 81: 3/ 221
{وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطََانَ}: 83: 2/ 510
{فَمََا لَكُمْ فِي الْمُنََافِقِينَ فِئَتَيْنِ}: 88: 3/ 7
{فَلََا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيََاءَ حَتََّى يُهََاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ}: 89: 3/ 7
__________
(1) بالنصب: قراءة ابن عامر.(3/290)
الآية: رقمها: رقم الجزء والصفحة
{أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ} [1] صُدُورُهُمْ أَنْ يُقََاتِلُوكُمْ أَوْ يُقََاتِلُوا: 90: 2/ 146، 275
{قَوْمَهُمْ}: 3/ 12، 13
«وكلّ (2) وعد الله الحسنى»: 95: 1/ 9، 139 2/ 72
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا}: 97: 1/ 404
{إِنَّ الْكََافِرِينَ كََانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً}: 101: 2/ 483
{وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طََائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.: 113: 2/ 510
{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا إِنََاثاً} (3): 117: 2/ 187، 257 3/ 145
{وَعْدَ اللََّهِ حَقًّا}: 122: 2/ 359
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خََافَتْ}: 128: 2/ 381/ 129
«أن يصّالحا (4) بينهما صالحا»: 128: 2/ 395
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النََّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ}: 133: 2/ 273
{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ}: 141: 2/ 392
{مََا يَفْعَلُ اللََّهُ بِعَذََابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}: 147: 1/ 2180/ 117
{لََا يُحِبُّ اللََّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ}: 148: 2/ 532
{فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ لَعَنََّاهُمْ}: 155: 2/ 434، 524، 568
{مََا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبََاعَ الظَّنِّ}: 157: 1/ 110
{وَكََانَ اللََّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}: 158: 2/ 482
__________
(1) وقرأ الحسن ويعقوب: حصرة صدورهم.
(2) بالرفع قراءة ابن عامر.
(3) وقرأ عطاء بن أبى رباح: إلّا أثنا.
(4) بالتشديد: قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبى عمرو.(3/291)
المجلس الثامن
/ وهو مجلس يوم السبت مستهلّ جمادى الأولى، من سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (1)
الآية. يقال للرجل: تعال، أى تقدّم، وللمرأة: تعالى، وللاثنين والاثنتين:
تعاليا، ولجماعة الرجال: تعالوا، ولجماعة النّساء: تعالين، وجعلوا التقدّم ضربا من التعالى والارتفاع، لأن المأمور بالتقدّم فى أصل وضع هذا الفعل، كأنه كان قاعدا فقيل له: تعال، أى ارفع شخصك بالقيام وتقدّم، واتّسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشى، ويدلك على أن التقدّم الآن (2) قد صار ضربا من الارتفاع قولهم: ارتفع فلان وفلان (3) إلى الحاكم: أى تقدّما إليه، ورفع فلان فى سيره: أى تقدّم فيه، وأصله أنه كأنه أخبّ ناقته ليتقدم فرفع الخبب شخصها وشخصه، واستعملوا التّعالى
__________
(1) سورة الأنعام 151.
(2) قوله «الآن» إشارة إلى التطور اللغوىّ.
(3) حكى صاحب اللسان فى مادة (رفع) مثل هذا التعبير، واستشهد له، لكنه قال: «وهو من قولك: ارتفع الشىء، أى تقدم، وليس هو من الارتفاع الذى هو بمعنى العلوّ». وجعله ابن فارس من الرفع بمعنى تقريب الشىء، واستشهد له بقوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: أى مقرّبة لهم، ثم قال: ومن ذلك قوله: رفعته للسلطان.
مقاييس اللغة 2/ 424.
.
للارتفاع وحده، مجرّدا من معنى التقدّم فى قولهم: تعالى الله.(1/291)
للارتفاع وحده، مجرّدا من معنى التقدّم فى قولهم: تعالى الله.
والوجه فى «ما» أن تكون خبريّة، فى موضع نصب بأتل، والمعنى: تعالوا أتل الذى حرّمه ربّكم عليكم، فإن علّقت «عليكم» بحرّم فهو الوجه، لأنه الأقرب، وهو اختيار البصريّين، وإن علّقت بأتل فجيّد، لأنه الأسبق، وهو اختيار الكوفيين (1)، فالتقدير فى هذا القول: أتل عليكم الذى حرّم ربكم.
وأجاز الزجّاج (2) أن تكون «ما» استفهامية، فى موضع نصب بحرّم، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول محكيّة بالتّلاوة، لأن التلاوة بمنزلة القول، فكأنه قيل: تعالوا أتل أىّ شىء حرّم ربّكم عليكم، أهذا الذى ادّعيتم تحريمه، أم هذا الذى جئتكم بتحريمه؟ وجوّز أن يكون المراد بالمتلوّ المحرّمات المذكورة فى قوله تعالى: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} (3).
/ فأمّا قوله: {أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} فيحتمل العامل فيه وجوها: أحدها فى قول بعض معربى (4) القرآن أن يكون فى موضع نصب، بدلا من «ما».
والثانى: أجازه هذا المعرب: أن يكون فى موضع رفع، على تقدير مبتدأ محذوف، أى: هو ألّا تشركوا به شيئا، ولا يصحّ عندى هذان التقديران، إلا أن يحكم بزيادة «لا» لأن الذى حرّمه الله عليهم هو أن يشركوا به، فإن حكمت بأن
__________
(1) على رأيهم فى إعمال أول المتنازعين. قاله فى المغنى ص 277، وحكاه أبو حيان فى البحر 4/ 249 عن ابن الشجرىّ، والقرطبى 7/ 131.
(2) معانى القرآن 2/ 303.
(3) سورة الأنعام 145.
(4) لعل ابن الشجرى يعنى مكّىّ بن أبى طالب فإنه هو الذى ذكر الوجهين الآتيين بالترتيب الوارد هنا، فى كتابه مشكل إعراب القرآن 1/ 298، ولابن الشجرىّ عليه تعقّبات أوردها فى آخر مجالسه من الأمالى. نعم حكى القرطبىّ فى تفسيره الموضع السابق الوجه الأول، وعزاه إلى النحاس، وهو فى إعراب القرآن له 1/ 591. ونقل ابن هشام كلام ابن الشجرى، وقوله: «بعض المعربين» ولم يسمّه.
راجع الموضع السابق من المغنى.(1/292)
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ إِلََّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}: 159: 3/ 145
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هََادُوا حَرَّمْنََا عَلَيْهِمْ طَيِّبََاتٍ أُحِلَّتْ}: 160: 1/ 74 2/ 484
{لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ كَثِيراً}
{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكََاةَ}: 162: 2/ 102
{وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً}: 164: 3/ 36
{لََكِنِ اللََّهُ يَشْهَدُ بِمََا أَنْزَلَ إِلَيْكَ}: 166: 2/ 563
{وَلََا تَقُولُوا ثَلََاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ}: 171: 2/ 99
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ قَدْ جََاءَكُمْ بُرْهََانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللََّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}: 174، 175: 2/ 11
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}: 176: 1/ 248/ 81 3/ 129
{يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}: 176: 3/ 160، 161
سورة المائدة
{وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ}: 2: 3/ 162
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}: 3: 1/ 415
{فَكُلُوا مِمََّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: 4: 1/ 2411/ 28
{كُونُوا قَوََّامِينَ لِلََّهِ}: 8: 1/ 410
{فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ}: 13: 2/ 434، 524، 568
{يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى ََ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مََا جََاءَنََا مِنْ بَشِيرٍ}: 19: 3/ 160
{ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللََّهُ لَكُمْ}: 21: 2/ 71
{مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ كَتَبْنََا عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ}: 32: 2/ 379، 484
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا}: 38: 1/ 18، 136(3/292)
{فَمَنْ تََابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ}: 39: 3/ 201
{وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتََابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}: 48: 3/ 122
{لَوْلََا يَنْهََاهُمُ الرَّبََّانِيُّونَ وَالْأَحْبََارُ}: 63: 2/ 509
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالصََّابِئُونَ وَالنَّصََارى ََ}: 69: 3/ 176
{وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ} [1] فِتْنَةٌ: 71: 1/ 385 3/ 158
{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}: 71: 1/ 201
{إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}: 89: 3/ 70
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}: 91: 1/ 402
{لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}: 95: 1/ 411
{هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ}: 95: 3/ 17
{مََا جَعَلَ اللََّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلََا سََائِبَةٍ وَلََا وَصِيلَةٍ وَلََا حََامٍ}: 103: 2/ 541
{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}: 105: 1/ 74
{عَلََّامُ الْغُيُوبِ}: 109: 2/ 346
{وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ مِنْ دُونِ اللََّهِ} الآيات: 118116: 1/ 66، 404 2/ 34، 453، 549 3/ 152
__________
(1) يقرأ برفع النون ونصبها.(3/293)
«لا» للنفى صار المحرّم ترك الإشراك، فإذا قدّرت بها الطّرح كما لحقت مزيدة فى نحو: {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ} (1) و {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} استقام القولان.
وأجاز الزجّاج فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون منصوبا بتقدير طرح اللام، وإضمار «أبيّن» أى أبيّن لكم الحرام لأن لا تشركوا به شيئا، لأنهم إذا حرّموا ما أحلّ الله لهم فقد جعلوا غير الله بمنزلة الله، ولمّا جعلوه فى قبولهم منه بمنزلة الله، صاروا بذلك مشركين.
والثانى: أن يكون محمولا على المعنى، فتضمر له فعلا من لفظ الأول ومعناه، وتقديره: أتل عليكم ألّا تشركوا به شيئا، أى أتل عليكم تحريم الإشراك.
والثالث: أن يكون منصوبا بتقدير: أوصيكم بألّا تشركوا به شيئا لأن قوله:
{وَبِالْوََالِدَيْنِ إِحْسََاناً} (2) محمول على معنى: وأوصيكم بالوالدين إحسانا. انتهى كلام الزجّاج.
ويدلّ على تقدير إضمار الإيصاء قوله فى آخر الآية: {ذََلِكُمْ وَصََّاكُمْ}
فانتصاب {إِحْسََاناً} على أنّه مفعول ثان لأوصيكم، كقولك: أوصيك بزيد خيرا. قال أبو النجم (3):
أوصيت من برّة قلبا حرّا ... بالكلب خيرا والحماة شرّا
ويحتمل عندى قوله: {أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ} وجهين آخرين، أحدهما: أن تكون «أن» مفسّرة بمعنى «أى» كالتى فى قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} (4) معناه: أى امشوا، وتكون «لا (5)» نهيا، و «أن» المفسّرة تؤدّى معنى
__________
(1) الآية المتمة الأربعين من سورة المعارج.
(2) سورة الأعراف 12.
(3) ديوانه ص 123، وتخريجه فى ص 249، وزد عليه الكامل 3/ 95، والخزانة 2/ 403.
(4) الآية السادسة من سورة ص.
(5) جعله الفراء من بعض وجوه الإعراب. معانى القرآن 1/ 364، وانظر إعراب القرآن للنحاس، الموضع السابق.(1/293)
{هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}: 119: 1/ 66، 69 2/ 385
سورة الأنعام
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مََا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}: 6: 2/ 477 3/ 144
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: 14: 2/ 125
{أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللََّهِ آلِهَةً أُخْرى ََ}: 19: 2/ 349
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} [1] إِلََّا أَنْ قََالُوا: 23: 1/ 196
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}: 25: 2/ 341/ 63
{وَلَوْ} [2] رُدُّوا لَعََادُوا: 28: 2/ 42، 43
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتََاكُمْ عَذََابُ اللََّهِ}: 40، 47: 2/ 3، 13
{بِالْغَدََاةِ} [3] وَالْعَشِيِّ: 52: 2/ 579
{وَكَذََلِكَ نُفَصِّلُ الْآيََاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}: 55: 3/ 179
«يقضى (4) الحقّ»: 57: 2/ 153
{مِنَ الْقَوْمِ}: 77: 2/ 378
{وَلََا تَخََافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللََّهِ}: 81: 1/ 387 3/ 159
__________
(1) بفتح التاء: قراءة نافع وأبى عمرو وعاصم، فى رواية أبى بكر شعبة بن عيّاش.
(2) بكسر الراء: قراءة يحيى بن وثاب والأعمش.
(3) قراءة ابن عامر. وانظر المواضع الآتية فى سورة الكهف 28.
(4) قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائى وابن عامر. وقراءة الباقين {يَقُصُّ}.(3/294)
القول، فكأنه قيل: أقول: لا تشركوا به شيئا، وتنصب «إحسانا» فى هذا الوجه على المصدر، والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
فإن قيل: إن «أحسن» إنما يتعدّى بإلى كما قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمََا أَحْسَنَ اللََّهُ إِلَيْكَ} (1) قيل: إنه قد يعدّى أيضا بالباء، كما جاء فى التنزيل: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} (2) وكذلك نقيضه (3)، عدّته العرب تارة بالباء، وتارة بإلى فقالوا: أسأت إليه، وأسأت به، قال كثيّر:
أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت (4)
والوجه الثانى: أن تجعل {عَلَيْكُمْ} منفصلة مما قبلها، فتكون إغراء بمعنى الزموا، كأنه اجتزأ بقوله: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ثمّ قيل على وجه الاستئناف: {عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} أى عليكم ترك الإشراك، وعليكم إحسانا بالوالدين، وأن لا تقتلوا أولادكم، وأن لا تقربوا الفواحش، كما تقول: عليك شأنك، أى الزم شأنك، وكما قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (5) أى الزموا أنفسكم.
وقوله: {مِنْ إِمْلََاقٍ} أى من خوف إملاق، ومن أجل إملاق، والإملاق والإفلاس والإقتار والإعدام: كلّه الفقر، واستعملت «من» فى موضع لام العلّة كقولهم: زرته من حبّى له، ولحبّى له، كما استعملت «الباء» مكان «اللام» فى قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هََادُوا حَرَّمْنََا عَلَيْهِمْ طَيِّبََاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ كَثِيراً} (6).
__________
(1) سورة القصص 77.
(2) الآية المتمة المائة من سورة يوسف.
(3) انظر أن النقيض يحمل على النقيض فى التعدية، فى شرح الحماسة ص 1462، والخصائص 2/ 311، 389.
(4) ديوانه ص 101، وتخريجه فى ص 105، وقد أعاد المصنف إنشاده فى المجلسين: الثامن عشر، والحادى والثمانين.
(5) سورة المائدة 105.
(6) سورة النساء 160.(1/294)
{قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}: 90: 2/ 532، 534
{وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ فِي غَمَرََاتِ الْمَوْتِ}: 93: 1/ 35
{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (1): 94: 1/ 269/ 591
{فَمُسْتَقَرٌّ} [2] وَمُسْتَوْدَعٌ: 98: 3/ 119
{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَأَخْرَجْنََا بِهِ نَبََاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنََا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرََاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهََا قِنْوََانٌ دََانِيَةٌ وَجَنََّاتٍ} [3] مِنْ أَعْنََابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمََّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشََابِهٍ انْظُرُوا إِلى ََ ثَمَرِهِ: 99: 1/ 295 3/ 180
{فَمَنْ يُرِدِ اللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ}: 125: 3/ 88
{وَهََذََا صِرََاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً}: 126: 3/ 9، 22
{لَهُمْ دََارُ السَّلََامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ}: 127: 1/ 24، 82
{وَمََا رَبُّكَ بِغََافِلٍ عَمََّا يَعْمَلُونَ}: 132: 1/ 330 2/ 546، 555
{إِنَّ مََا تُوعَدُونَ لَآتٍ}: 134: 2/ 549
{عَنِ الْقَوْمِ}: 147: 2/ 379
{مََا فِي بُطُونِ هََذِهِ الْأَنْعََامِ خََالِصَةٌ لِذُكُورِنََا}: 139: 3/ 31
{قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية: 145: 1/ 72
__________
(1) قرىء بنصب النون ورفعها.
(2) بكسر القاف قراءة ابن كثير وأبى عمرو.
(3) قرىء بالرفع والنصب.(3/295)
وقوله: {مََا ظَهَرَ مِنْهََا} موضعه نصب على البدل من {الْفَوََاحِشَ}
{وَمََا بَطَنَ} عطف عليه، وقيل فى تفسير ما بطن: إنه الزّنا، وما ظهر: اتّخاذ الأخدان على جهة الرّبية، والأخدان: جمع خدن، وهو الصديق، يكون للمرأة، ويكون للرجل.
وقوله: {وَلََا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ} الألف / واللام فى النفس لتعريف الجنس، كقولهم: أهلك الناس الدّرهم والدّينار (1)، ومثله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً} (2) ألا ترى أنه سبحانه قال: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (3) وقد أدخلوا الألف واللام فى الأوصاف على (4) هذا المعنى، كقوله جلّت عظمته: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظََّالِمُ عَلى ََ يَدَيْهِ} (5) وكقول الأخيليّة:
كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ ... بنجد ولم يهبط مع المتغوّر (6)
ومنه قول الراجز (7):
إن تبخلى يامىّ أو تعتلّى ... أو تصبحى فى الظاعن المولّى
أى فى الظاعنين المولّين.
__________
(1) معانى القرآن للأخفش ص 170، والكامل ص 795، والأصول 1/ 150، وسر صناعة الإعراب ص 15، 350.
(2) سورة المعارج 19.
(3) السورة نفسها 22.
(4) فى هـ: فى هذا.
(5) سورة الفرقان 27.
(6) الكامل ص 953، 1404، والأغانى 11/ 232. وقوله «المتغوّر» من الغور، وهو كلّ ما انخفض، وعكسه النّجد.
(7) هو منظور بن مرثد الأسدى، وينسب إلى أمّه فيقال: منظور بن حبّة بالباء الموحّدة نوادر أبى زيد ص 248، والأصول 3/ 452، وكتاب الش(1/295)
وقوله: {ذََلِكُمْ وَصََّاكُمْ بِهِ} الكاف والميم فى {ذََلِكُمْ} بخلاف الكاف والميم فى {وَصََّاكُمْ} لأنهما فى {ذََلِكُمْ} حرف للخطاب، لا يحكم لموضعه بشىء من الإعراب، وهما فى {وَصََّاكُمْ} ضمير موضوع للمخاطبة موضعه نصب، ولو حكمت بأنه فى {ذََلِكُمْ} ضمير وجب الحكم بأنه فى موضع جرّ بالإضافة، وأسماء الإشارة لا تصحّ إضافتها لأن ذلك جمع بين تعريفين، تعريف الإشارة وتعريف الإضافة.
ويقال فى قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1) و {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) ونحو ذلك مما ورد فى كلامه (3) القديم سبحانه، كيف وقع «لعلّ» فى كلام الله تعالى؟ ولعلّ إنما هو حرف موضوع للرجاء، والراجى شاكّ، بدلالة أنك تقول: لعلّى أدخل الجنة، وأرجو أن أدخل الجنة، ولا تقول: أرجو أن يدخل النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم الجنة، ولا: لعلّ النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم يدخل الجنة، لأنك على غير يقين من دخولك الجنة، وغير شاكّ فى دخول النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم الجنة.
وعن هذا السؤال ثلاثة أجوبة: أحدها: أنّ ما جاء من هذا فى كلامه سبحانه، فهو على شكّ المخاطبين، فكأنه قيل: افعلوا ذلك على الرّجاء منكم / والطمع أن تعقلوا وأن تذكّروا وأن تتّقوا، وإلى هذا ذهب سيبويه (4) فى قوله عزّ وجل: {اذْهَبََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ََ. فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} (5)
قال: معناه اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكّر أو يخشى.
__________
(1) سورة الأنعام 152، وفى غير سورة من الكتاب العزيز.
(2) سورة البقرة 21، ومواضع أخرى من الذكر الحكيم.
(3) هكذا فى هـ، وفى الأصل: كلام.
(4) الكتاب 1/ 331، وانظر الجنى الدانى ص 580، والبرهان 4/ 57.
(5) سورة طه عليه الصلاة والسلام 43، 44.(1/296)
{هَلُمَّ شُهَدََاءَكُمُ}: 150: 2/ 389
{قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلََّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}: 151: 1/ 71
{وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ مِنْ إِمْلََاقٍ}: 151: 2/ 112، 379، 466، 484 3/ 225
{وَلََا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ}: 151: 1/ 414
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}: 152: 1/ 276/ 519
{تَمََاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (1): 154: 1/ 112 2/ 550 3/ 43، 220
{مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا}: 160: 3/ 202
{دِيناً قِيَماً} [2] مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً: 161: 1/ 325/ 98
{مَحْيََايَ} [3] وَمَمََاتِي: 162: 2/ 59
سورة الأعراف
{مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}: 12: 1/ 273/ 541
{مََا وُورِيَ عَنْهُمََا مِنْ سَوْآتِهِمََا}: 20: 2/ 188
{وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ عَلَيْهِمََا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}: 22: 1/ 392/ 119
{قََالََا رَبَّنََا ظَلَمْنََا أَنْفُسَنََا}: 23: 1/ 16، 2/ 496
{قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً يُوََارِي سَوْآتِكُمْ}: 26: 1/ 393
__________
(1) بالرفع قراءة يحيى بن يعمر.
(2) بفتح القاف وتشديد الياء: قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو.
(3) بسكون الياء: قراءة نافع برواية قالون. وقرأ بها أيضا أبو جعفر.(3/296)
{قُلْ إِنَّ اللََّهَ لََا يَأْمُرُ بِالْفَحْشََاءِ}: 28: 2/ 133
{أَمَرَ رَبِّي} [1] بِالْقِسْطِ: 29: 1/ 151
{كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقاً} [2] هَدى ََ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلََالَةُ: 29، 30: 2/ 86
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللََّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبََادِهِ وَالطَّيِّبََاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا خََالِصَةً} [3] يَوْمَ الْقِيََامَةِ: 32: 3/ 14
{حَتََّى إِذَا ادََّارَكُوا فِيهََا جَمِيعاً قََالَتْ أُخْرََاهُمْ لِأُولََاهُمْ}: 38: 2/ 457 3/ 182
{قََالَتْ أُولََاهُمْ لِأُخْرََاهُمْ}: 39: 1/ 43
{الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي هَدََانََا لِهََذََا}: 43: 2/ 615
{وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ أَصْحََابَ النََّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنََا مََا وَعَدَنََا رَبُّنََا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مََا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قََالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ}: 44: 1/ 267/ 535 3/ 155
{وَنََادى ََ أَصْحََابُ النََّارِ أَصْحََابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنََا مِنَ الْمََاءِ}: 50: 2/ 34، 453
{إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}: 56: 1/ 346 2/ 588
{وَالَّذِي خَبُثَ لََا يَخْرُجُ إِلََّا نَكِداً}: 58: 1/ 297
__________
(1) بالإدغام، قراءة أبى عمرو.
(2) وقرأ أبىّ بن كعب: تعودون فريقين فريقا هدى.
(3) وقرأ نافع {خََالِصَةً} بالرفع.(3/297)
والثانى: أن العرب قد استعملت «لعلّ» مجرّدة من الشكّ، بمعنى لام كى، فالمعنى: لتعقلوا ولتذكّروا ولتتّقوا، وعلى ذلك قول الشاعر:
وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا ... نكفّ ووثّقتم لنا كلّ موثق (1)
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ... كلمع سراب فى الملا متألّق
المعنى: كفّوا الحروب لنكفّ، ولو (2) كانت «لعلّ» هاهنا شكّا لم يوثّقوا لهم كلّ موثق [وهذا القول عن قطرب (3)].
والثالث: أن يكون «لعلّ» بمعنى التعرّض للشىء، كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرّضين لأن تعقلوا أو لأن تذكّروا أو لأن تتّقوا.
تأويل قوله تعالى: {قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً} (4) هذه الآية من الآى المشكلة التى تعلّقت بها الملحدة، وأنا إن شاء الله أكشف لك غموضها وأبرز مكنونها.
يقال: ما عبأت بفلان: أى ما باليت به، أى ما كان له عندى وزن ولا قدر، والمصدر العبء، و «ما» استفهامية، ظهر ذلك فى أثناء كلام الزجاج (5)، وصرّح به الفراء (6)،
__________
(1) البيتان من غير نسبة فى تفسير الطبرى 1/ 364، والقرطبى 1/ 227، 12/ 282، والحماسة البصرية 1/ 25، وزاد المسير 1/ 48.
(2) هذا الكلام فى تفسير الطبرى.
(3) ليس فى هـ، وتفسير الطبرى. وهو فى تفسير القرطبى، وفيه زيادة: «والطبرى». ومجىء «لعل» بمعنى التعليل يروى عن يونس والكسائى والأخفش والفرّاء. راجع الموضع السابق من الجنى الدانى، والبرهان، واللسان (علل).
(4) الآية الأخيرة من سورة الفرقان.
(5) حين قدّر «ما» بأىّ، فقال: «وتأويل ما يعبأ بكم: أى أىّ وزن يكون لكم عنده» إعراب القرآن. المجلد الثامن، ص 14، من نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 333ق، وحكاه الأزهرى فى التهذيب 3/ 234، وعنه اللسان (عبأ).
(6) معانى القرآن 2/ 275.(1/297)
{وَأَنْصَحُ لَكُمْ}: 62: 2/ 129
{هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً}: 73: 1/ 3257/ 6، 98
{قََالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}: 75: 2/ 94
{مََا سَبَقَكُمْ بِهََا مِنْ أَحَدٍ}: 80: 2/ 6
{وَإِلى ََ مَدْيَنَ أَخََاهُمْ شُعَيْباً}: 85: 2/ 67
{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}: 86: 1/ 268
{وَإِنْ وَجَدْنََا أَكْثَرَهُمْ لَفََاسِقِينَ}: 102: 2/ 3564/ 147
«يريد أن يخرجكم من (1) رضكم»: 110: 2/ 213
{إِنَّ هََذََا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ}: 123: 2/ 495
{قََالُوا أُوذِينََا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنََا وَمِنْ بَعْدِ مََا جِئْتَنََا}: 129: 2/ 75 3/ 153، 211
{مَهْمََا تَأْتِنََا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنََا بِهََا فَمََا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}: 132: 2/ 571
{قََالُوا يََا مُوسَى اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ قََالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: 138: 1/ 239/ 550
{وَوََاعَدْنََا مُوسى ََ ثَلََاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنََاهََا بِعَشْرٍ}: 142: 3/ 27
{وَلََكِنِ} [2] انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ: 143: 2/ 378
{فَخُذْ مََا آتَيْتُكَ}: 144: 2/ 558
{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}: 146: 3/ 180
__________
(1) قراءة ورش، بحذف الألف وإلقاء حركتها على الساكن قبلها، وهو ما يعرف عند القرّاء بالنّقل.
(2) بضم النون: قراءة غير أبى عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب.(3/298)
وليس يبعد أن تكون نافية، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام، فهو نفى خرج مخرج الاستفهام، كما قال: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (1).
وقال ابن قتيبة (2): فى هذه الآية مضمر، وله أشكلت، أى ما يعبوّ بعذابكم (3) ربى، قال: ويوضّح ذلك قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً} أى يكون العذاب لمن كذّب (4)
بالحقّ لازما. انتهى كلامه.
وأقول: إن حذف المضاف فى كلام العرب وأشعارها وفى الكتاب العزيز أكثر من أن يحصى (5)، وأحسنه ما دلّ عليه معنى / أو قرينة أو نظير أو قياس، فدلالة المعنى كقوله جلّ جلاله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (6) أى حبّ العجل، وكقوله: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (7) أى أهل القرية، وكقوله: {فَأَتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (8) أى أمر الله، وكقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} (9) أى
__________
(1) الآية المتمة الستين من سورة الرحمن. وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الرابع والسبعين، وكشفه هناك بأتمّ مما هنا.
(2) تأويل مشكل القرآن ص 438.
(3) بعده فى تأويل المشكل: لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد.
(4) الذى فى التأويل: «لمن كذّب ودعا من دونه إلها». وقد ردّ الطبرىّ هذا التفسير. راجع حواشى التأويل. وجعل المرتضى الحذف هنا من المشكل لأنه لا دليل فى الآية من لفظها، على ما يتعلّق به قوله «دعاؤكم». أمالى المرتضى 2/ 366.
(5) يقول ابن جنى: «حذف المضاف فى القرآن والشعر وفصيح الكلام فى عدد الرمل سعة».
المحتسب 1/ 188. وقال فى الخصائص 2/ 362: «وذلك كثير واسع» وانظر كلامى عن «الحذف» فى موضعه من الدراسة ص 82.
(6) سورة البقرة 93، وكأن ابن الشجرى ينقل عن ابن قتيبة. انظر تأويل المشكل ص 210، وراجع أيضا الصناعتين ص 181، وأمالى المرتضى 1/ 202، 615، 2/ 48.
(7) سورة يوسف 82، وانظر مع المراجع السابقة كتاب الشعر ص 346، 527، والخصائص 2/ 447، والغريبين 1/ 86.
(8) الآية الثانية من سورة الحشر.
(9) سورة البقرة 197.(1/298)
{وَلَمََّا رَجَعَ مُوسى ََ إِلى ََ قَوْمِهِ غَضْبََانَ أَسِفاً}: 150: 1/ 245
{هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}: 154: 2/ 468
{وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}: 155: 1/ 285 2/ 23، 131
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ شَهِدْنََا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيََامَةِ إِنََّا كُنََّا عَنْ هََذََا غََافِلِينَ}: 172: 2/ 116، 535 3/ 160
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا}: 175: 1/ 140
{سََاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ}: 177: 3/ 182
{إِنْ هُوَ إِلََّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: 184: 3/ 144
{مَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَلََا هََادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [1]: 186: 1/ 428
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ عِبََادٌ أَمْثََالُكُمْ}: 194: 1/ 81
{خُذِ الْعَفْوَ}: 199: 2/ 375
سورة الأنفال
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} الآيات: 41: 1/ 131
{كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}: 5: 1/ 131 3/ 183
{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذََاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}: 7: 3/ 195
{يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}: 24: 3/ 25
{وَإِذْ قََالُوا اللََّهُمَّ إِنْ كََانَ هََذََا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنََا حِجََارَةً}: 32: 2/ 340
{نَكَصَ عَلى ََ عَقِبَيْهِ}: 48: 3/ 203
__________
(1) بسكون الراء: قراءة حمزة والكسائى.(3/299)
[الحجّ (1)] حجّ أشهر معلومات، وكقولهم: ما زلنا (2) نطؤ السماء حتى أتيناكم، أى ماء السماء، وكقول مهلهل:
نبّئت أنّ النار بعدك أو قدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس (3)
أى أهل المجلس، وكقول المرقّش (4):
ليس على طول الحياة ندم
أى على فقد طول الحياة.
والقرينة مع المعنى كقول النابغة (5):
وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتى ... على وعل فى ذى المطارة عاقل
أى على مخافة وعل [وهو تيس الجبل (6)] ودلّ على ذلك تقدّم ذكر المخافة، وأنه قصد إلى تشبيه حدث بحدث.
__________
(1) تكملة مما أورده ابن الشجرى فى المجلس التاسع والثلاثين، قال: «أى أشهر الحج أشهر معلومات، وإن شئت قدّرت: الحجّ حجّ أشهر معلومات». وقد اقتصر ابن قتيبة على التقدير الأول. قال: أى وقت الحج.
(2) أعاده فى المجلس السابع والثلاثين، وانظر شبيهه فى الأصول 2/ 255.
(3) أنشده ابن الشجرى أيضا فى المجلسين: الثامن والعشرين، والتاسع والثلاثين. والبيت مما استفاضت به كتب العربية. انظر نوادر أبى زيد ص 204، ومجالس ثعلب ص 37، 584، والكامل 1/ 317، وأمالى القالى 1/ 95، وبهجة المجالس 1/ 631، وأسرار البلاغة ص 371، وغير ذلك كثير.
(4) المرقّش الأكبر. وعجز البيت:
ومن وراء المرء ما يعلم
وقد أنشده المصنف فى المجلسين: السابع والثلاثين، والثانى والثمانين. وهو فى المفضليات ص 239، والشعر والشعراء ص 213، ومعجم الشعراء ص 4، واللسان (صلم ورى).
(5) ديوانه ص 68، ومجاز القرآن 1/ 65، 139، وتأويل المشكل ص 197، وتفسير الطبرى 3/ 311، والمقتضب 3/ 231، والإنصاف ص 372، وضرائر الشعر ص 267، وشرح أبيات المغنى 2/ 324، ومعجم ما استعجم ص 1238، فى رسم (ذى المطارة) وهو جبل. وأعاد المصنف إنشاده فى المجلس التاسع والثلاثين.
(6) زيادة من هـ.(1/299)
{فَإِمََّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ}: 57: 3/ 127
{وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً}: 58: 2/ 569 3/ 127
سورة التوبة
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ}: 6: 2/ 81 3/ 128، 129
{فَاللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: 13: 3/ 151
{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ فِي مَوََاطِنَ كَثِيرَةٍ}: 25: 1/ 272
{وَضََاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمََا رَحُبَتْ}: 25: 2/ 556
{قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ}: 29: 1/ 410
{وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ} [1] ابْنُ اللََّهِ: 30: 2/ 161
{قََاتَلَهُمُ اللََّهُ}: 30: 2/ 3146/ 13
{وَيَأْبَى اللََّهُ إِلََّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}: 32: 1/ 208، 391
{يَوْمَ يُحْمى ََ عَلَيْهََا فِي نََارِ جَهَنَّمَ}: 35: 1/ 223
{هََذََا مََا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مََا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}: 35: 1/ 81
{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيََاةِ الدُّنْيََا مِنَ الْآخِرَةِ}: 38: 1/ 255/ 273
{لَوِ اسْتَطَعْنََا لَخَرَجْنََا مَعَكُمْ}: 42: 2/ 377
{فَلََا تُعْجِبْكَ أَمْوََالُهُمْ}: 55: 1/ 225
{وَاللََّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}: 62: 2/ 20، 45 3/ 113
__________
(1) وقرىء {عُزَيْرٌ} بحذف التنوين.(3/300)
ودلالة القياس كقولهم: الليلة الهلال (1)، أى طلوع الهلال، والجباب شهرين، أى لبس الجباب، وكقوله (2): «اليوم خمر وغدا أمر» أى اليوم شرب خمر، وغدا حدوث أمر، وإنما دلّ على هذه المحذوفات أن ظروف الزّمان لا تكون أخبارا عن الأعيان.
ودلالة النّظير مع القياس [والقرينة (3)] كقوله سبحانه: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} (4) أراد هل يسمعون دعاءكم؟ كما قال فى الأخرى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لََا يَسْمَعُوا دُعََاءَكُمْ} (5).
ودلالة القياس على هذا المحذوف أنك لا تقول: سمعت زيدا وتمسك حتى تأتى بعد ذلك بلفظ ممّا يسمع، كقولك: سمعته يقرأ، وسمعته ينشد، فتقدير ابن قتيبة:
ما يعبؤ بعذابكم ربّى، نظيره فى التنزيل قوله عزّ وجل: {مََا يَفْعَلُ اللََّهُ / بِعَذََابِكُمْ} (6).
وقد جاء فى تفسير قوله: {مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ:} أى ما يفعل الله بكم، حكى ذلك الزجّاج (7).
وحقيقة القول (8) عندى فيه أن موضع «ما» نصب، والتقدير: أىّ عبء يعبوّ
__________
(1) يجوز فى «الليلة» الرفع والنصب، وهى هنا منصوبة، وبيان ذلك تراه فى المجلس التاسع والثلاثين.
وانظر الكتاب 1/ 418، وكتاب الشعر ص 333، وحواشيه، ومعانى القرآن للأخفش ص 351، وشرح الحماسة ص 660، 982، والبسيط ص 601.
(2) هو امرؤ القيس، وحديثه مشهور، وسيعيده المصنف فى المجلس التاسع والثلاثين. وانظر كتاب الشعر ص 250، ومجمع الأمثال 2/ 417، والخزانة 1/ 332، 8/ 356، وسائر كتب النحو فى (باب المبتدأ والخبر).
(3) سقط من هـ.
(4) سورة الشعراء 72.
(5) سورة فاطر 14.
(6) سورة النساء 147، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثانى والأربعين.
(7) فى الموضع الذى أشرت إليه من كتابه إعراب القرآن، راجع ص 77.
(8) حكاه عنه القرطبىّ فى تفسيره 13/ 84.(1/300)
{نَسُوا اللََّهَ فَنَسِيَهُمْ}: 67: 1/ 129، 189 2/ 323
{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلََاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلََاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلََاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خََاضُوا}: 69: 3/ 57، 270
{يَحْلِفُونَ بِاللََّهِ مََا قََالُوا وَلَقَدْ قََالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلََامِهِمْ وَهَمُّوا بِمََا لَمْ يَنََالُوا}: 74: 2/ 144، 525
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقََاتِ وَالَّذِينَ لََا يَجِدُونَ إِلََّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ}: 79: 3/ 187
{إِذََا نَصَحُوا لِلََّهِ وَرَسُولِهِ}: 91: 2/ 129
{خَلَطُوا عَمَلًا صََالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}: 102: 1/ 101
{إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}: 106: 3/ 125
{لََا يَزََالُ بُنْيََانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}: 110: 1/ 140
{مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}: 113: 1/ 415
{فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ}: 122: 2/ 509
{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مََا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}: 128: 1/ 224 3/ 220
سورة يونس
{أَكََانَ لِلنََّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنََا}: 2: 3/ 152
{أَفَلََا تَذَكَّرُونَ}: 3: 1/ 403
{وَعْدَ اللََّهِ حَقًّا}: 4: 2/ 359
{وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}: 10: 2/ 177 3/ 155(3/301)
بكم ربى، أى أىّ مبالاة يبالى ربّى بكم، وحذف جواب «لولا» كما حذف جواب «لو» فى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبََالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ََ} (1) أى لكان هذا القرآن، والمصدر الذى هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله، فى قول الفرّاء (2)، وفاعله محذوف، فالتقدير: لولا دعاؤه (3) إياكم، أى لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام، وجواب «لولا (4)» تقديره: لم يعبأ بكم، أى لولا دعاؤه إياكم إلى توحيده لم يبل (5) بذكركم.
وذهب ابن قتيبة (6)، وهو قول أبى علىّ الفارسىّ إلى أن الدعاء مضاف إلى فاعله، والمفعول محذوف، الأصل (7): لولا دعاؤكم آلهة من دونه، وجواب «لولا» تقديره فى هذا الوجه: لم يعذبكم، ونظير قوله: لولا دعاؤكم آلهة من دونه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ عِبََادٌ أَمْثََالُكُمْ} (8).
وقوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أى كذّبتم بما دعيتم إليه، هذا على القول الأول، وكذبتم بوحدانية الله، على القول الثانى {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً} أى يكون تكذيبكم ملازما لكم، والمراد جزاء تكذيبكم، كما قال الله تعالى: {وَوَجَدُوا مََا عَمِلُوا حََاضِراً} (9)
أى جزاء ما عملوا، وكما قال جلّ وعلا: {هََذََا مََا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مََا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (10) أى جزاء ما كنتم تكنزون، وحسن إضمار التكذيب لتقدّم ذكر فعله،
__________
(1) سورة الرعد 31.
(2) معانى القرآن 2/ 275.
(3) فى الأصل: «لولا دعاؤكم إياكم»، وأثبتّ ما فى هـ، والذى فى القرطبى فيما حكاه عن ابن الشجرى: «لولا دعاؤكم، أى لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه»، واكتفى الفراء فى التقدير بقوله: «لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام».
(4) فى القرطبى عن ابن الشجرى: «وجواب لولا محذوف تقديره» هنا وفى الموضع الآتى.
(5) بضم الياء وفتح الباء. وسيأتيك الكلام عليه إن شاء الله، فى المجلس الرابع والخمسين.
(6) فى الموضع السابق من تأويل مشكل القرآن.
(7) فى هـ: «والأصل» بإقحام الواو.
(8) سورة الأعراف 194.
(9) سورة الكهف 49.
(10) سورة التوبة 35.(1/301)
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللََّهُ لِلنََّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجََالَهُمْ بِالْخَيْرِ}: 11: 3/ 188
{حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}: 22: 1/ 177
{فَزَيَّلْنََا} [1] بَيْنَهُمْ: 28: 3/ 189
{قُلِ اللََّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}: 35: 1/ 31 2/ 256، 616
{قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}: 38: 1/ 267، 413
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}: 42: 2/ 341/ 63
{أَثُمَّ إِذََا مََا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}: 51: 2/ 476
«فبذلك فلتفرحوا (2)»: 58: 2/ 355، 522
{لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ}: 64: 1/ 415
{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطََانٍ بِهََذََا}: 68: 1/ 2391/ 42 3477/ 144
{مََا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} [3]: 81: 2/ 549، 550
{وَلََا تَتَّبِعََانِّ} [4] سَبِيلَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ: 89: 2/ 491، 534
{حَتََّى إِذََا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قََالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرََائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ}: 90، 91: 2/ 476
{فَلَوْلََا كََانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهََا إِيمََانُهََا إِلََّا قَوْمَ يُونُسَ}: 98: 2/ 513
{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلََّا مِثْلَ أَيََّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ}: 102: 2/ 431
__________
(1) وقرىء: «فزايلنا».
(2) قراءة أبىّ ورويس عن يعقوب.
(3) وقرأ أبو عمرو: «آلسّحر» على الاستفهام. وقرأ ابن مسعود: «ما جئتم به سحر».
(4) وقرأ ابن عامر بتخفيف النون.(3/302)
لأنك إذا ذكرت الفعل دلّ بلفظه على مصدره، كما قالوا: «من كذب كان شرّا له (1)» أى كان الكذب، ومثله قوله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتََابِ لَكََانَ خَيْراً لَهُمْ} (2)
أى لكان الإيمان، وقوله: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (3) أى يرض الشّكر لكم.
والتفاسير مجمعة على أن / المراد بقوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً} ما نزل بهم يوم بدر، وقال الزجّاج: «وقرئت {لِزََاماً} مفتوحة اللام، قال: وتأويله: فسوف يكون تكذيبكم لازما لكم، فلا تعطون التوبة منه، وتلزمكم العقوبة، فيدخل فى هذا يوم بدر وغيره من العذاب الذى يلزمهم (4)».
وأقول: إن اللّزام بالكسر: مصدر لازم لزاما، مثل خاصم خصاما، واللّزام بالفتح: مصدر لزم لزاما، مثل سلم سلاما، أى سلامة، قال الشاعر:
تحيّى بالسّلامة أمّ بكر ... وهل لى بعد قومى من سلام (5)
ومنه: {لَهُمْ دََارُ السَّلََامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (6) أى دار السّلامة، فاللّزام بالفتح:
اللّزوم، واللّزام: الملازمة، والمصدر فى القراءتين وقع موقع اسم الفاعل، فاللّزام وقع موقع ملازم، واللّزام وقع موقع لازم، كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً} (7) أى غائرا، وإن شئت قدّرت مضافا، أى كان العذاب ذا لزام، وذا لزام.
آخر المجلس.
* * * __________
(1) أعاده ابن الشجرى فى المجلس التاسع والخمسين. وهو فى الكتاب 2/ 391، والأصول 1/ 79، 2/ 176، وشرح الحماسة ص 455، 1577، 1599، والخزانة 1/ 120، 8/ 120.
(2) سورة آل عمران 110.
(3) الآية السابعة من سورة الزمر.
(4) إعراب القرآن، ص 15من المجلد الثامن، من النسخة التى وصفتها قريبا. مع بعض اختلاف فى اللفظ. وقراءة «لزاما» بفتح اللام تنسب لأبى السّمّال وغيره. وهو مصدر. يقال: لزم لزوما ولزاما، مثل ثبت ثبوتا وثباتا. إعراب القرآن لأبى جعفر النحاس 2/ 479، والقرطبى 13/ 86، والبحر 6/ 518.
(5) سبق تخريجه فى المجلس الثالث.
(6) سورة الأنعام 127.
(7) آخر آيات سورة الملك.(1/302)
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنََا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذََلِكَ حَقًّا عَلَيْنََا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}: 103: 2/ 431
سورة هود
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيََاتٍ}: 13: 1/ 267، 413
{أَنُلْزِمُكُمُوهََا}: 28: 1/ 308
{وَلََا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ}: 31: 1/ 101
{وَنََادى ََ نُوحٌ ابْنَهُ}: 42: 3/ 115
{يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي}: 44: 2/ 367
{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صََالِحٍ}: 46: 1/ 106
{يََا نُوحُ اهْبِطْ}: 48: 2/ 159، 367
{يََا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}: 52: 2/ 411
{وَيََا قَوْمِ هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً}: 64: 1/ 257 2/ 415
{وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} (1): 66: 1/ 268/ 602
{وَهََذََا بَعْلِي شَيْخاً} (2): 72: 3/ 9، 10
{يََا لُوطُ إِنََّا رُسُلُ رَبِّكَ}: 81: 2/ 367
{وَيََا قَوْمِ لََا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقََاقِي}: 89: 2/ 202
{يََا شُعَيْبُ مََا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمََّا تَقُولُ}: 91: 2/ 367
{يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ}: 105: 2/ 290
{خََالِدِينَ فِيهََا مََا دََامَتِ السَّمََاوََاتُ}: 107، 108: 1/ 2284/ 29
__________
(1) قرىء بفتح الميم وكسرها.
(2) وفى مصحف ابن مسعود: شيخ.(3/303)
المجلس التاسع
مجلس يوم السبت، ثامن جمادى الأولى، من سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنََا لِدََاوُدَ سُلَيْمََانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوََّابٌ} إلى قوله تعالى: {وَالْأَعْنََاقِ} (1) يقال: وهبت لك درهما، ووهبتك درهما، كما تقول:
وزنت لك الدّراهم، ووزنتك الدّراهم، وكلت لك البرّ، وكلتك البرّ، كما جاء فى التنزيل: {وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} (2) أى كالوالهم، ووزنوا لهم، وقد عدّوا لفظ الأمر من وهب إلى مفعولين، الثانى منهما هو الأول، وأخرجوه من معنى الهبة، وأدخلوه فى معنى الحسبان، كقولك: هب زيدا مسيئا واعف عنه، أى احسبه مسيئا، وهب الأمير سوقة وخاطبه، أى ظنّه وعدّه كذلك، والمعنى نزّله فى ظنّك هذه المنزلة، قال قيس / بن الملوّح (3):
هبونى امرءا منكم أضلّ بعيره ... له ذمّة إنّ الذّمام كبير
وداود من الأعجمية التى وافقت العربية فى الوزن، فجاء على مثال فاعول، كعاقول وكافور، ومثله فى الزّنة من الأعلام الأعجمية: سابور، وقابوس، ومن
__________
(1) سورة ص 3330.
(2) الآية الثالثة من سورة المطففين. وسيتكلم المصنف على هذه الآية بأوسع ممّا هنا فى المجلس الثالث والأربعين.
(3) هكذا ينسبه المصنف لقيس بن الملوح مجنون ليلى ويروى له، ولأبى دهبل الجمحى، ولقيس بن معاذ. انظر ديوان المجنون ص 139، وأبى دهبل ص 77، 128.(1/303)
{مََا يَعْبُدُونَ إِلََّا كَمََا يَعْبُدُ آبََاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ}: 109: 1/ 267/ 34، 453
{وَإِنَّ} [1] كُلًّا لَمََّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمََالَهُمْ: 111: 2/ 177، 563 3/ 147
{فَلَوْلََا كََانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسََادِ فِي الْأَرْضِ إِلََّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنََا مِنْهُمْ}: 116: 2/ 513
{وَمََا رَبُّكَ بِغََافِلٍ عَمََّا تَعْمَلُونَ}: 123: 1/ 330 2/ 555
سورة يوسف
{إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}: 2: 3/ 223
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}: 3: 3/ 114
{وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغََافِلِينَ}: 3: 3/ 147
{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ}: 4: 1/ 203 2/ 49، 415، 426
«أرسله معنا غدا نرتع (2) ونلعب»: 12: 1/ 181، 428
{وَأَخََافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ}: 13: 1/ 385 3/ 158، 196
__________
(1) بتخفيف النون قراءة ابن كثير ونافع، وعاصم فى رواية أبى بكر. أمّا ميم {لَمََّا} فقد خففها ابن كثير ونافع، وشدّدها عاصم.
(2) بالنون: قراءة أبى عمرو وابن عامر.(3/304)
غير الأعلام قولهم لمكيال الخلّ: راقود وقال بعض اللغويين: الراقود (1) ما يجعل فيه الخلّ، ويسمّى الخابية.
وإحدى الواوين من داود وما أشبهه، كطاوس وناوس وهاون محذوفة من الخطّ، لأنهم يكرهون تكرير الأشباه فى كلمة.
وسليمان مصغّر سلمان، وكلّ اسم آخره ألف ونون زائدتان، فتصغيره محمول على تكسيره، فإن علمت أن العرب كسّرته فقلبت ألفه فى التكسير ياء، وأثبتت نونه، فجاءت به على مثال فعالين، حملت تصغيره على تكسيره، فصغّرته على مثال فعيلين، كقولك فى سلطان وسرحان وورشان (2): سليطين وسريحين ووريشين، لقولهم: سلاطين وسراحين ووراشين، فإن لم تعلم العرب كسّرته على هذا الحدّ أقررت ألفه فجئت به على مثال فعيلان، كقولك فى سكران وعثمان وسلمان: سكيران وعثيمان وسليمان، لأنهم لم يقولوا: سكارين ولا عثامين ولا سلامين، وإن شئت حذفت الألف من سليمان فى الخطّ لطوله بالحرف السادس.
و «نعم» من الألفاظ الموضوعة لغاية المدح، فلذلك مدح الله به نفسه فى قوله: {هُوَ مَوْلََاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى ََ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (3) ومدح بها أنبياءه، فقال فى سليمان وأيّوب: {نِعْمَ الْعَبْدُ} وأراد نعم العبد سليمن، ونعم العبد أيّوب، ولكنّ المقصود بالمدح قد يحذف تخفيفا إذا تقدّم ذكره، وحذفه يقوّى قول من يرى رفعه بالابتداء، لأنك إن جعلته خبر مبتدأ مقدّر، كان الحذف واقعا بجملة، وحذف المفرد أسهل من حذف الجملة.
__________
(1) ذكره الجواليقى فى المعرب ص 160، قال: «والراقود: إناء من آنية الشراب، أعجمى معرب».
وانظر الجمهرة 2/ 253، 3/ 390، والنهاية 2/ 250.
(2) السّرحان بكسر السّين: الذئب. والورشان، بفتح الواو والراء: طائر.
(3) الآية الأخيرة من سورة الحج.(1/304)
{وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}: 18: 1/ 106
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}: 18: 2/ 60
{يََا بُشْرى ََ} [1] هََذََا غُلََامٌ: 19: 1/ 429
{هَيْتَ لَكَ}: 23: 2/ 432
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هََذََا}: 29: 2/ 341، 409
{وَقََالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}: 30: 2/ 417
{وَقََالَتِ} [2] اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ: 31: 2/ 378
{مََا هََذََا بَشَراً}: 31: 2/ 556
{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ}: 32: 2/ 489
{ثُمَّ بَدََا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا رَأَوُا الْآيََاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ}: 35: 2/ 37
{إِنِّي أَرى ََ سَبْعَ بَقَرََاتٍ سِمََانٍ} {وَسَبْعَ سُنْبُلََاتٍ خُضْرٍ}: 43: 1/ 59
{إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيََا تَعْبُرُونَ}: 43: 2/ 468
{وَقََالَ الَّذِي نَجََا مِنْهُمََا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}: 45، 46: 1/ 231 2/ 39، 124
{لَقَدْ عَلِمْتُمْ مََا جِئْنََا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ}: 73: 1/ 388
«ثم استخرجها من إعاء (3) أخيه»: 76: 2/ 189
{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}: 80: 1/ 266 2/ 211 3/ 123
__________
(1) قراءة شاذّة.
(2) بضم التاء: قراءة ابن كثير والكسائى ونافع وابن عامر.
(3) قراءة سعيد بن جبير.(3/305)
و (أوّاب) من أوّب إذا رجّع / صوته بالتسبيح، و {يََا جِبََالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (1) رجّعى معه، أى سبّحى، والأوّاب أيضا: التّائب.
والصّافن من الخيل: القائم الذى يثنى إحدى يديه، أو إحدى رجليه حتى يقف بها على سنبكه، والسّنبك: مقدم الحافر، فثلاث من قوائمه حوافرها مطبقة على الأرض، والرابعة متّصل بالأرض طرف حافرها فقط، هذا قول أهل اللغة وأصحاب التفاسير.
وقال بعض اللغويين: الصّافن: القائم، ثنى إحدى قوائمه أو لم يثنها، وأصوب القولين (2) عندى الأول، بدليلين، أحدهما: قول الشاعر:
ألف الصّفون فما يزال كأنّه ... ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا (3)
والثانى قراءة عبد الله «فاذكروا اسم الله عليها صوافن» (4) أراد معقّلات قياما على ثلاث، شبّه الإبل التى تقام لتنحر وإحدى قوائم البعير معقولة، بالخيل الصّافنة.
والجياد: جمع جواد، وكان القياس أن تصحّ الواو فى الجياد، لتحرّكها فى الواحد، كما صحّت الواو فى الطّوال، لتحرّكها فى طويل، ولكنه مما شذّ إعلاله كشذوذ التصحيح فى القود والاستحواذ ونحوهما، وقد قال بعضهم فى جمع الطويل:
طيال، وأنشدوا:
__________
(1) الآية العاشرة من سورة سبأ.
(2) راجع معانى القرآن 2/ 405، وتفسير غريب القرآن ص 379، وغريب الحديث لأبى عبيد 3/ 8، والخيل لأبى عبيدة ص 124، ومجاز القرآن له 2/ 182.
(3) أعاده المصنف فى المجلس الحادى عشر، وهو فى شرح القصائد السبع ص 390، وزاد المسير 7/ 127، والكشاف 3/ 373، وتفسير القرطبى 12/ 62، 15/ 193، والبحر المحيط 7/ 388، والمغنى ص 352، وشرح شواهده ص 248، وشرح أبياته 5/ 301، وأساس البلاغة واللسان (صفن). ونسب فى شرح شواهد الكشاف 4/ 419لامرئ القيس، وليس فى ديوانه، ولا فى زياداته.
(4) سورة الحج 36، و «عبد الله» هو ابن مسعود رضى الله عنه، وهو المراد عند الإطلاق، وتنسب هذه القراءة له، ولغيره. انظر المحتسب 2/ 81.(1/305)
{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنََّا فِيهََا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنََا فِيهََا}: 82: 1/ 78، 101 2/ 22، 67، 558 3/ 93، 271
{قََالُوا تَاللََّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتََّى تَكُونَ حَرَضاً}: 85: 2/ 140
{لََا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللََّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرََّاحِمِينَ}: 92: 1/ 395 2/ 150، 528
{فَلَمََّا أَنْ جََاءَ الْبَشِيرُ}: 96: 3/ 159
{يََا أَبَتِ هََذََا تَأْوِيلُ رُءْيََايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهََا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}: 100: 1/ 274/ 415 3/ 192
{فََاطِرَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي}: 101: 2/ 318، 409
{قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي}: 108: 3/ 180
{وَلَدََارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ}: 109: 2/ 68
سورة الرعد
{إِنَّمََا أَنْتَ مُنْذِرٌ}: 7: 2/ 549، 560
{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ}: 11: 2/ 613
{وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ}: 12: 1/ 2123/ 47، 3352/ 29، 94
{وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ. سَلََامٌ}: 23، 24: 1/ 286/ 10، {عَلَيْكُمْ بِمََا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ} [1] عُقْبَى الدََّارِ:: 408، 419
__________
(1) بفتح النون وسكون العين: قراءة يحيى بن وثّاب.(3/306)
تبيّن لى أنّ القماءة ذلّة ... وأنّ أعزّاء الرّجال طيالها (1)
وإنما يجب قلب الواو ياء فى هذا المثال من الجمع إذا سكنت فى الواحد، كواو ثوب وحوض، المنقلبة ياء فى ثياب وحياض.
والجواد من الخيل: كأنه الذى يأتى بجرى بعد جرى، كالجواد من الناس، الذى يعطى مرّة بعد مرّة، وفرّقوا بين مصادرهما، فقالوا: رجل جواد بيّن الجود، وفرس جواد بيّن الجودة والجودة.
وفى قراءة عبد الله: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} [بطرح قوله: فقال (2)] وجاء فى قراءته عكس هذا: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرََاهِيمُ الْقَوََاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمََاعِيلُ} يقولان {رَبَّنََا} (3) والقول كثيرا (4) ما يحذف لقوّة العلم بمكانه، وقد اتّسع حذفه فى القرآن، كقوله / تعالى: {وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ. سَلََامٌ عَلَيْكُمْ} (5) أى يقولون: سلام عليكم، وكقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} (6) أى فيقال لهم: أكفرتم [بعد إيمانكم (7)] وكقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيََاءَ مََا نَعْبُدُهُمْ}
__________
(1) البيت لأنيف بن زبّان النهشلى، وقيل: لأثال بن عبدة بن الطبيب [الطويل]. الحماسة البصرية 1/ 35، والمنصف 1/ 342، والمحتسب 1/ 184، وشرح المفصل 10/ 88، وشرح الجمل 2/ 533، والممتع ص 497، والخزانة 9/ 488، وشرح شواهد الشافية ص 385، وشرح أبيات المغنى 4/ 68، والتصريح على التوضيح 2/ 379، وشرح الأشمونى 4/ 304، واللسان (طول). والشاهد من غير نسبة صريحة فى الكامل ص 121، 1044، ومجالس ثعلب ص 412، وانظر القصيدة التى منها هذا البيت فى شرح الحماسة ص 169، 637.
(2) سقط من الأصل.
(3) سورة البقرة 127، وانظر المحتسب 1/ 108، وحواشيه، ومعانى القرآن للفراء 2/ 405، وكأن ابن الشجرى ينقل عنه.
(4) حكى ابن هشام عن أبى على الفارسىّ قوله: «حذف القول من حديث البحر، قل ولا حرج» شرح قصيدة كعب بن زهير ص 38، وانظر كتاب الشعر ص 332.
(5) سورة الرعد 23، 24.
(6) سورة آل عمران 106.
(7) ليس فى الأصل.(1/306)
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبََالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ََ بَلْ لِلََّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً}: 31: 1/ 281/ 120
{كَفى ََ بِاللََّهِ}: 43: 1/ 130، 310
{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ}: 43: 3/ 14
سورة إبراهيم
{وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً}: 3: 1/ 2287/ 90
{لِكُلِّ صَبََّارٍ شَكُورٍ}: 5: 2/ 346
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوََاهِهِمْ}: 9: 2/ 607
{سَوََاءٌ عَلَيْنََا أَجَزِعْنََا أَمْ صَبَرْنََا}: 21: 1/ 361، 406 3/ 107
{قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ}: 31: 2/ 477
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النََّاسِ}: 36: 2/ 73
{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوََاءٌ}: 43: 2/ 251
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ}: 46: 1/ 69
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمََاوََاتُ}: 48: 2/ 66
{هََذََا بَلََاغٌ لِلنََّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}: 52: 2/ 61
سورة الحجر
{رُبَمََا} [1] يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ: 2: 2/ 180، 565 3/ 49
__________
(1) قرأ بتخفيف الباء عاصم ونافع، وباقى السبعة بالتشديد.(3/307)
{إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ زُلْفى ََ} (1) أى يقولون: ما نعبدهم.
وظاهر لفظ قوله تعالى: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أن انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ}
على المصدر، وليس كذلك، لأنه لم يخبر أنه أحبّ حبّا مثل حبّ (2) الخير، كما قال:
{فَشََارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (3) أى شربا مثل شرب الهيم، وكقولك: ضربته ضرب الأمير اللّصّ، أى ضربا مثل ضرب الأمير اللصّ، لأنه لو أراد هذا لأخرج الخيل عن أن تكون من الخير، إذ التقدير: أحببت الخيل حبّا مثل حبّ الخير، وإذا كان هذا القياس ظاهر الفساد كما ترى، كان انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ} على وجهين:
أحدهما: أن يكون مفعولا به، والمعنى آثرت حبّ الخير، لأنك إذا أحببت الشىء فأنت مؤثّر له، وهذا قول الفراء (4) والزجّاج، و {الْخَيْرِ} هاهنا: هو الخيل، وتسميتها بالخير مطابق لقوله عليه السلام: «الخيل معقود فى نواصيها الخير (5)».
وقوله: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} إن شئت علّقته بالمعنى الذى حملت {أَحْبَبْتُ} عليه وجعلت «عن» نائبة مناب «على»، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمََا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (6) أى على نفسه، فكأنه قيل: آثرت حبّ الخير على ذكر ربّى، وإن شئت علّقت «عن» بحال (7) محذوفة تقديرها: آثرت حبّ الخير غافلا عن ذكر ربى، أو منصرفا عن ذكر ربّى.
__________
(1) الآية الثالثة من سورة الزمر.
(2) هذا الكلام بنصه فى مشكل إعراب القرآن لمكّى 2/ 250.
(3) سورة الواقعة 55.
(4) معانى القرآن للفراء 2/ 405، وللزجاج 4/ 331، وانظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 794.
(5) أخرجه البخارى فى (باب الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة. من كتاب الجهاد) و (باب حدثنا مسدّد. من فرض الخمس) و (باب حدّثنا مسدّد، من أواخر كتاب المناقب) صحيح البخارى 4/ 34، 104، 252، ومسلم فى (باب إثم مانع الزكاة. من كتاب الزكاة) و (باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة. من كتاب الإمارة) صحيح مسلم ص 683، 1492، والحديث دائر فى غير الصحيحين من دواوين السنّة. انظر المعجم المفهرس 4/ 294.
(6) الآية الأخيرة من سورة محمد عليه الصلاة والسّلام.
(7) وتكون «عن» حينئذ على بابها، كما صرّح ابن هشام فى المغنى ص 158.(1/307)
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا}: 3: 1/ 412، 428
{وَقََالُوا يََا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}: 6: 2/ 142، 144، 524
{لَوْ مََا تَأْتِينََا بِالْمَلََائِكَةِ}: 7: 1/ 425 2/ 568
{إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ}: 9: 1/ 129
{فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ}: 30: 2/ 417
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ. وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوََاناً}: 45 47: 3/ 190
{فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (1): 54: 2/ 520، 546
{جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}: 91: 2/ 279
{فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ}: 94: 2/ 557
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}: 98: 1/ 96
سورة النحل
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغََالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً}: 8: 1/ 94
{شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}: 10: 1/ 123
{وَأَلْقى ََ فِي الْأَرْضِ رَوََاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: 15: 3/ 160
{أَمْوََاتٌ غَيْرُ أَحْيََاءٍ}: 21: 1/ 351
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قََالُوا أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}: 24: 2/ 3444/ 54
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قََالُوا خَيْراً}: 30: 2/ 3444/ 54
__________
(1) انظر قراءاتها.(3/308)
والوجه الآخر: أن يكون {أَحْبَبْتُ} من قولهم: أحبّ البعير: إذا وقف فلم ينبعث، والإحباب فى الإبل كالحران فى ذوات الحافر، وأنشدوا:
/ حلت عليه بالقطيع ضربا ... ضرب بعير السّوء إذ أحبّا (1)
فيكون انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ} على أنه مفعول له، و «عن» متعلّقة بمعنى أحببت، لأنه بمعنى تثبّطت، وهذا القول عن أبى عبيدة، حكاه عنه علىّ بن عيسى الرّمانىّ، قال: قال أبو عبيدة: أحبّ البعير إحبابا، وهو أن يبرك فلا يثور، وذلك فى الإبل كالحران فى الخيل، ومنه (2) قوله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أى لصقت (3) بالأرض لحبّ الخير حتى فاتتنى الصلاة، قال أهل التفسير:
وكانت هذه الخيل وردت على سليمان عليه السلام من غنيمة جيش كان له، فلما صلّى الظهر دعا بها فلم تزل تعرض عليه حتى غابت الشمس ولم يصلّ العصر، وكان مهيبا لا يبتدأ بشىء ولا يجسر أحد أن ينبّهه لوقت صلاة، ولم يكن ذلك عن تكبّر منه.
قال الزجاج: ولست أدرى أكانت صلاة العصر مفروضة فى ذلك الوقت أم لا؟
إلا أنّ عرض الخيل شغله حتى جاز (4) وقت يذكر فيه الله تعالى، [قال (5)]:
__________
(1) البيتان لأبى محمد الفقعسى. وهما فى الأصمعيات ص 163، والمحتسب 1/ 364، والجمهرة 1/ 25، واللسان (حبب قفل)، والبيت الأول فى اللسان (قرشب)، والثانى فى مقاييس اللغة 2/ 27، وتفسير القرطبى 15/ 194.
(2) العجب أن أبا عبيدة لم يذكر هذا التفسير فى كتابه مجاز القرآن 2/ 182، حين عرض للآية الكريمة، إنما قال: «مجازه أحببته حبّا، ثم أضاف الحبّ إلى الخير». وجاء بحاشيته من نسخة: «قال أبو حاتم: ليس الأمر على ما ظنّ أبو عبيدة، إنما معنى «أحببت» لزمت الأرض فلم أقم للصلاة، والإحباب: اللزوق بالأرض، يقال: بعير محبّ، إذا لزق بالأرض من مرض به».
(3) حكى صاحب اللسان (حبب) هذا الكلام عن أبى عبيدة. وانظر التعليق السابق.
(4) فى هـ «جاوز» وكذلك فى الأصل، مع أثر تغيير، فقد كتبت «جاز» أولا، وهو الذى فى معانى القرآن الموضع السابق وفى نقل ابن الشجرى عنه بعض اختلاف.
(5) سقط من هـ.(1/308)
{وَلَدََارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ}: 30: 2/ 68
{يَتَفَيَّؤُا ظِلََالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمََائِلِ}: 48: 2/ 38
{وَمََا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللََّهِ}: 53: 2/ 551
{مََا تَرَكَ عَلَيْهََا مِنْ دَابَّةٍ}: 61: 2/ 491، 503
{لََا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النََّارَ}: 62: 2/ 529
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعََامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهِ}: 66: 3/ 95
{وَأَوْحى ََ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}: 68: 2/ 255
{أَفَبِالْبََاطِلِ يُؤْمِنُونَ}: 72: 1/ 403، 404
{وَمَنْ رَزَقْنََاهُ مِنََّا رِزْقاً حَسَناً}: 75: 1/ 141
{وَمََا أَمْرُ السََّاعَةِ إِلََّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}: 77: 3/ 78
{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرََابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرََابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}: 81: 2/ 218
{فَكُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اللََّهُ}: 114: 2/ 559
{إِنَّمََا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}: 115: 2/ 561
{وَلََا تَكُ فِي ضَيْقٍ}: 127: 2/ 167
سورة الإسراء
{عَسى ََ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}: 8: 3/ 153
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسََابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنََاهُ تَفْصِيلًا}: 12: 2/ 86
{فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ}: 23: 2/ 176
{وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}: 24: 1/ 342
{وَلََا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ}: 33: 1/ 414(3/309)
وقال (1) أهل اللغة فى قوله: {حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ:} يعنى [به] الشمس، ولم يجر لها ذكر، قال: وهذا لا أحسبهم أعطوا فيه الفكر حقّه (2)، لأن فى الآية دليلا على الشمس، وهو قوله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} لأن معناه إذ عرض عليه بعد زوال الشمس (3)، وليس يجوز الإضمار إلا أن يجرى له ذكر أو دليل بمنزلة الذّكر.
انتهى كلامه.
وأقول (4): إن إضمار الغائب مستعمل فى كلام العرب على أربعة أوجه: الأول:
عود الضمير إلى مذكور قبله، كقولك: زيد لقيته، وهند قامت، وأخواك أكرمتهما، وإخوتك انطلقوا، والنّساء برزن، هذا هو الأصل فى ضمير الغيبة.
والثانى: توجيه الضمير إلى مذكور بعده، ورد فى سياقة الكلام مؤخّرا ورتبته / التقديم، كقولك: ضرب غلامه زيد، وأكرمتهما أخواك، وكقولهم: «فى بيته يؤتى الحكم (5)»، وكقول زهير (6):
إن تلق يوما على علّاته هرما ... تلق السّماحة منه والنّدى خلقا
ومثله فى التنزيل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ََ} (7) {وَلََا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (8).
__________
(1) من هنا إلى آخر الفقرة أورده ابن الجوزى منسوبا إلى نفسه. راجع الموضع المذكور من زاد المسير.
(2) لم يرد فى هـ، ولا فى إعراب القرآن للزجاج. وانظر تأويل مشكل القرآن ص 226.
(3) فى إعراب القرآن، وزاد المسير: «بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب».
(4) أعاد ابن الشجرى هذا الكلام فى المجلس السابع والسبعين.
(5) من أمثال العرب. انظره فى مجمع الأمثال 2/ 72، والدرة الفاخرة فى الأمثال السائرة ص 456، والمقتضب 4/ 102، والأصول 2/ 239، والإنصاف ص 66، 252، وأعاده المصنف فى المجلس السابع والسبعين.
(6) ديوانه ص 53، والموضع السابق من المقتضب.
(7) سورة طه 67.
(8) سورة القصص 78.(1/309)
والثالث: رجوع الضمير إلى معلوم قام قوّة العلم به، وارتفاع اللّبس فيه بدليل لفظىّ أو معنوىّ مقام تقدّم الذّكر له، فأضمروه اختصارا أو ثقة (1) بفهم السامع، كقوله: {حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ} أضمر الشمس لدلالة ذكر {بِالْعَشِيِّ} عليها، من حيث [كان (2)] ابتداء العشىّ بعد زوال الشّمس، ومثله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (3) أضمر القرآن، لأن ذكر الإنزال دلّ عليه، ومثله: {فَلَوْلََا إِذََا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (4) و {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} (5) أضمر النفس لدلالة ذكر {الْحُلْقُومَ}
و {التَّرََاقِيَ} عليها، ومثله قول حاتم (6):
أماوىّ ما يغنى الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر
أراد حشرجت النفس: أى تردّدت، ومثله إضمار الأرض لقوّة الدلالة عليها فى قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (7) و {مََا تَرَكَ عَلى ََ ظَهْرِهََا مِنْ دَابَّةٍ} (8) ومنه قول الحطيئة (9):
ألا طرقتنا بعدما هجعوا هند ... وقد سرن خمسا واتلأبّ بنا نجد
أراد هجع أصحابى، فأضمرهم وأضمر المطايا فى سرن، والبيت أول القصيدة، ومنه فى شعر المحدثين قول دعبل (10):
__________
(1) فى هـ «وثقة».
(2) زيادة من هـ.
(3) مفتتح سورة القدر.
(4) سورة الواقعة 83.
(5) سورة القيامة 26.
(6) ديوانه ص 210، وتخريجه فى ص 352، وهذا بيت سيّار، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والسبعين.
(7) سورة الرحمن 26.
(8) الآية الأخيرة من سورة فاطر.
(9) ديوانه ص 63، وتخريجه فيه، وزد عليه المنصف 3/ 26.
(10) ديوانه ص 116، وتخريجه فى ص 115، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والسبعين.(1/310)
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤََادَ كُلُّ أُولََئِكَ كََانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا}: 36: 1/ 103
{أَإِذََا كُنََّا عِظََاماً وَرُفََاتاً أَإِنََّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}: 49: 1/ 96
{قُلْ كُونُوا حِجََارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمََّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنََا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ}: 50، 51: 1/ 96، 413
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلََّا قَلِيلًا}: 52: 1/ 395/ 145
{وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: 53: 2/ 477
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنََا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى ََ بَعْضٍ}: 55: 1/ 380
{الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى ََ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}: 57: 3/ 43
{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمََا يَزِيدُهُمْ إِلََّا طُغْيََاناً}: 60: 1/ 251
{أَرَأَيْتَكَ هََذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}: 62: 1/ 8
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشََارِكْهُمْ فِي الْأَمْوََالِ وَالْأَوْلََادِ وَعِدْهُمْ}: 64: 1/ 375، 411، 412
{وَإِنْ كََادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}: 73: 3/ 147
{أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}: 78: 1/ 410 2/ 616
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}: 80: 2/ 325
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ}
{هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}: 88: 1/ 268، 413(3/310)
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ}
{هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}: 88: 1/ 268، 413
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ}: 91: 3/ 181
{كُلَّمََا خَبَتْ زِدْنََاهُمْ سَعِيراً}: 97: 2/ 554
{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقََانِ سُجَّداً}: 107: 2/ 616
{إِنْ كََانَ وَعْدُ رَبِّنََا لَمَفْعُولًا}: 108: 3/ 147
{أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ}: 110: 2/ 568 3/ 39، 62
سورة الكهف
{لَدُنْهُ} (1): 2: 1/ 340
{إِنْ يَقُولُونَ إِلََّا كَذِباً}: 5: 3/ 144
{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ََ}: 12: 3/ 39
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}: 13: 3/ 114
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هََذِهِ}: 19: 1/ 158
{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلََاثَ مِائَةٍ}: 25: 2/ 210
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدََاةِ} [2]
وَالْعَشِيِّ: 28: 1/ 216، 220 2/ 552، 579
{فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ}: 29: 1/ 411
__________
(1) بإسكان الدال مع إشمامها الضمّ: قراءة عاصم، من رواية أبى بكر.
(2) وقرأ ابن عامر: {بِالْغَدََاةِ}.(3/311)
نفر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحنّ من بعده لمخارق
/ أراد مضطلعا بالخلافة، وقول ابن المعتز (1).
وندمان دعوت فهبّ نحوى ... وسلسلها كما انخرط العقيق
أضمر «الخمر»، لأن ذكر النّدمان دلّ عليها، ومن ذلك قول المتنبى (2):
خليلىّ ما هذا مناخا لمثلنا ... فشدّا عليها وارحلا بنهار
أضمر «المطايا» لدلالة المناخ عليها، وهذا فى الشّعر القديم والمحدث غير محصور.
وقول دعبل: «نفر ابن شكلة» شكلة: أم إبراهيم بن المهدىّ، وعنى بنفوره وثوبه على الخلافة والمأمون بخراسان، وقوله: «فهفا إليه كلّ أطلس» أى خفّ إليه، من قولهم: هفا الظّليم: إذا عدا، وهفت الصّوفة: إذا طارت فى الهواء.
والأطلس: الذئب الأغبر، شبّه أتباعه بالذّئاب الغبر.
والمائق: الأحمق.
وقوله: «مضطلعا بها»: أى قويّا على حملها، يقال: اضطلع فلان بالأمر: أى قام به، وقويت أضلاعه على حمله.
وكان مخارق من حذّاق المغنّين، وكان إبراهيم مغنّيا بالعود.
والرابع: إضمار غائب لا يعود على مذكور ولا معلوم، وهو الضمير المجهول الذى يلزمه التفسير، إمّا بالجملة، وإمّا بالمفرد المنصوب، فالمفسّر بالجملة ضمير الشأن والقصّة فى نحو: هو زيد منطلق، و {هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (3) وإنه أنا ذاهب، و {إِنَّهُ}
__________
(1) ديوانه 2/ 285، وأنشده المصنف أيضا فى المجلس المذكور.
(2) ديوانه 2/ 114.
(3) مفتتح سورة الإخلاص.(1/311)
{أَنَا اللََّهُ} (1) فهذا ضمير الشأن، وهى هند جالسة، فهى ضمير القصة، كما قال جلّ ثناؤه: {فَإِذََا هِيَ شََاخِصَةٌ أَبْصََارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (2).
والمفسّر بالمفرد الإضمار فى نعم وبئس وربّ، نحو نعم غلاما زيد، و {بِئْسَ لِلظََّالِمِينَ بَدَلًا} (3) الأصل: نعم الغلام، وبئس البدل، فلما أضمرا فسّرا بنكرة من لفظيهما، والمضمر فى «ربّ» كقولك: ربّه رجلا عالما أدركت، وجاز أن يلاصق «ربّ» المضمر وهى لا تليها المعارف لأنه غير عائد على مذكور، فهو جار مجرى ظاهر منكور.
وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} طفق من / أفعال المقاربة، التى تلزم بعدها الأفعال المستقبلة، كجعل وأخذ وكرب، تقول: طفق يفعل كذا، وجعل يتكلّم بحجّته، وأخذ يلوم زيدا، وكربت الشّمس تغيب: أى قاربت المغيب، والتقدير: فطفق يمسح مسحا بالسّوق، لابدّ له من يفعل [كذا (4)]، كما قال تعالى: {وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ عَلَيْهِمََا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (5) ولا يجوز أن تقدّر أن {مَسْحاً} (6) وقع موقع ماسحا، كما وقع {غَوْراً} موقع غائرا فى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً} (7) لأنّ هذا الضّرب من الأفعال يلزمه يفعل، ظاهرا أو مقدرا.
والمسح هاهنا: القطع، ومنه اشتقاق التّمساح، لدابّة من دوابّ البحر، لأنه يقطع بأسنانه كما يقطع السيف.
__________
(1) الآية التاسعة من سورة النمل.
(2) سورة الأنبياء 97، وانظر كتاب الشعر ص 274.
(3) الآية المتمة الخمسين من سورة الكهف.
(4) سقط من هـ.
(5) سورة الأعراف 22، وطه 121.
(6) أى تعربه مصدرا فى موضع الحال، كما قال العكبرى فى التبيان ص 1101، وانظر كتاب الشعر ص 343. وانظر ما سبق فى ص 82.
(7) الآية الأخيرة من سورة الملك.(1/312)
{وَيَلْبَسُونَ ثِيََاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ}: 31: 2/ 378
{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهََا}: 33: 1/ 291
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً}: 39: 1/ 162
{هُنََالِكَ الْوَلََايَةُ لِلََّهِ الْحَقِّ}: 44: 1/ 168 2/ 574 3/ 154
{الْمََالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ} [1] الْحَيََاةِ الدُّنْيََا: 46: 2/ 46
{وَوَجَدُوا مََا عَمِلُوا حََاضِراً}: 49: 1/ 81
{بِئْسَ لِلظََّالِمِينَ بَدَلًا}: 50: 1/ 292/ 422
{ذََلِكَ مََا كُنََّا نَبْغِ}: 64: 2/ 151، 290
{وَعَلَّمْنََاهُ مِنْ لَدُنََّا عِلْماً}: 65: 1/ 335
{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}: 76: 1/ 335، 338
{هََذََا فِرََاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}: 78: 2/ 591
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ} الآيات: 79، 80، 82: 2/ 311/ 131
{وَأَقْرَبَ رُحْماً}: 81: 2/ 589
{إِمََّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمََّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً}: 86: 3/ 125
{الَّذِينَ كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكََانُوا لََا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً}: 101: 1/ 96
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا}: 103: 3/ 105
{وَهُمْ يَحْسَبُونَ} [2] أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً: 104: 3/ 192
{كََانَتْ لَهُمْ جَنََّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}: 107: 2/ 219
__________
(1) وقرىء فى الشواذّ: زينتا.
(2) بكسر السين: قراءة غير ابن عامر وعاصم وحمزة وأبى جعفر.(3/312)
سورة مريم
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}: 4: 1/ 343
{كَذََلِكِ قََالَ رَبُّكِ}: 21: 2/ 354
{فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}: 26: 2/ 489 3/ 127
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}: 39: 3/ 173
{يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ}: 42: 2/ 415
{يََا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جََاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مََا لَمْ يَأْتِكَ}: 43: 2/ 341
{يََا أَبَتِ} [1] لََا تَعْبُدِ الشَّيْطََانَ: 44: 2/ 296، 341
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهََا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: 62: 2/ 579
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ} [2] أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمََنِ عِتِيًّا: 69: 3/ 41، 42، 43، 191
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا}: 71: 3/ 145
{وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}: 73: 1/ 378
{قُلْ مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا حَتََّى إِذََا رَأَوْا مََا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذََابَ وَإِمَّا السََّاعَةَ}: 75: 1/ 412 3/ 126
{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً}: 95: 1/ 259/ 350
{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}: 98: 1/ 229، 380 3/ 79
__________
(1) قرأ بفتح التاء ابن عامر وأبو جعفر.
(2) قرأها هارون الأعور: {أَيُّهُمْ} بالنصب.(3/313)
وقوله: {بِالسُّوقِ} يجوز أن يكون وصفا لمسح، فتكون الباء متعلقة بمحذوف، أى مسحا واقعا بالسّوق، ويجوز أن يكون مفعولا به، عمل فيه الفعل المقدّر، والباء زائدة، أى فطفق يمسح الرءوس من (1) الأعناق مسحا، والسّوق: جمع ساق، كدار ودور، ونار ونور، أنشد أبو زيد (2)، وهو من أبيات الإيضاح (3):
شهدت ودعوانا أميمة أنّنا ... بنو الحرب نصلاها إذا شبّ نورها
ومثله ممّا أنّث بتاء التأنيث: ناقة ونوق، وقارة وهى الجبل المنفرد وقور، ولابة وهى الحرّة ولوب، وساحة وسوح، قال الشاعر (4):
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح
هكذا أنشده الرّواة «سيّان» مرفوعا على إضمار (5) الشأن فى «كان».
وروى عن ابن كثير أنه قرأ: {بِالسُّوقِ} على الفعول (6)، وهمز الواو للزوم الضمّة
__________
(1) هكذا فى هـ، وفى الأصل: «والأعناق» ولعل الصواب: يمسح السّوق والأعناق.
(2) فى نوادره ص 107، والبيت لحاتم الطائى. ديوانه ص 249، وتخريجه فى ص 364. وقوله «أننا» يرويه أبو حاتم السجستانى بفتح الهمزة، كما جاء فى النوادر، وجاء بحاشية أصل الأمالى: «هكذا رووا «أننا» بفتح الهمزة، والصواب الكسر لأنه استئناف كلام».
(3) يقصد الجزء الثانى منه، وهو التكملة، والشاهد فيها ص 150، وأنشده أبو علىّ أيضا فى كتاب الشعر ص 245.
(4) أبو ذؤيب الهذلى. والبيت برواية النحويين هذه ملفّق من بيتين وردا فى شعر أبى ذؤيب هكذا:
وقال ماشيّهم سيان سيركم ... أو أن تقيموا به واغبرّت السّوح
وكان مثلين أن لا يسرحوا نعما ... حيث استرادت مواشيهم وتسريح
قال البغدادى: «وعلى هذا لا شاهد فيه» الخزانة 5/ 137. وشرح أشعار الهذليين ص 122، وتخريجه فى ص 1376، وزد عليه كتاب الشعر ص 323، وحواشيه. وقد أنشد ابن الشجرى البيت فى المجلس الخامس والسبعين بالرواية نفسها.
(5) قال ابن هشام: «أى وكان الشأن ألّا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيّان لوجود القحط، وإنما قدّرنا «كان» شأنية لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة» المغنى ص 65، وحكى صاحب الخزانة: «قال ابن يسعون: كان ينبغى أن يقول: سيّين لأن المعرفة أولى بأن تكون اسم كان». وانظر كلام أبى علىّ فى الشعر.
(6) السبعة لابن مجاهد ص 553، وزاد المسير 7/ 130.(1/313)
لها، وإن كانت وسطا، كما همزوها أوّلا فى نحو وجوه ووقّتت (1).
والتفاسير مجمعة على أنه ضرب بالسيف سوق الخيل وأعناقها، وقول الحسن [فى ذلك (2)] وقتادة سواء، قالا: نسف (3) عراقيبها، وضرب أعناقها، وقال قتادة: ما نازعه بنو إسرائيل فيما فعل، ولكن ولّوه (4) / من ذلك ما ولّاه الله.
وقال الزّجّاج: لم يك سليمان ليضرب سوقها وأعناقها إلا وقد أباحه الله ذلك، ولو لم يكن ما فعله مباحا لكان قد جعل التوبة من الذنب بذنب عظيم.
وقال قوم: إنه مسح بالماء سوقها وأعناقها بيده، وهذا القول غير صحيح، لأنه لم تأت به رواية عن السّلف، ولأن شغلها إيّاه عن ذكر الله لا يوجب مسح سوقها وأعناقها بالماء، وإنما قالوا ذلك لأنّ قتلها منكر، وليس ما يبيحه الله بمنكر، وجائز أن يكون ذلك أبيح لسليمان وحظر فى هذا الوقت.
وكان مالك بن أنس يذهب إلى أنه لا ينبغى أن يؤكل لحم الخيل (5)، لأن الله تعالى قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغََالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً} (6) وقال فى الإبل: {لِتَرْكَبُوا مِنْهََا وَمِنْهََا تَأْكُلُونَ} (7).
* * * __________
(1) فى الأصل: «ووفيت»، وأثبتّ الصواب من هـ، والمنصف 1/ 212، واللسان (وقت) وممّا ذكره ابن الشجرى فى المجلس السادس والأربعين، عند قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}.
(2) سقط من هـ.
(3) النّسف: الطعن.
(4) فى الأصل: «ولكن ولوه من ولوه من ذلك».
(5) هذه المسألة مستوفاة فى أحكام القرآن لابن العربى ص 1132، وتفسير القرطبى 10/ 76.
(6) الآية الثامنة من سورة النحل.
(7) سورة غافر 79.(1/314)
سورة طه
{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}: 12: 2/ 179
{إِنَّنِي أَنَا اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلََاةَ لِذِكْرِي}: 14: 2/ 179، 617
{وَمََا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ}: 17: 2/ 443، 545
{قََالَ هِيَ عَصََايَ} [1]: 18: 1/ 429 2/ 245
{وَلََا تَنِيََا فِي ذِكْرِي}: 42: 1/ 155، 341
{اذْهَبََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ََ. فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ}: 43، 44: 1/ 376/ 73
{فَاجْعَلْ بَيْنَنََا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لََا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلََا أَنْتَ مَكََاناً سُوىً}: 58: 1/ 359
{لََا تَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ} (2): 61: 3/ 209
{هََذََانِ} (3): 63: 3/ 56
{إِمََّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمََّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ}: 65: 3/ 125
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ََ}: 67: 1/ 89 3/ 115، 233
{إِنَّمََا صَنَعُوا كَيْدُ سََاحِرٍ}: 69: 2/ 549
{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنََا أَشَدُّ عَذََاباً}: 71: 2/ 606 3/ 39، 42، 191
__________
(1) وقرىء فى الشواذّ: عصىّ.
(2) بفتح الياء: قراءة ابن كثير ونافع وعاصم فى رواية أبى بكر، وأبى عمرو وابن عامر.
(3) قرىء بتخفيف النون وتشديدها.(3/314)
{فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ}: 72: 1/ 8
{أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا}: 89: 1/ 384:: 3/ 156
{يَا بْنَ أُمَّ} (1): 94: 2/ 295
{فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيََاةِ أَنْ تَقُولَ لََا مِسََاسَ} (2): 97: 2/ 356
{وَانْظُرْ إِلى ََ إِلََهِكَ الَّذِي ظَلْتَ} [3] عَلَيْهِ عََاكِفاً: 97: 1/ 146 2/ 172
{إِنَّمََا إِلََهُكُمُ اللََّهُ}: 98: 2/ 559
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}: 113: 3/ 73
{وَلَقَدْ عَهِدْنََا إِلى ََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}: 116: 2/ 323
{وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ عَلَيْهِمََا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ}: 121: 1/ 392/ 115
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلََاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهََا لََا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ}: 132: 2/ 200 3/ 114
سورة الأنبياء
{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}: 3: 1/ 202
{وَجَعَلْنَا السَّمََاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً}: 32: 2/ 3472/ 94
{وَنَضَعُ الْمَوََازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيََامَةِ}: 47: 2/ 617
{وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ}: 57: 2/ 434
__________
(1) وقرىء: «يابن أمّ».
(2) بفتح الميم وكسر السين: قراءة أبى حيوة.
(3) بكسر الظاء: قراءة.(3/315)
المجلس العاشر
وهو مجلس يوم السبت، الثانى والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
تأويل آية أخرى: سألنى سائل عن قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} (1) فقال: ما معنى تستجيبون بحمده؟ وبم تتعلق الباء، فقد زعم بعض المفسّرين (2) أن معنى بحمده: بأمره.
فأجبت بأن الحمد هو الثناء والمدح، وليس بمعروف فى لغات العرب على اختلافها [أن الحمد (3)] بمعنى الأمر، وأما تستجيبون فمعناه تجيبون، قال كعب بن سعد الغنوىّ:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (4)
أراد فلم يجبه، ومثله فى التنزيل: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ}
__________
(1) سورة الإسراء 52.
(2) ينسب هذا إلى ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد. انظر زاد المسير 5/ 45، وتفسير القرطبى 10/ 276.
(3) ساقط من هـ.
(4) الأصمعيات ص 96، وأمالى القالى 2/ 151، والتعازى والمراثى ص 24، وتأويل مشكل القرآن ص 230، والخزانة 4/ 375، واللسان (جوب) وغير ذلك كثير. والبيت من قصيدة شهيرة، يرثى فيها كعب أخاه أبا المغوار.(1/315)
{وَإِقََامَ الصَّلََاةِ}: 73: 2/ 3187/ 36
{وَنَصَرْنََاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيََاتِنََا}: 77: 2/ 613
{وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}: 78: 3/ 205
{وَمِنَ الشَّيََاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ}: 82: 2/ 341/ 63
«وكذلك نجّي (1) المؤمنين»: 88: 2/ 517
{فَلََا كُفْرََانَ لِسَعْيِهِ}: 94: 2/ 106
{وَحَرََامٌ عَلى ََ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا أَنَّهُمْ لََا يَرْجِعُونَ}: 95: 2/ 541
{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}: 96: 1/ 163
{فَإِذََا هِيَ شََاخِصَةٌ أَبْصََارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: 97: 1/ 92
سورة الحج
{ثََانِيَ عِطْفِهِ}: 9: 1/ 107
{يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللََّهِ مََا لََا يَضُرُّهُ وَمََا لََا يَنْفَعُهُ}. {يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}: 12، 13: 2/ 439
{لَبِئْسَ الْمَوْلى ََ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}: 13: 1/ 348
{وَمَنْ يُهِنِ اللََّهُ فَمََا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} (2): 18: 1/ 319
{سَوََاءً الْعََاكِفُ فِيهِ وَالْبََادِ}: 25: 1/ 360
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}: 29: 1/ 410
{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثََانِ}: 30: 2/ 378
__________
(1) بنون واحدة وتشديد الجيم: قراءة عاصم، فى رواية أبى بكر شعبة بن عياش.
(2) بفتح الراء: قراءة شاذة.(3/316)
{وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} (1) أى ويجيب، ويجوز أن يعلق (2) الباء بتستجيبون، كما تقول:
نادانى فلان فأجبته (3) بالتلبية، ويجوز أن يعلقها بحال محذوفة، فالتقدير: معلنين بحمده، / ومثله فى جواز تعلّق الباء بالفعل المذكور، وتعلّقها بالمحذوف قوله تعالى:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (4) إن شئت علّقت الباء بالتسبيح، أى فسبّح بالثّناء على ربك، وإن شئت قدّرت: فسبح معلنا بحمد ربك.
والخطاب فى الآية للمشركين، لأنه جاء على سياقة قوله، حاكيا ذلك عن منكرى البعث: {أَإِذََا كُنََّا عِظََاماً وَرُفََاتاً أَإِنََّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} (5) وقوله:
{فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنََا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ} (6) أى يحرّكون رؤسهم استهزاء {وَيَقُولُونَ مَتى ََ هُوَ} أى متى البعث، ومعلوم أن من يشرك بالله يستكبر إذا قيل له: لا إله إلا الله، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كََانُوا إِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (7) فقد ألحق بالله سبحانه نقصا عظيما بإشراكه فى عبادته أحجارا لا تضرّ ولا تنفع، فإذا دعاه الله حين تزول الشكوك، أجابه بالثناء عليه والحمد له، وأحد أوصاف الثناء على الله والحمد له توحيده، فجوابه: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لا إله إلا أنت».
آية أخرى: إن سأل سائل عن قوله تعالى: {الَّذِينَ كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكََانُوا لََا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (8) فقال: كيف وصف الله الأعين بأنها كانت فى غطاء عن الذّكر، والذّكر إنما هو مسموع لا مرئىّ، وكيف وصفهم بأنهم كانوا لا يستطيعون سمعا، ونفى الاستطاعة للسمع نفى القدرة (9) عليه؟
__________
(1) سورة الشورى 26.
(2) فى هـ: تتعلق كما يقال.
(3) حكى هذا عن ابن الشجرى ابن هشام فى المغنى ص 109.
(4) سورة الحجر 98، والنصر 3.
(5) سورة الإسراء 49.
(6) السورة نفسها 51.
(7) سورة الصافات 35.
(8) سورة الكهف 101.
(9) فى الأصل «والقدرة» بإقحام الواو.(1/316)
«فاذكروا اسم الله عليها صوافن» (1): 36: 1/ 85
{فَإِذََا وَجَبَتْ جُنُوبُهََا فَكُلُوا مِنْهََا}: 36: 1/ 411
{وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ}: 40: 2/ 89، 111
{فَإِنَّهََا لََا تَعْمَى الْأَبْصََارُ}: 46: 3/ 117
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}: 63: 2/ 184
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}: 73: 2/ 412
{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبََابُ شَيْئاً لََا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}: 73: 1/ 25
{هُوَ مَوْلََاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى ََ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}: 78: 1/ 84
سورة المؤمنون
«قد فلح (2) المؤمنون»: 1: 2/ 200، 213
{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبََارَكاً}: 29: 1/ 63، 319
{عَمََّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نََادِمِينَ}: 40: 2/ 568، 603
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سََامِراً تَهْجُرُونَ}: 67: 3/ 117
{رَبِّ ارْجِعُونِ}: 99: 3/ 114
سورة النور
{سُورَةٌ أَنْزَلْنََاهََا}: 1: 2/ 61
«فشهادة أحدهم أرباع (3) شهادات بالله»: 6: 3/ 27
{لَوْلََا جََاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ}: 13: 1/ 426 2/ 3509/ 27
__________
(1) قراءة فى {صَوََافَّ}.
(2) بحذف الألف وإلقاء حركتها على الساكن قبلها: قراءة ورش، وهو المعروف عند القرّاء بالنّقل.
(3) بفتح العين: قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر، وعاصم فى رواية أبى بكر.(3/317)
فالجواب: أنّ هذين الوصفين عبارة عن الإعراض منهم عند سماع الذّكر، وعن ترك الإصغاء إليه والقبول له، فقوله: {كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي} أي كانوا معرضين بأبصارهم وقت سماع الذّكر، عن المتكلّم به، وقوله: {وَكََانُوا لََا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} أى كان سماع الذّكر ثقيلا عليهم، فلا يستمعون له ولا ينصتون إليه، كما تقول: ما أستطيع أن أرى فلانا، ولا أستطيع أن أسمع كلامه، تريد أنك كاره لذلك، لا أنك فى الحقيقة غير قادر عليه، وقد حكى الله / عنهم أنهم كان بعضهم ينهى بعضا عن الإصغاء إلى سماع تلاوة كتاب الله، ويأمرونهم بالتكلّم باللغو عند سماعه، وذلك قوله تعالى: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَسْمَعُوا لِهََذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (1) وقد بالغ الله سبحانه فى ذمّهم بعدولهم عن الحقّ فى قوله:
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} (2) ولو كانوا بهذه الأوصاف على الحقيقة لم يكلّفوا فرضا، لأن الصّمم ذهاب السمع، والبكم هو الخرس، وإنما أراد أنّهم (3) صمّ عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عمى عن النظر إلى قائله، فهذا على تشبيههم بمن لحقته آفات فى سمعه ولسانه وبصره، قال الشاعر:
أصمّ عما ساءه سميع (4)
فوصف الممدوح بالصمم مع وصفه له بسميع، وهو اللفظ الموضوع للمبالغة فى السمع، وذلك على وجهين مختلفين، مجيئه معدولا عن فاعل، كما جاء قدير ورحيم معدولين عن قادر وراحم، والآخر مجيئه معدولا من مفعل فى قول عمرو بن معديكرب (5):
__________
(1) سورة فصلت 26.
(2) سورة البقرة 18، 171.
(3) فى هـ: بأنهم.
(4) من غير نسبة، ومن غير تكملة فى شرح الحماسة ص 1450، والكشاف 1/ 204، وتفسير القرطبى 1/ 214، واللسان (سمع صمم).
(5) ديوانه ص 136، وهو بيت دائر فى كتب العربية. وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والخمسين.(1/317)
{يَعِظُكُمُ اللََّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً}: 17: 1/ 393
{أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ}: 22: 1/ 402
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ}: 30: 2/ 28، 477
{وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ}: 31: 2/ 412
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ الزُّجََاجَةُ كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}: 35: 3/ 89
{وَإِقََامِ الصَّلََاةِ}: 37: 2/ 3187/ 36
{كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ}: 39: 3/ 31
{إِنَّمََا كََانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذََا دُعُوا إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنََا وَأَطَعْنََا}: 51: 1/ 394
{وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ}: 60: 3/ 212
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} الآية: 61: 1/ 394
{فَسَلِّمُوا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً}: 61: 2/ 222
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذََا كََانُوا مَعَهُ عَلى ََ أَمْرٍ جََامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتََّى يَسْتَأْذِنُوهُ}: 62: 1/ 394
{يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوََاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}: 63: 1/ 224، 283 2/ 154
سورة الفرقان
{أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبََادِي هََؤُلََاءِ}: 17: 1/ 404
{وَقَدِمْنََا إِلى ََ مََا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنََاهُ هَبََاءً مَنْثُوراً}: 23: 1/ 342
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظََّالِمُ عَلى ََ يَدَيْهِ}: 27: 1/ 75(3/318)
أمن ريحانة الدّاعى السّميع ... يؤرّقنى وأصحابى هجوع
أى الداعى المسمع.
ويحتمل قوله: {كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي} أن يريد به أنهم كانوا إذا سمعوا التلاوة غطّوا وجوههم وسدّوا آذانهم بأصابعهم، كما كان قوم نوح يفعلون ذلك إذا دعاهم إلى الله، وذلك قوله: {وَإِنِّي كُلَّمََا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيََابَهُمْ} (1) كانوا يفعلون ذلك مبالغة فى الإعراض عن سماع دعائه والنظر إليه.
تأويل آية أخرى:
سألنى سائل مكاتبة من المشهد بالغرىّ (2) على [علىّ (3)] صاحبه السلام، عن قوله عز من قائل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا} (4)، الآية، فقال:
ما معنى / الاصطفاء، وما أصله الذى اشتقّ منه، وما حقيقة معنى المقتصد، وإلى أىّ شىء هذا السّبق، وما معنى الخيرات هاهنا، وكيف دخل الظالم لنفسه فى الذين اصطفاهم الله، وقد قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلََّهِ وَسَلََامٌ عَلى ََ عِبََادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ََ} (5) وإلى أىّ شىء تتوجّه الإشارة فى قوله: {ذََلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (6).
فأجبت بأن معنى (7) اصطفينا: اخترنا، واشتقاقه من الصّفو، وهو الخلوص من
__________
ومنع بعضهم أن يكون «فعيل» هنا بمعنى «مفعل» فى بحث طويل تراه فى الخزانة 8/ 178، وانظر الكامل ص 260.
(1) الآية السابعة من سورة نوح.
(2) ليس فى هـ.
(3) الغرىّ، بفتح الغين وكسر الراء وتشديد الياء: أحد الغريّين، وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر على بن أبى طالب رضى الله عنه. معجم ياقوت 3/ 790.
(4) سورة فاطر 32.
(5) سورة النمل 59.
(6) جاء بحاشية الأصل هنا حاشية من كلام لجار الله الزمخشرى، فى توجيه الآية الكريمة، ولم أر فائدة من نقلها، حيث تراها فى الكشاف 3/ 308.
(7) من هنا إلى قوله: «والواو ياء». أورده القرطبى فى تفسيره 14/ 347، من غير عزو.(1/318)
{فَقُلْنَا اذْهَبََا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيََاتِنََا فَدَمَّرْنََاهُمْ.}
{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمََّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنََاهُمْ}. {وَعََاداً وَثَمُودَ وَأَصْحََابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذََلِكَ كَثِيراً. وَكُلًّا ضَرَبْنََا لَهُ الْأَمْثََالَ وَكُلًّا تَبَّرْنََا تَتْبِيراً}: 3936: 2/ 90
{أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا}: 41: 1/ 5، 25 2/ 71، 558
{أَلَمْ تَرَ إِلى ََ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}: 45: 1/ 403 2/ 436
{وَأَنََاسِيَّ كَثِيراً}: 49: 3/ 34
{الرَّحْمََنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً}: 59: 1/ 425 2/ 543، 614
{إِنَّ عَذََابَهََا كََانَ غَرََاماً}: 65: 2/ 476
{وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً}: 67: 1/ 135 2/ 435
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً}: 68: 3/ 62
{قُلْ مََا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلََا دُعََاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزََاماً}: 77: 1/ 77
سورة الشعراء
{فَظَلَّتْ أَعْنََاقُهُمْ لَهََا خََاضِعِينَ}: 4: 1/ 241
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهََا عَلَيَّ}: 22: 1/ 407
{قََالَ فِرْعَوْنُ وَمََا رَبُّ الْعََالَمِينَ} الآيات: 3123: 1/ 402 2/ 145، 548(3/319)
شائب الكدر، وأصله اصتفونا، فأبدلت التاء طاء والواو ياء، أما الطاء فإن العرب تبدلها من تاء افتعال إذا كان فاؤه صادا، لأن بين الصاد والطاء وفاقا من جهتين:
الإطباق والاستعلاء، وبين الطاء والتاء وفاقا من جهة المخرج، فلمّا حصل بين الصاد والطاء ما ذكرناه من التوافق، مع ما بينها وبين التاء من / التنافر، أبدلوا الطاء من التاء لتقارب مخرجيهما، وأما إبدال الياء من الواو، فإن الواو متى وقعت فى الماضى رابعة فصاعدا قلبت ياء، نحو: اصطفيت واستدعيت ورجّيت وأعطيت، حملا على قلبها فى قولك: أصطفى وأستدعى وأرجّى وأعطى، فلما كانت تصير فى المستقبل إلى الياء لانكسار ما قبلها، حملوا الماضى عليه، وحسن حمل الفعل على الفعل، لأن الأفعال (1) جنس واحد.
والعبد يجمع فى القلّة على الأعبد، وفى الكثرة على العباد والعبيد والعبدان، وكأنّ العبدان (2) جمع العبيد، على قياس قضيب وقضبان وخصىّ وخصيان، قال الحطيئة (3):
هو الواهب الكوم الصّفايا لجاره ... يروّحها العبدان من عازب ندى
الكوم: العظام الأسنمة، والصّفايا: جمع ناقة صفيّ، وهى الكثيرة اللبن، والعازب: المكان المتنحّى عن مرعى الناس.
والعباد مختصّ بالله تعالى، يقولون: نحن عباد الله، لا يكادون يضيفونه إلى الناس (4)، وقد جاء ذلك فيما أنشده سيبويه من قول القائل (5):
__________
(1) هذا من كلام ابن السراج، وقد أشرت إليه فى المجلس السابع.
(2) يقال: عبدان، بكسر العين وضمّها، وكذلك قضبان، بالكسر والضم.
(3) ديوانه ص 82.
(4) بحاشية الأصل: «قد يكثر الشىء فى كلامهم وغيره مثله فى الجواز، لكن يقل استعمالهم له، فأمّا «العباد» فقد جاء فى قوله تعالى: {وَالصََّالِحِينَ مِنْ عِبََادِكُمْ وَإِمََائِكُمْ} [النور 32] وهذا قاطع لمن يخالفه».
(5) هو شقيق بن جزء الباهلى، كما فى الحماسة البصرية 1/ 103، والبيتان من غير نسبة فى الكتاب 1/ 304، والمحتسب 1/ 215، 2/ 14، والتبصرة ص 260، والجمل المنسوب للخليل ص 170،(1/319)
أتوعدنى بقومك يا ابن جحل ... أشابات يخالون العبادا
بما جمّعت من حضن وعمرو ... وما حضن وعمرو والجيادا (1)
والعبيد: اسم للجمع، وليس بتكسير عند (2) سيبويه، لخروجه عن القياس، ومثله: الكليب والمعيز والضّئين، فى جمع كلب ومعز وضأن، وقالوا أيضا فى جمع العبد: العبدّى (3) والمعبوداء، ممدود، ومثله فى جمع شيخ: مشيوخاء، وفى جمع عير: معيوراء.
والمقتصد فى اللغة: اللازم للقصد، وهو ترك الميل، ومنه قول جابر بن حنىّ التغلبىّ:
نعاطى الملوك السّلم ما قصدوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرّم (4)
أى نعطيهم الصلح ما ركبوا بنا القصد، أى ما لم يجوروا، وليس قتلهم بمحرّم علينا / إن جاروا، فلذلك كان المقتصد له منزلة بين المنزلتين، فهو فوق الظالم لنفسه، ودون السابق بالخيرات.
__________
309. والبيت الثانى فى اللسان (حضن). وفى هذه المراجع كلها، والنسخة هـ «حجل» بتقديم الحاء المهملة على الجيم. والذى فى أصل الأمالى بتقديم الجيم، وقد وضعت جاء صغيرة علامة الإهمال تحت الحاء بعد الجيم. وجاء فى الحاشية: «الجحل: السّقاء العظيم، والأشابات: الأخلاط». وهو بتقديم الجيم أيضا فى النكت فى تفسير كتاب سيبويه ص 364، وشرح أبيات سيبويه 1/ 196، والمؤتلف والمختلف ص 112، وقال الآمدىّ: فأما جحل فهو من باهلة، وهو جحل بن نضلة، أحد بنى عمرو بن عبد وهو القائل:
جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بنى عمّك فيهم رماح
(1) حضن، بفتح الحاء والضاد: قبيلة من تغلب.
(2) بل ذكره فى التكسير، ولكنه وصفه بالقلة. الكتاب 3/ 567، 576، 628.
(3) جاء هذا الجمع فى حديث استسقاء عبد المطلب جد النبىّ صلّى الله عليه وسلم. انظره فى غريب الحديث للخطابى 1/ 436، والروض الأنف 1/ 179، ومنال الطالب ص 259.
(4) المفضليات ص 211، ومعجم الشعراء ص 13، وتفسير القرطبى 14/ 349، وحكى ألفاظ ابن الشجرى فى شرح البيت دون عزو.(1/320)
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}: 28: 1/ 121
«يريد أن يخرجكم من (1) رضكم»: 35: 2/ 213
{إِنََّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنََا رَبُّنََا خَطََايََانََا أَنْ كُنََّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}: 51: 3/ 162
{فَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ أَنِ اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}: 63: 2/ 123
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}: 72، 73: 1/ 380/ 79
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي}: 82: 1/ 385 3/ 158
{فَلَوْ أَنَّ لَنََا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: 102: 1/ 427
{أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}: 111: 2/ 3146/ 13
{فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}: 119: 2/ 311
{وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكََاذِبِينَ}: 186: 2/ 564 3/ 147
{وَلَوْ نَزَّلْنََاهُ عَلى ََ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ}: 198: 3/ 33
{وَأَكْثَرُهُمْ كََاذِبُونَ. وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ}: 223، 224: 2/ 85، 87
سورة النمل
{مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}: 6: 1/ 338 2/ 583
{إِنَّهُ أَنَا اللََّهُ}: 9: 1/ 92، 280 3/ 117
__________
(1) انظر الآية 110من سورة الأعراف، فى موضعها من كتابنا.(3/320)
{فَلَمََّا جََاءَتْهُمْ آيََاتُنََا مُبْصِرَةً قََالُوا هََذََا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}: 13، 14: 1/ 391
{يََا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ لََا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَجُنُودُهُ}: 18: 1/ 203 2/ 49، 427
«ألا (1) يا اسجدوا لله»: 25: 2/ 69، 410
{وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنََا مَكْراً}: 50: 1/ 69
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خََاوِيَةً}: 52: 3/ 9
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: 55: 3/ 223
{فَمََا كََانَ جَوََابَ قَوْمِهِ إِلََّا أَنْ قََالُوا}: 56: 3/ 152
{قُلِ الْحَمْدُ لِلََّهِ وَسَلََامٌ عَلى ََ عِبََادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ََ}: 59: 1/ 298/ 71
{إِنَّكَ لََا تُسْمِعُ الْمَوْتى ََ وَلََا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعََاءَ}: 80: 1/ 408
{أَكَذَّبْتُمْ بِآيََاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهََا عِلْماً}: 84: 1/ 403
{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ}: 87: 1/ 259/ 350
{صُنْعَ اللََّهِ}: 88: 2/ 359
سورة القصص
{إِنََّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجََاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}: 7: 1/ 305
{إِنِّي لِمََا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}: 24: 2/ 372
{هََاتَيْنِ} (2): 27: 3/ 56
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ}: 27: 2/ 582
__________
(1) بتخفيف اللام: قراءة الكسائى وأبى جعفر، ورويس عن يعقوب.
(2) قرىء بتخفيف النون وتشديدها.(3/321)
والسّبق هاهنا: السّبق إلى الطاعات لله، والخيرات: الأعمال الصالحة، والتقدير: فمنهم فريق ظالم لنفسه، ومنهم فريق مقتصد، ومنهم فريق سابق بالخيرات (1).
وفى الظالم لنفسه ثلاثة أقوال، قيل: الموحّد الحامل كتاب الله، الذى يشوب مع صحّة العقد فى التوحيد أعمالا سيّئة بأعمال صالحة، كما قال تعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صََالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} (2) وقيل: هو المنافق، وقيل: هو الكافر، ودليل القول الأول فيما حكاه الزّجّاج، الخبر المروىّ عن عمر رضوان الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» (3) فعلى هذا يقدّر مفعول الاصطفاء من قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا} مضافا حذف، كما حذف المضاف فى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (4) أى اصطفينا دينهم، فبقى: اصطفيناهم، فحذف العائد إلى الموصول كما حذف فى قوله تعالى: {وَلََا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} (5) أى تزدريهم، وقد ذكرنا فيما تقدم (6)
علّة حسن حذف العائد إذا كان منصوبا، فالاصطفاء إذا موجّه إلى دينهم، كما قال تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ لَكُمُ الدِّينَ} (7).
وقوله عليه السلام: «سابقنا سابق» أى سابقنا إلى الطاعات سابق إلى الجنات،
__________
(1) بحاشية الأصل: «قرئ «سبّاق» ومعنى {بِإِذْنِ اللََّهِ} أى بتيسيره وتوفيقه، وقدّم الظالم لأنه الكثير، والمقتصدون قليل، والسابقون أقلّ من القليل. من خط تلميذ ابن هشام».
قلت: سبّاق، بتشديد الباء، وهى قراءة أبى المتوكل والجحدرى وابن السميفع، كما ذكر ابن الجوزى فى زاد المسير 6/ 490، وانظر البحر 7/ 314. وهذه الحاشية المنقولة من خط تلميذ ابن هشام هى من كلام الزمخشرى فى الكشاف 3/ 309.
(2) سورة التوبة 102.
(3) روى عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، موقوفا وروى عن أنس عن النبى صلّى الله عليه وسلم. الدر المنثور 7/ 25 [طبعة دار الفكر بيروت 1403هـ 1983م]، وانظر حواشى زاد المسير 6/ 489، وللزمخشرى عليه كلام، انظره فى الموضع السابق من الكشاف. وانظر معانى القرآن للزجاج 4/ 268
(4) سورة يوسف 82.
(5) سورة هود 31.
(6) فى المجلس الأول.
(7) سورة البقرة 132.(1/321)
{أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ}: 28: 3/ 39
{فَذََانِكَ} (1): 32: 3/ 56
{فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي}: 34: 1/ 357
{وَمََا كُنْتَ ثََاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}: 45: 2/ 67، 248
{وَأَحْسِنْ كَمََا أَحْسَنَ اللََّهُ إِلَيْكَ}: 77: 1/ 374/ 192
{وَلََا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}: 78: 1/ 89
{وَيْكَأَنَّ اللََّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلََا أَنْ مَنَّ اللََّهُ عَلَيْنََا لَخَسَفَ بِنََا وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ}: 82: 2/ 182، 183
سورة العنكبوت
{وَلْنَحْمِلْ خَطََايََاكُمْ}: 12: 2/ 354 3/ 175
{وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: 17: 2/ 126
{فَمََا كََانَ جَوََابَ قَوْمِهِ إِلََّا أَنْ قََالُوا}: 24، 29: 3/ 152
{مََا سَبَقَكُمْ بِهََا مِنْ أَحَدٍ}: 28: 2/ 6
{إِنََّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ}: 33: 1/ 304 2/ 104
{أَفَبِالْبََاطِلِ يُؤْمِنُونَ}: 67: 1/ 404
{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكََافِرِينَ} 68: 1/ 404
سورة الروم
{وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} [2]
__________
(1) قرىء بتخفيف النون وتشديدها.
(2) وقرأ بتنوين «قبل وبعد» أبو السّمّال.(3/322)
كما قال تعالى: {وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ} (1) أى السابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة.
وقال قتادة، وهو قول الحسن: الظالم لنفسه هو المنافق، نطق بكتاب الله وصدّق بلسانه وخالف بعمله، والمقتصد صاحب اليمين، والسابق بالخيرات هو المقرّب، قال: وإن الناس نزّلوا / عند الموت فى ثلاثة منازل، وذلك قول الله عز وجل: {فَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} (2) إلى آخر السورة، أى إنك ترى فيهم ما تحبّ من السلامة، وقد علمت ما أعد لهم، ومعنى {فَنُزُلٌ} أى فغذاء من حميم، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أى إقامة على جحيم، قال:
وجعل لهم يوم القيامة ثلاثة منازل، فقال تعالى: {فَأَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ * أُولََئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (3).
وقال الضّحّاك بن مزاحم: المقتصد: المؤمن، والظالم لنفسه: المشرك، والسابق بالخيرات: المقرّب، وبعضهم أفضل من بعض، كما قال فى الصافّات:
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمََا مُحْسِنٌ وَظََالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} (4).
وقال الفرّاء (5) كقول الضحاك، قال: فمنهم ظالم لنفسه: هذا الكافر، ومنهم مقتصد: هؤلاء أصحاب اليمين، والسابق بالخيرات: هم المقرّبون، كالآية التى فى الواقعة، موافقا تفسيرها تفسيرها، فأصحاب الميمنة هم المقتصدون، وأصحاب المشأمة فى النار، والسابقون السابقون أولئك المقربون: انتهت الحكاية عنه.
وأقول: إن الضمائر الثلاثة من قوله: {فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}
__________
(1) الآية العاشرة من سورة الواقعة.
(2) سورة الواقعة 88، 89.
(3) السورة نفسها 118.
(4) سورة الصافات 113.
(5) معانى القرآن 2/ 369، وقد تصرف ابن الشجرى فى عبارة الفراء بعض التصرف.(1/322)
{وَمِنْهُمْ سََابِقٌ بِالْخَيْرََاتِ} تعود فى هذين القولين على العباد، فى قول من فسّر الظالم لنفسه بالمنافق، وقول من فسّره بالمشرك، فتقديره: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمن عبادنا ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات. وأما الإشارة فى قوله: {ذََلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فموجّهة إلى السّبق الذى دلّ عليه (سابق) كما وجّهت الإشارة إلى الصبر والغفران فى قوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (1) لدلالة فعليهما عليهما، وكما عاد الضمير إلى السّفه، الذى دل عليه السفيه فى قول القائل (2):
إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
/ أى جرى إلى السّفه، ومثله قول القطامىّ (3):
هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... والآخذون به والسّاسة الأول
أراد الآخذون بالملك، فأضمره لدلالة ذكر الملوك عليه، والإشارة بمنزلة الإضمار، ألا ترى أنها قد سدّت مسدّ الضمير فى قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤََادَ كُلُّ أُولََئِكَ كََانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا} (4) فالإشارة من «أولئك» قامت مقام الضمير العائد من الجملة إلى المخبر عنه، فكأنه قيل: كلّهنّ كان عنه مسئولا.
آخر المجلس.
* * * __________
(1) سورة الشورى 43.
(2) غير مسمّى. والبيت فى معانى القرآن 1/ 104، وتأويل مشكل القرآن ص 227، ومجالس ثعلب 1/ 60، ونقائض جرير والأخطل ص 157، والخصائص 3/ 49، والمحتسب 1/ 170، وشرح الحماسة ص 244، وأمالى المرتضى 1/ 203، والإنصاف ص 140، والهمع 1/ 65. وفى حواشى تأويل المشكل مراجع أخرى. ونسب إلى أبى قيس بن الأسلت فى إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص 902، وليس فى ديوانه المطبوع. وأعاد ابن الشجرى إنشاده فى المجالس: السابع عشر، والثامن والثلاثين، والتاسع والخمسين، والخامس والسّتّين.
(3) ديوانه ص 30، والموضع المذكور من معانى القرآن، وأمالى المرتضى، وجمهرة أشعار العرب ص 819، والخزانة 5/ 226. والبيت أعاده ابن الشجرى فى المجلسين الثامن والثلاثين، والسادس والسبعين.
(4) سورة الإسراء 36.(1/323)
{وَمِنْ بَعْدُ}: 3، 4: 2/ 75، 595 3/ 203
{وَمِنْ آيََاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}: 24: 3/ 224
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}: 27: 2/ 101
{فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللََّهُ}: 29: 1/ 408
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} [1]: 36: 1/ 214 2/ 600
{وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ زَكََاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللََّهِ فَأُولََئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}: 39: 1/ 177
{اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}: 54: 1/ 351
{وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ} [2] الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ: 60: 1/ 305
سورة لقمان
{وَفِصََالُهُ فِي عََامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوََالِدَيْكَ}: 14: 2/ 129، 607
{وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ}: 27: 3/ 11
{بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}: 34: 3/ 45
سورة السجدة
{الم. تَنْزِيلُ الْكِتََابِ لََا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ}: 31: 3/ 109
__________
(1) وقرأ بكسر النون أبو عمرو والكسائى.
(2) بسكون النون: قراءة ابن أبى عبلة ويعقوب.(3/323)
المجلس الحادى عشر مجلس يوم السبت، سلخ جمادى الأولى، من سنة أربع وعشرين وخمسمائة. تفسير مسائل وأبيات
مسألة (1)
من مذاهب العرب للمبالغة إعطاء الأعيان حكم المصادر، وإعطاء المصادر حكم الأعيان، فمن ذلك قولهم: «أخطب ما يكون الأمير قائما (2)» فأخطب إنما هو للأمير، وقد أضافوه إلى «ما» المصدرية، ولفظة أفعل التى وضعوها للمفاضلة مهما أضيفت إليه صارت بعضه، ولما أضافوا أخطب إلى «ما» وهى موصولة بيكون صار أخطب كونا، فالتقدير. أخطب كون الأمير، فهذا وصف للمصدر بما يوصف به العين، والمعنى راجع إلى الأمير، فلذلك سدّت الحال مسدّ خبر [هذا (3)] المبتدأ، إذ الحال لاتسدّ مسدّ خبر المبتدأ إلا إذا كان المبتدأ اسم حدث، كقولك: ضربى زيدا جالسا، ولا تسدّ الحال مسدّ خبر المبتدأ إذا كان اسم عين، فالعامل فى هذه الحال
__________
(1) حكى السيوطىّ خلاصة هذه المسألة، عن أمالى ابن الشجرى، فى الأشباه والنظائر 1/ 183.
(2) تقدم فى المجلس السادس، ويأتى فى المجلس السادس والثلاثين. وانظره فى الكتاب 1/ 402، 403، والأصول 2/ 359، وكتاب الشعر ص 238وحواشيه.
(3) سقط من هـ، وهو فى الأشباه والنظائر، حكاية عن ابن الشجرى، كما سبق.(1/324)
{وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنََا أَبْصَرْنََا وَسَمِعْنََا فَارْجِعْنََا نَعْمَلْ صََالِحاً}: 12: 1/ 236/ 408 3/ 49
{بِمََا نَسِيتُمْ لِقََاءَ يَوْمِكُمْ هََذََا}: 14: 2/ 557
{تَتَجََافى ََ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضََاجِعِ}: 16: 1/ 213
سورة الأحزاب
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ وَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ وَالْمُنََافِقِينَ إِنَّ اللََّهَ كََانَ عَلِيماً حَكِيماً. وَاتَّبِعْ مََا يُوحى ََ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللََّهَ كََانَ بِمََا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}: 1، 2: 2/ 126، 411
{وَأَزْوََاجُهُ أُمَّهََاتُهُمْ}: 6: 1/ 240، 272 3/ 189
{وَزُلْزِلُوا زِلْزََالًا}: 11: 1/ 69
{وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزََابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بََادُونَ فِي الْأَعْرََابِ}: 20: 1/ 380
{لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ}: 21: 2/ 93
{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفََاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [1] يُضََاعَفْ لَهَا الْعَذََابُ: 30: 3/ 64
{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صََالِحاً نُؤْتِهََا أَجْرَهََا مَرَّتَيْنِ}: 31: 2/ 341/ 64
{وَالْحََافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحََافِظََاتِ وَالذََّاكِرِينَ اللََّهَ كَثِيراً وَالذََّاكِرََاتِ}: 35: 2/ 66
{قَضَى اللََّهُ}: 36: 2/ 153
__________
(1) بفتح الياء: قراءة ابن كثير، وعاصم فى رواية أبى بكر.(3/324)
{مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ}: 40: 1/ 391
{اذْكُرُوا اللََّهَ ذِكْراً كَثِيراً}: 41: 1/ 411
{وَكََانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}: 43: 1/ 224
{إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ شََاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدََاعِياً إِلَى اللََّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرََاجاً مُنِيراً}: 45، 46: 1/ 343
{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرََاحاً جَمِيلًا}: 49: 2/ 107، 394
{إِلََّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى ََ طَعََامٍ غَيْرَ نََاظِرِينَ إِنََاهُ}: 53: 2/ 54
{إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ} [1] يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ: 56: 3/ 113
سورة سبأ
{يََا جِبََالُ أَوِّبِي مَعَهُ}: 10: 1/ 85 2/ 159، 367
{أَنِ اعْمَلْ سََابِغََاتٍ}: 11: 1/ 275 2/ 69، 406، 484، 589
{يَعْمَلُونَ لَهُ مََا يَشََاءُ مِنْ مَحََارِيبَ وَتَمََاثِيلَ وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ وَقُدُورٍ رََاسِيََاتٍ اعْمَلُوا آلَ دََاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ}: 13: 1/ 275 2/ 125، 212
{ذَوََاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ}: 16: 2/ 246
{وَمَزَّقْنََاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}: 19: 1/ 62
{وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ}: 24: 3/ 72
__________
(1) برفع التاء: قراءة ابن عباس، وعبد الوارث عن أبى عمرو.(3/325)
«كان» التامّة مضمرة، فهى حال من ضمير مستتر فى فعل مجرور الموضع، بإضافة ظرف زمانىّ إليه، عمل فيه اسم فاعل محذوف، فالتقدير: ضربى زيدا إذا كان جالسا، أو إذ كان جالسا، تقدّر / ما يقتضيه الفعل من زمان التوقّع أو المضىّ (1)، وذو الحال الضمير المستكنّ فى «كان» وهى كان التى بمعنى وجد، وموضعها جرّ بإضافة «إذا» إليها أو «إذ»، والعامل فى هذا الظرف اسم فاعل مقدّر، كالذى تقدّره فى قولك: الخروج يوم السبت، أى واقع يوم السبت، فأما قول المتنبى (2):
بحبّ قاتلتى والشّيب تغذيتى ... هواى طفلا وشيبى بالغ الحلم
فيحتمل موضع «هواى وشيبى» الرفع والجرّ، فالرفع على أن يكونا مبتدأين، وطفلا وبالغ الحلم حالان سدّا مسدّ الخبرين، على ما قررته فى قولك: ضربى زيدا جالسا، فالتقدير: هواى إذ كنت طفلا، وشيبى إذ كنت بالغ الحلم، والجرّ على أن تبدلهما من الحبّ والشّيب، وحسن (3) إبدال الهوى من الحبّ إذ كان بمعناه، والعامل فى الحالين على هذا القول المصدران اللذان هما هواى وشيبى، فالتقدير:
تغذيتى بحبى قاتلتى، وبالشّيب بأن هويت طفلا، وبأن شبت بالغ الحلم. والقول الأول قول عثمان بن جنّى، والثانى قول الرّبعىّ، وكلاهما سديد.
والنصف الآخر من البيت تفصيل لما أجمله فى النصف الأول، لأنه بيّن [به (4)] وقت المحبة ووقت الشّيب، والمعنى: هويت وأنا طفل، وشبت حين احتملت، فصار الهوى والشّيب كالغذاء لى.
ومن إعطاء العين حكم المصدر حتّى وصفوه بالمصدر، أو جرى خبرا عنه قوله
__________
(1) فى هـ: «والمضىّ». وقوله: «التوقع» يريد به الاستقبال، كما صرّح به فى المجلس الحادى والسبعين.
(2) ديوانه 4/ 36، ونقل شارحه إعراب ابن الشجرى للبيت، وأعاده المصنف فى المجلس الحادى والسبعين.
(3) فى هـ: «وخص» وما فى الأصل مثله فى شرح ديوان المتنبى.
(4) ليس فى هـ.(1/325)
{وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ}: 28: 2/ 255، 3/ 15، 16
{وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}: 31: 3/ 49
{لَوْلََا أَنْتُمْ لَكُنََّا مُؤْمِنِينَ}: 31: 1/ 277 2/ 512
{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ}: 33: 1/ 254/ 23، 29
{نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوََالًا وَأَوْلََاداً}: 35: 3/ 105
{وَلَوْ تَرى ََ إِذْ فَزِعُوا فَلََا فَوْتَ}: 51: 3/ 49
سورة فاطر
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوََاخِرَ}: 12: 2/ 311
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لََا يَسْمَعُوا دُعََاءَكُمْ}: 14: 1/ 280/ 534
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ}: 15: 2/ 415
{إِنَّمََا يَخْشَى اللََّهَ مِنْ عِبََادِهِ الْعُلَمََاءُ}: 28: 2/ 561
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ} الآية: 32: 1/ 98، 311 2/ 468
{أَرُونِي مََا ذََا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}: 40: 1/ 405
{إِنَّ اللََّهَ يُمْسِكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولََا وَلَئِنْ زََالَتََا إِنْ أَمْسَكَهُمََا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}: 41: 3/ 160، 144
{مََا تَرَكَ عَلى ََ ظَهْرِهََا مِنْ دَابَّةٍ}: 45: 1/ 90، 243 3/ 117(3/326)
تعالى: {وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (1) أى مكذوب به، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً} (2) أى غائرا، وقوله: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} (3) أى ساعيات، فسعيا مصدر وقع موقع الحال، كقولهم: قتلته صبرا، أى مصبورا، والمعنى محبوسا، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صََالِحٍ} (4) أى إن ابنك عمل، فى أحد الأقوال الثلاثة، والقول الثانى: أن يكون فى الكلام / تقدير حذف مضاف، أى إنه ذو عمل، والثالث: أن يعاد الضمير إلى المصدر الذى هو السؤال، لدلالة فعله عليه، فالمعنى: إن سؤالك إياى أن أنجّى كافرا غير صالح، وأوجهها أنه جعله (5) العمل اتساعا لكثرة وقوع العمل غير الصالح منه، كقولهم:
ما أنت إلا نوم، وما زيد إلا أكل وشرب، وإنما أنت دخول وخروج، ومنه قول الخنساء (6):
ترتع مارتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنّما هى إقبال وإدبار
فى أحد الوجهين، لأنه يتأوّل على: هى ذات إقبال وإدبار، ومن ذلك قول الشاعر:
ألف الصّفون فما يزال كأنّه ... ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا (7)
__________
(1) سورة يوسف 18.
(2) الآية الأخيرة من سورة الملك. وانظر ص 92.
(3) سورة البقرة: 260.
(4) سورة هود 46.
(5) وهو القول الأول.
(6) من قصيدتها السيارة فى رثاء أخيها صخر. ديوانها (أنيس الجلساء) ص 78، وهو فى الكتاب 1/ 337، ومعانى القرآن للأخفش ص 97، والكامل ص 374، 1356، 1412، والمقتضب 3/ 230، 4/ 305، والتعازى والمرائى ص 100، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 230، 620، والخصائص 2/ 203، 3/ 189، والمحتسب 2/ 43، والمنصف 1/ 197، ودلائل الإعجاز ص 300، والنهاية 2/ 13، 283، وتفسير القرطبى 9/ 46، والخزانة 1/ 431، وغير ذلك كثير.
(7) فرغت منه فى المجلس التاسع.(1/326)
سورة يس
{وَسَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}: 10: 1/ 406
{قََالَ يََا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمََا غَفَرَ لِي رَبِّي}: 26، 27: 2/ 557
{يََا حَسْرَةً عَلَى الْعِبََادِ}: 30: 1/ 420
{وَإِنْ كُلٌّ لَمََّا} [1] جَمِيعٌ لَدَيْنََا مُحْضَرُونَ: 32: 2/ 177، 563 3/ 145
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهََا ذََلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}: 38: 2/ 88، 89
{وَالْقَمَرَ} [2] قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ: 39: 1/ 2287/ 88
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهََا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سََابِقُ النَّهََارِ}: 40: 2/ 531
{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنََّا حَمَلْنََا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}: 41: 3/ 119
{فَلََا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً}: 50: 3/ 182
{مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ}: 80: 1/ 3123/ 29
سورة الصافّات
{إِنََّا زَيَّنَّا السَّمََاءَ الدُّنْيََا بِزِينَةٍ} [3] الْكَوََاكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ مََارِدٍ: 6، 7: 3/ 30
{إِنَّهُمْ كََانُوا إِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}: 35: 1/ 96
{لََا فِيهََا غَوْلٌ وَلََا هُمْ عَنْهََا يُنْزَفُونَ}: 47: 2/ 532
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}: 49: 3/ 60
__________
(1) وقرأ بتخفيف الميم ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائى.
(2) قرىء برفع الراء ونصبها.
(3) بكسرة واحدة، على الإضافة: قراءة غير عاصم وحمزة من السّبعة.(3/327)
قد ذكرت (1) قبل أن الصّفون مصدر صفن: إذا ثنى فى وقوفه إحدى قوائمه فوقف على سنبكها، وقد يكون الصّفون أيضا فى غير (2) هذا جمع صافن، قال عمرو بن كلثوم (3):
تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلّدة أعنّتها صفونا
وكسير على هذا المعنى من الأوصاف المعدولة عن فاعل إلى فعيل للمبالغة، فكسير أبلغ فى الوصف من كاسر، كما أن رحيما وسميعا وقديرا أبلغ من سامع وراحم وقادر، لأن الموصوف بفعيل هو الذى يكثر منه ذلك الفعل، ومعنى كاسر: ثان، من قولك: ثنى يده: أى لواها، وثنى الفرس قائمته، ومن ذلك قوله تعالى: {ثََانِيَ عِطْفِهِ} (4) أى لاويا عنقه تكبّرا، وانتصاب «كسيرا» على أنه خبر ما يزال.
وقوله: ممّا يقوم على الثّلاث: ما مصدرية، فالمعنى: من قيامه، ومن متعلّقة بالخبر المحذوف، فتحقيق اللفظ والمعنى: ألف القيام على ثلاث فما يزال كسيرا، أى ثانيا إحدى قوائمه، حتى كأنه مخلوق من القيام على الثلاث.
ومثله فى وصف / العين باسم الحدث قول الآخر (5):
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنّت علينا والضّنين من البخل
كأنه قال: والضنين مخلوق من البخل، ومثله:
* وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل (6) *
__________
(1) فى المجلس المذكور.
(2) فى هـ: غيرها.
(3) من معلقته. شرح القصائد السبع ص 389، والمحتسب 2/ 81، وتفسير القرطبى 15/ 193.
(4) الآية التاسعة من سورة الحج.
(5) هو البعيث المجاشعى. والبيت من قصيدة فى النقائض ص 135. وهو فى الخصائص 2/ 202، 3/ 359، والمحتسب 2/ 46، والمغنى ص 344، وشرح أبياته 5/ 265، وشرح شواهده ص 246، والخزانة 10/ 216، واللسان (جذم ضنن).
(6) للبعيث أيضا. وصدره:
* فصدّت فأعدانا بهجر صدودها *(1/327)
أى: والنساء خلقن فى أوّل الدهر من الإخلاف والمطل، فهذا كلّه من تنزيل الأعيان منزلة المصادر.
فأما تنزيل المصادر منزلة الأعيان، فكقولهم: موت مائت، وشيب شائب، وشعر شاعر (1)، قال ابن مقبل (2):
إذا متّ عن ذكر القوافى فلن ترى ... لها شاعرا مثلى أطبّ وأشعرا
وأكثر بيتا شاعرا ضربت به ... بطون حبال الشّعر حتى تيسّرا
أراد بخبال الشّعر أسباب الشّعر، لأن الحبل (3) يسمّى سبببا.
وقد ذهب بعضهم فى قوله: «ممّا يقوم على الثلاث كسيرا» إلى أن «ما» بمعنى الذى، والمضمر فى «يقوم» عائد على «ما»، وكسيرا حال من الضمير، وهو بمعنى مكسور، كقتيل ومقتول، والمعنى: كأنه من الحيوان الذى يقوم على الثلاث مكسورا، وخبر «ما يزال» الجملة من كأنّ واسمها وخبرها، والقول الأول قول أهل العلم الموثوق بعلمهم.
__________
راجع الموضع السابق من النقائض، واللسان (ولع)، والخصائص 2/ 203، 3/ 260، والموضع المذكور من المحتسب.
(1) انظره وأمثاله فى الأصول 3/ 84، وكتاب الشعر ص 238، وشرح الحماسة ص 216، 584، 854، 1601.
(2) ديوانه ص 136، وتخريجه فيه. ورواية الديوان: «وأكثر بيتا ماردا».
(3) الذى فى الديوان «جبال» بالجيم، وجاء بحاشية أصل الأمالى: «قال الإمام أبو اليمن الكندى رحمه الله: قوله: «حبال الشعر» بالحاء المهملة سهو، وإنما هو «جبال»، بالجيم. أنشد ابن جنى هذين البيتين فى كتابه المعروف بالخاطريات، على قوله تعالى: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبََالُ} يريد أن الجبال تذكر ويراد بها كلّ ما يثبت ويعظم شأنه. ولهذا وضع عبارة عمّا لا تدركه المعاينة، وإنما هو للمعانى المتصورة. قال: «ولهذا قال أبو الحسن الأخفش فى قوله: {مِنْ جِبََالٍ فِيهََا مِنْ بَرَدٍ} إنه يريد بها الكثرة والوفور، لا نفس الجبال المشاهدة فى نصبها وتشكّلها. وهذا واضح». وانظر الخاطريات ص 58، والحلبيات ص 197.(1/328)
{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوََاءِ الْجَحِيمِ}: 55: 1/ 360 2/ 250
{أَلْفَوْا آبََاءَهُمْ ضََالِّينَ}: 69: 2/ 164
{فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}: 75: 2/ 422
{فَرََاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}: 93: 2/ 434
{أَتَعْبُدُونَ مََا تَنْحِتُونَ}: 95: 1/ 404
{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}: 103: 2/ 616
{وَنََادَيْنََاهُ أَنْ يََا إِبْرََاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيََا}: 104، 105: 3/ 155
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمََا مُحْسِنٌ وَظََالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}: 113: 1/ 102
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ}: 137، 138: 1/ 168
{وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}: 147: 3/ 77
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنََاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}: 149: 1/ 407
{مََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}: 154: 1/ 404
سورة ص
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}: 1: 2/ 117
{كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنََادَوْا وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ}: 3: 1/ 391 2/ 3117/ 48
{وَعَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ}: 4: 3/ 162، 163
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}: 6: 1/ 273/ 543 3/ 159(3/328)
{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنََا}: 8: 1/ 407، 408
{بَلْ لَمََّا يَذُوقُوا عَذََابِ}: 8: 1/ 391
{جُنْدٌ مََا هُنََالِكَ مَهْزُومٌ}: 11: 2/ 569
{وَعَزَّنِي فِي الْخِطََابِ}: 23: 1/ 376
{لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤََالِ نَعْجَتِكَ إِلى ََ نِعََاجِهِ}: 24: 1/ 326، 352 3/ 244
{وَقَلِيلٌ مََا هُمْ}: 24: 2/ 569
{وَوَهَبْنََا لِدََاوُدَ سُلَيْمََانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوََّابٌ}
الآيات.: 30
33: 1/ 83
{إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ}: 32: 1/ 86، 89، 90
{بِالسُّوقِ} [1] وَالْأَعْنََاقِ: 33: 2/ 190
{إِنَّ ذََلِكَ لَحَقٌّ تَخََاصُمُ أَهْلِ النََّارِ}: 64: 2/ 118
{فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ}: 73: 2/ 417
{مََا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}: 75: 2/ 541
سورة الزّمر
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيََاءَ مََا نَعْبُدُهُمْ إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ زُلْفى ََ}: 3: 1/ 87 2/ 408، 442
{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهََارِ وَيُكَوِّرُ النَّهََارَ عَلَى اللَّيْلِ}: 5: 2/ 277
__________
(1) قراءة ابن كثير.(3/329)
مسألة أخرى
/ قال سيبويه (1): وتقول: ما مررت بأحد يقول ذاك إلا عبد الله، وما رأيت أحدا يفعل ذاك إلا زيدا، هذا وجه (2) الكلام، وإن حملته على الإضمار الذى فى الفعل فقلت: إلا زيد، فرفعت، فعربىّ، قال الشاعر (3):
فى ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلا كواكبها
وكذلك: ما أظنّ أحدا يقول ذاك إلا زيدا، وإن رفعت فجائز حسن، وإنما اختير النصب هاهنا لأنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه، (4) ولا يكون بدلا إلّا من منفىّ، لأن (5) المبدل منه منصوب منفىّ، ومضمره مرفوع، فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا من أحد، لأنه هو المنفىّ، وجعلوا «يقول ذاك» وصفا للمنفىّ، وقد تكلّموا بالآخر، لأن معناه معنى المنفىّ، إذ كان وصفا لمنفىّ. انتهى كلامه. ومعنى قوله: تكلّموا بالآخر، أى تكلّموا بالرفع فى المستثنى.
وأقول: إنّ إبدال المستثنى إنما يقع فيما كان غير واجب، نفيا أو نهيا، أو استفهاما، وذلك قولهم: ما خرج أحد إلا زيد، ولا تمرر بأحد إلا عبد الله، وهل لقيت أحدا إلا محمدا، فإن وصفت المستثنى منه بجملة من فعل وفاعل مضمر، كقولك: ما رأيت أحدا يقول ذاك، فحكم الصّفة حكم الموصوف، فى تناول
__________
(1) الكتاب 2/ 312، 313، مع بعض اختلاف فى العبارة.
(2) فى هـ: «أوجه» وأثبتّ الصواب من الأصل والكتاب، والخزانة 3/ 349، وسياقه يتفق مع سياق الأمالى، كأنه ينقل كلام سيبويه عن ابن الشجرى، ونبّه عليه شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله.
(3) عدىّ بن زيد، وقيل: أحيحة بن الجلاح. راجع ملحقات ديوان عدىّ ص 194، وديوان أحيحة ص 62، والأصول 1/ 295، وشرح الجمل 2/ 255، وحواشى الكتاب والخزانة، وسيتكلم ابن الشجرى قريبا على نسبة البيت. ويروى «نرى» بالنون، و «ترى» بالتاء.
(4) فى الكتاب: «وأن لا يكون» وما فى الأمالى مثله فى الخزانة.
(5) فى الكتاب: «فالمبدل منه»، وما فى الأمالى مثله فى الخزانة.(1/329)
{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}: 7: 1/ 282/ 37، 89، 385
{وَجَعَلَ لِلََّهِ أَنْدََاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحََابِ النََّارِ. أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ سََاجِداً وَقََائِماً}: 8، 9: 1/ 412 2/ 124
{فَاعْبُدُوا مََا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}: 15: 1/ 411
{يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ}: 16: 2/ 73، 103، 411
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذََابِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ}: 24: 1/ 404
{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكََافِرِينَ}: 32: 1/ 404
{وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}: 33: 3/ 57
{أَلَيْسَ اللََّهُ بِكََافٍ عَبْدَهُ}: 36: 1/ 405
{لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}: 58: 2/ 563
{أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي} [1] أَعْبُدُ: 64: 2/ 520
{حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا}: 73: 2/ 120
{طِبْتُمْ فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ}: 73: 1/ 118 2/ 3475/ 14
سورة غافر
{يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى ََ مَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلََاقِ}: 15: 2/ 613 3/ 173
__________
(1) انظر القراءات فيها.(3/330)
النفي [لها (1)] فإذا استثنيت من الضمير [الذى (2)] فى يقول، فكأنك استثنيت من الموصوف المضمر المنفىّ، فلذلك جاز الرفع فى المستثنى، من حيث كان بدلا من مرفوع عائد على المنفىّ.
والبيت الذى أنشده سيبويه شاهدا على جواز الرفع، من مقطوعة (3) لرجل من الأنصار، وروى أنه لما أدخلت حبابة على يزيد بن عبد الملك دخلت وعليها ثياب معصفرة، وبيدها دفّ وهى تصفّقه بيدها، / وتغنى بهذه الأبيات:
ما أحسن الجيد من مليكة واللّبّا ... ات إذ زانها ترائبها
يا ليتنى ليلة إذا هجع الن ... اس ونام الكلاب صاحبها
فى ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلّا كواكبها
رفع «كواكبها» على البدل من المضمر فى «يحكى»، ولولا احتياجه إلى تصحيح القافية كان النصب فيها أولى، من ثلاثة أوجه (4): أحدها إبدالها من الظاهر الذى تناوله النفى على الحقيقة، والثانى نصبها على أصل باب الاستثناء، كقراءة ابن عامر اليحصبىّ: «ما فعلوه إلّا قليلا منهم» (5)، والثالث أنه استثناء من غير الجنس، كقولك: ما فى الدار أحد إلا الخيام، وأهل الحجاز مجمعون فيه على النصب، وعلى ذلك أجمع القرّاء فى قوله تعالى: {مََا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبََاعَ الظَّنِّ} (6).
__________
(1) زيادة من هـ.
(2) ليس فى هـ.
(3) نسبها صاحب الأغانى 15/ 36، لأحيحة بن الجلاح. وانظر ما تقدم فى تخريج الشاهد.
(4) حكاها البغدادى فى الخزانة 3/ 351، عن ابن الشجرى.
(5) سورة النساء 66، وقرأ بالنصب أيضا أبىّ، وابن أبى إسحاق، وعيسى بن عمر. السبعة لابن مجاهد ص 235، والكشف لمكّى 1/ 392، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 431، والبحر 3/ 285.
(6) سورة النساء 157، وجاء في الأصل: {وَمََا لَهُمْ} بإقحام الواو، ولم تأت فى النسخة هـ. ومن الطريف أن الواو أقحمت أيضا فى نسختى خزانة الأدب والبغدادىّ ناقل عن ابن الشجرى كما أشرت قريبا وقد نبّه على هذا الخطأ شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله، وأفاد أن الواو إنما جاءت فى الآية 28من سورة النجم، وتلاوتها: {وَمََا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}.(1/330)
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ}: 18: 3/ 173
{وَإِنْ يَكُ كََاذِباً}: 28: 2/ 167
{يََا هََامََانُ ابْنِ لِي صَرْحاً}: 36: 2/ 411
{يََا قَوْمِ مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ}: 41: 2/ 415
{وَمََا يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَلَا الْمُسِيءُ}: 58: 2/ 541
{اللََّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهََارَ مُبْصِراً}: 61: 1/ 53
{ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}: 67: 2/ 48
{لِتَرْكَبُوا مِنْهََا وَمِنْهََا تَأْكُلُونَ}: 79: 1/ 94
{فَلَمََّا جََاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنََاتِ فَرِحُوا بِمََا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}: 83: 2/ 274
سورة فصّلت
{وَمِنْ بَيْنِنََا وَبَيْنِكَ حِجََابٌ}: 5: 2/ 591
{ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ وَهِيَ دُخََانٌ فَقََالَ لَهََا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قََالَتََا أَتَيْنََا طََائِعِينَ}: 11: 2/ 47
{فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ}: 12: 2/ 48
{وَزَيَّنَّا السَّمََاءَ الدُّنْيََا بِمَصََابِيحَ وَحِفْظاً}: 12: 3/ 30
{فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صََاعِقَةً}: 13: 3/ 173
{وَأَمََّا ثَمُودُ} [1] فَهَدَيْنََاهُمْ: 17: 3/ 131
{وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَسْمَعُوا لِهََذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}: 26: 1/ 97
__________
(1) وقرأ بعضهم بالنصب.(3/331)
والبيت الذى ذكره سيبويه يقع فى أكثر نسخ الكتاب غير منسوب إلى شاعر مسمّى، ووجدته فى كتاب لغوىّ منسوبا إلى عدىّ بن زيد، وتصفحت نسختين من ديوان شعر عدىّ فلم أجد فيهما هذه المقطوعة، بل وجدت له قصيدة على هذا الوزن وهذه القافية، أولها (1):
لم أر مثل الأقوام فى غبن الأيّ ... ام ينسون ما عواقبها
يرون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعتاقهم مخالبها
فما ترجّى النّفوس من طلب الخي ... ر وحبّ الحياة كاذبها (2)
قوله: «فى غبن الأيام» يدل على أنهم قد استعملوا الغبن المتحرّك الأوسط فى البيع، والأشهر: غبنته فى البيع غبنا، بسكون وسطه، والأغلب على الغبن المفتوح أن يستعمل (3) فى الرأى، وفعله غبن يغبن مثل ركب يركب، يقال: غبن رأيه، والمعنى: فى رأيه، ومفعول الغبن فى البيت محذوف، أى فى غبن الأيام إياهم، / ومما استعمل فيه الغبن المفتوح الأوسط فى البيع قول الأعشى (4):
لا يقبل الرّشوة فى حكمه ... ولا يبالى غبن الخاسر
وقوله: «ما عواقبها» ما استفهامية، «وينسون» معلّق، كما علق (5) نقيضه، وهو يعلمون، فالتقدير: ينسون أىّ شىء عواقبها، ويحتمل «ما» أن تكون موصولة بمعنى الذى أو التى، وكونها بمعنى التى هاهنا حسن، و «عواقبها» فى هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: ينسون التى هى عواقبها، أى ينسون الأشياء
__________
(1) ديوان عدىّ ص 45، وتخريجه فيه، وزد عليه: معانى القرآن 1/ 245، وكتاب الشعر ص 433، وحواشيه. والمسائل العضديات ص 166.
(2) هكذا «كاذبها» ويقوّيه شرح ابن الشجرى الآتى. وجاء فى الأغانى 2/ 147 «كاربها» بالراء، وقال أبو الفرج: «وكاربها» هاهنا: غامّها يقال: كربه الأمر وكرثه إذا غمّه.
(3) راجع إصلاح المنطق ص 97، وأدب الكاتب ص 309.
(4) ديوانه ص 141.
(5) هذا كلام ابن جنى فى المحتسب 1/ 64، وأصرح منه ما جاء فى ص 235، ومثّل لتعليق «يعلمون» بقوله: علمت من أبوك، وعرفت أيّهم أخوك؟.(1/331)
التى هى عواقب الأيام، وجاز حذف العائد من الصلة، وهو أحد جزئى الجملة، على ضعف، كما روى عن رؤبة بن العجّاج أنه قرأ: {مَثَلًا مََا بَعُوضَةً} (1) بمعنى الذى هو بعوضة، وعلى هذا قرأ يحيى بن يعمر: {تَمََاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (2) أى الذى هو أحسن، وهذا وإن كان قبيحا من حيث كان المحذوف ضميرا مرفوعا، وهو أحد ركنى الجملة، فقد جاء مثله فى الشعر (3)، نحو مارواه الخليل عن العرب من قولهم:
ما أنا بالذى قائل لك سوءا، وروى (4) شيئا، وإنما حسن حذف المبتدأ العائد هاهنا لتكثّر الصّلة بالموصول والجارّ والمجرور، ومثله فى التنزيل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي}
__________
(1) سورة البقرة 26. وقراءة الرفع هذه قرأ بها أيضا الضحّاك، وإبراهيم بن أبى عبلة، وقطرب. راجع معانى القرآن 1/ 22، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 153، والمحتسب 1/ 64، وتفسير القرطبى 1/ 243، والبحر 1/ 123. والعجب ممّا ذكره ابن الجوزى فى زاد المسير 1/ 55، قال: «وروى الأصمعىّ عن نافع: «بعوضة» بالرفع، على إضمار هو». والإمام نافع أحد القرّاء السبعة، ولم أجد أحدا نسب إليه قراءة الرفع هذه!
(2) سورة الأنعام 154. وهى قراءة الحسن والأعمش وابن أبى إسحاق أيضا. راجع المحتسب 1/ 64، 234، وتفسير القرطبى 7/ 142، والبحر 4/ 255، والإتحاف ص 220. وانظر معانى القرآن 1/ 365، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 593.
(3) هكذا جاءت كلمة «الشعر»، واضحة فى الأصل، وهـ. والشاهد الذى حكاه ابن الشجرى عن الخليل ليس من الشعر فى شىء وسيأتيك تخريجه ولعل ابن الشجرى رحمه الله قدسها، أو لعلّ الشاهد قد سقط فى الإملاء. والشاهد الذى أقطع بأنه هو المراد هنا، قول حسان بن ثابت، أو كعب بن مالك رضى الله عنهما:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النبىّ محمد إيانا
فى رواية من رفع «غيرنا». والدليل على ذلك أن سيبويه قد استشهد على حذف الضمير المرفوع ببيت حسان، وآية الأنعام، وما حكاه الخليل عن العرب، بهذا الترتيب. راجع الكتاب 2/ 107، 108، والخزانة 6/ 120، وأيضا فقد أنشد ابن الشجرى البيت المذكور فى المجالس: الحادى والستين، والرابع والسبعين، والثالث والثمانين، شاهدا على رفع «غيرنا».
(4) ويروى: «قبيحا». راجع الكتاب 2/ 108، 404، والأصول 2/ 396، والإنصاف ص 391، 393، وشرح ابن عقيل 1/ 165، وشرح المفصل 3/ 152، والبسيط ص 548، 685، والخزانة 10/ 325، وانظر أيضا الكشاف 3/ 498، والبحر المحيط 8/ 29، والمواضع المذكورة من قبل فى المحتسب، وتفسير القرطبى. وقد أعاده المصنف فى المجلسين: الحادى والثلاثين، والثالث والثمانين.(1/332)
{وَلََا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ}: 34: 2/ 541
{وَمِنْ آيََاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خََاشِعَةً}: 39: 3/ 198
{أَفَمَنْ يُلْقى ََ فِي النََّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيََامَةِ اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ}: 4: 1/ 405، 411
{مََا يُقََالُ لَكَ إِلََّا مََا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}: 43: 1/ 393
{وَظَنُّوا مََا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}: 48: 1/ 388
سورة الشورى
{ذََلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللََّهُ عِبََادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}: 23: 1/ 28/ 532، 534
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ}: 25: 2/ 610
{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}: 26: 1/ 95
{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوََاكِدَ عَلى ََ ظَهْرِهِ}. {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمََا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ. وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجََادِلُونَ}: 3533: 1/ 29
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ}: 41: 3/ 201
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}: 43: 1/ 103 3/ 103
{وَتَرَى الظََّالِمِينَ لَمََّا رَأَوُا الْعَذََابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى ََ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ. وَتَرََاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهََا}: 44، 45: 1/ 170
{وَإِنََّا إِذََا أَذَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنََّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهََا وَإِنْ تُصِبْهُمْ}
{سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسََانَ كَفُورٌ}: 48: 2/ 5، 212، 417(3/332)
{وَإِنََّا إِذََا أَذَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنََّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهََا وَإِنْ تُصِبْهُمْ}
{سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسََانَ كَفُورٌ}: 48: 2/ 5، 212، 417
سورة الزخرف
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ}: 5: 1/ 409 {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيََاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}: 19: 1/ 399، 408
{لَجَعَلْنََا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمََنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ}: 33: 2/ 94
{وَإِنْ كُلُّ ذََلِكَ لَمََّا} [1] مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا: 35: 3/ 145
{يََا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}: 38: 1/ 19
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ}: 40: 1/ 3408/ 79
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}: 51: 1/ 405
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هََذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ}: 52: 3/ 110
{فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ}: 55: 1/ 246
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}: 58: 1/ 192
{وَلَوْ نَشََاءُ لَجَعَلْنََا مِنْكُمْ مَلََائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}: 60: 1/ 255/ 273 2/ 273
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السََّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً}: 66: 1/ 295 2/ 55، 353
«يا عبادى» (2) {لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}: 68: 2/ 74، 415
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوََاجُكُمْ تُحْبَرُونَ. يُطََافُ عَلَيْهِمْ بِصِحََافٍ مِنْ ذَهَبٍ} الآية: 70، 71: 1/ 177
__________
(1) قرىء بتخفيف الميم وتشديدها.
(2) قرىء بفتح الياء وإسكانها وحذفها.(3/333)
{السَّمََاءِ إِلََهٌ} (1) التقدير: الذى هو فى السماء إله، وقوى الحذف هاهنا لطول الصّلة بالظرف، والظرف متعلق بإله، لأنه فى معنى معبود.
فإن قيل: هلّا كان {إِلََهٌ} مبتدأ، والظرف خبرا عنه قدّم عليه، لأن المبتدأ متى كان نكرة وخبره ظرف وجب تقديم الظرف، كقولك: فى الدار رجل، وإذا كان {إِلََهٌ} مبتدأ والظرف خبره، لم يحتج [به (2)] إلى تقدير جزء آخر.
فالجواب: أنّ هذا التقدير يؤدّى إلى إخلاء الصّلة من عائد على الموصول (3) لفظا وتقديرا لأنك إذا جعلت الظرف خبرا عن إله أضمرت فيه عائدا / على إله، وبقى الموصول بغير عائد، فقد ثبت بهذا صحّة ما قرّرته من تقدير مبتدأ راجع إلى الموصول.
ومعنى قوله: «وحبّ الحياة كاذبها» أن حبّ (4) النفوس للحياة قد يستحيل بغضا، لما يتكرّر عليها من الشدائد والآفات التى يتمنّى صاحبها الموت، كما قال المتنبى (5):
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
والّلبّة: الموضع الذى [يكون (6)] عليه طرف القلادة، والترائب: واحدتها تريبة، وقيل: تريب، وهو الصّدر، وإنما جمع اللّبّة والتّربية بما حولهما، كأنه سمّى ما يجاور اللّبّة لبّة، وما يجاور التّربية تربية، كما قالوا: شابت مفارقه، وبعير
__________
(1) سورة الزخرف 84. وانظر دراسات لأسلوب القرآن 3/ 73.
(2) أضيفت بهامش الأصل.
(3) ذكره ابن هشام فى المغنى ص 485، من غير عزو، وكذلك العكبرى فى التبيان ص 1142، وأعاده المصنف فى المجلسين الحادى والثلاثين، والثامن والستين، وانظر البحر المحيط 8/ 29.
(4) حكاه البغدادى فى الخزانة 3/ 354، عن ابن الشجرى.
(5) مطلع قصيدته السيّارة. ديوانه 4/ 281، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثالث والثمانين.
(6) زيادة من هـ.(1/333)
ذو عثانين (1)، ومثل البيت (2) فى جمع اللّبة والتّربية قول الآخر (3):
والزّعفران على ترائبها ... شرق به اللّبّات والنّحر
وفى التنزيل: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرََائِبِ} (4).
آخر المجلس.
* * * __________
(1) مفرده «عثنون» وهو شعيرات عند مذبح البعير والتيس. وانظره والذى قبله فى الكتاب 3/ 484، والخصائص ص 421، وسيعيدهما ابن الشجرى فى المجلس الثامن والعشرين.
(2) فى هـ: ومثل هذا فى جمع
(3) هو المخبّل، كما فى اللسان (شرق)، وأنشده من غير نسبة فى (ترب)، وهو من غير نسبة أيضا فى تفسير القرطبى 20/ 5، والبحر 8/ 453، وأعاده ابن الشجرى فى المجالس: الثانى والخمسين، والسابع والسبعين، والثانى والثمانين.
(4) الآية السابعة من سورة الطارق.(1/334)
{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهََا}: 72: 1/ 308
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذََابِ جَهَنَّمَ خََالِدُونَ}: 74: 3/ 8
«ونادوا يا مال (1) ليقض علينا ربك»: 77: 2/ 304
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنََّا مُبْرِمُونَ}: 79: 1/ 378
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ}: 84: 1/ 113، 331، 2/ 550
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللََّهُ}: 87: 2/ 61
سورة الدخان
{فِيهََا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنََا}: 4، 5: 2/ 3605/ 8
سورة الجاثية
{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ}: 14: 2/ 477
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيََاتِي تُتْلى ََ عَلَيْكُمْ}: 31: 2/ 122
سورة الأحقاف
{أَرُونِي مََا ذََا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}: 4: 1/ 405
{إِنَّ الَّذِينَ قََالُوا رَبُّنَا اللََّهُ ثُمَّ اسْتَقََامُوا فَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: 13: 2/ 552
{أُولََئِكَ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا جَزََاءً بِمََا كََانُوا يَعْمَلُونَ}: 14: 2/ 475
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً}: 15: 1/ 224
{أُولََئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ}: 18: 2/ 607
__________
(1) قراءة على وابن مسعود وغيرهما.(3/334)
{أَذْهَبْتُمْ} [1] طَيِّبََاتِكُمْ فِي حَيََاتِكُمُ الدُّنْيََا: 20: 1/ 404
{وَلَقَدْ مَكَّنََّاهُمْ فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ}: 26: 2/ 476 3/ 144
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النََّارِ أَلَيْسَ هََذََا بِالْحَقِّ}: 34: 2/ 475
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مََا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلََّا سََاعَةً مِنْ نَهََارٍ بَلََاغٌ}: 35: 2/ 61
سورة محمد صلّى الله عليه وسلم
{فَضَرْبَ الرِّقََابِ حَتََّى إِذََا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثََاقَ فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا}: 4: 2/ 22، 359:: 3/ 125
{طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}: 21: 2/ 60
{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمََا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}: 38: 1/ 287/ 611
سورة الفتح
{مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}: 24: 1/ 225
{وَلَوْلََا رِجََالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسََاءٌ مُؤْمِنََاتٌ} الآية: 25: 1/ 356 2/ 119
{وَكََانُوا أَحَقَّ بِهََا وَأَهْلَهََا}: 26: 1/ 311
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}: 27: 1/ 3118/ 14
سورة الحجرات
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللََّهِ وَرَسُولِهِ}: 1: 2/ 411
__________
(1) قرىء بهمزة مطوّلة، على الاستفهام، وبهمزة واحدة، على الخبر.(3/335)
المجلس الثانى عشر
بيت للمتنبى (1)
أىّ يوم سررتنى بوصال ... لم ترعنى ثلاثة بصدود
وإنما أذكر من شعره ما أهمله مفسّروه، فأنبّه على معنى أو إعراب أغفلوه، وهذا البيت لبعده من التكلّف، وخلوّه من التعسّف، وسرعة انصبابه إلى السمع وتولّجه فى القلب، أهملوا تأمّله فخفى عنهم ما فيه.
والذى يتوجّه فيه من السؤال أن يقال: ما وجه تعلّق عجزه بصدره، وهل للجملة الأخيرة موضع من الإعراب؟
فإن قيل: نعم، قيل: ما هو؟ وكم وجها من وجوه الإعراب يحتمل؟ وهل يجوز أن تكون «أىّ» فيه شرطيّة، لتتعلّق الجملة بالجملة تعلّق الجزاء بالشرط كقولك:
«أىّ يوم لقينى زيد لم أعرض عنه»، تريد أىّ يوم لقينى أقبلت عليه.
والجواب عن هذا السؤال أنه لا يصحّ حمل «أىّ» على معنى الشرط لأن فى ذلك مناقضة للمعنى الذى أراده الشاعر (2)، فكأنه قال: إن سررتنى يوما بوصالك
__________
(1) ديوانه بالشرح المنسوب للعكبرى 1/ 319، والمغنى ص 83، 568، وشرح أبياته 2/ 152.
(2) ذكر ابن هشام هذا التأويل من غير عزو، ونصّ البغدادىّ على أن ابن هشام قد أخذ كلام ابن الشجرى برمّته. وكذلك ذكره شارح ديوان المتنبى دون عزو.(1/335)
أمّنتنى ثلاثة أيام من صدودك، وهذا عكس مراده فى البيت، وإنما «أىّ» استفهام خرج مخرج النفى، كقولك لمن يدّعى أنه أكرمك: أيّ يوم أكرمتنى؟ تريد ما أكرمتنى قطّ، قال الهذلىّ (1):
فاذهب فأىّ فتى فى الناس أحرزه ... من حتفه ظلم دعج ولا جبل
ذهب بأىّ مذهب النفى، فأدخل مع لا حرف العطف، كما تقول: ما قام زيد ولا عمرو، فمعنى البيت: ما سررتنى يوما بوصالك إلا رعتنى ثلاثة أيام بصدودك (2)
/ فإن قلت: أجعل كلّ واحدة من الجملتين قائمة بنفسها، لا علقة لها بالأخرى، فلا أحكم للجملة الأخيرة بموضع من الإعراب.
فإن (3) فى ذلك [أيضا (4)] فسادا للمعنى المراد، لأن قولك: «أىّ يوم سررتنى بوصال» يفيد معنى: ما سررتنى قطّ بوصال، ثم قولك مستأنفا: «لم ترعنى ثلاثة بصدود» يفيد معنى أنت تصدّ عنّى يومين، وتصلنى فى الثالث، فما ينتظم صدودك ثلاثة أيام، وفى هذا تناقض يبطل المعنى المقصود، فقد ثبت بما قلته أنه لابدّ من علقة بين الكلامين.
والعلقة بينهما تصحّ من ثلاثة أوجه: أحدها أن تجرى الجملة وصفا لوصال، فتحكم على موضعها بالجرّ، والعائد منها إلى الموصوف مقدّر، وقد ذكرت لك فيما تقدم (5) أن العرب قد حذفت عائد الصّفة حذفا يقارب حذف عائد الصلة
__________
(1) المتنخّل. شرح أشعار الهذليين ص 1283، وتخريجه فى ص 1518. وزد عليه: معانى القرآن 1/ 164، والمحتسب 2/ 159، واللسان (قلا) والقافية فيه (خبل) تصحيف، وانظر معجم الشواهد ص 292، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس التاسع والأربعين.
(2) فى هـ: بصدود.
(3) هذا جواب «فإن قلت». وهو أسلوب قديم. انظر مقدمتى لكتاب الشعر ص 63.
(4) ليس فى هـ.
(5) فى المجلس الأول.(1/336)
{وَلََا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمََالُكُمْ}: 2: 3/ 160
{وَإِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}: 9: 2/ 48
{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}: 9: 3/ 57
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} الآية: 12: 1/ 228، 414 3/ 100
سورة ق
{أَإِذََا مِتْنََا وَكُنََّا تُرََاباً ذََلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}: 3: 2/ 439
{وَحَبَّ الْحَصِيدِ}: 9: 2/ 68
{أَفَعَيِينََا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}: 15: 1/ 408
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ}: 17: 2/ 114
{هََذََا مََا لَدَيَّ عَتِيدٌ}: 23: 2/ 554
{وَمََا مَسَّنََا مِنْ لُغُوبٍ}: 38: 2/ 279
سورة الذاريات
{إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ} [1] مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ: 23: 1/ 268/ 602
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحََابِهِمْ}: 59: 3/ 140
سورة الطور
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ وَنَعِيمٍ. فََاكِهِينَ}: 17، 18: 3/ 8
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ}: 19، 20: 1/ 249، 252
__________
(1) قرىء برفع اللام ونصبها.(3/336)
{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}: 30: 1/ 150
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}: 38: 2/ 606
سورة النجم
{وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ}: 3: 2/ 611
{فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ََ}: 9: 3/ 78
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}: 39: 3/ 156
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عََاداً} [1] الْأُولى ََ: 50: 2/ 213
سورة القمر
{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ}: 2: 2/ 61
{يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ}: 6: 2/ 292
{جَرََادٌ مُنْتَشِرٌ}: 7: 3/ 29
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدََّاعِ}: 8: 2/ 292
{أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}: 20: 1/ 2123/ 47، 417، 473 3/ 29، 93
{أَبَشَراً مِنََّا وََاحِداً نَتَّبِعُهُ}: 24: 2/ 79
{كَذََّابٌ أَشِرٌ}: 25: 2/ 346
{إِلََّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنََاهُمْ بِسَحَرٍ}: 34: 2/ 578
{وَالسََّاعَةُ أَدْهى ََ وَأَمَرُّ}: 46: 2/ 257
{إِنََّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنََاهُ بِقَدَرٍ}: 49: 2/ 90
{فِي جَنََّاتٍ وَنَهَرٍ}: 54: 2/ 48
__________
(1) وقرأ نافع وأبو عمرو، وأبو جعفر ويعقوب: «عاد لّولى».(3/337)
كحذف الهاء (1) فى قوله (2):
* وما شىء حميت بمستباح *
وفى قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} (3) أراد لا تجزى فيه، كما قال: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ} (4) وإذا قدّرت مثل ذلك فى البيت اتّصل الكلامان فصحّ المعنى، وتقدير العائد فى البيت: أىّ يوم سررتنى بوصال لم ترعنى بعده ثلاثة أيام بصدود، فالهاء عائدة على وصال، فكأنك قلت:
ما سررتنى يوما بوصال مأمون بعده صدودك (5) ثلاثة أيام، وإذا ثبت صحّة هذا المعنى بهذا التقدير، فإن شئت قدّرت أنك حذفت الظرف أولا، فبقى «لم ترعنيه» ثم حذفت الهاء ثانيا، على مذهب من قدّر فى الآية حذف الجارّ أوّلا، فبقى «لا تجزيه» ثم حذف الهاء، وإن شئت قدّرت أنك حذفت الظرف والعائد حذفة واحدة، فهذا أحد الأوجه الثلاثة.
والوجه الثانى: أنك تقدّر بالجملة العطف، وتضمر العاطف، فكأنك قلت:
أىّ يوم سررتنى بوصال فلم ترعنى ثلاثة بصدود، والعرب تضمر / الفاء والواو العاطفتين، فممّا جاء فيه إضمار الفاء قوله سبحانه: {وَإِذْ قََالَ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قََالُوا أَتَتَّخِذُنََا هُزُواً قََالَ أَعُوذُ بِاللََّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجََاهِلِينَ} (6) فأضمر الفاء فى {قََالُوا} لتمام كلام موسى عليه السلام، ثم أضمر الفاء فى {قََالَ} (7) لتمام كلام قومه، وهذا كثير فى القرآن.
ومما أضمرت فيه الواو قول الحطيئة (8):
__________
(1) جاءت العبارة فى هـ مضطربة هكذا: يقارب حذف عائد كحذف الصلة فى قوله
(2) فرغت منه فى المجلس الأول.
(3) سورة البقرة 48، 123.
(4) سورة البقرة 281.
(5) فى هـ: صدود.
(6) سورة البقرة 67.
(7) حكاه الزركشى فى البرهان 3/ 212.
(8) ديوانه ص 11، والمغنى ص 706، وشرح أبياته 7/ 326، ومعجم ما استعجم ص 1387، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الرابع والأربعين.(1/337)
سورة الرحمن
{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}: 17: 1/ 122
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ}: 26: 1/ 390/ 117
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ}: 31: 1/ 399
{فَانْفُذُوا لََا تَنْفُذُونَ إِلََّا بِسُلْطََانٍ}: 33: 2/ 534
{فَيَوْمَئِذٍ لََا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ}: 39: 3/ 115
{ذَوََاتََا أَفْنََانٍ}: 48: 2/ 77، 246
{هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ}: 60: 1/ 378/ 63
{حُورٌ مَقْصُورََاتٌ}: 72: 1/ 39
سورة الواقعة
{فَأَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ. أُولََئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}: 118: 1/ 102، 371، 374
{وَأَصْحََابُ الْيَمِينِ مََا أَصْحََابُ الْيَمِينِ}: 27: 2/ 6
{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ}: 29: 3/ 157
{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}: 30: 3/ 119
{وَفََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لََا مَقْطُوعَةٍ وَلََا مَمْنُوعَةٍ}: 32، 33: 2/ 539
{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لََا بََارِدٍ وَلََا كَرِيمٍ}: 43، 44: 2/ 539
{لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمََالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ}: 52، 53: 1/ 123
{فَشََارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}: 55: 1/ 87
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ََ فَلَوْلََا تَذَكَّرُونَ}: 62: 1/ 323(3/338)
إنّ امرأ رهطه بالشام منزله ... برمل يبرين جارا شدّ ما اغتربا
أراد: ومنزله برمل يبرين، وكذلك أضمرها الراجز فى قوله:
لما رأيت نبطا أنصارا ... شمّرت عن ركبتى الإزارا (1)
كنت لها من النّصارى جارا
أراد: وكنت (2)، وليس للجملة فى هذا الوجه موضع من الإعراب، لأنها فى التقدير معطوفة على جملة لا موضع لها.
والثالث: أن تجعل الجملة حالا من التاء فى «سررتنى» والعائد على التاء من حالها هو الضمير المستتر فى «ترعنى» فكأنك قلت: أىّ يوم سررتنى غير رائع لى، وهذه حال مقدّرة كقولك: «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا (3)» أى مقدّرا به الصّيد، ومثله فى التنزيل: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ} (4) أى مقدّرين الخلود، ومن ذلك: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ} (5) أى مقدّرين التحليق، لأن التحليق لا يكون فى وقت الدخول، وكذلك المراد: أىّ يوم سررتنى بوصالك غير مقدّر أنك تروعنى ثلاثة أيام بصدودك. فهذه ثلاثة أقوال جارية فى مضمار كلام العرب.
ومن روى: «لم ترعنى ثلاثة» برفع «ثلاثة» على إسناد الفعل إليها، كانت
__________
(1) الرجز فى معانى القرآن 1/ 44، وتفسير الطبرى 2/ 144، والقرطبى 1/ 434، والبيت الأول فى اللسان (نصر) شاهدا على أن «أنصار» بمعنى النصارى. وقد أعاد ابن الشجرى هذا الرجز فى المجلس الرابع والأربعين.
(2) قدّره فى المجلس المذكور على حذف الفاء، أى: فكنت.
(3) أعاده ابن الشجرى فى المجلس الحادى والسبعين. وهو فى الكتاب 2/ 49، والمقتضب 3/ 261، والأصول 2/ 38، 268، والاستغناء فى أحكام الاستثناء ص 420، والجمل المنسوب للخليل ص 171، واللسان (خلف)، وانظر كتاب الشعر ص 262، وحواشيه.
(4) سورة الزمر 73.
(5) سورة الفتح 27.(1/338)
{فَظَلْتُمْ} [1] تَفَكَّهُونَ. إِنََّا لَمُغْرَمُونَ: 65، 66: 1/ 146 2/ 408، 476
{جَعَلْنََاهََا تَذْكِرَةً وَمَتََاعاً لِلْمُقْوِينَ}: 73: 2/ 248
{فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ}: 75: 2/ 527
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}: 76: 1/ 328
{فَلَوْلََا إِذََا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}: 83: 1/ 390/ 117
{فَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}: 88، 89: 1/ 102
{وَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ. فَسَلََامٌ لَكَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ}: 90، 91: 1/ 356 2/ 119
{حَقُّ الْيَقِينِ}: 95: 2/ 68
سورة الحديد
«وكلّ (2) وعد الله الحسنى»: 10: 1/ 39/ 169
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً}: 11: 1/ 409
{قِيلَ ارْجِعُوا وَرََاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً. فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بََابٌ بََاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظََاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذََابُ}: 13: 1/ 251، 380
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللََّهِ}: 16: 1/ 403
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقََاتِ وَأَقْرَضُوا اللََّهَ}: 18: 2/ 438 3/ 204
{وَمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا إِلََّا مَتََاعُ الْغُرُورِ}: 20: 2/ 69
__________
(1) وقرأ بكسر الظاء عبد الله بن مسعود وغيره.
(2) بالرفع: قراءة ابن عامر.(3/339)
العلقة بين الجملتين بتقدير الوصف أو العطف، وبطل أن تكون الجملة حالا لخلوّ / «ترعنى» من ضمير يعود على ذى الحال.
بيت آخر (1) له:
جرّبت من نار الهوى ما تنطفى ... نار الغضا وتكلّ عمّا تحرق
وهذا البيت أيضا ممّا أمرّوه على أسماعهم إمرارا، فلم يعطوه حصّة من التفكّر، ولم يولوه طرفا من التأمل، ويتوجّه فيه سؤال عن معنى «ما» الأولى، وسؤال عن الفاعل المستكنّ فى «تحرق» إلى أىّ النارين يعود؟ وسؤال عمّا فيه من الحذوف، وسؤال عن الجارّ الذى هو «عن» بم يتعلّق؟ فإنّ الانطفاء والكلول كلاهما ممّا يتعدّى بعن، قال الأخطل (2):
وأطفأت عنّى نار نعمان بعدما ... أغذّ لأمر عاجز وتجرّدا
وأنا أوضّح لك، إن شاء الله تعالى، الأجوبة عن هذه الأسولة (3)، بعد أن أذكر لك نبذة تستفيدها، من اشتقاق وغيره، فمن ذلك أن معنى التجريب تكرير الاختبار، لأنّ أمثلة التفعيل موضوعة للمبالغة والتكثير، وأصله من قولهم: جرّبته:
أى داويته من الجرب، فنظرت أيصلح حاله أم لا، ومثله: قرّدت البعير: أى أزلت عنه القراد، وقرّعت الفصيل: أى دوايته من القرع، وهو داء يلحق الفصال.
وألف الغضا أصلها الياء، لقولهم: أرض غضياء (4)، ولا تجوز إمالته وإن كانت ألفه من الياء، لأنّ فيه حرفين مستعليين (5).
__________
(1) ديوانه 2/ 333.
(2) ديوانه ص 307، من قصيدة يمدح بها يزيد بن معاوية. وأراد بنعمان: النعمان بن بشير بن سعد الخزرجى. والأمر العاجز: الشديد يعجز عنه صاحبه. وأغذّ: أسرع. وتجرّد: شمّر وجدّ.
(3) فى هـ «الأسئلة». وما فى الأصل محكىّ عن ابن جنى، فإنه حكى: «سوال وأسولة». بطرح الهمز. راجع اللسان (سول).
(4) الذى فى اللسان بالقصر، قال: وأرض غضيا: كثيرة الغضى.
(5) وهما الغين والضاد.(1/339)
{لِئَلََّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتََابِ أَلََّا يَقْدِرُونَ عَلى ََ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللََّهِ}: 29: 1/ 2384/ 142 524، 541
سورة المجادلة
{مََا هُنَّ أُمَّهََاتِهِمْ إِنْ أُمَّهََاتُهُمْ إِلَّا اللََّائِي وَلَدْنَهُمْ}: 2: 2/ 556 3/ 144
{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلََا يُعَذِّبُنَا اللََّهُ بِمََا نَقُولُ}: 8: 2/ 50
{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقََاتٍ}: 13: 1/ 386
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطََانُ}: 19: 2/ 392
سورة الحشر
{فَأَتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}: 2: 1/ 278/ 521
{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدََّارَ وَالْإِيمََانَ}: 9: 3/ 83
{لَئِنْ أُخْرِجُوا لََا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لََا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبََارَ}: 12: 1/ 356 2/ 118، 534
{وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى}: 14: 1/ 213
{فَكََانَ عََاقِبَتَهُمََا أَنَّهُمََا فِي النََّارِ خََالِدَيْنِ}: 17: 1/ 27
سورة الممتحنة
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمََا جََاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيََّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللََّهِ رَبِّكُمْ}: 1: 2/ 375، 533 3/ 160
{يَوْمَ الْقِيََامَةِ يَفْصِلُ} [1] بَيْنَكُمْ: 3: 2/ 593
__________
(1) بالبناء للمفعول: قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو.(3/340)
ويقال: طفئت النار وانطفأت (1)، مهموز، ولكنه أبدل من همزة تنطفىء ياء لانكسار ما قبلها، كما أبدل الفرزدق من المفتوح ما قبلها ألفا فى قوله (2):
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع
وهذا لا يسمّى تخفيفا (3)، وإنما هو إبدال لا يجوز إلّا فى الشّعر، والتخفيف الذى يقتضيه القياس فى هذا النحو أن تجعل الهمزة فيه بين بين.
وأمّا «ما» من قوله: «ما تنطفى» فمصدريّة، والضمير الذى فى «تحرق» / عائد على «نار الهوى»، وقوله: «عمّا تحرق» متعلّق «بتكلّ» ومعمول «تنطفى» محذوف، وذلك اختيار البصريين فى إعمال (4) الفعلين، كقولك: رضيت وصفحت عن زيد [أردت: رضيت عن زيد وصفحت عن زيد (5)] فحذفت معمول الأول لدلالة معمول الثاني عليه، وحجّتهم أن الثانى أقرب إلى المعمول، فإن استعملت الاختيار الكوفيّ فعلّقت (6) الجارّ بالأول، فلأنه الأسبق فى الذّكر، فهذا أحد المحذوفات من البيت.
والمحذوف الثانى: العائد إلى «ما» الثانية من صلتها، وفيه حذفان آخران، لأن تقدير معنى البيت: جرّبت من قوّة نار الهوى انطفاء نار [الغضا (7)] وكلولها عن إحراق ما تحرقه نار الهوى، لابدّ من تقدير هذين المضافين، القوّة والإحراق لأن المعنى يقتضيهما، وإنما خصّ الغضا، لأن ناره أشدّ النّيران وأبقاها.
__________
(1) هذه عن الزجاجى، حكاها فى كتابه الجمل، كما فى اللسان (طفأ). وهى فى الجمل ص 297.
(2) ديوانه ص 508، وضرورة الشعر ص 138، وتخريجه فى كتاب الشعر ص 145، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثالث والسّتين.
(3) هذا كلام ابن جنى. راجع المحتسب 2/ 173.
(4) فى شرح ديوان المتنبى وهو ينقل عن الأمالى «فى إعمال ثانى الفعلين».
(5) سقط من هـ، ومن شرح الديوان.
(6) فى الأصل: «علقت لأنه».
(7) سقط من هـ.(1/340)
ومن هذه القصيدة:
كبّرت حول ديارهم لمّا بدت ... منها الشّموس وليس فيها المشرق (1)
ذكرت هذا البيت لأنهم أضربوا عن الكلام فيه صفحا، وفيه ما يقتضى أسئلة، أولها: كيف قال: بدت منها الشّموس، فذكر المشبّه به دون المشبّه، وأسقط أداة التشبيه؟ والثانى: كيف جمع الشمس وليس فى العالم إلا شمس واحدة، وهل فعل ذلك أحد من الشعراء القدماء قبله؟
والثالث: فى أىّ شىء شبّه هؤلاء الممدوحين بالشمس؟
والجواب أنه كان حقّ تشبيههم بالشمس أن يقال: رجال مثل الشمس، ولكنه جاء به على حذف المشبّه وإسقاط أداة التشبيه، ليجعل كلّ واحد منهم الشمس على الحقيقة، ثم جمع الشمس ليقابل جماعة بجماعة، وبالغ فيما أراده من المعنى بإخباره أنه كبّر الله سبحانه متعجّبا من طلوع شموس فى / غير جهة، المشرق، لأنّ ديارهم كانت فى جهة المغرب.
ومثل ذلك فى إسقاط المشبه وحرف التشبيه، قصدا لتحقيق الشّبه قولك:
لقيت فلانا فلقيت حاتما جودا، والنابغة شعرا، والأحنف حلما، وإياسا ذكاء، وعمرو بن العاص دهاء، وخالد بن صفوان بلاغة، ويحيى (3) بن عبد الحميد كتابة.
فأمّا استجازة جمع الشمس فلاختلاف مطالعها ومغاربها، وازدياد حميها (2)
وانتقاصه، وتغيّر لونها فى الأصائل، ولذلك قالوا: شمس الشتاء، وشمس الصيف، وشمس الضّحى، وشمس الأصيل، فأضافوا إلى هذه الأشياء المتضادة، وليس شمس غيرها، ولذلك جاء فى التنزيل على الأصل: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (4) أى مكان
__________
(1) ديوانه 2/ 337، وأسرار البلاغة ص 281.
(2) فى هـ: «جميعها»، وفى شرح الديوان: «حرّها».
(3) هكذا. والمعروف بالكتابة هو: عبد الحميد بن يحيى.
(4) سورة الشعراء 28، والمزمل 9.(1/341)
سورة الصفّ
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مََا لََا تَفْعَلُونَ}: 2: 2/ 415
{كَأَنَّهُمْ بُنْيََانٌ مَرْصُوصٌ}: 4: 1/ 154
{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}: 6: 2/ 159
{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ}. {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}: 1210: 1/ 395
{مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ}: 14: 2/ 608
سورة الجمعة
{كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}: 5: 2/ 361، 422
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ}: 8: 2/ 552
{إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}
{فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللََّهِ}: 9، 10: 1/ 411
سورة المنافقون
{قََاتَلَهُمُ اللََّهُ}: 4: 2/ 3146/ 13
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}: 6: 3/ 106
{لَئِنْ رَجَعْنََا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}: 8: 2/ 144، 525
{لََا تُلْهِكُمْ أَمْوََالُكُمْ وَلََا أَوْلََادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللََّهِ}: 9: 1/ 416(3/341)
الشروق ومكان الغروب، وجاء فيه: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} (1) أراد مشرق الشتاء ومغربه [ومشرق الصيف ومغربه (2)] وجاء فيه: {بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ} (3)
لأنّ للشمس فى كلّ يوم مشرقا ومغربا غير مشرقها ومغربها فى اليوم الذى قبله.
وأما جمع الشمس فى الشعر القديم فنحو قول مالك الأشتر (4):
حمى الحديد عليهم فكأنّه ... ومضان برق أو شعاع شموس
وأمّا المعانى التى نزّلهم بها منزلة الشمس، فمنها أن علوّ أقدارهم واشتهارهم فى الناس كعلوّ الشمس واشتهارها، ومنها أن الانتفاع بهم كالانتفاع بضيائها، ونماء النبات بها، ومنها أن إشراق وجوههم وصفاء ألوانهم كإشراقها وصفائها (5).
بيت آخر منها (6):
أمطر علىّ سحاب جودك ثرّة ... وانظر إلىّ برحمة لا أغرق
يقال: سحاب ثرّ، للكثير الماء، واستعاروه للفرس الكثير الجرى، قال الشاعر (7):
وقد أغدو إلى الهيجا ... ء بالمحتنك الثّرّ (8)
__________
(1) سورة الرحمن 17.
(2) سقط من هـ.
(3) الآية المتمة الأربعين من سورة المعارج. وجاء فى الأصل وهـ «رب» بإسقاط الباء، وهو تحريف. وتمام الآية الكريمة: {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ إِنََّا لَقََادِرُونَ} وقد سقطت الباء أيضا من شرح ديوان المتنبى، وشارحه ينقل عن ابن الشجرى، كما قدّمت مرارا.
(4) الأشتر: لقب له لأن رجلا ضربه فى يوم اليرموك على رأسه فسألت الجراحة قيحا إلى عينه فشترتها، أى قلبت جفنها من أعلى وأسفل. واسم الأشتر: مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعى الكوفى، كان من أصحاب على رضى الله عنه، وحديثه فى الجمل وصفّين معروف. والبيت فى أمالى القالى 1/ 85، وشرح الحماسة ص 151، والمؤتلف والمختلف ص 32، ومعجم الشعراء ص 263، والتصريح على التوضيح 1/ 91، واللسان (شمس). وشرح ديوان المتنبى، الموضع السابق.
(5) فى الأصل: وضيائها.
(6) ديوانه: 2/ 339.
(7) هو ابن ضبّة، كما فى الحيوان 4/ 29، وانظر حواشيه.
(8) رواية الحيوان «التّرّ» بالتاء الفوقية، وكذلك فى اللسان (ترر) وفيه: التّرّ من الخيل: المعتدل الأعضاء، الخفيف. ورواه الزمخشرى فى الأساس «الثر» بالثاء المثلثة، كرواية ابن الشجرى.(1/342)
«لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكون (1) من الصالحين»: 10: 1/ 428
سورة التغابن
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}: 7: 1/ 63
سورة الطلاق
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ}: 1: 2/ 126
{وَاللََّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسََائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلََاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللََّائِي لَمْ يَحِضْنَ}: 4: 2/ 362/ 60
{اللََّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}: 12: 2/ 48
سورة التحريم
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ}: 1: 2/ 415
{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا}: 4: 1/ 215/ 496
{وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ}: 4: 1/ 266 2/ 48، 211 3/ 123
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ}: 7: 2/ 411
{تُوبُوا إِلَى اللََّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً}: 8: 2/ 255
سورة الملك
{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ طِبََاقاً}: 3: 1/ 59، 60
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قََالُوا بَلى ََ قَدْ جََاءَنََا نَذِيرٌ}: 8، 9: 1/ 230
__________
(1) قراءة أبى عمرو.(3/342)
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صََافََّاتٍ وَيَقْبِضْنَ}: 19: 2/ 438 3/ 204، 233
{إِنِ الْكََافِرُونَ إِلََّا فِي غُرُورٍ}: 20: 3/ 144
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً}: 30: 1/ 82، 92، 106، 252
سورة القلم
{مََا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}: 2: 2/ 142، 144، 524
{مََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}: 36: 1/ 404
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ}: 42: 1/ 342
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ}: 44: 1/ 412
سورة الحاقة
{الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ}: 1، 2: 1/ 370، 371 2/ 6
{أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ}: 7: 1/ 2123/ 47، 417، 473 3/ 29، 94
{إِنََّا لَمََّا طَغَى الْمََاءُ حَمَلْنََاكُمْ فِي الْجََارِيَةِ}: 11: 1/ 343
{وَالْمَلَكُ عَلى ََ أَرْجََائِهََا}: 17: 2/ 212
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمََا أَسْلَفْتُمْ}: 24: 1/ 249
{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهََا سَبْعُونَ ذِرََاعاً فَاسْلُكُوهُ}: 32: 2/ 137
سورة المعارج
{سَأَلَ سََائِلٌ بِعَذََابٍ وََاقِعٍ}: 1: 2/ 614(3/343)
/ المحتنك: الذى احتنكه (1) السّنّ، وذلك إذا قرح (2)، وقالوا للناقة الغزيرة وللطّعنة الواسعة، وللعين الكثيرة الدمع: ثرّة.
ونصب «ثرّة» على الحال، وأنّث الحال لأن السّحاب بمعنى السحائب، ومن قال: سحاب ثرّ، فلأن السحاب اسم مفرد يقع على الجنس، كالشّجر والنّخل، والأغلب عليه التذكير، كما جاء فى التنزيل: {وَالسَّحََابِ الْمُسَخَّرِ} (3) و {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} (4) و {أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (5) وجاء التأنيث فى قوله تعالى:
{وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ} (6) و {أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} (7) وأنّث الشجر فى قوله:
{لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمََالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} (8) وذكّره فى قوله: {شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (9).
وكان الوجه فى إعراب «لا أغرق» الجزم، على أن يكون جوابا للطلب الذى هو قوله: «انظر إلىّ» بتقدير: فإنك إن تنظر (10) إلىّ لا أغرق، ولهذا الحرف ذكرت هذا البيت.
__________
(1) فى هـ: «أحنكته»، وأثبت ما فى الأصل، وهما سواء. يقال: أحنكته التجارب والسّنّ واحتنكته.
(2) قالوا: إذا دخل الفرس فى السادسة واستتمّ الخامسة فقد قرح بفتحتين أى انتهت أسنانه.
(3) سورة البقرة 164.
(4) الآية المتمة الثمانين من سورة يس.
(5) الآية المتمة العشرين من سورة القمر، وانظر كتاب الشعر ص 462.
(6) سورة الرعد 12، وانظر كتاب الشعر ص 461، وحواشيه. وسيأتى هذا كله مرّة أخرى فى المجلسين الثامن والثلاثين، والثانى والسبعين.
(7) الآية السابعة من سورة الحاقة.
(8) سورة الواقعة 52، 53.
(9) الآية العاشرة من سورة النحل.
(10) حكى هذا شارح ديوان المتنبى 2/ 339، 340، عن ابن الشجرى.(1/343)
ورفعه يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد لئلّا أغرق، وحذف لام العلّة، ثم حذف «أن» فرفع، كما فعل فى قوله (1):
أوجد ميتا قبيل أفقدها
أراد أن أفقدها، فحذف «أن» فارتفع الفعل لفقد الناصب، قال طرفة (2):
ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغى
أراد أن أحضر [الوغى (3)] فلما أسقط «أن» رفع، وإن كانت مرادة، ويدلّك على أنّ الأصل أن أحضر قوله:
وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدى
والثانى: أن تكون الفاء فيه مقدّرة، وإذا كانت الفاء فى الجواب مقدّرة ارتفع الفعل بتقديرها، كما يرتفع بإثباتها، وإذا كانوا يحذفونها من جواب (4) الشرط الصريح فيرفعون، كان حذفها من جواب الأمر النائب عن الشرط أسهل، فممّا حذفت فيه من جواب الشرط قوله:
/ من يفعل الحسنات الله يشكرها (5)
__________
(1) ديوانه 1/ 296. وصدر البيت:
يا حاديى عيرها وأحسبنى
وقد أنشده ابن الشجرى بتمامه فى المجلس الثانى والثمانين، وابن هشام فى المغنى ص 445، وانظر شرح أبيات المغنى 4/ 375.
(2) ديوانه ص 31، وشرح القصائد السبع ص 192، ورسالة الغفران ص 251، وهذا شاهد كثير الدوران، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس الثانى والثمانين، وانظر الكتاب 3/ 99، والشعر ص 404، وحواشيهما.
(3) سقط من هـ.
(4) فى هـ: «أجوبة» وما فى الأصل مثله فى شرح ديوان المتنبى.
(5) تمامه:
والشرّ بالشرّ عند الله سيّان
ويروى «مثلان». وقد أنشده ابن الشجرى فى المجلسين السادس والثلاثين، والرابع والأربعين، ونسبه لعبد الرحمن بن حسّان بن ثابت. وفى نسبة هذا البيت خلاف، فينسب لعبد الرحمن بن حسان كما(1/344)
{مِنْ عَذََابِ} [1] يَوْمِئِذٍ: 11: 1/ 268/ 602
{نَزََّاعَةً} [2] لِلشَّوى ََ: 16: 2/ 251
{إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً}. {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}: 19، 22: 1/ 275/ 417
{فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ}: 36: 1/ 168
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ عِزِينَ}: 37: 2/ 278
{فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ}: 40: 1/ 73، 122 2/ 142، 527
{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدََاثِ}: 43: 1/ 199
سورة نوح
{إِنََّا أَرْسَلْنََا نُوحاً إِلى ََ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ}: 1: 3/ 152
{وَإِنِّي كُلَّمََا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيََابَهُمْ}: 7: 1/ 98
{وَاللََّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبََاتاً}: 17: 2/ 395
{وَلََا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلََا سُوََاعاً وَلََا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}: 23: 3/ 121
«ممّا خطاياهم» (3): 25: 2/ 142، 524، 568، 603
سورة الجن
{وَأَنََّا مِنَّا الصََّالِحُونَ وَمِنََّا دُونَ ذََلِكَ}: 11: 2/ 593
{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلََا يَخََافُ بَخْساً}: 13: 1/ 390
__________
(1) قرىء بفتح الميم وكسرها.
(2) بالرفع لجميع القرّاء ما عدا حفصا، فإنه وحده قرأ بالنصب.
(3) قراءة أبى عمرو.(3/344)
{وَأَمَّا الْقََاسِطُونَ فَكََانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}: 15: 3/ 57
{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مََا تُوعَدُونَ}: 25: 3/ 144
سورة المزمل
{قُمِ اللَّيْلَ}: 2: 2/ 375
{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}: 8: 1/ 151 2/ 395
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}: 9: 1/ 121
{كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}: 15، 16: 3/ 88
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً. السَّمََاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ}: 17، 18: 2/ 471، 615 3/ 94
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ}: 20: 3/ 156
سورة المدثر
{وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}: 4، 5: 3/ 89، 90
{فَإِذََا نُقِرَ فِي النََّاقُورِ. فَذََلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}: 8، 9: 2/ 602
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}: 11: 1/ 25، 141 2/ 71
{فَمََا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}: 49: 3/ 7
سورة القيامة
{لََا} [1] أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ. وَلََا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوََّامَةِ: 1، 2: 2/ 141، 142، 143، 524
__________
(1) وقرأ ابن كثير: لأقسم.(3/345)
فأما قوله جل ثناؤه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (1) بضم الضاد وتشديد الراء ورفعها (2)، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: تقدير الفاء، والثانى: التقديم والتأخير، كأنه قيل: لا يضرّكم كيدهم شيئا إن تصبروا وتتقوا، وبهذا التقدير ارتفع «تصرع» من قول الراجز (3):
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنّك إن يصرع أخوك تصرع
وإن شئت رفعته بتقدير الفاء (4)، والثالث: أن يكون ضمّ الراء إتباعا لضمة الضاد، كقولك: لم يردّكم، والأصل: يضرركم، فألقيت ضمّة المثل الأول على الساكن قبله، وحرّك الثانى بالضم إتباعا للضمة قبله، فلما حرّك الثانى وقد سكن الأول وجب الإدغام، وتحريك الثانى فى هذا النحو بالفتح هو الوجه (5) لخفّة الفتحة مع التضعيف، وبه قرأ فى هذا الحرف المفضّل الضبّىّ عن عاصم بن أبى النّجود.
* * * __________
ترى، ولأبيه حسّان، ولكعب بن مالك الأنصارى رضى الله عنهم أجمعين. راجع ديوان حسّان ص 516، وديوان كعب ص 288، 312، والكتاب 3/ 64، والمقتضب 2/ 72، والأصول 2/ 195، 3/ 462، وضرورة الشعر ص 115، والتبصرة ص 410، والجمل المنسوب للخليل ص 201، والبسيط ص 817، وشرح الجمل 2/ 199، 592، وضرائر الشعر ص 160.
(1) سورة آل عمران 120.
(2) وهى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى. وقرأ باقى السبعة {لََا يَضُرُّكُمْ} بكسر الضاد وسكون الراء. السبعة لابن مجاهد ص 215، والكشف لمكى 1/ 355. وانظر معانى القرآن للفراء 1/ 232، وللأخفش ص 214، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 361، وتفسير القرطبى 4/ 184.
(3) هو جرير بن عبد الله البجلى، وقيل: عمرو بن خثارم العجلى. انظر الكتاب 3/ 67والمقتضب 2/ 72، وضرورة الشعر ص 115، والجمل المنسوب للخليل ص 198، والتبصرة ص 413، ومشكل إعراب القرآن 1/ 155، والمقرب 1/ 275، وضرائر الشعر ص 160، والخزانة 8/ 20، 9/ 47، وغير ذلك كثير.
(4) وهو رأى المبرد. راجع المقتضب.
(5) راجع مراجع تخريج الآية الكريمة. وانظر الجمل ص 415.(1/345)
المجلس الثالث عشر
وهو مجلس يوم السبت، رابع جمادى الآخرة، سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
إعراب بيت وما يتّصل به
ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بنى زياد (1)
هذا البيت من مقطوعة لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسىّ، وكان سيّد قومه، ونشأت (2) بينه وبين الرّبيع بن زياد العبسى شحناء فى [شأن (3)] درع ساومه فيها، فلمّا نظر إليها وهو على ظهر فرسه وضعها على القربوس ثم ركض بها، فلم يردّها عليه، فاعترض قيس فاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وهى إحدى المنجبات، وهى أمّ الربيع بن زياد، وقد ذكرت هذا فيما مرّ من الأمالى (4)، وكانت / حين عرض لها قيس في ظعائن من بنى عبس، فاقتاد جملها يريد أن يرتهنها بدرعه، فقالت له:
ما رأيت كاليوم قطّ فعل رجل! أين ضلّ حلمك؟ أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد
__________
(1) هذا الشاهد مما استفاضت به كتب العربية، وقد أعاده المصنف فى المجلس الحادى والثلاثين. وانظر الكتاب 3/ 315، 316، وضرورة الشعر ص 61، وكتاب الشعر ص 204، وشرح الحماسة ص 1481، 1771، 1852، والجمل المنسوب للخليل ص 204، وحواشى هذه الكتب كلّها.
(2) هذه القصة فى غير كتاب، وحسبك النقائض ص 90، والأغانى 17/ 197، ومجمع الأمثال 1/ 194، عند ذكر المثل: «حسبك من شرّ سماعه».
(3) ليس فى هـ.
(4) فى المجلس الثالث.(1/346)
{بَلِ الْإِنْسََانُ عَلى ََ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}: 14: 3/ 31
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ}: 22: 1/ 24
{تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ}: 25: 1/ 385
{كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ}: 26: 1/ 390/ 117
{فَلََا صَدَّقَ وَلََا صَلََّى}: 31: 1/ 218 2/ 324، 536
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلى ََ أَهْلِهِ يَتَمَطََّى}: 33: 2/ 174
{أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ. ثُمَّ أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ}: 34، 35: 3/ 88
سورة الإنسان
{هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}: 1: 1/ 323 3/ 108
{إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً}: 3: 3/ 128
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا عِبََادُ اللََّهِ}: 6: 2/ 613
{إِنَّمََا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللََّهِ}: 9: 2/ 617
{وَلَقََّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}: 11: 1/ 24
{وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}: 24: 3/ 71
{يُدْخِلُ مَنْ يَشََاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظََّالِمِينَ} [1] أَعَدَّ لَهُمْ عَذََاباً أَلِيماً: 31: 2/ 86
سورة المرسلات
{عُذْراً أَوْ نُذْراً}: 6: 3/ 73
__________
(1) وفى مصحف ابن مسعود: وللظالمين أعدّ لهم.(3/346)
أبدا وقد أخذت أمّهم فذهبت بها يمينا وشمالا، فقال الناس فى ذلك ما شاءوا أن يقولوا، «وإنّ حسبك من شرّ سماعه»، فأرسلتها مثلا (1)، فعرف قيس ما قالت، فخلّى سبيلها، ثم اطّرد إبلا لبنى زياد، فقدم بها مكّة، فباعها من عبد الله بن جدعان التّيمىّ معاوضة بأدراع وسيوف، ثم جاور ربيعة بن قرط بن سلمة بن قشير، وهو ربيعة الخير، ويكنى أبا هلال، وقيل: هو ربيعة بن قرط بن عبد (2) بن أبى بكر بن كلاب.
وقال قيس فى ذلك:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بنى زياد
ومحبسها على القرشىّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد
كما لاقيت من حمل بن بدر ... وإخوته على ذات الإصاد
هم فخروا علىّ بغير فخر ... وردّوا دون غايته جوادى
وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآد
بداهية تدقّ الصّلب منه ... فتقصم أو تجوب على الفؤاد
أطوّف ما أطوّف ثم آوى ... إلى جار كجار أبى دؤاد
تظلّ جياده يعسلن حولى ... بذات الرّمث كالحدأ الغوادى
كفانى ما أخاف أبو هلال ... ربيعة فانتهت عنّى الأعادى
كأنّى إذ أنخت إلى ابن قرط ... أنخت إلى يلملم أو نضاد
__________
(1) دللت على مكانه فى مجمع الأمثال، وتأويله عند الميدانى: كفى بالمقالة عارا وإن كان باطلا.
(2) فى جمهرة الأنساب ص 283: عبد الله.(1/347)
{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (1): 11: 2/ 187
{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ}: 16: 1/ 409
«كأنه جمالات (2) صفر»: 33: 3/ 32
{هََذََا يَوْمُ لََا يَنْطِقُونَ}: 35: 1/ 199
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلََالٍ وَعُيُونٍ}: 41: 3/ 119
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لََا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}: 48، 49: 1/ 414
سورة النبأ
{عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ}: 1: 1/ 2330/ 546
{وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً}: 14: 2/ 424
{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مََا قَدَّمَتْ يَدََاهُ وَيَقُولُ الْكََافِرُ يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً}: 40: 3/ 195
سورة النازعات
{هَلْ لَكَ إِلى ََ أَنْ تَزَكََّى}: 18: 1/ 405
{فَإِذََا جََاءَتِ الطَّامَّةُ}: 34: 2/ 491
سورة عبس
{قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ}: 17: 2/ 146، 553
سورة التكوير
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}: 1: 2/ 82
__________
(1) وقرأ أبو عمرو: وقّتت.
(2) بالجمع: قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبى عمرو، وأبى بكر عن عاصم.(3/347)
قوله: «ألم يأتيك (1)» أثبت الياء فى موضع الجزم لإقامة الوزن كما [أثبت الآخر (2)] فى قوله (3):
هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا ... من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع
/ ووجه ذلك أنّهما نزّلا الواو والياء منزلة الحرف الصّحيح، فقدّرا فيهما الحركة، فكأنّ الجازم دخل ولفظ الفعل: يأتيك وتهجو بضم لاميهما، كقولك: يضربك ويخرج، فأسقط الحركة المقدرة كما يسقط الحركة الملفوظ بها، ويدلّك على أن الحركة فى هذا النحو مرادة أن الشاعر متى احتاج إليها أظهرها، كما أظهر الضّمّة فى ياء المنقوص، والكسرة فى نحو:
جاءنى ناعى بنعي سليمى (4)
ونحو ما أنشده سيبويه (5) لأعرابىّ من بنى كليب:
فيوما يجازين (6) الهوى غير ماضى ... ويوما ترى منهنّ غول تغوّل
__________
(1) رواية النقائض والأغانى: «ألم يبلغك» وبها يفوت الاستشهاد. وفيه روايات أخرى يذهب معها الاستشهاد، انظرها فى سر صناعة الإعراب ص 78، 631، والخصائص 1/ 333، والخزانة 8/ 362، وشرح الشواهد للعينى 1/ 234.
(2) سقط من هـ. ووجه الكلام: «كما أثبت الآخر الواو فى قوله».
(3) هو الإمام أبو عمرو بن العلاء: وبيته هذا دائر سيّار فى كتب العربية. انظره فى معانى القرآن 1/ 162، 2/ 188، والجمل المنسوب للخليل ص 203، وشرح الحماسة ص 1771، وزدته تخريجا فى كتاب الشعر ص 204.
(4) لم أعرفه.
(5) هكذا فى الأصل، وهـ. والذى فى كتاب سيبويه 3/ 314: «وقال يعنى الخليل وأنشدنى أعرابىّ من بنى كليب لجرير». والبيت فى ديوان جرير ص 140، وتخريجه فى ص 1059، وزد عليه ما فى حواشى سيبويه، والأصول 3/ 443، وكتاب الشعر ص 206، وضرورة الشعر ص 60، وضرائر الشعر ص 42.
ورواية الديوان: «فيوما يجارين الهوى غير ماصبا» وعليها يفوت الاستشهاد. وبعده فى الديوان: «قال المهلبى: هذه رواية جيدة، وسيبويه يرويه «غير ماضي» بتحريك الياء، وهو ردىء، إلا أنه شاهد».
وانظر اللسان (مضى).
(6) فى هـ «يجارين» بالراء، وأثبتّه بالزاى من الأصل، ومثله فى الخصائص 3/ 159، واللسان(1/348)
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}: 23: 3/ 123
«وما هو على الغيب بظنين» (1): 24: 1/ 228
سورة الانفطار
{إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ}: 1: 1/ 249/ 82
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مََا شََاءَ رَكَّبَكَ}: 8: 3/ 45
سورة المطففين
{إِذَا اكْتََالُوا عَلَى النََّاسِ يَسْتَوْفُونَ}: 2: 2/ 131، 609
{وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}: 3: 1/ 283/ 130
سورة الانشقاق
{إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ}: 1: 1/ 49
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}: 19: 2/ 490، 612 3/ 122
سورة البروج
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذََابُ جَهَنَّمَ}: 10: 2/ 552
سورة الطارق
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا} [2] عَلَيْهََا حََافِظٌ: 4: 2/ 563 3/ 145
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسََانُ مِمَّ خُلِقَ}: 5: 2/ 546
__________
(1) بالظاء: قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكسائىّ.
(2) بتخفيف الميم: قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو والكسائى.(3/348)
وقد أثبتوا الألف فى موضع الجزم، تشبيها بالياء كقوله (1):
إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق
وكقول الآخر:
ما أنس لا أنساه آخر عيشتى (2)
فأما إثباتها فى قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} (3) فلأنه نفى لا نهى، أى فلست تنسى إذا أقرأناك، أعلمه الله أنه سيجعل له آية تبين بها الفضيلة له، وذلك أنّ الملك كان ينزل عليه بالوحى فيقرؤه عليه ولا يكرّره، فلا ينسى صلى الله عليه وآله وسلم شيئا مما يوحيه إليه وهو أمّىّ لا يخطّ بيده كتابا ولا يقرؤه، قال الله سبحانه: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (4).
وقوله: {إِلََّا مََا شََاءَ اللََّهُ} (5) فيه قولان: أحدهما: إلا ما شاء الله أن تنساه ثم تذكره بعد، والآخر: إلا ما شاء الله أن يؤخّره فتترك تلاوته على أصحابك إلى وقت آخر، فعلى هذا يكون معنى {فَلََا تَنْسى ََ}: فلا تترك، كما قال: {نَسُوا اللََّهَ فَنَسِيَهُمْ} (6)
أى تركوا الله فتركهم.
__________
(مضى). وهما روايتان، راجع التعليق السابق. وهناك ثالثة فى ضرائر الشعر «يجاذبن».
(1) رؤبة. ملحقات ديوانه ص 179، وشرح الحماسة ص 1771، 1852، والحلبيات ص 86، وتخريجه مستقصى فى كتاب الشعر ص 205.
(2) تمامه:
مالاح بالمعزاء ريع سراب
وقائله حصين بن قعقاع بن معبد بن زرارة، كما ذكر البغدادى فى شرح شواهد الشافية ص 413، 414، وانظر كتاب الشعر ص 204، وحواشيه. والمعزاء بفتح الميم وسكون العين المهملة، بعدها زاى معجمة: الأرض الصلبة الكثيرة الحصا. والريع: مصدر راع السرّاب يريع: أى جاء وذهب».
(3) الآية السادسة من سورة الأعلى. وأصل هذا التأويل عند أبى على، فى كتاب الشعر ص 206.
(4) الآية التاسعة من سورة الحجر.
(5) الآية السابعة من سورة الأعلى.
(6) سورة التوبة 67.(1/349)
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرََائِبِ}: 7: 1/ 114
{إِنَّهُ عَلى ََ رَجْعِهِ لَقََادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ}: 8، 9: 1/ 297
{أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}: 17: 2/ 221، 396
سورة الأعلى
{سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ. إِلََّا مََا شََاءَ اللََّهُ}: 6، 7: 1/ 129 2/ 534
سورة الغاشية
{هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ}: 1: 3/ 108
سورة الفجر
{وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ}: 4: 1/ 317 2/ 290
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصََادِ}: 14: 1/ 399
{رَبِّي أَكْرَمَنِ}. {رَبِّي أَهََانَنِ}: 15، 16: 2/ 291
{وَتُحِبُّونَ} [1] الْمََالَ حُبًّا جَمًّا: 20: 1/ 3236/ 20
{يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}: 27: 3/ 45
سورة البلد
{لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ}: 1: 2/ 526
{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مََالًا لُبَداً}: 6: 2/ 348
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: 11: 2/ 324، 536
__________
(1) وقرأ أبو عمرو: «ويحبون» بالياء التحتية.(3/349)
وروى (1) أن المأمون قال لأبى علىّ المنقرىّ: بلغنى أنك أمّىّ، وأنك لا تقيم الشّعر، / وأنك تلحن، فقال: يا أمير المؤمنين، أما اللّحن فربّما سبق لسانى بشىء منه، وأمّا الأميّة وكسر الشّعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكتب ولا يقيم الشّعر، فقال له: سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتنى رابعا، وهو الجهل، يا جاهل! إن ذلك كان للنبىّ صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة، وهو فيك وفى أمثالك نقيصة، وإنما منع النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لنفى الظّنّة عنه، لا لعيب فى الشّعر والكتابة.
وفى فاعل «يأتيك» قولان، قيل: إنه مضمر مقدّر، كما حكى سيبويه (2) «إذا كان غدا فأتنى» أى إذا كان ما نحن عليه (3) من الرخاء أو البلاء غدا فأتنى، وتقديره:
ألم يأتك النبأ، ودلّ على ذلك قوله: «والأنباء تنمى» وقيل إن الباء فى قوله: «بما لاقت (4)» زائدة، و «ما» هى الفاعل، كما زيدت الباء مع الفاعل فى: {كَفى ََ بِاللََّهِ} (5) ومع المبتدأ فى قولهم: «بحسبك قول السوء» ومع المفعول فى نحو: (6) «لا يقرأن
__________
(1) هذه الحكاية بألفاظها فى تفسير القرطبى 15/ 54، عند تفسير قوله تعالى من سورة يس:
{وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ وَمََا يَنْبَغِي لَهُ}.
(2) الكتاب 1/ 224. وذكر سيبويه أن نصب «غدا» لغة بنى تميم. والتقدير: إذا كان ما نحن عليه من السلامة، أو كان ما نحن عليه من البلاء فى غد فأتنى. ويروى بالرفع «غدّ» على أن يكون فاعلا لكان التامة، ولا حذف. راجع كتاب الشعر ص 353، وحواشيه. وقد أعاد ابن الشجرى هذا الشاهد النثرى فى المجالس: الثامن والعشرين، والسابع والثلاثين، والتاسع والستين.
(3) فى هـ: «ما نحن فيه».
(4) نسبه البغدادى فى الخزانة 3/ 535للأعلم وابن الشجرى.
(5) سورة الرعد 43، والعنكبوت 52. وفى غير موضع من الكتاب العزيز. وانظر ما يأتى فى المجلس المتمّ الثلاثين.
(6) جزء من بيت، وتمامه:
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
وينسب للقتال الكلابى، وللراعى النميرى. ديوان القتال ص 53، وديوان الراعى ص 122، وتخريجه فيه مستقصى، وزد عليه: كتاب الشعر ص 442، وحواشيه. والحرائر: جمع حرّة، ومعناها الكريمة والأصيلة، وضدّ الأمة. والربّات: جمع ربّه بمعنى صاحبة. والأحمرة: جمع حمار، بالحاء المهملة، وخصّ الحمير لأنها رذال المال وشرّه. يقال: شرّ المال مالا يزكّى ولا يذكّى. والمحاجر: جمع محجر: بوزن مجلس ومنبر.
والمحاجر من الوجه: حيث يقع عليه النقاب، وما بدا من النقاب أيضا. وأراد سواد الوجه كله. والمعنى:
هنّ خيرات كريمات، يتلون القرآن، ولسن بإماء سود ذوات حمر يسقينها. الخزانة 9/ 110.(1/350)
سورة الشمس
{وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا}: 1: 2/ 118، 141
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا}: 9: 2/ 118، 141
{وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا}: 10: 2/ 173
{نََاقَةَ اللََّهِ وَسُقْيََاهََا}: 13: 2/ 97
سورة الليل
{وَمََا يُغْنِي عَنْهُ مََالُهُ إِذََا تَرَدََّى}: 11: 1/ 35
سورة الضحى
{مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ}: 3: 1/ 177 2/ 66، 73 3/ 207
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ. وَوَجَدَكَ عََائِلًا فَأَغْنى ََ}: 86: 1/ 403، 2/ 66، 570
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ. وَأَمََّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}: 119: 2/ 38/ 131
سورة الشرح
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} الآيات إلى آخر السورة: 1/ 3329/ 87 91
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}: 5، 6: 1/ 371
سورة التين
{فَمََا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}: 7: 2/ 548(3/350)
سورة العلق
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ}: 6، 7: 1/ 57، 162
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللََّهَ يَرى ََ}: 14: 1/ 383
{لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ}: 15: 1/ 340 2/ 165
سورة القدر
{إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}: 1: 1/ 290/ 503 3/ 114، 117
{تَنَزَّلُ الْمَلََائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهََا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}: 4: 2/ 172، 520، 3613/ 180
سورة البيّنة
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتََّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}: 1: 2/ 373
{وَذََلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: 5: 1/ 2275/ 69، 406، 484
سورة الزلزلة
{إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزََالَهََا}: 1: 1/ 69
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى ََ لَهََا}: 5: 1/ 231/ 89، 255، 523، 615
سورة العاديات
{وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً}: 1: 2/ 396
سورة القارعة
{الْقََارِعَةُ. مَا الْقََارِعَةُ}: 1، 2: 1/ 2370/ 6(3/351)
بالسّور» ونحو: {وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1) وهى ومجرورها على القول الأول فى موضع النصب، لا متعلقة بتنمى.
وقوله: «كما لاقيت» العامل فيه محذوف، تقديره: لاقيت منهم كما لاقيت من حمل بن بدر، ومثله فى حذف الفعل منه للدّلالة عليه قول يزيد بن مفرّغ الحميرىّ (2):
لا ذعرت السّوام فى وضح الصّب ... ح مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطى من المخافة ضيما ... والمنايا يرصدننى أن أحيدا
طالعات أخذن كلّ سبيل ... لاشقيّا ولا يدعن سعيدا
أراد: لا يدعن شقيّا، فحذف.
فأما قوله تعالى جدّه: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} (3) فهذا التشبيه فى الظاهر كأنه منقطع مما قبله، لأنه جاء بعد قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللََّهَ وَأَصْلِحُوا ذََاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (4) ثم وصف المؤمنين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً وَعَلى ََ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلََاةَ وَمِمََّا رَزَقْنََاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجََاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (5) [ثم قال (6)]: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}.
__________
(1) سورة البقرة 195.
(2) ديوانه ص 72، والخزانة 8/ 367، حكاية عن ابن الشجرى، والبيت الأول فى الخصائص 3/ 273.
(3) الآية الخامسة من سورة الأنفال.
(4) أول سورة الأنفال.
(5) سورة الأنفال: 42.
(6) ليس فى هـ.(1/351)
وقد قيل فى اتصاله بما قبله وبما بعده أقوال رغبت عن ذكرها، لبعدها عن التأويل (1)، وأوجه ما قيل فيه أن موضع الكاف رفع خبر مبتدأ محذوف، وذلك أن النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى قلّة المؤمنين يوم بدر، وكراهتهم للقتال قال:
«من قتل منهم واحدا فله كذا، ومن أسر واحدا فله كذا» وقيل: إنه جعل للقاتل سلب المقتول، ليرغّبهم فى القتال، فلما فرغ من أهل بدر، قام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله إن نفّلت هؤلاء (2) ما سمّيت لهم بقى [نفرّ (3)] كثير من المسلمين بلا شىء، فأنزل الله تعالى: {قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} يصنع فيها ما يشاء، فسكتوا وفى أنفسهم من ذلك كراهية، فقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللََّهَ وَأَصْلِحُوا ذََاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ} أى اقبلوا ما أمركم الله ورسوله (4) به فى الغنائم وغيرها، ثم قال: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} والتقدير: كراهيتهم (5) لما فعلت فى الغنائم كإخراجك من بيتك على كره منهم، ودلّ على ذلك قوله: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكََارِهُونَ}.
وذات الإصاد: مكان (6).
وقوله: «وردّوا دون غايته جوادى» كان قيس بن زهير خاطر حذيفة بن بدر الفزارىّ على فرسيه، داحسن والغبراء، وفرسى حذيفة الخطّار والحنفاء، فجاء
__________
(1) يعنى الأقوال التى حكاها مكّى بن أبى طالب، وقد بسط ابن الشجرى الكلام على هذه الأقوال فى المجلس الحادى والثمانين. وقد جمع أبو حيان خمسة عشر قولا فى هذه المسألة، ولم يستحسن شيئا منها. انظر البحر 4/ 463459، والتبيان للعكبرى ص 616.
(2) فى الأصل «بما» وأثبت ما فى هـ، ومثله فى المجلس الحادى والثمانين.
(3) ليس فى هـ. وانظر المصنّف 5/ 239، والدر المنثور 3/ 160. وفيهما: «سعد بن عبادة».
(4) فى هـ: «أى اقبلوا ما أمركم الله ورسوله أى اقبلوا ما أمركم به فى الغنائم».
(5) هذا تقدير الفراء، كما فى معانى القرآن 1/ 403، وقد حكاه ابن الشجرى بألفاظه فى المجلس الحادى والثمانين. ونسب أبو جعفر الطبرى هذا القول لبعض نحويّى الكوفة. انظر تفسيره 13/ 392. وراجع الكشاف 2/ 143، والموضع السابق من البحر.
(6) فى ديار عبس وسط هضب القليب. وهضب القليب جبال صغار بنجد. معجم ياقوت 1/ 291، وانظر معجم ما استعجم ص 161.(1/352)
سورة التكاثر
{أَلْهََاكُمُ التَّكََاثُرُ}: 1: 1/ 416
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}: 6: 2/ 492
سورة العصر
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}: 2، 3: 1/ 2323/ 5
سورة الهمزة
{وَمََا أَدْرََاكَ مَا الْحُطَمَةُ. نََارُ اللََّهِ الْمُوقَدَةُ}: 5، 6: 2/ 60
سورة الفيل
{تَرْمِيهِمْ بِحِجََارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}: 4: 3/ 32
سورة قريش
{لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ}: 1: 2/ 484
سورة النصر
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}: 3: 1/ 96
سورة المسد
{حَمََّالَةَ الْحَطَبِ}: 4: 2/ 3101/ 76
سورة الإخلاص
{قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} [1]. اللََّهُ الصَّمَدُ: 1، 2: 1/ 91 2/ 162، 166 3/ 116
* * * __________
(1) وقرأ أبو عمرو: بحذف التنوين مع الوصل {أَحَدٌ اللََّهُ}.(3/352)
2 - فهرس الأحاديث النبوية القوليّة والفعليّة
الجزء والصفحة
الآن حمى الوطيس 3/ 215
إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا 1/ 414
استغربوا لا تضووا 2/ 252
أصيحابي أصيحابي 2/ 383
إن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، إن الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا، وفعلوا بنا وفعلوا. فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا:
بلى. قال: فإنّ ذلك 2/ 64
إنكنّ لصواحبات يوسف 2/ 495
إنه ليغان على قلبى 1/ 170
أنهاكم عن قيل وقال 2/ 597
بعثت إلى الأسود والأحمر 2/ 325
جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضّبع وتقطّعت عنّا الخنف 1/ 50
جدع الحلال أنف الغيرة 1/ 343
الحمد لله الذي جعل فى أمتى من أمرنى أن أصبر نفسى معه 1/ 222
حمى الوطيس الآن
الخيل معقود في نواصيها الخير 1/ 87
زرغبا تزدد حبّا 2/ 581
زويت لى الأرض 2/ 249(3/353)
داحس سابقا، وقد أكمنت له فزارة رجلا ليصدّه عن الغاية إن جاء / سابقا، فلطم وجهه ثم أمسكه، فجاء إلى الغاية مسبوقا.
وقوله: «منيت بخصم سوء»: أى بليت به، والنّآد: الشديدة من الدّواهى.
والقصم: الكسر، وجار أبى دؤاد: هو الحارث (1) بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، كان أبو دؤاد الإيادىّ جاوره، فخرج صبيان الحىّ يلعبون فى غدير فغمسوا (2)
ابن أبى دؤاد فقتلوه، فقال الحارث: لا يبقى فى الحىّ صبىّ إلا غرّق فى الغدير، فودى ابن أبى دؤاد تسع ديات أو عشرا.
ويعسلن: من العسلان، وهو اهتزاز العادىّ، والحدأ: جمع حدأة، طائر معروف، ويلملم ونضاد: جبلان، ويقال أيضا: يرمرم.
بيت آخر (3):
فإنّ لها جارين لن يغدرا بها ... أبو جعدة العادى وعرفاء جيأل
أبو جعدة: الذئب، وعرفاء (4) جيأل: الضّبع، والضمير يعود على غنم تقدّم ذكرها، وإذا اجتمع الذئب والضّبع اشتغل كلّ واحد منهما بالآخر، وسلمت
__________
(1) وهكذا فى النقائض ص 91، والأغانى 17/ 199، وقيل: إن جار أبى دؤاد هو كعب بن مامة.
قالوا: كان كعب إذا جاوره رجل فمات وداه، وإن هلك له بعير أو شاة أخلف عليه، فجاوره أبو دؤاد الإيادىّ الشاعر، وكان يفعل به ذلك، فصارت العرب إذا حمدت جارا لحسن جواره قالوا: كجار أبى دؤد، ثم أنشدوا بيت قيس بن رهير هذا. الدرة الفاخرة ص 130، وثمار القلوب ص 127، ومجمع الأمثال 1/ 163 (حرف الجيم جار كجار أبى دؤاد). وانظر فى تضعيف هذه الرواية ديوان أبى دؤاد ص 260.
(2) فى النقائض: «فقمس الصبيان ابن أبى دؤاد» وقمس بمعنى غمس.
(3) للكميت، كما فى المنصف 3/ 6، واللسان (عرف). وهو من غير نسبة فى كتاب الشعر ص 291، ورواية الصدر فيه، وفيهما:
لنا راعيا سوء مضيعان منهما
(4) يقال للضبع «عرفاء» لطول عرفها وكثرة شعرها.(1/353)
سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له 1/ 101
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته 2/ 617
العينان وكاء السّه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء 2/ 218
غفرانك 2/ 106
فجاء ينفض ثوبه ويقول: أفّ 2/ 175
كنت أشتهى أن أراه 2/ 251
لا تباغضوا ولا تحاسدوا 1/ 414
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب 1/ 394
لا يباليهم الله بالة 2/ 292
لتأخذوا مصافّكم 2/ 354، 355، 522
لن يغلب عسر يسرين 3/ 89
ما أذن الله لشيء كأذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن 2/ 233
ما أنا من دد ولا الدّدمنّى 2/ 233
ما بان من الحيّ فهو ميتة 2/ 591
المؤمن هين لين 1/ 434 2/ 170
المرء مجزىّ بعمله، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر 2/ 95
من أزلّت إليه نعمة فليكافىء بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا 2/ 64
من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل 1/ 411
من شرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم 1/ 415
الناس مجزيّون بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ 2/ 95، 99
نهى عن المكامعة والمكاعمة 1/ 30
هذا حين حمى الوطيس الآن
يا أبا عمير، ذهب النّغير 2/ 348
* * *
3 - فهرس الأمثال وأقوال العرب(3/354)
الغنم، وفى كتاب سيبويه (1) «اللهمّ ضبعا وذئبا».
بيت آخر:
وقد جعلت نفسى تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظم نابها (2)
الضّغم: العضّ، ومنه قيل للأسد: ضيغم، و «ها» من قوله:
«لضغمهماها» ضمير الضّغمة، وانتصابه انتصاب المصدر، وفاعل المصدر محذوف، والتقدير: لضغمى إيّاهما الضغمة (3)، واللام متعلّقة بيقرع.
عدىّ بن زيد العبادىّ (4):
أرواح مودّع أم بكور ... أنت فانظر لأىّ حال تصير
قال أبو علىّ: رواح مودّع: كقولهم: ليل نائم، ولو أنشد «مودّع» جاز، وكان / التقدير: مودّع فيه، وحذف كما حذف من قوله (5):
* كبير أناس فى بجاد مزمّل *
أى مزمّل فيه. انتهى كلامه.
__________
(1) 1/ 255.
(2) أنشده المصنف فى المجلس الخامس والستين، ضمن قصيدة نسبها للقيط بن مرّة الأسدى، وتروى أيضا لمغلّس بن لقيط. انظر الكتاب 2/ 365، والإيضاح 1/ 34، وشرح شواهده إيضاح الشواهد ص 82، وشرح الجمل 2/ 19، والخزانة 5/ 305301، وغير ذلك مما تراه فى حواشى إيضاح الشواهد.
(3) أعاد ابن الشجرى هذا الكلام فى المجلس الخامس والستين، وحكاه عنه البغدادى فى الخزانة، ثم قال: «وقد اختلف الناس فى معنى هذا البيت، وأصوب من تكلم عليه ابن الشجرى».
(4) ديوانه ص 84، وتخريجه فى ص 216، وزد عليه ما فى حواشى طبقات فحول الشعراء ص 141، وكتاب الشعر ص 325.
(5) امرؤ القيس. ديوانه ص 25، 376، والكامل ص 993، والخصائص 1/ 192، 3/ 221، والمحتسب 2/ 135، والجمل المنسوب للخليل ص 176، وتذكرة النحاة ص 308، 346، والمغنى ص 569، 760، وشرح أبياته 7/ 111، والخزانة 5/ 98، وانظر فهارسه.(1/354)
كأنّ ثبيرا فى عرانين وبله ... كبير أناس فى بجاد مزمّل
البجاد: الكساء المخطّط، والمزمّل: الملفّف، ولولا تقدير «فيه» هاهنا وجب رفع «مزمّل» على الوصف لكبير، وتقدير «فيه» أمثل من حمل (1) الجرّ على المجاورة، شبّه الجبل فى أوائل الوبل، وهو المطر الشديد الوقع، العظيم القطر، بكبير قوم متلفّف بكساء.
ويروى: «لأىّ ذاك تصير» وقال: لأىّ ذاك، ولم يقل: ذينك، لأنهم قد يوقعون ذاك وذلك على الجمل، يقول القائل: زارنى أمس زيد وأخوك معه وهما يضحكان، فتقول: قد علمت ذلك، ولذلك جازت إضافة «بين» إلى ذلك فى قوله تعالى: {لََا فََارِضٌ وَلََا بِكْرٌ عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ} (2) ومثله: {وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً} (3) ألا ترى أن إضافة «بين» فى قولك:
جلست بين زيد، لا يجوز حتى تقول: وبكر، أو بين الزيدين، أو بين القوم، أو نحو ذلك.
وأما قوله: «لأىّ حال» ولم يقل: لأية حال، فيجوز أن يكون على لغة من [ذكّر الحال، ويجوز أن يكون على لغة من (4)] أنّثها لأن تأنيثها غير حقيقى، ويجوز أن يكون حمل الحال على الشأن، لأنهما فى المعنى متقاربان.
ويحتمل «رواح» أن يكون خبرا عن «أنت»، بتقدير: أذو رواح أنت؟
ويحتمل أن يكون مبتدءا خبره محذوف، أى ألك رواح؟ ويحتمل أن يكون خبر
__________
(1) وهذا رأى ابن جنى. راجع الخصائص.
(2) سورة البقرة 68، وقد بسط ابن الشجرى الكلام على «بين» فى المجلس الحادى والستين، وانظر معانى القرآن للفراء 1/ 45.
(3) سورة الفرقان 67.
(4) ساقط من هـ.(1/355)
* * *
3 - فهرس الأمثال وأقوال العرب
أبلغ من سحبان وائل 2/ 500
اتقى الله امرؤ الحارث بن هشام 1/ 393
أجيعهنّ فلا يبطرن، وأعريهنّ فلا يظهرن عقيل بن علّفة 1/ 205
إذا تقارب نسب الأبوين جاء الولد ضاويا 2/ 252
استغربوا لا تضووا 2/ 252
أشأم من البسوس 1/ 171
أشأم من عطر منشم 1/ 178
أضيع من سراج فى الشمس 3/ 231
أعزّ من كليب وائل 1/ 171
أعقّ من ضبّ 1/ 205
أعيا من باقل 2/ 500
اللهم ضبعا وذئبا 1/ 134
امرءا اتقى الله، امرءا حاسب نفسه، امرءا أخذ بعنان قلبه فعلم ما يراد به الحجاج بن يوسف 2/ 98
إن الشقىّ وافد البراجم 2/ 447
أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب الحباب بن المنذر 2/ 384، 403
إنما سمّيت هانئا لتهنىء 1/ 248
إنى أبوت عشرة، وأخوت عشرة، وأنا اليوم وحيد، فرحم الله من أمر بمير أو دعا بخير 1/ 45
أهلك الناس الدرهم والدينار 1/ 75
أيها الناس، كذب عليكم الحجّ والعمرة عمر بن الخطاب 1/ 396، 397(3/355)
البطنة تذهب الفطنة 2/ 499
تجاوزت الأحصّ وشبيثا 1/ 172
تسمع بالمعيديّ لا أن تراه وخير من أن تراه 2/ 181
جاء ينفض مذرويه 1/ 26
حسبك من شرّ سماعه 1/ 127
الحصن أولى لو تأيّيته 2/ 342
خذه ولو بقرطى مارية 2/ 460
رماه الله بالحرّة تحت القرّة 1/ 31
زرغبا تزدد حبّا 2/ 581
سألت ربّك شططا من كلام عبيد الله بن زياد بن ظبيان وقد قيل له: أكثر الله فى العشيرة مثلك 1/ 198
السخىّ من جاد بماله تبرّعا، وكفّ عن أموال الناس تورّعا 1/ 326
سكت ألفا ونطق خلفا 2/ 580
سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا على بن أبى طالب أو الفضل بن عيسى 2/ 454
شنشنة أعرفها من أخزم 1/ 206
العقل سبب رداءة العيش أرسطا طاليس 3/ 241
عند الصباح يحمد القوم السّرى 2/ 505
فإنّ ذاك. لعلّ ذاك. عمر بن عبد العزيز 2/ 64
في بيته يؤتى الحكم 1/ 89 3/ 115
لقيته بعيدات بين 2/ 579
لقيته صكّة عمىّ 2/ 579
لكلّ ساقطة لا قطة 3/ 38
ماله سعنة ولا معنة 1/ 173(3/356)
مبتدأ محذوف، أى أرواحك رواح مودّع؟ فعلى هذين التقديرين يرتفع «أنت» بفعل مضمر يفسّره «انظر» وإن شئت رفعته بتقدير: أم ذو بكور أنت؟ وإن شئت رفعته بالمصدر الذى هو «بكور» رفع الفاعل بفعله، كقولك: أم بكور زيد، بتقدير: أم أن يبكر زيد، وإن شئت جعلته فى قول أبى الحسن الأخفش (1) مبتدءا وخبره «فانظر» والفاء زائدة، وإلى هذا ذهب فى قوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (2) وسيبويه (3) وغيره من البصريين قدّروا الخبر: فيما فرض عليكم، أو فيما يتلى عليكم: السارق والسارقة، أى حدّ السارق والسارقة.
قال أبو علىّ: إذا قلت: زيدا فاضرب، فزيد منصوب بهذا الفعل، وليست الفاء بمانعة من العمل، وتسمّى هذه الفاء معلّقة، كأنها تعلّق الفعل المؤخّر بالاسم المقدّم، فهى تشبه الزائدة، ويدلّك على أن العامل هو هذا الفعل قولك: بزيد فامرر، لأن (4) الباء لابدّ لها من شىء تتعلّق به.
* * * __________
(1) معانى القرآن له ص 124، وانظر كتاب الشعر ص 326، وسترى أن ابن الشجرى قد سلخ كلام أبى علىّ فى هذه الأعاريب.
(2) سورة المائدة 38.
(3) الكتاب 1/ 143، وانظر معانى القرآن للفراء 1/ 306، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 495، والبحر المحيط 3/ 476.
(4) فى هـ: فإن الباء لا بدّ لها من متعلّق به.(1/356)
المجلس الرابع عشر
وهو من القصيدة التى هذا البيت أوّلها:
أيّها الشامت المعيّر بالدّ ... هر أأنت المبرّأ الموفور (1)
أم لديك العهد الوثيق من الأيّ ... ام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون عرّين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى خير الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّ ... وم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ د ... جلة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلّله كل ... سا فللطّير فى ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتفكّر ربّ الخورنق إذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير
سرّه ملكه وكثرة ما يح ... ويه والبحر معرضا والسّدير
فارعوى قلبه فقال فما غب ... طة حىّ إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والإمّ ... ة وارتهم هناك القبور
/ ثم أضحوا كأنهم ورق ج ... فّ فألوت به الصّبا والدّبور
وكذاك الأيّام يغدرن بالنّا ... س وفيها العوصاء والميسور
__________
(1) ديوان عدىّ ص 87، وتخريجه فى ص 217. وزد عليه ما فى حواشى طبقات فحول الشعراء ص 141، وكتاب الشعر ص 216.(1/357)
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلّا مجلودا في حد أو ظنينا في ولاء 1/ 228، 229
من عزّ بزّ 1/ 368، 376 2/ 470
من كان الليل والنهار مطيّته أسرعا به السّير 1/ 47
نحن رءوس مضر. إن أسلمنا أسلم الناس 1/ 227
عيينة بن حصن الفزاري
نظرة من ذي علق 1/ 345
والله لقد سألناكم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبنّاكم، وهاجيناكم فما أفحمناكم عمرو بن معديكرب 1/ 226، 345
والله لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهما من مرامى الله
الحسن البصرى، فى وصف على بن أبي طالب 2/ 347
ولو بقرطى مارية خذه
يا أصحاب بيعة الشجرت. يا أصحاب سورة البقرت العباس بن عبد المطلب. فقال المجيب: والله ما أحفظ منها آيت 2/ 308
يا دنيا ألى تعرّضت، لا حان حينك. قد بتتّك ثلاثا لا رجعة لى فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير. على ابن أبي طالب 1/ 420
يا رسول الله. أكلتنا الضّبع 3/ 135
يا لله وللمسلمين عمر بن الخطاب 1/ 420
يا معشر أهل العراق، من فاز بكم فقد فاز بالسّهم الأخيب
على بن أبي طالب 2/ 461
اليوم خمر وغدا أمر امرؤ القيس 1/ 80 2/ 68
* * *
4 - فهرس الأشعار(3/357)
* * *
4 - فهرس الأشعار
(باب الهمزة) فصل الهمزة المفتوحة القافية: البحر: الشاعر: الجزء والصفحة
وظباء: الخفيف: الأخطل: 2/ 19
وفاء: الخفيف: يوسف بن أحمد الدباغ الصقلى: 2/ 39، 43
فصل الهمزة المضمومة بداء: الطويل: محمد بن بشير الخارجى: 2/ 37
وقلاؤها (1): الطويل:: 3/ 208
نساء: الوافر: زهير: 1/ 3406/ 107
الجوزاء: الكامل: المتنبي: 1/ 239
نجلاء: الكامل: المتنبي: 1/ 247
الأحياء: الكامل: المتنبي: 3/ 216
الأسماء: الكامل: المتنبي: 3/ 218
سواء: الكامل: المتنبي: 3/ 218
الأشياء: الكامل: المتنبي: 3/ 266
الداء: الكامل:: 1/ 36
وماء: الرجز:: 1/ 417
صلاء: الرجز:: 1/ 417
صلاء: الرجز:: 1/ 417
__________
(1) وقع فى صدر هذا الشاهد الخرم، بسقوط الفاء من «فعولن».(3/358)
إن يصبنى بعض (1) الأذاة فلا وا ... ن ضعيف ولا أكبّ عثور
وأنا الناصر الحقيقة إن أظ ... لم يوم تضيق فيه الصّدور
يوم لا ينفع الرّواغ ولا يق ... د (2) م إلا المشيّع النّحرير
قوله: «أيّها الشامت» خاطب به عدىّ (3) بن مرينا الأسدىّ، وقوله: «المعيّر بالدّهر» أراد بنوائب الدهر، يقال: عيّرته بكذا، وعيّرته كذا، وطرح الباء أكثر، قال المتلمّس (4):
يعيّرنى أمّى رجال ولا أرى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما
وقوله: «المبرّأ» أراد المبرّأ من المصائب، والموفور: الّذى لم يؤخذ من ماله شىء، يقال: وفر فلان يوفر.
وقوله: «من رأيت المنون عرّين» المنون يذكّر ويؤنّث، فمن ذكّره أراد الدهر، ومن أنّثه أراد المنيّة، ويكون واحدا وجمعا، وقوله: «عرّين» يدلّ على أنه ذهب به مذهب الجمع، كأنه أراد الدّهور أو المنايا، وقيل للدهر أو الموت: المنون، لأنه يقطع منن الأشياء، أى قواها.
و [قوله (5)] «عرّين» معناه اعتزلن، ومنه (6) ومنه العريّة، وهى النخلة التى إذا عرض النخل على بيع ثمرته عرّيت منه، أى عزلت عن المساومة، ويروى: «خلّدن» أى تركنه يخلّد.
__________
(1) فى هـ: «إن تصبنى بعد» وصححته من الأصل والديوان.
(2) فى الأصل وهـ، والديوان: «ولا ينفع»، وأثبتّ ما فى الجمهرة 2/ 398، والمعرب ص 331، وشفاء الغليل ص 226.
(3) انظر خبر عداوته للشاعر فى أسماء المغتالين ص 140، والأغانى 2/ 115.
(4) ديوانه ص 14، ومختارات ابن الشجرى ص 118.
(5) ليس فى هـ.
(6) فى هـ: والعريّة هى النخلة.(1/358)
العيعاء: الرجز:: 1/ 417
الحيحاء: الرجز:: 1/ 417
أعماؤه: الرجز: رؤبة:
سماؤه: الرجز: رؤبة: 1/ 2217/ 134، 240
يرزؤها: المنسرح: ابن هرمة: 1/ 328
شعواء: الخفيف: عبيد الله بن قيس الرقيات: 2/ 163
العذراء: الخفيف: عبيد الله بن قيس الرقيات: 2/ 163
برءاء: الخفيف: الحارث بن حلّزة: 2/ 210
عناء: الخفيف: أبو زبيد الطائى: 2/ 538
فصل الهمزة المكسورة صداء: الطويل:: 2/ 304
الهجاء: الوافر: المتنبي: 1/ 326
إتلائها: الرجز:: 1/ 338
الأحياء: الخفيف: عدىّ بن الرّعلاء: 1/ 232
نجلاء: الخفيف: عدىّ بن الرّعلاء: 2/ 566
(باب الباء) فصل الباء السّاكنة فأذهب فاذهبى. فى الكامل المكسور
فصل الباء المفتوحة أصهبا: الطويل: ربيعة بن مقروم الضّبيّ: 1/ 48
تحلّبا: الطويل: ربيعة بن مقروم الضّبيّ: 1/ 48
أرنبا: الطويل: الأعشى: 1/ 340(3/359)
والضيّم: القهر.
والخفير: المانع، والحامى، يقال: خفرته: إذا منعته وحميته، وأخفرته: إذا نقضت عهده وأسلمته.
وأبى أبو علىّ فى «المنون» إلا الرفع (1)، ولم يجز فيها النّصب بوجه لأن رأيت فى معنى علمت، وقد وقع متوسّطا، فلا يخلو من أن يكون ملغّى أو معملا، فإن اعتقدت إلغاءه حكمت بأن «من» مبتدأ و «المنون» مبتدأ ثان، و «عرّين» جملة من فعل وفاعل فى موضع خبر المبتدأ الثانى، والجملة التى هى المبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول، والعائد إلى «المنون» من خبرها النون، والعائد إلى «من» محذوف، كما حذف عائد المبتدأ فى قوله (2):
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كلّه لم أصنع
وفى قول الآخر:
* ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا (3) *
وفى قراءة من قرأ: وكلّ {وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} (4).
والتقدير: أىّ إنسان فيما ترى، المنون عرّينه؟ وإن اعتقدت إعمال «رأيت» حكمت بأن «من» مفعول أول، والجملة التى هى «المنون عرّين» فى موضع المفعول الثانى، والتقدير: أىّ إنسان علمت، المنون عرّينه، كقولك: أزيدا علمت الهندات أكرمنه؟.
__________
(1) راجع كتاب الشعر ص 216.
(2) فرغت منه فى المجلس الأول.
(3) تمامه:
فأخزى الله رابعة تعود
وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الموفى الأربعين. وهو من غير نسبة فى الكتاب 1/ 86، ومعانى القرآن للأخفش ص 252، والتبصرة ص 328، ونتائج الفكر ص 436، وشرح الجمل المنسوب للخليل ص 36، والخزانة 1/ 366.
(4) الآية العاشرة من سورة الحديد. وتقدّم الكلام على هذه القراءة فى المجلس الأول.(1/359)
مخضّبا: الطويل: الأعشى: 1/ 242، 346 3/ 202
أغلبا: الطويل: البحتري: 2/ 481
والحدبا: الطويل: المتنبي: 3/ 86
حزبا: الطويل: المتنبي: 3/ 86
خطبا: الطويل: المتنبي: 3/ 86
نهبى: الطويل: المتنبي: 3/ 86
والرّبّا: الطويل: المتنبي: 3/ 103
صبّا: الطويل: المتنبي: 3/ 258، 259
الحربا: الطويل: المتنبي: 3/ 258، 259
ذنبا: الطويل: المتنبي: 3/ 258، 259
والكواكبا: الطويل: المتنبي: 3/ 83
كلبا: البسيط: أبو الطفيل، عامر بن واثلة: 1/ 363
ما اغتربا: البسيط: الحطيئة: 1/ 2118/ 145
ومنتقبا: البسيط: الحطيئة: 1/ 422
زغبا: البسيط: أم ثواب الهزّانيّة: 3/ 12
يصطحبا: البسيط: المتنبي: 1/ 344
الرّقابا: الوافر: الحارث بن ظالم المرّي: 2/ 398
صابا: الوافر: بشر بن أبى خازم: 3/ 273
التهابا: الوافر: ربيعة بن مقروم: 1/ 217
اجتلابا: الوافر: جرير: 1/ 62
والخشابا: الوافر: جرير: 2/ 379/ 74
المصابا: الوافر: جرير: 1/ 160
أصابا: الوافر: جرير: 2/ 241
الكلابا: الوافر:: 2/ 518(3/360)
ويتّجه عندى نصب «المنون» على أن تجعلها مفعولا لرأيت، «وعرّين» فى موضع المفعول الثانى، وتجعل «من» مبتدءا، و «رأيت» ومفعوليها خبرا عنه، والعائد إلى المبتدأ الهاء المحذوفة التى هى مفعول «عرّين» وجاز (1) وجاز حذف العائد إلى المبتدأ من الجملة المخبر بها عنه، على قولك: زيد ضربت، وقول امرىء القيس (2):
فلمّا دنوت تسدّيتها ... فثوب نسيت وثوب أجرّ
وقولهم: «شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى (3)» أى شهر ترى فيه العشب.
فكأنك قلت: أىّ إنسان علمت النساء أكرمن؟ أردت أكرمنه، فحذفت.
ومواضع حذف العائد ثلاثة: الصّلة والصّفة والخبر، وحذفه من الصّلة أقيس من حذفه من الصّلة، وحذفه من الصّفة أقيس من حذفه من الخبر، وإنما استحسنوا حذفه من الصّلة حتى اتّسع ذلك فى القرآن اتساع الإثبات، لئلّا يكون اسم من أربعة (4) أشياء، فحذفه من «الذى» مثل: {لََا يَزََالُ بُنْيََانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} (5) وإثباته مثل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا} (6) وحذفه من «من» مثل:
__________
(1) فى هـ: وجاء.
(2) ديوانه ص 159، وروايته: «فثوبا نسيت وثوبا أجر» بالنصب. وأعاده ابن الشجرى برواية الرفع أيضا فى المجلس المتمّ الأربعين. وانظر الكتاب 1/ 86، والخزانة 1/ 373، وحواشيهما.
(3) يروى هذا عن رؤبة. انظر الكتاب، الموضع المذكور، والنبات للأصمعى ص 30، وأدب الكاتب ص 96، ونتائج الفكر ص 437، ومجمع الأمثال 1/ 370، والبسيط ص 538، 566، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس المذكور. ومعنى هذا القول أن المطر إذا وقع الأول منه فبلّ الأرض، تمكث الأرض ترابا رطبا، فهو قوله: «ثرى»، ثم تنبت فيرى النبات، فهو قوله «ترى» ثم يكون فى الشهر الثالث مرعّى. وهذا قول الأصمعى. وقال الميدانى: «وإنما حذف التنوين من ثرّى ومرعّى فى المثل لمتابعة «ترى» الذى هو الفعل».
(4) هكذا قال: «أربعة» والأولى «ثلاثة» لأنهم قالوا إن الموصول وصلته والعائد من الصلة إلى الموصول، هذه الأشياء الثلاثة فى قوّة كلمة واحدة، استطالوها فاستساغوا الحذف فيها. ولعلّ ابن الشجرى يعتبر الصلة اثنين، من حيث إنها تتكون من جملة: مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل. وراجع حواشى الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، رحمه الله، على أوضح المسالك 1/ 166. وابن الشجرى متابع فى ذلك المبرّد، وقد نبهت عليه فى المجلس الأول.
(5) سورة التوبة 110.
(6) سورة الأعراف 175.(1/360)
طلبا: الكامل: أوس بن حجر: 2/ 126
ضربا: الرجز: أبو محمد الفقعسي: 1/ 88
أحبّا: الرجز: أبو محمد الفقعسي: 1/ 88
صلبا: الرجز: عبد الرحمن المعنيّ. مرقس: 3/ 193
الضرّبا: الرجز: عبد الرحمن المعنيّ. مرقس: 3/ 193
ثعلبه: الرجز: الأغلب العجلي: 2/ 161
الرّقبه: الرجز: الأغلب العجلي: 2/ 161
ضبّه: المجتث: المتنبي: 3/ 268
غربه: المجتث: المتنبي: 3/ 268
أشبه: المجتث: المتنبي: 3/ 268
فصل الباء المضمومة المهذّب: الطويل: النابغة: 1/ 3408/ 267
أجرب: الطويل: النابغة: 2/ 608
يلعب: الطويل: الكميت: 1/ 407
تغرب: الطويل: نصيب: 2/ 596
يجرّب: الطويل: المتنبي: 3/ 68
وأكتب: الطويل: المتنبي: 3/ 136
طيّب: الطويل: المتنبي: 3/ 247
مغرب: الطويل: المتنبي: 3/ 265
عصبصب: الطويل: أبو نصر بن نباتة: 3/ 142
تترقّب: الطويل: أبو نصر بن نباتة: 3/ 142
وينضب: الطويل: الصاحب بن عبّاد: 3/ 136
وأكتب: الطويل: الصاحب بن عبّاد: 3/ 136
أعضب: الطويل:: 2/ 127
ضارب: الطويل:: 1/ 408(3/361)
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (1) وإثباته مثل: {وَمَنْ رَزَقْنََاهُ مِنََّا رِزْقاً / حَسَناً} (2) واستحسنوا حذف العائد من الصفة، قياسا على حذفه من الصّلة، لاشتراك الصّلة والصفة فى أشياء، منها أن الصفة تتمّم وتكمّل وتوضّح وتخصّص، كما أن الصّلة كذلك، ومنها أن الصفة لا تعمل فى الموصوف، كما أن الصلة لا تعمل فى الموصول، ومنها أن الصفة لا تتقدّم على الموصوف، كما أن الصلة لا تتقدّم على الموصول، ومنها أن العامل فى الموصوف والصفة واحد، كما أن العامل فى الموصول والصلة كذلك.
ويفترقان فى أن الموصول لا يكاد يستغنى عن الصّلة، والموصوف قد يستغنى عن الصفة، فلذلك لم يتأكد تقديرك الصفة مع الموصوف اسما واحدا، كما تأكّد ذلك فى الصلة والموصول، فإزالة العائد من الصلة كإزالة الياء من اشهيباب، فى قولك:
اشهباب (3).
وأمّا خبر المبتدأ فيفارق الصلة والصفة بأنه ليس مع المبتدأ كاسم واحد، وأنه ليس العامل فيهما واحدا، على رأى أكثر النحويين، وأنه قد يتقدّم على المبتدأ، وأنه إذا لم يشغل فى نحو قولك: زيد ضربته، عمل فى المبتدأ.
وقوله:
أين كسرى خير الملوك أنو شروان
كان أنو شروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور، من أعظم ملوك فارس، أعاد أمور (4) دولتهم إلى أحوالها بعد ضعفها واختلالها، ونفى رءوس المزادقة، وعمل بسيرة أردشير بن بابك بن ساسان، وافتتح أنطاكية، وكان معظم جنود
__________
(1) سورة المدثر 11.
(2) سورة النحل 75.
(3) راجع الكلام عليه وعلى نظائره فى شرح الشافية 3/ 121.
(4) راجع المعارف ص 663.(1/361)
قيصر فيها، وبنى بناحية المدائن المدينة التى سماها روميّة، على صورة أنطاكية، وأنزل السّبى الذى سباه من أنطاكية فيها، وافتتح مدينة هرقل والأسكندرية، وملّك آل المنذر على العرب، وسار نحو الهياطلة، واستعان عليهم بخاقان، وكان قد صاهره، فأوقع بهم، وأنزل جنوده / بفرغانة، فلما انصرف من خراسان قدم عليه سيف بن ذى يزن الحميرىّ، يستنصر على الحبشة، فبعث معه إسوارا (1) من عظماء أساورته فى جند من الدّيلم، فافتتحوا اليمن، ونفوا عنها السّودان، وأقاموا هناك إلى أن جاء الله بالإسلام، وكانت مدّة ملكه سبعا وأربعين سنة وأشهرا.
وقوله: «أم أين قبله سابور»: كان قبل أنوشروان بدهر طويل سابور بن أردشير بن بابك بن ساسان، وبعد سابور بن أردشير بدهر: سابور بن هرمز بن نرسى، وكان يلقّب ذا الأكتاف، وهو الذى عناه، وإنما قيل له: ذو الأكتاف، لأنه غزا العرب فى مشاتيها حتى أوغل فى بلادها وغور مياهها، وكان يخلع أكتاف من ظفر به [منهم (2)]. وكسرى: لقب كان لملوك الفرس، وقيصر لملوك الرّوم، وخاقان لملوك التّرك، وبغبور (3) لملوك الهند، وتبّع لملوك حمير.
وروى الكوفيّون كسرى، بكسر (4) الكاف، ورواه البصريّون بفتحها، إلا أبا عمرو بن العلاء، وجمعته العرب جمعين على غير القياس، وهما الأكاسرة والكسور (5)،
__________
(1) الإسوار، بكسر الهمزة، والضمّ لغة فيه: أعجمىّ معرّب، وهو الرامى، وقيل: الفارس، ويجمع على الأساور والأساورة: المعرّب ص 20، والذى فى المعارف: «فبعث قائدا من قوّاده».
(2) ليس فى هـ. وراجع المعارف ص 657.
(3) فى الأصل: «يغبور». وفى هـ: «يعبور». وأثبتّ ما جاء بحاشية الأصل، قال: «بغبور، بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وضمّ الموحدة لقب ملوك الصين». وكذلك جاء فى لسان العرب (بغبر). وضبط فيه بضم الباء الأولى، ضبط قلم.
(4) وهو الأفصح، كما نصّ صاحب المعرّب ص 282.
(5) ويجمع أيضا: «كساسرة» على غير القياس. وقياسه «كسرون» بفتح الراء، مثل عيسون وموسون. اللسان (كسر).(1/362)
شباب: الطويل: المتنبي: 3/ 193
عاب: الطويل: المتنبي: 3/ 193
فخاطب: الطويل: الفرزدق: 1/ 179، 180
الكواعب (1): الطويل: الفرزدق: 1/ 179، 180
الثعالب: الطويل: راشد بن عبد ربّه: 2/ 615
وتجاذب: مطلع قصيدة طويلة: أبو نصر بن نباتة: 2/ 474463
غريب: الطويل: علقمة بن عبدة: 1/ 228
مشيب: الطويل: علقمة بن عبدة: 2/ 607
يصوب: الطويل: علقمة بن عبدة وقيل غيره: 2/ 3203/ 35
ذنوب: الطويل: علقمة بن عبدة وقيل غيره: 2/ 3459/ 140
خطوب: الطويل: النابغة (؟): 3/ 146
لبيب: الطويل: المضرّب بن كعب بن زهير. وقيل غيره: 1/ 251
مجيب: الطويل: كعب بن سعد الغنوي: 1/ 95
قريب: الطويل: كعب بن سعد الغنوي: 1/ 361
نجيب: الطويل: العجير السّلولي، أو المخلّب الهلالي: 2/ 506
تطيب: الطويل: المخبّل السّعدي. وقيل غيره: 1/ 50
طيب: الطويل: المتنبي: 3/ 249
فيجيب: الطويل:: 1/ 195، وانظر 2/ 316
أقاربه: الطويل: الفرزدق: 1/ 201
وأخاطبه: الطويل: ذو الرمة: 2/ 240
نابها: الطويل: لقيط بن مرّة، وقيل: مغلّس بن لقيط: 1/ 2134/ 494
حبيبها: الطويل: مجنون بنى عامر: 1/ 418
عيوبها: الطويل: الفرزدق: 1/ 158، 433
__________
(1) فيه الإقواء.(3/362)
وذلك أن حدّ الأفاعلة أن يكون جمعا لإفعال ونحوه، كإسكاف وأساكفة، وأما الكسور فكأنهم جمعوه عليه بتقدير طرح ألفه، فهو كجذع وجذوع، فى قول من كسر أوّله، ودرب ودروب، فى قول من فتحه، واستعمل الكسور أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن نباتة، فى قصيدة مدح بها الملك بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة وابنه أبا منصور، فقال:
وتفرّست فيه غير محاب ... أنه كائن أبا للكسور (1)
يالها من مخيلة كان يوما ... شامها أردشير فى سابور
وقوله: «وأخو الحضر إذ بناه» يحتمل «أخو الحضر» أن يكون معطوفا على الأسماء المرتفعة بالابتداء، فالتقدير: أين كسرى أم أين سابور، وأين بنو / الأصفر، وأين أخو الحضر؟ ويجوز أن تقطعه عمّا قبله، فترفعه بالابتداء وتجعل الخبر عنه «شاده»، و «شاده» هو العامل فى الظّرف الذى هو «إذ» ومعنى شاده: رفعه، وقصر مشيد: مرفوع، وقيل: مبنىّ بالشّيد، وهو الجصّ، ويقال لكلّ حجر أملس: «مرمر» وأراد شاده بمرمر، فلما حذف الباء عاقبها النّصب، فالتقدير: وأخو الحضر إذ بناه، رفعه بمرمر.
وقوله: «وجلّله (2) كلسا» يقال: جلّلته الثوب وبالثوب، وطرح الباء أكثر، والكلس: الصّاروج، وهو الجيّار أيضا، وذراه: أعاليه، واحدتها: ذروة،
__________
(1) سقطت «أنه» من هـ.
(2) بحاشية الأصل: «قال العسكرىّ فى كتاب التصحيف: «ترويه العامة «جلّله» بالجيم، وقرأته على ابن دريد: «خلّله» بالخاء المعجمة، أى جعل الكلس فى خلل الحجر، وقال: جلّله ليس بشىء. انتهى».
وهذا الكلام أورده أبو أحمد العسكرىّ فى كتابه شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص 235، وأنشد ابن دريد البيت فى الجمهرة 3/ 45، وقال: «هكذا رواه الأصمعىّ بالخاء معجمة، وقال: ليس «جلّله» بالجيم بشىء، وروى غيره بالجيم، وقال الأصمعىّ: إنما هو «خلّله» أى صيّر الكلس فى خلل الحجارة، وكان يضحك من هذا، ويقول: متى رأوا حصنا مصهرجا؟».(1/363)
عرب: البسيط: ذو الرمة: 2/ 317
والشّيب: البسيط: أبو قيس بن رفاعة: 2/ 555
ذيب: البسيط: أبو قيس بن رفاعة: 2/ 91
رقوب: مخلّع البسيط: عبيد بن الأبرص: 3/ 26
العتاب 6أبيات: الوافر: الحارث بن كلدة الثقفى: 1/ 10
أصابوا: الوافر: الحارث بن كلدة الثقفى: 1/ 6، 210/ 71 3/ 107
السّراب: الوافر: المتنبّى: 2/ 273
الطّلاب: الوافر: المتنبّى: 3/ 89
والرّقاب: الوافر: المتنبّى: 3/ 244
العذاب: الوافر: المتنبّى: 3/ 245
الصواب: الوافر: المتنبّى: 3/ 262
الحبيب: الوافر: المتنبّى: 3/ 262
شبّوا: الكامل: الأسود بن يعفر: 2/ 121
يتلهّب: الكامل: زيد الفوارس: 1/ 3256/ 96
الثعلب: الكامل: ساعدة بن جؤيّة: 1/ 263/ 573
صاحبه: الرجز:: 2/ 405
جانبه: الرجز:: 2/ 405
العراب: الرمل: المتنبي: 3/ 266
مطّلب: المنسرح: ابن قيس الرقيّات: 2/ 534
عواقبها: المنسرح: عدىّ بن زيد: 1/ 111
مخالبها: المنسرح: عدىّ بن زيد: 1/ 111
كاذبها: المنسرح: عدىّ بن زيد: 1/ 111
كواكبها: المنسرح: عدىّ بن زيد أو أحيحة بن الجلاح: 1/ 109، 110
ترائبها: المنسرح: أو أحيحة بن الجلاح: 1/ 110
صاحبها: المنسرح: أو أحيحة بن الجلاح: 1/ 110(3/363)
فصل الباء المكسورة ذنب 4أبيات: الطويل: عبد العزّى بن امرىء القيس: 1/ 153
حردب: الطويل: مالك بن الريب: 2/ 316
لمّا يثقّب: الطويل:: 2/ 51
كوكب: الطويل:: 2/ 225
ولا أب: الطويل:: 2/ 275
سالب: الطويل: تأبّط شرّا: 1/ 25، 347 3/ 96، 191
فنضارب: الطويل: قيس بن الخطيم: 2/ 82
الحباحب: الطويل: النابغة: 2/ 268
الحباحب: الطويل: القطامى: 2/ 269
الكواكب: الطويل: النابغة: 2/ 306
بعصائب: الطويل: النابغة: 3/ 138
الكواثب: الطويل: النابغة: 3/ 138
عقارب: الطويل: النابغة: 2/ 459
وراسب 16بيتا: الطويل: القطامى: 2/ 271269
الذوائب: الطويل: القطامى: 1/ 340
التجارب: الطويل: القطامى: 2/ 416
بخاطب: الطويل: الفرزدق: 1/ 179
الكواعب: الطويل: الفرزدق: 1/ 180
وراسب: الطويل: بعض بنى عبس: 1/ 2193/ 316
المواكب: الطويل: الحارث بن خالد المخزومي. وقيل غيره: 2/ 33/ 132
والقواضب: الطويل: المتنبى: 3/ 256
العقارب: الطويل: المتنبى: 3/ 256
عائبى قاطعى فى الطويل
وأصيبى: الطويل: النمر بن تولب: 2/ 409(3/364)
مكسورة الأول، ومثلها لحية ولحّى، فى قول من ضمّ، والكسر أفصح، ونظيرها فى الشذوذ قرية وقرى (1).
والحضر: مدينة بين دجلة والفرات بحيال تكريت، شاهدت (2) بقاياها ودخلتها، وقيل: إن الذى بناها الضّيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو ابن النّخع بن سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، وكان ملك الجزيرة، ومعه من بنى العبيد بن الأجرام وقبائل قضاعة ما لا يحصى، ونال ملكه الشام، وأغار على طرف من بلاد العجم، على عهد سابور ذى (3) الأكتاف، وفتح مدينة من مدنهم يقال لها: بهرسير، وقتل من الأعاجم أعدادا، فقال فى ذلك عمر (4) بن ألاه بن جدىّ، أحد بنى عمران بن الحاف بن قضاعة:
دلفنا للأعاجم من بعيد ... بجمع ملجزيرة كالسّعير (5)
لقيناهم بمجر من علاف ... على الخيل الصّلادمة الذّكور
فلاقت فارس منّا نكالا ... وقتّلنا هرابذ شهر زور (6)
__________
(1) إنما كان شاذا لأن ما كان على فعلة من المعتلّ فبابه أن يجمع على فعال، بالكسر، مثل ظبية وظباء.
(2) وأنا أيضا شاهدتها، وشاهدت بقايا قصر «الحضر» وهو بمحافظة نينوى من العراق الشقيق، وكانت زيارتى هذه فى شهر مارس (آذار) 1982م حين دعيت للمشاركة فى ندوة (أبناء الأثير) التى أقامتها جامعة الموصل.
(3) صحّح ياقوت أن المراد هنا: سابور بن أردشير، قال: «وليس بذى الأكتاف لأن سابور ذا الأكتاف هو سابور بن هرمز بن نرسى بن سابور البطل، وهو سابور الجنود صاحب هذه القصة، وإنما ذكرت ذلك لأن بعضهم يغلط ويروى أنه ذو الأكتاف» معجم البلدان 2/ 282، وراجع المعارف لابن قتيبة ص 654، 656.
(4) فى الأغانى 2/ 141: «عمرو بن السليح بن حدى»، وفى تاريخ الطبرى 2/ 47: «عمرو بن ألة ابن الجدىّ»، وفى الموضع السابق من معجم البلدان: «الجدى بن الدلهاث».
(5) فى هـ: «كالشغير»، وصححته من الأصل، والمراجع الثلاثة المذكورة، ويقع اختلاف بينها فى الرواية.
(6) الهرابذ: جمع هربذ، بكسر الهاء والباء، وهم خدم نار المجوس، وقيل: عظماء الهند أو علماؤهم.
اللسان وحواشى الأغانى.(1/364)
نجيب: الطويل: ينسبان إلى حسّان بن ثابت: 2/ 275
بعجيب: الطويل: ينسبان إلى حسّان بن ثابت: 2/ 275
قريب: الطويل: المتنبي: 1/ 45
نشب: البسيط: عمرو بن معد يكرب وقيل غيره: 2/ 133، 558
العنب: البسيط: المتنبي: 1/ 3357/ 264
الكذب: البسيط: المتنبي: 3/ 259
يشرق بى: البسيط: المتنبي: 3/ 259
الشجب: البسيط: المتنبي: 3/ 261
العطب: البسيط: المتنبي: 3/ 261
والتّعب: البسيط: المتنبي: 3/ 261
الطّلب: البسيط: المتنبي: 3/ 265
تذبيب: البسيط: الفرزدق: 1/ 17
بمسكوب: البسيط: المتنبي: 3/ 231
يغري بي: البسيط: المتنبي: 3/ 242
مغلوب: البسيط: المتنبي: 3/ 245
يعقوب: البسيط: المتنبي: 3/ 245
للشّيب: البسيط: الجميح الأسدى: 2/ 81
السّحاب: الوافر:: 3/ 94
قريب: الوافر: جميل: 3/ 162
فاذهبى: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان: 1/ 397
الأجرب: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان: 1/ 399397
تحوّبي: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان:
وتخضّبى: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان:
مركبي: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان:
وأجنب: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان:
فتلبّب: الكامل: عنترة أو خزز بن لوذان:
سراب: الكامل: حصين بن قعقاع: 1/ 129
جوّاب: الكامل: القتّال الكلابي: 2/ 592(3/365)
قوله: «ملجزيرة» حذف نون «من» لسكونها وسكون اللام، تشبيها للنون الساكنة بحروف اللين، لأن فيها غنّة تضارع مافيهنّ من المدّ واللّين، ومثله قول عمرو ابن كلثوم:
/ فما أبقت الأيام ملمال عندنا ... سوى جذم أذواد محذّفة النّسل (1)
وقول الآخر:
أبلغ أبا دختنوس مألكة ... غير الذى قد يقال ملكذب (2)
أبو دختنوس: لقيط (3) بن زرارة التّميمى، ودختنوس: اسم بنته، وكان مجوسيّا.
فأما قولهم فى بنى الحرث وبنى الهجيم وبنى العنبر: بلحرث وبلهجيم وبلعنبر، فإنهم حذفوا الياء من «بنى» لسكونها وسكون لام التعريف، ثم استخفّوا حذف النون كراهة لاجتماع المتقاربين، كما كرهوا اجتماع المثلين، فحذفوا الأول فى نحو:
غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم (4)
أراد: على الماء، ونظير هذا الحذف فى الكلمة الواحدة قولهم فى ظللت ومسست: ظلت ومست، ومنهم من يسقط حركة ما قبل المحذوف ويلقى حركة المحذوف عليه، فيقول: ظلت ومست، يحرّك الظاء والميم بكسر اللام والسين،
__________
(1) شرح الحماسة ص 476، وأنشد فى اللسان (ذود) من غير نسبة. والمال أكثر ما يطلق عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم. والجذم، بكسر الجيم: الأصل، والأذواد: جمع الذّود، ويقع على ما دون العشرة. ومحذّفة النسل: أى مقطوعة النّسل. وأراد بالأيام الوقعات.
(2) أعاده فى المجلس الخامس والأربعين، وهو فى الخصائص 1/ 311، 3/ 275، وسرّ صناعة الإعراب ص 539، وضرائر الشعر ص 114، وشرح المفصل 8/ 35، 9/ 100، 116، واللسان (ألك من).
(3) راجع الشعر والشعراء ص 710.
(4) نسبه ابن الشجرى فى المجلس السادس والأربعين لقطرىّ بن الفجاءة. وهو من قصيدة لقطرى فى الكامل 3/ 297، وانظر شعر الخوارج ص 44، 163، وشرح شواهد الشافية ص 498، ومعجم شواهد العربية ص 367.(1/365)
لحروب: الكامل: حسان بن ثابت. وقيل غيره: 1/ 244
ولمابها: مجزوء الكامل: الأعشى: 1/ 53
الحضب: الرجز: رؤبة: 2/ 395
الوطب: الرجز:: 1/ 28
بالحوأب: الرجز:: 2/ 214
صوّبى: الرجز:: 2/ 214
صاحبى: الرجز:: 1/ 235
التّريب: الرجز: الأغلب العجلى: 3/ 121
لاحب: السريع: جارية وأمّها: 2/ 342
الغائب: السريع: جارية وأمّها: 2/ 342
الراكب: السريع: جارية وأمّها: 2/ 342
فالآيب: السريع: ابن زيّابة: 2/ 508
شربه: السريع: المتنبى: 3/ 251
كسبه: السريع: المتنبى: 3/ 251
تربه: السريع: المتنبى: 3/ 251
لم يسبه: السريع: المتنبى: 3/ 251
طبّه: السريع: المتنبى: 3/ 251
العنب: المنسرح: أبو المرجّى: 2/ 274
العرب: المنسرح: أبو المرجّى: 2/ 274
أبو لهب: المنسرح: أبو المرجّى: 2/ 274
ملكذب: المنسرح:: 1/ 2145/ 168
مجاب: الخفيف: غلفاء بن الحارث: 2/ 294، 480
والتّراب: الخفيف: عمر بن أبى ربيعة: 1/ 407
الخطوب: الخفيف: الأعشى: 2/ 18
خائب: مجزوء الخفيف: عبد الصمد بن المعذّل: 2/ 272
الكواذب: مجزوء الخفيف: عبد الصمد بن المعذّل: 2/ 272
محارب: مجزوء الخفيف: عبد الصمد بن المعذّل: 2/ 272
الحباحب: مجزوء الخفيف: عبد الصمد بن المعذّل: 2/ 272(3/366)
وقرأ قوم: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (1) و {إِلََهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عََاكِفاً} (2) فإن كان ما قبل المحذوف ساكنا لم يكن بدّ من إلقاء حركته على الساكن لئلا يلتقى ساكنان، وذلك قولهم فى أحسست: أحست، قال أبو زبيد (3):
سوى أنّ العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس
الأشوس: الذى ينظر بأحد شقّى عينيه تغيّظا، وقيل: هو الذى يصغّر عينيه ويضمّ أجفانه، والهاء التى فى «به» و «إليه» تعود على الأسد، ولأبى زبيد معه حديث.
فأما نحو بنى النّجّار فلم يخفّفوه فيقولوا بنّجّار، لئلا يجمعوا بين إعلالين متواليين: الحذف والإدغام (4).
والمجر: الجيش العظيم، وعلاف: بطن من قضاعة، والصّلادم من / الخيل: الشّداد، واحدها صلدم، وأدخل الهاء فى الصّلادمة تأكيدا لتأنيث الجمع، ومثله الصّياقلة والصّيارفة، ودخول الهاء فى الجمع لمعان، هذا أحدها، والثانى:
دخولها فى نحو: الجحاجحة والتّنابلة، عوضا من ياء الجحاجيح والتنابيل.
والثالث: دخولها فى نحو: المهالبة والمناذرة، دالّة على ما تدلّ عليه الياء فى المهلّبيّين والمنذرّيين.
والرابع: دخولها فى جمع أسماء أعجمية جاءت على هذا المثال، وذلك نحو:
الجواربة والموازجة والكيالجة، وواحد الموازجة: موزج، وهو الخفّ (5)، وإنما دخلت
__________
(1) سورة الواقعة 65، وقراءة الكسر هذه قرأ بها عبد الله بن مسعود، والشّعبى، والأعمش، وغيرهم. انظر زاد المسير 5/ 319، 8/ 148، وتفسير القرطبى 11/ 242، 17/ 219.
(2) سورة طه 97.
(3) الطائى. والبيت فى ديوانه ص 96، وتخريجه فى 165، ورواية الديوان «حسسن» وتكلم عليه محقق الديوان. وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الخامس والأربعين. وانظر المقتضب 1/ 245، والتبيين ص 407.
(4) راجع الممتع ص 718.
(5) وواحد الكيالجة: كيلجة، وهو مكيال معروف قديما لأهل العراق. راجع المعرب ص 292، والقاموس (كلج) والمصباح المنير.(1/366)
الهاء فى جمع هذه الأسماء الأعجمية للمشابهة بين الاسم الذى تلحقه علامة النّسب، وبين الأعجمىّ المعرّب، من حيث كانا منتقلين هذا منتقل إلى التعريب، وذلك منتقل من العلميّة إلى الوصفيّة، وقد دخلت الهاء فيما اجتمع فيه النّسب والعجمة، وذلك نحو: السّبابجة (1) والبرابرة، يريدون: السّبيجيّين والبربريّين، ودخولها فى هذا أوجب من دخولها فى المهالبة والموازجة، لاجتماع المعنيين فيه.
* * * __________
(1) هم قوم ذوو جلد من أهل السّند والهند، يكونون مع رئيس السفينة البحرية. والسّبابجة: جاءت بالياء التحتية بعد السين «السيابجة» فى الأمالى وأصل المعرب للجواليقى ص 183، 196، وصحح الشيخ أحمد محمد شاكر فى حواشى المعرب أنها «السّبابجة» بالباء الموحدة بعد السين. والأمر على ما قال الشيخ رحمه الله فى التهذيب 10/ 598، واللسان (سبج) لكنى وجدتها بالياء التحتية فى الجمهرة 3/ 504، ويبدو أن هذا الخطأ قديم، فقد وجدته كذلك فى نسختين صحيحتين قديمتين من كتاب الشعر، وانظره ص 156.(1/367)
يخضب: المتقارب: النابغة الجعدى: 1/ 24، 233، 3238/ 96
الطحلب: المتقارب: النابغة الجعدى: 3238/ 96
لم أعجب: المتقارب: المتنبى: 2/ 387
غراب: المتقارب: خلف الأحمر: 2/ 387
أودى بها: المتقارب: الأعشى: 1/ 159، 346 3/ 94، 128
(باب التاء) فصل التاء المفتوحة يا أنتا: الرجز: سالم بن دارة (1): 2/ 301
جعتا: الرجز: سالم بن دارة: 2/ 301
فصل التاء المضمومة شمالات: المديد: جذيمة الأبرش: 2/ 565
مئيات: البسيط: تميم بن مقبل أو أبو شنبل الأعرابيّ: 2/ 277
طويت: الوافر: سنان بن الفحل الطائي: 3/ 55
الميت: الرجز: أبو محمد الفقعسى أو العجاج: 1/ 232، 233
واستقيت: الرجز: أبو محمد الفقعسى أو العجاج: 1/ 232، 233
سليت: الرجز: رؤبة: 1/ 209
غنيت: الرجز: رؤبة: 1/ 209
فصل التاء المكسورة الّتي: الطويل: الأعشى: 2/ 433
وأدلّت: الطويل: الأعشى: 2/ 433
__________
(1) ووهم العينىّ فنسبه للأحوص. انظر شعر الأحوص ص 268.(3/367)
المجلس الخامس عشر
وهو مجلس يوم السبت، ثامن وعشرين من جمادى الآخرة، سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
ثم إن سابور ذا الأكتاف جمّع لهم وسار إليهم، فأقام على الحضر أربع سنين، وإن النّضيرة بنت الضّيزن رآها سابور ورأته، فعشقها وعشقته، وكان من أجمل أهل دهره، وكانت من أحسن أهل زمانها، فأرسلت إليه: ما الذى تجعل لى إن دللتك على عورة المدينة؟ فقال: أجعل لك حكمك، وأرفعك على نسائى، / وأخصّك بنفسى دونهنّ، فدلّته (1) على قنوات كان يجرى الماء فيها من دجلة إلى المدينة، فقطع الماء عنهم، وفتحها عنوة، وقتل الضّيزن وأباد بنى العبيد، وأصيبت قبائل من حلوان بن الحاف بن قضاعة فانقرضوا.
قال ابن دريد (2): تفرّعت قضاعة بين الحاف والحاذى (3)، واشتقاق الحاف من الحفا، والحاذى من الاحتذاء. انتهى كلامه.
والحاف: مما حذفت العرب ياءه اجتزاء بالكسرة، كقولهم: العاص (4)، فى العاصى
__________
(1) حكى أبو الفرج والطبرى حيلة أخرى. انظرها فى الأغانى 2/ 142، والتاريخ 2/ 49.
(2) الاشتقاق ص 536.
(3) فى هـ: «الحادى» بالدال المهملة، هنا وفيما يأتى. وصوابه بالذال المعجمة.
(4) سيأتى هذا فى المجلس الثالث والخمسين.(1/368)
جلّت: الطويل: أبو الأسود الدؤلىّ أو عبد الله بن الزّبير: 2/ 129
تقلّت: الطويل: كثيّر: 1/ 74، 177 3/ 192
ما استحلّت: الطويل: كثير: 1/ 253
هنات: الوافر: البرج بن مسهر: 2/ 238
الفرات: الوافر: يزيد بن الصّعق، أو عبد الله بن يعرب: 3/ 203
بالتّرّهات: الوافر: سراقة البارقى: 2/ 203، 492
والّتى: الكامل: سلمىّ بن ربيعة. وقيل غيره: 1/ 35
خلّتى: الكامل: سلمىّ بن ربيعة. وقيل غيره: 1/ 263/ 284
فانهلّت: الكامل: سلمىّ بن ربيعة. وقيل غيره: 1/ 183
أصواتها: الكامل: المتنبي: 3/ 266
والّتى: الرجز: العجاج: 1/ 34، 35
تردّت: الرجز: العجاج: 1/ 34، 35
بتّى: الرجز: رؤبة: 2/ 586
مشتّى: الرجز: رؤبة: 2/ 586
واللّاتى: الرجز:: 1/ 34
لداتى: الرجز:: 1/ 34
(باب الجيم) فصل الجيم الساكنة سيهوج: الرجز: رجل من بنى سعد: 2/ 584
سماهيج: الرجز: رجل من بنى سعد: 2/ 584
فصل الجيم المفتوحة تولجا: الرجز: جرير: 2/ 266(3/368)
فصل الجيم المضمومة نئيج: الطويل: أبو ذؤيب: 2/ 613
فصل الجيم المكسورة الملهوج: الطويل: الشماخ: 1/ 353
الأوداج: الكامل: جرير: 1/ 370
ودارج: الرجز: جندب بن عمرو: 2/ 438
لم أحجج: السريع: عمر بن أبى ربيعة، أو العرجى: 1/ 278
(باب الحاء) فصل الحاء الساكنة وقدح: الرمل: الأعشى: 1/ 219
فصل الحاء المفتوحة فأستريحا: الوافر: المغيرة بن حبناء: 1/ 427
السّريحا: الوافر: يزيد بن الطثرية أو مضرّس بن ربعى: 2/ 289
ورمحا: مجزوء الكامل: عبد الله بن الزبعرى: 3/ 82، 83
ممراحا: الرجز: الفرزدق: 2/ 238
أحراحا: الرجز: الفرزدق: 2/ 238
فصل الحاء المضمومة متزحرح: الطويل: جران العود: 1/ 58
بائح: الطويل: عنترة: 1/ 8
السّوح: البسيط: أبو ذؤيب: 1/ 393/ 71
مصبوح: البسيط: حاتم الطائي. وقيل غيره: 2/ 512
قبيح: الوافر: يعزيان إلى آدم عليه السلام: 2/ 164(3/369)
ابن أميّة بن عبد شمس، وفى العاصى بن وائل السهمى، وكقولهم: اليمان، فى أبى حذيفة بن اليمانى، وكقوله تعالى: {دَعْوَةَ الدََّاعِ} (1).
وقال عمر (2) بن ألاه، يذكر من هلك فى تلك الوقعة:
ألم يحزنك والأنباء تنمى ... بما لاقت سراة بنى العبيد (3)
ومصرع ضيزن وبني أبيه ... وفرسان الكتائب من تزيد
أتاهم بالفيول مجلّلات ... وبالأبطال سابور الجنود
جاء فى هذه الأبيات سناد الحذو، والحذو: حركة ما قبل الرّدف، فإن كانت ضمّة مع كسرة فلا عيب، وإن كانت مع إحداهما فتحة، سمّى ذلك سنادا (4)، كقول عمرو بن كلثوم (5):
تصفّقها الرياح إذا جرينا
مع قوله:
ولا تبقى خمور الأندرينا
و:
تربّعت الأجارع والمتونا
وكذلك مجىء فتحة العبيد مع كسرة تزيد وضمّة الجنود.
رجع الحديث: وهدم سابور المدينة، واحتمل النّضيرة بنت الضّيزن، فأعرس بها
__________
(1) سورة البقرة 186.
(2) ذكرت الخلاف فى اسمه قريبا.
(3) الأبيات فى الموضع السابق من الأغانى، وتاريخ الطبرى، ومعجم البلدان 2/ 283.
(4) راجع القوافى للأخفش ص 36، 59، والعيون الغامزة ص 263.
(5) من معلقته الشهيرة. شرح القصائد السبع ص 416. وانظر رسالة الغفران ص 244.(1/369)
المليح (1): الوافر: يعزيان إلى آدم عليه السلام: 2/ 164
تريح: الكامل: المتنبي: 1/ 201
ومسيح: الكامل: المتنبي: 1/ 201
لا براح: مجزوء الكامل: سعد بن مالك: 1/ 364، 366، 2431/ 66، 530
فاستراحوا: مجزوء الكامل: سعد بن مالك: 1/ 2421/ 307
صحيح: مجزوء الرمل: أبو نواس: 3/ 92، 271
فصل الحاء المكسورة برائح: الطويل: أبو الطمحان القينى وقيل هدبة بن خشرم: 1/ 2421/ 4، 28
ناحى: البسيط: مالك بن حيّان: 3/ 120
بمستباح: الوافر: جرير: 1/ 6، 117 2/ 71
راح: الوافر: جرير: 1/ 405
بمنتزاح: الوافر: إبراهيم بن هرمة: 1/ 184، 338 2/ 420
جناحى: الوافر: هذلىّ: 3/ 58
سابح: الكامل: زياد الأعجم: 1/ 267/ 35، 453
وذبائح: الكامل: زياد الأعجم: 1/ 267/ 35، 453
الرّزاح: مجزوء الكامل:: 3/ 156، 157
الرّواح: مجزوء الكامل:: 3/ 156، 157
الطّلاح: مجزوء الكامل:: 3/ 156، 157
__________
(1) وفيه الإقواء المعروف.(3/370)
فى عين (1) التمر، فلم تزل ليلتها تتضوّر من خشونة فراشها، وهو من حرير محشوّ بقزّ، فالتمس ما يؤذيها، فإذا ورقة آس ملتزقة بعكنة (2) من عكنها قد أثّرت فيها، فقال لها سابور: ويحك، بأىّ شىء كان يغذوك أبوك؟ فقالت: بالزّبد والمخّ وشهد الأبكار من النّحل وصفوة الخمر، فقال لها: غذاك بهذا ثم لم تصلحى له، فكيف بك أن تصلحى لى وأنا واترك؟ وأمر رجلا فركب فرسا جموحا، وعصب غدائرها بذنبه، ثم استركضه فقطّعها، وذكرها بعض شعرائهم فى قوله:
أقفر الحضر من نضيرة فالمر ... باع منها فجانب الثّرثار (3)
وقد قيل إن صاحب الحضر هو السّاطرون بن أسطيرون، وكان ملك السّريانيّين، وكان من رستاق من رساتيق الموصل، يقال له: باجرمى، وشاهد هذا القول قول أبى دواد الإيادىّ، واسمه جارية بن الحجّاج (4):
وأرى الموت قد تدلّى من الحض ... ر على ربّ أهله السّاطرون
وقيل: إن ملوك الحيرة من ولده.
وقوله: «لم يهبه ريب المنون» ريب المنون: حادث الدّهر، كذا قال المفسّرون فى قوله تعالى: {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} (5).
وقد روى «وتذكّر ربّ الخورنق» بالرفع، و «ربّ الخورنق» بالنصب، فمن رفع، فتذكّر فى روايته: ماض سكنت راؤه للإدغام، ومن نصب أراد: تذكّر أيّها
__________
(1) بلدة قريبة من الأنبار غربىّ الكوفة.
(2) العكنة: بضمّ العين: الطىّ فى البطن من السّمن، والجمع عكن، مثل غرفة وغرف، وربما قيل أعكان.
(3) البيت فى الموضع المذكور من الأغانى، وتاريخ الطبرى، ومعجم ما استعجم ص 338، 454.
(4) ديوانه ص 347، وتخريجه فى 345.
(5) الآية المتمة الثلاثين من سورة الطور.(1/370)
المعيّر بالدهر ربّ الخورنق، فسكون الراء فى هذا القول بناء، على مذهب البصريين، وجزم على مذهب الكوفيين، و «ربّ الخورنق» مفعول، وهو فى القول الأول فاعل.
ومن روى: «وتفكّر ربّ الخورنق» فليس فيه إلا الرفع، لأن «تفكّر» غير متعدّ، فهو مسند إلى ربّ الخورنق، وسكون رائه للإدغام، كسكونها فى {أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} (1) فى الإدغام الكبير لأبى عمرو.
ومن روى «تذكّر» روى «وللهدى تذكير»، وكان القياس: وللهدى تذكّر وتفكّر، لأن مصدر تفعّلت: التّفعّل، فأما التّفعيل فمصدر فعّلت، كقوله: كلّمته تكليما، وسلّمت تسليما، ولكنّ المصدرين إذا تقارب / لفظاهما مع تقارب معنييهما جاز وقوع كلّ واحد منهما موضع صاحبه، كقوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (2).
وربّ الخورنق: النّعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس بن عمرو ابن عدىّ بن نصر بن ربيعة اللّخمىّ.
ويروى: «والبحر معرضا، ومعرض» ويروى: «والنّخل».
والخورنق والسّدير: بناءان، وهما معرّبان، وكان النّعمان هذا من أشدّ الملوك نكاية، وأبعدهم مغارا، غزا أهل الشام مرارا، وأكثر المصائب فى أهله، وسبى وغنم، وكان قد أعطى الملك والكثرة والغلبة، مع فتاء السّنّ.
قال أبو عثمان بن بحر الجاحظ: عاش النّعمان بن امرىء القيس ثمانين سنة، وبنى الخورنق فى عشرين سنة، وكان لمّا عزم على بنائه بعث إلى بلاد الرّوم فأتى
__________
(1) سورة الأعراف 29.
(2) الآية الثامنة من سورة المزمل. وقد تكلم ابن الشجرى على وقوع المصادر موقع بعضها بأتمّ من هذا فى المجلس التاسع والخمسين.(1/371)
(باب الخاء) فصل الخاء المضمومة الطّبّخ: الرجز: العجاج: 1/ 364، 431
لا مستصرخ: الرجز: العجاج: 1/ 364، 431
(باب الدال) فصل الدال الساكنة بجاد: مجزوء البسيط: أبو مارد الشيباني: 2/ 503
كلد: الرمل: أوس بن حجر: 2/ 316
ففسد: الرجز:: 3/ 95
وبرد: الرجز:: 3/ 95
بالأكباد: الرجز:: 1/ 204
بالواد: الرجز:: 1/ 204
فصل الدال المفتوحة جامدا: الطويل: الأعشى: 1/ 399
تردّدا: الطويل: الأعشى: 1/ 409
يدا (1): الطويل: الأعشى: 2/ 569
المسهّدا مسهّدا: الطويل: الأعشى: 2/ 22، 23 3/ 227
فاعبدا: الطويل: الأعشى: 2/ 165، 609
مردا: الطويل: الصّمّة القشيرى: 2/ 261
محمّدا: الطويل: العباس بن مرداس: 1/ 169
المقيّدا: الطويل: الفرزدق: 2/ 561
وتجرّدا: الطويل: الأخطل: 2/ 119
__________
(1) ويروى: ندا.(3/371)
برجل مشهور بعمل المصانع (1) والحصون والقصور للملوك، يقال (2) له سنمّار، وكان يبنى سنين ويغيب سنين، يريد بذلك أن يطمئنّ البناء، فلما فرغ منه تعجّب النعمان من حسنه، وإتقان عمله، فقال له سنمّار عند ذلك تقرّبا إليه بالحذق وحسن المعرفة: أبيت اللّعن، والله إنى لأعرف فيه موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان، فقال له: أو كذلك؟ قال: نعم، قال: لا جرم والله لأدعنّه لا يعلم بمكانه أحد، ثم أمر به فرمى من أعلاه فتقطّع، فذكرته العرب فى أشعارها، فمن ذلك قول سليط بن سعد:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار (3)
قوله: جزى بنوه أبا الغيلان: أعاد الهاء إلى المفعول وهى متّصلة بالفاعل، وكلاهما فى رتبته، كقولك: ضرب غلامه زيدا، ولم يجز ذلك أحد من النحويين لأن رتبة الضّمير التأخير عن مظهره، فإذا تقدّم المضمر على مظهره لفظا / ومعنى، لم يجز أن ينوى به غير رتبته، واستعماله فى الشّعر من أقبح الضّرورات (4)، فأما قول الآخر (5):
__________
(1) المصانع: جمع مصنعة ومصنع، وهو شبه الصّهريج يجمع فيه ماء المطر، وهى أيضا ما يصنعه الناس من الآبار والأبنية. وقال عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن: القصور العالية. اللسان (صنع) وفتح القدير للشوكانى 4/ 110.
(2) حديثه فى الحيوان 1/ 23، والأغانى 2/ 145، وتاريخ الطبرى 2/ 65، وثمار القلوب ص 139، ومجمع الأمثال 1/ 159، ومعجم البلدان 2/ 491 (الخورنق).
(3) شرح ابن عقيل 1/ 422، وشرح الأشمونى 2/ 59، وشرح الشواهد الكبرى 2/ 495، والهمع 1/ 66، والخزانة 1/ 280، 293، 294.
(4) وهو على قبحه أجازه الأخفش، وابن جنى، وأبو عبد الله الطّوال من الكوفيين، وابن مالك، كما فى المراجع المذكورة، والخصائص 1/ 294.
(5) أبو الأسود الدؤلى، أو النابغة الذبيانى، أبو عبد الله بن همارق بن غطفان. مستدرك ديوان أبى الأسود ص 124، وديوان النابغة ص 214، والفاخر ص 230، والخصائص 1/ 294، وشرح الجمل 2/ 14، وضرائر الشعر ص 209، والخزانة 1/ 277. والرواية فى ديوان النابغة:(1/372)
وعيّدا: الطويل: المتنبى: 1/ 2253/ 104
تمرّدا: الطويل: المتنبى: 3/ 261
تقيّدا: الطويل: المتنبى: 3/ 263
اليدا: الطويل: المتنبى: 3/ 263
أربدا: الطويل: الأبيوردي: 2/ 470، 471
عسجدا: الطويل: الأبيوردي: 2/ 470، 471
المسوّدا المسوّر في الطويل
وردا: البسيط: أبو دؤاد الإيادى أو مامة بن عمرو: 2/ 409
الشّردا: البسيط: عبد مناف بن ربع الهذلى: 2/ 3122/ 30
عددا: البسيط: عبد مناف بن ربع الهذلى: 3/ 65
العبادا: الوافر: شقيق بن جزء: 1/ 100
والجيادا: الوافر: شقيق بن جزء: 1/ 100
عرادا: الوافر: الأشهب بن رميلة: 3/ 74
الشّدادا: الوافر: جرير: 2/ 340/ 44
الجمادا: الوافر: جرير: 2/ 340/ 44
الجوادأ: الوافر: جرير: 2/ 340/ 44
الوليدا 5أبيات: الوافر: بنت لبيد بن ربيعة: 1/ 21
يحصدا: الكامل: الأعشى: 1/ 300
موعدا: الكامل: الأعشى: 2/ 248
العهدا: الكامل: المتنبى: 3/ 245
الوردا: الكامل: المتنبى: 3/ 245
تضهدا تقهرا فى الكامل
العنّدا: الرجز:: 1/ 422
كيدا: الرجز: رجل من هذيل: 3/ 53
فاصطيدا: الرجز: رجل من هذيل: 3/ 53
يزيدا: الخفيف: يزيد بن مفرغ: 1/ 131(3/372)
جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فقد تأوّلوه على إعادة الهاء إلى المصدر الذى دلّ عليه «جزى» فقدّروه: جزى ربّ الجزاء، وهو عندى كالبيت الذى قبله.
وقوله: «كما يجزى سنمّار» أراد كما جزى سنمّار، فوضع المستقبل موضع الماضى، وخلاف ذلك قول أبى النجم (1):
ثم جزاه الله عنّا إذ جزى ... جنّات عدن فى العلالىّ العلى
وضع «إذ جزى» موضع «إذا يجزى» وقد قدّمت (2) شرح هذا، وقال عبد العزّى بن امرىء القيس [الكلبىّ (3)]:
جزانى جزاه الله شرّ جزائه ... جزاء سنمّار وما كان ذا ذنب
سوى رصّه البنيان عشرين حجّة ... يعلّى عليه بالقراميد والسّكب
وظنّ سنمّار به كلّ حبرة ... وفاز لديه بالمودّة والقرب
فقال اقذفوا بالعلج من فوق برجه ... فذاك لعمر الله من أعظم الخطب
سنمّار: اسم (4) عربى، ذكره سيبويه (5) فى الأبنية، يقال: رجل سنمّار: إذا كان حسن الوجه أبيضه، ويقال للقمر: سنمّار.
__________
جزى الله عبسا فى المواطن كلها
وفى الفاخر:
جزى الله عبسا عبس إبن بغيّض
وعلى هاتين الروايتين يفوت الاستشهاد.
(1) سبق فى المجلس السابع.
(2) فى المجلس المذكور.
(3) ليس فى هـ، وهو فى الأصل والمراجع المذكورة فى تخريج حديث سنمّار.
(4) ذكر الجواليقى أنه أعجمى. قال: «وسنمار، اسم أعجمىّ، وقد تكلمت به العرب». المعرب ص 195.
(5) الكتاب 4/ 295، وانظر اللسان (سنمر).(1/373)
أحيدا: الخفيف: يزيد بن مفرغ: 1/ 131
سعيدا: الخفيف: يزيد بن مفرغ: 1/ 131
أمردا: المتقارب: الخنساء: 1/ 379
مولدا: المتقارب: الخنساء: 1/ 379
فصل الدال المضمومة نجد: الطويل: الحطيئة: 1/ 90
والبعد: الطويل: الحطيئة: 2/ 3234/ 253
منضّد: الطويل: مسكين الدارمي: 2/ 360
حمد (1): الطويل: المتنبى: 1/ 325
الورد: الطويل: المتنبى: 1/ 3358/ 256
بدّ: الطويل: المتنبى: 3/ 239، 272
والندّ: الطويل: المتنبى: 3/ 256
الورد: الطويل: المتنبى: 3/ 256
جهد: الطويل: المتنبى: 3/ 262
العقد: الطويل: المتنبى: 3/ 264
حمد (2): الطويل: المتنبى: 3/ 268
عاهد: الطويل: ذو الرمة: 2/ 411
خالد: الطويل: المتنبى: 3/ 136، 239
فوائد: الطويل: المتنبى: 3/ 230، 238، 264، 272
فاسد: الطويل: المتنبى: 3/ 245
بلاد: الطويل: رجل من عاد: 1/ 373
يزيد: الطويل: المعلوط بن بدل القريعى: 3/ 148
__________
(1) ذمّه حمد.
(2) إن لم يكن حمد.(3/373)
عهود: الطويل:: 3/ 61
تردّه: الطويل: المتنبي: 3/ 247
ضدّه: الطويل: المتنبي: 3/ 247
يصيدها: الطويل:: 3/ 67
والجمد: البسيط: أميّة بن أبي الصلت. وقيل غيره: 2/ 107، 578
السّود: البسيط: المتنبي: 3/ 244
يسود: الوافر: أنس بن مدركة الخثعمي: 1/ 287
الجليد: الوافر: بشار، أو عروة بن أذينة وقيل غيرهما: 3/ 227
تعود: الوافر:: 1/ 2139/ 72
قعود: الوافر:: 2/ 387
أجرد: الكامل: أمية بن أبى الصلت: 3/ 34، 35
يحمد: الكامل: المتنبي: 3/ 256
يوجد: الكامل: المتنبي: 2/ 372
والبرود: الرجز: رؤبة: 2/ 396
مزيد: الرجز: رؤبة: 2/ 396
عابد: السريع: المتنبى: 3/ 266
أفقدها: المنسرح: المتنبى: 1/ 124، 3/ 209
ينكّدها: المنسرح: المتنبى: 1/ 297
ولا أعدّدها: المنسرح: المتنبى: 1/ 298
أزوّدها: المنسرح: المتنبى: 2/ 529
أمردها: المنسرح: المتنبى: 3/ 154
يرقدها: المنسرح: المتنبى: 3/ 224
فصل الدال المكسورة والجهد: الطويل: قيس بن عاصم المنقرى وقيل حاتم الطائى: 1/ 409(3/374)
وقوله: «سوى رصّه البنيان»، رصّ البنيان: ضمّ بعضه إلى بعض، وفى التنزيل: {كَأَنَّهُمْ بُنْيََانٌ مَرْصُوصٌ} (1).
والقراميد: جمع القرمد، وهو الآجرّ، والياء فيه كالياء فى الصّياريف، وحذفها ممّا لا يخلّ بالوزن، ولكنه كان ممن لا يقبل طباعه الزّحاف، ويقال: / قرمدة وآجرّة، مشددّة الراء، وآجرة، خفيفتها، وآجورة.
والسّكب: الصّاروج (2)، والحبرة: الفرح. وقول عدىّ (3):
فارعوى قلبه فقال فما غب ... طة حىّ إلى الممات يصير
ارعوى: رجع وكفّ، والغبطة: السرور والفرح، والغبطة أيضا: حسن الحال، وذلك أن النّعمان بن امرىء القيس ضربت له فازة (4) بأعلى الخورنق فى عام [قد (5)] بكّر وسميّه وتتابع وليّه (6)، وأخذت الأرض فيه زينتها، من اختلاف ألوان نبتها، فهى فى أحسن منظر ومختبر، من نور ربيع مونق، فى صعيد كأنه قطع الكافور، فلو أن نطفة ألقيت فيه لم تترّب، فنظر النّعمان فأبعد النّظر فرأى البرّ والبحر، وصيد الظّباء والحمر، وصيد الطّير والحيتان، والنّجف إذ ذاك بحر تتلاطم أمواجه، وتتواثب حيتانه، وسمع غناء الملّاحين وتطريب الحادين، ورأى الفرسان تتلاعب بالرّماح فى الميادين، ورأى أنواع الزّهر من النخيل والشجر فى البساتين، وسمع أصوات الطير على اختلافها وائتلافها، فأعجب بذلك إعجابا شديدا، وقال
__________
(1) الآية الرابعة من سورة الصف.
(2) الصاروج: فارسىّ معرب، وهو النّورة وأخلاطها التى تصرج بها الحياض والحمامات. يقال:
صرجت الحوض: إذا طليته بالطين. المعرب ص 213. والنّورة، بضم النون، من الحجر الذى يحرق ويسوّى منه الكلس، أى الجير.
(3) فى هـ: وقوله.
(4) جاء بهامش الأصل: «الفازة: مظلّة بعمودين». وانظر اللسان (فوز).
(5) زيادة من الأغانى 2/ 137.
(6) الوسمىّ: أول المطر. والولىّ: المطر بعد المطر فى كلّ حين. المطر لأبى زيد ص 104100.(1/374)
ولا يجدى: الطويل: المتنبى: 3/ 250، 251
القدّ: الطويل: المتنبى: 3/ 250، 251
في غد في الغد: الطويل: الطرمّاح: 1/ 267/ 35، 453
مخلدى: الطويل: طرفة: 1/ 3124/ 210
المتشدّد: الطويل: طرفة: 1/ 167
المصمّد: الطويل: طرفة: 2/ 608
فابعد: الطويل: عدىّ بن زيد: 2/ 376
ولا تتزيّد ولا تتزنّد: الطويل: عدىّ بن زيد: 2/ 376
ندى: الطويل: الحطيئة: 1/ 99
موقد: الطويل: الحطيئة: 3/ 12
أوغد: الطويل: كثيّر. وقيل غيره: 2/ 202
أعوّد: الطويل: عمر بن أبي ربيعة: 2/ 60
منضّد منضّد فى الطويل
الأساود: الطويل: الأشهب بن رميلة: 2/ 448
خالد: الطويل: الأشهب بن رميلة: 3/ 57
خالد: الطويل: الفرزدق: 2/ 180
مفتأد: البسيط: النابغة: 1/ 3239/ 10
الأبد: البسيط: النابغة: 1/ 2419/ 305
فقد: البسيط: النابغة: 2/ 397، 561
وحد: البسيط: النابغة: 2/ 614
الثّمد: البسيط: النابغة: 3/ 29
يدي: البسيط: النابغة: 3/ 148
والنادى: البسيط: عبيد بن الأبرص: 1/ 251
بفرصاد: البسيط: عبيد بن الأبرص: 1/ 324
أذواد: البسيط: السّليك بن السّلكة: 2/ 262(3/375)
لجلسائه: هل رأيتم مثل هذا المنظر والمسمع؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة، والمضىّ على أدب الحقّ ومنهاجه، فقال له: أيّها الملك، قد سألت عن أمر أفتأذن فى الجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت هذا الذى أنت فيه، أشىء لم تزل فيه، أم شىء صار إليك ممّن كان قبلك وهو زائل عنك، وصائر إلى من بعدك؟ فقال: بل هو شىء صار إلىّ ممّن كان قبلى، وسيزول عنّى إلى من يكون بعدى، قال: فأراك إنما أعجبت بشىء تكون فيه قليلا، وتغيب عنه طويلا، وتكون [غدا (1)] بحسابه مرتهنا، فقال: ويحك! فكيف المخلص؟ قال: إما أن تقيم فى ملكك، وتعمل فيه بطاعة الله على ما ساءك وسرّك، وإما أن تضع تاجك وتخلع (2)
لباسك، وتلبس أمساحا، وتعبد الله فى جبل / حتى يأتيك أجلك، قال:
فإذا كان السّحر فاقرع علىّ الباب، فإنّى مختار أحد الرأيين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لاتعصى، وإن اخترت السّياحة فى الفلوات والقفار والجبال كنت رفيقا لا تخالف، فقرع عليه بابه عند السّحر فإذا هو قد وضع تاجه ولباسه، وتهيّأ للسّياحة، فلزما جبلا يعبدان الله فيه حتى أتتهما آجالهما.
وقوله: «ثم بعد الفلاح والملك والإمّة» الفلاح: البقاء، والإمّة: النّعمة.
وقوله: «ثم أضحوا كأنّهم ورق جفّ» روى بعض الرواة: جفّ، أى يابس.
وقوله: «فألوت به الصّبا» أى ذهبت به.
وقوله: «فلا وان ضعيف ولا أكبّ عثور» الوانى: الفاتر، ومنه قوله تعالى:
{وَلََا تَنِيََا فِي ذِكْرِي} (3). والأكبّ: من الانكباب، والعثور هاهنا: المخطىء فى رأيه.
__________
(1) زيادة من الأغانى 2/ 138.
(2) فى الأغانى: وتخلع أطمارك، وتلبس أمساحك، وتعبد ربّك حتى يأتيك أجلك.
(3) سورة طه 42.(1/375)
وقوله: «وفيها العوصاء والميسور» العوصاء: العسر، والميسور: اليسر.
وقوله: «وأنا الناصر الحقيقة» الحقيقة: ما يحقّ على الرجل أن يحميه، وقيل:
الحقيقة: الراية.
وقوله: «إن أظلم يوم» أى إن ستر الغبار عين الشمس فأظلم النّهار، ويجوز أن يريد: أنّ الشّدّة تغطّى على القلوب فلا يهتدى للرأى فيه.
وقوله:
يوم لا ينفع الرّواغ ولا يق ... دم إلّا المشيّع النّحرير
الزّواغ: الفرار، والمشيّع: الشّجاع، كأنه الذى يشيّعه قلبه، والنّحرير:
الحاذق بالشىء، العالم به. آخر المجلس.
* * *
المجلس السادس عشر(1/376)
عادى: البسيط: القطامى: 1/ 200
أسداد: البسيط: فارعة بنت شدّاد. وقيل غيرها: 1/ 377
أنجاد: البسيط: فارعة بنت شدّاد. وقيل غيرها: 1/ 377
تقد: البسيط: الفرزدق: 2/ 82
لمحدود: البسيط: الجموح أو راشد بن عبد ربّه: 2/ 510
الجيد: البسيط: الشماخ: 1/ 60
حماد: الوافر: المتلمس: 2/ 357
زياد 10أبيات: الوافر: قيس بن زهير العبسى: 1/ 126، 127 328
البلاد: الوافر: عبد الله بن الزّبير. أو فضالة بن شريك: 1/ 365
العباد: الوافر: المتنبى: 2/ 33
بالجواد: الوافر: المتنبى: 3/ 50
أعادى: الوافر: المتنبى: 3/ 251
فساد: الوافر: المتنبى: 3/ 251
زناد: الوافر: المتنبى: 3/ 251
الجواد: الوافر: المتنبى: 3/ 264
رماد دمان فى الوافر
العبيد: الوافر: عمر بن ألاه: 1/ 149
تزيد: الوافر: عمر بن ألاه: 1/ 149
الجنود: الوافر: عمر بن ألاه: 1/ 149
ضرغد: الكامل: عامر بن الطفيل: 2/ 573
المتعمّد: الكامل: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: 3/ 147
المقصد: الكامل: مهيار الديلمي: 2/ 32
يهتدي: الكامل: ابن أحمر: 2/ 109
: لم يقصد لم يثأر في الكامل(3/376)
* * *
المجلس السادس عشر
وهو مجلس يوم السبت، سادس رجب، من سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
قال رؤبة بن العجّاج، يصف حمر الوحش (1):
سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطّرق
سمّى حوافرهنّ مساحى لأنها تسحو [الأرض (2)] أى تقشرها، وأسكن الياء من «مساحيهنّ» فى موضع النصب لإقامة الوزن.
/ قال أبو العباس محمد بن يزيد: وهو (3) من أحسن الضّرورات، لأنهم ألحقوا حالة بحالتين، يعنى أنهم جعلوا المنصوب كالمجرور والمرفوع، مع أن السّكون أخفّ من أخفّ الحركات، ولذلك اعتزموا على إسكان الياء فى ذوات الياء من المركّبات، نحو معديكرب، وقالى قلا.
والحقق: جمع حقّة (4)، وتقطيطها: تقطيعها وإصلاحها.
__________
(1) ديوان رؤبة ص 106، والكتاب 3/ 306، والمقتضب 4/ 22، والكامل 3/ 21، والمنصف 2/ 114، وما يجوز للشاعر فى الضرورة ص 106، ومعجم الشواهد ص 505.
(2) سقط من هـ. وانظر اللسان (قطط سحا).
(3) لم أجد هذا الكلام بنصه فى كتابى المبّرد الموضع السابق وإن ذكر كلاما بمعناه، وقد حكاه البغدادىّ بألفاظ ابن الشجرى، فى الخزانة 3/ 529، وشرح شواهد الشافية ص 406، فى الكلام على الرجز الآتى، وكذلك ذكره العلوىّ فى نضرة الإغريض ص 262.
(4) بضم الحاء، وهى وعاء من الخشب أو العاج، ينحت ليوضع فيه الطّيب.(1/377)
بداد: الكامل: النابغة الجعدى أو عوف بن عطية بن الخرع: 2/ 357
بالمزداد: الكامل: الشريف الرضىّ: 1/ 2287/ 83
واحد: الكامل:: 2/ 615
وللمولود: الكامل: أعشى همدان: 2/ 174
قدى: الرجز: حميد الأرقط: 1/ 220/ 397
الملحد: الرجز: حميد الأرقط: 1/ 220/ 397
محمود: المنسرح: المتنبى: 3/ 247
كؤود: الخفيف: أبو زبيد الطائى: 2/ 294، 384
بصدود: الخفيف: المتنبى: 1/ 115
وعقود: الخفيف: المتنبى: 2/ 113
القرود: الخفيف: المتنبى: 2/ 484
وعود: الخفيف: المتنبى: 3/ 83
شديد كؤود
إنفادها: المتقارب: الأعشى: 1/ 243
بألبادها: المتقارب: الأعشى: 1/ 243
أزنادها: المتقارب: الأعشى: 2/ 76
(باب الراء) فصل الراء الساكنة أو مضر: الطويل: لبيد: 3/ 75، 195
مضر: الطويل: عمران بن حطان: 1/ 407
زفر: الطويل: عمران بن حطان: 1/ 407
الحير: الرجز: منظور بن مرثد: 1/ 321
الخفر: الرجز: أرطاة بن سهيّة. وقيل غيره: 2/ 68
الشجر: الرجز: رؤبة أو العجاج: 1/ 286
غفر: الرجز: العجاج: 1/ 341(3/377)