الجزء الثاني
المقضب تأليف أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد المتوفّى سنة 285هـ تحقيق حسن حمد مراجعة الدكتر راميل يقعوب الجزء الثاني منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان
بسم الله الرّحمن الرّحيم(2/299)
المقضب تأليف أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد المتوفّى سنة 285هـ تحقيق حسن حمد مراجعة الدكتر راميل يقعوب الجزء الثاني منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذا باب إعراب الأفعال المضارعة وكيف صار الإعراب فيها دون سائر الأفعال؟
اعلم أنّ الأفعال إنّما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء، ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها شيء.
وذلك أنّ الأسماء هي المعربة. وما كان غير الأسماء، فمآله لها، وهي الأفعال، والحروف [1].
وإنّما ضارع الأسماء من الأفعال ما دخلت عليه زائدة من الزوائد الأربع التي توجب الفعل غير ماض، ولكنّه يصلح لوقتين: لما أنت فيه، ولما لم يقع.
والزوائد: الألف، وهي علامة المتكلّم، وحقّها أن يقال: همزة.
والياء: وهي علامة الغائب.
والتاء: وهي علامة المخاطب، وعلامة الأنثى الغائبة [2].
والنون: وهي للمتكلّم إذا كان معه غيره [3]. وذلك قولك: «أفعل أنا»، و «تفعل أنت» أو «هي»، و «نفعل نحن»، و «يفعل هو».
وإنّما قيل لها مضارعة لأنّها تقع مواقع الأسماء في المعنى. تقول: «زيد يقوم»،
[1] يريد عند التسمية بها.
[2] الغائبة المفردة، وكذلك للمثنّى.
[3] وكذلك للمتكلّم المعظّم نفسه.(2/301)
و «زيد قائم»، فيكون المعنى فيهما واحدا كما قال عزّ وجلّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (1)
أي: لحاكم.
وتقول: «زيد يأكل». فيصلح أن يكون في حال «أكل»، و «أن يأكل» فيما يستقبل كما تقول: «زيد آكل». أي: في حال «أكل»، و «زيد آكل غدا». وتلحقها الزوائد لمعنى كما تلحق الأسماء الألف واللام للتعريف وذلك قولك: «سيفعل»، و «سوف يفعل»، وتلحقها اللام في «إنّ زيدا ليفعل» في معنى «لفاعل».
فالأفعال ثلاثة أصناف: منها هذا المضارع الذي ذكرناه، و «فعل» وما كان في معناه لما مضى، وقولك: «افعل» في الأمر. وهذان الصّنفان لا يقعان في معاني الأسماء، ولا تلحقهما الزوائد كما تلحق الأسماء.
فأمّا ما كان من ذلك على «فعل» قلّت حروفه أو كثرت إذا أحاط به معنى «فعل»، نحو: «ضرب»، و «علم»، و «كرم»، و «حمد»، و «دحرج»، و «انطلق»، و «اقتدر»، و «كلّم»، و «استخرج»، و «اغدودن» [2]، و «اعلوّط» [3]، و «قاتل»، و «تقاتل»، وكلّ ما كان في هذا المعنى، وكذلك إن بنيته بناء ما لم يسمّ فاعله، نحو: «ضرب»، و «دحرج»، و «استخرج» فهذا كلّه مبنيّ على الفتح.
وكان حقّ كلّ مبنيّ أن يسكّن آخره، فحرّك آخر هذا لمضارعته المعربة، وذلك أنّه ينعت به كما ينعت بها.
تقول: «جاءني رجل ضربنا» كما تقول: «هذا رجل يضربنا»، و «ضاربنا».
وتقع موقع المضارعة في الجزاء في قولك: «إن فعلت فعلت»، فالمعنى: «إن تفعل أفعل». فلم يسكّنوها كما لم يسكّنوا من الأسماء ما ضارع المتمكّن، ولا ما جعل من المتمكّن في موضع بمنزلة غير المتمكّن.
فالمضارع من الأسماء: «من عل يا فتى»، لم يسكّنوا اللام لأنّه في النكرة: «من عل يا فتى».
والمتمكّن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكّن قولهم: «ابدأ بهذا أوّل»، و «يا حكم».
__________
(1) النحل: 124.
[2] اغدودن النبت: اخضّر حتى ضرب إلى السواد من شدّة ريّه. (لسان العرب 13/ 311 (غدن)).
[3] اعلوّط: ركب رأسه وتقحّم على الأمور بغير رويّة. (لسان العرب 7/ 355 (علط)).(2/302)
وأمّا الأفعال التي تقع للأمر، فلا تضارع المتمكّن لأنّها لا تقع موقع المضارع، ولا ينعت بها فلذلك سكن آخرها.
فإن قال قائل: هي معربة مجزومة لأنّ معناها الأمر ألا ترى أنّ قولك: «اضرب» بمنزلة قولك: «ليضرب زيد» في الأمر فقوله ذلك يبطل من وجوه:
منها قولك: «صه»، و «مه»، و «قدك» في موضع الأمر، وكذلك: «حذار»، و «نزال»، ونحوهما، فقد يقع الشيء في معنى الشيء، وليس من جنسه.
ومن الدليل على فساد قوله أنّ هذه الأفعال المضارعة في الإعراب كالأسماء المتمكّنة. والأسماء إذا دخلت عليها العوامل، لم تغيّر أبنيتها، إنّما تحدث فيها الإعراب.
وكذلك هذه الأفعال تلحقها العوامل، فتحدث لها الإعراب بالزوائد التي لحقتها، وهي التاء، والهمزة، والنون، والياء اللواتي في «يفعل»، و «تفعل»، و «نفعل»، و «أفعل».
فإذا قلت: «افعل» في الأمر، لم تلحقها عاملا، ولم تقررها على لفظها ألا ترى أنّ الجوازم إذا لحقتها، لم تغيّر اللفظ، نحو قولك: «لم يضرب زيد»، و «إن تذهب أذهب»، وكذلك: «ليذهب زيد»، و «لا يذهب عبد الله». فإنّما يلحقها العامل وحروف المضارعة فيها.
وأنت إذا قلت: «اذهب»، فليس فيها عامل، ولا فيها شيء من حروف المضارعة.
فإن قال قائل: الإضمار يعمل فيها. قيل: هذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنّ الفعل لا يعمل فيه الإضمار إلّا أن يعوّض من العامل.
والثاني: أنّه لو كان ينجزم بجازم مضمر، لكان حرف المضارعة فيه الذي به يجب الإعراب لأنّ المضمر كالظاهر.
ألا ترى أنّك لو أردت إضمار «لم» وكان هذا ممّا يجوز من قولك: «لم يضرب».
فحذفت «لم» لبقيت «يضرب» على لفظها ومعها «لم».
فإن قال قائل: فلم بناه على مقدار المضارعة نحو: «اضرب»، و «انطلق»، فقد كسرت كما تقول: «يضرب» و «ينطلق». وكذلك: «اقتل» كما تقول: «يقتل»؟
قيل: إنّما لحقت هذه البنية لأنّه لما لم يقع، وكذلك صورة ما لم يقع. فهذا احتجاج مغن، وفيه ما هو أكثر من هذا.
* * *
هذا باب تجريد إعراب الأفعال(2/303)
* * *
هذا باب تجريد إعراب الأفعال
اعلم أنّ هذه الأفعال المضارعة، ترتفع بوقوعها مواقع الأسماء، مرفوعة كانت الأسماء أو منصوبة أو مخفوضة. فوقوعها مواقع الأسماء هو الذي يرفعها. ولا تنتصب إذا كانت الأسماء في موضع نصب، ولا تنخفض على كلّ حال، وإن كانت الأسماء في موضع خفض.
فلها الرفع لأنّ ما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل. فهي مرفوعة لما ذكرت لك حتّى يدخل عليها ما ينصبها، أو يجزمها. وتلك عوامل لها خاصّة ولا تدخل على الأسماء كما لا تدخل عوامل الأسماء عليها. فكلّ على حياله.
فأما ما كان منها في موضع رفع فقولك: «يقوم زيد». «يقوم» في موضع المبتدأ، وكذلك: «زيد يقوم»، «يقوم» في موضع الخبر. و «إنّ زيدا يقوم»، «يقوم» في موضع خبر «إنّ».
وما كان منها في موضع المنصوب، فنحو: «كان زيد يقوم يا فتى»، و «ظننت زيدا يقوم».
وما كان في موضع المجرور فنحو: «مررت برجل يقوم»، و «مررت برجل يقوم أبوه».
فإذا أدخلت على هذه الأفعال «السين» أو «سوف»، فقد منعتها بها من كلّ عامل.
وسيأتيك هذا مبيّنا في هذا الباب إن شاء الله.(2/304)
هذا باب الحروف التي تنصب الأفعال
فمن هذه الحروف «أن» (1)، وهي والفعل بمنزلة مصدره، إلّا أنّه مصدر لا يقع في الحال، إنّما يكون لما لم يقع إن وقعت على مضارع، ولما مضى إن وقعت على ماض.
فأمّا وقوعها على المضارع فنحو: «يسرّني أن تقوم». المعنى: «يسرّني قيامك» لأنّ القيام لم يقع. والماضي: «يسرّني أن قمت». ف «أن» هي أمكن الحروف في نصب الأفعال. وكان الخليل يقول: لا ينتصب فعل ألبتّة ب «أن» مضمرة أو مظهرة. وليس القول كما قال لما نذكره إن شاء الله.
ومن هذه الحروف «لن» (2)، وهي نفي قولك: «سيفعل». تقول: «لن يقوم زيد»، و «لن يذهب عبد الله».
ولا تتّصل بالقسم كما لم يتّصل به «سيفعل».
ومن هذه الحروف «كي» (3)، تقول: «جئت كي تكرمني»، و «كي يسرّك زيد».
ومنها «إذن»، تقول: «إذن يضربك زيد». فهذه تعمل في الأفعال عمل عوامل الأسماء
__________
(1) انظر مبحث «أن» في الأزهية ص 7459والجنى الداني ص 227215وحروف المعاني ص 5958، ورصف المباني ص 118111ومغني اللبيب 1/ 3524وجواهر الأدب ص 199190وموسوعة الحروف ص 170157.
(2) انظر مبحث «لن» في الجنى الداني ص 272270وحروف المعاني ص 8ورصف المباني ص 281280ومغني اللبيب ص 308307وجواهر الأدب ص 260259وموسوعة الحروف ص 402401.
(3) انظر مبحث «كي» في الجنى الداني ص 265261ورصف المباني ص 217215ومغني اللبيب 1/ 200198وجواهر الأدب ص 233231وموسوعة الحروف ص 357351.(2/305)
في الأسماء إذا قلت: «ضربت زيدا» و «أشتم عمرا».
* * * واعلم أنّ هاهنا حروفا تنتصب بعدها الأفعال وليست الناصبة، وإنّما «أن» بعدها مضمرة. فالفعل منتصب ب «أن»، وهذه الحروف عوض منها، ودالّة عليها.
فمن هذه الحروف الفاء، والواو، وأو، وحتّى، واللام المكسورة.
* * * فأمّا «اللام» فلها موضعان: أحدهما نفي، والآخر إيجاب. وذلك قوله: «جئتك لأكرمك»، وقوله عزّ وجلّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} (1). فهذا موضع الإيجاب.
وموضع النفي: «ما كان زيد ليقوم»، وكذلك قوله تبارك وتعالى: {مََا كََانَ اللََّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (3).
ف «أن» بعد هذه اللام مضمرة، وذلك لأنّ اللام من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال. ف «أن» بعدها مضمرة. فإذا أضمرت «أن» نصبت بها الفعل، ودخلت عليها اللام لأنّ «أن» والفعل اسم واحد، كما أنّها والفعل مصدر. فالمعنى: جئت لأن أكرمك، أي: جئت لإكرامك. كقولك: «جئت لزيد».
فإن قلت: «ما كنت لأضربك» فمعناه: ما كنت لهذا الفعل.
* * * وأمّا «الفاء»، و «أو»، ففيهما معان تفسّر على حيالها بعد فراغنا من هذا الباب إن شاء الله. وكذا «حتّى»، و «إذن».
وكان الخليل يقول: إنّ «أن» بعد «إذن» مضمرة.
وكذلك «لن»، وإنّما هي «لا أن» ولكنّك حذفت الألف من «لا»، والهمزة من «أن»، وجعلتهما حرفا واحدا.
__________
(1) الفتح: 2.
(2) آل عمران: 179.
(3) الأنفال: 33.(2/306)
وليس القول عندي كما قال وذلك أنّك تقول: «زيدا لن أضرب» كما تقول: «زيدا سأضرب». فلو كان هذا كما قال الخليل، لفسد هذا الكلام لأنّ «زيدا» كان ينتصب بما في صلة «أن». ولكن «لن» حرف بمنزلة «أن».
* * * وأمّا «كي» ففيها قولان: أمّا من أدخل اللام فقال: «لكي تقوم يا فتى» فهي عنده والفعل مصدر كما كان ذلك في «أن».
وأمّا من لم يدخل عليها اللام، فقال: «كيمه» كما تقول: «لمه» ف «أن» عنده بعدها مضمرة لأنّها من عوامل الأسماء كاللام.
* * *
هذا باب «إذن» (1)(2/307)
* * *
هذا باب «إذن» (1)
اعلم أنّ «إذن» في عوامل الأفعال ك «ظننت» في عوامل الأسماء، لأنّها تعمل وتلغى ك «ظننت» ألا ترى أنّك تقول: «ظننت زيدا قائما» و «زيد ظننت قائم». إذا أردت «زيد» قائم في ظنّي، وكذلك «إذن» إذا اعتمد الكلام عليها نصب بها. وإذا كانت بين كلامين أحدهما في الآخر عامل، ألغيت ولا يجوز أن تعمل في هذا الموضع، كما تعمل «ظننت» إذا قلت: «زيدا ظننت قائما» لأنّ عوامل الأفعال لا يجوز فيها التقديم والتأخير لأنّها لا تتصرف.
فأمّا الموضع الذي تكون فيه مبتدأة، وذلك قولك إذا قال لك قائل: «أنا أكرمك»، قلت: «إذن أجزيك». وكذلك إن قال: «انطلق زيد»، قلت: «إذن ينطلق عمرو». ومثله قول الضبّيّ [من البسيط]:
[94] أردد حمارك لا تنزع سويّته ... إذن يردّ وقيد العير مكروب
__________
(1) انظر مبحث «إذن» في الجنى الداني ص 366361وحروف المعاني ص 6ورصف المباني ص 7062ومغني اللبيب 1/ 1715وجواهر الأدب ص 341339وموسوعة الحروف ص 8883.
[94] التخريج: البيت لعبد الله بن عنمة الضبيّ في الأصمعيات ص 228وخزانة الأدب 8/ 462، 464، 465، 468وشرح أبيات سيبويه 2/ 100وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 586وشرح المفصل 7/ 16والصاحبي في فقه اللغة ص 141ولسان العرب 1/ 713 (كرب)، 13/ 14 (أذن) والمعاني الكبير ص 793ولسلام بن عوية الضبيّ في لسان العرب 14/ 416 (سوا) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 328وجواهر الأدب ص 341ورصف المباني ص 63.
اللغة: اردد حمارك: ازجر نفسك عن التعرّض لنا. السّوية: كساء يحشى، ويطرح على ظهر الحمار كالحلس للبعير. المكروب: المداني المقارب، كناية عن تقييد حركة الحمار، من (كربت القيد) أي ضيّفته على المقيّد به. العير: هو الحمار نفسه.(2/308)
والموضع الذي لا تكون فيه عاملة ألبتّة قولك: «إن تأتني إذن آتك» لأنّها داخلة بين عامل ومعمول فيه.
وكذلك: «أنا إذن أكرمك».
وكذلك إن كانت في القسم بين المقسم به والمقسم عليه نحو قولك: «والله إذن لا أكرمك» لأنّ الكلام معتمد على القسم. فإن قدّمتها، كان الكلام معتمدا عليها. فكان القسم لغوا نحو: «إذن والله أضربك» لأنّك تريد: «إذن أضربك والله».
فالذي تلغيه لا يكون مقدّما، إنّما يكون في أضعاف الكلام ألا ترى أنّك لا تقول:
«ظننت زيد منطلق» لأنّك إذا قدّمت الظنّ فإنّما تبني كلامك على الشكّ.
وإنّما جاز أن تفصل بالقسم بين «إذن» وما عملت فيه من بين سائر حروف الأفعال لتصرّفها، وأنّها تستعمل وتلغى، وتدخل للابتداء، ولذلك شبّهت ب «ظننت» من عوامل الأسماء.
* * * واعلم أنّها إذا وقعت بعد واو أو فاء، صلح الإعمال فيها والإلغاء، لما أذكره لك.
وذلك قولك: «إن تأتني آتك وإذن أكرمك». إن شئت رفعت، وإن شئت نصبت. وإن شئت جزمت.
أمّا الجزم، فعلى العطف على «آتك» وإلغاء «إذن». والنصب على إعمال «إذن».
والرفع على قولك: «وأنا أكرمك»، ثمّ أدخلت «إذن» بين الابتداء والفعل، فلم تعمل شيئا.
المعنى: انته عنّا، وازجر نفسك عن التعرّض لنا، وإلّا رددناك مضيّقا عليك ممنوعا من إرادتك.
الإعراب: «اردد»: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). «حمارك»:
مفعول به، والكاف: مضاف إليه مبني على الفتح، محله الجر. «لا»: ناهية جازمة. «تنزع»: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم ب (لا) الناهية. «سويّته»: نائب فاعل، والهاء: مضاف إليه مبني على الضم محله الجر. «إذن»: حرف ناصب. «يردّ»: فعل مضارع منصوب مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) «وقيد»: الواو: حالية. «قيد»: مبتدأ مرفوع. «العير»: مضاف إليه. «مكروب»: خبر مرفوع.
وجملة «اردد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «لا تنزع سويته»: استئنافية لا محل لها. وجملة «يردّ»:
استئنافية لا محل لها. وجملة «قيد العير مكروب»: حالية، محلها النصب.
والشاهد فيه: نصب ما بعد (إذن)، لأنها مبتدأة معتمد عليها، والرفع جائز على إلغائها، وتقدير الفعل واقعا للحال، لأنّ حروف النّصب لا تنصب إلا المضارع الخالص للاستقبال.(2/309)
وهذه الآية في مصحف ابن مسعود: {وَإِذاً لََا يَلْبَثُونَ خِلََافَكَ} (1) الفعل فيها منصوب ب «إذن»، والتقدير والله أعلم الاتّصال ب «إذن»، وإن رفع، فعلى أنّ الثاني محمول على الأوّل كما قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذاً لََا يُؤْتُونَ النََّاسَ نَقِيراً} (2) أي: فهم إذن كذلك.
فالفاء والواو يصلح بعدهما هذا الإضمار على ما وصفت لك من التقدير، وأن تنقطع «إذن» بعدهما مما قبلهما، ثمّ يدخلان للعطف بعد أن عملت «إذن». ونظير ذلك قولك:
«إن تعطني أشكرك وإذن أدعو الله لك». كأنّه قال: «إذن أدعو الله لك»، ثمّ عطف هذه الجملة على ما قبلها لأنّ الذي قبلها كلام مستغن.
وقد يجوز أن تقول: «إذن أكرمك»، إذا أخبرت أنّك في حال إكرام، لأنّها إذا كانت للحال، خرجت من حروف النصب لأنّ حروف النصب إنّما معناهنّ ما لم يقع. فهذه حال «إذن»، إلى أن نفرد بابا لمسائلها إن شاء الله.
__________
(1) الإسراء: 76.
(2) النساء: 53.(2/310)
هذا باب الفاء وما ينتصب بعدها وما يكون معطوفا بها على ما قبله
اعلم أنّ الفاء عاطفة في الفعل كما تعطف في الأسماء. تقول: «أنت تأتيني فتكرمني»، و «أنا أزورك فأحسن إليك» كما تقول: «أنا آتيك ثمّ أكرمك»، و «أنا أزورك وأحسن إليك». هذا إذا كان الثاني داخلا فيما يدخل فيه الأول. كما تكون الأسماء في قولك: «رأيت زيدا فعمرا»، و «أتيت الكوفة فالبصرة». فإن خالف الأوّل الثّاني، لم يجز أن يحمل عليه، فحمل الأوّل على معناه، فانتصب الثاني بإضمار «أن»، وذلك قولك: «ما تأتيني فتكرمني»، و «ما أزورك فتحدّثني».
إن أراد: «ما أزورك»، و «ما تحدّثني» كان الرفع لا غير لأنّ الثاني معطوف على الأوّل.
وإن أراد: «ما أزورك فكيف تحدّثني»؟ و «ما أزورك إلّا لم تحدّثني»، على معنى:
«كلّما زرتك، لم تحدّثني» كان النصب لأنّ الثاني على خلاف الأوّل. وتمثيل نصبه أن يكون المعنى: ما تكون منّي زيارة فيكون حديث منك. فلمّا ذهبت بالأوّل إلى الاسم، أضمرت «أن» إذ كنت قد عطفت اسما على اسم، لأن «أن» وما عملت فيه اسم، فالمعنى:
لم تكن زيارة فإكرام، وكذلك كلّ ما كان غير واجب. وهو الأمر، والنهي، والاستفهام.
فالأمر: «ائتني فأكرمك»، و «زرني فأعطيك»، كما قال الشاعر [من الرجز]:
[95] يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا
(95) التخريج: الرجز لأبي النجم في الدرر 3/ 52، 4/ 79والرد على النحاة ص 123وشرح التصريح 2/ 239والكتاب 3/ 35ولسان العرب 3/ 83 (نفخ) والمقاصد النحوية 4/ 387وهمع الهوامع 2/ 10وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 182ورصف المباني ص 381وسرّ صناعة الإعراب 1/ 270، 274وشرح الأشموني 2/ 302، 3/ 562وشرح ابن عقيل ص 570وشرح قطر الندى ص 71وشرح المفصل 7/ 26واللمع في العربية ص 210وهمع الهوامع 1/ 182.(2/311)
والنهي مثل: «لا تأتني فأكرمك»، كقوله عزّ وجلّ: {لََا تَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذََابٍ} (1)، وكقوله عزّ وجلّ: {وَلََا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (2).
والاستفهام: «أتأتيني فأعطيك»؟ لأنّه استفهم عن الإتيان، ولم يستفهم عن الإعطاء.
وإنّما يكون إضمار «أن» إذا خالف الأوّل الثاني. لو قلت: «لا تقم فتضرب زيدا»، لجزمت إذا أردت: «لا روايته و «لا تضرب زيدا». فإذا أردت: «لا تقم فتضرب زيدا»، أي: فإنّك إن قمت ضربته لم يكن إلا النصب لأنّك لم ترد ب «تضرب» النهي. فصار المعنى: لا يكن منك قيام، فيكون منك ضرب لزيد.
وذلك: «أتأتيني فأكرمك»؟ المعنى: أيكون هذا منك؟ فإنّه متى كان منك، كان منّي إكرام.
* * * اللغة والمعنى: ناق: ترخيم «ناقة». نوع من السير السريع. الفسيح: الواسع الخطى.
سليمان: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان.
يقول الشاعر لناقته: يا ناقتي أسرعي في سيرك لنصل إلى سليمان بن عبد الملك، فنحظى بعطاياه ونرتاح.
الإعراب: يا: حرف نداء. ناق: منادى مرخّم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب على النداء.
سيري: فعل أمر مبنيّ على حذف النون لاتّصاله بياء المخاطبة، والياء: ضمير في محلّ رفع فاعل. عنقا:
صفة لمفعول مطلق محذوف تقديره: «سيري سيرا عنقا». فسيحا: نعت «عنقا» منصوب. إلى: حرف جرّ.
سليمان: اسم مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف، والجار والمجرور متعلّقان ب «سيري». فنستريحا:
الفاء: سببية، نستريحا: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، والألف: للإطلاق، والمصدر المؤوّل من «أن نستريحا» معطوف على مصدر منتزع ممّا قبله، والتقدير: ليكن منك سير فاستراحة.
وجملة «يا ناق» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «سيري» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة.
والشاهد فيه قوله: «فنستريحا» حيث نصب الفعل المضارع «نستريح» ب «أن» مضمرة بعد فاء السببيّة في جواب الأمر.
__________
(1) طه: 61.
(2) طه: 81.(2/312)
هذا باب مسائل هذا الباب وما يكون فيه معطوفا أو مبتدأ مرفوعا وما لا يجوز فيه إلّا النصب إلّا أن يضطرّ شاعر
تقول: «ما تأتيني فتحدّثني». فالنصب يشتمل على معنيين يجمعهما أنّ الثاني مخالف للأوّل.
فأحد المعنيين: ما تأتيني إلّا لم تحدّثني: أي: قد يكون منك إتيان، ولكن لست تحدّثني.
والمعنى الثاني: لا يكون منك إتيان ولا حديث، فاعتباره ما تأتيني محدثا، وكلّما أتيتني لم تحدّثني.
والوجه الآخر: ما تأتيني فكيف تحدّثني، أي: لو أتيتني لحدّثتني.
* * * وأمّا الرفع، فعلى وجهين:
أحدهما: «ما تأتيني، وما تحدّثني»، والآخر شريك للأوّل داخل معه في النفي.
والوجه الثاني أن تقول: «ما تأتيني فتحدّثني» أي: ما تأتيني وأنت تحدّثني وتكرمني.
وكذلك: «ما تعطيني فأشكرك»، أي: ما تعطيني وأنا أشكرك على حال. ومثل ذلك في الجزم: «ألم أعطك فتشكرني»؟ جزم «تشكرني» ب «لم» ودخلا معا في الاستفهام.
والرفع على قولك: «فأنت تشكرني».
ولو قلت: «ما أنت بصاحبي فأكرمك» لكان النصب على قولك: «فكيف أكرمك»؟
ولم يجز الرفع على الشركة، لأنّ الأوّل اسم، فلا يشرك الفعل معه. ولكن لو حملته على
«فأنا أكرمك» على حال، ثمّ تعطف جملة على جملة، لجاز. وعلى هذا قوله [من الطويل]:(2/313)
ولم يجز الرفع على الشركة، لأنّ الأوّل اسم، فلا يشرك الفعل معه. ولكن لو حملته على
«فأنا أكرمك» على حال، ثمّ تعطف جملة على جملة، لجاز. وعلى هذا قوله [من الطويل]:
[96] فما أنت من قيس فتنبح دونها ... ولا من تميم في الرؤوس الأعاظم
ولو رفع على «أنت تنبح على حال» جاز.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {لََا يُقْضى ََ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (1) فهو على قولك: «لا تأتيني فأعطيك»، أي: «لو أتيتني لأعطيتك». وهو الذي ذكرناه في أحد الوجهين من قولك: «ما تأتيني فتحدّثني»، إذا أردت: «لو أتيتني لحدّثتني».
وتقول: «كأنّك لم تأتنا فتحدّثنا» إذا أردت الوجه في قولك: «محدّثا»، وهو الذي ذكرناه في: «ما تأتيني فحدّثني»، أي: كلّما أتيتني لم تحدّثني، فهو: «ما تأتيني محدّثا».
أي: قد يكون منك إتيان ولا حديث، كما قال [من الطويل]:
[97] كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة ... فيصبح ملقى بالفناء إهابها
[96] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 313والدرر 4/ 83والرد على النحاة ص 124 (وفيه «اللها والغلاصم» مكان «الرؤوس الأعاظم») ولسان العرب 12/ 441 (غلصم) وهمع الهوامع 2/ 13.
اللغة: اللها بفتح اللام: جمع لهاة، وهي مدخل الطعام في الحلق، والغلاصم: جمع غلصمة، وهي رأس الحلقوم، ويكنى باللها والغلاصم عن أعالي القوم وجلّتهم.
المعنى: يقول هذا لجرير الذي كان يكافح عن قيس لخؤولته فيهم، وجعل مهاجاته عنهم نباحا على طريق الاستعارة، ونفى عنه الشرف في تميم.
الإعراب: «فما»: الفاء: بحسب ما قبلها، «ما»: نافية. «أنت»: اسم (ما). «من قيس»: جار ومجرور متعلقان بالخبر. «فتنبح»: الفاء: حرف عطف، «تنبح»: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد الفاء، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). «دونها»: مفعول فيه ظرف مكان على المجاز متعلّق بالفعل (تنبح)، و «ها»: مضاف إليه. «ولا»: الواو: حرف عطف، «لا»: زائدة لتوكيد النفي. «من تميم»: جار ومجرور معطوفان على (من قيس). «في الرؤوس»: جار ومجرور متعلقان بحال من (أنت) أو من (تميم).
«الأعاظم»: صفة مجرورة بالكسرة، والمصدر المؤول من (أن) المقدرة بعد الفاء، ومن الفعل (تنبح) معطوف على مصدر منتزع مما تقدّم، والتقدير: لم يكن انتسابك إلى قيس، فنباحك دونها.
وجملة «ما أنت من قيس»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تنبح»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: نصب (تنبح) على الجواب، ولو قطع، فرفع، لجاز.
__________
(1) فاطر: 36.
[97] التخريج: البيت لسويد بن الطويلة في شرح أبيات سيبويه 1/ 302، 2/ 150ولرجل من بني دارم في الرد على النحاة ص 124.(2/314)
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (1). النصب هاهنا محال لأنّه لم يجعل «فيكون» جوابا. هذا خلاف المعنى لأنّه ليس ههنا شرط. إنّما المعنى: فإنّه يقول له: كن فيكون، و «كن» حكاية.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2) فالنصب والرفع.
فأمّا النصب فعلى أن تقول: «فيكون يا فتى»، والرفع على «هو يقول فيكون».
وأمّا قول الشاعر [من الطويل]:
[98] وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول
اللغة: الإهاب: الجلد ما لم يدبغ.
المعنى: يسخر الشاعر ممن يتحدث عنه، ويصفه بالبخل، وأنّ غاية فخره أنّه ذبح في يوم من الأيام نعجة لأهله، وأنّه ألقى جلدها بساحة الدار افتخارا بفعلته هذه على تواضعها.
الإعراب: «كأنّك»: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسم (كأنّ) محله النصب. «لم»: حرف نفي وجزم وقلب. «تذبح»: فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره (أنت). «لأهلك»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (تذبح)، والكاف: مضاف إليه محلّه الجر. «نعجة»: مفعول به. «فيصبح»: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد الفاء، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يصبح) معطوف على مصدر منتزع مما تقدّم، والتقدير: لم يكن ذبح، فصيرورة إلقاء. «ملقى»: خبر (يصبح) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا رسما. «بالفناء»: جار ومجرور متعلقان باسم المفعول (ملقى).
«إهابها»: اسم (يصبح) مرفوع، و «ها»: مضاف إليه محلّه الجر.
وجملة «كأنك لم تذبح»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «لم تذبح»: خبر (كأنّ) محلّها الرفع. وجملة «يصبح ملقى بالفناء إهابها»: صلة الموصول الحرفي لا محلّ لها.
والشاهد فيه: نصب الفعل (يصبح) على الجواب، وإن كان معناه الإيجاب، لأنه كان قبل دخول (كأنّ) منفيا على تقدير: لم تذبح نعجة، فيصبح إهابها ملقى، ثم دخلت عليه (كأن)، فأوجبت، فبقي على لفظه منصوبا.
__________
(1) البقرة: 117وآل عمران: 47ومريم: 35وغافر: 68.
(2) النحل: 40.
[98] التخريج: البيت لكعب بن سعد الغنويّ في الأصمعيات ص 76والردّ على النحاة ص 129 وخزانة الأدب 8/ 573وشرح المفصل 7/ 36والكتاب 3/ 46ولسان العرب 11/ 573 (قول) وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 304والمنصف 3/ 52.
المعنى: لست ممن يقول قولا يغضب صاحبي منه، ولا سيّما إذا لم يكن قولي هذا ينفعني شيئا.
الإعراب: وما: الواو: حسب ما قبلها «ما»: حرف يعمل عمل ليس. أنا: ضمير منفصل في محل رفع اسم (ما). للشيء: جار ومجرور متعلقان ب (قؤول). الذي: اسم موصول في محلّ جرّ صفة (الشيء).(2/315)
فإنّ الرفع الوجه لأنّ يغضب في صلة «الذي» لأنّ معناه: الذي يغضب منه صاحبي.
وكان سيبويه يقدّم النصب ويثنّي بالرفع. وليس القول عندي كما قال، لأنّ المعنى الذي يصحّ عليه الكلام إنّما يكون بأن يقع «يغضب» في الصلة كما ذكرت لك.
ومن أجاز النصب، فإنّما يجعل «يغضب» معطوفا على «الشيء»، وذلك جائز، ولكنّه بعيد. وإنّما جاز لأنّ «الشيء» منعوت، فكان تقديره: وما أنا للشيء الذي هذه حاله ولأن يغضب صاحبي وهو كلام محمول على معناه لأنّه ليس بقول الغضب، إنّما يقول ما يوجب الغضب. ومثل هذا يجوز.
تقول: «إنّما جاء به طعام زيد»، والمعنى: إنّما جئت من أجله. وكذلك قولك: «إنّما شفاء زيد السيف»، و «إنّما تحيّته الشّتم»، أي هذا الذي قد أقامه مقام التحيّة، ومقام الشفاء كما قال [من الوافر]:
[99] وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحيّة بينهم ضرب وجيع
ليس: فعل ماض ناقص، و «اسمها»: ضمير مستتر تقديره (هو). نافعي: خبر (ليس) منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. ويغضب: «الواو»: للعطف، «يغضب»: فعل مضارع مرفوع، ويجوز أن ينصب ب (أن) مضمرة بعد (الواو)، ويكون المصدر المؤول من «أن» المقدرة والفعل «يغضب» معطوفا على مصدر متصيد مما قبلهما، وكأنّ التقدير: ليس فيه نفع لي وإغضاب لصاحبي. منه: جار ومجرور متعلّقان ب (يغضب). صاحبي: فاعل (يغضب) مرفوع بضمّة مقدرة على ما قبل الياء، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بقؤول: «الباء»: حرف جرّ زائد، «قؤول»: مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر (ما).
وجملة «فما أنا بقؤول»: حسب ما قبلها. وجملة «ليس نافعي»: صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «يغضب»: صلة الموصول الحرفي لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «ويغضب» حيث جاء الفعل المضارع مرفوعا بعد (الواو).
[99] التخريج: البيت لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص 149وخزانة الأدب 9/ 252، 257، 258، 261، 262، 263وشرح أبيات سيبويه 2/ 200ونوادر أبي زيد ص 150وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 345والخصائص 1/ 368وشرح المفصل 2/ 80.
اللغة: دلفت لها: تقدّمت إليها.
المعنى: كثيرا ما تقدّمت إلى الخيول المهاجمة بخيول مهاجمة، وفرسان قادرين على تحيّة أعدائهم بضرب مؤلم ومميت.(2/316)
فهذا كلام مفهوم وتحقيق لفظه ما ذكرت لك.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} (1)، فهذا هو الوجه لأنّه ليس بجواب لأنّ المعنى في قوله: «ألم تر» إنّما هو:
انتبه وانظر: أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا.
وليس كقولك: «ألم تأت زيدا فيكرمك» لأنّ الإكرام يقع بالإتيان. وليس اخضرار الأرض واقعا من أجل رؤيتك.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وَمََا يُعَلِّمََانِ مِنْ أَحَدٍ حَتََّى يَقُولََا إِنَّمََا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلََا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ} (2) لأنّه لم يجعل سبب تعليمهم قوله «لا تكفر» كما تقول: «لا تأتني فأضربك» لأنّه يقول: إنّك إن أتيتني ضربتك. وقوله: «فلا تكفر» حكاية عنهم، وقوله:
«فيتعلّمون» ليس متّصلا به. ولو كان كذلك كان: «لا تكفر، فتتعلّم يا فتى»، ولكن هو محمول على قوله: {يُعَلِّمُونَ النََّاسَ السِّحْرَ} (3) فيتعلّمون منهم. لا يصحّ المعنى إلّا على هذا أو على القطع، أي: منهم يتعلّمون.
الإعراب: «وخيل»: الواو: واو ربّ، «خيل»: مبتدأ مرفوع محلّا، مجرور لفظا بربّ المحذوفة.
«قد»: حرف تحقيق وتقريب. «دلفت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «لها»: جار ومجرور متعلقان ب (دلفت). «بخيل»: جار ومجرور متعلقان ب (دلفت). «تحية»: مبتدأ مرفوع بالضمّة. «بينهم»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. و «هم»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة.
«ضرب»: خبر مرفوع بالضمّة. «وجيع»: صفة (ضرب) مرفوعة بالضمّة.
وجملة «وخيل قد دلفت لها»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «دلفت»: في محلّ رفع خبر ل (خيل).
وجملة «التحية ضرب»: في محلّ جرّ صفة ل (خيل).
والشاهد فيه قوله: «تحية بينهم ضرب وجيع» حيث جعل الضرب الوجيع هي التحية بينهم، على المجاز.
وشاهد ثان في البيت هو قوله: «تحية» حيث حذف (ال) التعريف مع إرادتها.
__________
(1) الحج: 63.
(2) البقرة: 102.
(3) البقرة: 102.(2/317)
وأمّا قول النابغة [من الطويل]:
[100] فلا زال قبر بين بصرى وجاسم ... عليه من الوسميّ سحّ ووابل
فينبت حوذانا وعوفا منوّرا ... سأتبعه من خير ما قال قائل
فإن الرفع الوجه، لأنّه ليس بجواب. إنّما هو فذاك ينبت حوذانا. ولو جعله جوابا لقوله: «فلا زال» كان وجها جيّدا.
وتقول: «لا تمددها فتشققها» على العطف، فإن أردت الجواب قلت: «فتشقّها» على ما فسّرت لك.
وتقول: «أين بيتك فأزورك»؟ فإن أردت أن تجعله جوابا نصبت، وإن أردت أن تجعل الزيارة واقعة على حال، قلت: أين بيتك فأنا أزورك على حال.
[100] التخريج: البيتان للنابغة الذبياني في ديوانه ص 121والأشباه والنظائر 5/ 136والرد على النحاة ص 126وشرح أبيات سيبويه 2/ 56.
اللغة: بصرى: بلدة بحوران من أعمال دمشق، وكذلك جاسم. السحّ والوابل: أغزر المطر.
الوسميّ: مطر الربيع. الحوذان والعوف: ضربان من النّبت. المنوّر: النبت الذي فيه زهره، وورده.
المعنى: يرثي النابغة بذلك النعمان بن الحارث الغسّاني، فيدعو لقبره بأن يسقى، وأن ينمو حوله النبات ليقصده الناس، فيتذكروا صاحب ذلك القبر، ويذكروا محاسنه من جود وكرم وشجاعة.
الإعراب: «فلا»: الفاء: بحسب ما قبلها، «لا»: نافية مهملة. «زال»: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. «قبر»: اسم (زال) مرفوع. «بين»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلّق بصفة ل (قبر). «بصرى»:
مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة المقدرة لأنه ممنوع من الصرف. «وجاسم»: الواو: حرف عطف، «جاسم»: اسم معطوف على (بصرى). «عليه»: جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ (سحّ). «من الوسمي»:
جار ومجرور متعلقان بحال من (سحّ) و (وابل). «سحّ»: مبتدأ مؤخّر. «ووابل»: الواو: حرف عطف، «وابل»: اسم معطوف على (سحّ). «فينبت: الفاء: حرف عطف، «ينبت»: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) عائد إلى (سحّ). «حوذانا»: مفعول به. «وعوفا»: الواو: حرف عطف، «عوفا»:
اسم معطوف على (حوذانا). «منوّرا»: صفة ل (عوف). «سأتبعه»: السين: حرف استقبال، «أتبعه»: فعل مضارع مرفوع، والهاء: مفعول به مبني على الضم في محل نصب، والفاعل: أنا. «من خير»: جار ومجرور متعلقان بصفة لمفعول به محذوف والتقدير: سأتبعه قولا من خير ما قال قائل: «ما»: اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. «قال»: فعل ماض مبني على الفتح. «قائل»: فاعل.
وجملة «لا زال قبر عليه سحّ»: بحسب الواو. وجملة «عليه سحّ»: خبر (زال) محلّها النصب.
وجملة «ينبت»: معطوفة على جملة «عليه سحّ». وجملة «أتبعه»: استئنافية لا محل لها. وجملة «قال قائل»:
صلة الموصول الاسمي لا محل لها.
والشاهد فيهما: رفع الفعل (ينبت)، لأنّه جعله خبرا عن الغيث واجبا، وتفسيرا لحاله.(2/318)
وتقول في الجزاء: «من يأتني فيكرمني أعطه»، لا يكون إلّا ذلك لأنّ الكلام معطوف على ما قبله.
فإن قلت: «من يأتني آته فأكرمه»، كان الجزم الوجه، والرفع جائز على القطع على قولك: «فأنا أكرمه».
ويجوز النصب وإن كان قبيحا لأنّ الأوّل ليس بواجب إلّا بوقوع غيره.
وقد قرىء هذا الحرف على ثلاثة أضرب {يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ} (1)
بالجزم والرفع والنصب.
وينشد هذا البيت رفعا ونصبا لأنّ الجزم يكسر الشعر وإن كان الوجه، وهو قوله [من الطويل]:
[101] ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا
وتدفن منه الصالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
والواو والفاء في هذا سواء.
__________
(1) البقرة: 284.
[101] التخريج: البيتان للأعشى في ديوانه ص 163وجمهرة اللغة ص 177وحماسة البحتري ص 106وشرح شواهد الإيضاح ص 492ولسان العرب 1/ 454 (زيب)، 697، 698 (كبب).
اللغة: المجرّ، والمسحب: مصدران ميميان، أو اسما مكان من الجر والسحب، وكبكب: اسم جبل بمكة.
المعنى: من اغترب عن قومه جرى عليه الظلم، فاحتمله لعدم ناصره، وأخفيت محاسنه، وأظهرت مساوئه إظهار النار في رأس الجبل.
الإعراب: «ومن»: الواو: بحسب ما قبلها، «من»: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «يغترب»: فعل مضارع مجزوم، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو). «عن قومه»: جار ومجرور متعلقان ب (يغترب)، والهاء: مضاف إليه محلّه الجر. «لا»: نافية مهملة. «يزل»: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسمه مستتر جوازا تقديره (هو). «يرى»: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر جوازا تقديره: (هو). «مصارع»: مفعول به منصوب. «مظلوم»: مضاف إليه.
«مجرّا»: حال من (مصارع). «ومسحبا»: الواو: حرف عطف، «مسحبا»: معطوف على (مجرا). «وتدفن»:
الواو: حرف استئناف، «تدفن»: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ويجوز أن ينصب ب (أن) مضمرة بعد الواو، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تدفن) معطوف على مصدر منتزع مما سبق، وعلى النصب تكون الواو للعطف. «منه»: جار ومجرور متعلقان بحال من الصالحات. «الصالحات»: نائب فاعل مرفوع.
«وإن»: الواو: حرف عطف، «إن»: حرف شرط جازم. «يسىء»: فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). «يكن»: فعل مضارع ناقص مجزوم. «ما»: اسم موصول في محل رفع اسم (يكن). «أساء»:(2/319)
فأمّا قوله [من الطويل]:
[102] فقلت له: قرّب ولا تجهدنّه ... فيدنك من أخرى القطاة فتزلق
فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على فاعل (يسىء). «النار»: خبر (يكن) منصوب. «في رأس»: جار ومجرور متعلقان بحال من (النار). «كبكبا»: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة، لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، ووزن الفعل.
وجملة «من يغترب لا يزل»: بحسب الواو. وجملة «يغترب»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «لا يزل يرى»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. وجملة «يرى»: خبر (يزل) محلّها النصب، ومجموع جملتي الشرط وجوابه، أي قوله: (يغترب لا يزل يرى) خبر المبتدأ (من) محلّه الرفع. وجملة «تدفن»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها، أو استئنافية لا محلّ لها أيضا. وجملة «إن يسىء يكن ما آساء النار»: معطوفة على جملة الخبر (يغترب لا يزل). وجملة «يسىء» جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «يكن ما أساء النار»: جواب شرط جازم غير مقترن لا محل لها. وجملة «أساء»: صلة الموصول الاسمي لا محل لها.
والشاهد فيهما: جواز نصب (تدفن) على إضمار (أن)، لأن جواب الشرط قبله، وإن كان خبرا فإنّه لا يقع إلا بوقوع الفعل، فضارع غير الواجب، فجاز النصب، والرفع على استئناف الكلام وقطعه.
[102] التخريج: البيت لعمرو بن عمار الطائي في شرح أبيات سيبويه 2/ 62ولا مرىء القيس في ديوانه ص 174ولسان العرب 14/ 283 (ذرا) والمحتسب 2/ 181وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 526ومجالس ثعلب 2/ 436.
اللغة: قرّب: خذ القصد في السير. لا تجهده: لا تتعبه. أخرى القطاة: آخرها، والقطاة: مقعد الردف من الفرس. تزلق: تزل.
المعنى: يخاطب غلامه الذي حمله على فرسه ليصيد له، فيقول: خذ القصد في السير، وارفق بفرسك وتمكّن من ظهره، وإلا تسقط عنه.
الإعراب: «فقلت»: الفاء: بحسب ما قبلها، «قلت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محلّه الرفع. «له»: جار ومجرور متعلقان ب (قلت). «قرّب»: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت). «ولا»: الواو: حرف عطف، «لا»: ناهية جازمة. «تجهدنّه»: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم، والنون: للتوكيد لا محل لها، والهاء: مفعول به محلّه النصب وفاعله: هو. «فيدنك»: الفاء: حرف عطف، «يدنك»: معطوف على (تجهدنّه) مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والكاف: مفعول به محلّه النصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره: (هو). «من أخرى»: جار ومجرور متعلقان ب (يدنك). «القطاة»: مضاف إليه مجرور. «فتزلق»: الفاء: حرف عطف، «تزلق»:
معطوف على (تجهدنّه) مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وحرّك بالكسر للقافية، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت).
وجملة «قلت»: بحسب الفاء. وجملة «قرّب»: مقول القول محلّها النصب. وجملة «تجهدنه»:
معطوفة على جملة «قرّب»، وكذلك جملة «يدنك» وجملة «تزلق».
والشاهد فيه: جزم (يدنك) حملا على النهي، ولو أمكنه النصب بالفاء على جواب النهي لجاز.(2/320)
فإنّما هو على العطف فدخل كلّه في النفي [1]. أراد: ولا يدنك، ولا تزلقنّ.
وتقول: «إلّا تأتني فتكرمني أقعد عنك».
فالجزم الوجه في «فتكرمني»، والنصب يجوز من أجل النفي لأنّ معناه إلّا تأتني مكرما كما قال: «ما تأتيني فتحدّثني». أي ما تأتيني محدّثا. وعلى هذا ينشد هذا البيت [من الطويل]:
[103] ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق
واعلم أنّ الشاعر إذا اضطرّ، جاز له أن ينصب في الواجب والنصب على إضمار «أن». يذهب بالأوّل إلى الاسم على المعنى فيقول: «أنت تأتيني فتكرمني». تريد: أنت يكون منك إتيان فإكرام، فهذا لا يجوز في الكلام، وإنّما يجوز في الشعر للضرورة كما لا يجوز صرف ما لا ينصرف، وتضعيف ما لا يضعّف في الكلام. قال [من الوافر]:
[104] سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالعراق فأستريحا
[1] عبّر المبرّد عن النهي بالنفي.
[103] التخريج: البيت لابن زهير في شرح أبيات سيبويه 2/ 113ولزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 250وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص 360.
اللغة: تزلق: تزلّ، ولا تثبت.
المعنى: من لم يقدم رجله مثبتا إياها في موضع مستو زلق، وهذا مثل، أي من لم يتأهّب للأمر قبل محاولته أخطأ في تدبيره.
الإعراب: «ومن»: الواو: بحسب ما قبلها، «من»: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. «لا»: نافية مهملة. «يقدّم»: فعل مضارع مجزوم، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو). «رجله»: مفعول به منصوب، والهاء: مضاف إليه. «مطمئنة»: حال من (رجله) منصوب. «فيثبتها»: الفاء: حرف عطف، «يثبتها»: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد الفاء، و «ها»: مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو)، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يثبت) معطوف على مصدر منتزع مما تقدّم، والتقدير: من لم يكن منه تقديم فإثبات. «في مستوى»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (يثبت). «الأرض»: مضاف إليه. «يزلق»:
فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون، وحرّك بالكسر للقافية، والفاعل مستتر تقديره (هو).
وجملة «من لا يقدّم يزلق»: بحسب الواو. وجملة «يقدم»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «يثبتها»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «يزلق»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها، ومجموع جملتي الشرط وجوابه، أي قوله: (لا يقدّم يزلق) خبر للمبتدأ (من) محلّه الرفع.
والشاهد فيه: نصب (يثبتها) بإضمار (أن) بعد الفاء على جواب النفي.
[104] التخريج: البيت للمغيرة بن حبناء في خزانة الأدب 8/ 522والدرر 1/ 240، 4/ 79(2/321)
وقال الشاعر [من الطويل]:
[105] لنا هضبة لا ينزل الذلّ وسطها ... ويأوي إليها المستجير فيعصما
وشرح شواهد الإيضاح ص 251وشرح شواهد المغني ص 497والمقاصد النحويّة 4/ 390وبلا نسبة في الدرر 5/ 130والرد على النحاة ص 125ورصف المباني ص 379وشرح الأشموني 3/ 565 وشرح المفصل 7/ 55والكتاب 3/ 39، 92والمحتسب 1/ 197ومغني اللبيب 1/ 175والمقرب 1/ 263.
المعنى: يقول: سأغادر منزلي تخلّصا من مجاورة بني تميم الذين لا يرعون حقّ الجار، وأسكن العراق لعلّي أجد هناك راحة لنفسي.
الإعراب: سأترك: السين: حرف تنفيس، أترك: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. منزلي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. لبني:
اللام: حرف جرّ، بني: اسم مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم، والجار والمجرور متعلّقان ب «أترك»، وهو مضاف. تميم: مضاف إليه مجرور. وألحق: الواو: حرف عطف، ألحق: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد الواو، والمصدر المؤول من «أن ألحق» في محلّ نصب حال، على تقدير:
سأترك لحاقا بالعراق، والفاعل: أنا. بالعراق: جار ومجرور متعلّقان ب «ألحق». فأستريحا: الفاء: السببيّة، أستريحا: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، والألف: للإطلاق، والفاعل: أنا، والمصدر المؤوّل من «أن أستريح» معطوف على مصدر منتزع ممّا قبل الفاء، والتقدير: لحاقا فاستراحة.
وجملة «سأترك منزلي» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية.
والشاهد فيه قوله: «وألحق فأستريحا» حيث نصب ب «أن» مضمرة بعد الواو وفاء السببيّة من دون أن تسبق بنفي أو طلب، وهذا ضرورة.
[105] التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص 159والرد على النحاة ص 126 وللأعشى في خزانة الأدب 8/ 339والخصائص 1/ 389ولسان العرب 10/ 427 (دلك) والمحتسب 1/ 197وبلا نسبة في الجنى الداني ص 123ورصف المباني ص 226، 379.
اللغة: يعصم: يمنع ويحمى. وكنى بالهضبة عن عزة قومه ومنعتهم.
المعنى: إن لنا قوما منيعون لا يستطيع عدو أن يقترب منا أو يلحق الذل بنا، وقومنا يحمون من يلتجىء إليهم.
الإعراب: «لنا»: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف.
«هضبة»: مبتدأ مؤخر مرفوع.
«لا ينزل»: «لا» نافية، «ينزل» فعل مضارع مرفوع بالضمة.
«الذل»: فاعل مرفوع بالضمة.
«وسطها»: مفعول فيه متعلق بالفعل، و «ها» ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
«ويأوي»: الواو: استئنافية، و «يأوي»: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة.
«إليها»: جار ومجرور متعلقان بالفعل.
«المستجير»: فاعل مرفوع بالضمة.(2/322)
هذا إنشاد بعضهم، وهو في الرداءة على ما ذكرت لك. وأكثرهم ينشد: «ليعصما»، وهو الوجه الجيد.
* * * «فيعصما»: الفاء استئنافية. يعصما: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة، وقد نصبه بدلا من رفعه، و «الألف» بلا طلاق.
وجملة «لنا هضبة»: ابتدائية لا محل لها.
وجملة «لا يزل الذل» في محل رفع صفة ل «هضبة».
وجملة «يأوي المستجير»: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
وجملة «يعصما»: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «فيعصما» حيث نصب بعد الفاء ما حقّه الرفع، وذلك للضرورة الشعريّة.(2/323)
هذا باب الواو [1]
اعلم أنّ الواو في الخبر بمنزلة الفاء، وكذلك كلّ موضع يعطف فيه ما بعدها على ما قبلها فيدخل فيما دخل فيه. وذلك قولك: «أنت تأتيني وتكرمني»، و «أنا أزورك، وأعطيك»، و «لم آتك وأكرمك»، و «هل يذهب زيد، ويجيء عمرو»؟ إذا استفهمت عنهما جميعا، وكذلك: «أين يذهب عمرو، وينطلق عبد الله»؟ و «لا تضربنّ زيدا، وتشتم عمرا» لأنّ النهي عنهما جميعا.
فإن جعلت الثاني جوابا، فليس له في جميع الكلام إلّا معنى واحد، وهو الجمع بين الشيئين. وذلك قولك: «لا تأكل السمك وتشرب اللبن». أي: لا يكون منك جمع بين هذين.
فإن نهاه عن كلّ واحد منهما على حال، قال: «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» لأنّه أراد: لا تأكل السمك على حال ولا تشرب اللبن على حال.
فتمثيله في الوجه الأوّل: لا يكن منك أكل للسمك، وأن تشرب اللبن.
وعلى هذا القول «لا يسعني شيء ويعجز عنك» لا معنى للرفع في «يعجز»، لأنّه ليس يخبر أنّ الأشياء كلّها لا تسعه، وأنّ الأشياء كلّها لا تعجز عنه كما قال [من الطويل]:
[106] لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
[1] انظر مبحث «الواو» في الأزهية ص 240231والجنى الداني ص 174153وحروف المعاني ص 3936ورصف المباني ص 441409وسرّ صناعة الإعراب 2/ 650573ومغني اللبيب ص 408390وجواهر الأدب ص 174163وموسوعة الحروف ص 522501.
[106] التخريج: البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص 404والأزهية ص 234(2/324)
أي: لا يجتمع أن تنهى وتأتي مثله. ولو جزم، كان المعنى فاسدا.
ولو قلت بالفاء: «لا يسعني شيء فيعجز عنك»، كان جيّدا لأنّ معناه: لا يسعني شيء إلّا لم يعجز عنك، ولا يسعني عاجزا عنك هذا تمثيل هذا كما قلت لك في «ما تأتيني فتحدّثني» أي: إلّا لم تحدثني، وما تأتيني محدّثا.
فمعنى الواو الجمع بين الشيئين. ونصبها على إضمار «أن» كما كان في الفاء.
وتنصب في كلّ موضع تنصب فيه الفاء ألا ترى أنّ قولك: «زرني وأزورك»، إنّما هو لتكن منك زيارة، وزيارة منّي.
وشرح التصريح 2/ 238وهمع الهوامع 2/ 13وللمتوكل اللّيثي في الأغاني 12/ 156 وحماسة البحتري ص 117والعقد الفريد 2/ 311والمؤتلف والمختلف ص 179 ولأبي الأسود أو للمتوكل في لسان العرب 7/ 447 (عظظ) ولأحدهما أو للأخطل في شرح شواهد الإيضاح ص 252ولأبي الأسود الدؤلي أو للأخطل أو للمتوكل الكناني في الدرر 4/ 86 والمقاصد النحويّة 4/ 393ولأحد هؤلاء أو للمتوكل الليثي أو للطرماح أو للسابق البربري في خزانة الأدب 8/ 567564وللأخطل في الرد على النحاة ص 127وشرح المفصل 7/ 24والكتاب 3/ 42 ولحسان بن ثابت في شرح أبيات سيبويه 2/ 188وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 294وأمالي ابن الحاجب 2/ 864وأوضح المسالك 4/ 181وجواهر الأدب ص 168والجنى الداني ص 157 ورصف المباني ص 424وشرح الأشموني 3/ 566وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 535وشرح ابن عقيل ص 573وشرح عمدة الحافظ ص 342وشرح قطر الندى ص 77ولسان العرب 15/ 489 (وا) ومغني اللبيب 2/ 361.
اللغة والمعنى: احذر أن تنهى عن عمل شائن وتأتي مثله، وإلّا لزمك العار الكبير.
الإعراب: لا: ناهية. تنه: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة، والفاعل: أنت. عن خلق: جار ومجرور متعلّقان ب «تنه». وتأتي: الواو: للمعيّة، تأتي: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد واو المعيّة، والفاعل: أنت، والمصدر المؤوّل من «أن تأتي» معطوف على مصدر منتزع مما قبله. مثله: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف، والهاء: في محلّ جرّ بالإضافة، عار: خبر لمبتدأ محذوف تقديره ذلك عار.
عليك: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت ل «عار». إذا: ظرف يتضمّن معنى الشرط. فعلت: فعل ماض. والتاء: فاعل. عظيم: نعت ل «عار» مرفوع. وجواب «إذا» محذوف تقديره: «إذا فعلت ذلك فإنّه عار عظيم عليك».
وجملة «لا تنه» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة، أو ابتدائية. وجملة «ذلك عار عليك» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها تعليليّة، أو تفسيرية. وجملة «فعلت» الفعليّة: في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: «وتأتي» حيث جاءت الواو دالّة على المعيّة، ونصب الفعل المضارع بعدها ب «أن» مضمرة. ولا يجوز أن نسمّي ما بعدها مفعولا معه لأنّه فعل، وليس باسم.(2/325)
ولو أراد الأمر في الثاني، لقال: «زرني ولأزرك». حتّى يكون الأمر جاريا عليهما.
والنحويّون ينشدون هذا البيت على ضربين، وهو قول الشاعر [من الطويل]:
لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم [1]
فيرفع «يسأم» لأنّه عطفه على فعل وهو «تقضّى»، فلا يكون إلّا رفعا.
ومن قال: «تقضّي لبانات»، قال: «ويسأم سائم» لأنّ «تقضّي» اسم، فلم يجز أن تعطف عليه فعلا. فأضمر «أن» ليجري المصدر على المصدر، فصار: «تقضّي لبانات وأن يسأم سائم»: أي وسآمة سائم. وعلى هذا ينشد هذا البيت [من الوافر]:
[107] للبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف
أي: وأن تقرّ عيني.
[1] تقدّم بالرقم 5.
[107] التخريج: البيت لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب 8/ 503، 504والدرر 4/ 90وسرّ صناعة الإعراب 1/ 273وشرح التصريح 2/ 244وشرح شواهد الإيضاح ص 250وشرح شواهد المغني 2/ 653ولسان العرب 13/ 408 (مسن) والمحتسب 1/ 326ومغني اللبيب 1/ 267 والمقاصد النحوية 4/ 397وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 277وأوضح المسالك 4/ 192والجنى الداني ص 157وخزانة الأدب 8/ 523والرد على النحاة ص 128ورصف المباني ص 423وشرح الأشموني 3/ 571وشرح ابن عقيل ص 576وشرح عمدة الحافظ ص 344وشرح قطر الندى ص 65 وشرح المفصل 7/ 25والصاحبي في فقه اللغة ص 112، 118والكتاب 3/ 45.
اللغة: العباءة: الرداء الواسع. تقرّ عيني: تطمئنّ، أو يرتاح بالي. الشفوف: الثوب الرقيق الناعم.
المعنى: إنّ لبس العباءة مع راحة البال أحبّ إليها من لبس الثياب الناعمة التي تلبسها المتحضّرات، وفي قلبها فراغ.
الإعراب: للبس: اللام: لام الابتداء، لبس: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عباءة: مضاف إليه مجرور.
وتقرّ: الواو: حرف عطف، تقرّ: فعل مضارع منصوب ب «أن مضمرة»، والمصدر المؤوّل من «أن تقرّ» معطوف على «لبس» في محل رفع. عيني: فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء، ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. أحبّ: خبر المبتدأ مرفوع. إليّ: جار ومجرور متعلّقان ب «أحب».
من لبس: جار ومجرور متعلّقان ب «أحبّ»، وهو مضاف. الشفوف: مضاف إليه.
وجملة «لبس عباءة» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية.
والشاهد فيه قولها: «وتقرّ» حيث نصب الفعل المضارع ب «أن» مضمرة بعد الواو التي بمعنى «مع».(2/326)
فأمّا قوله [من الوافر]:
[108] ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودّة والإخاء
فإنّه أراد: ألم يجتمع كون هذا منكم، وكون هذا منّي؟!
ولو أراد الإفراد فيهما لم يكن إلّا مجزوما. كأنّه قال: ألم يكن بيني وبينكم.
والآية تقرأ على وجهين {وَلَمََّا يَعْلَمِ اللََّهُ الَّذِينَ جََاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصََّابِرِينَ} (1)
على ما ذكرت لك.
[108] التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 54والدرر 4/ 88والردّ على النحاة ص 128 وشرح أبيات سيبويه 2/ 73وشرح شواهد المغني ص 950وشرح ابن عقيل ص 574والكتاب 3/ 43 ومغني اللبيب ص 669والمقاصد النحويّة 4/ 417وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 168وشرح الأشموني 3/ 567ورصف المباني ص 47وشرح قطر الندى ص 76وهمع الهوامع 2/ 13.
المعنى: يقول الشاعر معاتبا قوم الزبرقان: ألم أكن في جواركم، وكان بيني وبينكم مودّة وأخوّة؟
الإعراب: ألم: الهمزة: للاستفهام، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أك: فعل مضارع ناقص مجزوم بالسكون على النون المحذوفة للتخفيف، واسمها ضمير مستتر تقديره: «أنا». جاركم: خبر «أك» منصوب، وهو مضاف، و «كم»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. ويكون: الواو: للمعيّة، يكون: فعل مضارع ناقص منصوب ب «أن» مضمرة، والمصدر المؤوّل من «أن يكون» معطوف على مصدر منتزع مما قبله. بيني:
ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر «كان» وهو مضاف، والياء: في محلّ جرّ بالإضافة. وبينكم:
الواو: حرف عطف. بينكم: ظرف معطوف على «بيني» وهو مضاف، و «كم» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
المودّة: اسم «يكون» مرفوع. والإخاء: الواو: حرف عطف. الإخاء: معطوف على المودّة مرفوع.
وجملة «لم أك» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية.
والشاهد فيه قوله: «ويكون» حيث نصب الفعل المضارع بتقدير «أن» لوقوع الفعل بعد واو المصاحبة الواقعة بعد الاستفهام.
__________
(1) آل عمران: 142.(2/327)
هذا باب «أو» (1)
وهي تكون للعطف فتجري ما بعدها على ما قبلها كما كان ذلك في الاسم إذا قلنا «ضربت زيدا أو عمرا».
ويكون مضمرا بعدها «أن» إذا كان المعنى: إلّا أن يكون، وحتّى يكون، وذلك قولك: «أنت تضرب زيدا، أو تكرم عمرا» على العطف. وقال الله عزّ وجلّ: {سَتُدْعَوْنَ إِلى ََ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقََاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (2) أي: يكون هذا، أو يكون هذا.
فأمّا الموضع الذي تنصب فيه بإضمار «أن»، فقولك: «لألزمنّك أو تقضيني» أي: إلّا أن تقضيني، وحتّى تقضيني.
وفي مصحف أبيّ {تُقََاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} على معنى: إلّا أن يسلموا، وحتّى يسلموا.
وقال امرؤ القيس [من الطويل]:
[109] فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
__________
(1) انظر مبحث «أو» في الأزهية ص 121111والجنى الداني ص 232227وحروف المعاني ص 13ورصف المباني ص 134131ومغني اللبيب 1/ 7164وجواهر الأدب ص 217211وموسوعة الحروف ص 178173.
(2) الفتح: 16.
[109] التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 66والأزهية ص 122وخزانة الأدب 4/ 212، 8/ 544، 547وشرح أبيات سيبويه 2/ 59وشرح المفصّل 7/ 22، 33والصاحبي في فقه اللغة ص 128والكتاب 3/ 47واللامات ص 68وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 313والجنى الداني ص 231والخصائص 1/ 263ورصف المباني ص 133وشرح عمدة الحافظ ص 644واللمع ص 211.
المعنى: يخاطب الشاعر عمرو بن قميئة حين استصحبه في مسيره إلى قيصر الروم ليساعده على بني أسد، فقال له: لا تبك إنّما نحاول طلب الملك، وإلا أن نموت فيعذرنا الناس.
الإعراب: فقلت: الفاء: بحسب ما قبلها، «قلت»: فعل ماض، والتاء: ضمير متّصل في محلّ رفع(2/328)
أي: إلّا أن نموت.
وقال زياد الأعجم [من الوافر]:
[110] وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما
ويقال: «أتجلس أو تقوم يا فتى»؟ فالمعنى: أيكون منك واحد من الأمرين؟
وتقول: «هل تكلّمنا أو تنبسط إلينا». لا معنى للنصب هاهنا. قال الله عزّ وجلّ:
فاعل. له: جار ومجرور متعلقان ب «قال». لا: ناهية. تبك: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة.
عينك: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. إنّما: حرف مشبّه بالفعل بطل عمله لدخول «ما» عليه. نحاول: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:
«نحن». ملكا: مفعول به منصوب. أو: ناصبة ب «أن» مضمرة. نموت: فعل مضارع منصوب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «نحن». فنعذرا: الفاء: حرف عطف، «نعذرا»: فعل مضارع للمجهول منصوب، والألف: للإطلاق، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «نحن»، والمصدر المؤول من (أن) المقدرة، والفعل (نموت) معطوف على (ملكا).
وجملة «قلت»: بحسب ما قبلها. وجملة «لا تبك»: في محلّ نصب مقول القول. وجملة «نحاول ملكا»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نموت»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
وجملة «نعذرا»: معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: «نموت» حيث نصبه بإضمار «أن» بعد (أو) لأنها بمعنى حتى نموت، أو إلى أن نمرت.
[110] التخريج: البيت لزياد الأعجم في ديوانه ص 101والأزهية ص 122وشرح أبيات سيبويه 2/ 169وشرح التصريح 2/ 237وشرح شواهد الإيضاح ص 254وشرح شواهد المغني 1/ 205 والكتاب 3/ 48ولسان العرب 5/ 389 (غمز) والمقاصد النحويّة 4/ 385وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 172وشرح الأشموني 3/ 558وشرح ابن عقيل ص 569وشرح قطر الندى ص 70وشرح المفصّل 5/ 15ومغني اللبيب 1/ 66والمقرب 1/ 263.
اللغة والمعنى: غمز القناة: عضّها وعصرها وجسّها. القناة: عصا الرمح. الكعوب: ج الكعب، وهو العقدة بين الأنبوبتين من القصب أو الرمح.
يقول: إذا لم تنفع الملاينة مع قوم، خاشنّاهم إلى أن يستقيم اعوجاجهم. وجاء في لسان العرب أنّ الشاعر هجا قوما زعم أنّه أثارهم بالهجاء وأهلكهم إلّا أن يتركوا سبّه وهجاءه. وقيل: إذا اشتدّ عليّ جانب قوم رمت تليينه أو يستقيم.
الإعراب: وكنت: الواو: بحسب ما قبلها، أو استئنافية. كنت: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محلّ رفع اسم «كان». إذا: ظرف يتضمّن معنى الشرط. غمزت: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. قناة: مفعول به منصوب، وهو مضاف. قوم: مضاف إليه مجرور. كسرت: فعل ماض، والتاء:(2/329)
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} (1).
فجملة هذا: أنّ كلّ موضع تصلح فيه «حتّى»، و «إلّا أن» فالنصب فيه جائز جيّد إذا أردت هذا المعنى، والعطف على ما قبله مستعمل في كلّ موضع.
* * * ضمير في محلّ رفع فاعل. كعوبها: مفعول به منصوب وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
أو: حرف عطف بمعنى «إلّا» ينصب ب «أن» مضمرة. تستقيما: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، والألف: للإطلاق. والفاعل: هي، والمصدر المؤول من «أن تستقيم» معطوف على مصدر منتزع مما قبله، تقديره: ليكن كسر أو استقامة.
وجملة «كنت» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية، أو معطوفة على جملة سابقة.
وجملة «غمزت قناة قوم» الفعليّة: في محل جرّ بالإضافة. وجملة «كسرت كعوبها»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة «إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها» جملة الشرط وجوابه:
في محلّ نصب خبر «كان».
والشاهد فيه قوله: «أو تستقيما» حيث نصب الفعل المضارع ب «أن» مضمرة وجوبا بعد «أو» التي بمعنى «إلّا».
__________
(1) الشعراء: 7372.(2/330)
هذا باب «أن» (1)
اعلم أنّ «أن» والفعل بمنزلة المصدر. وهي تقع على الأفعال المضارعة فتنصبها، وهي صلاتها. ولا تقع مع الفعل حالا لأنّها لما لا يقع في الحال، ولكن لما يستقبل.
فإن وقعت على الماضي نحو: «سرّني أن قمت»، و «ساءني أن خرجت» كان جيّدا. قال الله عزّ وجلّ: {وَامْرَأَةً: مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} (2): أي: لأن كان هذا فيما مضى.
فهذا كلّه لا يلحق الحال لأنّ الحال لما أنت فيه.
واعلم أنّ هذه لا تلحق بعد كلّ فعل، إنّما تلحق إذا كانت لما لم يقع بعد ما يكون توقّعا لا يقينا لأنّ اليقين ثابت. وذلك قولك: «أرجو أن تقوم يا فتى»، و «أخاف أن تذهب يا فتى». كما قال عزّ وجلّ: {نَخْشى ََ أَنْ تُصِيبَنََا دََائِرَةٌ} (3).
ولو قلت: «أعلم أن تقوم يا فتى»، لم يجز لأنّ هذا شيء ثابت في علمك، فهذا من مواضع «أنّ» الثّقيلة نحو: «أعلم أنّك تقوم يا فتى».
وتقول: «أظنّ أنّك ستقوم» لأنّه شيء قد استقرّ في ظنّك كما استقرّ الآخر في
__________
(1) انظر مبحث «أن» في الأزهية ص 7459والجنى الداني ص 227215وحروف المعاني ص 5958ورصف المباني ص 118111ومغنى اللبيب 1/ 3524وجواهر الأدب ص 199190وموسوعة الحروف ص 170157.
(2) الأحزاب: 50.
(3) المائدة: 52.(2/331)
علمك، كما قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلََاقُوا رَبِّهِمْ} (1).
فإن قيل: إنّ «يظنّون» هاهنا «يوقنون». فهكذا هو، ولكنّها في الثبات في الظنّ وفي إعمالها على الوجه الآخر. إلّا أنّها إذا أريد بها العلم، لم تكن إلّا مثقّلة. فإن أريد بها الشكّ، جاز الأمران جميعا. والتثقيل في الشكّ أكثر استعمالا لثباته في الظنّ كثبات الأخرى في العلم.
فأما الوجه الذي يجوز فيه الخفيفة، فإنّه متوقّع غير ثابت المعرفة. قال الله عزّ وجلّ:
{تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ} (2).
وأمّا {إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (3) وقولهم: معناه: أيقنا فإنّما هو شيء متوقّع، الأغلب فيه ذا، إلّا أنّه علم ثابت ألّا تراه قال: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوََاقِعُوهََا} (4) لمّا كان أيقنوا.
* * * واعلم أنّ «لا» إذا دخلت على «أن»، جاز أن تريد ب «أن» الثقيلة، وأن تريد الخفيفة.
فإن أردت الثقيلة، رفعت ما بعدها لأنّه لا يحذف منها التثقيل إلّا مع الإضمار. وهذا يبيّن لك في باب «إنّ وأنّ». وإنّما تقع الخفيفة والثقيلة على ما قبلها من الأفعال، لا يجوز الإضمار إلّا أن تأتي بعوض.
والعوض: «لا»، أو «السين»، أو «سوف»، أو نحو ذلك ممّا يلحق الأفعال.
فأمّا «لا» وحدها، فإنّه يجوز أن تريد ب «أن» التي قبلها الخفيفة، وتنصب ما بعدها لأنّ «لا» لا تفصل بين العامل والمعمول فيه [5]، تقول: «مررت برجل لا قائم ولا قاعد» كما تقول: «مررت برجل قائم وقاعد». وذلك قولك: «أخاف ألّا تذهب يا فتى»، و «أظنّ ألّا تقوم يا فتى» كما قال: {إِلََّا أَنْ يَخََافََا أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (6).
وفي «ظننت» وبابها تكون الخفيفة والثقيلة كما وصفت لك. قال الله عزّ وجلّ:
{وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (7) و «أن لا تكون»، فالرفع على: «أنّها لا تكون فتنة».
__________
(1) البقرة: 46.
(2) القيامة: 25.
(3) البقرة: 230.
(4) الكهف: 53.
[5] أي: لا تمنع ما قبلها من أن يعمل فيما بعدها.
(6) البقرة: 229.
(7) المائدة: 71.(2/332)
وكذلك: {أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (1): أي: أنّه لا يرجع إليهم قولا. «لا يرون» في معنى «يعلمون»، فهو واقع ثابت.
فأمّا «السين» و «سوف»، فلا يكون قبلهما إلّا المثقّلة. تقول: «علمت أن سيقومون»، و «ظننت أن سيذهبون»، و «أن سوف تقومون» كما قال: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} (2). ولا يجوز أن تلغى من العمل كما وصفت لك.
ولا يجوز ذلك في «السين» و «سوف» لأنّهما لا يلحقان على معنى «لا»، فإنّما الكلام بعد «لا» على قدر الفصل. قال: {لِئَلََّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتََابِ أَلََّا يَقْدِرُونَ} (3).
ف «يعلم» منصوبة، ولا يكون إلّا ذلك لأنّ «لا» زائدة. وإنّما هو: «لأن يعلم». وقوله:
{أَلََّا يَقْدِرُونَ} إنّما هو: أنّهم لا يقدرون، وهي في بعض المصاحف «أنّهم لا يقدرون».
__________
(1) طه: 89.
(2) المزمل: 20.
(3) الحديد: 29.(2/333)
هذا باب الفعل بعد (أن) وانقطاع الآخر من الأوّل
اعلم أنّك إذا أردت بالثاني ما أردت بالأوّل من الإجراء على الحرف، لم يكن إلّا منسوقا عليه. تقول: «أريد أن تقوم فتضرب زيدا»، و «أريد أن تأتيني وتكرمني»، و «أريد أن تجلس ثمّ تتحدّث يا فتى».
فإن كان الثاني خارجا عن معنى الأوّل، كان مقطوعا مستأنفا، وذلك قولك: «أريد أن تأتيني فتقعد عنّي»؟ و «أريد أن تكرم زيدا فتهينه»؟! فالمعنى: أنّه لم يرد الإهانة. إنّما أراد الإكرام. فكأنّه في التمثيل: أريد أن تكرم زيدا فإذا أنت تهينه، وأريد أن تأتيني فإذا أنت تقعد عنّي، كما قال [من الرجز]:
[111] والشّعر لا يضبطه من يظلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه
[111] التخريج: الرجز للحطيئة في ديوانه ص 239والأزهية ص 242والدرر 6/ 86ولرؤبة في ملحق ديوانه ص 186والكتاب 3/ 53وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 149وهمع الهوامع 2/ 131 ولسان العرب 7/ 136 (حضض).
اللغة: ارتقى: صعد. الحضيض: قرار الأرض عند سفح الجبل. زلّت: سقطت. الإعراب:
الوضوح والاعجام: عدم الإفصاح.
المعنى: من يريد أن يكون شاعرا مفلّقا فعليه الجدّ والاجتهاد والدّربة، فطريقه صعبة، والصعود فيه إلى عالم الشهرة طويل، فمن فعل بلا تمكّن سقط إلى أسفل، واحتقره الناس، لأنّه كمن أراد الشرح فأبهم.
الإعراب: والشعر: الواو: بحسب ما قبلها، الشعر: مبتدأ مرفوع بالضمّة. لا: حرف نفي لا محلّ له. يضبطه: فعل مضارع مرفوع، والهاء: ضمير في محل نصب مفعول به. من: اسم موصول في محلّ رفع(2/334)
أي: فإذا هو يعجمه. أي: فإذا هو هذه حاله. فعلى هذا يجري في هذا الباب.
ولو قال قائل: «أريد أن تأتيني وأنت تكرمني»، أي: «أريد أن تأتيني وهذه حالك»، لجاز.
وتقول: «أريد أن تتكلّم بخير أو تسكت يا فتى». فالنصب على وجهين:
أحدهما: أريد ذا أو ذا.
والوجه الآخر: أن يكون حتّى تسكت، كما تقول: «لأجلسنّ معك أو تنصرف يا فتى»، على قولك: حتّى تنصرف.
فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَمََا كََانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللََّهُ إِلََّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرََاءِ حِجََابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (1)، فإنّ النحويّين يزعمون أنّ الكلام ليس محمولا على أن يكلّمه الله، ولو كان «يرسل» محمولا على ذلك، لبطل المعنى لأنّه كان يكون: ما كان لبشر أن يكلّمه الله أو يرسل، أي: ما كان لبشر أن يرسل الله إليه رسولا. فهذا لا يكون. ولكنّ المعنى والله
فاعل. يظلمه: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو)، والهاء: ضمير في محلّ نصب مفعول به. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمّن معنى الشرط متعلق بجوابه. ارتقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. فيه: جار ومجرور متعلّقان ب (ارتقى). الذي: اسم موصول في محلّ رفع فاعل ل (ارتقى). لا يعلمه: «لا»: حرف نفي، «يعلمه»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو)، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. زلّت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث.
به: جار ومجرور متعلّقان ب (زلت). إلى الحضيض: جار ومجرور متعلّقان ب (زلت). قدمه: فاعل (زلت) مرفوع بالضمّة، والهاء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). أن يعربه: «أن»: حرف مصدرية ونصب، «يعربه»: فعل مضارع منصوب بالفتحة، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو)، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يعربه) مفعول به. فيعجمه: الفاء: للاستئناف، «يعجمه»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو).
وجملة «الشعر لا يضبطه»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا يضبطه»: في محلّ رفع خبر للمبتدأ.
وجملة «ارتقى»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «لا يعلمه»: صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «زلّت»:
جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «يريد»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «يعربه»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «فيعجمه»: في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف، بتقدير (فهو يعجمه)، وجملة «فهو يعجمه»: استئنافية لا محل لها. وجملة «إذا ارتقى زلت»: خبر ثان للمبتدأ (الشعر) محلها الرفع.
والشاهد فيه قوله: «فيعجمه» حيث ارتفع الفعل المضارع، ولم ينتصب على العطف.
__________
(1) الشورى: 51.(2/335)
أعلم ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا وحيا، أي: إلّا أن يوحي، أو يرسل، فهو محمول على قوله: «وحيا»، أي: إلّا وحيا، أو إرسالا.
وأهل المدينة يقرؤون {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} يريدون: أو هو يرسل رسولا، أي: فهذا كلامه إيّاهم على ما يؤدّيه الوحي والرسول.
وأمّا قوله {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحََامِ} (1)، على [2] ما قبله، وتمثيله: ونحن نقرّ في الأرحام ما نشاء.
وأمّا قوله {وَلََا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلََائِكَةَ} (3) فيقرأ رفعا ونصبا.
فأمّا النصب فعلى قوله {مََا كََانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللََّهُ الْكِتََابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنََّاسِ} (4) أي: ما كان له أن يقول للناس. ولا أن يأمركم أن تتّخذوا الملائكة.
ومن قرأ «يأمركم»، فإنّما أراد: ولا يأمركم الله، وقطعه من الأوّل.
فالمعنيان جميعا جيّدان يرجعان إلى شيء واحد إذا حصّلا.
ولو قال قائل: «أريد أن تأتيني ثمّ تحسن إليّ»، لكان معناه: أريد إتيانك ثمّ قد استقرّ عندي أنّك تحسن إليّ. أي فهذا منك معلوم عندي. والتقدير في العربية: أريد أن تأتيني ثمّ أنت تحسن إليّ.
* * * وتقول: «أمرته أن يقوم يا فتى». فالمعنى: أمرته بأن يقوم، إلّا أنّك حذفت حرف الخفض. وحذفه مع «أن» جيّد.
وإن كان المصدر على وجهه، جاز الحذف، ولم يكن كحسنه مع «أن» لأنّها وصلتها اسم. فقد صار الحرف والفعل والفاعل اسما. وإن اتّصل به شيء، صار معه في الصلة. فإذا طال الكلام، احتمل الحذف.
فأمّا المصدر غير «أن»، فنحو: «أمرتك الخير يا فتى» كما قال الشاعر [من البسيط]:
[112] أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
__________
(1) الحج: 5.
[2] الصواب: فعلى.
(3) آل عمران: 80.
(4) آل عمران: 79.
[112] التخريج: البيت لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص 63وخزانة الأدب 9/ 124والدرر 5/ 186وشرح شواهد المغني ص 727والكتاب 1/ 37ومغني اللبيب ص 315ولخفاف بن ندبة في(2/336)
فهذا يصلح على المجاز. وأمّا «أن» فالأحسن فيها الحذف كما قال الله عزّ وجلّ:
{وَقَضى ََ رَبُّكَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ} (1) ومعنى «قضى» هاهنا: «أمر».
وأمّا قوله: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ} (2)، فإنّما حمل الفعل على المصدر، فالمعنى والله أعلم: أوقع إلى هذا الأمر لذا.
وهذه اللام تدخل على المفعول، فلا تغيّر معناه لأنّها لام إضافة، والفعل معها يجري مجرى مصدره كما يجري المصدر مجراه في الرفع والنصب لما بعده لأنّ المصدر اسم الفعل. قال الله عزّ وجلّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيََا تَعْبُرُونَ} (3).
وقال بعض المفسّرين في قوله: {قُلْ عَسى ََ أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} (4) معناه: ردفكم.
وتقول: «لزيد ضربت»، و «لعمرو أكرمت» إذا قدّمت المفعول لتشغل اللام ما
ديوانه ص 126وللعباس بن مرداس في ديوانه ص 131ولأعشى طرود في المؤتلف والمختلف ص 17 وهو لأحد الأربعة السابقين أو لزرعة بن السائب في خزانة الأدب 1/ 339، 342، 343ولخفاف بن ندبة أو للعباس بن مرداس في شرح أبيات سيبويه 1/ 250وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 16، 8/ 251 وشرح المفصّل 8/ 50وكتاب اللامات ص 139والمحتسب 1/ 51، 272.
اللغة والمعنى: النشب: المال الأصيل من نقود وماشية.
يقول الشاعر لأحد أنسبائه: كن كريما، وافعل ما أمرت به، لأنني تركت لك الكثير من الأموال والماشية. وأغلب الظنّ أنّ هذا الكلام وجّهه الشاعر إلى بنيه.
الإعراب: أمرتك: فعل ماض، والتاء: فاعل، والكاف: في محلّ نصب مفعول به أول. الخير:
مفعول به ثان. فافعل: الفاء: الفصيحة، افعل: فعل أمر، والفاعل: أنت. ما: اسم موصول في محلّ نصب مفعول به ل «افعل». أمرت: فعل ماض للمجهول، والتاء: نائب فاعل. به: جار ومجرور متعلّقان ب «أمر».
فقد: الفاء: حرف عطف أو تعليل، قد: حرف تحقيق. تركتك: فعل ماض، والتاء: فاعل، والكاف: في محلّ نصب مفعول به أوّل. ذا: مفعول به ثان منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف. مال:
مضاف إليه مجرور. وذا: الواو: حرف عطف، ذا: معطوف على «ذا» السابقة منصوب بالألف مثلها، وهو مضاف. نشب: مضاف إليه.
وجملة (أمرتك الخير) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة (افعل) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية. وجملة (أمرت به) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. وجملة (قد تركتك) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها تعليليّة.
والشاهد فيه قوله: «أمرتك الخير» حيث حذف الجارّ، والأصل: أمرتك بالخير.
__________
(1) الإسراء: 23.
(2) الزمر: 12.
(3) يوسف: 43.
(4) النمل: 72.(2/337)
وقعت عليه. فإن أخّرته فالأحسن ألّا تدخلها، إلّا أن يكون المعنى ما قال المفسّرون، فيكون حسنا، وحذفه أحسن لأنّ جميع القرآن عليه.
* * *
هذا باب (حتّى) (1)(2/338)
* * *
هذا باب (حتّى) (1)
اعلم أنّ الفعل ينصب بعدها بإضمار «أن» وذلك لأنّ «حتّى» من عوامل الأسماء الخافضة لها. تقول: «ضربت القوم حتّى زيد»، و «دخلت البلاد حتّى الكوفة»، و «أكلت السمكة حتّى رأسها» أي: لم أبق منها شيئا. فعملها الخفض. وتدخل الثاني فيما دخل فيه الأوّل من المعنى لأنّ معناها إذا خفضت كمعناها إذا نسق بها فلذلك خالفت «إلى». قال الله عزّ وجلّ: {سَلََامٌ هِيَ حَتََّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (2).
فإذا وقعت عوامل الأسماء على الأفعال، لم يستقم وصلها بها إلّا على إضمار «أن» لأنّ «أن» والفعل اسم مصدر، فتكون واقعة على الأسماء. وذلك قولك: «أنا أسير حتّى تمنعني»، و «أنا أقف حتّى تطلع الشمس». فإذا نصبت بها على ما وصفت لك، كان ذلك على أحد معنيين: على «كي»، وعلى «إلى أن» لأنّ «حتّى» بمنزلة «إلى».
فأما التي بمعنى «إلى أن» فقولك: «أنا أسير حتّى تطلع الشمس»، و «أنا أنام حتّى يسمع الأذان».
وأما الوجه الذي تكون فيه بمنزلة «كي» فقولك: «أطع الله حتّى يدخلك الجنّة»، و «أنا أكلّم زيدا حتّى يأمر لي بشيء».
فكلّ ما اعتوره واحد من هذين المعنيين، فالنصب له لازم على ما ذكرت لك.
__________
(1) انظر مبحث «حتى» في الأزهية ص 216214والجنى الداني ص 558542وحروف المعاني ص 64ورصف المباني ص 185180ومغني اللبيب 1/ 139129وجواهر الأدب ص 409404وموسوعة الحروف ص 246240.
(2) القدر: 5.(2/339)
واعلم أنّ «حتّى» يرتفع الفعل بعدها. وهي «حتّى» التي تقع في الاسم ناسقة، نحو:
«ضربت القوم حتّى زيدا ضربته» و «مررت بالقوم حتّى زيد مررت به»، و «جاءني القوم حتّى زيد جاءني». وقد مضى تفسير هذا في باب الأسماء.
فالتي تنسق ثمّ تنسق هاهنا كما كان ذلك في «الواو»، و «الفاء»، و «ثمّ»، وجميع حروف العطف.
فالرفع يقع بعدها على وجهين يرجعان إلى وجه واحد وإن اختلف موضعاهما:
وذلك قولك: «سرت حتّى أدخلها»، أي: «كان مني سير فدخول». فأنت تخبر أنّك في حال دخول اتّصل به سيرك كما قال الشاعر [من الطويل]:
[113] [ترادى على دمن الحياض فإن تعف] ... فإنّ المندّى رحلة فركوب
فليس في هذا معنى «كي»، ولا «إلى أن»، إنّما خبّرت بأنّ هذا كذا وقع منك.
[113] التخريج: البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص 42وسمط اللآلي ص 254وشرح أبيات سيبويه 2/ 71وشرح اختيارات المفضل ص 1589وشرح المفصل 6/ 54ولسان العرب 1/ 434 (ركب)، 13/ 158 (دمن)، 15/ 318 (ندى) وبلا نسبة في الخصائص 1/ 368وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 726ولسان العرب 11/ 280 (رحل).
اللغة: ترادى: تراود، أي: يعرض عليها الماء مرة بعد مرة. الدّمن: جمع دمنة، وهي البعر والتراب والقذى، والسرجين، ويسمّى الماء المملوء بهذه الأشياء دمنة أيضا. تعف: أي تأبى نفسها أن تشرب من هذا الماء. المندّى: أن ترعى الإبل قليلا حول الماء، ثم ترد ثانية للشرب.
المعنى: يصف المشقة ومواصلته المسير في رحلته، فهو يعرض على إبله الماء الآسن مرة تلو أخرى، فإن أنفت الشرب منه، فليس له إلا مواصلة السير بدلا من التندية.
الإعراب: «ترادى»: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل مستتر جوازا، تقديره (هي). «على دمن»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (ترادى). «الحياض»:
مضاف إليه. «فإن»: الفاء: حرف استئناف، «إن»: حرف شرط جازم. «تعف»: فعل مضارع مجزوم، فاعله مستتر تقديره (هي). «فإنّ»: الفاء: رابطة لجواب الشرط، «إنّ»: حرف مشبّه بالفعل. «المندّى»: اسم «إنّ» منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. «رحلة»: خبر (إنّ). «فركوب»: الفاء: حرف عطف، «ركوب»: اسم معطوف على (رحلة).
وجملة «ترادى»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «إن تعف فإن المندّى رحلة»: استئنافية لا محل لها.
وجملة «تعف»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «إن المندّى رحلة»: جواب شرط جازم مقترن بالفاء محلّها الجزم.
والشاهد فيه قوله: «فركوب»، فاتصال الرحلة بالركوب كاتصال الدخول بالسير في قولهم: سرت حتى أدخل.(2/340)
والوجه الآخر: أن يكون السبب متقدّما غير متّصل بما تخبر عنه، ثمّ يكون مؤدّيا إلى هذا، كقولك: «مرض حتّى لا يرجونه»، أي: هو الآن كذاك، فهو منقطع من الأول، ووجوده إنّما هو في الحال كما ذكرت لك فيما قبله.
فذلك قولي: يرجعان إلى شيء واحد. ومثل ذلك: «مرض حتّى يمرّ به الطائر فيرحمه». أي: هو الآن كذاك.
فمثل النصب قوله [من الطويل]:
[114] سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم ... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
أي: «إلى أن». ومثل الرفع تمام البيت، وهو: «حتّى الجياد».
[114] التخريج: البيت لامرى القيس في ديوانه ص 93والدرر 6/ 141وشرح أبيات سيبويه 2/ 420وشرح الأشموني 2/ 420وشرح شواهد الإيضاح ص 228، 255وشرح شواهد المغني 1/ 374وشرح المفصل 5/ 79والكتاب 3/ 27، 626ولسان العرب 15/ 284 (مطا) وبلا نسبة في أسرار العربية ص 267وجواهر الأدب ص 404ورصف المباني 5/ 181وشرح المفصل 8/ 19 ولسان العرب 15/ 124 (غزا) وهمع الهوامع 2/ 136.
اللغة: سريت: سرت ليلا. تكلّ: تتعب. المطي: الدواب الصالحة للركوب عليها. الجياد: جمع جواد وهو الحصان العتيق الكريم الأصل. الأرسان: جمع رسن وهو حبل يقاد الحصان به.
المعنى: بقيت أسير بهم كلّ الليل، حتى تعبت مطيّهم، وصارت جيادهم تمشي كما شاء لها فرسانها بدون أرسان، لشدّة تعبها.
الإعراب: سريت: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بهم:
جار ومجرور متعلّقان ب (سريت). حتى تكلّ: «حتى»: حرف غاية وابتداء، «تكلّ»: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، والمصدر المؤول من «أن تكلّ» في محل جرّ ب «حتى». مطيهم: فاعل مرفوع بالضمّة، و «هم»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وحتى: «الواو»: حرف عطف، و «حتى»: حرف ابتداء.
الجياد: مبتدأ مرفوع بالضمّة. ما يقدن: «ما»: حرف نفي، «يقدن»: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة و «النون»: ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. بأرسان: جار ومجرور متعلّقان ب (يقدن).
وجملة «سريت بهم»: في محلّ رفع خبر للمبتدأ (مجر) في البيت السابق. وجملة «الجياد ما يقدن»:
معطوفة على جملة «تكل». وجملة «ما يقدن»: في محلّ رفع خبر (الجياد).
والشاهد فيه قوله: «حتى تكلّ» حيث نصب ب «أن» مضمرة بعد (حتى)، و (حتى) لا تعطف إلا المفردات بشرط أن يكون ما بعدها جزءا ممّا قبلها، وهذا لا يصحّ في الجمل.(2/341)
ونظير الرفع في الأسماء قوله [من الطويل]:
[115] فيا عجبا حتّى كليب تسبّني ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع
أي: و «حتّى كليب» هذه حالها كما أنّ نظير النصب: «ضربت القوم حتّى زيد» في الأسماء لأنّ المعنى: ضربت القوم حتّى انتهيت إلى هذا الموضع.
* * * [115] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 419وخزانة الأدب 5/ 414، 9/ 475، 476، 478والدرر 4/ 112وشرح شواهد المغني 1/ 12، 378وشرح المفصل 8/ 18والكتاب 3/ 18 وبلا نسبة في رصف المباني ص 181وشرح المفصل 8/ 62وهمع الهوامع 2/ 24.
اللغة: كليب: قبيلة عربيّة. نهشل ومجاشع: جدّا قبيلتين عربيتين.
المعنى: يا للعجب، تصوّروا أن قبيلة كليب تشتمني وتهجوني، أتراها اعتقدت أن مكانتها عالية، وأنّها تنتمي إلى نهشل أو مجاشع؟!
الإعراب: فيا: الفاء: استئنافية، «يا»: حرف نداء وندبة وتفجّع. عجبا: مفعول مطلق، لفعل محذوف، منصوب بالفتحة، بتقدير (فيا نفس اعجبني عجبا). حتى كليب: «حتى»: حرف ابتداء، «كليب»:
مبتدأ مرفوع بالضمّة. تسبّني: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هي)، والنون:
للوقاية، والياء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. كأنّ: حرف مشبّه بالفعل. أباها: اسم (كأن) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستّة، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. نهشل: خبر (كأن) مرفوع بالضمّة. أو مجاشع: «أو»: حرف عطف، «مجاشع»: معطوف على (نهشل) مرفوع مثله بالضمّة.
وجملة «فيا نفسي»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «اعجبي عجبا». وجملة «كليب تسبّني»:
استئنافية لا محلّ لها أيضا. وجملة «تسبّني»: في محلّ رفع خبر (كليب). وجملة «كأن أباها نهشل»:
استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «حتى كليب» حيث جاءت (حتى) ابتدائية، وما بعدها جملة اسمية، استؤنف الكلام بها.(2/342)
هذا باب مسائل (حتّى) في البابين: النصب، والرفع
تقول: «سرت حتّى أدخلها، وتطلع الشمس». إذا أردت معنى «إلى أن» أدخلها.
فإن أردت وجه الرفع لم يجز في قولك: «حتّى تطلع الشمس»، لأنّ طلوع الشمس لم يؤدّه فعلك. والصواب أن تقول إذا أردت الرفع: «سرت حتّى أدخلها، وحتّى تطلع الشمس» لأنّ الدخول كان بعملك، وطلوع الشمس لا يكون بعملك. فالمعنى: سرت حتّى أنا في حال دخول، وكان ذلك السير إلى أن تطلع الشمس.
وتقول: «سرت حتّى تطلع الشمس وحتّى أدخلها»، وإن شئت «أدخلها».
ولو قلت: «ما سرت حتّى أدخلها»، لم يجز لأنّك لم تخبر بشيء يكون معه الدخول.
فإن قلت: أقول: «ما سرت حتّى أدخلها»: أي: ما سرت وأنا الساعة أدخلها. قيل:
ليس هذا معنى «حتّى» إنّما معناها أن يتّصل ما بعدها بما قبلها كما تقول: «أكلت السمكة حتّى رأسها». ف «الرأس» قد دخل في الأكل لأنّ معناها عاملة ومعناها عاطفة واحد وإن اختلف اللفظان.
وأما قوله عزّ وجلّ: {وَزُلْزِلُوا حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (1) فإنّها تقرأ بالنصب والرفع.
فالرفع على قوله فإذا الرسول في حال قول، والنصب على معنى إلى أن يقول الرسول.
ولو قلت: «كان سيري حتّى أدخلها» لم يجز إلّا النصب، لأنّ «حتّى» في موضع خبر. كأنّك قلت: كان سيري إلى هذا الفعل.
__________
(1) البقرة: 214.(2/343)
ولو قلت: «كان سيري سيرا متعبا حتّى أدخلها» جاز الرفع والنصب، لأنّ الخبر قولك: «سيرا متعبا».
وكذلك: «كان سيري أمس حتّى أدخلها». إن جعلت الخبر «حتّى» وما بعدها، لم يكن إلّا النصب، وإن جعلت الخبر في قولك: «أمس»، كان النصب والرفع على ما وصفت لك.
* * *
هذا باب الحروف التي تجزم الأفعال(2/344)
* * *
هذا باب الحروف التي تجزم الأفعال
وهي «لم» و «لمّا»، و «لا» في النهي، و «اللام» في الأمر، وحروف المجازاة وما اتّصل بها على معناها. وذلك قولك: «لم يقم عبد الله»، و «لم يذهب أخوك»، و «لا تذهب يا زيد»، و «لمّا يقم عبد الله»، و «ليقم زيد».
والدعاء يجري مجرى الأمر والنهي. وإنّما سمّي هذا أمرا ونهيا، وقيل للآخر طلب للمعنى، فأما اللفظ فواحد. وذلك قولك في الطلب: «اللهم اغفر لي»، و «لا يقطع الله يد زيد». و «ليغفر لخالد». فإنّما تقول: «سألت الله». ولا تقل: «أمرت الله». وكذلك لو قلت للخليفة: «انظر في أمري، أنصفني» لقلت: سألته، ولم تقل: أمرته.
فأمّا قولك: «اضرب واقتل»، فمبنيّ غير مجزوم لما قد تقدّم من شرحنا له، ومن أنّه ليس فيه حرف من حروف المضارعة التي يجب بها الإعراب.
فاللام في الأمر للغائب ولكلّ من كان غير مخاطب، نحو قول القائل: «قم ولأقم معك». فاللام جازمة لفعل المتكلّم.
ولو كانت للمخاطب، لكان جيّدا على الأصل، وإن كان في ذلك أكثر، لاستغنائهم بقولهم: «افعل» عن «لتفعل». وروي أنّ رسول الله قرأ: {فَبِذََلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (1) بالتاء.
__________
(1) يونس: 58.(2/345)
هذا باب المجازاة وحروفها
وهي تدخل للشرط. ومعنى الشرط: وقوع الشيء لوقوع غيره.
فمن عواملها من الظروف: «أين»، و «متى»، و «أنّى»، و «حيثما».
ومن الأسماء: «من»، و «ما»، و «أيّ»، و «مهما».
ومن الحروف التي جاءت لمعنى: «إن»، و «إذما».
وإنّما اشتركت فيها الحروف والظروف والأسماء لاشتمال هذا المعنى على جميعها.
فحرفها في الأصل «إن»، وهذه كلّها دواخل عليها لاجتماعها.
وكلّ باب فأصله شيء واحد، ثمّ تدخل عليه دواخل لاجتماعها في المعنى. وسنذكر «إن» كيف صارت أحقّ بالجزاء؟ كما أنّ الألف أحقّ بالاستفهام، و «إلّا» أحقّ بالاستثناء، و «الواو» أحقّ بالعطف مفسّرا إن شاء الله في هذا الباب الذي نحن فيه.
فأمّا «إن» (1) فقولك: «إن تأتني آتك»، وجب الإتيان الثاني بالأول، و «إن تكرمني أكرمك»، و «إن تطع الله يغفر لك»، كقوله عزّ وجلّ: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (2)، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (3)، {وَإِنْ تُطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ لََا يَلِتْكُمْ} (4).
__________
(1) انظر مبحث «إن» في الأزهيّة ص 5845والجنى الداني ص 215207وحروف المعاني ص 5857ورصف المباني ص 111104وجواهر الأدب ص 210200ومغني اللبيب 1/ 2417وموسوعة الحروف ص 150141.
(2) الأنفال: 38.
(3) محمد: 38.
(4) الحجرات: 14.(2/346)
والمجازاة ب «إذما» قولك: «إذما تأتني آتك» كما قال الشاعر [من الكامل]:
[116] إذ ما أتيت على الرسول فقل له ... حقّا عليك إذا اطمأنّ المجلس
ولا يكون الجزاء في «إذ» ولا في «حيث» بغير «ما» لأنّهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا زدت على كلّ واحد منهما «ما» منعتا الإضافة، فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من هذا الشرح إن شاء الله.
وأمّا المجازاة ب «من» فقوله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللََّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (1)، وقوله:
{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلََا يَخََافُ بَخْساً وَلََا رَهَقاً} (2).
وب «ما» قوله: {مََا يَفْتَحِ اللََّهُ لِلنََّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلََا مُمْسِكَ لَهََا} (3).
[116] التخريج: البيت للعباس بن مرداس في ديوانه ص 72وخزانة الأدب 9/ 29وشرح أبيات سيبويه 2/ 93وشرح المفصل 4/ 97، 7/ 46والكتاب 3/ 57ولسان العرب 3/ 476 (أذذ) وبلا نسبة في الخصائص 1/ 131ورصف المباني ص 60.
اللغة: اطمأنّ المجلس: انعقد.
المعنى: إذا قدمت للرسول عندما ينعقد شمل المجلس، ووقفت بين يديه، فقل له ما هو الحقّ عليك ولا تخف شيئا.
الإعراب: إذما: حرف شرط جازم. ما: زائدة. أتيت: فعل ماض مبني على السكون، و «التاء»:
ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، والفعل في محل جزم. على الرسول: جار ومجرور متعلقان ب (أتيت).
فقل: «الفاء»: رابطة للجواب، «قل»: فعل أمر مبني على السكون، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (أنت). له: جار ومجرور متعلقان ب (قل). حقا: صفة لمفعول مطلق محذوف، والتقدير (فقل له قولا حقّا). عليك: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (حقّا). إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بالفعل «قل».
اطمأنّ: فعل ماض مبني على الفتح. المجلس: فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة «إذ ما أتيت فقل»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فقل له»: جواب شرط جازم مقترن بالفاء محلها الجزم. وجملة «اطمأن»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أتيت»: جملة الشرط لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «إذ ما أتيت فقل» حيث جزم ب (إذ ما)، وأدخل الفاء على فعل الأمر بعد (إذ) وجعله جوابا لازما.
__________
(1) الطلاق: 2.
(2) الجن: 13.
(3) فاطر: 2.(2/347)
وب «أين» قوله جلّ وعزّ: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (1). وقال الشاعر [من الخفيف]:
[117] أين تضرب بنا العداة تجدنا ... نصرف العيس نحوها للتّلاقي
وب «أنّى» قوله [من الطويل]:
[118] فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها ... كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
__________
(1) النساء: 78.
[117] التخريج: البيت لابن همام السلولي في الكتاب 3/ 58وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 105، 7/ 45.
اللغة: العداة: ج العادي. العيس: الإبل البيض.
المعنى: إن تضرب بنا العداة في مكان ما من الأرض نصرف العيس إلى هؤلاء الأعداء لملاقاتهم.
الإعراب: أين: اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول فيه. تضرب: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). بنا: جار ومجرور متعلقان ب «تصرف». العداة:
مفعول به منصوب. تجدنا: فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط، و «نا»: ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». نصرف: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «نحن». العيس: مفعول به منصوب. نحوها: ظرف مكان متعلّق ب «نصرف».
للتلاقي: جار ومجرور متعلقان ب «نصرف».
وجملة «أين تضرب تجدنا»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة فعل الشرط في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تجدنا»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير مقترن بالفاء أو ب «إذا». وجملة «نصرف»: في محلّ نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «أين تضرب تجدنا» حيث عملت «أين» عمل اسم الشرط الجازم، فجزمت فعلين مضارعين، الأوّل فعل الشرط، والثاني جوابه.
[118] التخريج: البيت للبيد بن ربيعة العامري في ديوانه ص 220وشرح أبيات سيبويه 2/ 43.
وشرح المفصل 4/ 110والكتاب 3/ 58ولسان العرب 5/، 4 (فجر).
الإعراب: فأصبحت: الفاء حرف استئناف، و «أصبح»: فعل ماض ناقص، مبنيّ على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك، والتاء ضمير متصل مبنيّ على الفتح في محلّ رفع اسم «أصبح». أنّى: اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محل نصب مفعول فيه. تأتها: فعل مضارع مجزوم ب «أنّى»، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة من آخره، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت، و «ها»: ضمير متصل مبنيّ على السكون في محلّ نصب مفعول به. تلتبس: فعل مضارع مجزوم ب «أنّى» لأنه بدل من «تأتها»، وعلامة جزمه السكون الظاهر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. بها: جار ومجرور متعلّقان(2/348)
ومن حروف المجازاة «مهما». وإنّما أخّرنا ذكرها لأنّ الخليل زعم أنّها «ما» مكرّرة، وأبدلت من الألف الهاء. و «ما» الثانية زائدة على «ما» الأولى كما تقول: «أين» و «أينما»، و «متى» و «متى ما»، و «إن» و «إمّا»، وكذلك حروف المجازاة إلّا ما كان من «حيثما» و «إذما»، فإنّ «ما» فيهما لازمة. لا يكونان للمجازاة إلّا بها كما لا تقع «ربّ» على الأفعال إلّا ب «ما» في قوله: {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1)، ولو حذفت منها «ما» لم تقع إلّا على الأسماء النكرات، نحو: «ربّ رجل يا فتى».
والمجازاة ب «أيّ» قوله: {أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ} (2).
وب «متى» قول طرفة [من الطويل]:
[119] متى تأتني أصبحك كأسا رويّة ... وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد
وهذه الحروف كلّها هذا مجازها.
فأصل الجزاء أن تكون أفعاله مضارعة لأنّه يعربها، ولا يعرب إلّا المضارع. فإذا قلت: «إن تأتني آتك». ف «تأتني» مجزومة ب «إن»، و «آتك» مجزومة ب «إن» و «تأتني» ونظير ذلك من الأسماء قولك: «زيد منطلق». ف «زيد» مرفوع بالابتداء. والخبر رفع بالابتداء والمبتدأ.
ب «تلتبس». كلا: مبتدأ مرفوع بضمة مقدّرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. مركبيها: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، وهو مضاف، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. تحت: مفعول فيه ظرف مكان، مبني في محل نصب، وهو مضاف. رجليك: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل في محل جرّ مضاف إليه. مشاجر: خبر (كلا) مرفوع بالضمة.
وجملة فعل الشرط وجوابه في محلّ نصب خبر «أصبح»، وجملة «أصبح» واسمها وخبرها استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «كلا مركبيها شاجر»: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «أنّى تأتها تلتبسّ» حيث جزم باسم الشرط «أنّى» فعلين مضارعين هما «تأتها»، و «تلتبسّ».
__________
(1) الحجر: 2.
(2) الإسراء: 110.
[119] التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 30وشرح أبيات سيبويه 2/ 338وشرح المفصل 7/ 46ولسان العرب 15/ 137 (غنا)، 2/ 504 (صبح).(2/349)
ولا تكون المجازاة إلّا بفعل لأنّ الجزاء إنّما يقع بالفعل، أو بالفاء لأنّ معنى الفعل فيها.
فأما الفعل فقولك: «إن تأتني أكرمك»، و «إن تزرني أزرك».
وأمّا الفاء، فقولك: «إن تأتني فأنا لك شاكر»، و «إن تقم فهو خير لك».
وقد يجوز أن تقع الأفعال الماضية في الجزاء على معنى المستقبلة لأنّ الشرط لا يقع إلّا على فعل لم يقع. فتكون مواضعها مجزومة وإن لم يتبيّن فيها الإعراب كما أنّك إذا قلت: «جاءني خمسة عشر رجلا»، كان موضعه موضع رفع وإن لم يتبيّن فيه للبناء.
وكذلك: «جاءني من عندك»، و «مررت بالذي في الدار». كلّ ذلك غير معرب في اللفظ ومواضعه موضع الإعراب.
اللغة: نصبحك: نسقيك الصّبوح، وهو شرب الغداة. الكأس: الخمر في إنائها. الروية: المروية، وهي فعيلة بمعنى (مفعلة). الغاني والمستغني: سواء، يقال: غنيت عن الشيء بمعنى (استغنيت).
المعنى: يصف طرفة كلفه بالخمر، واستهلاكه في شربها، يقول لمخاطبه: إذا ما أتيتني قدّمت الخمرة لك في أيّ وقت، وإن كنت مستغنيا عنها فلك ما تريد.
الإعراب: «متى»: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. «تأتني»:
فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). «أصبحك»: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). «كأسا»: مفعول به ثان ل (أصبحك). «رويّة»: صفة ل (كأسا) منصوبة بالفتحة. «وإن»:
الواو: حرف عطف، «إن»: حرف شرط جازم. «كنت»: فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (كان). «عنها»: جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل (غانيا). «غانيا»: خبر (كان) منصوب بالفتحة. «فاغن»: الفاء: رابطة لجواب الشرط، «اغن»: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). «وازدد»: الواو: حرف عطف، «ازدد»: فعل أمر مبني على السكون، وحرّك بالكسر للقافية، والفاعل مستتر وجوبا تقديره: (أنت).
وجملة «متى تأتني أصبحك»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تأتني»: مضاف إليها، محلها الجر.
وجملة «أصبحك»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. وجملة «إن كنت عنها غانيا فاغن»:
معطوفة على جملة (متى تأتني أصبحك). وجملة «كنت غانيا»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
وجملة «اغن»: جواب شرط جازم مقترن بالفاء، فمحلها الجزم. وجملة «ازدد»: معطوفة على جملة «اغن».
والشاهد فيه: الجزم ب «متى» مجازاة.(2/350)
وذلك قولك: «إن أتيتني أكرمتك»، و «إن جئتني جئتك».
فإن قال قائل: فكيف أزالت الحروف هذه الأفعال عن مواضعها وإنّما هي لما مضى في الأصل؟
قيل له: الحروف تفعل ذلك لما تدخل له من المعاني ألا ترى أنّك تقول: «زيد يذهب يا فتى»، فيكون لغير الماضي. فإن قلت: «لم يذهب زيد»، كان ب «لم» نفيا لما مضى، وصار معناه: «لم يذهب زيد أمس»، واستحال «لم يذهب زيد غدا».
* * * وإنّما قلنا: إنّ «إن» أصل الجزاء لأنّك تجازي بها في كلّ ضرب منه. تقول: «إن تأتني آتك»، و «إن تركب حمارا أركبه»، ثمّ تصرّفها منه في كلّ شيء. وليس هكذا سائرها.
وسنذكر ذلك أجمع.
تقول في «من»: «من يأتني آته»، فلا يكون ذلك إلّا لما يعقل. فإن أردت بها غير ذلك، لم يكن.
فإن قال قائل: فقد قال الله عزّ وجلّ: {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ بَطْنِهِ} (1) فهذا لغير الآدميين، وكذلك {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ أَرْبَعٍ} (2).
قيل: إنّما جاز هذا لأنّه قد خلط مع الآدميين غيرهم بقوله: {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ} (3)، وإذا اختلط المذكوران، جرى على أحدهما ما هو للآخر إذا كان في مثل معناه لأنّ المتكلّم يبيّن به ما في الآخر وإن كان لفظه مخالفا. فمن ذلك قول الشاعر [من الرجز]:
[120] شرّاب ألبان وتمر وإقط
__________
(1) النور: 45.
(2) النور: 45.
(3) النور: 45.
[120] التخريج: الرجز بلا نسبة في لسان العرب 2/ 287 (زجج)، 11/ 402 (طفل).
اللغة: أقط: طعام يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل.
المعنى: هذا الرجل كثير النهم والأكل للتمر والأقط، كثير الشرب للبن.
الإعراب: «شرّاب»: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمة. «ألبان»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.(2/351)
فالتمر والإقط لا يقال فيهما: شربا، ولكن أدخلهما مع ما يشرب فجرى اللفظ واحدا، والمعنى أنّ ذلك يصير إلى بطونهم. ومثله [من مجزوء الكامل]:
[121] يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا
لأنّ معنى «المتقلّد»: حامل، فلمّا خلط بينهما جرى عليهما لفظ واحد. وعلى هذا أنشدوا بيت الحطيئة [من الطويل]:
[122] سقوا جارك العيمان لمّا جفوته ... وقلّص عن برد الشراب مشافره
سناما ومحضا أنبتا اللحم فاكتست ... عظام امرئ ما كان يشبع طائره
«وتمر»: الواو عاطفة، «تمر»: مضاف إليه لمحذوف تقديره طعّام. «وأقط»: «الواو»: عاطفة، «أقط»: اسم معطوف مجرور بالكسرة، وسكّن للضرورة.
والشاهد فيه قوله: «وتمر»: حيث إن هذه الكلمة معطوفة على قوله «ألبان» بالواو، فيكون «شراب» مسلطا على المعطوف والمعطوف عليه، ولكن التمر والأقط مطعوم مأكول، لا مشروب.
[121] التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 108، 6/ 238وأمالي المرتضى 1/ 54 وخزانة الأدب 2/ 231، 3/ 142، 9/ 142والخصائص 2/ 431وشرح شواهد الإيضاح ص 182 وشرح المفصل 2/ 50ولسان العرب 1/ 422 (رغب)، 2/ 287 (زجج)، 593 (مسح)، 3/ 367 (قلد)، 8/ 42 (جدع)، 57 (جمع)، 15/ 359 (هدى).
المعنى: يا ليت زوجك قد غدا في الحرب حاملا سيفه، وواضعا رمحه على كتفه.
الإعراب: «يا ليت»: «يا»: حرف تنبيه، «ليت»: حرف مشبه بالفعل. «زوجك»: اسم ليت منصوب بالفتحة، والكاف: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «قد»: حرف تقريب. «غدا»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره «هو». «متقلدا»: حال منصوبة بالفتحة. «سيفا»: مفعول به لاسم الفاعل «متقلدا» منصوب بالفتحة. «ورمحا»: «الواو»: عاطفة بين مفردات أو جمل، «رمحا»: اسم معطوف منصوب بالفتحة، أو مفعول به لمحذوف.
وجملة «يا ليت زوجك»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «قد غدا»: في محل رفع خبر (ليت).
والشاهد فيه قوله: «رمحا» حيث عطفه على «سيفا» وإن كان الرمح لا يتقلد. ف «متقلدا» مسلط عليه وعامل في المعطوف والمعطوف عليه جميعا.
[122] التخريج: البيتان للحطيئة في ديوانه ص 25.
اللغة: العيمان: المشتهي اللبن. المحض: اللبن الذي لم يخالطه ماء. والمشافر عند الحيوان بمنزلة الشفة عند الإنسان.
المعنى: يريد أن جارك لما لم يقدر على شرب الماء من شدة البرد قروه سناما ولبنا محضا، وقد كان الحطيئة وقتئذ من الهزال بحيث لو وقع عليه طائر ما شبع من لحمه من شدة ما كان به من الهزال، وعلى(2/352)
وليس هذا بشيء. إنما الرواية: قروا. والدليل على ذلك أنّه بدأ بالسنام فلا يقع إلى جانب «سقوا».
وقال قوم: بلى كان السنام يذاب في المحض فيشرب. فإن كان كذاك فلا حجّة في البيت.
* * * و «ما» تكون لغير الآدميين نحو: «ما تركب أركب»، و «ما تصنع أصنع». فإن قلت: «ما يأتني آته» تريد: الناس لم يصلح.
فإن قيل: فقد قال الله عزّ وجلّ: {وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} (1). ومعناه: ومن بناها، وكذلك {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} (2).
قيل: قد قيل ذلك. والوجه الذي عليه النحويّون غيره. إنّما هو «والسماء وبنائها» و «إلّا على أزواجهم أو ملك أيمانهم». فهي مصادر وإن دلّت على غيرها ممّن يملك، كقولك: «هذا ملك يمينك»، و «هذا الثوب نسج اليمن»، و «هذا الدرهم ضرب الأمير».
تفسير الطائر بالبطن يكون المعنى: ما كان يعرف الشبع.
الإعراب: سقوا: فعل ماض مبني على الضم، و «الواو»: للجماعة فاعل، و «الألف»: للتفريق.
جارك: مفعول به، و «الكاف»: مضاف إليه. العيمان: صفة ل (جارك). لما: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق ب (سقوا). جفوته: ماض، و «التاء»: فاعل، و «الهاء»: مفعول به. وقلّص:
«الواو»: حرف عطف، «قلّص»: فعل ماض. عن برد: جار ومجرور متعلقان ب (قلّص). الشراب: مضاف إليه. مشافره: فاعل ل (قلّص)، و «الهاء»: مضاف إليه. سناما: مفعول به. ومحضا: «الواو»: حرف عطف، «محضا»: معطوف على (سناما). أنبتا: فعل ماض، و «الألف»: فاعل. اللحم: مفعول به.
فاكتست: «الفاء»: حرف عطف، «اكتست»: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث. عظام: فاعل. امرئ: مضاف إليه. ما: نافية. كان: فعل ماض ناقص، اسمه مستتر جوازا تقديره (هو). يشبع: فعل مضارع. طائره:
فاعل، و «الهاء»: مضاف إليه.
وجملة «سقوا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «جفوته»: مضاف إليها محلها الجر، وعطف عليها جملة «قلّص مشافره»، أما جملة «أنبتا»: فصفة ل (سناما ومحضا) محلها النصب، وعطف عليها جملة (اكتست عظام امرئ)، وجملة «ما كان يشبع»: صفة ل (امرئ) محلها الجر. وجملة «يشبع طائره»: خبر (كان) محلها النصب.
والشاهد فيه: تضمين الفعل (سقوا) معنى الفعل (قروا) لأن السنام لا يسقى، وردّ المبرد هذه الرواية بأنّ الرواية الصحيحة هي (قروا)، وكذلك هي في الديوان.
__________
(1) الشمس: 5.
(2) المؤمنون: 6والمعارج: 30.(2/353)
ولو كان على ما قالوا، لكان على وضع النعت في موضع المنعوت لأنّ «ما» إنّما تكون لذوات غير الآدميين، ولصفات الآدميين. تقول: «من عندك»؟ فيقول: «زيد». فتقول: «ما زيد»؟ فيقول: «جواد»، أو «بخيل»، أو نحو ذلك، فإنّما هو لسؤال عن نعت الآدميين.
والسؤال عن كلّ ما يعقل ب «من»، كما قال عزّ وجلّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمََاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (1). ف «من» لله عزّ وجلّ كما قال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذََا دَعََاهُ} (2) وهذا في القرآن أكثر. وقال تبارك اسمه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لََا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِهِ} (3) يعني الملائكة. وكذلك في الجنّ في قوله: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلََا يَخََافُ بَخْساً وَلََا رَهَقاً} (4) فهذا قولي لك: إنّها لما يخاطب ويعقل.
* * * ومن هذه الحروف «متى» ولا تقع إلّا للزمان نحو: «متى تأتني آتك» و «متى خرج زيد»؟ في الاستفهام. فجواب هذا: «يوم الجمعة» وما أشبهه.
وكذلك «أين» لا تكون إلّا للمكان. وذلك كلّه مخطور معروف في الجزاء والاستفهام. وحيث وقع حرف من هذه الحروف.
فأمّا «إن»، فإنّها ليست باسم ولا فعل، إنّما هي حرف، تقع على كلّ ما وصلته به، زمانا كان أو مكانا أو آدميّا أو غير ذلك. تقول: «إن يأتني زيد آته»، و «إن يقم في مكان كذا وكذا أقم فيه»، و «إن تأتني يوم الجمعة آتك فيه».
وكذلك الألف في الاستفهام. تدخل على كلّ ضرب منه، وتتخطّى ذلك إلى التقرير والتسوية:
فالتقرير: قولك: «أما جئتني فأكرمتك». وقوله عزّ وجلّ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} (5)
والتسوية: «ليت شعري أقام زيد أم قعد». و «قد علمت أزيد في الدار أم عمرو» [6].
فأمّا قولنا في «إذ» و «حيث»: إنّ الجزاء لا يكون فيهما إلّا ب «ما»، وما ذكرنا من أنّا سنفسّره فهذا موضع تفسيره.
__________
(1) الملك: 16.
(2) النمل: 62.
(3) الأنبياء: 19.
(4) الجن: 13.
(5) الزمر: 60.
[6] تأتي همزة التسوية بعد كلمة «سواء»، و «ما أبالي»، و «ما أدري»، و «ليت شعري» ونحوها.(2/354)
أما «إذ» فتنبىء عن زمان ماض. وأسماء الأزمان تضاف إلى الأفعال. فإذا أضيفت إليها، كانت معها كالشيء الواحد. ومتى جزمتها فصلت منها ألا ترى أنّك تقول: «جئتك يوم خرج زيد»، و «هذا يوم يخرج زيد»، و {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (1) فلمّا وصلتها ب «ما»، جعلتهما شيئا واحدا، فانفصلت من الإضافة، فعملت.
و «حيث» اسم من أسماء المكان مبهم يفسّره ما يضاف إليه. ف «حيث» في المكان ك «حين» في الزمان فلمّا ضارعتها، أضيفت إلى الجمل، وهي الابتداء والخبر، أو الفعل والفاعل. فلمّا وصلتها ب «ما»، امتنعت من الإضافة فصارت ك «إذ» إذا وصلتها ب «ما».
فأمّا سائر الحروف التي ذكرنا سواهما، فأنت في زيادة «ما» وتركها مخيّر. تقول: «إن تأتني آتك»، و «إمّا تأتني آتك»، و «أين تكن أكن»، و «أينما تكن أكن»، و «أيّا تكرم يكرمك»، و {أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ} (2).
ف «ما» تدخل على ضربين: أحدهما: أن تكون زائدة للتوكيد، فلا يتغيّر الكلام بها عن عمل ولا معنى. فالتوكيد ما ذكرته في هذه الحروف سوى «حيثما» و «إذما». واللازم:
ما وقع فيهما. ونظيرهما قولك: «إنّما زيد أخوك». منعت «ما» «إنّ» عملها، وكذلك:
«جئتك بعد ما عبد الله قائم»، فهذا خلاف قولك: «بعد عبد الله»، وكذلك [من الكامل]:
[123] أعلاقة أمّ الوليد بعد ما ... أفنان رأسك كالثّغام المخلس
__________
(1) المائدة: 119.
(2) الإسراء: 110.
(93) التخريج: البيت للمرار الأسدي في ديوانه ص 461والأزهية ص 89وإصلاح المنطق ص 45وخزانة الأدب 11/ 232، 234والدرر 3/ 111وشرح شواهد المغني 2/ 722ولسان العرب 10/ 262 (علق)، 12/ 78 (ثغم)، 13/ 327 (فنن) وبلا نسبة في الأضداد ص 97ورصف المباني ص 314وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 273والمقرب 1/ 129وهمع الهوامع 1/ 210.
اللغة: العلاقة: علاقة الحب. الفنن: الغصن، وهنا ذؤابة الشعر. الثغام: نبات إذا يبس ابيض لونه.
المخلس: المختلط.
المعنى: أما زلت تحب أم الوليد رغم دخول جند الشيب إلى رأسك.
الإعراب: أعلاقة: الهمزة: حرف استفهام، و «علاقة»: مفعول مطلق لفعل محذوف، منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أم الوليد: «أم»: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف، «الوليد»: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. بعد ما: ظرف زمان مكفوف بما. أفنان: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف.
رأسك: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
كالثغام: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. المخلس: صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.(2/355)
وكذلك «ربّ»، تقول: «ربّ رجل»، ولا تقول: «ربّ يقوم زيد». فإذا ألحقت «ما»، هيّأتها للأفعال فقلت: «ربّما يقوم زيد»، و {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ} (1).
* * * وكذلك «قلّ» تقول: «قلّ رجل يقول ذلك»، فإن أدخلت «ما»، امتنعت من الأسماء وصارت للأفعال، فقلت: «قلّما يقوم زيد». ومثل هذا كثير.
* * * فأما «إذا» فتحتاج إلى الابتداء والجواب. تقول: «إذا جاءني زيد أكرمته»، و «إذا يجيء زيد أعطيته».
وإنّما منع «إذا» من أن يجازى بها لأنّها موقّتة وحروف الجزاء مبهمة ألا ترى أنّك إذا قلت: «إن تأتني آتك» فأنت لا تدري أيقع منه إتيان أم لا؟ وكذلك: «من أتاني أتيته»، إنّما معناه: إن يأتني واحد من الناس آته.
فإذا قلت: «إذا أتيتني» وجب أن يكون الإتيان معلوما ألا ترى إلى قول الله عزّ وجلّ: {إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ} (2) و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (3)، و {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} (4) أنّ هذا واقع لا محالة.
ولا يجوز أن يكون في موضع هذا «إن»، لأنّ الله عزّ وجلّ يعلم، و «إن» إنّما مخرجها الظنّ والتوقّع فيما يخبر به المخبر. وليس هذا مثل قوله: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (5) لأنّ هذا راجع إليهم.
وتقول: «آتيك إذا احمرّ البسر». ولو قلت: «آتيك إن احمرّ البسر» كان محالا لأنّه واقع لا محالة.
فإن اضطرّ الشاعر جاز أن يجازي بها لمضارعتها حروف الجزاء لأنّها داخلة على
وجملة «أفنان رأسك كالثغام» حالية محلها النصب. وجملة «علاقة مع عامله» ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «بعد ما» ميت كفّ الظرف عن عمله ولم يضف إلى الجملة الاسمية بعده.
__________
(1) الحجر: 2.
(2) الانفطار: 1.
(3) الانشقاق: 1.
(4) التكوير: 1.
(5) الأنفال: 38.(2/356)
الفعل وجوابه. ولا بدّ للفعل الذي يدخل عليه من جواب. فممّا جاء ضرورة قوله [من البسيط]:
[124] ترفع لي خندف والله يرفع لي ... نارا إذا ما خبت نيرانهم تقد
وقال الآخر [من الطويل]:
[125] إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب
[124] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ص 216والأزمنة والأمكنة 1/ 241وخزانة الأدب 7/ 22وشرح المفصل 7/ 47والكتاب 3/ 62.
المعنى: يفخر الشاعر بقبيلة خندف فيقول: إنّها ترفع لي من الشرف ما هو كالنار الموقدة.
الإعراب: ترفع: فعل مضارع مرفوع. لي: جار ومجرور متعلقان ب «ترفع». خندف: فاعل مرفوع.
والله: الواو: حرف عطف، «الله»: اسم الجلالة مبتدأ مرفوع. يرفع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو». لي: جار ومجرور متعلقان ب «يرفع». نارا: مفعول به منصوب. إذا: اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول فيه متعلق ب (تقد). «ما»: زائدة. «خبت»: فعل ماض، وهو فعل الشرط، والتاء: للتأنيث. نيرانهم: فاعل مرفوع بالضمّة، و «هم»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
تقد: فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون وحرّك بالكسر مراعاة للرويّ.
وجملة «ترفع لي»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «الله يرفع»: معطوفة على التي قبلها.
وجملة «يرفع»: في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «خبت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تقد»: لا محلّ لها من الإعراب جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء.
الشاهد فيه قوله: «إذا خبت نيرانهم تقد» حيث وردت «إذا» شرطيّة جازمة، وهذا نادر وفي الشعر فقط.
[125] التخريج: البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه ص 88وخزانة الأدب 7/ 25، 27وشرح أبيات سيبويه 2/ 137وشرح المفصل 7/ 47والشعر والشعراء ص 327والكتاب 3/ 61وللأخنس بن شهاب في خزانة الأدب 5/ 28وشرح اختيارات المفضّل ص 937ولكعب بن مالك في فصل المقال ص 442وليس في ديوانه ولشهم بن مرّة في الحماسة الشجرية 1/ 186ولعمران بن حطان في شعر الخوارج ص 406وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 97.
المعنى: إذا لم تكن سيوفنا طويلة كفاية، وصلناها بخطواتنا إلى صدور أعدائنا فطالت إلى صدورهم وأعناقهم ضربا بها.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط متعلق بالفعل «كان». قصرت: فعل ماض مبني على الفتح، و «التاء»: للتأنيث. أسيافنا: فاعل مرفوع بالضمّة، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. كان: فعل ماض ناقص. وصلها: اسم (كان) مرفوع بالضمّة، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. خطانا: خبر (كان) منصوب بفتحة مقدّرة على الألف، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. إلى أعدائنا: جار ومجرور متعلقان بالمصدر «وصل»، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ(2/357)
الجيّد ما قال كعب بن زهير [من الخفيف]:
[126] وإذا ما تشاء تبعث منها ... مغرب الشمس ناشطا مذعورا
وهذه «إذا» التي تحتاج إلى الجواب.
* * * مضاف إليه. فنضارب: «الفاء»: حرف عطف، «نضارب»: فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون، وحرّك بالكسرة لضرورة القافية، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (نحن).
وجملة «قصرت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «كان وصلها خطانا»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها. وجملة «فنضارب»: معطوفة على جملة «كان» لا محل لها. وجملة «إذا قصرت
كان»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «فنضارب» حيث جزم الفعل المضارع المعطوف على جواب «إذا» الشرطية مما يدل أنها جازمة هنا، وهذا ضرورة شعرية.
[126] التخريج: البيت لكعب بن زهير في ديوانه ص 29وشرح أبيات سيبويه 2/ 118وشرح المفصل 8/ 134.
اللغة: الناشط: الثور يخرج مسرعا من بلد إلى بلد. المذعور: المزعج المثار.
المعنى: وصف ناقته بالنشاط والسرعة بعد سيرها النهار كله، فشبّهها في انبعاثها مسرعة بثور وحشي قد ذعر من صائد أو سبع.
الإعراب: «وإذا»: الواو: بحسب ما قبلها، «إذا»: ظرف زمان متضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق ب (تبعث). «ما»: زائدة. «تشاء»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت). «تبعث»: تعرب إعراب «تشاء». «منها»: جار ومجرور متعلقان ب (تبعث). «مغرب»: ظرف زمان منصوب، متعلّق ب (تبعث) أيضا وفي ذلك إشكال يتمثل بأن الفعل (تبعث) عامل في ظرف الزمان (إذا)، ويمكن أن يتخلّص من ذلك بالعمل بمذهب من يعلّق (إذا) بفعل الشرط، لا بجوابه، ويمكن الإبقاء على المذهب الذي يعلّقها بالجواب، وذلك بجعل (مغرب) معلّقا ب (تبعث) مقدرا مدلولا عليه ب (تبعث) المصرّح به، أو بجعل (مغرب) بدلا من (إذا) وهذا يوجب تقدير حرف شرط قبلها كأن يقال: «إن مغرب الشمس» حتى يتفق البدل والمبدل منه في الدلالة الشرطية، وكل هذه التخريجات تكلّف حمل عليه أصول الصنعة النحوية. «الشمس»: مضاف إليه. «ناشطا»: مفعول به. «مذعورا»: صفة ل (ناشطا).
وجملة «إذا ما تشاء تبعث»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تشاء»: مضاف إليها محلّها الجر. وجملة «تبعث»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه: رفع ما بعد (إذا) على ما يجب فيها.(2/358)
ول «إذا» موضع آخر وهي التي يقال لها: حرف المفاجأة. وذلك قولك: «خرجت فإذا زيد»، و «بينا أسير فإذا الأسد». فهذه لا تكون ابتداء. وتكون جوابا للجزاء كالفاء. قال الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} (1)، لأنّ معناها:
قنطوا كما أنّ قولك: «إن تأتني فلك درهم» إنّما معناه: أعطك درهما.
* * * __________
(1) الروم: 36.(2/359)
هذا باب مسائل المجازاة وما يجوز فيها، وما يمتنع منها
تقول: «إن تأتني آتك»، و «إن تأتني فلك درهم». هذا وجه الجزاء وموضعه، كما قال عزّ وجلّ: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (1).
فالأصل الفعل، و «الفاء» داخلة عليه لأنّها تؤدّي معناه لأنّها لا تقع إلّا ومعنى الجزاء فيها موجود. يقول الرجل: «قد أعطيتك درهما»، فتقول: «فقد أعطيتك دينارا».
أي: من أجل ذاك. ويقول: «لم أغث أمس»، فتقول: «فقد أتاك الغوث اليوم». وتقول:
«إن أتيتني فلك درهم»، لأنّ معناه: إن تأتني. ولو قلت: «إن أتيتني آتك»، لصلح كما قال الله عزّ وجلّ: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} (2)، لأنّ معناه: من يكن.
وكذلك لو قال: «من يأتني أتيته»، لجاز، والأوّل أحسن لتباعد هذا عن حرف الجزاء.
وهو جائز كما قال الشاعر [من الخفيف]:
[127] من يكدني بسيّىء كنت منه ... كالشّجا بين حلقه والوريد
__________
(1) الأنفال: 38.
(2) هود: 15.
[127] التخريج: البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص 52وخزانة الأدب 9/ 76والمقاصد النحوية 4/ 427وبلا نسبة في رصف المباني ص 105وشرح الأشموني 3/ 585والمقرب 1/ 275 ونوادر أبي زيد ص 68.
اللغة: الشجا: ما اعترض في حلق الإنسان من عظم ونحوه.
الإعراب: «من»: اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يكدني»: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط، والنون: للوقاية، والياء: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو».
«بسيّىء»: جار ومجرور متعلّقان ب «يكد». «كنت»: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «كان»، وهو جواب الشرط. «منه»: جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «كالشجا»: جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «بين»: ظرف مكان متعلّق بخبر «كان» المحذوف، وهو مضاف.(2/360)
وأعدل الكلام: «من أتاني أتيته»، كما أنّ وجه الكلام: «من يأتني آته».
وتقول: «من أتاني وتبسّط إليّ أكرمه» لأنّ «من أتاني» في موضع «من يأتني». لا تقع بعد الجزاء إلّا ومعناها الاستقبال. والأحسن: «من أتاني وأكرمني أتيته» كما أنّ الأحسن: «من يأتني ويكرمني آته». فهذه أصول، ثمّ نذكر بعدها العطف منسّقا، ونكثر في ذلك من المسائل لنوضّح أمره إن شاء الله.
فإذا قلت: «من يأتني آته». ف «من» هي لهذا الفعل لأنّها اسم، فلم يدخل معها اسم آخر.
ولو قلت: «إن يأتني آته» على غير مذكور قبل كان محالا لأنّ الفعل لا فاعل فيه، لأنّ «إن» إنّما هي حرف جزاء وليست باسم. وكذلك جميع الحروف.
وتقول في الاستفهام: «من جاءك»؟ و «أيّهم ضربك»؟ و «ما حبسك»؟ لأنّها أسماء.
فإن قلت: «أحبسك»؟ أو «هل حبسك»؟ لم يكن بدّ من ذكر الفاعل لأنّ هذه حروف، فليس في الأفعال فاعلون.
وكذلك الظروف التي لا تكون فاعلة إذا ذكرتها لم يكن بدّ من ذكر الفاعل معها. ولو قلت: «أين يكن أكن»، لم يكن كلاما حتّى تقول: «أين يكن زيد أكن».
وكذلك في الاستفهام إذا قلت: «أين يكون زيد»؟ و «متى يخرج زيد»؟ تعني المذكور. فعلى هذا يجري ما ذكرت لك.
ولو قلت: «من من يأتني آته». إذا جعلت «من» الأولى استفهاما، وجعلت الثانية جزاء كان جيّدا. فتكون الهاء في «آته» ترجع إلى «من» التي هي استفهام. وتقديرها: «أيّهم من أتاني من الناس أتيته»، أي: من أتاني آت هذا الذي أسأل عنه.
ونظيره: «هند من ضربني ضربتها». أي: إن ضربني أحد ضربت هندا.
«حلقه»: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «والوريد»: الواو: حرف عطف، «الوريد»: معطوف على «حلقه» مجرور بالكسرة.
وجملة «من يكدني»: الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «كنت»: في محلّ رفع خبر «من».
الشاهد فيه قوله: «من يكدني كنت» حيث جزم ب «من» فعلا مضارعا «يكد» وهو فعل الشرط، وجاء جوابه فعلا ماضيا «كنت».(2/361)
وتقول: «ما من يأتني آته» لأنّ «ما» حرف نفي. والحروف لا يرجع إليها شيء ولا إلى الأفعال، إنّما نفيت بهذا هذه الجملة.
فإن جعلت «ما» اسما، وجعلتها استفهاما أو جزاء أو في معنى «الذي»، لم يكن بدّ من راجع إليها.
فأما الجزاء فقولك: «ما تركب أركب». والأحسن: «ما تركب أركبه». نصبت «ما» ب «تركب» وأضمرت هاء في «تركب».
ولو قلت: «ما تركب أركب»، لجاز. ولا يكون ذلك إلّا على إرادة الهاء لأنّه معلّق بما قبله، وذلك في المعنى موجود.
وفي الاستفهام: «ما حبسك»؟ والمعنى: أيّ شيء حبسك؟
وكذلك: «ما أكلته»؟ أي: أيّ شيء أكلته؟ فإن حذفت الهاء، نصبت «ما»، لأنّها مفعول بها، كقولك: «أيّهم ضربت»؟ كما تقول: «زيدا ضربت».
* * * وفي موضع «الذي» قوله: «ما يسرّني يسرّك».
وتقول: «من يأتنا نأته مكرمين له»، نصبت «مكرمين» على الحال والعامل فيها «نأته». ولو أردت أن يكون الفعل الأوّل عاملا في الحال، لقلت: «من يأتنا مكرمين له نأته». تريد: من يأتنا في حال إكرامنا إيّاه نأته. ولو أردت أن يكون «مكرمين» عاملا فيها «نأته» وقد قدمتها، جاز كما تقول: «مسرعا جاء زيد».(2/362)
وتقول: «من يأتنا نأته مكرمين له»، نصبت «مكرمين» على الحال والعامل فيها «نأته». ولو أردت أن يكون الفعل الأوّل عاملا في الحال، لقلت: «من يأتنا مكرمين له نأته». تريد: من يأتنا في حال إكرامنا إيّاه نأته. ولو أردت أن يكون «مكرمين» عاملا فيها «نأته» وقد قدمتها، جاز كما تقول: «مسرعا جاء زيد».
ونقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلّمون
«من يأته من إن يأتنا نأته عامدين تأت يكرمك».
إن رفعت «يكرمك» فالمسألة جيّدة، لأنّ تقديرها: من يأته زيد يأت في حال إكرامه لك. والأجود أن تقول: «تأته يكرمك» لتشغل الفعل بالمفعول إذ كان خبرا. والحذف جائز وليس بجيّد. وقولك: «من إن يأتنا نأته» اسم واحد بمنزلة «زيد».
ولو جزمت «يكرمك» على البدل لم يصلح إن أبدلته من «تأت» لأنّ «يكرمك» لغيرك. فإن جعلته بدلا من شيء في الصلة، لم يصلح لخروجه عنها. ولكن لو قلت: «إن تأتني أعطك أحسن إليك» جاز وكان حسنا لأنّ العطية إحسان، فلذلك أبدلته منه. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ} (1) لأنّ لقيّ الأثام هو تضعيف العذاب. وكذلك قول الشاعر [من الطويل]:
[128] متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا
__________
(1) الفرقان: 6968.
[128] التخاريج: البيت لعبيد الله بن الحرّ في شرح أبيات سيبويه 2/ 66وسرّ صناعة الإعراب ص 678وشرح المفصّل 7/ 53وبلا نسبة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص 583وشرح المفصّل 10/ 20والكتاب 3/ 86.
اللغة: تلمم: تحلّ، تزور. الحطب الجزل: الغليظ منه. التأجّج: توقّد النار.
المعنى: عند ما تأت إلينا، وتحلّ ضيفا على منازلنا، تجد أننا نشعل الحطب الغليظ كي تقوى نارنا، فيراها الأضياف عن بعد فيقصدونها. وذكّر النار بإعادة الضمير في (تأجّج) إليها مذكّرا، وهي مؤنّثة، وقيل:
تذكّر.(2/363)
لأنّ الإتيان إلمام كما قال [من الرجز]:
[129] إنّ عليّ الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
لأنّ قوله: «تؤخذ أو تجيء» بتأويل المبايعة.
ولو قلت: «من يأتنا يسألنا نعطه» على البدل، لم يجز إلّا أن يكون بدل الغلط. كأنّك أردت: «من يسألنا نعطه» فقلت: من يأتنا غالطا أو ناسيا، ثمّ ذكرت، فاستدركت، فوضعت هذا الفعل في موضع ذلك. ونظيره من الأسماء: «مررت برجل حمار».
الإعراب: «متى»: اسم شرط جازم مبني على السكون في محلّ نصب على الظرفية الزمانية. «تأتنا»:
فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة، و «نا»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). تلمم»: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). «بنا»:
جار ومجرور متعلقان ب (تلمم). «في ديارنا»: جار ومجرور متعلقان ب (تأتنا)، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «تجد»: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). «حطبا»:
مفعول به منصوب. «جزلا»: نعت منصوب. «ونارا»: الواو: للعطف، «نارا»: اسم معطوف على (جزلا) منصوب مثله. «تأججا»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو)، والألف:
للإطلاق، وقيل بل هي ألف الاثنين فاعل (تأجج) على تغليب الحطب على النار المؤنثة.
وجملة «تأتنا»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تلمم»: بدل منها في محل جرّ بالإضافة. وجملة «تجد»: لا محل لها من الإعراب، جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو إذا. وجملة «تأجج»: في محلّ نصب صفة للنار.
والشاهد فيه قوله: «متى تأتنا تلمم» حيث جزم (تلمم) على البدل من (تأتنا) فالإتيان إلمام كما قال.
[129] التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 203، 204وشرح أبيات سيبويه 1/ 402 وشرح الأشموني 2/ 440وشرح التصريح 1/ 161وشرح عمدة الحافظ ص 591والكتاب 1/ 156 والمقاصد النحوية 4/ 199.
اللغة: عليّ الله: أي عليّ والله فحذف واو القسم ونصب «الله» على نزع الخافض. تبايع: من البيعة.
الإعراب: «إنّ»: حرف مشبّه بالفعل. «عليّ»: جار ومجرور في محلّ رفع خبر «إنّ». «الله»: لفظ الجلالة، اسم منصوب على نزع الخافض. «أن»: حرف نصب ومصدرية. «تبايعا»: فعل مضارع منصوب، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت»، والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل نصب اسم «إنّ». «تؤخذ»: فعل مضارع للمجهول، منصوب لأنّه بدل من «تبايع»، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت». «كرها»: مفعول مطلق لفعل محذوف، أو نعت لمفعول مطلق محذوف. «أو»: حرف عطف. «تجيء»: فعل مضارع منصوب، لأنّه معطوف على «تؤخذ»، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت».
«طائعا»: حال منصوب.
وجملة «إن علي»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تبايع»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «تؤخذ»: بدل من «تبايع». وجملة «تجيء»: معطوفة على سابقتها.(2/364)
وتقول: «من يأتني من إن يأته الذي هند أخته يأته أعطه»، فالمعنى: إن يأتني زيد أعطه، لأنّ هذا الكلام كلّه في صلة «من».
* * * وتقول: «أيّ القوم المنطلق آباؤهم إن يأتك الكاسيه ثوبا تكرمه». فتقدير المسألة: أيّ القوم إن يأتك أبوه تكرمه، و «أيّ» هنا استفهام.
وتقول: «أيّهم يأته الشاتم أخاه المعطيه درهما ينطلق إليه». فمعناه: أيّهم يأته زيد ينطلق إليه. فما ورد عليك من المسائل فقسه على هذا إن شاء الله.
* * * الشاهد فيه قوله: «أن تبايعا تؤخذ» حيث أبدل بالنصب الفعل «تؤخذ» من الفعل «تبايع» المنصوب ب «أن».(2/365)
هذا باب ما يرتفع بين المجزومين وما يمتنع من ذلك
تقول: «إن تأتنا تسألنا نعطك». تريد: إن تأتنا سائلا كما قال [من الطويل]:
[130] متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
[130] التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 51وإصلاح المنطق ص 198والأغاني 2/ 168 وخزانة الأدب 3/ 74، 7/ 156، 9/ 9492وشرح أبيات سيبويه 2/ 65والكتاب 3/ 86ولسان العرب 15/ 57 (عشا) ومجالس ثعلب ص 467والمقاصد النحوية 4/ 439وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 871وخزانة الأدب 5/ 210وشرح الأشموني 3/ 579وشرح عمدة الحافظ ص 363وشرح المفصل 2/ 66، 4/ 148، 7/ 45، 53وما ينصرف وما لا ينصرف ص 88.
اللغة: تعشو إلى ناره: تأتيها في العشاء. تجد خير نار: أي تجد نارا معدّة للأضياف.
الإعراب: «متى»: شرطيّة جازمة في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق ب «تجد». «تأته»: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط، والهاء: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره:
«أنت». «تعشو»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت». «إلى ضوء»: جار ومجرور متعلّقان ب «تعشو»، وهو مضاف. «ناره»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «تجد»: فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت». «خير»:
مفعول به، وهو مضاف. «نار»: مضاف إليه مجرور. «عندها»: ظرف مكان متعلق بخبر محذوف، وهو مضاف، و «ها»: في محلّ جرّ بالإضافة. «خير»: مبتدأ مؤخّر مرفوع، وهو مضاف. «موقد»: مضاف إليه.
وجملة «متى تأته تجد»: الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تأته»: في محل جر بالإضافة. وجملة «تعشو»: في محلّ نصب حال. وجملة «تجد»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو «إذا» لا محل لها من الإعراب. وجملة «عندها خير موقد»: في محلّ نصب مفعول به ثان ل «تجد».
الشاهد فيه قوله: «متى تأته تعشو» حيث رفع الفعل المضارع على إرادة الحال، لا على إرادة البدل.(2/366)
أراد: متى تأته عاشيا إلى ضوء ناره تجد. وقال الآخر [من الطويل]:
[131] ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ... ولا يغنها يوما من الدهر يسأم
فقوله: «يستحمل الناس نفسه» إنّما هو خبر «يزال»، كأنّه قال: من لا يزال مستحملا.
ولو قلت: «من يأتنا ويسألنا نعطه»، على هذا، كان محالا، لأنّك لا تقول: «متى تأته وعاشيا» ولا: «جاءني زيد وراكبا». ولكن إن أضمرت، جاز، فقلت: «إن تأتنا وتسألنا نعطك». تريد: إن تأتنا وهذه حالك نعطك. والوجه الجيّد: «إن تأتنا وتسألنا نعطك».
وتقول: «إن تأتنا ثمّ تسألنا نعطك». لم يجز إلّا جزم «تسألنا» لأنّ «ثمّ» من حروف العطف. ولا يستقيم الإضمار هاهنا بعدها. ولو قلت: «إن تأتنا ثمّ تسألنا»، تريد: ثمّ أنت تسألنا تريد الحال لم يصلح لأنّ «ثمّ» لما بعد ألا ترى أنّك تقول: «لقيت زيدا وعمرو يتكلّم»، أي: لقيت زيدا وعمرو هذه حاله كما قال الله عزّ وجلّ: {يَغْشى ََ طََائِفَةً مِنْكُمْ}
[131) التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 32وخزانة الأدب 9/ 90والدرر 5/ 91وشرح أبيات سيبويه 2/ 64ولسان العرب 11/ 176 (حمل) وهمع الهوامع 2/ 63.
اللغة: واضحة.
المعنى: من يعتمد دائما على الاخرين في قضاء حاجاته فلا بد أن يملوه، وينفروا منه.
الإعراب: «ومن»: الواو: بحسب ما قبلها، «من»: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. «لا»: نافية مهملة. «يزل»: فعل مضارع مجزوم ناقص، واسمه مستتر جوازا تقديره (هو). «يستحمل»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). «الناس»: مفعول به. «نفسه»: مفعول به ثان، والهاء: مضاف إليه محله الجر. «ولا»: الواو: حرف عطف، «لا»: زائدة لتوكيد النفي. «يغنها»: فعل مضارع معطوف على (يزل) مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وفاعله مستتر جوازا تقديره: (هو)، و «ها»: مفعول به محله النصب. «يو ما»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب، متعلق بالفعل (يغنها)، ويمكن تعليقه بالفعل (يسأم). «من الدهر»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (يو ما). «يسأم»: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم، لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لضرورة القافية، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره (هو).
وجملة «من لا يزل يسأم»: بحسب الواو. وجملة «يزل»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
وجملة «يستحمل»: خبر (يزل) محلها النصب. وجملة «يغنها»: معطوفة على جملة «يزل». وجملة «يسأم»:
جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها، ومجموع جملتي الشرط، وجوابه (لا يزل يسأم) خبر للمبتدأ (من) محله الرفع.
والشاهد فيه: رفع (يستحمل) لأنه ليس بشرط ولا جزاء، وإنما هو خبر معترض بينهما.(2/367)
{وَطََائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (1). أي: إذ طائفة في هذه الحالة. ولو وضعت «ثمّ» هاهنا، لم يستقم.
* * * وتقول: «من إن يأته زيد يكرمه يعطك في الدار». ف «من» في موضع «الذي»، و «إن» للجزاء و «يكرمه» حال معناها: مكرما له، و «يعطه» جواب الجزاء، و «في الدار» خبر «من».
ولو قلت: «من يأتني آته أحسن إليه»، كان جيّدا. يكون «أحسن إليه» حالا. ويكون منقطعا من الأوّل. كأنّك لمّا تمّ الكلام قلت: «أنا أحسن إليه».
وتقول: «من يأتني آته وأكرمه»، و «من يأتني آته فأكرمه»، و «من يأتني آته أكرمه».
وكذلك جميع حروف العطف التي تقع هاهنا، وإن شئت قلت: «من يأتني آته وأكرمه»، أي: وأنا أكرمه، وإن شئت على الحال، وإن شئت، فصلته ممّا قبله، وجعلتها جملة معطوفة معلّقة بجملة.
وتقول في الفاء: «من يأتني آته فأكرمه» على القطع من الأوّل وعطف جملة على جملة وكذلك «ثمّ».
وإنّما جاز الإضمار هاهنا، ولم يجز حيث كانا متوسّطين بين الجزاء وجوابه لأنّ الكلام قد تمّ فاحتمل الاستئناف، ولا تكون الحال في «ثمّ» ولا الفاء لأنّهما لا تكونان إلّا بعد. إلّا أنّ الفاء، والواو يجوز بعدهما النصب على إضمار «أن» لأنّ الجزاء غير واجب آخره إلّا بوجوب أوّله. وقد تقدّم ذكرنا لهذا في باب الفاء والواو.
وقد قرىء هذا الحرف على ثلاثة أوجه: {يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ} (2)
بالجزم وهو أجودها، ويليه الرفع، ثمّ النصب. والأمر فيه على ما ذكرت لك.
ولو قلت: «من لا يأتني فيكرمني آته»، كان النصب جيّدا من أجل النفي. وصار كقولك: «ما تأتني فتكرمني»: أي كلّما أتيتني لم تكرمني. فموضعه لم تأتني مكرما، وهاهنا
__________
(1) آل عمران: 154.
(2) البقرة: 284.(2/368)
أعني في الجزاء إلى ذا يرجع إذا قلت: «من لا يأتني فيكرمني آته»، لأنّ معناه: من لا يأتني مكرما.
وقال [من الطويل]:
ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق [1]
كأنّه قال: من لا يقدّم رجله مثبتا.
* * * [1] تقدم بالرقم 103.(2/369)
هذا باب ما يجوز من تقديم جواب الجزاء عليه وما لا يجوز إلّا في الشعر اضطرارا
أمّا ما يجوز في الكلام فنحو: «آتيك إن أتيتني»، و «أزورك إن زرتني». ويقول القائل: «أتعطيني درهما»؟ فأقول: «إن جاء زيد». وتقول: «أنت ظالم إن فعلت». فإن قلت: «آتي من أتاني»، و «أصنع ما تصنع» لم يكن هاهنا جزاء وذلك أنّ حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها.
ولو قلت: «آتي من أتاني»، للزمك أن يكون منصوبا بالفعل الذي قبلها. وهذا لا يكون لأنّ الجزاء منفصل كالاستفهام، ولو قلت: «آتيك متى أتيتني»، أو «أقوم أين قمت» على أن تجعل «متى» و «أين» ظرفين لما بعدهما كان جيّدا، وكانتا منقطعتين من الفعل الأوّل، إلّا أنّك لمّا ذكرته سدّ مسدّ جواب الجزاء. فإن أردت أن يكونا ظرفين لما قبلهما، استحال لأنّ الجزاء لا يعمل فيه ما قبله كما لا يعمل هو فيما قبله ألا ترى أنّك لا تقول:
«زيدا إن تأت يكرمك»، ولا: «زيدا متى تأت تحببه». فإذا كان الفعل ماضيا بعد حرف الجزاء، جاز أن يتقدّم الجواب لأنّ «إن» لا تعمل في لفظه شيئا، وإنما هو في موضع الجزاء، فكذلك جوابه يسدّ مسدّ جواب الجزاء.
ويحسن في الكلام: «إن أتيتني لأقومنّ»، و «إن لم تأتني لأغضبنّ».
فسيبويه يذهب إلى أنّه على التقديم والتأخير، كأنّه قال: «لأغضبنّ إن لم تأتني»، و «لأقومنّ إن أتيتني».
والذي قال لا يصلح عندي، لأنّ الجواب في موضعه، فلا يجب أن يقدّر لغيره ألا ترى أنّك تقول: «يضرب غلامه زيد» لأنّ «زيد» في المعنى مقدّم لأنّ حقّ الفاعل أن
يكون قبل المفعول. ولو قلت: «ضرب غلامه زيدا» لم يجز، لأنّ الفاعل في موضعه، فلا يجوز أن يقدّر لغيره.(2/370)
والذي قال لا يصلح عندي، لأنّ الجواب في موضعه، فلا يجب أن يقدّر لغيره ألا ترى أنّك تقول: «يضرب غلامه زيد» لأنّ «زيد» في المعنى مقدّم لأنّ حقّ الفاعل أن
يكون قبل المفعول. ولو قلت: «ضرب غلامه زيدا» لم يجز، لأنّ الفاعل في موضعه، فلا يجوز أن يقدّر لغيره.
ولكن القول عندي أن يكون الكلام إذا لم يجز في موضع الجواب مبتدأ على معنى ما يقع بعد الفاء، فكأنّك قدّرته وأنت تريد الفاء كما أنّك تقول: «أعجبني الذي ضرب زيدا»، فإن جعلت الألف واللام في موضع «الذي»، كان صلتها على معنى صلة «الذي» لا على لفظها.
تقول: «أعجبني الضارب زيدا» لأنّ الألف واللّام للأسماء، فلا يليان «ضرب» لامتناع ما يكون للأسماء من الأفعال.
فمن ذلك قول زهير [من البسيط]:
[132] وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول: لا غائب مالي ولا حرم
[132] التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 153والإنصاف 2/ 625وجمهرة اللغة ص 108وخزانة الأدب 9/ 48، 70والدرر 5/ 82ورصف المباني ص 104وشرح أبيات سيبويه 2/ 85وشرح التصريح 2/ 249وشرح شواهد المغني 2/ 838والكتاب 3/ 66ولسان العرب 11/ 215 (خلل)، 12/ 128 (حرم) والمحتسب 2/ 65ومغني اللبيب 2/ 422والمقاصد النحوية 4/ 429وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 207وجواهر الأدب ص 203وشرح الأشموني 3/ 585 وشرح ابن عقيل ص 586وشرح عمدة الحافظ ص 353وشرح المفصل 8/ 157وهمع الهوامع 2/ 60.
اللغة والمعنى: الخليل: هنا الفقير والمعوز. المسألة: طلب العطاء والحاجة. الحرم: الممنوع.
يقول: إذا ما أتاه محتاج يطلب نوالا فإنّه يقول له: مالي موجود ولا حرمان لك منه. أي: إنّه رجل كريم، لا يردّ سائلا مهما كانت الظروف.
الإعراب: وإن: الواو: بحسب ما قبلها، إن: حرف شرط. أتاه: فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر، وهو في محل جزم فعل الشرط، والهاء: في محل نصب مفعول به. خليل: فاعل مرفوع. يوم: ظرف متعلّق ب «أتى»، وهو مضاف. مسألة: مضاف إليه مجرور. يقول: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو. لا: نافية تعمل عمل «ليس». غائب: اسم «لا» مرفوع. ومنهم من أهمل عمل «لا» فاعتبرها نافية. وغائب: مبتدأ مرفوع. مالي: فاعل لاسم الفاعل «غائب»: مرفوع سدّ مسدّ الخبر، وهو مضاف، والياء: ضمير في محل جرّ بالإضافة. ولا: الواو: حرف عطف، لا: حرف لتأكيد النفي. حرم: معطوف على «غائب» مرفوع.
وجملة «إن أتاه خليل» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة، أو معطوفة على جملة سابقة. وجملة «يقول» الفعليّة: في محل رفع خبر المبتدأ المحذوف. والجملة من المبتدأ المحذوف والخبر جواب الشرط. وجملة «لا غائب مالي» الاسميّة: في محلّ نصب مفعول به.(2/371)
فقوله: «يقول» على إرادة الفاء على ما ذكرت لك.
ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {وَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ. فَسَلََامٌ لَكَ مِنْ أَصْحََابِ الْيَمِينِ} (1). الفاء لا بدّ منها في جواب «أمّا»، فقد صارت هاهنا جوابا لها، والفاء وما بعدها يسدّان مسدّ جواب «إن».
ولو كان هذا في الكلام: «أمّا إن كان زيد عندك فله درهم»، لكان تقديره: مهما يكن من شيء فلزيد درهم إن كان عندك لأنّ «أمّا» فيها معنى الجزاء واقع، ولا بدّ من الفاء.
وتقديرها ما ذكرت لك.
ألا ترى أنّك تقول: «أمّا زيد فمنطلق»، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (2) فالمعنى: مهما يكن من شيء، فلا تقهر اليتيم.
ولو اضطرّ شاعر فحذف الفاء وهو يريدها لجاز كما قال [من الطويل]:
[133] أمّا القتال لا قتال لديكمو ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب
والشاهد فيه: رفع «يقول» على نيّة التقديم، والتقدير: يقول إن أتاه خليل. وجاز هذا لأنّ «إن» غير عاملة في اللفظ، وهنا المبرد يقدّره على حذف الفاء.
__________
(1) الواقعة: 9190.
(2) الضحى: 9.
[133] التخريج: البيت للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص 45وخزانة الأدب 1/ 452 والدرر 5/ 110وبلا نسبة في أسرار العربية ص 106والأشباه والنظائر 2/ 153والجنى الداني ص 524وسرّ صناعة الإعراب ص 265وشرح شواهد الإيضاح ص 107وشرح شواهد المغني ص 177وشرح ابن عقيل ص 597وشرح المفصل 7/ 134، 9/ 412والمنصف 3/ 118ومغني اللبيب ص 56والمقاصد النحوية 1/ 4577/ 474وهمع الهوامع 2/ 67.
اللغة: العراض: الناحية. الموكب: ج المواكب، وهو الجماعة من الناس.
المعنى: أمّا القتال فلا تحسنونه، ولستم من أهله، وإنّما أنتم تحسنون السير مع الجماعات التي لا تقاتل، أي للاستقبال أو للاستعراض.
الإعراب: «أما»: حرف شرط وتفصيل. «القتال»: مبتدأ مرفوع. «لا»: نافية للجنس. «قتال»: اسم «لا» مبنيّ في محلّ نصب. «لديكم»: ظرف مكان مبنيّ، متعلّق بمحذوف خبر «لا» وهو مضاف، و «كم»:
في محلّ جرّ بالإضافة. «ولكن»: الواو: حرف عطف، «لكن»: حرف مشبه بالفعل، واسمه ضمير المخاطب المحذوف تقديره: «لكنكم». «سيرا»: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: «تسيرون سيرا» وهذه الجملة في محلّ رفع خبر «لكن». وقيل «سيرا» اسم «لكن» منصوب، والخبر محذوف تقديره: «ولكن لكم سيرا». «في عراض»: جار ومجرور متعلّقان ب «سيرا»، وهو مضاف. «المواكب»: مضاف إليه مجرور.
وجملة «أما القتال»: بحسب ما قبلها. وجملة «لا قتال لديكم»: في محلّ رفع خبر المبتدأ.(2/372)
وأمّا ما لا يجوز إلّا في الشعر فهو: «إن تأتني آتيك»، و «أنت ظالم إن تأتني» لأنّها قد جزمت، ولأنّ الجزاء في موضعه، فلا يجوز في قول البصريّين في الكلام إلّا أن توقع الجواب فعلا مضارعا مجزوما أو فاء، إلّا في الشعر.
فأما «إن تأتني أتيتك»، فإنّ بعضهم قد يجيزه في غير الشعر كما أجازوا «إن أتيتني آتك». وقد مضى قولنا في الفصل بينهما.
قال الشاعر على إرادة الفاء [من الطويل]:
[134] وأنّي متى أشرف على الجانب الذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر
وهو عندي على إرادة الفاء. والبصريّون يقولون: هو على إرادة الفاء، ويصلح أن يكون على التقديم أي: وإني ناظر متى أشرف.
وجملة «لكن سيرا»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «لا قتال لديكم» حيث حذف الفاء من جواب «أما» مع أنّ الكلام ليس على تضمّن قول محذوف، وذلك للضرورة.
[134] التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص 1014وخزانة الأدب 9/ 48، 51، 53وشرح أبيات سيبويه 2/ 92.
اللغة: أشرف على المكان: اطّلع عليه.
المعنى: يتساءل: هل يجزى بحثي عنك في كل مكان بمثله، أي هل تحرصين على رؤيتي كما أحرص على رؤيتك، فأنا لا أنظر إلا إلى حيث أنت.
الإعراب: «وأني»: الواو: حرف عطف، «أني»: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسم (أنّ) محله النصب. «متى»: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان. «أشرف»: فعل مضارع مجزوم، والفاعل مستتر وجوبا تقديره: (أنا). «على الجانب»: جار ومجرور متعلقان ب (أشرف).
«الذي»: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ل (الجانب). «به»: جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ (أنت). «من بين»: جار ومجرور متعلقان بحال من (الهاء) في (به). «الجوانب»: مضاف إليه.
«ناظر»: خبر ل (أنّ)، والمصدر المؤول من (أنّ) واسمها وخبرها معطوف على اسم مرفوع في البيت السابق على البيت الشاهد في قصيدته، وهو قول الشاعر (بكائي).
وجملة «متى أشرف مع الجواب المحذوف»: اعتراضية لا محل لها اعترضت بين (أنّ) وخبرها (ناظر). وجملة «أشرف»: مضاف إليها محلّها الجر، والمبرد يرى هنا أن (ناظر) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أنا ناظر مقدّرا الفاء الرابطة لجواب الشرط الجازم، فعلى ذلك تكون جملة «أنا ناظر» جوابا ل (متى) ومتى وفعلها وجوابها خبر ل (أن) محلها الرفع، وتكن (متى) متعلقة بما في جملة الجواب من الدلالة على الحدث، أما على المذهب الآخر فمتعلقة بفعل جملة جواب الشرط المحذوف عند بعضهم، ويفعل الشرط عند آخرين.
والشاهد فيه: أن (ناظر) مراد قبلها الفاء، أي متى أشرف فأنا ناظر.(2/373)
وكذلك قول الشاعر [من الرجز]:
[135] يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنّك إن يصرع أخوك تصرع
وقال آخر [من الطويل]:
[136] فقلت: تحمّل فوق طوقك، إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
[135] التخريج: الرجز لجرير بن عبد الله البجلي في شرح أبيات سيبويه 2/ 121والكتاب 3/ 67 ولسان العرب 11/ 46 (بجل) وله أو لعمرو بن خثارم البجلي في خزانة الأدب 8/ 20، 23، 28وشرح شواهد المغني 2/ 897والمقاصد النحوية 4/ 430ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر 1/ 227وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 202والإنصاف 2/ 623ورصف المباني ص 104وشرح الأشموني 3/ 586وشرح التصريح 2/ 249وشرح عمدة الحافظ ص 354وشرح المفصل 8/ 158ومغني اللبيب 2/ 553وهمع الهوامع 2/ 72.
الإعراب: «يا»: حرف نداء. «أقرع»: منادى مبني على الضمّ في محلّ نصب. «بن»: نعت «أقرع»، تبعه في المحلّ منصوب، وهو مضاف. «حابس»: مضاف إليه مجرور. «يا أقرع»: توكيد لفظي للنداء الأوّل. «إنّك»: حرف مشبّه بالفعل، والكاف ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «إن»: حرف شرط جازم.
«يصرع»: فعل مضارع للمجهول مجزوم لأنّه فعل الشرط. «أخوك»: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «تصرع»: فعل مضارع للمجهول مرفوع، وهو جواب الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: «أنت».
وجملة النداء «يا أقرع»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: «إنك إن يصرع» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: «إن يصرع أخوك تصرع» في محلّ رفع خبر «إنّ». وجملة: «تصرع» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «إن يصرع تصرع» حيث ورد فعل الشرط «يصرع» مجزوما، وجواب الشرط «تصرع» مرفوعا وهذا على إرادة التقديم، أي: إنك تصرع إن يصرع أخوك.
[136] التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذليّ في خزانة الأدب 9/ 52، 57، 71وشرح أبيات سيبويه 2/ 193وشرح أشعار الهذليّين 1/ 208وشرح التصريح 2/ 249والشعر والشعراء 2/ 659والكتاب 3/ 70ولسان العرب 4/ 495 (ضير)، 8/ 233 (طبع) والمقاصد النحوية 4/ 431وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 586وشرح المفصل 8/ 158.
شرح المفردات: الطوق: القدرة. مطبّعة: مليئة. يضيرها: يضرّها.
المعنى: يصف الشاعر قرية كثيرة الخير، فيقول: إنّه مهما يحمل منها فوق طاقته فإنّه لن ينقصها.
الإعراب: «فقلت»: الفاء: بحسب ما قبلها، «قلت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل.
«تحمّل»: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت». «فوق»: ظرف منصوب متعلق ب «تحمّل»، وهو مضاف. «طوقك»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «إنها»: حرف مشبّه بالفعل، و «ها»: ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «مطبّعة»: خبر «إنّ» مرفوع. «من»: اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «أتها»: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به،(2/374)
يريد: لا يضيرها من يأتها.
وأمّا قول عبد الرحمن بن حسّان [من البسيط]:
[137] من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان
فلا اختلاف بين النحويين في أنّه على إرادة الفاء لأنّ التقديم فيه لا يصلح.
* * * وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «لا»: حرف نفي. «يضيرها»: فعل مضارع جواب الشرط مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو» و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به.
وجملة «قلت»: بحسب ما قبلها. وجملة «تحمّل»: في محلّ نصب مفعول به. وجملة «إنها مطبّعة»:
استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «من يأتها لا يضيرها»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة «يأتها»: في محل رفع خبر المبتدأ «من». وجملة «يضيرها» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «لا يضيرها» حيث رفع الفعل المضارع الواقع جوابا لشرط غير ماض، ولا مضارع منفيّ ب «لم»، وهذا ضعيف عند جمهور النحاة.
[137] التخريج: البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص 288وشرح أبيات سيبويه 2/ 109وله أو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب 9/ 49، 52وشرح شواهد المغني 1/ 178ولعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب 2/ 365ولسان العرب 11/ 47 (بجل) ومغني اللبيب 1/ 56والمقاصد النحوية 4/ 433ونوادر أبي زيد ص 31ولحسان بن ثابت في الدرر 5/ 81والكتاب 3/ 65، وليس في ديوانه وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 114وخزانة الأدب 9/ 40، 77، 11/ 357والخصائص 2/ 281 وسرّ صناعة الإعراب 1/ 264، 265وشرح شواهد المغني 1/ 286وشرح المفصل 9/ 2، 3والكتاب 3/ 114.
الإعراب: «من»: اسم شرط مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يفعل»: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط، وعلامة جزمه السكون وحرّك بالكسر منعا من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو».
«الحسنات»: مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. «الله»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «يشكرها»:
فعل مضارع مرفوع، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو».
«والشر»: الواو حرف استئناف، «الشر»: مبتدأ مرفوع. «بالشر»: جار ومجرور متعلّقان ب «مثلان». «عند»:
ظرف مكان منصوب، وهو مضاف. «الله»: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. «مثلان»: خبر المبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنّى.
وجملة «من يفعل»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يفعل»: في محل رفع خبر للمبتدأ «من». وجملة «الله يشكرها»: في محل جزم جواب شرط جازم على تقدير اقترانه بالفاء. وجملة «يشكرها»:
في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة «الشر بالشر»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «الله يشكرها» حيث حذف الفاء الرابطة لجواب الشرط من الجملة الاسميّة، وذلك للضرورة الشعريّة. والتقدير: «فالله يشكرها». وأجازه بعضهم إذا علم.(2/375)
هذا باب ما تحتمل حروف الجزاء من الفصل بينها وبين ما عملت فيه
أمّا «إن» إذا لم تجزم، فالفصل بينها وبين ما عملت فيه في الظاهر جائز بالاسم.
وذلك قوله: «إن الله أمكنني من فلان فعلت»، و «إن زيد أتاني أكرمته» كما قال الشاعر [من البسيط]:
[138] عاود هراة وإن معمورها خربا ... [وأسعد اليوم مشغوفا إذا طربا]
(138) التخريج: هذا بيت من أبيات خمسة لشاعر من أهل هراة كذا في اللسان 15/ 361 (هرا) وهو بلا نسبة في شرح المفصل 9/ 10.
اللغة: هراة: بلدة في خراسان.
المعنى: يقول الشاعر لنفسه: عد إلى هراة، وإن خرّب ما فيها من العمران، فإن في بقائك فيها إسعادا لقلب شغف بحبها واشتاق لرؤيتها.
الإعراب: «عاود»: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبا تقديره: «أنت». «هراة»:
مفعول به. «وإن»: الواو: حالية، «إن»: حرف شرط جازم. «معمورها»: فاعل لفعل محذوف يفسّره المذكور، و «ها»: ضمير في محل جر بالإضافة. «خربا»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). «وأسعد»: الواو: حرف عطف، «أسعد»: مثل (عاود). «اليوم»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلّق ب (أسعد). «مشغوفا»: مفعول به. «إذا»: مفعول فيه ظرف زمان في محل نصب على البدلية من (اليوم). «طرب»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو)، والألف: للإطلاق.
وجملة «عاود»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «إن خرب معمورها مع الجواب المحذوف»: حالية محلّها النصب. وجملة «خرب معمورها»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «خرب»:
المذكورة تفسيرية لا محل لها. وجملة «أسعد»: معطوفة على جملة «عاود». وجملة «طرب»: مضاف إليها محلّها الجر.
والشاهد فيه: تقديم الاسم (معمورها) على الفعل (خربا) بعد (إن) وحمله على إضمار فعل، لأن (إن) الشرطية تقتضيه مظهرا، أو مضمرا.(2/376)
وإنّما تفسير هذا: أنّك أضمرت الفعل بينها وبين الاسم، فتقديره: إن أمكنني الله من زيد، وإن خرب معمورها. ولكنّه أضمر هذا، وجاء بالفعل الظاهر تفسير ما أضمر، ولو لم يضمر لم يجز لأنّ الجزاء لا يكون إلّا بالفعل. وإنّما احتملت «إن» هذا في الكلام، لأنّها أصل الجزاء كما تحتمل الألف في الاستفهام تقديم الاسم في نحو قولك: «أزيد قام»؟
لأنّها أصل الاستفهام. ولو قلت: «هل زيد قام»؟ لم يصلح إلّا في الشعر لأنّ السؤال إنّما هو عن الفعل، وكذلك: «متى زيد خرج»؟ و «أين زيد قام»؟ وجميع حروف الاستفهام غير ألف الاستفهام لا يصلح فيهنّ إذا اجتمع اسم وفعل إلّا تقديم الفعل، إلّا أن يضطرّ الشاعر.
والفعل في الجزاء أوجب لأنّ الجزاء لا يكون إلّا بالفعل، والاستفهام قد يكون عن الأسماء بلا فعل، تقول: «أزيد أخوك»؟ «أزيد في الدار»؟ ولا يكون مثل هذا في الجزاء وسائر حروف الجزاء سوى «إن». لا يجوز فيها هذا في الكلام ولا في «إن»، إذا جزمت. لا تقول: «من زيد يأته يكرمه»، ولا «إن زيد يأتني آته»، ولا «أين زيد أتاني أتيته»، ولا «من زيد أتاه أكرمه». فإن اضطرّ شاعر، جاز فيهنّ الفصل، جزمن أو لم يجزمن.
وجاز ذلك في حروف الجزاء دون سائر عوامل الأفعال لأنّه يقع بعدهنّ المستقبل والماضي. ولا يكون ذلك في غيرهنّ من العوامل. فلمّا تمكّنّ هذا التّمكّن، احتملن الإضمار والفصل.
فممّا جاء في الشعر قوله [من الرمل]:
[139] صعدة نابتة في حائر ... أينما الريح تميّلها تمل
[139] التخريج: البيت لكعب بن جعيل في خزانة الأدب 3/ 47والدرر 5/ 79وشرح أبيات سيبويه 2/ 196والمؤتلف والمختلف ص 84وله أو للحسام بن ضرار في المقاصد النحويّة 4/ 424 وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 38، 39، 43وشرح الأشموني 3/ 580وشرح المفصل 9/ 10والكتاب 3/ 113ولسان العرب 4/ 223 (حير) وهمع الهوامع 2/ 59.
اللغة: الصعدة: القناة التي تنبت مستوية. الحائر: المكان الذي يكون وسطه منخفضا وحروفه مرتفعة عالية.
المعنى: شبه امرأة بقناة مستوية لدنة قد نبتت في مكان مطمئن الوسط مرتفع الجوانب والريح تعبث بها وهي تميل مع الريح.
الإعراب: «صعدة»: خبر لمبتدأ محذوف، مرفوع بالضمة. «نابتة»: صفة مرفوعة بالضمة. «في حائر»: جار ومجرور بالكسرة متعلقان ب «نابتة». «أينما»: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل(2/377)
وقال الآخر [من الطويل]:
[140] فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن ... ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا
نصب ظرف زمان متعلق ب «تمل». «الرّيح»: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. «تميلها»: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم السكون، و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. «تمل»: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة الجزم السكون، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.
وجملة «هي صعدة»: بحسب ما قبلها. وجملة «أينما الريح تميلها تمل»: في محل رفع صفة ثانية.
وجملة «الريح وفعلها المحذوف»: في محل جرّ بالإضافة. وجملة «تميلها»: تفسيرية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تمل»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «أينما الريح تميّلها»: حيث وقع اسم مرفوع بعد أداة الشرط، ووقع بعد هذا الاسم المرفوع فعل مضارع مجزوم ضرورة، والاسم المرفوع هذا هو فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المتأخر، وهذا الفعل المحذوف هو فعل الشرط.
[140] التخريج: البيت لهشام المريّ في خزانة الأدب 9/ 38، 40والدرر 5/ 77وشرح أبيات سيبويه 2/ 89والكتاب 3/ 114وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 829ومغني اللبيب 1/ 403 وهمع الهوامع 2/ 59.
المعنى: من نجره يعش آمنا مطمئنا، ومن لا نجره يصبح ويمس وهو في خوف وهلع منا.
الإعراب: «فمن»: الفاء: بحسب ما قبلها، «من»: اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ.
«نحن»: ضمير رفع منفصل في محل رفع فاعل لفعل محذوف. «نؤمنه»: فعل مضارع مجزوم بالسكون، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن. «يبت»: فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. «وهو»: «الواو»: حالية، «هو»: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. «آمن»: خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. «ومن»: الواو: عاطفة، «من»: اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ. «لا نجره»: «لا»: نافية لا عمل لها، «نجره»: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة الجزم السكون، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن. «يمس»: فعل مضارع ناقص مجزوم لأنّه جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلة، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو. «منّا»: جار ومجرور متعلقان بالخبر. «مفزّعا»: خبر منصوب بالفتحة.
وجملة «من وفعلها وجوابها»: بحسب ما قبلها. وجملة «نحن وفعلها»: في محل رفع خبر من.
وجملة «نؤمنه»: تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة «يبت»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الإعراب. وجملة «وهو آمن»: حالية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «من وفعلها وجوابها»:
معطوفة على ما قبلها. وجملة «لا نجره»: في محل رفع خبر من. وجملة «يمس منا مفزّعا»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «فمن نحن نؤمنه» حيث وقع الضمير المنفصل المرفوع بعد أداة الشرط وبعده فعل مضارع مجزوم، وهذا الضمير فاعل لفعل محذوف يفسره هذا الفعل المذكور بعده، وتقدير الكلام: فمن نؤمنه نحن نؤمنه.(2/378)
وقال الآخر [من الخفيف]:
[141] فمتى واغل ينبهم يحيّو ... هـ وتعطف عليه كأس الساقي
واعلم أنّ المفعول إذا وقع في هذا الموضع وقد شغل الفعل عنه، انتصب بالفعل المضمر، لأنّ الذي بعده تفسير له كما كان في الاستفهام في قولك: «أزيدا ضربته»، {أَبَشَراً مِنََّا وََاحِداً نَتَّبِعُهُ} (1). وذلك قولك: «إن زيدا تره تكرمه»، و «من زيدا يأته يعطه»، و «إن زيدا لقيته أكرمته»، وكذلك «إذا» لأنّها لا تقع إلّا على فعل. تقول: «إذا زيدا لقيته فأكرمه»، قال [من الكامل]:
[142] لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
[141] التخريج: البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 156وخزانة الأدب 3/ 46، 9/ 37، 39 والدرر 5/ 78وشرح أبيات سيبويه 2/ 88والكتاب 3/ 113وبلا نسبة في شرح المفصل 9/ 10ولسان العرب 11/ 732 (وغل) وهمع الهوامع 2/ 59.
اللغة: واغل: الرجل الذي يدخل على الشرب من غير أن يدعى. ينبهم: ينزل بهم.
المعنى: متى يزرهم هذا الواغل المتطفل يلق التحية والعطف والإكرام منهم.
الإعراب: «فمتى»: الفاء: بحسب ما قبلها، «متى»: اسم شرط جازم مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة ب «يحيّوه». «واغل»: فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور. «ينبهم»: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو، و «هم»: ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به، وهو فعل الشرط. «يحيوه»: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون من آخره، والواو: ضمير رفع متحرك مبني على السكون في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والفعل جواب الشرط. «وتعطف»: «الواو»: عاطفة، «تعطف»: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم وعلامة جزمه السكون. «عليه»: جار ومجرور متعلقان بالفعل تعطف. «كأس»: نائب فاعل مرفوع بالضمة. «الساقي»: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة.
وجملة «الفعل المحذوف مع واغل»: في محل جر بالإضافة. وجملة «ينبهم»: تفسيرية. وجملة «يحيوه»: جواب شرط جازم لا محل له من الإعراب لأنه غير مقترن بالفاء. وجملة «تعطف»: معطوفة على ما قبلها.
والشاهد فيه قوله: «متى واغل ينبهم»: حيث فصل بالاسم المرفوع بين أداة الشرط وفعل الشرط.
وخرّج ذلك على أنه فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور.
__________
(1) القمر: 24.
[142] التخريج: البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص 72وتخليص الشواهد ص 499وخزانة الأدب 1/ 314، 321، 11/ 36وسمط اللآلي ص 468وشرح أبيات سيبويه 1/ 160وشرح شواهد المغني 1/ 472، 2/ 829وشرح المفصل 2/ 38والكتاب 1/ 134ولسان العرب 6/ 238 (نفس)،(2/379)
وقال الآخر [من الطويل]:
[143] إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر
11/ 211 (خلل) والمقاصد النحويّة 2/ 535وبلا نسبة في الأزهيّة ص 248والأشباه والنظائر 2/ 151والجنى الداني ص 72وجواهر الأدب ص 67وخزانة الأدب 3/ 32، 9/ 41، 43، 44 والردّ على النحاة ص 114وشرح الأشموني 1/ 188وشرح ابن عقيل ص 264ولسان العرب 4/ 604 (عمر) ومغني اللبيب 1/ 166، 403.
اللغة: لا تجزعي: لا تخافي. المنفس: هنا المال الكثير. أهلكته: أنفقته. هلكت: متّ.
المعنى: يخاطب الشاعر زوجته بقوله: لا تخافي على إنفاقي المال وتبذيره، فإنني ما دمت حيّا لن تحتاجي إلى شيء، وإذا مت فعند ذلك اجزعي لأنّك لن تجدي من بعدي من يؤمّن لك حاجاتك.
الإعراب: لا: الناهية. تجزعي: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والياء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. إن: حرف شرط جازم. منفسا: مفعول به على الاشتغال منصوب بالفتحة، والتقدير: «إن أهلكت منفسا». أهلكته: فعل ماض مبنيّ على السكون، والتاء: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. وإذا: الواو: حرف استئناف، «إذا»: ظرف يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. هلكت: فعل ماض مبنيّ على السكون، والتاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. فعند: الفاء: رابطة لجواب الشرط، «عند»: ظرف زمان متعلق بالفعل «اجزعي»، وهو مضاف.
ذلك: اسم إشارة في محل جر بالإضافة. فاجزعي: الفاء: رابطة لجواب الشرط، «اجزعي»: فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بياء المخاطبة المؤنثة، والياء: ضمير فاعل.
وجملة «لا تجزعي»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «إن منفسا أهلكته»: تفسيريّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «هلكت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «إذا هلكت»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «اجزعي»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.
الشاهد فيه قوله: «إن منفسا أهلكته» حيث نصب «منفسا» بإضمار فعل دلّ عليه ما بعده، لأنّ حرف الشرط يقتضي فعلا مظهرا أو مضمرا.
[143] التخريج: البيت لذي الرّمة في ديوانه ص 1042وخزانة الأدب 3/ 32، 37وسمط اللآلي ص 218وشرح أبيات سيبويه 1/ 166وشرح شواهد المغني 2/ 660وشرح المفصل 2/ 30 والكتاب 1/ 82وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 296وتخليص الشواهد ص 179وشرح المفصل 4/ 96.
اللغة: أبو موسى: أبو موسى الأشعري، وبلال حفيده من أبي بردة. الوصل: المفصل عند النحر في العنق. الجازر: ناحر الناقة.
المعنى: إن أوصلتني ناقتي إلى بلاد لأمدحه، استغنيت عنها بعطائه، وأرسلت لها من يذبحها بالفأس.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لفعله، متعلّق بجوابه، مبني على السكون في محلّ نصب. ابن: مفعول به منصوب لفعل محذوف، يبينه الفعل بعده. أبي: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه(2/380)
ولو رفع هذا رافع على غير الفعل، لكان خطأ، لأنّ هذه الحروف لا تقع إلّا على الأفعال. ولكن رفعه يجوز على ما لا ينقض المعنى، وهو أن يضمر «بلغ»، فيكون إذا بلغ ابن أبي موسى. وقوله: «بلغته» إظهار للفعل وتفسير للفاعل.
وكذلك: «لا تجزعي إن منفس أهلكته» على أن يكون المضمر «هلك».
وكذلك هذه الآيات كلّها، وهي: {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} (1)، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (2) وإنّما المعنى والله أعلم إذا كوّرت الشمس، وإذا انشقّت السماء.
والجواب في جميع هذا موجود، لأنّ هذه لا تكون إلّا بأجوبة. فالجواب في قوله:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا أَحْضَرَتْ} (3). والجواب في قوله: {إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ} (4) {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (5).
فأمّا قوله: {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهََا وَحُقَّتْ} (6) فقد قيل فيه أقاويل:
فقوم يقولون: {فَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ} (7) هو الجواب، لأنّ الفاء وما بعدها جواب، كما تكون جوابا في الجزاء لأنّ «إذا» في معنى الجزاء. وهو كقولك: «إذا جاء زيد فإن كلّمك فكلّمه». فهذا قول حسن جميل.
من الأسماء الخمسة. موسى: مضاف إليه مجرور بالفتحة المقدّرة على الألف، لأنه ممنوع من الصرف.
بلالا: اسم منصوب على البدلية من (ابن)، وفي شرح أبيات المغني 5/ 90أكد البغدادي أن رواية رفع (ابن) ونصب (بلالا) من تحريف شرّاح المغني. بلغته: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. فقام: الفاء: رابطة لجواب الشرط، و «قام»: فعل ماض مبني على الفتح. بفأس: جار ومجرور متعلقان بحال من فاعل (قام). بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف متعلق ب (قام). وصليك: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والكاف: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. جازر: فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة «إذا ابن أبي موسى فقام جازر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «ابن»: مع فعله المحذوف مضاف إليها محلها الجر. وجملة «بلغته»: تفسيرية لا محل لها. وجملة «قام جازر»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «إذا ابن أبي موسى» حيث جاء (ابن) مفعولا به لفعل محذوف بعد (إذا)، وقيل أنه فاعل.
__________
(1) الانشقاق: 1.
(2) التكوير: 1.
(3) التكوير: 14.
(4) الانفطار: 1.
(5) الانفطار: 5.
(6) الانشقاق: 21.
(7) الانشقاق: 7.(2/381)
وقال قوم: الخبر محذوف لعلم المخاطب. كقول القائل عند تشديد الأمر: «إذا جاء زيد»، أي: إذا جاء زيد علمت وكقوله: «إن عشت»، ويكل ما بعد هذا إلى ما يعلمه المخاطب. كقول القائل: «لو رأيت فلانا» وفي يده السيف.
وقال قوم آخرون: الواو في مثل هذا تكون زائدة. فقوله: {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهََا وَحُقَّتْ} (1) يجوز أن يكون {إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} (2) والواو زائدة. كقولك:
«حين يقوم زيد حين يأتي عمرو».
وقالوا أيضا: إذا السماء انشقّت أذنت لربّها وحقّت، وهو أبعد الأقاويل. أعني زيادة الواو.
ومن قول هؤلاء: إنّ هذه الآية على ذلك {فَلَمََّا أَسْلَمََا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنََادَيْنََاهُ} (3)
قالوا: المعنى: ناديناه أن يا إبراهيم. قالوا: ومثل ذلك في قوله: {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا وَقََالَ لَهُمْ خَزَنَتُهََا} (4). المعنى عندهم: حتّى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها، كما كان في الآية التي قبلها. في مواضع من القرآن كثيرة من هذا الضّرب قولهم واحد، وينشدون في ذلك [من الكامل]:
[144] حتى إذا امتلأت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا ... إنّ الغدور الفاحش الخبّ
__________
(1) الانشقاق: 21.
(2) الانشقاق: 3.
(3) الصافات: 104103.
(4) الزمر: 73.
[144) التخريج: البيتان للأسود بن يعفر في ديوانه ص 19وبلا نسبة في الأزهية ص 236 وتذكرة النحاة ص 45والجنى الدانى ص 165وخزانة الأدب 11/ 44، 45ورصف المباني ص 425 وسرّ صناعة الإعراب ص 646، 647وشرح عمدة الحافظ ص 649وشرح المفصل 8/ 94ولسان العرب 11/ 568 (قمل)، 15/ 489 (وا) ومجالس ثعلب ص 47والمعاني الكبير ص 533.
اللغة: امتلأت بطونكم: شبعت وضخمت، وقيل: كثرت قبائلكم. الخب (بكسر الخاء وفتحها):
الخدّاع.
المعنى: ولما كثرت قبائلكم وانتشرتم في الأصقاع، ورأيتم أبناءكم قد كبروا وترعرعوا، وقلبتم ظهر الترس لنا محاربين، بان غدركم ولؤمكم.
الإعراب: «حتى»: حرف ابتداء، «إذا»: ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بجواب الشرط. «امتلأت»:
فعل ماض مبني على الفتح، وتاء التأنيث الساكنة: لا محل لها من الإعراب. «بطونكم»: فاعل مرفوع بالضمة، و «كم»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «ورأيتم»: الواو: عاطفة، و «رأيتم»: فعل ماض مبني على السكون، و «تم»: في محل رفع فاعل. «أبناءكم»: مفعول به منصوب بالفتحة، و «كم»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «شبّوا»: فعل ماض مبني على الضمّ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير(2/382)
قال: وإنما هو: قلبتم ظهر المجنّ.
وزيادة الواو غير جائزة عند البصريين، والله أعلم بالتأويل. فأمّا حذف الخبر، فمعروف جيّد. من ذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبََالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ََ بَلْ لِلََّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} (1). قال الراجز:
[145] لو قد حداهن أبو الجوديّ ... بزجر مسحنفر الرّويّ
مستويات كنوى البرنيّ
لم يأت بخبر لعلم المخاطب. ومثل هذا الكلام كثير. ولا يجوز الحذف حتّى يكون المحذوف معلوما بما يدلّ عليه من متقدّم خبر أو مشاهدة حال.
متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. «وقلبتم»: الواو زائدة، و «قلبتم»: فعل ماض مبني على السكون، و «تم»: ضمير متصل في محل رفع فاعل. «ظهر»: مفعول به منصوب بالفتحة. «المجنّ»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «لنا»: جار ومجرور متعلقان بالفعل قلبتم. «إن»: حرف مشبه بالفعل. «الغدور»: اسم «إن» منصوب بالفتحة. «الفاحش»: نعت (الغدور) منصوب. «الخبّ»: خبر مرفوع بالضمة.
وجملة «إذا امتلأت»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «امتلأت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «رأيتم»: معطوفة على سابقتها في محلّ جرّ. وجملة «شبّوا»: في محل نصب حال.
وجملة «قلبتم»: جملة جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «إن الغدور الخبّ»:
استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «وقلبتم ظهر المجنّ لنا» التقدير: قلبتم، والواو زائدة، والجملة جواب للشرط الذي في البيت الأول.
__________
(1) الرعد: 31.
[145] التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 40وسرّ صناعة الإعراب 2/ 648ولسان العرب 3/ 138 (جود)، 482 (جوذ)، 11/ 50 (بذل)، 14/ 348 (روي).
اللغة: يقال: اسحنفر في خطبته إذا مضى واتسع في كلامه، والبرنيّ ضرب من التمر.
المعنى: لقد حدا أبو الجودي هذه الدواب برجز شديد الروي فسارت أمامه مستويات استواء نواة التمر.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم. قد: حرف تحقيق. حداهن: فعل ماض، و «الهاء»: مفعول به، و «النون»: علامة جمع الإناث. أبو: فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة. الجودي: مضاف إليه.
بزجر: جار ومجرور متعلقان ب (حداهن). مسحنفر: صفة ل (زجر). الرويّ: مضاف إليه. مستويات: حال منصوب من الهاء في (حداهن). كنوى: «الكاف»: اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق، و «نوى»: مضاف إليه. البرنيّ: مضاف إليه.
وجملة «لو قد حداهن أبو الجودي مع جواب الشرط المحذوف»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «حداهن أبو الجودي»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: حذف جواب (لو) الشرطية لدلالة السياق العام عليه، أي: لسارت مستويات، مثلا.(2/383)
هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها
وتلك الأفعال جواب ما كان أمرا أو نهيا أو استخبارا، وذلك قولك: «ائت زيدا يكرمك»، و «لا تأت زيدا يكن خيرا لك»، و «أين بيتك أزرك»؟
وإنّما انجزمت بمعنى الجزاء لأنّك إذا قلت: «ائتني أكرمك»، فإنّما المعنى: ائتني فإن تأتني أكرمك لأنّ الإكرام إنّما يجب بالإتيان. وكذلك: «لا تقم يكن خيرا لك» لأنّ المعنى: فإن لم تقم يكن خيرا لك. و «أين بيتك أزرك»؟ إنّما معناه: إن تعلمني أزرك.
وقال الله عزّ وجلّ: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ} (1) ثمّ ذكرها فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ} (2) فلمّا انقضى ذكرها قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} (3)
لأنّه جواب ل «هل».
وكذلك: «أعطني أكرمك». وتقول: «ائتني أشكرك»، والتفسير واحد. ولو قلت: «لا تعص الله يدخلك الجنّة» كان جيّدا لأنّك إنّما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنّك قلت:
فإنّك إن لا تعصه يدخلك الجنّة، واعتبره بالفعل الذي يظهر في معناه ألا ترى أنّك لو وضعت فعلا بغير نهي في موضع «لا تعص الله»، لكان: «أطع الله».
ولو قلت: «لا تعص الله يدخلك النار» كان محالا لأنّ معناه: أطع الله. وقولك:
«أطع الله يدخلك النار»، محال.
__________
(1) الصف: 10.
(2) الصف: 11.
(3) الصف: 12.(2/384)
وكذلك: «لا تدن من الأسد يأكلك» لا يجوز لأنّك إذا قلت: «لا تدن»، فإنّما تريد:
«تباعد»، ولو قلت: «تباعد من الأسد يأكلك» كان محالا لأنّ تباعده منه لا يوجب أكله إيّاه. ولكن لو رفعت كان جيّدا. تريد: فإنّه ممّا يأكلك.
وأمّا قوله: {وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) وما أشبهه، فليس «يقولوا» جوابا ل «قل». ولكنّ المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا يقولوا.
وكذلك: {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ} (2) وإنّما هو: قل لهم يفعلوا يفعلوا.
* * * وتقول: «مره يحفرها»، و «مره يحفرها». فالرفع على ثلاثة أوجه، والجزم على وجه واحد، وهو أجود من الرفع لأنّه على الجواب كأنّه إن أمرته حفرها.
وأمّا الرفع فأحد وجوهه: أن يكون «يحفرها» على قولك: فإنّه ممن يحفرها، كما كان «لا تدن من الأسد يأكلك».
ويكون على الحال، كأنّه قال: مره في حال حفره. فلو كان اسما، لكان: مره حافرا لها.
ويكون على شيء هو قليل في الكلام، وذلك أن تريد: مره أن يحفرها، فتحذف «أن» وترفع الفعل لأنّ عامله لا يضمر.
وبعض النحويّين من غير البصريّين يجيز النصب على إضمار «أن». والبصريّون يأبون ذلك إلّا أن يكون منها عوض نحو: الفاء والواو وما ذكرناه معهما. ونظير هذا الوجه قول طرفة [من الطويل]:
[146] ألا أيهذا الزّاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي
__________
(1) الإسراء: 53.
(2) إبراهيم: 31.
[146] التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 32والإنصاف 2/ 560وخزانة الأدب 1/ 119، 8/ 579والدرر 1/ 74وسرّ صناعة الإعراب 1/ 285وشرح شواهد المغني 2/ 800 والكتاب 3/ 99، 100ولسان العرب 13/ 32 (أنن)، 14/ 272 (دنا) والمقاصد النحوية 4/ 402وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 463، 8/ 507، 580، 585والدرر 3/ 33، 9/ 94ورصف المباني ص 113وشرح ابن عقيل ص 597وشرح المفصل 2/ 7، 4/ 28، 7/ 52ومجالس ثعلب ص 383،(2/385)
ومن رأى النصب هناك رأى نصب «أحضر».
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجََاهِلُونَ} (1) فتقديره والله أعلم: قل أفغير الله أعبد فيما تأمرونّي. ف «غير» منصوب ب «أعبد».
وقد يجوز وهو بعيد على قولك: «ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى»، فكأنّ التقدير:
قل أفغير الله تأمرونّي أعبد. فتنصب «غير» ب «تأمرونّي». وقد أجازه سيبويه على هذا، وهذا قول آخر وهو حذف الباء، كما قال [من البسيط]:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب [1]
وأنا أكره هذا الوجه الثاني لعبده. ولا يجوز على هذا القول أن ينصب «غيرا» ب «أعبد» لأنّ «أعبد» على هذا في صلة «أن».
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} (3) فعلى الجواب.
فإن قال قائل: أفأمر الله بذلك ليخوضوا ويلعبوا؟
ومغني اللبيب 2/ 383، 641وهمع الهوامع 2/ 17.
اللغة والمعنى: الزاجري: المانعي. الوغى: الحرب. مخلدي: ضامن بقائي خالدا.
يقول: أيّها الإنسان الذي يلومني على حضور اللذات والحروب، هل تضمن لي بقائي خالدا إذا امتنعت عنها؟
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه. أيهذا: أي: منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب على النداء، وها: للتنبيه، ذا: اسم إشارة مبنيّ في محلّ نعت «أي». الزاجري: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، الياء: في محلّ جر بالإضافة، أو في محلّ نصب مفعول به لاسم الفاعل «الزاجر». أحضر: فعل مضارع مرفوع، وقيل: منصوب ب «أن» المصدريّة المحذوفة، والفاعل: أنا. الوغى: مفعول به منصوب. وأن: الواو: حرف عطف، أن: حرف مصدري ناصب. أشهد: فعل مضارع منصوب، والفاعل: أنا، والمصدر المؤول من «أن أشهد» معطوف على مصدر منتزع مما قبله، بتقدير: حضور الوغى وشهود اللذات. اللذات: مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. هل: حرف استفهام. أنت: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. مخلدي: خبر المبتدأ مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «ألا أيهذا» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة، تقديرها: «أنادي». وجملة (أحضر) الفعليّة: في محل نصب مفعول به لاسم الفاعل. وجملة «هل أنت مخلدي» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية.
والشاهد فيه قوله: «أيهذا الزاجري أحضر» حيث يروى بالضمّ كما هنا، ويروى بالنصب على إضمار «أن».
__________
(1) الزمر: 64.
[2] تقدم بالرقم 112.
(3) الحجر: 3.(2/386)
قيل: مخرجه من الله عزّ وجلّ على الوعيد كما قال عزّ وجلّ: {اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ} (1)، {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} (2).
أمّا قوله: {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (3) فإنّه ليس بجواب، ولكنّ المعنى: ذرهم لاعبين، أي: ذرهم في حال لعبهم.
* * * __________
(1) فصلت: 40.
(2) الكهف: 29.
(3) الأنعام: 91.(2/387)
هذا باب ألفات الوصل والقطع
وهنّ همزات على الحقيقة. فأمّا ألف القطع فهي التي تكون في أوّل الاسم أصلا، أو زائدة كالأصل. يبنى عليها الاسم بناء كما يبنى على الميم الزائدة وغيرها من حروف الزوائد. فاستئنافها ووصلها بما قبلها سواء، وذلك نحو: «هذا أب فاعلم»، و «هذا أخ يا فتى». فهذه الأصليّة. وكذلك الهمزة في «إبل»، وفي «أمر».
فأمّا الزائدة، فنحو: «أحمر»، و «أصفر»، و «هذا أفضل من ذا» لأنّه من الفضل والحمرة والصفرة.
وأمّا ألف الوصل فإنما هي همزة. كان الكلام بعدها لا يصلح ابتداؤه لأنّ أوّله ساكن، ولا يقدر على ابتداء الساكن. فزيدت هذه الهمزة ليوصل بها إلى الكلام بما بعدها.
فإن كان قبلها كلام، سقطت لأنّ الذي قبلها معتمد للساكن مغن، فلا وجه لدخولها.
وكذلك إن تحرّك الحرف الذي بعدها لعلّة توجب ذلك، سقطت الألف للاستغناء عنها بتحرّك ما بعدها لأنّ ابتداءه ممكن، فإنّما تدخل في الكلام للضرورة إليها. وسنذكر موضعها من الأفعال وما تدخله من الأسماء إن شاء الله.
* * *
هذا باب الأفعال التي تدخلها ألف الوصل والأفعال الممتنعة من ذلك(2/388)
* * *
هذا باب الأفعال التي تدخلها ألف الوصل والأفعال الممتنعة من ذلك
أمّا ما تدخله ألف الوصل، فهو كلّ فعل كانت الياء وسائر حروف المضارعة تنفتح فيه إذا قلت: «يفعل»، قلّت حروفه أو كثرت، إلّا أن يتحرّك ما بعد الفاء، فيستغنى عن الألف كما ذكرت لك.
فمن تلك الأفعال: «ضرب» و «علم» و «كرم»، وتقول إذا أمرت: «اضرب زيدا»، «اعلم ذاك»، «اكرم يا زيد» لأنّك تقول: «يضرب» و «يعلم» و «يكرم»، فالياء من جميع هذا مفتوحة.
وتقول: «يا زيد اضرب عمرا»، فتسقط الألف كما قال عزّ وجلّ: {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ} (1)، وكما قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (2) لأنّ الواو لحقت، فسقطت الألف.
وكذلك تقول: «انطلق يا زيد»، و «قد انطلقت يا زيد» لأنّ الألف موصولة لأنّك تقول في المضارع: «ينطلق»، فتنفتح الياء، وكذلك إذا قال: «استخرجت مالا»، و «استخرج» إذا أمرت لأنّك تقول: «يستخرج». وكلّ فعل لم نذكره تلحقه هذه العلّة فهذا مجراه.
فأمّا «تفاعل يتفاعل»، و «تفعّل يتفعّل» نحو: «تقاعس الرجل»، و «تقدّم الرجل»، فإنّ ألف الوصل لا تلحقه وإن كانت الياء مفتوحة في «يتقدّم»، وفي «يتقاعس» لأنّ الحرف الذي بعدها متحرّك، وإنّما تلحق الألف لسكون ما بعدها.
__________
(1) الإسراء: 110.
(2) الأنفال: 41.(2/389)
فإن كان «يفعل» مضموم الياء لم تكن الألف إلّا مقطوعة، لأنّها تثبت كثبات الأصل إذ كان ضمّ الياء من «يفعل» إنّما يكون لما وليه حرف من الأصل وذلك ما كان على «أفعل» نحو: «أكرم»، و «أحسن»، و «أعطى» لأنّك تقول: «يكرم»، و «يحسن»، و «يعطي»، فتنضم الياء كما تنضمّ في «يدحرج» و «يهملج». فإنّما تثبت الألف من «أكرم» كما تثبت الدال من «دحرج».
تقول: «يا زيد أكرم عمرا»، كما تقول: «دحرج». قال الله عزّ وجلّ: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (1) وقال: {وَأَحْسِنْ كَمََا أَحْسَنَ اللََّهُ إِلَيْكَ} (2) بالقطع.
وكان حقّ هذا أن يقال في المضارع: «يؤكرم» مثل: «يدحرج» و «يؤحسن».
ولكن اطّرحت الهمزة لما أذكره لك في موضعه إن شاء الله.
* * * وكلّ «فعل» كانت ألفه موصولة، فلحقت الألف مصدره، فهي ألف وصل، وإن كان الفعل فيه ألف مقطوعة فهي في مصدره كذلك.
فأمّا الموصولات فنحو: «الانطلاق»، و «الاستخراج»، و «الاقتداء».
وأمّا المقطوعة فنحو: «الإكرام»، و «الإحسان»، و «الإعطاء».
واعلم أنّ ألف الوصل تستأنف مكسورة، إلّا أن يكون ثالث الحروف مضموما في جميع الأفعال والأسماء.
فأمّا الفعل فقولك: «اذهب»، «استخرج»، «اقتدر». وما لم نذكره، فهذه حاله.
وأمّا الأسماء فقولك: «ابن»، «اسم»، «انطلاق»، «استخراج» «اقتدار»، «امرؤ».
فاعلم.
فأمّا ما ثالثه مضموم، فإنّ ألف الوصل تبتدأ فيه مضمومة، العلّة في ذلك أنّه لا يوجد ضمّ بعد كسر إلّا أن يكون ضمّ إعراب نحو: «فخذ». فاعلم.
ولا يكون اسم على «فعل» ولا غير اسم. فلمّا كان الثالث مضموما، ولم يكن بينه
__________
(1) الأعراف: 204.
(2) القصص: 77.(2/390)
وبين الألف إلّا حرف ساكن، لم يكن حاجزا، واستؤنفت مضمومة، تقول: «استضعف زيد»، و «انطلق بعبد الله»، وكذلك في الأمر. تقول: «ادخل»، «اقعد»، و {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} (1).
وللمرأة مثل ذلك: «اركضي»، «ادخلي»، وتقول: «اغزي يا امرأة» لأنّ أصل الزاي الضمّ وأن يكون بعدها واو. ولكنّ الواو ذهبت لالتقاء الساكنين، وأبدلت الضمّة كسرة من أجل الياء التي للتأنيث ألا ترى أنّك تقول للرجل: «أنت تضرب زيدا»، وللمرأة: «أنت تضربين». فإنّما تزيد الياء والنون بعد انفصال الفعل لتمامه. وتقول للرجل: «أنت تغزو»، وللمرأة: «أنت تغزين»، فتذهب الواو لالتقاء الساكنين على ما ذكرت لك.
فأمّا الألف التي تلحق مع اللام للتعريف فمفتوحة نحو: «الرجل»، و «الغلام» لأنّها ليست باسم ولا فعل. وإنّما هي بمنزلة «قد»، وإنّما ألحقت لام التعريف لسكون اللام. فخولف بحركتها لذلك.
وكذلك ألف «أيمن» التي تدخل للقسم مفتوحة، لأنّه اسم غير متمكّن، وليس بواقع إلّا في القسم، فخولف به. تقول: «أيمن الله لأفعلنّ»، «أيمن الكعبة لأفعلنّ».
ويدلّك على أنّها ألف وصل سقوطها في الإدراج، تقول: «وايمن الله لأفعلنّ» كما قال في أخرى [من الطويل]:
فقال فريق القوم لمّا نشدتهم ... نعم وفريق ليمن الله ما ندري [2]
واعلم أنّ ألف الوصل إذا لحقتها ألف الاستفهام، سقطت لأنّه قد صار في الكلام ما يستغنى به عنها، كما ذكرت لك أنّه إذا كان ما بعدها موصولا بما قبلها سقطت لأنّه قد استغني عنها إذ لم يكن لها معنى إلّا التوصّل إلى الكلام بما بعدها. وذلك قولك: «أنطلقت يا رجل»؟ بالفتح لأنّها ألف الاستفهام، وكذلك: «أستخرجت شيئا»؟ فهي الألف التي في قولك: «أضربت زيدا»؟ ومثل ذلك {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زََاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصََارُ} (3).
إلّا ألف «أيمن» وألف «الرجل»، فإنّك إذا استفهمت، مددت لئلّا يلتبس الاستفهام بالخبر لأنّهما مفتوحتان وألف الاستفهام مفتوحة. تقول: «آلرجل قال ذاك»؟ «آلغلام جاءك»؟ «آيمن الله لأفعلنّ»؟
* * * __________
(1) ص: 42.
[2] تقدم بالرقم 69.
(3) ص: 63.(2/391)
هذا باب دخول ألف الوصل في الأسماء غير المصادر
اعلم أنّها تدخل في أسماء معلومة وتلك الأسماء اختلّت وأزيلت عن وجهها، فسكنت أوائلها، فدخلتها ألف الوصل لذلك. فإن اتّصل بها شيء قبلها، سقطت الألفات لأنّ ألفات الوصل لا حظّ لها في الكلام أكثر من التوصّل إلى التكلّم بما بعدها. فإذا وصل إلى ذلك بغيرها، فلا وجه لذكرها.
ولم يكن حقّ الألف أن تدخل على الأسماء، كما لم يكن حقّ الأفعال أن تعرب، ولكن أعرب منها ما ضارع الأسماء. وأدخلت هذه الألف على الأسماء التي اختلّت، فنقصت عن تمكّن غيرها من الأسماء.
فمن ذلك «ابن» و «ابنة» لأنّه اسم منقوص قد سقط منه حرف، وذلك الحرف ياء أو واو. فتقول: «هذا ابن زيد»، و «هذه ابنة زيد»، فتسقط ألف الوصل. وكذلك إن صغّرت سقطت لأنّ فاء الفعل تتحرّك وتبتدأ، وتستغني عن ألف الوصل. تقول: «بنيّ»، و «بنيّة»، وكذلك «بنون» لمّا حرّكت الباء، سقطت الألف. و «بنات» بمنزلتها.
* * * ومن هذه الأسماء: «اسم». تقول: «بدأت باسم الله». وإذا صغّرت قلت: «سميّ».
و «اثنان» كذلك. ولو كان يفرد، لكان يجب أن يكون في الواحد «اثن»، ولكنّه لا يفرد في العدد فيبطل معناه.
ومن العرب من يجعله اسما لليوم على غير معنى العدد، فيقول: «اليوم الاثن» كما يقول: «الابن»، و «اليوم الثني». وليس ذلك بالجيّد لأنّ معنى التثنية أنّ الواحد كان عندهم الأوّل ثم بنوا الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس على ذلك كما تقول: «اليوم
يومان من الشهر»، أي: تمام يومين.(2/392)
ومن العرب من يجعله اسما لليوم على غير معنى العدد، فيقول: «اليوم الاثن» كما يقول: «الابن»، و «اليوم الثني». وليس ذلك بالجيّد لأنّ معنى التثنية أنّ الواحد كان عندهم الأوّل ثم بنوا الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس على ذلك كما تقول: «اليوم
يومان من الشهر»، أي: تمام يومين.
* * * ومن ذلك «است» إنّما هي على ثلاثة أحرف، فالسين موضع الفاء، والتاء موضع العين، والهاء في موضع اللام. وهي الساقطة، يدلّك على ذلك قولك في التصغير: «ستيهة» وفي الجمع: «استاه». فاعلم.
ومنها «امرؤ». فاعلم، واعتلاله إتباع عينه للامه، وهذا لا يوجد في غير ما يعتلّ من الأسماء.
* * * ومن ذلك «ابنم». وإنّما هو «ابن» والميم زائدة، فزادت في هذا الاسم المعتلّ كما ذكرت لك، فاتبعت النون ما وقع في موضع اللام كما أتبعت العين اللام فيما ذكرت لك.
ومعناها بزيادة الميم وطرحها واحد. قال المتلمّس [من الطويل]:
[147] وهل لي أمّ غيرها إن تركتها ... أبى الله إلّا أن أكون لها ابنما
[147] التخريج: البيت للمتلمس في ديوانه ص 30والأصمعيات ص 245وخزانة الأدب 10/ 58، 59والمقاصد النحوية 4/ 568وبلا نسبة في الخصائص 2/ 182وسرّ صناعة الإعراب 1/ 115وشرح المفصل 9/ 133والمنصف 1/ 58.
اللغة والمعنى: واضحان.
الإعراب: وهل: الواو: بحسب ما قبلها، و «هل»: حرف استفهام. لي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. أمّ: مبتدأ مؤخّر مرفوع. غيرها: نعت «أمّ» مرفوع، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. إن: حرف شرط جازم. تركتها: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وهو فعل الشرط محله الجزم. أبى: فعل ماض. الله: فاعل مرفوع. إلّا: حرف حصر واستثناء. أن: حرف نصب ومصدري. أكون: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنا». لها: جار ومجرور متعلقان بصفة ل «ابنما». ابنما: خبر «أكون» منصوب، والميم للمبالغة.
وجملة «هل لي أم»: بحسب الواو. وجملة «إن تركتها»: حالية محلها النصب. وجملة «تركتها»: لا محلّ لها (فعل الشرط). وجملة «أبى الله»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أن أكون»: في محلّ نصب مفعول به ل (أبى).
الشاهد فيه قوله: «ابنما» حيث زيدت الميم للمبالغة، فإنّ أصلها: «ابنا».(2/393)
وقال الكميت بن زيد الأسديّ [من الطويل]:
[148] ومنّا لقيط وابنماه وحاجب ... مؤرّث نيران المكارم لا المخبي
أي: وابناه. فألف الوصل في هذه الأسماء على ما ذكرت.
ومن ألفات الوصل الألف التي تلحق مع اللام للتعريف. وإنما زيدت على اللام لأنّ اللام منفصلة ممّا بعدها، فجعلت معها اسما واحدا بمنزلة «قد» ألا ترى أنّ المتذكّر يقول:
«قد»، فيقف عليها إلى أن يذكر ما بعدها، فإن توهّم شيئا فيه ألف الوصل قال: «قدي»، يقدّر: «قد انطلقت»، «قد استخرجت»، ونحو ذلك.
وكذلك في الألف واللام تقول: «جاءني «ال»» وربّما قال: «الي» يريد «الابن»، «الإنسان»، على تخفيف الهمزة فيفصلها كما يفصل البائن من الحروف. قال الراجز:
* دع ذا وقدّم ذا وألحقنا بذل *
فوقف عليها، ثمّ قال متذكّرا لها ولحرف الخفض الذي معها:
* بالشّحم إنّا قد مللناه بجل [1] *
[148] التخريج: البيت للكميت بن زيد في ديوانه 1/ 125والأزهية ص 24ولسان العرب 14/ 223 (خبا) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 1308.
اللغة: أرّث النار: أوقدها وأجّجها. المخبي: من (أخبى النار يخبيها) إذا أسكن لهيبها، وأطفأها.
المعنى: يقول منا هؤلاء الكرماء الذين يشعلون نيرانهم ليهتدي بها الضيفان.
الإعراب: ومنا: «الواو»: بحسب ما قبلها، «منا»: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم. لقيط: مبتدأ مرفوع. وابنماه: «الواو»: حرف عطف، «ابنماه»: معطوف على (لقيط) مرفوع بالألف، و «الهاء»: مضاف إليه. وحاجب: «الواو»: عاطفة، «حاجب»: معطوف على (لقيط). مؤرّث: صفة ل (حاجب). نيران:
مضاف إليه، وكذلك (المكارم). لا: عاطفة. المخبي: معطوفة على (مؤرّث).
وجملة «منا لقيط»: بحسب الواو.
والشاهد فيه: تثنية (ابنم) في قوله (ابنماه)، وهذا شاذ مع زيادة الميم في (ابنم).
[1] تقدم بالرقم 25.(2/394)
هذا باب مصادر الأفعال إذا جاوزت الثلاثة صحيحها ومعتلّها. والاحتجاج لذلك. وذكر أبنيتها
أمّا ما كان من ذوات الأربعة، فإنّ الفعل منه يكون على «فعلل» ماضيا، ويكون مستقبله على «يفعلل».
ومصدره على «فعللة» و «فعلال» نحو: «دحرجته دحرجة»، و «هملج الدابّة هملجة» [1]، و «سرهفته سرهفة» [2]، و «سرعفته سرعفة» [3]، و «زلزل الله بهم زلزلة».
والمضارع: «يدحرج»، و «يسرهف»، و «يهملج».
والفعلال نحو: «السّرهاف»، و «السّرعاف»، و «الزّلزال».
والمصدر اللازم هو «الفعللة». والهاء لازمة له لأنّها بدل من الألف التي تلحق هذا الضرب من المصادر قبل أواخرها نحو ما ذكرنا من «السّرهاف» و «الزّلزال». قال العجّاج [من الرجز]:
[149] سرهفته ما شئت من سرهاف
وما كان من ذوات الثلاثة المزيدة الواقعة على هذا الوزن من الأربعة، فحكمه حكم
[1] أي: جعلها تسير بسرعة وبخترة. (لسان العرب 2/ 394393 (هملج)).
[2] سرهفه: أحسن غذاءه. (لسان العرب 9/ 151 (سرهف)).
[3] سرعفه: أحسن غذاءه، أي كسرهفه. (لسان العرب 9/ 151 (سرعف)).
[149] التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 169والأشباه والنظائر 1/ 289وسمط اللآلي ص 788وشرح المفصل 6/ 50 (وفيه أن صاحب المفصّل قد نسبه لرؤبة. انظر: شرح المفصل 6/ 47) ولرؤبة في خزانة الأدب 2/ 45، 47وشرح شواهد المغني 2/ 957وليس في ديوانه وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 1151والخصائص 1/ 222، 2/ 302والمنصف 1/ 41، 3/ 4.
اللغة: سرهفته: أحسنت غذاءه، يريد أنه جهد في تربيته.
المعنى: لقد عييت جيدا بتربية ابني هذا.(2/395)
هذه التي وصفناها إذا كانت زيادته للإلحاق، وذلك نحو: «حوقلت حوقلة» [1]، و «بيطرت بيطرة»، و «جهور بكلامه جهورة». وكذلك: «شمللت شمللة» [2]، و «صعررت صعررة» [3]، و «سلقيته [4] سلقاة يا فتى»، و «جعبيته [5] جعباة يا فتى».
والمضارع على مثال: «يدحرج» نحو: «يجعبي»، و «يحوقل»، و «يشملل»، وكذلك جميعها. فأمّا مثل: «الزّلزال»، و «السّرهاف» ف «الحيقال» و «السّلقاء» كما قال [من الرجز]:
[150] يا قوم قد حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت
فإن كان الشيء من ذوات الثلاثة على وزن ذوات الأربعة التي وصفنا من زوائد غير حروف الإلحاق فإنّ المضارع كمضارع ذوات الأربعة لأنّ الوزن واحد، ولا يكون
الإعراب: سرهفته: فعل ماض، و «التاء»: فاعل، و «الهاء»: مفعول به. ما: مصدرية. شئت: فعل ماض، و «التاء»: فاعل. من سرهاف: جار ومجرور متعلقان بحال من المصدر المؤول من (ما) والفعل (شئت)، وهذا المصدر نائب مفعول مطلق.
وجملة «سرهفته»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «شئت»: صلة الموصول لا محل لها.
والشاهد فيه: على أن التاء في (فعللة) بدل من الألف في (فعللال) لذلك لم تزد التاء في (سرهاف) مصدر (سرهف) لأنه لا يجتمع العوض والمعوض عنه.
[1] حوقل: كبر وضعف، والحوقلة: سرعة المشي. (لسان العرب 11/ 161 (حقل)).
[2] شمللت النخلة: أخذت من شماليلها، وهو التمر القليل الذي بقي عليها. (لسان العرب 11/ 369 (شمل)).
[3] صعررت الشيء: دحرجته. (لسان العرب 4/ 457 (صعر)).
[4] سلقيته: ألقيته على قفاه. (لسان العرب 10/ 163 (سلق)).
[5] جعبيته: صرعته. (لسان العرب 1/ 267 (جعب)).
[150] التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص 170والمقاصد النحوية 3/ 573وبلا نسبة في شرح المفصل 7/ 155ولسان العرب 11/ 162 (حقل) والمحتسب 2/ 358والمنصف 1/ 39، 3/ 7.
اللغة: حوقل: كبّر.
الإعراب: «يا»: حرف نداء. «قوم»: منادى منصوب، وهو مضاف، والياء المحذوفة في محلّ جرّ بالإضافة تقديره: «يا قومي». «قد»: حرف تحقيق. «حوقلت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «أو»: حرف عطف. «دنوت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «وبعض»: الواو استئنافيّة، «بعض»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. «حيقال»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. «الرجال»:
مضاف إليه مجرور. «الموت»: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة النداء «يا قوم»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «حوقلت»: استئنافيّة لا محلّ لها من(2/396)
المصدر كمصادرها، لأنّه غير ملحق بها، وذلك ما كان على «فعّلت» و «فاعلت» و «أفعلت» فالوزن على وزن «دحرجت» [1]، تقول: «قطّع يقطّع»، و «كسّر يكسّر» على مثال:
«يدحرج». فهذا «فعّلت».
وأمّا «فاعلت» فنحو: «قاتل يقاتل»، و «ضارب يضارب».
وأمّا «أفعلت» فنحو: «أكرم يكرم»، و «أحسن يحسن». وكان الأصل: «يؤكرم» و «يؤحسن» حتّى يكون على مثال: «يدحرج» لأنّ همزة «أكرم» مزيدة بحذاء دال «دحرج»، وحقّ المضارع أن ينتظم ما في الماضي من الحروف. ولكن حذفت هذه الهمزة لأنّها زائدة، وتلحقها الهمزة التي يعني بها المتكلّم نفسه، فتجتمع همزتان، فكرهوا ذلك، وحذفوها إذ كانت زائدة، وصارت حروف المضارعة تابعة للهمزة التي يعني بها المتكلّم نفسه كما حذفت الواو التي في «يعد» لوقوعها بين ياء وكسرة وصارت حروف المضارعة تابعة للياء.
ومع هذا فإنّهم قد حذفوا الهمزة الأصليّة لالتقاء الهمزتين في قولك: «كلّ»، و «خذ»، فرارا من «اؤكل» ومن «اؤخذ»، وأمنوا الالتباس.
فإن اضطرّ شاعر فقال: «يؤكرم» و «يؤحسن»، جاز ذلك، كما قال [من مشطور السريع]:
[151] [لم يبق من آي بها يحلّين ... غير رماد وحطام كنفين
وغير ودّ جاذل أو ودّين] ... وصاليات ككما يؤثفين
الإعراب. وجملة «دنوت»: معطوفة على سابقتها، وجملة «بعض»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «حيقال» حيث ورد مصدر «حوقل» على وزن «فيعال» وحقّه أن يكون على وزن «فوعلة».
[1] يريد من الوزن هنا المماثلة في عدد الحروف والسكنات وتتابعها، لا الوزن الصرفيّ.
[151] التخريج: الأبيات لخطام المجاشعي في الجنى الداني ص 80وخزانة الأدب 2/ 313، 315، 318والدرر 1/ 118وشرح أبيات سيبويه 1/ 138وشرح شواهد الإيضاح ص 611وشرح شواهد الشافية ص 59وشرح شواهد المغني 1/ 504والكتاب 1/ 32، 408، 4/ 279ولسان العرب 1/ 435 (رنب) 14/ 114 (ثفا)، 15/ 122 (غرا) والمقاصد النحوية 4/ 592وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 500، 608وأسرار العربية ص 257وجمهرة اللغة ص 1036والجنى الداني ص 81، 90وخزانة الأدب 5/ 157، 10/ 175، 185، 187، 188، 189، 191والخصائص 2/ 368 ورصف المباني ص 197، 201وسر صناعة الإعراب 1/ 282، 300وشرح المفصّل 8/ 42ولسان العرب 9/ 3 (أثف)، 248 (عصف) ومجالس ثعلب 1/ 48والمحتسب 1/ 186والمنصف 1/ 192، 2/ 184، 3/ 82.(2/397)
وكما قال [من الطويل]:
[152] [تدلّت على حصّ ظماء كأنّها] ... كرات غلام في كساء مؤرنب
اللغة: الآية: العلامة، جمعها الآي. يحلّين: يوصفن. الخطام: حبل يقاد البعير به. الكنفين: مثنى الكنف وهو وعاء الراعي الذي يجعل فيه أدواته وطعامه. الود: خشبة توضع في الأرض أو الجدار كالوتد.
الجاذل: المنتصب. صاليات: محترقات بالنار يؤثفين: يجعلن للقدر أثافي، أي حجارة يوضع عليها.
المعنى: لم يبق من العلامات ما يوصف، وبها تحلو الأمكنة، سوى رماد النار وحبال وعائين، ووتد منتصب، أو وتدين، وحجارة سوّدها احتراق الحطب تحت الموقد.
الإعراب: لم يبق: «لم»: حرف جزم وقلب ونفي، «يبق»: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره، والفتحة دليل عليه. من آي: «من»: حرف جرّ زائد، «آي»: مجرور لفظا، مرفوع محلّا على أنه فاعل (يبقى). بها: جار ومجرور متعلقان ب (يحلّين). يحلين: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة والنون: ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. غير: بدل من (آي) على المحل مرفوع بالضمّة. رماد: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وحطام: الواو: للعطف، «حطام»: معطوف على (رماد) مجرور بالكسرة. كنفين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. وغير: الواو: للعطف، «غير»:
معطوفة على سابقتها مرفوعة مثلها بالضمّة. ود: مضاف إليه مجرور بالكسرة. جازل: صفة (ود) مجرورة بالكسرة. أو ودين: «أو»: للعطف، «ودين»: معطوف على (ود) مجرور بالياء لأنه مثنى. وصاليات: الواو:
للعطف، «صاليات»: معطوف على (ود) مجرور بالكسرة. ككما: الكاف: حرف جر، الكاف الثانية: حرف جرّ مؤكّد للأولى، «ما»: اسم موصول في محلّ جرّ بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بصفة ل (صاليات) ويمكن أن تكون الكاف الأولى زائدة، والثانية صفة ل (صاليات). يؤثفين: فعل مضارع مبني للمجهول، مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون: ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل.
وجملة «لم يبق»: في محل نصب حال، صاحبه في البيت السابق. وجملة «يحلّين»: في محلّ جر (على اللفظ) أو رفع (على المحلّ) صفة ل (أي). وجملة «يؤثفين»: لا محلّ لها صلة الموصول.
والشاهد في الرجز قوله: «يؤثفين» حيث أظهر الهمزة في الفعل المضارع المهموز الأوّل في الماضي.
[152] التخريج: البيت لليلى الأخيليّة في ديوانها ص 56وشرح أبيات سيبويه 2/ 437ولسان العرب 1/ 435 (رنب)، 15/ 220 (كرا) والمعاني الكبير ص 327والمنصف 1/ 192وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 608.
اللغة: الكساء المؤرنب: المشبّه بجلد الأرنب. حصّ الرؤوس: لا ريش عليها.
المعنى: يصف قطاة حطّت على فراخها الزّغب التي تشبه رؤوسها الكرات المصنوعة من ثوب يشبه جلد الأرنب.
الإعراب: «تدلت»: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، وفاعله: هي. «على حص»: جار ومجرور متعلقان ب «تدلت». «ظماء»: نعت (حص) مجرور. «كأنها»: حرف مشبه بالفعل، و «ها»: اسمها.
«كرات»: خبرها مرفوع بالضمة، وهو مضاف. «غلام»: مضاف إليه مجرور. «في كساء»: جار ومجرور(2/398)
وكما قال [من الرجز]:
[153] فإنّه أهل لأن يؤكرما
وقد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما وإن كان الاستعمال على غير ذلك ليدلّ على أصل الباب.
فمن ذلك {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطََانُ} (1)، و «أغيلت المرأة» [2]. المستعمل في هذا «الإغيال» على ما يجده في كتاب التصريف نحو: «استجاز»، و «أقام»، و «استقام».
وكذلك: «لححت عينه» [3]. ونحو ذلك [من الرجز]:
[154] قد علمت ذاك بنات ألببه
متعلقان بصفة ل (كرات). «مؤرّنب»: صفة ل (كساء) مجرورة.
والشاهد فيه: أن (مؤرنبا) وزنها (مؤفعل) لأنه من (الأرنب) وهي على وزن (الأفعل)، وإن لم يعرف اشتقاقه لغلبة زيادة الهمزة أولا في بنات الثلاثة، ويزعم أنّ (أرنبا) وزنها (فعلل) وأن همزتها أصلية، ويحتج بهذا البيت.
(153) التخريج: الرجز بلا نسبة في الإنصاف ص 11وخزانة الأدب 2/ 316والخصائص 1/ 144والدرر 6/ 319وشرح الأشموني 3/ 887وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 139وشرح شواهد الشافية ص 58ولسان العرب 1/ 435 (رنب)، 512 (كرم) والمقاصد النحوية 4/ 578والمنصف 1/ 37، 192، 2/ 184وهمع الهوامع 2/ 218.
اللغة: أهل: يستحقّ، خليق. يؤكرم: يكرم.
الإعراب: «فإنّه»: الفاء: بحسب ما قبلها، «إنه»: حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «أهل»: خبر «إنّ» مرفوع بالضمة. «لأن»: اللام: للتعليل، «أن»: حرف نصب ومصدري.
«يؤكرما»: فعل مضارع للمجهول منصوب بالفتحة، والألف للإطلاق، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره:
«هو»، والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالخبر «أهل».
وجملة «إنه أهل»: بحسب ما قبلها. وجملة «يؤكرما»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «يؤكرما» والقياس «يكرما» فأثبت الهمزة على ما هو الأصل الأصيل فيه للضرورة.
__________
(1) المجادلة: 19.
[2] أي: أرضعت ولدها وهي حامل. (لسان العرب 11/ 511 (غيل)).
[3] أي: التصقت. (لسان العرب 2/ 577 (لحح)).
[154] التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 345، 346والكتاب 3/ 195، 320 4/ 430والمنصف 1/ 200، 3/ 134ولسان العرب 1/ 730 (لبب).
اللغة: بنات ألبب: عروق في القلب، يكون منها الرّقّة، وقيل: بنات أعقل هذا الحيّ.(2/399)
فممّا جاء على أصله فيما الهمزة فيه قولهم: «أومر» فهذا كنحو ما وصفت لك في الكلام. ولم يجز في الزائدة مثل هذا في غير الشعر، لأنّ الأصلية أمكن. فإذا كان إثباتها ممتنعا، فهو من الزيادة أبعد.
* * * فالمصدر في «أفعلت» على مثال «الزّلزال». ولم يكن فيه مصدر جاء لزلزلة لأنّه نقص في المضارع، فجعل هذا عوضا، وذلك نحو: «أكرمت إكراما»، و «أعطيته إعطاء»، و «أسلمت إسلاما». فهذا غير منكسر ولا ممتنع في «أفعلت» من الصحيح.
* * * وأمّا «فاعلت» فمصدره اللازم «مفاعلة». ما كان فيه لاثنين أو لواحد، وذلك نحو:
«قاتلت مقاتلة»، و «شاتمت مشاتمة»، و «ضاربت مضاربة»، فهذا على مثال: «دحرجت مدحرجة يا فتى». ولم يكن فيه شيء على مثال «الدحرجة» لأنّه ليس بملحق ب «فعللت».
ويجيء فيه «الفعال» نحو: «قاتلته قتالا»، و «راميته رماء». وكان الأصل «فيعالا» لأنّ «فاعلت» على وزن «أفعلت» و «فعللت»، فكان المصدر ك «الزّلزال» و «الإكرام»، ولكنّ الياء محذوفة من «فيعال» استخفافا، وإن جاء بها جاء فمصيب.
وأمّا قولنا: ما يكون لاثنين، فنحو: «شاتمت»، و «ضاربت». لا يكون هذا من واحد، ولكن من اثنين فصاعدا.
وأمّا ما يكون لواحد من هذا الباب، فنحو: «عاقبت اللصّ»، و «طارقت النّعل»، و «عافاه الله». ولهذا موضع يميّز فيه إن شاء الله.
* * * ومن هذا الوزن «فعّلت» ومصدره «التفعيل» لأنّه ليس بملحق، ف «التاء» الزائدة
المعنى: لقد علمت بما حصل عروق القلب، أو بنات أعقل هذا الحيّ.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماض مبني على الفتح، و «التاء»: للتأنيث. ذاك: اسم إشارة في محل نصب مفعول به. بنات: فاعل مرفوع بالضمّة. ألببه: مضاف إليه مجرور بالكسرة، و «الهاء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: «ألببه» حيث جاء جمع «لب» على ألبب وهو جمع شاذ، ولا يدلّ على أصالة الهمزة، فهي زائدة.(2/400)
عوض من تثقيل «العين»، و «الياء» بدل من «الألف» التي تلحق قبل أواخر المصادر، وذلك قولك: «قطّعته تقطيعا»، و «كسّرته تكسيرا»، و «شمّرت تشميرا».
وكان أصل هذا المصدر أن يكون «فعّالا» كما قلت: «أفعلت إفعالا»، و «زلزلت زلزالا»، ولكنّه غيّر لبيان أنّه ليس بملحق.
ولو جاء به جاء على الأصل، لكان مصيبا. كما قال الله عزّ وجلّ: {وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا كِذََّاباً} (1).
فهذا على وزن واحد. أعني «فعللت»، و «فاعلت»، و «أفعلت»، و «فعّلت».
والملحقات ب «فعللت».
* * * ويسكّن أوّل الفعل من قبيل غير هذا، فتلحقها ألف الوصل، وتكون على مثال «انفعل»، وذلك نحو: «انطلق»، والمصدر على «الانفعال». تقول: «انطلق انطلاقا»، و «انكسر انكسارا»، و «انفتح انفتاحا». ولا تلحق النون زائدة ثانية لألف الوصل إلّا هذا المثال.
* * * وفي وزنه ما كان على «افتعل» والفاء تسكّن، فتلحقها ألف الوصل فيكون المصدر «الافتعال»، وذلك نحو: «اقتدر اقتدارا»، و «اقتحم اقتحاما»، و «اكتسب اكتسابا».
ولا تلحق التاء شيئا من الأفعال زائدة بعد حرف أصليّ إلّا هذا المثال.
* * * ويضاعف آخر الفعل ويسكّن أوّله، فتلحقه ألف الوصل ويكون على هذا الوزن، إلّا أن الإدغام يدركه لالتقاء الحرفين من جنس واحد، وذلك نحو: «احمررت»، و «اسوددت»، و «اخضررت».
فإن قلت: «احمرّ يا فتى» وما أشبهه، لحقه الإدغام. فهذا قبيل آخر.
* * * ومن الأفعال ما يقع على مثال «استفعلت». وذلك أنّ «السين» و «التاء» زائدتان، إلّا
__________
(1) النبأ: 28.(2/401)
أنّ «السين» ساكنة تلحقها ألف الوصل، وذلك نحو: «استخرجت»، و «استكرمت»، و «استعطيت».
فالمصدر من ذا «استفعالا». تقول: «استخرجت استخراجا»، و «استنطقت استنطاقا».
ويكون على هذا الوزن إلّا أنّ آخره مضاعف فيدركه الإدغام. وذلك المثال نحو:
«احماررت»، و «ابياضضت». على معنى «احمررت»، و «ابيضضت». إلّا أنّ الأصل «افعاللت». و «افعللت» محذوف منه. والمصدر على وزن «استفعلت»، وتقديره:
«افعيلال»، وذلك: «اشهابّ [1] الفرس اشهيبابا»، و «ادهامّ [2] ادهيماما»، و «ابياضّ ابيضاضا».
* * * ويكون على هذا الوزن ويسكّن أوّله، فتلحقه ألف الوصل، إلّا أنّ الواو فيه مضاعفة.
وذلك «افعوّلت» ومصدره «افعوّالا»، وذلك: «اجلوّذ اجلوّاذا» [3]، و «اعلوّط [4] اعلوّاطا».
* * * ومن هذا الوزن ما زيدت فيه الواو بين العينين، فكان على مثال «افعوعل»، وذلك نحو: «اغدودن» [5]، و «اعشوشب الأرض» و «اخلولق للخير». والمصدر «افعيعالا» على وزن «استخراجا» في السكون والحركة، وكذلك كلّ شيء وازن شيئا، فهو يجري مجراه:
في سكونه وحركته، في المضارع والمصدر، إلّا ما ذكرت لك من مخالفة «فعّل» و «أفعل» في المصدر للأربعة لتفصل بين الملحق وغيره.
ويقع في الوزن «افعنلل» من الأربعة والثلاثة ملحقة بالأربعة، فذلك نذكره بعد هذا الباب.
وقولنا: إنّ الأفعال إذا وقعت على وزن واحد بغير إلحاق في الثلاثة التي تلحقها الزوائد، استوت مصادرها فيه بيان كلّ ما يرد في هذا الباب.
* * * [1] أي: غلب بياضه سواده. (لسان العرب 1/ 508 (شهب)).
[2] ادهامّ الزرع: علاه السواد ريّا. (لسان العرب 12/ 209 (دهم)).
[3] اجلوّذ الليل: ذهب، والاجلوّاذ: المضاء والسرعة في السير. (لسان العرب 3/ 482 (جلذ)).
[4] اعلوّط: ركب رأسه وتقحّم على الأمور بغير رويّة. (لسان العرب 7/ 355 (علط)).
[5] اغدودن الزرع: اخضر حتى ضرب إلى السواد من شدّة ريّه. (لسان العرب 13/ 311 (غدن)).(2/402)
واعلم أنّ التاء تلحق «فاعل»، و «فعّل»، فيكون الفعل على «تفاعل» و «تفعّل»، كما تلحق «فعلل» الذي أصله الأربعة، وذلك نحو: «دحرج»، إذا ذكرت المطاوعة قلت:
«تدحرج»، فيكون المصدر «تدحرجا». فكذلك تقول: «تقطّع تقطّعا»، و «تكسّر تكسّرا».
وفي «فاعل» تقول: «تغافل تغافلا»، و «تناول تناولا» لأنّك تقول: «ناولته فتناول» كما تقول: «دحرجته فتدحرج»، وكذلك «كسّرته فتكسّر».
* * *
هذا باب أفعال المطاوعة من الأفعال التي فيها الزّوائد من الثلاثة، والأفعال التي لا زوائد فيها منها(2/403)
* * *
هذا باب أفعال المطاوعة من الأفعال التي فيها الزّوائد من الثلاثة، والأفعال التي لا زوائد فيها منها
وأفعال المطاوعة أفعال لا تتعدّى إلى مفعول لأنّها إخبار عمّا تريده من فاعلها.
فإذا كان الفعل بغير زيادة، فمطاوعه يقع على «انفعل». وقد يدخل عليه «افتعل» إلّا أنّ الباب «انفعل» وذلك قولك: «كسرته فانكسر». فإنّ المعنى: أنّي أردت كسره، فبلغت منه إرادتي. وكذلك: «قطعته فانقطع»، و «شويت اللحم فانشوى»، و «دفعته فاندفع».
وقد يقع «اشتوى في معنى انشوى» لأنّ «افتعل» و «انفعل» على وزن.
فأمّا الأجود في قولك: «اشتوى»، فأن يكون متعدّيا على غير معنى الانفعال. تقول:
«اشتوى القوم»، أي: اتّخذوا شواء. فتقول على هذا: «اشتوى القوم لحما».
ولا يكون «انفعل» من هذا ولا من غيره إلّا غير متعدّ إلى مفعول.
* * * وإن كان الفعل على «أفعل»، فبابه «أفعلته ففعل». ويكون «فعل» متعدّيا وغير متعدّ.
وذلك: «أخرجته فخرج» لأنّك كنت تقول: «خرج زيد». فإذا فعل به ذلك غيره قلت:
«أخرجه عبد الله»، أي: جعله يخرج. وكذلك: «أدخلته الدار فدخلها» أي: جعلته يدخلها.
فإنّما «أفعلته» داخلة على «فعل». تقول: «عطا يعطو»: إذا تناول، و «أعطيته أنا»:
«ناولته» فالأصل ذا، وما كان من سواه، فداخل عليه. تقول: «ألبسته فلبس»، و «أطعمته فطعم».
فأمّا: «طرحت البئر» و «طرحتها»، و «غاض الماء» و «غضته»، و «كسب زيد درهما» و «كسبه» فهو على هذا بحذف الزوائد. وكذلك إن كان من غير هذا اللفظ نحو: «أعطيته
فأخذه»، إنّما «أخذ» في معنى «عطا»: أي: تناول.(2/404)
فأمّا: «طرحت البئر» و «طرحتها»، و «غاض الماء» و «غضته»، و «كسب زيد درهما» و «كسبه» فهو على هذا بحذف الزوائد. وكذلك إن كان من غير هذا اللفظ نحو: «أعطيته
فأخذه»، إنّما «أخذ» في معنى «عطا»: أي: تناول.
فإن كان الفعل على «فاعل» ممّا يقع لواحد، فالمفعول الذي يقع فيه على أنّه كان فاعلا يكون على «متفاعل»، وفعله على «تفاعل».
تقول: «ناولته فتناول»، و «قاعسته فتقاعس». هذا إنّما يصلح إذا كان «فاعل» للفاعل وحده نحو: «عافاه الله»، و «ناولت زيدا». فأمّا إذا كان من اثنين، فهو خارج من هذا.
وذلك نحو: «شاتمت زيدا»، أي: كان منه إليّ مثل ما كان منّي إليه، و «قاتلت زيدا»، و «ضاربت عمرا».
فالغالب من ذا يقع على «فعل يفعل» من الصحيح. تقول: «شاتمني فشتمته»، و «حقّ لي أن أشتمه»، و «ضاربني فضربته» ف «أنا أضربه». لا يكون الفعل من هذا إلّا على مثال:
«قتل يقتل»، وليس من باب «ضرب يضرب»، ولا «علم يعلم».
فإن كان الفعل على مثال «فعّلت»، أو «فاعلت»، فقد قلنا: إنّه يكون على «تفاعل» و «تفعّل».
و «استفعل» يكون المطاوع فيه على مثاله قبل أن تلحقه الزيادة إذا كان المطلوب من فعله. وذلك: «استنطقته فنطق»، و «استكتمته فكتم»، و «استخرجته فخرج».
فإن كان من غير فعله، جاء على لفظ آخر، نحو: «استخبرته فأخبر»، لأنك تريد:
سألته أن يخبرني وكان فعله أخبر بالألف الثانية. فجاء على مقدار ما كان عليه، وكذلك:
«استعلمته فأعلمني»، فعلى هذا يجري ما ذكرناه من هذه الأفعال.
* * *
هذا باب ما كان من بنات الأربعة وألحق به من الثلاثة(2/405)
* * *
هذا باب ما كان من بنات الأربعة وألحق به من الثلاثة
فمثال بنات الأربعة التي لا زيادة فيها «فعلل» وذلك نحو: «دحرج»، و «هملج»، و «سرهف». وقد مضى قولنا في مصدره.
وتلحق به الثلاثة بالواو ثانية فيكون على «فوعل» وذلك نحو: «حوقل» كما تلحق اسما نحو: «كوثر»، و «جورب»، والمصدر كالمصدر.
وتلحق الواو ثالثة فيكون على «فعول» نحو: «جهور كلامه جهورة» كما يلحقه اسما، وذلك قولك: «جدول»، والمصدر كالمصدر.
وتلحقه الياء ثانية، فيكون الفعل على «فيعل» وذلك نحو: «بيطر». كما يلحقه اسما إذا قلت: «رجل جيدر وصيرف». والمصدر كالمصدر تقول: «بيطر بيطرة».
وتلحقه الياء رابعة نحو: «سلقى» و «جعبى». والمصدر كالمصدر.
ونظيره من الأسماء «أرطى»، و «علقى». ويدلّك على أنّ الألف ليست للتأنيث أنّك تقول في الواحدة: «أرطاة» و «علقاة»، وهذا مبيّن في باب التصريف. وإنّما نذكر هاهنا شيئا للباب الذي ذكرناه.
وكلّ ما كان ملحقا بشيء من الفعل، فمصدره كمصدره.
وليس في الأفعال شيء على «فعيل»، ولكن «فعيل» ملحق ب «هجرع» [1] وذلك:
«هريع» [2] و «حثيل» [3].
فالفعل من بنات الأربعة بغير زيادة لا يكون إلا على «فعلل»، فالأسماء تكون على
[1] الهجرع: من وصف الكلاب السلوقيّة الخفاف، والطويل الممشوق، والأحمق. (لسان العرب 8/ 368 (هجرع)).
[2] الهريع: في لسان العرب: الهيرع: الذي لا يتماسك، وريح هيرع: سريعة، والهرياع: سفير ورق الشجر، ولم أقع على «الهريع». (لسان العرب 8/ 370369 (هرع)).
[3] الحثيل: القصير، وضرب من أشجار الجبال. (لسان العرب 11/ 142 (حثل)).(2/406)
«فعلل» نحو: «جعفر» و «فعلل» نحو «الترتم» [1]، و «الجلجل» [2]. ويكون على «فعلل» نحو: «زهلق» [3]، و «خمخم» [4].
ويكون على «فعلل» نحو: «هجرع»، و «درهم» لتمكّن الأسماء وتقدّمها الأفعال.
ويكون الأسماء على «فعلّ» نحو: «قمطر» [5]، و «سبطر» [6].
* * * فأمّا الأفعال، فتلحقها الزيادة، فيكون الفعل على «تفعلل»، وهو الفعل الذي يقع على «فعلل»، وذلك نحو: «تدحرج» و «تسرهف» لأنّ التقدير: «دحرجته فتدحرج».
والمصدر «التفعلل».
ومصدر «تفعّل» «التفعّل» كقولك: «تكسّر تكسّرا».
ومصدر «تفاعل» إنّما هو «التّفاعل» نحو: «تغافل تغافلا». فاستوت مصادر هذه في السكون والحركة كما استوت أفعالها.
وتلحق النون الأفعال ثالثة، وتسكّن أوائلها، وتلحقها ألف الوصل، فيكون على «افعنلل»، وذلك نحو: «احرنجم»، و «احرنطم».
والملحق به من بنات الثلاثة يكون على ضربين:
أحدهما: أن تضاعف اللام، فيكون الوزن «افعنلل»، وإحدى اللامين زائدة، وذلك نحو: «اقعنسس» [7].
والوجه الآخر: أن تزاد ياء بعد اللام فيكون «افعنلى» وذلك نحو: «اسلنقى» ولا يكون الإلحاق به من بنات الثلاثة غير «احرنجم»، لأنّ النون إنّما تقع بين حرفين من الأصل فلا يكون فيما ألحق به إلّا كذلك.
[1] الترتم: لم أقع على معنى هذه الكلمة فيما عدت إليه من معاجم.
[2] الجلجل: الجرس الصغير. (لسان العرب 11/ 122 (جلل)).
[3] الحمار الزهلق: الأملس المتن. (لسان العرب 10/ 149 (زهلق)).
[4] الخمخم: نبات تعلف حبّه الإبل. (لسان العرب 12/ 191 (خمم)).
[5] القمطر: الجمل القويّ السريع، والقصير الضخم. (لسان العرب 5/ 116 (قمطر)).
[6] السبطر: من نعت الأسد بالمضاءة والشدّة، والسبطر: الماضي، والسبطر من الرجال: السبط الطويل.
(لسان العرب 4/ 342 (سبطر)).
[7] اقعنسس: تأخّر ورجع إلى خلف. (لسان العرب 6/ 177 (قعس)).(2/407)
وتلحق بنات الأربعة الزيادة آخرا، ويسكّن أوّلها، فتلحقها ألف الوصل، فيكون بناء الفعل على «افعلّلت» و «افعلّل»، إلّا أنّ الإدغام يدركه وذلك نحو: «اقشعررت»، و «اقشعر». وكان أصله «اقشعرر». فنظيره من الثلاثة «احماررت»، و «اشهاببت»، و «اشهابّ الفرس». ومصدره كمصدره لأنّ الوزن واحد.
* * * وكذلك «استفعلت» الذي لا يكون إلّا من الثلاثة، وذلك قولك: «اشهابّ الفرس اشهيبابا» كما تقول: «استخرج استخراجا»، و «اغدودن اغديدانا»، و «اعلوّط اعلوّاطا».
وقد مضى قولنا في استواء المصادر في السكون والحركة إذا استوت أفعالها.
ولا يكون الفعل من بنات الخمسة ألبتّة، إنّما يكون من الثلاثة والأربعة. ومثال الخمسة للأسماء خاصّة لقوّة الأسماء وتمكّنها.
وأكثر ما يبلغ العدد في الأسماء بالزيادة سبعة أحرف، ولا يكون ذلك إلّا في المصادر من الثلاثة والأربعة، وهما: «اشهيباب» و «احرنجام»، وما وقع على هذا الوزن من الثلاثة.
فأمّا الخمسة فلا تبلغ بالزيادة إلّا ستّة أحرف لأنّه ليس منها فعل فيكون لها مصدر كهذه المصادر، ولكن تلحقها الزوائد كما تلحق سائر الأسماء، وذلك نحو: «عضرفوط» [1]، و «عندليب»، و «قبعثرى» [2]، وهذا مبيّن في باب التصريف.
* * * [1] عضرفوط: دويبّة بيضاء ناعمة. (لسان العرب 7/ 351 (عضرفط)).
[2] القبعثرى: الجمل العظيم، والفصيل المهزول. (لسان العرب 5/ 70 (قبعثر)).(2/408)
هذا باب ذوات الثلاثة من الأفعال بغير زيادة
فالأفعال منها تكون على «فعل يفعل» لما كان متعدّيا وغير متعدّ.
فأمّا المتعدّي فنحو: «ضرب يضرب»، و «حبس يحبس»، و «شتم يشتم».
وأمّا غير المتعدّي فنحو: «جلس يجلس»، و «حرص يحرص»، و «شهق يشهق».
* * * وتكون على «فعل يفعل» فيكون للمتعدّي وغيره:
فأمّا المتعدّي فنحو: «قتل يقتل»، و «سجن يسجن»، و «عتل يعتل».
وأمّا غير المتعدّي فنحو: «قعد يقعد»، و «نظر ينظر» من العين، و «عطس يعطس».
* * * وتكون على «فعل يفعل» لما يتعدّى ولما لا يتعدّى.
فالمتعدّي: «شرب يشرب»، و «لقم يلقم»، و «حذر يحذر».
وأمّا غير المتعدّي فنحو: «بطر يبطر»، و «فقه يفقه»، و «لحح يلحح» [1]، و «شتر يشتر» [2].
* * * ويكون على «فعل يفعل» ولا يكون إلّا لما لا يتعدّى. وذلك نحو: «كرم يكرم»، و «شرف» و «ظرف». فهذه أبنية الثلاثة.
[1] لحح: ضاق، والتصق. (لسان العرب 2/ 577 (لحح)).
[2] شتر: قلب جفن عينه. (لسان العرب 4/ 393 (شتر)).(2/409)
واعلم أنّ حروف الحلق إذا وقعت من «فعل» المفتوح في موضع العين أو اللام، جاء فيه «يفعل» بالفتح وذلك لأنّ حروف الحلق من حيّز الألف، والفتحة منها.
وإن كان حرف الحلق في موضع العين من الفعل انفتحت العين ليكون العمل من وجه واحد.
فأمّا ما كانت منه في موضع اللام، فسنذكره بعد ذكرنا حروف الحلق إن شاء الله.
وهذه الحروف الستّة: فأقصاها الهمزة والهاء، والمخرج الثاني العين والحاء، وأدنى مخارج الحلق إلى الفم الغين والخاء.
فما كان من ذلك في موضع اللام فنحو: «قرأ يقرأ»، و «بسأ [1] به يبسأ»، و «جبه يجبه»، و «صنع يصنع»، و «نطح ينطح»، و «سنح يسنح»، و «منح يمنح»، و «سلخ يسلخ»، و «نبغ ينبغ»، و «رقأ يرقأ».
وما كان في موضع العين فنحو: «ذهب يذهب»، و «فعل يفعل»، و «نحل ينحل»، و «نهش ينهش»، و «جأر [2] يجأر».
وإن كان حرف الحلق في موضع الفاء لم يفتح له شيء وذلك أنّ الفاء لا تكون إلّا ساكنة في «يفعل». وإنّما تتحرّك في المعتلّ بحركة غيرها، نحو: «يقول» و «يبيع».
واعلم أنّ الأصل مستعمل فيما كانت حروف الحلق في موضع عينه أو لامه نحو:
«زأر الأسد يزئر»، و «نأم ينئم» [3] لأنّ هذا هو الأصل، والفتح عارض، لما ذكرت لك هاهنا من أجل مصادره ليجري الفعل عليها. ونحن ذاكروها بعد ذكر أسماء الفاعلين في هذه الأفعال إن شاء الله.
* * * [1] بسأ به انس، ومرن عليه. (لسان العرب 1/ 34 (بسأ)).
[2] جأر: رفع صوته مع تضرّع واستغاثة. (لسان العرب 4/ 114 (جأر)).
[3] نأم: أنّ، وصوّت صوتا ضعيفا، ونئيم الأسد: دون الزئير. (لسان العرب 12/ 566 (نأم)).(2/410)
هذا باب معرفة أسماء الفاعلين في هذه الأفعال وما يلحقها من الزيادة للمبالغة
اعلم أنّ الاسم على «فعل» «فاعل» نحو قولك: «ضرب فهو ضارب»، و «شتم فهو شاتم». وكذلك «فعل» نحو: «علم فهو عالم»، و «شرب فهو شارب».
* * * فإن أردت أن تكثّر الفعل كان للتكثير أبنية:
فمن ذلك «فعّال» تقول: «رجل قتّال»، إذا كان يكثر القتل. فأمّا «قاتل» فيكون للقليل والكثير لأنّه الأصل. وعلى هذا تقول: «رجل ضرّاب» و «شتّام»، كما قال [من الطويل]:
[155] أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها ... وليس بولّاج الخوالف أعقلا
فهذا ينصب المفعول كما ينصبه «فاعل» لأنّك إنّما تريد به ما تريد ب «فاعل»، إلّا أنّ
[155] التخريج: البيت للقلاخ بن حزن في خزانة الأدب 8/ 157والدرر 5/ 270وشرح أبيات سيبويه 1/ 363وشرح التصريح 2/ 68وشرح المفصل 6/ 79، 80والكتاب 1/ 111ولسان العرب 11/ 83 (ثعل) والمقاصد النحويّة 3/ 535وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 319وأوضح المسالك 3/ 220وشرح الأشموني 1/ 342وشرح ابن عقيل ص 423وهمع الهوامع 2/ 96.
اللغة: أخو الحرب: خائض غمارها. اللّبّاس: كثير اللبس. الجلال: هو ما يوضع على ظهر الدابة، وهنا بمعنى الدروع. ولّاج: كثير الولوج، أي الدخول. الخوالف: ج الخالفة، وهي عماد البيت، أو البيت مجازا، أو النساء. الأعقل: الكثير الخوف.
المعنى: إنه رجل حرب، ويلبس لبوسها، ويخوض غمارها، وليس بضعيف أو جبان يختبىء في البيوت بين النساء تلافيا لمقارعة الأبطال.
الإعراب: أخا: حال من الياء في «إنّني» في البيت السابق، منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف. الحرب: مضاف إليه مجرور. لبّاسا: حال ثانية. إليها: جار ومجرور متعلّقان ب «لبّاس».(2/411)
هذا أكثر مبالغة ألا تراه يقول: «لبّاسا إليها جلالها». ومن كلام العرب: «أمّا العسل فأنت شرّاب».
من هذه الأبنية «فعول» نحو: «ضروب»، و «تقول»، و «ركوب»: تقول: «هو ضروب زيدا»، إذا كان يضربه مرّة بعد مرّة. كما قال [من الطويل]:
[156] ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادا فإنّك عاقر
ومن كلام العرب: «إنّه ضروب رؤوس الدارعين».
* * * جلالها: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وليس: الواو: حرف عطف أو استئناف، ليس: فعل ماض ناقص، واسمه: هو. بولّاج: الباء: حرف جرّ زائد، ولّاج: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس»، وهو مضاف. الخوالف: مضاف إليه مجرور. أعقلا: خبر ثان ل «ليس» منصوب.
وجملة «ليس بولّاج الخوالف»: معطوفة على جملة سابقة.
والشاهد فيه قوله: «لبّاسا إليها جلالها» حيث أعمل صيغة المبالغة «لبّاسا» عمل الفعل، فنصب بها المفعول به «جلالها» لاعتماده على موصوف مذكور، وهو قوله: «أخا الحرب».
[156] التخريج: البيت لأبي طالب بن عبد المطّلب في خزانة الأدب 4/ 242، 285، 8/ 146، 147، 157والدرر 5/ 271وشرح أبيات سيبويه 1/ 70وشرح التصريح 2/ 68وشرح المفصّل 6/ 70والكتاب 1/ 111والمقاصد النحويّة 3/ 539وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 221وشرح الأشموني 2/ 342وشرح قطر الندى ص 275وهمع الهوامع 2/ 97.
اللغة: ضروب: كثير الضرب. نصل السيف: حديدته. السوق: الساق. سمانها: سمينها. عدموا:
فقدوا.
المعنى: إنّه كريم ينحر للأضياف سمين النوق، عند ما يكون الزاد صعبا أو معدوما.
الإعراب: ضروب: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: «هو». بنصل: جار ومجرور متعلّقان ب «ضروب»، وهو مضاف. السيف: مضاف إليه مجرور. سوق: مفعول به لصيغة المبالغة «ضروب»، وهو مضاف.
سمانها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. إذا: ظرف يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. عدموا: فعل ماض، والواو: فاعل. زادا: مفعول به منصوب. فإنّك: الفاء: واقعة في جواب الشرط، إنّ: حرف مشبّه بالفعل، والكاف: في محلّ نصب اسم «إنّ». عاقر: خبر «إنّ» مرفوع.
وجملة «ضروب» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة، أو استئنافيّة. وجملة «عدموا» الفعلية: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «إنّك عاقر» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.
والشاهد فيه قوله: «ضروب بنصل السيف سوق سمانها» حيث عملت صيغة المبالغة، وهي قوله «ضروب» عمل الفعل، فرفعت الفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، ونصبت المفعول، وهو قوله: «سوق».(2/412)
ومن هذه الأبنية «مفعال» نحو: «رجل مضراب»، و «رجل مقتال». ومن كلام العرب: «إنّه لمنحار بوائكها» [1].
* * * فأمّا ما كان على «فعيل» نحو: «رحيم» و «عليم»، فقد أجاز سيبويه النصب فيه، ولا أراه جائزا.
وذلك أنّ «فعيلا» إنّما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدّى. فما خرج إليه من غير ذلك الفعل، فمضارع له ملحق به.
والفعل الذي هو ل «فعيل» في الأصل إنّما هو ما كان على «فعل»: نحو: «كرم فهو كريم»، و «شرف فهو شريف»، و «ظرف فهو ظريف». فما خرج إليه من باب «علم» و «شهد» و «رحم»، فهو ملحق به. فإن قلت: «راحم» و «عالم» و «شاهد»، فهذا اسم الفاعل الذي يراد به الفعل. واحتجّ سيبويه بقول الشاعر [من البسيط]:
[157] حتّى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا وبات الليل لم ينم
[1] البوائك: جمع بائكة، وهي الناقة السمينة. (لسان العرب 10/ 403 (بوك)).
[157] التخريج: البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في خزانة الأدب 8/ 155، 158، 164وشرح أشعار الهذليين 3/ 1129وشرح المفصل 6/ 72، 73والكتاب 1/ 114ولسان العرب 11/ 475، 477 (عمل)، 14/ 418 (شأي) والمنصف 3/ 76وللهذلي في لسان العرب 10/ 10 (أنق) وبلا نسبة في المقرب 1/ 128.
اللغة: شآها: دفعها وساقها. الكليل: الضعيف المتعب. الموهن: منتصف الليل.
المعنى: إن السحاب يمشي تعبا يدفعه الريح طورا ويزجره البرق طورا، ونزول المطر الذي لم يقف طيلة الليل.
الإعراب: حتى: حرف ابتداء. شآها: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. كليل: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. موهنا: مفعول فيه ظرف زمان متعلق باسم الفاعل كليل. عمل: صفة مرفوعة بالضمة الظاهرة. باتت: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة والتاء: للتأنيث، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي. طرابا: خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة. وبات: الواو: عاطفة، «بات»: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة. الليل: اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة. لم ينم: «لم»: حرف نفي وقلب وجزم، «ينم»: فعل مضارع مجزوم وحرك بالكسر لضرورة الشعر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
وجملة «شآها»: استئنافية لا محل لها. وجملة «باتت طرابا»: استئنافية لا محل لها. وجملة «بات الليل لم ينم»: معطوفة على استئنافية لا محل لها. وجملة «لم ينم»: في محل نصب خبر (بات).
والشاهد فيه قوله: موهنا، فعلقه بكليل فهو على وزن فعيل، بمعنى مكلّ، وليس لأنه مفعول.(2/413)
فجعل البيت موضوعا من «فعيل» و «فعل» بقوله: «عمل»، و «كليل».
وليس هذا بحجّة في واحد منهما لأنّ «موهنا» ظرف وليس بمفعول، والظرف إنّما يعمل فيه معنى الفعل كعمل الفعل، كان الفعل متعدّيا أو غير متعدّ.
وكذلك ما ذكر في «فعل». أكثر النحويين على ردّه، و «فعيل» في قول النحويين بمنزلته.
فما كان على «فعل» فنحو: «فرق»، و «بطر»، و «حذر».
والحجّة في أنّ هذا لا يعمل أنّه لما تنتقل إليه الهيئة. تقول: «فلان حذر». أي: ذو حذر، و «فلان بطر»، كقولك: «ما كان ذا بطر ولقد بطر»، و «ما كان ذا حذر ولقد حذر».
فإنّما هو كقولك: ما «كان ذا شرف ولقد شرف». و «ما كان ذا كرم ولقد كرم».
ف «فعل» مضارعة ل «فعيل». وكذلك يقع «فعل» و «فعيل» في معنى، كقولك:
«رجل طبّ» و «طبيب»، و «مذل» و «مذيل» [1]، وهذا كثير جدّا.
واحتجّ سيبويه بهذا البيت [من الكامل]:
[158] حذر أمورا لا تضير، وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار
[1] المذل: الضجر والقلق، والباذل ما عنده من مال أو سرّ. (لسان العرب 11/ 621 (مذل)).
[158] التخريج: البيت لأبان اللاحقي في خزانة الأدب 8/ 169ولأبي يحيى اللاحقي في المقاصد النحوية 3/ 543وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 157وشرح أبيات سيبويه 1/ 409وشرح الأشموني 2/ 342وشرح المفصل 6/ 71، 73والكتاب 1/ 113ولسان العرب 4/ 176 (حذر).
اللغة: لا تضير: أي لا تضرّ.
المعنى: يصف الشاعر إنسانا جاهلا بقوله إنّه يحذر ما لا ينبغي الحذر منه، ويأمن ما لا ينبغي أن يؤمن.
الإعراب: «حذر»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: «هو». «أمورا»: مفعول به. «لا»: نافية. «تضير»:
فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هي». «وآمن»: الواو حرف عطف، «آمن»:
معطوف على «حذر» مرفوع. «ما»: اسم موصول في محلّ نصب مفعول به ل «آمن». «ليس»: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: «هو». «منجيه»: خبر «ليس» منصوب بالفتحة المقدّرة على الياء، وهو مضاف، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «من الأقدار»: جار ومجرور متعلّقان ب «منجيه».
وجملة «حذر»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «لا تضير»: في محل نصب نعت «أمورا». وجملة «ليس منجيه»: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «حذر أمورا» حيث عملت صيغة المبالغة «حذر» عمل فعلها، فنصبت مفعولا به «أمورا».(2/414)
وهذا بيت موضوع محدث. وإنّما القياس الحاكم على ما يجيء من هذا الضرب وغيره.
فإن ذكرت «فعولا» من غير فعل، لم يجر مجرى الفعل، وذلك نحو قولك: «هذا رسول»، وليس بمنزلة: «ضروب» لأنّك تقول: «رجل ضارب» و «ضروب» لمن يكثر الضرب منه. فإذا قلت: «رسول»، لم ترد به معنى فعل، إنّما تريد أنّ غيره أرسله. والفعل منه أرسل يرسل. والمفعول مرسل. وليس «رسول» مكثّرا من مرسل لأنّ رسولا قد يستقيم أن يكون أرسل مرّة واحدة، فليس للمبالغة. وأمّا «ضروب» فمعناه: كثرة الضرب.
فإن كانت الأسماء جارية على أفعالها في الفاعلين والمفعولين، عملت عمل أفعالها.
لا اختلاف في ذلك بين أحد. ونحن ذاكروها مع ما ذكرنا إن شاء الله.
وذلك أنّك إذا أردت التكثير من ذا، قلت: «مضرّب أعناق القوم» لأنّ الاسم على:
«ضرّب مضرّب». وإنّما ذكرنا النصب في «ضرّاب»، لأنّه في معنى «مضرّب» ألا ترى أنّك لا تقول لمن ضرب ضربة واحدة: «ضرّاب»، ولا لمن خاط خيطة واحدة: «خيّاط»، ولا:
«ضروب»، ولا: «خيوط». فإنّما: «مضرّب» من «ضرّبت»، و «مستخرج» من «استخرجت»، و «منطلق» من «انطلقت».
فاسم الفاعل قلّت حروفه أو كثرت بمنزلة الفعل المضارع الذي معناه «يفعل».
واسم المفعول جار على الفعل المضارع الذي معناه «يفعل». تقول: «زيد ضارب عمرا» كما تقول: «زيد يضرب عمرا». و «زيد مضروب سوطا»، كما تقول: «زيد يضرب سوطا».
فهذه جملة هذا الباب.
* * * واعلم أنّ المصادر تنصب الأفعال التي هي منها، وقد مضى قولنا في هذا وفي مصادر ما جاوز عدده الثلاثة. ونحن ذاكرو المصادر التي تجري على الأفعال من ذوات الثلاثة على كثرتها واختلافها بعد فراغنا من هذا الباب إن شاء الله.
* * * اعلم أنّ المصادر تلحقها «الميم» في أوّلها زائدة لأنّ المصدر «مفعول». فإذا كان كذلك، جرى مجرى المصدر الذي لا ميم فيه في الإعمال وغيره، وذلك قولك: «ضربته مضربا»: أي ضربا، و «غزوته غزوا ومغزى»، و «شتمته شتما ومشتما».
وتقول: «يا عمرو مشتما زيدا».(2/415)
* * * اعلم أنّ المصادر تلحقها «الميم» في أوّلها زائدة لأنّ المصدر «مفعول». فإذا كان كذلك، جرى مجرى المصدر الذي لا ميم فيه في الإعمال وغيره، وذلك قولك: «ضربته مضربا»: أي ضربا، و «غزوته غزوا ومغزى»، و «شتمته شتما ومشتما».
وتقول: «يا عمرو مشتما زيدا».
فإن كان المصدر لفعل على أكثر من ثلاثة، كان على مثال المفعول لأنّ المصدر مفعول.
وكذلك إن بنيت من الفعل اسما لمكان أو زمان، كان كلّ واحد منهما على مثال المفعول لأنّ الزمان والمكان مفعول فيهما. وذلك قولك في المصادر: «أدخلته مدخلا»، كما قال عزّ وجلّ: {أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبََارَكاً} (1) و {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا} (2).
وكذلك: «سرّحته مسرّحا»، وهذا: «مسرّحنا» أي: في موضع تسريحنا، و «هذا مقامنا» لأنّك تريد به المصدر والمكان من أقمت. وعلى ذلك قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّهََا سََاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقََاماً} (3) لأنّها من أقمت وقال: {يََا أَهْلَ يَثْرِبَ لََا مُقََامَ لَكُمْ} (4). لأنّها من «قمت موضع قيام»، ومن قرأ «لا مقام» إنّما يريد: لا إقامة.
قال الشاعر [من الوافر]:
ألم نعلم مسرّحي القوافي ... فلا عيّا بهنّ ولا اجتلابا [5]
أي: تسريحي. وقال الآخر [من الطويل]:
[159] وما هي إلّا في إزار وعلقة ... مغار ابن همّام على حيّ خثعما
__________
(1) المؤمنون: 29.
(2) هود: 41.
(3) الفرقان: 66.
(4) الأحزاب: 13.
[5] تقدّم بالرقم 22، واستشهد به هنا على عمل «مسرّح» عمل المفعول فيه.
[159] التخريج: البيت لحميد بن ثور الهلاليّ في الأشباه والنظائر 2/ 394وشرح أبيات سيبويه 1/ 347وليس في ديوانه وللطماح بن عامر كما في حاشية الخصائص 2/ 208وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص 351والخصائص 2/ 208وشرح المفصل 6/ 109ولسان العرب 6/ 205 (لحس)، 10/ 262، 268 (علق) والمحتسب 2/ 121.
اللغة: الإزار: المئزر. والعلقة: ثوب إلى الفخذين بلا كمين تلبسه الجارية.
المعنى: وصف امرأة بصغر السن كانت تلبس ثيابا خاصة بالصغار عند ما أغار ابن همام على حيّ خثعم.
الإعراب: «وما»: الواو: بحسب ما قبلها و «ما»: نافية لا محل لها. «هي»: مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع. «إلا»: حرف استثناء مهمل. «في إزار»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف.
«وعلقة»: الواو: حرف عطف و «علقة» معطوفة على (إزار). «مغار»: مفعول فيه ظرف زمان على تقدير(2/416)
أي: وقت إغارة ابن همّام.
وهذا أوضح من أن يكثر فيه الاحتجاج لأنّ المصدر هو المفعول الصحيح ألا ترى أنّك إذا قلت: «ضربت زيدا»، أنّك لم تفعل «زيدا» وإنّما فعلت «الضرب»، فأوصلته إلى زيد، وأوقعته به، لأنّك إنّما أوقعت به فعلك. فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا النَّهََارَ مَعََاشاً} (1)، فمعناه: عيشا، ثمّ قال: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (2) أي: الحيض. فكان أحد المصدرين على «مفعل» والآخر على «مفعل».
وقوله عزّ وجلّ: {سَلََامٌ هِيَ حَتََّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (3).
ومطلع الفجر وما أشبه هذا فله باب يذكر فيه إن شاء الله.
* * * مضاف محذوف، والتقدير: وقت مغار، والظرف متعلق بالخبر المحذوف منصوب بالفتح. «ابن»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «همّام»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «على حي»: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (مغار). «خثعما»: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف، والألف للإطلاق.
وجملة «ما هي إلا في إزار»: بحسب ما قبل الواو.
والشاهد فيه: نصب (مغار» على الظرفية الزمانية.
__________
(1) النبأ: 11.
(2) البقرة: 222.
(3) القدر: 5.(2/417)
هذا باب مصادر ذوات الثلاثة على اختلافها وتبيين الأصل فيها
اعلم أنّ هذا الضرب من المصادر يجيء على أمثلة كثيرة بزوائد وغير زوائد وذلك أنّ مجازها مجاز الأسماء، والأسماء لا تقع بقياس.
وإنّما استوت المصادر التي تجاوزت أفعالها ثلاثة أحرف، فجرت على قياس واحد، لأنّ الفعل منها لا يختلف. والثلاثة مختلفة أفعالها الماضية والمضارعة فلذلك اختلفت مصادرها، وجرت مجرى سائر الأسماء.
فمنها ما يجيء على «فعل» مفتوح الأوّل ساكن الثاني وهو الأصل، وسنبيّن الأصل إن شاء الله.
فما جاء منها على «فعل» فقولك: «ضربت ضربا»، و «قتلت قتلا»، و «شربت شربا»، و «مكثت مكثا». فهذا قد جاء فيما كان على: «فعل يفعل» نحو: «ضرب يضرب»، وعلى: «فعل يفعل» نحو: «قتل يقتل»، وعلى «فعل يفعل»، نحو: «شرب يشرب»، و «لقم يلقم»، وعلى: «فعل يفعل» نحو: «مكث يمكث».
* * * ويقع على «فعل» و «فعل» بإسكان الثاني وكسر الأوّل أو ضمّه.
فأمّا الكسر فنحو: «علم علما»، و «حلم حلما»، و «فقه فقها»، وكذلك: «فقه».
وأمّا ما كان مضموم الأوّل، فنحو: «الشّغل»، تقول: «شغلته شغلا»، و «شربته شربا»، و «سقم الرجل سقما».
ويكون على «فعل» نحو: «جلبته جلبا»، و «طربت طربا»، و «حلب الرجل الشاة حلبا».
ويكون على «فعل» نحو: «سمن سمنا»، و «عظم عظما»، و «كبر كبرا»، و «صغر صغرا».(2/418)
ويكون على «فعل» نحو: «جلبته جلبا»، و «طربت طربا»، و «حلب الرجل الشاة حلبا».
ويكون على «فعل» نحو: «سمن سمنا»، و «عظم عظما»، و «كبر كبرا»، و «صغر صغرا».
ويكون على «فعل» نحو: «ضحك ضحكا»، و «حلف حلفا»، و «خنقه خنقا».
هذه المصادر بغير زيادة.
وتكون الزيادة فيكون على «فعول» و «فعال»، نحو: «جلس جلوسا»، و «قعد قعودا»، و «وقدت النار وقودا»، و «شكرته شكورا»، و «كفرته كفورا».
و «الفعال»، نحو: «قمت قياما»، و «صمت صياما»، و «لقيته لقاء».
ويكون على «فعال» نحو: «ذهبت ذهابا»، و «خفيت خفاء»، و «شربت شرابا».
يقول بعضهم: هو مصدر. وأمّا أكثر النحويّين ف «الشراب» عنده «المشروب». وهذا لا اختلاف فيه. وإنّما تزعم طائفة أنّه يكون للمصدر.
وتقول: «جمل جمالا»، و «خبل خبالا»، و «كمل كمالا».
ويكون على هذا الوزن بالهاء، نحو: «سفه سفاهة»، و «ضلّ ضلالة»، و «جهل جهالة»، و «سقم سقامة».
* * * ويكون في المعتلّ منه بناء لا يوجد مثله في الصحيح. وذلك أنّك لا تجد مصدرا على «فيعلولة» إلّا في المعتلّ وذلك: «شاخ شيخوخة»، و «صار صيرورة»، و «كان كينونة».
إنّما كان الأصل «كيّنونة»، و «صيّرورة»، و «شيّخوخة». وكان قبل الإدغام: «كيونونة».
ولكن لمّا كثر العدد، ألزموه التخفيف كراهية للتضعيف.
ومثل ذلك قولهم في «هيّن»: «هين»، وفي «سيّد»: «سيد»، وكذلك: «ميّت» و «ميت»، و «ليّن» و «لين». وجميع ما كان على هذا الوزن. فلمّا كان التخفيف في العدد الأقلّ جائزا، كان في العدد الأكثر لازما.
ولا يوجد مصدر على «فيعلولة» في غير المعتلّ لأنّ من كلامهم اختصاص المعتلّ بأبنية لا تكون في غيره. والدليل على أنّه «فيعلول» أنّه لا يكون اسم على «فعلول» بفتح
أوّله، ولم يوجد ذلك إلّا في قولهم: «صعفوق» [1] ويقال: إنّه اسم أعجمي أعرب.(2/419)
ولا يوجد مصدر على «فيعلولة» في غير المعتلّ لأنّ من كلامهم اختصاص المعتلّ بأبنية لا تكون في غيره. والدليل على أنّه «فيعلول» أنّه لا يكون اسم على «فعلول» بفتح
أوّله، ولم يوجد ذلك إلّا في قولهم: «صعفوق» [1] ويقال: إنّه اسم أعجمي أعرب.
ومن الدليل على ذلك أنّ «كينونة» لو كان «فعلولة» لكان «كونونة»، لأنّه من الواو، فهذا واضح جدّا.
* * * والدليل على أنّ أصل المصادر في الثلاثة «فعل» مسكّن الأوسط مفتوح الأوّل أنّك إذا أردت ردّ جميع هذه المصادر إلى المرّة الواحدة، فإنّما ترجع إلى «فعلة» على أيّ بناء كان بزيادة أو غير زيادة. وذلك قولهم: «ذهبت ذهابا»، ثمّ تقول: «ذهبت ذهبة واحدة». وتقول في القعود: «قعدت قعدة واحدة»، و «حلفت حلفة واحدة»، و «حلبته حلبة واحدة». لا يكون في جميع ذلك إلّا هكذا.
و «الفعل» أقلّ الأصول، والفتحة أخفّ الحركات. ولا يثبت في الكلام بعد هذا حرف زائد ولا حركة إلّا بثبت وتصحيح.
وزعم سيبويه أنّ الأكثر في الفعل الذي لا يتعدّى إلى المفعول أن يأتي على «فعول» وإن كان «الفعل» هو الأصل. فكأنّ الواو إنّما زيدت وغيّر للفصل بين المتعدّي وغيره وذلك نحو: «جلست جلوسا»، و «وقدت النار وقودا»، وإن كان الأصل ما ذكرنا. وقد يجيء هذا فيما لا يتعدّى أكثر.
* * * وجاءت مصادر على «فعول» مفتوحة الأوائل وذلك قولك: «توضأت وضوءا حسنا»، و «تطهّرت طهورا»، و «أولعت به ولوعا»، و «وقدت النار وقودا»، و «إنّ عليه لقبولا». على أنّ الضمّ في «الوقود» أكثر إذا كان مصدرا وأحسن.
* * * [1] الصعفوق: اللئيم من الرجال. (لسان العرب 10/ 199 (صعفق)).(2/420)
هذا باب ما كان من المعتلّ فيما جاوز فعله الثلاثة فلزمه الحذف لاعتلاله والإتمام لسلامته
اعلم أنّ المعتلّ يقع على ضربين: محذوفا، ومتمّما.
فما لزمه الحذف لعلّة، تكون تلك العلّة راجعة في مصدره، فمصدره معتلّ كاعتلاله.
وما سلم من الحذف فعله كان مصدره تامّا.
فمن ذلك ما يكون من الثلاثة ممّا فاؤه واو، وذلك نحو: «وعد» و «وجد». فإذا قلت: «يعد» و «يجد»، وقعت الواو بين ياء وكسرة، فحذفت لذلك. فكان «يعد» و «يجد».
وكان الأصل: «يوعد» و «يوجد». ولو لم تكن الكسرة بعد الياء، لصحّت كما تصحّ في «يوجل»، أو أبدلت ولم تحذف: كما تقول: «ييجل» و «ييحل»، و «ياجل» و «ياحل».
فإذا قلت: «وعدا»، و «وزنا»، صحّ المصدر لأنّه لم تلحقه علّة.
فإن قلت: «عدة» و «زنة»، أعللت، فحذفت لأنّ الكسرة في الواو.
فالعلّة في المصدر من جهتين: إحداهما: علّة فعله، والثانية: وقوعها فيه ألا ترى أنّها لو كانت علّة الفعل وحدها، لصحّ المصدر كما ذكرت لك في «الوعد» و «الوزن».
ولو بنيت اسما على «فعلة» لا تريد به مصدرا، لصحّت الواو وذلك مثل «الوجهة»، فكذلك كلّ مصدر من المعتلّ. وهذا الذي قدّمت ما اعتلّت فاؤه.
* * * والذي تعتلّ عينه من باب «قال» و «باع» هذا مجراه، تقول: «قمت قياما»، فإنّما حذفت موضع العين من «قمت» لاجتماع الساكنين. ولم يلتق في المصدر ساكنان، ولكن يلزمك لاعتلال الفعل أن تقلب الواو ياء، لأنّ قبلها كسرة. فقد اجتمع فيها شيئان: الكسرة قبلها، واعتلال الفعل. فلذلك قلت: «لذت لياذا»، و «نمت نياما»، و «قمت قياما».
ولو كان المصدر ل «قاومت» لصحّ فقلت: «قاومته قواما»، و «لاوذته لواذا».
وكان اسما غير مصدر نحو: «خوان».(2/421)
ولو كان المصدر ل «قاومت» لصحّ فقلت: «قاومته قواما»، و «لاوذته لواذا».
وكان اسما غير مصدر نحو: «خوان».
فإن كان المصدر لا علّة فيه، صحّ على ما ذكرت لك. وذلك قولك: «قلت قولا»، و «جلت جولا»، وكذلك: «بعت بيعا»، و «كلت كيلا». لا نقص في شيء من ذلك.
وكذلك إن اعتلّت اللام، فلحقت المصدر تلك العلّة، والفعل بزيادة أو غير زيادة.
* * *
هذا باب الأمر والنهي(2/422)
* * *
هذا باب الأمر والنهي
فما كان منهما مجزوما، فإنّما جزمه بعامل مدخل عليه. فاللازم له اللام. وذلك قولك: «ليقم زيد». «ليذهب عبد الله». وتقول: «زرني ولأزرك»، فتدخل اللام لأنّ الأمر لك.
فأمّا إذا كان المأمور مخاطبا، ففعله مبنيّ غير مجزوم، وذلك قولك: «اذهب»، «انطلق».
وقد كان قوم من النحويّين يزعمون أنّ هذا مجزوم، وذلك خطأ فاحش وذلك لأنّ الإعراب لا يدخل من الأفعال إلّا فيما كان مضارعا للأسماء.
والأفعال المضارعة هي التي في أوائلها الزوائد الأربع: الياء، والتاء، والهمزة، والنون. وذلك قولك: «أفعل أنا»، و «تفعل أنت»، و «يفعل هو»، و «نفعل نحن». فإنّما تدخل عليها العوامل وهي على هذا اللفظ.
وقولك: «اضرب»، و «قم» ليس فيه شيء من حروف المضارعة، ولو كانت فيه، لم يجز جزمه إلّا بحرف يدخل عليه فيجزمه. فهذا بيّن جدّا.
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قرأ {فَبِذََلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (1) فهذا مجزوم جزمته اللام، وجاءت هذه القراءة على أصل الأمر، فإذا لم يكن الأمر للحاضر المخاطب، فلا بدّ من إدخال اللام، تقول: «ليقم زيد»، وتقول: «زر زيدا» و «ليزرك». إذا كان الأمر لهما لأنّ زيدا غائب، ولا يكون الأمر له إلّا بإدخال اللام.
__________
(1) يونس: 58.(2/423)
وكذلك إن قلت: «ضرب زيد»، فأردت الأمر من هذا: «ليضرب زيد»، لأنّ المأمور ليس بمواجه.
واعلم أنّ الدعاء بمنزلة الأمر، والنهي في الجزم والحذف عند المخاطبة، وإنّما قيل: دعاء وطلب للمعنى لأنّك تأمر من هو دونك، وتطلب إلى من أنت دونه. وذلك قولك: «ليغفر الله لزيد» وتقول: «اللهمّ اغفر لي» كما تقول: «اضرب عمرا».
فأمّا قولك: «غفر الله لزيد»، و «رحم الله زيدا»، ونحو ذلك، فإنّ لفظه لفظ الخبر، ومعناه الطلب وإنّما كان كذلك، لعلم السامع أنّك لا تخبر عن الله عزّ وجلّ وإنما تسأله. كما أنّ قولك: «علم الله لأقومنّ»، إنّما لفظه لفظ «رزق الله»، ومعناه القسم لأنّك في قولك: «علم» مستشهد.
وتقول: «يا زيد ليقم إليك عمرو»، و «يا زيد لتدع بني عمرو».
والنحويّون يجيزون إضمار هذه اللام للشاعر إذا اضطرّ، ويستشهدون على ذلك بقول متمّم بن نويرة [من الطويل]:
[160] على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى
[160] التخريج: البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص 84وشرح أبيات سيبويه 2/ 98وشرح شواهد المغني 2/ 599والكتاب 3/ 9ولسان العرب 12/ 560 (لوم) ومعجم ما استعجم ص 261، 1033وبلا نسبة في رصف المباني ص 228وسر صناعة الإعراب 1/ 391وشرح المفصل 7/ 60، 62ولسان العرب 7/ 121 (بعض) ومغني اللبيب 1/ 225.
اللغة: البعوضة: اسم مكان بعينه، كانت فيه موقعة قتل فيها جماعة من قوم الشاعر.
المعنى: فلتخمشي وجهك على قتلى موقعة البعوضة، وليبك عليهم البواكي.
الإعراب: «على مثل»: جار ومجرور متعلقان بالفعل اخمشي. «أصحاب»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «البعوضة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «فاخمشي»: الفاء زائدة، «اخمشي»: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والياء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. «لك»: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم. «الويل»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «حرّ»: مفعول به منصوب بالفتحة.
«الوجه»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أو»: حرف عاطف. «يبك»: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر المحذوفة وعلامة الجزم حذف حرف العلة. «من»: اسم موصول في محل رفع فاعل. «بكى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
وجملة «اخمشي»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «لك الويل»: اعتراضية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «بيك»: معطوفة على (اخمشي) لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «بكى»: صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.(2/424)
يريد: أو ليبك من بكى. وقول الآخر [من الوافر]:
[161] محمّد تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا
فلا أرى ذلك على ما قالوا لأنّ عوامل الأفعال لا تضمر، وأضعفها الجازمة لأنّ الجزم في الأفعال نظير الخفض في الأسماء. ولكن بيت متمّم حمل على المعنى لأنّه إذا قال: «فاخمشي»، فهو في موضع «فلتخمشي»، فعطف الثاني على المعنى.
وأمّا هذا البيت الأخير، فليس بمعروف، على أنّه في كتاب سيبويه على ما ذكرت لك.
وتقول: «ليقم زيد، ويقعد خالد، وينطلق عبد الله» لأنّك عطفت على اللام.
ولو قلت: «قم ويقعد زيد»، لم يجز الجزم في الكلام. ولكن لو اضطرّ شاعر، فحمله
والشاهد فيه قوله: «أو يبك»: فالفعل «يبك» مجزوم بلام الأمر المحذوفة، وأصل الكلام «أو ليبك» فحذف لام الأمر وأبقى عملها، أو أن «يبك» مجزوم حملا على معنى «فاخمشي» لأن فعل الأمر أصله فعل مضارع للمخاطب مجزوم بلام الطلب وكأنه قال: «على مثل أصحاب البعوضة فلتخمشي وجهك أو يبك من بكى».
[161] التخريج: البيت لأبي طالب أو للأعشى في خزانة الأدب 9/ 11وللأعشى أو لحسان أو لمجهول في الدرر 5/ 61وبلا نسبة في أسرار العربية ص 319، 321والإنصاف 2/ 530والجنى الداني ص 113ورصف المباني ص 256وسرّ صناعة الإعراب 1/ 391وشرح الأشموني 3/ 575 وشرح شواهد المغني 1/ 597وشرح المفصل 7/ 35، 60، 962/ 24والكتاب 3/ 8واللامات ص 96ومغني اللبيب 1/ 224والمقاصد النحويّة 4/ 418والمقرب 1/ 272وهمع الهوامع 2/ 55.
اللغة: التبال: سوء العاقبة، وتبله الدهر: أي رماه بمصائبه.
المعنى: يخاطب الشاعر النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله: يا محمّد إنّ كلّ النفوس مستعدّة لتفدي نفسك الغالية إذا ما خفت أمرا من الأمور.
الإعراب: محمّد: منادى مبنيّ على الضمّ في محل نصب على النداء. تفد: فعل مضارع مجزوم بلام محذوفة تقديره: «لتفد» وعلامة جزمه حذف حرف العلّة. نفسك: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: في محلّ جرّ بالإضافة. كلّ: فاعل مرفوع. وهو مضاف. نفس: مضاف إليه مجرور. إذا: ظرف يتضمّن معنى الشرط. ما: الزائدة. خفت: فعل ماض، والتاء: فاعل. من شيء: جار ومجرور متعلّقان ب «خفت». تبالا: مفعول به منصوب. وجواب «إذا» محذوف تقديره: «إذا ما خفت من أمر تبالا لتفد نفسك».
وجملة «محمد تفد» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «تفد نفسك» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة «خفت من أمر» الفعليّة: في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: «تفد» يريد: لتفد، فأضمر لام الأمر، وهذا من أقبح الضرورات.(2/425)
على موضع الأوّل لأنّه ممّا كان حقّه اللام كان على ما وصفت لك.
واعلم أنّ هذه اللام مكسورة إذا ابتدئت فإذا كان قبلها فاء أو واو فهي على حالها في الكسر. وقد يجوز إسكانها، وهو أكثر على الألسن. تقول: «قم وليقم زيد»، {فَلْتَقُمْ طََائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (1)، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (2). وإنّما جاز ذلك لأنّ الواو والفاء لا ينفصلان، لأنّه لا يفصل بحرف واحد [3]. فصارتا بمنزلة ما هو في الكلمة، فأسكنت اللام هربا من الكسرة. كقولك في «علم»: «علم»، وفي «فخذ»: «فخذ».
وأمّا قراءة من قرأ {ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ} (4). فإنّ الإسكان في لام «فلينظر» جيّد وفي لام «ليقطع» لحن لأنّ «ثمّ» منفصلة من الكلمة. وقد قرأ بذلك يعقوب بن إسحاق الحضرميّ.
* * * فأمّا حرف النهي فهو «لا». وهو يقع على فعل الشاهد والغائب، وذلك قولك: «لا يقم زيد»، و «لا تقم يا رجل»، و «لا تقومي يا امرأة». فالفعل بعده مجزوم به.
وتقول: «لا يقم زيد ولا يقعد عبد الله»، إن عطفت نهيا على نهي. وإن شئت قلت:
«لا يقم زيد، ويقعد عبد الله». وهو بإعادتك «لا» أوضح وذلك لأنّك إذا قلت: «لا يقم زيد، ولا يقعد عبد الله» تبيّن لك أنّك قد نهيت كلّ واحد منهما على حياله.
وإذا قلت: ويقعد عبد الله بغير «لا» فهذا وجه.
وقد يجوز أن يقع عند السامع أنّك أردت: لا يجتمع هذان. فإن قعد عبد الله، ولم يقم زيد لم يكن المأمور مخالفا. وكذلك إن لم يقم زيد، وقعد عبد الله.
ووجه الاجتماع إذا قصدته أن تقول: «لا يقم زيد ويقعد عبد الله»، أي: لا يجتمع قيام زيد، وأن يقعد عبد الله.
و «لا» المؤكّدة تدخل في النفي لمعنى. تقول: «ما جاءني زيد ولا عمرو»، إذا أردت أنّه لم يأتك واحد منهما، على انفراد ولا مع صاحبه لأنّك لو قلت: «لم يأتني زيد
__________
(1) النساء: 102.
(2) آل عمران: 104.
[3] كلمة «يفصل» غير واضحة في الطبعة التي اعتمدناها، وهي ترجيح منّا، والمقصود أنّ الحرف الواحد لا يكتب مفصولا عن غيره.
(4) الحج: 15.(2/426)
وعمرو»، وقد أتاك أحدهما، لم تكن كاذبا. ف «لا» في قولك: «لا يقم زيد، ولا يقم عمرو» يجوز أن تكون التي للنهي، وتكون المؤكّدة التي تقع لما ذكرت لك في كلّ نفي.
واعلم أنّ الطلب من النهي بمنزلته من الأمر، يجري على لفظه كما جرى على لفظ الأمر ألا ترى أنّك لا تقول: نهيت من فوقي، ولكن طلبت إليه. وذلك قولك: «لا يقطع الله يد فلان»، و «لا يصنع الله لعمرو». فالمخرج واحد، والمعنى مختلف.
* * * واعلم أنّ جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء وذلك لأنّ جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاء صحيحا. وذلك قولك:
«ائتني أكرمك»، لأنّ المعنى: فإنّك إن تأتني أكرمك ألا ترى أنّ الإكرام إنّما يستحقّ بالإتيان. وكذلك: «لا تأت زيدا يكن خيرا لك» لأنّ المعنى: فإنّك إلّا تأته يكن خيرا لك.
ولو قال على هذا: «لا تدن من الأسد يأكلك» كان محالا لأنّه إذا قال: «لا تدن» فإنّما هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سببا لأكله إيّاه. ولكن إن رفع، جاز، فيكون المعنى: لا تدن من الأسد ثمّ قال: إنّه ممّا يأكلك.
وإنّما انجزم جواب الاستفهام لأنّه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي وذلك قولك: «أين بيتك أزرك»؟ لأنّ المعنى: بإن أعرفه أزرك، وكذلك: «هل تأتيني أعطك، وأحسن إليك» لأنّ المعنى: فإنّك إن تفعل أفعل.
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ} (1) ثمّ قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} (2) فإنّ هذا ليس بجواب، ولكنّه شرح ما دعوا إليه، والجواب: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ} (3).
فإن قال قائل: فهلّا كان الشرح «أن تؤمنوا»، لأنّه بدل من «تجارة»؟
فالجواب في ذلك أنّ الفعل يكون دليلا على مصدره، فإذا ذكرت ما يدلّ على الشيء، فهو كذكرك إيّاه ألا ترى أنّهم يقولون: «من كذب كان شرّا»، يريدون: كان الكذب. وقال الله عزّ وجلّ: {وَلََا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ} (4) لأنّ
__________
(1) الصف: 10.
(2) الصف: 11.
(3) الصف: 12.
(4) آل عمران: 180.(2/427)
المعنى: البخل هو خيرا لهم، فدلّ عليه بقوله «يبخلون». وقال الشاعر [من الطويل]:
ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي [1]
فالمعنى: عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلمّا ذكر «أحضر الوغى»، دلّ على الحضور. وقد نصبه قوم على إضمار «أن»، وقدّموا الرفع.
وسنذكر ذلك باستقصاء العلّة فيه إن شاء الله.
فأمّا الرفع، فلأنّ الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت، رفع الفعل، وكان دالّا على مصدره بمنزلة الآية، وهي: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ} (2) ثم قال:
{تُؤْمِنُونَ} (3).
وكذلك لو قال قائل: «ماذا يصنع زيد»؟ فقلت: «يأكل» أو «يصلّي» لأغناك عن أن تقول: «الأكل» أو «الصلاة». ألا ترى أنّ الفعل إنّما مفعوله اللازم له إنّما هو المصدر، لأنّ قولك: «قد قام زيد» بمنزلة قولك: «قد كان منه قيام»، و «القيام» هو النوع الذي تعرفه وتفهمه.
ولو قلت: «ضرب زيد»، لعلمت أنّه قد فعل ضربا واصلا إلى مضروب، إلّا أنّك لا تعرف المضروب بقوله: «ضرب» وتعرف المصدر.
وأمّا الذين نصبوا، فلم يأبوا الرفع، ولكنّهم أجازوا معه النصب لأنّ المعنى إنّما حقّه ب «أن» وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: «وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي»؟ فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيء بعضها محذوفا للدلالة عليه.
وفي كتاب الله عزّ وجلّ: {يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (4) فالقول عندنا أنّ «من» مشتملة على الجميع لأنّها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أنّ المعنى: «ومن في الأرض». وليس المعنى عندي كما
[1] تقدّم بالرقم 146.
__________
(2) الصف: 10.
(3) الصف: 11.
(4) الرحمن: 29.(2/428)
قالوا. وقالوا في بيت حسّان [من الوافر]:
[162] فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
إنّما المعنى: «ومن يمدحه وينصره». وليس الأمر عند أهل النظر كذلك ولكنّه جعل «من» نكرة، وجعل الفعل وصفا لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنّه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأنّ الوصف يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالّا عليه.
وعلى هذا قول الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ إِلََّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} (2).
وقال الشاعر [من الطويل]:
[163] هل الدّهر إلّا تارتان فتارة ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
[162] التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 76وتذكرة النحاة ص 70والدرر 1/ 296وبلا نسبة في شرح الأشموني ص 82وهمع الهوامع 1/ 88.
المعنى: لا يستوي من يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يشتمه ويسيء إليه، بل هما متباينان، لأن من يمدحه يستحق المثوبة والأجر، ومن يشتمه فقد باء بالخطيئة والوزر. ويروى البيت «أمن يهجو».
الإعراب: فمن: الفاء: حسب ما قبلها، «من»: اسم موصول في محل رفع مبتدأ. يهجو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. رسول: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف. الله: لفظ الجلالة، مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. منكم: جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة لفاعل يهجو. ويمدحه: الواو: عاطفة، «يمدحه»: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وينصره: الواو:
عاطفة، «ينصره»: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. سواء: خبر مرفوع للمبتدأ «من» مرفوع بالضمة الظاهرة.
وجملة «من يهجو رسول الله سواء»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يهجو»: صلة الموصول لا محل لها. وجملة «يمدحه»: معطوفة عليها لا محل لها. وجملة «ينصره»: كذلك لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «ويمدحه» فقد حذف الاسم الموصول للدلالة عليه، ولعدم ضرورة التكرار بالعطف، والتقدير (ومن يمدحه).
__________
(2) النساء: 159.
[163] التخريج: البيت لتميم بن مقبل في ديوانه ص 38وحماسة البحتري ص 123والحيوان 3/ 48وخزانة الأدب 5/ 55والدرر 6/ 18وشرح أبيات سيبويه 2/ 114وشرح شواهد الإيضاح ص 634، والكتاب 2/ 346ولسان العرب 2/ 569 (كدح) ولعجير السلولي في سمط اللالي ص 205.
المعنى: الحياة مرحلتان، مرحلة أموت فيها ومرحلة أعمل للعيش وللكسب.(2/429)
يريد: وتارة أخرى.
وقال [من الوافر]:
[164] كأنّك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ
يريد: كأنّك جمل، وكذلك قال: «يقعقع خلف رجليه».
الإعراب: هل: حرف استفهام مبنيّ على السكون، وقد حرّك بالكسر منعا من التقاء ساكنين. الدهر:
مبتدأ مرفوع بالضمّة. إلّا: حرف حصر. تارتان: خبر مرفوع بالألف لأنّه مثنى. فتارة: الفاء، حرف استئناف، و «تارة»: مبتدأ مرفوع بالضمة. أموت: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. وأخرى: الواو حرف عطف. و «أخرى»: صفة «ل «تارة» المحذوفة المقدّرة، مرفوعة بالضمة المقدّرة على الألف للتعذر. أبتغي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الياء للثقل، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. العيش: مفعول به منصوب بالفتحة. أكدح: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا.
وجملة «الدهر تارتان» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة «تارة أموت» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أموت» في محل رفع خبر «تارة». وجلة «وتارة أخرى أبتغي» معطوفة لا محلّ لها من الإعراب، وجملة «أبتغي» في محل رفع خبر ل «تارة» المحذوفة. وجملة «أكدح» في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله: «وأخرى أبتغي العيش» حيث حذف «تارة» لدلالة الكلام عليها.
[164] التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 126وخزانة الأدب 5/ 67، 69وشرح أبيات سيبويه 2/ 58وشرح المفصل 3/ 59والكتاب 2/ 345ولسان العرب 6/ 373 (وقش)، 8/ 286، 287 (قعع)، 13/ 241 (شنن) والمقاصد النحوية 4/ 67وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1/ 284وشرح المفصل 1/ 61ولسان العرب 4/ 231 (خدر)، 6/ 264 (أقش)، 14/ 272 (دنا).
اللغة: قعقع: صات. الشنّ: القربة اليابسة.
المعنى: إنّك جبان وضعيف تنفر كما تنفر جمال بني أقيش إذا ما سمعت صوت الشنّ وقعقعته.
الإعراب: كأنّك: حرف مشبّه بالفعل، والكاف: ضمير متّصل في محلّ نصب اسم «كأنّ»، وخبرها محذوف. من: حرف جرّ. جمال: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت خبر «كأنّ»، وهو مضاف. بني: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. أقيش:
مضاف إليه مجرور. يقعقع: فعل مضارع للمجهول. خلف: ظرف مكان متعلّق ب «يقعقع»، وهو مضاف.
رجليه: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. بشنّ: جار ومجرور متعلّقان ب «يقعقع».
وجملة «كأنك»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يقعقع»: في محلّ رفع نعت خبر كأنّ المحذوف.(2/430)
وقال آخر [من الطويل]:
[165] وما منهما إلّا يسرّ بنسبة ... تقرّبه منّي وإن كان ذا نفر
يريد: وما منهما أحد.
وقالوا في أشدّ من ذا [من الرجز]:
[166] ما لك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جادت بكفّي كان من أرمى البشر
فهذا ما ذكرت لك من اختلافهم واختيار أحد القولين.
* * * الشاهد فيه قوله: «كأنك من جمال بني أقيش» حيث حذف المنعوت «جمل» وأبقى النعت، والتقدير:
«كأنّك جمل من جمال بني أقيش»، وهذا للضرورة.
[165] التخريج: البيت لعمران بن حطّان في ديوانه ص 111وخزانة الأدب 5/ 359.
اللغة: النّفر هنا: كثرة القوم.
المعنى: يقول إنّ كلا الحيين الذين أشير إليهما تسرّه أن تربطني به نسبة ما وإن كان كثير القوم.
الإعراب: وما: «الواو»: استئنافية، «ما»: نافية مهملة. منهما: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم لمبتدأ محذوف موصوف ب (يسرّ) تقديره (أحد). إلا: حرف حصر. يسرّ: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب فاعله مستتر جوازا تقديره (هو). بنسبة: جار ومجرور متعلقان ب (يسرّ). تقرّبه: فعل مضارع مرفوع، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). مني: جار ومجرور متعلقان ب (تقرّبه). وإن: «الواو»: حالية، «إن»: وصلية زائدة للتعميم. كان: فعل ماض ناقص، اسمه مستتر جوازا تقديره (هو). ذا: خبر (كان) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. نفر: مضاف إليه مجرور، وسكّن للقافية.
وجملة «منهما أحد»: استئنافية لا محل لها. وجملة «يسرّ»: صفة ل (أحد) المقدّر محلها الرفع.
وجملة «تقربني»: صفة ل (نسبة) محلها الجر. وجملة «كان ذا نفر»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: (ما منهما إلا يسرّ) حيث حذف الموصوف، وهو (أحد) المقدّر، وبقيت صفته، وهي جملة (يسرّ).
[166] التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 65والخصائص 2/ 367والدرر 6/ 22 وشرح الأشموني 2/ 401وشرح التصريح 2/ 119وشرح شواهد المغني 1/ 461وشرح عمدة الحافظ ص 550وشرح المفصل 3/ 62ولسان العرب 13/ 370 (كون)، 421 (منن) ومجالس ثعلب 2/ 513والمحتسب 2/ 227ومغني اللبيب 1/ 160والمقاصد النحوية 4/ 66المقرب 1/ 227، وهمع الهوامع 2/ 120.(2/431)
اللغة: الكبداء: القوس الواسعة المقبض. الوتر: مجرى السهم من القوس. أرمى: فعل تفضيل من رمى يرمي، أي الأشدّ رماية وإصابة.
المعنى: يهدّد أحدهم بقوله: ليس لك عندي خير، بل سهم مصيب، وحجر قاتل، وقوس شديدة، تعطي أفضل ما لديها عندما يستخدمها من كان أفضل الرّماة.
الإعراب: «ما»: نافية لا عمل لها. «لك»: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. «عندي»:
«عند»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، متعلق بمحذوف خبر مقدم، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «غير»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «سهم»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «وحجر»: «الواو»: حرف عطف، «حجر»: اسم معطوف على مجرور، مجرور مثله بالكسرة، وسكّن لضرورة الشعر. «وغير»: «الواو»: حرف عطف، «غير»: اسم معطوف على مرفوع، مرفوع مثله بالضمّة. «كبداء»: مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. «شديدة»:
صفة «كبداء» مجرورة بالكسرة. «الوتر»: مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكّن لضرورة الشعر. «جادت»:
فعل ماض مبني على الفتح، و «التاء»: تاء التأنيث الساكنة، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (هي).
«بكفي»: جار ومجرور بالياء لأنه مثنى، متعلّقان ب «جادت». «كان»: فعل ماض ناقص. «من أرمى»: جار ومجرور بالكسرة المقدّرة على الألف، متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «البشر»: مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكّن لضرورة الشعر.
وجملة «ما لك عندي»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جادت»: في محلّ جرّ صفة ل «كبداء». وجملة «كان»: في محل جرّ صفة للمضاف إليه المحذوف (بكفي رجل كان).
والشاهد فيه قوله: «بكفي كان» حيث حذف الموصوف (رجل) وأبقى صفته، وهي جملة: (كان من أرمى البشر)، والتقدير: (بكفّي رجل كان من أرمى البشر).(2/432)
هذا باب ما وقع من الأفعال للجنس على معناه وتلك الأفعال: «نعم»، و «بئس» وما وقع في معناهما
اعلم أنّ «نعم» و «بئس» كان أصلهما «نعم» و «بئس»، إلّا أنّه ما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق ممّا هو على «فعل»، جازت فيه أربعة أوجه اسما كان أو فعلا. وذلك قولك:
«نعم» و «بئس» على التمام و «فخذ»، ويجوز أن تكسر الأوّل لكسرة الثاني، فتقول: «نعم»، و «بئس» و «فخذ». ويجوز الإسكان، كما تسكّن المضمومات والمكسورات إذ كنّ غير أوّل. وقد تقدم قولنا في ذلك. فيقول من قولك «فخذ»: «فخذ»، و «علم»: «علم»، ومن «نعم»: «نعم»، ومن قولك: «فخذ»: «فخذ»، و «نعم» و «بئس».
وحروف الحلق ستّة: «الهمزة والهاء» وهما أقصاه، و «العين والحاء» وهما من أوسطه، و «الغين والخاء» وهما من أوّله ممّا يلي اللسان. فكان أصل «نعم» و «بئس» ما ذكرت لك. إلّا أنّهما الأصل في المدح والذمّ. فلمّا كثر استعمالهما، ألزما التخفيف، وجريا فيه وفي الكسرة كالمثل الذي يلزم طريقة واحدة.
وقد يقول بعضهم: «نعم». وكلّ ذلك جائز حسن، إذا أثرت استعماله، أعني الوجوه الأربعة. قال الشاعر [من الرمل]:
[167] ففداء لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سوء وضرّ
ما أقلّت قدمي أنّهم ... نعم الساعون في الأمر المبرّ
[167] التخريج: البيتان لطرفة بن العبد في ديوانه ص 58 (مع اختلاف كبير في الرواية) وخزانة الأدب 9/ 376، 377والدرر 5/ 196ولسان العرب 12/ 587 (نعم) والمحتسب 1/ 342، 357 وهمع الهوامع 2/ 84وبلا نسبة في الخصائص 2/ 228.(2/433)
وأمّا ما ذكرت لك أنّه يقع في معناهما مقاربا لهما، فنحو: «فعل»، نحو: «لكرم زيد»، و «لظرف زيد». وكذلك «حبّذا». ونحن ذاكرو كلّ باب من هذا على حياله إن شاء الله.
* * * أمّا «نعم» و «بئس»، فلا يقعان إلّا على مضمر يفسّره ما بعده، والتفسير لازم، أو على معرفة بالألف واللام على معنى الجنس، ثم يذكر بعدها المحمود والمذموم.
فأمّا ما كان معرفة بالألف واللام، فنحو قولك: «نعم الرجل زيد»، و «بئس الرجل عبد الله»، و «نعم الدار دارك». وإن شئت قلت: «نعمت الدار». لما أذكره لك إن شاء الله، و «بئست الدابّة دابّتك».
وأمّا قولك: «الرجل»، و «الدابّة»، و «الدار». فمرتفعات ب «نعم» و «بئس» لأنّهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما.
وأمّا قولك: «زيد»، وما أشبهه فإنّ رفعه على ضربين:
اللغة: أقلّت: حملت. الأمر المبرّ: هو الأمر الذي يعجز الناس عن دفعه وإبطاله.
المعنى: ما أحسن الذين يسعون في تخفيف ما يزعج الناس ويعجزهم، هؤلاء هم بنو قيس الذين أفديهم طالما بقيت حيّا.
الإعراب: «ففداء»: الفاء: حسب ما قبلها، «فداء»: خبر لمبتدأ محذوف بتقدير: فأنا فداء. «لبني»:
جار ومجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم، متعلّقان بالخبر. «قيس»: مضاف إليه مجرور. «على»:
حرف جر. «ما»: اسم موصول مبني في محلّ جرّ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة للخبر (فداء). «أصاب»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر تقديره (هو). «الناس»: مفعول به منصوب. «من سوء»: جار ومجرور متعلقان ب (أصاب). «وضر»: الواو: حرف عطف، «ضر»: اسم معطوف على مجرور، وسكّن للضرورة. «ما»: مصدرية زمانية. «أقلت»: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: تاء التأنيث الساكنة. «قدمي»: فاعل مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: في محلّ جرّ بالإضافة، والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان. «أنهم»:
حرف مشبّه بالفعل، وضمير في محل نصب اسمه. «نعم»: فعل ماض جامد لإنشاء المدح. «الساعون»:
فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. «في الأمر»: جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل «الساعون».
«المبر»: صفة ل «الأمر» مجرورة بالكسرة، وسكنت لضرورة الشعر.
وجملة «أنا فداء»: بحسب الفاء. وجملة «أصاب»: صلة الموصول لا محل لها. وجملة «أقلت»:
صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «نعم الساعون»: استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيهما قوله: «نعم» بالتحريك على الأصل.(2/434)
أحدهما: أنّك لمّا قلت: «نعم الرجل»، فكأنّ معناه: محمود في الرجال، قلت:
«زيد» على التفسير، كأنّه قيل: «من هذا المحمود»؟ فقلت: «هو زيد».
والوجه الآخر: أن تكون أردت ب «زيد» التقديم، فأخّرته، وكان موضعه أن تقول:
«زيد نعم الرجل».
فإن زعم زاعم أنّ قولك: «نعم الرجل زيد» إنّما «زيد» بدل من «الرجل» مرتفع بما ارتفع به، كقولك: «مررت بأخيك زيد»، و «جاءني الرجل عبد الله». قيل له: إنّ قولك:
«جاءني الرجل عبد الله»، إنّما تقديره إذا طرحت «الرجل»: «جاءني عبد الله». فقل:
«نعم زيد» لأنّك تزعم أنّه ب «نعم» مرتفع. وهذا محال لأنّ «الرجل» ليس يقصد به إلى واحد بعينه كما تقول: «جاءني الرجل»، أي: جاءني الرجل الذي تعرف. وإنّما هو واحد من الرجال على غير معهود تريد به هذا الجنس. ويؤول «نعم الرجل» في التقدير إلى أنّك تريد معنى محمود في الرجال، ثمّ تعرّف المخاطب من هذا المحمود؟
وإذا قلت: «بئس الرجل»، فمعناه: مذموم في الرجال. ثمّ تفسّر من هذا المذموم؟
بقولك: «زيد».
فالرجل وما ذكرت لك ممّا فيه الألف واللام دالّ على الجنس، والمذكور بعد هو المختصّ بالحمد والذمّ. وهذا هاهنا بمنزلة قولك: «فلان يفرق الأسد»، إنّما تريد هذا الجنس، ولست تعني أسدا معهودا وكذلك: «فلان يحبّ الدينار والدرهم»، و «أهلك الناس الدينار والدرهم»، و «أهلك الناس الشاة والبعير». وقال الله عزّ وجلّ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (1)، فهو واقع على الجنس ألا تراه يقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} (2) وقال: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً} (3). وقال: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (4).
* * * واعلم أنّ ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، وذلك قولك: «نعم أخو القوم أنت»، و «بئس صاحب الرجل عبد الله».
__________
(1) العصر: 1، 2.
(2) العصر: 3.
(3) المعارج: 19.
(4) المعارج: 22.(2/435)
ولو قلت: «نعم الذي في الدار أنت»، لم يجز، لأنّ «الذي» بصلته مقصود إليه بعينه.
فقد خرج من موضع الاسم الذي لا يكون للجنس، وتقول: «نعم القائم أنت»، و «نعم الداخل الدار أنت»، و «الدار» بالنصب والخفض، والنصب أجود على ما ذكرت لك، لأنّ تعريفك يقع كتعريف «الغلام» وإن كان معناه «الذي».
فإن قلت: قد جاء {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} (1) فمعناه الجنس. فإنّ «الذي» إذا كانت على هذا المذهب، صلحت بعد «نعم» و «بئس». وإنّما يكره بعد هذا تلك المخصوصة.
وكذلك لو قلت: «نعم القائم في الدار أنت»، وأنت تريد به واحدا على معنى «الذي» المخصوصة، لم يجز لما ذكرت لك من تعريف الجنس. فهذا تفسير ما يقع عليه من المعارف التي بالألف واللام.
* * * وأمّا وقوعها على المضمر الذي يفسّره ما بعده فهو قوله: «نعم رجلا أنت»، و «بئس في الدار رجلا أنت»، و «نعم دابّة دابّتك». فالمعنى في ذلك: أنّ في «نعم» مضمرا يفسّره ما بعده، وهو هذا المذكور المنصوب لأنّ المبهمة من الأعداد وغيرها إنّما يفسّرها التبيين.
كقولك: «عندي عشرون رجلا»، و «هو خير منك عبدا» لأنّك لمّا قلت: «عشرون»، أبهمت فلم يدر على أيّ شيء هذا العدد واقع؟ فقلت: «رجلا» ونحوه، لتبيّن نوع هذا العدد، و «هو خير منك عبدا» لأنّك إذا قلت: «هو خير منك» لم يدر فيم فضلته عليه؟ فإذا قلت: «أبا»، أو «عبدا»، أو نحوه، فإنّما تفضّله في ذلك النوع. فكذلك «نعم».
والإضافة نحو قولك: «هو أفضلهم عبدا»، و «على التمرة مثلها زبدا». فإن قال قائل:
فهل يكون المضمر مقدّما؟ قيل: يكون ذاك إذا كان التفسير له لازما. فمن ذلك قولك: «إنّه عبد الله منطلق». و «كان زيد خير منك» لأنّ المعنى: إنّ الحديث أو إنّ الأمر عبد الله منطلق، وكان الحديث زيد خير منك، ولهذا باب يفرد بتفسيره. قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} (2) أي: إنّ الخبر.
ومنها قولك في إعمال الأوّل والثاني: «ضربوني، وضربت إخوتك» لأنّ الذي بعده
__________
(1) الزمر: 33.
(2) طه: 74.(2/436)
من ذكره الأخوّة يفسّره فكذلك هذا. قال الله جلّ وعزّ: {بِئْسَ لِلظََّالِمِينَ بَدَلًا} (1)، وقال:
{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوََّابٌ} (2)، لأنّه ذكر قبل، فكذلك جميع هذا.
* * * وأمّا «حبّذا» فإنّما كانت في الأصل: حبّذا الشيء لأنّ «ذا» اسم مبهم يقع على كلّ شيء. فإنّما هو «حبّ هذا»، مثل قولك: «كرم هذا». ثمّ جعلت «حبّ» و «ذا» اسما واحدا، فصار مبتدأ، ولزم طريقة واحدة على ما وصفت لك في «نعم». فتقول: «حبّذا عبد الله»، و «حبّذا أمة الله».
ولا يجوز: «حبّذه» لأنّهما جعلا اسما واحدا في معنى المدح، فانتقلا عمّا كانا عليه قبل التسمية كما يكون ذلك في الأمثال نحو: «أطرّي فإنّك ناعلة» [3] ونحو «الصيف ضيّعت اللبن» [4] لأنّ أصل المثل إنّما كان لامرأة، فإنّما يضرب لكلّ واحد على ما جرى في الأصل. فإذا قلته للرجل فإنّما معناه: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا.
فأمّا قولك: «نعمت» و «بئست» إذا عنيت المؤنّث فلأنّهما فعلان لم يخرجا من باب الأفعال إلى التسمية كما فعل ب «حبّ» و «ذا» وكأنّهما على منهاج الأفعال.
ومن قال: «نعم المرأة» وما أشبهه، فلأنّهما فعلان قد كثرا، وصارا في المدح والذمّ
__________
(1) الكهف: 50.
(2) ص: 30.
[3] ورد المثل في جمهرة الأمثال 1/ 50وجمهرة اللغة ص 122، 1304والعقد الفريد 3/ 96وفصل المقال ص 169وكتاب الأمثال ص 115ولسان العرب 11/ 314 (زول)، 4/ 500 (طرر)، 11/ 668 (نعل) والمستقصى 1/ 221ومجمع الأمثال 1/ 430.
الإطرار: ركوب طرر الطريق وهي نواحيه. ناعلة: ذات نعلين. أصله أنّ رجلا كانت له أمتان راعيتان، إحداهما ناعلة، والأخرى حافية، فقال للناعلة: أطرّي، فإنّك ناعلة، ودعي سرارته (وسطه) لصاحبتك، فإنها حافية. وقيل: لم يكن هناك نعل، وإنّما أراد بالنّعلين غلظ جلد قدميها.
يضرب للقويّ على الأمر. وقيل: أصله أنّ أمتين كانتا ترعيان إبلا، فقالت إحداهما للأخرى: أطرّي الإبل، أي: اجمعيها من نواحيها، ولم تكن بها إلى ذلك حاجة، فقالت الأخرى: «أطرّي فإنّك ناعلة»، أي افعلي ذلك، فأنت أقدر عليه. يضرب للرجل يكون له فضل قوّة في نفسه وسلاحه، فيتكلّف ما لو تركه لم يضرّه، ويقال: «أظرّي فإنّك ناعلة» أي اركبي الظّرر، وهو الحجر الأسود.
[4] ورد المثل في أمثال العرب ص 51وجمهرة الأمثال 1/ 324، 575وخزانة الأدب 4/ 105والدرّة الفاخرة 1/ 111والعقد الفريد 3/ 126وفصل المقال ص 357، 358، 359وكتاب الأمثال ص 247ولسان العرب 8/ 231 (ضيع)، 9/ 203 (صيف)، 11/ 314 (زول)، 14/ 11 (أبي) والمستقصى 1/ 329ومجمع الأمثال 2/ 68، ويروى: «في الصيّف ضيّعت اللّبن».
أوّل من قال ذلك عمرو بن عمرو بن عدس، وكان تزوّج دختنوس من بعد كبر، فكان ذات يوم، نائما(2/437)
أصلا والحذف موجود في كلّ ما كثر استعمالهم إيّاه.
فأمّا «ضرب جاريتك زيدا»، و «جاء أمتك»، و «قام هند»، فغير جائز لأنّ تأنيث هذا تأنيث حقيقيّ. ولو كان من غير الحيوان، لصلح وكان جيّدا نحو: «هدم دارك»، و «عمر بلدتك» لأنّه تأنيث لفظ لا حقيقة تحته، كما قال عزّ وجلّ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} (1) وقال: {فَمَنْ جََاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} (2). وقال الشاعر [من المتقارب]:
[168] لئيم يحكّ قفا مقرف ... لئيم مآثره قعدد
وقال الآخر [من المتقارب]:
[169] بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرا طرّتاه طليحا
في حجرها، فصات بطنه، وسال لعابه، فتأفّفت، فانتبه وهي تتأفّف، فقال لها: أتحبّين أن أطلّقك؟
فأجابت: نعم. فطلّقها، وتزوّجها فتّى حسن الوجه. وحدث أن افتقر زوجها، فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال عمرو: «الصّيف ضيّعت اللّبن»، فلمّا رجع الرسول، وقال لها ما قال عمرو: ضربت يدها على منكب زوجها، وقالت: «هذا ومذقة خير»، تعني أنّ هذا الزّوج مع عدم اللبن خير من عمرو.
فذهبت كلمتاهما مثلا. ويضرب المثل الأوّل لمن يطلب شيئا قد فوّته على نفسه، ويضرب المثل الثاني لمن قنع باليسير إذا لم يجد الخطير.
__________
(1) هود: 67.
(2) البقرة: 275.
[168] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 175وشرح شواهد الإيضاح ص 396.
اللغة: المقرف: اللئيم. والمآثر: الأعمال. والقعدد: القريب النسب من الجدّ الأكبر.
المعنى: يهجو جريرا بأنّ أباه وضيع كالجعل لئيم ليس أصيل النسب.
الإعراب: لئيم: نعت لاسم في بيت سابق، مجرور بالكسرة. يحكّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). قفا: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف. مقرف: مضاف إليه مجرور بالكسرة. لئيم: صفة ل (مقرف) مجرورة بالكسرة. مآثره: فاعل ل (لئيم) مرفوع بالضمة، والهاء:
مضاف إليه محلّه الجرّ. قعدد: نعت «لئيم» مجرور بالكسرة.
وجملة «يحكّ»: في محلّ جرّ صفة ل (لئيم).
والشاهد فيه: حذف الهاء من (لئيمة)، إذ المآثر مؤنثة.
[169] التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أبيات سيبويه 2/ 18وشرح أشعار الهذليين 1/ 202ولسان العرب 4/ 491 (ضمر)، 4/ 500 (طرر)، 15/ 124 (غزا) وللهذلي بدون تحديد في الخصائص 2/ 413.
اللغة: بعيد الغزاة: أي يبعد في غزوه الأعداء. المضطمر: الضامر. الطرّة: الكشح والجنب.
الطليح: المصاب بالإعياء من كثرة الغزو.(2/438)
وأمّا [من الوافر]:
[170] لقد ولد الأخيطل أمّ سوء ... [على باب استها صلب وشام]
فإنّما جاز للضرورة في الشعر جوازا حسنا. ولو كان مثله في الكلام، لكان عند النحويّين جائزا على بعد. وجوازه للتفرقة بين الاسم والفعل بكلام. فتقديرهم أنّ ذلك الكلام صار عوضا من علامة التأنيث نحو: «حضر القاضي اليوم امرأة»، و «نزل دارك ودار زيد جارية». والوجه ما ذكرت لك.
المعنى: مدح الزبير رضي الله عنه بأنه يبعد في غزو أعدائه وذلك لبعد همته وملازمته الحرب، لذا يظل ضامر الجنبين معييا.
الإعراب: بعيد: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو بعيد. الغزاة: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
فما: الفاء: حرف عطف، «ما»: نافية. إن: زائدة. يزال: فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة، واسمه مستتر جوازا تقديره (هو). مضطمرا: خبر (يزال) منصوب بالفتحة. طرتاه: فاعل ل (مضطمر) مرفوع بالألف لأنه مثنى، والهاء: مضاف إليه محله الجر. طليحا: خبر ثان ل (يزال) منصوب بالفتحة، والألف للإطلاق.
وجملة «هو بعيد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «ما يزال مضطمرا»: معطوفة على (هو بعيد).
والشاهد فيه: حذف الهاء من (مضطمرة) لأنّ الطّرة في معنى الجانب، فتأنيثها غير حقيقي، فلذلك حسن حذف الهاء.
[170] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 293وشرح شواهد الإيضاح ص 338، 405 وشرح التصريح 1/ 279وشرح المفصل 5/ 92ولسان العرب 1/ 259 (صلب) والمقاصد النحويّة 2/ 468وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 175وجواهر الأدب ص 113والخصائص 2/ 414وشرح الأشموني 1/ 173والممتع في التصريف 1/ 218.
الإعراب: «لقد»: واقعة في جواب اسم مقدّر، «قد»: حرف تحقيق. «ولد»: فعل ماض.
«الأخيطل»: مفعول به. «أمّ»: فاعل مرفوع، وهو مضاف. «سوء»: مضاف إليه مجرور. «على باب»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم، وهو مضاف. «استها»: مضاف إليه مجرور. «صلب»: مبتدأ مؤخّر مرفوع. «وشام»: الواو: حرف عطف، «شام»: معطوف على «صلب» مرفوع.
وجملة القسم المحذوفة: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «لقد ولد»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «على باب استها» في محل رفع نعت «أمّ».
الشاهد فيه قوله: «لقد ولد الأخيطل أم سوء» حيث لم يصل بالفعل تاء التأنيث مع أن فاعله مؤنث حقيقي، وذلك لفصله عن فاعله بالمفعول وهذا جائز، والتأنيث أكثر.(2/439)
ومن أولى الفعل مؤنّثا حقيقيّا، لم يجز عندي حذف علامة التأنيث، فأما قوله [من الطويل]:
[171] فكان مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فإنّما أنّث «الشخوص» على المعنى لأنّه قصد إلى النساء، وأبان ذلك بقوله:
«كاعبان ومعصر».
ومثل ذلك [من الطويل]:
[172] فإنّ كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
[171] التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 100والأشباه والنظائر 5/ 48، 129 والأغاني 1/ 90وأمالي الزجاجي ص 118والإنصاف 2/ 770وخزانة الأدب 5/ 320، 321، 7/ 394، 396، 398والخصائص 2/ 417وشرح أبيات سيبويه 2/ 366وشرح التصريح 2/ 271 وشرح شواهد الإيضاح ص 313والكتاب 3/ 566ولسان العرب 7/ 45 (شخص) والمقاصد النحوية 4/ 483وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 104وشرح الأشموني 3/ 620وشرح التصريح 2/ 275 وشرح عمدة الحافظ ص 519وعيون الأخبار 2/ 174والمقرب 1/ 307.
شرح المفردات: المجن: الترس. أتّقي: أحذر. الكاعب: الفتاة الناهد. المعصر: الفتاة الشابة.
المعنى: وكان يسترني عن أعين الناس ثلاثة أشخاص: فتاتان ناهدتان وأخرى قد بلغت سنّ الإدراك.
الإعراب: «فكان»: الفاء: بحسب ما قبلها، «كان»: فعل ماض ناقص. «مجنّي»: خبر «كان» منصوب، وهو مضاف، والياء: في محلّ جرّ بالإضافة. «دون»: ظرف منصوب متعلّق بمحذوف حال من «مجنّ»، وهو مضاف. «من»: اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «كنت»: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «أتّقي»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنا». «ثلاث»: خبر «كان» منصوب، وهو مضاف. «شخوص»: مضاف إليه مجرور. «كاعبان»:
بدل من «مجني» مرفوع بالألف لأنّه مثنّى. «ومعصر»: الواو: حرف عطف، «معصر»: معطوف على «كاعبان» مرفوع.
وجملة «كان مجني»: بحسب ما قبلها. وجملة «كنت أتّقي»: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أتّقي»: في محل نصب خبر «كنت».
الشاهد فيه قوله: «ثلاث شخوص»، والقياس: «ثلاثة شخوص» لأنّ «شخص» مذكر. ولكن الشاعر راعى المعنى المقصود من «الشخوص» الذي رشّحه وقواه ذكر «الكاعبين» و «المعصر».
[172] التخريج: البيت للنواح الكلابي في الدرر 6/ 196والمقاصد النحوية 4/ 484وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 105، 5/ 49وأمالي الزجاجي ص 118وخزانة الأدب 7/ 395والخصائص 2/ 417وشرح الأشموني 3/ 620وشرح عمدة الحافظ ص 520والكتاب 3/ 565ولسان العرب 1/ 722 (كلب)، 13/ 54 (بطن) وهمع الهوامع 2/ 149.(2/440)
وقال الله عزّ وجلّ: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (1). والتقدير والله أعلم:
فله عشر حسنات أمثالها.
فيقول على هذا: «هذه الدار نعمت البلد» لأنّك إنّما عنيت بالبلد دارا. وكذلك «هذا البلد نعم الدار» لأنّك إنّما قصدت إلى البلد.
واعلم أنّه لا يجوز أن تقول: «قومك نعموا رجالا»، كما تقول: «قومك قاموا». ولا «قومك بئسوا رجالا»، و «لا أخواك بئسا رجلين»، كما تقول: «أخواك قاما» لأنّ «نعم» و «بئس» إنّما تقعان مضمرا فيهما فاعلاهما قبل الذّكر يفسّرهما ما بعدهما من التمييز. ولو كانا ممّا يضمر فيه، لخرجا إلى منهاج سائر الأفعال، ولم يكن فيهما من المعاني ما شرحناه في صدر الباب. فإنّما موضعهما أن يقعا على مضمر يفسّره ما بعده، أو على مرفوع بالألف واللام تعريف الجنس لما ذكرت لك.
واعلم أنّه لا يجوز أن تقول: «زيد نعم الرجل»، و «الرجل» غير «زيد» لأنّ «نعم الرجل» خبر عن زيد. وليس بمنزلة قولك: «زيد قام الرجل» لأنّ «نعم الرجل محمود في الرجال» كما أنّك إذا قلت: «زيد فاره العبد» لم يكن الفاره من العبيد إلّا ما كان له، لولا ذلك لم يكن «فاره» خبرا له.
* * * اللغة: البطن: القبيلة.
المعنى: إن قبيلة كلاب لهي عشر بطون وأنت أيها الرجل بريء منها جميعا، بريء من عروبتها وأصالتها.
الإعراب: «فإن»: الفاء: بحسب ما قبلها، «إن»: حرف مشبه بالفعل. «كلابا»: اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة. «هذه»: الهاء للتنبيه، «ذه»: اسم إشارة مبني في محل نصب بدل من «كلابا». «عشر»: خبر مرفوع بالضمة. «أبطن»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «وأنت»: الواو: حرف عطف، «أنت»: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. «بريء»: خبر مرفوع بالضمة. «من قبائلها»: «من»: حرف جر، «قبائلها»: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلقان بالخبر بريء، و «ها»: مضاف إليه. «العشر»: صفة مجرورة بالكسرة.
وجملة «إن كلابا عشر أبطن»: بحسب ما قبلها. وجملة «أنت بريء»: معطوفة على السابقة.
والشاهد فيه قوله: «عشر أبطن» حيث حذف التاء نظرا إلى المعنى لأن البطن بمعنى القبيلة هنا، ولم يقل «عشرة» كما كان ينبغي بحسب اللفظ.
__________
(1) الأنعام: 160.(2/441)
واعلم أنّه ما كان مثل: «كرم زيد»، و «شرف عمرو»، فإنّما معناه في المدح معنى ما تعجّبت منه نحو: «ما أشرفه»، ونحو ذلك: «أشرف به». وكذلك معنى «نعم» إذا أردت المدح، ومعنى «بئس» إذا أردت الذمّ. ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: {سََاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} (1)
كما تقول: «نعم رجلا أخوك»، و «كرم رجلا عبد الله».
* * * واعلم أنّك إذا قلت: «نعم الرجل رجلا زيد»، فقولك: «رجلا» توكيد: لأنّه مستغنى عنه بذكر «الرجل» أوّلا. وإنّما هذا بمنزلة قولك: «عندي من الدراهم عشرون درهما». إنّما ذكرت «الدرهم» توكيدا، ولو لم تذكره لم تحتج إليه. وعلى هذا قول الشاعر [من الوافر]:
[173] تزوّد مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
فأما قولك: «حسبك به رجلا»، و «ويحه رجلا»، وما أشبهه فإنّ هذا لا يكون إلّا
__________
(1) الأعراف: 177.
[173] التخريج: البيت لجرير في خزانة الأدب 9/ 394، 399والخصائص 1/ 83، 396 والدرر 5/ 210وشرح شواهد الإيضاح ص 109وشرح شواهد المغني ص 57وشرح المفصل 7/ 132ولسان العرب 3/ 198 (زود) والمقاصد النحوية 4/ 30وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 267وشرح شواهد المغني ص 862ومغني اللبيب ص 462.
المعنى: يخاطب الشاعر ممدوحه ويدعوه للسير على خطى أبيه في الجود والعطاء اللذين عرف بهما.
الإعراب: «تزوّد»: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنت». «مثل»: مفعول به منصوب، وهو مضاف. «زاد»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. «أبيك»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فينا»: جار ومجرور متعلّقان ب «تزوّد».
«فنعم»: الفاء: استئنافية، «نعم»: فعل ماض جامد لإنشاء المدح. «الزاد»: فاعل مرفوع. «زاد»: مبتدأ مؤخّر، وهو مضاف. «أبيك»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف، والكاف:
ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «زاد»: تمييز منصوب.
وجملة «تزوّد»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نعم الزاد»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، أو في محل رفع خبر للمبتدأ «زاد»، وتكون بذلك جملة «زاد أبيك نعم»: استئنافية.
الشاهد فيه قوله: «فنعم الزاد زادا» حيث جمع بين الفاعل «الزاد» والتمييز «زادا»، وهذا غير جائز عند البصريين.(2/442)
على مذكور قد تقدّم. وكذلك: «كفى به فارسا»، و «أبرحت فارسا». قال الشاعر [من الطويل]:
[174] ومرّة يرميهم إذا ما تبدّدوا ... ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا
على معنى التعجب.
* * * فأمّا قولهم: «ما رأيت كاليوم رجلا»، فالمعنى: ما رأيت مثل رجل أراه اليوم رجلا، أي: ما رأيت مثله في الرجال. ولكنّه حذف لكثرة استعمالهم له، وأنّ فيه دليلا كما قالوا:
«لا عليك» أي: لا بأس عليك، وكما قالوا: «افعل هذا إمّا لا»، أي: إن كنت لا تفعل غيره. ف «ما» زائدة، والتقدير: إن لا تفعل غير هذا، فافعل هذا. وكذلك قولهم: «عندي درهم ليس غير، وليس إلّا».
[174] التخريج: البيت لعباس بن مرداس في ديوانه ص 71وخزانة الأدب 3/ 302، 307 والدرر 5/ 233وسمط اللآلي ص 388وشرح أبيات سيبويه 1/ 507وهمع الهوامع 2/ 90.
اللغة: تبدّدوا: تفرّقوا. والطعن الشزر: الطعن في الجانب، وهو أشدّ من الطعن المستقيم.
وأبرحت: من البراح، وهو المتّسع من الأرض المنكشف، أي تبيّن فضلك تبيّن البراح من الأرض.
المعنى: إذا تبدّدت الخيل وفرسانها، لملمهم مرّة وطعنهم في جوانبهم طعن خبير بفنون القتال ومقاتل الإنسان.
الإعراب: «ومرة»: الواو: بحسب ما قبلها، «مرة»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «يرميهم»: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، وهم: مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو).
«إذا»: مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب، متعلق ب (يرميهم). «ما»: زائدة.
«تبدّدوا»: فعل ماض مبني على الضمة، وواو الجماعة: فاعل، والألف: فارقة. «ويطعنهم»: الواو: حرف عطف، «يطعنهم»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وهم: مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره: هو. «شزرا»: نائب مفعول مطلق منصوب بالفتحة. «فأبرحت»: الفاء: استئنافية، «أبرحت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محله الرفع. «فارسا»: منصوب على التمييز.
وجملة «مرة يرميهم»: بحسب الواو. وجملة «يرميهم»: في محلّ رفع خبر. وجملة «تبدّدوا»: مضاف إليها محلها الجر، وعطف عليها جملة «يطعنهم». وجملة «أبرحت»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: نصب (فارس) على التمييز للنوع الذي أوجب فيه المدح، والمعنى أبرحت من فارس.(2/443)
وأمّا قوله [من الكامل]:
[175] يا صاحبيّ دنا المسير فسيرا ... لا كالعشيّة زائرا ومزورا
فعلى إضمار فعل كأنّه قال: لا أرى كالعشيّة أي كواحد أراه العشيّة لأنّ الزائر والمزور ليسا بالعشيّة فيكون بمنزلة: «لا كزيد رجلا».
[175] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 228وخزانة الأدب 4/ 95، 96وشرح أبيات سيبويه 1/ 556وشرح المفصل 2/ 114وبلا نسبة في مجالس ثعلب ص 321.
المعنى: لقد حان وقت المسير في هذه العشية التي لم أر زائرا ولا مزورا يشبه من رأيته فيها.
الإعراب: «يا»: حرف نداء. «صاحبي»: منادى مضاف منصوب بالياء لأنه مثنى، والياء: الثانية مضاف إليه محلها الجر. «دنا»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. «المسير»: فاعل مرفوع بالضمة. «فسيرا»: الفاء: استئنافية، «سيرا»: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، وألف الاثنين: فاعل. «لا»: نافية لا عمل لها. «كالعشية»: جار ومجرور متعلقان بحال مقدم من «زائرا». «زائرا»: مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: لا أرى زائرا كزائر العشية. «ومزورا»: الواو: حرف عطف، «مزورا»: معطوف على «زائرا»، ويمكن أن تكون الكاف في «كالعشية» اسما بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب حال من (زائرا) والأصل أن يكون صفة له، ولكنه تقدم على الموصوف، فصار حالا له.
وجملة «يا صاحبي»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «دنا المسير»: استئنافية لا محل لها. وجملة «سيرا»: استئنافية لا محل لها. وجملة «لا أرى كالعشية زائرا»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: نصب (زائرا) بفعل مضمر والتقدير: لا أرى كالعشية زائرا، وحذف اختصارا لعلم السامع.(2/444)
هذا باب العدد وتفسير وجوهه والعلّة فيما وقع منه مختلفا
اعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد، لحقته زائدتان:
الأولى منهما: حرف اللين والمدّ، وهي «الألف» في الرفع، و «الياء» في الجرّ والنصب.
والزائدة الثانية: «النون»، وحركتها الكسر، وكان حقّها أن تكون ساكنة، ولكنّها حرّكت لالتقاء الساكنين، وكسرت على حقيقة ما يقع في الساكنين إذا التقيا. وذلك قولك:
«هما المسلمان»، و «رأيت المسلمين».
فأمّا سيبويه، فيزعم أنّ الألف حرف الإعراب، وكذلك الياء في الخفض والنصب.
وكان الجرميّ يزعم أنّ الألف حرف الإعراب كما قال سيبويه، وكان يزعم أنّ انقلابها هو الإعراب.
وكان غيرهما يزعم أنّ الألف والياء هما الإعراب. فإذا قيل له: فأين حرف الإعراب؟
قال: إنّما يكون الإعراب في الحرف إذا كان حركة. فأمّا إذا كان حرفا قام بنفسه.
والقول الذي نختاره، ونزعم أنّه لا يجوز غيره قول أبي الحسن الأخفش وذلك أنّه يزعم أنّ الألف إن كانت حرف إعراب، فينبغي أن يكون فيها إعراب هو غيرها كما كان في الدال من «زيد»، ونحوها، ولكنّها دليل على الإعراب لأنّه لا يكون حرف إعراب ولا إعراب فيه، ولا يكون إعراب إلّا في حرف.
ويقال لأبي عمر: إذا زعمت أنّ الألف حرف إعراب، وأنّ انقلابها هو الإعراب، فقد لزمك في ذلك شيئان:
أحدهما: أنّك تزعم أنّ الإعراب معنى، وليس بلفظ، فهذا خلاف ما أعطيته في الواحد.
والشيء الآخر: أنّك تعلم أن أوّل أحوال الاسم الرفع. فأوّل ما وقعت التثنية وقعت والألف فيها، فقد وجب ألّا يكون فيها في موضع الرفع إعراب لأنّه لا انقلاب معها.(2/445)
أحدهما: أنّك تزعم أنّ الإعراب معنى، وليس بلفظ، فهذا خلاف ما أعطيته في الواحد.
والشيء الآخر: أنّك تعلم أن أوّل أحوال الاسم الرفع. فأوّل ما وقعت التثنية وقعت والألف فيها، فقد وجب ألّا يكون فيها في موضع الرفع إعراب لأنّه لا انقلاب معها.
وقولنا: دليل على الإعراب، إنّما هو أنّك تعلم أنّ الموضع موضع رفع، إذا رأيت الألف، وموضع خفض ونصب، إذا رأيت الياء، وكذلك الجمع بالواو والنون إذا قلت:
«مسلمون»، و «مسلمين». وكذلك ما كان المفهم لموضعه حرفا، نحو قولك: «أخوك»، و «أخاك»، و «أخيك»، و «أبوك»، و «أباك»، و «أبيك»، و «ذو مال»، و «ذا مال»، و «ذي مال»، وجميع هذه التي يسمّيها الكوفيّون معربة من مكانين. لا يصلح في القياس إلّا ما ذكرنا.
والزائدة الثانية «النون» إنّما هي بدل ممّا كان في الواحد من الحركة والتنوين، وقد مضى القول في هذا.
* * * واعلم أنّك إذا ذكرت الواحد، فقلت: «رجل»، أو «فرس»، أو نحو ذلك، فقد اجتمع لك فيه معرفة العدد ومعرفة النوع.
إذا ثنّيت فقلت: «رجلان»، أو «فرسان»، فقد جمعت العدد والنوع. وإذا قلت:
«ثلاثة أفراس» لم يجتمع لك في «ثلاثة» العدد والنوع، ولكنّك ذكرت العدّة، ثمّ أضفتها إلى ما تريد من الأنواع.
وكان قياس هذا أن تقول: «واحد رجال»، و «اثنا رجال». ولكنّك أمكنك أن تذكر الرجل باسمه، فيجتمع لك فيه الأمران. ولمّا كانت التثنية التي هي لضرب واحد من العدد، أمكنك ذلك من لفظ الواحد، فقلت: «رجلان»، و «غلامان»، ولم يحسن ذلك في الجمع، لأنّه غير مخطور، ولا موقوف على عدّة، ولا يفصل بعضه من بعض.
ولو أراد مريد في التثنية ما يريده في الجمع، لجاز ذلك في الشعر لأنّه كان الأصل، لأنّ التثنية جمع [1]. وإنّما معنى قولك: «جمع»: أنّه ضمّ شيء إلى شيء.
[1] الجمع في اللغة ما دلّ على اثنين فصاعدا، بخلاف الجمع في اصطلاح النحاة، إذ هو عندهم يدلّ على ثلاثة فأكثر. وللغويين شواهد كثيرة على دلالة الجمع على اثنين، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبََا إِلَى اللََّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} [التحريم: 4].(2/446)
فمن ذلك قول الشاعر [من الرجز]:
[176] كأنّ خصييه من التّدلدل ... ظرف جراب فيه ثنتا حنظل
* * * فإذا جمعت الواحد، فكان مذكّرا، ذكرت العدّة، ثم أضفتها إلى الجمع لتخبر أنّ هذه العدّة مقتطعة لما أردت من الجنس الذي ذكرت.
فإن كان المذكّر من ذوات الثلاثة، كانت له أبنية تدلّ على أقلّ العدد. فمن ذلك ما كان على «أفعل» نحو: «أكلب»، و «أفرخ»، و «أكبش». وما كان على «أفعال» نحو:
«أجمال»، و «أقتاب»، و «أمثال». وما كان على «أفعلة» نحو: «أحمرة»، و «أقفزة»، و «أجربة». وما كان على «فعلة». نحو: «صبية»، و «غلمة»، و «فتية».
وما كان من المذكّر مجموعا بالواو والنون، نحو: «مسلمون» و «صالحون»، فهو أدنى العدد لأنّه على منهاج التثنية.
ونظر ذلك من المؤنّث ما كان بالألف والتاء نحو: «مسلمات»، و «صالحات»، و «كريمات».
وما كان بعد ما وصفنا فهو لأكثر العدد، وسنفسّر هذا أجمع حتّى يعلم على حقيقته إن شاء الله.
* * * [176] التخريج: الرجز لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو لشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 400، 404ولجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية في المقاصد النحوية 4/ 485 ولخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو للشماء الهذلية في الدرر 4/ 38ولجندل بن المثنى في شرح التصريح 2/ 270وللشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 526، 529، 531وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص 189وخزانة الأدب 7/ 508وشرح أبيات سيبويه 2/ 361وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1847وشرح المفصل 4/ 143، 144، 6/ 16، 18والكتاب 3/ 569، 624ولسان العرب 11/ 249 (دلل)، 692 (هدل)، 14/ 117 (ثنى)، 230 (خص).
اللغة: التدلدل: التهدّل والحركة متدليّا. ظرف العجوز: مزودها الذي تخزن فيه متاعها. الحنظل:
الشجر المرّ المعروف.
المعنى: كأن خصيتيه وعاء عجوز مهترىء فيه ثمرتا حنظل تتحرّكان متدليتين.
الإعراب: كأن: حرف مشبّه بالفعل. خصييه: اسم (كأن) منصوب بالياء لأنه مثنى، و «الهاء»: ضمير(2/447)
اعلم أنّك إذا صغّرت بناء من العدد يقع في ذلك البناء أدنى العدد فإنّك تردّه إلى أدنى العدد، فتصغّره. وذلك أنّك إذا صغّرت «كلابا» قلت: «أكيلب» لأنّك إنّما تخبر أنّ العدد قليل. فإنّما تردّه إلى ما هو للقليل.
فلو صغّرت ما هو للعدد الأكثر، كنت قد أخبرت أنّه قليل كثير في حال، وهذا هو المحال. ونذكر هذا في باب التصغير، ولكنّا ذكرنا منه هاهنا شيئا لما يجري في الباب.
* * * فإذا أردت أن تجمع المذكّر، ألحقته اسما من العدّة فيه علامة التأنيث. وذلك نحو:
«ثلاثة أثواب»، و «أربعة رجال». فدخلت هذه الهاء على غير ما دخلت عليه في «ضاربة» و «قائمة»، ولكن كدخولها في «علّامة»، و «نسّابة»، و «رجل ربعة»، و «غلام يفعة».
فإذا أوقعت العدّة على مؤنّث، أوقعته بغير هاء فقلت: «ثلاث نسوة»، و «أربع جوار»، و «خمس بغلات». وكانت هذه الأسماء مؤنّثة بالبنية كتأنيث «عقرب»، و «عناق»، و «شمس»، و «قدر».
وإن سمّيت رجلا ب «ثلاث» التي تقع على عدّة المؤنّث، لم تصرفه لأنّه اسم مؤنّث بمنزلة: «عناق».
وإن سمّيته ب «ثلاث» من قولك: «ثلاثة» التي تقع على المذكّر صرفته.
فكذلك يجري العدد في المؤنّث والمذكّر بين الثلاثة إلى العشرة في المذكّر، وفيما بين الثلاث إلى العشر في المؤنّث. قال الله عزّ وجلّ: {سَخَّرَهََا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيََالٍ وَثَمََانِيَةَ أَيََّامٍ} (1)، وقال: {فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ} (2) وقال: {عَلى ََ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمََانِيَ حِجَجٍ}
متصل في محل جرّ بالإضافة. من التدلدل: جار ومجرور متعلّقان بالحرف (كأن) لما فيه من معنى التشبيه. ظرف:
خبر (كأن) مرفوع بالضمة. جراب: مضاف إليه مجرور بالكسرة. فيه: جار ومجرور متعلقان بخبر (ثنتا) المحذوف. ثنتا: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنّى، وحذفت النون للإضافة. حنظل: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «كأن خصييه ظرف»: ابتدائيّة لا محل لها. وجملة «ثنتا حنظل موجودتان فيه»: في محلّ رفع صفة ل (ظرف).
والشاهد فيه قوله: «ثنتا حنظل» حيث جعل التثنية كالجمع فأضاف العدد إلى معدوده، والقول:
حنظلتان.
__________
(1) الحاقة: 7.
(2) فصلت: 10.(2/448)
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} (1) لأنّ الواحدة حجّة. وقال: {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} (2).
فإذا كان في الشيء ما يقع لأدنى العدد، أضفت هذه الأسماء إليه، فقلت: «ثلاثة أغلمة»، و «أربعة أحمرة»، و «ثلاثة أفلس»، و «خمسة أعداد».
فإن قلت: «ثلاثة حمير»، و «خمسة كلاب»، جاز ذلك. على أنّك أردت: ثلاثة من الكلاب، وخمسة [3] من الحمير. كما قال الله عزّ وجلّ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (4). وقال الشاعر [من الرجز]:
[177] قد جعلت ميّ على الظّرار ... خمس بنان قانىء الأظفار
يريد: خمسا من البنان.
واعلم أنّه ما لم يكن فيه أدنى العدد، فالعدد الذي يكون للكثير جار عليه ما يكون للقليل كما أنّه إذا كان مجموعا على بعض أبنية العدد، ولم يكن له جمع غيره، دخل معه الكثير وذلك نحو قولك: «يد» و «أيد»، و «رجل» و «أرجل». فهذا من أبنية أدنى العدد، ولم يكن له جمع غيره، فالكثير من العدد يلقّب أيضا بهذا. وكذلك: «ثلاثة أرسان». وتقول
__________
(1) القصص: 27.
(2) البقرة: 196.
[3] المناسب لتمثيله أن يقول: خمسة من الكلاب وثلاثة من الحمير.
(4) البقرة: 228.
[177] التخريج: الرجز لابن أحمر في ديوانه ص 116وبلا نسبة في لسان العرب 13/ 59 (بنن).
اللغة: الظّرار: جمع الظّرر بضم ففتح، وهو حجر مستدير محدد، ويروى: على الطرار، بالطاء، والطرار جمع طرّة، وهي عقيصة من مقدّم الناصية ترسل تحت التاج في صدغ الجارية، وربما اتخذت من رامك، وهو ضرب من الطيب، وهذا أشبه بالمعنى كما يقول الشنتمري. والبنان: جمع بنانة، وهي الإصبع.
والقانيء: الشديد الحمرة، وذلك هنا من الخضاب.
المعنى: يريد أنها وضعت أصابع يدها المخضبة على مقدم شعر رأسها.
الإعراب: «قد»: حرف تحقيق. «جعلت»: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث لا محل لها. «ميّ»: فاعل. «على الظرار»: جار ومجرور متعلقان ب (جعلت) لأنه بمعنى (وضعت). «خمس»:
مفعول به. «بنان»: مضاف إليه. «قانىء»: صفة (بنان). «الأظفار»: مضاف إليه.
وجملة «جعلت ميّ»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه: إضافة (خمس) إلى (بنان) وهو اسم يستغرق الجنس، على تقدير: خمس من البنان.(2/449)
ذلك للكثير لأنّه لا جمع له إلّا ذلك.
وأمّا ما يقع للكثير ولا يجمع على أدنى العدد، فنحو قولك: «شسوع» [1] فتقول:
«ثلاثة شسوع»، فيشترك فيه الأقلّ والأكثر.
فإذا جاوزت ذوات الثلاثة استوى البناءان. وذلك قولك: «عندي ثلاثة دراهم»، و «رأيت ثلاثة مساجد».
فإن حقّرت «الدراهم» قلت: «دريهمات». تردّه في التحقير إلى بناء يكون لأدنى العدد، وجمعت بالألف والتاء لأنّ كلّ جماعة من غير الآدميّين ترجع إلى التأنيث. وهذا يبيّن لك في باب الجمع إن شاء الله.
* * * وتقول: «عندي ثلاثة محمّدين وخمسة جعفرين» لأنّ هذا ممّا يجمع بالواو والنون.
فإن قلت: «محامد» و «جعافر»، على أنّك أردت «ثلاثة» من الجعافر و «ثلاثة» من المحامد، كان جيّدا على ما فسّرت لك.
* * * فإذا خرجت عن العقد الأوّل، ضممت إليه اسما ممّا كان في أصل العدد إلى أن تتسّعه. وذلك قولك: «عندي أحد عشر رجلا»، و «خمسة عشر رجلا». بنيت «أحد» مع «عشر»، وغيّرت اللفظ للبناء، وذلك أنّك جعلتهما اسما واحدا. وكان الأصل «أحدا وعشرة»، و «خمسة وعشرة»، فلمّا كان أصل العدد أن يكون اسما واحدا يدلّ على جميع نحو: «ثلاثة»، و «أربعة»، و «خمسة»، بنوا هذين الاسمين، فجعلوهما اسما واحدا، وألزموهما الفتح لأنّه أخفّ الحركات كما قالوا: «هو جاري بيت بيت»، و «لقيته كفّة كفّة يا فتى» [2]، و «القوم فيها شغر بغر» [3].
فإن قال قائل: فهلّا أعربوه كما قالوا: «حضرموت»، و «بعلبكّ»، وما أشبههما؟
قيل: إنّ «حضرموت» بنوا الاسمين فجعلا اسما واحدا، كما فعلوا بما فيه هاء التأنيث،
[1] الشّسع: أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الإصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.
[2] أي: استقبلته مواجهة. (لسان العرب 9/ 303 (كفف)).
[3] أي: في كلّ وجه. (لسان العرب 4/ 418 (شغر)).(2/450)
وجعلوا ذلك علما، ولم يكن له حدّ صرف عنه، والعدد الذي ذكرت كان له حدّ صرف عنه كما ذكرت لك فلمّا عدل عن وجهه، عدل عن الإعراب.
وأمّا «اثنا عشر»، فليست هذه سبيله لأنّه ممّا فيه دليل الإعراب تقول: «جاءني اثنا عشر»، و «رأيت اثني عشر». فلمّا كان إعرابه كإعراب «رجلين» و «مسلمين»، لم يجز أن يجعل مع غيره اسما واحدا. ولا تجد ذلك في بناء «حضرموت»، ولا في شيء ممّا ذكرت لك من: «لقيته كفّة كفّة» ونحوه، ولكنّهم جعلوا «عشرة» بمنزلة النون من «اثنين»، إلّا أنّ لها المعنى الذي أبانت عنه من العدد.
ولو سمّيت رجلا «اثني عشر»، ثمّ رخّمته، لقلت: «يا اثن أقبل»، تحذف الألف مع «عشر» كما كنت فاعلا بالنون لو كانت مكان «عشر».
فأمّا تغييرهم «عشر» عن قولك: «عشرة» فإنّما ذلك لصرفها عن وجهها، ولكنّك أثبتّ الهاءات للمذكّر كما كنت مثبتها في «ثلاثة» و «أربعة»، فتقول: «ثلاثة عشر رجلا»، و «أربعة عشر رجلا»، و «خمسة عشر إنسانا»، ولم تثبت في «عشر» هاء وهي للمذكّر لأنّك قد أثبتّ الهاء في الاسم الأوّل، وهما اسم واحد، فلا تدخل تأنيثا على تأنيث كما لا تقول: «حمراءة» ولا «صفراءة».
فأمّا الاسم المنصوب الذي يبيّن به العدد فنحن ذاكروه في موضعه مشروحا إن شاء الله.
فإذا أردت المؤنّث، أثبتّ الهاء في آخر الاسم لأنّ «عشرا» مذكّر في هذا الموضع، فأنّثته لمّا قصدت إلى مؤنّث، فقلت: «ثلاث عشرة امرأة»، و «خمس عشرة جارية» لأنّك بنيته بناء على حدة كما فعلت ذلك بالمذكّر فسلمت الأسماء الأولى كما سلمت أسماء المذكّر، وأثبتّ الهاء في آخره، وبنيت «العشرة» على غير بنائها في قولك: «عشر نسوة»، فقلت: «إحدى عشرة»، و «اثنتا عشرة»، وإن شئت قلت: «عشرة» على غير منهاج «عشرة»، ولكنّك أسكنت «الشين» كما تسكّن «فخذا» فتقول: «فخذ». و «علم» فتقول: «علم».
وتنصب الاسم الذي تبيّن به العدد كما فعلت ذلك في المذكّر.
فإن قال قائل: فما بالك قلت: «إحدى عشرة». و «إحدى» مؤنّثة و «عشرة» فيها هاء التأنيث؟ وكذلك: «اثنتا عشرة».
فالجواب في ذلك أنّ تأنيث «إحدى» بالألف، وليس بالتأنيث الذي على جهة التذكير،
نحو: «قائم» و «قائمة»، و «جميل» و «جميلة». فهما اسمان كانا بائنين، فوصلا، ولكلّ واحد منهما لفظ من التأنيث سوى لفظ الآخر، ولو كان على لفظه، لم يجز. فأمّا «اثنان» و «اثنتان»، فإنّما أنّث «اثنان» على «اثنتين»، ولكنّه تأنيث لا يفرد له واحد. فالتاء فيه ثابتة، وإن كان أصلها أن تكون ممّا وقفه بالهاء.(2/451)
فالجواب في ذلك أنّ تأنيث «إحدى» بالألف، وليس بالتأنيث الذي على جهة التذكير،
نحو: «قائم» و «قائمة»، و «جميل» و «جميلة». فهما اسمان كانا بائنين، فوصلا، ولكلّ واحد منهما لفظ من التأنيث سوى لفظ الآخر، ولو كان على لفظه، لم يجز. فأمّا «اثنان» و «اثنتان»، فإنّما أنّث «اثنان» على «اثنتين»، ولكنّه تأنيث لا يفرد له واحد. فالتاء فيه ثابتة، وإن كان أصلها أن تكون ممّا وقفه بالهاء.
ألا ترى أنّهم قالوا: «مذروان» [1] لأنّه لا يفرد له واحد، ولو كان ممّا ينفرد له واحد، لم يكن إلّا «مذريان». وكقوله: «عقلته بثنايين» [2] ولو كان ينفرد منه الواحد لم يكن إلّا ب «ثنائين».
* * * فأمّا نصب الاسم الذي بعد «خمسة عشر»، و «أحد عشر»، وبعد «إحدى عشرة» إلى «تسع عشرة»، فلأنّه عدد فيه نيّة التنوين، ولكنّه لا ينصرف كما تقول: «هؤلاء ضوارب زيدا غدا». إذا أردت التنوين، ولم يجز أن يكون هذا مضافا لأنّ الإضافة إنّما تكون لما وقع فيه أقلّ العدد، وذلك ما بين «الثلاثة» إلى «العشرة». فإذا خرجت عن ذلك، خرجت إلى ما تحتاج إلى تبيين نوعه. فإن كان منوّنا، انتصب ما بعده من ذكر النوع، وإن كان غير منوّن، أضيف إلى الواحد المفرد الذي يدلّ على النوع.
قيل له: لمّا كان هذا اسمين ضمّ أحدهما إلى الآخر، ولم يكن في الأسماء التي هي من اسمين، ضمّ أحدهما إلى الآخر إضافة، كان هذا لاحتياجه إلى النوع بمنزلة ما قد لفظ بتنوينه.
فإن قال قائل: فأنت قد تقول: «هذا حضرموت زيد»، إذا سمّيت رجلا «حضر موت»، ثمّ أضفته كما تقول: «هذا زيد عمرو».
قيل: إنّ إضافته ليست له لازمة. وإنّما يكون إذا نكّرته، ثمّ عرّفته بما تضيفه إليه.
و «خمسة عشر» عدد مبهم لازم له التفسير، فكانت تكون الإضافة لازمة، فيكون كأنّ أصله ثلاثة أسماء قد جعلت اسما واحدا ومثل هذا لا يوجد.
فإن قال: فهلّا جعل ما تبيّن به النوع جمعا، فتقول: «خمسة عشر رجالا»، كما
[1] المذروان: أطراف الأليتين، وناحيتا الرأس. وطرفا كلّ شيء. (لسان العرب 14/ 285 (ذرا)).
[2] أي: بعقالين. وانظر: (لسان العرب 14/ 121 (ثني)).(2/452)
تقول: «زيد أفره الناس عبدا»، و «أفره الناس عبيدا».
قيل: الفصل بينهما أنّك إذا قلت: «زيد أفره الناس عبدا»، جاز أن تكون تعني عبدا واحدا، وأن تكون تعني جماعة. فإذا قلت: «عبيدا» بيّنت الجماعة، وأنت إذا قلت: «خمسة عشر»، ونحوه فقد بيّنت العدد، فلم تحتج إلى النوع فجئت بواحد منكور يدلّ على جنسه لأنّك قد استغنيت عن ذكر الجماعة.
* * * فإذا ثنّيت أدنى العقود، اشتققت له من اسمه ما فيه دليل على أنّك قد خرجت عنه إلى تضعيفه. والدليل على ذلك ما يلحقه من الزيادة، وهي «الواو والنون» في الرفع، و «الياء والنون» في الخفض والنصب، ويجري مجرى «مسلمين». وذلك قولك: «عندي عشرون رجلا»، و «عشرون جارية»، فيستوي فيها المذكّر والمؤنّث لأنّه مشتقّ مبهم، وليس في العدد الذي هو أصل. والأصل ما بين الواحد إلى العشرة. فكلّ عدد فمن هذا مشتقّ في لفظ أو معنى.
* * * فأمّا قولهم «عشرون» ولم يفتحوا لعشر العين، فقد قيل فيه أقاويل:
قال قوم: إنّما كسرت ليدلّوا على الكسرة التي في أوّل «اثنين» لأنّها تثنية «عشرة»، وليست بجمع، وليس هذا القول بشيء.
ولكن نقول في هذا: إنّه اسم قد صرّف على وجوه: فمنها أنّك تقول في المذكر:
«عشرة» وللمؤنث: «عشر» بالإسكان وليس على منهاج التذكير، ولو كان على منهاجه، لكان حذف الهاء لازما للمذكّر وإثباتها لازما للمؤنّث كسائر الأسماء نحو: «ظريف» و «ظريفة»، و «متكلّم» و «متكلّمة». وعلى هذا قالوا: «خمسة عشر»، فغيّروه، وقالوا:
«خمس عشرة»، فبنوه على خلاف بناء التذكير. فلمّا كان هذا الاسم مغيّرا في جميع حالاته، ولم يكن في «العشرين» على منهاج سائر العقود غيره كان دليلا على مجيئه على غير وجهه ألا ترى أنّهم لمّا جمعوا منقوص المؤنّث بالواو والنون، غيّروا أوائله ليكون التغيير دليلا على خروجه من بابه. وذلك قولك: «سنة»، ثمّ تقول: «سنون»، فتكسر «السين»، وكذلك «قلة» [1] و «قلون».
[1] القلة: عودان يلعب بهما الصبيان، وعود يجعل في وسطه حبل ثم يدفن، ويجعل للحبل كفّة فيها عيدان، فإذا وطىء الظبي عليها، عضّت على أطراف أكارعه. (لسان العرب 15/ 199 (قلا)).(2/453)
وأمّا قولنا: إنّه على خلاف العقود، فإنّما هو لأنّك اشتققت ل «الثلاثين» من «الثلاثة» لأنّها ثلاثة عقود، وكذلك فعلت ب «الأربعين» و «الخمسين» وما بعده إلى «التسعين»، فكان الواجب إذ اشتققت ل «الثلاثين» من «الثلاثة» أن تشتقّ ل «العشرين» من «الاثنين».
فإن قال قائل: فهلّا فعلوا ذلك؟
فالجواب: أنّ الاثنين ممّا إعرابه في وسطه، فلو فعل به ما فعل بالثلاثة، حيث صيّرت إلى الثلاثين، لبطل معناه، وصيّر إلى الإفراد ولم يقع مفردا قطّ، فالامتناع منه كالضرورة.
* * * فإذا زدت على «العشرين» واحدا فما فوق إلى العقد الثاني، أو واحدة فما فوقها، قلت في المذكر: «أحد وعشرون رجلا»، و «اثنان وعشرون رجلا»، و «واحد وعشرون» كما كنت قائلا قبل أن تصله بالعشرين.
فإن قال قائل: فهلّا بني «الأحد» مع «العشرين» وما بعد الأحد من الأعداد كما فعل ذلك ب «خمسة عشر» ونحوه فيجعلان اسما واحدا كما كان ذلك في كلّ عدد قبله.
قيل له: لم يكن لهذا نظير فيما فرط من الأسماء ك «حضرموت» و «بعلبكّ»، لا تجد اسمين جعلا اسما واحدا ممّا أحدهما إعرابه كإعراب «مسلمين» وقد تقدّم قولنا في هذا حيث ذكرنا «اثني عشر».
فإذا صرت إلى العقد الذي بعد «العشرين»، كان حاله فيما يجمع معه من العدد كحال «عشرين» وكذلك إعرابه، إلّا أنّ اشتقاقه من الثلاثة لأنّ التثليث أدنى العقود. وكذلك لما بعده إلى «التسعين».
* * * إذا صرت إلى العقد الذي بعدها كان له اسم خارج من هذه الأسماء لأنّ محلّه محلّ «الثلاثين» ممّا قبلها، و «الأربعين» ممّا قبلها، ونحو ذلك. ولم يشتقّ له من «العشرة» اسم لئلّا يلتبس ب «العشرين»، ولأنّ العقد حقّه أن يكون فيما فرط من الأعداد خارجا من اسم قبله، وأضفته لما بعده معرفة كان أو نكرة كما كنت فاعلا ذلك بالعقد الأوّل. وذلك قولك: «مائة درهم» و «مائة الدرهم» التي قد عرفت.
ولم يجز أن تقول: «عشرون الدرهم» لأنّ «درهما» بعد «عشرين» تمييز منفصل من
«العشرين»، و «المائة» مضافة، والمضاف يكون معرفة بما يضاف إليه.(2/454)
ولم يجز أن تقول: «عشرون الدرهم» لأنّ «درهما» بعد «عشرين» تمييز منفصل من
«العشرين»، و «المائة» مضافة، والمضاف يكون معرفة بما يضاف إليه.
* * * فإذا أردت تعريف «عشرين» وما كان مثلها قلت: «العشرون رجلا»، و «الثلاثون جارية» كما تقول: «الضاربون زيدا» لأنّ ما بعد التنوين منفصل ممّا قبله.
و «المائة» اسم ليس التنوين له لازما لأنّ حال «التنوين» ليست حال «النون» لأنّك تقف على «النون» ولا تقف على «التنوين» ولأنّ «النون» تثبت مع الألف واللام ولا يثبت التنوين معهما. تقول: «المسلمون» و «الصالحون»، ولا تقول: «المسلم» و «الصالح»، فتقف على «التنوين». فكانت «مائة» في بابها ك «ثلاثة» في بابها، إلّا أنّ الذي تضاف إليه «مائة» واحد في معنى جمع، والذي يضاف إليه «ثلاثة» وما أشبهها جمع. تقول: «ثلاثة دراهم»، و «مائة درهم»، والفصل بينهما ما يقع في «الثلاثة» إلى «العشرة» من أدنى العدد، وأنّ «المائة» ك «العشرين» ونحوها وإن كانت مضافة. وكذلك صار لفظها للمذكّر والمؤنّث على هيئة واحدة. تقول: «مائة درهم»، و «مائة جارية» كما كان ذلك في «العشرين» ونحوها، ولم يكن هذا في «خمسة عشر»، و «خمس عشرة» لأنّهما مجموعان ممّا كان واقعا لأدنى العدد.
فإن اضطرّ شاعر فنوّن، ونصب ما بعده، لم يجز أن يقع إلّا نكرة، لأنّه تمييز كما أنّه إذا اضطرّ قال: «ثلاثة أثوابا». فمن ذلك قول الشاعر [من الوافر]:
[178] إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء
فإنّما حسن هذا في «المائتين» وإن كان تثنية «المائة» لأنّه ممّا يلزمها النون. فقد رجع في اللفظ إلى حال العشرين وما أشبهها. ولكنّ المعنى يوجب فيه الإضافة.
* * * [178] التخريج: البيت للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1/ 254وخزانة الأدب 7/ 379، 380، 381، 385والدرر 4/ 41وشرح التصريح 2/ 273وشرح عمدة الحافظ ص 525والكتاب 1/ 208، 2/ 162ولسان العرب 15/ 145 (فتا) والمقاصد النحوية 4/ 481وهمع الهوامع 1/ 135 وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 299وجمهرة اللغة ص 1032وشرح الأشموني 3/ 623وشرح المفصّل 6/ 21ومجالس ثعلب ص 333والمنقوص والممدود ص 17.
شرح المفردات: الفتاء: الفتوّة.
المعنى: إذا كبر الإنسان في السنّ ذهبت لذاذته وفتوّته.(2/455)
فأمّا قولهم: «ثلثمائة» و «أربعمائة»، واختيارهم إيّاه على «مائتين» و «مئات» فإنّما ذلك قياس على ما مضى لأنّ الماضي من العدد هو الأصل، وما بعده فرع. فقياس هذا قياس قولك: «عشرون درهما»، و «أحد وعشرون درهما» إلى قولك: «تسعة وعشرون درهما». ف «الدرهم» مفرد لأنّك إذا قلت: «ثلاثون» وما بعدها إلى «تسعين» ثمّ جاوزته، صرت إلى عقد ليس لفظه من لفظ ما قبله. فكذلك تقول: «ثلثمائة» و «أربعمائة» لأنّك إذا جاوزت «تسعمائة»، صرت إلى عقد يخالف لفظه لفظ ما قبله، وهو قولك: «ألف»، ثمّ تقول: «ثلاثة آلاف» لأنّ العدد الذي بعده غير خارج منه.
تقول: «عشرة آلاف» كما تقول: «عشرة أثواب»، و «أحد عشر ألفا» كما تقول:
«أحد عشر ثوبا» إلى العقد الآخر. فلو كنت تقول: «عشر مئين»، و «إحدى عشرة مائة»، لوجب جمعها في التثليث وما بعده.
وإنّما جاز أن تقول: «ثلاث مئين» و «ثلاث مئات» من أجل أنّه مضاف فشبّهته من جهة الإضافة لا غير بقولهم: «ثلاثة أثواب» و «ثلاث جوار». قال الشاعر [من الطويل]:
[179] ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم
الإعراب: «إذا»: ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. «عاش»: فعل ماض. «الفتى»:
فاعل مرفوع. «مئتين»: مفعول به منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «عاما»: تمييز منصوب. «فقد»: الفاء واقعة في جواب الشرط، «قد»: حرف تحقيق. «ذهب»: فعل ماض. «اللذاذة»: فاعل مرفوع. والفتاء»: الواو: حرف عطف، «الفتاء»: معطوف على اللذاذة مرفوع.
وجملة «إذا عاش»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عاش»: في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «ذهب»: جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «مئتين عاما» حيث نصب الاسم بعد «مئتين» للضرورة، وكان الوجه حذف نون «مئتين» وخفض ما بعدها، إلّا أنّها شبّهت للضرورة بالعشرين ونحوها مما يثبت نونه، وينصب ما بعده.
[179] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 310وخزانة الأدب 7/ 373370وشرح التصريح 2/ 272ولسان العرب 14/ 317 (ردى) والمقاصد النحوية 4/ 480وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 622وشرح عمدة الحافظ ص 518وشرح المفصل 6/ 21، 23.
شرح المفردات: الرداء: الثوب. جلّت: كشفت. الأهاتم: أي بنو الأهتم.
المعنى: إنه وفى للملوك بثلاثمئة بعير، وكشف عن وجوه بني الأهتم.
الإعراب: «ثلاث»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. «مئين»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم. «للملوك»: جار ومجرور متعلّقان ب «وفى». «وفى»: فعل ماض. «بها»: جار ومجرور متعلّقان ب «وفى». «ردائي»: فاعل «وفى» مرفوع، وهو مضاف، والياء: في محلّ جرّ بالإضافة. «وجلت»:(2/456)
وقال الآخر [من الطويل]:
[180] ثلاث مئين قد مررن كواملا ... وها أنا هذا أرتجي مرّ أربع
* * * فأمّا قولك: «مائة درهم»، و «مائة جارية»، و «ألف غلام»، و «ألف جارية» فلا يكون فيه إلّا هذا لأنّه ليس بمنزلة «ثلاثة» وما بعدها إلى «عشرة» ولا «ثلاث» إلى «عشر» لأنّ «الثلاث» و «الثلاثة» على «مئين» وقع، أو على «ألوف»، أو غير ذلك. ففيهنّ أقلّ العدد ممّا وقعن عليه.
ومجاز «مائة» و «ألف» في أنّه لا يكون لأدنى العدد مجاز «أحد عشر درهما» فما فوق.
فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلََاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} (1) فإنّه على البدل لأنّه لمّا قال: «ثلثمائة» ثمّ ذكر «السنين» ليعلم ما ذلك العدد.
الواو: حرف عطف، «جلّت»: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هي». «عن وجوه»: جار ومجرور متعلّقان ب «جلّت»، وهو مضاف. «الأهاتم»: مضاف إليه مجرور.
وجملة «ثلاث مئين»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «وفى بها»: في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «جلّت»: معطوفة على جملة «وفى».
الشاهد فيه قوله: «ثلاث مئين» حيث جمع «مئة» على «مئين» وهذا الجمع شاذ، والقياس «ثلاث مئة».
[180] التخريج: البيت لعامر بن الظرب في مجمع الأمثال 1/ 39وبلا نسبة في شرح المفصل 6/ 23.
المعنى: يريد أنه عاش ثلاثمئة سنة، ويرجو أن يعيش مئة سنة أخرى.
الإعراب: ثلاث: مبتدأ. مئين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، و «النون»: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. قد: حرف تحقيق. مررن: فعل ماض، و «النون»: فاعل.
كواملا: ال منصوب بالفتحة، ونوّن للضرورة. وها: «الواو»: حالية، «ها»: حرف تنبيه أنا: مبتدأ. هذا:
اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع بدل من (أنا). أرتجي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). مرّ: مفعول به. أربع: مضاف إليه.
وجملة «ثلاث مئين قد مررن»: ابتدائية. وجملة «مررن»: خبر للمبتدأ (ثلاث) محلها الرفع. وجملة «أنذا ارتجي»: حالية محلها النصب. وجملة «أرتجي»: خبر المبتدأ (أنا) محلها الرفع.
والشاهد فيه قوله: (ثلاث مئين) حيث جاء تمييز (ثلاث) وهو (مئة) مجموعا جمعا سالما للضرورة، والأصل أن يجمع مميز الأعداد من ثلاثة إلى عشرة جمع تكسير.
__________
(1) الكهف: 35.(2/457)
ولو قال قائل: «أقاموا سنين يا فتى»، ثم قال: «مئين» أو «ثلثمائة»، لكان على البدل ليبيّن: كم مقدار تلك السنين.
وقد قرأ بعض القرّاء بالإضافة فقال: {ثَلََاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} وهذا خطأ في الكلام غير جائز.
وإنّما يجوز مثله في الشعر للضرورة، وجوازه في الشعر أنّا نحمله على المعنى لأنّه في المعنى جماعة، وقد جاز في الشعر أن تفرد وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع، فمن ذلك قوله [من الوافر]:
[181] كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ... فإنّ زمانكم زمن خميص
وقال آخر [من الرجز]:
[182] إن تقتلوا اليوم فقد سبينا ... في حلقكم عظم وقد شجينا
[181] التخريج: البيت بلا نسبة في أسرار العربية ص 223وتخليص الشواهد ص 157وخزانة الأدب 7/ 537، 559، 560، 563والدرر 1/ 152وشرح أبيات سيبويه 1/ 374وشرح المفصل 5/ 8، 6/ 21والكتاب 1/ 210والمحتسب 2/ 87وهمع الهوامع 1/ 50.
اللغة: تعيشوا: أراد تعيشوا أصحّاء.
المعنى: إن الإنسان يجب أن يعمل للأيام الشديدة حسابها، وحتى الطعام يجب الإقلال منه، فأول فائدة منه هي الصحة.
الإعراب: كلوا: فعل أمر مبني على حذف النون، لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، و «الواو»:
ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، و «الألف»: للتفريق. في نصف: جار ومجرور متعلقان بالفعل كلوا. بطنكم: مضاف إليه مجرور، و «كم»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. تعيشوا: فعل مضارع مجزوم (جواب الطلب) بحذف النون من آخره، و «الواو»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، و «الألف»: للتفريق. فإن: «الفاء»: استئنافية، «إن»: حرف مشبه بالفعل. زمانكم: اسم إن منصوب، و «الكاف»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة، و «الميم»: للجمع. زمن: خبر إن مرفوع بالضمة.
خميص: صفة للزمان مرفوعة.
وجملة «كلوا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تعيشوا»: جواب طلب لا محلّ لها. وجملة «زمانكم زمان خميص»: استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «في بطنكم» حيث جاء المفرد بدل الجمع لضرورة شعرية.
[182] التخريج: الرجز لطفيل في جمهرة اللغة ص 1041والمحتسب 2/ 87وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه 1/ 212ولسان العرب 14/ 423 (شجا) وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 559، 562وشرح المفصل 6/ 32ولسان العرب 5/ 237 (نهر)، 8/ 164 (سمع)، 12/ 26 (أمم)، 411 (عظم)، 15/ 270 (مأى).
اللغة: شجي بالعظم: إذا اعترض في حلقه وأغصّه.(2/458)
وينشد: «شرينا».
وقال علقمة بن عبدة [من الطويل]:
[183] بها جيف الحسرى فأمّا عظامها ... فبيض وأمّا جلدها فصليب
المعنى: لا تنكروا قتلنا إياكم، وقد سبيتم منا خلقا، وقد شجيتم بقتلنا إياكم كما شجينا بسبيكم إيانا من قبل.
الإعراب: «إن»: شرطية جازمة. «تقتلوا»: فعل مضارع للمجهول مجزوم ب «لا» وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: واو الجماعة نائب فاعل، والألف: فارقة. «اليوم»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. «فقد»: الفاء: رابطة لجواب الشرط، و «قد»: حرف تحقيق. «سبينا»: فعل ماض مبني للمجهول و «نا»: نائب فاعل. «في حلقكم»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المقدم، و «كم»:
مضاف إليه محلها الجر. «عظم»: مبتدأ مؤخّر. «وقد»: الواو: استئنافية، «قد»: حرف تحقيق. «شجينا»:
فعل ماض مبني على السكون لاتصاله ب (نا) الدالة على الفاعلين، ونا: فاعل.
وجملة «إن تقتلوا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «سبينا»: في محل جزم جواب شرط مقترن بالفاء.
وجملة «في حلقكم عظم»: استئنافية لا محل لها. وجملة «شجينا»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه استعمال (حلقكم) مفردا مراد به الحلوق.
[183] التخريج: البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص 40وخزانة الأدب 7/ 559وشرح أبيات سيبويه 1/ 134وشرح اختيارات المفضل ص 1588والكتاب 1/ 209وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 350.
اللغة: جيف: جمع جيفة وهي الجثّة المنتنة. الحسرى: جمع حسير، وهي الناقة التي أعيت أصحابها فتركوها فماتت. الصليب: الجلد اليابس الذي لم يدبغ.
المعنى: يصف الشاعر طريقا طويلة قطعها للوصول للمدوح فيقول: إن بها أي الطريق جثث الإبل المتروكة التي أبيضّ عظمها بعد ما اهترأ اللحم وبقي الجلد يابسا متكوما بجانب العظم.
الإعراب: بها: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. جيف: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمّة.
الحسرى: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. فأما: «الفاء»: استئنافية، «أما»: حرف شرط وتفصيل وتوكيد. عظامها: مبتدأ مرفوع بالضمة، و «الهاء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. فبيض: «الفاء»:
واقعة في جواب (أما)، «بيض»: خبر مرفوع للمبتدأ (عظامها). وأما: «الواو»: عاطفة، «أما»: حرف تفصيل. جلدها: مبتدأ مرفوع بالضمة، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. فصليب: «الفاء»:
واقعة في جواب (أما)، «صليب»: خبر مرفوع للمبتدأ (جلدها).
وجملة «بها جيف»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «عظامها بيض»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «جلدها صليب»: معطوفة على جملة (عظامها بيض).
والشاهد فيه قوله: «جلدها» حيث أراد: جلودها.(2/459)
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَعَلى ََ سَمْعِهِمْ وَعَلى ََ أَبْصََارِهِمْ} (1) فليس من هذا لأنّ «السمع» مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
وكذلك قول الشاعر، وهو جرير [من البسيط]:
[184] إنّ العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
لأنّ «الطرف» مصدر. وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} (2) وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} (3) فإنّه أفرد هذا لأنّ مخرجهما مخرج التمييز كما تقول:
«زيد أحسن الناس ثوبا»، و «أفره الناس مركبا». و «إنّه ليحسن ثوبا»، و «يكثر أمة وعبدا».
وقد قالوا في قول العبّاس بن مرداس قولين وهو [من الوافر]:
[185] فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصّدور
__________
(1) البقرة: 7.
[184] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 163وشرح شواهد المغني 2/ 712والمقاصد النحوية 3/ 364وبلا نسبة في شرح المفصل 5/ 9.
اللغة: المرض هنا انكسار الجفن انكسار غنج ودلال.
المعنى: إن العيون التي تتكسر جفونها انكسار غنج ودلال قتلتنا قتلا لا حياة بعده.
الإعراب: إنّ: حرف مشبه بالفعل. العيون: اسمه. التي: اسم موصول صفة ل (العيون) محله النصب. في طرفها: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدّم محذوف، و «ها»: مضاف إليه. مرض: مبتدأ مؤخر مرفوع. قتلننا: فعل ماض، و «النون»: فاعل و «نا»: مفعول به. ثم: حرف عطف. لم: حرف نفي وقلب وجزم. يحيين: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون النسوة، ومحله الجزم ب (لم)، و «النون»:
فاعل. قتلانا: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر، و «نا»: مضاف إليه.
وجملة «إن العيون قتلننا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «في طرفها مرض»: صلة الموصول لا محل لها. وجملة «قتلننا»: خبر «إن» محلها الرفع، وعطف عليها جملة «لم يحيين».
والشاهد فيه قوله: (طرفها) حيث أفرد (الطرف) مع أنه عائد على العيون، وهي جمع، وخرّج ذلك بأن (طرفا) في الأصل مصدر يدل على المفرد والمثنى والجمع.
(2) غافر: 67.
(3) النساء: 4.
[185] التخريج: البيت للعباس بن مرداس في ديوانه ص 52ولسان العرب 14/ 21 (أخا) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 285وتذكرة النحاة ص 144وجمهرة اللغة ص 1307وخزانة الأدب 4/ 478والخصائص 2/ 422.
اللغة: أسلموا: اركنوا إلينا، واسكنوا. الإحن: الأحقاد.(2/460)
فقال بعضهم: أراد: إنّا إخوتكم، فوضع الواحد موضع الجميع، كما قال: في حلقكم أي في حلوقكم.
وقال آخرون: لفظه لفظ الجمع من قولك: «أخ» و «أخون»، ثمّ حذف «النون» وأضاف كما تقول: «مسلموكم» و «صالحوكم». وتقول على ذلك: «أب» و «أبون»، و «أخ» و «أخون» كما قال الشاعر [من المتقارب]:
[186] فلمّا تبيّن أصواتنا ... بكين وفدّيننا بالأبينا
المعنى: يمكنكم أن تركنوا إلينا، فأنتم إخوتنا، وقد خلت نفوسنا من الحقد عليكم.
الإعراب: فقلنا: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «قلنا»: فعل ماض، و «نا»: فاعل. أسلموا: فعل أمر مبني على حذف النون، و «الواو»: للجماعة فاعل، و «الألف»: للتفريق. إنا: حرف مشبه بالفعل، «نا»:
اسمه محله النصب. أخوكم: خبر مرفوع بالواو، لأنه جمع مذكر سالم، أو لأنه من الأسماء الستة، و «الكاف»: مضاف إليه، و «الميم»: علامة جمع الذكور. فقد: «الفاء»: استئنافية، «قد»: حرف تحقيق.
برئت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث. من الإحن: جار ومجرور متعلقان بالفعل (برئت). الصدور: فاعل مرفوع.
وجملة «قلنا»: بحسب ما قبلها. وجملة «أسلمو إنّا»: مقول القول محلها النصب. وجملة «إنا أخوكم»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «برئت الصدور».
والشاهد فيه قوله: (أخوكم)، فقد قال بعضهم: مراد الشاعر (إخوتكم) ولكنه وضع الواحد موضع الجميع، وقال آخرون: لفظ (أخوكم) لفظ الجمع من قولك (أخ، وأخون) وحذفت النون للإضافة.
[186] التخريج: البيت لزياد بن واصل السلمي في خزانة الأدب 4/ 474، 477وشرح أبيات سيبويه 2/ 284وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 286وخزانة الأدب 4/ 108، 467والخصائص 1/ 346وشرح المفصل 3/ 37ولسان العرب 14/ 6 (أبي) والمحتسب 1/ 112.
اللغة: تبيّنّ: معناه تعرفن، وبه روي أيضا. وفدّيننا أي: قلن: جعل الله آباءنا فداء لكم.
المعنى: البيت من أبيات يفخر فيها الشاعر بآباء قومه وأمهاتهم، وأنهم قد أبلوا في الحرب، فلما عادوا إلى نسائهم، وعرفن أصواتهم، فدّينهم، لأنهم أبلوا في الحرب.
الإعراب: «فلما»: الفاء: بحسب ما قبلها، «لما»: اسم زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل (بكين). «تبيّنّ»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل مبني على الفتح في محل رفع. «أصواتنا»: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، و «نا»: مضاف إليه محله الجر.
«بكين»: مثل (تبيّنّ). «وفدّيننا»: الواو: حرف عطف، «فدّيننا»: مثل (تبيّن) أيضا، و «نا»: مفعول به محله النصب. «بالأبينا»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (فدّين)، وعلامة جر المجرور هنا الياء لأنه حمل على جمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والألف للإطلاق.
وجملة «لما تبيّن»: بحسب الفاء. وجملة «تبيّن»: مضاف إليها محلّها الجر. وجملة «بكين»: جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «فدّيننا»: معطوفة على جملة (بكين).(2/461)
وقال الآخر [من الوافر]:
[187] وكان لنا فزارة عمّ سوء ... وكنت له كشرّ بني الأخينا
* * *
والشاهد فيه: جمع (أب) مسلّما، وهو جمع غريب، لأن جمع السلامة إنما يكون في الأعلام والصفات المشتقة الجارية على الفعل ك (مسلمين) و (مسلمات).
[187] التخريج: البيت لعقيل بن علفة المريّ في خزانة الأدب 4/ 478، 479ولسان العرب 14/ 20 (أخا) والنوادر في اللغة ص 111، 191.
المعنى: كنا وفزارة نتبادل الإساءة فيما بيننا، فقد كان عمّا سيئا لنا، وكنا من شرّ أولاد الإخوة له.
الإعراب: وكان: «الواو»: بحسب ما قبلها، «كان»: فعل ماض ناقص. لنا: جار ومجرور متعلقان بحال من (عم)، أو بحال من (فزارة). فزارة: اسم (كان) مرفوع. عمّ: خبره منصوب. سوء: مضاف إليه.
وكنت: «الواو»: حرف عطف، «كنت»: فعل ماض ناقص، و «التاء»: اسمه محله الرفع. له: جار ومجرور متعلقان بحال من التاء في (كنت). كشرّ: «الكاف»: اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب خبر (كنت)، «شرّ»: مضاف إليه. بني: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الأخينا:
مضاف إليه مجرور بالياء أيضا، و «النون»: عوض عن التنوين في الاسم المفرد، و «الألف»: للإطلاق.
وجملة «كان لنا فزارة عم سوء»: بحسب الواو، وعطف عليها جملة «كنت له كشر بني الأخينا».
والشاهد فيه قوله: (أخينا) حيث جمع (الأخ) جمع مذكر سالما، ولم يجمعه على (إخوة).(2/462)
هذا باب إضافة العدد واختلاف النحويّين فيه
اعلم أنّ قوما يقولون: «أخذت الثلاثة الدراهم يا فتى»، و «أخذت الخمسة عشر الدرهم». وبعضهم يقول: «أخذت الخمسة العشر الدرهم»، و «أخذت العشرين الدرهم التي تعرف». وهذا كلّه خطأ فاحش.
وعلّة من يقول هذا الاعتلال بالرواية. لا أنّه يصيب له في قياس العربيّة نظيرا.
وممّا يبطل هذا القول أنّ الرواية عن العرب الفصحاء خلافه. فرواية برواية. والقياس حاكم بعد أنّه لا يضاف ما فيه الألف واللام من غير الأسماء المشتقّة من الأفعال. لا يجوز أن تقول: «جاءني الغلام زيد» لأنّ «الغلام» معرّف بالإضافة. وكذلك لا تقول: «هذه الدار عبد الله»، و «لا أخذت الثوب زيد».
وقد أجمع النحويّون على أنّ هذا لا يجوز، وإجماعهم حجّة على من خالفه منهم.
فعلى هذا تقول: «هذه ثلاثة أثواب» كما تقول: «هذا صاحب ثوب». فإن أردت التعريف، قلت: «هذه ثلاثة الأثواب»، كما تقول: «هذا صاحب الأثواب» لأنّ المضاف إنّما يعرّفه ما يضاف إليه فيستحيل «هذه الثلاثة الأثواب» كما يستحيل «هذا الصاحب الأثواب». وهذا محال في كلّ وجه ألا ترى أنّ ذا الرّمّة لمّا أراد التعريف قال [من الطويل]:
[188] أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع
وهل يرجع التسليم أو يدفع البكا ... ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
[188] التخريج: البيتان لذي الرمة في ديوانه ص 1273وسرّ صناعة الإعراب 2/ 620وشرح(2/463)
وقال الفرزدق [من الكامل]:
[189] ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... ودنا فأدرك خمسة الأشبار
فهذا لا يجوز غيره.
وأمّا قولهم: «الخمسة العشر»، فيستحيل من غير هذا الوجه لأنّ «خمسة عشر» بمنزلة «حضرموت» و «بعلبكّ»، و «قالي قلا»، و «أيدي سبا»، وما أشبه ذلك من الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا.
أبيات سيبويه 2/ 363وشرح المفصل 5/ 17والكتاب 3/ 571ولسان العرب 11/ 658 (نزل) واللمع في العربية ص 248وبلا نسبة في أسرار العربية ص 352وشرح المفصل 6/ 33.
المعنى: يخاطب الشاعر منازل محبوبته مية ويسائلها: هل ستعود تلك الأيام الجميلة التي قضيناها معا؟
الإعراب: أمنزلتي: «الهمزة»: للنداء القريب، «منزلتي»: منادى مضاف منصوب بالياء لأنه مثنى.
مي: مضاف إليه مجرور. سلام: مبتدأ مرفوع بالضمة. عليكما: «على»: حرف جر، «الكاف»: ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، و «ما»: للتثنية، والجار والمجرور متعلقان بخبر المبتدأ المحذوف تقديره كائن. هل: حرف استفهام، لا محل لها من الإعراب. الأزمن: مبتدأ مرفوع بالضمة. اللائي: اسم موصول في محل رفع صفة. مضين: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، و «النون»: ضمير متصل في محل رفع فاعل. رواجع: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وهل: الواو: استئنافية. «هل»: حرف استفهام.
يرجع: فعل مضارع مرفوع. التسليم: مفعول به منصوب. أو. للعطف. يدفع: فعل مضارع مرفوع. البكا:
مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة للتعذر. ثلاث: فاعل مرفوع. والرسوم: الواو: للعطف، «الرسوم»:
معطوف على (ثلاث) مرفوع. البلاقع: صفة مرفوعة.
وجملة «سلام عليكما»: استئنافية ويجوز أن تكون اعتراضية لا محل لها. وجملة «الأزمن رواجع»:
استئنافية لا محل لها، وجملة «أمنزلتي»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يرجع»: استئنافية لا محلّ لها وعطف عليها جملة «يدفع البكا».
والشاهد فيه قوله: «ثلاث الأثافي» حيث عرّف المضاف إليه، وبه يعرّف المضاف.
[189] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 305والأشباه والنظائر 5/ 123والجنى الداني ص 504وجواهر الأدب ص 317وخزانة الأدب 1/ 212والدرر 3/ 140وشرح التصريح 2/ 21 وشرح شواهد الإيضاح ص 310وشرح شواهد المغني 2/ 755وشرح المفصل 2/ 121، 6/ 33 والمقاصد النحوية 3/ 321وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص 303والدرر 6/ 203وشرح الأشموني 1/ 87ولسان العرب 6/ 67 (خمس) ومغني اللبيب 1/ 336وهمع الهوامع 1/ 216، 2/ 150.
اللغة: مذ عقدت يداه إزاره: أي تجاوز حدّ الطفولة. الإزار: الثوب الذي يحيط بالنصف الأسفل من البدن. دنا (هنا): ارتفع.
المعنى: ظهرت منه النجابة منذ حداثته ولم يكن قد بلغ خمسة الأشبار.
الإعراب: «ما»: حرف نفي. «زال»: فعل ماض ناقص. «مذ»: ظرف زمان مبنيّ في محلّ نصب،(2/464)
فإذا كان شيء من ذلك نكرة، فإنّ تعريفه أن تجعل الألف واللام في أوّله، لأنّ الثاني قد صار في درج الكلام الأوّل، فهذا أقبح وأشنع.
وأمّا قولهم: «العشرون الدرهم»، فيستحيل من وجه ثالث، وهو أنّ العدد قد أحكم وبيّن بقولك: «عشرون». فإنّما يحتاج إلى أن يعلم النوع، فإنّما «درهم» وما أشبهه للنوع.
فإن كانت «العشرون» معلومة، قلت: «أخذت العشرين درهما»، أي: التي قد عرفت، وليس «الدرهم» بواحد معلوم مقصود إليه. ولو كان كذلك، كان لا معنى له بعد «العشرين». وكذلك: «كلّ رجل جاءني فله درهم». إنّما المعنى: كلّ من جاءني من الرجال إذا كانوا واحدا واحدا فله درهم ألا تراك تقول: «كلّ اثنين جاءاني أكرمهما» لأنّك تريد:
الذين يجيئونك اثنين اثنين. فلو قلت: «كلّ الاثنين»، أو «كلّ الرجل» على هذا، لاستحال.
ففساد هذا بيّن جدّا، وينبغي لمن تبيّن فساد ما قاله أن يرجع من قبل إلى حقيقة القياس، ولا يمض على التقليد.
* * * متعلّق بخبر «ما زال». «عقدت»: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. «يداه»: فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثنّى، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محل جرّ بالإضافة. «إزاره»: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «ودنا»: الواو: حرف عطف، «دنا»: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو». «فأدرك»: الفاء: حرف عطف، «أدرك»: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:
«هو». «خمسة»: مفعول به، وهو مضاف. «الأشبار»: مضاف إليه مجرور.
وجملة «ما زال»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عقدت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «دنا»: معطوفة على الجملة السابقة. وجملة «أدرك»: معطوفة أيضا.
الشاهد فيه قوله: «خمسة الأشبار» حيث عرّف المضاف إليه وحده، ولم يعرّف الجزأين، وهو ما أجمع عليه النحويون.(2/465)
هذا باب ما يضاف من الأعداد المنوّنة
اعلم أنّك إذا أضفت عددا، حذفت منه النون والتنوين، أيّ ذلك كان فيه فتقول: «هذه عشروك»، و «ثلاثوك»، و «أربعوك». و «رأيت ثلاثيك»، و «أربعيك». و «هذه مائتك»، و «ألفك».
وتقول: «هذه ثلاثة وثلاثوك» إذا سمّيت بها رجلا. وإن كان عددا في موضعه، قلت:
«هذه ثلاثتك وثلاثوك» كما تقول: «هذا غلامك وجاريتك»، وكذا سبيل كلّ معطوف.
وتقول: «هذه ثلاثة أثوابك»، و «هذه ثلاثة أثواب القوم»، لا يكون إلّا ذلك لأنّ المضاف ينكّر حتّى يعرّفه ما بعده أو ينكّره.
وكذلك تقول: «هذه مائة درهمك»، و «ألف دينارك»، و «هذه خمسة عشرك». تقدّر حذف ما فيه من التنوين في النيّة كما تقول: «هنّ حواجّ بيت الله»، إذا نويت التنوين، و «هنّ حواجّ بيت الله»، إذا نويت طرحه لأنّ «فواعل» لا ينصرف. فإنّما يقع التنوين في النيّة، ويخرج مخرج «هذا ضارب زيدا» و «ضارب زيد»، كما قال الشاعر [من الطويل]:
[190] إذا أمّ سرباح غدت في ظعائن ... طوالع نجدا فاضت العين تدمع
[190] التخريج: البيت لدراج بن زرعة في الأزهية ص 269ولسان العرب 2/ 482 (سرح).
المعنى: يقول: إذا ما غادرتنا أم سرباح مع الظعائن إلى نجد ذرفت عيوننا الدمع حزنا عليها.
الإعراب: إذا: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب متعلق بجوابه. أمّ: فاعل لفعل محذوف. سرباح: مضاف إليه. غدت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره (هي).
في ظعائن: مجرور متعلقان ب (غدت) أو بحال من فاعله. طوالع: صفة ل (ظعائن) مجرور بالفتحة لأنه(2/466)
وقال آخر [من الوافر]:
[191] [فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والشّهر الحرام]
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظّهر ليس له سنام
ومن لم يرد التنوين خفض في هذين البيتين وما أشبههما.
* * * ممنوع من الصرف. نجدا: مفعول به لاسم الفاعل المجموع (طوالع). فاضت: فعل ماض، و «التاء»:
للتأنيث. العين: فاعل. تدمع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هي).
وجملة «إذا غدت أم سرباح فاضت العين»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «غدت أم سرباح»:
مضاف إليها محلها الجر. وجملة «غدت»: تفسيرية لا محل لها. وجملة «فاضت العين»: جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة «تدمع»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: (طوالع نجدا) حيث نصب (نجدا) ب (طوالع) مع أن (طوالع) ليست منونة، لأنّ عدم تنوينها ليس بسبب الإضافة، بل لأنها ممنوعة من التنوين أصلا، أي من الصرف.
[191] التخريج: البيتان للنابغة الذبياني في ديوانه ص 106105والأغاني 11/ 26وخزانة الأدب 7/ 511، 9/ 363وشرح أبيات سيبويه 1/ 28وشرح المفصل 6/ 83، 85والمقاصد النحوية 3/ 579، 4/ 434وبلا نسبة في أسرار العربية ص 200والأشباه والنظائر 6/ 11والاشتقاق ص 105وأمالي ابن الحاجب 1/ 458والإنصاف 1/ 134وشرح الأشموني 3/ 591.
اللغة: ربيع الناس: شبّه ممدوحه بالربيع للدلالة على ما يحمله من نعم وخير للناس. الذناب:
الأطراف. أجبّ الظهر: بدون سنام، كناية عن الحاجة التي تعقب موته.
المعنى: إن هلك أبو قابوس أجدب الخير وانقطع الرخاء عن الناس، وغدوا في عسرة من أمرهم وكدر في عيشهم.
الإعراب: «فإن»: الفاء: بحسب ما قبلها، «إن»: حرف شرط جازم. «يهلك»: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط. «أبو»: فاعل مرفوع بالواو، وهو مضاف. «قابوس»: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. «يهلك»: فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط. «ربيع»: فاعل مرفوع، وهو مضاف.
«الناس»: مضاف إليه «والشهر»: الواو: حرف عطف، «الشهر»: معطوف على «ربيع» مرفوع. «الحرام»:
نعت «الشهر» مرفوع. «ونأخذ»: الواو: حرف عطف، «نأخذ»: معطوف على جواب الشرط مجزوم، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «نحن». ويجوز أن يكون مرفوعا فتكون الواو استئنافيّة، أو منصوبا، فتكون الواو للمعيّة، و «نأخذ»: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة. «بعده»: ظرف زمان متعلّق ب «نأخذ»، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محل جرّ بالإضافة. «بذناب»: جار ومجرور متعلّقان ب «نأخذ»، وهو مضاف.
«عيش»: مضاف إليه. «أجبّ»: نعت «عيش» مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف، وهو مضاف.
«الظهر»: مفعول به منصوب بالفتحة للصفة (أجبّ). «ليس»: فعل ماض ناقص. «له»: جار ومجرور متعلّقان بخبر «ليس». «سنام»: اسم «ليس» مرفوع.
وجملة «إن يهلك»: الشرطية بحسب ما قبلها. وجملة «يهلك»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها(2/467)
واعلم أنّ القياس وأكثر كلام العرب أن تقول: «هذه أربعة عشرك»، و «خمسة عشرك»، فتدعه مفتوحا على قولك: «هذه أربعة عشر»، و «خمسة عشر».
وقوم من العرب يقولون: «هذه أربعة عشرك»، و «مررت بأربعة عشرك». وهم قليل، وله وجيه من القياس: وهو أن تردّه بالإضافة إلى الإعراب كما أنّك تقول: «ذهب أمس بما فيه»، و «ذهب أمسك بما فيه»، وتقول: «جئت من قبل يا فتى»، فإذا أضفت، قلت: «من قبلك» فهذا مذهبهم.
وإنّما كان القياس المذهب الأوّل لأنّ «خمسة عشر» نكرة. وما لم تردّه النكرة إلى أصله لم تردّه الإضافة.
أمّا «أمس» و «قبل» ونحوهما، فمعارف. ولو جعلتهنّ نكرات، لرجعن إلى الإعراب كما رجعن إليه في الإضافة والألف واللام.
وعلى هذا قرىء: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1) على النكرة، على مثل قولك:
أوّلا وآخرا ألا ترى أنّك تقول في النداء: «يا زيد أقبل». فإذا جعلته نكرة، قلت: «يا رجلا أقبل»، كما تقول: «يا عبد الله»، فتردّه النكرة إلى الإعراب كما تردّه الإضافة ألا تراك تقول: «جاءني الخمسة عشر رجلا»، و «الخمس عشرة امرأة». فلو كانت الإضافة تردّه إلى الإعراب، لردّته الألف واللّام. وإنّما أجاز سيبويه الضمّ على بعد.
* * * فأمّا قولك: «مررت بالقوم خمسة عشرهم» كما تقول: «مررت بالقوم خمستهم»، فغير جائز عندنا ألبتّة لأنّ ما بعد «خمسة عشر» إذا كان عددا، لم يكن إلّا مفردا نحو:
«خمسة عشر رجلا»، ولم يكن إلّا نكرة، وليس بمنزلة «خمسة وستّة» وبابهما إلى العشر وذلك أنّ «الثلاثة» إلى «العشرة» مضاف إلى المعرفة والنكرة. وعلى هذا لا تقول: «أخذت عشرين درهما وثلاثيه» لأنّ الذي تبيّن به النوع لا يكون معرفة مضمرة ولا مظهرة.
* * * جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو «إذا». وجملة «نأخذ»: معطوفة على «يهلك»، أو استئنافية. وجملة «ليس له سنام»: في محل جرّ نعت ثان ل «عيش».
الشاهد فيه قوله: «أجب الظهر» حيث نصبت الصفة (أجب) مفعولا به (الظهر) على نية التنوين فيها.
__________
(1) الروم: 4.(2/468)
هذا باب اشتقاقك للعدد اسم الفاعل، كقولك «هذا ثاني اثنين»، و «ثالث ثلاثة»، و «رابع أربعة»
اعلم أنّك إذا قلت: «هذا ثاني اثنين»، فمعنى هذا: «أحد اثنين» كما قال الله عزّ وجلّ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثََانِيَ اثْنَيْنِ} (1) وقال عزّ وجلّ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} (2) على هذا.
فإن قلت: «هذا ثالث اثنين» فعلى غير هذا الوجه. إنّما معناه: هذا الذي جاء إلى اثنين فثلثهما، فمعناه الفعل. وكذلك «هذا رابع ثلاثة»، و «رابع ثلاثة يا فتى» لأنّ معناه:
أنّه ربعهم، وثلثهم. وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: {مََا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ََ ثَلََاثَةٍ إِلََّا هُوَ رََابِعُهُمْ وَلََا خَمْسَةٍ إِلََّا هُوَ سََادِسُهُمْ} (3). ومثله قوله عزّ وجلّ: {سَيَقُولُونَ ثَلََاثَةٌ رََابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} (4).
وتلك الأولى لا يجوز أن تنصب بها لأنّ المعنى: أحد ثلاثة، وأحد أربعة.
فتقول على هذا القول: «هذا رابع أربعة» إذا كان هو وثلاث نسوة لأنّه قد دخل معهنّ فقلت: «أربعة» بالتذكير لأنّه إذا اجتمع مذكّر ومؤنّث جعل الكلام على التذكير لأنّه الأصل.
وتقول على القول الآخر: «هذا رابع ثلاث يا فتى» لأنّه لم يدخل معهنّ وإنّما مثاله:
«هذا ضارب ثلاث»، فعلى هذا فأجر هذا الباب.
__________
(1) التوبة: 40.
(2) المائدة: 73.
(3) المجادلة: 7.
(4) الكهف: 22.(2/469)
فإذا جاوز العقد الأوّل، فإنّ القياس على المذهب الأوّل وهو: «هذا ثالث ثلاثة»، و «رابع أربعة»، أي: «أحد ثلاثة»، و «أحد أربعة» أن تقول: «هذا حادي عشر أحد عشر»، و «خامس عشر خمسة عشر». ولكنّ العرب تستثقل إضافته على التمام لطوله، فيقولون: «هذا حادي أحد عشر»، و «خامس خمسة عشر»، فيرفعون الأوّل بما يرفعه، وينصبونه بما ينصبه، ويخفضونه بما يخفضه لأنّه معرب.
وإنّما منعهم من بنائه أنّ ثلاثة أسماء لا تجعل اسما واحدا في غير الإضافة. وإنّما شبّه «خمسة عشر» ب «حضرموت»، وبني لما ذكرنا من إزالته عن موضعه.
فإن قلت: «هذا حادي عشر» و «خامس عشر» كما تقول: «هذا خامس» و «سادس» بنيته على الفتح لأنّهما اسمان. فحالهما كحال «خمسة عشر» ونحوه. فعلى هذا القياس يجري هذا العدد.
فإن قلت على قياس قول من قال: «هذا رابع ثلاثة»، و «خامس أربعة»، فإنّ النحويّين كانوا يقولون: «هذا خامس أربعة عشر»، و «هذه خامسة أربع عشرة»، ويقيسون هذا أجمع، ويقولون: «هذا رابع ثلاث عشرة»، إذا كنّ نساء، فصرن به أربعة عشر كما تقول: «هذا رابع ثلاث»، و «خامس أربع». فهذا قول النحويّين المتقدّمين، وكان أبو الحسن الأخفش لا يراه صوابا وذلك لأنّك إذا قلت: «رابع ثلاثة»، فإنّما تجريه مجرى «ضارب» ونحوه، لأنّك كنت تقول: «كانوا ثلاثة فربعهم»، و «كانوا خمسة فسدسهم»، ولا يجوز أن تبني فاعلا من «خمسة» و «عشرة» جميعا لأنّ الأصل: «خامس عشر أربعة عشر».
والقياس عندي ما قال، وهو قول المازنيّ.
فإذا بلغت «العشرين» فما بعدها، لم تبن منه فاعلا لأنّه يلتبس بما قبله لأنّه يجيء على لفظ «العشرين»، و «الثلاثون» على لفظ «الثلاثة»، وهكذا إلى «التسعين».
فإذا بلغت «المائة»، قلت: «كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم»: إذا جعلتهم «مائة»، و «كانوا تسعمائة فألّفتهم». إذا أردت: «فعّلتهم»، و «آلفتهم». إذا أردت: «أفعلتهم». كلّ ذلك يقال وجاء في الحديث: «أوّل حيّ آلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جهينة، وقد آلفت معه بنو سليم بعد».
قال بجير بن زهير [من الوافر]:(2/470)
فإذا بلغت «المائة»، قلت: «كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم»: إذا جعلتهم «مائة»، و «كانوا تسعمائة فألّفتهم». إذا أردت: «فعّلتهم»، و «آلفتهم». إذا أردت: «أفعلتهم». كلّ ذلك يقال وجاء في الحديث: «أوّل حيّ آلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جهينة، وقد آلفت معه بنو سليم بعد».
قال بجير بن زهير [من الوافر]:
[192] صبحناهم بألف من سليم ... وسبع من بني عثمان وافي
وبنو عثمان بن عمرو بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر هم مزينة.
* * * [192] التخريج: البيت لبجير بن زهير في لسان العرب 2/ 503 (صبح).
اللغة: الوافي هنا: معناه القادر على الوفاء بما يطلب إليه.
المعنى: يريد جئناهم صباحا بألف رجل من بني سليم، وبسبع من بني عثمان، وهذا الجمع من الرجال قادر على الوفاء بما يطلب إليه من أعمال الحرب وغيرها.
الإعراب: صبحناهم: فعل ماض، و «نا»: فاعل، و «الهاء»: مفعول به، و «الميم»: علامة جمع الذكور العقلاء. بألف: جار ومجرور متعلّقان ب (صبح). من سليم: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (ألف).
وسبع: «الواو»: عاطفة، «سبع»: معطوف على (ألف). من بني: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (سبع).
عثمان: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. وافي: صفة ل (ألف) مجرور بكسرة مقدرة على الياء.
وجملة «صبحناهم»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد: على أنّ بني سليم آلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي بلغ من آمن به منهم الألف.(2/471)
هذا باب ما يضاف إليه من العدّة من الأجناس وما يمتنع من الإضافة
اعلم أنّه كلّ ما كان اسما غير نعت فإضافة العدد إليه جيّدة، وذلك قولك: «عندي ثلاثة أجمال»، و «أربع أينق»، و «خمسة دراهم»، و «ثلاثة أنفس».
فإن كان نعتا، قبح ذلك فيه، إلّا أن يكون مضارعا للاسم، واقعا موقعه. وذلك قولك: «عندي ثلاثة قرشيّين»، و «أربعة كرام»، و «خمسة ظرفاء». هذا قبيح حتّى تقول:
«ثلاثة رجال قرشيّين»، و «ثلاثة رجال كرام»، ونحو ذلك. فأما المضارع للأسماء فنحو:
«جاءني ثلاثة أمثالك»، و «أربعة أشباه زيد»، كما قال الله عزّ وجلّ: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (1) وقد قرىء: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا}. فهذه القراءة المختارة عند أهل اللغة، والتي بدأنا بها حسنة جميلة.
فإن كان الذي يقع عليه العدد اسما لجنس من غير الآدميّين، لم يلاقه العدد إلّا بحرف الإضافة، وكان مجازه التأنيث لأنّ فعله وجمعه على ذلك، إذ كان معناه الجماعة ألا ترى أنّك تقول: «الجمال تسير»، و «الجمال يسرن» كما قال الله عزّ وجلّ عند ذكر الأصنام:
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النََّاسِ} (2). وعلى هذا يجمع كما تقول: «حمّام» و «حمّامات»، و «سرادق» و «سرادقات».
فأمّا الآدميّون فإنّ المذكّر منهم يجري على جمعه التذكير لأنّ فعله على ذلك.
تقول: «هم يضربون زيدا»، و «ينطلقون» فلذلك تقول: «مسلمون» و «منطلقون»، ونحوه، وعلى هذا تقول: «هم الرجال». ولا يقع مثل هذا إلّا لما يعقل.
فإن قلت: «هي الرجال»، صلح على إرادتك هي جماعة الرجال كما تقول: «هي الجمال».
__________
(1) الأنعام: 160.
(2) إبراهيم: 36.(2/472)
فأمّا «هم»، فلا يكون إلّا لما يعقل.
فإذا أضفت إلى اسم جنس من غير الآدميّين قلت: «عندي ثلاث من الإبل»، و «ثلاث من الغنم». وتقول: «عندي ثلاث من الغنم ذكور وثلاث من الشاء ذكور»، وكذلك ما أشبه هذا لأنّك إنّما قلت: «ذكور» بعد أن أجريت في اسمه التأنيث. ألا ترى أنّك إذا حقّرت «الإبل» و «الغنم» قلت: «أبيلة» و «غنيمة». وتقول: «عندي ثلاثة ذكور من الشاء، وثلاثة ذكور من الإبل» لأنّك إنّما قلت: «من الإبل»، و «من الشاء»، بعد أن جرى فيه التذكير كما تقول: «عندي ثلاثة أشخص»، ثم تقول: «من النساء» لأنّك أجريت عليه التذكير أوّلا على لفظه، ثمّ بيّنت بعد ما تعني.
وتقول: «عندي ثلاثة أنفس»، وإن شئت قلت: «ثلاث أنفس». أمّا التذكير، فإذا عنيت بالنفس المذكّر. وعلى هذا تقول: «عندي نفس واحد»، وإن أردت لفظها قلت:
«عندي ثلاث أنفس» لأنّها على اللفظ تصغّر «نفيسة». وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: {يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1)، وقال عزّ وجلّ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ} (2)، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بَلى ََ قَدْ جََاءَتْكَ آيََاتِي فَكَذَّبْتَ بِهََا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ} (3) على مخاطبة النفس، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ} (4).
وتقول: «ثلاثة أفراس» و «ثلاث أفراس» لأنّ «الفرس» يقع على الذكر والأنثى.
فأمّا قولك: «هذه عين القوم» وأنت تعني الرجل بعينه، فلأنّك وضعته موضع «العين» بعينها، فأقمته ذلك المقام. ولو سمّيت رجلا «عينا» لقلت في تصغيره: «عيين». فإنّما هذا بمنزلة قولك للمرأة: «ما أنت إلّا رجيل»، وللرجل: «ما أنت إلّا مريئة» لأنّك تقصد قصد الشيء بعينه. فقس ما ورد عليك من هذا، تصب إن شاء الله.
فأمّا تسميتهم الرجل «عيينة» و «أذينة»، فإنّما سمّوا بهما بعد أن صغّرتا في موضعهما، ولو سمّيت الرجل «أذنا»، ثم صغّرته، لقلت: «أذين». فاعلم.
* * * __________
(1) الفجر: 27.
(2) الزمر: 56.
(3) الزمر: 59.
(4) آل عمران: 185.(2/473)
هذا باب الجمع لما يكون من الأجناس على «فعلة»
اعلم أنّه ما كان من ذلك اسما، فإنّك إذا جمعته بالألف والتاء حرّكت أوسطه، لتكون الحركة عوضا من الهاء المحذوفة، وتكون فرقا بين الاسم والنعت وذلك قولك في «طلحة» «طلحات»، وفي «جفنة»: «جفنات»، وفي «صحفة»: «صحفات»، وكذلك جميع هذا الباب.
قال الشاعر [من الطويل]:
[193] لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
[193] التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 131وأسرار العربيّة ص 356وخزانة الأدب 8/ 106، 107، 110، 116وشرح شواهد الإيضاح ص 521وشرح المفصل 5/ 10والكتاب 3/ 578ولسان العرب 14/ 136 (جدا) والمحتسب 1/ 187والمقاصد النحوية 4/ 527وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 135والخصائص 2/ 206.
اللغة: الجفنات: ج الجفنة، وهي القصعة. الغرّ: البيض من كثرة الشحم.
المعنى: يصف الشاعر قومه بالكرم فيقول: إنّ موائدهم معدّة للأضياف، وسيوفهم تقطر دما لكثرة خوضهم الحروب.
الإعراب: لنا: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. الجفنات: مبتدأ مؤخّر مرفوع. الغرّ:
نعت «الجفنات» مرفوع. يلمعن: فعل مضارع مبنيّ على السكون، والنون: ضمير في محل رفع فاعل. في الضحى: جار ومجرور متعلقان ب «يلمعن». وأسيافنا: الواو: حرف عطف، و «أسيافنا»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف و «نا»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. يقطرن: فعل مضارع مبنيّ على السكون، والنون: ضمير في محلّ رفع فاعل. من نجدة: جار ومجرور متعلقان ب «يقطرن». دما: مفعول به.
وجملة «لنا الجفنات»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يلمعن»: في محلّ نصب حال.
وجملة «أسيافنا يقطرن»: معطوفة على جملة (لنا الجفنات) لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يقطرن»: في محلّ رفع خبر المبتدأ.(2/474)
وقال الآخر [من الخفيف]:
[194] نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطّلحات
فهذا إنّما يكون في المفتوح على هذه الهيئة الواحدة لأنّ الفتح أخفّ الحركات.
* * * فإن كان الاسم على «فعلة» ففيه ثلاثة أوجه:
إن شئت قلت: «فعلات»، وأتبعت الضمّة الضمّة كما أتبعت الفتحة الفتحة.
وإن شئت جمعته على «فعلات»، فأبدلت من الضمّة الفتحة لخفّتها.
وإن شئت أسكنت، فقلت: «فعلات» كما تقول في «عضد»: «عضد»، وفي «رسل»: «رسل». قال الله عزّ وجلّ: {وَلََا تَتَّبِعُوا خُطُوََاتِ الشَّيْطََانِ} (1). وواحدها
الشاهد فيه قوله: «الجفنات» حيث حرّك الفاء الساكنة في المفرد عوضا من الهاء المحذوفة.
[194) التخريج: البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص 20والحيوان 1/ 332وخزانة الأدب 8/ 10، 14والدرر 6/ 57وشرح شواهد الإيضاح ص 294وشرح المفصل 1/ 47ولسان العرب 2/ 533 (طلح) وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص 98والجنى الداني ص 605وخزانة الأدب 4/ 414، 10/ 128ورصف المباني ص 297، 348ولسان العرب 5/ 213 (نضر) وهمع الهوامع 2/ 127.
اللغة: طلحة الطلحات: اسم الممدوح، وقيل سبب تسميته بذلك أنه كان كريما، وقد زوّج مئة رجل عربيّ من مئة امرأة عربيّة، ودفع مهورهن من ماله، فكلّ من ولد له ذكر سمّاه طلحة، فأضيف إليهم.
سجستان: موضع معروف.
المعنى: يترحّم على عظام طلحة الطلحات المدفونة في سجستان.
الإعراب: «نضّر»: فعل ماض مبني على الفتح. «الله»: لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة. «أعظما»:
مفعول به منصوب بالفتحة. «دفنوها»: فعل ماض مبني على الضم، والواو: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، و «ها»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. «بسجستان»: جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنّه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، متعلّقان ب «دفنوها». «طلحة»: بدل من أعظما منصوب بالفتحة. «الطلحات»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «نضّر»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «دفنوها»: في محل نصب صفة ل «أعظما».
الشاهد فيه قوله: «الطلحات» حيث جمع «طلحة» على «طلحات» فحرّك ما كان ساكنا في المفرد.
__________
(1) البقرة: 168.(2/475)
«خطوة». وقال الشاعر [من الطويل]:
[195] ولمّا رأونا باديا ركباتنا ... على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
ينشدون: «ركباتنا» و «ركباتنا». وهذه الآية تقرأ على الأوجه الثلاثة. وذلك قوله:
{فِي الظُّلُمََاتِ} [الأنعام: 39، 122والأنبياء: 87]، و «الظلمات»، و «الظلمات».
* * * وما كان على «فعلة» ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: «فعلات» تتبع الكسرة الكسرة.
وإن شئت قلت: «فعلات». فتبدل الفتحة من الكسرة كما أبدلتها من الضمّة.
وإن شئت قلت: «فعلات»، وأسكنت كما قلت في «إبل»: «إبل»، وفي «فخذ»:
«فخذ» لاستثقال الكسرة. وذلك قولك «سدرة» و «سدرات»، و «قربة» و «قربات». فإن استثقلت، قلت: «سدرات»، و «قربات»، وفي الإسكان: «سدرات»، و «قربات».
* * * وأمّا النعوت، فإنّها لا تكون إلّا ساكنة، للفصل بين الاسم والنعت وذلك قولك:
[195] التخريج: البيت لعمرو بن شأس الأسدي في شرح أبيات سيبويه 2/ 243وبلا نسبة في شرح المفصل 5/ 29واللمع ص 254والمحتسب 1/ 56.
اللغة: الهزل بتحريك الزاي: لغة في (الهزل) بسكونها. وبدوّ الركبة: كناية عن التأهّب للحرب.
وعلى موطن: أي في موطن من مواطن الجد الخالص، أي من مواطن الحرب.
المعنى: لما أيقنوا أنّا سنحاربهم لا محالة استسلموا لنا.
الإعراب: «ولما»: الواو: بحسب ما قبلها، «لما»: مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل (تولّوا) المذكور في البيت التالي للشاهد. «رأونا»: فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو: ضمير الجماعة فاعل، و «نا»: ضمير المتكلمين مفعول به. «باديا»: حال من (نا). «ركباتنا»: فاعل لاسم الفاعل (باديا) و «نا»: مضاف إليه. «على مطون»:
جار ومجرور متعلقان ب (باديا) أو ب (رأونا). «لا»: نافية مهملة. «نخلط»: فعل مضارع مرفوع، فاعله مستتر وجوبا تقديره (نحن). «الجدّ»: مفعول به منصوب. «بالهزل»: جار ومجرور متعلقان ب (نخلط).
وجملة «رأونا»: مضاف إليها محلّها الجر. وجملة «لا نخلط»: يمكن أن تكون تفسيرا لقوله (باديا ركباتنا) لا محل لها، ويمكن أن تكون حالا ثانية من مفعول (رأونا) محلها النصب.
والشاهد فيه: جواز فتح العين من (ركباتنا) جمعا ل (ركبة) استثقالا لتوالي الضمتين إذا أريد تحريك العين بالضم.(2/476)
«ضخمة»، و «ضخمات»، و «عبلة» و «عبلات»، و «خدلة» و «خدلات».
وأمّا قولهم في بني أميّة الأصغر: «العبلات»، فإنّما قصدوا إلى «عبلة» وهو اسم.
وأما قولهم في جمع «ربعة»: «ربعات»، في قولهم: «امرأة ربعة» و «رجل ربعة»، فلأنّه يجري عندهم مجرى الاسم. إذ صار يقع للمؤنّث والمذكّر على لفظ واحد. بمنزلة قولك: «فرس» للذكر والأنثى كذلك «إنسان» و «بعير»، يقع على المذكّر والمؤنّث وإن كان في اللفظ مذكّرا كما أنّ «ربعة» في اللفظ مؤنّث، وهو يقع على المذكّر والمؤنّث.
ف «بعير» يقع عليهما، ومجازه في «الإبل» مجاز قولك: «إنسان». و «جمل» يجري مجرى «رجل». و «ناقة» يجري مجرى «امرأة».
وأنشدني الزياديّ عن الأصمعي لأعرابي [من الكامل]:
[196] لا نشتري لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار
وأما قولهم: «شاة لجبة»، و «شاء لجبات»، فزعم سيبويه أنّهم يقولون: «لجبة» و «لجبة». وإنّما قالوا: «لجبات» على قولهم «لجبة».
وقال قوم: بل حرّك، لأنّه لا يلتبس بالمذكّر لأنّه لا يكون إلّا في الإناث. ولو أسكنه مسكّن على أنّه صفة كان مصيبا.
[196] التخريج: البيت بلا نسبة في الخصائص 2/ 418ولسان العرب 3/ 324 (غدد).
اللغة: المعصار آلة العصر، واكف: متقاطر.
المعنى: يقول: نحن لسنا ممن يرغبون في اللبن، لأن ما نفضّله هو شراب العنب الكثير لدينا والذي تمتلىء منه المعصرة حتى تسيل سلافتها.
الإعراب: لا: نافية. نشتري: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن) لبن: مفعول به. البعير: مضاف إليه. وعندنا: الواو: حالية، «عندنا»: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بحال من (عرق)، و «نا»: مضاف إليه. عرق: مبتدأ مؤخر. الزجاجة: مضاف إليه. واكف:
خبر للمبتدأ (عرق). المعصار: مضاف إليه.
وجملة «لا نشتري»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «عندنا عرق الزجاجة واكف»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: (لبن البعير) حيث أضاف اللبن إلى البعير المقصود به هنا الناقة، لأن الجمل لا لبن له، وهذا يؤيد أن (البعير) كلمة تطلق على الجمل، وعلى الناقة.(2/477)
وقد جاء في الأسماء بالإسكان في «فعلة». أنشدوا لذي الرمّة [من الطويل]:
[197] [أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه ... خفوقا] ورفضات الهوى في المفاصل
وهو جمع «رفضة».
* * * [197] التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص 1337وخزانة الأدب 8/ 87، 88وشرح شواهد الإيضاح ص 247وشرح المفصل 5/ 28ولسان العرب 1/ 475 (شنب) والمحتسب 1/ 56، 2/ 171.
اللغة: الذّكر بكسر الذال وفتح الكاف: الذكريات، والأحشاء: جمع حشّا، وهو ما في البطن من معى وكرش وغير ذلك، ورفضات الهوى: ما تفرّق من هواها في قلبه.
المعنى: تحول بواعث الحب التي في نفسي، والذكريات التي عودّت قلبي الخفقان أن أنسى الحبيب.
الإعراب: أبت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث. ذكر: فاعل. عوّدن: فعل ماض، و «النون»:
فاعل. أحشاء: مفعول به. قلبه: مضاف إليه، وكذلك (الهاء). خفوقا: مفعول به ثان ل (عوّد). ورفضات:
«الواو»: حرف عطف، «رفضات»: معطوف على (ذكر). الهوى: مضاف إليه. في المفاصل: جار ومجرور متعلقان بصفة، أو حال من (رفضات الهوى).
وجملة «أبت ذكر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «عوّدن»: صفة ل «ذكر» محلها الرفع.
والشاهد فيه قوله: (رفضات) حيث سكن عين (فعلة) مجموعة، وهي اسم وليست صفة، والمقيس فيما ليس صفة من هذا القبيل تحريك عينه في الجمع.(2/478)
هذا باب ما جاء من هذا في ذوات الياء والواو التي ياءاتهنّ، وواواتهنّ لامات
وذلك قولك في «رمية»: «رميات»، وفي «غزوة»: «غزوات»، وفي «قشوة»:
«قشوات»، كما تقول في «فعلة» نحو: «حصاة» و «قناة»: «حصيات» و «قنوات» لأنّك لو حذفت لالتقاء الساكنين، لالتبس ب «فعال» من غير المعتلّ. فجرى هاهنا مجرى «غزوا» و «رميا» لأنّك لو ألحقت ألف «غزا» وألف «رمى» ألف التثنية للزمك الحذف لالتقاء الساكنين، فالتبس الاثنان بالواحد، فكنت تقول للاثنين: «غزا»، و «رمى». فلمّا كان هذا على ما ذكرت لك، لم يحذف.
* * * فأمّا ما كانت الياء والواو منه في موضع العين، فإنّ فيه اختلافا.
أمّا الأقيس والأكثر في لغات جميع العرب فأن تقول في «بيضة»: «بيضات»، وفي «جوزة»: «جوزات»، وفي «لوزة»: «لوزات».
وأمّا هذيل بن مدركة خاصّة فيقولون: «جوزات»، و «بيضات»، و «لوزات» على منهاج غير المعتلّ، ولا يقلبون واحدة منهما ألفا.
فيقال: أليس حقّ الواو والياء إذا كانت كلّ واحدة منهما في موضع حركة أن تقلب ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا؟
فيقول من يحتجّ عنهم: إنّما حرّكت هذه الياء وهذه الواو، لأنّ الباب وقع اسما متحرّكا، وألحق المعتلّ بالصحيح لئلّا يلتبس النعت بالمنعوت أجري هذا الباب في ترك القلب مجرى «خونة» و «حوكة». لئلّا يلتبس بما أصله «فعلة»، نحو: «دارة»، و «قارة» إذا
قلت: «دارات»، و «قارات». فصحّ هذا لأنّ أصله السكون كما صحّ «العور»، و «الصّيد»، و «عور»، و «صيد» لأنّ أصل الفعل «افعلّ».(2/479)
فيقول من يحتجّ عنهم: إنّما حرّكت هذه الياء وهذه الواو، لأنّ الباب وقع اسما متحرّكا، وألحق المعتلّ بالصحيح لئلّا يلتبس النعت بالمنعوت أجري هذا الباب في ترك القلب مجرى «خونة» و «حوكة». لئلّا يلتبس بما أصله «فعلة»، نحو: «دارة»، و «قارة» إذا
قلت: «دارات»، و «قارات». فصحّ هذا لأنّ أصله السكون كما صحّ «العور»، و «الصّيد»، و «عور»، و «صيد» لأنّ أصل الفعل «افعلّ».
* * * واعلم أنّه ما كان من هذا مضموم الأوّل ممّا واوه أو ياؤه لام أو مكسور الأوّل، فله أحكام نذكرها مفسّرة إن شاء الله.
أمّا ما كان من الواو مضموم الأوّل: نحو: «غدوة» و «رشوة» فإنّك تقول فيه:
«رشوات»، و «غدوات». ومن قال: «ظلمات» قال: «رشوات» و «غدوات». ومن قال:
«ظلمات» قال: «رشوات»، و «غدوات».
ومن كان يقول: «رشوة»، فيكسر أوّله ويقول: «غدوة»، فإنّه لا يجوز له أن يقول فيه ما قال في «سدرات»، و «كسرات» لأنّه يلزمه قلب الواو ياء، فتلتبس بنات الواو ببنات الياء. ولكنّه يسكّن إن شاء، ويفتح إن شاء، فيقول: «رشوات»، و «رشوات».
وكذلك «عدوة» وما أشبهها. ومن قال: «مدية»، فإنّه لا يجوز له جمعها على منهاج قوله: «ظلمات» لأنّه يلزمه قلب الياء واوا. ولكن يسكّن إن شاء فيقول: «مديات»، وإن شاء، فتح.
فهذا العارض الذي يدخل في بنات الواو والياء.
ومجرى الباب وأصله ما ذكرت لك.(2/480)
هذا باب الجمع لما كان على ثلاثة أحرف
أمّا ما كان من غير المعتلّ على «فعل»، فإنّ بابه في أدنى العدد أن يجمع على «أفعل» وذلك قولك: «كلب» و «أكلب»، و «فلس» و «أفلس». فإن جاوزت إلى الكثير، خرج إلى «فعال»، أو «فعول»: وذلك قولك: «كلاب»، و «كعاب»، و «فراخ»، و «فروخ»، و «فلوس». فهذا هو الباب.
فأمّا ما جاء على «أفعال» فنحو: «فرد» و «أفراد»، و «فرخ» و «أفراخ» كما قال الشاعر [من البسيط]:
[198] ماذا تقول لأفراخ بذي طلح ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
[198] التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 164والأغاني 2/ 156وأوضح المسالك 4/ 310وخزانة الأدب 3/ 294والخصائص 3/ 59وشرح التصريح 2/ 302والشعر والشعراء 1/ 334ولسان العرب 2/ 532 (طلح) ومعجم ما استعجم ص 892والمقاصد النحوية 4/ 524وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص 349وشرح الأشموني 3/ 674وشرح المفصّل 5/ 16.
شرح المفردات: الأفراخ: ج الفرخ، وهو صغير الطائر، والمراد هنا أولاد الشاعر. ذو طلح: اسم واد. الزغب: الريش الصغير. الحواصل: ج الحوصلة، وهي معدة الطائر وحمر الحواصل: كناية عن ضعفهم.
الإعراب: «ماذا»: اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم. «تقول»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». «لأفراخ»: جار ومجرور متعلقان ب «تقول».
«بذي»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت ل «أفراخ»، وهو مضاف. «طلح»: مضاف إليه مجرور.
«حمر»: نعت سببي ل «أفراخ»، وهو مضاف. «الحواصل»: مضاف إليه مجرور. «لا»: حرف نفي. «ماء»:
مبتدأ مرفوع خبره محذوف. «ولا»: الواو حرف عطف، «لا»: حرف نفي. «شجر»: معطوف على «ماء»:
الشاهد فيه قوله: «أفراخ» جمعا ل «فرخ»، وهذا شاذّ عند جمهرة النحاة. وقد أثبت الأب أنستاس الكرملي أنّه قياسي. راجع مجلة اللغة العربية بالقاهرة ج 26، ص 223.(2/481)
و «زند وأزناد» كما قال الشاعر [من المتقارب]:
[199] وجدت إذا اصطلحوا خيرهم ... وزندك أثقب أزنادها
فمشبّه بغيره، خارج عن بابه.
وكذلك ما كان على «فعلة» نحو: «فقع» [1] و «فقعة»، و «جبء» [2] و «جبأة».
وكذلك ما كان على «فعلان» نحو: «حجل» و «حجلان»، و «رأل» [3] و «رئلان».
وما كان على «فعلان» نحو: «ظهر» و «ظهران»، و «بطن» و «بطنان».
وسنذكر لم جاز أن يجيء على هذه الأبنية الخارجة عن الأصل عند ذكرنا النعوت إن شاء الله؟
* * * وما كان على «فعل» فإنّ أدنى العدد فيه «أفعال» نحو: «جذع» و «أجذاع»، و «عدل» و «أعدال»، و «بئر» و «أبآر».
[199] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 123وشرح أبيات سيبويه 2/ 359وشرح التصريح 2/ 303والكتاب 3/ 568وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 674وشرح المفصل 5/ 16 والمقاصد النحوية 4/ 526.
اللغة: الزند: العود الذي تقدح به النار. ثقب الزند: خرجت ناره.
الإعراب: «وجدت»: فعل ماض للمجهول، والتاء: ضمير في محلّ رفع نائب فاعل. «إذا»: ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط، متعلّق بجوابه. «اصطلحوا»: فعل ماض، والواو: ضمير متّصل في محل رفع فاعل. «خيرهم»: مفعول به ثان ل «وجد»، وهو مضاف، و «هم»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
«وزندك»: الواو: حرف استئناف، «زندك» مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والكاف: في محلّ جرّ بالإضافة.
«أثقب»: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. «أزنادها»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «وجدت»: ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة «اصطلحوا»: في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «زندك أثقب»: في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «أزنادها»، وهو جمع «زند»، وهذا الجمع شاذّ عند النحاة، وقياسيّ على الصحيح كما بيّن الأب أنستاس الكرملي.
[1] الفقع والفقع: الأبيض الرخو من الكمأة، وهو أردؤها. (لسان العرب 6/ 255 (فقع)).
[2] الجبء: الكمأة الحمراء، وقيل: هنة بيضاء كأنّها كمء ولا ينتفع بها. (لسان العرب 1/ 43 (جبأ)).
[3] الرأل: ولد النعام، وخص بعضهم به الحوليّ منها. (لسان العرب 11/ 261 (رأل)).(2/482)
فإذا جاوزت أدنى العدد، فبابه «فعول» نحو: «لصّ» و «لصوص»، و «جذع» و «جذوع»، و «حمل» و «حمول». وقد تجيء على «فعال»، لأنّها أخت «فعول» نحو:
«بئار»، و «ذئاب».
وأمّا ما يجيء على «أفعل» نحو: «ذئب» و «أذؤب»، فداخل على باب «فعل». وهو نظير ما جاء من «فعل» على «أفعال».
وكذلك «ذؤبان». إنّما هو بمنزلة «ظهران».
وقولك: «حسل» [1] و «حسلة». إنّما هو بمنزلة «فقعة». كلّ ذلك خارج عن بابه.
* * * وما كان من هذا على «فعل» فأدنى العدد فيه «أفعال»، وذلك نحو: «قفل» و «أقفال»، و «جند» و «أجناد»، و «جحر» و «أجحار» كما قال [من الوافر]:
[200] كرام حين تنكفت الأفاعي ... إلى أجحارهنّ من الصّقيع
فإذا جاوزت أدنى العدد فبابه «فعول» نحو: «جنود»، و «خروج».
* * * [1] الحسل: ولد الضبّ، وقيل: ولد الضبّ حين يخرج من بيضته. (لسان العرب 11/ 151 (حسل)).
[200] التخريج: البيت لخالد بن أبي فهر في شرح أبيات سيبويه 2/ 386وبلا نسبة في المقتضب 2/ 197.
اللغة: تنكفت: ترجع إلى أحجارها.
المعنى: يصف قوما بأنّهم يجودون إذا أجدب الزمان، واشتد البرد وانجحرت الأفاعي خوفا من الصقيع والجليد.
الإعراب: «كرام»: خبر لمبتدأ محذوف. «حين»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (كرام).
«تنكفت»: فعل مضارع مرفوع. «الأفاعي»: فاعله مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل. «إلى أجحارهن»:
جار ومجرور متعلقان ب (تنكفت)، وهن: مضاف إليه. «من الصقيع»: جار ومجرور متعلقان ب (تنكفت).
وجملة «هم كرام»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تنكفت الأفاعي»: مضاف إليها محلّها الجر.
والشاهد فيه: جمع (جحر) على (أجحار) جمع قلة، أما الجحرة فهي جمع كثرة.(2/483)
والمضعّف يجيء على «فعال» لأنّهم يكرهون التضعيف والضمّ وذلك قولك:
«خفّ» و «خفاف»، و «قفّ» و «قفاف». وأمّا ما جاء منه مثل: «جحر» و «جحرة»، و «حبّ» و «حببة» فبمنزلة «فقعة» في بابه، و «حسلة» في بابه. وسنذكر كلّ ما خرج من شيء من هذه الأبواب عن أصله إن شاء الله.
* * * أمّا ما كان من «فعل» من بنات الياء والواو، فإنّه إذا أريد به أدنى العدد، جمع على «أفعال» كراهية للضمّ في الواو والياء لو قلت «أفعل»، وذلك قولك: «ثوب» و «أثواب»، و «سوط» و «أسواط». والياء نحو: «بيت» و «أبيات»، و «شيخ» و «أشياخ»، و «قيد» و «أقياد».
فإذا جاوزت أدنى العدد، كانت بنات الواو على «فعال» كراهية ل «فعول» من أجل الضمّة والواو وذلك قولك: «سوط» و «سياط»، و «حوض» و «حياض»، و «ثوب» و «ثياب».
وكانت بنات الياء على «فعول» لئلّا تلتبس إحداهما بالأخرى، وكانت الضمّة مع الياء أخفّ وذلك قولك: «بيت» و «بيوت»، و «شيخ» و «شيوخ»، و «قيد» و «قيود».
فأمّا قولهم في «عين»: «أعين» فإنّه جاء على الأصل مثل: «كلب» و «أكلب» و «أعيان» على الباب كما قال الشاعر [من الطويل]:
ولكنّما أغدو عليّ مفاضة ... دلاص كأعيان الجراد المنظّم [1]
وقال الآخر [من البسيط]:
[201] فقد أروع قلوب الغانيات به ... حتّى يملن بأجياد وأعيان
[1] تقدّم بالرقم 37.
[201] التخريج: البيت لرومي بن شريك الضبي في نوادر أبي زيد ص 22وبلا نسبة في المنصف 3/ 51.
اللغة: الغانية المستغنية بجمالها الخلقي عن أدوات الزينة الأخرى.
المعنى: يريد أنّه قد يخيف الحسناوات بهذا الذي يتحدث عنه، فيقبلن عليه بكل ما لديهن من مفاتن الجمال من أعين نجل، وأجياد طوال.
الإعراب: فقد: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «قد»: حرف تكثير عند بعضهم في مثل هذا السياق، لأنه(2/484)
وإذا اضطرّ شاعر، جاز أن يقول في جميع هذا «أفعل» لأنّه الأصل كما قال الشاعر [من الرجز]:
لكلّ عيش قد لبست أثوبا [1]
* * * وما كان من الصحيح على «فعل» فإنّ باب جمعه «أفعال» نحو: «جمل» و «أجمال»، و «قتب» و «أقتاب»، و «صنم» و «أصنام»، و «أسد» و «آساد». قال الشاعر [من الرجز]:
[202] آساد غيل حين لا مناص
سياق فخر. أروع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنا). قلوب: مفعول به. الغانيات:
مضاف إليه. به: جار ومجرور متعلقان ب (أروع). حتى: حرف غاية وجر. يملن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، و «النون»: فاعل، والفعل في محل نصب ب (أن) مضمرة بعد (حتى)، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يملن) مجرور ب (حتى)، والجار والمجرور متعلقان ب (أروع). بأجياد:
جار ومجرور متعلقان ب (يملن). وأعيان: «الواو»: حرف عطف، «أعيان»: معطوف على (أجياد).
وجملة «أروع»: بحسب الفاء. وجملة «يملن»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (أجياد) و (أعيان)، والأولى جمع (جيد) والثانية جمع (عين)، وفي ذلك شاهد على أن وزن (فعل) اليائي العين يجمع على (أفعال).
[1] تقدم بالرقم 6.
[202] التخريج: البيت لعلي بن أبي طالب في ديوانه ص 115.
اللغة: الآساد جمع أسد، والمناص هنا: المنجاة، والغيل: موضع الأسد، والشجر الكثير الملتف.
المعنى: يريد أنّه سيقاتل ابن العاص برجال أشداء، وقوا خيولهم وجمالهم خطر الأسود الضاربة في أكثر الأماكن خطرا وخوفا.
الإعراب: آساد: بالنصب مفعول به لفعل (جنّب) المذكور في بيت سابق، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هؤلاء. غيل: مضاف إليه. حين: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل (جنّبوا).
لا: نافية. مناص: مضاف إليه مجرور، والمضاف هو (حين) ف (لا) النافية ليس لها الصدارة، أي أنّ ما قبلها يعمل فيما بعدها نحو جئت بلا زاد.
والشاهد فيه قوله: أن (فعلا) الاسم الصحيح يجمع أحيانا على (أفعال) كقول الشاعر: (آساد) جمعا ل (أسد)، وأصله (أأساد).(2/485)
فهذا باب جمعه وقد يجيء على «فعول» نحو: «أسود»، وكذلك «فعال» نحو:
«جمال»، ويجيء على «فعلان» نحو: «خرب» [1] و «خربان» وعلى «أفعل» نحو:
«أجبل» و «أزمن». قال الشاعر [من البسيط]:
[203] إنّي لأكني بأجبال عن أجبلها ... وباسم أودية عن ذكر واديها
وقال الآخر [من الطويل]:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع [2]
فيخرج إلى ضروب من الجمع منها «فعلان» كقولك: «حمل» و «حملان»، وكذلك «فعلان» كقولك: «ورل» [3] و «ورلان».
فأمّا الباب والأصل فما صدّرنا به.
* * * وكذلك «فعل» بابه «أفعال»، لأنّه ك «فعل» في الوزن وإن خالفه في حركة الثاني نحو: «كتف» و «أكتاف»، و «فخذ» و «أفخاذ» و «كبد» و «أكباد».
[1] الخرب: ذكر الحبارى، وقيل: هو الحبارى كلها. والخرب من الفرس: الشعر المختلف وسط مرفقه.
(لسان العرب 1/ 349 (خرب)).
[203] التخريج: البيت بلا نسبة في الأغاني 5/ 302، 304، 305والخصائص 3/ 59، 316.
المعنى: يريد أنه سيعرض عن ذكر ما يوحي بأنه يتحدّث عنها كتما لسر أمرها.
الإعراب: «إني»: حرف مشبه بالفعل، و «الياء»: اسمه. لأكني: «اللام»: المزحلقة للتوكيد، «أكني»: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة، فاعله مستتر وجوبا تقديره (أنا). بأجبال: جار ومجرور متعلقان ب (أكني). عن أجبلها: جار ومجرور متعلقان ب (أكني) أيضا، و «ها»: مضاف إليه. وباسم: «الواو»:
حرف عطف، «باسم»: جار ومجرور متعلقان ب (أكني) المحذوف. أودية: مضاف إليه. عن ذكر: جار ومجرور متعلقان ب (أكني) المحذوف. واديها: مضاف إليه، و «ها»: مضاف إليه.
وجملة «إني لأكني»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أكني»: خبر (إن) محلها الرفع، وعطف جملة «أكني» المحذوفة لدلالة السابقة عليها.
والشاهد فيه قوله: أن (فعلا) اسما صحيحا يجمع على (أفعال)، وعلى (أفعل) فقد جمع الشاعر (جبلا) على (أجبال) وعلى (أجبل).
[2] تقدّم بالرقم 188.
[3] الورل: دابّة على خلقة الضبّ إلّا أنه أعظم منه، يكون في الرمال والصحاري. (لسان العرب 11/ 724 (ورل)).(2/486)
وتخرج إلى «فعول» نحو: «كبود» و «كروش». وهو أقلّ من «فعل» فالأصل ألزم.
* * * ويكون كذلك «فعل» نحو: «عضد» و «أعضاد»، و «عجز» و «أعجاز». ويخرج إلى «فعال» نحو: «رجل» و «رجال»، و «سبع» و «سباع» كما قالوا: «جمال»، ونحوه.
ولم يقولوا: «أرجال». لقولهم في أدنى العدد: «رجلة».
ومن كلامهم الاستغناء عن الشيء بالشيء حتّى يكون المستغنى عنه مسقطا.
ولو احتاج شاعر، لجاز أن يقول في «رجل»: «أرجال»، وفي «سبع»: «أسباع»، لأنّه الأصل.
وقد يكون البناء في الأصل للأقلّ فيشركه فيه الأكثر كما تقول: «أرسان»، و «أقتاب» فلا يكون جمع غيره.
وقد يكون البناء للأكثر، فيشركه الأقلّ كما تقول: «شسوع»، و «سباع»، فيكون لكلّ الأعداد.
وإنّما اختلف الجمع لأنّها أسماء، فيقع الاختلاف في جمعها كالاختلاف في أفرادها.
إلّا أنّا ذكرنا الباب لندلّ على ما يلزم طريقة واحدة، والسبب في اختلاف ما فارقها.
* * * ويكون على «فعل»، فيلزمه «أفعال»، لأنّه في الوزن بمنزلة ما قبله وإن اختلفت الحركات وذلك قوله: «ضلع» و «أضلاع»، و «عنب» و «أعناب». وهذا قليل جدّا.
وقد خرج إلى «فعول»، كما قالوا: «أسود»، و «نمور» وذلك قولك: «ضلع» و «ضلوع».
ويكون على «أفعل»، كما جاء: «أزمن»، و «أجبل» وذلك قولك: «أضلع».
* * * فأمّا ما كان على «فعل»، فإنّه ممّا يلزمه «أفعال»، ولا يكاد يجاوزها وذلك قولك:
«عنق» و «أعناق»، و «طنب» و «أطناب»، و «أذن» و «آذان».
وقد يجيء من الأبنية المتحرّكة والساكنة من الثلاثة جمع على «فعل» وذلك قولك:
«فرس ورد»، و «خيل ورد»، و «رجل ثطّ»، و «قوم ثطّ». وتقول: «سقف» و «سقف».
وإن شئت حرّكت كما قال الله عزّ وجلّ: {لَجَعَلْنََا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمََنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً} (1).(2/487)
«فرس ورد»، و «خيل ورد»، و «رجل ثطّ»، و «قوم ثطّ». وتقول: «سقف» و «سقف».
وإن شئت حرّكت كما قال الله عزّ وجلّ: {لَجَعَلْنََا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمََنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً} (1).
وقالوا: «رهن» و «رهن». وكان أبو عمرو يقرؤها: {فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2) ويقول: لا أعرف الرهان إلّا في الخيل. وقد قرأ غيره {فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ}. ومن كلام العرب المأثور: غلقت الرّهان بما فيها [3].
وقالوا: «أسد» و «نمر»، قال الشاعر [من الرجز]:
[204] فيها عيائيل أسود ونمر
* * * فأمّا «فعل» فلم يأت منه إلّا القليل. قالوا: «إبل» و «آبال»، و «إطل» و «آطال».
فهذا حكم المتحرّكة من الثلاثة إلّا «فعلا» فإنّ له نحوا آخر لخروجه عن جميع المتحرّكات، وأنّه ما عدل عن فاعل فإليه يعدل، فله نحو آخر.
فأمّا غير هذا من الأبنية، نحو: «فعل» فإنّه ليس في شيء من الكلام. وكذلك «فعل» لا يكون في الأسماء، إنّما هو بناء مختصّ به الفعل الذي لم يسمّ فاعله نحو: «ضرب»
__________
(1) الزخرف: 33.
(2) البقرة: 278.
[3] في مجمع الأمثال 2/ 67: «غلق الرهن بما فيه». يضرب لمن وقع في أمر لا يرجو خلاصا منه.
[204] التخريج: الرجز لحكيم بن معيّة في شرح أبيات سيبويه 2/ 397ولسان العرب 5/ 234 (نمر) والمقاصد النحوية 4/ 586وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 310، 370وشرح ابن الحاجب 3/ 132وشرح الأشموني 3/ 829وشرح شواهد الشافية ص 376وشرح المفصل 5/ 18، 10/ 92 والكتاب 3/ 574ولسان العرب 11/ 489 (عيد) والممتع في التصريف 1/ 344.
اللغة: العيائيل: ج العيّل، وهو أحد العيال، والمراد به أشبال السباع.
الإعراب: «فيها»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم. «عيائيل»: مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمّة، وهو مضاف. «أسود»: مضاف إليه مجرور. «ونمر»: الواو: حرف عطف، و «نمر»: معطوف على «أسود» مجرور بالكسرة، وسكّن للضرورة.
الشاهد فيه قوله: «نمر»، وللعلماء فيه ثلاثة أوجه: أوله: أنّه «فعل»، وثانيها أنّ أصله «نمور» على «فعول»، ثم اقتطع بحذف الواو، وثالثها أنّ أصله «نمر» ثمّ وقف عليه بنقل حركة آخره إلى ما قبلها أو أتبع ثانية لأوّله. وفي البيت شاهد آخر للنحاة هو قوله: «عيائيل» حيث أبدلت الهمزة من الياء مع كونها مفصولة من آخر الكلمة بحرف، وهو ياء الإشباع.(2/488)
و «قتل». إلّا أن يكون ساكن الوسط نحو: «ردّ» و «قيل». فهو بمنزلة «كرّ»، و «فيل»، وما أشبه ذلك.
* * * فأمّا «فعل» فإنّ جمعه اللازم له «فعلان» وذلك قولك: «صرد» [1] و «صردان»، و «نغر» [2] و «نغران»، و «جعل» [3] و «جعلان». هذا بابه.
وقد جاء منه شيء على «أفعال». شبّه بسائر المتحرّكات من الثلاثة وذلك: «ربع» [4] و «أرباع»، و «هبع» [5] و «أهباع». فهذا الذي ذكرت لك من اختلاف الجمع بعد لزوم الشيء لبابه إذ كان مجازه مجاز الأسماء، وكانت الأسماء على ضروب من الأبنية.
* * * وأمّا ما كان من المعتلّ متحرّكا نحو: «باب»، و «دار»، و «قاع»، و «تاج» فإنّ أدنى العدد في ذلك أن تقول فيه: «أفعال» نحو: «باب» و «أبواب»، و «تاج» و «أتواج»، و «جار» و «أجوار»، و «قاع» و «أقواع». فأمّا «دار» فإنّهم استغنوا بقولهم: «أدور» عن أن يقولوا: «أفعال» لأنّهما لأدنى العدد. والمؤنّث يقع على هذا الوزن في الجمع ألا تراهم قالوا: «ذراع» و «أذرع»، و «كراع» و «أكرع»، و «شمال» و «أشمل»، و «لسان» و «ألسن».
ومن ذكّر «اللسان» قال: «ألسنة»، ومن أنّثها قال: «ألسن»، وكذلك «نار» و «أنور»، قال الشاعر [من الطويل]:
[205] فلمّا فقدت الصوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبّت بالعشاء وأنور
[1] الصرد: طائر فوق العصفور. (لسان العرب 3/ 249 (صرد)).
[2] النغر: طائر يشبه العصفور. (لسان العرب 5/ 223 (نغر)).
[3] الجعل: دابّة سوداء. (لسان العرب 11/ 112 (جعل)).
[4] الرّبع: الفصيل الذي ينتج في الربيع، وهو أول النتاج. (لسان العرب 8/ 105 (ربع)).
[5] الهبع: الفصيل الذي ينتج في الصيف، وقيل: الفصيل الذي فصل في آخر النتاج، وقيل: هو الذي ينتج في حمّارة القيظ. (لسان العرب 8/ 366 (هبع)).
[205] التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 96وخزانة الأدب 5/ 318وشرح شواهد الإيضاح ص 512وشرح المفصل 10/ 11وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 2/ 304.
اللغة: شبّت: أشعلت.
المعنى: يريد أنّه لمّا اطمأن إلى أن أهل حبيبته ناموا أقبل عليها في ديارهم.(2/489)
فإذا جاوزت أدنى العدد فإنّ بابه «فعلان» وذلك قولك: «نار» و «نيران»، و «قاع» و «قيعان»، و «تاج» و «تيجان». فهذا الأصل، وما دخل بعد، فعلى جهة التشبيه الذي وصفت لك.
* * * وأمّا قولهم: «الفلك» للواحد و «الفلك» للجميع فإنّه ليس من قولهم: «شكاعى [1] واحدة» و «شكاعى كثير»، و «بهمى [2] واحدة» و «بهمى كثير». ولكنّهم يجمعون ما كان على «فعل» كما يجمعون ما كان على «فعل» لكثرة اشتراكهما ألا تراهم يقولون: «قلفة» [3]، و «قلفة»، و «صلعة» و «صلعة»، ويلتقيان في أمور كثيرة:
فمن قال: في «أسد»: «آساد»، قال في «فلك»: «أفلاك» كما تقول في «قفل»:
«أقفال».
ومن قال في «أسد»: «أسد»، لزمه أن يقول في جمع «فلك»: «فلك». ونظير هذا مما عدده أربعة أحرف قولك: «دلاص» [4] للواحد و «دلاص» للجمع، و «هجان» [5] للواحد و «هجان» للجمع، وذاك لأنّه إذا قال في جمع «فعيل»: «أفعلة» قال في جمع «فعال»:
الإعراب: فلما: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «لمّا»: ظرفية حينية مبنية على السكون في محل نصب، فيها معنى الشرط عند بعضهم. فقدت: فعل ماض، و «التاء»: فاعله. الصوت: مفعول به. منهم: جار ومجرور متعلقان بحال من (الصوت). وأطفئت: فعل ماض مبني للمجهول، و «التاء»: للتأنيث. مصابيح:
نائب فاعل مرفوع. شبّت: فعل ماض مبني للمجهول، و «التاء» للتأنيث، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). بالعشاء: جار ومجرور متعلّقان ب (شبّت). وأنور: «الواو»: حرف عطف. أنور: معطوف على (مصابيح).
وجملة «فقدت»: مضاف إليها محلها الجر. وجملة «أطفئت مصابيح»: معطوفة على (فقدت). وجملة «شبّت»: صفة ل (مصابيح) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أنه ما كان على (فعل) معتل العين يجمع على (أفعل) فقد جمع الشاعر (نارا) على (أنور).
[1] الشّكاعى: نبت، وشجرة صغيرة ذات شوك. (لسان العرب 8/ 185 (شكع)).
[2] البهمى: نبت تجد به الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر. (لسان العرب 12/ 60 (بهم)).
[3] القلفة: الفولة، وجلدة الذكر التي ألبستها الحشفة. (لسان العرب 9/ 290 (قلف)).
[4] الدلاص من الدروع: الليّنة. (لسان العرب 7/ 37 (دلص)).
[5] الهجان من الإبل: البيض الكرام. (لسان العرب 13/ 431 (هجن)).(2/490)
«أفعلة»، نحو: «رغيف» و «أرغفة»، و «جريب» و «أجربة». فيقول على هذا: «مداد» و «أمدّة»، و «زمام» و «أزمّة»، و «عقال» و «أعقلة».
فإذا قال في «فعيل»: «فعال» نحو: «كريم» و «كرام»، و «ظريف» و «ظراف» لزمه أن يقول في «دلاص»: «دلاص»، وفي «هجان»: «هجان»، إذا أراد الجمع. ويدلّك على أنّه ليس كمثل: «شكاعى» واحدة و «شكاعى» جمع قولهم: «دلاصان»، و «هجانان». قال الشاعر [من الطويل]:
[206] ألم تعلما أنّ الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا
يريد: «من شمائلي». فجمع «فعالا» على «فعال». وقال الآخر [من الطويل]:
[207] أبى الشّتم أنّي قد أصابوا كريمتي ... وأن ليس إهداء الخنا من شماليا
فهذا ما ذكرت لك من لواحق الجمع. وإنّما الباب ما صدّرنا به في جميع ذلك.
* * * [206] التخريج: البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في الأغاني 16/ 259وخزانة الأدب 2/ 197وسرّ صناعة الإعراب 2/ 612وشرح اختيارات المفضّل ص 767وشرح شواهد الإيضاح ص 575وشرح شواهد الشافية ص 135ولسان العرب 11/ 365 (شمل) (وروي العجز في الصفحة نفسها لجرير، ولم أقع عليه في ديوانه) وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 108وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 136.
اللغة: الشّمال: الطبع، يرى بعضهم أنه يكون للمفرد وللجمع، وأراد به الشاعر هنا الجمع.
المعنى: يقول لصاحبيه ألا تدركان أنّ الملامة قليلة النفع، وليس لوم إخواني من سجاياي.
الإعراب: ألم: الهمزة: حرف استفهام، «لم»: حرف نفي وقلب وجزم. تعلما: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، وألف الاثنين: فاعل. أنّ: حرف مشبه بالفعل، الملامة: اسمه. نفعها: مبتدأ، و «ها»:
مضاف إليه. قليل: خبر المبتدأ (نفعها). وما: «الواو»: استئنافية، «ما»: نافية عاملة عمل (ليس). لومي:
اسم (ما) وياء المتكلم: مضاف إليه. أخي: مفعول به للمصدر (لومي)، وياء المتكلم: مضاف إليه. من شماليا: جار ومجرور متعلقان بخبر (ما) المحذوف، و «ياء» المتكلم: مضاف إليه مبني على الفتح محله الجر، والألف للإطلاق.
وجملة «تعلما»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «نفعها قليل»: خبر (أنّ) محلها الرفع. وجملة «ما لومي أخي من شمالي»: استئنافية لا محل لها. والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها سدّ مسدّ مفعولي (تعلما).
والشاهد فيه: جمع (فعال) على (فعال)، فقد جمع الشاعر (شمالا) على (شمال).
[207] التخريج: البيت لصخر بن عمرو بن الشريد في جمهرة اللغة ص 570وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1093ولسان العرب 11/ 365 (شمل)، 12/ 513 (كرم).(2/491)
واعلم أنّ هذه المخلوقات أجناس، وبابها ألّا يكون بين واحدها وجمعها إلّا «الهاء» وذلك قولك: «برّة» و «برّ»، و «شعيرة» و «شعير»، و «حصاة» و «حصى»، وكذلك «سمكة» و «سمك»، و «بقرة» و «بقر»، و «طلحة» و «طلح»، و «شجرة» و «شجر»، و «نخلة» و «نخل».
فإن كان مما يعمله الناس لم يجر هذا المجرى. لا يقع مثل هذا في: «جفنة»، و «صحفة»، و «قصعة».
وقد يقولون في مثل: «سدرة» و «سدر» و «درّة» و «درّ»: «سدر» و «درر». فالباب ما ذكرت لك. ولكن شبّه للوزن ب «ظلمة» و «ظلم»، و «كسرة» و «كسر». قال الشاعر [من المنسرح]:
[208] كأنّها درّة منعّمة ... في نسوة كنّ قبلها دررا
اللغة: الكريمة هنا بمعنى الكرم، والخنا: الكلام القبيح.
المعنى: ما منعني أن أشتم هؤلاء هو أنهم قد نالوا من كرمي ما نالوا، وأنه ليس من خصالي التفوّه بالكلام القبيح.
الإعراب: أبى: فعل ماض. الشتم: مفعول به. أني: حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم: اسم (أنّ). قد: حرف تحقيق. أصابوا: فعل ماض، وواو الجماعة: فاعله، والألف: للتفريق. كريمتي:
مفعول به، وياء المتكلم: مضاف إليه. والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها، فاعل للفعل (أبى).
«وأن»: «الواو»: حرف عطف، «أن»: مخففة من (أنّ) اسمها ضمير الشأن المحذوف. ليس: فعل ماض ناقص. إهداء: اسم (ليس) مرفوع. الخنا: مضاف إليه. من شماليا: جار ومجرور متعلقان بخبر ليس، وياء المتكلم: مضاف إليه مبني على الفتح، و «الألف»: للإطلاق، والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها معطوف على المصدر المؤول السابق.
وجملة «أبى الشّتم إصابتهم»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أصابوا»: خبر (أن) محلها الرفع. وجملة «ليس إهداء الخنا من شماليا»: خبر (أن) محلها الرفع.
والشاهد فيه: كالذي في البيت السابق.
[208] التخريج: البيت للربيع بن ضبع (أو: صبح) الفزاري في شرح شواهد الإيضاح ص 531 وخزانة الأدب 7/ 387ولسان العرب 4/ 282 (درر) وبلا نسبة في نوادر أبي زيد ص 159.
المعنى: يصف ميّة بأنها جميلة أنيقة منعمة سليلة جميلات أنيقات منعمات.
الإعراب: كأنّها: حرف مشبه بالفعل، و «ها»: اسمه. درة: خبره مرفوع. منعمة: صفة ل (درّة).
في نسوة: جار ومجرور متعلقان ب (منعمة)، أو بصفة ثانية ل (درة). كنّ: فعل ماض ناقص، و «نون»:
النسوة اسم (كان). قبلها: مفعول فيه منصوب بالفتحة متعلق ب (دررا) لما فيها معنى المشتق (جميلات)، و «ها»: مضاف إليه. دررا: خبر (كان) منصوب.(2/492)
وكذلك: «تومة» و «توم»، وإن لم يكن مرئيّا محدودا بالبصر، قال الشاعر [من الوافر]:
[209] وكنّا كالحريق أصاب غابا ... فيخبو ساعة ويهبّ ساعا
والأربعة في هذا بمنزلة الثلاثة، زوائد كانت أو بغير زوائد. تقول فيما كان بغير زوائد: «جعثنة» و «جعثن» [1]، و «خمخمة» و «خمخم» [2]، و «قلقلة» و «قلقل» [3].
وفي الزوائد نحو: «شعيرة» و «شعير»، و «قبيلة» و «قبيل»، وما ذكرت لك من قليل هذا يدلّ على كثير.
* * * وجملة «كأنّها درة»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «كن قبلها دررا»: صفة ل (نسوة) محلها الجر.
والشاهد فيه: أن اسم الجنس إذا كان من المخلوقات التي لا بدّ للإنسان في جمعها فواحده يكون بالتاء كقوله (درّة) في (درّ) و (درر).
[209] التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص 34وشرح أبيات سيبويه 2/ 330ولسان العرب 8/ 169 (سوع) وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 587.
اللغة: الغاب: الشجر الكثير الملتف. يخبو: يسكن.
المعنى: وصف قومه بني تغلب في محاربتهم لبكر بأنهم كالحريق الذي انتشر في أشجار ملتفة، لذلك فهو لا يلبث أن يخبو حتى يثور ثانية.
الإعراب: «وكنا»: الواو: بحسب ما قبلها، «كنا»: فعل ماض ناقص مبني على السكون، و «نا»:
ضمير المتكلمين اسم «كان». «كالحريق»: الكاف: اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب خبر (كان). «الحريق»: مضاف إليه. «أصاب»: فعل ماض مبني على الفتح، فاعله مستتر جوازا تقديره (هو).
«غابا»: مفعول به. «فيخبو»: الفاء: استئنافية، «يخبو»: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو). «ساعة»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (يخبو). «ويهبّ»:
الواو: حرف عطف، «يهبّ»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). «ساعا»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (يهبّ).
وجملة «كنا كالحريق»: بحسب الفاء. وجملة «أصاب»: حال من «الحريق» محلّها النصب، أو صفة له محلّها الجر. وجملة «يخبو»: استئنافية لا محل لها، وعطف عليها جملة (يهيج).
والشاهد فيه: جمع (ساعة) على (ساع) بحذف التاء في الجمع، وأكثر ما يجيء هذا في أسماء الأجناس.
[1] الجعثن: أرومة الشجر بما عليها من الأغصان إذا قطعت. (لسان العرب 13/ 88 (جعثن)).
[2] الخمخم: نبت تعلف حبّه الإبل، والشّقارى. (لسان العرب 12/ 191 (خمم)).
[3] القلقل: شجر أو نبت له حبّ أسود. (لسان العرب 11/ 567 (قلل)).(2/493)
هذا باب ما يجمع مما عدّة حروفه أربعة
أمّا ما كان من ذلك على «فعيل» فإنّ أدنى العدد «أفعلة». وذلك قولك: «قفيز» و «أقفزة» و «جريب» [1] و «أجربة»، و «رغيف» و «أرغفة». فإذا جاوزت أدنى العدد فإنّه يجيء على «فعل» وعلى «فعلان» نحو: «قضيب وقضب»، و «رغيف» و «رغف»، و «كثيب» و «كثب» ويقال أيضا: «رغفان» و «كثبان»، و «قضبان»، فهذا بابه.
وقد تكون الأسماء من هذا على «أفعلاء» نحو: «نصيب» و «أنصباء»، و «صديق» و «أصدقاء» لأنّه يجري مجرى الأسماء، و «خميس» و «أخمساء».
فإن كان مضاعفا أو معتلّا فهو يجري على «أفعلاء» أيضا كراهية أن تعتور الحركات حروف اللين، أو يذهب التشديد فيها، فيضاعف الحرف، وإنّما وقع الإدغام تخفيفا.
فالمضاعف نحو: «شديد» و «أشدّاء»، و «عزيز» و «أعزّاء»، و «حديد» و «أحدّاء»، من قولك: «هذا رجل حديد».
ويكون الوصف في ذلك كالاسم.
وأمّا ذوات الواو والياء فنحو: «نبيّ» و «أنبياء»، و «شقيّ» و «أشقياء»، و «غنيّ» و «أغنياء»، و «تقيّ» و «أتقياء».
ومن قال: «نبيء» فاعلم، قال: «نبئاء» لأنّ «فعيلا» إذا كان نعتا فمن أبواب جمعه:
[1] الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذراع والمسافة، وهو عشرة أقفزة، وقيل: هو قدر ما يزرع فيه من الأرض، وقيل: هو المزرعة. (لسان العرب 1/ 260 (جرب)).(2/494)
«فعلاء» نحو: «كريم» و «كرماء»، و «ظريف» و «ظرفاء»، و «جليس» و «جلساء». قال الشاعر [من الكامل]:
يا خاتم النبئاء إنّك مرسل ... بالحقّ كلّ هدى السبيل هداكا [1]
ويكون من جمعه: «فعال» نحو: «كريم» و «كرام»، و «ظريف» و «ظراف»، و «طويل» و «طوال».
فأمّا ما جمع في الأسماء على «فعلان» فنحو: «ظليم» و «ظلمان»، و «قضيب» و «قضبان»، فليس من أصل الباب. ولكنّه على ما ذكرت لك، وأخرجهم إلى ذلك أنّه في معنى «فعال» لأنّهما يقعان لشيء واحد. تقول: «طويل» و «طوال»، و «خفيف» و «خفاف»، و «سريع» و «سراع». قال الشاعر [من الرجز]:
[210] أين دريد وهو ذو براعه ... تعدو به سلهبة سراعه
و «ثوب رقيق» و «رقاق». وهذا أكثر من أن يحصى.
* * * وجمع «فعال» في أدنى العدد كجمع «فعيل». وكذلك كلّ ما كان على أربعة أحرف
[1] تقدم بالرقم 52.
[210] التخريج: الرجز لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص 186ولسان العرب 8/ 151 (سرع) ولامرأة ابن ناعصة في لسان العرب 11/ 149 (خدل) وبلا نسبة في المنصف 3/ 40.
اللغة: السّلهب والسلهبة من الخيل الطويل العظام الجسيم، والسّراعة: السريعة.
المعنى: يقول هل لي بدريد هذا الرجل المعروف بمهارته وحسن سياسته للفرس السريعة.
الإعراب: أين: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بالخبر، أو هو الخبر. دريد: خبر. وهو: «الواو»: استئنافية، «هو»: مبتدأ. ذو: خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة. براعة: مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكن للضرورة. تعدو: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل. به: جار ومجرور متعلقان ب (تعدو). سلهبة: فاعل. سراعة: صفة ل (سلهبة) مرفوع بضمة مقدرة على الهاء المسكّنة للضرورة.
وجملة «أين دريد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «هو ذو براعة»: استئنافية لا محل لها. وجملة «تعدو به سلهبة»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه: أن الصفة المشبهة قد تكون على (فعالة) فقد جاء في قول الشاعر (سراعة) ومعناها:
سريعة.(2/495)
وثالثه حرف لين. تقول: «غراب» و «أغربة»، و «ذباب» و «أذبّة». فإذا أردت الكثير قلت:
«غربان»، و «عقبان».
فأمّا «غلام» فيستغنى أن يقال فيه: «أغلمة» بقولهم: «غلمة» لأنّهما لأدنى العدد، ومجازهما واحد إلّا أنّك حذفت الزيادة. فإذا حقّرت «غلمة» فالأجود أن تردّه إلى بنائه فتقول: «أغيلمة»، وكذلك «صبية». ولو قلت: «صبيّة»، و «غليمة» على اللفظ كان جيّدا حسنا، كما قال الشاعر [من الرجز]:
[211] صبيّة على الدّخان رمكا ... ما إن عدا أكبرهم أن زكّا
يقال: «زكّ زكيكا»، إذا درج.
وقد قيل: «زقاق» و «زقّان». ولكن باب جمع «فعال» في العدد الكثير «فعلان» كما أنّ باب جمع «فعيل» «فعلان» نحو: «ظليم» و «ظلمان»، و «قضيب» و «قضبان»، فأدخل كلّ واحد منهما على صاحبه. فباب «فعيل» في الأسماء على ما وصفت لك.
وقد يجيء على «فعل» كما ذكرت لك «قضب»، و «رغف»، و «كثب». فأمّا قولهم: «جدد» و «سرر»، في جمع «جديد» و «سرير»، فإنّ الأصل والباب «جدد»،
[211] التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص 120ولسان العرب 12/ 440 (غلم)، 14/ 450 (صبا) والمقاصد النحوية 4/ 536.
اللغة: صبيّة: تصغير صبية. الرّمكة: لون كلون الرماد. عدا: جاوز. وزكّ زكيكا: دبّ وقارب الخطو.
المعنى: وصف صبية صغارا، الكبير فيهم لم يقارب الخطو، وصفهم بأنهم قد اغبروا، وتشعّثوا لشدة الزمان وكلب الشتاء والبرد، وتجمعهم حول النيران وملابستهم دخانها.
الإعراب: «صبيّة»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم. «على الدخان»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (صبيّة). «رمكا»: حال منصوب بالفتحة. «ما»: نافية مهملة. «إن»: زائدة. «عدا»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. «أكبرهم»: فاعل مرفوع، وهم: مضاف إليه محله الجر.
«أن»: حرف مصدري. «زكّ»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر جوازا تقديره: (هو) والألف:
للإطلاق.
وجملة «عدا أكبرهم»: صفة أخرى ل (صبيّة) محلها النصب. وجملة «زكّ»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: تصغيره (صبية) على (صبيّة) على لفظها، والأكثر في كلامهم (أصيبية) يردونه إلى (أفعلة) لاطراده في جمع (فعيل) إذا أرادوا أقلّ العدد.(2/496)
و «سرر». وإنّما فتح لكراهة التضعيف مع الضمّة.
واعلم أنّ «فعالا»، و «فعالا» و «فعالا»، و «فعيلا»، و «فعولا» ترجع في الجمع في أدنى العدد إلى شيء واحد، لأنّها مستوية في أنّها من الثلاثة، وأنّ ثالثها حرف لين ألا ترى أنّك تقول: «قذال» و «أقذلة»، و «غزال» و «أغزلة». وتقول: «غزلان» كما تقول في «غراب»: «غربان». وتقول: «قذل» كما تقول: «جرب»، و «كثب». وتقول في «عمود»:
«أعمدة»، و «عمد»، وفي «رسول»: «رسل». فمجرى هذا كلّه واحد. فإن ترك منه شيء ما، فللاستغناء عنه بغيره. فإن جاء منه شيء على غير المنهاج الذي وصفت لك، فعلى تسمية الجمع الذي ذكرنا.
فمن ذلك قولهم: «عمود» و «عمد»، و «أديم» و «أدم»، و «أفيق» [1] و «أفق».
* * * واعلم أنّه ما كان من الجمع على مثال «فعل» أو كان واحدا فإنّ الإسكان جائز كما جاز إسكان الحركة في «عضد» هربا من الضمّة وذلك قولك: «رسل»، و «رغف»، وما أشبه ذلك.
* * * واعلم أنّ قولهم: «فصيل» و «فصال»، و «قلوص» و «قلاص» إنّما جاء على وزن «فعال». و «فعال»، إنّما يكون جمع ما كان وصفا نحو: «كريم» و «كرام»، و «ظريف» و «ظراف»، و «نبيل» و «نبال» لأنّ ذلك في الأصل كان نعتا، وإن جرى مجرى الأسماء لأنّ «الفصيل» هو حدث المفصول من أمّه، و «القلوص» ما حدث ولم يسنن.
واعلم أنّ قولهم: «ظريف» و «ظروف» إنّما جمع على حذف الزائدة وهي الياء، فجاء على مثال: «فلوس» و «أسود»، وكذلك: «فلوّ» و «أفلاء»، و «عدوّ» و «أعداء». إنّما جاء على حذف الزيادة كقولهم: «عضد» و «أعضاد».
فهذا ما ذكرت لك من دخول الجمع بعضه على بعض.
[1] الأفيق: الجلد الذي لم يدبغ، وقيل: هو الأديم حين يخرج من الدباغ مفروغا منه وفيه رائحته. (لسان العرب 6/ 87 (أفق)).(2/497)
هذا باب جمع ما لحقته الهمزة في أوّله من الثلاثة
وذلك نحو: «أفكل» [1] و «أيدع» [2] و «إصبع» و «إثمد» [3] و «أبلم» [4]. فهذه الأسماء كلّها تجمع على «أفاعل» نحو: «أفاكل»، و «أصابع»، و «أبالم».
وكذلك «أفعل» الذي لا يتمّ نعتا إلّا بقولك: من كذا، يجري مجرى الأسماء. تقول:
«الأصاغر»، و «الأكابر».
وكلّ «أفعل» ممّا يكون نعتا سمّيت به فإلى هذا يخرج. تقول: «الأحامر»، و «الأحامس»، وما كان من هذا للآدميين، لم يمتنع من الواو والنون كما قال الله عزّ وجلّ: {قََالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (5) و {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} (6)
فهذا كلّه على هذا.
ومؤنث «أفعل» الذي يلزمه «من» يكون على «فعلى» نحو: «الأصغر» و «الصّغرى»، و «الأكبر» و «الكبرى»، و «الأمجد» و «المجدى».
وجمعه بالألف والتاء. تقول: «الصّغريات»، و «الكبريات»، وتكسّره على «فعل» لأنّ الألف في آخره للتأنيث فتكسّر على «فعل». فتقول: «الصّغرى» و «الصّغر»، و «الكبرى» و «الكبر»، كما تقول: «ظلمة» و «ظلم»، و «غرفة» و «غرف».
* * * [1] الأفكل: الرّعدة. (لسان العرب 11/ 529 (فكل)).
[2] الأيدع: الزعفران.
[3] الإثمد: حجر يتّخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل. (لسان العرب 3/ 105 (ثمد)).
[4] الأبلم: الخوصة. (لسان العرب 12/ 53 (بلم)).
__________
(5) الشعراء: 111.
(6) الكهف: 103.(2/498)
فإن كان «أفعل» نعتا مكتفيا، فإنّ جمعه على «فعل» ساكن الأوسط. وذلك قولك:
«أحمر» و «حمر»، و «أخضر» و «خضر»، و «أبيض» و «بيض»، فانكسرت الباء لتصحّ الياء ولو كان من الواو، لثبت على لفظه نحو: «أسود» و «سود»، و «أحوى» و «حوّ».
وكذلك مؤنثه. تقول: «حمراء» و «حمر»، و «صفراء» و «صفر».
فإن جعلت «أحمر» اسما، جمعته بالواو والنون، فقلت: «الأحمرون»، و «الأصفرون». وقلت في المؤنّث: «حمروات»، و «صفروات»، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«ليس في الخضراوات صدقة» لأنّه ذهب مذهب الاسم. و «الخضراوات» في هذا الموضع:
ما أكل رطبا، ولم يصلح أن يدّخر فيؤكل يابسا.
ولو سمّيت رجلا «أحمر»، لم يجز في جمعه «حمر» لأنّ هذا إنّما يكون جمعا لما كان نعتا، ولكن: «أحامر». فهذا جملة هذا الباب.
* * * وما كان من الأسماء على «فاعل» فكان نعتا، فإنّ جمعه «فاعلون» لأنّ مؤنّثه تلحقه الهاء، فيكون جمعه «فاعلات» وذلك قولك: «ضارب» و «ضاربون»، و «قائم» و «قائمون». والمؤنّث: «قائمة» و «قائمات»، و «صائمة» و «صائمات». فهكذا أمر هذا الباب.
فإن أردت أن تكسّر المذكّر، فإنّ تكسيره يكون على «فعّل»، وعلى «فعّال».
فأما «فعّل» فنحو: «شاهد» و «شهّد»، و «صائم» و «صوّم». و «فعّال» نحو:
«ضارب» و «ضرّاب»، و «كاتب» و «كتّاب».
ولا يجوز أن يجمع على «فواعل»، وإن كان ذلك هو الأصل لأنّ «فاعلة» تجمع على «فواعل». فكرهوا التباس البناءين وذلك نحو: «ضاربة» و «ضوارب»، و «جالسة» و «جوالس»، وكذلك جميع هذا الباب.
وقد قالوا: «فارس» و «فوارس» لأنّ هذا لا يكون من نعوت النساء. فأمنوا الالتباس، فجاؤوا به على الأصل.
وقد قالوا: «هالك» في «الهوالك» لأنّه مثل مستعمل. والأمثال تجري على لفظ واحد. فلذلك وقع هذا على أصله.
وإذا اضطرّ شاعر جاز أن يجمع «فاعلا» على «فواعل» لأنّه الأصل.
قال الشاعر [من الكامل]:(2/499)
وإذا اضطرّ شاعر جاز أن يجمع «فاعلا» على «فواعل» لأنّه الأصل.
قال الشاعر [من الكامل]:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار [1]
فأمّا قولهم: «عائذ» و «عوذ»، و «حائل» و «حول»، و «هالك» و «هلكى»، و «شاعر» و «شعراء»، فمجموع على غير بابه.
فأمّا ما كان من هذا على «فعل»، فإنّه جاء على حذف الزيادة، كما تقول: «ورد» و «ورد»، و «أسد» و «أسد».
وأمّا «هلكى» فإنّما جاء على مثال «فعيل» الذي معناه معنى المفعول لأنّ جمع ذلك يكون على «فعلى» نحو: «جريح» و «جرحى»، و «صريع» و «صرعى»، وكذلك جميع هذا الباب. فلمّا كان «هالك» إنّما هو بلاء أصابه كان في مثل هذا المعنى فجمع على «فعلى» لأنّ معناه معنى «فعيل» الذي هو مفعول. وعلى هذا قالوا: «مريض» و «مرضى»، لأنّه شيء أصابه وأنت لا تقول: «مرض» ولا «ممروض».
فأمّا قولهم: «شاعر» و «شعراء» فإنّما جاء على المعنى لأنّه بمنزلة «فعيل» الذي هو في معنى «الفاعل» نحو: «كريم» و «كرماء»، و «ظريف» و «ظرفاء». وإنّما يقال ذلك لمن قد استكمل الظّرف وعرف به. فكذلك جميع هذا الباب. فلما كان «شاعر» لا يقع إلّا لمن هذه صناعته، وكان من ذوات الأربعة بالزيادة، وأصله الثلاثة، كان بمنزلة «فعيل» الذي ذكرنا.
ف «فاعل» و «فعيل» من الثلاثة وفي [2] صنف من هذا زائدة وهي حرف اللين كما هي في الباب الذي هو مثله. فلذلك حمل أحدهما على الآخر.
وقد قالوا في «فعيل»: «شريف» و «أشراف»، و «يتيم» و «أيتام» على حذف الزيادة كما قالوا: «أقمار» و «أصنام».
وأمّا قولهم: «خادم» و «خدم»، و «غائب» و «غيب» فإنّ هذا ليس بجمع «فاعل» على صحّة. إنّما هي أسماء للجمع. ولكنّه في بابه، كقولك: «عمود» و «عمد»، و «أفيق» و «أفق»، و «إهاب» و «أهب».
[1] تقدم بالرقم 35.
[1] هنا كلام ساقط، وقال محمد عبد الخالق عضيمة: شبه سيبويه «فاعلا» ب «فعيل» في أنّ كلّا منهما يكون صفة، فيظهر أنّ الساقط هنا يدور حول هذا المعنى، وأنّ كلّا منهما فيه حرف لين زائد، ويجوز أن يكون الساقط لفظة «بنائهما».(2/500)
ولو قالوا: «فعل»، لكان من أبواب جمع «فاعل» كما أنّك لو قلت في «فعيل» و «فعول» وجميع بابهما: «فعل» لكان الباب نحو: «كتاب» و «كتب»، و «إهاب» و «أهب»، و «عمود» و «عمد»، وكذلك «كاتب» و «كتبة»، و «عالم» و «علمة»، و «فاسق» و «فسقة».
فإن كان «فاعل» من ذوات الواو والياء التي هما فيه لامان كان جمعه على «فعلة» لأنّ فيه معاقبة ل «فعلة» في الصحيح. وذلك قولك: «قاض» و «قضاة»، و «غاز» و «غزاة»، و «رام» و «رماة».
والمعتلّ قد يختصّ بالبناء الذي لا يكون في الصحيح مثله.
من ذلك أنّ المعتلّ يكون على مثل «فيعل»، ولا يكون مثل ذلك في الصحيح نحو:
«سيّد»، و «ميّت»، و «هيّن»، و «ليّن»، ونحو ذلك، ولا يكون في الصحيح إلّا «فيعل» نحو: «جيدر» [1]، و «صيرف».
ويجيء المصدر في المعتل على «فيعلولة». ولا يكون مثل هذا في الصحيح، وذلك نحو: «كينونة»، و «قيدودة»، و «صيرورة». فهذا ما ذكرت لك من أنّ المعتلّ يختصّ بالبناء الذي لا يكون مثله في الصحيح.
* * * [1] الجيدر: القصير. (لسان العرب 4/ 122 (جدر)).(2/501)
هذا باب جمع الأسماء التي هي أعلام من الثلاثة
اعلم أنّك لو سمّيت رجلا «عمرا» أو «سعدا» فإنّ أدنى العدد فيه «أعمر»، و «أسعد».
وتقول في الكثير: «عمور»، و «سعود» كما كنت قائلا: «فلس» و «أفلس» و «فلوس»، و «كعب» و «أكعب» و «كعوب». قال الشاعر [من الوافر]:
[212] وشيّد لي زرارة باذخات ... وعمرو الخير إذ ذكر العمور
[212] التخريج: البيت للفرزدق في لسان العرب 4/ 607 (عمر) وليس في ديوانه.
اللغة: شيّد: رفع، وطوّل، وأصل التشييد: تطويل البناء. والباذخ: العالي المشرف الطويل. زرارة، وعمرو: من بني دارم قوم الفرزدق.
المعنى: يفخر الفرزدق بقومه وبما ورث عنهم من المفاخر.
الإعراب: «وشيّد»: الواو: بحسب ما قبلها، «شيد»: فعل ماض مبني على الفتح. «لي»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (شيّد). «زرارة»: فاعل مرفوع. «باذخات»: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. «وعمرو»: الواو: حرف عطف، «عمرو»: معطوف على (زرارة) مرفوع بالضمة. «الخير»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «إذ»: مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محلّ نصب، متعلّق بما في إضافة (عمرو) إلى (الخير) من معنى النسب، لأنّ المعنى (وعمرو المنسوب إلى الخير، أو المحمود بالخير إذ ذكر العمور)، ويمكن تعليق (إذ) بحال من (الخير) والمعنى: وعمرو الخير مذكورا إذ ذكر العمور، والتعليق الأول أدق في التعبير عن المعنى. «ذكر»: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. «العمور»: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة «شيّد لي زرارة»: بحسب الواو. وجملة «ذكر العمور»: مضاف إليها محلها الجر.
والشاهد فيه: في جمع (عمرو) على (عمور)، والأكثر استعمالا هو الجمع السالم في الأعلام، أي:
عمرون هنا.(2/502)
وقال آخر [من الطويل]:
[213] رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك
فأمّا الجمع بالواو والنون، فهو لكلّ اسم معروف ليس فيه هاء التأنيث.
قال الشاعر [من الرجز]:
[214] أنا ابن سعد أكرم السّعدينا
فأمّا ما كان مثل «هند» فإنّ جمعه «هندات»، و «هندات»، و «هندات» كما قلت لك في مثل: «كسرة» في هذه اللغات لأنّ «هند»، اسم مؤنّث، فجمعتها بالتاء ولم تكن فيها هاء، وكذلك «قدر». ولو سمّيت بها مؤنّثا فأردت تكسيره، قلت: «أهناد»، و «هنود»: كما
[213] التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 57وشرح أبيات سيبويه 2/ 334ولسان العرب 3/ 217 (سعد) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 343، 644.
اللغة: الشّعوب: جمع شعب، وهو فوق القبيلة. وسعد بن مالك هو رهط طرفة من بكر بن وائل.
المعنى: يفخر طرفة برهطه سعد بن مالك، فيقول: عرفت كثيرين ممن سمّوا بسعد في مختلف الشعوب، ولكنني لم أعرف أفضل من سعدنا هذا سعدا.
الإعراب: «رأيت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل مبني على الضم في محل رفع.
«سعودا»: مفعول به منصوب بالفتحة. «من شعوب»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (سعودا). «كثيرة»:
صفة ل (شعوب) مجرورة بالكسرة. «فلم»: الفاء: حرف عطف، «لم»: حرف نفي وجزم وقلب. «أر»:
فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل مستتر وجوبا تقديره: (أنا). «سعدا»:
مفعول به منصوب. «مثل»: صفة ل (سعدا) منصوب. «سعد»: مضاف إليه مجرور. «ابن»: صفة ل (سعد) مجرورة بالكسرة. «مالك»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «رأيت»: ابتدائية لا محل لها، وعطف عليها جملة (لم أر).
والشاهد فيه: جمع (سعد) على (سعود)، والأكثر استعمالا هو الجمع السالم.
[214] التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص 191وشرح المفصل 1/ 47وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ص 460وشرح المفصل 1/ 46.
الإعراب: «أنا»: مبتدأ محله الرفع. «ابن»: خبر مرفوع بالضمة. «سعد»: مضاف إليه مجرور.
«أكرم»: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعظم أكرم. «السعدينا»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
وجملة «أنا ابن سعد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أعظّم أكرم السعدين»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: جمع (سعد) جمع مذكّر سالما وجرّه بالياء والنون.(2/503)
تقول: «جذع» و «أجذاع» و «جذوع». وفي «جمل»: «أجمال» و «جمول». قال الشاعر [من الوافر]:
[215] أخالد قد علقتك بعد هند ... فشيّبني الخوالد والهنود
فإن سمّيتها «جملا» و «حسنا»، قلت: «جملات» و «حسنات» كما تقول: «ظلمات» و «غرفات». وتقول: «جملات» و «حسنات» كما تقول: «ظلمات» و «غرفات»، وتقول:
«جملات»، و «حسنات»، كما تقول: «ظلمات»، و «غرفات».
فإن قيل في «هند»: «هند» مثل: «كسر» فكذلك: «جمل» و «حسن» مثل: «ظلم» و «غرف»، فجيّد بالغ.
ولو سمّيت امرأة أو رجلا «قدما»، لقلت: «أقدام» كما تقول: «أصنام» و «أجمال» لأنّ التكسير يجري في المذكّر والمؤنّث مجرى واحدا.
فإن أردت الجمع المسلّم، وعنيت مذكّرا، قلت: «قدمون» كما تقول: «في «حسن» (اسم رجل): «حسنون». وعلى ما بيّنت لك يجري في الجمع المسلّم المؤنّث. فكلّ ما كان
[215] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 319وشرح شواهد الإيضاح ص 293ولسان العرب 3/ 438 (هند) وبلا نسبة في المنصف 2/ 314.
اللغة: خالد: ترخيم خالدة، والخوالد: جمع خالدة، والهنود: جمع هند.
المعنى: يعبّر الشاعر عن كثرة النساء اللواتي تعلّق قلبه بهنّ، وقد شيّبه ما رآه منهن.
الإعراب: «أخالد»: الهمزة: حرف نداء، «خالد»: منادى مفرد علم مبني على الضم المقدر على التاء المحذوفة للترخيم، على لغة من ينتظر، ومبني على الضمّ الظاهر على الدال على لغة من اعتبر الحذف كأنه لم يكن، والأصل: أخالدة. «قد»: حرف تحقيق. «علقتك»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء:
فاعل محله الرفع، والكاف: مفعول به محله النصب. «بعد»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل (علقت). «هند»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «فشيبني»: الفاء: حرف عطف، «شيّبني»: فعل ماض مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به محله النصب. «الخوالد»: فاعل مرفوع بالضمة.
«والهنود»: الواو: حرف عطف، «الهنود»: معطوف على (الخوالد) مرفوع بالضمة.
وجملة «أخالد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «علقتك»: استئنافية لا محل لها. وجملة «شيبني الخوالد»: معطوفة على جملة (علقتك).
والشاهد فيه: جمع (خالدة) على (خوالد) وجمع (هند) على (هنود) والأكثر في كلامهم جمع التصحيح في العلم المذكر والمؤنث.(2/504)
يقع على شيء قبل التسمية، فإنّ تكسيره باق عليه إذا سمّيت به. فأمّا الجمع المسلّم فمنتقل بالتأنيث والتذكير.
ولو سمّيت امرأة «عبلة» أو «طلحة»، لقلت: «عبال» و «طلاح». ولم يجز أن تقول في «طلحة»: «طلح» لأنّ الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلّا الهاء إنّما يكون للأنواع كقولك: «تمرة» و «تمر»، و «سدرة» و «سدر»، و «شعيرة» و «شعير».
ولو سمّيت رجلا ب «فخذ»، لقلت في التكسير: «أفخاذ» كما كنت قائلا قبل التسمية به. فأمّا الجمع المسلّم ف «فخذون». فقس جميع ما يرد عليك بهذا، تصب إن شاء الله.
* * *
هذا باب ما كان اسما على «فاعل» غير نعت معرفة أو نكرة(2/505)
* * *
هذا باب ما كان اسما على «فاعل» غير نعت معرفة أو نكرة
اعلم أنّ ما كان من ذلك لآدميّين، فغير ممتنع من الواو والنون. لو سمّيت رجلا «حاتما» أو «عاصما»، لقلت: «حاتمون»، و «عاصمون». وإن شئت قلت: «حواتم» و «عواصم» لأنّه ليس بنعت فتريد أن تفصل بينه وبين مؤنّثه، ولكنّه اسم. فحكمه حكم الأسماء التي على أربعة أحرف.
وإن كان لغير الآدميّين لم تلحقه الواو والنون. ولكنّك تقول: «قوادم» في «قادم الناقة»، وتقول: «سواعد» في جمع «ساعد». هكذا جميع هذا الباب.
فإن قال قائل: فقد قال الله عزّ وجلّ في غير الآدميّين: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ} (1).
فالجواب عن ذلك: أنّه لمّا أخبر عنها بالسجود وليس من أفعالها، وإنّما هو من أفعال الآدميين أجراها مجراهم لأنّ الآدميّين إنّما جمعوا بالواو والنون، لأنّ أفعالهم على ذلك. فإذا ذكر غيرهم بذلك الفعل صار في قياسهم ألا ترى أنّك تقول: «القوم ينطلقون»، ولا تقول: «الجمال يسيرون».
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (2). لمّا أخبر عنها أنّها تفعل وإنّما حقيقتها أن يفعل بها فتجري كانت كما ذكرت لك.
__________
(1) يوسف: 4.
(2) الأنبياء: 33.(2/506)
ومن ذلك قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كََانُوا يَنْطِقُونَ} (1). إنّما ذلك لدعواهم أنّها فعّالة، وأنّها تعبد باستحقاق، وكذلك {لَقَدْ عَلِمْتَ مََا هََؤُلََاءِ يَنْطِقُونَ} (2)
ومثله: {قََالَتْ نَمْلَةٌ يََا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ} (3) لمّا جعلها مخاطبة ومخاطبة. وكلّ ما جاء من هذا فهذا قياسه. قال الشاعر [من الطويل]:
[216] تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
__________
(1) الأنبياء: 63.
(2) الأنبياء: 65.
(3) النمل: 18.
[216] التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص 4والحماسة البصرية 2/ 74وخزانة الأدب 8/ 78، 79، 84وشرح أبيات سيبويه 1/ 476وشرح شواهد المغني ص 782والصاحبي في فقه اللغة ص 250والكتاب 2/ 47ولسان العرب 6/ 355 (نعش) وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 370وشرح المفصل 5/ 105.
اللغة: التمزّز: المصّ القليل. بنو نعش: بنات نعش وهن سبع نجوم وسميت بذلك لأنها على هيئة النعش. تصوبوا: نزلوا، والتصوب: الانحدار.
المعنى: إنه يشرب الخمر قبيل طلوع الفجر، في الوقت الذي يصيح فيه الديك وفي الوقت الذي تدنو فيه بنات نعش للهبوط نحو الجهة التي تغيب فيها.
الإعراب: تمزّزتها: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والديك: الواو: حالية، «الديك»: مبتدأ مرفوع بالضمة. يدعو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة، والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
صباحه: مفعول به منصوب، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. إذا: ظرف زمان متعلق بالفعل (تمزّزت) غير متضمنة الشرط. ما: زائدة لا محل لها. بنو: فاعل مرفوع لفعل محذوف يفسره المذكور، وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. نعش: مضاف إليه مجرور بالكسرة. دنوا: فعل ماض مبني على ضم مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، وبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. فتصوبوا: الفاء:
حرف عطف، «تصوبوا»: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق.
وجملة «تمزّزتها»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «الديك يدعو»: حالية في محل نصب. وجملة «يدعو»: في محل رفع خبر للمبتدأ. وجملة «دنوا»: تفسيرية لا محل لها. وجملة «دنوا المحذوفة»: في محل جر بالإضافة. وجملة «تصوبوا»: معطوفة على جملة «دنوا»: لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «بنو نعش، دنوا، تصوبوا» حيث أتى الشاعر بالضمير الدال على جمع المذكر السالم وهو شاذ لأن الضمير هذا لا يؤتى به إلّا للعقلاء، وقد يستعمل لغيرهم إذا نزلوا منزلتهم.(2/507)
لما ذكرت من أنّه جعل الفعل لهذه الكواكب، وعلى هذا قال الشاعر [من الكامل]:
[217] حتّى يقيدك من بنيه رهينة ... نعش ويرهنك السّماك الفرقدا
فقال: «من بنيه» لمّا خبّر عنه بهذا الفعل.
* * * [217] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 281وسمط اللآلي ص 156ولسان العرب 13/ 89 (رهن).
اللغة: يقيد من قولهم: أقاده خيلا: أعطاه إياها.
المعنى: يريد أنه حلف ألّا يعطي خصمه الرهائن حتى ترهن هذا الخصم نجوم نعش أبناءها، أو أن يرهنه السماك الفرقد، والمعنى أن ذلك لا يكون لهذا الخصم أبدا.
الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. يقيدك: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد (حتى)، و «الكاف»: مفعول به، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يقيد) مجرور ب (حتى) والجار والمجرور متعلقان بالفعل (نعطي) في بيت سابق. من بنيه: جار ومجرور متعلقان بحال من (رهينة). وبنيه: مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، و «الهاء»: مضاف إليه. رهينة: مفعول به. نعش: فاعل. ويرهنك:
«الواو»: حرف عطف، «يرهنك»: كأعراب (يقيدك) فهو مثله. السّماك: فاعل. الفرقدا: مفعول به منصوب بالفتحة، و «الألف»: للإطلاق.
وجملة «يقيدك نعش»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها، وعطف عليها جملة (يرهنك السّماك).
والشاهد فيه: جعل (نعش) تقيد، كما جعل (السّماك) يرهن، وكأنهما مما يعقل، وذلك على المجاز، والتشبيه بمن يعقل.(2/508)
هذا باب ما كان على أربعة أحرف أصليّة أو فيها حرف زائد
اعلم أنّ جميعها كلّها يكون على مثال «مفاعل» في الوزن، وإن اختلفت مواضعها وحركاتها تقول في «جعفر»: «جعافر»، وفي «سلهب»: «سلاهب»، وفي «جدول»:
«جداول»، وفي «عجوز»: «عجائز»، وفي «أسود» إذا جعلته اسما: «أساود» كما قال الشاعر [من الطويل]:
[218] أسود شرى لاقت أسود خفيّة ... تساقت على لوح دماء الأساود
[218] التخريج: البيت للأشهب بن رميلة في أمالي القالي 1/ 8والحماسة البصرية 1/ 269 وخزانة الأدب 6/ 27وسمط اللآلي ص 35وشرح شواهد المغني 2/ 517ولسان العرب 3/ 146 (حرد)، 14/ 237 (خفا) ومعجم ما استعجم 2/ 506والمقاصد النحوية 1/ 483والمنصف 1/ 67 وبلا نسبة في الحيوان 4/ 245.
اللغة: الشرى: أرض في جهة اليمن، وهي مأسدة. خفية: اسم غيضة ملتفة الأشجار، وهي مأسدة أيضا. اللّوح: العطش. الأساود: جمع أسود، وهو العظيم من الحيات، وفيه سواد، وهو اسم له، ولو كان وصفا لجمع على (سود).
المعنى: يرثي الشاعر قوما ماتوا في يوم فلج، فيصفهم بالشجاعة، فقد كانوا في ذلك اليوم أسودا لاقت أسودا، وراح كل منهم يسقي الآخر من دم نظيره وخصمه.
الإعراب: أسود: مبتدأ. شرى: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا رسما. لاقت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره (هي). أسود: مفعول به. خفية:
مضاف إليه. تساقت: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة، والتاء: للتأنيث. على لوح:
جار ومجرور متعلقان ب (تساقت). دماء: مفعول به. الأساود: مضاف إليه.
وجملة «أسود شرى لاقت»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «لاقت»: خبر للمبتدأ (أسود) محلها الرفع، وكذلك جملة «تساقت» فهي خبر ثان.
والشاهد فيه: أن (أفعل) يجمع على (أفاعل) إن كان اسما لا صفة ف (أساود) جمع (أسود) وهو اسم علم لنوع من الحيات.(2/509)
وقالوا: «الأباطح» و «الأبارق» في جمع «الأبطح» [1] و «الأبرق» [2] لأنّهما وإن كانا نعتين قد أجريا مجرى الأسماء في معناها.
وكذلك «الأدهم» إذا عنيت الحيّة فهو غير مصروف. ولكنّه يجري مجرى الأسماء في معناه.
وكذلك «الأدهم» إذا عنيت القيد. قال الشاعر [من الطويل]:
[219] هو القين وابن القين لا قين مثله ... لفطح المساحي أو لجدل الأداهم
وكذلك ما ذكرت لك في التصغير جاء على مثال واحد أصليّا كان أو زائدا، اتّفقت حركاته أو اختلفت، إلّا في تصغير الترخيم، فإنّه يحذف منه الزوائد، ولا تحذف الأصول، وسنذكره لك في باب التصغير إن شاء الله.
* * * [1] الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. (لسان العرب 2/ 413 (بطح)).
[2] الأبرق: غلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة. (لسان العرب 10/ 16 (برق)).
[219] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 998ولسان العرب 2/ 546 (فطح)، 12/ 210.
(دهم).
اللغة: القين: الحدّاد. وفطح المسحاة: جعلها عريضة. والمساحي جمع مفردها مسحاة، وهي مجرفة من حديد يسوّى بها وجه الأرض. والأداهم: جمع مفرده أدهم، وهو القيد.
المعنى: يريد أن مهجوه وضيع ابن وضيع، فهو حدّاد ابن حداد ابن حداد، خبير بمعالجة الأدوات المصنوعة من الحديد.
الإعراب: هو: مبتدأ. القين: خبر. وابن: «الواو»: حرف عطف، «ابن»: معطوف على (القين).
القين: مضاف إليه. لا: نافية للجنس. قين: اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب. مثله: خبر (لا) مرفوع، و «الهاء»: مضاف إليه. لفطح: جار ومجرور متعلقان بحال من (مثله). المساحي: مضاف إليه مجرور. أو: حرف عطف. لجدل: جار ومجرور معطوفان على (لفطح). الأداهم: مضاف إليه.
وجملة «هو القين»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «لا قين مثله»: خبر ثان ل (هو) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أن ما كان على وزن (أفعل)، وهو اسم يجمع على (أفاعل) كجمع الشاعر (أدهم)، وهو القيد على (أداهم).(2/510)
هذا باب ما كان على خمسة أحرف كلّهن أصل
اعلم أنّك إذا أردت جمعه لم يكن لك بدّ من حذف حرف ليكون على مثال الجمع.
والحرف الذي تحذفه هو الحرف الأخير وذلك لأنّ الجمع يسلم حتّى ينتهي إليه، فلا يكون له موضع وذلك قولك في «سفرجل»: «سفارج»، وفي «فرزدق»: «فرازد»، وفي «شمردل» [1]: «شمارد»، وكذلك جميع هذا.
وقد يقال في «فرزدق»: «فرازق»، وليس ذلك بالجيّد وذلك لأنّ الدال من مخرج التاء. والتاء من حروف الزيادة. فلمّا كانت كذلك، وقربت من الطرف حذفوها. فمن قال ذلك لم يقل في «جحمرش» [2]: «جحارش» لتباعد الميم من الطرف. فهذا يجري مجرى الغلط. والباب ما ذكرت لك أوّلا.
واعلم أنّهم يتنكّبون جمع بنات الخمسة لكراهيتهم أن يحذفوا من الأصول شيئا. فإذا قالوه قالوه على ما ذكرت لك.
* * * [1] الشمردل: الفتيّ القويّ الجلد. (لسان العرب 11/ 372 (شمردل)).
[2] الجحمرش من النساء: الثقيلة السمجة، والعجوز الكبيرة، وقيل: العجوز الكبيرة الغليظة. ومن الإبل:
الكبيرة السن. (لسان العرب 6/ 272 (جحمرش)).(2/511)
هذا باب ما عدّته خمسة أحرف أو أكثر بزيادة تلحقه
فمن ذلك قولهم: «صحراء يا فتى»، فإذا جمعت قلت: «صحار» وكان الأصل «صحاريّ». وإن شئت أن تقوله قلته، وإن شئت أن تحذفه استخفافا فعلت. وإنّما جاز الإثبات لأنّ الألف إذا وقعت رابعة فيما عدّته خمسة أحرف ثبتت في التصغير والتكسير.
وإنّما تحذف إذا لم يوجد من الحذف بدّ. فتقول في «مفتاح»: «مفاتيح»، وفي «سرداح» [1]: «سراديح»، وفي «جرموق» [2]: «جراميق»، وفي «قنديل»: «قناديل». فلا تحذف شيئا.
* * * [1] السرداح: الناقة الطويلة، وجماعة الطلح، مكان ليّن ينبت النّجمة والنصيّ والعجلة. (لسان العرب 2/ 482 (سردح)).
[2] الجرموق: خفّ صغير، وقيل: خف صغير يلبس فوق الخف. (لسان العرب 10/ 35 (جرمق)).(2/512)
هذا باب ما كانت عدّته أربعة أحرف وفيه علامة التأنيث
أمّا ما كان من ذلك على «فعلة» فجماعه «فعال» إذا كان من غير الأنواع التي ذكرنا.
وذلك قولك: «صحفة» و «صحاف»، و «قصعة» و «قصاع»، و «جفنة» و «جفان».
وأمّا قولهم: «جفنة»، و «جفن»، و «ضيعة» و «ضيع»، فليس الباب، إنّما هي أسماء للجمع. وإنّما الكلام: «جفنات» و «جفان»، و «صحفات» و «صحاف»، و «ضيعات» و «ضياع».
فإن كان على أربعة أحرف، والعلامة التي فيه ألف التأنيث نحو: «حبلى»، و «ذفرى» [1]، و «دنيا»، فإنّ جمعه أن تقول في «حبلى»: «حبليات»، وفي «دنيا»:
«دنييات»، وفي «ذفرى»: «ذفريات». وكذلك هذا الباب أجمع.
وأمّا ما كان منه مؤنّثا من «أفعل» الذي تصف به: نحو: «هذا أفضل من زيد»، و «هذا أكبر من عمرو»، فإنّ تكسيره على «فعل». تقول: «الدّنيا» و «الدّنى»، و «القصيا» و «القصى». وكذلك إن قلت: «القصوى»، و «الكبرى» و «الكبر»، و «الصّغرى» و «الصّغر».
وإن لم يكن مؤنّثا ل «أفعل»، فإنّه يجمع على «فعالى» في وزن «فعالل»، كما قلت في «جعفر»: «جعافر»، وفي «جندب»: «جنادب». وذلك قولك في «حبلى»: «حبالى».
وكذلك «فعلى». تقول في «ذفرى»: «ذفارى».
وكذلك «فعلى». تقول في «أرطى» [2]: «أراطى».
* * * [1] الذفرى من الناس ومن جميع الدواب: من لدن المقذ إلى نصف القذال، وقيل: هو العظم الشاخص خلف الأذن، بعضهم يؤنثها، وبعضهم ينوّنها إشعارا بالإلحاق. (لسان العرب 4/ 307 (ذفر)).
[2] الأرطى: شجر من شجر الرمل، وألفه للإلحاق. (لسان العرب 7/ 255 (أرط)).(2/513)
هذا باب ما كان على خمسة أحرف وفيه زيادتان ملحقتان أو غير ملحقتين
اعلم أنّه ما كان كذلك ممّا استوت فيه زيادتان، فإنّك في حذف ما تشاء منهما مخيّر إذا كانتا متساويتين، إمّا ملحقتان وإمّا غير ملحقتين وذلك قولك: «حبنطى» [1]، و «دلنظى» [2] و «سرندى» [3]. فالنون زائدة وكذلك الألف، وهما ملحقتان بباب «سفرجل».
فإن شئت قلت: «حباط»، و «دلاظ»، و «سراد». وإن شئت قلت: «حبانط»، و «دلانظ»، و «سراند» لأنّ الألف في الزيادة كانون. وكذلك يكون هذا في التصغير.
ومن ذلك: «قلنسوة» لأنّ الواو والنون زائدتان وهي على مثال «قمحدوة» [4]. فإن شئت، قلت: «قلانس»، فحذفت الواو، وإن شئت: قلت: «قلاس» فحذفت النون.
وكذلك فعلهما، يقال: «تقلنس» و «تقلسى». والتصغير على هذا جرى.
فأمّا «جحنفل» [5] فليس فيه إلّا «جحافل». وكذلك «قرنفل» لا يجوز فيه إلّا «قرافل» لأنّه ليس هاهنا زيادة إلّا النون.
واعلم أنّ كلّ شيء حذفت منه، فالعوض فيه جائز. وهي ياء تلحق قبل آخره.
[1] الحبنطى: الممتلىء غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[2] الدلنظى: السمين من كلّ شيء. (لسان العرب 7/ 444 (دلنظ)).
[3] السرندى: الشديد، والجريء على أمره لا يفرق من شيء. (لسان العرب 3/ 212 (سرند)).
[4] القمحدوة: ما خلف الرأس. (لسان العرب 3/ 343 (قحد)).
[5] الجحنفل: الغليظ، والغليظ الشفتين. (لسان العرب 11/ 103 (جحفل)).(2/514)
وكذلك قولك في «سفرجل»: «سفاريج». وإن شئت قلت في «حبنطى»: «حباطيّ» إن حذفت النون وعوّضت. وإن حذفت الألف وعوّضت قلت: «حبانيط». والتصغير على هذا يجري.(2/515)
هذا باب ما تلحقه زائدتان إحداهما ملحقة والأخرى غير ملحقة
اعلم أنّك تجري الملحق مجرى الأصليّ في الجمع والتصغير: وذلك أنّ الملحق إنّما وضع بإزاء الأصليّ لتلحق الثلاثة بالأربعة والأربعة بالخمسة. وذلك قولك في مثل:
«مسحنكك» [1]: «سحاكك»، وفي «مقعنسس» [2]: «قعاسس» لأنّ الميم والنون لم تزادا لتلحقا بناء ببناء.
وكان سيبويه يقول في «مقعنسس»: «مقاعس». وهذا غلط شديد لأنّه يقول في «محرنجم» [3]: «حراجم». فالسين الثانية في «مقعنسس» بحذاء الميم في «محرنجم».
فإن قال قائل: إنّها زائدة. قيل له: فالميم زائدة أيضا، إلّا أنّ السين ملحقة بالأصول وليست الميم كذلك. إنّما هي الميم التي تلحق الأسماء من أفعالها ألا ترى أنّ من قال في «أسود»: «أسيود» قال في «جدول»: «جديول»، فأجرى الملحق مجرى الأصليّ.
* * * [1] المسحنكك: الشديد السواد. (لسان العرب 10/ 438 (سحك)).
[2] المقعنسس: الشديد، وقيل: المتأخّر. وجمل مقعنسس: يمتنع أن ينقاد. (لسان العرب 6/ 178 (قعس)).
[3] المحرنجم: المجتمع. (لسان العرب 12/ 130 (حرجم)).(2/516)
هذا باب التصغير وشرح أبوابه ومذاهبه
زعم المازنيّ عن الأصمعي أنّه قال: قال الخليل بن أحمد: وضعت التصغير على ثلاثة أبنية: على «فلس»، و «درهم»، و «دينار».
وذلك أنّ كلّ تصغير لا يخرج من مثال «فليس»، و «دريهم»، و «دنينير» فإن كانت في آخره زائدة، لم يعتدّ بها، وصغّر على أحد هذه الأمثلة، ثمّ جيء بالزوائد مسلّمة بعد الفراغ من هذا التصغير.
* * *
هذا باب ما كان من المذكّر على ثلاثة أحرف(2/517)
* * *
هذا باب ما كان من المذكّر على ثلاثة أحرف
اعلم أنّ تصغيره على مثال «فعيل» متحرّكا كان حرفه الثاني أو ساكنا وذلك قولك في «فلس»: «فليس»، وفي «عمرو»: «عمير»، وكذلك تقول في «عمر» وفي «خدر»:
«خدير»، وفي «رطب»: «رطيب»، وفي «جمل»: «جميل». لا تبالي ما كانت حركته؟ لأنّ التصغير يخرجه إلى بنائه.
وحكم التصغير: أن يضمّ أوّله، ويفتح الحرف الثاني، ويلحق بعده ياء التصغير ثالثة.
فإن كان الاسم على أربعة أحرف، انكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير، كما ينكسر في التكسير لأنّ التكسير والتصغير من واد واحد. إلّا أنّ أوّل التصغير مضموم، وأوّل الجمع مفتوح، وعلامة التصغير ياء ثالثة ساكنة، وعلامة الجمع ألف ثالثة. وهما في تغيير الاسم عن بنائه سواء وذلك قولك في «جعفر»: «جعيفر» و «جعافر».
* * * واعلم أنّه لا يكون اسم على حرفين إلّا وأصله الثلاثة، فإذا صغّر فلا بدّ من ردّ ما ذهب منه لأنّ التصغير لا يكون في أقلّ من ثلاثة أحرف وذلك قولك في «دم»: «دميّ» لأنّ الذاهب منه ياء يدلّك على ذلك أنّك إذا أخرجته إلى الفعل قلت: «دميت». كما تقول: «خشيت». وتقول في الجمع: «دماء» فاعلم، فتهمز الياء لأنّها طرف بعد ألف زائدة، كما تقول: «رداء» و «سقاء».
فإذا فارقت الألف، رجعت إلى أصلها فقلت: «أردية»، و «أسقية». ولمّا اضطرّ
الشاعر، ردّه إلى أصله، فقال [من الوافر]:(2/518)
فإذا فارقت الألف، رجعت إلى أصلها فقلت: «أردية»، و «أسقية». ولمّا اضطرّ
الشاعر، ردّه إلى أصله، فقال [من الوافر]:
فلو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين [1]
وتقول في تصغير «غد»: «غديّ»، لأنّ أصله «غدو»، فكان تصغيره «غديو يا فتى».
ولكن الواو إذا كانت قبلها ياء ساكنة، قلبت ياء وأدغمت الياء فيها كما تقول: «أيّام»، وأصلها: «أيوام»، لأنّها جمع «يوم». وكذلك «سيّد» و «ميّت»، إنّما هو «سيود» و «ميوت» لأنّه من «يسود» و «يموت»، وكذلك «قيّام» و «قيّوم»، إنّما هو «قيوام»، و «قيووم» بواوين. وهذا يحكم في باب التصريف.
* * * والدليل على أنّ الذاهب من «غد» الواو أنّهم يقولون فيه: «غدو» كما يقولون: «غد».
قال الشاعر [من الرجز]:
[220] لا تقلواها وادلوها دلوا ... إنّ مع اليوم أخاه غدوا
* * *
[1] تقدّم بالرقم 72.
[220] التخريج: الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد ص 180وجمهرة اللغة ص 671، 682، 1061، 1266وخزانة الأدب 7/ 479وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 215، 217وشرح شواهد الشافية ص 449وشرح المفصّل 1/ 23، 5/ 8ولسان العرب 14/ 267 (دلا)، 15/ 117 (غدا) والممتع في التصريف 2/ 623.
اللغة: تقلواها: تسوقاها سوقا شديدا. ادلواها: سوقاها على مهل. غدوا: الغد.
المعنى: يقول: لا تسوقا الإبل بشدّة، بل ارفقا بها، لأنّ الغد قريب من أخيه اليوم.
الإعراب: لا: الناهية. تقلواها: فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والألف: فاعل، و «ها»: في محلّ نصب مفعول به. وادلواها: الواو: حرف عطف، ادلواها: فعل أمر مبنيّ على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين، والألف: فاعل، و «ها»: في محلّ نصب مفعول به. دلوا: مفعول مطلق منصوب. إنّ: حرف مشبّه بالفعل. مع: ظرف متعلّق بمحذوف خبر «إن»، وهو مضاف. اليوم:
مضاف إليه مجرور. أخاه: اسم «إنّ» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف، والهاء: في محلّ جرّ بالإضافة. غدوا: بدل من «أخاه» منصوب.
وجملة «لا تقلواها» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «ادلواها دلوا» الفعليّة:
معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «(إنّ مع اليوم أخاه غدوا» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية.
والشاهد فيه قوله: «أخاه غدوا» حيث ردّ (غدا) إلى (غدو) وهذا دليل على أن الذاهب من كلمة (غد) هو الواو.(2/519)
وقال لبيد بن ربيعة [من الطويل]:
[221] وما الناس إلّا كالدّيار وأهلها ... بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع
وكلّ ما لم نذكره من هذا الباب فهذا مجازه.
* * * [221] التخريج: البيت للبيد في ديوانه ص 169وأمالي المرتضى 1/ 453وشرح المفصل 6/ 4والشعر والشعراء 1/ 284ولسان العرب 15/ 116 (غدا) ولذي الرّمة في ملحق ديوانه ص 1887وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 479والكتاب 3/ 358والمنصف 1/ 64، 2/ 149.
اللغة: الغدو: الغد، اليوم التالي لليوم الذي نكون فيه. البلاقع: القفار.
المعنى: تشبه الناس ديارها، فهي حيّة إن نزل الناس بها، وميتة إن هجروها في الغد، وكذلك الناس أحياء اليوم، وأموات غدا.
الإعراب: وما: «الواو»: حسب ما قبلها، «ما»: حرف نفي مهمل. الناس: مبتدأ مرفوع بالضمّة.
إلا: حرف حصر. كالديار: الكاف: حرف تشبيه وجر، «الديار»: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلّقان بالخبر المحذوف. وأهلها: «الواو»: حالية، «أهل»: مبتدأ مرفوع بالضمّة، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. بها: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف، بتقدير (وأهلها موجودون بها). يوم:
مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلّق بالخبر المحذوف. حلوها: فعل ماض مبني على الضم، و «الواو»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، و «ها»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. وغدوا:
«الواو»: حرف عطف، «غدوا»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلّق ب (بلاقع). بلاقع: خبر مرفوع بالضمّة لمبتدأ محذوف بتقدير (وهي بلاقع غدوا).
وجملة «وما الناس إلا كالديار»: حسب ما قبلها، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وأهلها بها»: حالية محلها النصب. وجملة «حلوها»: في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة «وهي بلاقع غدوا»: معطوفة على جملة «وأهلها بها».
والشاهد فيه قوله: «غدوا» حيث أعاد كلمة (غد) إلى أصلها (غدو)، وقال: إن هذا فاسد، على اعتبار أنها لغة في (غد) وليس ردّا إلى الأصل.(2/520)
هذا باب ما كان من المؤنّث على ثلاثة أحرف
اعلم أنّه ما كان من ذلك لا علامة فيه، فإنّك إذا صغّرته، ألحقته هاء التأنيث التي هي في الوصل تاء.
وإن كان بهاء التأنيث ثلاثة أحرف، فقد ذهب منه حرف لأنّ الهاء لا يعتدّ بها، فيلزمك في التصغير ردّ ذلك الحرف.
أمّا ما كان من ذلك لا هاء فيه، فنحو قولك في «دار»: «دويرة»، وفي «نعل»:
«نعيلة»، وفي «هند»: «هنيدة». لا يكون إلّا على ذلك.
فأمّا قولهم في الناب من الإبل: «نييب». فإنّما صغّروه بغير هاء لأنّها به سمّيت كما تقول للمرأة: «ما أنت إلّا رجيل» لأنّك لست تقصد إلى تصغير «الرجل».
وكذا قولهم في تصغير «الحرب»: «حريب»، إنّما المقصود المصدر من قولك:
«حربته حربا».
فلو سمّينا امرأة «حربا» أو «نابا»، لم يجز في تصغيرها إلّا «حريبة». و «نييبة».
والفرس يقع للمذكّر والأنثى. فإن قصدت إلى الذكر قلت: «فريس»، وإن قصدت إلى الأنثى قلت: «فريسة».
وأمّا ما جاء على ثلاثة أحرف أحدها هاء التأنيث، فنحو: «شاة» تقول في تصغيرها:
«شويهة»، فتردّ الهاء الساقطة.
والدليل على أنّ الذاهب منه هاء قولك في الجمع: «شياه» فاعلم. وتقول في تحقير «شفة»: «شفيهة» لأنّ الذاهب كان هاء. يدلّك على ذلك قولك: «شافهت الرجل»، و «شفة» و «شفاه»، فاعلم.
ومن ذلك «سنة»، فتقول في تصغيرها: «سنيّة» و «سنيهة»، لأنّه يجتذبها أصلان:
الواو، والهاء. فمن قال: «سنوات»، و «اكتريته مساناة»، وقرأ: {فَانْظُرْ إِلى ََ طَعََامِكَ}
{وَشَرََابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} (1) فوصل بغير هاء، فهو على قول من أذهب الواو. فهذا يقول:(2/521)
الواو، والهاء. فمن قال: «سنوات»، و «اكتريته مساناة»، وقرأ: {فَانْظُرْ إِلى ََ طَعََامِكَ}
{وَشَرََابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} (1) فوصل بغير هاء، فهو على قول من أذهب الواو. فهذا يقول:
«سنيّة». والأصل «سنوة»، لا يجوز غيره في قوله. ومن قال: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} وقال:
«اكتريته مسانهة»، فهذا يزعم أنّ الذاهب الهاء. ولا يجوز على قوله إلّا «سنيهة»، والأصل عنده «سنهة».
وكذلك ما لم يكن فيه من ذوات الحرفين هاء وكان مؤنّثا، فأمره مثل ما ذكرت لك لأنّك تردّ الحرف الذاهب، ثمّ تجريه مجرى «هند»، و «دعد»، و «قدر»، و «شمس» لأنّه ما كان على حرفين فلا بد من ردّ الثالث فيه. فإذا ردّ صار بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف ممّا لم ينقص منه شيء وذلك قولك في «يد»: «يديّة» لأنّ الذاهب كان ياء. يدلّك على ذلك قولهم: «يديت إليه يدا»، وكذلك «أياد»، وكلّ ما لم نذكره مما كان على هذا المثال، فهذا قياسه.
* * * واعلم أنّك إذا سمّيت مذكّرا بمؤنّث لا علامة فيه أنّك لا تلحقه هاء التأنيث إذا صغّرته لأنّك قد نقلته إلى المذكّر وذلك قولك في رجل سمّيته «هندا» أو «شمسا» أو «عينا»: «عيين»، و «شميس»، و «هنيد».
فإن قيل: فقد جاء في الأسماء مثل: «عيينة»، و «أذينة».
قيل: إنّما سمّي بهما الرجلان بعد أن صغّرتا وهما مؤنّثتان. والدليل على ذلك أنّك لم تسمّ الرجل «عينا» ولا «أذنا»، ثم تأتي بهذا إذا صغّرته. إنّما أوّل ما سمّيت به «عيينة» و «أذينة». فهذا بيّن جدّا. وكذلك إن سمّيت امرأة أو مؤنّثا غيرها باسم على ثلاثة أحرف ممّا يكون للمذكّر، فلا بدّ من إلحاق الهاء إذا صغّرتها. وذلك أنّك لو سمّيت امرأة «حجرا» أو «عمرا» أو «عمر»، لم تقل في تصغيرها إلّا: «عميرة»، و «حجيرة». لا يكون إلّا ذلك كما لم يكن في المذكّر إلّا ما وصفت لك إذا سمّيته بمؤنّث.
* * * __________
(1) البقرة: 259.(2/522)
هذا باب تصغير ما كان من المذكّر على أربعة أحرف
اعلم أنّه تصغير ذلك على وزن واحد، كانت فيه زوائد أو كانت الحروف كلّها أصليّة اختلفت حركاته أو اتّفقت، كانت الزوائد ملحقة أو للمدّ واللين وذلك قولك في «جعفر»:
«جعيفر»، وفي «قمطر»: «قميطر»، وفي «درهم»: «دريهم»، وفي «علبط» [1]: «عليبط»، وفي «جلجل» [2]: «جليجل»، وفي «زهلق» [3]: «زهيلق»، وفي «عجوز»: «عجيّز»، وفي «رغيف»: «رغيّف»، وفي «كتاب»: «كتيّب».
* * * واعلم أنّ ما كانت فيه الواو متحرّكة في التكبير زائدة ملحقة أو أصليّة، فأنت في تصغيره بالخيار:
إن شئت أبدلت من الواو في التصغير ياء للياء التي قبلها، وهو أجود وأقيس.
وإن شئت أظهرت الواو كما كانت في التكبير متحرّكة وذلك قولك في «أسود»:
«أسيّد»، وفي «أحول»: «أحيّل»، فهذا الأصليّ. والزائدة تقول في «قسور» [4]: «قسيّر»، وفي «جدول»: «جديّل».
وإن شئت قلت فيه كلّه: «أسيود»، و «قسيور»، و «جديول»، وإنّما استجازوا ذلك، لمّا رأوا التصغير والجمع على منهاج واحد وكان جمع هذا إنّما يكون: «قساور»، و «جداول».
[1] العلبط والعلابط: القطيع من الغنم، وكلّ غليظ: علبط. (لسان العرب 7/ 335 (علبط)).
[2] الجلجل: الجرس الصغير، والأمر الصغير والعظيم. (لسان العرب 11/ 122 (جلل)).
[3] الزهلق: الحمار المهلاج، والحمار السمين المستوي الظهر من الشحم. (لسان العرب 10/ 149 (زهلق)).
[4] القسور: الأسد، والصياد، والرامي. (لسان العرب 5/ 92 (قسر)).(2/523)
فأمّا الأوّلون، فعلموا أنّ الواو إنّما تنقلب للياء التي قبلها، وأنّ الألف لا يوجد فيها مثل ذلك. والوزن واحد. والقلب لعلّة توجبه. وكلّ قد ذهب مذهبا، إلّا أنّ القلب أقيس لما ذكرت لك.
فإن كانت الواو ساكنة في التكبير، لم يكن إلّا القلب وذلك لأنّ ما تحرّكت واوه الوجه فيه القلب. ويجوز الإظهار لتحرّك الواو. فلمّا كانت المتحرّكة الوجه فيها القلب، لم يكن في الساكنة غيره وذلك قولك في «عجوز»: «عجيّز»، وفي «عمود»: «عميّد».
* * * واعلم أنّه إذا كانت في ذوات الأربعة زائدة يبلغ بها الخمسة في العدد بإلحاق أو غير إلحاق، فإنّ تلك الزائدة تحذف في التصغير، إلّا أن تكون واوا رابعة أو ياء أو ألفا في ذلك الموضع فإنّها لا تحذف، لأنّها تصير على مثال «دنينير».
فإن لم يكن ذلك، فالحذف لازم لأنّه يكون على مثال: «دريهم». وذلك قولك في «سرادق» [1]: «سريدق»، لأنّ الألف زائدة، وفي «جحنفل» «جحيفل» لأنّ النون زائدة، وكذلك ما كان مثل ذلك.
وأمّا «معاوية» فمن بنات الثلاثة، وسنشرح لك أحكامها لتقف عليها إن شاء الله.
* * * اعلم أنّ ذوات الثلاثة إذا لحقتها زائدتان مستويتان، فأنت في الحذف بالخيار، أيّهما شئت حذفت
فإن كانت إحداهما ملحقة، لم يجز حذفها، وحذفت الأخرى لأنّ الملحق كالأصليّ. فإن كانتا ملحقتين فأنت في حذف أيّهما شئت مخيّر.
وإن كانتا غير ملحقتين وإحداهما للمعنى، حذفت التي ليست للمعنى، وأبقيت التي المعنى من أجلها يعلم.
فأمّا ما استوت فيه الزيادتان فقولك في «حبنطى»: «حبيط». فاعلم، وإن شئت
[1] السرادق: ما أحاط بالبناء. (لسان العرب 10/ 157 (سردق)).(2/524)
«حبينط» وذلك لأنّه من الثلاثة، والنون، والألف فيه زائدتان ملحقتان ب «سفرجل». فإن حذفت النون، قلت: «حبيط»، وإن حذفت الألف، قلت: «حبينط»، وإن عوّضت فيمن حذف النون، قلت: «حبيطيّ» فاعلم، وفيمن حذف الألف: «حبينيط».
وكذلك جمعه: تقول: «حبانط» فاعلم، وإن عوّضت، قلت: «حبانيط».
فإن حذفت النون قلت: «حباط» وإن عوّضت قلت: «حباطيّ»، فعلى هذا يجري.
ولو حقّرت مثل «مغتسل» لقلت: «مغيسل». وإن عوّضت، قلت: «مغيسيل». لا يكون إلّا ذلك لأنّ الميم والتاء زائدتان، والميم للمعنى ألا ترى أنك لو قلت: «مغتسل»، كان مؤدّيا للمعنى. فالميم لا تحذف.
فإذا حقّرت «معاوية» فيمن قال: «أسيّد» قلت: «معيّة». وكان الأصل «معيّية».
ولكنّهم إذا اجتمعت ثلاث ياءات في بناء التصغير، حذفت الياء المعتلّة لاجتماع الياءات.
ومن قال في «أسود»: «أسيود»، قال في تصغير «معاوية»: «معيوية» لأنّه يحذف الألف، فيصير «معيوية»، ولا تجتمع الياءات، فيلزمك الحذف.
* * * فأمّا ما ذكرت لك ممّا يحذف لاجتماع الياءات، فقولك في تصغير «عطاء»: «عطيّ» فاعلم لأنّك حذفت ياء، والأصل: «عطيّي»، فصار تصغيره كتصغير ما كان على ثلاثة أحرف.
فعلى هذا تقول في تصغير «أحوى» [1]: «أحيّ». فاعلم على قولك: «أسيّد»، ومن قال: «أسيود» قال: «أحيو». فاعلم.
وتقول في تصغير «عثولّ» [2]: «عثيلّ». فاعلم لأنّ فيه زائدتين: الواو وإحدى اللامين. والواو أحقّ عندنا بالطرح لأنّها من الحروف التي تزاد. واللام مضاعفة من الأصول. وهما جميعا للإلحاق بمثل: «جردحل» [3].
[1] الأحوى: الأسود، ليس بشديد السواد. (لسان العرب 14/ 207 (حوا)).
[2] العثول من الرجال: الجافي الغليظ، والعثول أيضا: الكثير اللحم الرخو. (لسان العرب 11/ 424 (عثل)).
[3] الجردحل من الإبل: الضخم. (لسان العرب 11/ 109 (جردحل)).(2/525)
وكان سيبويه يختار «عثيّل»، و «عثيول» فيمن قال: «أسيود»، ويقول: هي ملحقة، وهي أبعد من الطرف. وقد يجوز ما قال. ولكنّ المختار ما ذكرنا، للعلّة التي شرحنا.
ومن عوّض على قول سيبويه قال: «عثيّيل» و «عثيويل»، وعلى قولنا: «عثيليل». فهذا وجه هذا.
* * * ولو حقّرت مثال: «مفتاح»، و «قنديل»، و «شملال» [1]، لم تحذف شيئا، وكنت قائلا: «قنيديل»، و «مفيتيح»، و «شميليل» وذلك لأنّك كنت قائلا لو عوّضت في مثل:
«سفرجل»: «سفيريج». فأنت إذا أتيت بها فيما لم تكن فيه أحرى ألّا تحذفها فيما هي فيه، أو ما تكون بدلا منه. وإنّما تثبت في هذا الموضع، لأنّه موضع تلزمه الكسرة، والياء إنّما هي حرف لين، فدخلت بدخول ما هو منها وهو الكسرة، وكذلك الجمع لذوات الأربعة إنّما يجري مجرى تصغيره في كلّ شيء، فيجريان فيه على قياس واحد فيما جاوز الثلاثة.
* * * [1] الناقة الشّملال: الخفيفة السريعة. (لسان العرب 11/ 371 (شمل)).(2/526)
هذا باب تحقير بنات الخمسة
اعلم أنّك إذا صغّرت شيئا على خمسة أحرف كلّها أصل، فإنّك لا تحذف من ذلك إلّا الحرف الأخير لأنّه يجري على مثال التحقير، ثمّ ترتدع عنده. فإنّما حذفت الذي يخرج من مثال التحقير وذلك قولك في «سفرجل»: «سفيرج»، وفي «شمردل» [1]: «شميرد»، وفي «جحمرش» [2]: «جحيمر»، وفي «جردحل» [3]: «جريدح». وكذلك إن كانت في ذوات الخمسة زائدة، حذفتها، ثمّ حذفت الحرف الأخير من الأصول حتّى يصير على هذا المثال وذلك قولك في «عضرفوط» [4]: «عضيرف»، وفي «عندليب»: «عنيدل»، وفي «قبعثرى» [5]: «قبيعث». والعوض في هذا كلّه جائز وذلك قولك: «قبيعيث»، و «عضيريف». وكذلك كلّ ما حذف منه. فهذا قياس هذا الباب.
ومن العرب من يقول في «فرزدق»: «فريزق». وليس ذلك بالقياس، إنّما هو شبيه بالغلط، وذلك لأنّ الياء من حروف الزيادة، والدال من موضعها، فلمّا كانت طرفا، وكانت أشبه ما في الحرف بحروف الزيادة، حذفتها.
ومن قال هذا قال في جمعه: «فرازق». والجيّد: «فرازد» و «فريزد» لأنّ ما كان من حروف الزيادة وما أشبهها إذا وقع أصليّا، فهو بمنزلة غيره من الحروف.
[1] الشمردل من الإبل وغيرها: القويّ السريع الفتيّ الحسن الخلق. (لسان العرب 11/ 371 (شمردل)).
[2] الجحمرش من النساء: الثقيلة السمجة، والعجوز الكبيرة، وقيل: العجوز الكبيرة الغليظة. (لسان العرب 6/ 272 (جحمرش)).
[3] الجردحل من الإبل: الضخم. (لسان العرب 11/ 109 (جردحل)).
[4] العضرفوط: دويبة بيضاء ناعمة. (لسان العرب 7/ 351 (عضرفط)).
[5] القبعثرى: الجمل العظيم، والفصيل المهزول. (لسان العرب 5/ 70 (قبعثر)).(2/527)
ومن قال: «فريزق» لم يقل في «جحمرش»: «جحيرش»، وإن كانت الميم من حروف الزيادة، لبعدها من الطرف. ولكنّه يقول في مثل: «شمردل»: «شميرد». وإن كان هذا أبعد لأنّ اللام من حروف الزيادة.
* * *
هذا باب تصغير الأسماء المبنيّة من أفعالها(2/528)
* * *
هذا باب تصغير الأسماء المبنيّة من أفعالها
اعلم أنّك إذا حقّرت «مضروبا» قلت: «مضيريب». لا تحذف منه شيئا لأنّ الواو رابعة. وقد تقدّم القول في هذا، وأنّك لست تحذف إلّا مضطرّا.
فإن حقّرت «مدحرجا» أو «مدحرجا»، قلت: «دحيرج» لأنّ الميم زائدة، وليس هاهنا من حروف الزيادة غيرها.
فإن حقّرت مثل «منطلق» قلت: «مطيلق». تحذف النون ولا تحذف الميم، وإن كانتا زائدتين، لأنّ الميم للمعنى، ألّا ترى أنّك إذا جاوزت الثلاثة، أدخلت الميم على كلّ فاعل ومفعول، وتدخل على المفعول من الثلاثة واسم الزمان، والمكان، والمصدر، كقولك:
«سرت مسيرا»، و «أدخلته مدخلا كريما»، و «هذا مضرب زيد»، و «مدخل زيد».
فإن حقّرت مثل: «مقتدر»، قلت: «مقيدر». تحذف التاء من «مفتعل» كما حذفت النون من «منفعل» لأنّ العدّة قد خرجت على مثال التصغير. فلا بدّ من حذف الزيادة.
والعوض في جميع هذا جائز، لأنّك قد حذفت منه. تقول في «منطلق» إذا عوّضت:
«مطيليق»، وفي «مقتدر»: «مقيدير».
فإن حقّرت مثل: «مقاتل» قلت: «مقيتل»، تحذف الألف، وإن عوّضت، قلت:
«مقيتيل».
فإن حقّرت مثل «مستضرب»، قلت: «مضيرب»، و «مضيريب»، تحذف التاء والسين، ولا تحذف الميم لما ذكرت لك.
وكذلك ما كان من «مفعوعل» مثل: «مغدودن». تحذف الواو وإحدى الدالين، فتقول: «مغيدن»، و «مغيدين». ولا تحذف الميم لأنّها للمعنى.
وكلّ ما كان على شيء من الأبنية فهذا قياسه.
وتقول في مثل: «محمرّ»: «محيمر». تحذف إحدى الراءين.
كذلك تقول في تصغير «محمارّ»: «محيمير». تحذف إحدى الراءين، ولا تحذف الألف لأنّها رابعة، ولو حذفتها، لم يكن بدّ من حذف إحدى الراءين ليكون على مثال التصغير. والجمع على ذلك، تقول: «محامر» في «محمرّ»، و «محامير» في «محمارّ».(2/529)
وتقول في مثل: «محمرّ»: «محيمر». تحذف إحدى الراءين.
كذلك تقول في تصغير «محمارّ»: «محيمير». تحذف إحدى الراءين، ولا تحذف الألف لأنّها رابعة، ولو حذفتها، لم يكن بدّ من حذف إحدى الراءين ليكون على مثال التصغير. والجمع على ذلك، تقول: «محامر» في «محمرّ»، و «محامير» في «محمارّ».
وتقول في مثل «مقشعرّ»: «قشيعر»، و «قشيعير» إن عوّضت. تحذف الميم وإحدى الراءين، لأنّ الحرف يبقى على أربعة، فلو حذفت غير الميم، كنت حاذفا من الأصل تاركا الزيادة، فتخرج إلى مثال تصغير «مدحرج».
وكذلك «مطمئنّ». تقول: «طميئن»، و «طميئين»، إن عوّضت. وتقول في مثال:
«محرنجم» [1]: «حريجم»، و «حريجيم»، إن عوّضت. فتحذف الميم والنون لأنّهما زائدتان، ولا تجد من ذلك بدّا لأنّه يبقى على أربعة أحرف.
وكان سيبويه يقول في تصغير «مقعنسس» [2]: «مقيعس» و «مقيعيس». وليس القياس عندي ما قال لأنّ السين في «مقعنسس» ملحقة، والملحق كالأصلي. والميم غير ملحقة.
فالقياس: «قعيسس» و «قعيسيس»، حتّى يكون مثل: «حريجم» و «حريجيم».
* * * [1] المحرنجم: المجتمع. (لسان العرب 12/ 130 (حرجم)).
[2] المقعنسس: الشديد، وقيل: المتأخّر. وجمل مقعنسس: يمتنع أن ينقاد. (لسان العرب 6/ 178 (قعس)).(2/530)
هذا باب ما لحقته زائدتان: إحداهما ملحقة والأخرى غير ملحقة وذلك قولك: «ثمان» و «يمان»
اعلم أنّك إذا حقّرت «ثمانية» و «علانية»، فإنّ أقيس ذلك وأجوده أن تقول: «ثمينية»، و «علينية» وذلك لأنّ الياء فيهما ملحقة واقعة في موقع المتحرّك. والألف غير ملحقة، ولا يقع في موضعها إلّا حرف مدّ، فإنّما هي بمنزلة ألف «عذافرة» [1]، والياء بمنزلة الراء. فلمّا لم يجز في «عذافرة» إلّا «عذيفرة»، فكذلك يجب فيما ذكرت لك.
وقد أجازوا «ثميّنة»، و «عليّنة»، واحتجّوا بأنّهما زائدتان، وقالوا: الأولى وإن لم تكن ملحقة، فهي بعيدة من الطرف. وهو وجه رديء. كما أنّ «قلنسوة» لمّا كانت في وزن «قمحدوة» [2] كانت النون بحذاء الأصليّ والواو بحذاء الواو الزائدة، فكان «قلينسة» أقيس من «قليسية». فهذا مجرى هذا.
واعلم أنّه كلّ ما كانت فيه زائدتان إذا حذفت إحداهما ثبتت الأخرى، لم تحذف غيرها وذلك نحو: «عيضموز» [3]، و «عيطموس» [4]. تقول: إذا حقّرت: «عضيميز»، و «عطيميس» لأنّك لو حذفت الواو، لاحتجت أن تحذف الياء ليكون على مثال التصغير.
وأنت إذا حذفت الياء وحدها لم تحتج إلى حذف الواو لأنّها تقع رابعة، فيصير تحقيره مثل تحقير «سرحوب» [5]، و «قنديل». فكلّما قلّ من الحذف، لم يصلح غيره ألا ترى أنّك لو جمعت، لم تقل إلّا «عطاميس»، و «عضاميز»، و «سراحيب»؟ فعلى هذا فأجر هذا الباب.
* * * [1] العذافرة: الناقة الشديدة الأمينة الوثيقة الظهيرة. (لسان العرب 4/ 555 (عذفر)).
[2] القمحدوة: ما خلف الرأس. (لسان العرب 3/ 343 (قحد)).
[3] العيضموز: العجوز الكبيرة. (لسان العرب 5/ 380 (عضمز)).
[4] العيطموس والعطموس: الجميلة، وقيل: هي الطويلة التارّة ذات قوام وألواح. (لسان العرب 6/ 143 (عطمس)).
[5] السّرحوب: الطويل، الحسن الجسم. (لسان العرب 1/ 467 (سرحب)).(2/531)
هذا باب ما يحقّر على مثال جمعه على القياس لا على المستعمل
وذلك قولك في تحقير «دانق»: «دوينق»، و «طابق»: «طويبق»، و «خاتم»:
«خويتم». ولا تلتفت إلى قولهم: «خواتيم»، و «دوانيق»، و «طوابيق» لأنّ الجمع على الحقيقة إنّما هو «دوانق»، و «خواتم»، و «طوابق» كما تقول في «تابل»: «توابل»، وفي «فارس»: «فوارس». وعلى هذا قال الشاعر [من الطويل]:
[222] [يقلن حرام ما أحلّ بربّنا] ... وتترك أموال عليها الخواتم
فأمّا «دوانيق»، فإنّ الياء زيدت للمدّ في تكسيره كما تزاد حروف المدّ في الواحد.
وكذلك «طوابيق».
[222] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 129وسرّ صناعة الإعراب 2/ 581وبلا نسبة في الخصائص 2/ 490وسرّ صناعة الإعراب 2/ 666، 769وشرح المفصل 10/ 29.
اللغة: النون في (يقلن) عائدة إلى النائحات على المهجو، وربّنا هنا: سيّدنا.
المعنى: يقول الأعشى لمهجوه إن استحكم العداء بيننا فستلقى حتفك، وستندبك النائحات، وستترك أموالا ما فضّضت عنها أختامها في حياتك لشدة بخلك.
الإعراب: يقلن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون: ضمير متصل في محل رفع فاعل. حرام: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: موته حرام. ما: اسم موصول مبني في محل رفع صفة ل (حرام). أحلّ: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح، ونائب الفاعل مستتر تقديره (هو). بربّنا: جار ومجرور متعلّقان بالفعل «أحلّ»، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وتترك: «الواو»: حرف عطف، «تترك»: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. أموال: نائب فاعل. عليها جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم.
الخواتم: مبتدأ مؤخر.
وجملة «يقلن»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «موته حرام»: مقول القول في محلّ نصب مفعول به، وجملة «أحلّ»: صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «تترك أموال»: معطوفة على جملة جواب قسم لا محل لها. وجملة «عليها الخواتم»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه: أن الاسم الذي على (فاعل) يجمع على (فواعل) كما جمع الشاعر هنا الخاتم على خواتم.(2/532)
فأما «خواتيم» فإنّه على قياس من قال: «خاتام» كما قال الشاعر [من الرجز]:
[223] أعزّ ذات المئزر المنشقّ ... أخذت خاتامي بغير حقّ
فإذا احتاج شاعر إلى زيادة حرف المدّ في هذا الضرب من الجمع، جاز له للزوم الكسرة ذلك الموضع. وإنّما الكسرة من الياء. قال الشاعر [من البسيط]:
[224] تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
* * *
[223] التخريج: الرجز بلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 2/ 152وشرح شواهد الشافية ص 141وشرح المفصل 5/ 53ولسان العرب 12/ 163.
المعنى: لقد أخذت يا عزة خاتمي باطلا.
الإعراب: أعزّ: الهمزة حرف نداء، «عزّ»: منادى مفرد علم مرخم على لغة من لا ينتظر مبني على الضم في محل نصب. ذات: صفة ل (عزّ) على المحل منصوبة بالفتحة. المئزر: مضاف إليه. المنشق:
صفة ل (المئزر). أخذت: فعل ماض، و «التاء»: فاعل. خاتامي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. بغير: جار ومجرور متعلقان ب (أخذت). حقّ: مضاف إليه.
وجملة «أعزّ»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أخذت»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (الخاتام) لغة في (خاتم)، وأن (الخواتيم) جمع (خاتام) لا جمع (خاتم).
[224] التخريج: البيت للفرزدق في الإنصاف 1/ 27وخزانة الأدب 4/ 424، 426وسر صناعة الإعراب 1/ 25وشرح التصريح 2/ 371والكتاب 1/ 28ولسان العرب 9/ 190 (صرف) والمقاصد النحوية 3/ 521ولم أقع عليه في ديوانه وبلا نسبة في أسرار العربية ص 45والأشباه والنظائر 2/ 29 وأوضح المسالك 4/ 376وتخليص الشواهد ص 169وجمهرة اللغة ص 741ورصف المباني 12، 446وسر صناعة الإعراب 2/ 769وشرح الأشموني 2/ 337وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1477وشرح ابن عقيل ص 416ولسان العرب 1/ 683 (قطرب)، 2/ 295 (سحج)، 3/ 425 (نقد)، 8/ 211 (صنع)، 12/ 199 (درهم)، 15/ 338 (نفي) والممتع في التصريف 1/ 205.
اللغة: تنفي: تفرّق، تدفع. الحصى: الحجارة الصغيرة. الهاجرة: اشتداد الحرّ عند الظهيرة. تنقاد:
من نقد الدنانير أي نظر فيها ليميّز جيّدها من رديئها. الصياريف: ج صيرفي.
المعنى: يقول الشاعر واصفا ناقته بأنّها تفرّق الحصى بيديها عند الظهيرة، وقت اشتداد الحرّ، كما يفرّق الصيرفيّ الدراهم.
الإعراب: تنفي: فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل. يداها: فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثنّى، وهو مضاف، و «ها» ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. الحصى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر. في: حرف جرّ. كلّ: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلّقان(2/533)
بالفعل «تنفي»، وهو مضاف. هاجرة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. نفي: مفعول مطلق منصوب بالفتحة، وهو مضاف. الدراهيم: مضاف إليه مجرور بالكسرة. تنقاد: فاعل «نفي» مرفوع بالضمّة الظاهرة، وهو مضاف. الصياريف: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد فيه قوله: «نفي الدراهيم تنقاد الصياريف» حيث احتاج الشاعر إلى مدّ الكسرة، وجعلها ياء في (الدراهم) و (الصيارف). وهذا ضرورة.(2/534)
هذا باب ما كان على أربعة أحرف ممّا آخره حرف تأنيث
اعلم أنّه ما كان من ذلك، فإنّ ثالثه يترك مفتوحا لئلّا تنقلب ألف التأنيث. وذلك قولك في «حبلى»: «حبيلى» لأنّه لو قيل فيها كما قيل في «جعفر»: «جعيفر»، لصارت الألف ياء، فذهبت علامة التأنيث.
وكذلك تقول في «دفلى»: «دفيلى»، وفي «دنيا»: «دنيّا».
فإن كانت الألف زائدة لغير التأنيث، انكسر ما قبلها وانقلبت ياء. وذلك قولك في «أرطى»: «أريط» لأنّ «أرطى» ملحق ب «جعفر»، وليست ألفه للتأنيث. ألا ترى أنّك تقول في الواحدة: «أرطاة»؟ فلو كانت الألف للتأنيث، لم تدخل عليها هاء التأنيث لأنّه لا يدخل تأنيث على تأنيث.
وتقول في «معزى»: «معيز». فاعلم، وهكذا كلّ ما كانت ألفه للتأنيث.
* * * فأمّا الهاء، فإنّها بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم ألا ترى أنّها تدخل على المذكّر، فلا تغيّر بناءه؟ فإنّما الباب فيها أن يصغّر الاسم من أيّ باب كان على ما يجب في مثله، ثمّ تأتي بها وذلك قولك في «حمدة»: «حميدة»، وفي «نخلة»: «نخيلة»، وفي «قسورة» [1]: «قسيّرة».
ومن قال في «أسود»: «أسيود»، قال: «قسيورة»، وفي «هلباجة» [2]: «هليبيجة» لأنّك لو صغّرت «هلباجا»، لقلت: «هليبيج»، فلم تحذف منه شيئا.
فإنّما يجري على الصدر ما يجري عليه، ثمّ تأتي بالهاء.
[1] القسورة والقسور: الأسد. (لسان العرب 5/ 92 (قسر)).
[2] الهلباجة والهلباج والهلبج والهلابج: الأحمق الذي لا أحمق منه، وقيل: هو الوخم الأحمق المائق القليل النفع الأكول الشروب. (لسان العرب 2/ 392 (هلبج)).(2/535)
وتقول في تصغير «سفرجلة»: «سفيرجة» لأنّك كنت قائلا في «سفرجل» «سفيرج». فهذا حكم الألف والهاء.
* * * فأمّا ما لحقته ألفان للتأنيث، فإنّك قائل فيه ما قلت في الهاء، لا ما قلت في الألف المقصورة، وسنبيّن ذلك إن شاء الله.
تقول في «حمراء»: «حميراء»، يا فتى لأنّ الآخر متحرّك، فهو كالهاء. وتقول في «خنفساء»: «خنيفساء» يا فتى لأنّك كنت تقول في «خنفس»: «خنيفس». فإنّما تسلم الصدر، ثمّ تأتي بالألفين، وتقول في «معيوراء» [1]: «معيّيراء». تسلم الصدر على ما ذكرت لك لأنّ الألفين يجريان مجرى الهاء.
* * * فأمّا الألف المقصورة فإنّها في الاسم كبعضه. وقد ذكرتها لك رابعة بحيث لا يحذف من التصغير شيء. وسأذكرها خامسة وسادسة.
اعلم أنّك إذا صغّرت شيئا فيه الألف المقصورة وهو على خمسة أحرف بها أو أكثر من ذلك، فإنّك تحذفها، كما تحذف الحرف الخامس وما بعده من الأصل والزوائد.
تقول في «قرقرى» [2]: «قريقر» لأنّك حقّرت «قرقرا»، فانتهى التحقير، وهذه الألف زائدة. ولم تكن لتكون بأقوى من لام «سفرجل» وما أشبهها من الأصول، ولم تكن متحرّكة، فتصير كاسم ضمّ إلى اسم بمنزلة الهاء والألف الممدودة. فألف «قرقرى» للتأنيث، وهي محذوفة لما ذكرت لك.
فإن قلت في مثل «حبركى» [3] وألفه ملحقة ب «سفرجل» قلت: «حبيرك»، لما ذكرت لك وإن عوّضت، قلت: «حبيريك»، و «قريقير».
وإن كانت مع الألف زائدة غيرها حذفت أيّتهما شئت وذلك قولك في مثل
[1] معيوراء والمعيورا: الحمير. (لسان العرب 4/ 620 (عير)).
[2] قرقرى: أرض باليمامة. (معجم البلدان 4/ 326).
[3] الحبركى: الطويل الظهر القصير الرجلين، والقوم الهلكى، والقراد. (لسان العرب 10/ 409 (حبرك)).(2/536)
«حبارى»: «حبيرى»، وهو أقيس لأنّ الألف الأولى من «حبارى» زائدة لغير معنى إلّا للمدّ. وألف «حبارى» الأخيرة للتأنيث. فلأن تبقى التي للمعنى أقيس.
وقد قالوا: «حبيّر»، فحذفوا الأخيرة لأنّهما زائدتان. وما دون الطرف أقوى ممّا كان طرفا.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول في تصغيرها: «حبيّرة»، فيحذفها، ويبدل منها هاء التأنيث لتكون في الاسم علامة تأنيث، ويفعل ذلك بكلّ ما فيه ألف التأنيث خامسة فصاعدا. ويقول: لم يجز إثباتها لأنّها ساكنة. فإذا حذفتها، لم أخل الاسم من علامة تأنيث ثابتة.
ومن قال في «حبارى»: «حبيّرة»، قال في تحقير «لغّيزى»: «لغيغيزة» على مذهب أبي عمرو.
وقول جميع النحويين يثبتون الياء في «لغّيزى» لأنّهم لو حذفوها، لاحتاجوا معها إلى حذف الألف. وقد مضى تفسير هذا.
واعلم أنّ ياء «لغّيزى» ليست بياء التحقير لأنّ ياء التحقير لا تكون إلّا ثالثة، وهذه رابعة كما أنّ الألف في «حبارى» لا تكون للجمع لأنّ الجمع من هذا الحيّز لا يكون إلّا مفتوح الأوّل، ولا تكون ألفه إلّا ثالثة في موضع ياء التصغير.
* * * واعلم أنّ سيبويه يقول في تحقير «بروكاء» [1]، و «براكاء»، و «خراسان»: «بريكاء»، و «خريسان»، فيحذف ألف «خراسان» الأولى، وواو «بروكاء» كما يحذف ألف «مبارك».
وليس هذا بصواب ولا قياس. إنّما القياس ألّا يحذف شيئا لأنّك لست تجعل ألفي التأنيث، ولا الألف والنون بمنزلة ما هو في الاسم. ونحن ذاكرون احتجاجه، والاحتجاج عليه إن شاء الله.
حجّته أنّه يقول: إذا وقعت الألف ثالثة في موضع ألف «مبارك»، حذفت لكثرة العدد وذلك أنّ الألف والنون ليستا ممّا يجوز حذفه، وهما كهاء التأنيث في اللزوم، وليستا
[1] البروكاء: في اللسان 10/ 398 (برك): «ابترك القوم في القتال: جثو على الركب واقتتلوا ابتراكا، وهي البروكاء والبراكاء».(2/537)
بمنزلتهما في أنّهما كاسم ضمّ إلى اسم، فتحقّر الصدر، وتترك ما بعده. ولكنّهما بمنزلة ما هو من الاسم.
فيقال له: إن كانتا بمنزلة ما هو من الاسم، وجب عليك ألّا تحقّر ما هما فيه إذا كان على ستّة أحرف بهما.
وإن كانتا بمنزلة شيء ضمّ إلى الصدر، وجب أن يحقّر ما قبلهما كما تفعل ذلك بما قبل الهاء، ثمّ تأتي بهما كما تأتي بالاسم الأخير بعد الأوّل في مثل: «حضرموت» و «معديكرب». وكذلك حكم ألف التأنيث. وياء النسب كهاء التأنيث. ألا ترى أنّك تقول في «زعفران»: «زعيفران»؟ فلو كانت الألف والنون كاللام في «سفرجل»، لكان هذا التحقير محالا، ولكنّك تقول في «خنفساء»: «خنيفساء»، وفي «مدائنيّ»: «مديئنيّ». فإنّما حقّ هذا ما ذكرت لك ألا ترى أنّ ما قبل الألف والنون في التحقير، إذا لم يكن ملحق الجمع، مفتوح، وما قبل ألفي التأنيث لا يكون إلّا مفتوحا كما يكون ما قبل الهاء. فهذا بيّن جدّا.
وكان سيبويه يقول في تحقير «جدارين»، إذا أردت التثنية: «جديّران»، فيحقّر «جدارا»، ثمّ يلحق الألف والنون.
فإذا سمّي بهما رجل لم يقل: إلّا «جديران» على ما ذكرت لك، وهذا نقض لجميع أصوله. ويقول في تصغير «دجاجتين» (اسم رجل): «دجيجتان»، فلا يحذف من أجل هاء التأنيث. ويقول: «دجاجة» بمنزلة «درابجرد» [1] في أنّه اسم ضمّ إلى اسم، و «دجاجتان» بمنزلة «درابجردين». والقياس في هذا كلّه واحد.
* * * [1] درابجرد: كورة بفارس نفيسة عمّرها دراب بن فارس، معناه: دراب كرد، ودراب: اسم رجل، وكرد:
معناه: عمل، فعرّب بنقل الكاف إلى الجيم. (معجم البلدان 2/ 446).(2/538)
هذا باب ما لحقته الألف والنون زائدتين
اعلم أنّك إذا حقّرت «غضبان»، و «سكران»، ونحوهما قلت: «غضيبان»، و «سكيران».
وكذلك إن حقّرت «عثمان»، أو «عريان»، قلت: «عثيمان»، و «عريّان» لأنّ حقّ الألف والنون أن يسلما على هيئتهما بعد تحقير الصدر، إلّا أن يكون الجمع ملحقا بالأصول. فتفعل ذلك بتصغير الواحد، فيجري الواحد في التصغير مجرى الجمع.
فأما الملحق، فمثل قولك: «سرحان» تقول في تصغيره: «سريحين»، لأنّك تقول في الجمع: «سراحين»، وتقول في «سلطان»: «سليطين». كقولك في الجمع: «سلاطين»، وتقول في «ضبعان»: «ضبيعين». كقولك: «ضباعين». وكذلك: «قربان».
ولو كنت تقول في «عثمان»: «عثامين» في الجمع، لقلت في التصغير: «عثيمين» ألا ترى أنّ «فعلان» الذي له «فعلى» نحو: «عطشان»، و «سكران»، و «غضبان»، و «ظمآن»، لا يكون في جمع شيء منه «فعالين» لأنّه لا يكون ملحقا؟
فكذلك جميع هذا الباب. ما كان ملحق الجمع وجب في تصغير واحده الإلحاق. وما كان غير ملحق الجمع، لم يكن تصغيره إلّا كتصغير «فعلان» الذي له «فعلى».
* * *
هذا باب ما كانت في آخره ألفان زائدتان لغير التأنيث وذلك نحو: «علباء» [1]، و «حرباء» [2]، و «زيراء» [3] ونحوه(2/539)
* * *
هذا باب ما كانت في آخره ألفان زائدتان لغير التأنيث وذلك نحو: «علباء» [1]، و «حرباء» [2]، و «زيراء» [3] ونحوه
اعلم أنّك لا تقول في تحقيره: إلّا «عليبيّ»، و «حريبيّ» لأنّ الألفين ليستا للتأنيث.
إنّما هما ملحقتان بمثل: «سرداح» [4]، لأنّك لا تقول فيه: إلّا «سريديح»، كما لا تقول في «شملال» [5]: إلّا «شميليل».
وكذلك «قوباء» [6]. فاعلم لأنّ من قال كذا، إنّما ألحقه ب «طومار» [7]. فلا تقول في تصغيره: «إلّا «قويبيّ» كما تقول في تصغير «طومار»: «طويمير». ولا يجوز فيه إلّا التذكير والصرف لما ذكرت لك. ومن قال: «هي القوباء»، فأنّث، كان بمنزلة قولك:
«عشراء» [8]، و «رحضاء» [9]. فلا يكون تصغيرها على هذا إلّا «قويباء». ولا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وقد مضى القول في ذلك في باب ما يجري وما لا يجري [10].
[1] العلباء: الرجل إذا أسنّ، وعصب العنق. (لسان العرب 1/ 627 (علب)).
[2] الحرّباء: مسمار الدرع، والظهر، ودويبة نحو العظاءة أو أكبر. (لسان العرب 1/ 307306حرب)).
[3] الزيزاء والزّيزى: الأكمة الصغيرة. (لسان العرب 5/ 359 (زيز)).
[4] السرداح والسرداحة: الناقة الطويلة، والسرداح: جماعة الطلح، ومكان ليّن ينبت النّجمة والنصيّ والعجلة. (لسان العرب 2/ 482 (سردح)).
[5] الشملال: الخفيفة السريعة. (لسان العرب 11/ 371 (شمل)).
[6] القوباء والقوباء: الذي يظهر في الجسد ويخرج عليه، وهو داء معروف يتقشّر ويتّسع. (لسان العرب 1/ 693 (قوب)).
[7] الطومار والطامور: الصحيفة. (لسان العرب 4/ 503 (طمر)).
[8] الناقة العشراء: التي مضى لحملها عشرة أشهر. (لسان العرب 4/ 572 (عشر)).
[9] الرّحضاء: العرق، والعرق في أثر الحمّى. (لسان العرب 7/ 154 (رحض)).
[10] لم يمض القول فيه كما ذكر، وإنما سيأتي ذكره.(2/540)
وكذلك «غوغاء» من ذكّر، صرف، وهو عنده بمنزلة «القضقاض» [1] و «الخضخاض» [2]. وكان حدّه أن يقول: «غوغاو». ولكنّك همزت الواو لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة. فمن قال هذا قال في التصغير: «غويغيّ»، وصرف. ومن أنّث وجعلها ك «عوراء» لم يصرف، وقال في التصغير: «غويغاء». فاعلم.
[1] القضقاض والقضقاض: ما استوى من الأرض. (لسان العرب 7/ 222 (قضض)).
[2] الخضخاض: ضرب من القطران تهنأ به الإبل. (لسان العرب 7/ 144 (خضض)).(2/541)
هذا باب ما كان على ثلاثة أحرف ممّا حذف منه حرف وجعل مكانه حرف
اعلم أنّ تصغير ما كان من ذلك بحذف ما زيد فيه وردّ ما ذهب منه. فأمّا ما كان في أوّله ألف الوصل من هذا الباب فإنّها تسقط منه لعلّتين:
إحداهما: لتحرّك ما بعدها لأنّها إنّما دخلت لسكونه.
والعلّة الأخرى: أنّها زائدة على ما ذكرت لك في أصل الباب.
وذلك «ابن»، و «اسم»، و «است»، و «اثنان»، و «اثنتان»، و «ابنة» تأنيث «ابن».
تقول في تصغير «ابن»: «بنيّ» لأنّ الذاهب منه ياء أو واو، يدلّك على ذلك قولهم:
«أبناء». فاعلم. وكذلك «اسم» و «أسماء»، تقول في تصغيره: «سميّ».
و «اثنان» بهذه المنزلة. تقول في تصغيره: «ثنيّان»، لأنّ الألف والنون زائدتان للتثنية.
وتقول في تصغير «ابنة»: «بنيّة». وفي تصغير «است»: «ستيهة» لأنّ الذاهب منه هاء. يدلّك على ذلك قولهم: «أستاه». فاعلم، فهذا مجرى هذا كما قال في «سنة»:
«سنيّة»، و «سنيهة». ف «سنيّة» فيمن قال: «سنوات»، و «سنيهة» فيمن قال: «سانهت».
وقد مضى تفسير هذا.
وأمّا ما لم تكن فيه ألف الوصل، فنحو قولك: «أخت». تقول في تصغيرها: «أخيّة»، فتحذف التاء، وتردّ الواو التي كانت في قولك: «أخوات»، و «إخوة»، و «أخوان».
وكذلك «بنت»، و «هنت». تقول: «هنيّة»، و «بنيّة» لأنّ المحذوف من هذه الواو لأنّه يقال: «هنوات» قال الشاعر [من الطويل]:
[225] أرى ابن نزار قد جفاني وملّني ... على هنوات كلّها متتابع
[225] التخريج: البيت بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1/ 151، 2/ 559وشرح شواهد الإيضاح ص 535وشرح المفصل 1/ 53، 5/ 38، 6/ 3، 10/ 40ولسان العرب 15/ 366، 369 (هنا) والمنصف 3/ 139.(2/542)
وكذلك تقول في تصغير «هن»: «هنيّ».
وقد قال قوم: المحذوف منه هاء، فقالوا في تصغير «هن»: «هنيّة» وفي تصغير «هنة»: «هنيهة»، و «هنيّة». إلّا أنّ جملة هذا الباب أنّه لا يكون المحذوف من الثلاثة إلّا حرف لين ياء أو واو، أو حرفا خفيّا وهو الهاء، أو يكون مضاعفا، فتحذف منه استثقالا كما حذف هذا لخفائه.
* * * اللغة: الهنوات: الأفعال يستقبح ذكرها. متتابع: متتال، ويروى: متتايع بالياء، وهو بمعنى (متتابع)، ويروى: شأنها مكان (كلها).
المعنى: إنّ ابن نزار هذا نفر مني وتخلّى عنّي بعد إساءاتي المتكررة.
الإعراب: «أرى»: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذر، وفاعله مستتر وجوبا تقديره: (أنا). «ابن»: مفعول به منصوب. «نزار»: مضاف إليه مجرور. «قد»: حرف تحقيق. «جفاني»:
فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به محلّه النصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو). «وملني»: الواو: حرف عطف، «ملّني»: فعل ماض مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: للمتكلم مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر تقديره (هو). «على هنوات»:
جار ومجرور متعلقان بالفعل (جفاني). «كلّها»: مبتدأ مرفوع بالضمة، و «ها»: مضاف إليه محلّه الجر.
«متتابع»: خبر للمبتدأ (كلّها) مرفوع بالضمة.
وجملة «أرى»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «جفاني»: مفعول به ثان للفعل (أرى) محلّها النصب، وعطف عليها جملة «ملّني». وجملة «كلها متتابع»: صفة ل (هنوات) محلّها الجر.
والشاهد فيه: جمع (هنة) على (هنوات) بالواو، فدلّ على أنّ (هنة) من ذوات الاعتلال، وأنّ لامها واو، فإذا ما نسب إليها قيل: هنويّ، ومن جعل المحذوف هاء، قال في النسب: هنهي.(2/543)
هذا باب ما يصغّر من الأماكن وما يمتنع من التصغير منها
اعلم أنّ أسماء الأماكن كسائر الأسماء خاصّها وعامّها. تقول في «دار»: «دويرة»، كما تقول في «هند»: «هنيدة». وكذلك «مكان». تقول فيه: «مكيّن»، وفي بيت: «بييت» و «بييت».
فأمّا الأسماء المبهمة، فنحو: «خلف»، و «دون»، و «فوق». تقول: «خليف ذاك»، و «دوين ذاك»، و «فويق ذاك» لأنّك أردت أن تقرّب ما بينهما وتقلّله.
فإن قلت: «هو عند زيد»، لم يجز أن تصغّر «عند» وذلك أنّه قد يكون خلفه بكثير وبقليل، وكذلك دونه، وفوقه. فإذا صغّرتهما، قلّلت المسافة بينهما. وإذا قلت: «عندي»، فقد بلغت إلى غاية التقريب، فلا معنى للتصغير.
وجملة باب الأماكن التذكير إلّا ما خصّه التأنيث منها، نحو قولك: «غرفة»، و «علّيّة»، و «مشرقة»، و «مشربة».
وكذلك تأنيث البناء نحو: «دار»، إنّما هي في بابها بمنزلة «نار»، و «قدر»، و «شمس». وكذلك تقول في تصغيرها: «دويرة». وقد بيّنت لك في باب الظروف أنّ هذه المخصوصة لا يتعدّى الفعل إليها، لأنّه لا دليل فيه عليها. فإنّما يتّصل بها كما تتّصل بسائر الأسماء، وذلك قولك: «قمت في دار زيد»، و «ذهبت إلى زيد»، و «وضعته في يد زيد»، و «رأيت أثرا في رجل زيد». ولا يصلح أن تقول: «قمت دار زيد»، ولا: «قمت المسجد الجامع يا فتى» لأنّ «قمت» لا يدلّ على مكان مخصوص. وإنّما يتعدّى إلى ما يعتور الأسماء. فلا يخلو منه شيء أو من بعضه. نحو: «قمت خلف زيد»، و «سرت أمام عبد الله»، و «قمت مكانا». وقد مضى تفسير هذا في بابه.
فالظروف إنّما هي هذه على الحقيقة. فما جاء منها مؤنّثا بغير علامة: «قدّام»
و «وراء»، وتصغيرهما: «قديديمة» و «وريّئة».(2/544)
فالظروف إنّما هي هذه على الحقيقة. فما جاء منها مؤنّثا بغير علامة: «قدّام»
و «وراء»، وتصغيرهما: «قديديمة» و «وريّئة».
فإن قلت: فما لهاتين لحقت كلّ واحدة منهما الهاء، وليستا من الثلاثة؟
قيل: لأنّ الباب على التذكير. فلو لم يلحقوهما الهاء، لم يكن على تأنيث واحد منهما دليل. قال القطامي [من الطويل]:
[226] قديديمة التّجريب والحلم، إنّني ... أرى غفلات العيش قبل التّجارب
وقال الآخر [من البسيط]:
[227] [وقد علوت قتود الرّحل يسفعني] ... يوم قديديمة الجوزاء مسموم
[226] التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص 44وخزانة الأدب 7/ 86واللمع في العربية ص 303ولسان العرب 12/ 466 (قدم) وبلا نسبة في شرح المفصل 5/ 128وما ينصرف وما لا ينصرف ص 70.
اللغة: قديديمة: تصغير قدّام، وروى البيت بنصب (قديديمة)، والمراد أنّه علّق النساء، وعلقته قبل التجارب واتزان العقل، والغفلات هنا ملذات الحياة، والتجارب تعني هنا الكبر.
المعنى: يريد أنّه استمتع بتعلقه بالنساء، واستمتعن بالتعلق به قبل أن يطعن في السن، ويتزن عقله، ويزهد فيهن لكبره.
الإعراب: قديديمة: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بدل من الظرف (لدن) في البيت الذي قبل الشاهد، ورأى البغدادي أن العامل في (قديديمة) محذوف دلّ عليه السياق كأن يكون التقدير: تظن طيب العيش قديديمة التجريب، هذا كلّه على نصب (قديديمة) أمّا رفعها فلم يشر إليه البغدادي، ولا يتجه إعرابيا إلا بتكلف بعيد. التجريب: مضاف إليه. والحلم: «الواو»: حرف عطف، «الحلم»: معطوف على (التجارب). إنني: حرف مشبه بالفعل، و «الياء»: اسمه. أرى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). غفلات: مفعول به أول منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. العيش: مضاف إليه. قبل: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالمفعول الثاني ل (أرى)، والتقدير: أرى غفلات العيش حاصلة قبل التجارب. التجارب: مضاف إليه.
وجملة «إنني أرى»: استئنافية لا محل لها. وجملة «أرى» خبر (إن) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أن (قدّام) ظرف إذا صغّر أنثه العرب بالهاء، وهذا شاذ لأن (قدّام) رباعي، والهاء في التصغير لا تدخل إلا على الثلاثي إذا كان مؤنثا.
[227] التخريج: البيت لعلقمة بن عبدة في ديوانه ص 73وشرح شواهد الإيضاح ص 349.
اللغة: قتود: جمع مفرده قتد، وهو خشب الرحل. وسفعه يوم مسموم، أي لفحه حرّه الذي تفذفه على الوجه السموم وهي ريح. والجوزاء: برج من أبراج السماء.
المعنى: يريد أنّه رحل على بعيره في هذا اليوم.(2/545)
فكلّ ما ورد عليك من هذه الظروف ليست فيه علامة التأنيث، فهو على التذكير. تقول في تصغير «خلف»: «خليف»، و «أمام»: «أميّم» كما تقول في «قذال»: «قذيّل».
وكلّ شيء يجري مجرى «عند»، فغير مصغّر لما ذكرت لك من امتناعه في المعنى.
فكذلك «سوى» و «سواء»، يا فتى، إذا أردت بهما معنى المكان لأنّ قولك: «عندي رجل سواك»، إنّما هو: عندي رجل مكانك يحلّ محلّك، ويغني غناءك. لا يصغّران لقلّة تمكّنهما.
فإن أردت بقولك «سواء»: الوسط من قوله عزّ وجلّ: {فَرَآهُ فِي سَوََاءِ الْجَحِيمِ} (1).
وكما قال الشاعر [من الكامل]:
[228] يا ويح أنصار النبيّ ورهطه ... بعد المغيّب في سواء الملحد
صغّرته، فقلت: «سويّ» فاعلم. تحذف الياء لاجتماع الياءات. وكذلك إن أردت ب «سواء» معنى الاستواء كقولك: «هذا درهم سواء»، أي: تمام، صغّرته كما يلزمك في كلّ متمكّن.
الإعراب: وقد: الواو: بحسب ما قبلها، «قد»: حرف تكثير. علوت: فعل ماض، والتاء: فاعله.
قتود: مفعول به منصوب بالفتحة. الرحل: مضاف إليه مجرور. يسفعني: فعل مضارع، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به. يوم: فاعل لفعل (يسفعني). قديديمة: مفعول فيه ظرف زمان متعلق بصفة ل (يوم). الجوزاء: مضاف إليه. مسموم: صفة ل (يوم) مرفوع.
وجملة «قد علوت»: بحسب الواو. وجملة «يسفعني يوم»: في محل نصب حال.
والشاهد فيه: كالذي في الشاهد السابق.
__________
(1) الصافات: 55.
[228] التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 209 (الهامش) ولسان العرب 14/ 412 (سوا).
اللغة: رهط الرجل قومه وجماعته الأقربون. في سواء: في وسط. والملحد: مكان اللحد، وهو القبر.
المعنى: يرثي الشاعر لحال أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
الإعراب: يا: حرف نداء. ويح: منادى مضاف منصوب. أنصار: مضاف إليه. النبي: مضاف إليه.
ورهطه: «الواو»: حرف عطف، «رهط»: معطوف على (أنصار)، و «الهاء»: مضاف إليه. بعد: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بحال من (أنصار النبي ورهطه)، أو ب «يا»، لما فيها من معنى الندبة والإشفاق أو بالمصدر (ويح). المغيّب: مضاف إليه. في سواء: جار ومجرور متعلقان ب (المغيب). الملحد: مضاف إليه.
وجملة «يا ويح أنصار النبي»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (سواء) معناه هنا وسط.(2/546)
فإن قال قائل: ما معنى قولك: لقلّة تمكّنها؟
فإنّما قلّة تمكّنها: أنّهما داخلتان في معنى «غير». تقول: «عندي رجل سوى زيد»، أي: غير زيد. و «غير» ليس ممّا يصغّر لأنّك إذا قلت: «جاءني غيرك»، لم تخصص واحدا من الناس، إنّما زعمت أنّه ليس به، وليس يجب فيمن كان غير المذكور أن يكون حقيرا.
ولو قلت: «عندي مثلك»، فحقّرت «المثل» كان جيّدا لأنّك إذا حقّرت الذي هو مثله، زعمت أنّه هو حقير لأنّك حقّرت الآخر من حيث زعمت أنّه مثله.
وكذلك تحقير «شبه»، و «نحو»، و «شبيه» لأنّ الشيء لا يشبه الشيء في جميع حالاته، وإنّما يشبهه من حيث تشبّهه به، ولا يكون إلّا على مقدّمة: تقول: «كان خالد القسريّ مثل حاتم الطائيّ». لم ترد الزمان والقدم، ولم ترد الجاهليّة والإسلام، ولم ترد أنّ القبيلة تجتمع عليهما، ولكنّك ذكرت جود خالد، فقرنته بحاتم لما سبق له.
وكذلك لو قلت: «كان جرير كامرىء القيس» بعد أن تذكر الشعر والمرتبة فيه، فهذا دليل التشبيه. فإن قلت: «هذا مثيل هذا»، وقد قدّمت نحوا ممّا ذكرنا، علم أنّك حقّرته من حيث حقّرت المشبّه به. فبالمعنى يصلح اللفظ ويفسد.
* * *
هذا باب تحقير الظروف من الأزمنة(2/547)
* * *
هذا باب تحقير الظروف من الأزمنة
والزمان خاصّه وعامّه يتّصل به الفعل. وذلك أنّ الفعل إنّما بني لما مضى من الزمان ولما لم يمض.
فإذا قلت: «ذهب»، علم أنّ هذا فيما مضى من الزمان.
وإذا قلت: «سيذهب»، علم أنّه لما لم يأت من الزمان.
وإذا قلت: «هو يأكل»، جاز أن تعني ما هو فيه، وجاز أن تريد: هو يأكل غدا.
والمكان لا يكون فيه مثل ذلك. فالفعل ينقضي كالزمان لأنّ الزمان مرور الأيّام والليالي، فالفعل على سننه يمضي بمضيّه. وليست الأمكنة كذلك إنّما هي جثث ثابتة، تفصل بينها بالعين، وتعرف بعضها من بعض، كما تعرف زيدا من عمرو.
فكلّ متمكّن من الزمان يصغّر. تقول: «يويم» في تصغير «يوم»، و «عويم» في تصغير «عام». وإنّما صغّرته بالواو دون الياء لأنّ ألفه منقلبة من واو. يدلك على ذلك «أعوام»، وقولك: «عاومت النخلة» [1]. وهذا يشرح في باب على حياله بجميع علله إن شاء الله.
وكذلك كلّ ما كان مثله يردّ في التصغير إلى أصله تقول في «ليل»: «لييل»، فأمّا «لييلية» فلها علّة نذكرها في بابها إن شاء الله.
وتقول فيما كان علما في الأيّام كذلك، في تصغير «سبت»: «سبيت»، وفي تصغير «أحد»: «أحيد»، في «الاثنين»: «ثنيّان» لأنّ الألف ألف وصل، فهي بمنزلة قولك في «ابن»: «بنيّ»، وفي «اسم»: «سميّ»، وفي «الثلاثاء»: «ثليثاء» في قول سيبويه، وفي قولنا:
«ثليّثاء» لأنّك إنّما صغّرت «ثلاثا» فتسلم الصدر، ثم تأتي بعده بألفي التأنيث، وفي «الأربعاء»: «الأريبعاء»، وفي «الخميس»: «الخميّس»، وفي «الجمعة»: «جميعة».
[1] عاومت النخلة: حملت عاما ولم تحمل آخر. (لسان العرب 12/ 432 (عوم)).(2/548)
وكذلك الشهور. تقول في «المحرّم»: «محيرم». تحذف إحدى الراءين حتّى تصير على مثال: «جعفر». فإن عوّضت قلت: «محيريم»، وفي «صفر»: «صفير»، وفي «ربيع»:
«ربيع».
وفي «جمادى» أنت مخيّر: إن شئت، قلت: «جميدى» وهي أجود، وإن شئت، قلت: «جميّد»، وتفسيره كتفسير «حبارى»، وفي «رجب»: «رجيب»، وفي «شعبان»:
«شعيبان». وكذلك: «رمضان»: «رميضان»، وفي «شوّال»: «شويويل»، لأنّه «فعّال» مثل «حماد»، وفي «ذي القعدة»: «ذويّ القعدة» لأنّ التصغير إنّما يقع على الاسم الأوّل ألا ترى أنّك لو صغّرت «غلام زيد»، لقلت: «غليّم زيد»؟ فكذلك هذا وما أشبهه.
وتقول في أسماء الأوقات من الليل والنهار كذلك. تقول في تصغير «ساعة»:
«سويعة»، وفي «غدوة»: «غديّة»، وفي «بكرة» «بكيرة»، وفي «ضحوة»: «ضحيّة»، وفي «ضحى»: «ضحيّ». وكذلك تصغير «الضّحاء»، لأنّك تحذف الياء، فيصير مثل تصغير «ضحى» كما تقول في تحقير «عطاء»: «عطيّ». وقد مضى القول في هذا.
وتقول في «عشيّة»: «عشيّة». فأمّا قولهم: «عشيشية»، و «عشيّانات»، و «مغيربان»، و «أصيلال»، و «أصيلان»، و «أصيلانات»، و «مغيربانات»، فنذكره في موضعه مع ذكرنا «اللييلية»، و «الأنيسيان»، وما أشبه ذلك ممّا يخالف تصغيره مكبّره إن شاء الله.
وكلّ متمكّن من أسماء الدهر، فتصغيره كتصغير نظائره من سائر الأسماء. فعلى هذا فأجره ألا ترى أنّهم قالوا: «آتيك بعيدات بين»، وأجروه مصغّرا على تصغير مثله.
* * *
هذا باب تصغير ما كان من الجمع(2/549)
* * *
هذا باب تصغير ما كان من الجمع
اعلم أنّك إذا صغّرت جمعا على بناء من أبنية أدنى العدد، أقررت اللفظ على حاله.
فإن صغّرته وهو بناء للكثير، رددته إلى أدنى العدد إن كان ذلك فيه. فإن لم يكن فيه أدنى العدد، رددته إلى الواحد، وصغّرته إن كان مذكّرا آدميّا وجمعته بالواو والنون، وإن كان من غيرهم أو مؤنّثا منهم فبالألف والتاء. وقد مضى تفسير هذا. وإنّما أعدناه لما بعده.
اعلم أنّك إذا سمّيت رجلا بجماعة، فإنّك تصغّر ذلك الاسم كما تصغّر الواحد. تقول في رجل اسمه «أكلب»: «أكيلب»، وكذلك «أحمرة» تقول فيها: «أحيمرة»، وفي «غلمة»:
«أغيلمة». لا يكون إلّا كذلك.
فإن سمّيته ب «غلمان» أو «غربان» أو «قضبان» أو «رغفان»، كان تصغيره كتصغير «غلمان»، ونحوه. تقول: «غليمان»، و «غريبان»، و «قضيبان» ولا تقول: «غريبين»، كما تقول في «سرحان»: «سريحين» لأنّك إنّما قلت: «سريحين» لقولك: «سراحين» لأنّ «سرحانا» واحد في الأصل.
فإن قلت: فأنا أقول: «مصير» و «مصران» للجميع، ثمّ أقول في جمع الجمع:
«مصارين»، فكيف أصغّر «مصرانا»؟
فإنّ «مصرانا» تصغيره لا يكون إلّا «مصيرانا» لأنّه إنّما ألحقته الألف والنون للجمع، فلا تغيّر علامة الجمع ألا ترى ما كان على «أفعال» نحو: «أبيات»، و «أجمال»، و «أقتاب»، لم تقل فيه إلّا «أجيمال»، و «أقيتاب»، و «أبيّات»، فإن كان جمعا لجمع، قلت: «أبيات» و «أبابيت» كما تقول: «أظفار» و «أظافير»، ولكنّ العلّة فيما ذكرت لك.(2/550)
هذا باب ما كان على فعل من ذوات الياء والواو نحو: «باب» و «ناب» و «دار» وما أشبهه
اعلم أنّ هذا الجمع ينقلب ياؤه وواوه ألفا لانفتاح ما قبل كلّ واحدة منهما نحو:
«دار»، و «غار»، و «باب» إلّا أن يجيء حرف على أصله لعلّة مذكورة في باب التصريف نحو: «القود»، و «الصّيد»، و «الخونة»، و «الحوكة». فأمّا مجرى الباب، فعلى ما ذكرت لك.
فإن صغّرت شيئا من ذلك، أظهرت فيه حرف الأصل، وذلك أنّ ياء التصغير تقع بعده ساكنة، فلا يجوز أن تسكّنه، فتجمع بين ساكنين. فإذا حرّكته، عاد إلى أصله. وذلك قولك في تحقير «نار»: «نويرة»، و «باب»: «بويب». يدلّك على أنّ الأصل، قولك: «أنوار» لأنّها من «النّور»، وقولك: «بوّبت له بابا». وكذلك «غار». تقول: «غوير» لأنّه من «غار يغور».
فأمّا «ناب» فتصغيره «نييب». فإن قلت: «نييب» فإنّ ذلك يجوز في كلّ ما كان ثانيه ياء في التصغير، لأنّه من «نيّبت».
وكذلك «غار»: تقول فيه: «غيير»، و «غيير» لأنّه من «غيّرت» و «نيّبت».
وتقول في تصغير «تاج»: «تويج» لأنّه من «توّجت». وكلّ ما لم أذكره لك، فهذا مجراه، وكذلك سائر ما كان على ثلاثة أحرف. تقول في «عين»: «عيينة» و «عيينة»، وفي «شيء»: «شيّيء»، و «شييء»، وكذلك كلّ ما علم أصله من هذا الباب، فإن لم يعلم أصله، ردّ إلى واحده في التكبير، أو إلى فعله فإنّ دليله يظهر، فإن لم يكن مشتقّا نظر هل تقع فيه الإمالة؟ فإن كانت ألفه ممالة، فهو من الياء. وإن كانت منتصبة لا يجوز فيها الإمالة، فهو من الواو.
واعلم أنّ كلّ حرف كان مكسورا أو مضموما بعده ياء أو واو، فليس بدليل لأنّ الواو الساكنة تقلبها الكسرة ياء، والياء الساكنة تقلبها الضمّة واوا. فمن ذلك قولك: «ميزان»،
و «ميعاد»، و «ميقات». تقول في تحقيره: «مويزين»، و «مويقيت»، و «مويعيد» لأنّه من «الوقت»، و «الوعد»، و «الوزن». فإنّما قلبت الواو الكسرة.(2/551)
واعلم أنّ كلّ حرف كان مكسورا أو مضموما بعده ياء أو واو، فليس بدليل لأنّ الواو الساكنة تقلبها الكسرة ياء، والياء الساكنة تقلبها الضمّة واوا. فمن ذلك قولك: «ميزان»،
و «ميعاد»، و «ميقات». تقول في تحقيره: «مويزين»، و «مويقيت»، و «مويعيد» لأنّه من «الوقت»، و «الوعد»، و «الوزن». فإنّما قلبت الواو الكسرة.
وما كان منقلبا لعلّة، ففارقته العلّة فارقه ما أحدثته ألا ترى أنّك تقول في الجمع:
«موازين»، و «مواعيد»، و «مواقيت» كما تقول: «وزنت»، و «وعدت»، و «وقتّ»؟
ومثل ذلك في الياء «موسر»، و «موقن». لا يكون في التحقير إلّا بالياء لأنّ الواو إنّما جاءت بها الضمّة لأنّها من «أيقنت»، و «أيسرت»، وكذلك: «مياسير»، و «مياقين».
فإن حقّرت قلت: «مييسر»، و «مييقن»، تردّها الحركة إلى أصلها.
وكذلك «ريح» لو حقّرتها، لقلت: «رويحة» لأنّها من «روّحت»، وإنّما انقلبت الواو ياء للكسرة قبلها، وأنّها ساكنة ألا ترى أنّك تقول في الجمع: «أرواح». وكذلك «ثياب»، و «حياض»، تقول في تصغيرهما: «أثيّاب»، و «أحيّاض» لأنّك تردّها إلى أقلّ العدد.
وإنّما تنقلب الواو ياء لياء التصغير قبلها. ولولا ياء التصغير، لظهرت لمفارقة الكسرة إيّاها، فكنت قائلا: «أثواب»، و «أحواض»، و «أسواط». كما تقول: «ثوب»، و «حوض»، و «سوط»، وكذلك «ديمة» تحقيرها «دويم» لأنّها من «دام يدوم». فهذا وجه هذا.
* * *
هذا باب ما كانت الواو فيه ثالثة في موضع العين(2/552)
* * *
هذا باب ما كانت الواو فيه ثالثة في موضع العين
اعلم أنّها إذا كانت ظاهرة في موضع العين، فأنت فيها بالخيار: إن شئت قلبتها لياء التصغير التي تقع قبلها وهو الوجه الجيّد فقلت في «أسود»: «أسيّد»، وفي «أحول»:
«أحيّل»، وفي «مقود»: «مقيّد». فهذا الأصل.
وأمّا الملحق فنحو: «قسور» [1] و «جدول»، تقول فيهما: «قسيّر»، و «جديّل» وذلك أنّ الياء الساكنة إذا وقعت قبل الواو المتحرّكة، قلبت الواو لها ياء، ثمّ أدغمت فيها.
وقد مضى تفسير هذا. وذلك قولك: «ميّت»، و «سيّد»، و «هيّن». إنّما كنّ في الأصل:
«ميوتا»، و «سيودا»، و «هيونا» وكذلك «قيّام» و «قيّوم»، إنّما هو «قيوام» و «قيووم»، وكذلك «أيّام»، وفيما ذكرنا دليل على ما يرد منه. فإن شئت، قلت في هذا أجمع بإظهار الواو، أي في باب «أسود»، و «جدول»، و «قسور»، فقلت: «أسيود»، و «جديول»، و «قسيور». وإنّما جاز ذلك لأنّ الواو ظاهرة حيّة، أي: متحركة. وهي تظهر في التكسير في قولك: «جداول»، و «قساور». فشبّهوا هذا التصغير به. والوجه ما ذكرت لك أوّلا.
فإن كانت الواو ساكنة، أو كانت مبدلة، لم تظهر في التصغير. فأمّا الساكنة فنحو واو «عجوز»، و «عمود». لا تقول إلّا «عجيّز»، و «عميّد» لأنّ الواو مدّة، وليست بأصليّة، ولا ملحقة. ألا ترى أنّك لو جئت بالفعل من «جدول»، و «قسور»، لقلت: «قسورت»، و «جدولت»، فكانت كالأصل. ولو قلت: ذلك في «عجوز»، لم يجز لأنّها ليست بملحقة.
وأمّا الأصلية المنقلبة فهو «مقام»، و «مقال». لا تقول فيهما إلّا «مقيّم»، و «مقيّل» لأنّك كنت تختار في الظاهرة المتحرّكة القلب للياء التي قبلها. فلم يكن في الساكنة والمبدلة إلّا ما ذكرت لك.
[1] القسور والقسورة: الأسد. والقسور: الصيّاد. (لسان العرب 5/ 92 (قسر)).(2/553)
واعلم أنّه من قال في «أسود»: «أسيود»، قال في «معاوية»: «معيوية» لأنّ الواو في موضع العين. ومن قال: «أسيّد» على اختيار الوجه الجيّد قال: «معيّة» فيحذف الياء التي حذفها في تصغير «عطاء» ونحوه، لاجتماع الياءات.
ومن كانت «أروى» عنده «أفعل»، قال في تصغيره: «أريّة» مثل قولك: «أسيّد». ومن قال: «أسيود»، قال: «أريوية». ومن كانت عنده «فعلى» لم يقل في «أرويّة»: إلّا «أريّة» لأنّ الواو في موضع اللام على هذا القول، وإليه كان يذهب الأخفش، والأوّل قول سيبويه.
* * *
هذا باب ما كانت الواو منه في موضع اللام(2/554)
* * *
هذا باب ما كانت الواو منه في موضع اللام
اعلم أنّها إذا كانت في موضع اللام، فلا سبيل إلى إقرارها على لفظها لأنّه كان يختار فيها القلب وهي في موضع العين. فلمّا صارت في الموضع الذي يعتلّ فيه ما يصحّ في موضع العين لم يكن فيها إلّا القلب. وذلك قولك في «غزو»: «غزيّ»، وفي «جرو»:
«جريّ»، وفي «عروة»: «عريّة»، وفي «تقوى»: «تقيّا»، وفي «عرواء» [1]: «عريّاء» يا فتى.
لا يكون إلّا ذلك.
ومن قال في «أرويّة» [2]: إنّها «فعليّة» قال في «أروى»: «أريّا». ليس غير لأنّ «أروى» عنده على هذا القول «فعلى».
ومن جعل «أروى» «أفعل» لم يقل إلّا «أريّ». فاعلم فيحذف ياء لاجتماع الياءات.
ومن قال في «أسود»: «أسيود» على المجاز، قال: «أريو». فاعلم. فهذا مجرى هذا الباب.
[1] العرواء: الرعدة، وما بين اصفرار الشمس إلى الليل إذا اشتدّ البرد وهاجت ريح باردة. (لسان العرب 15/ 45 (عرا)).
[2] الأرويّة: الأنثى من الوعول. (لسان العرب 14/ 350 (روي)).(2/555)
هذا باب ما يسمّى به من الجماعة
اعلم أنّك إذا سمّيت رجلا ب «مساجد»، ثمّ أردت تحقيره، قلت: «مسيجد»، فحذفت الألف الزائدة لأنّك لا تصغّر شيئا على خمسة أحرف. فإن عوّضت قلت:
«مسيجيد».
فإن سمّيت ب «مفاتيح» قلت: «مفيتيح»، فتحذف الزائدة الثالثة، وتقرّ الياء لأنّها رابعة في الاسم.
فإن سمّيت «قبائل» أو «رسائل»، قلت: «قبيئل»، و «رسيئل» في قول جميع النحويّين إلّا يونس بن حبيب، فإنّه كان يقول: «قبيّل»، و «رسيّل». وذلك رديء في القياس.
أما النحويّون فأقرّوا الهمزة، وحذفوا الألف، لأنّ الهمزة متحرّكة والألف ساكنة.
والمتحرّك حرف حيّ، وهو في مواضع الملحقة بالأصول ألا ترى أنّ الهمزة من «قبائل» في موضع الفاء من «عذافر» [1]، والألف لا تقع من هذا البناء في موضعها إلّا زائدة. فكانت أحق بالحذف.
وأما يونس فكان يقول: لمّا كانتا زائدتين كانت التي هي أقرب إلى الطرف أولى بالحذف، وليس هذا القول بشيء لما ذكرت لك.
فأمّا تحقير هذا الضرب وهو الجمع، فلا يجوز فيه إلّا «قبيّلات»، و «رسيّلات» لأنّك إنّما حقّرت الواحد نحو: «قبيلة» و «رسالة»، ثمّ جمعته جمع أدنى العدد. وقد مضى القول في هذا.
[1] العذافر: الأسد، واسم كوكب الذنب، وجمل عذافر: صلب عظيم شديد. (لسان العرب 4/ 555 (عذفر)).(2/556)
هذا باب تحقير الأسماء المبهمة
اعلم أنّ هذه الأسماء مخالفة لغيرها في معناها، وكثير من لفظها، وقد تقدّم قولنا فيها، وإنّما نذكر منه بعضا استغناء بما مضى.
فمن مخالفتها في المعنى وقوعها على كلّ ما أومأت إليه، وأمّا مخالفتها في اللفظ فأن يكون الاسم منها على حرفين، أحدهما حرف لين: نحو: «ذا»، و «تا».
فإذا صغّرت هذه الأسماء، خولف بها جهة التصغير، فتركت أوائلها على حالها، وألحقت ياء التصغير لأنّها علامة، فلا يعرّى المصغّر منها. ولو عرّي منها، لم يكن على التصغير دليل. وألحقت ألف في آخرها تدلّ على ما كانت تدلّ عليه الضمّة في غير المبهمة ألا ترى أنّ كلّ اسم تصغّره من غير المبهمة تضمّ أوّله نحو: «فليس»، و «دريهم»، و «دنينير»؟
وذلك قولك في تصغير «ذا»: «ذيّا»، فإن ألحقت التنبيه قلت: «هاذيّا». وفي تصغير «ذاك»: «ذيّاك»، فإن ألحقت التنبيه، فقلت: «هاذاك» قلت: «هاذيّاك».
فإن قال قائل: ما بال ياء التصغير لحقت ثانية، وإنّما حقّها أن تلحق ثالثة؟
قيل: إنّما لحقت ثالثة، ولكنّك حذفت ياء لاجتماع الياءات، فصارت ياء التصغير ثانية. وكان الأصل: «ذييّا» إذا قلت «ذا»، فالألف بدل من ياء، ولا يكون اسم على حرفين في الأصل، فقد ذهبت ياء أخرى.
فإن حقّرت «ذه» أو «ذي» قلت: «تيّا». وإنّما منعك أن تقول: «ذيّا» كراهة التباس المذكّر بالمؤنّث، فقلت: «تيّا» لأنّك تقول: «تا» في معنى «ذه» و «تي». كما تقول:
«ذي». فصغّرت «تا» لئلّا يقع لبس، فاستغنيت به عن تصغير «ذه» أو «ذي» على لفظها. قال الشاعر [من الطويل]:(2/557)
فإن حقّرت «ذه» أو «ذي» قلت: «تيّا». وإنّما منعك أن تقول: «ذيّا» كراهة التباس المذكّر بالمؤنّث، فقلت: «تيّا» لأنّك تقول: «تا» في معنى «ذه» و «تي». كما تقول:
«ذي». فصغّرت «تا» لئلّا يقع لبس، فاستغنيت به عن تصغير «ذه» أو «ذي» على لفظها. قال الشاعر [من الطويل]:
[229] وخبّرتماني أنّما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب
ويروى: «روضة وكثيب»، أي: وهذه. وقال عمران بن حطّان [من الوافر]:
[230] وليس لعيشنا هذا مهاه ... وليست دارنا هاتا بدار
فإن حقّرت «ذاك»، قلت: «ذيّاك». فإن حقّرت «ذلك» قلت: «ذيّالك».
وإن حقّرت «أولئك»، قلت: «أوليّائك».
وإن حقّرت «أولى» المقصور، قلت: «أوليّا». يا فتى.
[229] التخريج: البيت لكعب بن سعد الغنويّ في الأصمعيات ص 97والحيوان 3/ 56وشرح أبيات سيبويه 2/ 269ولسان العرب 15/ 454 (تفسير هذا) وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 284.
اللغة: الهضبة: الجبل. وأراد بالقليب القبر، وأصله البثر.
المعنى: نصح للشاعر أن يخرج بأخيه المريض من القرى إلى البادية لأن الموت في القرى لكثرة أوبئتها، فخرج، فرأى في البادية قبرا فاستنكر على الناصح نصيحته، وأكد أنّ الموت لا نجاة منه.
الإعراب: «وخبّرتماني»: الواو: بحسب ما قبلها، «خبرتماني»: فعل ماض مبني على السكون، و «تما»: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: للمتكلم مفعول به محله النصب.
«أنّما»: مكفوف وكاف، والمصدر المؤول من (أن) والجملة التي تليها مفعول به ثان ل (خبّر). «الموت»:
مبتدأ مرفوع. «بالقرى»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف. «فكيف»: الفاء: حرف استئناف، «كيف»: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخبر محذوف لمبتدأ محذوف عند سيبويه، كأن يكون التقدير، فكيف ذلك؟ أي كيف قولهم، إو إخبارهم، والجواب عند سيبويه:
إخبارهم في الضلال أو الخطأ أو ما في معناهما، وغير سيبويه يرى أنها في هذه الحالة هي الخبر، كونت مع المقدر جملة اسمية، وهي حال، أو مفعول مطلق بحسب المقصود إذا كانت متلوة بفعل تام كأن يقال:
فكيف خبّرتماني؟ فإن كان السّؤال عن حالهما في الإخبار كانت (كيف) في محل نصب حال، وإن كان المقصود السؤال عن الإخبار ذاته كانت (كيف) في محل نصب على المفعولية المطلقة. «وهاتا»: الواو:
حالية، و «ها»: للتنبيه، و «تا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «هضبة»: خبر للمبتدأ (هاتا). «وقليب»: الواو: حرف عطف، «قليب»: اسم معطوف على (هضبة).
وجملة «خبّرتماني»: بحسب الواو. وجملة «الموت بالقرى»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
وجملة «كيف خبّرتماني»: استئنافية لا محل لها. وجملة «هاتا هضبة»: حالية محلّها النصب.
والشاهد فيه قوله: (هاتا)، ومعناه (هذه)، فإذا صغّرت قيل: هاتيا على لفظ (هاتا) كي لا يلتبس بالمذكر.
[230] التخريج: البيت لعمران بن حطان في ديوانه ص 112وتخليص الشواهد ص 121وخزانة(2/558)
وإن حقّرت «هؤلاء» الممدود، قلت: «هاؤليّائك».
وإن حقّرت «هؤلا» المقصور، قلت: «هاؤليّا» يا فتى.
وإنّما زدت الألف قبل آخرها لئلّا يتحوّل الممدود عن لفظه، فقلبوا لذلك. وكان حقيقتها «هؤليّيا» لأنّ «ألاء» في وزن «غراب». وتحقير «غراب» «غريّب». وتحقير «أولى» لو كان غير مبهم، «أوليّ» فاعلم. فإن زدت الألف «أوليّاء».
وتقول في تحقير «الذي»: «اللّذيّا»، وفي تحقير «التي»: «اللّتيا». قال الشاعر [من الرجز]:
[231] بعد اللّتيّا واللّتيّا والتي ... إذا علتها أنفس تردّت
الأدب 5/ 361، 362وشرح أبيات سيبويه 2/ 270وشرح شواهد الإيضاح ص 604وشرح شواهد المغني 2/ 926والكتاب 3/ 488ولسان العرب 13/ 542 (مهه).
اللغة: المهاه: الصفاء والرونق الجميل.
المعنى: ليس لحياة المرء رونق بهي، وليس باقيا فيها، بل لا بد من نهايتها وانتقاله إلى الدار الآخرة.
الإعراب: وليس: «الواو»: عاطفة، و «ليس»: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة. لعيشنا:
جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف مقدم، وهو مضاف و «نا»: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
هذا: «الهاء»: للتنبيه، «ذا»: اسم إشارة في محل جر بالإضافة. مهاه: اسم ليس مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. وليست: «الواو»: عاطفة، و «ليس»: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة و «التاء»:
للتأنيث. دارنا: اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف و «نا»: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
هاتا: «ها»: للتنبيه، و «تا»: اسم إشارة في محل رفع صفة اسمها. بدار: «الباء»: حرف جر زائد، «دار»:
اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس.
وجملة «ليس لعيشنا مهاه»: بحسب الواو. وجملة «ليست دارنا بدار»: معطوفة على ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «هاتا» حيث جاء «تا» بمعنى: «ذه» أو «ذي».
[231] التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 420وشرح أبيات سيبويه 2/ 73والكتاب 2/ 347، 3/ 488ولسان العرب 5/ 240 (لتا)، وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 154، 155وشرح المفصل 5/ 140ولسان العرب 15/ 446 (تا) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 81ونوادر أبي زيد ص 122.
الإعراب: بعد: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بمحذوف يقدر بما يناسب السياق، وهو(2/559)
ولو حقّرت «اللاتي» لقلت في قول سيبويه: «اللّتيّات». تصغّر «التي»، وتجمعها كما تفعل بالجمع من غير المبهم الذي يحقّر واحده.
وكان الأخفش يقول: «اللّويّا» لأنّه ليس جمع «التي» على لفظها، فإنّما هو اسم للجمع كقولك: «قوم» و «نفر»، وهذا هو القياس.
* * * واعلم أنّك إذا ثنّيت أو جمعت شيئا من هذه الأسماء، لم تلحقه ألفا في آخره من أجل الزيادة التي لحقته، وذلك قولك في تصغير «اللذان»: «اللذيّان»، وفي «الذين»:
«اللذيّين». ومن قال: «اللذون» قال: «اللذيّون».
وكان الأخفش يقول: «اللذيّين». يذهب إلى أنّ الزيادة كانت في الواحد، ثمّ ذهبت لمّا جاءت ياء الجمع لالتقاء الساكنين، فيجعله بمنزلة «مصطفين». وليس هذا القول بمرضيّ لأنّ زيادة التثنية والجمع ملحقة.
* * * واعلم أنّ «من»، و «ما»، و «أيّا» لا يحقّرن كما لا تحقّر الحروف التي دخلن عليها وكذلك «كم»، و «كيف»، و «أين» لا يحقّرن لما ذكرت لك، وكذلك «متى»، وهنّ كلّهن أسماء.
و «كلّ» لا يحقّر لأنّه عموم فليس للتحقير فيه معنى لأنّ «كلّا» إنّما أكثّر به.
وكذلك «كلا». وكلّ ما كان من هذا النحو ممّا لم نذكره فهذه سبيله، فأجره على هذا الباب.
* * * مضاف. اللتيا: اسم موصول في محل جر بالإضافة. واللتيا: الواو: عاطفة، و «اللتيا»: اسم موصول معطوف في محل جر بالإضافة. والتي: الواو: عاطفة، «التي»: اسم موصول معطوف في محل جر بالإضافة. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لفعله متعلق بجوابه مبني على السكون في محل نصب يتضمن الشرط. علتها: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة منعا لالتقاء الساكنين للتعذر، والتاء: للتأنيث، و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. أنفس: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. تردت: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة منعا لالتقاء الساكنين، للتعذر والتاء: للتأنيث، وحركت بالكسر لضرورة الشعر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.
وجملة «إذا علتها تردّت»: صلة موصول ل «التي» لا محل لها. وجملة «علتها أنفس»: مضاف إليها محلها الجر. وجملة «تردت»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (بعد اللتيا واللتيا) فقد حذفت صلة الاسمين الموصولين، من النحاة من قال لتصغير التحقير ومنهم من قال لتصغير التحبب والتعظيم، وجملة الصلة لا محل لها(2/560)
هذا باب أسماء الجمع التي ليس لها واحد من لفظها
اعلم أنّ مجراها في التحقير مجرى الواحد، لأنّها وضعت أسماء، كلّ اسم منها لجماعة، كما أنّك إذا قلت: جماعة، فإنّما هو اسم مفرد وإن كان المسمّى به جمعا.
وكذلك لو سمّيت رجلا ب «مسلمين» لكان اسما مجموعا وإن وقع على واحد. كما قالوا: «كلاب بن ربيعة»، و «الضّباب بن كلاب»، وكذلك «أنمار»، وكذلك «يحابر»: إنّما هو جمع «اليحبور»، وهو طائر.
وتلك الأسماء: «نفر»، و «قوم»، و «رهط»، و «بشر». تقول: «بشير»، و «قويم»، و «رهيط».
فإن كان اسما لجمع غير الآدميين لم يكن إلّا مؤنّثا وقد مضت العلّة في ذلك. وذلك قولك: «غنم»، و «إبل». تقول: «غنيمة»، و «أبيلة»، وكذلك «نسوة»، تقول: «نسيّة» لأنّ «نسوة» من «امرأة» بمنزلة «نفر» من «رجل». فعلى هذا فأجر هذا الباب.
* * *
هذا باب التصغير الذي يسمّيه النحويّون تصغير الترخيم(2/561)
* * *
هذا باب التصغير الذي يسمّيه النحويّون تصغير الترخيم
وهو أن تصغّر الاسم على حذف الزوائد التي فيه. فإن لم تكن فيه زائدة صغّرته بكماله وذلك قولك في «حارث»: «حريث»، وفي «محمّد»: «حميد»، وكذلك «أحمد»، وفي تصغير «سرحوب» [1]: «سريحب» لأنّ الواو فيه زائدة. وكذلك لو حقّرت «عجوزا»، لقلت: «عجيزة» لأنّك إذا حذفت الواو بقيت على ثلاثة أحرف، فسمّيت بها المؤنث، والمؤنّث إذا كان اسما علما على ثلاثة أحرف، لحقته الهاء في التصغير كما ذكرت لك.
وذلك قولك في «هند»: «هنيدة»، وفي «شمس»: «شميسة».
فإن لم تسمّ ب «عجوز»، وتركتها نعتا، قلت: «عجيز». كما تقول في «خلق» إذا نعتّ به المؤنّث: «خليق».
* * * [1] السرحوب: الطويل، الحسن الجسم. (لسان العرب 1/ 467 (سرحب)).(2/562)
هذا باب الحروف التي تكون استفهاما وخبرا وسنذكرها مفسّرة في أبوابها إن شاء الله
هذا باب «أيّ» مضافة ومفردة في الاستفهام
اعلم أنّ «أيّا» تقع على شيء هي بعضه، لا تكون إلّا على ذلك في الاستفهام. وذلك قولك: «أيّ إخوتك زيد»؟ فقد علمت أنّ «زيدا» أحدها، ولم تدر أيّهما هو. وتقول: «أيّ زيد أحسن»؟ فيكون الجواب: «رأسه أم رجله أم يده»، وما أشبه ذلك.
واعلم أنّ كلّ ما وقعت عليه «أيّ»، فتفسيره بألف الاستفهام و «أم»، لا تكون إلّا على ذلك لأنّك إذا قلت: «أزيد في الدار أم عمرو»؟ فعبارته: «أيّهما في الدار»؟ ولو قلت:
«هل زيد منطلق»؟ أو: «من زيد»؟ أو: «ما زيد»؟ لم يكن ل «أيّ» هاهنا مدخل ف «أيّ» واقعة على كلّ جماعة ممّا كانت إذا كانت «أيّ» بعضا لها.
* * * واعلم أنّ حروف الاستفهام مختلفة المعاني، مستوية في المسألة. وسنذكر من مسائل «أيّ» ما يوضّح لك جملته إن شاء الله.
تقول: «أيّ أصحابك زيد ضربه»؟ فالتقدير: أيّ أصحابك واحد ضربه زيد؟ لأنّ قولك: «زيد ضربه» في موضع النعت. وإن شئت كان قولك: «زيد ضربه» خبرا ل «أيّ»، وهو أوضح وأحسن في العربيّة.
ولو قلت: «أيّ الرجلين هند ضاربها أبوها»، لم يكن كلاما لأنّ «أيّا» ابتداء، ولم تأت له بخبر.
فإن قلت: «هند ضاربها أبوها» في موضع خبره، لم يجز لأنّ الخبر إذا كان غير الابتداء، فلا بدّ من راجع إليه.(2/563)
ولو قلت: «أيّ الرجلين هند ضاربها أبوها»، لم يكن كلاما لأنّ «أيّا» ابتداء، ولم تأت له بخبر.
فإن قلت: «هند ضاربها أبوها» في موضع خبره، لم يجز لأنّ الخبر إذا كان غير الابتداء، فلا بدّ من راجع إليه.
ولو قلت: «أيّ من في الدار إن يأتنا نأته»، كان جيّدا. كأنّك قلت: «أيّ القوم إن يأتنا نأته» لأنّ «من» تكون جمعا على لفظ الواحد، وكذلك الاثنان. قال الله عزّ وجلّ:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (1) وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (2) وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} (3) فحمل على اللفظ. وقال: {بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (4) فحمل مرّة على اللفظ، ومرّة على المعنى. وقال الشاعر، فحمل على المعنى [من الطويل]:
[232] تعشّ، فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فهذا مجاز هذه الحروف.
__________
(1) الأنعام: 25.
(2) يونس: 42.
(3) يونس: 40.
(4) البقرة: 112.
[232] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 329وتخليص الشواهد ص 142والدرر 1/ 284وشرح أبيات سيبويه 2/ 84وشرح شواهد المغني 2/ 536والكتاب 2/ 416والمقاصد النحوية 1/ 461وبلا نسبة في الخصائص 2/ 422وشرح الأشموني 1/ 69وشرح شواهد المغني 2/ 829وشرح المفصل 2/ 132، 4/ 13والصاحبي في فقه اللغة ص 173ولسان العرب 13/ 419 (منن) والمحتسب 1/ 219.
المعنى: اقبل إلي أيها الذئب، فإن واثقتني على عدم الغدر، إذا نكن صديقين لا يغدر أحدنا بصاحبه.
الإعراب: تعش: فعل أمر مبني على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت).
فإن: الفاء: استئنافية، «إن»: حرف شرط جازم. عاهدتني: فعل ماض مبني على السكون والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، و «الياء»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. لا تخونني:
«لا»: نافية، «تخون»: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. نكن: فعل مضارع ناقص، مجزوم، واسمها ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن. مثل: خبرها منصوب بالفتحة وهو مضاف. من: اسم موصول في محل جر بالإضافة. يا ذئب:
«يا»: حرف نداء، «ذئب»: منادى نكرة مقصودة مبني على الضمة في محل نصب. يصطحبان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل.(2/564)
فأمّا «من»، فإنّه لا يعنى بها في خبر ولا استفهام ولا جزاء إلّا ما يعقل. لا تقول في جواب «من عندك»؟: «فرس» ولا «متاع»، إنّما تقول: «زيدا» أو «هند». قال الله عزّ وجلّ:
{فَمَنْ كََانَ يَرْجُوا لِقََاءَ رَبِّهِ} (1) وقال عزّ وجلّ يعني الملائكة: {وَمَنْ عِنْدَهُ لََا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِهِ} (2) وقال جلّ اسمه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمََاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (3).
* * * فأمّا «ما»، فتكون لذوات غير الآدميين، ولنعوت الآدميّين. إذا قال: «ما عندك»؟
قلت: «فرس»، أو «بعير»، أو «متاع» أو نحو ذلك. ولا يكون جوابه «زيد» ولا «عمرو».
ولكن يجوز أن يقول: «ما زيد»؟ فتقول: «طويل»، أو «قصير»، أو «عاقل»، أو «جاهل».
فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم، جاز أن تقع على ما يعقل.
ومن كلام العرب: «سبحان ما سبّح الرعد بحمده، وسبحان ما سخّركنّ لنا».
وقال عزّ وجلّ: {وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} (4). فقال قوم: معناه: «ومن بناها». وقال آخرون: إنّما هو: «والسماء وبنائها». كما تقول: «بلغني ما صنعت»، أي صنيعك لأنّ «ما» إذا وصلت بالفعل، كانت مصدرا.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} (5) قال قوم:
معناه: أو ملك أيمانهم. وقال آخرون: بل هو: أو من.
فأمّا «أيّ» و «الذي» فعامّتان، تقعان على كلّ شيء على ما شرحته لك في «أيّ» خاصّة.
وجملة «فإن عاهدتني نكن مثل»: استئنافية. وجملة «لا تخونني»: في محل نصب حال. وجملة «نكن»: جواب شرط لا محل لها لعدم الاقتران بالفاء أو إذا، وجملة «عاهدتني»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «من يصطحبان» حيث جاء ب «من» حاملا على المعنى لا اللفظ المثنى.
__________
(1) الكهف: 110.
(2) الأنبياء: 19.
(3) الملك: 16.
(4) الشمس: 5.
(5) المؤمنون: 6.(2/565)
هذا باب مسائل «أيّ» في الاستفهام
تقول: «أيّ من إن يأتنا يأته عبد الله». فالتقدير: أيّ الذين إن يأتونا يأتهم عبد الله.
ولو قلت: «أيّ من إن يأت زيدا قائما يوم الجمعة أخوك»، لم يجز لأنّك لم تأت للجزاء بجواب. ولكن لو قلت: «أيّ» من إن يأته من إن يأتنا نعطه يأت صاحبك»، كان الكلام جيّدا، وكانت «أيّ» مرفوعة بالابتداء. وتأويل هذا: أيّ الذين إن يأتهم من يأتنا نعطه يأت صاحبك. فقولك: «يأت» جواب الجزاء الأوّل، و «صاحبك» خبر الابتداء. وتقدير هذا بلا صلة: أيّ الذين إن يأتهم زيد يأت صاحبك لأنّ «من» الثانية وصلتها في موضع «زيد».
ولو قلت: «أيّ من إن يأته من إن يأتك تأته تكرمه نأتي»، كان إعراب «أيّ» النصب، وكان التقدير: أيّهم نأتي.
واعلم أنّ «أيّا» مضافة ومفردة في الاستغناء والاحتياج إلى الصلة سواء لأنّ المعنى واحد كما أنّ «زيدا» و «زيد مناة» سواء في الاحتياج والاستغناء لأنّ المعنى التسمية والإبانة عن الشخوص.
ولو قلت: «أيّ الثلاثة صاحباك»، كان جيّدا لأنّ المعنى: «أزيد وعمرو»؟ «أم عمرو وخالد»؟ «أم زيد وخالد»؟
ولو قلت: «أيّ الثلاثة ضرباها»، كان فاسدا لأنّك إذا قلت: «ضربا» لم يصلح أن يوصل فعلهما إلّا إلى واحد، وإلّا زدت في العدد.
ولو قلت: «أيّ الثلاثة ضربا عمرا»؟ و «عمرو» غير الثلاثة، لم يكن في إجازته شكّ.
فإن كان «عمرو» أحد الثلاثة، لم يجز. وذاك إن كنت تعرف «عمرا» لأنّه قد خرج من
المسألة. فإنّما ينبغي أن تقول: «أيّ الرجلين»؟ فإن كنت لا تعرف «عمرا»، إلّا أنّك تعلم أنّه من الثلاثة، فالقصّة فيه كالقصّة فيما قبله لأنّك إنّما تسأل عن أحد اثنين، وتحتاج إلى أن تعرف «عمرا».(2/566)
فإن كان «عمرو» أحد الثلاثة، لم يجز. وذاك إن كنت تعرف «عمرا» لأنّه قد خرج من
المسألة. فإنّما ينبغي أن تقول: «أيّ الرجلين»؟ فإن كنت لا تعرف «عمرا»، إلّا أنّك تعلم أنّه من الثلاثة، فالقصّة فيه كالقصّة فيما قبله لأنّك إنّما تسأل عن أحد اثنين، وتحتاج إلى أن تعرف «عمرا».
ولو قلت: «أيّ الثلاثة أحدهما عمرو»؟ كان عند بعض النحويّين جائزا، وليس يجوز عندي لما أشرحه لك وذلك أنّك إذا قلت: «أيّ الرجال أحدهما عمرو»، والرجال «زيد» و «عمرو» و «خالد» فكأنّك قلت: أهذا وهذا؟ تعني «زيدا» و «خالدا»، أم هذا وهذا؟ تعني «عمرا» و «خالدا». فليس في هذا بيان لتخليص «خالد» إذا كان مع «عمرو» من «زيد» لأنّ قصّتهما فيه واحدة، ولا فيه دليل على «عمرو» بعينه. وليس معنى «أيّ» إلّا التبيين، ولا تبيين في هذا.
ومن أجازه، قال: قد وقع فيه ضرب من التبيين لأنّا نعلم أنّ الثالث المخلّف ليس ب «عمرو». فيقال له: «أيّ» إنّما خبرها هو المطلوب تفسيره، والذي بينت أنّه ليس ب «عمرو» ليس منهما.
وتقول: «أيّ إخوانك زيد عمرو خالد يكلّمه فيه عنده»؟ كما تقول: «أخوك زيد عمرو خالد يكلّمه فيه عنده»، لأنّه ابتداء بعد ابتداء.
ولو قلت: «أيّ الذين في الدار هند ضاربتهم»؟ جاز أن تكون اقتطعت ب «أي» جماعة من جماعة، والوجه ضاربته. وليس الحمل على المعنى ببعيد، بل هو وجه جيّد. قال الله عزّ وجلّ: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ} (1) وقال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} (2) فهذا على اللفظ، والأوّل على المعنى.
ولو قلت: «أيّ من في الدار يكرمك»؟ كان جيّدا لأنّ المعنى: أيّ القوم يكرمك؟
ولو قلت: «أيّ من في الدار يكرمك تكرمه»، فإن شئت جعلت «يكرمك» الأولى من الصلة، فكان المعنى: «أيّ من يكرمك في الدار»، فيكون الإكرام وقع لك في الدار. وإن شئت، كان في الصلة، وإن شئت، أخرجته من الصلة، وجعلته خبرا، وجعلت «تكرمه» حالا. هذا في الرفع. وإن شئت، جزمتهما، وإن شئت، جعلت «أيّ» جزاء، وإن شئت، رفعت الأوّل، وجزمت الثاني، وجعلت «أيّا» استفهاما. فأمّا «من» في هذا الموضع، فهي
__________
(1) النمل: 87.
(2) مريم: 95.(2/567)
بمنزلة «الذي»، و «في الدار» صلتها. فكأنّك قلت: «أيّ القوم تكرمه يكرمك» إذا كان جزاء، و «تكرمه يكرمك» إذا كانت استفهاما.
وتقول: «أيّا تضرب»؟ وتقول: «أيّ تضربه»؟ كما تقول: «زيد تضربه».
فإن قال قائل: فما بال النصب لا يختار هاهنا كقولك: «أزيدا تضربه»؟ لأنّه استفهام؟
فإنّ الجواب في ذلك: أنّ «أيّا» هي الاسم، وهي حرف الاستفهام، فلا يكون قبلها ضمير. وذلك قولك: «أزيدا ضربته»؟ إنّما أوقعت الضمير بعد ألف الاستفهام، فنصبت «زيدا».
ولكن لو اجتمع بعدها اسم وفعل كان المختار فيها تقديم الفعل. فإن قدّمت الاسم، كان على فعل مضمر. وذلك قولك: «أيّهم أخاه تضربه». ولو قلت: «أيّهم يضرب أخاه» كان على قولك: «زيدا تضربه».
ولو قلت: «أيّهم زيدا ضاربه» إذا كان «زيد» مفعولا كان النصب في «زيد» الوجه إذا لم يكن «ضارب» في معنى الماضي.
فإن رفعت على قول من قال: «أزيد أنت ضاربه»، قلت: «أيّهم زيد ضاربه هو». وإن شئت جعلت «ضاربه» خبرا ل «زيد»، فكان «هو» إظهار الفاعل، لأنّ الفعل جرى على غير صاحبه. وإن شئت جعلت «هو» مقدّما ومؤخّرا على قولك: «هو ضاربه» أو «ضاربه هو» كان حسنا جميلا.
وتقول: «أيّهم أمة الله المتكلّم فيها هو». لا يكون في «أمة الله» إلّا الرفع، لأنّ الفعل في الصلة، فلا يجوز أن تضمر إلّا على جهة ما ظهر.
وتقول: «أيّ يوم سار زيد إلى عمرو»؟ كأنّك قلت: «أيوم الجمعة سار زيد إلى عمرو»؟
فإن قلت: «أيّ يوم سار فيه زيد إلى عمرو»، رفعت، إلّا في قول من قال: «يوم الجمعة سرت فيه».
وتقول: «أيّ أصحابك من إن يأتنا من يضربه أخوه يكرمه» لأنّك جعلت الجزاء خبرا عن «أيّ».
ولو قلت: «أيّ من يأتني آته»، كان محالا لأنّك إذا أضفت «أيّا» إلى «من» لم تكن «من» إلّا بمنزلة «الذي». فإن قلت: أجعل «أيّا» استفهاما، وأجعل «من» جزاء، فقد أحلت
لأنّك إذا أضفت إلى الجزاء اسما دخله الجزاء ألا ترى أنّك تقول: «غلام من يأتك تأته»، فيصير الجزاء ل «الغلام» صلة.(2/568)
ولو قلت: «أيّ من يأتني آته»، كان محالا لأنّك إذا أضفت «أيّا» إلى «من» لم تكن «من» إلّا بمنزلة «الذي». فإن قلت: أجعل «أيّا» استفهاما، وأجعل «من» جزاء، فقد أحلت
لأنّك إذا أضفت إلى الجزاء اسما دخله الجزاء ألا ترى أنّك تقول: «غلام من يأتك تأته»، فيصير الجزاء ل «الغلام» صلة.
فإن قلت: فأجعل «أيّا» بمنزلة «غلام». قيل: لا يكون كذلك إلّا أن توصل لأنّها إذا لم تكن جزاء أو استفهاما لم تكن إلّا موصولة.
فإن قلت: أجعلها استفهاما. قيل: قد أحلت لأنّك قد جعلتها جزاء واستفهاما في حال، ومتى كانت في إحداهما بطل الآخر.
فإن قلت: أرفع فأقول: «أيّ من يأتيني آتيه»؟ فذلك جيّد لأنّك جعلت «يأتيني» صلة، و «آتيه» خبرا، و «أيّا» استفهاما. فكأنّك قلت: «أيّ القوم آتيه». ولو فصلت «أيّا» من «من»، لجاز، فقلت: «أيّ من يأتني آته» فكانت «أيّ» استفهاما، و «من» للجزاء.
وكذلك لو قلت: «من من يأتنا نكرمه»؟ لكان جيّدا. تجعل «الهاء» في «نكرمه» راجعة إلى «من» الأولى، فيكون التقدير: «من الرجل الذي من أتانا من الناس أتيناه»؟
* * *
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستفهما مستثبتا(2/569)
* * *
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستفهما مستثبتا
إذا قال لك رجل: «رأيت رجلا»، قلت: «أيّا»؟ وذلك أنّك أردت أن تحكي كلامه.
فإن قال: «جاءني رجل». قلت: «أيّ»؟ موقوفة. فإن وصلت قلت: «أيّ يا فتى»؟
لأنّها مرفوعة كالذي استفهمت عنه.
فإن قال: «مررت برجل»، قلت في الوقف: «أيّ»؟ موقوف. كما تقول في المخفوض: «مررت بزيد». فإن وصلت قلت: «أيّ يا فتى»؟
فإن قال: «جاءتني امرأة»، قلت: «أيّة»؟ فإن وصلت قلت: «أيّة يا فتى»؟
وكذلك النصب والخفض. تنصب إذا نصب، وتخفض إذا خفض حكاية لقوله، وتقف بلا حركة ولا تنوين.
فإن ثنّى فقال: «جاءني رجلان»، قلت: «أيّان»؟
فإن قال: «رأيت رجلين أو مررت برجلين»، قلت: «أيّين»؟ على حكاية كلامه.
وإن قال: «جاءتني امرأتان»، قلت: «أيّتان»؟ وفي النصب والخفض: «أيّتين»؟
وتكسر النون في الوصل، لأنّها نون الاثنين.
فإن قال: «جاءني رجال»، قلت: «أيّون»؟ فإن وصلت، فتحت النون.
وإن قال: «مررت برجال أو رأيت رجالا»، قلت: «أيّين»؟
وإن قال: «جاءني نساء»، قلت: «أيّات»؟ فإن وصلت، قلت: «أيّات يا فتى»؟
وإن قال: «مررت بنساء»، أو «رأيت نساء»، قلت: «أيّات يا فتى»؟ إذا وصلت، فإن وقفت فبغير حركة ولا تنوين. على ما وصفت لك.
وإن شئت، قلت في جميع هذا، ذكرا كان أو أنثى، جمعا كان أو واحدا، «أيّ يا فتى» إذا كان مرفوعا، و «أيّا» و «أيّ» إذا كان منصوبا أو مخفوضا لأنّ «أيّا» يجوز أن تقع
للجماعة على لفظ واحد، وللمؤنّث على لفظ المذكّر، وكذلك التثنية لأنّها بمنزلة «من» و «ما» لأنّهما في جميع ما وقعتا عليه على لفظ واحد.(2/570)
وإن شئت، قلت في جميع هذا، ذكرا كان أو أنثى، جمعا كان أو واحدا، «أيّ يا فتى» إذا كان مرفوعا، و «أيّا» و «أيّ» إذا كان منصوبا أو مخفوضا لأنّ «أيّا» يجوز أن تقع
للجماعة على لفظ واحد، وللمؤنّث على لفظ المذكّر، وكذلك التثنية لأنّها بمنزلة «من» و «ما» لأنّهما في جميع ما وقعتا عليه على لفظ واحد.
وإنّما جاز في «أيّ» التثنية والجمع دون أخواتها لأنّها تضاف، وتفرد، ويلحقها التنوين بدلا من الإضافة فلذلك خالفت أخواتها.
وإن شئت، تركت الحكاية في جميع هذا، واستأنفت، فرفعت على الابتداء والخبر، فقلت: «أيّ يا فتى»؟ لأنّك لو أظهرت الخبر، لم تكن «أيّ» إلّا مرفوعة نحو قولك: «أيّ من ذكرت»، و «أيّ هؤلاء»؟
* * *
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستثبتا بها عن معرفة(2/571)
* * *
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستثبتا بها عن معرفة
إذا قال رجل: «رأيت عبد الله». فإنّ الاستفهام «أيّ عبد الله»؟ لا يكون إلّا ذلك لأنّ «أيّا» ابتداء، وعبد الله خبره.
ولو قلت: «أيّ يا فتى» لم يكن إلّا للنكرة لأنّك جعلتها شائعة، إذ لم تخصص بها اسما.
ولو قال قائل: «أيّ يا فتى»؟ على أنه أراد أن «عبد الله» هذا ممّن ينكّره، فهو عنده شائع بمنزلة «رجل» لجاز. وليس بالوجه. فأمّا «من عبد الله» ونحوه، فبابه ظاهر.
وإذا قلت: «رأيت أخويك»، فإنّ الوجه أن يقول: «أيّ أخواك»؟ على اللفظ أو المعنى والحمل على المعنى حسن. وهو الذي يختاره من بعد سيبويه أن يقول: «من أخواي»؟ لأنّه قد فهم القصّة، فعنها يجيب، وكذلك: «رأيت الرجل»، و «مررت بالرجل».
فإن قال: «رأيت الرجلين» أو «أخويك» فقلت: «أيّان الرجلان»، و «أيّان أخواي»؟
فهذا الذي يختاره النحويّون.
والإفراد في «أيّ» الذي بدأنا به حسن لما ذكرنا في الباب الذي قبله.
ولو قلت: «رأيت الرجال»، أو «مررت بالرجال»، أو «جاءني الرجال»، لقلت:
«أيّون الرجال»؟ و «أيّ الرجال»؟ على ما وصفت لك.
واعلم أنّه إذا ذكر شيء من غير الآدميّين، وقعت عليه «أيّ» كما تقع على الآدميّين لأنّها عامّة، وليست ك «من».
وذلك أنّه لو قال: «ركبت حمارا»، لكان الجواب: «أيّا»؟ أو قال: «مررت بحمار»، لقلت: «أيّ يا فتى»؟ فإن وقفت قلت: «أيّ»، على ما شرحت لك.
وإن قال: «هذا الحمار»، قلت: «أيّ الحمار»؟ كما كنت قائلا في الآدميّين.
* * *
هذا باب «من» إذا كنت مستفهما بها عن نكرة(2/572)
* * *
هذا باب «من» إذا كنت مستفهما بها عن نكرة
إذا قال لك رجل: «رأيت رجلا»، فإنّ الجواب أن تقول: «منا»؟ أو قال: «جاءني رجل»، فإنّك تقول: «منو»؟ أو قال: «مررت برجل»، قلت: «مني»؟ وليست هذه الواو والياء والألف اللواحق في «من» إعرابا، ولكنّهنّ لحقن في الوقف للحكاية. فهنّ دليل، ولسن بإعراب.
فإن قال: «جاءني رجلان»، قلت: «منان»؟ وإن قال: «مررت برجلين أو رأيت رجلين»، قلت: «منين»؟ وإن قال: «رأيت امرأة» أو «هذه امرأة»، أو «مررت بامرأة»، قلت: «منه»؟
فإن قال: «جاءتني امرأتان». قلت: «منتان»؟ تسكّن النون، كما كانت في «من» ساكنة. وإنّما حرّكتها فيما قبل من أجل ما بعدها لأنّ هاء التأنيث لا تقع إلّا بعد حرف متحرّك، وكذلك حروف التثنية، أعني: الياء، والألف لسكونهما.
فأمّا قولك: «منو»، و «مني»، فإنّما حرّكت معها النون لعلّتين:
إحداهما: قولك في النصب: «منا» لأنّ الألف لا تقع إلّا بعد مفتوح. فلمّا حرّكت في النصب، حرّكت في الخفض والرفع ليكون المجرى واحدا.
والعلّة الأخرى: أنّ الياء والواو خفيّتان. فإن جعلت قبل كلّ واحدة منهما الحركة التي هي منها، ظهرتا، وتبيّنتا.
فإن قال لك: «جاءني رجال»، قلت: «منون»؟
وإن قال: «مررت برجال»، أو «رأيت رجالا»، قلت: «منين»؟
وإن قال: «رأيت نساء»، أو «مررت بنساء»، أو «جاءتني نساء»، قلت: «منات»؟
فإن وصلت، قلت في جميع هذا: «من يا فتى»؟ لأنّها الأصل وإنّما ألحقت تلك الدلائل في الوقف، فصرن بمنزلة ما يلحق في الوقف ممّا لا يثبت في الوصل.
فأمّا الوصل، فليس فيه إلّا ما ذكرت لك؟ لأنّ «من» في النصب والرفع، والخفض، والمؤنّث، والمذكّر، والتثنية، والجمع على لفظ واحد. تقول: «رأيت من في الدار»، و «جاءني من في الدار». وقد شرحنا العلّة في ذلك.(2/573)
فإن وصلت، قلت في جميع هذا: «من يا فتى»؟ لأنّها الأصل وإنّما ألحقت تلك الدلائل في الوقف، فصرن بمنزلة ما يلحق في الوقف ممّا لا يثبت في الوصل.
فأمّا الوصل، فليس فيه إلّا ما ذكرت لك؟ لأنّ «من» في النصب والرفع، والخفض، والمؤنّث، والمذكّر، والتثنية، والجمع على لفظ واحد. تقول: «رأيت من في الدار»، و «جاءني من في الدار». وقد شرحنا العلّة في ذلك.
فإن اضطرّ شاعر، جاز أن يصل بالعلامة. وليس ذلك بحسن. قال الشاعر [من الوافر]:
[233] أتوا ناري فقلت: منون أنتم؟ ... فقالوا: الجنّ. قلت: عموا ظلاما
[233] التخريج: البيت لشمر بن الحارث في الحيوان 4/ 482، 6/ 197وخزانة الأدب 6/ 167، 168، 170والدرر 6/ 246ولسان العرب 3/ 149 (حسد)، 13/ 420 (منن) ونوادر أبي زيد ص 123ولسمير الضّبّي في شرح أبيات سيبويه 2/ 183ولشمر أو لتأبّط شرّا في شرح التصريح 2/ 283 وشرح المفصل 4/ 16ولأحدهما أو لجذع بن سنان في المقاصد النحوية 4/ 498وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 462وجواهر الأدب ص 107والحيوان 1/ 328والخصائص 1/ 128والدرر 6/ 310 ورصف المباني ص 437وشرح الأشموني 2/ 642وشرح ابن عقيل ص 618وشرح شواهد الشافية ص 295والكتاب 2/ 411ولسان العرب 6/ 12 (أنس)، 14/ 378 (سرا) والمقرب 1/ 300وهمع الهوامع 2/ 157، 211.
شرح المفردات: أتوا ناري: أي قصدوا النار التي أوقدتها لهداية الضالّين. منون أنتم: أي: من أنتم.
عموا ظلاما: أنعموا ظلاما.
المعنى: قصدوا النار التي أوقدتها لهداية الضالّين فقلت لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن «جنّ». فقلت لهم أنعموا ظلاما.
الإعراب: «أتوا»: فعل ماض، والواو: ضمير في محلّ رفع فاعل، والألف: فارقة. «ناري»: مفعول به منصوب، والياء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فقلت»: الفاء: حرف عطف، «قلت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «منون»: اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، أو خبر مقدم. «أنتم»:
ضمير منفصل في محلّ رفع خبر المبتدأ، أو مبتدأ مؤخّر. «فقالوا»: الفاء: حرف عطف، «قالوا»: فعل ماض، والواو: ضمير في محلّ رفع فاعل، والألف: فارقة. «الجن»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: «نحن».
«قلت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «عموا»: فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو:
ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل. «ظلاما»: ظرف زمان منصوب متعلّق ب «عموا».
وجملة «أتوا»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «قلت لهم»: معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «منون أنتم»: في محلّ نصب مفعول به. وجملة «قالوا»:
معطوفة على جملة «أتوا» فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نحن الجن»: في محل نصب مفعول به. وجملة «قلت»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عموا»: في محلّ نصب مفعول به.(2/574)
ولو قال قائل، إذا قيل له: «جاءني رجال»، «منو»؟ وإن قيل له: «رأيت رجالا» قال:
«منا»؟ أو «مررت برجال»، فقال: «مني»؟ يلحق العلامة، ولا يثنّي «من» ولا يجمعها، كان جائزا. والأكثر ما بدأنا به. وقياس «من» فيها ما ذكرت لك ما تقدّم شرحه من أنّها مفردة تقع للجميع وللاثنين وغير ذلك، ولا تظهر فيها علامة.
* * * الشاهد فيه قوله: «منون أنتم» حيث يريد: «من أنتم»، فألحق الواو والنون ب «من» في الوصل. وهذا لا يجوز إلّا في الوقف، وحرّك النون التي تكون ساكنة.(2/575)
هذا باب «من» إذا كنت مسترشدا بها عن إثبات معرفة
إذا قال لك رجل: «جاءني عبد الله»، فإنّ السؤال إذا كنت تعرف جماعة كلّهم عبد الله: «من عبد الله»؟
وإذا قال: «رأيت عبد الله»، قلت: «من عبد الله»؟
وإن قال: «مررت بعبد الله»، قلت: «من عبد الله»؟
فهذا سبيل كلّ اسم علم مستفهم عنه أن تحكيه كما قال المخبر.
ولو قلت: في جميع هذا: «من عبد الله»؟ كان حسنا جيّدا. وإنّما حكيت ليعلم السامع أنّك تسأله عن هذا الذي ذكر بعينه، ولم تبتدىء السؤال عن آخر له مثل اسمه.
والدليل على ذلك أنّك لو قلت: «ومن» أو «فمن» لم يكن ما بعدهما إلّا رفعا لأنّك عطفت على كلامه، فاستغنيت عن الحكاية لأنّ العطف لا يكون مبتدأ.
فإن قال: «رأيت أخاك»، أو «مررت بأخيك»، كان الاستفهام: «من أخوك»، أو:
«من أخي»؟ ولا تحكي لأنّ الحكاية إنّما تصلح في الأسماء الأعلام خاصّة، لما أذكره لك من أنّها على غير منهاج سائر الأسماء.
وكذلك إن قال: «رأيت الرجل يا فتى»، قلت: «من الرجل»؟
وكان يونس يجري الحكاية في جميع المعارف، ويرى بابها وباب الأعلام واحدا.
وقد يجوز ما قال، وليس بالوجه. وإنّما هو على قول من قيل له: «عندي تمرتان» فقال: «دعني من تمرتان»، وقيل له: «رأيت قرشيّا» فقال: «ليس بقرشيّا».
فهذا جائز، وليس هو على الباب. إنّما تحكى الجمل نحو: قلت: «زيد منطلق» لأنّه كلام قد عمل بعضه في بعض. وكذلك قرأت: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1)، و «رأيت على خاتمه: الله أكبر».
__________
(1) الفاتحة: 1.(2/576)
ولا يصلح أن تقول إذا قلت: «رأيت زيدا»، و «لقيت أخاك»: «منا»؟ لأنّ ذلك إنّما هو سؤال شائع في النكرة.
والكنى التي هي أعلام بمنزلة الأسماء. فهذا جملة هذا الباب.
* * * وتثنية الأعلام وجمعها يردّها إلى النكرة، فتعرّف بالألف واللام، فتصير بمنزلة «رجل»، و «الرجل» نحو: «رأيت زيدين»، و «رأيت الزّيدين» إلّا ما كان مضافا إلى معرفة، فإنّ تعريفه بالإضافة فتعريفه باق لأنّ الذي أضيف إليه باق. وقد ذكرنا هذا في باب المعرفة والنكرة.
* * * ولو قال «رجل» في جميع الجواب عن «من» رفعا تكلّم به المتكلّم أو نصبا أو خفضا فقال المجيب: «من عبد الله»؟ على الابتداء والخبر، كان جيّدا بالغا، وهو الذي يختاره سيبويه. كما كان ذلك في «أيّ» وهو قول بني تميم، وهو أقيس.
* * *
هذا باب «من» إذا أردت أن يضاف لك الذي تسأل عنه(2/577)
* * *
هذا باب «من» إذا أردت أن يضاف لك الذي تسأل عنه
اعلم أنّ رجلا لو قال: «رأيت زيدا»، فلم تدر أيّ الزّيود هو؟ لكان الجواب على كلامه أن تبتدىء فتقول: «آلقرشيّ أم الثقفيّ أم الطويل أم القصير»؟
وكذلك يردّ عليك الجواب فيقول: «القصير يا فتى»، ونحو ذلك، لأنّ الكلام يرجع إلى أوّله.
ألا ترى لو أنّ قائلا قال: «كيف أصبحت»، أو «كيف كنت»؟ لكان الجواب أن تقول:
«صالحا» لأنّ «كيف» في موضع الخبر. كأنّه قال: أصالحا أصبحت أم طالحا؟ فأجبته على مقدار ذلك.
ولو قلت: «صالح» ونحوه، لجاز، تدع كلامه، وتبتدىء كأنك قلت: «أنا صالح».
وكذلك يجوز: «آلقرشيّ أم الثقفيّ»؟ تركت كلامه، وابتدأت فقلت: أهذا الذي ذكرت زيد القرشيّ أم زيد الثقفيّ.
وكذلك لو قال لك: «القرشيّ» على «هو»، لكان جائزا حسنا، لأنّه غير خارج من المعنى.
* * *
هذا باب الصفة التي تجعل وما قبلها بمنزلة شيء واحد فيحذف التنوين من الموصوف(2/578)
* * *
هذا باب الصفة التي تجعل وما قبلها بمنزلة شيء واحد فيحذف التنوين من الموصوف
وذلك قولك: «هذا زيد بن عبد الله»، و «هذا عمرو بن زيد». والكنية كالاسم.
تقول: «هذا أبو عمرو بن العلاء يا فتى»، و «هذا زيد بن أبي زيد». فهذا الباب والوجه.
فأمّا أكثر النحويّين فيذهبون إلى أنّ التنوين إنّما حذف لالتقاء الساكنين، وكان في هذا لازما لأنّهما بمنزلة شيء واحد.
فإن كان في غير هذا الموضع، فالمختار والوجه في التنوين التحريك لالتقاء الساكنين لأنّ الحذف إنّما يكون في حروف المدّ واللين خاصّة. وإنّما جاز في التنوين لمضارعته إيّاها، وأنّه يقع كثيرا بدلا منها، وتزاد في الموضع الذي تزاد فيه، لا تنفكّ من ذلك. فلمّا أشبهها، وجرى معها، أجرى مجراها معها في اضطرار الشاعر وفيما ذكرت من هذا الاسم والصفة.
فأمّا ما جاء من هذا في الشعر، فقوله [من الكامل]:
[234] عمرو الذي هشم الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف
[234] التخريج: البيت لمطرود بن كعب الخزاعي في الاشتقاق ص 13وأمالي المرتضى 2/ 268ومعجم الشعراء ص 200ولعبد الله بن الزبعرى في أمالي المرتضى 2/ 269ولسان العرب 2/ 47 (سنت)، 12/ 611 (هشم) والمقاصد النحوية 4/ 140وبلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 367 ورصف المباني ص 358وسرّ صناعة الإعراب 2/ 535وشرح شواهد الإيضاح ص 289وشرح المفصل 9/ 36والمنصف 2/ 231ونوادر أبي زيد ص 167.
اللغة: هشم: دقّ وطحن. الثريد: نوع من الطعام. مسنتون: أصابهم القحط والجدب. عجاف:
هزيلون من الجوع.(2/579)
وقال الآخر [من المتقارب]:
[235] حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع
المعنى: كان عمرو أو هاشم بن عبد مناف من أكرم وأنبل أهل مكة ضيافة لحجاج بيت الله، وكان يقدم الطعام لقومه حين يصيبهم الجدب.
الإعراب: «عمرو»: خبر لمبتدأ محذوف (أو بحسب ما قبلها) مرفوع وعلامة رفعه الضمة. «الذي»:
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة. «هشم»: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر على آخره، والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. «الثريد»: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. «لقومه»: اللام: حرف جر، «قوم»: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والهاء: ضمير في محل جرّ بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «هشم». «ورجال»: الواو: حالية، «رجال»: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. «مكة»: مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. «مسنتون»: خبر أول مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. «عجاف»: خبر ثان مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
وجملة «هشم»: فعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة «رجال مكة»: اسمية في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: «عمرو» حذف التنوين للتخلص من التقاء الساكنين، سكون التنوين وسكون اللام في «الذي» للضرورة.
[235] التخريج: البيت لحميد الأمجي في معجم ما استعجم 1/ 191ولابن عم حميد في العقد الفريد 6/ 352وبلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 376وسرّ صناعة الإعراب 2/ 535ونوادر أبي زيد ص 117.
اللغة: الأمج: العطش واسم موضع.
المعنى: وحميد هذا داره في أمج، وقد لازم الخمرة رغم تقدم سنه، وهو أصلع.
الإعراب: «حميد»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هو» مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. «الذي»:
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة ل «حميد». «أمج»: خبر مقدم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. «داره»: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف والضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة. «أخو»: نعت أول ل «حميد» مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضاف. «الخمر»: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. «ذو»: نعت ثان ل «حميد» مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. «الشيبة»: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. «الأصلع»: بدل للشيبة على التذكير، مجرور بالكسرة.
وجملة «هو حميد»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أمج داره»: جملة اسمية لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
والشاهد فيه قوله: «حميد» حيث حذف التنوين من هذه الكلمة، وكان الأصل أن يحرك هذا التنوين(2/580)
وينشد بيت أبي الأسود [من المتقارب]:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلّا قليلا [1]
على أنّه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
وقرأ بعض القرّاء {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ اللََّهُ الصَّمَدُ} (2) وأمّا الوجه فإثبات التنوين، وإنّما هذا مجاز.
فمن ذهب إلى أنّ حذف التنوين لالتقاء الساكنين قال: «هذه هند بنت عبد الله» فيمن صرف هندا، لأنّه لم يلتق ساكنان، فكان أبو عمرو بن العلاء يذهب إلى أنّ الحذف جائز لأنّهما بمنزلة اسم واحد لالتقاء الساكنين، ويحتجّ بما ذكرته لك في النداء من قولهم: «يا زيد بن عبد الله»، وقال: «هذا هو» بمنزلة قولك: «هذا امرؤ»، و «مررت بامرىء»، و «رأيت امرأ». تكون الراء تابعة للهمزة، فكذلك آخر الاسم الأوّل تابع لنون «ابن» وهو و «ابن» شيء واحد. تقول: «هذا زيد بن عبد الله»، و «مررت بزيد بن عبد الله»، و «رأيت زيد بن عبد الله». فيقول: «هذه هند بنت عبد الله» فيمن صرف هندا.
واعلم أنّ الشاعر إذا اضطرّ، ردّه إلى حكم النعت والمنعوت فقال: «هذا زيد بن عبد الله». لأنّه وقف على «زيد»، ثمّ نعته. وهذا في الكلام عندنا جائز حسن. فمن ذلك قوله [من الرجز]:
[236] جارية من قيس ابن ثعلبه
فإن كان الثاني غير نعت، لم يكن في الأوّل إلّا التنوين. تقول: «رأيت زيدا ابن
حتى تنشأ نون مكسورة على ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين اللذين هما سكون التنوين وسكون لام «الذي» لأن بينهما ألف وصل ولا اعتداد بها في الدرج، لكنه حذف التنوين رأسا في هذا الموضع من التقاء هذين الساكنين، وهذا الحذف من الضرورات التي لا تقع إلا في الشعر.
[1] تقدّم بالرقم 3.
__________
(2) الإخلاص: 21.
[236] التخريج: الرجز للأغلب العجليّ في ديوانه ص 147وخزانة الأدب 2/ 236والدرر 3/ 36وشرح أبيات سيبويه 2/ 312ولسان العرب 1/ 238 (ثعلب) وبلا نسبة في الخصائص 2/ 491 وسرّ صناعة الإعراب 2/ 530وشرح التصريح 2/ 170ولسان العرب 1/ 659 (قبب) وهمع الهوامع 1/ 176.
الإعراب: جارية: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة. من قيس: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لجارية. ابن: صفة مجرورة بالكسرة. ثعلبة: مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف، وسكّن لضرورة الشعر.(2/581)
عمرو» لأنّك وقفت على «زيد»، ثم أبدلت منه ما بعده.
ولو قلت: «هذا زيد ابن أخيك»، لم يكن في «زيد» إلّا التنوين: لأنّ قولك: «ابن أخيك» ليس بعلم، ولأنّك إنّما تحذف التنوين من العلم إذا كان منسوبا إلى علم مثله.
وكذلك: «هذا رجل ابن رجل نعرفه»، و «هذا زيد ابن زيدك» لأنّك جعلت «زيدا» الثاني نكرة، ثمّ عرّفته بالإضافة.
ولو قلت: «هذا زيد بنيّ عمرو» لم يكن إلّا التنوين لأنّه ليس ممّا كثر، فحذف، ولا التقى ساكنان.
ولو قلت: «هذا زيد ابن أبي عمرو»، و «أبو عمرو» غير كنية، ولكنّك أردت أنّ أباه أبو آخر يقال له «عمرو»، لم يكن في «زيد» إلّا التنوين، إلّا في قول من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ اللََّهُ الصَّمَدُ} (1) وقد مضى تفسيره. ومن قال بالبدل قال: «يا زيد ابن عبد الله» لأنّه دعا «زيدا»، ثمّ أبدل منه. فهذا كقوله: «يا زيد أخا عبد الله». فعلى هذا يجري هذا الباب.
* * * فأمّا القراءة فعلى ضربين:
قرأ قوم: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} (2) لأنّه ابتداء وخبر، فلا يكون في «عزير» إلّا التنوين.
ومن قرأ «عزير ابن الله» فإنّما أراد خبر ابتداء كأنّهم قالوا: هو عزير بن الله ونحو هذا ممّا يضمر. ويكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهو يريد الابتداء والخبر. فيصير كقولك: «زيد الذي في الدار». فهذا وجه ضعيف جدّا لأنّ حقّ التنوين أن يحرّك لالتقاء الساكنين إلّا أن يضطرّ شاعر على ما ذكرت لك فيكون كقوله [من الكامل]:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف [3]
* * *
وجملة «هي جارية»: ابتدائية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «من قيس» حيث نون (قيس) وهو الموصوف بابن لضرورة شعرية.
__________
(1) الإخلاص: 21.
(2) التوبة: 30.
[3] تقدّم بالرقم 234.(2/582)
هذا باب ما يلحق الاسم والفعل وغيرهما ممّا يكون آخر الكلام في الاستفهام
إذا أردت علامة الإنكار لأن يكون الأمر على ما ذكر أو على خلاف ما ذكر.
وهي واو تلحق المرفوع والمضموم، وياء تلحق المخفوض والمكسور، وألف تلحق المفتوح والمنصوب، وتلحقها بعد كلّ حرف من هذه الحروف لأنّ حروف اللين خفيّة.
فإنّما تلحق الهاء لتوضّح الحرف كما تلحق في النّدبة ونحوها.
وجد هذا الباب هكذا، وهو ترجمة باب لم نذكر شرحه، والباب معروف في كتاب سيبويه، وكذا وقع هذا
* * *
هذا باب القسم(2/583)
* * *
هذا باب القسم
اعلم أنّ للقسم أدوات توصّل الحلف إلى المقسم به لأنّ الحلف مضمر مطّرح لعلم السامع به كما كان قولك: «يا عبد الله» محذوفا منه الفعل لما ذكرت لك.
وكذلك كلّ مستغنى عنه فإن شئت، أظهرت الفعل كما أنّك تقول: «يا زيد عمرا»، أي: عليك عمرا: وتقول: «الطريق يا فتى»، أي: خلّ الطريق وترى الرامي قد رمى، فتسمع صوتا فتقول: «القرطاس والله»، أي: أصبت.
وإن شئت قلت: «خلّ الطريق»، و «يا زيد عليك عمرا»، و «أصبت القرطاس يا فتى».
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} (1) إنّما هو: اتّبعوا وذلك لأنّه جواب قوله: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصََارى ََ} (2).
فهكذا القسم في إضمار الفعل وإظهاره. وذلك قوله: «أحلف بالله لأفعلن». وإن شئت قلت: «بالله لأفعلن». والباء موصّلة كما كانت موصّلة في قولك: «مررت بزيد».
فهي والواو تدخلان على كلّ مقسم به لأنّ الواو في معنى الباء، وإنّما جعلت مكان الباء، والباء هي الأصل كما كان في «مررت بزيد»، و «ضربت بالسيف يا فتى» لأنّ الواو من مخرج الباء، ومخرجهما جميعا من الشفة، فلذلك أبدلت منها كما أبدلت من «ربّ» في
__________
(1) البقرة: 135.
(2) البقرة: 135.(2/584)
قوله [من الرجز]:
[237] وبلد ليس به أنيس
لأنّها لمّا أبدلت من الباء، دخلت على «ربّ» لما أشرحه لك في بابها كما تدخل الإضافة بعضها على بعض. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ} (1)، أي:
بأمر الله. وقال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (2) أي: على. وقال: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} (3) أي: يستمعون عليه. وقال الشاعر [من الطويل]:
[238] هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا
[237] التخريج: الرجز للعجّاج في الدرر 6/ 187وشرح التصريح 1/ 230وليس في ديوانه ولرؤية في ملحق ديوانه ص 176وبلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 316وهمع الهوامع 2/ 144.
الإعراب: «وبلد»: الواو: واو ربّ، «بلد»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ، خبره.
محذوف «ليس»: فعل ماض ناقص. «به»: جار ومجرور متعلّقان بخبر «ليس» المحذوف. «أنيس»: اسم «ليس» مرفوع.
وجملة «يا مع المنادى المحذوف»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ليتني»:
استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «وأنت معي»: في محلّ نصب حال. وجملة «ليس به أنيس»: في محلّ جرّ نعت «بلد».
والشاهد فيه قوله «وبلد» حيث أبدلت الواو من (ربّ)، وعملت عمها. ويروى الشاهد على النحو التالي:
يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلد ليس به أنيس
ولا شاهد في هذه الرواية.
__________
(1) الرعد: 11.
(2) طه: 71.
(3) الطور: 38.
[238] التخريج: البيت لسويد بن أبي كاهل في الأزهية ص 268وشرح شواهد المغني 1/ 479 ولسان العرب 3/ 277 (عبد)، 6/ 115 (شمس) ولامرأة من العرب في الخصائص 2/ 313وشرح المفصّل 8/ 21ولسان العرب 15/ 168 (فيا) وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 506ورصف المباني ص 389.
اللغة: العبدي: رجل من عبد القيس. الأجدع: المقطوع.
المعنى: لقد صلبوا الرجل على ساق النخلة، فانتقم منهم يا ربّ، واقطع أنوفهم جميعا، بحيث لا يعطس رجل من قبيلة شيبان إلا بأنف مقطوع.
الإعراب: هم: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. صلبوا: فعل ماض مبني على الضمّ، والواو:(2/585)
وقال الآخر [من الوافر]:
[239] إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، والألف: للتفريق. العبدي: مفعول به منصوب بالفتحة. في جذع: جار ومجرور متعلّقان ب (صلبوا). نخلة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. فلا: الفاء: استئنافية، «لا»: نافية.
عطست: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. شيبان: فاعل مرفوع بالضمّة. إلا: حرف حصر.
بأجدعا: جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف، متعلقان ب (عطس)، والألف:
للإطلاق.
وجملة «هم صلبوا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «صلبوا»: في محل رفع خبر (هم). وجملة «فلا عطست»: استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «في جذع» حيث جاءت (في) بمعنى (على) للاستعلاء.
[239] التخريج: البيت للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص 507والأزهية ص 277وخزانة الأدب 10/ 132، 133والدرر 4/ 135وشرح التصريح 2/ 14وشرح شواهد المغني 1/ 416ولسان العرب 14/ 323 (رضي) والمقاصد النحويّة 3/ 282ونوادر أبي زيد ص 176وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 118والإنصاف 2/ 630وجمهرة اللغة ص 1314والجنى الداني ص 477والخصائص 2/ 311، 389ورصف المباني ص 372وشرح الأشموني 2/ 294وشرح شواهد المغني 2/ 954 وشرح ابن عقيل ص 365وشرح المفصّل 1/ 120ولسان العرب 15/ 444 (يا) والمحتسب 1/ 52، 348ومغني اللبيب 2/ 143وهمع الهوامع 2/ 28.
اللغة: بنو قشير: هم قوم قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، اشتركوا في الفتوحات الإسلاميّة.
المعنى: إذا رضيت عنّي بنو قشير سرّني رضاها، وأراح بالي لما له من تأثير عظيم عليّ.
الإعراب: «إذا»: ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط، متعلّق بجوابه. «رضيت»: فعل ماض، والتاء:
للتأنيث. «عليّ»: جار ومجرور متعلّقان ب «رضيت». «بنو»: فاعل مرفوع بالواو لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. «قشير»: مضاف إليه مجرور. «لعمر»: اللام: لام الابتداء، و «عمر»: مبتدأ مرفوع، خبره محذوف تقديره: «قسم»، وهو مضاف. «الله»: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. «أعجبني»: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «رضاها»: فاعل مرفوع، و «ها»: ضمير في محلّ جر مضاف إليه.
وجملة «إذا رضيت» الشرطية: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «رضيت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة القسم «لعمر»: اعتراضية. وجملة «أعجبني»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.
الشاهد فيه قوله: «رضيت عليّ» حيث جاءت «على» بمعنى «عن».(2/586)
أيّ عني. وقال الآخر [من الطويل]:
[240] غدت من عليه تنفض الطّلّ بعد ما ... رأت حاجب الشمس استوى فترفّعا
وسنفرد بابا لما يصلح فيه الإبدال وما يمتنع منه إن شاء الله.
تقول: «والله لأفعلنّ»، و «تالله لأفعلنّ» وتبدل التاء من الواو، ولا تدخل من المقسم به إلّا في «الله» وحده. وذلك قوله: {وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ} (1) وإنّما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو لأنّها لم تدخل على الباء التي هي الأصل، وإنّما دخلت على الواو الداخلة على الباء فلذلك لم تتصرّف.
فأمّا إبدالها من الواو، فنحن نذكره مفسّرا في التصريف. ألا ترى أنّك تقول: «هذا أتقى من هذا»، والأصل «أوقى»، لأنّه من «وقيت». وكذلك «تراث». إنّما هو «وراث»، لأنّه من «وريث». و «تجاه»: «فعال» من «الوجه». وكذلك «تخمة» من «الوخامة». وهذا أكثر من أن يحصى أو يؤتى بجميعه، ونحن نستقصي شرحه في باب التصريف إن شاء الله.
واعلم أنّك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به، نصبته لأنّ الفعل يصل
[240] التخريج: البيت ليزيد بن الطثرية في ديوانه ص 87ولسان العرب 15/ 89 (علا) ونوادر أبي زيد ص 163وبلا نسبة في الأزهية ص 194وأسرار العربية ص 256وشرح المفصل 8/ 38.
اللغة: غدت من عليه: غادرته. الطل: الندى.
المعنى: يريد أنّ هذه الظبية غادرت وليدها صباحا وقد أخذت الشمس في الارتفاع في السماء قليلا قليلا، يريد أن الوقت صباح، والندى لم تبخره حرارة الشمس بعد.
الإعراب: غدت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث، والفاعل مستتر جوازا تقديره هي. من عليه: جار ومجرور متعلقان ب (غدت)، و «الهاء»: مضاف إليه. تنفض: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). الطلّ: مفعول به. بعد: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (غدت). ما: مصدرية.
رأت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره (هي)، والمصدر المؤول من (ما) والفعل (رأت) في محل جر بالإضافة، والتقدير: بعد رؤيتها. حاجب: مفعول به. الشمس: مضاف إليه. استوى:
فعل ماض، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). فترفعا: «الفاء»: حرف عطف، «ترفّع»: فعل ماض مبني على الفتح، و «الألف»: للإطلاق، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو).
وجملة «غدت»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تنفض»: حالية محلها النصب. وجملة «رأت»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «استوى»: حالية محلها النصب، وعطف عليها جملة (ترفّع).
والشاهد فيه: أن (عليه) جاءت اسما مجرورا ب (من).
__________
(1) الأنبياء: 57.(2/587)
فيعمل، فتقول: «الله لأفعلنّ» لأنّك أردت: أحلف الله لأفعلنّ. وكذلك كلّ خافض في موضع نصب إذا حذفته وصل الفعل، فعمل فيما بعده كما قال الله عزّ وجلّ: {وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (1) أي: من قومه. وقال الشاعر [من البسيط]:
[241] أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل
أي: من ذنب. وقال الشاعر [من البسيط]:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب [2]
فتقول: الله لأفعلنّ. وكذلك كلّ مقسم به.
__________
(1) الأعراف: 155.
[241] التخريج: البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص 524والأشباه والنظائر 4/ 16وأوضح المسالك 2/ 283وتخليص الشواهد ص 405وخزانة الأدب 3/ 111، 9/ 124والدرر 5/ 186 وشرح أبيات سيبويه 1/ 420وشرح التصريح 1/ 394وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51والصاحبي في فقه اللغة ص 181والكتاب 1/ 37ولسان العرب 5/ 26 (غفر) والمقاصد النحويّة 3/ 226وهمع الهوامع 2/ 82.
اللغة: لست محصيه: لست أعرف عدده. إليه الوجه والعمل: أي إليه تتوجّه الوجوه والأعمال الصالحة.
المعنى: يقول: إنّي أستغفر الله من ذنوبي العديدة، وهو ربّ العباد الذي إليه تتوجّه الوجوه والأعمال الصالحة.
الإعراب: أستغفر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الله: اسم الجلالة مفعول به أوّل. ذنبا:
مفعول به ثان. لست: فعل ماض ناقص. والتاء: ضمير في محلّ رفع اسم «ليس». محصيه: خبر «ليس» منصوب، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. ربّ: بدل من «الله» منصوب، أو نعت «الله» منصوب، وهو مضاف. العباد: مضاف إليه مجرور. إليه: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ تقديره «حاصل». الوجه: مبتدأ مؤخّر مرفوع. والعمل: الواو: حرف عطف، العمل: معطوف على «الوجه» مرفوع.
وجملة «أستغفر الله» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة «لست محصيه» الفعليّة:
في محلّ نصب نعت «ذنبا». وجملة «إليه الوجه والعمل» الاسميّة: في محلّ نصب حال من «الله».
والشاهد فيه قوله: «أستغفر الله ذنبا» حيث حذف الجارّ من ثاني مفعولي «أستغفر» الذي تعدّى إليه بواسطة الحرف، والأصل: أستغفر الله من ذنب.
[1] تقدّم بالرقم 112واستشهد به هنا على النصب بنزع الخافض.(2/588)
واعلم أنّ للقسم تعويضات من أدواته تحلّ محلّها، فيكون فيها ما يكون في أدوات القسم، وتعتبر ذلك بأنّك لا تجمع بينها وبين ما هي عوض منه. فإن جاز الجمع بين شيئين، فليس أحدهما عوضا من الآخر ألا ترى أنّك تقول: «عليك زيدا»، وإنّما المعنى: خذ زيدا، وما أشبهه من الفعل. فإن قلت: «عليك»، لم تجمع بينها وبين فعل آخر، لأنّها بدل من ذلك الفعل.
* * * فمن هذه الحروف «الهاء» التي تكون للتنبيه. تقول: «لاها الله ذا»، وإن شئت قلت:
«لا هلّله ذا». فتكون في موضع الواو إذا قلت: «لا والله».
فأمّا قولك: «ذا» فهو الشيء الذي تقسم به، فالتقدير: لا والله هذا ما أقسم به، فحذفت الخبر لعلم السامع به.
فأمّا مدّتها وإجراء المدغم بعدها في قولك: لا هالله ذا، فإنّك أتيت ب «ها» التي للتنبيه، وثبتت الألف لأنّ حروف المدّ يقع بعدها الساكن المدغم. وتكون المدّة عوضا من الحركة لأنّك ترفع لسانك عن المدغم رفعة واحدة. وقد مضى تفسير هذا. فيكون كقولك: «دابّة»، و «شابّة»، و «رادّ» وما أشبهه.
وأمّا قولك: «لا هلّله ذا»، فإنّك حذفت الألف من هاء التنبيه، لمّا وصلتها، وجعلتها عوضا من الواو كما فعلت ذلك بها في هلمّ. و «ها» هذه، هي التي تلحق في قولك:
«هذا». قلنا المعنى: لا والله هذا ما أقسم به لأنّها للتنبيه، فالتنبيه يقع قبل كلّ ما نبّهت عليه. كما قال الشاعر [من البسيط]:
[242] تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك
[242] التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 182وخزانة الأدب 5/ 451، 10/ 41، 42والدرر 1/ 238وشرح أبيات سيبويه 2/ 246ولسان العرب 10/ 442 (سلك)، 15/ 481 (ها) وبلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 194وهمع الهوامع 1/ 76.
اللغة: تعلّم: اعلم، وهو أمر جامد. واقصد بذرعك: كن قصيدا في أمرك، ولا تتعد حدودك.
وتنسلك: تدخل.
المعنى: يخاطب الشاعر الحارث بن ورقاء الصيداوي الذي كان قد أغار على قومه، وأخذ إبلا له وعبدا، فتوعده بالهجاء إن لم يرد عليه ما أخذه، يقول له: اعلم أنني أقسمت أن أهجوك إن لم ترد ما أخذته، فالزم حدودك، واعرف أين تضع نفسك.(2/589)
أراد: تعلّمن لعمر الله هذا قسما، فقدّم «ها». وقال الآخر [من الطويل]:
[243] ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا
الإعراب: «تعلّمن»: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون: لا محل لها، والفاعل مستتر وجوبا تقديره: أنت، «ها»: للتنبيه. «لعمر»: اللام حرف ابتداء يفيد التوكيد، «عمر»: مبتدأ مرفوع، خبره محذوف، تقديره (قسمي). «الله»: مضاف إليه، «ذا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وخبره محذوف، وهذه الجملة تمثّل المقسم عليه عند الخليل، بعبارة أخرى هي سادة مسدّ مفعولي (تعلّم)، وحذف جواب القسم لدلالتها عليه. قسما»: مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: أقسم قسما. «فاقدر»: الفاء: حرف استئناف، «اقدر»: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبا تقديره:
(أنت). «بذرعك»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (اقدر)، والكاف: مضاف إليه محله الجر. «وانظر»:
الواو: حرف عطف، «انظر»: مثل (اقدر). «أين»: مفعول فيه ظرف مكان مبني على الفتح في محلّ نصب على الظرفية المكانية متعلّق بالفعل (تنسلك). «تنسلك»: فعل مضارع مرفوع، فاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت).
وجملة «تعلّمن»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «هذا الأمر»: سدّت مسدّ مفعولي (تعلّم) محلها النصب. وجملة «لعمر الله قسمي»: اعترضت بين «تعلّم» وما سدّ مسدّ مفعوليه. وجملة جواب القسم محذوفة لدلالة ما اكتنف جملة القسم عليها. وجملة «أقسم قسما»: استئنافية لا محل لها. وجملة «اقدر»:
استئنافية لا محل لها، عطف عليها جملة «انظر». وجملة «تنسلك»: مفعول به للفعل «انظر» على التعليق محلّها النصب.
والشاهد فيه: تقديم (ها) التي للتنبيه على (ذا)، والفصل بينهما بقوله: (لعمر الله).
[243] التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص 360وخزانة الأدب 5/ 461والدرر 1/ 239وشرح المفصل 8/ 114وبلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 194، 196وسرّ صناعة الإعراب 1/ 344وهمع الهوامع 1/ 76.
اللغة والمعنى: واضحان.
الإعراب: «ونحن»: الواو: بحسب ما قبلها، «نحن»: مبتدأ محلّه الرفع. «اقتسمنا»: فعل ماض مبني على السكون، و «نا»: فاعل محلّه الرفع. «المال»: مفعول به، منصوب بالفتحة. «نصفين»: حال منصوب بالياء لأنّه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. «بيننا»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، و «نا»: مضاف إليه محله الجر، والظرف متعلق ب (اقتسمنا). «فقلت»: الفاء: استئنافية، «قلت»:
فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محله الرفع. «لهم»: جار ومجرور متعلقان ب (قلت). «هذا»:
«ها»: للتنبيه، و «ذا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «لها»: جار ومجرور متعلقان بالخبر، و «ها»: حرف تنبيه. «وذا»: الواو: حرف عطف، «ذا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «لي»: جار ومجرور متعلقان بالخبر، والألف: للإطلاق.
وجملة «نحن اقتسمنا»: بحسب الواو. وجملة «اقتسمنا»: خبر المبتدأ (نحن) محلّها الرفع. وجملة «قلت»: استئنافية لا محل لها. وجملة «هذا لها»: مقول القول محلّها النصب. وجملة «ذا لي»: معطوفة على جملة «هذا لها».
والشاهد فيه قوله: «ها وذاليا» حيث فصل بين (ها) و (ذا) بالواو، والتقدير: وهذا لي.(2/590)
يريد: وهذا ليا.
* * * ومن هذه الحروف ألف الاستفهام إذا وقعت على «الله» وحدها لأنّه الاسم الواقع على الذات. وسائر أسماء الله عزّ وجلّ إنّما تجري في العربيّة مجرى النعوت. وذلك قولك: «آلله لتفعلنّ».
وكذلك ألف «أيم»، إذا لحقتها ألف الاستفهام، لم تحذف، وتثبت كما تثبت مع الألف واللام اللتين للتعريف في قولك: «آلرجل قال ذاك»؟
وكذلك ألف الوصل إذا لحقتها الفاء جعلت عوضا، فثبتت، ولم تحذف كما تثبت مع ألف الاستفهام. وذلك قولك: «أفألله لتفعلنّ»؟
ومن حروف القسم إلّا أنّها تقع على معنى التعجّب اللام. وذلك قولك: «لله ما رأيت كاليوم قطّ»، كما قال [من البسيط]:
[244] لله يبقى على الأيّام ذو حيد ... بمشمخرّ به الظّيّان والآس
[244] التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح شواهد الإيضاح ص 544وشرح شواهد المغني 2/ 574ولسان العرب 13/ 275 (ظين) ولأميّة بن أبي عائذ في الكتاب 3/ 497ولمالك بن خالد الخناعي في جمهرة اللغة ص 57وشرح أبيات سيبويه 1/ 499وشرح أشعار الهذليين 1/ 439 وشرح شواهد الإيضاح ص 304ولسان العرب 3/ 158 (حيد)، 6/ 173قرنس، 15/ 26 (ظيا) ولعبد مناة الهذلي في شرح المفصّل 9/ 98ولأبي ذؤيب أو لمالك في شرح أشعار الهذليين 1/ 228ولأبي ذؤيب أو لمالك أو لأميّة في خزانة الأدب 10/ 95ولأبي ذؤيب أو لمالك أو لأميّة أو لعبد مناف الهذليّ أو للفضل بن عباس أو لأبي زبيد الطائي في خزانة الأدب 5/ 176، 177، 178ولأبي ذؤيب أو لمالك أو لأميّة أو لعبد مناف في الدرر 4/ 162، 165ولأميّة أو لأبي ذؤيب أو للفضل بن العباس في شرح المفصّل 9/ 99وللهذليّ في جمهرة اللغة ص 238وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 23والجنى الداني ص 98 وجواهر الأدب ص 72والدرر 4/ 215ورصف المباني ص 118، 171وشرح الأشموني 2/ 290 والصاحبي في فقه اللغة ص 114واللامات ص 81وهمع الهوامع 2/ 32، 39.
اللغة: ذو حيد: صاحب قرون، الحيد والحيود: حروف قرن الوعل. المشمخر: المرتفع. الظيان:
نوع من النبات، وكذلك الآس.
المعنى: أتعجّب، وأقسم بالله أنه لن يبقى وعل على قيد الحياة أبدا، حتى وهو يسكن في جبل مرتفع ينبت فيه الآس والظيان، أي كلّنا إلى الموت.
الإعراب: لله: جار ومجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف. يبقى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدّرة(2/591)
وقد تقع التاء في معنى التعجب، ولم نذكرها هاهنا لأنّ ذكرها قد تقدّم. فهذا جملة لهذه الحروف.
وسنبيّن لم دخل بعضها على بعض؟ كما شرحنا دخول الواو على التاء إن شاء الله.
على الألف. على الأيام: جار ومجرور متعلّقان ب (يبقى). ذو: فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستّة.
حيد: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بمشمخر: جار ومجرور متعلقان بصفة، أو حال من (ذو حيد). به: جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف، بتقدير (موجود به الظيان). الظيان: مبتدأ مرفوع بالضمّة. والآس:
الواو: للعطف، «الآس»: معطوف على (الظيان) مرفوع مثله.
وجملة القسم: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يبقى»: جواب القسم لا محلّ له. وجملة «موجود به الظيان»: في محلّ جرّ صفة ل (مشمخر).
والشاهد فيه قوله: «لله يبقى» حيث جاءت (اللام) لتفيد معنى القسم والتعجب، وفي البيت شاهد آخر وهو حذف (لا) النافية مع إرادتها، فالتقدير «لله لا يبقى».(2/592)
هذا باب الأسماء التي يعمل بعضها في بعض وفيها معنى القسم
اعلم أنّ هذه الأسماء التي نذكرها لك، إنّما دخلها معنى القسم لمعان تشتمل عليها كما أنّك تقول: «علم الله لأفعلنّ». ف «علم» فعل ماض، و «الله» عزّ وجلّ فاعله، فإعرابه كإعراب «رزق الله» إلّا أنّك إذا قلت: «علم الله»، فقد استشهدت. فلذلك صار فيه معنى القسم، ألا ترى أنّك تقول: «غفر الله لزيد»، فلفظه لفظ ما قد وقع، ومعناه: أسأل الله أن يغفر له. فلمّا علم السامع أنّك غير مخبر عن الله بأنّه فعل، جاز أن يقع على ما ذكرناه، ولم يفهم عن قائله إلّا على ذلك. فإن أخبر عن خبر صادق، كان مجازه مجاز سائر الأخبار، فقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللََّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} (1)، وغفر الله لأصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فهذا مجازه. وكذلك: «شهد الله لأفعلن» لأنّه بمنزلة: «علم الله».
فمن تلك الأسماء قولك: «لعمرك لأفعلن»، و «عليّ عهد الله لأفعلنّ»، و «عليّ يمين الله لأفعلن». فهذا مثل قولك: «على زيد درهمان»، و «لزيد أفضل من عمرو» لأنّه إنّما وقع قسما لقوله: «لعمر الله ما أقسم به». وإذا قلت: «عليّ عهد الله»، فقد أعطيته عهدك بما ضمنته له. وبعض العرب ينشد هذا البيت، فيرفع القسم، فيقول [من الطويل]:
[245] فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو ضربوا رأسي لديك وأوصالي
يريد: يمين الله عليّ.
* * * __________
(1) الفتح: 18.
[245] التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 32وخزانة الأدب 9/ 238، 239، 10/ 43، 44، 45والخصائص 2/ 284والدرر 4/ 212وشرح أبيات سيبويه 2/ 220وشرح التصريح 1/ 185وشرح شواهد المغني 1/ 341وشرح المفصّل 7/ 110، 8/ 37، 9/ 104والكتاب 3/ 504ولسان العرب 13/ 463 (يمن) واللمع ص 259والمقاصد النحوية 2/ 13وبلا نسبة في خزانة الأدب 10/ 93، 94وشرح الأشموني 1/ 110ومغني اللبيب 2/ 637وهمع الهوامع 2/ 38.(2/593)
واعلم أنّ المصادر وما يجري مجراها، إنّما تقع في القسم منصوبة بأفعالها لأنّ فيها المعاني التي وصفنا. وذلك قولك: «عمرك الله لا تقم»، و «قعدك الله لا تقم». وإن شئت قلت: «قعيدك الله»، وكذلك: «يمين الله وعهده».
وإن شئت، كان على قولك: «بيمين الله» وما أشبهه، فلمّا حذفت حرف الإضافة، وصل الفعل، فعمل على ما وصفناه في أوّل الباب، وكذلك «ويمين الله».
وإن شئت، كان على قولك: «عمّرتك الله تعميرا»، و «نشدتك الله نشدا»، ثمّ وضعت «عمرك» في موضع التعمير. وكذلك أخواته. قال الشاعر [من البسيط]:
[246] عمّرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم
شرح المفردات: أبرح قاعدا: أي لا أبرح، أي يبقى قاعدا. الأوصال: ج الوصل، وهو كلّ عضو يفصل من الآخر.
المعنى: يقسم الشاعر لمحبوبته بأنّه سيبقى عندها لا يفارقها ولو ادّى ذلك إلى هلاكه.
الإعراب: «فقلت»: الفاء: بحسب ما قبلها، و «قلت»: فعل ماض مبنيّ على السكون، والتاء:
ضمير في محلّ رفع فاعل. «يمين»: مبتدأ مرفوع خبره محذوف تقديره: «يمين الله قسمي». ويروى بالنصب، فيكون مفعولا مطلقا حذف عامله، والتقدير: «أقسم يمين الله»، أو اسما منصوبا بنزع الخافض تقديره: «بيمين الله» فحذف حرف الجرّ، وهو مضاف. «الله»: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة.
«أبرح»: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: «أنا». «قاعدا»: خبر «أبرح» منصوب. «ولو»:
الواو: حالية، «لو»: وصلية زائدة. «ضربوا»: فعل ماض مبنيّ على الضمّ، والواو: فاعل، والألف: فارقة.
«رأسي»: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والياء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «لديك»: ظرف مكان متعلّق ب «ضربوا»، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وأوصالي»: الواو: حرف عطف، و «أوصالي»: معطوف على «رأسي» منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «فقلت»: بحسب ما قبلها. وجملة «يمين الله»: في محلّ نصب مفعول به. وجملة «أبرح»: جواب قسم لا محل لها من الإعراب. وجملة «لو ضربوا»: في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «فقلت يمين الله» حيث رفع القسم على إرادة الابتداء.
[246] التخريج: البيت للأحوص في ديوانه ص 199وخزانة الأدب 2/ 13، 14وشرح أبيات سيبويه 1/ 275وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 434، 4/ 250ولسان العرب 4/ 602 (عمر) وهمع الهوامع 2/ 45.
اللغة: عمّرتك الله: ذكّرتك به. وذو سلم: موضع بعينه.
المعنى: اسألك بالله هل كنت جارتنا أيام كنا في ذي سلم.(2/594)
يريد: ذكرتك الله. وقال الآخر [من الكامل]:
[247] عمّرتك الله العليّ فإنّني ... ألوي عليك لوانّ لبّك يهتدي
الإعراب: «عمّرتك»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، وتاء الفاعل: محلها الرفع، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. «الله»: مفعول به منصوب بالفتحة. «إلا»: حرف حصر. «ما»: زائدة. «ذكرت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محلها الرفع. «لنا»: جار ومجرور متعلقان ب (ذكرت). «هل»: حرف استفهام. «كنت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: اسم (كان) محلها الرفع. «جارتنا»: خبر (كان) منصوب بالفتحة، ونا: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
«أيام»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلق ب (جارة). «ذي»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة. «سلم»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «عمرتّك الله»: مقول لقول ذكر في البيت الذي قبل البيت الشاهد في قصيدته محلها النصب.
وجملة «ذكرت لنا»: مفعول به محلها النصب على تقدير (لا أسألك إلا ذكرك لنا). وجملة «هل كنت جارتنا»: مفعول به للفعل (ذكرت) المعلّق عن نصب المفرد بحرف الاستفهام (هل).
والشاهد فيه قوله: (عمّرتك الله) وضعت موضع (ذكّرتك الله) أو (عمرك الله)، وأنّ (عمرك) في قولنا «عمرك الله» منصوب على المفعولية المطلقة لأنه مصدر نائب عن فعله العامل فيه.
[247] التخريج: البيت لعمرو بن أحمر في ديوانه ص 60وخزانة الأدب 2/ 15وشرح أبيات سيبويه 1/ 156وبلا نسبة في لسان العرب 4/ 602 (عمر) والمنصف 3/ 132.
اللغة: عمرتك الله: سألت الله أن يطيل عمرك. ألوي: أعطف. اللب: القلب.
المعنى: أسأل الله أن يطيل عمرك، فأنا أعطف عليك لو أنّك ممّن تقبل قلوبهن النصيحة.
الإعراب: «عمّرتك»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.
«الله» لفظ الجلالة مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
«العليّ»: صفة «الله» منصوبة بالفتحة.
«فإنني»: الفاء: استئنافية، و «إنّ»: حرف مشبّه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محلّ نصب اسم «إنّ».
«ألوي»: فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء، والفاعل: ضمير مستتر تقديره: «أنا».
«عليك»: جار ومجرور متعلّقان ب «ألوي».
«لو»: حرف تمنّ.
«أنّ»: حرف مشبّه بالفعل.
«لبّك»: اسم «أنّ» منصوب بالفتحة، والكاف: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
«يهتدي»: فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «هو».(2/595)
ولذلك جعل المصدر في موضعه، فقال [من الخفيف]:
[248] أيّها المنكح الثّريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
وقال الآخر [من الطويل]:
[249] قعيدك أن لا تسمعيني ملامة ... ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا
فكلّ ما كان من ابتداء، أو خبر، أو فعل وفاعل فيه معنى القسم، فهذا مجازه.
* * * وجملة «عمرتك»: ابتدائية للدعاء لا محلّ لها.
وجملة «فإنني ألوي»: استئنافية لا محلّ لها.
وجملة «ألوي»: في محلّ رفع خبر «إنّ». والمصدر المؤوّل من أن لبّك يهتدي» في محل رفع فاعل لفعل الشرط المحذوف، بتقدير: لو يثبت اهتداء لبك فإنني أعطف عليك.
وجملة «يهتدي»: في محلّ رفع خبر «أنّ».
والشاهد فيه قوله: «عمرتك الله» حيث جاء بفعل من لفظ (عمرك).
[248] التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص 503والأغاني 1/ 219وأمالي المرتضى 1/ 348وخزانة الأدب 2/ 28والشعر والشعراء 2/ 562ولسان العرب 4/ 601 (عمر) والمقاصد النحوية 3/ 413وللنعمان بن بشير في ديوانه ص 14ويروى «يجتمعان» مكان «يلتقيان».
اللغة: المنكح اسم فاعل من (أنكحه) أي زوّجه، والثريا هي بنت علي بن عبد الله، وسهيل هو سهيل ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعمرك الله: اختلفوا فيها معنى وإعرابا، ومما قالوه أنّ (عمرك) منصوب على المصدرية بتقدير: عمرتك الله تعميرا، أي أعطيتك عمرا بأن سألت الله أن يعمرك، فالله مفعول ثان على تضمين (عمّر) معنى سأل، وأجازوا أن يكون (عمرك) منصوبا بنزع الخافض، والتقدير أقسم بعمرك الله، والمراد بالعمر التعمير، والمعنى أقسم بتعميرك الله، أي بإقرارك له بالدوام والبقاء، وقيل غير ما ذكرنا في إعراب هذا التركيب وتفسيره.
المعنى: يريد أن تزويج هذه المرأة من ذاك الرجل مفارقة عجيبة لما بينهما من الاختلاف الشبيه بالاختلاف الذي بين الثريا وسهيل.
الإعراب: أيها: منادى مبني على الضم في محل نصب، و «ها»: للتنبيه. المنكح: بدل من (أيّ) أو صفة له على اللفظ. الثريا: مفعول لاسم الفاعل (المنكح) منصوب بفتحة على الألف للتعذر. سهيلا:
مفعول به ثان. عمرك: سبق إعرابها في توضيح معناها. الله: مفعول به ثان. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. يلتقيان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، و «الألف»: فاعل.
وجملة «أيها المنكح»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «عمرك الله»: استئنافية أو اعتراضية لا محل لها.
وجملة «كيف يلتقيان»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (عمرك) مفعول مطلق لفعل محذوف ناب عنه المصدر (عمرك).
[249] التخريج: البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص 115وخزانة الأدب 2/ 20، 10/ 54، 56 والدرر 4/ 262وشرح شواهد المغني 2/ 566ولسان العرب 1/ 173 (نكأ)، 3/ 363، 364 (قعد)،(2/596)
واعلم أنّ من هذه الحروف «ايم»، و «ايمن» وألفها ألف وصل، وتمام الاسم النون تقول: «ايم الله لأفعلنّ»، «ايمن الله لأفعلنّ».
وليس بجمع «يمين»، ولكنّه اسم موضوع للقسم. ولو كان جمع «يمين»، لكانت ألفه ألف قطع. فوصلهم إيّاها يدلّك على أنّها زائدة، وأنّها ليست من هذا الاشتقاق. وقال الشاعر [من الطويل]:
فقال فريق القوم لمّا نشدتهم: ... نعم، وفريق ليمن الله ما ندري [1]
فمن قال: «ايم الله»، قال: «ليم الله لأفعلنّ». فإن وقع عليها ألف الاستفهام، مددت، ولم تحذف ألف الوصل فيلتبس الاستفهام بالخبر كما كنت فاعلا بالألف التي مع اللام في قولك: «آلرجل قال ذاك»؟ فيقول: «آيم الله لقد كان ذاك»؟
وزعم يونس أنّ من العرب من يقول: «ايم الله» في موضع «ايم الله»، فهي عند هؤلاء بمنزلة «ابن» و «اسم». تقول في الاستفهام: «أيم الله لقد كان ذاك»؟ لأنّها تسقط للوصل، وتحدث ألف الاستفهام، ومنهم من يحذف ألف الاسم حتّى يصير على حرف علما بأنّه لا ينفصل بنفسه، فيقول: «م الله لأفعلنّ».
8/ 379 (وجع) والمنصف 1/ 206وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 662وهمع الهوامع 2/ 45.
اللغة: قعيدك: معناه هنا أتوسّل إليك. نكأت القرحة: قشرتها. ييجع: يؤلم.
المعنى: يطلب إليها ملحا ألّا تلومه لما في الملامة من تأليب للمواجع.
الإعراب: قعيدك: مفعول مطلق لفعل محذوف ناب عنه المصدر (قعيد)، و «الكاف»: مضاف إليه، وقيل: إن (قعيدك) منصوب بنزع الخافض، وقيل مفعول به، وغير ذلك. أن: زائدة. لا: ناهية جازمة.
تسمعيني: فعل مضارع مجزوم ب (لا) وعلامة جزمه حذف النون، و «النون»: المذكورة للوقاية، و «ياء» المؤنثة المخاطبة فاعل، وياء المتكلم مفعول به. ملامة: مفعول به ثان. ولا: الواو: حرف عطف، «لا»:
ناهية جازمة. تنكئي: فعل مضارع مجزوم ب (لا) وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل.
قرح: مفعول به. الفؤاد: مضاف إليه. فييجع: «الفاء»: عاطفة، وسببية، «ييجع»: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد الفاء السببية، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو)، والألف للإطلاق، والمصدر المؤول من (أن) المقدرة، والفعل (ييجع) معطوف بالفاء على مصدر منتزع مما تقدم، والتقدير: قعيدك لا يكن منك إسماع ملامة ولا نكء قرح، فوجع.
وجملة «قعيدك»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «لا تسمعيني»: جواب قسم لا محل لها، وعطف عليها جملة «تنكئي». وجملة «ييجع»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (قعيدك) مصدر منصوب على المفعولية المطلقة نائب عن عامله.
[1] تقدّم بالرقم 69.(2/597)
ويقال: «من الله لأفعلنّ»، و «من ربّي لأفعلنّ». أبدل «من» من الباء التي في قولك:
«بالله لأفعلنّ»، و «بربّي لأفعلنّ» كما تقول: «فلان في الموضع وبالموضع»، فيدخل الباء على «في»، وكذلك دخلت «من» على الباء، والاحتجاج يأتيك في موضعه إن شاء الله.
* * * واعلم أنّك إذا دللت على القسم بما تضعه في موضعه، فما بعد ذلك الدليل بمنزلة ما بعد القسم. تقول: «أقسمت لأقومنّ»، و «استحلفته ليخرجنّ»، أي: قال له: «والله لتخرجنّ»، فدلّ هذا على القسم.
ولا يلحق هذه اللام ما النون في آخره خفيفة أو ثقيلة إلّا والمعنى معنى القسم. لا تقول: «زيد يقومنّ»، ولا «زيد ليقومنّ» إلّا أن تريد القسم في هذه الأخيرة خاصّة، فكأنّك قلت: «زيد والله ليقومنّ». وتفسير هذا في إثر هذا الباب إن شاء الله.
* * * وتقول: «إي والله لأفعلنّ». وإن شئت قلت: «إي الله لأفعلنّ»، إنّما تريد: «إي» التي في معنى «نعم» كما قال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمََا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (1). فتصل المقسم به لأنّ «إي» جواب، والقسم بعدها مستأنف. ولو كانت بدلا من حروف القسم، لم تجتمع هي وهو ألا ترى أنّك تقول: «إي والله لأفعلنّ».
* * * وإنّما الفصل بين «بلى» و «نعم» أنّ «نعم» تكون جوابا لكلّ كلام لا نفي فيه، و «بلى» لا تكون جوابا إلّا لكلام فيه نفي.
لو قال لك قائل: «أنت زيد»؟ لكان الجواب «نعم». وكذلك «هل جاءك زيد»؟
وكذلك: «من يأتك تأته»، فتقول: «نعم»، ولا يصحّ هاهنا «بلى».
فإن نفى، فقال: «أما لقيت زيدا»؟ كان الجواب: «بلى». وكذلك: «ألست قد ذهبت إلى زيد»؟ و «ما أخذت منه درهما»؟ و «أنت لا تعطي شيئا»، فجواب هذا كلّه «بلى».
* * * __________
(1) يونس: 53.(2/598)
هذا باب ما يقسم عليه من الأفعال وما بال النون في كلّ ما دخلت فيه يجوز حذفها واستعمالها إلّا في هذا الموضع الذي أذكره لك فإنه لا يجوز حذفها؟
اعلم أنّك إذا أقسمت على فعل لم يقع، لزمته اللام، ولزم اللام النون، ولم يجز إلّا ذلك. وذلك قولك: «والله لأقومنّ»، و «بالله لأضربنّ»، و «والله لتنطلقنّ».
فإن قال قائل: فما بال هذا لا يكون كقولك في الأمر والنهي إذا قال: «اضربنّ زيدا»، و «لا تشتمنّ عمرا». وإن شئت قلت: «اضرب زيدا»، و «لا تشتم عمرا». وكذلك: «هل تنطلقنّ»؟ وإن شئت قلت: «هل تنطلق»؟
فإنّما ذلك لأنّ القسم لا يقع إلّا على ما لم يقع من الأفعال، فكرهوا أن يلتبس بما يقع في الحال.
فأمّا الأمر والنهي، فينفصل بينه وبينهما باللام لأنّ اللام لا تكون في الأمر والنهي.
وكذلك لا تكون في الاستفهام.
وإنّما تفصل بالنون بين القسم وبين هذه الأخبار التي قد تقع في الحال نحو قولك:
«إنّ زيدا لمنطلق»، لأنّ حدّ هذا أن يكون في حال انطلاق. وكذلك: «إنّ زيدا ليأكل». فإذا قلت: «والله ليأكلنّ»، علم أنّ الفعل لم يقع.
فإن قلت: قد جاء: {إِنَّمََا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (1) أي: لحاكم.
قيل: قد يكون هذا، ولكن ليس فيه دليل على ما يقع في الحال أو يقع بعد، على أنّ أكثر الاستعمال أن يكون للحال. فإذا دخلت النون، علم أنّ الفعل لا يكون في الحال ألبتّة.
__________
(1) النحل: 124.(2/599)
فلذلك لزمت اللام لأنّك قد تذكر الأفعال، ولا تذكر المقسم به، فتقول: «لأنطلقنّ»، فيعلم أنّ هذا على تقدير اليمين، وأنّه ليس للحال. فلهذا أجري ما ذكرت لك.
فأمّا اللام، فهي وصلة للقسم لأنّ للقسم أدوات تصله بالمقسم به، ولا يتّصل إلّا ببعضها.
فمن ذلك: «اللام»، تقول: «والله لأقومنّ»، و «والله لزيد أفضل من عمرو». ولولا اللام، لم تتّصل.
وكذلك «إنّ». تقول: «والله إنّ زيدا لمنطلق». وإن شئت قلت: «والله إنّ زيدا منطلق».
وكذلك «لا» في النفي، و «ما». تقول: «والله لا أضربك»، «والله ما أكرمك»، ولا تحتاج إلى النون، لأنّ «ما» يدلّ على الحال كما تدلّ «إنّ» إذا قلت: «والله إنّي لأكرمك».
وتدلّ «لا» على ما لم يقع كما تدلّ النون عليه إذا قلت: «والله لأفعلنّ»، ثمّ نفيت، فقلت: «والله لا أفعل». فهذا مبيّن بأنفس الحروف مستغن فيه عن غيرها لأنّ النون إنّما دخلت لتفصل بين معنيين، فإذا كان الفصل بغيرها، لم تحتج إليها.
واعلم أنّ قولك: «أقسمت لأفعلنّ»، و «أقسمت لا تفعل»، بمنزلة قولك: «قلت:
والله لا تفعل»، و «قلت: والله لتفعلنّ».
واعلم أنّك إذا أقسمت على فعل ماض، فأدخلت عليه اللام، لم تجمع بين اللام والنون لأنّ الفعل الماضي مبنيّ على الفتح غير متغيّرة لامه، وإنّما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلمّا كانت لا تقع لما يكون في الحال، كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: «والله لرأيت زيدا يضرب عمرا»، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب «قد» فجيّد بالغ. تقول: «والله لقد رأيت زيدا»، «والله لقد انطلق في حاجتك». وسنفسر الفصل بين الفعل ب «قد» وبين الفعل إذا لم تدخله.
* * * أمّا «قد» فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقّعون الخبر. فإذا قلت: «قد جاء زيد»، لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمر كان بينك وبينه، أو أمر تعلم أنّه لا يتوقّعه. فإن أدخلت اللام على «قد»، فإنّما تدخلها على هذا الوجه.
فأمّا قولك: «والله لكذب زيد كذبا ما أحسب الله يغفره له»، فإنّما تقديره: لقد لأنّه أمر قد وقع، ولا يقال هذا إلّا على شيء متقدّم، فالأمر فيهما واحد، إلّا أنّ هذا على الحذف والتعجّب، والذي ب «قد» على استقصاء الكلام، فعلى هذا فأجرهما.(2/600)
* * * أمّا «قد» فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقّعون الخبر. فإذا قلت: «قد جاء زيد»، لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمر كان بينك وبينه، أو أمر تعلم أنّه لا يتوقّعه. فإن أدخلت اللام على «قد»، فإنّما تدخلها على هذا الوجه.
فأمّا قولك: «والله لكذب زيد كذبا ما أحسب الله يغفره له»، فإنّما تقديره: لقد لأنّه أمر قد وقع، ولا يقال هذا إلّا على شيء متقدّم، فالأمر فيهما واحد، إلّا أنّ هذا على الحذف والتعجّب، والذي ب «قد» على استقصاء الكلام، فعلى هذا فأجرهما.
* * * واعلم أنّ من العرب من يقول: «الله لأفعلنّ»، يريد الواو، فيحذفها. وليس هذا بجيّد في القياس، ولا معروف في اللغة، ولا جائز عند كثير من النحويّين. وإنّما ذكرناه لأنّه شيء قد قيل، وليس بجائز عندي لأنّ حرف الجرّ لا يحذف ويعمل إلّا بعوض لما تقدّم من الشرح.
* * * واعلم أنّ القسم لا يقع إلّا على مقسم به، ومقسم عليه، وأنّ قوله عزّ وجلّ: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ. وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى. وَمََا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ََ} (1). أنّ الواو الأولى واو قسم، وما بعدها من الواوات للعطف لا للقسم. ولو كانت للقسم، لكان بعض هذا الكلام منقطعا من بعض، وكان الأوّل إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ} (2)، ثمّ ترك هذا، وابتدأ {وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى} (3). ولكنّه بمنزلة قولك: «والله ثمّ الله لأفعلنّ»، وإنّما مثّلت لك ب «ثمّ» لأنّها ليست من حروف القسم.
* * * واعلم أنّ القسم قد يوكّد بما يصدّق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثمّ يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {وَالسَّمََاءِ ذََاتِ الْبُرُوجِ. وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ. وَشََاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} (4) ثمّ ذكر قصّة أصحاب الأخدود توكيدا.
وإنّما وقع القسم على قوله: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (5) وقد قال قوم: إنّما وقع على {قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ} (6)، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلّا الأوّل لأنّ هذه الاعتراضات توكيد.
__________
(1) الليل: 1، 3.
(2) الليل: 1.
(3) الليل: 2.
(4) البروج: 1، 3.
(5) البروج: 12.
(6) البروج: 4.(2/601)
فأمّا قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} (1) فإنّما وقع القسم على قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (2) وحذفت اللام لطول القصّة، لأنّ الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أنّ النحويّين لا يقولون: «قام هند»، و «ذهب جاريتك»، ويجيزون: «حضر القاضي اليوم امرأة يا فتى»، فيجيزون الحذف مع طول الكلام لأنّهم يرون ما زاد عوضا مما حذف.
وتقول: «وحقّ الله ثمّ حقّك لأفعلنّ». ولو قلت: «ثمّ حقّك»، تحمله على الموضع، كان جائزا، كما قال [من الوافر]:
[250] [معاوي إنّنا بشر فأسجح] ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
__________
(1) الشمس: 1.
(2) الشمس: 9.
[250] التخريج: البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي في الإنصاف 1/ 332وخزانة الأدب 2/ 260 وسر صناعة الإعراب 1/ 131، 294وسمط اللآلي ص 148، 149وشرح أبيات سيبويه ص 300 وشرح شواهد المغني 2/ 870والكتاب 1/ 67ولسان العرب 5/ 389 (غمز) ولعمر بن أبي ربيعة في الأزمنة والأمكنة 2/ 317وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 313وأمالي ابن الحاجب ص 160ورصف المباني ص 122، 148والشعر والشعراء 1/ 105والكتاب 2/ 292، 344، 3/ 91.
اللغة: اسجح: ارفق وتلطف، أو اعطف.
المعنى: يا خليفة المسلمين معاوية، اعطف على رعيتك فإنهم بشر مثلك يتألمون من الظلم فليسوا جمادا لا دماء فيهم.
الإعراب: معاوي: منادى مفرد علم مبني على الضمة المقدّرة على التاء المحذوفة للترخيم في محل نصب. إننا: «إن»: حرف مشبه بالفعل، «نا»: ضمير متصل في محل نصب اسمها. بشر: خبرها مرفوع بالضمة. فاسجح: «الفاء»: استئنافية، «اسجح»: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. فلسنا: الفاء: للتعليل والاستئناف، «لسنا»: فعل ماض ناقض مبني على السكون، و «نا»:
ضمير متصل في محل رفع اسمها. بالجبال: الباء: زائدة، «الجبال»: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر ليس. ولا الحديدا: الواو: عاطفة، «لا»: نافية زائدة للتأكيد، «الحديدا»: اسم معطوف على (الجبال) منصوب بالفتحة، والألف: للإطلاق.
وجملة «معاوي»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «إننا بشر»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «فاسجح»:
استئنافية لا محلّ لها. وجملة «لسنا بالجبال»: استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «ولا الحديدا» حيث عطفه على (الجبال) محلا، وليس من باب توهم الجرّ بالباء الزائدة المحذوفة، وهو من قبيل العطف على الموضع.(2/602)
وعلى هذا قرىء {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصََّالِحِينَ} (1) لأنّه حمله على موضع الفاء.
وتقول: «والله لأضربنّك، ثمّ والله لأحبسنّك» لأنّك عطفت قسما على قسم.
ولو قلت: «والله لأضربنّك ثمّ لأحسبنّك الله»، لم يكن في الثاني إلّا النصب لأنّك عطفت فعلا على فعل، ثمّ جئت بالقسم، بعد، غير معطوف. كأنّك قلت: «الله لأفعلنّ»، فأوصلت إليه الفعل.
فهذه جملة هذا الباب.
* * * __________
(1) المنافقون: 10.(2/603)
هذا باب الفرق بين «إنّ» و «أنّ»
اعلم أنّ «إنّ» مكسورة مشبّهة بالفعل بلفظها، فعملها عمل الفعل المتعدّي إلى مفعول، وقد مضى تفسيرها في بابها.
فإذا قلت: «أنّ» مفتوحة، فهي وصلتها في موضع المصدر. ولا يكون إلّا في موضع الأسماء دون الأفعال لأنّها مصدر، والمصدر إنّما هو اسم. وذلك قولك: «بلغني انطلاقك»، وتقول: «علمت أنّك منطلق»، أي: علمت انطلاقك. وكذلك: «أشهد أنّك منطلق»، و «أشهد بأنّك قائم»، أي: أشهد على انطلاقك وبقيامك. فهذا جملة هذا.
واعلم أنّك إذا قلت: «ظننت زيدا أخاك»، أو «علمت زيدا ذا مال»، أنّه لا يجوز الاقتصار على المفعول الأوّل لأنّ الشكّ والعلم إنّما وقعا في الثاني. ولم يكن بدّ من ذكر الأوّل، ليعلم من الذي علم هذا منه أو شكّ فيه من أمره؟
فإذا قلت: «ظننت زيدا» فأنت لم تشكّ في ذاته، فإذا قلت: «منطلقا»، ففيه وقع الشكّ، فذكرت «زيدا» لتعلم أنّك شككت في انطلاقه لا في انطلاق غيره.
فإذا قلت: «ظننت أن زيدا منطلق»، لم تحتج إلى مفعول ثان لأنّك قد أتيت بذكر «زيد» في الصلة لأنّ المعنى: «ظننت انطلاقا من زيد» فلذلك استغنيت.
* * *
هذا باب من أبواب «أنّ» المفتوحة(2/604)
* * *
هذا باب من أبواب «أنّ» المفتوحة
تقول: «قصّة زيد: أنّه منطلق»، و «خبر زيد: أنّه يحبّ عبد الله» لأنّ هذا موضع ابتداء وخبر، فالتقدير: خبر زيد محبّته عبد الله، و «بلغني أمرك أنّك تحبّ الخير»، فالمعنى معنى البدل. كأنّك قلت: «بلغني أمرك»، ثم قلت: «محبّتك الخير» لأنّ «المحبّة» هي «الأمر»، كما تقول: «جاءني أخوك زيد» لأنّ «الأخ» هو «زيد».
وتقول: «أشهد أنّ محمّدا رسول الله». فكأنّ التقدير: أشهد على أنّ محمّدا رسول الله أي: أشهد على ذلك، أو «أشهد بأنّ محمّدا رسول الله»، أي: أشهد بذلك.
فإذا حذفت حروف الجرّ وصل الفعل، وكان حذفها حسنا لطول الصلة كما قال عزّ وجلّ: {وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ} (1) أي: من قومه، فهو مع الصلة والموصول حسن جدّا.
وإن شئت، جئت به كما تقول: «الذي ضربت زيد»، فتحذف الهاء من الصلة. ويحسن إثباتها لأنّها الأصل.
* * * واعلم أنّه لا يحسن أن يلي «إنّ» لأنّ المعنى واحد كما لا تقول: «لئنّ زيدا منطلق» لأنّ اللام في معنى «إنّ»، فإن فصلت بينهما بشيء، حسن واستقام، فقلت: «إنّ في الدار لزيدا».
ولا تقول: «إنّ لزيدا في الدار»، بل تقول كما قال عزّ وجلّ: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً} (2).
__________
(1) الأعراف: 155.
(2) البقرة: 248.(2/605)
وعلى هذا لا تقول: «إنّ أنّ زيدا منطلق بلغني». ولكن لو قلت: «إنّ في الدار أنّك منطلق»، و «إنّ في الدار أنّ لك ثوبا»، حسن كما قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ لَكَ أَلََّا تَجُوعَ فِيهََا وَلََا تَعْرى ََ. وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ} (1) ويجوز «وإنّك لا تظمأ فيها» على القطع والابتداء.
فالأولى على قولك: «ضربت زيدا وعمرا قائما». والقطع على قولك: «ضربت زيدا وعمرو قائم».
* * * __________
(1) طه: 118، 119.(2/606)
هذا باب «إنّ» إذا دخلت اللام في خبرها
اعلم أنّ هذه اللام تقطع ما دخلت عليه ممّا قبلها. وكان حدّها أن تكون أوّل الكلام كما تكون في غير هذا الموضع. وذلك قولك: «قد علمت زيدا منطلقا». فإذا أدخلت اللام، قلت: «علمت لزيد منطلق»، فتقطع بها ما بعدها ممّا قبلها، فيصير ابتداء مستأنفا. فكان حدّها في قولك: «إنّ زيدا لمنطلق»، أن تكون قبل «إنّ» كما تكون في قولك: «لزيد خير منك». فلمّا كان معناها في التوكيد ووصل القسم معنى «إنّ» لم يجز الجمع بينهما فجعلت اللام في الخبر، وحدّها: أن تكون مقدّمة لأنّ الخبر هو الأوّل في الحقيقة، أو فيه ما يتّصل بالأوّل، فيصير هو وما فيه الأوّل. فلذلك قلت: «إنّ زيدا لمنطلق» لأنّ «المنطلق» هو «زيد».
وكذلك لو قلت: «إنّ زيدا لفي داره عمرو»، أو: «لعمرو يضربه» لأنّ الذي عمرو يضربه هو زيد. فهذا عبرة هذا.
ألا ترى أنّك إذا فصلت بين «إنّ» وبين اسمها بشيء، جاز إدخال اللام، فقلت: «إنّ في الدار لزيدا»، و «إنّ من القوم لأخاك». فهذا يبيّن لك ما ذكرت.
وذلك قولك: «أشهد أنّ زيدا منطلق»، و «أعلم أنّ زيدا خير منك». فإذا أدخلت اللام، قلت: «أشهد إنّ زيدا لخير منك»، و «أعلم إنّ زيدا لمنطلق». قال الله عزّ وجلّ:
{وَاللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللََّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنََافِقِينَ لَكََاذِبُونَ} (1). فلولا اللام، لم يكن إلّا «أنّ» كما تقول: «أعلم زيدا خيرا منك». فإذا أدخلت اللام، قلت: «أعلم لزيد خير منك». وقال: {أَفَلََا يَعْلَمُ إِذََا بُعْثِرَ مََا فِي الْقُبُورِ. وَحُصِّلَ مََا فِي الصُّدُورِ. إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} (2)، فهذا مجاز اللام.
__________
(1) المنافقون: 1.
(2) العاديات: 119.(2/607)
ولو قال قائل: «أشهد بأنّك منطلق»، لم يكن إلّا الفتح لأنّها اسم مخفوض، وعبرتها أبدا ب «ذاك»، فيكون «ذاك» في أنّها اسم تامّ في موضع «أنّ» وصلتها. فإذا قلت: «علمت أنّ زيدا منطلق»، فهو كقولك: «علمت ذاك». وإذا قلت: «بلغني أنّ زيدا منطلق»، فهو في موضع: بلغني ذاك. وإذا قلت: «أشهد بأنّك منطلق»، فمعناه: أشهد بذاك.
فإن قال قائل: فكيف أقول: «أشهد بأنّك لمنطلق»؟
قيل له: هذا محال كسرت أو فتحت لأنّ حدّ الكلام التقديم، فلو أدخلت حرف الخفض على اللام، كان محالا لأنّ عوامل الأسماء لا تدخل على غيرها. لو قلت هذا لقلت: «أشهد بلذاك».
وكذلك: «بلغني أنّك منطلق»، لا يجوز أن تدخل اللام فتقول: «بلغني أنّك لمنطلق» لأنّ «إنّ» وصلتها الفاعل، واللام تقطع ما بعدها. فلو جاز هذا، لقلت: «بلغني لذاك». فهذا واضح بيّن جدّا.
فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَمََا أَرْسَلْنََا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلََّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعََامَ} (1) فمعناه:
إلّا وهذا شأنهم. وهو والله أعلم جواب لقولهم: {مََا لِهََذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعََامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوََاقِ} [الفرقان: 7].
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَمََا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقََاتُهُمْ إِلََّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا} (2).
ف «أنّهم» وصلتها في موضع الفاعل. والتقدير والله أعلم: وما منعهم إلّا كفرهم.
ونظير التفسير الأوّل قول الشاعر [من المنسرح]:
[251] ما أعطياني ولا سألتهما ... إلّا وإنّي لحاجزي كرمي
__________
(1) الفرقان: 20.
(2) التوبة: 54.
[251] التخريج: البيت لكثيّر عزّة في ديوانه ص 273وتخليص الشواهد ص 344والكتاب 3/ 145والمقاصد النحوية 2/ 308وبلا نسبة في الدرر 4/ 13وشرح الأشموني 1/ 138وشرح عمدة الحافظ ص 227وهمع الهوامع 1/ 246.
اللغة: حاجزي: مانعي.
الإعراب: «ما»: حرف نفي. «أعطياني»: فعل ماض، والألف: ضمير في محلّ رفع فاعل، والنون:
للوقاية، والياء: ضمير في محلّ نصب مفعول به. «ولا»: الواو حرف عطف، «لا»: حرف نفي. «سألتهما»:
فعل ماض، والتاء ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل، و «هما»: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به.
«إلّا»: حرف استثناء مهمل. «وإنّي»: الواو: حاليّة، «إني»: حرف مشبّه بالفعل، والياء ضمير في محلّ(2/608)
يقول: إلّا وهذه حالي. فعلى هذا وضعه سيبويه. وغيره ينشده:
* ألا وإنّي لحاجزي كرمي *
فهذه الرواية خارجة من ذلك التفسير، ومعناه: أنّ «ألا» تنبيه، وأراد: أنا حاجزي كرمي من أن أسأل، أو أقبل.
نصب اسم «إنّ». «لحاجزي»: اللام المزحلقة، «حاجزي»: خبر «إنّ»، وهو مضاف، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «كرمي»: فاعل لاسم الفاعل «حاجز»، وهو مضاف، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «ما أعطياني»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «لا سألتهما»: معطوفة على سابقتها.
وجملة «وإنّي لحاجزي كرمي»: في محلّ نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «إلا وإنّي» حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها بعد الواو الحاليّة.(2/609)
هذا باب «إنّ» المكسورة ومواقعها
اعلم أنّ مكانها في الكلام في أحد ثلاثة مواضع ترجع إلى موضع واحد وهو الابتداء لأنّه موضع لا يخلص للاسم دون الفعل.
وإنّما تكون المفتوحة في الموضع الذي لا يجوز أن يقع فيه إلّا الاسم. وذلك قولك:
«إنّ زيدا منطلق»، و «إنّ عمرا قائم»، لا يكون في هذا الموضع إلّا الكسر. فأمّا قوله:
{وَإِنَّ هََذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وََاحِدَةً} (1) فإنّما المعنى معنى اللام، والتقدير: ولأنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة، {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
وكذلك قوله عند الخليل: {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ فَلََا تَدْعُوا مَعَ اللََّهِ أَحَداً} (2) أي:
ولأنّ.
وأمّا المفسّرون فقالوا: هو على «أوحي». وهذا وجه حسن جميل.
وزعم قوم من النحويّين أنّ موضع «أنّ» خفض في هاتين الآيتين وما أشبههما، وأنّ اللام مضمرة. وليس هذا بشيء. واحتجّوا بإضمار «ربّ» في قوله [من الرجز]:
* وبلد ليس به أنيس [3] *
وليس كما قالوا لأنّ الواو بدل من «ربّ» كما ذكرت لك. والواو في قوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ} (4) واو عطف. ومحال أن يحذف حرف الخفض ولا يأتي منه بدل.
__________
(1) المؤمنون: 52. وهذه قراءة. انظر معجم القراءات القرآنية 4/ 215.
(2) الجن: 18.
[3] تقدم بالرقم 237.
(4) الجن: 18.(2/610)
واحتجّ هؤلاء بأنّك لا تقول: «أنّك منطلق بلغني» أو «علمت».
فقيل لهم: هي لا تتقدّم إلّا مكسورة، وإنّما كانت هاهنا بعد الواو منصوبة، لأنّ المعنى معنى اللام كما تقول: «جئتك ابتغاء الخير»، فتنصب والمعنى معنى اللام، وكذلك قال الشاعر [من الطويل]:
[252] وأغفر عوراء الكريم ادّخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما
فإذا قلت: «جئتك أنّك تحبّ المعروف»، فالمعنى معنى اللام، فعلى هذا قدّمت، وهذا قد مرّ. فهذا قول الخليل.
والموضع الآخر للمكسورة: أن تدخل اللام في الخبر. وقد مضى قولنا في هذا لأنّ اللام تقطعها ممّا قبلها، فتكون مبتدأة. فهذا ممّا ذكرت لك أنّها ترجع إلى الابتداء.
والموضع الثالث: أن تقع بعد القول حكاية، فتكون مبتدأة. كما تقول: «قال زيد:
عمرو منطلق»، و «قلت: الله أكبر». وقد مضى هذا في باب الحكاية.
فعلى هذا تقول: «قال زيد: إنّ عمرا منطلق»، و «قال عبد الله: إنّك خير منه». من
[252] التخريج: البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص 224وخزانة الأدب 3/ 123، 124وشرح أبيات سيبويه 1/ 45وشرح شواهد المغني 2/ 952وشرح المفصل 2/ 54والكتاب 1/ 368ولسان العرب 4/ 615 (عور) واللمع ص 141والمقاصد النحويّة 3/ 75ونوادر أبي زيد ص 110وبلا نسبة في أسرار العربية ص 187وخزانة الأدب 3/ 115والكتاب 3/ 126ولسان العرب 7/ 24 (خصص).
اللغة: العوراء: الكلمة القبيحة. الادّخار: جعل الشيء ذخيرة. أعرض: ابتعد.
المعنى: إذا جهل عليّ الكريم غفرت له، واحتملته، وإذا شتمني اللئيم ابتعدت عن شتمه إكراما لنفسي.
الإعراب: «وأغفر»: الواو: بحسب ما قبلها، «أغفر»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنا». «عوراء»: مفعول به، وهو مضاف. «الكريم»: مضاف إليه. «ادّخاره»: مفعول لأجله، وهو مضاف، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وأعرض»: الواو: حرف عطف، «أعرض»: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنا». «عن شتم»: جار ومجرور متعلّقان ب «أعرض». وهو مضاف. «اللئيم»:
مضاف إليه. «تكرّما»: مفعول لأجله.
وجملة «أغفر»: بحسب ما قبلها. وجملة «أعرض»: معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: «ادّخاره» حيث وقع مفعولا لأجله مع كونه مضافا، ويجوز فيه الجرّ على تقدير اللام.(2/611)
ذلك قوله عزّ وجلّ: {قََالَ اللََّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهََا عَلَيْكُمْ} (1). وقال: {وَإِذْ قََالَتِ الْمَلََائِكَةُ يََا مَرْيَمُ إِنَّ اللََّهَ اصْطَفََاكِ} (2) وقال: {قََالَ يََا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (3).
* * * فأمّا «أتقول» التي في معنى الظنّ، فإنّها تعمل في «إنّ» عملها في الاسم، كما قال [من الوافر]:
[253] أجهّالا تقول بني لؤيّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا
وكما قال [من الكامل]:
[254] أمّا الرّحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدّار تجمعنا
__________
(1) المائدة: 115.
(2) آل عمران: 42.
(3) نوح: 2.
[253] التخريج: البيت للكميت بن زيد في خزانة الأدب 9/ 183، 184والدرر 2/ 276وشرح أبيات سيبويه 1/ 132وشرح التصريح 1/ 263وشرح المفصل 7/ 78، 79والكتاب 1/ 123 والمقاصد النحويّة 2/ 429وليس في ديوانه وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 363وأوضح المسالك 2/ 78وتخليص الشواهد ص 457وخزانة الأدب 2/ 439وشرح الأشموني 1/ 164وشرح ابن عقيل ص 228وهمع الهوامع 1/ 157.
اللغة: الجهّال: من الجهل، وهو السفه والعصيان، أو عدم المعرفة. المتجاهل: هو المتظاهر بالجهل.
المعنى: أتظنّ أنّ بني لؤيّ جهّال حقيقة، أم أنّهم يتظاهرون بالجهل؟
الإعراب: أجهّالا: الهمزة: للاستفهام، جهّالا: مفعول به ثان ل «تقول» منصوب. تقول: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. بني: مفعول به أوّل منصوب بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. لؤيّ: مضاف إليه مجرور. لعمر: اللام: للابتداء، عمر: مبتدأ والخبر محذوف تقديره «قسمي»، وهو مضاف. أبيك: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف، والكاف: في محلّ جرّ بالإضافة. أم: حرف عطف. متجاهلينا: معطوف على «جهالا» منصوب بالياء، والألف: للإطلاق.
وجملة (تقول) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة.
والشاهد فيه قوله: «أجهّالا تقول بني لؤي» حيث أعمل «تقول» عمل «تظنّ»، فنصب به مفعولين، أحدهما قوله: «جهّالا»، والثاني قوله: «بني لؤيّ»، مع أنه فصل بين أداة الاستفهام والفعل بفاصل وهو قوله: «جهالا» وذلك لأنّ هذا الفصل لا يمنع الإعمال، لأنّ الفاصل معمول للفعل، فهو مفعوله الثاني.
[254] التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 402وخزانة الأدب 2/ 439، 9/ 185(2/612)
لأنّه يريد الظنّ. فعلى هذا تقول: «متى تقول أنّ زيدا منطلق»؟ و «أتقول أنّ عمرا خارج»؟
فإن لم ترد بها معنى «تظنّ» وأردت بها الحكاية، كسرت كما أنّك تقول: «زيد منطلق»، تريد اللفظ، ولا تريد الظنّ.
* * * وشرح أبيات سيبويه 1/ 179وشرح المفصل 7/ 78، 80والكتاب 1/ 124ولسان العرب 11/ 575 (قول) والمقاصد النحويّة 2/ 434وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص 457ورصف المباني ص 89 وشرح التصريح 1/ 262ولسان العرب 11/ 279 (رحل)، 12/ 266 (زعم).
المعنى: إن الرحيل محتّم اليوم أو غدا، فمتى يا ترى تجمعنا دار واحدة؟
الإعراب: «أمّا»: حرف شرط وتأكيد. «الرحيل»: مبتدأ مرفوع. «فدون»: الفاء: رابطة جواب «أما»، «دون»: ظرف مكان متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ. «بعد»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. «غد»: مضاف إليه مجرور. «فمتى»: الفاء: حرف استئناف، «متى»: اسم استفهام مبني في محلّ نصب على الظرفية، متعلّق ب «تجمع». «تقول»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». «الدار»:
مفعول به أول منصوب. «تجمعنا»: فعل مضارع مرفوع، و «نا»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي».
وجملة «أما الرحيل فدون»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «متى تقول»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تقول»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تجمعنا»: في محلّ نصب مفعول به ثان ل «تقول».
الشاهد فيه قوله: «تقول الدار تجمعنا» حيث استعمل الفعل «تقول» بمعنى «تظنّ»، ونصب به مفعولين: أولهما قوله: «الدار»، وثانيهما جملة «تجمعنا»، ولم يقصد به الحكاية، ولولا ذلك لرفع «الدار» بالابتداء، وكانت جملة «تجمعنا» في محلّ رفع خبر، وكانت جملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول.(2/613)
هذا باب من أبواب «إنّ» المكسورة
تقول: «قد قاله القوم حتّى إنّ زيدا يقوله»، و «قد شربوا حتّى إنّ أحدهم يجرّ بطنه» لأنّه موضع ابتداء. ألا ترى أنّك تقول: «قد قاله القوم حتّى زيد يقوله».
ولو قلت في هذا الموضع: «أنّ» كان محالا لأنّ «أنّ» مصدر ينبىء عن قصّة، فلو كان: قد قاله القوم حتّى قول زيد، كان محالا.
ولكن لو قلت: «بلغني حديثك حتّى أنّك تظلم الناس»، كان من مواضع «أنّ» المفتوحة لأنّ المعنى: بلغني أمرك حتّى ظلمك الناس. وإنما يصلح هذا ويفسد بالمعنى.
وتقول: «ظننت زيدا إنّه منطلق». لا تكون إلّا المكسورة لأنّ المعنى: ظننت زيدا هو منطلق كما تقول: «ظننت زيدا أبوه منطلق». ولو قلت: «ظننت زيدا أنّه منطلق»، ففتحت، لكان المعنى: ظننت زيدا الانطلاق، وهذا محال.
ولكن لو قلت: «ظننت أمرك أنّك تظلم الناس»، كان جيّدا، لأنّ المعنى: ظننت أمرك ظلمك الناس.
وكذلك «ظننت زيدا عاقلا فإذا إنّه أحمق»، إنّما تريد: فإذا هو أحمق كما قال [من الطويل]:
[255] وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا ... إذا إنّه عبد القفا واللهازم
وتقول: «عهدي به شابّا وإنّه يومئذ يفخر»، أي: وهذه حاله. ولو قلت: «أنّه» جاز
[255] التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 338وتخليص الشواهد ص 348 والجنى الداني ص 378، 411وجواهر الأدب ص 352وخزانة الأدب 10/ 265والخصائص 2/ 399والدرر 2/ 180وشرح الأشموني 1/ 138وشرح التصريح 1/ 218وشرح ابن عقيل(2/614)
على بعد. كأنّك قلت: عهدي به شابّا وبفخره. وكذلك لو قلت: «رأيت زيدا عاقلا فإذا إنّه أحمق»، و «كنت أراه حرّا فإذا إنّه عبد»، ولو قلت: «أنّه» جاز. كأنّك قلت: ظننته حرّا فإذا العبوديّة أمره.
فأمّا قوله: {لََا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النََّارَ} (1). ف «أنّ» مرتفعة ب «جرم»، ومعناه: والله أعلم حقّ أنّ لهم النار كما قال عزّ وجلّ: {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} (2) أي: لا يحقّنّكم. قال الشاعر [من الكامل]:
[256] ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
* * *
ص 181وشرح عمدة الحافظ ص 828وشرح المفصل 4/ 97، 8/ 61والكتاب 3/ 144والمقاصد النحوية 2/ 224وهمع الهوامع 1/ 138.
اللغة والمعنى: القفا: المؤخّرة. اللهازم: ج اللهزمة، وهي العظم الناتئ في اللحي تحت الأذن.
وعبد القفا واللهازم: كناية عن الخسّة والحقارة.
الإعراب: وكنت: الواو: حسب ما قبلها، كنت: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محلّ رفع اسم «كان». أرى: فعل مضارع مرفوع. والفاعل: أنا. زيدا: مفعول به أوّل ل «أرى» القلبيّة منصوب. كما:
الكاف: حرف جرّ، ما: اسم موصول في محلّ جرّ بحرف الجرّ. قيل: فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل: هو. سيّدا: مفعول به ثان ل «أرى». إذا: الفجائيّة. أنّه: حرف مشبّه بالفعل، والهاء: في محل نصب اسم «أنّ». عبد: خبر «أنّ» مرفوع، وهو مضاف. القفا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذر. واللهازم: الواو: حرف عطف. اللهازم: معطوف على «القفا» مجرور.
وجملة «كنت أرى» الفعليّة: لا محل لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة أو ابتدائيّة. وجملة «أرى» الفعليّة: في محلّ نصب خبر «كنت». وجملة «قيل» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول.
والشاهد فيه جواز فتح همزة «إنّ» وكسرها بعد «إذا» الفجائية.
__________
(1) النحل: 62.
(2) المائدة: 2، 8.
[256] التخريج: البيت لأبي أسماء بن الضريبة في لسان العرب 12/ 92، 93 (جرم) وله أو لعطية بن عفيف في خزانة الأدب 10/ 283، 286، 288وشرح أبيات سيبويه 2/ 136وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 62والاشتقاق ص 190وجمهرة اللغة ص 465وجواهر الأدب ص 355والصاحبي في فقه اللغة ص 150.
اللغة: أبو عيينة هذا هو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان أبو المرثي بهذا الشعر قد طعنه يوم الحاجز. وجرمت فزارة: حقّتها للغضب، أي جعلتها حقيقة به، هذا قول سيبويه، وغيره يرى أن (جرمت(2/615)
وتقول: «ألا إنّه منطلق». ف «ألا» تنبيه، و «إنّه» مبتدأة. وتقول: «أما إنّه منطلق» على ذلك المذهب.
ولو قلت: «أمّا أنّه منطلق»، جاز على معنى: «حقّا أنّه منطلق». إذا أردت بها من التحقيق والتوكيد ما أردت بقولك: «حقّا» لأنّهم يضعونها في موضعها. فهذا قياس مطّرد فيما ذكرت لك.
* * * فزارة) معناه أكسبتهم الغضب.
المعنى: يصف الشاعر مرثيّه بالشجاعة، فيقول له: أنت من طعن أبا عيينة طعنة نجلاء جعلت قومه بني فزارة يغضبون.
الإعراب: «ولقد»: الواو: بحسب ما قبلها، واللام: حرف ابتداء، ورابطة لجواب قسم مقدّر عند بعضهم، «قد»: حرف تحقيق. «طعنت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل مبني على الفتح في محل رفع. «أبا»: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة. «عيينة»: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة، لأنه ممنوع من الصرف. «طعنة»: مفعول مطلق. «جرمت»: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث لا محل لها، وفاعله مستتر تقديره هي يعود على (طعنة). «فزارة»: مفعول به.
«بعدها»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب، و «ها»: مضاف إليه محله الجر، متعلق ب (جرمت). «أن»:
حرف ناصب ومصدري. «يغضبوا»: فعل مضارع منصوب ب (أن) وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: فاعل محلّه الرفع، والألف: فارقة، والمصدر المؤول من (أن) و (يغضبوا) مفعول به ثان ل (جرمت).
وجملة «طعنت»: بحسب الواو عند من جعل اللام في (لقد) حرف ابتداء، وجواب قسم لا محل لها عند من جعل اللام رابطة لجواب قسم مقدّر. وجملة «جرمت»: صفة ل (طعنة) محلها النصب. وجملة «يغضبوا»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: جرمت فزارة، فمعناه عند سيبويه: حقّها للغضب، لأنه فسّر قولهم: لا جرم أنه سيفعل بمعنى حقّ أنه يفعل، و (لا) عنده زائدة، ولكنها لزمت (جرم) لأن هذه العبارة كالمثل، وغير سيبويه يرى أنّ معنى قوله: جرمت فزارة أن يغضبوا: أكسبتهم الغضب من قوله عزّ وجلّ: {لََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}
[المائدة: 2، 8] أي لا يكسبنكم.(2/616)
هذا باب الظروف و «أمّا» إذا اتّصلت بشيء منهنّ «أنّ»
تقول: «يوم الجمعة أنّك خارج»، و «اليوم أنّك راحل»، و «لك عليّ أنّك لا تؤذى» لأنّه أراد: يوم الجمعة خروجك، وفي يوم الجمعة رحلتك، ولك عليّ ترك الأذى ألا ترى أنّك لو وضعت «ذاك» في هذا الموضع، لصلح، فكنت تقول: «في يوم الجمعة ذاك»، و «لك عليّ ذاك».
فإن قال قائل: هل يجوز: «اليوم إنّك منطلق»، و «لك عليّ إنّك لا تؤذى»؟
فإنّ ذلك غير جائز لأنّك تريد التقديم والتأخير، فيكون على قولك: «إنّك منطلق اليوم»، و «إنّك لا تؤذى لك عليّ». و «إنّ رحلتك يوم الجمعة». وإنّما فسد لأنّ «إنّ» لا يصلح فيها التقديم والتأخير كما لم يصلح ذلك فيما تعمل فيه من الأسماء إذا كانت مكسورة. فإذا كانت مفتوحة، جاز فيها التقديم والتأخير، أعني تقديم الخبر وتأخيره، لأنّها موضوعة موضع المصدر.
* * * وتقول: «أمّا يوم الجمعة فإنّك مرتحل» لأنّ معنى «أمّا»: مهما يكن من شيء فإنّك مرتحل يوم الجمعة. فما بعد الفاء يقع مبتدأ ألا ترى أنّك تقول: «أمّا زيدا فضربت»، فإنّما هو على التقديم والتأخير. لا يكون إلّا ذلك لأنّ المعنى: مهما يكن من شيء فزيدا ضربت، أو فضربت زيدا.
ولو قال قائل: «أمّا يوم الجمعة فأنّك مرتحل»، لجاز، فيكون التقدير: مهما يكن من شيء ففي يوم الجمعة رحلتك. فهذا تقدير ما يقع في «أمّا».
والدليل على أنّها في معنى الجزاء لزوم الفاء لجوابها، نحو: «أمّا زيد فمنطلق»، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (1)، {وَأَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ} (2) و {أَمََّا مَنِ اسْتَغْنى ََ. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدََّى} (3) فالمعنى: مهما يكن من شيء فهذا الأمر فيه. فإنّما تقديرها في الكلام كلّه التقديم والتأخير، لا يكون إلّا على ذلك.(2/617)
ولو قال قائل: «أمّا يوم الجمعة فأنّك مرتحل»، لجاز، فيكون التقدير: مهما يكن من شيء ففي يوم الجمعة رحلتك. فهذا تقدير ما يقع في «أمّا».
والدليل على أنّها في معنى الجزاء لزوم الفاء لجوابها، نحو: «أمّا زيد فمنطلق»، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (1)، {وَأَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ} (2) و {أَمََّا مَنِ اسْتَغْنى ََ. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدََّى} (3) فالمعنى: مهما يكن من شيء فهذا الأمر فيه. فإنّما تقديرها في الكلام كلّه التقديم والتأخير، لا يكون إلّا على ذلك.
* * * __________
(1) الضحى: 9.
(2) فصلت: 17.
(3) عبس: 5، 6.(2/618)
هذا باب من أبواب «أنّ» مكرّرة
وذلك قولك: «قد علمت أنّ زيدا إذا أتاك أنّه سيكرمك»، وذلك أنّك قد أردت:
قد علمت أنّ زيدا إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيدا، ولست تريد بها إلّا ما أردت بالأولى. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرََاباً وَعِظََاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (1)، فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا. ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
ونظير تكرير «أنّ» هاهنا قوله تبارك وتعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كََافِرُونَ} (2) وقوله عزّ وجلّ: {فَكََانَ عََاقِبَتَهُمََا أَنَّهُمََا فِي النََّارِ خََالِدَيْنِ فِيهََا} (3). وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا} (4).
ومن هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرميّ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحََادِدِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نََارَ جَهَنَّمَ} (5). فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنّم، وردّت «أنّ» توكيدا.
وإن كسرها كاسر، جعلها مبتدأة بعد الفاء لأنّ ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عزّ وجلّ:
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ} (6) ف «إنّ» في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت بعد الحكاية كرّرت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك:
«من يأتني فإنّي سأكرمه».
__________
(1) المؤمنون: 35.
(2) هود: 19.
(3) الحشر: 17.
(4) هود: 108.
(5) التوبة: 63.
(6) الجمعة: 8.(2/619)
وأما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحََادِدِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نََارَ جَهَنَّمَ} (1) قال: المعنى: فوجوب النار له، ثمّ وضع «أنّ» في موضع المصدر.
فهذا قول ليس بالقويّ، لأنّه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
وكذلك قال في قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى ََ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهََالَةٍ ثُمَّ تََابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2). أي: فوجوب الرحمة له.
والقول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأمّا ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرََاباً وَعِظََاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (3) فأن يكون {أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} مرتفعا بالظرف.
كأنّه في التقدير: أيعدكم أنّكم إذا متّم، إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
وأمّا سيبويه فكان يقول: المعنى: أنّ «يعد» وقعت على «أنّ» الثانية وذكر «أنّ» الأولى ليعلم بعد أيّ شيء يكون الإخراج.
وهذا قول ليس بالقويّ.
* * * __________
(1) التوبة: 63.
(2) الأنعام: 54.
(3) المؤمنون: 35.(2/620)
هذا باب «أن» و «إن» الخفيفتين
اعلم أنّ «أن» تكون في الكلام على أربعة أوجه:
فوجه: أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدرا نحو قولك: «أريد أن تقوم يا فتى» أي: أريد قيامك، و «أرجو أن تذهب يا فتى»، أي: أرجو ذهابك. فمن ذلك قول الله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (1) أي: والصيام خير لكم. ومثله: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} (2).
ووجه آخر: أن تكون مخفّفة من الثقيلة. وذلك قوله عزّ وجلّ: {وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (3). لو نصبت بها وهي مخفّفة، لجاز. فإذا رفعت ما بعدها، فعلى حذف التثقيل والمضمر في النيّة، فكأنّه قال: أنّه الحمد لله ربّ العالمين. وقد مضى تفسير هذا في موضع عملها خفيفة.
والوجه الثالث: أن تكون في معنى «أي» التي تقع للعبارة والتفسير، وذلك قوله عزّ وجلّ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى ََ آلِهَتِكُمْ} (4). ومثله: «بيّنت له الحديث أن قد كان كذا وكذا»، تريد: أي: امشوا، وأي: قد كان كذا وكذا.
ووجه رابع: أن تكون زائدة مؤكّدة وذلك قولك: «لمّا أن جاء زيد قمت»، و «والله أن لو فعلت لأكرمتك».
* * * __________
(1) البقرة: 184.
(2) النور: 60.
(3) يونس: 10.
(4) ص: 6.(2/621)
وأما «إن» المكسورة، فإنّ لها أربعة أوجه مخالفة لهذه الوجوه.
فمن ذلك «إن» الجزاء وذلك قولك «إن تأتني آتك»، وهي أصل الجزاء كما أنّ الألف أصل الاستفهام.
وتكون في معنى «ما». تقول: «إن زيد منطلق»، أي: ما زيد منطلق.
وكان سيبويه لا يرى فيها إلّا رفع الخبر لأنّها حرف نفي دخل على ابتداء وخبره كما تدخل ألف الاستفهام فلا تغيّره. وذلك كمذهب بني تميم في «ما».
وغيره يجيز نصب الخبر على التشبيه ب «ليس» كما فعل ذلك في «ما». وهذا هو القول لأنّه لا فصل بينها وبين «ما» في المعنى، وذلك قوله عزّ وجلّ: {إِنِ الْكََافِرُونَ إِلََّا فِي غُرُورٍ} (1)، وقال: {إِنْ يَقُولُونَ إِلََّا كَذِباً} (2). فهذا موضعان.
والموضع الثالث: أن تكون «إن» المكسورة المخفّفة من الثقيلة، فإذا رفعت ما بعدها، لزمك أن تدخل اللام على الخبر، ولم يجز غير ذلك لأنّ لفظها كلفظ التي في معنى «ما»، وإذا دخلت اللام، علم أنّها الموجبة لا النافية، وذلك قولك: «إن زيد لمنطلق»، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} (3). {وَإِنْ كََانُوا لَيَقُولُونَ} (4).
وإن نصبت بها، لم تحتج إلى اللام إلّا أن تدخلها توكيدا كما تقول «إن زيدا لمنطلق».
* * * والموضع الرابع: أن تدخل زائدة مع «ما»، فتردّها إلى الابتداء، كما تدخل «ما» على «إنّ» الثقيلة، فتمنعها عملها، وتردّها إلى الابتداء في قولك: «إنّما زيد أخوك»، و {إِنَّمََا يَخْشَى اللََّهَ مِنْ عِبََادِهِ الْعُلَمََاءُ} (5) وذلك قولك: «ما إن يقوم زيد»، و «ما إن زيد منطلق».
__________
(1) الملك: 20.
(2) الكهف: 5.
(3) الطارق: 4.
(4) الصافات: 167.
(5) فاطر: 28.(2/622)
لا يكون الخبر إلّا مرفوعا لما ذكرت لك. قال زهير [من البسيط]:
[257] ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم ... تخالج الأمر إنّ الأمر مشترك
وقال الآخر [من الوافر]:
وما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا [1]
فإن قال قائل: فما بالها لمّا خفّفت من الثقيلة المكسورة، اختير بعدها الرفع، ولم يصلح ذلك في المخفّفة من المفتوحة إلّا أن ترفع على أن يضمر فيها؟
قيل: لأنّ المفتوحة وما بعدها مصدر، فلا معنى لها في الإبتداء، والمكسورة، إنّما دخلت على الابتداء وخبره، فلمّا نقصت عن وزن الفعل، رجع الكلام إلى أصله.
ومن رأى النصب بها أو بالمفتوحة مع التخفيف قال: هما بمنزلة الفعل، فإذا خفّفتا، كانتا بمنزلة فعل محذوف منه، فالفعل يعمل محذوفا عمله تامّا. فذلك قولك: «لم يك زيد منطلقا»، فعمل عمله والنون فيه. والأقيس الرفع فيما بعدها، لأنّ «إنّ» إنّما أشبهت الفعل باللفظ لا بالمعنى، فإذا نقص اللفظ، ذهب الشبه. ولذلك الوجه الآخر وجه من القياس كما ذكرت لك.
وكان الخليل يقرأ {إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} (2)، فيؤدّي خطّ المصحف، ومعنى «إنّ» الثقيلة في قراءة ابن مسعود {إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ}.
[257] التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 165والخصائص 2/ 283ولسان العرب 13/ 35 (أتن) وبلا نسبة في الخصائص 1/ 110، 3/ 108.
اللغة: لوجهتهم: لطريقهم. تخالج الأمر: اختلاف الآراء فيه، والأمر المشترك، هو الأمر الذي لا يجتمع فيه على رأي واحد.
المعنى: يريد أن القوم مضطربون في رحلتهم هذه، فقد أقلقهم أمر لم يجتمعوا فيه على رأي واحد.
الإعراب: ما: نافية. إن: زائدة. يكاد: فعل مضارع ناقص. يخليهم: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة، و «الهاء»: مفعول به، و «الميم»: علامة جمع الذكور العقلاء. لوجهتهم: جار ومجرور متعلقان ب (يخليهم)، و «الهاء»: مضاف إليه، و «الميم»: علامة جمع الذكور العقلاء. تخالج: اسم (يكاد)، أو فاعل ل (يخليهم) على ما يعرف بالتنازع. الأمر: مضاف إليه. إنّ: حرف مشبه بالفعل. الأمر: اسم (إنّ) منصوب. مشترك: خبر (إنّ) مرفوع.
وجملة «ما يكاد يخليهم تخالج الأمر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يخليهم»: خبر (يكاد) محلها النصب. وجملة «إنّ الأمر مشترك»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (ما إن يكاد) حيث زيدت (إن) بعد (ما) النافية.
[1] تقدّم بالرقم 18.
__________
(2) طه: 63.(2/623)
فهرس المحتويات
ترجمة المبرد 3
1 - مصادر ترجمته ومراجعها 5
2 - اسمه ونسبه 6
3 - كنيته ولقبه 7
4 - ولادته ووفاته 8
5 - نشأته وحياته 9
6 - شيوخه 11
7 - تلامذته 13
8 - مؤلفاته 14
9 - صفاته 18
10 - شعره 20
11 - أقوال العلماء والشعراء فيه 22
12 - بينه وبين ثعلب 25
13 - منهجه النحويّ 30
14 - كتاب المقتضب 32
هذا تفسير وجوه العربية وإعراب الأسماء والأفعال 51
هذا باب الفاعل 55
هذا باب حروف العطف بمعانيها 57
هذا باب من مسائل الفاعل والمفعول 59
هذا باب ونقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلّمون 65
هذا باب ما كان لفظه مقلوبا فحق ذلك أن يكون لفظه جاريا على ما قلب إليه 69
هذا باب اللفظ بالحروف 73
هذا باب ما يسمى به من الأفعال المحذوفة والموقوفة 75
هذا باب ما يكون عليه الكلم بمعانيه 76
هذا باب ما جاء من الكلم على حرفين 81(2/625)
هذا باب ما يكون عليه الكلم بمعانيه 76
هذا باب ما جاء من الكلم على حرفين 81
هذا باب الأبنية ومعرفة حروف الزوائد 94
هذا باب معرفة الزوائد ومواضعها 96
هذا باب حروف البدل 101
هذا باب معرفة بنات الأربعة التي لا زيادة فيها 105
هذا باب معرفة بنات الخمسة من غير زيادة 107
هذا باب معرفة الأبنية وتقطيعها بالأفاعيل وكيف تعتبر بها في أصلها وزوائدها 108
هذا باب معرفة الأفعال: أصولها وزوائدها 110
هذا باب معرفة ألفات القطع وألفات الوصل وهن همزات في أوائل الأسماء والأفعال والحروف 124
هذا باب تفسير بنات الأربعة من الأسماء والأفعال بما يلحقها من الزوائد 124
هذا باب ما كان فاؤه واوا من الثلاثة 126
هذا باب ما لحقته الزوائد من هذا الباب 129
هذا باب ما كانت الواو أو الياء منه في موضع العين من الفعل 133
هذا باب اسم الفاعل والمفعول من هذا الفعل 135
هذا باب ما لحقته الزوائد من هذه الأفعال 140
هذا باب الأسماء المأخوذة من الأفعال 143
هذا باب ما كان على ثلاثة أحرف مما عينه واو أو ياء 146
هذا باب ما اعتلت عينه مما لامه همزة 150
هذا باب ما كان من الأسماء الصحيحة والمعتلة على مثال فعل، وفعل، وما كان منها في ثاني حروفه كسرة وما كان من الأفعال كذلك 153
حروفه كسرة وما كان من الأفعال كذلك 153
هذا باب جمع الأسماء المعتلة عيناتها وما يلحقها مما هو صحيح إذا زيدت فيه حروف اللين 154
هذا باب جمع ما كان على أربعة أحرف وثالثه واو، أو ياء، أو ألف 157
هذا باب ما كانت عينه إحدى هذه الأحرف اللينة ولقيها حرف لين 159
هذا باب ما كان من الجمع على وزن فعّل وفعّال مما اعتلت عينه 162
هذا باب ما كان من الجمع على «فعلة» 163
هذا باب جمع ما كان على «فعل» من ذوات الياء والواو اللتين هما عينان 164
هذا باب ما يصح من ذوات الياء والواو لسكون ما قبله وما بعده 167
هذا باب ما اعتل منه موضع اللام 168
هذا باب ما لحقته الزوائد من هذه الأفعال 169
هذا باب بناء الأسماء على هذه الأفعال المزيد فيها وغير المزيد فيها وذكر مصادرها وأزمنتها ومواضعها 170
هذا باب ما بني من هذه الأفعال اسما على «فعيل» أو «فعول» أو «فعال» أو «فعلل» وما أشبه ذلك 171(2/626)
هذا باب بناء الأسماء على هذه الأفعال المزيد فيها وغير المزيد فيها وذكر مصادرها وأزمنتها ومواضعها 170
هذا باب ما بني من هذه الأفعال اسما على «فعيل» أو «فعول» أو «فعال» أو «فعلل» وما أشبه ذلك 171
هذا باب ذوات الياء التي عيناتها ولاماتها ياءات 183
هذا باب ما كانت عينه ولامه واوين 184
هذا باب ما جاء على أن فعله على مثال «حييت» وإن لم يستعمل 186
هذا باب الهمز 189
هذا باب ما كان على «فعلى» مما موضع العين منه ياء 201
هذا باب ما كان على «فعلى»، و «فعلى» من ذوات الواو والياء اللتين هما لامان 203
هذا باب المسائل في التصريف ممّا اعتلّ منه موضع العين 205
هذا باب تصرف الفعل إذا اجتمعت فيه حروف العلة 212
أبواب الإدغام هذا باب مخارج الحروف وقسمة أعدادها في مهموسها ومجهورها وشديدها ورخوها وما كان منها مطبقا وما كان من حروف القلقلة وما كان من حروف المد واللين وغير ذلك 223
هذا باب إدغام المثلين 227
هذا باب إدغام المثلين في الفعل، وما اشتق منه وما يمتنع من ذلك 228
هذا باب الإدغام في المثلين في الانفصال 233
هذا باب الإدغام في المقاربة وما يجوز منه، وما يمتنع 234
هذا باب ما تقلب فيه السين صادا وتركها على لفظها أجود 249
هذا باب الأسماء التي وقعت على حرفين 251
هذا باب ما شبه من المضاعف بالمعتل فحذف في موضع حذفه 271
هذا باب ما يحذف استخفافا لأنّ اللبس فيه مأمون 275
هذا باب «مصطفين» 285
هذا باب المضمر المتصل 288
هذا باب الإضمار الذي يلحق الواحد الغائب وتفسير أصله وأين يجوز أن يبدل من الواو التي تلحقها الياء والعلة في ذلك 290
هذا باب ما يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءات 292
هذا باب إضمار جمع المذكر 295
هذا باب إعراب الأفعال المضارعة، وكيف صار الإعراب فيها دون سائر الأفعال؟ 301
هذا باب تجريد إعراب الأفعال 304
هذا باب الحروف التي تنصب الأفعال 305
هذا باب «إذن» 308
هذا باب الفاء وما ينتصب بعدها وما يكون معطوفا بها على ما قبله 311
هذا باب مسائل هذا الباب وما يكون فيه معطوفا أو مبتدأ مرفوعا، وما لا يجوز فيه إلّا النصب إلّا أن يضطرّ شاعر 313
هذا باب الواو 324(2/627)
هذا باب مسائل هذا الباب وما يكون فيه معطوفا أو مبتدأ مرفوعا، وما لا يجوز فيه إلّا النصب إلّا أن يضطرّ شاعر 313
هذا باب الواو 324
هذا باب «أو» 328
هذا باب «أن» 331
هذا باب الفعل بعد «أن» وانقطاع الآخر من الأوّل 334
هذا باب «حتّى» 339
هذا باب مسائل «حتّى» في البابين: النصب والرفع 343
هذا باب الحروف التي تجزم الأفعال 345
هذا باب المجازاة وحروفها 346
هذا باب مسائل المجازاة، وما يجوز فيها وما يمتنع منها 360
ونقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلّمون 363
هذا باب ما يرتفع بين المجزومين، وما يمتنع من ذلك 366
هذا باب ما يجوز من تقديم جواب الجزاء عليه وما لا يجوز إلّا في الشعر اضطرارا 370
هذا باب ما تحتمل حروف الجزاء من الفصل بينها وبين ما عملت فيه 376
هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها 384
هذا باب ألفات الوصل والقطع 388
هذا باب الأفعال التي تدخلها ألف الوصل، والأفعال الممتنعة من ذلك 389
هذا باب دخول ألف الوصل في الأسماء غير المصادر 392
هذا باب مصادر الأفعال إذا جاوزت الثلاثة صحيحها ومعتلّها، والاحتجاج لذلك وذكر أبنيتها 395
هذا باب أفعال المطاوعة من الأفعال التي فيها الزوائد من الثلاثة. والأفعال التي لا زوائد فيها منها 404
هذا باب ما كان من بنات الأربعة وألحق به من الثلاثة 406
هذا باب ذوات الثلاثة من الأفعال بغير زيادة 409
هذا باب معرفة أسماء الفاعلين في هذه الأفعال وما يلحقها من الزيادة للمبالغة 411
هذا باب مصادر ذوات الثلاثة على اختلافها وتبيين الأصل فيها 418
هذا باب ما كان من المعتلّ فيما جاوز فعله الثلاثة فلزمه الحذف لاعتلاله والإتمام لسلامته 421
هذا باب الأمر والنهي 423
هذا باب ما وقع من الأفعال للجنس على معناه، وتلك الأفعال: «نعم» و «بئس» وما وقع في معناهما 433
هذا باب العدد وتفسير وجوهه والعلّة فيما وقع منه مختلفا 445
هذا باب إضافة العدد واختلاف النحويّين فيه 463
هذا باب ما يضاف من الأعداد المنوّنة 466
هذا باب اشتقاقك للعدد اسم الفاعل، كقولك: هذا ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة 469
هذا باب ما يضاف إليه من العدّة من الأجناس وما يمتنع من الإضافة 472(2/628)
هذا باب اشتقاقك للعدد اسم الفاعل، كقولك: هذا ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة 469
هذا باب ما يضاف إليه من العدّة من الأجناس وما يمتنع من الإضافة 472
هذا باب الجمع لما يكون من الأجناس على «فعلة» 474
هذا باب ما جاء من هذا في ذوات الياء والواو التي ياءاتهن وواواتهنّ لامات 479
هذا باب الجمع لما كان على ثلاثة أحرف 481
هذا باب ما يجمع ممّا عدّة حروفه أربعة 494
هذا باب جمع ما لحقته الهمزة في أوّله من الثلاثة 498
هذا باب جمع الأسماء التي هي أعلام من الثلاثة 502
هذا باب ما كان اسما على «فاعل» غير نعت معرفة أو نكرة 506
هذا باب ما كان على أربعة أحرف أصلية أو فيها حرف زائد 509
هذا باب ما كان على خمسة أحرف كلّهنّ أصل 511
هذا باب ما عدّته خمسة أحرف أو أكثر بزيادة تلحقه 512
هذا باب ما كانت عدّته أربعة أحرف وفيه علامة التأنيث 513
هذا باب ما كان على خمسة أحرف وفيه زيادتان ملحقتان أو غير ملحقتين 514
هذا باب ما تلحقه زائدتان: إحداهما ملحقة والأخرى غير ملحقة 516
هذا باب التصغير وشرح أبوابه ومذاهبه 517
هذا باب ما كان من المذكّر على ثلاثة أحرف 518
هذا باب ما كان من المؤنّث على ثلاثة أحرف 521
هذا باب تصغير ما كان من المذكّر على أربعة أحرف 523
هذا باب تحقير بنات الخمسة 527
هذا باب تصغير الأسماء المبنيّة من أفعالها 529
هذا باب ما تلحقه زائدتان: إحداهما ملحقة والأخرى غير ملحقة، وذلك قولك:
«ثمان» «ويمان» 531
هذا باب ما يحقّر على مثال جمعه على القياس لا على المستعمل 532
هذا باب ما كان على أربعة ممّا آخره حرف تأنيث 535
هذا باب ما لحقته الألف والنون زائدتين 539
هذا باب ما كانت في آخره ألفان زائدتان لغير التأنيث وذلك نحو: «علباء» و «حرباء» و «زيزاء» ونحوه 540
هذا باب ما كان على ثلاثة أحرف ممّا حذف منه حرف وجعل مكانه حرف 542
هذا باب ما يصغّر من الأماكن وما يمتنع من التصغير منها 544
هذا باب تحقير الظروف من الأزمنة 548
هذا باب تصغير ما كان من الجمع 550
هذا باب ما كان على «فعل» من ذوات الياء والواو نحو: «باب» و «ناب» و «دار» وما أشبهه 551
هذا باب ما كانت الواو فيه ثالثة في موضع العين 553
هذا باب ما كانت الواو منه في موضع اللام 555(2/629)
هذا باب ما كانت الواو فيه ثالثة في موضع العين 553
هذا باب ما كانت الواو منه في موضع اللام 555
هذا باب ما يسمّى به من الجماعة 556
هذا باب تحقير الأسماء المبهمة 557
هذا باب أسماء الجمع التي ليس لها واحد من لفظها 561
هذا باب التصغير الذي يسمّيه النحويون تصغير الترخيم 562
هذا باب الحروف التي تكون استفهاما وخبرا وسنذكرها مفسّرة في أبوابها إن شاء الله 563
هذا باب «أيّ» مضافة ومفردة في الاستفهام 563
هذا باب مسائل «أيّ» في الاستفهام 566
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستفهما مستثبتا 570
هذا باب «أيّ» إذا كنت مستثبتا بها عن معرفة 572
هذا باب «من» إذا كنت مستفهما بها عن نكرة 573
هذا باب «من» إذا كنت مسترشدا بها عن إثبات معرفة 576
هذا باب «من» إذا أردت أن يضاف لك الذي تسأل عنه 578
هذا باب الصفة التي تجعل وما قبلها بمنزلة شيء واحد فيحذف التنوين من الموصوف 579
هذا باب ما يلحق الاسم والفعل وغيرهما ممّا يكون آخر الكلام في الاستفهام 583
هذا باب القسم 584
هذا باب الأسماء التي يعمل بعضها في بعض وفيها معنى القسم 593
هذا باب ما يقسم عليه من الأفعال وما بال النون في كلّ ما دخلت فيه يجوز حذفها واستعمالها إلّا في هذا الموضع الذي أذكره لك فإنّه لا يجوز حذفها؟ 599
هذا باب الفرق بين «إنّ» و «أنّ» 604
هذا باب من أبواب «أنّ» المفتوحة 605
هذا باب «إنّ» إذا دخلت اللام في خبرها 607
هذا باب «إنّ» المكسورة ومواقعها 610
هذا باب من أبواب «إنّ» المكسورة 614
هذا باب الظروف و «أمّا» إذا اتّصلت بشيء منهنّ «أنّ» 617
هذا باب من أبواب «أنّ» مكرّرة 619
هذا باب «أن» و «إن» الخفيفتين 621(2/630)
الجزء الثالث
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذا باب «أن» المفتوحة وتصرّفها
اعلم أنّها إذا كانت مع الفعل مصدرا، جاز تقديمها وتأخيرها، ووقعت في كلّ موضع تقع فيه الأسماء إلّا أنّ معناها إذا وقعت على فعل مستقبل أنّها تنصبه، وذلك الفعل لما لم يقع، ولا يكون للحال. وذلك قولك: «أن تأتيني خير لك»، و «يسرّني أن تقوم يا فتى»، و «أكره أن تذهب إلى زيد». فهذا هكذا.
وإن وقعت على فعل ماض، كانت مصدرا لما مضى. تقول: «سرّني أن قمت»، و «ساءني أن كلّمك زيد وأنت غضبان»، على: «أن كلّمت [1] زيدا»، أي: لهذه العلّة.
* * * واعلم أنّها إذا وقعت بعدها الأفعال المستقبلة، وكانت بينها وبينها «لا»، فإنّ عملها على حاله. تقول: «أحبّ ألّا تذهب يا فتى»، و «أكره ألّا تكلّم زيدا». والمعنى: أكره تركك كلام زيد.
فإن أردت بها الثقيلة، لم يجز أن يليها الفعل إلّا أن تأتي بعوض ممّا حذفت من المضمر والتثقيل. ونحن ذاكرو ذلك إن شاء الله.
وذلك قولك إذا أردت الثقيلة: «قد علمت أن لا تقوم»، تريد: أنّك لا تقوم.
ف «لا» عوض. وهي إذا أردت الخفيفة غير فاصلة بين «أن» والفعل.
فأمّا السين و «سوف» فلا يكون «أن» قبلهما إلّا على التثقيل والإضمار لأنّهما ليستا ك «لا»، ألا ترى أنّك تقول: «مررت برجل لا قائم ولا قاعد»، فيكون بمنزلة قولك:
[1] المناسب «كلمك زيد».(3/3)
«مررت برجل قائم وقاعد» في الإعراب، وإن كان الأول منفيّا. وكذلك: «كان عبد الله لا شجاعا ولا بطلا».
ولا تقع السين و «سوف» هذا الموقع فعلى هذا تقول: «علمت أن سيقومون»، و «أن سوف يقومون». لا يكون إلّا على ذلك.
* * * وللثقيلة أفعال، وللخفيفة أفعال سواها، وذلك مذكور على إثر هذا الباب إن شاء الله.
فإن أردت الثقيلة مع الفعل الماضي، دخل من العوض «قد»، فقلت: «قد علمت أن قد ذهب زيد»، أي: أنّه قد ذهب زيد.
* * *
هذا باب الأفعال التي لا تكون «أن» معها إلّا ثقيلة والأفعال التي لا تكون معها إلّا خفيفة والأفعال المحتملة للثقيلة والخفيفة(3/4)
* * *
هذا باب الأفعال التي لا تكون «أن» معها إلّا ثقيلة والأفعال التي لا تكون معها إلّا خفيفة والأفعال المحتملة للثقيلة والخفيفة
أمّا ما كان من العلم فإنّ «أن» لا تكون بعده إلّا ثقيلة لأنّه شيء قد ثبت واستقرّ، وذلك قولك: «قد علمت أنّ زيدا منطلق»، فإن خفّفت، فعلى إرادة التثقيل والإضمار.
تقول: «قد علمت أن سيقوم زيد»، تريد: أنّه سيقوم زيد. قال الله عزّ وجلّ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} (1) لأنّه شيء قد استقرّ.
ألا ترى أنّه لا يصلح: «علمت أن يقوم زيد» لأنّ «أن» الخفيفة إنّما تكون لما لم يثبت نحو: «خفت أن تقوم يا فتى»، و «أرجو أن تذهب إلى زيد» لأنّه شيء لم يستقرّ.
فكلّ ما كان من الرجاء والخوف فهذا مجازه.
* * * فأمّا الأفعال التي تشترك فيها الخفيفة والثقيلة فما كان من الظنّ.
فأمّا وقوع الثقيلة، فعلى أنّه قد استقرّ في ظنّك، كما استقرّ الأوّل في علمك. وذلك قولك: «ظننت أنّك تقوم»، و «حسبت أنّك منطلق».
فإذا أدخلت على المحذوفة العوض، قلت: «حسبت أن سيقومون»، وكذلك تقول:
«ظننت أن لا تقول خيرا»، تريد: أنّك لا تقول خيرا.
وأمّا النصب، فعلى أنّه شيء لم يستقرّ، فقد دخل في باب «رجوت» و «خفت» بهذا المعنى. وهذه الآية تقرأ على وجهين: {وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (2) و {أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، فانتصب ما بعد «لا» وهى عوض كما أوقعت الخفيفة الناصبة بعد «ظننت» بغير
__________
(1) المزمل: 20.
(2) المائدة: 71.(3/5)
عوض. وذلك قوله عزّ وجلّ: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ} (1)، لأنّ معناها ما لم يستقرّ.
وكذلك: {إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (2).
وزعم سيبويه أنّه يجوز: «خفت أن لا تقوم يا فتى»، إذا خاف شيئا كالمستقرّ عنده، وهذا بعيد [3].
وأجاز أن تقول: «ما أعلم إلّا أن تقوم»، إذا لم يرد علما واقعا، وكان هذا القول جاريا على باب الإشارة أي: «أرى» من «الرأي» وهذا في البعد كالذي ذكرنا قبله.
وجملة الباب تدور على ما شرحت لك من التبيين والتوقّع.
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {أَفَلََا يَرَوْنَ أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} (4) فإنّ الوجه فيه الرفع، والمعنى: أنّه لا يرجع إليهم قولا لأنّه علم واقع.
والوجه في قول الشاعر [من الكامل]:
[258] أفنى عرائكها وخدّد لحمها ... أن لا تذوق مع الشكائم عودا
الرفع لأنّه يريد: إنّ الذي أفنى عرائكها هذا. فهذا على المنهاج الذي ذكرت لك.
* * * __________
(1) القيامة: 25.
(2) البقرة: 230.
[3] ويشهد لسيبويه قول أبي محجن الثقفي [من الطويل]:
ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
(4) طه: 89.
[258] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 339ولسان العرب 3/ 161 (خود).
اللغة: العرائك: جمع عريكة، وهي القوة، والشد. خدّد: أهزل وأنقص لحمها. والشكائم: جمع مفرده شكيمة، وهي حديدة معترضة في فم الدابة، تمنعها من الأكل.
المعنى: يريد أنّ هذه الخيول أهزلتها كثرة العدو، وعدم قدرتها على الأكل لإنّها مشكومة دائما.
الإعراب: أفنى: فعل ماض. عرائكها: مفعول به، و «الهاء»: مضاف إليه. وخدّد: «الواو»: حرف عطف، «خدّد»: فعل ماض. لحمها: مفعول به، و «ها»: مضاف إليه. أن: مخففة، واسمها ضمير الشأن.
لا: نافية مهملة. تذوقُ: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا تقديره: (هي). مع: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق ب (تذوق). الشكائم: مضاف إليه. عودا: مفعول به منصوب، والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها فاعل للفعل (أفنى) أو للفعل (خدّد) على ما يعرف بالتنازع.
وجملة «أفنى»: ابتدائية، وعطف عليها جملة «خدّد». وجملة «تذوق»: خبر (أن) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أن المبرد يرجّح الرفع في (تذوق)، وأنّ (أن) مخففة من (أنّ) الثقيلة، وليست (أن) الناصبة للمضارع.(3/6)
هذا باب ما لحقته «إن» و «أن» الخفيفتان في الدعاء وما جرى مجراه
تقول: «أما إن غفر الله لك»، وإن شئت: «أما أن»، على ما فسّرت لك في «أما» أنّها تقع للتنبيه، وتقع في معنى قولك: «حقّا» فالتقدير: أما إنّه، وأما أنّه غفر الله لك.
فإن قلت: فكيف جاز الإضمار والحذف بغير عوض؟
فإنّما ذلك لأنّك لا تصل إلى «قد» لأنّك داع، ولست مخبرا ألا ترى أنّ الإضمار قد دخل في المكسورة لهذا المعنى، ولا يدخل فيها في شيء من الكلام.
وتقول في المستقبل على هذا المنهاج: «أما أن يغفر الله لك»، تريد: أما أنّه، وإن شئت: «أما إن يغفر الله لك» لأنّك لو أدخلت السين أو سوف، لتغيّر المعنى، وكنت مخبرا، ولو أدخلت «لا»، لانقلب المعنى، وصرت داعيا عليه فلذلك جاز بغير عوض.
ولمّا كانت المكسورة تحذف بتثقيلها مع الضمير في هذا الموضع ليوصل إلى هذا المعنى، ولا يقع ذلك فيها في شيء من الكلام غير هذا الموضع، كانت المفتوحة أولى لأنّ الضمير فيها مع العوض.
فأمّا قولك: «قد علمت أن زيد منطلق»، فمعناه: أنّه زيد منطلق، ولا تحتاج إلى عوض، كما قال الشاعر [من البسيط]:
[259] في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
[259] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 109والأزهية ص 64وتخليص الشواهد ص 382وخزانة الأدب 5/ 426، 8/ 390، 10/ 393، 11/ 353، 354والدرر 4/ 194وشرح أبيات سيبويه 2/ 76والكتاب 2/ 137، 3/ 74، 164، 454والمحتسب 1/ 308ومغني اللبيب 1/ 314والمقاصد النحوية 2/ 287والمنصف 3/ 129وبلا نسبة في خزانة الأدب 10/ 391ورصف المباني ص 115وشرح المفصل 8/ 71وهمع الهوامع 1/ 142.(3/7)
وإنّما امتنع الفعل أن يقع بعدها بغير عوض لأنّ الفعل لم يكن ليقع بعدها لو ثقّلت، وأعملت كما يكون الاسم. فلم يكونوا ليجمعوا عليها الحذف بغير عوض، وأن يوقعوا بعدها ما لا تقع عليه لو ثقّلت، وأعملت لأنّها بمنزلة الفعل، ولا يقع فعل على فعل.
* * * المعنى: يشبه هؤلاء الفتية سيوف الهند بمضائها وقوّة عزيمتهم، وهم يدركون أن كلّ إنسان لا بدّ ميت في يوم ما.
الإعراب: «في فتية»: جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما. «كسيوف»: «الكاف»: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل جر صفة ل «فتية»، و «سيوف»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «الهند»: مضاف إليه مجرور. «قد»: حرف تحقيق «علموا»: فعل ماض مبني على الضم، و «الواو»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «أن»: حرف مخفّف من «أنّ» المشبّهة بالفعل، و «اسمها»: ضمير مستتر تقديره ضمير الشأن (أنه).
«هالك»: خبر مقدّم مرفوع بالضمة. «كلّ»: مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمّة. «من»: اسم موصول بمعنى (الذي) في محلّ جرّ بالإضافة. «يحفى»: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف، و «الفاعل» ضمير مستتر تقديره (هو). والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها سدّ مسدّ مفعولي «علموا». «وينتعل»: «الواو»: حرف عطف، «ينتعل»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، و «الفاعل» ضمير مستتر تقديره (هو).
وجملة «علموا»: في محلّ جرّ صفة ل (فتية). وجملة «كلّ من يحفى وينتعل هالك»: في محلّ رفع خبر (أن). وجملة «يحفى»: صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «ينتعل»: معطوفة عليها لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «أن هالك كلّ من» حيث أعمل (أن) المخفّفة على تقدير ضمير الشأن المحذوف (أنّه كلّ من يحفى هالك).(3/8)
هذا باب النونين: الثقيلة والخفيفة ومعرفة مواقعها [1] من الأفعال
اعلم أنّهما لا تدخلان من الأفعال إلّا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلّا في الفعل الذي يؤكّد ليقع. وذلك ما لم يكن خبرا فيما ضارع القسم.
فأمّا القسم، فإحداهما فيه واجبة لا محالة.
وأمّا ما ضارعه، فأنت فيه مخيّر.
وذلك قولك في القسم: «والله لأقومن»، «وحقّ زيد لأمضين»، فيلحق النون إمّا خفيفة وإمّا ثقيلة، لا يكون القسم إلّا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة؟
وأمّا الثقيلة فكقوله عزّ وجلّ: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ} (2).
وأمّا الخفيفة، فعلى قراءة من قرأ: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ}، وكقوله: {كَلََّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} (3)، وقال الشاعر [من الطويل]:
[260] [تساور سوّارا إلى المجد والعلا] ... وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا
[1] المناسب: «مواقعهما».
__________
(2) يوسف: 32.
(3) العلق: 15.
[260] التخريج: البيت لليلى الأخيلية في ديوانها ص 101وتخليص الشواهد ص 207وخزانة الأدب 6/ 243وشرح أبيات سيبويه 2/ 315والشعر والشعراء ص 456والكتاب 3/ 512والمقاصد النحوية 1/ 569.
اللغة: سوار: هو ابن أوفى القشيري وكان بينها وبينه مودة. تساور: تغالب.
المعنى: تقول الشاعرة: إنك مهما حاولت أن تبلغ مكانة سوار في مآثره ومكارمه، فلن تبلغ ذلك، لأنه سيكون قد سبقك إلى خير منه.(3/9)
فمن مواضعها [1]: الأمر، والنهي، لأنّهما غير واجبين. وذلك قولك إذا لم تأت بهما: «اضرب»، و «لا تضرب»، فإذا أتيت بها قلت: «اضربن زيدا»، و «لا تضربن زيدا»، وإن شئت، ثقّلت النون، وإن شئت، خفّفتها، وهي، إذا خفّفت، مؤكّدة، وإذا ثقّلت، فهي أشدّ توكيدا، وإن شئت، لم تأت بها، فقلت: «اضرب» و «لا تضرب». قال الله عزّ وجلّ: {وَلََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً} (2)، وقال: {وَلََا تَتَّبِعََانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (3)، وقال: {فَلََا تَمُوتُنَّ إِلََّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4).
وقال الشاعر في الخفيفة [من الطويل]:
[261] فإيّاك والميتات لا تقربنّها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتقصدا
الإعراب: تساور: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. سوارا:
مفعول به منصوب بالفتحة. إلى المجد: جار ومجرور متعلقان بالفعل تساور. والعلا: «الواو»: حرف عطف، «العلا»: اسم معطوف على مجرور، مجرور مثله بالكسرة المقدرة على الألف. وفي ذمتي: «الواو»:
حرف استئناف، «في»: حرف جر، «ذمتي»: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، و «الياء»: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف والتقدير: في ذمتي قسم.
لئن: «اللام»: موطئة للقسم، «إن»: حرف شرط جازم. فعلت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، في محل جزم لأنه فعل الشرط، و «التاء»: ضمير متصل في محل رفع فاعل. ليفعلا: «اللام»:
واقعة في جواب القسم، «يفعلا»: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم جواب الشرط، وأبدلت نون التوكيد الخفيفة المحذوفة بألف الإطلاق.
وجملة «تساور سوارا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «في ذمتي قسم»: استئنافية لا محل لها. وجملة «إن فعلت»: اعتراضية لا محل لها. وجملة «فعلت»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «ليفعلا»: جواب القسم لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «وفي ذمتي ليفعلا» حيث أضمر القسم في الجملة وجاء بفعل مؤكّد بنون التوكيد بعده.
[1] المناسب: «مواضعهما».
__________
(2) الكهف: 23.
(3) يونس: 89.
(4) البقرة: 132.
[261] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 187والمقاصد النحوية 4/ 340.
اللغة: الفصد: شقّ الجلد لاستخراج الدم.(3/10)
وقال الآخر [من الرجز]:
[262] فأنزلن سكينة علينا
والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا.
ومن مواضعهما: الاستفهام لأنّه غير واجب. وذلك قولك: «هل تضربنّ زيدا»، و «هل يقومنّ زيد يا فتى».
وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة لأنّهما في التوكيد على ما ذكرت لك.
ومن مواضعهما: الجزاء إذا لحقت «ما» زائدة في حرف الجزاء لأنّها تكون كاللام التي
المعنى: ينهى الأعشى عن أكل لحوم الحيوانات الميتة، كما ينهى عن شق جلد الدابة، واستخراج دمها.
الإعراب: فإيّاك: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «إيّاك»: مفعول به لفعل محذوف وجوبا تقديره (أحذّر)، و «الكاف»: حرف للخطاب. والميتات: «الواو»: حرف عطف، «الميتات»: معطوف على (إيّاك) عند بعضهم فالعطف عندهم عطف مفردات، وهي منصوبة بفعل آخر مقدر عند آخرين، فالعطف عند هؤلاء عطف جمل. لا: ناهية جازمة. تقربنّها: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة محله الجزم ب (لا)، و «نون» التوكيد لا محل لها، و «ها»: مفعول به، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). ولا: «الواو»: حرف عطف، «لا»: ناهية جازمة. تأخذن: مثل (تقربنّ). سهما: مفعول به. حديدا: صفة ل (سهما). لتفصد:
اللام: حرف جر وتعليل، «تفصد»: فعل مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). والمصدر المؤول من (أن) المقدرة، والفعل (تفصد) مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل (تأخذن).
وجملة «أحذّر إيّاك»: بحسب الفاء. وجملة «لا تقربنّها»: استئنافية لا محل لها. وجملة «تأخذن»:
معطوفة على جملة «تقربن». وجملة «تقصد»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (لا تقربنّها) و (لا تأخذن) حيث أكد المضارع المسبوق بالنهي بالنون المؤكدة الثقيلة حينا والخفيفة حينا آخر، وهذا جائز، كما أن عدم التوكيد جائز أيضا في هذه الحالة.
[262] التخريج: الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص 107وشرح أبيات سيبويه 2/ 322 والكتاب 3/ 511وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 5/ 148وشرح شواهد المغني 1/ 286، 287وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234.
الإعراب: فأنزلن: الفاء حرف استئناف، و «أنزل»: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. سكينة: مفعول به منصوب بالفتحة. علينا: جار ومجرور متعلقان ب «أنزلن».
والشاهد فيه قوله: «فأنزلن» حيث اتصلت نون التوكيد الخفيفة بفعل الأمر، وهذا الاتصال جائز غير واجب.(3/11)
تلحق في القسم في قولك: «لأفعلنّ»، وذلك قولك: «إمّا تأتينّي آتك»، و «متى ما تقعدنّ أقعد». فمن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} (1)، وقال: {وَإِمََّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} (2).
فإن كان الجزاء بغير «ما»، قبح دخولها فيه لأنّه خبر يجب آخره بوجوب أوّله. وإنّما يجوز دخولها الجزاء بغير «ما» في الشعر للضرورة كما يجوز ذلك في الخبر.
فمن ذلك قوله [من الكامل]:
[263] من نثقفن منهم فليس بآيب ... أبدا، وقتل بني قتيبة شافي
__________
(1) مريم: 26.
(2) الإسراء: 28.
[263] التخريج: البيت لبنت مرّة بن عاهان في خزانة الأدب 11/ 387، 399والدرر 5/ 163 ولبنت أبي الحصين في شرح أبيات سيبويه 2/ 263وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 500وشرح التصريح 2/ 205وشرح ابن عقيل ص 547والكتاب 3/ 516والمقاصد النحويّة 4/ 330والمقرب 2/ 74وهمع الهوامع 2/ 79.
شرح المفردات: ثقف: صادف، وجد. آيب: راجع. شاف: يشفي الغليل. بنو قتيبة: قوم من باهلة كانوا قد قتلوا والد الشاعرة.
المعنى: من نصادفه من باهلة سنقتله، ولن يرجع إلى أهله أبدا، وإنّ قتل بني باهلة يشفي غليلنا.
الإعراب: «من»: اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ. «نثقفن»: فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتّصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «نحن»، وهو فعل الشرط. «منهم»:
جار ومجرور متعلّقان ب «نثقف». «فليس»: الفاء: رابطة جواب الشرط، «ليس»: فعل ماض جامد ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: «هو». «بآيب»: الباء: حرف جرّ زائدة، «آئب»: اسم مجرور لفظا، منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس». «أبدا»: ظرف زمان منصوب، متعلق ب «آئب». «وقتل»: الواو: استئنافيّة، «قتل»: مبتدأ مرفوع بالضمّة. «بني»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. «قتيبة»: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلميّة والتأنيث. «شافي»: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة «من نثقفن»: الشرطية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نثقفن فليس بآئب»: في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «فليس بآئب»: في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة «قتل بني قتيبة شافي»:
استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «من نثقفن» حيث أكّد الفعل المضارع الواقع بعد أداة شرط «من» بالنون الخفيفة من غير أن تتقدّم على المضارع «ما» الزائدة المؤكّدة للشرط، وهذا من الضرورات الشعريّة.(3/12)
فهذا يجوز كما قال في الخبر [من المديد]:
[264] ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات
ومن أمثال العرب: «بعين ما أرينّك» [1] و «بألم ما تختننّه» [2]. فإنّما أدخل النون من أجل «ما» الزائدة كاللام كما ذكرت لك.
* * * [264] التخريج: البيت لجذيمة الأبرش في الأزهية ص 94، 265والأغاني 15/ 257وخزانة الأدب 11/ 404والدرر 4/ 204وشرح أبيات سيبويه 2/ 281وشرح التصريح 2/ 22وشرح شواهد الإيضاح ص 219وشرح شواهد المغني ص 393والكتاب 3/ 518ولسان العرب 3/ 32 (شيخ)، 11/ 366 (شمل) والمقاصد النحوية 3/ 344، 4/ 328ونوادر أبي زيد ص 210وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 293، 366، 368والدرر 5/ 162ورصف المباني ص 335وشرح الأشموني 2/ 299 وشرح التصريح 2/ 206وشرح المفصل 9/ 40وكتاب اللامات ص 111ومغني اللبيب ص 135، 137، 309والمقرب 2/ 74وهمع الهوامع 2/ 38، 78.
اللغة: أوفى: أشرف أو نزل. العلم: الجبل. الشمالات: ج الشمال، وهي ريح الشمال.
المعنى: يفخر الشاعر بأنّه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من الأعداء، ويكون لهم طليعة.
الإعراب: «ربّما»: «ربّ»: حرف جرّ شبيه بالزائد، «ما»: حرف كافّ. «أوفيت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «في علم»: جار ومجرور متعلّقان ب «أوفيت». «ترفعن»: فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتّصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد. «ثوبي»: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «شمالات»: فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة «ربما أوفيت»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ترفعن»: في محلّ نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «ترفعن» حيث أكّد الشاعر الفعل بالنون الخفيفة بعد «ما» المسبوقة ب «ربّ»، وهذا نادر.
[1] ورد المثل في جمهرة الأمثال 1/ 236وخزانة الأدب 11/ 403ولسان العرب 13/ 301 (عين) والمستقصى 2/ 11ومجمع الأمثال 1/ 100.
أي: اعجل، وكن كأني انظر إليك.
يضرب لحثّ الرسول على السرعة وترك البطء.
[2] ورد المثل في خزانة الأدب 11/ 403ومجمع الأمثال 1/ 107.
أي: لا يكون الختان إلّا بألم، والمقصود أنّه لا يدرك الخير ولا يفعل المعروف إلّا باحتمال المشقّة.
ويقال في خطاب المرأة: تختننّه، والهاء في هذه اللفظة للسّكت.(3/13)
هذا باب الوقوف على النونين: الخفيفة والثقيلة
اعلم أنّك إذا وقفت على الثقيلة، كان الوقف عليها كالوقف على غيرها من الحروف المبنيّة على الحركة. فإن شئت، كان وقفها كوصلها، وإن شئت، ألحقت هاء لبيان الحركة.
كما تقول: «ارمه»، و «اغزه»، و «اخشه». فهذا وجهها.
وإن شئت، قلت على قولك: «ارم»، و «اغز»، «اخش»، فقلت: «اضربنّ»، و «ارمينّ»، و «قولنّ». فهذا أمر الثقيلة.
فأما الخفيفة، فإنّها في الفعل بمنزلة التنوين في الاسم. فإذا كان ما قبلها مفتوحا، أبدلت منها الألف، وذلك قولك: «اضربن زيدا». فإذا وقفت، قلت: «اضربا»، وكذلك:
«والله ليضربن زيدا». فإن وقفت قلت: «لتضربا» كما قال: {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} (1).
فإذا كان ما قبلها مضموما أو مكسورا، كان الوقف بغير نون ولا بدل منها لأنّك تقول في الأسماء في النصب: «رأيت زيدا»، فتبدل من التنوين ألفا، وتقول في الرفع: «هذا زيد»، وفي الخفض: «مررت بزيد»، فلا يكون الوقف كالوصل.
وكذلك هذه الأفعال، تقول للجماعة إذا أردت النون الخفيفة «اضربن زيدا»، فإن وقفت، قلت: «اضربوا»، و «اضربن زيدا يا امرأة»، فإن وقفت قلت: «اضربي».
وفي نسخة أخرى: وكذلك هذه الأفعال، تقول: «والله لتضربن زيدا»، فإن وقفت، قلت: «لتضربون»، وتقول: «هل تضربن زيدا يا امرأة»؟ فإن وقفت، قلت: «هل تضربين»؟
فهذا نظير ما ذكرت لك. ولا فصل بين النون الخفيفة في الأفعال وبين التنوين في الأسماء، إلّا أنّ النون تحذف، إذا لقيها ساكن، والتنوين يحرّك لالتقاء الساكنين.
__________
(1) العلق: 15.(3/14)
وقد يجوز حذفه في الشعر وفي ضعف من الكلام، فتقول إذا أردت النون الخفيفة: «اضرب الرجل». حذفت النون لالتقاء الساكنين، فهذا أمرها. وإنّما حذفت وخالفت التنوين لأنّ ما يلحق الأفعال أضعف ممّا يلحق الأسماء لأنّ الأفعال أنت في إدخال النون عليها مخيّر، إلّا ما وقع منها في المستقبل في القسم، والأسماء كلّ ما ينصرف منها، فالنون التي تسمى التنوين لازمة فيه، والأسماء هي الأول، والأفعال فروع ودواخل عليها.
وإذا وقفت على النون الخفيفة في فعل لجميع مرتفع، حذفت النون.
* * *
هذا باب تغيير الأفعال للنونين: الخفيفة، والثقيلة(3/15)
* * *
هذا باب تغيير الأفعال للنونين: الخفيفة، والثقيلة
اعلم أنّ الأفعال، مرفوعة كانت أو منصوبة أو مجزومة، فإنّها تبنى مع دخول النون على الفتحة وذلك أنّها والنون كشيء واحد، فبنيت مع النون بناء «خمسة عشر».
ولم تسكّن لعلّتين:
إحداهما: أنّ النون الخفيفة ساكنة، والثقيلة نونان، الأولى منهما ساكنة، فلو أسكنت ما قبلها، لجمعت بين ساكنين.
والعلّة الأخرى: أنّك حرّكتها لتجعلها مع النون كالشيء الذي يضمّ إليه غيره، فيجعلان شيئا واحدا نحو: «بيت بيت»، و «خمسة عشر».
وإنّما اختاروا الفتحة لأنّها أخفّ الحركات. وذلك قولك للرجل: «هل تضربنّ زيدا»؟ «والله لتضربنّ زيدا». فالفعلان مرفوعان.
وتقول في الموقوف، والمجزوم: «اضربنّ زيدا»، و «لا تضربنّ عمرا»، و «إمّا تعزونّ زيدا أغزه»، كما قال عزّ وجلّ: {وَإِمََّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغََاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} (1).
فإذا ثنّيت، أو جمعت، أو خاطبت مؤنّثا، فإنّ نظير الفتح في الواحد حذف النون ممّا ذكرت لك. تقول للمرأة: «هل تضربنّ زيدا»؟ و «لا تضربن عمرا» فتكون النون محذوفة التي كانت في «تضربين» ألا ترى أنّك إذا قلت: «لن تضرب يا فتى»، قلت للمرأة إذا خاطبتها: «لن تضربي»، وكذلك: «لن تضربا»، و «لن تضربوا» للاثنين والجماعة. فحذف النون نظير الفتحة في الواحد، وذهبت الياء في قولك: «اضربنّ زيدا» لالتقاء الساكنين.
وكذلك تذهب الواو في الجماعة إذا قلت: «اضربنّ زيدا»، و «هل تخرجنّ إلى زيد» فهذا نظير ما ذكرت لك.
__________
(1) الإسراء: 28.(3/16)
فإن كان قبل الواو والياء فتحة، لم تحذفهما لالتقاء الساكنين، وحرّكتا لأنّه إنّما تحذف الواو التي قبلها ضمّة، والياء التي قبلها كسرة لأنّهما إذا كانتا كذلك، كانتا حرفي لين كالألف. ألا ترى أنّك تقول: «ارم الرجل»، و «ارموا الرجل»، فتحذف لالتقاء الساكنين.
وتقول: «اخشوا الرجل»، و «اخشي الرجل»، فتحرّك، ولا تحذف، لأنّهما بمنزلة الحروف التي هي غير معتلّة [1]، ومع ذلك فإنّك لو حذفت ما قبله الفتحة لالتقاء الساكنين، لخرج اللفظ إلى لفظ الواحد المذكّر، وذهبت علامة التأنيث وعلامة الجمع، فكنت تقول:
«اخش الرجل».
فتقول على هذه للجماعة: «اخشونّ الرجل»، وللمرأة: «اخشينّ زيدا». وكلّ ما جرى ممّا قبله مفتوح فهذه سبيله.
* * * [1] إذا اجتمع ساكنان، وكان الحرف الأول حرف مدّ (أي: حرف علّة ساكن واقع بعد حركة مجانسة له) حذف الساكن الأول، أما إذا لم يكن حرف مدّ فإنّه يحرّك، ولذلك حرّكت الواو في «اخشوا الرجل»، وحرّكت الياء في «اخشي الرجل».(3/17)
هذا باب فعل الاثنين والجماعة من النساء في النون الثقيلة وامتناعهما من النون الخفيفة
اعلم أنّك إذا أمرت الاثنين، وأردت النون الثقيلة قلت: «اضربانّ زيدا». تكسر النون لأنّها بعد ألف، فهي كنون الاثنين، والنون الساكنة المدغمة فيها ليس بحاجز حصين لسكونها. وكذلك: «والله لتضربانّ زيدا»، وجميع ما تصرفت فيه، فهذا سبيلها في الاثنين.
قال الله عزّ وجلّ: {وَلََا تَتَّبِعََانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (1).
* * * فإذا أوقعتها في جمع النساء، قلت: «اضربنانّ زيدا» زدت ألفا لاجتماع النونات، ففصلت بها بينهنّ، كما زدت في قول من قال: «آأنت فعلت ذاك»؟ فتجعلها بين الهمزتين إذ كان التقاؤهما مكروها، وكذلك: «لتضربنانّ زيدا»، وكسرت هذه النون بعد هذه الألف لأنّها أشبهت ألف الاثنين. تفعل بالنون بعدها ما تفعل بها بعد ألف التثنية، فلا تحذف لأنّها علامة، ولأنّك كنت إن حذفتها لا تفرق بين الاثنين والواحد.
وأمّا الألف التي أدخلتها للفصل بين النونات، فلم تكن لتحذفها لأنّ الخفيفة إنّما تقع في موقع الثقيلة. فإن قلت: فأجيء بها، وأحرّك النون لالتقاء الساكنين، كان ذلك غير جائز لأنّ النون ليست بواجبة، وأنت إذا جئت بها زائدة، وأحدثت لها حركة، فهذا ممتنع.
وإن تركتها على سكونها، جمعت بين ساكنين ومع هذا فإنّها كانت في الاستفهام وفي القسم وفي المواضع التي يكون فيها الفعل مرفوعا تلتبس بنون الاثنين، ولا سبيل إلى اجتماعهما لما ذكرت لك من أنّ الفعل يبنى معها على الفتح.
وإنّما حذفت النون في التثنية والجمع وفعل المرأة إذا خوطبت لأنّها كالفتح في
__________
(1) يونس: 89.(3/18)
الواحد ألا ترى أنّك تقول للمرأة: «هل تضربن زيدا»، إذا أردت النون الخفيفة، وللجماعة من الرجال: «هل تضربن زيدا» فهذا ما ذكرت لك.
وكان يونس بن حبيب يرى إثباتهما في فعل الاثنين وجماعة النسوة، فيقول: «اضربان زيدا»، وللنساء: «اضربنان زيدا»، فيجمع بين ساكنين، ولا يوجد مثل هذا في كلام العرب إلّا أن يكون الساكن الثاني مدغما والأوّل حرف لين، وقد مضى تفسير هذا.
فإذا وقف يونس ومن يقول بقوله قال للاثنين: «اضربا»، وللجماعة من النساء:
«اضربنا»، وإذا وصل فعل الاثنين قال: «اضربان الرجل». وهذا خطأ على قوله، إنّما ينبغي على قياس قوله أن يقول: «اضرب الرجل». فيحذف النون لأنّها تحذف لالتقاء الساكنين، كما ذكرت لك في أوّل الباب، ثمّ تحذف الألف التي في «اضربا» لعلامة التثنية لأنّها أيضا ساكنة، فيصير لفظه لفظ الواحد إذا أردت به النون الخفيفة، ولفظ الاثنين بغير نون، إذا حذفت ألفها لالتقاء الساكنين.
* * *
هذا باب ما لا يجوز أن تدخله النون خفيفة ولا ثقيلة وذلك ما كان ممّا يوضع موضع الفعل وليس بفعل(3/19)
* * *
هذا باب ما لا يجوز أن تدخله النون خفيفة ولا ثقيلة وذلك ما كان ممّا يوضع موضع الفعل وليس بفعل
فمن ذلك قوله: «صه»، و «مه»، و «إيه يا فتى»: إذا أردت أن يزيدك من الحديث، و «إيها يا فتى»: إذا كففته، و «ويها يا فتى»: إذا أغريته. وكذلك «عليك زيدا»، و «دونك زيدا»، و «وراءك أوسع لك» [1]، و «عندك يا فتى»: إذا حذّرته شيئا بقربه.
فكلّ هذه لا تدخلها نون لأنّها ليست بأفعال، وإنّما هي أسماء للفعل.
* * * ومن ذلك «هلمّ» في لغة أهل الحجاز لأنّهم يقولون: «هلمّ» للواحد، وللاثنين، والجماعة على لفظ واحد.
وأمّا على مذهب بني تميم فإنّ النون تدخلها لأنّهم يقولون للواحد: «هلمّ»، وللاثنين: «هلمّا»، وللجماعة: «هلمّوا»، ولجماعة النسوة: «هلممن»، وللواحدة:
«هلمّي» وإنّما هي «لمّ» لحقتها الهاء فعلى هذا تقول: «هلمّنّ يا رجال»، و «هلمّنّ يا امرأة»، و «هلممنانّ يا نسوة»، فيكون بمنزلة سائر الأفعال.
* * * [1] هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في الفاخر ص 301ومجمع الأمثال 2/ 370والوسيط في الأمثال ص 178.
والمعنى: تأخّر تجد مكانا أوسع لك. ويقال في ضدّ هذا المعنى: «أمامك أوسع لك». وأوّل من قال المثل الحطيئة وكان أتاه ابن الحمامة الشاعر، فقال: السلام عليك. فقال الحطيئة: كلمة تقال ليس لها جواب. فقال: أألج. قال: وراءك أوسع لك. قال: قد صهرتني الشمس. قال: عليك بالجبل يفيء ظلّه. قال: قد احترقت رجلاي. قال: بل عليهما تبردا. قال: إنّي مرمل. قال: لم أضمن لأهلك زادك. قال: إنّني جائع. قال: اصبر حتّى نتغدّى، فإن فضل عن غلماننا وأجرائنا شيء كنت أحقّ به من الكلب! قال: أنا ابن الحمامة الشاعر. قال: كن ابن أيّ طير الله عز وجلّ شئت. قال: أخزاك الله. قال:
من شاء سبّ.(3/20)
هذا باب حروف التضعيف في الأفعال المعتلّة من ذوات الياء والواو في النونين
اعلم أنّك تلزمهنّ في النونين ما تلزم الأفعال الصحيحة من بناء الفعل على الفتح، تقول: «ردّنّ يا زيد»، ولا تقول: «ارددنّ» على من قال: «اردد» لأنّ الدال الثانية تلزمها الحركة على ما ذكرت لك.
وكذلك تقول: «القينّ زيدا»، و «هل تغزونّ عمرا»؟ و «ارمينّ خالدا»، فتلزم الفعلين ما يلزم سائر الأفعال.
* * *
هذا باب «أمّا» و «إمّا»(3/21)
* * *
هذا باب «أمّا» و «إمّا»
أمّا المفتوحة فإنّ فيها معنى المجازاة. وذلك قولك: «أمّا زيد فله درهم»، و «أمّا زيد فأعطه درهما». فالتقدير: مهما يكن من شيء، فأعط زيدا درهما، فلزمت الفاء الجواب لما فيه من معنى الجزاء. وهو كلام معناه التقديم والتأخير.
ألا ترى أنّك تقول: «أمّا زيدا فاضرب» فإن قدّمت الفعل، لم يجز لأنّ «أمّا» في معنى: مهما يكن من شيء فهذا لا يتّصل به فعل، وإنّما حدّ الفعل أن يكون بعد الفاء.
ولكنّك تقدّم الاسم ليسدّ مسدّ المحذوف الذي هذا معناه، ويعمل فيه ما بعده.
وجملة هذا الباب: أنّ الكلام بعد «أمّا» على حالته قبل أن تدخل، إلّا أنّه لا بدّ من الفاء لأنّها جواب الجزاء ألا تراه قال عزّ وجلّ {وَأَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ} (1) كقولك:
«ثمود هديناهم».
ومن رأى أن يقول: «زيدا ضربته»، نصب بهذا، فقال: «أمّا زيدا فاضربه». وقال:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (2)، فعلى هذا، فقس هذا الباب.
* * * وأمّا «إمّا» المكسورة فإنّها تكون في موضع «أو»، وذلك قولك: «ضربت إمّا زيدا، وإمّا عمرا» لأنّ المعنى: ضربت زيدا أو عمرا، وقال الله عزّ وجلّ: {إِمَّا الْعَذََابَ وَإِمَّا السََّاعَةَ} (3) وقال: {إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ إِمََّا شََاكِراً وَإِمََّا كَفُوراً} (4).
__________
(1) فصلت: 17.
(2) الضحى: 9.
(3) مريم: 75.
(4) الإنسان: 3.(3/22)
فإذا ذكرت «إمّا» فلابدّ من تكريرها، وإذا ذكرت المفتوحة، فأنت مخيّر: إن شئت، وقفت عليها، إذا تمّ خبرها. تقول: «أمّا زيد فقائم»، وأمّا قوله: {أَمََّا مَنِ اسْتَغْنى ََ. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدََّى. وَمََا عَلَيْكَ أَلََّا يَزَّكََّى. وَأَمََّا مَنْ جََاءَكَ يَسْعى ََ. وَهُوَ يَخْشى ََ. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهََّى} (1) فإنّ الكلام مستغن من قبل التكرير، ولو قلت: «ضربت إمّا زيدا»، وسكتّ، لم يجز لأنّ المعنى: هذا أو هذا ألا ترى أنّ ما بعد «إمّا» لا يكون كلاما مستغنيا.
وزعم الخليل أنّ الفصل بين «إمّا» و «أو» أنّك إذا قلت: «ضربت زيدا أو عمرا»، فقد مضى صدر كلامك وأنت متيقّن عند السامع، ثمّ حدث الشكّ ب «أو».
فإذا قلت: «ضربت إمّا زيدا»، فقد بنيت كلامك على الشكّ، وزعم أنّ «إمّا» هذه إنّما هي «إن» ضمّت إليها «ما» لهذا المعنى، ولا يجوز حذف «ما» منها إلّا أن يضطرّ إلى ذلك شاعر، فإن اضطرّ، جاز الحذف لأنّ ضرورة الشعر تردّ الأشياء إلى أصولها، قال [من الوافر]:
[265] لقد كذبتك نفسك فاكذبنها ... فإن جزعا وإن إجمال صبر
__________
(1) عبس: 105.
[265] التخريج: البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص 68والأزهية ص 57وخزانة الأدب 11/ 109، 110، 114، 116والدرر ص 102وشرح أبيات سيبويه 1/ 209والمقاصد النحوية 4/ 148وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 109والجنى الداني ص 212، 534وخزانة الأدب 11/ 81، 93، 96ورصف المباني ص 102وشرح المفصل 8/ 101، 104وما ينصرف وما لا ينصرف ص 129وهمع الهوامع 2/ 135.
اللغة: إجمال الصبر: هو الصبر الجميل، وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق.
المعنى: يعزّي الشاعر نفسه في مقتل أخ له قائلا: كذبتك نفسك فيما منتك به من الاستمتاع بحياة أخيك فاكذبها في كل ما تمنيك به بعد فإما أن تجزع لفقد أخيك، وذلك لا يجدي عليك شيئا، وإما أن تجمل الصبر، وذلك أجدى عليك، وقيل إنّ الشاعر يخاطب امرأة، فروي البيت (فاكذبيها).
الإعراب: «لقد»: اللام: للتوكيد، و «قد»: حرف تحقيق. «كذبتك»: فعل ماض مبني على الفتح لاتصاله بتاء التأنيث، وهذه التاء لا محل لها، والكاف: مفعول به محلها النصب. «نفسك»: فاعل مرفوع بالضمة، والكاف: مضاف إليه محله الجر. «فاكذبنها»: الفاء: استئنافية. و «اكذب»: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون: لا محل لها، وها: في محل نصب مفعول به، وأما على رواية (اكذبيها) ففعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، وياء المؤنثة فاعل و «ها»: مفعول به. «فإن»: الفاء: استئنافية، «إن»: مخففة من «إنّ». «جزعا»: اسم «إن» منصوب بالفتحة، وخبرها محذوف. «وإن إجمال»: الواو: حرف عطف، «إن إجمال»: مثل «إن جزعا». «صبر»: مضاف إليه مجرور.
والشاهد فيه قوله: «فإن جزعا وإن إجمال» حيث اضطر الشاعر إلى حذف (ما) وإعمال (إن) مخفّفة من (إنّ).(3/23)
فهذا لا يكون إلّا على «إمّا».
فأمّا في المجازاة إذا قلت: «إن تأتني آتك»، و «إن تقم أقم»، فإنّك إن شئت، زدت «ما»، كما تزيدها في سائر حروف الجزاء نحو: «أينما تكن أكن»، و «متى ما تأتني آتك» لأنّها: «إن تأتني آتك»، و «متى تقم أقم». فتقول على هذا إن شئت: «إمّا تأتني آتك»، و «إمّا تقم أقم معك». وقد مضى تفسير هذا في باب الجزاء.
* * *
هذا باب «مذ» و «منذ»(3/24)
* * *
هذا باب «مذ» و «منذ»
أمّا «مذ» فيقع الاسم بعدها مرفوعا على معنى، ومخفوضا على معنى.
فإذا رفعت، فهي اسم مبتدأ وما بعدها خبره، غير أنّها لا تقع إلّا في الابتداء لقلّة تمكّنها، وأنّها لا معنى لها في غيره، وذلك قولك: «لم آته مذ يومان»، و «أنا أعرفه مذ ثلاثون سنة»، و «كلّمتك مذ خمسة أيّام». والمعنى إذا قلت: «لم آته مذ يومان» أنّك قلت: «لم أره»، ثمّ خبّرت بالمقدار والحقيقة والغاية. فكأنّك قلت: «مدّة ذلك يومان».
والتفسير: بيني وبين رؤيته هذا المقدار، فكلّ موضع يرتفع فيه ما بعدها فهذا معناه.
وأمّا الموضع الذي ينخفض ما بعدها فأن تقع في معنى «في» ونحوها فيكون حرف خفض، وذلك قولك: «أنت عندي مذ اليوم»، و «مذ الليلة»، و «أنا أراك مذ اليوم يا فتى»، لأنّ المعنى في اليوم وفي الليلة. وليس المعنى أنّ بيني وبين رؤيتك مسافة، وكذلك: «رأيت زيدا مذ يوم الجمعة يمدحك»، و «أنا أراك مذ سنة تتكلّم في حاجة زيد» لأنّك تريد: أنا في حال رؤيتك مذ سنة، فإن أردت: «رأيتك مذ سنة»، أي: غاية المسافة إلى هذه الرؤية سنة، رفعت لأنّك قلت: «رأيتك»، ثمّ قلت: «بيني وبين ذلك سنة»، فالمعنى: أنّك رأيته، ثمّ غبرت سنة لا تراه.
وإذا قال: «أنا أراك مذ سنة»، فإنّما المعنى أنّك في حال رؤية، لم تنقض وأنّ أوّلها مذ سنة فلذلك قلت: «أراك» لأنّك تخبر عن حال لم تنقطع. فهذا شرط «مذ» وتفسيرها.
فإن قال قائل: فما بالي أقول: «لم أرك مذ يوم الجمعة»، و «قد رآه يوم الجمعة»؟
قيل: إنّ النفي إنّما وقع على ما بعد الجمعة، والتقدير: لم أرك مذ وقت رؤيتي لك يوم الجمعة، فقد أثبتّ الرؤية، وجعلتها الحدّ الذي منه لم أره. فهذا تفسيرها ومجرى ما كان هذا لفظه، واتّصل به معناه.
* * *
فأمّا «منذ» فمعناها جررت بها أو رفعت واحد. وبابها الجرّ لأنّها في الأزمنة لابتداء الغاية بمنزلة «من» في سائر الأسماء. تقول: «لم أرك منذ يوم الجمعة»، أي: هذا ابتداء الغاية كما تقول: «من عبد الله إلى زيد»، و «من الكوفة سرت».(3/25)
* * *
فأمّا «منذ» فمعناها جررت بها أو رفعت واحد. وبابها الجرّ لأنّها في الأزمنة لابتداء الغاية بمنزلة «من» في سائر الأسماء. تقول: «لم أرك منذ يوم الجمعة»، أي: هذا ابتداء الغاية كما تقول: «من عبد الله إلى زيد»، و «من الكوفة سرت».
فإن رفعت، فعلى أنّك جعلت «منذ» اسما، وذهبت إلى أنّها «مذ» في الحقيقة، وذلك قليل لأنّها في الأزمنة بمنزلة «من» في الأيّام.
فأمّا «مذ» فدلّ على أنّها اسم: أنّها محذوفة من «منذ» التي هي اسم لأنّ الحذف لا يكون في الحروف إنّما يكون في الأسماء والأفعال، نحو: «يد»، و «دم»، وما أشبهه.
* * *
هذا باب التبيين والتمييز(3/26)
* * *
هذا باب التبيين والتمييز
اعلم أنّ التمييز يعمل فيه الفعل وما يشبهه في تقديره ومعناه في الانتصاب واحد، وإن اختلفت عوامله.
فمعناه: أن يأتي مبيّنا عن نوعه، وذلك قولك: «عندي عشرون درهما»، و «ثلاثون ثوبا». لمّا قلت: «عندي عشرون»، و «ثلاثون»، ذكرت عددا مبهما يقع على كلّ معدود، فلمّا قلت: «درهما»، عرّفت الشيء الذي إليه قصدت بأن ذكرت واحدا منه يدلّ على سائره، ولم يجز أن تذكر جمعا لأنّ الذي قبله قد تبيّن أنّه جمع، وأنّه مقدار منه معلوم.
ولم يجز أن يكون الواحد الدالّ على النوع معرفة لأنّه إذا كان معروفا، كان مخصوصا، وإذا كان منكورا، كان شائعا في نوعه.
فأمّا النصب فإنّما كان فيه لأنّ النون منعت الإضافة، كما تمنعها إذا قلت: «هؤلاء ضاربون زيدا». ولولا النون، لأضفت فقلت: «هؤلاء ضاربو زيد» كما تقول: «هذه عشرو زيد»، إلّا أنّ «الضاربين» وما أشبهه أسماء مأخوذة من الفعل تضاف كما تضاف الأسماء، فإذا منعت النون الإضافة، عملت هذه الأسماء فيما بعدها بما فيها من معنى الفعل. وكان المنصوب مفعولا صحيحا لأنّها أسماء الفاعلين في الحقيقة وفيها كنايتهم. فإذا قلت:
«عشرون رجلا»، فإنّما انتصب بإدخالك النون ما بعدها تشبيها بذلك كما أنّ قولك: «إنّ زيدا منطلق»، و «لعلّ زيدا أخوك» مشبّه بالفعل في اللفظ، ولا يكون منه «فعل»، ولا «يفعل» ولا شيء من أمثلة الفعل وكما أنّ «كان» في وزن الفعل وتصرّفه، وليست فعلا على الحقيقة. تقول: «ضرب زيد عمرا»، فتخبر بأنّ فعلا وصل من زيد إلى عمرو. فإذا قلت: «كان زيد أخاك»، لم تخبر أنّ زيدا أوصل إلى الأخ شيئا، ولكن زعمت أنّ زيدا أخوه فيما خلا من الدهر.
والتشبيه يكون للفظ، وللتصرّف والمعنى.
فأمّا المعنى فتشبيهك «ما» ب «ليس»، و «ليس» فعل و «ما» حرف، والمعنى واحد.(3/27)
والتشبيه يكون للفظ، وللتصرّف والمعنى.
فأمّا المعنى فتشبيهك «ما» ب «ليس»، و «ليس» فعل و «ما» حرف، والمعنى واحد.
فهذا سبيل كلّ ما كانت النون فيه عاملة من التبيين.
فإن قلت: هل يجوز «عندي عشرو رجل»؟
فإنّ ذلك غير جائز لأنّ الإضافة تكون على جهة الملك إذا قلت: «عشرو زيد». فلو أدخلت التمييز على هذا المضاف، لالتبس على السامع قصدك إلى تعريف النوع بتعريفك إيّاه صاحب العشرين، ولم يكن إلى النصب سبيل لأنّه في باب الإضافة. كقولك: «ثوب زيد»، و «درهم عبد الله»، والتبيين في بابه من النصب وإثبات النون فامتنع من إدخاله في غير بابه مخافة اللّبس.
* * * وممّا ينصب قولك: «هذا أفضلهم رجلا»، و «أفره الناس عبدا»، وذلك أنّك كنت تقول في المصادر: «أعجبني ضرب زيد عمرا»، فتضيف إلى «زيد» المصدر لأنّه فعله، فتشغل الإضافة بالفعل، فتنصب «عمرا» لأنّه مفعول. ولولا أنّك أضفت إلى «زيد»، لكان «عمرو» مخفوضا بوقوع المضاف عليه كما أنّك لو لم تنوّن في قولك: «ضاربون زيدا»، لحلّ «زيد» محلّ التنوين، وانخفض بالإضافة.
فلمّا كان «عشرون رجلا» بمنزلة «ضاربين زيدا»، كان قولك: «لي مثله رجلا»، و «أنت أفرههم عبدا» بمنزلة: «أعجبني ضرب زيد عمرا، وشتمك خالدا».
وكما امتنعت من أن تقول: «عشرو درهم» للفصل بين التفسير والملك إذا قلت:
«عشرو زيد»، امتنعت في قولك: «أنت أفرههم عبدا» من الإضافة لأنّك إذا قلت: «أنت أفرههم عبدا»، فإنّما عنيت مالك العبد.
وإذا قلت: «أنت أفره عبد في الناس»، فإنّما عنيت العبد نفسه، إلّا أنّك إذا قلت:
«أنت أفره العبيد»، فقد قدّمته عليهم في الجملة.
وإذا قلت: «أفره عبد في الناس»، فإنّما معناه: أنت أفره من كلّ عبد إذا أفردوا عبدا عبدا كما تقول: «هذا خير اثنين في الناس»، إذا كان الناس اثنين اثنين.
ويجوز أن تقول وهو حسن جدّا: «أنت أفره الناس عبيدا»، و «أجود الناس دورا»،
ولا يجوز: «عندي عشرون دراهم يا فتى».(3/28)
ويجوز أن تقول وهو حسن جدّا: «أنت أفره الناس عبيدا»، و «أجود الناس دورا»،
ولا يجوز: «عندي عشرون دراهم يا فتى».
والفصل بينهما: أنّك إذا قلت: «عشرون»، فقد أتيت على العدد، فلم يحتج إلّا إلى ذكر ما يدلّ على الجنس، فإذا قلت: «هو أفره الناس عبدا»، جاز أن تعني عبدا واحدا، فمن ثمّ حسن، واختير إذا أردت الجماعة أن تقول: «عبيدا». قال الله عزّ وجلّ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} (1)، وقد يجوز أن تقول: «أفره الناس عبدا»، فتعني جماعة العبيد نحو التمييز، والجمع أبين إذا كان الأوّل غير مخطور العدد.
* * * ومن التمييز: «ويحه رجلا»، و «لله درّه فارسا»، و «حسبك به شجاعا»، إلّا أنّه إذا كان في الأوّل ذكر منه، حسن أن تدخل «من» توكيدا لذلك الذّكر، فتقول: «ويحه من رجل»، و «لله درّه من فارس»، و «حسبك به من شجاع»، ولا يجوز: «عشرون من درهم»، ولا «هو أفرههم من عبد» لأنّه لم يذكره في الأوّل.
وأنا أرى قوله عزّ وجلّ: {وَمََا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللََّهِ} (2) على هذا كما تقول: «من جاءني من طويل أعطيته»، و «من جاءني من قصير منعته» لأنّك قدّمت ذكره بقولك:
«من».
* * * واعلم أنّ التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه لتصرّف الفعل، فقلت: «تفقّأت شحما»، و «تصبّبت عرقا»، فإن شئت قدّمت، فقلت: «شحما تفقّأت»، و «عرقا تصبّبت».
وهذا لا يجيزه سيبويه لأنّه يراه، كقولك: «عشرون درهما»، و «هذا أفرههم عبدا»، وليس هذا بمنزلة ذلك لأنّ «عشرين درهما» إنّما عمل في «الدرهم» ما لم يؤخذ من الفعل.
ألا ترى أنّه يقول: «هذا زيد قائما»، ولا يجيز: «قائما هذا زيد» لأنّ العامل غير فعل.
وتقول: «راكبا جاء زيد» لأنّ العامل فعل فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا. وهذا رأي أبي عثمان المازنيّ.
__________
(1) الكهف: 103.
(2) النحل: 53.(3/29)
وقال الشاعر، فقدم التمييز لمّا كان العامل فعلا [من الطويل]:
[266] أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
* * *
واعلم أنّ من التمييز ما يكون خفضا، ولكن يكون على معنى أذكره لك: وذلك قولك: «كلّ رجل جاءني فله درهم»، فهذا شائع في الرجال. ولكن معناه: كل الرجال إذا كانوا رجلا رجلا، كقولك: «كلّ اثنين أتياني فلهما درهمان».
ومن ذلك قوله: «مائة درهم»، و «ألف درهم»، وإنّما معناه معنى «عشرين درهما»، ولكنّك أضفت إلى المميّز لأنّ التنوين غير لازم، والنون في عشرين لازمة لأنّها تثبت في الوقف، وتثبت مع الألف واللام، وقد مضى تفسير هذا في باب العدد.
فأمّا قولك: «زيد الحسن وجها، والكريم أبا»، فإنّه خارج في التقدير من باب «الضارب زيدا» لأنّك تقول: «هو الحسن الوجه يا فتى»، وإن كان الخفض أحسن، وكذلك: «هو حسن الوجه». فهذا لا يكون فيه إلّا النصب، لأنّ التنوين مانع، وقد ذكرنا هذا في بابه فلذلك لم نذكر استقصاءه في هذا الموضع.
فأمّا قولك: «أنت أفره عبد في الناس»، فإنّما معناه: أنت أحد هؤلاء الذين فضلتهم.
[266] التخريج: البيت للمخبل السعدي في ديوانه ص 290والخصائص 2/ 384ولسان العرب 1/ 290 (حبب) وللمخبل السعدي أو لأعشى همدان أو لقيس بن الملوح في الدرر 4/ 36والمقاصد النحوية 3/ 235وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص 188وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص 197والإنصاف ص 828وشرح الأشموني 1/ 266وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1330وشرح المفصل 2/ 74وهمع الهوامع 1/ 252.
المعنى: إذا هجرت ليلى حبيبها وتباعدت عنه، فإنّ هذا التباعد لا يطيب لها، ولن ترضى به.
الإعراب: «أتهجر»: الهمزة: للاستفهام الإنكاري، «تهجر»: فعل مضارع مرفوع. «ليلى»: فاعل مرفوع. «للفراق»: جار ومجرور متعلّقان ب «تهجر». «حبيبها»: مفعول به، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وما»: الواو: حاليّة، «ما»: نافية. «كان»: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير الشأن.
«نفسا»: تمييز منصوب. «بالفراق»: جار ومجرور متعلّقان ب «تطيب». «تطيب»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هي».
وجملة «أتهجر»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «وما كان»: في محلّ نصب حال. وجملة «تطيب»: في محلّ نصب خبر «كان».
الشاهد فيه قوله: «نفسا» حيث وردت تمييزا متقدّما على عامله «تطيب». والأصل: «تطيب نفسا».
وقد جوّزه بعضهم، واعتبره بعضهم الآخر ضرورة.(3/30)
ولا يضاف «أفعل» إلى شيء إلّا وهو بعضه كقولك: «الخليفة أفضل بني هاشم».
ولو قلت: «الخليفة أفضل بني تميم»، كان محالا لأنّه ليس منهم، وكذلك: «هذا خير ثوب في الثياب»، إذا عنيت ثوبا، و «هذا خير منك ثوبا»، إذا عنيت رجلا، وكذلك تقول: «الخليفة أفضل من بني تميم» لأنّ «من» دخلت للتفضيل، وأخرجتهم من الإضافة.
فهذا وجه ذا.
ولو قلت: «ما أنت بأحسن وجها منّي، ولا أفره عبدا»، كان جيّدا. فإن قصدت قصد الوجه بعينه، قلت: «هذا أحسن وجه رأيته»، إنّما تعني الوجوه إذا ميّزت وجها وجها. فعلى هذه الأصول، فقس ما ورد عليك من هذا إن شاء الله.
* * *
هذا باب التّثنية على استقصائها صحيحها ومعتلّها(3/31)
* * *
هذا باب التّثنية على استقصائها صحيحها ومعتلّها
أمّا ما كان صحيحا، فإنّك إذا أردت تثنيته، سلّمت بناءه، وزدت ألفا ونونا في الرفع، وياء ونونا في الخفض، ودخل النصب على الخفض، كما ذكرت لك في أوّل الكتاب وذلك قولك في الرفع: «زيدان»، و «عمران»، و «جعفران»، و «عطشانان»، و «عنكبوتان».
* * * فإن كان الاسم ممدودا وكان منصرفا، وهمزته أصليّة، فهو على هذا.
تقول في تثنية «قرّاء»: «قرّاءان»، وفي تثنية «خطّاء»: «خطّاءان»، وفي الخفض والنصب: «خطّاءين»، و «زيدين»، و «عمرين»، و «قرّاءين».
وقد يكون «قرّاوان» على بعد لعلّة أذكرها إن شاء الله.
وإن كان ممدودا منصرفا وهمزته بدل من ياء أو واو، فكذلك.
تقول: «رداءان»، و «كساءان»، و «غطاءان». والقلب إلى الواو في هذا يجوز، وليس بجيّد. وهو أحسن منه فيما كانت همزته أصلا، وذلك قولك: «كساوان» و «غطاوان».
وإن كان الممدود إنّما مدّته للتأنيث لم يكن في التثنية إلّا بالواو، نحو قولك:
«حمراوان»، و «خنفساوان»، و «صحراوان»، و «رأيت خنفساوين، وصحراوين».
* * * وإن كان المثنّى مقصورا، فكان على ثلاثة أحرف، نظرت في أصله فإن كان من الواو، أظهرت الواو، وإن كان من الياء، أظهرت الياء، وذلك قولك في تثنية «قفا»:
«قفوان»، و «عصا»: «عصوان»، و «رأيت قفوين، وعصوين».(3/32)
* * * وإن كان المثنّى مقصورا، فكان على ثلاثة أحرف، نظرت في أصله فإن كان من الواو، أظهرت الواو، وإن كان من الياء، أظهرت الياء، وذلك قولك في تثنية «قفا»:
«قفوان»، و «عصا»: «عصوان»، و «رأيت قفوين، وعصوين».
وأمّا ما كان من الياء، فقولك في «رحى»: «رحيان»، و «حصّى»: «حصيان».
وإنّما فعلت ذلك لأنّ ألف التثنية تلحق الألف التي كانت في موضع اللام، وكذلك ياء التثنية، وهما ساكنان، فلا يجوز أن يلتقيا فلابدّ من حذف أو تحريك فلو حذفت، لذهبت اللام، فحرّكت، فرددت كلّ حيّز إلى أصله كما كنت فاعلا ذلك إذا ثنّيت الفاعل في الفعل، وذلك قولك: «غزا الرجل»، و «دعا»، ثم تقول: «غزوا»، و «دعوا» لأنّك لو حذفت لالتقاء الساكنين، لبقي الاثنان على لفظ الواحد.
وتقول: «رمى»، و «قضى»، فإذا ثنّيت، قلت: «رميا»، و «قضيا».
فكذلك هو المقصور في التثنية.
فإن كان المقصور على أربعة أحرف فصاعدا، كانت تثنيته بالياء من أيّ أصل كان، وقد مضى تفسير هذا. وكذلك إن كانت ألفه زائدة للتأنيث أو للإلحاق.
تقول: «ملهيان»، و «مغزيان»، و «حباريان»، و «حبنطيان» كما تقول في الفعل:
«أغزيا»، و «غازيا»، و «راميا»، و «استغزيا»، و «استحييا»، ونحوه فعلى هذا مجرى جميع المقصور.
واعلم أنّ التثنية لا تخطىء الواحد، فإذا قيل لك: ثنّه، وجب عليك أن تأتي بالواحد، ثمّ تزيد في الرفع ألفا ونونا، وفي الخفض والنصب ياء ونونا.
فأمّا قولهم: «جاء ينفض مذرويه» [1] فإنّما ظهرت فيه الواو لأنّه لا يفرد له واحد.
وكذلك: «عقلته بثنايين» [2]، ولو كان يفرد له واحد لكان: «عقلته بثنائين» لأنّ الواحد «ثناء» فاعلم، وكنت تقول: «مذريان» كما تقول: «ملهيان»، ولكنّه بمنزلة قولك:
[1] هذا القول من أمثال العرب، ويروى: «جاء ينفض أزدريه، أو أسدريه، أو أصدريه». والأزدران والأسدران: المنكبان. والأصدران: العطفان. والمذروان: فرعا الأليتين. والمعنى: جاء فارغا وليس بيديه شيء، ولم يقض طلبته.
انظر: جمهرة الأمثال 1/ 318والدرة الفاخرة 2/ 536وزهر الأكم 2/ 62وكتاب الأمثال ص 323ولسان العرب 4/ 356 (سدر)، 15/ 351 (هبا) والمستقصى 2/ 46ومجمع الأمثال 1/ 171والوسيط في الأمثال ص 92.
[2) أي: بحبلين.(3/33)
«الشقاوة»، و «العباية» بنيت على هذا التأنيث، وصارت الهاء حرف الإعراب، فظهرت الواو والياء.
ولو بنيته على التذكير، لم يكن إلّا «صلاءة»، و «عباءة» كما تقول: «امرأة غزّاءة» لأنّك جئت إلى «غزّاء»، وقد انقلبت الواو فيه همزة، فأنّثته على تذكيره، ولو كنت بنيّته على التأنيث، لكانت الهاء مظهرة للياء وللواو قبلها.
فأمّا قولهم: «خصيان»، فإنّما بنوه على قولهم: «خصي» فاعلم، ومن ثنّى على قولهم: «خصية»، لم يقل إلّا: «خصيتان».
وكذلك يقولون: «ألية» و «ألي» في معنى. فمن قال: «ألية»، قال: «أليتان»، ومن قال: «ألي»، قال: «أليان»، قال الراجز:
[267] ترتجّ ألياه ارتجاج الوطب
* * *
[267] التخريج: الرجز بلا نسبة في أدب الكاتب ص 410وجمهرة اللغة ص 247، 991 وخزانة الأدب 7/ 508، 525، 528وشرح شواهد الإيضاح ص 404ولسان العرب 14/ 43 (إلا)، 230 (خصا) والمقرب 2/ 45والمنصف 2/ 131ونوادر أبي زيد ص 130.
اللغة: الوطب: زقّ اللبن.
المعنى: يصف هذا الرجل بأنّ كفله عظيم رخو، فهو يرتج ويضطرب لعظمه ورخاوته ارتجاج الوطب.
الإعراب: ترتج: فعل مضارع مرفوع. ألياه: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى، و «الهاء»: مضاف إليه.
ارتجاج: مفعول مطلق منصوب. الوطب: مضاف إليه.
وجملة «ترتج ألياه»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه: أن في (ألية) التأنيث بالهاء، وعدم التأنيث، والبيت شاهد على عدمه بدليل قوله (ألياه)، وهو مثنى (ألي) بلا تأنيث.(3/34)
هذا باب الإمالة
وهو أن تنحو بالألف نحو الياء، ولا يكون ذلك إلّا لعلّة تدعو إليه.
اعلم أنّ كلّ ألف زائدة أو أصليّة، فنصبها جائز.
وليس كلّ ألف تمال لعلّة إلّا نحن ذاكروها إن شاء الله.
فممّا يمال ما كان ألفه زائدة في «فاعل»، وذلك نحو قولك: «رجل عابد»، و «عالم»، و «سالم» فإنّما أملت الألف، للكسرة اللازمة لما بعدها، وهو موضع العين من «فاعل»، وإن نصبت في كلّ هذا، فجيّد بالغ على الأصل، وذلك قولك: «عالم» و «عابد».
وكذلك إذا كانت قبلها كسرة أو ياء، نحو قولك: «عباد»، و «جبال»، و «حبال». كلّ هذا إمالته جائزة. فأمّا «عيال»، فالإمالة له ألزم لأنّ مع الكسرة ياء.
فكلّ ما كانت الياء أقرب إلى ألفه أو الكسرة، فالإمالة له ألزم، والنصب فيه جائز.
وكلّ ما كثرت فيه الياءات أو الكسرات، فالإمالة فيه أحسن من النّصب.
* * * واعلم أنّه ما كان من «فعل»، فإمالة ألفه جائزة حسنة، وذلك نحو: «صار بمكان كذا»، و «باع زيد مالا» فإنّما أملت لتدلّ على أنّ أصل العين الكسر لأنّه من «بعت»، و «صرت»، والعين أصلها الكسر، وألفها منقلبة من واو [1].
إلّا أنّه فيما كانت ألفه منقلبة من ياء أحسن. فأمّا الواو فهو فيها جيّد، وليس كحسنه
[1] الألف في «باع» و «صار» منقلبة من واو.(3/35)
في الياء لأنّ فيه علّتين، وإنّما في ذوات الواو علّة واحدة، وهو أنّه من «فعل»، وذلك قولك: «خاف زيد كذا»، و «مات زيد» في قول من قال: «متّ» على وزن «خفت». ومن قال: «متّ» [1]، لم تجز الإمالة في قوله. وقد قرأ القرّاء: {ذََلِكَ لِمَنْ خََافَ مَقََامِي} (2).
* * * واعلم أنّ الألف إذا كانت منقلبة من ياء في اسم أو فعل، فإمالتها حسنة، وأحسن ذلك أن تكون في موضع اللام. وسنفسّر لم ذلك إن شاء الله.
وذلك قولك: «رمى» و «سعى» و «قضى» وذلك لأنّ الألف هي التي يوقف عليها، والإمالة أبين، وهي التي تنتقل على الثلاثة، فتكون رابعة، وخامسة، وأكثر. فإذا كانت كذلك، رجعت ذوات الواو إلى الياء نحو: «مغزيان»، و «ملهيان»، وقولك في الفعل:
«أغزيت» وقد فسّرنا هذا في بابه مستقصى. فلمّا كانت الياء أمكن، كانت الإمالة أثبت.
* * * فأمّا ما كان من ذوات الواو على ثلاثة أحرف، فإنّ الإمالة فيه قبيحة نحو: «دعا»، و «غزا»، و «عدا» وقد يجوز على بعد لأنّ هذه الألف هي التي تمال في «أغزى»، ونحوه.
فأمّا الأسماء، فلا يجوز فيها الإمالة إذا كانت على ثلاثة أحرف لأنّها لا تنتقل انتقال الأفعال لأنّ الأفعال تكون على «فعل»، و «أفعل»، ونحوه، والأسماء لا تتصرّف. وذلك قولك: «قفا»، و «عصا». لا يكون فيهما، ولا في بابهما إمالة لأنّهما من الواو، ولكن «رحى»، و «حصى»، و «نوى» هذا كلّه تصلح إمالته.
ولا تصلح الإمالة فيما ألفه في موضع العين إذا كانت واوا نحو: «قال»، و «طال»، و «جال» لأنّها من واو، وليست بفعل ك «خفت» لأنّك تقول: «قلت»، و «طلت»، و «جلت».
* * * [1] في «مات» لغتان:
أمات يموت، وهي الأشهر والأفصح، وهذه يقال فيها: «متّ»، و «متنا»
ب مات يمات، وهذه يقال فيها: متّ.
__________
(2) إبراهيم: 14.(3/36)
هذا باب ما كان على أربعة أحرف أصلية أو زائدة
اعلم أنّ ما كانت ألفه من ذلك طرفا، فالإمالة فيه جائزة، وهي التي نختار وذلك أنّه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه:
إمّا أن تكون ألفه منقلبة من ياء نحو: «مرمى»، و «مسعى» لأنّه من «سعيت»، و «رميت»، و «ملهى»، و «مغزى» من «غزوت» و «لهوت». فإنّها إذا كانت كذا، ترجع إلى الياء في قولك: «ملهيان»، و «مغزيان»، وكلّما ازدادت الحروف كثرة، كانت من الواو أبعد. وقد فسّرنا لم ذلك في التصريف في باب «أغزيت»، و «استغزيت».
أو تكون الألف زائدة للتأنيث، فحقّ الزوائد أن تحمل على الأصول، فإذا كانت ذوات الواو، ترجع إلى الياء فالزائد أولى وذلك قولك في «حبلى»: «حبليان»، و «حبليات».
وكذلك: «سكرى» و «شكاعى» [1] ونحوه. فأمّا الملحقة فنحو: «حبنطى» [2] و «أرطى» [3]، و «معزى» تقول: «أرطيان»، و «معزيان»، و «حبنطيان». فكلّ هذا يرجع إلى الياء. فكذلك فافعل به إذا كانت الألف رابعة مقصورة أو على أكثر من ذلك، اسما كان أو فعلا.
* * * [1] شكاعى: نبت، وشجرة صغيرة ذات شوك. (لسان العرب 8/ 185 (شكع)).
[2] الحبنطى: الممتلىء غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[3] الأرطى: شجر ينبت بالرمل، ورائحته طيّبة. (لسان العرب 7/ 254 (أرط)).(3/37)
هذا باب الحروف التي تمنع الإمالة
وهي حروف الاستعلاء، وهي سبعة أحرف: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، والخاء، والغين.
وذلك أنّها حروف اتّصلت من اللسان بالحنك الأعلى، وإنّما معنى الإمالة: أن تقرّب الحرف ممّا يشاكله من كسرة أو ياء.
فإن كان الذي يشاكل الحرف غير ذلك، ملت بالحرف إليه، فهذه الحروف منفتحة المخارج فلذلك وجب الفتح.
تقول: «هذا عابد»، و «عالم»، و «عاند». فإذا جاءت هذه الحروف عينات، ولا مات في «فاعل» منعت الإمالة لما فيها، فقلت: «هذا ناقد»، ولم يجز: «ناقد» من أجل القاف، وكذلك: «ضابط»، و «ضاغط».
فإن كانت هذه الحروف في موضع الفاءات من «فاعل»، منعت الإمالة لقربها، وهي بعد الألف أمنع لئلّا يتصعّد المتكلّم بعد الانحدار.
وذلك قولك: «هذا قاسم»، و «صالح»، و «طالع»، ولا تجوز الإمالة في شيء من ذلك.
فإن كان الحرف المستعلي بينه وبين الألف حرف، والمستعلي متقدّم مكسور، فإنّ الإمالة حسنة. وذلك قولك: «صفاف»، و «قفاف» لأن الكسرة أدنى إلى الألف من المستعلي، والنّصب هاهنا حسن جدّا، والإمالة أحسن لما ذكرت لك، وحسن النّصب من أجل المستعلي.
ولو كان المستعلي بعد حرف مكسور، لم تجز الإمالة فيه لأنّ المستعلي أقرب إلى الألف، فهو مفتوح. وذلك قولك: «رقاب» و «حقاف»، وكذلك: «رصاص» فيمن كسر الراء، لا يكون إلّا النصب، فإن كان المستعلي في كلمة مع الألف، وكان بعدها بحرف أو
حرفين لم تكن إمالة. وذلك قولك: «مساليخ»، و «صناديق».(3/38)
ولو كان المستعلي بعد حرف مكسور، لم تجز الإمالة فيه لأنّ المستعلي أقرب إلى الألف، فهو مفتوح. وذلك قولك: «رقاب» و «حقاف»، وكذلك: «رصاص» فيمن كسر الراء، لا يكون إلّا النصب، فإن كان المستعلي في كلمة مع الألف، وكان بعدها بحرف أو
حرفين لم تكن إمالة. وذلك قولك: «مساليخ»، و «صناديق».
فإن قلت: فما قبل المستعلي مكسور، فهلّا كان هذا بمنزلة «قفاف» [1] و «صفاف» [2]؟
فمن أجل أنّ المستعلي إنّما انحدرت عنه، وأنت هاهنا لو كسرت، كنت مصعدا إليه.
* * * واعلم أنّك تقول: «مررت بمال لك»، و «مررت بباب لك»، وليس بالحسن لأنّ الألفين منقلبتان من واوين، من: «موّلت»، و «بوّبت»، وليست الحركة بلازمة. إنّما تحذف في الخفض في الوصل، ولا تكون في الوقف، ولا في غير الخفض، فليست كعين «فاعل» لأنّ الكسرة لازمة لها، والألف زائدة. ولكن لو قلت: «هذا ناب»، و «هذاعاب»، لصلحت الإمالة لأنّ الألفين منقلبتان من ياء لأنّه من العيب، ومن قولك: «نيّبت في الأمر»، و «ناب» و «أنياب»، والنّصب أحسن لأنّ اللفظ أولى وليس في اللفظ كسرة، وإنّما صلحت الإمالة لأنّ الألف ياء في المعنى.
فجملة الباب: أنّه كلّ ما كان في الياء، أو الكسرة فيه أثبت، فالإمالة له ألزم، إلّا أن يمنع مانع من المستعلية.
* * * [1] القفاف: جمع قف، وهو ما ارتفع من متون الأرض وصلبت حجارته. وقفّ الشيء: ظهره. (لسان العرب 9/ 288 (قفف)).
[2] الصفاف: جمع الصّفوف، وهي الناقة التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة. قال الجوهري: يقال:
ناقة صفوف للتي تصفّ أقداحا من لبنها إذا حلبت، وذلك من كثرة لبنها. (لسان العرب 9/ 194 (صفف)).(3/39)
هذا باب الراء في الإمالة
اعلم أنّ الراء مكرّرة في اللسان، ينبو فيها بين أوّلها وآخرها نبوة، فكأنّها حرفان. فإذا جاءت بعد الألف مكسورة، مالت الألف من أجلها. وذلك قولك: «هذا عارم»، و «عارف». فكانت الإمالة هاهنا ألزم منها في «عابد»، ونحوه.
فإن وقع قبل الألف حرف من المستعلية، وبعد الألف الراء المكسورة، حسنت الإمالة التي كانت تمتنع في «قاسم» ونحوه من أجل الراء، وذلك قولك: «هذا قارب»، وكذلك إن كان بين الراء وبين الألف حرف مكسور إذا كانت مكسورة، تقول: «مررت بقادر يا فتى»، وترك الإمالة أحسن لقرب المستعلية من الألف، وتراخي الراء عنها، وينشد هذا البيت على الإمالة، والنصب أحسن لما ذكرت لك، وهو [من الطويل]:
[268] عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرّباب سكوب
[268] التخريج: البيت لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص 76وخزانة الأدب 9/ 328والكتاب 3/ 159، 4/ 139ولسماعة النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141وشرح التصريح 2/ 351ولسان العرب 15/ 55 (عسا)، ولسماعة أو لرجل من باهلة في شرح شواهد الإيضاح ص 620وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 771وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 678وشرح المفصل 7/ 9117/ 62واللمع ص 333.
اللغة: جون الرباب: سود السحاب. السكوب: الكثير المطر.
الإعراب: «عسى»: فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. «الله»: اسم الجلالة، اسم «عسى» مرفوع.
«يغني»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «عن بلاد»: جار ومجرور متعلّقان ب «يغني»، وهو مضاف. «ابن»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. «قادر»: مضاف إليه مجرور. «بمنهمر»:
جار ومجرور متعلّقان ب «يغني». «جون»: نعت أوّل ل «منهمر» مجرور، وهو مضاف. «الرباب»: مضاف إليه مجرور. «سكوب»: نعت ثان ل «منهمر» مجرور.(3/40)
فإن لم يكن قبل الألف حرف من المستعلية، وكانت بعدها الراء على ما وصفت لك، اختير إمالة الألف. وذلك قولك: «من الكافرين». وإن قلت: «من الكافر يا فتى»، فالإمالة حسنة، وليس كحسنها في «الكافرين» لأنّ الكسر في «الكافرين» لازم للراء وبعدها ياء، و «الكافر» لا ياء فيه، وليست الكسرة بلازمة للراء إلّا في الخفض، وهي في الجماعة تلزم في الخفض والنصب والوقف والإدراج، ولا تكون في «الكافر» في الوقف.
فإن قلت: «جاءني الكافر»، فاعلم، استوت الإمالة والنّصب. فأمّا الإمالة فمن جهة كسرة الفاء.
وأمّا النّصب فإنّ الراء بعدها كحرفين مضمومين، وكذلك هي في النصب إذا قلت:
«رأيت الكافر يا فتى».
ولو قلت: «فلان باسط يده»، أو «ناعق يا فتى»، لم تصلح الإمالة من أجل المستعليين لأنّ الراء وإن كان قبلها التكرير لا تحلّ محلّ المستعلية.
ولو قلت: «هذا قراب سيفك»، لصلحت الإمالة وإن كانت الراء مفتوحة لأنّها في الحقيقة في وزن حرف.
* * * واعلم أنّ بني تميم يختارون فيما على وزن «فعال» من المؤنّث إذا سمّي به أن يكون بمنزلة سائر ما لا ينصرف، فيقولون: «هذه حذام»، و «مررت بحذام يا فتى»، و «رأيت حذام».
وأهل الحجاز يقولون: «هذه حذام» [1]، و «مررت بحذام». وقد بيّنا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
وجملة «عسى الله»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يغني»: في محل نصب خبر «عسى».
الشاهد فيه قوله: «قادر» ممالة مع وجود الفصل بين الألف والراء المكسورة بحرف، وهو الدال.
وفي البيت شاهد آخر للنحاة هو قوله: «عسى الله يغني» حيث جاء خبر «عسى» فعلا مضارعا غير مقترن ب «أن» المصدريّة، وهذا نادر.
[1] أي: يبنون الكلمة على الكسر.(3/41)
فإذا كان اسم من هذه الأسماء في آخره الراء، اختارت بنو تميم مذهب أهل الحجاز ليميلوا الألف لأنّ إجناحها أخفّ عليهم، ولا سبيل إليه إلّا أن يكسروا الراء. فيقولون:
«هذه حضار فاعلم»، و «طلعت حضار»، و «مررت بسفار يا فتى». وينشدون هذا البيت للفرزدق [من الطويل]:
[269] متى ما ترد يوما سفار تجد بها ... أديهم يرمي المستجيز المعورّا
ومنهم من يمضي على لغته في الراء كما يفعل في غيرها. قال الشاعر [من مخلّع البسيط]:
[270] ومرّ دهر على وبار ... فهلكت عنوة وبار
والقوافي مرفوعة.
* * * [269] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 288وشرح التصريح 2/ 225وشرح شواهد المغني 1/ 285ولسان العرب 4/ 371 (سفر)، 614 (عور) ومغني اللبيب 1/ 97.
اللغة: ترد: تطلب الماء. سفار: منهل قرب ذي قار. أديهم: هو ابن مرداس بن تميم. المستجيز:
طالب الماء للأرض أو للماشية. المعوّر: الذي لم تقض حاجته.
المعنى: يقول: متى تقصد ذلك المنهل تجد ابن مرداس يمنع طالب الماء ويردّه خائبا دون أن يقضي له حاجته.
الإعراب: متى: اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول فيه. ما: زائدة. ترد: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. يوما: ظرف زمان متعلق ب «ترد».
سفار: اسم مبنيّ على الكسر في محلّ نصب مفعول به. تجد: فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط، والفاعل: أنت. بها: جار ومجرور متعلّقان ب «تجد». أديهم: مفعول به منصوب. يرمي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو. المستجيز: مفعول به منصوب. المعوّرا: نعت «المستجيز»، والألف: للإطلاق.
وجملة «ترد يوما» الفعليّة: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تجد بها» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط جازم. وجملة «يرمي المستجيز» الفعليّة: في محل نصب نعت ل «أديهم».
والشاهد فيه قوله: «سفار» وهو اسم علم على وزن «فعال» مبنيّ على الكسر في محل نصب مفعول به.
[270] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 331 (وفيه «حدّ» مكان «دهر») وشرح أبيات سيبويه 2/ 240وشرح الأشموني 2/ 538وشرح التصريح 2/ 225وشرح المفصّل 4/ 64، 65والكتاب 3/ 279ولسان العرب 5/ 273 (وبر) والمقاصد النحويّة 4/ 358وهمع الهوامع 1/ 29وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص 364وأوضح المسالك 4/ 130وما ينصرف وما لا ينصرف ص 77والمقرب 1/ 282.(3/42)
وممّا تمال ألفه، ما كان قبلها فتحة وفي ذلك الحرف ياء. وذلك قولك: «نعم الله بك عينا»، و «رأيت زينا»، فالإمالة في هذا حسنة في الوقف من أجل الياء.
فأمّا إذا وصلت، فلا إمالة فيه من أجل أنّ الألف تذهب، ويصير مكانها التنوين.
ولو قلت: «هذا عمران»، لكانت الإمالة حسنة من أجل كسرة العين.
فإن كان مكان الراء حرف من المستعلية، لم تصلح الإمالة لأنّ المستعلي أقرب إلى الألف وهو مفتوح. فإن قلت: «فهذان مسلمان»، فأملت من أجل كسرة اللام، صلح، ويزيده حسنا علمك بأنّ النون مكسورة في الوصل، فإن قلت: «مصلحان»، أو «مكرمان»، لم تحسن الإمالة لأنّه لا كسر ولا ياء. فإن وصلت، حسنت وهي بعيدة لأنّ النون لا تلزمها الحركة في الوقف كما أنّك لو قلت: «رأيت عنبا»، لم تكن إمالة لأنّه لا كسرة ولا ياء.
وتقول: «نعوذ بالله من النار»، للتكرير الذي في الراء لأنّ الحركة تلحق في الوصل.
فإن قلت: «وعد الكافرون النار»، أو قلت: «أحرقته النار»، لم تكن إمالة لما ذكرت لك.
فأمّا قولهم: «هذا رجل حجّاج»، فلم تجز الإمالة لأنّه لا شيء يوجبها، ثمّ قالوا في الاسم «الحجّاج» فإنّما أمالوا للفصل بين المعرفة والنكرة، والاسم والنعت لأنّ الإمالة أكثر، وليس بالحسن. النّصب أحسن وأقيس.
* * * اللغة والمعنى: وبار: قبيلة كانت تسكن في تخوم صنعاء، وكانت أكثر الأرضين خيرا. عنوة: غصبا وقهرا.
الإعراب: ومرّ: الواو حرف عطف، مرّ: فعل ماضي مبنيّ على الفتحة. دهر: فاعل مرفوع. على وبار: جار ومجرور متعلقان ب «مرّ». فهلكت: الفاء: حرف عطف، و «هلك»: فعل ماضي مبنيّ، والتاء:
حرف للتأنيث. عنوة: حال منصوب. وبار: فاعل مرفوع.
وجملة «مرّ دهر»: معطوفة على ما قبلها وجملة «هلكت»: معطوفة على جملة «مرّ».
والشاهد فيه: مجيء «وبار» مرّتين. وكانت في الأولى (على وبار) مبنيّة على الكسر، وفي الثانية (فهلكت وبار) معربة فرفعت بالضمّة.(3/43)
هذا باب ما يمال وينصب من الأسماء غير المتمكّنة، والحروف
اعلم أنّهم قالوا: «ذا عبد الله»، و «هذا عبد الله»، وقالوا في التهجّي: «باء»، و «تاء»، و «راء» ليدلّوا على أنّها أسماء.
فلو ألزمت النصب، لالتبست بالحروف لأنّ الحروف لا تصلح فيها الإمالة.
فإن قلت: فهلّا فعلوا ذلك في «ما» التي هي اسم لمضارعتها للحروف لأنّها لا تكون اسما إلّا بصلة، إلّا في الاستفهام أو الجزاء، فهي في هذين مضارعة للحروف التي هي للاستفهام والجزاء.
فأمّا في النفي فهي حرف وليست باسم، وكذلك هي زائدة في قولك: {فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ} (1) ونحوه.
فأمّا «إمّا»، و «حتّى»، وسائر الحروف التي ليست بأسماء، فإنّ الإمالة فيه خطأ.
ولكن «متى» تمال لأنّها اسم، وإنّما هي من أسماء الزمان، ولا يستفهم بها إلّا عن وقت.
فأمّا «عسى» فإمالتها جيّدة لأنّها فعل، وألفها منقلبة من ياء. تقول: «عسيت» كما تقول: «رمى» و «رميت».
فأما «على»، و «إلى» فلا تصلح إمالتهما لأنّ «على» من «علوت»، وهي اسم، يدلّك على ذلك قولهم: «جئت من عليه»، أي: من فوقه.
__________
(1) النساء: 155والمائدة: 13.(3/44)
قال الشاعر [من الطويل]:
غدت من عليه تنفض الطّلّ بعد ما ... رأت حاجب الشّمس استوى فترفّعا [1]
وقال الآخر [من الطويل]:
[271] غدت من عليه بعد ما تمّ خمسها ... تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل
* * *
[1] تقدم بالرقم 240.
[271] التخريج: البيت لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب ص 504والأزهيّة ص 194وخزانة الأدب 10/ 147، 150والدرر 4/ 187وشرح التصريح 2/ 19وشرح شواهد الإيضاح ص 230 وشرح شواهد المغني 1/ 425وشرح المفصل 8/ 38ولسان العرب 11/ 383 (صلل)، 15/ 88 (علا) والمقاصد النحوية 3/ 301ونوادر أبي زيد ص 163وبلا نسبة في أسرار العربية ص 103والأشباه والنظائر 3/ 12وجمهرة اللغة ص 1314والجنى الداني ص 470وجواهر الأدب ص 375وخزانة الأدب 6/ 535ورصف المباني ص 371وشرح الأشموني 2/ 396وشرح ابن عقيل ص 367 والكتاب 4/ 231ومجالس ثعلب ص 304ومغني اللبيب 1/ 146، 2/ 532والمقرب 1/ 196وهمع الهوامع 2/ 36.
اللغة: الخمس: أن يكون ما بين الشربين أربعة أيام. تصلّ: تصوّت. القيض: قشرة البيضة العليا.
البيداء: الصحراء. المجهل: القفر الخالي من الأعلام.
المعنى: إنّ القطاة قد تركت فراخها وقشر بيضها، وراحت تصوّت في أرض خالية من الأعلام بعد أن اشتدّ بها الظمأ.
الإعراب: «غدت»: فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:
«هي». «من عليه»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من اسم «غدت»، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «بعد»: ظرف زمان منصوب، متعلّق ب «غدا». «ما»: حرف مصدري. «تمّ»: فعل ماض. «خمسها»: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و «ها»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «تصلّ»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هي». «وعن قيض»: الواو حرف عطف، وجار ومجرور معطوفان على «من عليه». «ببيداء»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت «قيض». «مجهل»: نعت «بيداء» مجرور.
وجملة «غدت»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تمّ خمسها»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب تأويل مصدر في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تصلّ»: في محلّ نصب خبر «غدا».
الشاهد فيه قوله: «من عليه» حيث جاءت «على» اسما مجرورا ب «من».(3/45)
هذا باب «كم»
اعلم أنّ «كم» اسم يقع على العدد، ولها موضعان:
تكون خبرا، وتكون استفهاما، فمجراها مجرى عدد منوّن. وذلك قولك: «كم رجلا عندك»؟ و «كم غلاما لك»؟ تريد: أعشرون غلاما أم ثلاثون، وما أشبه ذلك كما أنّك إذا قلت: «أين عبد الله»؟ فمعناه: أفي موضع كذا أو في موضع كذا؟
وإذا قلت: «متى تخرج»؟ فإنّما معناه: أوقت كذا أم وقت كذا؟ إلّا أنّه يجوز لك في «كم» أن تفصل بينها وبين ما عملت فيه بالظرف، فتقول: «كم لك غلاما»؟ و «كم عندك جارية»؟
وإنّما جاز ذلك فيها لأنّه جعل عوضا لما منعته من التمكّن.
وأمّا «عشرون» ونحوها، فلا يجوز أن تقول فيها: «عشرون لك جارية»، ولا «خمسة عشر لك غلاما» إلّا أن يضطرّ شاعر كما قال حين اضطرّ [من المتقارب]:
[272] على أنّني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولا كميلا
يذكّر نيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا
[272] التخريج: البيتان للعباس بن مرداس في ديوانه ص 136وأساس البلاغة (كمل) وخزانة الأدب 3/ 299والدرر 4/ 42وشرح شواهد الإيضاح ص 198وشرح شواهد المغني 2/ 908 والمقاصد النحوية 4/ 489وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 467، 470، 8/ 255وشرح الأشموني 3/ 575وشرح عمدة الحافظ ص 532وشرح المفصل 4/ 130والكتاب 2/ 158ولسان العرب 11/ 598 (كمل) (البيت الأول فقط) ومجالس ثعلب 2/ 492ومغني اللبيب 2/ 572وهمع الهوامع 1/ 254.
اللغة: حولا: عاما. كميلا: كاملا. العجول: الناقة التي ذبح ولدها أو مات. الهديل: صوت الحمام، أراد به هنا الفرخ الذي صاده طير جارح على عهد نوح فاستمرت كلّ الحمام بالبكاء عليه.(3/46)
وقال الآخر [من الكامل]:
[273] في خمس عشرة من جمادى ليلة ... لا أستطيع على الفراش رقادي
وتقول: «كم درهم لك»؟ لأنّ التمييز وقع على غيره. فكأنّ التقدير: كم دانقا درهم لك، وكم قيراطا؟ وما أشبه ذلك كما أنّك إذا قلت: «كم غلمانك»؟ فإنّما المعنى: كم غلاما غلمانك؟
ولا يكون في قولك: «كم غلمانك»؟ إلّا الرفع لأنّه معرفة، ولا يكون التمييز بالمعرفة. فإذا قلت: «كم غلمانك»؟ فتقديره من العدد الواضح: أعشرون غلاما غلمانك؟
المعنى: وها أنذا بعد مضي ثلاثين عاما كاملا على فراقنا أتذكّرك يا حلوتي كلّما اشتاقت ناقة لوليدها، أو صوتت حمامة تبكي فرخها المفقود.
الإعراب: «على»: حرف جر. «أنني»: حرف مشبّه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محلّ نصب اسم «أنّ». والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف، والتقدير: «هذا كائن». «بعد»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلق بالفعل «يذكر». «ما»: اسم موصول في محلّ جرّ بالإضافة. «قد»: حرف تحقيق.
«مضى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. «ثلاثون»: فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. «للهجر»: جار ومجرور متعلّقان ب (مضى). «حولا»: تمييز منصوب بالفتحة. «كميلا»:
صفة منصوبة بالفتحة. «يذكرنيك»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أوّل، والكاف: في محل نصب مفعول به ثان. «حنين»: فاعل مرفوع بالضمّة.
«العجول»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «ونوح»: الواو: للعطف، «نوح»: معطوف على مرفوع، مرفوع مثله بالضمّة. «الحمامة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «تدعو»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الواو، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هي). «هديلا»: مفعول به منصوب بالفتحة.
والجملة الاسمية المحذوفة «هذا كائن»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «مضى»: صلة الموصول لا محل لها. وجملة «يذكرنيك حنين»: في محلّ رفع خبر (أنني). وجملة «تدعو»: في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله: «ثلاثون للهجر حولا كميلا» حيث فصل بين العدد «ثلاثون» وبين تمييزه «حولا»، مما يقوّي حجّة الفصل بين (كم) وبين تمييزها.
[273] التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 4/ 42وهمع الهوامع 1/ 254.
المعنى: يريد أنّه لا يستطيع النوم على فراشه في الوقت الذي حدّده.
الإعراب: في: حرف جر. خمس عشرة: جزءان مبنيان على الفتح في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أستطيع). من جمادى: جار ومجرور متعلقان بحال من (ليلة). ليلة:
تمييز. لا: نافية. أستطيع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنا). على الفراش: جار ومجرور(3/47)
فإن قلت: «أعشرون غلمانك»؟ فذلك معناه، لأنّ ما أظهرت دليل على ما حذفت.
وتقول: «بكم ثوبك مصبوغ»؟ لأنّ التقدير: بكم منا ثوبك مصبوغ؟ أو بكم درهما؟
وتقول: «على كم جذعا بيتك مبنيّ»؟ إذا جعلت «على كم» ظرفا ل «مبنيّ» رفعت البيت بالابتداء، وجعلت «المبنيّ» خبرا عنه، وجعلت «على كم» ظرفا ل «مبنيّ». فهذا على قول من قال: «في الدار زيد قائم»، ومن قال: «في الدار زيد قائما»، فجعل «في الدار» خبرا، قال: «على كم جذعا بيتك مبنيّا»؟ إذا نصب «مبنيّا» جعل «على كم» ظرفا للبيت لأنّه لو قال لك على المذهب: «على كم جذعا بيتك»؟ لاكتفى كما أنّه لو قال: «في الدار زيد»، لاكتفى.
ولو قال: «بكم رجل زيد مأخوذ»؟ لم يجز إلّا الرفع في «مأخوذ» كما تقول: «بعبد الله زيد مأخوذ» لأنّ الظرف هاهنا إنّما هو معلّق بالخبر.
والبصريّون يجيزون على قبح: «على كم جذع»، و «بكم رجل»؟ يجعلون ما دخل على «كم» من حروف الخفض دليلا على «من»، ويحذفونها، ويريدون: على كم من جذع، وبكم من رجل؟ فإذا لم يدخلها حرف الخفض، فلا اختلاف في أنّه لا يجوز الإضمار.
وليس إضمار «من» مع حروف الخفض بحسن ولا قويّ، وإنّما إجازته على بعد. وما ذكرت لك حجة من أجازه. فهذه «كم» التي تكون للاستفهام.
* * * فأمّا «كم» التي تقع خبرا فمعناها: معنى «ربّ» إلّا أنّها اسم، و «ربّ» حرف، وذلك قولك: «كم رجل قد رأيته أفضل من زيد». إن جعلت «قد رأيته» الخبر، وإن جعلت «قد رأيته» من نعت الرجل، قلت: «أفضل من زيد»، رفعت «أفضل» لأنّك جعلت «أفضل» خبرا عن «كم» لأنّ «كم» اسم مبتدأ.
متعلقان بالمصدر (رقادي). رقادي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه.
وجملة «لا أستطيع»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (خمس عشرة من جمادى ليلة) حيث فصل للضرورة بين (خمس عشرة) وبين تمييزها (ليلة) بشبه الجملة.(3/48)
فأمّا «ربّ» إذا قلت: «ربّ رجل أفضل منك»، فلا يكون له الخبر لأنّها حرف خفض و «كم» لا تكون إلّا اسما.
ألا ترى أنّ حروف الخفض تدخل عليها، وأنّها تكون فاعلة ومفعولة. تقول: «كم رجل ضربك»، فهي هاهنا فاعلة [1]. فإذا قلت: «كم رجل قد رأيت»؟ فهي مفعولة [2]، وكذلك لو قلت: «كم رجل قد رأيته»، لكانت مرفوعة لأنّها ابتداء لشغلك الفعل عنها، وكذلك تقول: «إلى كم رجل قد ذهبت فلم أره».
واعلم أنّ هذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه، وهو [من الكامل]:
[274] كم عمّة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
[1] المقصود ب «الفاعل» هنا المعنى اللغوي، أي: الذي يفعل الفعل، وليس المصطلح النحويّ، ف «كم» في المثال السابق ليست فاعلا ل «ضرب».
[2] المقصود بالمفعول به هنا المعنى اللغوي، ف «كم» في قولك: «كم رجل قد رأيته» مبتدأ لا مفعول به، وفي قولك: «إلى كم رجل قد ذهبت فلم أره» اسم مبني في محلّ جر بحرف الجر.
[274] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 361والأشباه والنظائر 8/ 123وخزانة الأدب 6/ 458، 489، 492، 493، 495، 498والدرر 4/ 45وشرح التصريح 2/ 280وشرح شواهد المغني 1/ 511وشرح عمدة الحافظ ص 536وشرح المفصّل 4/ 133والكتاب 2/ 72، 162، 166 ولسان العرب 4/ 573 (عشر) واللمع 228ومغني اللبيب 1/ 185والمقاصد النحوية 4/ 489وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1/ 331وشرح الأشموني 1/ 98وشرح ابن عقيل ص 116ولسان العرب 12/ 528 (كمم) والمقرب 1/ 312وهمع الهوامع 1/ 254.
شرح المفردات: الفدعاء: التي اعوجّت أصابعها من الحلب، أو التي اعوجّت مفاصلها. العشار:
الناقة التي عمرها عشرة أشهر، أو التي أتى عليها عشرة أشهر من زمان حلبها.
المعنى: إنّ لك يا جرير كثيرا من العمّات والخالات الفدعاوات قد عملن عندي في حلب نوقي، أو في رعي ماشيتي.
الإعراب: تروى «عمّة» و «خالة مرفوعتين ومجرورتين ومنصوبتين. فإن رويتهما مرفوعتين، فيجوز ب «كم» أن تكون خبرية، أو استفهاميّة تهكّميّة في محلّ نصب مفعول مطلق، أو ظرف زمان متعلّق ب «حلبت» ومميّزها محذوف مجرور إذا قدّرت «كم» خبريّة، أو منصوب إذا قدّرت «كم» استفهاميّة. «عمّة»:
مبتدأ مرفوع. «لك»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت ل «عمّة». «يا»: حرف نداء. «جرير»: منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب «وخالة»: الواو حرف عطف، «خالة»: معطوف على «عمّة». «فدعاء»:
نعت «خالة» مرفوع. «قد»: حرف تحقيق. «حلبت»: فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هي». «عليّ»: جار ومجرور متعلّقان ب «حلب». «عشاري»: مفعول به ل «حلب» منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. فإن نصبت «عمّة» و «خالة» فتكون «كم» استفهاميّة في محلّ رفع مبتدأ. «عمّة»: تمييز منصوب.(3/49)
فإذا قلت: «كم عمّة»، فعلى معنى: «ربّ عمّة».
وإذا قلت: «كم عمّة»؟ فعلى الاستفهام.
وإن قلت: «كم عمّة»، أوقعت «كم» على الزمان فقلت: «كم يوما عمّة لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري»، و «كم مرّة»، ونحو ذلك.
فإذا قلت: «كم عمّة» فلست تقصد إلى واحدة وكذلك إذا نصبت، وإن رفعت لم تكن إلّا واحدة لأنّ التمييز يقع واحده في موضع الجميع، وكذلك ما كان في معنى «ربّ» لأنّك إذا قلت: «ربّ رجل رأيته»، لم تعن واحدا، وإذا قلت: «كم رجلا عندك»؟ فإنّما تسأل: أعشرون أم ثلاثون أو نحو ذلك؟
فإذا قلت: «كم درهم عندك»؟ فإنّما تعني: كم دانقا هذا الدرهم الذي أسألك عنه؟
ف «الدرهم» واحد مقصود قصده بعينه لأنّه خبر، وليس بتمييز، وكذلك: «كم جاءني صاحبك»؟ إنّما تريد: كم مرّة جاءني صاحبك.
* * * فإن قلت: ما بال المستفهم بها ينتصب ما بعدها والتي في معنى «ربّ» ينخفض بها ما بعدها، وكلاهما للعدد؟
فإنّ في هذا قولين [1]:
وجملة «كم عمة»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء «يا جرير»: اعتراضية.
وجملة «قد حلبت»: في محلّ رفع خبر المبتدأ «عمّة» أو «كم».
الشاهد فيه قوله: «عمة» حيث يجوز فيها الرفع على الابتداء، والمسوّغ للابتداء بها وصفها بالجار والمجرور، والنصب على التمييز، والجرّ على الإضافة.
[1] سيذكر المؤلف قولا واحدا أما القول الآخر فيمكننا معرفته من أقوال النحاة، ومفادها أن «كم» الخبرية حملت على «ربّ» فجرّ تمييزها، أمّا «كم» الاستفهامية فحملت على العدد المتوسّط من «أحد عشر» إلى «تسعة وتسعين»، فنصب تمييزها. جاء في أسرار العربية ص 217215ما نصّه:
«فإن قيل: فلم كان ما بعدها في الاستفهام منصوبا، وفي الخبر مجرورا؟ قيل: للفرق بينهما، فجعلت في الاستفهام بمنزلة عدد ينصب ما بعده، وفي الخبر بمنزلة عدد يجرّ ما بعده، وإنما جعلت في الاستفهام بمنزلة عدد ينصب ما بعده، لأنها في الاستفهام بمنزلة عدد يصلح للعدد القليل والكثير، لأن المستفهم يسأل عن عدد كثير وقليل، ولا يعلم مقدار ما يستفهم عنه، فجعلت في الاستفهام بمنزلة العدد المتوسط بين القليل والكثير، وهو من «أحد عشر» إلى «تسعة وتسعين»، وهو ينصب ما بعده، فلهذا كان ما بعدها في الاستفهام منصوبا، وأما في الخبر فلا تكون إلا للتكثير، فجعلت بمنزلة العدد الكثير، وهو(3/50)
أحدهما: أنّ التي للخبر لمّا ضارعت «ربّ» في معناها، اختير فيها ترك التنوين ليكون ما بعدها بمنزلتها بعد «ربّ»، وتكون تشبه من العدد «ثلاثة أثواب»، و «مائة درهم»، فتكون غير خارجة من العدد، وقد أصبت بها ما ضارعته كما أنّ المضاف إليه إنّما خصّ بالخفض لأنّه على معنى اللام.
ألا ترى أنّ قولك: «هذا غلام زيد» إنّما معناه: هذا غلام لزيد، وقد يجوز أن تكون منوّنة في الخبر، فينتصب ما بعدها، فتقول: «كم رجلا قد أتاني». إلّا أنّ الأجود ما ذكرنا ليكون بينها وبين المستفهم فيها فصل.
فإن فصلت بينها وبين ما تعمل فيه بشيء، اختير التنوين لأنّ الخافض لا يعمل فيما فصل منه، والناصب والرافع يعملان في ذلك الموضع، وذلك قولك: «كم يوم الجمعة رجلا قد أتاني»، و «كم عندك رجلا قد لقيته»، ويختار النصب في قوله [من البسيط]:
[275] كم نالني منهم فضلا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل
يجرّ ما بعده، ولهذا كان ما بعدها مجرورا في الخبر، لأنها نقيضة «ربّ» و «ربّ» تجرّ ما بعدها، وكذلك ما حمل عليها.
فإن قيل: فلم جاز النصب مع الفصل في الخبر؟ قيل: إنّما جاز ذلك وهو النصب عدولا عن الفصل بين الجارّ والمجرور، لأن الجارّ والمجرور بمنزلة الشيء الواحد، وليس الناصب مع المنصوب بمنزلة الشيء الواحد، على أنّ بعض العرب ينصب بها في الخبر من غير فصل، ويجرّ بها في الاستفهام حملا لإحديهما على الأخرى.
فإن قيل: فلم إذا كانت استفهامية لم تبيّن إلا بالمفرد النكرة، وإذا كانت خبرية جاز أن تبيّن بالمفرد والجمع؟ قيل: لأنها إذا كانت استفهامية، حملت على عدد ينصب ما بعده، وذلك لا يبيّن إلا بالمفرد النكرة، نحو: «أحد عشر رجلا»، و «تسع وتسعون جارية» فلذلك لم يجز أن تبيّن إلا بالمفرد النكرة، وإذا كانت خبرية، حملت على عدد يجرّ ما بعده، والعدد الذي يجرّ ما بعده، يجوز أن يبيّن بالمفرد ك «مائة درهم» وبالجمع ك «ثلاثة أثواب»، فلهذا جاز أن يتبيّن بالمفرد والجمع، وأما اختصاصهما بالتنكير فيهما جميعا، فلأن «كم» لمّا كانت للتكثير، والتكثير والتقليل لا يصح إلا في النكرة لا في المعرفة، لأنّ المعرفة تدلّ على شيء مختص، فلا يصح فيه التقليل، ولا التكثير، ولهذا كانت «ربّ» تختصّ بالنكرة، لأنها لمّا كانت للتقليل، والتقليل إنما يصحّ في النكرة لا في المعرفة كما بيّنّا في «كم»، فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى».
[275] التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص 30وخزانة الأدب 6/ 477، 478، 483والدرر 4/ 49وشرح المفصل 4/ 131والكتاب 2/ 165واللمع ص 227والمقاصد النحوية 3/ 298، 4/ 494وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 283وخزانة الأدب 6/ 469وشرح الأشموني 3/ 636 وشرح عمدة الحافظ ص 535وهمع الهوامع 1/ 255.
اللغة: على عدم: على فقر وحاجة. الإقتار: الفقر. أحتمل: أرتحل طالبا رزقا.(3/51)
وقد زعم قوم أنّها على كلّ حال منوّنة، وأنّ ما انخفض بعدها ينخفض على إضمار «من»، وهذا بعيد لأنّ الخافض لا يضمر، إذ كان وما بعده بمنزلة شيء واحد، وقد ذكرناه بحججه مؤكّدا.
ومن فصل للضرورة بين الخافض والمخفوض فعل مثل ذلك في «كم» في الخبر.
وذلك قوله [من الرمل]:
[276] كم بجود مقرف نال العلا ... وشريف بخله قد وضعه
المعنى: كثيرا ما أفضلوا علي عندما كنت محتاجا، حتى أكاد لا أرتحل طلبا للرزق من شدة فقري وحاجتي.
الإعراب: «كم»: اسم كناية في محلّ رفع مبتدأ. «تالني»: فعل ماض مبني على الفتح، والنون:
للوقاية، والياء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). «منهم»: جار ومجرور متعلّقان ب «نالني». «فضلا»: تمييز منصوب بالفتحة. «على عدم»: جار ومجرور متعلّقان ب «نالني». «إذ»: ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه، متعلق ب «نال». «لا»: حرف نفي. «أكاد»: فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير مستتر تقديره (أنا). «من الإقتار»: جار ومجرور متعلّقان ب (أحتمل).
«أحتمل»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا).
وجملة «كم نالني»: ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «نالني»: في محلّ رفع خبر ل (كم). وجملة «لا أكاد أحتمل»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أحتمل»: في محلّ نصب خبر (أكاد).
والشاهد فيه قوله: «كم نالني منهم فضلا» حيث فصل بين (كم) الخبرية وبين تمييزها (فضلا) بالفعل (نالني منهم)، فنصبه وجوبا في رأي البصريين.
[276] التخريج: البيت لأنس بن زنيم في ديوانه ص 113وخزانة الأدب 6/ 471والدرر 4/ 49وشرح شواهد الشافية ص 53والمقاصد النحوية 4/ 493ولعبد الله بن كريز في الحماسة البصرية 2/ 10وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 303والدرر 6/ 204وشرح أبيات سيبويه 2/ 30وشرح الأشموني 6/ 635وشرح عمدة الحافظ ص 534وشرح المفصل 4/ 142والكتاب 2/ 167والمقرب 1/ 313 وهمع الهوامع 1/ 255، 2/ 156.
اللغة: المقرف: اللئيم الأب.
المعنى: يريد أن البخل كثيرا ما ينحط بالكريم النسب، وأن الجود والكرم كثيرا ما يرفع من شأن اللئيم الأب، والوضيع النسب.
الإعراب: كم: الخبرية اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بجود: جار ومجرور متعلقان ب (نال). مقرف: مضاف إليه. نال: فعل ماض، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). العلا: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر. وشريف: «الواو»: حرف عطف، «شريف»: معطوف على (مقرف).
بخله: مبتدأ، و «الهاء»: مضاف إليه. قد: حرف تحقيق. وضعه: فعل ماض، فاعله مستتر جوازا تقديره هو، و «الهاء»: مفعول به.(3/52)
وقال الآخر [من الكامل]:
[277] كم في بني سعد بن بكر سيّد ... ضخم الدّسيعة ماجد نفّاع
والقوافي مجرورة. وقال الآخر [من الوافر]:
[278] كم قد فاتني بطل كميّ ... وياسر فتية سمح هضوم
وجملة «كم بجود مقرف نال العلا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «نال»: خبر المبتدأ «كم» محلها الرفع. وجملة «بخله قد وضعه»: خبر ل «كم» مقدرة محلها الرفع أيضا. وجملة «وضعه»: خبر للمبتدا (بخله) محلها الرفع.
والشاهد فيه: على رواية جر (مقرف) الفصل بين (كم) ومميزها (مقرف) مجرورا على الإضافة، وذلك ضرورة، والمقيس كما يقول المبرد نصب التمييز، في هذه الحالة، والجدير بالذكر أن (مقرف) رويت بالنصب، والجر، والرفع، ولكل رواية توجيهها الإعرابي في شروح الشواهد النحوية كخزانة الأدب مثلا.
[277] التخريج: البيت للفرزدق في خزانة الأدب 6/ 476وشرح المفصل 4/ 132والكتاب 2/ 168والمقاصد النحوية 4/ 492وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 469وشرح المفصل 4/ 130 واللمع ص 229.
اللغة: الدسيعة: العطيّة، أو الجفنة. نفاع: صيغة مبالغة من النفع.
المعنى: كثر هم السادة في بني بكر بن سعد، الكرماء الأسخياء الشرفاء.
الإعراب: «كم»: اسم كناية في محلّ رفع مبتدأ. «في بني»: جار ومجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، متعلّقان بخبر (كم) المحذوف. «سعد»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «بن»: صفة (سعد) مجرورة بالكسرة. «بكر»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «سيد»: مضاف إليه مجرور بالكسرة (تمييز كم).
«ضخم»: صفة مجرورة بالكسرة. «الدسيعة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «ماجد»: صفة مجرورة بالكسرة. نفاع: صفة ثانية مجروة بالكسرة.
والشاهد فيه قوله: «كم في بني بكر بن سعد سيّد» حيث فصل بين «كم» الخبرية وبين تمييزها «سيد» بالجار والمجرور «في بني سعد بن بكر».
[278] التخريج: البيت للأشهب بن رميلة في شرح أبيات سيبويه 1/ 575وبلا نسبة في الكتاب 2/ 166.
اللغة: الكميّ: المحارب الكامل السلاح. الياسر: الداخل في الميسر لكرمه وسماحته. والهضوم:
الذي يهضم ماله للصديق وللجار وللسائل.
المعنى: كثيرا ما أفقدني الموت رجالا هذه صفاتهم.
الإعراب: كم: خبرية اسم مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ وهو مضاف. قد: حرف تحقيق.
فاتني: فعل ماض مبني على الفتح، والنون للوقاية والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.
وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. بطل: مضاف إليه مجرور. كميّ: نعت مجرور. وياسر: حرف عطف، واسم معطوف مجرور، وهو مضاف. فتية: مضاف إليه مجرور. سمح: نعت «ياسر» مجرور.
هضوم: نعت ثان مجرور.(3/53)
ولا يجوز أن تفصل بين الخافض والمخفوض في الضرورة إلّا بحشو كالظروف وما أشبهها ممّا لا يعمل فيه الخافض كما تقول: «إنّ اليوم زيدا منطلق». ولو كان مكان «اليوم» ما تعمل فيه «إنّ» لم يقع إلى جانبها إلّا معمولا فيه. ولولا أنّ هذه القوافي مخفوضة، لاختير في هذين البيتين الرفع، وتوقع «كم» على مرار من الدهر، فتكون «كم» ظرفا منصوبا لأنّ «كم» اسم للعدد، فهي واقعة على كلّ معدود.
وتقول: «كم رجلا جاءك»؟ فإنّما تسأل بها عن عدد الرجال.
وتقول: «كم يوما لقيت زيدا»؟ فتنصبها لأنّها واقعة على عدد الأيّام و «اللقاء» العامل فيها، فكذا كلّ مبهم.
ولو قلت: «كم يوما لقيت فيه زيدا»؟ لكانت «كم» في موضع رفع، كأنّك قلت:
أعشرون يوما لقيت فيها زيدا؟ إلّا أنّ «كم» في هذا الموضع استفهام. فهي في أنّها اسم وأنّها الحرف المستفهم به بمنزلة «من»، و «ما»، و «أين»، و «متى»، و «كيف» وإن كانت المعاني مختلفة لأنّ «من» إنّما هي لما يعقل خاصّة حيث وقعت: من خبر، أو استفهام، أو جزاء، أو نكرة.
و «ما» لذات غير الآدميّين، ولصفات الآدميّين.
و «أين» للمكان، و «متى» للزمان، و «كيف» للحال، و «كم» للعدد، فهي داخلة على جميع هذا إذا سألت عن عدد نوع منها نحو: «كم مكانا قمت»؟ و «كم يوما صمت»؟
و «كم حالا تصرّفت عليها»؟ ونحو ذلك.
* * * وجملة «كم قد فاتني»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «فاتني»: في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: «كم قد فاتني بطل» حيث فصل بين «كم» وتمييزها بالجملة «قد فاتني». ويروى البيت برفع «بطل»، وفي هذه الرواية كما أثبتها سيبويه لا شاهد على هذا الفصل، وإنما الشاهد فيه وقوع «كم» ظرفا لتكثير المرار.
ملاحظة: قال الشيخ عبد الخالق عضيمة (المقتضب 3/ 62): «ضبط في نسخة سيبويه المطبوعة برفع «بطل» وصفته وما عطف عليه، والصواب كسرها، فإنّ القوافي مجرورة كما يقول المبرد».
ولكن أثبت السيرافي في كتابه «شرح أبيات سيبويه» هذا البيت مع بيت آخر مضموم الرويّ، كما أثبته محقق هذا الكتاب ضمن مقطوعه مضمومة الرويّ.(3/54)
هذا باب مسائل «كم» في الخبر والاستفهام
تقول: «كم ثلاثة ستّة إلّا ثلاثتان»؟ نصبت ثلاثة لأنّها تمييز، و «ستّة» خبر «كم»، و «ثلاثتان» بدل من «كم».
فالتقدير: أيّ شيء من العدد ستّة إلّا ثلاثتان؟
ولو قلت: «كم لك درهم»؟ وأنت تريد: كم دانقا درهم؟ لم يكن «الدرهم» إلّا رفعا، ولم ترد به إلّا واحدا.
ولو قلت: «كم لك درهما»؟ لكان «لك» خبرا، وكان «الدرهم» في موضع جماعة، لأنّك تريد: «كم من درهم لك»؟
وتقول: «كم دنانير عندك»؟ ولا يجوز النصب في تمييزها بجماعة كما لا تقول: «إلّا عشرون درهما»، ولا يجوز «عشرون دراهم».
فإن ذكرت «كم» التي تقع في الخبر، جاز أن تقول: «كم غلمان قد رأيت»، و «كم أثواب قد لبست» لأنّها بمنزلة ثلاثة أثواب، ونحوه من العدد، ولأنّها مضارعة «ربّ» وهما يقعان على الجماعة، ووقوعها على الواحد في معنى الجماعة لمضارعتها «ربّ»، وتشبه من العدد «مائة درهم»، و «ألف درهم».
* * * واعلم أنّ «كم» لابدّ لها من الخبر، لأنّها اسم فهي مخالفة ل «ربّ» في هذا، موافقة لها في المعنى. تقول: «كم رجل قد رأيت أفضل منك»، و «ربّ» إنّما تضيف بها إلى ما وقعت عليه ما بعده نحو: «ربّ رجل في الدار»، و «ربّ رجل قد كلّمته». فهذا معناها.
* * *
ولو قلت: «كم رجل قد أتاني لا رجل، ولا رجلان»، كان جيّدا، لأنّك تعطف على «كم»، ولا يجوز مثل هذا في باب «ربّ» لأنّها حرف فأمّا قوله [من الكامل]:(3/55)
* * *
ولو قلت: «كم رجل قد أتاني لا رجل، ولا رجلان»، كان جيّدا، لأنّك تعطف على «كم»، ولا يجوز مثل هذا في باب «ربّ» لأنّها حرف فأمّا قوله [من الكامل]:
[279] إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك وربّ قتل عار
فعلى إضمار «هو» لا يكون إلّا على ذلك. فهذا إنشاد بعضهم، وأكثرهم ينشده:
وبعض قتل عار
فأمّا قوله: «كم من رجل قد رأيته»؟ فتدخل «من» وأنت لا تقول: «عشرون من رجل» فإنّما ذلك لأنّ «كم» استفهام، والاستفهام يدخل فيما وقع عليه «من» توكيدا وإعلاما أنّه واحد في معنى الجميع، وذلك: «هل أتاك من أحد»؟ كما تقول في المنفيّ: «ما أتاني من رجل». ولو قلت: «ما أتاني رجل»، و «هل أتاني رجل»، لجاز أن تعني واحدا والدليل على ذلك وقوع المعرفة في هذا الموضع، نحو: «ما أتاني زيد»، و «هل أتاك زيد»؟
ومعنى قولك: «عشرون درهما»: إنّما هو عشرون من الدراهم لأنّ «عشرون» وما أشبهه اسم عدد.
[279] التخريج: البيت لثابت بن قطنة في ديوانه ص 49والحماسة الشجرية 1/ 330وخزانة الأدب 9/ 565، 576، 577والدرر 2/ 12وشرح شواهد المغني 1/ 89، 393والشعر والشعراء 2/ 635وبلا نسبة في الأزهيّة ص 260وتلخيص الشواهد ص 160والجنى الداني ص 439وجواهر الأدب ص 205، 365وخزانة الأدب 9/ 79وشرح التصريح 2/ 112ومغني اللبيب 1/ 27، 134، 2/ 503والمقرب 1/ 220وهمع الهوامع 1/ 97، 2/ 25.
المعنى: يقول الشاعر لمن يرثيه بهذا البيت: إنّ قتلهم لك ليس عارا عليك لما عرف عنك من كريم السجايا، وقد يكون القتل عارا على المقتول في كثير من الأحيان.
الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يقتلوك: فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة فاعل، و «الكاف»: مفعول به. فإنّ: «الفاء»: رابطة لجواب الشرط، «إن»: حرف مشبه بالفعل. قتلك: اسم (إن) منصوب، و «الكاف»: مضاف إليه. لم: حرف نفي وقلب وجزم. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم ب «لم»، واسم «يكن» مستتر جوازا تقديره: (هو). عارا: خبر (يكن) منصوب. عليك: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (عارا). ورب: «الواو»: استئنافية، «رب»: حرف جر شبيه بالزائد. قتل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. عار: خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو).
وجملة «إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يقتلوك»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «إن قتلك لم يكن»: جواب شرط جازم مقترن بالفاء محلها الجزم، وجملة «لم يكن عارا»: خبر (إن) محلها الرفع. وجملة «ربّ قتل عار»: استئنافية. وجملة «هو عار»: خبر للمبتدأ (قتل) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أنّ (عار) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو)، وليس خبرا ل (رب) لأنها حرف، وليست اسما بمعنى (بعض) خلافا للكوفيين.(3/56)
فإذا قلت: «هذا العدد»، فمعناه: من ذا النوع.
فلمّا قلت: «درهما»، جئت بواحد يدلّ على النوع، لاستغنائك عن ذكر العدد، فلمّا اجتمع في «كم» الاستفهام وأنّها تقع سؤالا عن واحد كما تقع سؤالا عن جمع، ولا تخصّ عددا دون عدد لإبهامها، ولأنّها لو خصّت، لم تكن استفهاما لأنّها كانت تكون معلومة عند السائل، دخلت «من» على الأصل، ودخلت في التي هي خبر لأنّها في العدد والإبهام كهذه.
واعلم أنّ كلّ تمييز ليس فيه ذكر للمقصود فإنّ «من» لا تدخله إذا كان مفردا لأنّك لو أدخلتها، لوجب الجمع وذلك قولك: «عشرون درهما»، و «مائة درهم»، و «كلّ رجل جاءني فله درهم»، و «هو خير منك عبدا»، و «أفره منك دابّة»، و «عندي ملء قدح عسلا»، و «على التمرة مثلها زبدا».
فإن كان فيها ذكر الأوّل دخلت «من» في المخصوص، فقلت: «ويحه رجلا»، و «ويحه من رجل» و «لله درّه فارسا»، و «من فارس»، و «حسبك به رجلا»، و «من رجل».
ولا يكون هذا في المضمر الذي يقدّم على شريطة التفسير، لأنّه مجمل، نحو: «ربّه رجلا قد رأيته»، و «نعم رجلا عبد الله»، وقد مضى بابها مفسّرا.
* * *
هذا باب الأفعال التي تسمّى أفعال المقاربة وهي مختلفة المذاهب والتقدير، مجتمعة في المقاربة(3/57)
* * *
هذا باب الأفعال التي تسمّى أفعال المقاربة وهي مختلفة المذاهب والتقدير، مجتمعة في المقاربة
فمن تلك الأفعال «عسى» وهي لمقاربة الفعل، وقد تكون إيجابا، ونحن نذكر بعد فراغنا منها شيئا إن شاء الله.
اعلم «أنّه» لابدّ لها من فاعل لأنّه لا يكون فعل إلّا وله فاعل. وخبرها مصدر لأنّها لمقاربته. والمصدر اسم الفعل. وذلك قولك: «عسى زيد أن ينطلق»، و «عسيت أن أقوم»، أي: دنوت من ذلك، وقاربته بالنيّة. و «أن أقوم» في معنى القيام.
ولا تقل: «عسيت القيام»، وإنّما ذلك لأنّ «القيام» مصدر، لا دليل فيه يخصّ وقتا من وقت، و «أن أقوم» مصدر ل «قيام» لم يقع فمن ثمّ لم يقع «القيام» بعدها، ووقع المستقبل. قال الله عزّ وجلّ: {فَعَسَى اللََّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} (1)، وقال: {فَعَسى ََ أُولََئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (2).
ولو احتاج شاعر إلى الفعل، فوضعه في موضع المصدر، جاز لأنّه دالّ عليه. فمن ذلك قوله [من الطويل]:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرّباب سكوب [3]
__________
(1) المائدة: 52.
(2) التوبة: 18.
[3] تقدّم بالرقم 268.(3/58)
وقال الآخر [من الوافر]:
[280] عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
وأمّا قولهم في المثل: «عسى الغوير أبؤسا» [1] فإنّما كان التقدير: عسى الغوير أن يكون أبؤسا لأنّ «عسى» إنّما خبرها الفعل مع «أن» أو الفعل مجرّدا، ولكن لمّا وضع القائل الاسم في موضع الفعل كان حقّه النصب لأنّ «عسى» فعل، واسمها فاعلها، وخبرها مفعولها ألا ترى أنّك تقول: «كان زيد ينطلق»، فموضعه نصب. فإن قلت: «منطلقا»، لم يكن إلّا نصبا.
فأمّا قولهم: «عسى أن يقوم زيد»، و «عسى أن يقوم أبواك»، و «عسى أن تقوم
[280] التخريج: البيت لهدبة بن خشرم في خزانة الأدب 9/ 328وشرح أبيات سيبويه 1/ 142 والدرر 2/ 145وشرح التصريح 1/ 206وشرح شواهد الإيضاح ص 97وشرح شواهد المغني ص 443والكتاب 3/ 159واللمع ص 225والمقاصد النحوية 2/ 184وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص 128وتخليص الشواهد ص 326وخزانة الأدب 9/ 316والجنى الداني ص 462وشرح ابن عقيل ص 165وشرح عمدة الحافظ ص 816والمقرب 1/ 98وشرح المفصل 7/ 117، 121ومغني اللبيب ص 152وهمع الهوامع 1/ 130.
اللغة: الكرب: الهم والغم.
الإعراب: «عسى»: فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. «الكرب»: اسم «عسى» مرفوع. «الذي»:
اسم موصول مبني في محلّ نعت «الكرب». «أمسيت»: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محل رفع اسم «أمسى». «فيه»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «أمسى». «يكون»: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «وراءه»: ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فرج»: مبتدأ مؤخّر. «قريب»: نعت «فرج» مرفوع.
وجملة «عسى الكرب»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أمسيت فيه»: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة «وراءه فرج»: في محل نصب خبر «يكون». وجملة «يكون»: في محل نصب خبر «عسى».
الشاهد فيه قوله: «يكون وراءه فرج قريب» حيث وقع خبر «عسى» فعلا مضارعا مجرّدا من «أن» المصدريّة وهذا قليل.
[1] ورد المثل في جمهرة الأمثال 2/ 50وجمهرة اللغة ص 783وخزانة الأدب 5/ 364، 365، 8/ 386، 9/ 316، 320، 328وزهر الأكم 1/ 210والعقد الفريد 3/ 117وفصل المقال ص 424وكتاب الأمثال ص 300ولسان العرب 1/ 52 (جيأ)، 5/ 38 (غور)، 6/ 23 (بأس)، 15/ 55 (عسا) والمستقصى 2/ 161ومجمع الأمثال 2/ 17.
الغوير: تصغير غار. والأبؤس: جمع بؤس، وهو الشّدّة. والمثل قالته الزّبّاء عند ما علمت برجوع قصير من العراق، ومعه الرجال، وبات بالغوير على طريقه. ومعناه: لعلّ الشرّ يأتيكم من قبل الغار.(3/59)
جواريك» فقولك: «أن يقوم» رفع لأنّه فاعل «عسى». ف «عسى» فعل، ومجازها ما ذكرت لك.
* * * فأمّا قول سيبويه: إنّها تقع في بعض المواضع بمنزلة «لعلّ» مع المضمر فتقول:
«عساك» و «عساني» فهو غلط منه لأنّ الأفعال لا تعمل في المضمر إلّا كما تعمل في المظهر.
فأمّا قوله [من الرجز]:
[281] تقول بنتي: قد أنى إناكا ... يا أبتي علّك أو عساكا
[281] التخريج: الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص 181وخزانة الأدب 5/ 362، 367، 368 وشرح أبيات سيبويه 2/ 164وشرح شواهد المغني 1/ 433وشرح المفصل 2/ 90، 7/ 123والكتاب 2/ 375والمقاصد النحوية 4/ 252وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 336والجنى الداني ص 446، 470والخصائص 2/ 96والدرر 2/ 159ورصف المباني ص 29، 249، 355وسرّ صناعة الإعراب 1/ 406، 2/ 493، 502وشرح الأشموني 1/ 133، 2/ 458وشرح المفصّل 2/ 12، 3/ 118، 120، 8/ 87، 9/ 33واللامات ص 135ولسان العرب 14/ 349 (روي) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 130ومغني اللبيب 1/ 151، 2/ 699وهمع الهوامع 1/ 132.
اللغة: أنى: اقترب. إناك: وقتك.
المعنى: لعلّك يا أبتي تفرح، أو عساك تنجح.
الإعراب: «تقول»: فعل مضارع مرفوع. «بنتي»: فاعل مرفوع بضمة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «قد»: حرف تحقيق. «أنى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. «إناكا»: فاعل مرفوع بضمة مقدّرة على الألف، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جرّ بالإضافة، والألف: للإطلاق. «يا»: حرف نداء. «أبتي»: منادى مضاف منصوب بالفتحة، والتاء: عوض عن الياء التي هي ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة (يا أبي). «علّك»: حرف مشبّه بالفعل، و «الكاف»:
ضمير متصل في محلّ نصب اسمها، وخبرها محذوف تقديره (علّك مرتاح). «أو»: حرف عطف.
«عساكا»: فعل ماض ناقص، والكاف: ضمير متصل في محلّ رفع اسمها، وخبرها محذوف تقديره (عساك مرتاحا).
وجملة «تقول»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أنى إناك»: في محل نصب مفعول به (مقول القول).
وجملة «يا أبتي علّك»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «عساك»: معطوفة عليها لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «عساك» حيث أعمل (عسى) في المضمر، وأضمر خبرها لعلم السامع به.(3/60)
وقال الآخر [من الوافر]:
[282] ولي نفس أقول لها إذا ما ... تخالفني: لعلّي أو عساني
فأمّا تقديره عندنا: أنّ المفعول مقدّم، والفاعل مضمر، كأنّه قال: «عساك الخير أو الشرّ»، وكذلك: «عساني الحديث»، ولكنّه حذف لعلم المخاطب به، وجعل الخبر اسما على قولهم: «عسى الغوير أبؤسا»
* * * وكذلك قول الأخفش: وافق ضمير الخفض ضمير الرفع في «لولاي»، فليس هذا القول بشيء، ولا قوله: «أنا كأنت»، ولا «أنت كأنا» بشيء، ولا يجوز هذا، إنّما يتّفق ضمير النصب، وضمير الخفض كاستوائهما في التثنية والجمع، وفي حمل المخفوض الذي لا يجري على لفظ النصب مثل قولك: «مررت بعمر»، استوى فيه الخفض، والنصب،
[282] التخريج: البيت لعمران بن حطان في تذكرة النحاة ص 440وخزانة الأدب 5/ 337، 349وشرح أبيات سيبويه 1/ 524وشرح التصريح 1/ 213وشرح المفصل 3/ 120، 7/ 123 والكتاب 2/ 375والمقاصد النحوية 2/ 229وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 495والجنى الداني ص 466والخزانة 5/ 363والخصائص 3/ 5ورصف المباني ص 349وشرح المفصل 3/ 10، 118والمقرب 1/ 101.
اللغة: تخالفني: تخاصمني، أو تزيّن لي الدنيا ومحبّتها والخوف من الموت. لعلّي أو عساني: أي لعلّي أبلغ الهدف، أو أموت فأنال الشهادة في الحرب.
الإعراب: «ولي»: جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف. «نفس»: مبتدأ مؤخّر مرفوع.
«أقول»: فعل مضارع، وفاعله وجوبا «أنا». «لها»: جار ومجرور متعلّقان ب «أقول». «إذا»: ظرف متعلّق بالفعل «تخالفني». «ما»: زائدة. «تخالفني»: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير: «هي». «لعلّي»: حرف مشبّه بالفعل، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «لعلّ»، وخبره محذوف تقديره: «لعلّي أتورّط في» مثلا. «أو»: حرف عطف. «عساني»: حرف بمعنى «لعلّ»، والنون للوقاية، والياء: ضمير في محل نصب اسم «عسى». وخبره محذوف تقديره: «عساني أن أموت في».
وجملة «لي نفس»: بحسب ما قبلها. وجملة «تخالفني»: في محل رفع نعت «نفس». وجملة «أقول»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «لعلي»: في محل نصب مفعول به. وجملة «عساني»: معطوفة على جملة «لعلي».
الشاهد فيه قوله: «عساني» حيث وردت بمعنى «لعلّ»، وعاملة عملها، واسمها الضمير المتّصل بها.
ويروى البيت:
ولي نفس تنازعني إذا ما ... أقول لها: لعلّي أو عساني(3/61)
وأدخلت الخفض على النصب، كما أدخلت النصب على الخفض، فهذان متواخيان. والرفع بائن منهما.
وأمّا «لولا» فنذكر أمرها في بابها إن شاء الله.
* * * ومن هذه الحروف «لعلّ»، تقول: «لعلّ زيدا يقوم»، و «لعلّ» حرف جاء لمعنى مشبّه بالفعل، كأنّ معناه التوقّع لمحبوب أو مكروه.
وأصله «علّ» واللام زائدة، فإذا قلت: «لعلّ زيدا يأتينا بخير»، و «لعلّ عمرا يزورنا»، فإنّما مجاز هذا الكلام من القائل، أنّه لا يأمن أن يكون هذا كذا.
والخبر يكون اسما لأنّها بمنزلة «إنّ»، ويكون فعلا، وظرفا كما يكون في «إنّ»، تقول: «لعلّ زيدا صديق لك»، و «لعلّ زيدا في الدار»، و «لعلّ زيدا إن أتيته أعطاك».
إذا ذكرت الفعل فهو بغير «أن» أحسن لأنّه خبر ابتداء، وقال الله عزّ وجلّ: {لَعَلَّ اللََّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذََلِكَ أَمْراً} (1) وقال: {فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} (2).
فإن قال قائل في الشعر: «لعلّ زيدا أن يقوم»، جاز لأنّ المصدر يدلّ على الفعل، فمجاز المصدر هاهنا كمجاز الفعل في باب «عسى». قال الشاعر [من الطويل]:
[283] لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة ... عليك من اللّائي يدعنك أجدعا
* * *
ومن هذه الحروف «كاد»، وهي للمقاربة، وهي فعل تقول: «كاد العروس يكون أميرا»، و «كاد النّعام يطير».
__________
(1) الطلاق: 1.
(2) طه: 44.
[283] التخريج: البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص 119وخزانة الأدب 5/ 345، 346وشرح شواهد المغني 2/ 567، 695ولسان العرب 11/ 474 (علل) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 191 وشرح المفصل 8/ 86.
اللغة: تلم، تصيب أو تنزل. الأجدع: مقطوع الأنف والأذن.
المعنى: لا تشمت بموت أخي، فقد تحل بك داهية، تضعفك وتذلك.
الإعراب: لعلك: «لعل»: حرف مشبه بالفعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب اسمها. يوما:
ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل «تلم». أن تلم: «أن»: حرف نصب، «تلم»: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ملمة: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. عليك: جار ومجرور متعلقان بالفعل تلم. من اللائي: «من»: حرف جر، و «اللائي» اسم موصول في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة ل (ملمة). يدعنك: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون(3/62)
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {إِذََا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرََاهََا} (1) فمعناه والله أعلم لم يرها، ولم يكد، أي: لم يدن من رؤيتها. وكذلك: {مِنْ بَعْدِ مََا كََادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} (2). فلا تذكر خبرها إلّا فعلا، لأنّها لمقاربة الفعل في ذاته.
فهي بمنزلة قولك: «جعل يقول»، و «أخذ يقول»، و «كرب يقول»، إلّا أن يضطرّ شاعر، فإن اضطرّ، جاز له فيها ما جاز في «لعلّ». قال الشاعر [من الرجز]:
[284] [ربع عفا من بعد ما قد انمحى] ... قد كاد من طول البلى أن يمصحا
النسوة، والنون: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
أجدعا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة «لعلك يوما أن تلم»: ابتدائية لا محلّ لها. والمصدر المؤول من «أن تلم ملمة»: في محلّ رفع خبر لعل. وجملة «يدعنك»: صلة موصول لا محلّ لها، وكذلك جملة (تلم).
والشاهد فيه قوله: «لعلك يوما أن تلم ملمة» فقد جاء خبر «لعل» مصدرا مؤولا تشبيها ب «عسى» وهذا ما يميزها عن أخواتها.
__________
(1) النور: 40.
(2) التوبة: 117.
[284] التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص 172والدرر 2/ 142وشرح شواهد الإيضاح ص 99وشرح المفصل 7/ 121ولسان العرب 4/ 383 (كود) والمقاصد النحوية 2/ 215وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 419وأسرار العربية ص 15وتخليص الشواهد ص 329ولسان العرب 2/ 598 (مصح) وهمع الهوامع 1/ 130.
اللغة: عفا: زال وانمحى. يمصح: يذهب، ويدرس.
المعنى: وصف منزلا بأنه يكاد يذهب، ويدرس لقدمه.
الإعراب: «ربع»: مبتدأ مرفوع بالضمّة. «عفا»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف، وفاعله ضمير مستتر تقديره «هو». «من بعد»: جار ومجرور متعلقان بالفعل «عفا». «ما»: مصدرية. «قد»:
حرف تحقيق. «انمحى»: فعل ماض مبنى على الفتح المقدّر على الألف، وفاعله ضمير مستتر قديره «هو»، والمصدر المؤول من (ما قد انمحى) في محلّ جر مضاف إليه بتقدير «من بعد انمحائه». «قد»: حرف تحقيق. «كاد»: فعل ماض ناقص مبني على الفتح، واسمه مستتر جوازا تقديره: هو، يعود على المنزل الذي يصفه الشاعر. «من طول»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (يمصح). «البلى»: مضاف اليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر. «أن»: حرف مصدري وناصب. «يمصح»: فعل مضارع منصوب، وفاعله مستتر جوازا تقديره هو يعود على المنزل أيضا، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يمصح) منصوب على أنه خبر (كاد).
وجملة «ربع عفا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «عفا»: في محل رفع خبر «ربع». وجملة «كاد أن يمصح»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه: دخول (أن) بعد (كاد) ضرورة عند سيبويه، والمستعمل في الكلام إسقاطها، وإنما دخلت في الضرورة تشبيها ل (كاد) ب (عسى) كما سقطت من (عسى) تشبيها لها ب (كاد) لاشتراكهما في معنى المقاربة.(3/63)
هذا باب المبتدأ المحذوف الخبر استغناء عنه وهو باب «لولا»
اعلم أنّ الاسم الذي بعد «لولا» يرتفع بالابتداء، وخبره محذوف لما يدلّ عليه. وذلك قولك: «لولا عبد الله لأكرمتك». ف «عبد الله» ارتفع بالابتداء، وخبره محذوف. والتقدير لولا عبد الله بالحضرة، أو لسبب كذا، لأكرمتك.
فقولك: «لأكرمتك»، خبر معلّق بحديث «لولا».
و «لولا» حرف يوجب امتناع الفعل لوقوع اسم.
وتقول: «لولا زيد لكان كذا وكذا». فقوله: «لكان كذا وكذا»، إنّما هو لشيء لم يكن من أجل ما قبله.
و «لولا» إنّما هي «لو» و «لا»، جعلتا شيئا واحدا، وأوقعتا على هذا المعنى.
فإن حذفت «لا» من قولك: «لولا»، انقلب المعنى، فصار الشيء في «لو» يجب لوقوع ما قبله. وذلك قولك: «لو جاءني زيد لأعطيتك»، و «لو كان زيد لحرمك».
ف «لولا» في الأصل لا تقع إلّا على اسم. و «لو» لا تقع إلّا على فعل. فإن قدمت الاسم قبل الفعل فيها، كان على فعل مضمر، وذلك كقوله عزّ وجلّ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزََائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} (1). إنّما «أنتم» رفع بفعل يفسّره ما بعده. وكذلك [من الطويل]:
[285] فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
__________
(1) الإسراء: 100.
[285] التخريج: البيت للمتلمس. في ديوانه ص 29والأصمعيات ص 245وخزانة الأدب 10/ 59واللامات ص 128وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 490ولسان العرب 7/ 101 (نقص)، 12/ 636 (وسم).(3/64)
ومثل ذلك قول العرب: «لو ذات سوار لطمتني» [1] إنّما أراد: لو لطمتني ذات سوار، والصحيح من روايتهم: «لو غير ذات سوار لطمتني» وفيه خبر لحاتم.
وقال الشاعر [من الكامل]:
[286] لو غيركم علق الزّبير بحبله ... أدّى الجوار إلى بني العوّام
ف «غيركم» يختار فيها النصب لأنّ سببها في موضع نصب. وقولهم: «لو أنّك جئت لأكرمتك»، وقد مرّ تفسيره في باب «إنّ» و «أنّ».
* * * اللغة: العرانين جمع عرنين، وهو أول الأنف. والميسم: اسم الآلة التي يوسم بها، ولعل المقصود هنا الوسم نفسه.
المعنى: يقول لو كان الذين يرغبون في الإساءة إليّ غير أخوالي لهجوتهم هجاء يلزمهم لزوم الوسم للأنف.
الإعراب: فلو: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «لو»: حرف شرط غير جازم. غير: فاعل لفعل محذوف.
أخوالي: مضاف إليه، و «ياء»: المتكلم مضاف إليه. أرادوا: فعل ماض، و «واو»: الجماعة فاعل، و «الألف»:
للتفريق. نقيصتي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه. جعلت:
فعل ماض، و «التاء»: فاعل. لهم: جار ومجرور متعلقان بحال من (ميسما). فوق: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق ب (جعلت). العرانين: مضاف إليه. ميسما: مفعول به للفعل (جعلت).
وجملة «لو أراد غير أخوالي جعلت»: بحسب الفاء، وجملة «أراد غير أخوالي»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. جملة «أرادوا»: تفسيرية لا محل لها. وجملة «جعلت»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (لو) لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، لذا جعل (غير) في قوله (لو غير أخوالي) فاعلا لفعل محذوف.
[1] هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال 2/ 193وزهر الأكم 1/ 77والعقد الفريد 3/ 129وفصل المقال ص 381وكتاب الأمثال ص 268ولسان العرب 12/ 543 (لطم) والمستقصى 2/ 297ومجمع الأمثال 2/ 174. أي: لو لطمتني حرّة، فجعل السّوار علامة للحرية، لأنّ العرب قلّما تلبس الإماء السّوار. يقول: لو لطمتني حرّة ذات حليّ لاحتملت، ولكن لطمتني أمة عاطل. وأصله: أنّ امرأة شريفة منيت بذلك، وقيل: أصله: أنّ امرأة لطمت رجلا فنظر إليها، فإذا هي رثّة الهيئة عاطل، فقال هذا القول.
يقوله كريم يظلمه دنيّ، فلا يقدر على احتمال ظلمه.
[286] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 992وخزانة الأدب 5/ 432، 434والدرر 5/ 98 وشرح شواهد المغني 2/ 657وبلا نسبة في اللامات ص 128.(3/65)
اللغة: علق: أمسك أو نشب. الحبل: الأمان والذمة والعهد. أدى: قضى الأمر وقام به. الجوار:
الحماية، فمن أعطى الجوار عليه بحماية طالبه.
المعنى: لو أن غيركم من طلب الزبير جواره وحمايته، لقام بواجبه تجاهه، وحماه مع أهله من بني العوام.
الإعراب: لو: حرف امتناع لامتناع. غيركم: مفعول به منصوب لفعل محذوف تقديره علق، و «كم»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. علق: فعل ماض مبني على الفتح. الزبير: فاعل مرفوع بالضمة. بحبله: جار ومجرور متعلقان بالفعل علق، والهاء: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. أدى:
فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الجوار:
مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. إلى بني: «إلى»: حرف جر، و «بني»: اسم مجرور ب «إلى» وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل أدى. العوام:
مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
وجملة «لو علق غيركم أدّى»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «علق الزبير بحبله»: تفسيرية لا محلّ لها.
وجملة «أدى الجوار»: جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «علق غيركم»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «لو غيركم» فقد جاء (غيركم) بعد لو، منصوبا بفعل محذوف، لأن لولا يليها إلا فعل ظاهر أو محذوف على مذهب البصريين.(3/66)
هذا باب المقصور والممدود
فأمّا المقصور فكلّ واو أو ياء وقعت بعد فتحة. وذلك نحو: «مغزى» لأنّه «مفعل».
فلمّا كانت الواو بعد فتحة، وكانت في موضع حركة، انقلبت ألفا كما تقول: «غزا»، و «رمى» فتقلب «الواو» و «الياء» ألفا، ولا تنقلب واحدة منهما في هذا الموضع إلّا والفتح قبلها إذا كانت في موضع حركة.
فإن كانت ساكنة الأصل وقبلها فتحة، لم تنقلب، وذلك نحو: «قول»، و «بيع»، ولا تنقلب ألفا لأجل سكونها.
فإذا أردت أن تعرف المقصور من الممدود، فانظر إلى نظير الحرف من غير المعتلّ.
فإن كان آخره متحركا قبله فتحة، علمت أنّ نظيره مقصور. فمن ذلك: «معطى»، و «مغزى» لأنّه «مفعل». فهو بمنزلة: «مخرج» و «مكرم»، وكذلك: «مستعطى»، و «مستغزى» لأنّه بمنزلة: «مستخرج». فعلى هذا فقس جميع ما ورد عليك.
* * * ومن المقصور أن ترى الفعل على «فعل يفعل»، والفاعل على «فعل»، وذلك قولك:
«فرق يفرق فرقا»، و «حذر يحذر حذرا»، و «بطر يبطر بطرا»، و «هو بطر»، و «حذر».
ونظير هذا من المعتلّ: «هوي يهوى هوى» لأنّ المصدر يقع على «فعل» ألا ترى أنّك تقول: «الفرق»، و «الحذر»، و «البطر». وهو بمنزلة: «هوى يهوى»، وهو «هو»، و «طوي [1] يطوى طوى»، وهو «طو».
وما كان مصدرا ل «فعل يفعل» الذي الاسم منه «أفعل» أو «فعلان»، فهو كذلك.
[1] طوي: خمص من الجوع. (لسان العرب 15/ 20 (طوي)).(3/67)
أمّا ما كان الاسم منه «أفعل»، فهو «أعمى» لأنّك تقول: «عمي الرجل فهو أعمى»، و «العشى» [1] لأنّك تقول: «عشي الرجل» وهو «أعشى»، وكذلك: «القنا» من «قنا الأنف»، لأنّ الرجل «أقنى».
وأمّا «فعلان»، فنحو «الصدى»، و «الطوى» لأنّك تقول: «صدي الرجل فهو صديان»، و «طوي فهو طيّان». فنظير ذلك: «عطش فهو عطشان»، والمصدر هو «العطش»، و «ظمىء فهو ظمآن» والمصدر «الظّمأ»، و «عله فهو علهان». والمصدر «العله» [2].
ونظير الأوّل: «عور فهو أعور»، والمصدر «العور»، وكذلك «الحول»، و «الشّتر» [3]، و «الصّلع»، ونحو ذلك.
* * * ومن المقصور كلّ اسم جمعه «أفعال» ممّا أوّله مفتوح، أو مضموم، أو مكسور وذلك نحو قولك: «أقفاء»، و «أرجاء يا فتى» لأنّ الجمع إذا كان على «أفعال»، وجب أن يكون واحده من المفتوح على «فعل» نحو: «جمل» و «أجمال»، و «قتب» و «أقتاب»، و «صنم» و «أصنام».
فإن كان مكسورا، فنحو قولك في «معى»: «أمعاء» لأنّه بمنزلة: «ضلع» و «أضلاع». وقد وجب أن يكون واحد «الأمعاء» «معى» مقصورا.
فأمّا «ندى»، فهو «فعل»، وجمعه الصحيح «أنداء» فاعلم وعلى ذلك قال الشاعر [من الطويل]:
[287] إذا سقط الأنداء صينت، وأشعرت ... حبيرا ولم تدرج عليها المعاوز
[1] العشى: سوء البصر بالليل والنهار. (لسان العرب 15/ 56 (عشا)).
[2] العله: الحزن. (لسان العرب 13/ 519 (عله)).
[3] الشّتر: انقلاب في جفن العين قلّما يكون خلقة. (لسان العرب 4/ 393 (شتر)).
[287] التخريج: البيت للشماخ في ديوانه ص 193ولسان العرب 4/ 159 (حبر) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 818.
اللغة: الأنداء: جمع مفرده: الندى. صينت: حفظت. والحبير: الثوب الجديد الناعم. أشعرت:
غطّيت والمعاوز: الثياب التي يتبذّل فيها الرجل، وهي دون الثياب الجديدة التي يتجمّل بها.(3/68)
فأمّا قول مرّة بن محكان [من البسيط]:
[288] في ليلة من جمادى ذات أندية ... ما يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا
فقد قيل في تفسيره قولان:
قال بعضهم: هو جمع على غير واحد، مجازه مجاز الاسم الموضوع على غير الجمع، نحو: «ملامح»، و «مذاكير»، و «ليال» لأنّ «ليلة»: «فعلة»، ولا تجمع على «ليال»، و «لمحة» و «ذكر» لا يجمعان على «مفاعل» و «مفاعيل».
المعنى: يصف قوسا كريمة فيقول: إن هذه القوس تغطى بالثياب النفيسة إذا سقطت الأنداء خوفا عليها أن تفسد أوتارها.
الإعراب: إذا: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية، متعلق بجوابه.
سقط: فعل ماض. الأنداء: فاعل. صينت: فعل ماض مبني للمجهول، و «التاء»: للتأنيث، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). وأشعرت: «الواو»: حرف عطف، «أشعرت»: مثل «صينت». حبيرا: مفعول به، أو منصوب بنزع الخافض. ولم: «الواو»: حرف عطف، «لم»: حرف نفي وقلب وجزم. تدرج: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم ب (لم). عليها: جار ومجرور متعلقان بالفعل (تدرج). المعاوز: نائب فاعل.
وجملة «إذا سقط الأنداء صينت»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «سقط الأنداء»: مضاف إليها محلها الجر. وجملة «صينت»: جواب شرط غير جازم لا محل لها، وعطف عليها جملتي (أشعرت) و (لم تدرج عليها المعاوز).
والشاهد فيه: أن (ندى) يجمع على أنداء.
[288] التخريج: البيت لمرّة بن محكان في الأغاني 3/ 318والخصائص 3/ 52، 3/ 237وسر صناعة الإعراب ص 620وشرح التصريح 2/ 293وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1563ولسان العرب 15/ 318 (ندى) والمقاصد النحوية 4/ 510وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 656وشرح شافية ابن الحاجب ص 329وشرح المفصل 10/ 17ولسان العرب 11/ 268 (رجل).
اللغة: جمادى: من الأشهر العربيّة. الأندية: ج الندى، وهو البلل. الطنب: ج الأطناب، وهو الحبل الذي تشدّ به الخيمة.
الإعراب: «في ليلة»: جار ومجرور متعلّقان ب «ضمّي» في بيت سابق. «من جمادى»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت ل «ليلة». «ذات»: نعت «ليلة» مجرور بالكسرة، وهو مضاف. «أندية»: مضاف إليه مجرور. «ما»: حرف نفي. «يبصر»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة. «الكلب»: فاعل مرفوع بالضمّة. «من ظلمائها»: جار ومجرور متعلّقان ب «يبصر»، وهو مضاف، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
«الطنبا»: مفعول به منصوب، والألف: للإطلاق.
وجملة «لا يبصر»: في محلّ جرّ نعت ليلة.
الشاهد فيه قوله: «أندية» فإنه جمع «ندى» على غير قياس، والجمع القياسيّ ل «ندى» هو «أنداء».
و «أفعلة» قياسيّ في كل اسم رباعيّ ثالثه حرف مدّ.(3/69)
وقال بعضهم: إنّما أراد جمع «ندىّ»، أي: نديّ القوم الذي يقيمون فيه، فيضيفون ويفخرون كما قال الشاعر [من البسيط]:
[289] يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
فإنّما تستدلّ على المقصور بنظائره.
* * * ومن المقصور ما كان جمعا ل «فعلة» أو «فعلة» نحو: «رقية» و «رقى»، و «لحية» و «لحى»، و «رشوة» و «رشى»، و «مدية»، و «مدى». وقد قالوا: «مدية» و «مدى» لأنّ نظيره من غير المعتلّ: «كسرة» و «كسر»، و «قطعة» و «قطع»، و «ظلمة» و «ظلم». فإنّما تستدلّ على المقصور بهذا وما أشبهه.
* * * ومن المقصور كلّ ما كان مؤنّثا ل «فعلان» نحو: «غضبان»، و «عطشان» و «سكران» لأنّ مؤنّثه «سكرى»، و «غضبى»، و «عطشى».
* * * ومنه ما كان جمعا ل «فعلى» لأنّه يقع على مثال «فعل»، وذلك قولك: «الدنيا»
[289] التخريج: البيت لسلامة بن جندل في ديوانه ص 92وخزانة الأدب 4/ 27وسرّ صناعة الإعراب ص 621وشرح اختيارات المفضل 2/ 570ولسان العرب 1/ 220 (أوب) والمقاصد النحوية 2/ 326.
اللغة: المقامة بفتح الميم الأولى المجلس، وبالضم الإقامة. والتأويب: السير في كل النهار، والتباري في ذلك السير، والنزول ليلا.
المعنى: يريد أن أيّام الشباب عندهم يومان يوم يجلسون فيه بالمجالس للخطابة والمسامرة، ويوم يطاردون فيه أعداءهم.
الإعراب: يومان: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالألف لأنه مثنى، و «النون»: عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والتقدير: أيام شبابنا يومان. يوم: بدل من (يومان) أو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هما يوم مقامات: مضاف إليه. وأندية: «الواو»: حرف عطف، «أندية»: معطوفة على (مقامات). ويوم:
«الواو»: حرف عطف، «يوم»: معطوف على (يوم) السابق. سير: مضاف إليه. إلى الأعداء: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (سير). تأويب: بدل من (سير)، ويمكن أن يكون صفة له إذا أمكن تأويله بمشتق.
والشاهد فيه: أن (النديّ) وهو مكان إقامة القوم يجمع على (أندية).(3/70)
و «الدّنا»، و «القصيا» و «القصى».
* * * ومنه ما كان مؤنّثا في «أفعل» الذي معه «من كذا» لأنّه يكون على مثال «فعلى».
وذلك قولك: «هذا الأكبر»، و «هذه الكبرى»، و «الأصغر» و «الصّغرى»، و «الأوّل» و «الأولى» لأنّك تقول: «هذا أصغر منك»، و «هذا أكبر منك»، و «هذا أوّل منك».
* * * ومن المقصور ما لا يقال له: قصر لكذا كما لا يقال: إنّما سمّيت «قدم» لكذا، و «قذال» لكذا. ولكنّك تستدلّ على قصره بما هو على خلافه بنحو ما ذكرناه.
* * * فأمّا الممدود فإنّه ياء أو واو تقع بعد ألف زائدة، أو تقع ألفان للتأنيث، فتبدل الثانية همزة لأنّه إذا التقت ألفان، فلابدّ من حذف أو تحريك لئلّا يلتقي ساكنان، فالحذف لو وقع هاهنا لعاد الممدود مقصورا، فحرّك لما ذكرت لك.
فأمّا ما كان غير مؤنّث، فهمزته أصليّة أو منقلبة من ياء أو واو بعد ألف زائدة.
فمن ذلك ما بنيته على «فعّال» نحو: «شرّاب»، و «قتّال»، و «حسّان»، و «كرّام» لأنّ موضع اللام بعد ألف زائدة.
فإن كان من ذوات الواو والياء، أو ما همزته أصليّة نحو: «سقّاء»، و «غزّاء يا فتى» لأنّه من «سقيت» و «غزوت»، وقولك: «قرّاء يا فتى» لأنّه من «قرأت»، فهذا كهذا.
* * * وممّا يعلم منه أنّه ممدود ما كان من هذا الباب مصدرا ل «أفعلت» لأنّها تأتي على وزن «الإفعال» نحو: «أخطأت إخطاء»، و «أقرأته إقراء». هذا ممّا همزته أصليّة.
ومن ذوات الياء والواو: «أعطيت إعطاء»، و «أغزيته إغزاء».
* * * وكذلك كلّ ما كان مصدرا ل «استفعلت» نحو: «استقصيت استقصاء»، و «استدنيت استدناء» لأنّه بمنزلة: «الاستخراج»، و «الاستضراب».
وكذلك كلّ ما كان مصدرا لقولك: «انفعل»، و «افتعل» لأنّه يأتي بمنزلة:
«الانطلاق» و «الاقتدار» لأنّ ما قبل اللام ألف زائدة نحو: «اختفى اختفاء»، و «انقضى انقضاء». وكلّ ما لم نسمّه، فقسه على نظيره من الصحيح.(3/71)
وكذلك كلّ ما كان مصدرا لقولك: «انفعل»، و «افتعل» لأنّه يأتي بمنزلة:
«الانطلاق» و «الاقتدار» لأنّ ما قبل اللام ألف زائدة نحو: «اختفى اختفاء»، و «انقضى انقضاء». وكلّ ما لم نسمّه، فقسه على نظيره من الصحيح.
* * * وكلّ جمع من هذا الباب على «أفعلة»، فواحده ممدود، نحو: «رداء» و «أردية»، و «كساء» و «أكسية»، و «إناء» و «آنية»، و «وعاء» و «أوعية» لأنّ نظيره «حمار» و «أحمرة»، و «قبال» [1] و «أقبلة».
* * * ومن الممدود ما كان جمعا ل «فعلة» من ذوات الواو والياء، وذلك نحو: «فروة» و «فراء». ومن قال: «جروة»، قال: «جراء» فاعلم، وكذلك «كوة» و «كواء».
فأمّا «قرية» و «قرى»، فليس من هذا الباب لأنّ «قرى» «فعل» وليس على «فعلة» و «فعال» لأنّ «فعالا» في «فعلة» هو الباب نحو: «صحفة» و «صحاف»، و «قصعة» و «قصاع»، و «جفنة» و «جفان».
* * * ومن الممدود كلّ مصدر مضموم الأوّل في معنى الصوت. فمن ذلك «الدّعاء»، و «العواء»، و «الرّغاء». هذا ممدود لأنّ نظيره من غير المعتلّ «النّباح»، و «الصّراخ»، و «الشّحاج».
فأمّا «البكاء»، فإنّه يمدّ ويقصر. فمن مدّ فإنّما أخرجه مخرج الصوت، ومن قصره أخرجه مخرج «الحزن».
وكذلك كلّ ما كان في معنى الحركة على هذا الوزن لأنّه بمنزلة «النّقاز» [2]، و «النّفاض» [3].
وقلّما تجد المصدر مضموم الأوّل مقصورا لأنّ «فعلا» قلّما يقع في المصادر.
* * * [1] القبال: زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الإصبعين. (لسان العرب 11/ 543 (قبل)).
[2] النقاز: داء يأخذ الغنم، فتثغو الشاة منه ثغوة واحدة، وتنزو وتنقز فتموت. (لسان العرب 5/ 419 (نقز)).
[3] النّفاض: الجدب، ومنه قولهم: «النّفاض يقطّر الجلب». (لسان العرب 7/ 240 (نفض)).(3/72)
واعلم أنّ من الممدود ما لا يقال له: مدّ لكذا كما لا تقول: «وقع حمار لكذا»، إلّا أنّك تستدلّ بالنظائر.
* * * واعلم أنّ كلّ ممدود تثنّيه وكان منصرفا، فإنّ إقرار الهمزة فيه أجود، نحو:
«كساءان»، و «رداءان»، وقد يجوز أن تبدل الواو من الهمزة، فتقول: «كساوان»، و «رداوان»، وليس بالجيّد.
فإن قلت: «قرّاوان» فهو أقبح لأنّ الهمزة أصل، وليست منقلبة من ياء أو واو. وهذا جائز.
فإن كان ملحقا، كان أحسن، على أنّ الهمزة أجود. وذلك: «علباوان»، و «حرباوان» لأنّ الهمزة ملحقة، وليست بأصل، ولا منقلبة من شيء من الأصل.
وكذلك النّسب: من قال: «كساءان»، قال: «كسائيّ»، ومن قال: «كساوان»، قال:
«كساويّ».
فإن كانت الهمزة للتأنيث لم يكن إلّا بالواو نحو: «حمراوان»، و «حمراويّ».
* * * والمقصور إذا كان على ثلاثة أحرف، ردّت الواو والياء في التثنية، تقول: «قفوان».
فإن كان من ذوات الياء، قلت: «رحيان»، فردّت الياء.
فإن زاد على الثلاثة شيئا منصرفا كان أو غير منصرف لم تقل في تثنيته إلّا بالياء نحو: «حبليان»، و «مغزيان»، و «حباريان». وكذلك الجمع بالتاء نحو: «حباريات»، و «حبليات».
فأمّا في النّسب، فما كان منه على ثلاثة، انقلبت ألفه واوا من أيّ البابين كان نحو:
«رحويّ»، و «قفويّ». فإن زاد، فله حكم نذكره في باب النسبة إن شاء الله.
ونذكر بعد هذا مجاز وقوع الممدود والمقصور، ليعلم ما سبيل المدّ والقصر فيهما إن شاء الله.
أمّا المقصور، فإنّما هو على أحد أمرين:
إما أن يكون اسما ألفه غير زائدة نحو: «قفا»، و «عصا»، و «ملهى»، و «مرمى»، و «مستعطى»، فهذا كلّه انقلبت ياؤه أو واوه ألفا لما ذكرت لك.
وإمّا أن تكون ألفه زائدة لإلحاق أو تأنيث:
فالإلحاق نحو: «حبنطى» [1]، و «عفرنى» [2]، و «أرطى» [3].(3/73)
وإمّا أن تكون ألفه زائدة لإلحاق أو تأنيث:
فالإلحاق نحو: «حبنطى» [1]، و «عفرنى» [2]، و «أرطى» [3].
والتأنيث نحو: «حبلى»، و «بشرى»، و «قرقرى» [4]. فهذه صيغ وقعت كما تقع الأسماء التي لا يقال لها مقصورة ولا ممدودة.
فما كان مثل «قفا»، و «عصا»، فنحو: «جمل». ومثل: «مغزى»، و «ملهى»:
«مخرج»، و «مدخل».
وما كان نحو: «حبنطى» فلامه أصل لأنّ ألف «حبنطى» ملحقة به نحو:
«جحنقل» [5]، وما أشبهه، وك «أرطى» الذي هو: «فعلى»، فألفه ملحقة ب «جعفر» و «سلهب» [6]، فألفات هذا الضّرب أصليّة، وتلك ملحقة بها.
* * * وأمّا الممدود، فلا يكون إلّا وقبل آخره ألف زائدة، ويقع بعدها ألف مبدلة من ياء أو واو، للتأنيث أو للإلحاق.
فأمّا «سقّاء» و «غزّاء»، فبمنزلة «ضرّاب» و «قتّال».
وأمّا الملحقة فنحو: «حرباء»، و «علباء». و «فعلاء» فاعلم تلحق ب «سرداح» [7]، و «شملال» [8].
و «فعلاء» تلحق نحو: «قوباء» [9]، فاعلم فيمن أسكن الواو، وهو بمنزلة «فسطاط» [10].
وأما ما كان للتأنيث فنحو: «حمراء»، و «صفراء»، و «خنفساء».
إنّما هي زائدة بعد زائدة. فهذا تأويل المقصور والممدود.
* * * [1] الحبنطى: الممتلى غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[2] العفرنى: الأسد. (لسان العرب 4/ 587 (عفر)).
[3] الأرطى: شجر من شجر الرمل. (لسان العرب 7/ 255 (أرط)).
[4] قرقرى: أرض باليمامة. (معجم البلدان 4/ 326).
[5] الجحنفل: الغليظ، والغليظ الشفتين. (لسان العرب 11/ 103 (جحفل)).
[6] السّلهب: الطويل. (لسان العرب 1/ 474 (سلهب)).
[7] السرداح: الناقة الطويلة، وقيل: الكثيرة اللحم، والأرض الليّنة. (لسان العرب 2/ 482 (سردح)).
[8] الناقة الشّملال: الخفيفة السريعة. (لسان العرب 11/ 371 (شمل)).
[9] القوباء والقوباء: الذي يظهر في الجسد، ويخرج عليه، وهو داء معروف، يتقشّر ويتّسع. (لسان العرب 1/ 693 (قوب)).
[10] الفسطاط: مدينة في مصر، وضرب من الأبنية، ومجتمع أهل الكورة حوالي مسجد جماعتهم. (لسان العرب 7/ 371 (فسط)).(3/74)
هذا باب الابتداء وهو الذي يسمّيه النحويّون «الألف واللام»
اعلم أنّ هذا الباب عبرة لكلّ كلام، وهو خبر، والخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب.
فإذا قلت: «قام زيد»، فقيل لك: أخبر عن «زيد»، فإنّما يقول لك: أبن من «قام» فاعلا. وألحقه الألف واللام على معنى «الذي»، واجعل «زيدا» خبرا عنه، وضع المضمر موضعه الذي كان فيه في الفعل.
فالجواب في ذلك أن تقول: «القائم زيد»، فتجعل الألف واللام في معنى «الذي»، وصلتهما على معنى صلة «الذي»، وفي «القائم» ضمير يرجع إلى الألف واللام، وذلك الضمير فاعل لأنّك وضعته موضع «زيد» في الفعل، و «زيد» خبر الابتداء.
وإن شئت قلته ب «الذي»، فقلت: «الذي قام زيد».
ف «الذي» لا يمتنع منه كلام يخبر عنه ألبتّة.
وقولك: الفاعل لا يكون إلّا من فعل خاصّة.
ولو قلت: «زيد في الدار»، فقال: أخبر عن «زيد» بالألف واللام، لم يجز لأنّك لم تذكر فعلا.
فإن قيل لك: أخبر عنه ب «الذي»، قلت: «الذي هو في الدار زيد»، فجعلت «هو» ضمير «زيد»، ورفعت «هو» في صلة الذي بالابتداء، و «في الدار» خبره، كما كان حيث قلت: «زيد في الدار»، وجعلت «هو» ترجع إلى «الذي».
فإن قال لك: أخبر عن «الدار» في قولك: «زيد في الدار»، قلت: «التي زيد فيها الدار». فالهاء في قولك «فيها» مخفوض في موضع «الدار» لأنّ «الدار» في المسألة هاهنا خبر «التي»، فهذا وجه الإخبار.
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى الفاعل إلى المفعول(3/75)
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى الفاعل إلى المفعول
وذلك نحو: «ضرب عبد الله أخاك»، و «قتل عبد الله زيدا».
فإن قيل لك: أخبر عن الفاعل في قولك: «ضرب عبد الله أخاك».
قلت: «الضارب أخاك عبد الله»، وإن شئت، قلت: «الذي ضرب أخاك عبد الله»، وفي «ضرب» اسم «عبد الله» فاعل كما كان ذلك في قولك: «ضرب عبد الله»، وهو العائد إلى «الذي» حتّى صلحت الصلة، و «عبد الله» خبر الابتداء.
فإن قال لك: أخبر عن المفعول، قلت: «الضّاربه عبد الله أخوك». ف «الهاء» ضمير «الأخ»، وهي مفعول كما كان مفعولا، و «عبد الله» فاعل كما كان في المسألة، و «أخوك» خبر الابتداء، وهو الألف واللام في الحقيقة لأنّ كلّ ما تخبر عنه ف «الذي» تقدّمه له، وهو خبر الابتداء، وكلاهما تقصد به الذي تخبر عنه في الحقيقة.
فإن قلت: «ضرب زيد أخاك في الدار»، فقيل لك: أخبر عن «الدار»، قلت:
«الضارب زيدا أخاك فيها الدار».
وتأويله بالذي: «التي ضرب عبد الله أخاك فيها الدار». وقولك: «فيها» هو قولك:
«في الدار» في المسألة. وقد مضى من التفسير ما يدلّ على ما يرد من هذا الباب.
فإن قلت: «ضرب عبد الله أخاك قائما»، فقيل: أخبر عن «قائم»، فقد سألك محالا لأنّ الحال لا تكون إلّا نكرة، والمضمر لا يكون إلّا معرفة، وكلّ ما أخبرت عنه فإضماره لا بدّ منه فالإخبار عن الحال لا يكون.
ولا يخبر عن النعت لأنّ النعت تحلية، والمضمر لا يكون نعتا لأنّه لا يكون تحلية.
ولا يخبر عن التبيين لأنّه لا يكون إلّا نكرة.
ولا يخبر عن الظروف التي لا تستعمل اسما لأنّ الرفع لا يدخلها، وخبر الابتداء لا يكون إلّا رفعا.
ولا يخبر عن الأفعال، ولا عن الحروف التي تقع لمعان لأنّها لا يكون لها ضمير.(3/76)
ولا يخبر عن الظروف التي لا تستعمل اسما لأنّ الرفع لا يدخلها، وخبر الابتداء لا يكون إلّا رفعا.
ولا يخبر عن الأفعال، ولا عن الحروف التي تقع لمعان لأنّها لا يكون لها ضمير.
فكلّ ما كان ممّا ذكرته، فقد أثبتّ لك العلّة فيه. وكلّ اسم سوى ذلك، فمخبر عنه.
ولا يخبر عن «كيف»، و «أين»، وما أشبهه لأنّ ذلك لا يكون إلّا في أوّل الكلام لأنّها للاستفهام.
ولا يخبر عن «أحد» وأخواته.
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى الفاعل إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما إن شئت(3/77)
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى الفاعل إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما إن شئت
وذلك قولك: «أعطيت زيدا درهما»، و «كسوت زيدا ثوبا»، وما أشبهه لأنّك إن شئت، قلت: «كسوت زيدا»، و «أعطيت زيدا»، ولم تذكر المفعول الثاني.
فإذا قلت: «أعطيت زيدا درهما»، فقال لك: أخبر عن «زيد»، قلت: «المعطيه أنا درهما زيد». فإن قال لك: أخبر عن «الدرهم»، قلت: «المعطي أنا زيدا إيّاه درهم»، فهذا أحسن الإخبار أن تجعل ضمير الدرهم في موضعه لئلّا يدخل الكلام لبس، وإن لم يكن ذلك في الدرهم، ولكن قد يقع في موضعه: «أعطيت زيدا عمرا»، فالوجه أن تقدّم الذي أخذ، وقد يجوز: «المعطيه أنا زيدا درهم» لأنّ هذا لا يلبس لأنّ «الدرهم» ليس ممّا يأخذ.
فإذا دخل الكلام لبس، فينبغي أن يوضع كلّ شيء في موضعه.
فإن قال لك: أخبر عن نفسك، قلت: «المعطي زيدا درهما أنا».
* * * واعلم أنّ الفعل يتضمّن الضمير، واسم الفاعل لا يتبيّن ذلك فيه، فإذا جرى على ما هو له، لم يظهر فيه ضمير.
وإن جرى لمن ليس هو له خبرا، أو نعتا، أو حالا، أو صلة، لم يكن بدّ من إظهار الفاعل ألا ترى أنّك تقول: «زيد أضربه»، و «عمرو تضربه».
فإن وضعت في موضع «تضربه»: «ضاربه»، قلت: «زيد ضاربه أنا»، و «عمرو ضاربه أنت» لأنّ الفعل الذي أظهرت قد جرى خبرا على غير نفسه.
فلذلك لمّا قال لك في قوله «أعطيت زيدا درهما» أخبر عن نفسك، قلت: «المعطي
زيدا درهما أنا»، فلم تظهر بعد «المعطي» مضمرا لأنّ الألف واللام لك، والفعل لك فجرى على نفسه.(3/78)
فلذلك لمّا قال لك في قوله «أعطيت زيدا درهما» أخبر عن نفسك، قلت: «المعطي
زيدا درهما أنا»، فلم تظهر بعد «المعطي» مضمرا لأنّ الألف واللام لك، والفعل لك فجرى على نفسه.
وإن أخبرت عن «الدرهم»، أو «زيدا»، أظهرت «أنا»، فقلت: «المعطيه أنا درهما زيد» لأنّ الفعل لك، والألف واللام ل «زيد»، فجرى الفعل على غير ما هو له، وكذلك:
«المعطي أنا زيدا إيّاه درهم» لأنّ الألف واللام ل «الدرهم»، والفعل لك. فإن كان الذي ظهر الفعل، فلم تحتج إلى المضمر المنفصل. وذلك قولك إن أخبرت عن «زيد»:
«الذي أعطيته درهما زيد».
فإن أخبرت عن «الدرهم»، قلت: «الذي أعطيته زيدا درهم»، وإن وضعت ضمير «الدرهم» موضعه قلت: «الذي أعطيت زيدا إيّاه درهم».
* * *
هذا باب الفعل المتعدّي إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر(3/79)
* * *
هذا باب الفعل المتعدّي إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر
وتلك الأفعال هي أفعال الشكّ واليقين نحو: «علمت زيدا أخاك»، و «ظننت زيدا ذا مال»، و «حسبت زيدا داخلا دارك»، و «خلت بكرا أبا عبد الله»، وما كان من نحوهنّ.
وإنّما امتنع: «ظننت زيدا» حتّى تذكر المفعول الثاني لأنّها ليست أفعالا وصلت منك إلى غيرك، إنّما هو ابتداء وخبر.
فإذا قلت: «ظننت زيدا منطلقا»، فإنّما معناه: «زيد منطلق في ظنّي»، فكما لابدّ للابتداء من خبر، كذا لابدّ من مفعولها الثاني لأنّه خبر الابتداء، وهو الذي تعتمد عليه بالعلم والشكّ.
إذا قلت: «ظننت زيدا أخاك»، فقال لك: أخبر عن نفسك، قلت: «الظانّ زيدا أخاك نفسك».
فإن قال: أخبر عن «زيد»، قلت: «الظانّه أنا أخاك زيد».
فإن قال: أخبر عن «الأخ»، قلت: «الظانّ أنا زيدا إيّاه أخوك». تضع الضمير في موضع الذي تخبر عنه.
فإن قيل لك: أخبر ب «الذي» عن نفسك قلت: «الذي ظنّ زيدا أخاك أنا».
فإن أخبرت عن «زيد» قلت: «الذي ظننته أخاك زيد».
فإن قيل: أخبر عن «الأخ»، قلت: «الذي ظننت زيدا إيّاه أخوك»، ويقبح أن تقول:
«الذي ظننته زيدا أخوك» لما يدخل الكلام من اللبس.
ألا ترى أنّك إذا قلت: «ظننت زيدا أخاك»، فإنّما يقع الشكّ في الأخوّة. فإن قلت:
«ظننت أخاك زيدا»، أوقعت الشكّ في التسمية. وإنّما يصلح التقديم والتأخير إذا كان الكلام موضّحا عن المعنى، نحو: «ضرب زيدا عمرو» لأنّك تعلم بالإعراب الفاعل والمفعول.
فإن كان المفعول الثاني ممّا يصحّ موضعه، إن قدّمته فتقديمه حسن نحو قولك: «ظننت في الدار زيدا»، و «علمت خلفك زيدا».(3/80)
«ظننت أخاك زيدا»، أوقعت الشكّ في التسمية. وإنّما يصلح التقديم والتأخير إذا كان الكلام موضّحا عن المعنى، نحو: «ضرب زيدا عمرو» لأنّك تعلم بالإعراب الفاعل والمفعول.
فإن كان المفعول الثاني ممّا يصحّ موضعه، إن قدّمته فتقديمه حسن نحو قولك: «ظننت في الدار زيدا»، و «علمت خلفك زيدا».
فإن قال: أخبر عن «الدار»، قلت: «الظانّ أنا فيها زيدا الدار».
وب «الذي»، تقول: «التي ظننت فيها زيدا الدار».
وكذلك «الخلف». تقول: «الظانّ أنا فيه زيدا خلفك».
وإن كان المفعول الثاني فعلا، نحو: «ظننت زيدا يقوم»، لم يجز الإخبار عنه، لما ذكرت لك، وكذلك إن كان من الظروف التي لا تحلّ محلّ الأسماء.
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد وذلك: «كان»، و «صار»، و «أصبح»، و «أمسى»، و «ليس»، وما كان نحوهنّ(3/81)
* * *
هذا باب الفعل الذي يتعدّى إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد وذلك: «كان»، و «صار»، و «أصبح»، و «أمسى»، و «ليس»، وما كان نحوهنّ
اعلم أنّ هذا الباب إنّما معناه: الابتداء والخبر، وإنّما دخلت «كان» لتخبر أنّ ذلك وقع فيما مضى، وليس بفعل وصل منك إلى غيرك.
وإنّما صرّفن تصرّف الأفعال لقوّتهنّ، وأنّك تقول فيهنّ: «يفعل»، و «سيفعل»، وهو «فاعل»، ويأتي فيهنّ جميع أمثله الفعل.
فإذا قلت: «كان زيد أخاك»، فخبّرت عن «زيد»، قلت: «الكائن أخاك زيد» كما كنت تقول في «ضرب».
فإن أخبرت عن «الأخ»، فإنّ بعض النحويّين لا يجيز الإخبار عنه، ويقول: إنّما معناه: «كان زيد من أمره كذا وكذا» فكما لا يجوز أن تخبر عن قولنا: «من أمره كذا وكذا» كذلك لا يجوز أن تخبر عمّا وضع موضعه.
وهذا قول فاسد مردود لا وجه له لأنّك إذا قلت: «زيد منطلق»، فمعناه: زيد من أمره كذا وكذا. فلو كان يفسد الإخبار هناك، لفسد هاهنا.
وكذلك باب «ظننت» و «علمت»، و «إنّ» وأخواتها لأنّ معنى: «ظننت زيدا أخاك» إنّما هو: «ظننت زيدا من أمره كذا وكذا»، وكذلك: «إنّ زيدا أخوك» إنّما هو: إنّ زيدا من أمره كذا وكذا.
فمن زعم أنّه لا يجوز الإخبار عن ذلك، لزمه ألّا يجيز الإخبار عن شيء من هذا، فإن كان يخبر عن هذا أجمع، ويمتنع لعلّة موجودة في هذا، فقد ناقض.
فالإخبار عن المفعول في «كان» إذا قلت: «كان زيد أخاك» أن تقول: «الكائن زيد إيّاه أخوك»، فهذا الأحسن.
وإن قلت: «الكائنه زيد أخوك»، فحسن، والأوّل أجود لما قد ذكرته لك في باب «كان» من أنّ الذي يقع بعدها ابتداء وخبر. فإذا قال: «الكائنه»، فوصل الضمير ب «كان»، فقد ذهب في اللفظ ما يقوم مقام الابتداء، وهو في المعنى موجود، فاخترنا الأوّل لأنّ له اللفظ والمعنى، وقد قال الشاعر [من الطويل]:(3/82)
فالإخبار عن المفعول في «كان» إذا قلت: «كان زيد أخاك» أن تقول: «الكائن زيد إيّاه أخوك»، فهذا الأحسن.
وإن قلت: «الكائنه زيد أخوك»، فحسن، والأوّل أجود لما قد ذكرته لك في باب «كان» من أنّ الذي يقع بعدها ابتداء وخبر. فإذا قال: «الكائنه»، فوصل الضمير ب «كان»، فقد ذهب في اللفظ ما يقوم مقام الابتداء، وهو في المعنى موجود، فاخترنا الأوّل لأنّ له اللفظ والمعنى، وقد قال الشاعر [من الطويل]:
[290] [دع الخمر يشربها الغواة فإنّني ... رأيت أخاها مغنيا بمكانها]
فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها
[290] التخريج: البيتان لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص 162، 306والبيت الثاني مع نسبته في أدب الكاتب ص 407وإصلاح المنطق ص 297وتخليص الشواهد ص 92وخزانة الأدب 5/ 327، 331والرد على النحاة ص 100وشرح المفصل 3/ 107والكتاب 1/ 46ولسان العرب 13/ 371 (كنن)، 374 (لبن) والمقاصد النحوية 1/ 310وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 53والمقرب 1/ 96.
اللغة: فإن لا يكنها: أي فإلا يكن أخو الخمر هو الخمر. أو تكنه: أي أو تكن الخمر هي أخاها.
فاسم «يكن» الأولى ضمير مستتر يعود على الأخ، والضمير البارز المنصوب العائد إلى الأخ هو خبرها.
المعنى: دعك من هذا الإثم يرتكبه السفهاء من الناس فإني وجدت أخا الخمر، أي العنب أو الزبيب، مغنيا عنها صالحا لأن يحلّ محلها، فإن لم يكونا شيئا واحدا فهما أخوان رضعا من ثدي أمّ واحدة.
الإعراب: «دع»: فعل أمر مبني على السكون وحرّك بالكسر منعا من التقاء الساكنين، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. «الخمر»: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. «يشربها»: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه السكون، و «ها»: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
«الغواة»: فاعل مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. «فإنني»: الفاء: استئنافية، «إن»: حرف مشبه بالفعل، والياء:
ضمير متصل في محل نصب اسمها. «رأيت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة والتاء:
في محل رفع فاعل. «أخاها»: مفعول به أول منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة، و «ها»: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. «مغنيا»: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. «بمكانها»: جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل يغني.
وجملة «دع»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «يشربها»: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها، والتقدير: «دع الخمر إن تدعها يشربها». وجملة «إنني رأيت»: استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «رأيت»: في محل رفع خبر إن.
«فإن»: الفاء: استئنافية، «إن»: حرف شرط جازم. «لا يكنها»: «لا»: نافية لا عمل لها، «يكنها»:
فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون الظاهرة، و «ها»: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب خبر كان، واسمها ضمير مستتر يعود على (الأخ). «أو»: حرف عطف. «تكنه»:
فعل مضارع ناقص معطوف مجزوم وعلامة جزمه السكون، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب خبر كان، واسمها ضمير مستتر تقديره: «هي» يعود إلى (الخمر). «فإنه»: الفاء: رابطة لجواب(3/83)
فهذا جائز، والأحسن ما قال الشاعر [من مجزوء الرمل]:
[291] ليت هذا الليل شهر ... لا نرى فيه عريبا
ليس إيّاي وإيّا ... ك ولا نخشى رقيبا
فإن قلت: «كان زيد ضاربا عمرا»، فقيل: خبّر عن «ضارب» وحده، لم يجز لأنه عامل في «عمرو»، وإن قيل: خبّر عن «عمرو»، جاز، فقلت: «الكائن زيد ضاربه عمرو».
فإن قيل: خبّر عن «ضارب عمرا»، قلت: «الكائنه زيد ضارب عمرا»، ولك أن
الشرط، «إن»: حرف مشبه بالفعل، والهاء: ضمير متصل في محل نصب اسمها. «أخوها»: خبر إن مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة و «ها»: مضاف إليه. «غذته»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتاء: تاء التأنيث الساكنة، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
«أمه»: فاعل مرفوع بالضمة، والهاء: ضمير في محل جرّ مضاف إليه. «بلبانها»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (غذته)، و «ها»: مضاف إليه.
وجملة «إن لا يكنها فإنه أخوها»: استئنافية لا محل لها. وجملة «يكنها»: استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تكنه»: معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب. وجملة «فإنه أخوها»: في محل جزم جواب شرط مقترن بالفاء. وجملة «غذته أمه»: في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: «يكنها أو تكنه» حيث جاء بخبر تكن ضميرا متصلا، وأصل القياس أن يكون خبرها ضمير منفصلا.
[291] التخريج: الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 67وخزانة الأدب 5/ 322والدرر (برقم 165، وقد سقط منه) وبلا نسبة في شرح المفصل 3/ 75، 107والكتاب 2/ 358ولسان العرب 6/ 212 (ليس) والمنصف 3/ 62.
المعنى: يدعو أن لا يوجد سواهما، وأن يأمنا شرّ المراقب.
الإعراب: ليت: حرف مشبّه بالفعل. هذا: اسم إشارة مبنيّ في محل نصب اسم «ليت». الليل: بدل من «هذا» منصوب بالفتحة. شهر: خبر «ليت» مرفوع بالضمة. لا: حرف نفي. نرى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. فيه: جارّ ومجرور متعلّقان ب «نرى». عريبا: مفعول به منصوب بالفتحة. ليس: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر. إياي:
ضمير منفصل مبني في محل نصب خبر «ليس». وإياك: الواو حرف عطف، و «إياك»: ضمير منفصل مبني في محل نصب اسم معطوف. ولا: الواو حرف عطف، و «لا» حرف نفي. نخشى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذّر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. رقيبا: مفعول به منصوب بالفتحة.
وجملة «ليت» ومعموليها: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة «نرى»: في محل رفع نعت «شهر»، وجملة «ليس» ومعموليها: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب، وجملة «نخشى»: معطوفة لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «ليس إياي وإياك» حيث جاء بالخبر ضميرا منفصلا.(3/84)
تقول: «إيّاه ضارب عمرا»، فتقول: «الكائن زيد إيّاه ضارب عمرا».
فإن قلته ذلك ب «الذي»، قلت: «الذي كان زيد إيّاه ضارب عمرا».
فإن قلت ب «الهاء»، قلت: «الذي كان زيد ضارب عمرا»، وتحذف «الهاء» لطول الاسم، وإن شئت، جئت بها فقلت: «الذي كانه».
فأمّا إذا قلت: «الذي كان زيد إيّاه»، فإنّ «إيّاه» لا يجوز حذفها لأنّ المتّصل يحذف، كما يحذف ما كان من الاسم في مواضع، و «إيّاه» منفصلة، فلا تحذف لأنّ هذا لا يشبه ذلك.
ألا ترى أنّك تقول: «الذي ضربت زيد»، ولا تقول: «الذي مررت زيد» لأنّ الضمير قد فصلته بالباء.
* * * فأمّا «ليس»، فلا يجوز أن تخبر عمّا عملت فيه بالألف واللام لأنّها ليس فيها «يفعل»، ولا يبنى منها «فاعل»، ولكن يخبر ب «الذي»، وذلك قولك: «ليس زيد منطلقا»، و «ليس زيد إلّا قائما».
فإن قيل لك: أخبر عن «زيد» في قولك: «ليس زيد منطلقا»، قلت: «الذي ليس منطلقا زيد».
وإن قال: أخبر عن «منطلق»، قلت: «الذي ليس زيد إيّاه منطلق».
وإن قيل: أخبر عن «زيد» في قولك: «ليس زيد إلّا قائما»، قلت: «الذي ليس إلّا قائما زيد».
وإن قال: أخبر عن «قائم»، قلت: «الذي ليس زيد إلّا إيّاه قائم».
* * * وكلّ شيء ليس فيه فعل، فالإخبار عنه لا يكون إلّا ب «الذي» تقول: «زيد أخوك».
فإن قيل: أخبر عن «زيد»، قلت: «الذي هو أخوك زيد».
وإن قيل: أخبر عن «الأخ»، قلت: «الذي زيد هو أخوك».
وتقول: «إنّ زيدا منطلق». فإن قال: أخبر عن «زيد»، قلت: «الذي إنّه منطلق زيد».
فإن قال: أخبر عن «منطلق»، قلت: «الذي إنّ زيدا هو منطلق»، فعلى هذا تجري الأخبار.
تقول: «زيد في الدار». فإن قال: أخبر عن «زيد»، قلت: «الذي هو في الدار زيد».(3/85)
فإن قال: أخبر عن «منطلق»، قلت: «الذي إنّ زيدا هو منطلق»، فعلى هذا تجري الأخبار.
تقول: «زيد في الدار». فإن قال: أخبر عن «زيد»، قلت: «الذي هو في الدار زيد».
وإن قال: أخبر عن «الدار»، قلت: «التي زيد فيها الدار».
وتقول: «كان زيد حسنا وجهه». فإن قال: أخبر عن «زيد»، قلت: «الكائن حسنا وجهه زيد».
فإن قال: أخبر عن «حسنا وجهه»، قلت: «الكائن زيد إيّاه حسن وجهه».
فإن قيل: أخبر عن «وجهه»، لم يجز ذلك وذلك لأنّه يضع في موضع «وجهه» ضميرا. فإن رجع ذلك الضمير إلى «الذي»، لم يرجع إلى «زيد» شيء فبطل الكلام.
وإن رجع إلى «زيد» لم يرجع إلى الذي في صلته شيء.
وكذلك: «كان زيد أبوه منطلق». إن قيل: أخبر عن «أبيه»، لم يجز للعلّة التي ذكرت لك، ويبيّن هذا أنّك إذا قلت: «الذي كان زيد هو منطلق أبوه»، فرددت «هو» إلى «زيد»، فسد من جهتين:
إحداهما: أنّ «هو» ل «الأب»، وقد جعلتها ل «زيد».
والآخر: أنّك لم تجعل في صلة «الذي» شيئا يرجع إليه.
فإن قال: أردّ «هو» إلى «الذي»، لم يكن في خبر «زيد» ما يرجع إليه.
ولكن لو قال: أخبر عن «منطلق»، لقلت: «الذي كان زيد أبوه هو منطلق». فكانت الهاء في «أبيه» ل «زيد»، وهو الذي به يصحّ الكلام.
واعتبر هذا بواحدة: وهو أن تضع في موضع الضمير أجنبيّا، فإن صلح، جاز الإخبار عنه، وإن امتنع، لم يجز ألا ترى أنّك لو قلت: «كان زيد حسنا عمرو»، وكذلك: «كان زيد عمرو منطلق»، لم يجز.
فإن قلت: «كان زيد أبوه في داره»، جاز الإخبار عن «أبيه» لأنّك لو قلت: «كان زيد عمرو في داره»، لصلح.
وإن أخبرت عن «أبيه»، قلت: «الكائن زيد هو في داره أبوه». جعلت «هو» يرجع إلى «الذي» لأنه المخبر عنه، وجعلت «الهاء» التي في داره ترجع إلى «زيد». فكلّ ما كان من هذا فاعتبره بالأجنبيّ كما وصفت لك. فهذا بابه، وسنفرد بابا لمسائله بعد فراغنا منه إن شاء الله.
* * *
هذا باب الإخبار عن الظروف والمصادر(3/86)
* * *
هذا باب الإخبار عن الظروف والمصادر
فأمّا الظروف فهي أسماء الزمان والأمكنة.
وأمّا المصادر فهي أسماء الأفعال.
اعلم أنّ كلّ ظرف متمكّن، فالإخبار عنه جائز، وذلك قولك إذا قال قائل: «زيد خلفك»: أخبر عن «خلف»، قلت: «الذي زيد فيه خلفك»، فترفعه لأنّه اسم، وقد خرج من أن يكون ظرفا. وإنّما يكون ظرفا، إذا تضمّن شيئا نحو: «زيد خلفك» لأنّ المعنى:
زيد مستقرّ في هذا الموضع، و «الخلف» مفعول فيه.
فإن قلت: «خلفك واسع»، لم يكن ظرفا، ورفعت لأنّك عنه تخبر.
وكذلك: «سرت يوم الجمعة»، ف «يوم الجمعة» ظرف ل «سيرك».
فإن قلت: «يوم الجمعة مبارك»، أخبرت عن «اليوم» كما تخبر عن سائر الأسماء لأنّه ليس بظرف. فهو كقولك: «زيد حسن».
وعلى هذا قال الشاعر [من الكامل]:
[292] فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
[292] التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص 311وإصلاح المنطق ص 77والدرر 3/ 117وشرح شواهد الإيضاح ص 170وشرح المفصل 2/ 129والكتاب 1/ 407ولسان العرب 12/ 26 (أمم)، 15/ 228 (كلا)، 410 (ولي) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 463ولسان العرب 2/ 342 (فرج).
اللغة: فغدت: من الغدو. الفرجان: مثنّى الفرج، وهو ما بين قوائم الدابة، أو الثغر الذي هو موضع المخافة. مولى المخافة: أولى بالمخافة.
المعنى: يقول: فغدت البقرة تعدو في الجبل، وأينما توجّهت ظنّت أن الخطر يداهمها من الأمام والخلف على السواء.(3/87)
فكلّ ظرف يستعمل اسما، فهذا مجازه، وما كان لا يقع إلّا ظرفا، فلا يجوز الإخبار عنه لأنّه لا يرتفع.
وكلّ ما خبّرت عنه، فلابدّ من رفعه لأنّه خبر ابتداء.
فمن ذلك «عند»، لو قلت: «زيد عندك»، فقال قائل: أخبر عن قولك «عندك»، لم يجز لأنّه كان يلزمك أن تقول: «الذي زيد فيه عندك» فترفع ما لا يجوز أن يقع مرفوعا أبدا.
وكذلك: «ذات مرّة»، و «سوى»، و «سواء»، و «بعيدات بين»، و «سحر» إذا أردت به «سحر يومك»، وقد مرّت العلّة في هذه الظروف في مواضعها.
وكلّ ما نصبته نصب الظروف، لم تخبر عنه لأنّ ناصبه قائم، وإنّما تخبر عنه إذا حوّلته إلى الأسماء.
* * * وكذلك المصادر. كلّ ما تنصب منها نصب المصدر، لم تخبر عنه، فإن نصبته نصب الأسماء، فقد حكمت له بالرفع، والخفض في موضعهما، وجعلته كسائر الأسماء، وذلك قولك: «سرت بزيد سيرا». ليس في قولك: «سيرا» إلّا ما كان في قولك: «سرت» إلّا أن تنعته، أو تصيّره معرفة، أو تفرده، أو تثنّي فتقول: «سرت بزيد سيرا شديدا»، أو «سيرة
الإعراب: فغدت: الفاء: حرف عطف، غدت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. كلا:
مبتدأ مرفوع بالضمة المقدّرة، وهو مضاف. الفرجين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى. تحسب: فعل مضارع مرفوع، وفاعله: هي. أنّه: حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير في محلّ نصب اسم «أنّ». مولى:
خبر «أنّ» مرفوع، وهو مضاف. المخافة: مضاف إليه مجرور. خلفها: بدل من «كلا» مرفوع، وهو مضاف، وها: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وأمامها: الواو: حرف عطف، أمام: معطوف على «خلف» وهو مضاف، وها: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «غدت»: معطوفة على جملة في البيت السابق. وجملة «كلا الفرجين» الاسمية: في محل نصب حال تقديرها: «فغدت وكلا الفرجين». وجملة «تحسب» الفعليّة: في محلّ رفع خبر المبتدأ، والجملة المصدريّة من «أنّ» وما بعدها سدّ مسدّ مفعولي «تحسب».
والشاهد فيه قوله: «خلفها وأمامها» بالرفع بدلا من المبتدأ «كلا»، والثاني معطوف عليه، فدلّ ذلك على أن «خلف» و «أمام» من الظروف المتصرّفة التي تخرج أحيانا عن النصب على الظرفيّة وعلى الجرّ ب «من» متأثّرة بالعوامل.(3/88)
واحدة»، أو «سيرتين»، أو «السّير الذي تعلم». فإذا أوقعت فيه الفائدة، فالباب فيه التصرّف.
وتقول: «سير بزيد سير شديد»، و «سير بزيد سيرتان».
فإن قلت: «سير بزيد سيرا»، فالنصب الوجه، والرفع بعيد لأنّه توكيد، وقد خرج من معاني الأسماء. قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذََا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ} (1) فرفع لمّا نعت.
فإذا أخبرت عن «الصّور»، قلت: «المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور».
وإن أخبرت عن «النفخة»، قلت: «المنفوخة في الصور نفخة واحدة».
وتقول: «سير بزيد فرسخ»، إذا أقمته مقام الفاعل.
فإن قيل: أخبر عنه، قلت: «المسير بزيد فرسخ».
فإن قيل: أخبر عن «زيد»، قلت: «المسير به فرسخ زيد».
وإن قلت: «سير بزيد فرسخا»، فنصبته نصب الظروف، ولم تقمه مقام الفاعل، لم يجز الإخبار عنه.
وكذلك «سير بزيد يوما»، و «سير بزيد سيرا».
كلّ ما لم تجعله من مصدر، أو ظرف اسما فاعلا أو مفعولا على السّعة، لم يجز الإخبار عنه لأنّ ناصبه معه ألا ترى أنّك إذا قلت: «سير بزيد سيرا»، فجعلت قولك ب «زيد» تماما، فإنّما هو على قولك: «يسيرون سيرا».
وإنّما يكون الرفع على مثل قولك: «سير بزيد يومان»، و «ولد له ستّون عاما».
فالمعنى: ولد لزيد الولد ستّين عاما، وسير به في يومين، وهذا الرفع الذي ذكرناه اتّساع، وحقيقة اللغة غير ذلك. قال الله عزّ وجلّ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} (2)، وقال الشاعر [من الطويل]:
[293] لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى ... ونمت وما ليل المطيّ بنائم
__________
(1) الحاقة: 13.
(2) سبأ: 33.
[293] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 993وخزانة الأدب 1/ 465، 8/ 202والكتاب 1/ 160ولسان العرب 2/ 442 (ربح) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 60وتخليص الشواهد ص 4399والصاحبي في فقه اللغة ص 222والمحتسب 2/ 184.(3/89)
وقال [من الرجز]:
[294] فنام ليلي وتقضّى همّي
وقد استقصينا هذا في بابه، وإنّما نذكر منه شيئا للإخبار.
فمن جعل اليوم ونحوه ظرفا، قال: «اليوم سرت فيه» لأنّه قد شغل الفعل عنه، فرد إليه ضميره على معناه.
ومن جعله اسما على الاتّساع قال: «اليوم سرته» كما تقول: «زيد ضربته». فمن
اللغة: أمّ غيلان: شجر السمر، ولعلّه (هنا) يريد بها أمّ الفرزدق. السرى: السير ليلا. المطي: جمع المطيّة وهي الدابّة التي تمتطى.
المعنى: لقد عتبت علينا يا (أم غيلان) لسيرنا ليلا، ثم نمت، ولكن ليل السفر لا ينام فيه.
الإعراب: «لقد»: اللام: حرف للتوكيد، و «قد»: حرف تحقيق. «لمتنا»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، و «نا»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. «يا»:
حرف نداء. «أم»: منادى مضاف منصوب بالفتحة. «غيلان»: مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. «في السرى»: جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الألف، متعلّقان ب (لمت).
«ونمت»: الواو: حرف عطف، «نمت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «وما»: «الواو»: للاستئناف، «ما»: نافية عاملة عمل «ليس». «ليل»: اسمها مرفوع بالضمّة.
«المطي»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «بنائم»: الباء: حرف جر زائد، «نائم»: اسم مجرور لفظا، منصوب مجلّا على أنه خبر «ما».
وجملة «لمتنا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نمت»: معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «ما ليل المطيّ بنائم»: استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «وما ليل المطيّ بنائم» حيث أراد «وما ليل المطيّ بمنوم فيه» فالليل لا ينام، ولكنه أسند إليه «النوم» لأنه ظرف يقع فيه النوم.
[294] التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص 142والمحتسب 2/ 184وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 202.
المعنى: يريد أنه قضى حاجته، واطمأنت نفسه ليلا.
الإعراب: فنام: «الفاء»: بحسب ما قبلها، «نام»: فعل ماض. ليلي: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. وتقضّى: «الواو»: حرف عطف، «تقضّى»: فعل ماض. همّي: مثل (ليلي).
وجملة «نام ليلي»: بحسب الفاء، وعطف عليها جملة «تقضّى همّي».
والشاهد فيه: إسناد النوم إلى الليل على المجاز.(3/90)
ذلك قوله [من الطويل]:
[295] ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى الطّعن النّهال نوافله
فقال: «شهدناه»، وإنّما أراد: شهدنا فيه على ما ذكرت لك.
* * * فإن قيل: «سير بزيد فرسخان يومين»، فأنت مخيّر: إن نصبتهما نصب الظروف، قلت: «فرسخين يومين».
والاختيار: أن تقيم أحدهما مقام الفاعل، وإن نصبت «اليومين» نصب الظرف، قلت:
«سير بزيد فرسخان يومين».
فإن أخبرت عن «الفرسخين»، قلت: «المسيران بزيد يومين فرسخان».
فإن أخبرت عن «اليومين»، وجعلتهما ظرفا، قلت: «المسير بزيد فيهما فرسخان يومان».
وإن جعلتهما اسمين على السّعة، قلت: «المسيرهما بزيد فرسخان يومان».
[295] التخريج: البيت لرجل من بني عامر في الدرر 3/ 96وشرح المفصل 2/ 46ولسان العرب 14/ 144 (جزي) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 38وخزانة الأدب 7/ 181، 8/ 202، 10/ 174 وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 88والمقرب 1/ 147وهمع الهوامع 1/ 203.
اللغة: النهال: الشاربات. النافلة: الغنيمة.
المعنى: ومعركة حضرناها بين سليم وعامر، لم تكن الغنيمة فيها سوى النجاة، لما تقاطر من دماء على الرماح.
الإعراب: ويوم: الواو: واو ربّ، «يوم»: اسم مجرور لفظا بربّ المحذوفة، منصوب محلّا على الظرفية الزمانية. شهدناه: فعل ماض مبني على السكون و «نا»: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والهاء:
ضمير متصل في محل نصب مفعول به. سليما: مفعول به منصوب. وعامرا: الواو: حرف عطف، «عامرا»:
اسم معطوف على «سليما». قليل: صفة ل «يوم». سوى: اسم منصوب على الاستثناء بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. الطعن: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. النهال: صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة. نوافله: فاعل ل «قليل» مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
وجملة «شهدنا يوما»: بحسب الواو. وجملة «شهدناه»: تفسيرية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «ويوم شهدناه» حيث نصب الضمير «الهاء» جوازا، والتقدير «شهدنا فيه».(3/91)
فإن جعلت الإخبار عن «الذي»، وأخبرت عن «الفرسخين»، قلت: «اللذان سيرا بزيد يومين فرسخان».
فإن أخبرت عن «اليومين»، وجعلتهما ظرفا، قلت: «اللذان سير بزيد فيهما فرسخان يومان».
وإن جعلتهما مفعولين، قلت: «اللذان سيرهما بزيد فرسخان يومان»، وإنّما توحّد الفعل لتقدّمه.
وتقول في الألف واللام: «المسيران»، إذا أخبرت عن «الفرسخين»، لأنّ الفعل لهما، وهو مردود إلى الألف واللام.
وفي «اليومين» توحّد لأنّ الألف واللام لهما، والفعل ل «الفرسخين»، وأفردته لظهور فاعله بعده. ومثل ذلك قولك: «القائمان أخواك» لأنّك تريد: اللذان قاما، ثم تقول: «القائم أبواهما أخواك» لأنّك تريد: اللذان قام أبواهما، فتوحّد الفعل لظهور فاعله بعده.
فإن قدّمت «الفرسخين» على ما شرطنا في أصل المسألة، قلت: «الفرسخان المسيران بزيد يومين».
وإن قدّمت «اليومين»، قلت: «اليومان المسير بزيد فيهما فرسخان». إن جعلتهما ظرفا، وإن جعلتهما مفعولين، قلت: «المسيرهما بزيد فرسخان».
فإن قدّمت «الفرسخين»، و «اليومين»، وجعلت «اليومين» مفعولين، قلت:
«الفرسخان اليومان المسيراهما بزيدهما». بجعل «الفرسخين» ابتداء، و «اليومان» ابتداء ثانيا، و «المسيراهما» ابتداء ثالثا لأنّ الألف واللام ل «الفرسخين» فلا يكون خبرا عن «اليومين»، وقولك «هما» ضمير «اليومين» على أنّهما مفعولان.
فإن جعلتهما ظرفين، قلت: «المسيران فيهما»، وقولك «هما» خبر الألف واللام، والألف، واللام، وخبرها خبر اليومين، و «اليومان» وما بعدهما خبر «الفرسخين».
وهذا إذا تأمّلته في الفاعل، والمفعول مثل قولك: «الرجلان الجارية الضارباها هما» والتقدير: اللذان ضرباها هما.
فإن جعلت الألف واللام في معنى «التي»، قلت: «الضاربها هما» لأنّك أردت: التي ضربها الرجلان. ف «التي» خبر عنها، وقولك: «هما» إظهار الفاعلين لأنّ الفعل جرى
على غير من هو له. فعلى هذا تجري المسألة في «الفرسخين».(3/92)
فإن جعلت الألف واللام في معنى «التي»، قلت: «الضاربها هما» لأنّك أردت: التي ضربها الرجلان. ف «التي» خبر عنها، وقولك: «هما» إظهار الفاعلين لأنّ الفعل جرى
على غير من هو له. فعلى هذا تجري المسألة في «الفرسخين».
* * * وتقول: «زيد الضاربك أبوه»، فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الذي هو الضاربك أبوه زيد».
وإن أخبرت عن «الضارب» بغير «أبيه»، فقلت: «الذي زيد هو أبوه الضاربك»، لم يصلح، لأنّك كنت ترفع «أباه» ب «الضرب» والضمير لا معنى لفعل فيه فمن هاهنا بطل.
ولكن لو قلت: «زيد صاحبه أبوه»، على أن تجعل «صاحبه» ابتداء، و «أباه» خبرا، جاز، فقلت: «الذي زيد هو أبوه صاحبه» ألا ترى أنّك لو قلت: «زيد صاحبه عمرو» أو «زيد عمرو أبوه»، صلح، فاعتبر هذا بالأجنبيّ كما وصفت لك.
* * *
هذا باب الإخبار عن البدل(3/93)
* * *
هذا باب الإخبار عن البدل
وذلك قولك: «مررت برجل زيد». فإن قال لك قائل: أخبر عن «زيد» فإنّ فيه اختلافا، يقول قوم: الإخبار عنه: أن تخبر عن «الرجل»، ثم تجعله بدلا منه، فتقول:
«المارّ به أنا رجل زيد»، فتجعله بدلا كما كان في المسألة.
وقال آخرون: إنّما الشرط الإخبار عن البدل لا عن المبدل منه، فإنّما تبدل منه في موضعه، فتقول: «المارّ أنا برجل به زيد». تردّ الباء لأنّ ضمير المخفوض لا ينفصل، وردّها فيما يجوز انفصاله جائز حسن. قال الله تبارك وتعالى: {قََالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (1)، فوقع البدل بردّ حرف الجرّ. وقال الله، عزّ وجلّ، في موضع آخر: {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2). فجاء البدل بلا حرف لأنّه ينفصل. فهكذا طريق البدل.
فإن قلت: «رأيت رجلا زيدا»، فخبرت عن «زيد»، قلت: «الرائي أنا رجلا إيّاه زيد»، على هذا القول، وعلى القول الأوّل: «الرائيه أنا رجل زيد»، فعلى هذا فأجر البدل.
* * * __________
(1) الأعراف: 75.
(2) آل عمران: 97.(3/94)
هذا باب الإخبار في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر
وذلك قولك: «ضربت وضربني زيد». إذا أعملت الآخر فاللفظ معرّى من المفعول في الفعل الأوّل، وهو في المعنى عامل، وكان في التقدير: «ضربت زيدا»، و «ضربني زيد»، فحذف، وجعل ما بعده دالّا عليه. وقد مضى تفسير هذا في بابه.
فالعرب تختار إعمال الآخر لأنّه أقرب، وتحذف إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقوا. قال الله عزّ وجلّ: {وَالذََّاكِرِينَ اللََّهَ كَثِيراً وَالذََّاكِرََاتِ} (1)، وقال: {وَالْحََافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحََافِظََاتِ} (2).
فالفعلان فارغان في اللفظ، معملان في المعنى. قال الشاعر [من المنسرح]:
[296] نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
أراد: نحن راضون بما عندنا.
__________
(1) الأحزاب: 35.
(2) الأحزاب: 35.
[296] التخريج: البيت لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص 239وتخليص الشواهد ص 205 والدر 5/ 314والمقاصد النحوية 1/ 557ولعمرو بن امرىء القيس الخزرجي في الدرر 1/ 147وشرح أبيات سيبويه 1/ 279وشرح شواهد الإيضاح ص 128وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 453 والصاحبي في فقه اللغة ص 218ومغني اللبيب 2/ 622وهمع الهوامع 2/ 109.
اللغة: الرأي: الاعتقاد.
الإعراب: «نحن»: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ، وخبره محذوف والتقدير: «نحن راضون».
«بما»: جار ومجرور متعلّقان بالخبر المحذوف. «عندنا»: ظرف مكان متعلّق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلّا بالباء، وهو مضاف، و «نا»: ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «وأنت»: الواو حرف عطف، «أنت»: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. «بما»: جار ومجرور متعلّقان ب «راض». «عندك»: ظرف مكان متعلّق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلّا بالباء، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.
«راض»: خبر المبتدأ «أنت». «والرأي»: الواو: حرف عطف، «الرأي»: مبتدأ مرفوع. «مختلف»: خبر المبتدأ مرفوع.(3/95)
فإذا أعملت الأوّل قلت: «ضربت وضربني زيدا»، فإن قدّمت «ضربني»، قلت في إعمال الآخر: «ضربني وضربت زيدا» قدّمت الفعل مضمرا فيه الفاعل لأنّ الفعل لا يخلو من فاعل، والذي بعده تفسير له، وهو في المضمر المتقدّم على شريطة التفسير. وقد قلنا في هذا في موضعه ما يغني عن إعادته.
وتقول: «أعطيت وأعطاني زيد درهما»، إذا أعملت الأخير. فإن أعملت الأوّل قلت:
«أعطيت وأعطانيه زيدا درهما». تريد: أعطيت زيدا درهما، وأعطانيه.
وإعمال الأوّل في المسألة الأولى: «ضربني وضربته زيد»، تريد: ضربني زيد، وضربته. وتقول: «ظنّني وظننت زيدا منطلقا إيّاه». لا يكون إلّا ذلك لأنّ «ظننت» إذا تعدّى إلى مفعول، لم يكن من الثاني بدّ، فهكذا إعمال الأخير، ولم يجز أن تقول: «إيّاه» قبل أن تعطف لأنّك لا تضمر المفعول قبل ذكره. وإنّما أضمرت الفاعل قبل فعله اضطرارا لأنّه لا يخلو فعل من فاعل. فمن ثمّ وضعت «إيّاه» مؤخّرا لمّا تقدّم ما يردّ الضمير إليه، وهو قولك: «منطلق».
فإن أعملت الأوّل، وقدّمت «ظننت»، قلت: «ظننت وظنّنيه زيدا منطلقا». أردت:
ظننت زيدا منطلقا، وظنّنيه، وإن شئت وظنّني إيّاه.
وتقول: «ظننت وظنّاني منطلقا أخويك منطلقين»، على إعمال الأوّل. والتقدير:
ظننت أخويك منطلقين، وظنّاني منطلقا، والضمير لا يكون هاهنا لأنّ خبر الأخوين مخالف لما يكون للواحد.
وإن أعملت الآخر قلت: «ظننت وظنّني أخواك منطلقا». أعملت الآخر، والأوّل فارغ في اللفظ، وهو في المعنى معمل لدلالة ما بعده عليه.
وجملة: «نحن راضون» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة: «أنت راض» معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة: «الرأي مختلف» معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «نحن بما عندنا» حيث حذف الخبر جوازا لوجود دليل عليه، وكذلك حذفه صلة (ما) الموصولة في الجملتين والتقدير: نحن راضون بما يكون موجودا عندنا.(3/96)
وإنّما يجب إذا تعدّى الظنّ إلى المفعول الأوّل أن يتّصل بالثاني لأنّ الأوّل والثاني في محلّ الابتداء، وخبره. فالأوّل مذكور ليردّ إليه ما استقرّ له عند القائل من يقين أو شكّ.
ألا ترى أنّ قولك «ظننت زيدا منطلقا»، إنما وقع الشك في «الانطلاق»، والتقدير:
«زيد منطلق في ظنّي». وقد مضى هذا مفسّرا في أوّل الكتاب. وإنّما ذكرنا هاهنا منه شيئا ليصل به الإخبار عنه إن شاء الله.
إذا قال القائل: «ضربت وضربني زيدا»، يريد: ضربت زيدا وضربني، فإنّ الإخبار عن التاء في قول جميع النحويّين، إلّا أنّ أبا عثمان المازنيّ يقول في هذا الباب قولا لم يقله قبله أحد، وقوله صحيح يتبيّنه من سمعه، ويعلم أنّ ما كان اصطلاحا.
يقول النحويّون إذا أخبروا عن التاء في «ضربت وضربني زيدا»: «الضارب زيدا والضاربه هو أنا» لأنّ التقدير: ضربت زيدا، وضربني. فلمّا قلت: «الضارب زيدا»، كانت الألف واللام لك، والفعل لك، فجرى الفعل صلة لنفسه، فلم يحتج إلى إظهار ما بعده، وقلت: «والضاربه هو» لأنّ الألف واللام لك. والفعل ل «زيد»، فجرى الفعل على غير من هو له، فأظهرت الفاعل.
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الضاربه أنا»، و «الضاربي زيد»، أظهرت نفسك لأنّ الفعل لك، والألف واللام ل «زيد».
فإن قلت: «ضربت وضربني زيد»، فإن أخبرت عن نفسك قلت: «الضارب زيدا، والضاربه هو أنا». فذكرت «زيدا» مع الفعل الأوّل ولم يكن الفعل من قبل الإخبار عنه متعدّيا في اللفظ، فجعلته بمنزلته في المسألة الأولى.
فإن أخبرت عن «زيد» فإنّ بين النحويّين فيه اختلافا:
يقول قوم: «الضاربه أنا والضاربي زيد»، ويقولون: ذكرنا الفعل غير متعدّ، ولابدّ أن نعدّيه في الإخبار عنه ليرجع الضمير إلى الألف واللام، وإلّا لم يكن في صلة «الذي» ما يرجع إليه.
وقال آخرون: تقول: «الضارب أنا والضاربي زيد»، فلا تذكر في «الضارب» شيئا.
فيقال لهم إن لم تريدوا الهاء، فالكلام محال لأنّه لا يرجع إلى الألف واللام اللتين في معنى «الذي» شيء.
فيقولون: نريدها، ونحن نحذفها.(3/97)
فيقال لهم إن لم تريدوا الهاء، فالكلام محال لأنّه لا يرجع إلى الألف واللام اللتين في معنى «الذي» شيء.
فيقولون: نريدها، ونحن نحذفها.
ولا اختلاف في أنّ حذفها من صلة الألف واللام رديء جدا، وإن كان يحذف من «الذي»، فقد آل إلى القول الأول، إلّا أنّهم حذفوا ما إثباته أجود.
فإنّما كان حذفها جيّدا في «الذي» إذا قلت: «الذي ضربت زيد»، و «الذي ضرب عبد الله زيد»، لأنّ «الذي» اسم بنفسه والفعل والفاعل والمفعول، فصار أربعة أشياء اسما واحدا، فلم يجز حذف «الذي» وهو الموصول والمقصود، ولا حذف الفعل وهو الصلة، ولا حذف الفاعل إذ كان الفعل لا يكون إلّا منه، فحذف المفعول استخفافا لأنّ الفعل قد يخلو منه وهو في النيّة ولولا ذلك، لم يكن في الصلة ما يرجع إلى الموصول.
والألف واللام في معنى «الذي»، وليس محلّهما محلّة لأنّهما دخلا على «ضارب» كما يدخلان على «الرجل»، إلّا أنّ «ضاربا» وما أشبهه في معنى الفعل، فصارتا في معنى ما يوصل بالفعل، وهذا مذهب النحويّين. وهؤلاء الذين قد حذفوا الهاء، قد صاروا إلى حال من أثبتها، إلّا أنّ إثباتها أجود، وليس محلّها في الصلة كمحلّها في الفعل لأنّ الموصول لا بدّ من أن يكون في صلته ما يرجع إليه، والفعل المطلق يستغنى فيه عن ذلك، فيكون المفعول فيه فضلة: كالحال والظرف والمصدر ونحو ذلك، مما إذا ذكرته زدت في الفائدة، وإذا حذفته، لم تخلل بالكلام لأنّك بحذفه مستغن ألا ترى أنّك تقول: «قام زيد»، فلولا الفاعل، لم يستغن الفعل، ولولا الفعل، لم يكن للاسم وحده معنى إلّا أن يأتي في مكان الفعل بخبر.
فإذا قلت: «ضرب عبد الله زيدا»، فإن شئت، قلت: «ضرب عبد الله»، فعرّفتني أنّه قد كان منه ضرب، فصار بمنزلة: «قام عبد الله»، إلّا أنّك تعلم أنّ «الضرب» قد تعدّى إلى مضروب، وأنّ قولك: «قام» لم يتعدّ فاعله، فإن قلت: «ضرب عبد الله زيدا»، أعلمتني من ذلك المفعول؟ وقد علمت أنّ ذلك «الضرب» لابدّ من أن يكون وقع في مكان وزمان، فإن قلت: «عندك»، أوضحت المكان، فإن قلت: «يوم الجمعة»، بيّنت الوقت، وقد علمت أنّ لك حالا، وللمفعول حالا. فإن قلت: «قائما»، عرّفتني الحال منك أو منه، فإن قلت:
«قاعدا»، أبنت عن حالك أو حاله.
وقد علمت أنّ ذلك «الضرب» إمّا أن يكون كثيرا وإمّا قليلا، وإمّا شديدا وإمّا يسيرا.
فإن قلت: «ضربا شديدا»، أو بيّنت فقلت: «عشرين ضربة»، زدت في الفائدة.
فإن قلت: «لكذا» أو «من أجل كذا»، أفدت العلّة التي بسببها وقع الضرب. فكلّ هذا زيادة في الفوائد، وإن حذفت، استغنى الكلام، وليس الفاعل كذلك.(3/98)
فإن قلت: «ضربا شديدا»، أو بيّنت فقلت: «عشرين ضربة»، زدت في الفائدة.
فإن قلت: «لكذا» أو «من أجل كذا»، أفدت العلّة التي بسببها وقع الضرب. فكلّ هذا زيادة في الفوائد، وإن حذفت، استغنى الكلام، وليس الفاعل كذلك.
ولو قلت: «وعمرو حاضر»، لزدت في الفائدة كنحو ما ذكرنا.
وسنأتي على مسائل من هذا الباب على ما أصّله النحويّون، ثمّ نخبر عن فساد الباب في قولهم، وصحّة مذهب أبي عثمان المازنيّ إخبارا شافيا إن شاء الله.
فإن قلت: «أعطيت وأعطانيه زيدا درهما»، تريد: أعطيت زيدا درهما، وأعطانيه، قلت: إذا أخبرت عن نفسك: «المعطي زيدا درهما، والمعطيه هو إيّاه أنا»، تريد: الذي أعطى زيدا درهما، والذي أعطاه زيد إيّاه أنا.
فقولك «والمعطيه» الألف واللام لك، والفعل ل «زيد» فلذلك أظهرت الفاعل، ولم تظهره في الأوّل لأنّه مبنيّ من «أعطيت» فالألف واللام لك، والفعل لك.
ولو أخبرت ب «الذي»، لم تحتج إلى إعادته مرّتين لأنّك تجعل الفعلين في صلته، ولا يستقيم ذلك في الألف واللام، فكنت تقول: «الذي أعطى زيدا درهما، وأعطاه إيّاه أنا» فلم تحتج إلى «هو» لأنّك ذكرت الفعل، وإنّما تحتاج إليه في اسم الفاعل ألا ترى أنّك تقول: «زيد أضربه»، فلا يحتاج إلى شيء، فإن وضعت موضعه «ضاربه»، قلت: «زيد ضاربه أنا»، لأنّ الفعل يحتمل الضمير المتّصل، واسم الفاعل لا يحتمل ذلك إلّا أن يجري على صاحبه، فتقول: «زيد ضاربك»، فلا تحتاج إلى «هو» لأنّه خبر عن صاحب الفعل.
فإن أخبرت في المسألة التي ذكرنا عن «زيد»، قلت: «المعطيه أنا درهما والمعطيه زيد» وإن شئت قلت: «والمعطي إياه».
وإن أخبرت عن «الدرهم»، فإنّ الصواب المختار في ذلك أن تقول: «المعطي أنا زيدا إيّاه، والمعطي هو إيّاه درهم».
والنحويّون يجيزون: «المعطيه أنا زيدا والمعطيه هو درهم». وهذا في «الدرهم» يتبيّن لعلم السامع بأنّه لا يدفع إليك «زيدا»، ولكن قد يقع في مثل هذه المسألة: «أعطيت زيدا عمرا»، فيكون «عمرو» المدفوع. فإن قدّمت ضميره، صار هو القابض والدافع عند السامع.
فالوجه في هذا وفي كلّ مسألة يدخلها اللّبس أن يقرّ الشيء في موضعه ليزول اللبس. وإنّما
يجوز التقديم والتأخير فيما لا يشكل. تقول: «ضرب زيد عمرا»، و «ضرب زيدا عمرو» لأنّ الإعراب مبين.(3/99)
فالوجه في هذا وفي كلّ مسألة يدخلها اللّبس أن يقرّ الشيء في موضعه ليزول اللبس. وإنّما
يجوز التقديم والتأخير فيما لا يشكل. تقول: «ضرب زيد عمرا»، و «ضرب زيدا عمرو» لأنّ الإعراب مبين.
فإن قلت: «ضرب هذا هذا»، أو «ضربت الحبلى الحبلى»، لم يكن الفاعل إلّا المتقدّم.
وإنّما قلت في الإخبار عن «الدرهم»: «المعطي أنا زيدا إيّاه والمعطى هو إيّاه درهم»، فأظهرت ضميرك، وضمير زيد لأنّ الألف واللام الأوليين ل «الدرهم».
وكذلك كلّ ما أخبرت عنه فالألف واللام له لأنّه خبر، والابتداء شيء هو هو، والفعل لك، فجرى على غير نفسه، فأظهرت الفاعل والألف واللام الأخيرتان له، لأنّهما معطوفتان على الابتداء ليكون خبرا عنهما جميعا، والفعل ل «زيد» فلذلك أظهرت ضميره إذ جرى على غير نفسه. وعطف الابتداء على الابتداء، كقولك: «القائم والقاعد زيد»، و «أخوك وصاحبك عبد الله».
فإن أخبرت ب «الذي»، لم تحتج إلى إعادتها مرّتين لأنّ الأفعال يعطف بعضها على بعض في صلة «الذي».
فإن أخبرت عن نفسك، قلت: «الذي أعطى وأعطاه إيّاه زيدا درهما أنا»، جئت بالفعل في الصلة كما كان قبل الإخبار عنه. يعني من التقديم والتأخير.
فإن أخبرت عن «زيد» قلت: «الذي أعطيته درهما وأعطانيه زيد»، هذا الأحسن أن تقدّم «الدرهم»، لأنّه لابدّ من تقديم ضمير «زيد»، لأنّك إذا قدرت على الضمير المتّصل، لم يجز أن تأتي بمنفصل. تقول: «ضرب زيد عمرا».
فإن كنيت عن «عمرو»، قلت: «ضربه زيد»، ولم تقل: «ضرب زيد إيّاه».
فإن أخبرت عن «الدرهم»، قلت: «الذي أعطيته زيدا وأعطانيه درهم»، وإن شئت، قلت: «الذي أعطيت زيدا إيّاه درهم». والتقدير على ما ذكرت لك فيما يلبس، وفيما لا يلبس.
وتقول: «كسوت وكسواني إيّاهما أخويك جبّتين».
فإن أخبرت عن نفسك قلت: «الكاسي أخويك جبّتين والكاسيه هما إيّاهما أنا».
فالمسألة كالمسألة الأولى، إلّا أنّك أفردت الفعل في «الكاسي»، لأنّ الألف واللام لك.
والفعل ل «الأخوين»، فهو فعل متقدّم. وأظهرت «هما»، لأنّه اسم الفاعلين. ولهذا ذكرنا هذه المسألة.
فإن قلت: «أعطيت وأعطاني أخواك درهمين»، و «كسوت وكساني زيد جبّة»، فأعملت الأخير في هذه المسألة، إذا أخبرت عن نفسك قلت: «المعطي والمعطيه أخواك درهمين أنا».(3/100)
والفعل ل «الأخوين»، فهو فعل متقدّم. وأظهرت «هما»، لأنّه اسم الفاعلين. ولهذا ذكرنا هذه المسألة.
فإن قلت: «أعطيت وأعطاني أخواك درهمين»، و «كسوت وكساني زيد جبّة»، فأعملت الأخير في هذه المسألة، إذا أخبرت عن نفسك قلت: «المعطي والمعطيه أخواك درهمين أنا».
فإن أخبرت عن «الأخوين»، فقد مضى القول في حذف الضمير وإثباته، إذ كان من حذف يقدّر فيه تقدير من أثبته فيقول: «المعطيهما أنا درهما والمعطياني إيّاه أخواك»، فيصيران في الإخبار في إعمال الثاني في منزلتهما في إعمال الأوّل، فهذا الذي أخبرتك به من قول النحويّين.
وكذلك الإخبار عن «الدرهم». تقول: «المعطيه أنا أخويك والمعطياي إيّاه درهم»، وإن شئت: «المعطيانيه». فهذا كما وصفنا.
* * * وتقول في باب المفعولين اللذين لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر. وهو باب «ظننت» و «علمت». كقولك في هذين المفعولين في إعمال الأوّل والثاني. وذلك نحو: «ظننت وظنّني إيّاه زيدا ذا مال».
فإن أخبرت عن نفسك قلت: «الظانّ زيدا ذا مال والظانّ هو إياه أنا». فلا بدّ من «هو» لأنّ الألف واللام لك. والفعل له.
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الظانّ أنا ذا مال، والظانّيه زيد»، وإن شئت قلت:
و «الظانّي إيّاه».
فإن أخبرت عن «ذي المال»، قلت: «الظانّ أنا زيدا إيّاه والظانّي هو إيّاه ذو المال» فيظهر ضميرك لأنّ الفعل لك، والألف واللام الأولى ل «ذي المال»، والألف واللام الثانية ل «ذي المال» أيضا، والفعل ل «زيد» فلذلك أظهرت ضمير «زيد».
فإن أخبرت عن «المال»، لم يجز في اللفظ لأنّ قولك «ذو» لا يضاف إلى المضمر.
تقول: «هذا ذو مال»، ولا تقول: «المال هذا ذوه». فإن جعلت مكانه ما يكون مثله في المعنى، نحو قولك: «صاحبه» و «مالكه»، صلح. فقلت إذا أخبرت عن المال: «الظانّ أنا زيدا صاحبه، والظانّي هو إياه المال».
فإن أعملت الثاني، فقلت: «ظننت وظنّني زيد منطلقا»، فأخبرت عن نفسك قلت:
«الظانّ والظانّه زيد منطلقا أنا».
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الظانّه أنا منطلقا والظانّي إيّاه زيد». فلم تحتج إلى «هو» لأنّ الألف واللام الثانية والفعل ل «زيد».(3/101)
«الظانّ والظانّه زيد منطلقا أنا».
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الظانّه أنا منطلقا والظانّي إيّاه زيد». فلم تحتج إلى «هو» لأنّ الألف واللام الثانية والفعل ل «زيد».
فإن أخبرت عن «منطلق»، قلت: «الظانّ أنا زيدا إيّاه والظانّي هو إيّاه منطلق». فهذا على المنهاج الذي ذكرنا في باب «أعطيت».
فإن قدّمت، فقلت: «ظنّني وظننت زيدا منطلقا إيّاه»، على إعمال الأخير، خالف باب «أعطيت» وذلك أنّك تقول: «أعطاني، وأعطيت زيد درهما»، فلم تعتدّ بضمير «الدرهم»، وفي قولك: «ظنّني وظننت زيدا منطلقا»، لابدّ من إيّاه وذلك لأنّك تقول: أعطيت زيدا، ولا تذكر المفعول الثاني فيجوز، ولا يجوز «ظننت زيدا» لأنّ الشكّ إنّما هو في المفعول الثاني لأنّ الثاني خبر الأوّل، ولا يكون أبدا إلّا بخبر، وأضمرت الفاعل مضطرّا في قولك:
«ظنّني» قبل ذكره لأنّه لا يخلو فعل من فاعل، ولا يضمر المفعول قبل ذكره مضطرّا في قولك: «ظنّني» لأنّه مستغنى عنه، فتذكره بعد أن ذكرت الاسم مظهرا حتّى يرجع هذا الضمير إليه فمن ثمّ قلنا في باب الظنّ والشكّ هما المفعولان اللذان لا يقتصر على أحدهما دون صاحبه.
وكذلك: «علمت وعلمني زيد أخاك». فإن قلت: «علمني وعلمت»، فلا بدّ من «إيّاه» تقول: «علمني وعلمت زيدا أخاك إيّاه». فهذا باب واحد.
* * * وكذلك الفعل الذي يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل، ولا يكون في الأفعال ما يتعدّى إلى أكثر من ذلك إلّا ما كان من ظرف، أو حال، أو فضلة من الكلام نحوهما. فإنّه في الأفعال كلّها ما يتعدّى منها وما لم يتعدّ على طريقة واحدة.
* * * والفعل المتعدّي إلى ثلاثة مفاعيل قولك: «أعلم الله زيدا عمرا خير النّاس»، فلمّا أعلمه ذلك غيره صار مفعولا بالإعلام، وما بعده على حاله، فاعتبره بأن تقول: «علم زيد أنّ عمرا خير الناس»، و «أعلم الله زيدا أنّ عمرا خير الناس».
وكذلك تقول: «رأى عمرو زيدا الظريف»، إذ أردت ب «رأيت» معنى «علمت»، لا رؤية العين. فإن أراه ذلك غيره قلت: «أرى عبد الله عمرا زيدا خير الناس».
وكذلك: «نبّأت زيدا عمرا أخاك». فكذا هذه الأفعال.
ولا يجوز الاقتصار على بعض مفعولاتها دون بعض لأنّ المعنى يبطل العبارة عنه لأنّ المفعولين ابتداء وخبر، والمفعول الأوّل كان فاعلا، فألزمه ذلك الفعل غيره، وصار كقولك: «دخل زيد في الدار»، و «أدخلته إيّاها أنا».(3/102)
وكذلك: «نبّأت زيدا عمرا أخاك». فكذا هذه الأفعال.
ولا يجوز الاقتصار على بعض مفعولاتها دون بعض لأنّ المعنى يبطل العبارة عنه لأنّ المفعولين ابتداء وخبر، والمفعول الأوّل كان فاعلا، فألزمه ذلك الفعل غيره، وصار كقولك: «دخل زيد في الدار»، و «أدخلته إيّاها أنا».
فإذا أخبرت عن الفاعل في قولك: «أعلم زيد عمرا خالدا أخاك»، قلت: «المعلم عمرا خالدا أخاك زيد».
وإن أخبرت عن «عمرو»، لم يجز عندي إلّا أن تقول: «المعلم زيدا إيّاه خالدا أخاك عمرو».
فإن أخبرت عن «خالد»، قلت: «المعلم زيد عمرا إيّاه أخاك خالد». فإن أخبرت عن «الأخ»، قلت: «المعلم زيد عمرا خالدا إيّاه أخوك». فإن لم تفعل هذا، وقلت: «المعلمه» في بعض هؤلاء المفعولين، التبس الكلام، إلّا أن يكون الذي تقول فيه «المعلمه» المفعول الأوّل.
فإن كان كذاك جاز، وإلّا لم يفهم. وقد أجازه كثير من البصريّين في المفعولات كلّها، وليس قولهم في هذا شيئا.
فإن أخبرت ب «الذي» في قولك: «أعلم زيد عمرا خالدا خير الناس»، قلت إذا أخبرت عن الفاعل: «الذي أعلم خالدا عمرا خير الناس زيد».
وإن أخبرت عن «عمرو» في قول من وصل الضمير، قلت: «الذي أعلم زيدا خالدا خير الناس عمرو». تريد: الذي أعلمه، فحذفت الهاء لطول الاسم كقولك: «الذي ضربت زيد»، وإن شئت، جئت بها فقلت: «الذي أعلمه».
وإن فصلت الضمير، قلت: «الذي أعلم زيدا إيّاه خالدا خير الناس عمرو»، ولا يجوز الحذف على هذا لأنّ الحذف يصلح في صلة «الذي» إذا وصلتها بالمفعول الذي لا ينفصل بنفسه، فيحذف منه، كما يحذف الاسم إذا طال. نحو قولك في «اشهيباب»: «اشهباب»، وفي «ميّت»: «ميت»، وكذلك: «صيرورة»، و «قيدودة». إنّما أصل هذه المصادر:
«فيعلول»، فألزمت التخفيف.
وإذا انفصل المضمر، تمّ بنفسه، فلم يجز حذفه ألا ترى أنّك تقول: «الذي ضربت زيد»، ولا تقول: «الذي مررت زيد» لانفصال الكناية في الثاني.
ولو قلت: «الذي ضربت إيّاه زيد»، لم يجز حذف «إيّاه» لانفصاله. فعلى هذا يجري ما ذكرنا.(3/103)
وإذا انفصل المضمر، تمّ بنفسه، فلم يجز حذفه ألا ترى أنّك تقول: «الذي ضربت زيد»، ولا تقول: «الذي مررت زيد» لانفصال الكناية في الثاني.
ولو قلت: «الذي ضربت إيّاه زيد»، لم يجز حذف «إيّاه» لانفصاله. فعلى هذا يجري ما ذكرنا.
* * * ثمّ نعود إلى تكثير المسائل في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر في قول النحويّين المتقدّمين. فإذا انقضى، أخبرنا بفساده، وبالصواب الذي رآه أبو عثمان وأخبر عنه، ولا يجوز غيره إن شاء الله.
إذا قلت: «ضربني وضربت زيدا»، أضمرت الفاعل في «ضربني» مضطرّا قبل ذكره لأنّه لا يخلو فعل من فاعل، فأخبرت عن «زيد» على قول النحويّين، قلت: «الضاربي والضاربه أنا زيد» ليكون الفعل غير متعدّ كما كان في الفعل قبل الإخبار.
فإن أخبرت عن المفعول، وهو أنت أيّها المتكلّم، قلت: «الضاربه هو والضارب زيدا أنا»، فخرج من هذا الشرط لأنّك عدّيت الضارب، ولم يكن متعدّيا في الفعل ألا ترى أنّك إذا قلت: «ضربت وضربني زيد»، فأخبرت عن نفسك تقول: «الضارب زيدا والضاربه هو أنا»، فتعدّي «ضربت» في الإخبار ولم يكن متعدّيا في الفعل فهذا الذي ذكرت لك من أنّ النحويّين جروا فيه على الاصطلاح. وإنّما الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، فحقّ الكلام أن يؤدّى في الإخبار كما كان قبل فإن زاد أو نقص، فسد الشرط.
ألا ترى أنّك إذا قلت: «قام زيد»، فقيل لك: أخبر عن «زيد»، قلت: «القائم زيد».
وإذا قيل لك: أخبر عن «الدار» في قولك: «زيد في الدار»، قلت: «التي زيد فيها الدار»، فجعلت ضمير كلّ شيء تخبر عنه في موضعه، وجعلته خبرا.
وتقول في قول النحويّين: «أعطيت وأعطاني زيد درهما»، إذا أخبرت عن نفسك، قلت: «المعطي والمعطيه زيد درهما أنا».
وإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «المعطيه أنا درهما والمعطيه زيد»، وإن شئت، و «المعطي إيّاه»، فهذا على خلاف الشرط لأنّك عدّيت «أعطيت»، ولم يكن متعدّيا في الفعل.
فإن قلت: «أعطاني وأعطيت زيدا درهما»، قلت إذا أخبرت عن «زيد»: «المعطي والمعطيه أنا درهما زيد».
فإن أخبرت عن نفسك، قلت: «المعطيه هو درهما والمعطيه زيدا أنا»، وإن شئت:
«والمعطي زيدا إيّاه أنا» فهذا على ما ذكرت لك.(3/104)
فإن أخبرت عن نفسك، قلت: «المعطيه هو درهما والمعطيه زيدا أنا»، وإن شئت:
«والمعطي زيدا إيّاه أنا» فهذا على ما ذكرت لك.
* * * وتقول على هذا الشرط في الفعل الذي يتعدّى إلى مفعولين ولا يقتصر على أحدهما كما قلت في هذا، لا فصل بينهما إلّا أنّك إذا عدّيت إلى واحد، فلا بدّ أن تعدّي إلى آخر.
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «الظانّي منطلقا والظانّه أنا إيّاه زيد».
وإن أخبرت عن نفسك، قلت: «الظانّه هو منطلقا والظانّ زيدا إيّاه أنا».
وإن أخبرت عن «منطلق» على هذه الشريطة التي جرت في قولهم، قلت: «الظانّي هو إيّاه، والظانّ أنا زيدا إيّاه منطلق». فهكذا مجرى هذا في كلامهم.
* * * وهذه المسائل تدلّ على ما بعدها، وتجري على منهاجها فيما ذكرنا من الأفعال ممّا يتعدّى إلى مفعول، وإلى اثنين، وإلى ثلاثة، وذلك قولك فيما تعدّى إلى ثلاثة مفعولين في إعمال الأوّل: «أعلمت وأعلمني إيّاه إيّاه زيدا عمرا خير الناس»، وإن شئت: «أعلمت وأعلمنيه إيّاه زيدا عمرا خير الناس».
فإن أعملت الآخر، قلت: «أعلمت وأعلمني زيد عمرا خير الناس».
وإن أخبرت على إعمال الأوّل عن نفسك قلت: «المعلم زيدا عمرا خير الناس والمعلمه، هو إيّاه إيّاه أنا» فأظهرت «هو» لأنّ الألف واللام لك، والفعل ل «زيد».
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت: «المعلمه أنا عمرا خير الناس، والمعلمي هو إيّاه إيّاه زيد»، وإن شئت قلت: «والمعلميه هو إيّاه زيد». كلّ ذلك حسن، لأنّ المفعول الأوّل في موضعه.
فإن أخبرت عن «عمرو»، قلت: «المعلم أنا زيدا إيّاه خير الناس والمعلمي هو إيّاه عمرو»، فأظهرت «أنا» و «هو» لأنّ الألف واللام ل «عمرو»، والفعل الأوّل لك، والثاني ل «زيد». فلمّا جرى على غير نفسه، أظهرت الفاعل.
فإن أخبرت عن «خير الناس»، قلت: «المعلم أنا زيدا عمرا إيّاه والمعلمي هو إيّاه إيّاه خير الناس»، وإن شئت، قلت: و «المعلميه» إلّا أنّ الثاني من المنصوبات «إيّاه» وهو ضمير «خير الناس» ليقع كلّ واحد من هذه المفعولات في موضعه. فإن وصلته وهو متباعد، التبس ولم يبن موضعه. ألا ترى أنّ قولك: «أعلمت زيدا»، أنّ «زيدا» هو الذي عرّفته، فإذا قلت:
«عمرا خير الناس» فإنّما عرّفته أنّ «عمرا» خير الناس.(3/105)
فإن أخبرت عن «خير الناس»، قلت: «المعلم أنا زيدا عمرا إيّاه والمعلمي هو إيّاه إيّاه خير الناس»، وإن شئت، قلت: و «المعلميه» إلّا أنّ الثاني من المنصوبات «إيّاه» وهو ضمير «خير الناس» ليقع كلّ واحد من هذه المفعولات في موضعه. فإن وصلته وهو متباعد، التبس ولم يبن موضعه. ألا ترى أنّ قولك: «أعلمت زيدا»، أنّ «زيدا» هو الذي عرّفته، فإذا قلت:
«عمرا خير الناس» فإنّما عرّفته أنّ «عمرا» خير الناس.
ولو قدّمت، لصار المعنى: أنّ خير الناس المعروف بذلك هو عمرو. وكان ذلك معلوما. وصار «عمرو» الفائدة ألا ترى أنّك إذا قلت: «أعطيت زيدا عمرا»، أنّ «عمرا» المدفوع و «زيدا» هو المدفوع إليه. فضع هذه الأشياء مواضعها لتعرف معانيها.
وإن أعملت الآخر على قول النحويّين، قلت: «أعلمت وأعلمني زيد عمرا خير الناس»، فخبّرت عن نفسك قلت: «المعلم والمعلمه زيد عمرا خير الناس أنا». فقلت «المعلم»، فلم تعدّه كما كان في الفعل.
فإن أخبرت عن «زيد»، قلت على قولهم: «المعلمه أنا عمرا خير الناس»، و «المعلمي إيّاه إيّاه زيد»، وإن شئت: «والمعلميه إيّاه زيد» فصار إعمال الآخر كإعمال الأول في قولهم، وفيما ذكرنا دليل على جميع الباب.
* * *
هذا باب الإخبار في قول أبي عثمان المازنيّ عن هذا الباب الذي مضى(3/106)
* * *
هذا باب الإخبار في قول أبي عثمان المازنيّ عن هذا الباب الذي مضى
إذا قلت: «ضربت وضربني زيد»، فأعملت الآخر، فإنّ الإخبار عنك أن تقول:
«الضارب أنا والضاربي زيد»، فتجعل «الضارب» مبتدأ، وتجعل «أنا» خبره، فيكون الخبر هاهنا كالفاعل هناك لأنّ نظير الفعل والفاعل الابتداء والخبر، ويصير قولك «الضاربي زيد» متعدّيا كما كان في الفعل، ويكون جملة معطوفة على جملة كما كانت هنالك. فاعتبر هذا فإنّه لا يجوز غيره.
فإن قلت: «ضربني وضربت زيدا»، فأعملت الآخر، أضمرت الفاعل قبل ذكره على شريطة التفسير، فأخبرت عن «زيد»، قلت: «الضاربي هو والضاربه أنا زيد»، جعلت «الضاربي» مبتدأ وعدّيته كما عدّيته في قولك: «ضربني»، وجعلت الخبر «هو» لأنّك احتجت إلى أن يكون مضمرا على شريطة التفسير كما كان في الفعل.
ومما يصحّح هذا الباب: أنّه ليس شيء يمتنع من أن يخبر عنه، وليس هكذا يقع في قول النحويّين لأنّك لو قلت: «ظنّاني منطلقا»، و «ظننت أخويك منطلقين»، فأخبرت عن المضمر في قولك: «ظنّاني»، لم يجز، لأنّك كنت تقول في التقدير: «الظانّاني منطلقا والظانّ أنا أخويك منطلقين هما»، فلا يقع في قولك: «والظانّ أنا أخويك منطلقين» شيء يرجع إلى الألف واللام فيبطل لأنّه ليس في الصلة ما يرجع إلى الموصول.
وفي قول أبي عثمان إذا أخبرت عنهما قلت: «الظانّاني منطلقا هما»، فتجعل الخبر «هما» وهو مضمر. ثمّ تقول: و «الظانّ أخويك منطلقين أنا»، فتعطف الجملة على الجملة، وفي صلة كلّ واحد منهما ضمير يرجع إليه. وسنذكر من المسائل ما يوضّح صحّة هذا المذهب ويبطل ما سواه إن شاء الله.
وفي قول النحويّين أنّك إذا قلت: «ضربت وضربني زيد»، فإنّ الإخبار عن «التاء» في «ضربت»، وعن «الياء» في «ضربني» واحد لأنّهما يرجعان إلى شيء واحد. وذلك قولك
على مذهب النحويّين: «الضارب والضاربه زيد أنا». وهذان وإن كانا راجعين إلى شيء واحد فإنّما ذلك في المعنى. فأمّا اللفظ والموضع فمخالفان له.(3/107)
وفي قول النحويّين أنّك إذا قلت: «ضربت وضربني زيد»، فإنّ الإخبار عن «التاء» في «ضربت»، وعن «الياء» في «ضربني» واحد لأنّهما يرجعان إلى شيء واحد. وذلك قولك
على مذهب النحويّين: «الضارب والضاربه زيد أنا». وهذان وإن كانا راجعين إلى شيء واحد فإنّما ذلك في المعنى. فأمّا اللفظ والموضع فمخالفان له.
وفي قول أبي عثمان إن أخبرت عن «التاء»، قلت: «الضارب أنا والضاربي زيد»، فتجعل «الضارب» مبتدأ، و «أنا» خبره، ولا تعدّه كما لم يكن في الفعل متعدّيا، وتأتي بالفعل، والفاعل في الإخبار وهو: «والضاربي زيد» لأنّ الكلام إنّما كان: «ضربت وضربني زيد»، فجعلت الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، وجعلت المتعدّي متعدّيا، والممتنع ممتنعا.
فإن أخبرت عن «الياء» في «ضربني»، قلت: «الضارب أنا والضاربه زيد أنا» كما كنت قائلا إذا أخبرت عن نفسك في قولك: «ضربني زيد»: «الضاربه زيد أنا»، لأنّ قولك:
«وضربني زيد» هو هذا الذي وصفنا أفلا ترى إلى بيان هذا، واشتماله على كلّ اسم، وامتناع قول النحويّين من بعض الأسماء لامتناع الصلات من راجع إلى الموصولات.
ويقول النحويّون: إذا قلت: «ظننت وظنّني أخواك منطلقا» فالتقدير في المعنى: أن يكون ظنّي بهما كظنّهما بي.
فإن أخبرت في قول النحويّين عن «الأخوين»، فقلت: «الظانّ أنا والظانان منطلقا أخواك»، كان محالا لأنّ قولك: «الظانّ أنا» الألف واللام للأخوين لأنّهما الخبر، وليس في الصلة ما يرجع إلى الموصول فهذا عندهم محال وكذلك هو على تقديرهم، ويجيزون في الذي لأنّهم لا يحتاجون إلى تكريرها مرّتين، ولكنّهم يذكرونها مرّة، ويعطفون أحد الفعلين على الآخر، فيرجع الذكر في أحدهما، فيكون كلاما. والتقدير: «اللذان ظننت وظنّاني منطلقا أخواك» فيصير الضمير في «ظنّاني» يرجع إلى «اللذين».
والقول في هذه المسألة على قول أبي عثمان وهي: «ظننت وظنّني أخواك منطلقا» أن تقول إذا أخبرت عن نفسك: «الظانّ أنا، والظانّان منطلقا أخواك»، فيصير الألف واللام في «الظانّ» لك، وتجعل «أنا» خبر الابتداء كما كان في المسألة فاعلا، ولا تعدّه لأنّه كان هناك غير متعدّ، ثمّ تعطف عليه الجملة على ما كانت في الفعل. فهذا لا يمتنع منه شيء.
فكلّ ما ورد عليك من هذا الباب، فقسه على ما ذكرت لك تجده مستقيما إن شاء الله.
* * *
هذا باب من «الذي» و «التي» ألّفه النحويّون فأدخلوا «الذي» في صلة «الذي» وأكثروا في ذلك(3/108)
* * *
هذا باب من «الذي» و «التي» ألّفه النحويّون فأدخلوا «الذي» في صلة «الذي» وأكثروا في ذلك
وإنّما قياسه قياس قولك: «الذي زيد أخوه أبوك»، فتصل «الذي» بالابتداء والخبر، وقولك: «أبوك» خبر «الذي» لأنّه ابتداء، فتقول إذا كان «الذي» غير مبتدأ: «أرأيت الذي أخوه أبوك»، فكأنّك قلت: «رأيت زيدا». وقد أعلمتك أنّ «الذي» يوصل بالفعل والفاعل، وبالابتداء والخبر، والظرف، ولا بدّ في صلة «الذي» من راجع إليه يوضّحه. فإذا قلت: «رأيت الذي قام»، فاسمه في «قام»، وكذلك: «رأيت الذي في الدار».
فإن كان الاستقرار والقيام لغيره، قلت: «رأيت الذي في الدار أبوه»، و «رأيت الذي قام صاحبه»، على ذلك يجري، كذلك: «رأيت الذي إن يأتني آته» لأنّ المجازاة جملة، وفيها ما يرجع إليه.
وإذا وصلت «الذي» ب «الذي» فلا بدّ للثاني من صلة وخبر، حتّى يكون في صلة الأوّل ابتداء وخبرا.
تقول: «الذي الذي في داره زيد أخوك». فقولك «الذي» ابتداء، والثاني مبتدأ في صلته، وقولك «في داره» فيه ضميران: مرفوع بالاستقرار، ومخفوض بالإضافة. فالمرفوع يرجع إلى «الذي» الثاني، والمخفوض يرجع إلى «الأوّل» و «زيد» خبر «الذي» الثاني، و «أخوك» خبر «الذي» الأول لأنّ الثاني صار بصلته، وخبره صلة للأوّل. فهذا مجرى هذا الباب.
وتقول: «الذي التي اللذان ضربا جاريتها أخواك عنده عبد الله». ف «الذي» ابتداء، و «التي» ابتداء في صلة «الذي»، و «اللذان» ابتداء في صلة «التي»، وقولك «ضربا جاريتها» صلة «اللذين»، والهاء في «جاريتها» ترجع إلى «التي»، و «أخواك» خبر «اللذين» فتمّت صلة «الذي»، وقولك «عبد الله» خبر «الذي».
فإن أدخلت على هذا «كان»، فالكلام على حاله إلّا «الذي»، و «عبد الله» فإنّك جاعل أحدهما اسم «كان»، والآخر خبره.(3/109)
وتقول: «الذي التي اللذان ضربا جاريتها أخواك عنده عبد الله». ف «الذي» ابتداء، و «التي» ابتداء في صلة «الذي»، و «اللذان» ابتداء في صلة «التي»، وقولك «ضربا جاريتها» صلة «اللذين»، والهاء في «جاريتها» ترجع إلى «التي»، و «أخواك» خبر «اللذين» فتمّت صلة «الذي»، وقولك «عبد الله» خبر «الذي».
فإن أدخلت على هذا «كان»، فالكلام على حاله إلّا «الذي»، و «عبد الله» فإنّك جاعل أحدهما اسم «كان»، والآخر خبره.
وتقول: «اللذان التي في الدار صاحبتهما أخواك» على ما شرحت لك.
فإن قلت: «الذي التي اللذان الذين التي في الدار جاريتهم منطلقون إليهما صاحباها أخته زيد»، كان جيّدا بالغا.
تجعل «الذي» مبتدأ، و «التي» ابتداء في صلة «الذي»، و «اللذان» ابتداء في صلة «التي»، و «الذين» ابتداء في صلة «اللذين»، و «التي» ابتداء في صلة «الذين»، وقولك «في الدار» صلة «التي» و «جاريتهم» خبر «التي»، والضمير يرجع إلى «الذين»، وقد تمّت صلتهم لأنّ «التي» وصلتها ابتداء، و «جاريتهم» خبر ذلك الابتداء. فقد تمّت صلة «الذين»، وقولك: «منطلقون إليهما» خبر «الذين»، فقد تمّت صلة «اللذين»، وقولك «صاحباها» خبر «اللذين»، فقد تمّت صلة «التي» الأولى، و «أخته» خبر «التي» الأولى، والهاء ترجع إلى «الذي»، فقد تمّت صلة «الذي»، و «زيد» خبر «الذي»، فقد صحّ الكلام.
* * *
هذا باب الإضافة وهو باب النّسب(3/110)
* * *
هذا باب الإضافة وهو باب النّسب
إعلم أنّك إذا نسبت رجلا إلى «حيّ» أو «بلد» أو غير ذلك، ألحقت الاسم الذي نسبته إليه ياء شديدة ولم تخفّفها لئلّا يلتبس بياء الإضافة التي هي اسم المتكلّم. وذلك قولك:
«هذا رجل قيسيّ»، و «بكريّ»، وكذلك كلّ ما نسبته إليه.
* * * واعلم أنّ الاسم إذا كانت فيه ياء قبل آخره، وكانت الياء ساكنة، فحذفها جائز لأنّها حرف ميّت، وآخر الاسم ينكسر لياء الإضافة، فتجتمع ثلاث ياءات مع الكسرة، فحذفوا الياء الساكنة لذلك.
وسيبويه وأصحابه يقولون: إثباتها هو الوجه. وذلك قولك في النسب إلى «سليم»:
«سلميّ»، وإلى «ثقيف»: «ثقفيّ»، وإلى «قريش» «قرشيّ».
وإثباتها كقولك في «نمير»: «نميريّ»، و «قشير»: «قشيريّ»، و «عقيل»: «عقيليّ»، و «تميم»: «تميميّ».
فإن كانت هاء التأنيث في الاسم، فالوجه حذف الياء لما يدخل الهاء من الحذف والتغيير. وذلك قولك في «ربيعة»: «ربعيّ»، وفي «حنيفة»: «حنفيّ»، وفي «جذيمة»:
«جذميّ»، وفي «ضبيعة»: «ضبعيّ».
فأمّا قولهم في «الخريبة»: «خريبيّ»، وفي «السّليقة»: «سليقيّ» فهذا بمنزلة الذي يبلغ
به الأصل نحو: «لححت عينه» [1]، و {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطََانُ} (2). والوجه ما ذكرت لك.(3/111)
فأمّا قولهم في «الخريبة»: «خريبيّ»، وفي «السّليقة»: «سليقيّ» فهذا بمنزلة الذي يبلغ
به الأصل نحو: «لححت عينه» [1]، و {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطََانُ} (2). والوجه ما ذكرت لك.
فإن كانت الياء متحرّكة لم تحذف. وذلك قولك في «حمير»: «حميريّ»، وفي «عثير»: «عثيريّ».
* * * [1] أى: التصقت. (لسان العرب 2/ 577 (لحح)).
__________
(2) المجادلة: 19.(3/112)
هذا باب النسب إلى كلّ اسم قبل آخره ياء مشدّدة
واعلم أنّه لابدّ من حذف إحدى الياءين لاجتماع الياءات والكسرة. والتي تحذفها المتحرّكة لأنّها لو بقيت للزمها القلب والتغيير.
فأمّا القلب، فلانفتاح ما قبلها، وأمّا التغيير، فلاجتماع الحركات مع الحروف المعتلّة. فلو شئت، لأسكنت. وذلك قولك في النسب إلى «أسيّد»: «أسيديّ»، وإلى «هيّن»: «هينيّ»، وإلى «ميّت»: «ميتي»، لا يكون إلّا ذلك. وقد كان يجوز التخفيف من قبل ياء النسب استثقالا للإدغام في حروف اللين، فلمّا توالت الياءات والكسرة، لم يكن إلّا التخفيف.
فأمّا التخفيف الأوّل، فهو قولك في «ميّت»: «ميت»، وكذلك في «سيّد»: «سيد»، وفي «هيّن»: «هين»، و «ليّن»: «لين».
ويلزم التخفيف باب «صيرورة»، و «قيدودة»، و «كينونة»، لكثرة العدد. ولولا التخفيف، لكان «كيّنونة»، و «صيّرورة» لأنّها «فيعلولة».
فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون «فعلولة»؟
قيل له: لو كانت «فعلولة»، لخالفت لأنّ هذا البناء لا يكون إلّا مضموم الأوّل، وكنت تقول: «كونونة»، و «قودودة» لأنّها من «القود»، و «الكون» ألا ترى أنّ «ميت» لو كان «فعل»، لكان «موت» لأنّه من الواو، ولكنّه محذوف من «فيعل». فهذا أمر واضح.
* * *
هذا باب ما كان على ثلاثة أحرف مما آخره حرف لين(3/113)
* * *
هذا باب ما كان على ثلاثة أحرف مما آخره حرف لين
اعلم أنّ ما كان من ذلك على «فعل»، فإنّ الألف مبدلة من يائه أو واوه. وذلك قولك: «رحا»، و «قفا»، و «عصا».
واعلم أنّ النسب إلى ما كان من الياء كالنّسب إلى ما كان من الواو. وذلك أنّك تقلب هذه الألف واوا من أيّ البابين كانت. تقول في «قفا»: «قفويّ»، وفي «عصا»: «عصويّ»، وكذلك «حصى»، و «رحى». تقول: «حصويّ»، و «رحويّ».
وإنّما قلبت الألف المنقلبة من الياء واوا لكراهيّتك اجتماع الياءات والكسرات، فصار اللفظ في النسب إلى المقصور الذي على ثلاثة أحرف واحدا.
* * * وكذلك إن كان على «فعل» نحو: «عم»، و «شق». ذهبت به في النسب إلى «فعل» فقلت: «عمويّ»، و «شقويّ»، وفي النسب إلى «الشجي»: «شجويّ» فإنّما فعلت ذلك كراهيّة لاجتماع الياءات والكسرات. وأنت في غير المعتلّ كنت تفعل ذلك كراهيّة لتوالي الكسرتين والياءين. فهذا هاهنا أوجب.
* * * فأمّا غير المعتلّ، فنحو قولك في «النمر»: «نمريّ»، وفي «شقرة»: «شقريّ» ألا ترى أنّك قد سوّيت بين «فعل»، و «فعل». فلو كان مكان الكسرة ضمّة، لم تغيّره لأنّه لم يتوال ما تكره، وذلك قولك في «سمرة»: «سمريّ» لا غير.
* * *
فإن كان على «فعل» و «فعل» جرى مجرى غير المعتلّ، وذلك أنّه يسكّن ما قبل آخره، فيقع عليه الإعراب كما يقع على غير المعتلّ. وذلك قولك: «هذا ظبي»، و «دلو»، و «نحي»، و «جرو» فاعلم.(3/114)
* * *
فإن كان على «فعل» و «فعل» جرى مجرى غير المعتلّ، وذلك أنّه يسكّن ما قبل آخره، فيقع عليه الإعراب كما يقع على غير المعتلّ. وذلك قولك: «هذا ظبي»، و «دلو»، و «نحي»، و «جرو» فاعلم.
على هذا يجري جميع هذا. فإذا نسبت إليه قلت: «ظبييّ»، و «نحييّ»، وكذلك إن لحقت شيئا منه الهاء لأنّ ياء النسب تعاقب هاء التأنيث. فكلّ ما نسبت إليه، فالهاء ملغاة منه، فكأنّه لم تكن هاء.
ألا ترى أنّك تقول في النسب إلى «طلحة»: «طلحيّ»، وإلى «حمدة»: «حمديّ».
فأمّا قول يونس في النسب إلى «ظبية»: «ظبويّ»، فليس بشيء. إنّما القول ما ذكرت لك.
* * * فإن كانت الياء شديدة أصليّة، فإنّ النسب على ضربين:
الأحسن في النسب إلى «حيّة»: «حيويّ». تحرّك ما قبل الياء الثانية لتقلبها ألفا، فإنّها إذا كانت كذلك، انقلبت واوا في النسب، وإن تركت على حالها جاز، وفيه قبح لاجتماع أربع ياءات مع الكسرة. وذلك قولك: «حيّيّ».
ومن قال: «حيويّ»، قال في النسب إلى «ليّة» وهو المصدر من «لويت»:
«لوويّ» لأنّها «لوية» في الأصل. فلمّا زال الإدغام أظهرت الواو.
فإن كانت الياء زائدة مثقّلة، فلا اختلاف في حذفها لياء النسب. وذلك قولك في النسب إلى «بختيّ»: «بختيّ» فاعلم، وإلى «بخاتيّ»: «بخاتيّ» فتصرف لأنّ الياء الظاهرة ياء النسب.
فإنّما وجب حذف هاتين الياءين ليائي الإضافة لأنّ ياءي الإضافة تعاقب هاء التأنيث، فتقول في النسب إلى «طلحة»: «طلحيّ»، وإلى «حنظلة»: «حنظليّ».
وإنّما عاقبتها لأنّه يؤتى بها زائدة في الاسم بعد الفراغ من تمامه، فإنّهما يحلّان محلّا واحدا. ألا ترى أنّك تقول: «تمرة»، و «تمر»، و «برّة» و «برّ»، فلا يكون بين الواحد والجمع إلّا الهاء.
وتقول على هذا: «زنجيّ» و «زنج»، و «روميّ» و «روم»، فلا يكون بينهما إلّا الياء المشدّدة فلذلك حلّتا محلّا واحدا.
فلمّا كانت الهاء تحذف لياء النسب، كان حذف الياء لها أوجب لأنّك لو أقررتها، كنت تجمع بين أربع ياءات مع العلّة التي ذكرنا من مضارعة الهاء. فعلى هذا، فأجر هذا الباب.(3/115)
وتقول على هذا: «زنجيّ» و «زنج»، و «روميّ» و «روم»، فلا يكون بينهما إلّا الياء المشدّدة فلذلك حلّتا محلّا واحدا.
فلمّا كانت الهاء تحذف لياء النسب، كان حذف الياء لها أوجب لأنّك لو أقررتها، كنت تجمع بين أربع ياءات مع العلّة التي ذكرنا من مضارعة الهاء. فعلى هذا، فأجر هذا الباب.
* * *
هذا باب الإضافة إلى الاسم الذي يكون آخره ياء مشدّدة، والأخيرة لام الفعل(3/116)
* * *
هذا باب الإضافة إلى الاسم الذي يكون آخره ياء مشدّدة، والأخيرة لام الفعل
اعلم أنّك إذا نسبت إلى شيء من ذلك، فإنّ الوجه أن تحذف من الاسم الياء الخفيفة التي كنت تحذفها من «حنيفة»، و «ثقيف»، فإذا فعلت ذلك، انقلبت الياء فيها ألفا، ثمّ انقلبت واوا ليائي النسبة كما تجب في لامات الفعل.
فمن ذلك قولك في «عديّ»: «عدويّ» لأنّك لمّا حذفت الياء التي تزيد في «فعيل» صارت «عد»، فاعلم، على وزن «عم»، فذهبت ب «فعل» إلى «فعل» لما ذكرت لك قبل هذا الباب، فقلت: «عدويّ» كما قلت: «عمويّ».
ومثل ذلك النسب إلى «أميّة». تقول: «أمويّ». تحذف ياء التصغير، فيصير كأنّك نسبت إلى «فعل».
وكذلك: «قصيّ». تقول في النسب إليه: «قصويّ».
فعلى ما ذكرت لك فأجر هذا الباب.
* * *
هذا باب النسب إلى المضاف من الأسماء(3/117)
* * *
هذا باب النسب إلى المضاف من الأسماء
اعلم أنّ الإضافة على ضربين:
أحدهما: ما يكون الأوّل معروفا بالثاني نحو قولك: «هذه دار عبد الله»، و «غلام زيد»، فإن نسبت إلى شيء من هذا، فالوجه أن تنسب إلى الثاني لأنّ الأوّل إنّما صار معرفة به.
وذلك قولك في «ابن الزبير»: «زبيريّ»، وفي «غلام زيد»: «زيديّ».
والوجه الآخر في الإضافة: أن يكون المضاف وقع علما، والمضاف إليه من تمامه، فالباب النسب إلى الأوّل، وذلك قولك في «عبد القيس»: «عبديّ»، وكذلك إن نسبت إلى رجل من «عبد الدار»: «عبديّ»، وكذلك إن نسبت إلى «أبي عبد الله بن دارم».
وقد تشتقّ العرب من الاسمين اسما واحدا لاجتناب اللبس وذلك لكثرة ما يقع «عبد» في أسمائهم مضافا. فيقولون في النسب إلى «عبد القيس»: «عبقسيّ»، وإلى «عبد الدار»:
«عبدريّ»، وإلى «عبد شمس»: «عبشميّ». والوجه ما ذكرت لك أوّلا. وإنّما فعل هذا لعلّة اللبس.
* * *
هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا(3/118)
* * *
هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا
اعلم أنّك إذا نسبت إلى اسمين قد جعلا اسما واحدا، فإنّما النسب إلى الصدر منهما.
وذلك قولك في النسب إلى «بعلبكّ»: «بعليّ»، وإلى «حضرموت»: «حضريّ»، وإلى «رام هرمز»: «راميّ».
وقد يجوز أن تشتقّ منهما اسما يكون فيه من حروف الاسمين كما فعلت ذلك في الإضافة. والوجه ما بدأت به لك. وذلك قولك في النسب إلى «حضر موت»: «حضرميّ» كما قلت في «عبد شمس»، و «عبد الدار»: «عبشميّ»، و «عبدريّ».
* * *
هذا باب ما يقع في النسب بزيادة لما فيه من المعنى الزائد على معنى النسب(3/119)
* * *
هذا باب ما يقع في النسب بزيادة لما فيه من المعنى الزائد على معنى النسب
وذلك قولك في الرجل تنسبه إلى أنّه «طويل اللّحية»: «لحيانيّ»، وفي «طويل الجمّة» [1]: «جمّانيّ»، وفي «طويل الرّقبة»: «رقبانيّ»، وفي كثير الشّعر: «شعرانيّ» فإنّما زدت لما أخبرتك به من المعنى، فإن نسبت رجلا إلى «رقبة»، أو «شعر»، أو «جمّة»، قلت: «جمّيّ»، و «شعريّ»، و «رقبيّ»، لأنّك تزيد فيه ما تزيد في النسب إلى «زيد»، و «عمرو».
* * * واعلم أنّ أشياء قد نسب إليها على غير القياس للّبس مرّة، وللاستثقال أخرى، وللعلاقة أخرى. والنسب إليها على القياس هو الباب.
فمن تلك الأشياء قولهم في النسب إلى «زبينة» [2]: «زبانيّ».
وإنّما الوجه «زبنيّ» كقولك في «حنيفة»: «حنفيّ»، وفي «ربيعة»: «ربعيّ»، ولكنّهم أبدلوا الألف من الياء كما قالوا في «بقي»: «بقا»، وفي «رضي»: «رضا». والبدل كثير في الكلام، وهو مشروح في باب التصريف.
* * * ومن ذلك قولهم في النّسب إلى «الشام»، و «اليمن»: «يمان يا فتى»، و «شآم يا فتى»، فجعلوا الألف بدلا من إحدى الياءين. والوجه «يمنيّ»، و «شاميّ».
ومن قال: «يماني»، فهو كالنسب إلى منسوب، وليس بالوجه.
وقالوا في النسب إلى «تهامة»: «تهاميّ»، فاعلم، ومن أراد العوض غيّر، ففتح التاء، وجعل «تهامة» على وزن «يمن»، فتقديره: «تهم» فاعلم، ويقال في النسب إليه: «تهام»،
[1] الجمة: مجتمع شعر الرأس. (لسان العرب 12/ 107 (جمم)).
[2] زبينة: حيّ من العرب. (لسان العرب 13/ 196 (زبن)).(3/120)
فاعلم. ففتحة التاء تبين لك أنّ الاسم قد غيّر عن حدّه.
وكلّ شيء سمّيته باسم من هذه، فنسبت إليه لم يكن إلّا على القياس.
ألا ترى أنّك تقول: «تقيّة»، و «تكأة»، فتبدل التاء من الواو، ولو بنيت من هذا شيئا اسما، لحذفت التاء وردّت الواو لأنّها الأصل.
فالبدل يقع لمعان في أشياء تردّ إلى أصولها. فهذا ما ذكرت لك.
وقد قالوا في النسب إلى البصرة: «بصريّ»، فالكسر من أجل الياء، والوجه:
«بصريّ»، ولو سمّيت شيئا «البصرة»، فنسبت إليه، لم تقل إلّا: «بصريّ»، وهو أجود القولين في النسب قبل التسمية.
وكذلك قولهم في الذي قد أتى عليه الدهر: «دهريّ» ليفصلوا بينه وبين من يرجو الدهر، ويخافه، والقياس: «دهريّ» في جميعها. فكلّ ما كان على نحو ممّا ذكرت لك، فالتسمية تردّه إلى القياس.
* * *
هذا باب النسب فيما كان على أربعة أحرف ورابعه ألف مقصورة(3/121)
* * *
هذا باب النسب فيما كان على أربعة أحرف ورابعه ألف مقصورة
أمّا ما كانت ألفه أصلا، أو ملحقة بالأصل منصرفة في النكرة، فإنّ الوجه فيه والحدّ إثبات الألف، وقلبها واوا للتحرّك الذي يلزمها، وذلك قولك في النسب إلى «ملهى»:
«ملهويّ»، وإلى «معزى»: «معزويّ»، وإلى «أرطى»: «أرطويّ».
فإن كانت الألف للتأنيث، ففيها ثلاثة أقاويل:
أجودها، وأحقّها بالاختيار، وأكثرها، وأصحّها، وأشكلها لمنهاج القياس حذف الألف. فتقول في النسب إلى «حبلى»: «حبليّ»، وإلى «دنيا»: «دنييّ»، وكذلك: «بشرى»، و «سكرى»، و «دفلى» [1]، وما أشبه ذلك.
ويجوز أن تلحق واوا زائدة، لأنّك إذا فعلت ذلك، فإنّما تخرجه إلى علامة التأنيث اللازمة له.
وذلك قولك: «دنياويّ»، و «دفلاويّ» حتّى يصير بمنزلة «حمراويّ»، و «صحراويّ».
فهذا مذهب وليس على الحدّ، ولكنّك وكّدته لتحقّق منهاج التأنيث.
والقول الثالث: أن تقلب الألف واوا لأنّ الألف رابعة، فقد صارت في الوزن بمنزلة ما الألف من أصله. تقول: «حبلويّ»، و «دفلويّ». فمن قال هذا فشبّهه ب «ملهى» و «معزى» أجاز في النسب إلى ما الألف فيه أصليّة الحذف يشبّهها بألف التأنيث كما شبّه الألف به. تقول: «ملهيّ»، و «مغزيّ» في النسب إلى «ملهى»، و «مغزى»، وهو أردأ الأقاويل لأنّ الفصل هاهنا لازم إذ كان أحد الألفين أصلا، والآخر زائدا.
* * * [1] الدفلى: شجر مرّ أخضر حسن المنظر يكون في الأودية. (لسان العرب 11/ 245 (دفل))(3/122)
فإن كانت الألف خامسة مقصورة، فليس فيها إلّا الحذف منصرفة كانت أو غير منصرفة. وذلك نحو: «مرامى»، و «حبارى» [1]، و «شكاعى» [2]. تقول: «مراميّ»، و «حباريّ». وذلك لأنّها كانت تحذف رابعة إذا كانت للتأنيث، ويجوز مثل ذلك فيها إذا كانت أصليّة، فلمّا زاد العدد، لم يكن إلّا الحذف، وكلّما ازداد كثرة، كان الحذف أحرى.
وكذلك إن كان على أربعة أحرف ثلاثة منها متحرّكة، لم يكن إلّا الحذف، ولم تكن الألف إلّا للتأنيث، وذلك نحو: «جمزى» [3]. لا يكون فيها مثل لغة من قال: «حبلويّ» لأنّ الحركة أخرجته عن ذلك كما أخرجت «قدما» عن أن تنصرف اسم امرأة كما تنصرف «هند»، و «دعد» لأنّها زادت عليها حركة.
* * * فإن كان الاسم ممدودا، لم يحذف منه شيء، وانقلبت المدّة واوا، لأنّها حرف حيّ فلا يحذف، ولأنّها للتأنيث تنقلب، ولا تكون كحرف الأصل. وذلك قولك في «حمراء»:
«حمراويّ»، وفي «خنفساء»: «خنفساويّ».
فإن كان منصرفا وحروفه أصل، فالوجه إقرار الهمزة وذلك قولك في النسب إلى «قرّاء»: «قرائيّ»، فالهمزة أصل، وفي «رداء»: «ردائيّ»، فالهمزة منقلبة، وحالها كحال تلك.
وكذلك الملحقة نحو: «علباء» [4]، و «حرباء» [5]، وقد يجوز القلب في هذا المنصرف نحو: «علباويّ»، و «حرباويّ». فهو في هذا الحيّز أصلح لأنّ الهمزة زائدة.
ويجوز أيضا في «رداء»، و «كساء» وهو فيهما أجود منه في «قرّاء» لأنّ الهمزة في «رداء»، و «كساء» منقلبة وهو فيه أبعد أن تقول: «قرّاويّ».
[1] الحبارى: طائر. (لسان العرب 4/ 160 (حبر)).
[2] الشّكاعى: نبت، وشجرة صغيرة ذات شوك. (لسان العرب 8/ 185 (شكع)).
[3] الجمزى: الوثّاب السريع. (لسان العرب 5/ 323 (جمز)).
[4] العلباء: عصب في العنق. (لسان العرب 1/ 627 (علب)).
[5] الحرباء: مسمار الدرع، والظهر. (لسان العرب 1/ 306 (حرب)).(3/123)
هذا باب النسب إلى الجماعة
اعلم أنّك إذا نسبت إلى جماعة، فإنّما توقع النسب على واحدها. وذلك قولك في رجل ينسب إلى «الفرائض»: «فرضيّ» لأنّك رددته إلى «فريضة»، فصار كقولك في النسب إلى «حنيفة»: «حنفيّ». فهذا هو الباب في النسب إليها.
والنّسب إلى «مساجد»: «مسجديّ»، وإلى «أكلب»: «كلبيّ».
وإنّما فعل ذلك ليفصل بينها، وهي جمع، وبينها إذا كانت اسما لشيء واحد لأنّها إذا سمّي واحد بشيء منها كان النسب على اللفظ لأنّه قد صار واحدا. وذلك قولك في رجل من بني «كلاب»: «كلابيّ».
فإن نسبته إلى «الضباب»، قلت: «ضبابيّ».
وتقول: «رجل معافريّ» و (معافر بن مرّ أخو تميم).
وتقول في النسب إلى «أكلب» من «خثعم»: «أكلبيّ»، وكذلك هذا أجمع.
ونظير ذلك قولك في النسب إلى «المدائن»: «مدائني» لأنّها اسم لبلد واحد.
وتقول في رجل من «أبناء سعد»: «أبناويّ» لأنّه قد صار اسما لهم، ولو قلت:
«أبنائيّ» كان جيّدا كما تقول: «كسائيّ» و «كساويّ».
فإن نسبت إليه وأنت تقدّر أنّ كلّ واحد منهم ابن على حياله، ثمّ تجمعهم، قلت:
«ابنيّ» و «بنويّ». أيّ ذلك قلته فصواب: لأنّه النسب إلى «ابن».
* * *
هذا باب النّسب إلى كلّ اسم على حرفين(3/124)
* * *
هذا باب النّسب إلى كلّ اسم على حرفين
اعلم أنّه ما كان من الأسماء على حرفين، فإن ردّ الحرف الثالث إليه في الجمع بالتاء، أو التثنية، فالنّسبة تردّه. لا يكون إلّا ذلك. وذلك قولك في النسب إلى «أخت»: «أخويّ» لقولك: «أخوات»، وإلى «سنة»: «سنويّ» فيمن قال: «سنوات». ومن قال: «سانهت»، و «سنيهة» في التحقير قال: «سنهيّ».
وفي النسب إلى «أب»، و «أخ»: «أبويّ»، و «أخويّ» لقولك: «أبوان»، و «أخوان»، وكذلك هذا الجمع لا يكون غير ما ذكرت لك.
وإن لم تردّ الحرف الثالث في تثنية، ولا جمع بالتاء، فأنت في النسب مخيّر: إن شئت، رددته، وإن شئت، لم تردده. وذلك قولك في النسب إلى «دم»: «دميّ»، و «دمويّ»، وفي النسب إلى «يد»: «يديّ»، و «يدويّ» في قول سيبويه فأمّا الأخفش فيقول: «يديّ»، و «يدييّ»، ويقول: أصل «يد» «فعل»، فإن رددت ما ذهب، رجعت بالحرف إلى أصله. فهذا قوله في كلّ هذا.
وسيبويه وأصحابه يقولون: رددنا إلى حرف قد لزمه الإعراب لجهد الاسم فلا يحذف ما كان يلزمه قبل الردّ.
وسيبويه يزعم أنّ «دما»: «فعل» في الأصل، وهذا خطأ لأنّك تقول: «دمي يدمى فهو دم». فمصدر هذا لا يكون إلّا «فعل» كما تقول: «فرق يفرق»، والمصدر «الفرق»، والاسم «فرق»، وكذلك: «الحذر»، و «البطر»، وجميع هذا الباب.
ومن الدليل أنّه «فعل» أنّ الشاعر لمّا اضطرّ، جاء به على «فعل»، قال [من الوافر]:
* جرى الدّميان بالخبر اليقين [1] *
[1] تقدم بالرقم 72.(3/125)
فأمّا «يد» ف «فعل» ساكنة لا اختلاف في ذلك لأنّ جمعها «أيد» و «أفعل» إنّما هو جمع «فعل» نحو: «أكلب»، و «أفلس»، و «أفرخ».
و «غد» «فعل» لأنّ أصله «غدو».
وحقّ هذه الأسماء المحذوفة أن يحكم عليها بسكون الأوسط إلّا أن تثبت الحركة لأنّ الحركة زيادة فلا تثبت إلّا بحجّة ألا ترى أنّ الشاعر لمّا اضطرّ إلى الردّ، ردّ على الإسكان فقال [من الرجز]:
* إنّ مع اليوم أخاه غدوا [1] * وقال الشاعر [من الطويل]:
وما الناس إلّا كالدّيار وأهلها ... بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع [2]
وإنّما كانت الإضافة رادّة ما رجع في التثنية والجمع بالتاء وما لم تردّه تثنية ولا جمع لأنّ الإضافة أردّ وذلك أنّها مغيّرة أواخر الأسماء لا محالة لأنّ الإعراب عليها يقع، ولأنّه يلزمها الحذف من قولك: «أسيديّ»، و «أمويّ»، و «حنفيّ»، ونحو ذلك.
والتغيير في مثل «بصريّ» وما ذكرنا يدلّ على ما بعده فلذلك كنت رادّا في الإضافة ما يرجع في تثنية أو جمع بالتاء لا محالة، ومخيّرا فيما لم يرجع في تثنية ولا جمع.
* * * واعلم أنّ كلّ ما كان من بنات الحرفين، فحذفت منه حرفا مزيدا، تجعل عدّته ثلاثة، فلا بدّ من الردّ لأنّك لمّا حذفت ما ليس منه، لزمك أن تردّ ما هو منه إذ كنت قد ترد فيما لا تحذف منه شيئا لأنّه له في الحقيقة. وذلك قولك في النسب إلى «ابن»: «ابنيّ»، إذا اتّبعت اللفظ، فإن حذفت ألف الوصل، رددت موضع اللام فقلت: «بنويّ».
ولا تقول في «أخت» إلّا «أخويّ» لأنّ التاء تحذف كما تحذف الهاء في النسب لأنّها تلك في الحقيقة. وذلك قولك في «طلحة»: «طلحيّ»، وفي «عمرة»: «عمريّ»، فإذا حذفت التاء من «أخت»، لم تقل إلّا «أخويّ»، وكذلك: «بنت»: «بنويّ» لأنّ التاء تذهب.
[1] تقدم بالرقم 220.
[2] تقدم بالرقم 221.(3/126)
ومن قال: «ابنة»، قال: «ابنيّ» على قولك: «ابنيّ» في «ابن».
ومن قال في «ابن»: «بنويّ» قال في مؤنّثه: «بنويّ».
وذلك أنّ النسب إلى كلّ مؤنّث كالنسب إلى مذكّره. تقول في النسب إلى «ضارب»:
«ضاربيّ»، وكذلك هو إلى «ضاربة».
* * *
هذا باب ما كان على حرفين ممّا ذهب منه موضع الفاء(3/127)
* * *
هذا باب ما كان على حرفين ممّا ذهب منه موضع الفاء
وذلك قولك: «عدة»، و «زنة» لأنّ الأصل كان «وعدة»، و «وزنة» لأنّه من «وعدت»، و «وزنت»، وكذلك: «رثة» من قولك: «ورثته رثة»، و «جدة».
وكلّ مصدر على «فعلة» ممّا فاؤه واو، فهذه سبيله، وقد مضى القول في حذف هذه الواو في موضعه.
فإذا نسبت إلى شيء منه، لم تغيّره لبعده من ياء النسب. تقول: «عديّ»، و «زنيّ».
فإن نسبت إلى «شية»، فلا بدّ من الرد لأنّه على حرفين أحدهما حرف لين، ولا تكون الأسماء على ذلك. فإنّما صلح قبل النسب من أجل هاء التأنيث. فإذا نسبت إليه، حذفت الهاء. وكان سيبويه يقول في النسب إليه: «وشويّ» على أصله لأنّه، إذا ردّ، لم يغيّر الحرف عن حركته. هذا مذهبه، ومذهب الخليل على ما تقدّم من قولنا حيث ذكرنا «يدا» وقوله فيها: «يدويّ» فيمن ردّ، و «غدويّ» في «غد» فيمن «ردّ».
وكان أبو الحسن الأخفش يقول في النسب إليها: «وشييّ» لأنّه يقول: إذا رددت ما ذهب من الحرف، رددته إلى أصله، وثبتت الياء لسكون ما قبلها كما تقول في النسب إلى «ظبي»: «ظبييّ». وقد مضى ذكر القولين في موضعه.
* * * واعلم أنّه من ردّ في الاسم من ذوات الحرفين الذي لا يرجع منه في تثنية ولا جمع بالتاء نحو: «دمويّ»، و «يدويّ»، فإنّه لا يردّ في «عدة» لأنّ الذاهب منه ليس ممّا تغيّره الإضافة.
وكذلك ما ذهب منه موضع العين فغير مردود، نحو: «مذ»، لو سمّيت بها رجلا، لم تقل: «منذيّ»، ولكن «مذيّ»، فاعلم.
فقد شرحت لك أن ياء الإضافة لا يردّ لها ما كان على حرفين إلّا موضع اللام لأنّها لا تغيّر غير اللام.(3/128)
وكذلك ما ذهب منه موضع العين فغير مردود، نحو: «مذ»، لو سمّيت بها رجلا، لم تقل: «منذيّ»، ولكن «مذيّ»، فاعلم.
فقد شرحت لك أن ياء الإضافة لا يردّ لها ما كان على حرفين إلّا موضع اللام لأنّها لا تغيّر غير اللام.
تقول: «هذا زيد» فاعلم، فإذا نسبت إليه قلت: «زيديّ»، فكسرت الدال من أجل الياء، ولم تقرّها على الإعراب لأنّ الإعراب في الياء، ولا يكون في اسم إعرابان.
فأمّا قوله [من الطويل]:
[297] هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشدّ رجام
فإنّما «فم» أصله: «فوه» لأنّه من «تفوّهت بكذا»، وجمعه «أفواه» على الأصل، فإذا قلت: «هذا فو زيد»، فقد حذفت موضع اللام، ولولا الإضافة، لم يصلح اسم على حرفين أحدهما حرف لين. ولكن تثبت في الإضافة لأنّها تمنعه التنوين.
[297] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 215وتذكرة النحاة ص 143وجواهر الأدب ص 95وخزانة الأدب 4/ 464460، 7/ 476، 546والدرر 1/ 156وسرّ صناعة الإعراب 1/ 417، 2/ 485وشرح أبيات سيبويه 2/ 258وشرح شواهد الشافية ص 115والكتاب 3/ 365، 622ولسان العرب 12/ 459 (فمم)، 13/ 526، 528 (فوه) والمحتسب 2/ 238وبلا نسبة في أسرار العربية ص 235والأشباه والنظائر 1/ 216وجمهرة اللغة ص 1307والخصائص 1/ 170، 3/ 147، 211وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 215والمقرب 2/ 129وهمع الهوامع 1/ 51.
اللغة: النّابح: الكلب الذي ينبح. العاوي: الذي لوى خطمه ثمّ صوّت. أشد رجام: أكثر مبالغة في قبيح الكلام.
المعنى: هما (ابليس وابنه) أفرغا أقبح الكلام في فمي من فيهما، لأصبّه على الكلاب التي تعوي وتنبح، يقصد الناس التي تتفاخر بما ليس فيها.
الإعراب: «هما»: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «نفثا»: فعل ماض مبني على الفتح، وألف الاثنين: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «في فيّ»: جار ومجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة، متعلّقان ب (نفثا)، والياء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «من فمويهما»: جار ومجرور متعلّقان ب (نفثا)، و «هما»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «على النابح»: جار ومجرور متعلّقان ب (نفثا). «العاوي»:
صفة مجرورة بالكسرة المقدّرة على الياء. «أشدّ»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: (هو). «رجام»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «هما نفثا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نفثا»: في محلّ رفع خبر ل (هما). وجملة: «هو أشد رجام» استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «فمويهما» حيث جمع بين الميم والواو وهي عوض منها لضرورة الشعر إذ أصل كلمة (فم) هو (فوه) ثم حذفوا الهاء اعتباطا دون تعويض، ثم حذفوا الواو وعوّضوا عنها بالميم، فإذا ثنّيت قلت «فوهيهما».(3/129)
وكذلك قولك: «هذا ذو مال»، فأنت تقول: «رأيت فا زيد»، و «مررت بفي زيد»، فإن أفردت، لم يصلح اسم على حرفين، أحدهما حرف لين لأنّ التنوين يذهب حرف اللين، فيبقى الاسم على حرف، فتقول في الإفراد «فم» فاعلم، فتبدل الميم من الواو لأنّهما من مخرج واحد. وإنّما الميم والباء والواو من الشفة، وكانت الميم أولى بالبدل من الباء لأنّ الواو من الشفة. ثمّ تهوي إلى الفم لما فيها من المدّ واللين، حتّى تنقطع عند مخرج الألف. والميم تهوي في الفم حتّى تتّصل بالخياشيم لما فيها من الغنّة. والباء لازمة لموضعها.
فأمّا قوله: «فمويهما»، فإنّه جعل الواو بدلا من الهاء لخفائها للّين، وأنّ الهاء خفيّة.
فمن قال «فمان»، قال في النسب: «فميّ»، و «فمويّ».
ومن قال: «فموان»، لم يجز في النسب إلّا «فمويّ».
* * *
هذا باب النّسبة إلى التثنية والجمع(3/130)
* * *
هذا باب النّسبة إلى التثنية والجمع
اعلم أنّك إذا نسبت إلى مثنّى، حذفت منه الألف والنون، وحذفهما لأمرين.
أحدهما: أنّهما زيدا معا، وقد مضى هذا في باب «عطشان»، و «حمراء».
والوجه الثاني: أنّه يستحيل النسب إليه وألف التثنية أو ياؤها فيه لأنّه يجتمع في الاسم رفعان، أو نصبان، أو خفضان.
فإن أضفت إلى جمع مذكّر، فهو كذلك. تقول في النسب إلى «مسلمين» أو «مسلمين»: «مسلميّ»، وإلى «رجلين»: «رجليّ» كما ينسب إلى الواحد، وكما ذكرت لك قبل الجماعة لتفصل بينها وبين الواحد المسمّى بجماعة.
وتقول في النسب إلى «مسلمات»: «مسلميّ»، فتحذف الألف والتاء كما حذفت الألف والنون، والواو والنون وكما تحذف هاء التأنيث إذا قلت في «طلحة»: «طلحيّ».
* * *
هذا باب ما يبنى عليه الاسم لمعنى الصناعة لتدلّ من النسب على ما تدلّ عليه الياء(3/131)
* * *
هذا باب ما يبنى عليه الاسم لمعنى الصناعة لتدلّ من النسب على ما تدلّ عليه الياء
وذلك قولك لصاحب الثياب: «ثوّاب»، ولصاحب العطر: «عطّار»، ولصاحب البزّ:
«بزّاز».
وإنّما أصل هذا لتكرير الفعل، كقولك: «هذا رجل ضرّاب»، و «رجل قتّال»، أي:
يكثر هذا منه، وكذلك: «خيّاط»، فلمّا كانت الصناعة كثيرة المعاناة للصّنف، فعلوا به ذلك، وإن لم يكن منه فعل نحو: «بزّاز»، و «عطّار».
فإن كان ذا شيء، أي: صاحب شيء بني على «فاعل» كما بني الأوّل على «فعّال»، فقلت: «رجل فارس»، أي: صاحب فرس، و «رجل دارع»، و «نابل»، و «ناشب»، أي:
هذه آلته. قال الشاعر [من مجزوء الكامل]:
[298] وغررتني، وزعمت أن ... نك لابن بالصيف تامر
[298] التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 33وأدب الكاتب ص 327والخصائص 3/ 282وشرح أبيات سيبويه 2/ 230وشرح المفصّل 6/ 13والكتاب 3/ 381ولسان العرب 13/ 374 (لبن) وبلا نسبة في رصف المباني ص 72والصاحبي في فقه اللغة ص 181.
اللغة: غرّ: خدع. لابن وتامر: أي صاحب لبن وتمر.
الإعراب: وغررتني: الواو: بحسب ما قبلها، «غررتني»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير في محلّ نصب مفعول به. وزعمت: الواو: حرف عطف، «زعمت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. أنك: حرف مشبّه بالفعل، والكاف: ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». لابن: خبر «أنّ» مرفوع. بالصيف: جار ومجرور متعلقان ب «لابن». تامر: خبر ثان ل (أنّ).(3/132)
فأمّا قوله [من الطويل]:
[299] وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبّال
فإنّه كان حقّه أن يقول: «وليس بنابل»، ولكنّه كثر ذلك منه ومعه.
* * * واعلم أنّ قولهم: {عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} (1)، و «رجل طاعم كاس». إنّما هو على ذا.
معناه: عيشة فيها رضا، ورجل له طعام وكسوة.
وجملة «غررتني»: بحسب ما قبلها. وجملة «زعمت»: معطوفة على سابقتها. والمصدر المؤول من «أنّ» وما دخلت عليه في محلّ نصب مفعول به ل «زعم».
الشاهد فيه قوله: «لابن» و «تامر» حيث استغنى عن ياء النسب بصوغ الفاعل بمعنى «صاحب لبن» و «صاحب تمر».
[299] التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 33وشرح أبيات سيبويه 3/ 221وشرح شواهد المغني 1/ 341وشرح المفصّل 6/ 14والكتاب 2/ 383ولسان العرب 11/ 642 (نبل) والمقاصد النحوية 4/ 540وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 745ومغني اللبيب 1/ 111.
الإعراب: «وليس»: الواو: بحسب ما قبلها، «ليس»: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو». «بذي»: الباء: حرف جرّ زائد، «ذي»: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس»، وهو مضاف. «رمح»: مضاف إليه مجرور. «فيطعنني»: الفاء السببيّة، «يطعنني»: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، والنون الثانية للوقاية، والياء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها معطوف على مصدر مرفوع منتزع من الكلام السابق. «به»: جار ومجرور متعلّقان ب «يطعن». «وليس»: الواو: حرف عطف، «ليس»: فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر تقديره. هو. «بذي»: الباء: حرف جرّ زائد، و «ذي»: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس»، وهو مضاف. «سيف»: مضاف إليه مجرور. «وليس»: الواو: حرف عطف، «ليس»: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: «هو». «بنبّال»: الباء حرف جرّ زائد، «نبّال»: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس».
وجملة «ليس بذي رمح»: بحسب ما قبلها. وجملة «يطعنني»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «ليس بذي سيف»: معطوفة على الجملة الأولى. وجملة «ليس بنبال»: معطوفة على الجملة الأولى أيضا.
الشاهد فيه قوله: «نبّال» حيث بناه على «فعّال»، والقياس «نابل» أي: ذو نبل، ولكنّه أجراه مجرى صاحب الصفة، كما قيل: بغّال وسيّاف.
__________
(1) الحاقة: 21والقارعة: 7.(3/133)
وكذلك: «همّ ناصب»، إنّما هو: فيه نصب.
* * * وكذلك كلّ مؤنّث نعت بغير هاء نحو: «طامث»، و «حائض»، و «متئم»، و «طالق».
فما كان من هذا مبنيّا على فعل، فهو كقولك: «ضربت فهي ضاربة»، و «جلست فهي جالسة». قال الله عزّ وجلّ: {يَوْمَ تَرَوْنَهََا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمََّا أَرْضَعَتْ} (1)، لأنّه جاء مبنيّا على «أرضعت».
وما كان على غير فعل، فعلى معنى النسب الذي ذكرت لك. وذلك أنّك تريد: لها حيض، ومعها طلاق. وتأويله: هي ذات كذا.
فأمّا قول بعض النحويّين: إنّما تنزع الهاء من كلّ مؤنّث لا يكون له مذكّر، فيحتاج إلى الفصل، فليس بشيء لأنّك تقول: «رجل عاقر»، و «امرأة عاقر»، و «ناقة ضامر»، و «بكر ضامر».
وكذلك: «امرأة قتول»، و «رجل قتول»، و «امرأة معطار»، و «رجل معطار»، فهذا على ما وصفت لك.
فأمّا قولهم: «بعير عاضة»، و «بعير حامض»، فهو على هذا إنّما معناه: أنّه معتاد لأكل الحمض [2] ولأكل العضاه [3]. فوقع النسب على معنى قولك: هو كذا، فهذا بابه.
* * * __________
(1) الحج: 2.
[2] الحمض من النبات: كل نبت مالح يقوم على سوق ولا أصل له، وقيل: كل نبات لا يهيج في الربيع، ويبقى على القيظ وفيه ملوحة، إذا أكلته الإبل شربت عليه، وإذا لم تجده رقّت وضعفت.
(لسان العرب 7/ 138 (حمض)).
[3] العضاه من الشجر: كل شجر له شوك. (لسان العرب 13/ 516 (عضه)).(3/134)
هذا باب المحذوف والمزيد فيه وتفسير ما أوجب ذلك فيهما
فمن المحذوف ما يكون حذفه قياسا لأنّ العلّة جارية فيه، وذلك ما كان من باب «وعد»، و «وزن»، وقد مضى قولنا في ذلك.
* * * ومن ذلك ما كان آخره ألفا أو ياء أو واوا من الأفعال، فإنّ الجزم يذهب هذه الحروف لأنّ الجزم حذف الأواخر، فإذا صادفت الحرف متحرّكا، حذفت الحركة، وإن صادفته ساكنا، كان الحرف هو المحذوف، وبقي ما قبله على حركته، وذلك قولك: «لم يغز»، و «لم يخش»، و «لم يرم»، فإذا وصلت، قلت: «لم يخش يا فتى»، و «لم يرم يا فتى»، و «لم يغز يا فتى». تدع الحركة على ما كانت عليه، لأنّك حذفت الحرف للجزم، فلم يكن لك على الحركة سبيل كما أنّك لمّا حذفت الحركة من «يضرب» ونحوه، لم يكن لك على الحرف سبيل، فبقي كهيئته. فما كان من حذف لعلّة تشمله، فذلك جامع لبابه.
* * * ومن المحذوف ما يحذف استخفافا من الشيء لأنّه لا يكون أصلا في بابه، ويكون الحرف الذي في آخره من الحروف التي أمرها الحذف، أو مضارعا لها.
فمن ذلك قولهم: «لم أبل»، و «لم يك»، و «لا أدر».
أمّا قولهم: «لم يك»، فإنّ الحدّ «لم يكن» وهو الوجه، أسكنت النون للجزم، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين كما تقول: «لم أقل»، و «لم أبع».
فأمّا من قال: «لم أك»، فإنه لمّا رأى النون ساكنة، وكانت مضارعة للياء والواو بأنّها تدغم فيهما، وتزاد حيث تزادان، فتكون للصرف، كما تكونان للإعراب، وتبدل الألف
منهما، كما تبدل منها في قولك: «اضربا»، إذا أردت النون الخفيفة، وفي قولك: «رأيت زيدا»، وتحلّ محلّ الواو في قولك: «بهرانيّ»، و «صنعانيّ»، وتحذف النون الخفيفة كما تحذف الياء والواو لالتقاء الساكنين.(3/135)
فأمّا من قال: «لم أك»، فإنه لمّا رأى النون ساكنة، وكانت مضارعة للياء والواو بأنّها تدغم فيهما، وتزاد حيث تزادان، فتكون للصرف، كما تكونان للإعراب، وتبدل الألف
منهما، كما تبدل منها في قولك: «اضربا»، إذا أردت النون الخفيفة، وفي قولك: «رأيت زيدا»، وتحلّ محلّ الواو في قولك: «بهرانيّ»، و «صنعانيّ»، وتحذف النون الخفيفة كما تحذف الياء والواو لالتقاء الساكنين.
وكانت تكون الأصل فيما مضى وما لم يقع. وذلك قولك: «أقام زيد»؟ فتقول: «قد كان ذاك». وتقول: «يقوم زيد»، فتقول: «يكون». فكانت العبارة دون غيرها من الأفعال.
فقد بانت بعلّة ليست في غيرها من أنّها عبارة وترجمة، فحذفت لسكونها استخفافا، فإن تحرّكت النون، لم يجز حذفها. تقول: «لم يك زيد منطلقا»، ولا تقول: «لم يك الرجل» لأنّها تتحرّك هاهنا لالتقاء الساكنين إذا قلت: «لم يكن الرجل».
* * * وأمّا «لم أبله»، فإنّه كثر في كلامهم، وكان الأصل في كلّ مطّرح، وكان يقول في الوقف: «لم أبال»، فيلتقي ساكنان: الألف، واللام، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين لكثرة هذه الحروف. ولولا كثرته، لم يحذف لأنّه يلتقي ساكنان في الوقف.
ومنهم من يقول: «لم أبله» فيحذف الألف لأنّها زائدة لما ذكرت لك من كثرة هذه الحروف.
فأمّا قولهم [من الرجز]:
[300] ويها فداء لك يا فضاله ... أجرّه الرّمح ولا تهاله
[300] التخريج: الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 88وسرّ صناعة الإعراب ص 81وشرح المفصل 4/ 72، 9/ 29ولسان العرب 11/ 711 (هول)، 13/ 563 (ويه)، 14/ 233 (خظا)، 15/ 150 (فدى) ونوادر أبي زيد ص 13، والخزانة 6/ 182.
اللغة: ويها: اسم فعل أمر يفيد التحريض، ومعناه هنا أقدم. أجرّه الرمح: اطعنه به في فمه. ولا تهاله: أصله: ولا تهل مبني للمجهول من هاله الشيء يهوله إذا أفزعه.
المعنى: يا فضال فداؤك نفسي أقبل على خصمك واطعنه بالرمح في فمه ولا تخف.
الإعراب: ويها: اسم فعل أمر بمعنى: أقدم، فاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت). فداء: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع. لك: جار ومجرور متعلقان بالخبر، والتقدير: فداء لك نفسي. يا: حرف نداء.
فضالة: منادى مفرد علم مبني علم الضم محله النصب، وسكن للقافية. أجرّه: فعل أمر مبني على السكون وحرّك بالفتح لالتقاء الساكنين، و «الهاء»: مفعول به، والفاعل مستتر وجوبا تقديره: أنت. الرمح مفعول به ثان منصوب بالفتحة. ولا: «الواو»: حرف عطف، «لا»: ناهية جازمة. تهاله: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم ب (لا) الناهية الجازمة، وكان يجب أن يقول: ولا تهله، بسكون اللام، وحذف الألف لالتقاء الساكنين ولكن أثبت الألف، وفتح اللام على أحد وجهين أولهما أنّه أراد نون التوكيد الخفيفة ثم حذفها،(3/136)
فإنّه حرّك اللام لالتقاء الساكنين لأنّه قد علم أنّه لا بدّ من حذف، أو تحريك، فكان الباب هاهنا الحذف، فيقول: «لا تهل»، ولكن للقافية حرّك لأنّ الحدّ «لا تهال»، فتسكّن اللام للجزم، ثمّ تحذف الألف لالتقاء الساكنين. فهذا حرّك اللام من أجل القافية حركة اعتلال، وحرّكها بالفتح لفتح ما قبلها ولما منه الفتح وهي الألف كما تقول: «عضّ يا فتى»، و «انطلق [1] يا فتى» فيمن أسكن، وأدخل الهاء لبيان الحركة.
* * * وقولهم: «لا أدر» رديء وإنّما كان يقف عليه، فوصله على وقفه، وقياسه قياس «سبسبّا» [2]، و «كلكلّا» [3]، ونحوهما. وقد مضى القول في هذا مفسّرا في موضع الوقف [4].
* * * فأمّا ما يزاد في مثل قولهم: «أمّهات» وهي في الإفراد: «أمّ»، وكذلك قولهم: «يا أمّت»، و «يا أبت» في النداء، فإنّ الهاء في «يا أمّت»، و «يا أبت» بدل من ياء الإضافة لأنّه من قال: «يا أبي لا تفعل»، و «يا أمّي لا تفعلي»، لم يقل: «يا أمّ»، و «يا أب»، ولكن يقول: «يا أبة لا تفعل»، فيجعل الهاء بدلا من الياء، ويلزمها الكسر لتدلّ على الياء لأنّ
فيكون فتح اللام علامة بناء ويكون الفعل مبنيا على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، ومحله الجزم، وثاني الوجهين هو أن يكون تخلص من التقاء الساكنين الناجم عن اجتماع الألف، وسكون الجزم بتحريك الساكن الثاني بالفتح، لا بحذف الساكن الأول، وهذا لا شك شاذ، واستحبّ الفتحة في التحريك لمناسبتها الألف، ولأنها الحركة الخفيفة المستحبة، والهاء الثانية في (تهاله) هي هاء السكت، ونائب الفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت).
وجملة «ويها»: ابتدائية لا محل لها، وجملة «فداء لك»: اعتراضية لا محل لها. وجملة «يا فضالة»:
استئنافية لا محل لها. وكذلك جملة «أجرّه»، وعطف عليها جملة «لا تهاله».
والشاهد فيه قوله: (تهاله) حيث حرّك اللام لالتقاء الساكنين، لأنه قد علم أنه لا بد من حذف أو تحريك، وكان القياس هنا الحذف، فيقول لا تهل، ولكنه حرّك للقافية.
[1] أصله: «انطلق»، فسكّنت اللام، فحرّكت القاف بالفتحة.
[2]: أصلها: «السبسب»، ووقف عليها بالتضعيف، والسبسب: شجر يتّخذ منه السهام. (لسان العرب 1/ 459 (سبسب)).
[3] أصلها: «الكلكل» ووقف عليها بالتضعيف، والكلكل والكلكال: الصدر من كل شيء، وقيل: هو ما بين الترقوتين. (لسان العرب 11/ 596 (كلل)).
[4] لم يتقدّم شيء من هذا، ولم يثبت المبرّد بابا للوقف في كتابه «المقتضب» هذا.(3/137)
هاء التأنيث لا تكون ساكنة لأنّها كاسم ضمّ إلى اسم.
فأمّا «أمّهات» فالهاء زائدة لأنّها من حروف الزوائد، تزاد لبيان الحركة في غير هذا الموضع فزيدت.
ولو قلت: «أمّات»، لكان هذا على الأصل، ولكن أكثر ما يستعمل «أمّهات» في الإنس، و «أمّات» في البهائم. فكأنّها زيدت للفرق، ولو وضع كلّ واحدة في موضع الأخرى لجاز. ولكنّ الوجه ما ذكرت لك.
والآخر إنّما يجوز في شعر. تردّه إلى الأصل فتقول: كلّ واحدة منهما أمّ.
فما جاز من زيادة في هذا أو حمل على الأصل، فهو في الآخر جائز.
قال الشاعر [من السريع]:
[301] قوّال معروف، وفعّاله ... عقّار مثنى أمّهات الرّباع
واعلم أنّ «لا أدري»، و «لم يكن»، و «لم أبال يا فتى» الوجه، والحدّ والاختيار:
الإتمام وإنّما ذكرنا الحذف لما فيه من العلل.
فأمّا باب «عدة» و «زنة»، فحذف ذلك الحدّ والقياس.
* * * والأسماء التي تنقص من الثلاثة لا يجوز أن ينقص منها شيء، إلّا ما كانت لامه ياء أو
[301] التخريج: البيت للسفاح بن بكير في خزانة الأدب 6/ 97وشرح اختيارات المفضّل ص 1363وشرح شواهد الإيضاح ص 196ولسان العرب 12/ 29 (أمم) وبلا نسبة في رصف المباني ص 402وسرّ صناعة الإعراب 2/ 565وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 383وشرح المفصل 10/ 4.
اللغة: العقّار: النحّار. ومثنى: أي واحدة بعد أخرى. والرّباع بالكسر جمع ربع بضم ففتح، وهو ما ينتج في أول نتاج الإبل، وخصّ أمهات الرّباع لأنها عزيزة.
المعنى: يصف فارسا أو سيدا بأنّه لا يقول إلا أحسن القول ولا يفعل إلّا أحسن الفعل، وهو جواد كثيرا ما ينحر كرام نوقه.
الإعراب: قوال: صفة لموصوف مجرور ذكر قبلا. معروف: مضاف إليه. وفعّاله: «الواو»: حرف عطف، «فعّاله»: معطوف على (قوّال)، و «الهاء»: مضاف إليه. عقّار: صفة ثانية. مثنى: مضاف إليه، وكذلك أمهات وكذلك الرّباع.
والشاهد فيه: أنّ (أمهات) جمع (أم) بزيادة الهاء ليس خاصا بالناس، وإن كان هذا هو الغالب، فقد عبّر به الشاعر هنا عما لا يعقل.(3/138)
واوا لأنّها تعتلّ، أو تكون من المضاعف، فتحذف للاستثقال، أو يكون خفيّا، فيحذف لخفائه. وحرف الخفاء هو الهاء.
فأمّا ما حذفت منه الياء والواو، فنحو: «يد»، وأصله: «يدي». والمحذوف ياء.
يدلّك على ذلك قولهم: «يديت إليه يدا». وتقول في الجمع: «أيدي».
وكذلك «دم» من «دميت».
فأمّا ما حذفت الهاء منه ف «شفة» لأنّها من «شافهت»، كذلك: «سنة» فيمن قال:
«سنيهة»، و «سانهت»، ومن قال: «سنيّة»، جعل المحذوف واوا من قولك: «سنوات».
فاعتبر هذا بهذا الضرب.
فإن قلت: «مذ» قد حذفت النون منه فإنّما ذلك لمضارعتها حروف اللّين، وقد ذكرنا دخولها في مداخلهنّ، وبيّناه تبيينا واضحا، وذكرنا حروف الزوائد، ومواقع زيادتهنّ، وبيّناه تبيينا يغني عن إعادته.
* * *
هذا باب ما يعرب من الأسماء وما يبنى(3/139)
* * *
هذا باب ما يعرب من الأسماء وما يبنى
اعلم أنّ حقّ الأسماء أن تعرب جمع وتصرف. فما امتنع منها من الصّرف فلمضارعته الأفعال لأنّ الصّرف إنّما هو التنوين، والأفعال لا تنوين فيها ولا خفض. فمن ثمّ لا يخفض ما لا ينصرف إلّا أن تضيفه أو تدخل عليه ألفا ولاما، فتذهب بذلك عنه شبه الأفعال، فتردّه إلى أصله لأنّ الذي كان يوجب فيه ترك الصّرف قد زال.
وكلّ ما لا يعرب من الأسماء فمضارع به الحروف لأنّه لا إعراب فيها.
وسنذكر من هذه الأسماء جملة تدلّ على جميعها، ونذكر ما ضارعت فيه الحروف لأنّا قد أحكمنا باب ما ينصرف وما لا ينصرف.
فمن تلك الأسماء: «كم»، و «أين»، و «كيف»، و «ما»، و «متى»، و «هذا»، و «هؤلاء»، و «جميع» المبهمة. ومنها: «الذي» و «التي»، ومنها: «حيث».
واعلم أنّ الدليل على أنّ ما ذكرنا أسماء وقوعها في مواضع الأسماء، وتأديتها ما يؤدّيه سائر الأسماء.
* * * أمّا «من» فتكون فاعلة، ومفعولة، وغير ذلك. تقول: «جاءني من في الدار»، و «ضربت من في الدار»، و «ضربت من عندك»، و «مررت بمن أكرمك».
وموقعها في الكلام في ثلاثة مواضع:
تكون خبرا، فتكون معرفة إذا وصلت، ونكرة إذا نعتت، وتكون استفهاما، وجزاء.
وتقول في الاستفهام: «من ضربك»؟ كما تقول: «أزيد ضربك»؟ وتقول: «من ضربت»؟ و «بمن مررت»؟ كما تقول في «زيد».
وكذلك الجزاء. تقول: «من يأتك تأته». ف «من» مرفوعة على تقدير: إن يأتك زيد
تأته، وتقول: «من تعط يكرمك»، على تقدير: زيدا تضرب، وكذلك: «بمن تمرر أمرر به». فهذا قد أوضح لك أنّها اسم.(3/140)
وكذلك الجزاء. تقول: «من يأتك تأته». ف «من» مرفوعة على تقدير: إن يأتك زيد
تأته، وتقول: «من تعط يكرمك»، على تقدير: زيدا تضرب، وكذلك: «بمن تمرر أمرر به». فهذا قد أوضح لك أنّها اسم.
فأمّا ما بنيت من أجله، ومنعت الإعراب لمضارعته فإنّها ضارعت في الجزاء «إن» التي هي حرف الجزاء، وفي الاستفهام تضارع الألف و «هل».
فأمّا في الخبر فلا يجب أن تعرب، لعلل منها:
وقوعها في الاستفهام والجزاء، ومنها أنّها في الخبر لا تتمّ إلّا بصلة، فإنّما تمامها صلتها، والإعراب بأواخر الأسماء.
* * * ومن هذه الأسماء «أين»، و «كيف»، ومضارعتها لحروف الاستفهام والجزاء قد وضحت لك، وتحريك آخرها لالتقاء الساكنين، حرّكت بالفتح للياء التي قبل أواخرها.
فكذلك: «حيث» في قول من فتح. فأمّا من ضمّ آخرها، فإنّما أجراها مجرى الغايات إذ كانت غاية، وتفسير هذا في موضعه من هذا الباب إن شاء الله.
وكلّ مبنيّ مسكّن آخره إن ولي حرفا متحرّكا لأنّ الحركات إنّما هي في الأصل للإعراب، فإن سكن ما قبل آخره، فلا بدّ من تحريك آخره لئلّا يلتقي ساكنان. فهذه حال المبنيّة إلّا ما ضارع منها المتمكّنة، أو جعل في موضع لعلّة بمنزلة غير المتمكّنة، وقد ذكرناه في الكتاب، وسنعيده في هذا الباب، لأنّه موضعه.
* * * ومن المبنيّات «أمس». تقول: «مضى أمس بما فيه»، و «لقيتك أمس يا فتى».
وإنّما بني لأنّه اسم لا يخصّ يوما بعينه، وقد ضارع الحروف.
وذلك أنّك إذا قلت: «فعلت هذا أمس يا فتى»، فإنّما تعني اليوم الذي يليه يومك، فإذا انتقلت عن يومك، انتقل اسم «أمس» عن ذلك اليوم فإنّما هي بمنزلة «من» التي لابتداء الغاية فيما وقعت عليه، وتنتقل من شيء إلى شيء، وليس حدّ الأسماء إلّا لزوم ما وضعت علامات عليه.
و «حيث زيد جالس»، فحيث انتقل زيد ف «حيث» منتقل معه. فأمّا كسر آخر «أمس» فلالتقاء الساكنين: الميم، والسين.
وإنّما كان الحدّ الكسر لما أذكره لك: وهو أنّه إذا كان الساكن الذي تحرّكه في الفعل كسرته لأنّك لو فتحته، لالتبس بالفعل المنصوب، ولو ضممته، لالتبس بالفعل المرفوع، فإذا كسرته، علم أنّه عارض في الفعل لأنّ الكسر ليس من إعرابه.(3/141)
و «حيث زيد جالس»، فحيث انتقل زيد ف «حيث» منتقل معه. فأمّا كسر آخر «أمس» فلالتقاء الساكنين: الميم، والسين.
وإنّما كان الحدّ الكسر لما أذكره لك: وهو أنّه إذا كان الساكن الذي تحرّكه في الفعل كسرته لأنّك لو فتحته، لالتبس بالفعل المنصوب، ولو ضممته، لالتبس بالفعل المرفوع، فإذا كسرته، علم أنّه عارض في الفعل لأنّ الكسر ليس من إعرابه.
وإن كان الساكن الذي تحرّكه في اسم كسرته لأنّك لو فتحته، لالتبس بالمنصوب غير المنصرف، وإن ضممت، التبس بالمرفوع غير المنصرف، فكسرته لئلّا يلتبس بالمخفوض إذ كان المخفوض المعرب يلحقه التنوين لا محالة فلذلك كان الكسر اللازم لالتقاء الساكنين.
* * * فأمّا الغايات فمصروفة عن وجهها وذلك أنّها ممّا تقديره الإضافة لأنّ الإضافة تعرّفها وتحقّق أوقاتها، فإذا حذفت منها، وتركت نيّاتها فيها، كانت مخالفة للباب معرفة بغير إضافة، فصرفت عن وجوهها، وكان محلّها من الكلام أن يكون نصبا أو خفضا.
فلمّا أزيلت عن مواضعها، ألزمت الضمّ، وكان ذلك دليلا على تحويلها، وأنّ موضعها معرفة، وإن كانت نكرة أو مضافة، لزمها الإعراب وذلك قولك: «جئت قبلك»، و «بعدك»، و «من قبلك»، و «من بعدك»، و «جئت قبلا وبعدا» كما تقول: «أوّلا» و «آخرا».
فإن أردت: قبل ما تعلم، فحذفت المضاف إليه، قلت: «جئت قبل وبعد»، و «جئت من قبل»، و «من بعد». قال الله عزّ وجلّ: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1)، وقال: {وَمِنْ قَبْلُ مََا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} (2).
وقال في الإضافة: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (3)، و {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (4).
وكذلك: «جئت من علو»، و «صبّ عليهم من فوق»، و «من تحت يا فتى»، إذا أردت المعرفة.
وكذلك: «من دون يا فتى».
* * * __________
(1) الروم: 4.
(2) يوسف: 80.
(3) آل عمران: 11.
(4) الفتح: 24.(3/142)
و «حيث» فيمن ضمّ وهي اللغة الفاشية. والقراءة المختارة {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لََا يَعْلَمُونَ} (1). فهي غاية، والذي يعرّفها ما وقعت عليه من الابتداء والخبر.
وإنّما حقّ هذا وبابه للظروف من الزمان، و «حيث» ظرف من المكان. ولكنّ ظروف الزمان دلائل على الأفعال، والأفعال توضّح معانيها.
ولو أفردت «حيث»، لم يصحّ معناها. فأضفتها إلى الفعل والفاعل، وإلى الابتداء والخبر كما تفعل بظروف الزمان لمضارعتها، ومشاركتها إيّاها بالإبهام فلذلك تقول:
«قمت حيث قمت»، و «قمت حيث زيد قائم» كما تقول: «قمت يوم قام زيد»، و «حين زيد أمير»، والغايات كلّها بمنزلة ما ذكرناه.
* * * وأمّا ظروف الزمان، فإنّما كانت بالفعل أولى لأنّها إنّما بنيت لما مضى منه، ولما لم يأت. تقول: «جئت» و «ذهبت»، فيعلم أنّ هذا فيما مضى من الدهر، وإذا قلت: «سأجيء» و «سأذهب»، علم أنّه فيما يستقبل من الدهر، وليس للمكان ما يقع هذا الموقع لأنّه ثابت لا يزول، ومرئيّ مميّز: ك «زيد»، و «عمرو».
والزمان كالفعل: إنّما هو مضيّ الليل والنهار. فإذا قلت: «هذا يوم زيد»، فمعناه:
الذي فعل فيه، أو عرف فيه، أو حدث له فيه حادث، أو حدث به.
فإذا قلت: «هذا يوم يخرج زيد»، فقد أضفته إلى هذه الجملة، فاتّصل بالفعل لما فيه من شبهه، وأتبعه الفاعل لأنّه لا يخلو منه. وهو معرفة لأنّ قولك: «هذا يوم يخرج زيد»: هذا يوم خروج زيد في المعنى، و {هََذََا يَوْمُ لََا يَنْطِقُونَ} (2): هذا يوم منعهم من النّطق. واتّصل بالابتداء والخبر، والفعل والفاعل كما يكون ذلك في «إذ».
* * * و «إذ» يقع بعدها الفعل والفاعل، والابتداء والخبر.
و «إذا» لا يقع بعدها إلّا الفعل، نحو: «آتيك إذا جاء زيد». وكنت في «إذ» تقول:
«أتيتك إذ زيد أمير»، و «أتيتك إذ جاء زيد».
فأمّا جواز الوجهين في «إذ» فلأنّ الابتداء والخبر كالفعل والفاعل لأنّهما جملتان.
__________
(1) الأعراف: 182.
(2) المرسلات: 35.(3/143)
فأمّا امتناع الابتداء والخبر من «إذا»، فلأنّ «إذا» في معنى الجزاء، لا يكون إلّا بالفعل.
ألا تراها تحتاج إلى الجواب كما تحتاج حروف الجزاء.
تقول: «إذا جاء زيد فأعطه»، و «إذا جئتني أكرمتك».
فإن قلت: «أكرمك إذا جئتني»: ف «أكرمك» في موضع الجواب كما تقول في حروف الجزاء: «أكرمك إن جئتني».
فكلّ ما كان من أسماء الزمان في معنى «إذ»، فهو مضاف إلى ما يضاف إليه «إذ» من الابتداء والخبر، والفعل والفاعل.
وما كان في معنى «إذا»، وهو الذي لم يأت، فلا يضاف إلّا إلى الفعل إذا كان كذلك.
تقول: «جئتك يوم زيد أمير»، و «أتيتك يوم قام زيد».
وتقول في المستقبل: «أتيتك يوم يقوم زيد»، ولا يجوز: «يوم زيد أمير»، لما ذكرت لك.
قال الله عزّ وجلّ: {هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (1). وقال: {هََذََا يَوْمُ لََا يَنْطِقُونَ} (2).
* * * فأمّا «إذا» التي تقع للمفاجأة، فهي التي تسدّ مسدّ الخبر، والاسم بعدها مبتدأ، وذلك قولك: «جئتك فإذا زيد»، و «كلّمتك فإذا أخوك». وتأويل هذا: جئت، ففاجأني زيد، وكلّمتك، ففاجأني أخوك، وهذه تغني عن الفاء، وتكون جوابا للجزاء نحو: «إن تأتني إذا أنا أفرح» على حدّ قولك: «فأنا أفرح». قال الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} (3)، فقوله: {إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} في موضع: «يقنطوا».
وقوله: «إن تأتني فلك درهم» في موضع: إن تأتني أعطك درهما كما أن قوله عزّ وجلّ: {سَوََاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صََامِتُونَ} (4) في موضع: «أم صمتّم».
__________
(1) المائدة: 119.
(2) المرسلات: 35.
(3) الروم: 36.
(4) الأعراف: 193.(3/144)
فمن جعل «حيث» مضمومة، وهو أجود القولين، فإنّما ألحقها بالغايات نحو: «من قبل»، و «من بعد»، و «من عل يا فتى»، و «ابدأ بهذا أوّل يا فتى»، ونحوه.
ومن فتح فللياء التي قبل آخره، وأنّه ظرف بمنزلة «أين»، و «كيف».
* * * فأمّا قولهم: «يا زيد» وما أشبهه في النداء، فقد مضت العلّة فيه في موضعها، والمبنيّات كثيرة، وفيما ذكرنا دليل على ما تركنا.
* * * وباب «حذام»، و «تراك»، و «حلاق»، و «بداد»، و «نزال»، قد ذكرناه فيما يجري وما لا يجري [1].
* * * فأمّا ما كان من سوى ذلك في معنى الفعل المأمور به نحو: «صه»، و «مه»، و «إيه»، و «إيها»، و «مهلا يا فتى»، وما أشبه ذلك، فنحن ذاكروه.
أمّا «صه»، و «مه»، و «قد» التي بمعنى «حسب»، فمبنيّات على السكون لحركة ما قبل أواخرها، وأنّها في معنى «افعل».
وأمّا «إيه» يا فتى، فحرّكت الهاء لالتقاء الساكنين، وترك التنوين لأنّ الأصوات إذا كانت معرفة، لم تنوّن. قال الشاعر [من الطويل]:
[302] وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم ... وما بال تكليم الرّسوم البلاقع
[1] أي: ما ينصرف وما لا ينصرف.
[302] التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص 778والأشباه والنظائر 6/ 201وإصلاح المنطق ص 291، 301وتذكرة النحاة ص 658وخزانة الأدب 6/ 208، 209، 210، 10/ 113، 114ورصف المباني ص 344وسرّ صناعة الإعراب 2/ 494وشرح المفصل 4/ 31، 71، 9/ 30ولسان العرب 13/ 474 (أيه) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 109ومجالس ثعلب ص 275 وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 237.
اللغة: إيه عن أمّ سالم: حدّثنا عنها. والبال: الشأن. والديار البلاقع: الديار التي ارتحل سكانها، فهي خالية.
المعنى: طلب من الطلل أن يحدثه عن محبوبته أم سالم، وهذا من فرط تحيّره وولهه، ثم أفاق وأنكر على نفسه ذلك لأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار.(3/145)
ولو جعله نكرة، لقال: «إيه يا فتى» كما يقول: «إيها يا فتى»: إذا أمرته بالكفّ، و «ويها» إذا أغريته.
قال الشاعر [من البسيط]:
[303] ويها فداء لكم أمّي وما ولدت ... حاموا على مجدكم واكفوا من اتّكلا
وكذلك قولهم: «قال الغراب: غاق يا فتى»، فإن جعلته نكرة نوّنت، وكذلك ما كان مثله.
* * * الإعراب: وقفنا: فعل ماض، و «نا»: فاعل. فقلنا: «الفاء»: حرف عطف، «قلنا»: مثل «وقفنا». إيه:
اسم فعل أمر مبني على الكسر بمعنى (حدّث)، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). عن أم: جار ومجرور متعلقان باسم الفعل (إيه). سالم: مضاف إليه. وما: «الواو»: حرف عطف، «ما»: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بال: خبر للمبتدأ (ما). تكليم: مضاف إليه، وكذلك (الرسوم). البلاقع: صفة (الرسوم) مجرورة.
وجملة «وقفنا»: ابتدائية لا محل لها، وعطف عليها جملة (قلنا). وجملة «إيه»: مقول القول محلها النصب. وجملة «ما بال»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: أنه قال: (إيه) بكسر الهاء لا بتنوينها، لأنه طلب إلى الأطلال أن تحدث حديثا معهودا عن أم سالم، ولو أراد أن تحدثه حديثا غير معهود أو محدد لنوّن، وقال: إيه.
[303] التخريج: البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص 193وشرح المفصل 4/ 71ولسان العرب 13/ 475 (أيه)، 563 (ويه).
المعنى: لتقوموا بواجبكم تجاه أقوامكم، فلتدافعوا عن أمجادكم، ولترعوا من اعتمد عليكم.
الإعراب: ويها: اسم فعل أمر بمعنى أقبلوا، أو بادروا، فاعله مستتر وجوبا تقديره أنتم. فداء: خبر مقدم. لكم: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (فداء). أمي: مبتدأ مؤخر، مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. وما: «الواو»: حرف عطف، «ما»: اسم موصول معطوف على (أمي) محله الرفع. ولدت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). حاموا: فعل أمر مبني على حذف النون، و «الواو»: فاعل، و «الألف»: للتفريق. على مجدكم: جار ومجرور متعلقان بالفعل (حاموا)، و «كم»: ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه. واكفوا: «الواو»: حرف عطف، «اكفوا»: مثل (حاموا). من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اتكلا: فعل ماض مبني على الفتح، و «الألف»: للإطلاق، والفاعل مستتر جوازا تقديره. (هو).
وجملة «ويها»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «فداء لكم أمي»: استئنافية لا محل لها. وجملة «ولدت»: صلة الموصول لا محل لها، وكذلك جملة «حاموا»، وعطف عليها جملة «اكفوا»، أما جملة «اتكل»: فصلة الموصول لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (ويها) اسم فعل معناه الإغراء، كما أن (إيه) اسم فعل معناه (تحدّث).(3/146)
هذا باب الاسم الذي تلحقه صوتا أعجميّا نحو: «عمرويه»، و «حمدويه»، وما أشبهه، والاختلاف في «هيهات»، و «ذيّة» و «ذيت»، و «كيّة» و «كيت»
اعلم أنّ الاسم الأعجميّ الذي يلحق الصّدر مجراه مجرى الأصوات. فحقّه أن يكون مكسورا بغير تنوين ما كان معرفة.
فإن جعلته نكرة، نوّنته على لفظه كما تفعل بالأصوات، نحو قولك: «إيه يا فتى» في المعرفة، و «إيه»، إذا أردت النكرة، وقال الغراب: «غاق»، و «غاق» [1] في النكرة.
وتأويل ترك التنوين فيه: أنّه قال الشيء الذي كنت تعرفه به والنكرة إنّما هو قال صوتا هذا مثاله.
فأمّا الصّدر، فلا يكون إلّا مفتوحا كقولك: «حضر موت يا فتى»، و «خمسة عشر»، وما يفتح قبل هاء التأنيث نحو: «حمدة»، وما أشبهها. وذلك الاسم ما كان نحو:
«عمرويه»، و «حمدويه» كما قال الشاعر [من الرجز]:
[304] يا عمرويه انطلق الرفاق ... ما لك لا تبكي ولا تشتاق
[1] «غاق غاق»: حكاية صوت الغراب.
[304] التخريج: الرجز بلا نسبة في شرح المفصل 9/ 30واللمع في العربية ص 241.
الإعراب: يا: حرف نداء. عمرويه: منادى مفرد علم مبني على الكسر لفظا، وعلى الضم محلّا، محله النصب. انطلق: فعل ماض. الرفاق: فاعل. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
لك: جار ومجرور متعلقان بالخبر. لا: نافية. تبكي: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره (أنت). ولا: «الواو»: حرف عطف، «لا»: زائدة لتوكيد النفي. تشتاق: فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت).
وجملة «يا عمرويه»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «انطلق الرفاق»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «مالك». أما جملة «لا تبكي»: فحالية محلها النصب، وعطف عليها جملة «لا تشتاق».
والشاهد فيه: بناء (عمرويه) على الكسر لأنه اسم دال على معرفة محددة، ومنته ب (ويه).(3/147)
وزعم سيبويه مع التفسير الذي فسّرناه أنّ العرب إذا ضمّت عربيّا إلى عربيّ ممّا يلزمه البناء، ألزمته أخفّ الحركات، وهي الفتحة، فقالوا: «خمسة عشر يا فتى»، و «هو جاري بيت بيت يا فتى»، و «لقيته كفّة كفّة»، و {يَا بْنَ أُمَّ لََا تَأْخُذْ} (1).
وإذا بنوا أعجميّا مع ما قبله، حطّوه عن ذلك، فألزموه الكسر، وهذا مطّرد في كلامهم. يّ * * *
فأمّا «هيهات» فتأويلها: في البعد، وهي ظرف غير متمكّن لإبهامها، ولأنّها بمنزلة الأصوات.
فمنهم من يجعلها واحدا كقولك: «علقاة»، فيقول: {هَيْهََاتَ هَيْهََاتَ لِمََا تُوعَدُونَ} (2) فمن قال ذلك فالوقف عنده «هيهاه» وترك التنوين للبناء.
ومنهم من يجعلها جمعا ك «بيضات» فيقول: {هَيْهََاتَ هَيْهََاتَ لِمََا تُوعَدُونَ}، وإذا وقف على هذا القول، وقف بالتاء، والكسرة إذا أردت الجمع للبناء كالفتحة إذا أردت الواحد.
ومن جعلها نكرة في الجميع، نوّن فقال: «هيهات يا فتى»، وقال قوم: بل نوّن وهي معرفة لأنّ التنوين في تاء الجمع في موضع النون من «مسلمين». قال: والدليل على ذلك أنّ معناه في البعد كمعناه، فلو جاز أن تنكّره وهو جمع، لجاز أن تنكّره وهو واحد، وهذا قول قويّ.
وينشد هذا البيت على وجهين، قال [من المنسرح]:
[305] ها أنذا آمل الحياة وقد ... أدرك عقلي ومولدي حجرا
أبا امرىء القيس، هل سمعت به؟ ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
بعض يفتح، وبعض يكسر.
* * * __________
(1) طه: 94.
(2) المؤمنون: 36.
[305] التخريج: البيتان للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1/ 255وحماسة البحتري ص 201 وخزانة الأدب 7/ 384ونوادر أبي زيد ص 159.(3/148)
فأمّا «ذيت وذيت»، و «ذيّة»، فإنّما هي كنايات عن الخبر كما يكنى عن الاسم المعروف ب «فلان»، وعن العدد بأن يقول: «كذا وكذا».
ولم يوضع على الإفراد فلذلك بنيت، والتاء متحرّكة بالفتح لالتقاء الساكنين من حيث حرّكت آخر «أين»، و «كيف»، وما أشبه ذلك.
* * * وكلّ اسمين أزيلا، فحكمهما إذا بنيا كذلك نحو: «لقيته كفّة كفّة»، و «بيت بيت».
فقد تجوز فيهما الإضافة وترك البناء للمعنى.
وذلك أنّ معنى «كفّة كفّة»: كفّة لكفّة، أي: قابلت صفحة صفحة. فيجوز أن تقول:
«لقيته كفّة كفّة يا فتى».
وكذلك: «هو جاري بيت بيت يا فتى» لأنّ المعنى: بيته إلى بيتي. فعلى ما ذكرت لك تصلح الإضافة، وتمتنع.
فأمّا «شغر بغر» فاسمان ليس في أحدهما معنى الإضافة إلى الآخر فلذلك لم يكن فيهما وفيما أشبههما إلّا البناء. وفيما ذكرت لك من المبنيّات ما يدلّ على جميعها إن شاء الله.
* * * المعنى: يريد أنّه ما زال راغبا في الحياة، مع أنه عمّر طويلا، فقد أدرك حجرا أبا امرىء القيس، ويا له من عمر مديد هذا الذي عاش.
الإعراب: ها: حرف للتنبيه. أنذا: «أنا»: مبتدأ، و «ذا»: اسم إشارة في محل رفع بدل، من (أنا) أو زائد، أو اسم موصول. آمل: فعل مضارع مرفوع، فاعله مستتر وجوبا تقديره (أنا). الحياة: مفعول به. وقد:
«الواو»: حالية، «قد»: حرف تحقيق. أدرك: فعل ماض. عقلي: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه. ومولدي: «الواو»: حرف عطف، «مولدي»: معطوف على (عقلي). حجرا:
مفعول به. أبا: بدل من (حجرا) أو صفة له. امرىء: مضاف إليه، وكذلك (القيس). هل: حرف استفهام.
سمعت: فعل ماض، و «التاء»: فاعل. به: جار ومجرور متعلقان ب (سمعت). هيهات: اسم فعل ماض فاعله مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على زمن حجر أبي امرىء القيس أي بعد عصره. هيهات: توكيد لفظي ل (هيهات) الأولى. طال: فعل ماض. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل. عمرا: تمييز منصوب.
وجملة «أنا آمل»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «آمل»: خبر للمبتدأ (أنا) محلها الرفع. وجملة «أدرك عقلي»: حالية محلها النصب. وجملة «هل سمعت به»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة (هيهات).
وجملة «طال ذا عمرا».
والشاهد فيهما: أن (هيهات) أنشدها في هذا البيت بعضهم بالفتح، وبعضهم بالكسر.(3/149)
هذا باب الأسماء واختلاف مخارجها
اعلم أنّ الأسماء تقع على ضروب:
فمنها ما يقع للفصل غير مشتقّ، وذلك نحو: «حجر»، و «جبل»، وكلّ ما كان مثل هذا فهذا سبيله، وهو نكرة لا يعرف بالاسم منه إلّا أنّه واحد من جنس.
ومن الأسماء ما يكون مشتقّا نعتا، ومشتقّا غير نعت.
فأمّا النعت، فمثل: «الطويل»، و «القصير»، و «الصغير»، و «العاقل»، و «الأحمق»، فهذه كلّها نعوت جارية على أفعالها: لأنّ معنى «الجاهل»: المعروف بأنّه يجهل، و «الطويل»: المعروف بأنّه طال.
فكلّ ما كان من هذا فعلا له أو فعلا فيه، فقد صار حلية له.
* * * والأسماء المشتقّة غير النعوت مثل: «حنيفة» وإنّما اشتقاقه من «الحنيف»، وأصله المخالف في هيئته. يقال: «رجل أحنف»، لما في رجليه، و «دين حنيف» أي: مخالف لخطأ الأديان.
ولو كان على الفعل، فكان من «تحنّف»، لكان الفاعل «متحنّفا».
وكذلك «مضر» إنّما هو مشتقّ من قولك: «مضر اللبن»، إذا حمض.
كما أنّ «عيلان» من «العيلة»، و «قحطان» من «القحط»، وليست على أفعالها.
* * * ومن الأسماء المبهمة، وهي التي تقع للإشارة، ولا تخصّ شيئا دون شيء، وهي:
«هذا»، و «هذاك»، و «أولئك»، و «هؤلاء»، ونحوه.
* * *
ومن الأسماء الأعلام، وإنّما هي ألقاب محدثة نحو: «زيد»، و «عمرو».(3/150)
* * *
ومن الأسماء الأعلام، وإنّما هي ألقاب محدثة نحو: «زيد»، و «عمرو».
* * * ومن الأسماء المضمرة، وهي التي لا تكون إلّا بعد ذكر، نحو: الهاء في «به»، والواو في «فعلوا»، والألف في «فعلا».
* * * فأنكر الأسماء قول القائل: «شيء» لأنّه مبهم في الأشياء كلّها. فإن قلت: «جسم»، فهو نكرة، وهو أخصّ من «شيء» كما أنّ «حيوانا» أخصّ من «جسم»، و «إنسانا»، أخصّ من «حيوان»، و «رجلا» أخصّ من «إنسان».
والمعرفة: ما وضع على شيء دون ما كان مثله، نحو: «زيد»، و «عبد الله» فإنّ أشكل «زيد» من «زيد»، فرّقت بينهما الصفة. وقد ذكرنا هذا مفسّرا في باب المعرفة والنكرة.
* * *
هذا باب مخارج الأفعال واختلاف أحوالها وهي عشرة أنحاء(3/151)
* * *
هذا باب مخارج الأفعال واختلاف أحوالها وهي عشرة أنحاء
فمنها: الفعل الحقيقيّ الذي لا يتعدّى الفاعل إلى مفعول، وهو قولك: «قام زيد»، و «جلس عمرو»، و «تكلّم خالد». فكلّ هذا وما كان مثله غير متعدّ.
وكلّ فعل تعدّى أو لم يتعدّ، فهو متعدّ إلى اسم الزمان، واسم المكان، والمصدر، والحال، وذلك قولك: «قام عبد الله ضاحكا يوم الجمعة عندك قياما حسنا» وذلك أنّ فيه دليلا على هذه الأشياء. فقولك: «قام زيد» بمنزلة قولك: «أحدث قياما»، وتعلم أنّ ذلك فيما مضى من الدهر، وأنّ للحدث مكانا، وأنّه كان على هيئة.
وكذلك إن قلت: «قام عبد الله ابتغاء الخير»، فجئت بالعلّة التي لها وقع القيام.
وكلّ ما كان فعله على «فعل» فغير متعدّ لأنّه لانتقال الفاعل إلى حال عن حال فلا معنى للتعدّي وذلك قولك: «كرم زيد»، و «شرف عبد الله». والتقدير: ما كان كريما ولقد كرم، وما كان شريفا ولقد شرف. فهذا نحو من الفعل.
* * * ونحو آخر لا يتعدّى الفعل فيه الفاعل، وهو للفاعل على وجه الاستعارة، ويقع على ضربين:
أحدهما: «سقط الحائط»، و «طال عبد الله»، وأنت تعلم أنّهما لم يفعلا على الحقيقة شيئا. فهذا ضرب.
والضّرب الثاني: الذي يسمّيه النحويّون فعل المطاوعة. وذلك قولك: «كسرته فانكسر»، و «شويته فانشوى»، و «قطعته فانقطع»، وإنّما هذا وما أشبهه على أنّك بلغت فيه ما أردت، وانتهيت منه إلى ما أحببت لا أنّ له فعلا.
* * *
ومن الأفعال ما يتعدّى الفاعل إلى مفعول واحد وفعله واصل مؤثّر، كقولك: «ضربت زيدا»، و «كسرت الشيء يا فتى».(3/152)
* * *
ومن الأفعال ما يتعدّى الفاعل إلى مفعول واحد وفعله واصل مؤثّر، كقولك: «ضربت زيدا»، و «كسرت الشيء يا فتى».
فأمّا المصدر، والحالات، والظروف، فلا يمتنع منها فعل ألبتة.
ومن هذه المتعدّية إلى مفعول ما يكون غير واصل، نحو: «ذكرت زيدا»، و «شتمت عمرا»، و «أضحكت خالدا». فهذا نوع آخر.
* * * ومن الأفعال ما يتعدّى إلى مفعولين، ولك أن تقتصر على أحدهما. وذلك قولك:
«أعطيت زيدا درهما»، و «كسوت زيدا ثوبا»، و «ألبست زيدا جبّة».
* * * ومنها ما يتعدّى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما، وذلك نحو: «ظننت زيدا أخاك»، و «حسبت زيدا ذا الحفاظ»، و «خلت عبد الله يقوم في حاجتك».
والفصل بين هذا والأوّل أنّ الأوّل فعل حقيقيّ يقع مفعولاه مختلفين. تقول: «أعطيت زيدا»، فتخبر أنّه كان منك عطاء، وإن شئت أن تذكره بعد ذكرته.
فأمّا قولك: «ظننت زيدا»، فلا يستقيم لأنّ الشّكّ إنّما وقع في المفعول الثاني.
فالثاني خبر عن الأوّل، والتقدير: زيد منطلق في ظنّي، إلّا أن تريد ب «ظننت»: «اتّهمت».
فهذا من غير هذا الباب، وكذلك: إذا أردت ب «علمت»: «عرفت». فهو من باب ما يتعدّى إلى مفعول كما قال عزّ وجلّ: {لََا تَعْلَمُونَهُمُ اللََّهُ يَعْلَمُهُمْ} (1) إنما هو: لا تعرفونهم الله يعرفهم. وكذلك: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} (2).
* * * ومن هذه الأفعال ما يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، وهو من باب الفعل المتعدّي إلى مفعولين، ولكنّك جعلت الفاعل في ذلك الفعل مفعولا بأنّه كان يعلم، فجعل غيره أعلمه، فيقول: «أعلم الله زيدا عمرا خير الناس»، و «نبّأتك عبد الله صاحب ذلك». فما كان من هذا فهذا سبيله.
__________
(1) الأنفال: 60.
(2) البقرة: 65.(3/153)
ومنها ما يتعدّى إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد، وليست أفعالا حقيقيّة، ولكنّها في وزن الأفعال، ودخلت لمعان على الابتداء والخبر كما أنّ مفعولي «ظننت» إنّما هما ابتداء وخبر. وذلك قولك: «كان زيد أخاك»، و «أمسى عبد الله ظريفا يا فتى».
وكذلك: «ليس»، و «ما زال»، و «ما دام». فهذه ثمانية أفعال متصرّفة.
* * * ومنها فعل التعجب وهو غير متصرّف لأنّه وقع لمعنى، فمتى صرّف، زال المعنى.
وكذلك كلّ شيء دخله معنى من غير أصله على لفظ، فهو يلزم ذلك اللفظ لذلك المعنى، وهو قولك: «ما أحسن زيدا» و «ما أظرف أخاك». وقد مضى تفسيره في بابه، وهو فعل صحيح.
* * * والعاشر: ما أجري مجرى الفعل وليس بفعل، ولكنّه يشبه الفعل بلفظ أو معنى.
فأما ما أشبه الفعل، فدلّ على معناه مثل دلالته ف «ما» النافية، وما أشبهها. تقول:
«ما زيد منطلقا» لأنّ المعنى: ليس زيد منطلقا، وما أشبهه في اللفظ، ودخل على الابتداء والخبر دخول «كان»، و «إنّ» وأخواتهما. وقد ذكرنا الحجج فيها في بابها.
* * *
هذا باب الصلة والموصول في مسائله فأمّا أصوله فقد ذكرناها(3/154)
* * *
هذا باب الصلة والموصول في مسائله فأمّا أصوله فقد ذكرناها
تقول: «رأيت الذي أبوه منطلق». ف «الذي» مرئيّ، و «أبوه منطلق» صلته.
* * * فإن قلت: «رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان»، لم يجز لأنّ قولك: «أبواهما منطلقان» صلة ل «اللذين»، و «اللذان» في صلة «الذي». وهما ابتداء لا خبر له، فلم تتمّ الصلة.
* * * فإن قلت: «رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان في الدار»، لم يجز أيضا وإن كنت قد جئت بخبر لأنّه ليس في صلة الذي ما يرجع إليه.
فإن قلت: «رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان في داره» أو عنده أو ما أشبه ذلك، فقد صحّت المسألة، وصار التقدير: رأيت الذي أخواك عنده.
* * * فإن قلت: «رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان إليه»، لم يجز، لأنّ «منطلقان» خبر الأبوين، و «إليه» متّصل ب «منطلقين»، فكأنّك قلت: «رأيت الذي أخواه». فهذا ابتداء لا خبر له. فعلى هذا فقس.
* * * فإن قلت: «رأيت اللذين الذي قاما إليه»، فهو غير جائز لأنّ قولك: «الذي قاما إليه» ابتداء لا خبر له.
وتصحيح المسألة: «رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك». فترجع الألف في «قاما» إلى اللذين والهاء في «إليه» إلى «الذي»، و «أخوك» خبر «الذي»، فتمّت صلة «اللذين»، وصحّ الكلام.(3/155)
* * * فإن قلت: «رأيت اللذين الذي قاما إليه»، فهو غير جائز لأنّ قولك: «الذي قاما إليه» ابتداء لا خبر له.
وتصحيح المسألة: «رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك». فترجع الألف في «قاما» إلى اللذين والهاء في «إليه» إلى «الذي»، و «أخوك» خبر «الذي»، فتمّت صلة «اللذين»، وصحّ الكلام.
ولو قلت: «ظننت الذي التي تكرمه يضربها»، لم يجز، وإن تمّت الصلة لأنّ «التي» ابتداء و «تكرمه» صلتها، و «يضربها» خبر الابتداء. فقد تمّ الذي بصلته وإنّما فسد الكلام لأنّك لم تأت بمفعول «ظننت» الثاني. فإن أتيت به فقلت: «أخاك» أو ما أشبهه، صحّ الكلام.
* * * وتقول: «ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمه عبد الله».
فتجعل «الذي» منصوبا، وإن جعلته مرفوعا، نصبت «اللذين».
وتقول: «رأيت الراكب الشاتمه فرسك». والتقدير: رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتمه فرسك.
* * * وتقول: «مررت بالدار الهادمها المصلح داره عبد الله».
فقولك: «الهادمها» في معنى: التي هدمها الرجل الذي أصلح داره عبد الله.
* * * وتقول: «رأيت الحامل المطعمه طعامك غلامك». أردت: رأيت الرجل الذي حمل الرجل الذي أطعمه طعامك غلامك، ف «غلامك» هو الحامل، والهاء في «المطعمه» ترجع إلى الألف واللام الأولى.
* * * ولو قلت: «وافق ضربك صاحبك أخوك غلامك»، كان جيّدا. رفعت «الضرب» بأنّه الموافق «غلامك»، و «ضربك» تقديره: أن ضربك، و «صاحبك» هو الفاعل، و «أخوك» نعت أو بدل. فهذا جيّد.
وإنّما يحتاج المصدر إلى الصلة إذا كان في معنى «أن فعل» أو «يفعل». فأمّا إذا قلت:
«ضربت ضربا»، فليس المصدر ممّا يحتاج إلى الصلة.
فإذا قلت: «أعجبني ضرب زيد عمرا»، فمعناه: أعجبني أن ضرب زيد عمرا، وكذلك إن قلت: «ضرب زيد عمرو»، فمعناه: أن ضرب زيدا عمرو.(3/156)
«ضربت ضربا»، فليس المصدر ممّا يحتاج إلى الصلة.
فإذا قلت: «أعجبني ضرب زيد عمرا»، فمعناه: أعجبني أن ضرب زيد عمرا، وكذلك إن قلت: «ضرب زيد عمرو»، فمعناه: أن ضرب زيدا عمرو.
* * * وإذا قلت: «قيام القائم إليه زيد معجب الشارب ماءه الآكل طعامك»، صار معناه: أن قام الذي قام إليه زيد معجب الذي شرب ماءه الرجل الذي أكل طعامك.
* * * وتقول: «أعجب حسن حذاء نعلك حذاؤها لابس نعل أخيك»، وإن شئت قلت:
«لابسا نعل أخيك».
* * * وهذه مسائل يسيرة صدّرنا بها لتكون سلّما إلى ما نذكره بعدها إن شاء الله من مسائل طويلة أو قصيرة معمّاة الاستخراج.
* * * تقول: «أعجب المدخل السجن المدخله الضارب الشاتم المكرم أخاه عبد الله زيدا».
أردت: أعجب زيدا المدخل السجن المدخله الرجل الذي ضرب الرجل الذي شتم الرجل الذي أكرم أخاه عبد الله، إن شئت نصبت «عبد الله» بأنّه «الأخ» فبيّنته به، وإن شئت جعلته بدلا، وأبدلته من بعض المنصوبات التي لم تذكر أسماءها إذا كان إلى جانبه من الصلة، فإن فصلت بين ما في الصلة وبين ما تبدله منها، لم يجز، لأنّك إذا أبدلت شيئا ممّا في الصلة أو نعتّ به ما في الصلة، صار في الصلة، ولا تفرق بين الصلة والموصول لأنّه اسم واحد.
لو قلت: «رأيت الذي ضرب أخاك يخاطب زيدا عمرا»، فجعلت «عمرا» بدلا من «الأخ»، و «يخاطب» حالا ل «الذي» أو مفعولا ثانيا ل «رأيت» وهي في معنى «علمت»، لم يجز. فإن جعلت «يخاطب زيدا» حالا ل «أخيك» دخل في الصلة، فأبدلت «عمرا»، فهو جيّد حينئذ لأنّه كلّه في الصلة.
* * * وتقول: «سرّ ما إنّ زيدا يحبّه من هند جاريته». فوصلت «ما»، وهي في معنى «الذي» ب «إنّ»، وما عملت فيه لأنّ «إنّ» إنّما دخلت على الابتداء والخبر، والمعنى كذلك،
وكذلك أخواتها. قال الله عزّ وجلّ: {وَآتَيْنََاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (1).(3/157)
* * * وتقول: «سرّ ما إنّ زيدا يحبّه من هند جاريته». فوصلت «ما»، وهي في معنى «الذي» ب «إنّ»، وما عملت فيه لأنّ «إنّ» إنّما دخلت على الابتداء والخبر، والمعنى كذلك،
وكذلك أخواتها. قال الله عزّ وجلّ: {وَآتَيْنََاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (1).
وتقول على هذا: «جاءني الذي كأنّ زيدا أخوه»، و «رأيت الذي ليته عندنا»، وكذلك كلّ شيء يكون جملة.
* * * تقول: «الذي إن تأته يأتك زيد»، و «رأيت الذي من يأته يكرمه».
فإن قلت: «رأيت الذي من يأتيه يكرمه»، جاز. تجعل «من» في موضع «الذي».
فكأنّك قلت: «رأيت الذي زيد يكرمه» لأنّ «من» صلتها: «يأتيه»، وخبرها: «يكرمه».
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمََا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (2) فإنّ «من» الأولى في معنى «الذي»، ولا يكون الفعل بعدها إلّا مرفوعا.
فأمّا الثانية فوجهها الجزم بالجزاء، ولو رفع رافع على معنى «الذي»، كان جيّدا لأنّ تصييرها على معنى «الذي» لا يخرجها من الجزاء.
ألا ترى أنّك تقول: «الذي يأتيك فله درهم». فلولا أنّ «الدرهم» يجب بالإتيان، لم يجز دخول الفاء كما لا يجوز: «زيد فله درهم»، و «عبد الله فمنطلق». وقال الله عزّ وجلّ:
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ سِرًّا وَعَلََانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3).
فقد علمت أنّ الأجر إنّما وجب بالإنفاق. فإذا قلت: «الذي يأتيك له درهم»، لم تجعل «الدرهم» له بالإتيان.
فإذا كانت في معنى الجزاء، جاز أن تفرد لها وأنت تريد الجماعة كما يكون «من» و «ما»، قال الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} (4). فهذا لكلّ من فعل، ولذلك قال: {أُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (5). فهذه أصول، ونرجع إلى المسائل إن شاء الله.
* * * __________
(1) القصص: 76.
(2) محمد: 38.
(3) البقرة: 274.
(4) الزمر: 33.
(5) الزمر: 33.(3/158)
تقول: «محبّتك شهوة زيد طعام عبد الله وافقت أخاك»، أردت في ذلك: أن أحببت أن اشتهى زيد طعام عبد الله وافقت هذه المحبة أخاك.
ولو قلت: «أعجبت إرادتك قيام زيد إلى المعجبه ضرب أخيه أخاك زيدا»، كان «زيد» مفعولا ب «أعجبت»، والكلام ماض على ما كان عليه مما شرحت لك.
فالأسماء الموصولة المصادر إذا كانت في معنى: «أن فعلت»، والألف واللام إذا كانت في معنى «الذي»، و «التي»، و «من»، و «ما»، و «أيّ» في الخبر، و «ألى» التي في معنى «الذين».
* * * فأمّا ما كان من النكرات نحو: «هذا ضارب زيدا»، فليس قول من يقول من النحويّين إنّ «زيدا» من صلة «الضارب» ب «شيء» لأنّ «ضاربا» في معنى «يضرب». يتقدّم «زيد» فيه ويتأخّر.
فتقول: «هذا زيدا ضارب»، و «زيدا عبد الله شاتم» [1].
فإنّما الصلة والموصول كاسم واحد لا يتقدّم بعضه بعضا، فهذا القول الصحيح الذي لا يجوز في القياس غيره.
* * * واعلم أنّ الصلة موضّحة للاسم فلذلك كانت في هذه الأسماء المبهمة، وما شاكلها في المعنى ألا ترى أنّك لو قلت: «جاءني الذي»، أو «مررت بالذي»، لم يدللك ذلك على شيء حتّى تقول: «مررت بالذي قام»، أو «مررت بالذي من حاله كذا وكذا»، أو «بالذي أبوه منطلق». فإذا قلت: هذا وما أشبهه، وضعت اليد عليه.
فإذا قلت: «أريد أن تقوم يا فتى»، ف «تقوم» من صلة «أن» حتّى تمّ مصدرا، فصار المعنى: «أريد قيامك»، وكذلك: «يسرّني أن تقوم يا فتى». «تقوم» من صلة «أن» حتّى تمّ مصدرا، فصار المعنى: يسرّني قيامك. قال الله عزّ وجلّ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} (2)، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (3) فهذا على ما وصفت لك.
[1] ولا يتقدّم معمول اسم الفاعل عليه إذا كان اسم الفاعل محلّى ب «أل».
__________
(2) النور: 60.
(3) البقرة: 184.(3/159)
وكذلك «أنّ» الثقيلة. تكون مع صلتها مصدرا. تقول: «بلغني أنّكم منطلقون»، أي:
بلغني انطلاقكم.
وكذلك «ما» بصلتها تكون مصدرا. تقول: «سرني ما صنعت»، أي: سرّني صنيعك.
فأمّا قولهم: «أنا مقيم ما أقمت»، و «جالس ما جلست»، فهو هذا الذي ذكرنا من المصدر ألا ترى أنّك تقول: «آتيك مقدم الحاجّ»، و «أتيتك إمرة فلان». إنّما تريد: وقت إمرة فلان، ووقت قدوم الحاجّ.
فإذا قلت: «أقيم ما أقمت»، فإنّما تقديره: أقيم وقت مقامك، ومقدار مقامك.
واعلم أنّك إذا أدخلت شيئا في الصلة، فنعته وفعله والبدل منه داخلات في الصلة.
ولو قلت: «جاءني الذي ضرب عبد الله زيدا الظريف يوم الجمعة قائما في داره»، لكان هذا أجمع في صلة «الذي»، ويعلّق بها الهاء التي في قولك: «داره»، ودخل «الظريف» في الصلة لأنّه نعت ل «زيد» وهو في الصلة. فعلى هذا تجري هذه الأشياء.
تقول: «رأيت المطعمه المكرمه المعطيه درهما عبد الله».
فهذه مسألة صحيحة، وتأويلها: رأيت الرجل الذي أطعمه الرجل الذي أكرمه الرجل الذي أعطاه درهما عبد الله.
ف «عبد الله» هو المعطي، والمعطي هو المكرم، والمكرم هو المطعم.
* * * ولو قلت: «طعاما طيّبا» عند قولك: «رأيت المطعمه» أو بعد «عبد الله»، جاز، فإن جعلته بين شيء من هذا وبين صلته، لم يجز أن تفصل بين الصلة والموصول.
* * * ولو قلت: «رأيت المعطي أخاك الشاتمه، درهما زيد»، لم يجز لأنّك فصلت بين «زيد» وبين «شاتمه»، وقلت «درهما» بعد «الشاتمه»، ففصلت ب «الشاتمه» بينه وبين المعطي.
ولكن «رأيت المعطي أخاك درهما الشاتمه زيد»، إذا نصبت «الشاتمه» بالنعت ل «المعطي»، أو جعلت «رأيت» من رؤية القلب، فجعلت «الشاتمه» مفعولا ثانيا.
فإن أردت أن ترفع «الشاتم» لأنّه المعطي، لم يكن بدّ من أن تجعل فيه كناية ترجع إلى الألف واللام في «المعطي».
فتقول: «رأيت المعطي أخاك درهما الشاتمه أخوه»، تجعل الهاء من «أخيه» ترجع إلى الألف واللام، فتصير بمنزلة قولك: «رأيت الضارب زيدا أخوه»، فإنّما رأيت رجلا ضرب أخوه زيدا ولن ترى أنت «الضارب» لأنّ «الضارب» هو «الأخ»، وإنّما رأيت واحدا الضارب زيدا أخوه. فعلى هذا قلت: «رأيت المعطي أخاك درهما الرجل الذي شتمه أخوه» لأنّ المعنى: رأيت الذي أعطى الرجل الذي شتمه أخوه أخاك درهما.(3/160)
فإن أردت أن ترفع «الشاتم» لأنّه المعطي، لم يكن بدّ من أن تجعل فيه كناية ترجع إلى الألف واللام في «المعطي».
فتقول: «رأيت المعطي أخاك درهما الشاتمه أخوه»، تجعل الهاء من «أخيه» ترجع إلى الألف واللام، فتصير بمنزلة قولك: «رأيت الضارب زيدا أخوه»، فإنّما رأيت رجلا ضرب أخوه زيدا ولن ترى أنت «الضارب» لأنّ «الضارب» هو «الأخ»، وإنّما رأيت واحدا الضارب زيدا أخوه. فعلى هذا قلت: «رأيت المعطي أخاك درهما الرجل الذي شتمه أخوه» لأنّ المعنى: رأيت الذي أعطى الرجل الذي شتمه أخوه أخاك درهما.
* * * وتقول: «رأيت الذي اللذان التي قامت إليهما عنده أخواك»، فهذا كلام جيّد لأنّ قولك: «اللذان» مبتدأ في صلة «الذي»، و «التي» مبتدأ في صلة «اللذين»، وقامت إليهما صلة «التي»، وعنده ظرف داخل في الصلة وحقّه أن يقال: وعنده خبر «التي» وقولك:
«أخواك» خبر «اللذين». فتمّت صلة «الذي»، فصار تقدير هذا: «رأيت الذي أخواه قائمان».
ولو قلت: «جاءني الذي التي اللتان اللذان الذي يحبّهما عندهما في دارهما عنده جاريتك»، كان جيّدا لأنّ الكلام الذي في صلة «الذي» الأخير.
فكلّ ما زدت من هذا، فهذا قياسه.
* * * واعلم أنّ «أن» الخفيفة إذا وصلت بفعل، لم يكن في الفعل راجع إليها.
وكذلك «أنّ» الثقيلة لأنّهما حرفان، وليسا باسمين. وإنّما يستحقّ الواحد منهما أن يكون اسما بما بعده، و «الذي»، و «من»، و «أيّ» أسماء، فلا بدّ في صلاتها ممّا يرجع إليها ألا ترى أنّك تقول: «جاءني اللذان في الدار»، فيعرف.
وتقول: «أيّهم يأتيك تضربه»، و «أيّهم يأتيك فاضرب».
* * * و «ما» عند سيبويه إذا كانت والفعل مصدرا بمنزلة «أن»، والأخفش يراها بمنزلة «الذي» مصدرا كانت أو غير مصدر. وسنشرح ما ذكرنا شرحا بيّنا شافيا إن شاء الله.
وتقول: «أن تأتيني خير لك»، فليس في «تأتيني» ذكر ل «أن»، ولو قلت: «رأيت الذي تقوم»، لم يجز لأنّك لم تردد إلى «الذي» شيئا وهو اسم حتّى تقول: «رأيت الذي تقوم إليه».
ولو قلت: «بلغني أنّك منطلق»، لم تردد إلى «أنّ» شيئا. ولو قلت: «جاءني من إنّك منطلق»، لم يجز حتّى تقول: «إنّك منطلق إليه أو عنده».(3/161)
وتقول: «أن تأتيني خير لك»، فليس في «تأتيني» ذكر ل «أن»، ولو قلت: «رأيت الذي تقوم»، لم يجز لأنّك لم تردد إلى «الذي» شيئا وهو اسم حتّى تقول: «رأيت الذي تقوم إليه».
ولو قلت: «بلغني أنّك منطلق»، لم تردد إلى «أنّ» شيئا. ولو قلت: «جاءني من إنّك منطلق»، لم يجز حتّى تقول: «إنّك منطلق إليه أو عنده».
فهذا أمر الحروف، وهذه صفات الأسماء.
فأمّا اختلاف الأخفش، وسيبويه في «ما» إذا كانت والفعل مصدرا، فإنّ سيبويه كان يقول: إذا قلت: «أعجبني ما صنعت»، فهو بمنزلة قولك: «أعجبني أن قمت». فعلى هذا يلزمه: «أعجبني ما ضربت زيدا» كما تقول: «أعجبني أن ضربت زيدا»، وكان يقوله.
والأخفش يقول: «أعجبني ما صنعت»، أي: ما صنعته كما تقول: «أعجبني الذي صنعته»، ولا يجيز: «أعجبني ما قمت» لأنّه لا يتعدى، وقد خلّط، فأجاز مثله، والقياس والصواب قول سيبويه.
فإن أردت ب «ما» معنى «الذي»، فذاك ما ليس فيه كلام لأنّه الباب والأكثر، وهو الأصل، وإنّما خروجها إلى المصدر فرع.
* * *
هذا باب ما جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر(3/162)
* * *
هذا باب ما جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر
ولكنّها أسماء وضعت للفعل تدلّ عليه، فأجريت مجراه ما كانت في مواضعها ولا يجوز فيها التقديم والتأخير لأنّها لا تصرّف تصرّف الفعل كما لم تصرّف «إنّ» تصرّف الفعل، فألزمت موضعا واحدا، وذلك قولك: «صه»، و «مه»، فهذا إنّما معناه: «اسكت»، و «اكفف»، فليس بمتعدّ، وكذلك: «وراءك» و «إليك»، إذا حذّرته شيئا مقبلا عليه، وأمرته أن يتأخّر، فما كان من هذا القبيل فهو غير متعدّ.
ومنها ما يتعدّى، وهو قولك: «عليك زيدا»، و «دونك زيدا»، إذا أغريته.
وكذلك: «هلمّ زيدا»، إذا أردت: هات زيدا، فهذه اللغة الحجازيّة: يقع «هلمّ» فيها موقع ما ذكرنا من الحروف، فيكون للواحد وللاثنين والجمع على لفظ واحد، كأخواتها المتقدّمات، قال الله عزّ وجلّ: {وَالْقََائِلِينَ لِإِخْوََانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنََا} (1).
فأمّا بنو تميم فيجعلونها فعلا صحيحا، ويجعلون الهاء زائدة، فيقولون: «هلمّ يا رجل»، وللاثنين: «هلّمّا»، وللجماعة: «هلمّوا»، وللنساء: «هلممن» لأنّ المعنى:
«الممن»، والهاء زائدة.
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (2)، فلم ينتصب «كتاب» بقوله:
«عليكم»، ولكن لمّا قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} (3)، أعلم أنّ هذا مكتوب عليهم، فنصب «كتاب الله» للمصدر لأنّ هذا بدل من اللفظ بالفعل إذ كان الأوّل في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم.
__________
(1) الأحزاب: 18.
(2) النساء: 24.
(3) النساء: 23.(3/163)
ونظير هذا قوله: {وَتَرَى الْجِبََالَ تَحْسَبُهََا جََامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحََابِ صُنْعَ اللََّهِ} (1)
لأنّه قد أعلمك بقوله: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحََابِ} أنّ ثمّ فعلا، فنصب ما بعده لأنّه قد جرى مجرى: «صنع الله».
وكذلك: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (2). قال الشاعر [من الكامل]:
[306] ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب ... منه وحرف السّاق طيّ المحمل
لأنّه ذكر ما يدلّ على أنّه «طيّان» من «الطيّ»، فكان بدلا من قوله «طوى»، وكذلك قوله [من الرجز]:
[307] إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها
__________
(1) النمل: 88.
(2) السجدة: 7.
[306] التخريج: البيت لأبي كبير الهذلي في خزانة الأدب 8/ 194وشرح أبيات سيبويه 1/ 324 وشرح أشعار الهذليين 3/ 1073وشرح التصريح 1/ 334وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 90 وشرح شواهد الإيضاح ص 147وشرح شواهد المغني 1/ 227والشعر والشعراء 2/ 676والكتاب 1/ 359والمقاصد النحوية 3/ 54وللهذلي في الخصائص 2/ 309وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 246والإنصاف 1/ 230.
اللغة: المنكب: مجتمع رأس الكتف والعضد. المحمل: حمّالة السيف.
المعنى: إنّ ذلك الفتى لضمور بطنه، وضعف جسمه، إذا اضطجع على الأرض لا يمسّها منه إلّا المنكب وطرف الساق.
الإعراب: «ما»: حرف نفي. «إن»: زائدة. «يمسّ»: فعل مضارع مرفوع. «الأرض»: مفعول به منصوب. «إلا»: حرف حصر. «منكب»: فاعل مرفوع. «منه»: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت «منكب». «وحرف»: الواو: حرف عطف، «حرف»: اسم معطوف على «منكب» مرفوع، وهو مضاف.
«الساق»: مضاف إليه مجرور. «طيّ»: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. «المحمل»: مضاف إليه مجرور. وقيل: «طي المحمل» مركب إضافي منصوب على أنّه مصدر تشبيهي على ما قرره سيبويه.
الشاهد فيه قوله: «طيّ المحمل» حيث نصب «طيّ» بفعل محذوف دل عليه السياق تقديره: «طوي طيّ».
[307] التخريج: الرجز لحريث بن غيلان في شرح أبيات سيبويه 1/ 312.
اللغة: الدّأب: هنا معناه العادة. شايحت: حاذرت، وخشيت. والبكار: جمع بكر، وهو من الإبل بمنزلة الشاب من الناس.
المعنى: كلما رأتني مالت بنظرها عني هيبة كما تحيد النوق الفتية عن طريق الفحل العظيم الشديد.
الإعراب: «إذا»: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق(3/164)
لأنّ قوله: «إذا رأتني»، معناه: كلّما رأتني، فقد خبّر أنّ ذلك دأبها فكأنّه قال:
«تدأب دأب بكار» لأنّه بدل منه.
ومثل هذا إلّا أنّ اللفظ مشتقّ من فعل المصدر، ولكنّهما يشتبهان في الدلالة قوله عزّ وجلّ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (1) على: «وبتّل إليه»، ولو كان على «تبتّل»، لكان «تبتّلا».
وكذلك: {وَاللََّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبََاتاً} (2). لو كان على «أنبت»، لكان «إنباتا».
ولكنّ المعنى والله أعلم: أنّه إذا أنبتكم نبتم نباتا.
وقال الشاعر [من الوافر]:
[308] وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعا
وهذا كثير جدّا.
* * * ب (سقطت). «رأتني»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، وتاء التأنيث: لا محل لها، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: مفعول به في محل نصب، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). «سقطت»: فعل ماض مبني على الفتح، وتاء التأنيث: لا محل لها. «أبصارها»: فاعل مرفوع بالضمة، وها: مضاف إليه محلها الجر. «دأب»: اسم منصوب بالفتحة على المفعولية المطلقة. «بكار»:
مضاف إليه مجرور بالكسرة. «شايحت»: فعل ماض مبني على الفتح، وتاء التأنيث: لا محل لها.
«بكارها»: فاعل مرفوع بالضمة، وها: مضاف إليه محله الجر.
وجملة «إذا رأتني سقطت أبصارها»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «رأتني»: مضاف إليها محلها الجر.
وجملة «سقطت أبصارها»: جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة «شايحت أبصارها»: صفة ل (بكار) محلها الجر. وجملة «تدأب دأب»: حالية محلها النصب، أو بدل من جملة (سقطت أبصارها).
والشاهد فيه: نصب (دأب بكار) على المصدر المشبّه به، وذلك على إضمار فعل (تدأب) الذي دلّ عليه الفعل (سقطت).
__________
(1) المزمل: 8.
(2) نوح: 17.
[308] التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص 35وشرح أبيات سيبويه 2/ 332والشعر والشعراء 2/ 728ولسان العرب 8/ 27 (تبع) وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 630والأشباه والنظائر 1/ 245وجمهرة الأمثال 1/ 419وشرح المفصل 1/ 111.
اللغة: واضحة.
المعنى: خير الأمور ما فكّرت فيه قبل فعله، فلم تفعله إلا بعد إحكام الرأي، فإن فعلت أمرا من غير تأمل لم يمكنك أن تتلافى ما فرطت فيه.
الإعراب: «وخير»: الواو: بحسب ما قبلها، «خير»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «الأمر»: مضاف إليه(3/165)
ومن الحروف التي تجري مجرى الفعل ما يكون أشدّ تمكّنا من غيره، وذلك أنّك تقول للرجل إذا أردت تباعده: «إليك»، فيقول: «إليّ». كأنّك قلت: «تباعد»، فقال:
«أتباعد».
وتقول: «عليّ زيدا»، فمعناه: أولني زيدا، وتقول: «عليك زيدا»، أي: خذ زيدا.
فإن سأل سائل عن اختلافها قيل: هي بمنزلة الأفعال التي منها ما يتعدّى، ومنها ما لا يتعدّى، ومنها ما يتعدّى إلى مفعولين.
* * * ومن هذه الحروف: «حيّهل»، فإنّما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وفيه أقاويل:
فأجودها: «حيّهل بعمر». فإذا وقفت قلت: «حيّهلا»، فجعلت الألف لبيان الحركة.
وجائز أن تجعله نكرة، فتقول: «حيّهلا يا فتى»، وجائز أن تثبت الألف، وتجعله معرفة، فلا تنوّن والألف زيادة، ومعناه: قرّبه، وتقديره في العربية: بادر بذكره، وإنّما «حيّ» في معنى:
«هلمّ».
ومن ذلك قولهم: «حيّ على الصلاة». قال الشاعر [من البسيط]:
[309] وهيّج القوم من دار فظلّ لهم ... يوم كثير تناديه وحيّهله
مجرور بالكسرة. «ما»: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل رفع خبر. «استقبلت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
«منه»: جار ومجرور متعلقان بحال من المفعول به المقدّر ل (استقبلت) والتقدير: ما استقبلته كائنا منه، والأمر هنا بمعنى الأمور. «وليس»: الواو: حرف عطف، «ليس»: فعل ماض ناقص مبني على الفتح، واسم (ليس) مستتر جوازا تقديره (هو). «بأن»: الباء: حرف جر زائد، «أن»: حرف ناصب ومصدريّ.
«تتبّعه»: فعل مضارع منصوب ب (أن) وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت)، والهاء:
مفعول به في محل نصب. «اتباعا»: نائب مفعول مطلق منصوب بالفتحة، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تتبع) مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر (ليس).
وجملة «خير الأمر ما استقبلت»: بحسب الواو. وجملة «استقبلت»: صلة الموصول الاسمي لا محل لها. وجملة «ليس بأن تتبعه»: معطوفة على جملة «استقبلت». وجملة «تتبعه»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: وقوع (اتباع) مصدرا ل (تتبّع) لأن المعنى واحد.
[309] التخريج: البيت بلا نسبة في شرح المفصل 4/ 46وما ينصرف وما لا ينصرف ص 107.
اللغة: هيّج: أثار وفرّق. ودار: واد قريب من هجر. وحيّهل: اسم يكنّى به عن الحث، وهو مركب من (حي) و (هل) وهما صوتان معناهما الحث والاستعجال.(3/166)
وقال فيما أثبت فيه الألف [من الطويل]:
[310] بحيّهلا يزجون كلّ مطيّة ... أمام المطايا سيرها متقاذف
وأدخل الباء عليه لأنّه اسم في موضع المصدر.
* * * المعنى: وصف جيشا ألمّ بأهل ذلك الحي، فأثارهم وفرّقهم، فحلّ بهم يوم شديد كثير اللفظ والتنادي، والحث على الهرب.
الإعراب: «وهيّج»: الواو: بحسب ما قبلها، «هيّج»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر جوازا تقديره هو. «القوم»: مفعول به. «من دار»: جار ومجرور متعلقان بحال من (الحي) أو بالفعل (هيّج) إذا جعلناه بمعنى (فرّق). «فظلّ»: الفاء: حرف عطف، «ظلّ»: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. «لهم»:
جار ومجرور متعلقان بخبر (ظل). «يوم»: اسم (ظل) مرفوع. «كثير»: صفة ل (يوم) مرفوع. «تناديه»:
فاعل للصفة المشبهة (كثير) مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدّرة على الياء للثقل، والهاء: مضاف إليه محله الجر. «وحيّهله»: الواو: حرف عطف، «حيّهله»: اسم معطوف على (تناديه) مرفوع، والهاء: مضاف إليه محله الجر.
وجملة «هيّج القوم»: بحسب الواو، وعطف عليها جملة (ظل لهم يوم).
والشاهد فيه: إعراب (حيّهله)، لأنّه جعله اسما للصوت، وإن كان مركبا من شيئين، فهو بمنزلة (معدي كرب) في جعله اسما لشخص.
[310] التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص 247وأمالي ابن الحاجب 1/ 363، 364وخزانة الأدب 6/ 263، 268وشرح أبيات سيبويه 2/ 223ولسان العرب 9/ 278 (قذف) ولمزاحم العقيلي في شرح أبيات سيبويه 2/ 223ولسان العرب 14/ 221 (حيا) وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 46وما ينصرف وما لا ينصرف ص 108.
اللغة: يزجون: يسوقون. والمتقاذف: المترامي. وحيهلا: الحثّ والاستعجال.
المعنى: هؤلاء القوم لعجلتهم يسوقون مطاياهم بقولهم: حيهلا مع أنّ هذه المطايا سريعة السير ومتقدمة.
الإعراب: «بحيهلا»: الباء: حرف جر، «حيّهلا»: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره لانشغاله بحركة الحكاية، وهي هنا البناء على السكون، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «يزجون».
«يزجون»: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو: فاعل. «كلّ»: مفعول به. «مطية»: مضاف إليه.
«أمام»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلّق بخبر مقدم محذوف. «المطايا»: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف، «سيرها»: مبتدأ مرفوع، و «ها»: مضاف إليه محلّه الجر. «متقاذف»: خبر ل «سيرها» مرفوع بالضمّة.
جملة «يزجون»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «سيرها متقاذف أمام المطايا»: صفة ل (مطية) محلّها الجر.
والشاهد فيه: تركه (حيّهلا) على لفظه محكيا.(3/167)
ومن أسماء الفعل «رويد»، ولها باب تفرد به، نذكره بعد هذا الباب إن شاء الله.
ومن المصادر «ويح»، و «ويل»، و «ويب»، وإنّما هي إذا قلت: «ويل لزيد» في موضع: «قبوح لزيد». ولكن لم يجز أن يكون منها أفعال لعلّة مشروحة في التصريف.
وكذلك: «أفّة»، و «تفّة»، وإنّما هي في موضع: «نتنا»، و «دفرا».
ومنها: «سبحان الله»، و «ريحانه»، و «معاذ الله»، و «عمرك الله»، و «قعدك الله» في النداء.
* * *
هذا باب تفسير ما ذكرنا من هذه الأسماء الموضوعة موضع المصادر وما أشبهها من الأسماء المدعوّ بها من غير المصادر نحو: «تربا» و «جندلا»، وما أشبه ذلك(3/168)
* * *
هذا باب تفسير ما ذكرنا من هذه الأسماء الموضوعة موضع المصادر وما أشبهها من الأسماء المدعوّ بها من غير المصادر نحو: «تربا» و «جندلا»، وما أشبه ذلك
أمّا «رويد زيدا»، فاسم للفعل، وليس بمصدر، وبني على الفتح لأنّه غير متصرّف، كما فعلت بأخواته المبنيّات، نحو: «صه»، و «مه»، ولم يسكّن آخره لأنّ قبله حرفا ساكنا، واخترت له الفتح للياء التي قبله كما فعلت في «أين»، و «كيف»، وما أشبه ذلك.
قال الشاعر [من الطويل]:
[311] رويد عليّا جدّ ما ثدي أمّهم ... إلينا ولكن ودّهم متماين
[311] التخريج: البيت لمالك بن خالد الهذليّ في شرح أبيات سيبويه 1/ 100وللمعطل الهذلي في معجم ما استعجم 3/ 737ولأحدهما في شرح أشعار الهذليين 1/ 447وللهذلي في الكتاب 1/ 243 ولسان العرب 13/ 396 (مأن) وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 40ولسان العرب 3/ 189 (رود)، 13/ 426 (مين).
اللغة: رويد: اسم فعل أمر بمعنى «أمهل». جدّ: قطع. جدّ ثدي أمّهم: أي بيننا وبينهم قرابة من ناحية الأم وهم منقطعون بها إلينا. المين: الكذب.
المعنى: أمهل عليا، إنّ بيننا وبينهم قرابة من ناحية الأمّ، وهم منقطعون إلينا بها وإن كان في ودّهم كذب.
الإعراب: رويد: اسم فعل أمر بمعنى «أمهل»، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت».
عليا: مفعول به منصوب. جدّ: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ما: زائدة. ثدي: نائب فاعل.
أمّهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و «هم»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. إلينا: جار ومجرور متعلقان بالفعل (جدّ). ولكن: الواو: استئنافيّة، «لكن»: للاستدراك. ودّهم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و «هم»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. متماين: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة «رويد عليا»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «جدّ ثدي أمهم»: استئنافيّة لا محل لها. وجملة «ولكن ودهم متماين»: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «رويد عليا» حيث نصب اسم الفعل «رويد» مفعولا به «عليّا».(3/169)
فإن قلت: أرودته كان المصدر إروادا، وتصرّف تصرّف جميع المصادر، فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة، صرفت «رويد»، فقلت: «رويدا يا فتى».
وإن نعتّ به قلت: «ضعه وضعا رويدا»، وتفرده وتضيفه لأنّه كسائر المصادر.
وتقول: «رويد زيد» كما قال الله عزّ وجلّ: {فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1)، و «رويدا زيدا» كما تقول: ضربا زيدا في الأمر.
فأمّا قولك: «رويدك زيدا»، فإنّ الكاف زائدة، وإنّما زيدت للمخاطبة، وليست باسم، وإنّما هي بمنزلة قولك: «النّجاءك يا فتى»، و «أرأيتك زيدا ما فعل»؟ وكقولك:
«أبصرك زيدا». إنّما الكاف زائدة للمخاطبة، ولولا ذلك لكان «النّجاءك» محالا لأنّك لا تضيف الاسم وفيه الألف واللام. وقوله عزّ وجلّ: {أَرَأَيْتَكَ هََذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} (2) قد أوضح لك أنّ الكاف زائدة.
ولو كانت في «رويدك» علامة للفاعلين، لكان خطأ إذا قلت: «رويدكم» لأنّ علامة الفاعلين الواو كقولك: «أرودوا».
* * * واعلم أنّ هذه الأسماء ما كان منها مصدرا، أو موضوعا موضع المصدر، فإنّ فيه الفاعل مضمرا لأنّه كالفعل المأمور به. تقول: «رويدك أنت وعبد الله زيدا»، و «عليك أنت وعبد الله أخاك». فإن حذفت التوكيد، قبح، وإعرابه الرفع على كلّ حال ألا ترى أنّك لو قلت: «قم وعبد الله»، كان جائزا على قبح حتّى تقول: «قم أنت وعبد الله»، و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقََاتِلََا} (3)، و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (4).
فإن طال الكلام، حسن حذف التوكيد كما قال الله عزّ وجلّ: {لَوْ شََاءَ اللََّهُ مََا أَشْرَكْنََا وَلََا آبََاؤُنََا} (5)، وقد مضى هذا مفسّرا في موضعه.
وكذلك ما نعته ب «النفس» في المرفوع. إنّما يجري على توكيد فإن لم تؤكّد، جاز
__________
(1) محمد: 4.
(2) الإسراء: 62.
(3) المائدة: 24.
(4) البقرة: 35.
(5) الأنعام: 148.(3/170)
على قبح. وهو قولك: «قم أنت نفسك». فإن قلت: «قم نفسك»، جاز. وذلك قولك:
«رويدك أنت نفسك زيدا»، و «عليك أنت نفسك زيدا»، و «دونك أنت نفسك زيدا»، والحذف جائز قبيح إذا قلت: «رويدك نفسك زيدا».
واعلم أنّك إذا قلت: «عليك زيدا»، ففي «عليك» اسمان: أحدهما: المرفوع الفاعل، والآخر: هذه الكاف المخفوضة تقول: «عليكم أنفسكم أجمعون زيدا»، فتجعل قولك:
«أجمعون» للفاعل، وتجعل قولك: «أنفسكم» ل «الكاف».
وإن شئت، أجريتهما جميعا على «الكاف» فخفضته، وإن شئت، أكّدت، ورفعتهما لما ذكرت لك من قبح مجرى «النفس» في المرفوع إلّا بتوكيد، وإن شئت، رفعت بغير توكيد على قبح.
وإن قلت: «رويد نفسك»، أو «رويدك»، جعلت «النفس» مفعولة بمنزلة «زيد»، كما قال الله عزّ وجلّ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (1).
* * * __________
(1) المائدة: 105.(3/171)
هذا باب «إيّاك» في الأمر
اعلم أنّ «إيّاك» اسم المكنّى عنه في النصب كما أنّ «أنت» اسمه في الرفع، وهما منفصلان. لا تقول: «إيّاك» إذا قدرت على الكاف في «رأيتك» وأخواتها نحو: «ضربته»، و «ضربني». وكذلك «أنت» لا تقع موقع التاء وأخواتها في «ضربت» و «ضربنا»، و «زيد قام يا فتى»، فيقع الضمير في النيّة، وقد مضى القول في هذا.
فلمّا كانت «إيّاك» لا تقع إلّا اسما لمنصوب، كانت بدلا من الفعل، دالّة عليه، ولم تقع هذه الهيئة إلّا في الأمر لأنّ الأمر كلّه لا يكون إلّا بفعل. وذلك قولك: «إيّاك والأسد يا فتى»، وإنّما التأويل: اتّق نفسك والأسد. و «إيّاك» منصوب بالفعل لأنّه و «الأسد» متّقيان. وكذلك: «إيّاك والصّبيّ»، و «إيّاك ومكروه عبد الله»، وإن أكّدت، رفعت إن شئت، فقلت: «إيّاك أنت وزيد» لأنّ مع «إيّاك» ضميرا، وهو الضمير الذي في الفعل الذي نصبها.
ألا ترى أنّ معنى «إيّاك» إنّما هو: «احذر»، و «اتّق»، ونحو ذلك، وإن شئت قلت:
«إيّاك أنت وزيدا»، فجعلت «أنت» توكيدا لذلك المضمر، فإن قلت: «إيّاك وزيد»، فهو قبيح وهو على قبحه جائز كجوازه في «قم وزيد».
والبيت يستوي فيه الوجهان لأنّه فيه توكيد وهو قوله [من المتقارب]:
[312] فإيّاك أنت وعبد المسيح ... أن تقربا قبلة المسجد
[312] التخريج: البيت لجرير في ملحق ديوانه ص 1027وشرح أبيات سيبويه 1/ 390والكتاب 1/ 278.
المعنى: يحذّر جرير الفرزدق وصديقه الأخطل (أشار إليه بعبد المسيح) من الاقتراب من المساجد.
الإعراب: فإياك: «الفاء»: استئنافية، «إياك»: ضمير نصب منفصل في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (فأحذّر إياك). أنت: ضمير منفصل في محلّ نصب توكيد للضمير المستتر في (إياك).
وعبد: «الواو»: حرف عطف، «عبد»: معطوف على المنصوب محلّا (إياك) منصوب بالفتحة. المسيح:(3/172)
ولا يجوز أن تقول: «إيّاك زيدا» كما لا يجوز أن تقول: «زيدا اضرب عمرا» حتّى تقول: «وعمرا».
وأمّا قوله: «إيّاك أن تقرب الأسد»، فجيّد لأنّ «أن» تحذف معها اللام لطولها بالصلة. تقول: «أكرمتك أن اجترّ مودّة زيد». فالمعنى: إيّاك احذر من أجل كذا، فهذا جائز، وإن أدخلت الواو فجيّد لأنّ «أن» وصلتها مصدر.
فأمّا «إيّاك الضّرب»، فلا يجوز في الكلام كما لا يجوز: «إيّاك زيدا».
فإن اضطرّ شاعر جاز لأنّه يشبّهه للضرورة بقوله: «أن تقربا». وعلى هذا [من الطويل]:
[313] إيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وللشرّ جالب
فأضمر بعد قوله: «إيّاك» فعلا آخر على كلامين لأنّه لمّا قال: «إيّاك»، أعلمه أنّه يزجره، فأضمر فعلا. يريد: اتّق المراء يا فتى.
* * * مضاف إليه مجرور بالكسرة. أن: حرف مصدري وناصب. تقربا: فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، و «الألف»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» والفعل «تقربا» مفعول به ثان للفعل «أحذر» أو مجرور بالحرف، والتقدير: احذر إياك الاقتراب أو من الاقتراب، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «احذر» المحذوف. قبلة: مفعول به منصوب بالفتحة. المسجد: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «فإياك أحذّر»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «تقربا»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «عبد المسيح» حيث عطفه على (إياك) بعد أن أتى بالضمير المنفصل (أنت) توكيدا للضمير في (إياك).
[313] التخريج: البيت للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة 4/ 76وخزانة الأدب 3/ 63 ومعجم الشعراء ص 310وله أو للعرزميّ في حماسة البحتري ص 253وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص 686والخصائص 3/ 102ورصف المباني ص 137وشرح الأشموني 2/ 409وشرح التصريح 2/ 128وشرح المفضل 2/ 25والكتاب 1/ 279وكتاب اللامات ص 70ولسان العرب 15/ 441 (أيا) ومغني اللبيب ص 679والمقاصد النحوية 4/ 113، 308.
شرح المفردات: المراء: الجدال والمنازعة. جالب: مسبّب.
المعنى: ينصح الشاعر بعدم المراء لأنّه مسبّب للشرّ.(3/173)
والفصل بين المصدر نحو: «الضرب» و «القتل»، وبين «أن يضرب»، و «أن يقتل» في المعنى، أنّ «الضرب» اسم للفعل يقع على أحواله الثلاثة: الماضي، والموجود، والمنتظر.
وقولك: «أن تفعل» لا يكون إلّا لما يأتي. فإن قلت: «أن فعلت»، فلا يكون إلّا للماضي ولا يقع للحال ألبتّة. وقراءة من قرأ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} (1) معناه:
المضيّ.
وإن قرأ: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} فمعناه: متى كان ذا لأنّها «إن» التي للجزاء.
والحذف مع «أن» وصلتها مستعمل في الكلام لما ذكرت لك من أنّها علّة لوقوع الشيء. فعلى هذا يكون، وهذا بيّن واضح.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجََالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونََا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتََانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} (2).
فإن قال قائل: قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا} لما ذكر. وهو لم يعدد الإشهاد ل «أن تضلّ إحداهما».
فالجواب في ذلك: أنّه إنّما أعدّ الإشهاد للتذكير، ولكن تقدّمت «أن تضلّ» لتوقع سبب التذكرة. ونظيره من الكلام: «أعددت هذا أن يميل الحائط فأدعمه»، ولم يعدده طلبا لأن يميل الحائط، ولكنّه أخبر بعلّة الدعم، فاستقصاء المعنى: إنما هو: أعددت هذا لأن إن مال الحائط، دعمته، فإن الأولى هي الثانية.
* * * الإعراب: «إياك»: ضمير منفصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل التحذير المحذوف. «إيّاك»:
توكيد لفظي للسابق. «المراء»: مفعول به ثان تقديره «جنّب نفسك المراء»، أو اسم منصوب على نزع الخافض تقديره: «باعد نفسك باعد نفسك عن المراء». «فإنه»: الفاء: استئنافية، «إنه»: حرف مشبّه بالفعل، والهاء: ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «إلى الشرّ»: جار ومجرور متعلّقان ب «دعّاء». «دعّاء»:
خبر «إن» مرفوع. «وللشرّ»: الواو: حرف عطف، «للشرّ»: جار ومجرور متعلّقان ب «جالب». «جالب»:
معطوف على «دعّاء» مرفوع.
وجملة «إياك»: بحسب ما قبلها. وجملة «إنّه دعّاء»: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «إيّاك إيّاك المراء» حيث نصب مفعولا به، بتقدير فعل، أو كما أعربناه.
__________
(1) الأحزاب: 50.
(2) البقرة: 282.(3/174)
وقد يحذف الفعل في التكرير وفي العطف وذلك قولك: «رأسك والحائط»، و «رأسه والسيف يا فتى». فإنّما حذف الفعل للإطالة والتكرير، ودلّ على الفعل المحذوف بما يشاهد من الحال.
ومن أمثال العرب: «رأسك والسيف» [1]، ومن أمثالهم: «أهلك واللّيل» [2] وقد دلّ على هذا أنّه يريد: بادر أهلك والليل.
والأوّل على أنّه: نحّ رأسك من السيف. وتقديره في الفعل: اتّق رأسك والسيف، فلو أفردت، لم يجز حذف الفعل إلّا وعليه دليل. نحو: «زيدا». لو قلت ذلك، لم يدر ما الفعل المحذوف؟
فإن رأيت رجلا قد أشار بسيف فقلت: «زيدا» أو ذكرت أنّه يضرب أو نحو ذلك، جاز لأنّ المعنى: أوقع ضربك بزيد.
فإن كان مصدرا، فقد دلّ على فعل، فمن ذلك: «ضربا ضربا»، إذا كنت تأمر.
وإنّما كان الحذف في الأمر جائزا لأنّ الأمر لا يكون إلّا بفعل. قال الله عزّ وجلّ:
{فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (3) وقال: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (4). فالمصدر المأمور به يكون نكرة، وبالألف واللام، ومضافا. كلّ ذلك مطّرد في الأمر، وكلّ شيء كان في معنى المصدر، فمجراه مجرى المصدر، وسنبيّن ذلك إن شاء الله.
فأمّا قولك: «الحمد لله» في الخبر، و «سقيا لزيد»، و «رعيا له»، فله باب يفرد به إن شاء الله.
* * * [1] لم أقع عليه في كتب الأمثال، ولا في موسوعة أمثال العرب للدكتور إميل يعقوب.
[2] ورد المثل في جمهرة الأمثال 1/ 196وخزانة الأدب 8/ 431، 10/ 309والمستقصى 1/ 443 ومجمع الأمثال 1/ 52.
والمعنى: أدرك أهلك، وسابق الليل، أو احذر الليل. يضرب في التحذير والأمر بالحزم.
__________
(3) محمد: 4.
(4) محمد: 4.(3/175)
هذا باب ما جرى مجرى المصادر وليس بمتصرّف من فعل
فمن ذلك: «سبحان الله»، و «معاذ الله»، وقولهم: «أفّة»، و «تفّة»، و «ويلا لزيد»، و «ويحا له»، و «سلام على زيد»، و «ويل لزيد»، و «ويح له»، و «تربا له».
كلّ هذا معناه في النّصب واحد، ومعناه في الرفع واحد.
ومنه ما لا يلزمه إلّا النصب، ومنه ما لا يجوز فيه إلّا الرفع لعلل نذكرها إن شاء الله.
ومنه قولك: «مرحبا»، و «أهلا وسهلا»، و «ويلة»، و «عولة».
فأمّا قولهم: «سبحان الله»، فتأويله: براءة الله من السّوء، وهو في موضع المصدر، وليس منه فعل. فإنّما حدّه الإضافة إلى الله عزّ وجلّ وهو معرفة. وتقديره إذا مثّلته فعلا: تسبيحا لله.
فإن حذفت المضاف إليه من «سبحان»، لم ينصرف لأنّه معرفة، وإنّما نكّرته بالإضافة ليكون معرفة بالمضاف إليه. فأمّا قول الشاعر [من البسيط]:
[314] سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد
[314] التخريج: البيت لورقة بن نوفل في الأغاني 3/ 115وخزانة الأدب 3/ 388، 7/ 234، 236، 243والدرر 3/ 69ولأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص 30ولسان العرب 2/ 471 (سبح)، 3/ 132 (جمد)، 3/ 138 (جود) ومعجم ما استعجم ص 391ولزيد بن عمرو بن نفيل في شرح أبيات سيبويه 1/ 194وبلا نسبة في شرح المفصل 1/ 37، 120، 4/ 36وهمع الهوامع 1/ 190.
اللغة: سبحانك: تنزيها لك. والجوديّ، والجمد: جبلان.
المعنى: إننا نسبّحه التسبيح تلو التسبيح، كما تسبحه دائما سائر الأشياء جمادات وحيوانات.
الإعراب: «سبحانه»: مفعول مطلق منصوب بالفتحة، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه محله الجرّ.(3/176)
في رواية: «نعوذ به». فإنّما نوّن مضطرّا، ولو لم يضطرّ، لكان كقول الآخر [من السريع]:
[315] أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
فهذا في موضع: براءة منه.
و «معاذ الله» كذلك لا يكون إلّا مضافا. وتقديره تقدير: «عياذ الله»، أي: عذت بالله عياذا. فهذا موضع هذا.
ومثل ذلك: «حجرا»، إنّما معناه: «حراما». فهو في موضعه لو تكلّمت به. فمن ذلك
«ثم»: حرف عطف. «سبحانا»: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. «نعوذ»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (نحن). «به»: جار ومجرور متعلقان ب (نعوذ). «وقبلنا»: الواو: حرف استئناف، «قبلنا»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، وهو مضاف و «نا»: مضاف إليه محلّه الجر، والظرف (قبلنا) متعلق بالفعل (سبّح). «سبّح»: فعل ماض مبني على الفتح. «الجودي»: فاعل مرفوع بالضمة. «والجمد»: الواو: حرف عطف، «الجمد»: معطوف على (الجوديّ).
وجملة «سبحانه» مع ناصبه المحذوف: ابتدائية لا محل لها. وجملة «سبحانا مع عامله المحذوف»:
معطوفة على جملة (سبحانك). وجملة «سبّح الجودي»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (سبحانا) وتنكيره وتنوينه ضرورة، والمعروف فيه أن يضاف إلى ما بعده، أو يجعل مفردا معرفة، ووجه تنكيره وتنوينه أنّه يشبه ب (براءة) في معناه.
[315] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 193وأساس البلاغة ص 200 (سبح) والأشباه والنظائر 2/ 109وجمهرة اللغة ص 278وخزانة الأدب 1/ 185، 7/ 234، 235، 238والخصائص 2/ 435والدرر 3/ 70وشرح أبيات سيبويه 1/ 157وشرح شواهد المغني 2/ 905وشرح المفصل 1/ 37والكتاب 1/ 324ولسان العرب 2/ 471 (سبح) وبلا نسبة في خزانة الأدب 3/ 388، 6/ 286 والخصائص 2/ 197، 3/ 23والدرر 5/ 42ومجالس ثعلب 1/ 261والمقرب 1/ 149وهمع الهوامع 1/ 190، 2/ 52.
اللغة: علقمة: هو علقمة بن علاثة. الفاخر: المفتخر، المتباهي.
المعنى: عند ما وصلني أنّه يفخر ويتباهى بما ليس فيه قلت: سبحان الله ممّا يفعل، أو أتبرّأ من علقمة وفخره.
الإعراب: أقول: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (أنا). لما: ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بالفعل (أقول). جاءني: فعل ماض مبني على الفتح، و «النون»:
للوقاية، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. فخره: فاعل مرفوع بالضمّة، و «الهاء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. سبحان: مفعول مطلق لفعل محذوف مبني على الفتح في محلّ نصب. من علقمة: جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف، متعلّقان ب (سبحان) أو بفعلها المحذوف. الفاخر: صفة (علقمة) مجرورة بالكسرة.(3/177)
قول الله عزّ وجلّ: {حِجْراً مَحْجُوراً} (1) أي: حراما محرّما.
وأمّا قولهم: «مرحبا وأهلا»، فهو في موضع قولهم: «رحبت بلادك رحبا»، و «أهلت أهلا»، ومعناه: الدعاء، يقول: «صادفت هذا».
ولو قلت: «حجر»، و «مرحب»، لصلح، تريد: أمرك هذا.
وأمّا «سبحان» وما كان مثله ممّا لا يكون إلّا مضافا، فلا يصلح فيه إلّا النصب. وهذا البيت ينشد على وجهين: على الرفع والنصب وهو [من الكامل]:
[316] وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله ... لملتمس المعروف: أهل ومرحب
وقال الآخر [من الطويل]:
[317] إذا جئت بوّابا له قال: مرحبا ... ألا مرحب واديك غير مضيّق
وجملة «أقول»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جاءني»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «سبحان»: في محلّ نصب مفعول به (مقول القول).
والشاهد فيه قوله: «سبحان من علقمة» حيث استخدم كلمة «سبحان» علما ومن دون إضافة إلى اسم الجلالة، بمعنى (أتبرّأ براءة).
__________
(1) الفرقان: 22.
[316] التخريج: البيت لطفيل الغنوي في ديوانه ص 38، والدرر 3/ 9وشرح أبيات سيبويه 1/ 184وشرح المفصل 2/ 29وبلا نسبة في المصنف 3/ 37وهمع الهوامع 1/ 169.
اللغة: السهب: اسم موضع. النقيبة: الطبيعة. يرثي الشاعر رجلا دفن في ذلك الموضع.
الإعراب: «وبالسهب»: الواو بحسب ما قبلها، و «بالسهب» جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف مقدّم. «ميمون»: مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمة، وهو مضاف. «النقيبة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «قوله»:
بدل من «ميمون» مرفوع بالضمة، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة.
«لملتمس»: جار ومجرور متعلقان ب «قوله»، و «ملتمس» مضاف. و «المعروف»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أهل»: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذا، أو مبتدأ خبره محذوف، تقديره: لك. «ومرحب»:
حرف عطف واسم معطوف مرفوع.
وجملة «وبالسهب ميمون» بحسب الواو. وجملة «هذا أهل» في محلّ نصب مقول القول.
والشاهد فيه: رفع «أهل ومرحب» على إضمار مبتدأ، أو إضمار خبر كما تقدّم في الإعراب، مع جواز نصبهما، على تقدير: صادفت أهلا.
[317] التخريج: البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص 141، 283والدرر 3/ 9وشرح أبيات سيبويه 1/ 101وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 169.
اللغة: المضيق: المكان الضّيّق.(3/178)
فأمّا قولهم: «سلاما»، و «سلام يا فتى»، فإنّ معناه: المبارأة والمتاركة. فمن قال:
«لا تكن من فلان إلّا سلام بسلام»، فمعناه: لا تكن إلّا وأمرك وأمره المتاركة والمبارأة، وإنّما رفعت لأنّك جعلته ابتداء وخبرا في موضع خبر «كان».
ولو نصبته، كان جيّدا بالغا. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} (1) تأويله: المتاركة، أي: لا خير بيننا وبينكم ولا شرّ.
ومن كلامهم: «سبحان الله»، و «ريحانه». فتأويل «ريحان» في هذا الموضع:
الرزق. وتقديره في المصادر: تسبيحا، واسترزاقا، وتصديق هذا في قوله عزّ وجلّ:
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحََانُ} (2).
فأما قولهم: «ويل لزيد»، و «ويح لزيد» و «تبّ لزيد»، و «ويس له». فإن أضفت، لم يكن إلّا النصب فقلت: «ويحه»، و «ويله». فإنّما ذلك لأنّ هذه مصادر.
فإن أفردت، فلم تضف، فأنت مخيّر بين النصب والرفع. تقول: «ويل لزيد»، و «ويلا لزيد».
المعنى: واضح.
الإعراب: «إذا»: شرطية ظرفية غير جازمة، مبنية على السكون في محل نصب متعلقة ب (قال).
«جئت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، وهذه التاء محلها الرفع. «بوابا»: مفعول به منصوب بالفتحة. «له»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (بوّابا). «قال»: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل مستتر تقديره (هو). «مرحبا»: مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: (أدركت مرحبا). «ألا»: حرف تنبيه لا محل له. «مرحب»: خبر مقدم مرفوع بالضمة. «واديك»: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الياء، والكاف: مضاف إليه محله الجر. «غير»: خبر ثان مرفوع بالضمة، وقيل: إنّ (غير) صفة ل (مرحب).
«مضيق»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «إذا جئت بوابا»: ابتدائية لا محل لها، وبالنظر إلى البيت في أبياته، الجملة استئنافية. وجملة «جئت»: جملة الشرط الظرفي في محل جر بالإضافة. وجملة «قال»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
وجملة «أدركت مرحبا»: مقول القول محلها النصب. وجملة «واديك مرحب»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: رفع (مرحب) على أنّه خبر للمبتدأ (واديك).
__________
(1) الفرقان: 63.
(2) الرحمن: 12.(3/179)
فأما النصب فعلى الدعاء، وأما الرفع فعلى قولك: «ثبت ويل له» لأنّه شيء مستقرّ.
ف «ويل» مبتدأ، و «له» خبره. وهذا البيت ينشد على وجهين، وهو [من الطويل]:
[318] كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الخضر
فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (1) وقوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (2). فإنّه لا يكون فيه إلّا الرفع إذ كان لا يقال: دعاء عليهم، ولكنّه إخبار بأنّ هذا قد ثبت لهم.
فإن أضفت فقلت: «ويله»، و «ويحه»، لم يكن إلّا نصبا لأنّ وجه الرفع قد بطل بأنّه لا خبر له، فكذا هذه التي في معنى المصادر.
فإن كان مصدرا صحيحا يجري على فعله، فالوجه النصب. وذلك قولك: «تبّا لزيد»، و «جوعا لزيد» لأنّ هذا من قولك: «جاع يجوع»، و «تبّ يتبّ». وكذلك: «سقيا»، و «رعيا». والرفع يجوز على بعد لأنّك تبتدىء بنكرة، وتجعل ما بعدها خبرها.
فأمّا «سلام عليك» فاسم في معنى المصدر، ولو كان على «سلّم»، لكان تسليما.
* * * [318] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 596وشرح أبيات سيبويه 1/ 151، 230وشرح المفصل 1/ 121واللامات ص 125ولسان العرب 11/ 738 (ويل).
اللغة: الخضرة: السواد هنا. الويل: القبح، وهو مصدر لا فعل له. السرابيل: جمع سربال، وهو القميص.
المعنى: نسب إليهم اللؤم معبّرا عن ذلك باسوداد جلودهم وثيابهم، كما يعبّر عن نقاء المرء بوصف ثوبه بالطهارة، فيقال: فلان طاهر الثوب.
الإعراب: «كسا»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف للتعذر. «اللؤم»: فاعل مرفوع بالضمة. «تيما»: مفعول به أول منصوب بالفتحة. «خضرة»: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. «في جلودها»:
جار ومجرور متعلقان ب (كسا)، وها: مضاف إليه محله الجر. «فويل»: الفاء: استئنافية، «ويل»: فاعل مرفوع لفعل محذوف، تقديره: فثبت ويل لتيم. «لتيم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل المحذوف (ثبت).
«من سرابيلها»: جار ومجرور متعلقان ب (ويل)، أو بصفة من «ويل» على تقدير: ويل حاصل من سرابيلها، أي بسبب سرابيلها، و «ها»: مضاف إليها محلها الجر. «الخضر»: صفة ل (سرابيل) مجرورة بالكسرة.
وجملة «كسا اللؤم»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «ويل مع فعله المحذوف»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (ويل) وهو الأكثر في كلامهم رفعه بالابتداء، ويروى بالنصب وإن كان نكرة لأنّه في معنى المنصوب.
__________
(1) المطففين: 1.
(2) المرسلات: 15، 19، 24، 28، 34، 37، 40، 47، 49والمطففون: 10.(3/180)
فإن كانت هذه المصادر معارف، فالوجه الرفع، ومعناه كمعنى المنصوب، ولكن يختار الرفع لأنّه كالمعرفة. وحقّ المعرفة الابتداء. وذلك قولك: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1)، و {لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (2). والنصب يجوز. وإنّما تنظر في هذه المصادر إلى معانيها فإن كان الموضع بعدها أمرا أو دعاء، لم يكن إلّا نصبا.
وإن كان لما قد استقرّ، لم يكن إلّا رفعا.
وإن كان يقع لهما جميعا، كان النصب والرفع.
* * * فممّا يدعى به أسماء ليست من الفعل، ولكنّها مفعولات. وذلك قولك: «تربا»، و «جندلا». إنّما تريد: أطعمه الله، ولقّاه الله، ونحو ذلك.
فإن أخبرت أنّه ممّا قد ثبت، رفعت. قال الشاعر [من الطويل]:
[319] لقد ألّب الواشون ألبا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل
* * *
__________
(1) الفاتحة: 2.
(2) الأعراف: 44وهود: 18.
[319] التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 77وشرح أبيات سيبويه 1/ 383وشرح المفصل 1/ 122وهمع الهوامع 1/ 194.
اللغة: ألب: سعى في إفساد ذات البين. لبينهم: أي للتفرّيق بين الأحبة. والجندل: الحجارة، واحدتها جندلة.
المعنى: لقد سعى الواشون في التفريق بين الأحبة، فالخيبة والهلاك لهؤلاء الواشين.
الإعراب: «لقد»: اللام: للتوكيد، و «قد»: حرف تحقيق، ويقال: إن اللام رابطة لجواب قسم مقدر. «ألب»: فعل ماض مبني على الفتح. «الواشون»: فاعل مرفوع بالضمة. «ألبا»: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. «لبينهم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (ألب) و «هم»: في محل جرّ بالإضافة. «فترب»: الفاء:
استئنافية، «ترب»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «لأفواه»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف. «الوشاة»:
مضاف إليه مجرور بالكسرة. «وجندل»: الواو: حرف عطف، «جندل»: معطوف على (ترب) مرفوع بالضمة.
وجملة «لقد ألب»: ابتدائية لا محل لها، أو جواب قسم لا محل لها. وجملة «ترب لأفواه الوشاة»:
استئنافية لا محل لها.(3/181)
فأمّا قوله: «أفّة» و «تفّة» فإنّما تقديره من المصادر: «نتنا»، و «دفرا»، فإن أفردت «أفّ» بغير هاء فهو مبنيّ لأنّه في موضع المصدر وليس بمصدر، وإنّما قوي حيث عطفت عليه لأنّك أجريته مجرى الأسماء المتمكّنة في العطف. فإذا أفردته، بني على الفتح والكسر والضم، وتنوّنه، إن جعلته نكرة.
وفي كتاب الله عزّ وجلّ: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} (1).
وقال: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمََا تَعْبُدُونَ} (2) كلّ هذا جائز جيّد.
وهذه المبنيّات، إذا جعلت شيئا منها نكرة، نوّنت، نحو: «إيه يا فتى»، وقال الغراب: «غاق غاق يا فتى» كذا تأويلها.
* * * واعلم أنّ من المصادر التي لا أفعال لها تجري عليها، وإنّما يوضع موضع المصادر ما يكون مثنّى لمبالغة. وذلك قولك: «لبّيك» و «سعديك»، و «حنانيك»، إنّما أراد: حنانا بعد حنان، أي: كلّما كنت في رحمة منك فلتكن موصولة بأخرى. وتأويل: «حنانيك»: إنّما هو رحمة بعد رحمة. يقال: «تحنّن فلان على فلان»: إذا رحمه. قال الشاعر [من المتقارب]:
[320] تحنّن عليّ هداك المليك ... فإنّ لكلّ مقام مقالا
والشاهد فيه: رفع (ترب) على الابتداء، وخبره الجار والمجرور مع ما فيه من معنى الدعاء، والقياس في ذلك النصب عند سيبويه.
__________
(1) الإسراء: 23.
(2) الأنبياء: 67.
[320] التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص 72وتخليص الشواهد ص 206والدرر 3/ 64 ولسان العرب 11/ 573 (قول)، 13/ 130 (حنن) وبلا نسبة في العقد الفريد 5/ 493وهمع الهوامع 1/ 189.
الإعراب: تحنّن: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت). علي: جار ومجرور متعلقان بالفعل (تحنّن). هداك: فعل ماض، و «الكاف»: مفعول به. المليك: فاعل. فإن:
«الفاء»: حرف استئناف، «إن»: حرف مشبه بالفعل. لكل: جار ومجرور متعلقان بخبر (إن) المقدم. مقام:
مضاف إليه. مقالا: اسم (إن) منصوب.
وجملة «تحنّن»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «هداك المليك»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «إن لكل مقام مقالا».
والشاهد فيه: أن (تحنّن) هنا معناه (ترحّم).(3/182)
وقال الآخر [من الطويل]:
[321] أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
فهذا ممّا يجوز إفراده، فإذا أفردت، فأنت مخيّر: إن شئت، نصبت بالفعل، وإن شئت، ابتدأت.
فإذا ثنّيت، لم يكن إلّا منصوبا لأنّه وضع موضع ما لا يتمكّن نحو: «لبّيك»، و «سعديك». وقال الشاعر فيما أفرد فيه [من الوافر]:
[322] ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
[321] التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 66والدرر 3/ 67ولسان العرب 13/ 130 (حنن) وهمع الهوامع 1/ 190وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 1273وشرح المفصل 1/ 118.
اللغة: أبو منذر: كنية عمرو بن هند.
الإعراب: «أبا»: منادى مضاف منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. «منذر»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أفنيت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محله الرفع. «فاستبق»: الفاء: استئنافية، «استبق»: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله مستتر وجوبا تقديره (أنت). «بعضنا»: مفعول به منصوب بالفتحة، ونا: مضاف إليه محله الجر. «حنانيك»: مفعول مطلق منصوب بالياء لأنه مثنى، وكاف الخطاب: مضاف إليه محله الجر. «بعض»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «الشرّ»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
«أهون»: خبر مرفوع بالضمة. «من بعض»: جار ومجرور متعلقان ب «أهون».
وجملة «أبا منذر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أفنيت»: استئنافية لا محل لها. وكذلك جملة «استبق». وجملة «تحنّن حنانيك».
والشاهد فيه: نصب (حنانيك) على المصدر الموضوع موضع الفعل، التقدير: تحنّن علينا تحنّنا، وثنّي مبالغة وتكثيرا أي: تحنّن تحنّنا بعد تحنن ولم يقصد التثنية خاصة. وإنما جعلت التثنية علما للتكثير هنا، لأنها أول تضعيف العدد وتكثيره.
[322] التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 143ولسان العرب 13/ 130 (حنن) وبلا نسبة في مجالس ثعلب 2/ 543.
اللغة: بنو شمجى: حيّ من جرم. والمعيز: اسم جماعة المعز. ويمنحها: (ها) عائدة على مظهر مؤخر، وهو (معيزهم).
المعنى: بعد العزّ الذي كنت فيه لدى الحارث، يتفضّل علىّ الآن بنو شمجى بمعيزهم، يا له من أمر عجيب، فارحمنا يا ذا الرحمة، وأعدنا إلى ما كنا فيه من العز.
الإعراب: ويمنحها: «الواو»: بحسب ما قبلها، «يمنح»: فعل مضارع مرفوع و «ها»: مفعول به. بنو:
فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. شمجى: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر. بن: صفة ل (شمجى) مجرور بالكسرة. جرم: مضاف إليه. معيزهم: بدل من «ها» في (يمنحها)(3/183)
وقال الآخر، فرفع [من الطويل]:
[323] فقالت: حنان ما أتى بك ههنا؟ ... أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
والفصل بين الرفع والنصب أنّ الناصب دعا له. كأنّه قال: «رحمتك يا ذا الرحمة».
وقوله:
* حنان ما أتى بك ها هنا؟ *
و «هم»: مضاف إليه، مبني على السكون في محل جرّ. حنانك: مفعول مطلق لفعل محذوف. ذا:
منادى منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. الحنان: مضاف إليه مجرور.
وجملة «يمنحها بنو شمجى»: بحسب الواو. وجملة «تحنّن حنانك»: استئنافية، وكذلك جملة «ذا الحنان».
والشاهد فيه قوله: «حنانك» بالإفراد، والأكثر استعماله في حالة التثنية. وعند الإفراد يجوز النصب بإضمار فعل، كما يجوز الابتداء.
[323] التخريج: البيت لمنذر بن درهم الكلبي في خزانة الأدب 2/ 112وشرح أبيات سيبويه 1/ 235وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص 131والدرر اللوامع 3/ 66وشرح الأشموني 1/ 106 وشرح التصريح 1/ 177وشرح عمدة الحافظ ص 190وشرح المفصل 1/ 118والصاحبي في فقه اللغة ص 266والكتاب 1/ 320، 349ولسان العرب 13/ 129 (حنن) والمقاصد النحوية 1/ 539وهمع الهوامع 1/ 189.
اللغة: الحنان: العطف والرحمة.
المعنى: يصوّر الشاعر غيرة محبوبته التي التقاها مصادفة، فأنكرته خوفا عليه من قومها الغيارى ورحمة به على تجشّمه الأهوال، فلقّنته جوابا إذا ما سأله أحد عن سبب مجيئه، وهو النسب أو المعرفة بالحيّ.
الإعراب: «فقالت»: الفاء: بحسب ما قبلها، «قالت»: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، وفاعله
جوازا هي. «حنان»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره «أمري». «ما»: اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. «أتى»:
فعل ماض وفاعله «هو». «بك»: جار ومجرور متعلّقان ب «أتى». «ههنا»: «ها»: للتنبيه، «هنا»: ظرف مكان متعلّق ب «أتى». «أذو»: الهمزة للاستفهام، و «ذو»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أأنت ذو نسب، وهو مضاف. «نسب»: مضاف إليه مجرور. «أم»: حرف عطف. «أنت»: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ.
«بالحي»: جار ومجرور متعلّقان ب «عارف». «عارف»: خبر المبتدأ.
وجملة «فقالت»: بحسب ما قبلها. وجملة «أمري حنان»: في محلّ نصب مفعول به. وجملة «ما أتى بك»: استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: «أتى بك»: في محلّ رفع خبر المبتدأ «ما». وجملة «أذو نسب» المؤلفة من المبتدأ المحذوف والخبر استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أنت بالحي عارف»:
معطوفة على جملة «أذو نسب».
الشاهد فيه قوله: «حنان» المرفوع بتقدير مبتدأ، أي «أمري حنان»، وهو نائب عن المصدر الواقع بدلا من الفعل.(3/184)
إنّما أراد: «أمرنا حنان» كقوله عزّ وجلّ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (1)
فالتقدير: فيما يتلى عليكم مثل الجنّة، ثمّ قال: «فيها، وفيها».
ومن قال: إنّما معناه: صفة الجنّة فقد أخطأ لأنّ «مثل» لا يوضع في موضع صفة.
إنّما يقال: «صفة زيد أنّه ظريف»، و «أنّه عاقل». ويقال: «مثل زيد مثل فلان». وإنّما المثل مأخوذ من المثال والحذو، والصفة تحلية ونعت.
* * * فأمّا تأويل قولهم: «لبّيك»، فإنّما يقال: «ألبّ فلان على الأمر»: إذا لزمه ودام عليه.
فمعناه: مداومة على إجابتك، ومحافظة على حقّك. فإذا قال العبد لربّه: «لبّيك»، فمعناه:
ملازمة لطاعتك، ومحافظة على أمرك.
وقولك: «سعديك». إنّما معناه من قولك: قد أسعد فلان فلانا على أمره، وساعده عليه. فإذا قال: «اللهمّ لبّيك وسعديك»، فإنّما معناه: اللهمّ ملازمة لأمرك، ومساعدة لأوليائك، ومتابعة على طاعتك.
فلو كان الباب واسعا، لكان متصرّفا لأنّه بمنزلة «الضّرب» من «ضربت»، ولكنّهما مشتقّان للمبالغة من الفعل ك «سبحان الله»، و «معاذ الله» فلذلك ألزما طريقة واحدة.
فأمّا «حنان» فمنفرد لأنّه من «حننت»، مثل قولك: «ذهبت ذهابا»، ويتصرّف في الكلام في غير الدعاء {وَحَنََاناً مِنْ لَدُنََّا} (2) وتقول: «تحنّن عليّ»، فهذا وجه ما جاء على فعله، وما لم يأت عليه فعل.
فأمّا قولهم: «شكرانك لا كفرانك»، فهما مصدران لحقتهما الزيادة. وإنّما التقدير:
شكرا لا كفرا، ولكن وقعت الزيادة للمبالغة.
* * * واعلم أن المصدر كسائر الأسماء إلّا أنّه اسم للفعل، فإذا نصبت، فعلى إضمار الفعل.
فمن المصادر ما يكثر استعماله، فيكون بدلا من فعله.
__________
(1) الرعد: 35.
(2) مريم: 13.(3/185)
ومنها ما لا يكون له حقّ الاسم.
فأمّا ما كثر استعماله حتّى صار بدلا من الفعل، فقولك: «حمدا وشكرا لا كفرا»، و «عجبا» إنّما أردت: أحمد الله حمدا. فلولا الاستعمال الذي أبان عن ضميرك، لم يجز أن تضمر لأنّه موضع خبر. وإنّما يحسن الإضمار ويطّرد في موضع الأمر لأنّ الأمر لا يكون إلّا بفعل، نحو قولك: «ضربا زيدا». إنّما أردت: اضرب ضربا. وكذلك: «ضرب زيد» نصبت «الضرب» ب «اضرب»، ثمّ أضفته إلى «زيد» لمّا حذفت التنوين كما تقول: «هذا ضارب زيد غدا». والأصل إثبات التنوين، وحذفه استخفاف لعلم المخاطب.
ألا ترى أنّ الاسم المضاف إلى معرفة على نيّة التنوين، لا يكون إلّا نكرة لأنّ التنوين في النيّة، نحو قوله عزّ وجلّ: {هََذََا عََارِضٌ مُمْطِرُنََا} (1) و {هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ} (2). وهو وصف للنكرة، وتدخل عليه «ربّ» كما تدخل على النكرة. وقد مضى تفسير هذا في بابه [3].
قال الشاعر [من البسيط]:
[324] يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا
__________
(1) الأحقاف: 24.
(2) المائدة: 95.
[3] لم يمض تفسيره، وإنما سيأتي.
[324] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 163والدرر 5/ 9وسرّ صناعة الإعراب 2/ 457 وشرح أبيات سيبويه 1/ 540وشرح التصريح 2/ 28وشرح شواهد المغني 2/ 712، 880والكتاب 1/ 427ولسان العرب 7/ 174 (عرض) ومغني اللبيب 1/ 511والمقاصد النحويّة 3/ 364وهمع الهوامع 3/ 47وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 305.
اللغة: الغابط: هو من يتمنّى مثل ما عند غيره لنفسه، وقيل: المسرور.
المعنى: إنّ من يغبطنا لا يعلم ما في محبّتنا لكم وتعلّقنا بكم من العذاب واللوعة، ولو طلبكم للاقى ما لقيناه من عذاب وحرمان.
الإعراب: «يا»: حرف تنبيه. «رب»: حرف جرّ شبيه بالزائد. «غابطنا»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ، وهو مضاف، و «نا»: ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «لو»: حرف شرط غير جازم. «كان»: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «يطلبكم»: فعل مضارع مرفوع، و «كم»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو». «لاقى»:
فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو». «مباعدة»: مفعول به منصوب. «منكم»: جار ومجرور متعلّقان ب «مباعدة». «وحرمانا»: الواو حرف عطف، «حرمانا»: معطوف على «مباعدة» منصوب.(3/186)
يريد: غابط لنا. ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1) وإنّما التقدير والله أعلم: فضربا الرقاب. فهذا يدلّ على ما بعده، وما يرد من جنسه ونظائره.
* * * وجملة «يا رب»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «لو كان يعرفكم»: الشرطية في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «يطلبكم»: في محلّ نصب خبر «كان». وجملة «لاقى»: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.
الشاهد فيه قوله: «يا ربّ غابطنا» حيث جرّ اسم الفاعل «غابطنا» المضاف إلى ضمير المتكلّم ي «ربّ» التي لا تدخل إلّا على النكرة. فدلّ على أنّ اسم الفاعل «غابط» لم يكتسب التعريف بإضافته إلى الضمير، إذ لو اكتسب التعريف لما دخلت عليه «ربّ».
__________
(1) محمد: 4.(3/187)
هذا باب المصادر في الاستفهام على جهة التقدير وعلى المسألة
وذلك قولك: «أقياما وقد قعد الناس»؟ لم تقل هذا سائلا، ولكن قلته موبّخا منكرا لما هو عليه، ولولا دلالة الحال على ذلك، لم يجز الإضمار لأنّ الفعل إنّما يضمر إذا دلّ عليه دالّ كما أنّ الاسم لا يضمر حتّى يذكر، وإنّما رأيته في حال قيام في وقت يجب فيه غيره، فقلت له منكرا.
ومثله: «أقعودا وقد سار الناس»، كما قال [من الرجز]:
[325] أطربا وأنت قنّسريّ ... [والدّهر بالإنسان دوّاريّ]
[325] التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 480وجمهرة اللغة ص 1151وخزانة الأدب 11/ 274، 275والدرر 3/ 74وشرح أبيات سيبويه 1/ 152وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1818 وشرح شواهد الإيضاح ص 247وشرح شواهد المغني 1/ 41، 2/ 722والكتاب 1/ 338ولسان العرب 5/ 93 (قسر)، 117 (قنسر) والمحتسب 1/ 310ومغني اللبيب 1/ 18وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 540والخصائص 3/ 104وشرح الأشموني 2/ 305وشرح المفصل 1/ 123، 3/ 104 والمقرب 1/ 162، 2/ 54والمنصف 2/ 179وهمع الهوامع 1/ 192، 2/ 198.
اللغة: الطرب: الاهتزاز فرحا أو حزنا. قنسري: شيخ كبير. دواري: كثير الدوران والتقلّب من حالة إلى حالة.
المعنى: هل يليق بك الاهتزاز وأنت شيخ كبير، تدرك ولا شك أن دوام الحال من المحال؟!
الإعراب: أطربا: الهمزة: حرف استفهام، «طربا»: مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: أتطرب طربا. وأنت: الواو: حالية، «أنت»: مبتدأ مرفوع بالضمة. قنسري: خبر مرفوع بالضمّة. والدهر: الواو:
للعطف، «الدهر»: مبتدأ مرفوع بالضمّة. بالإنسان: جار ومجرور متعلّقان بالخبر (دواريّ). دواري: خبر مرفوع بالضمّة.
وجملة «أتطرب طربا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وأنت قنسريّ»: في محلّ نصب حال. وجملة «والدهر دواريّ»: معطوفة عليها في محل نصب حال مثلها.
والشاهد فيه قوله: «أطربا» حيث جاءت الهمزة للإنكار التوبيخي، أي: هل يليق بك أن تطرب؟!(3/188)
فإنّما قال إنكارا على نفسه الطرب وهو على غير حينه.
وكذلك إن خبّرت على هذا المعنى، فقلت: «قياما علم الله وقد قعد الناس»، و «جلوسا والناس يسيرون».
وإن شئت، وضعت اسم الفاعل في موضع المصدر، فقلت: «أقائما وقد قعد الناس»؟
فإنّما جاز ذلك لأنّه حال. والتقدير: أتثبت قائما؟ فهذا يدلّك على ذلك المعنى.
* * * وتقول في باب منه آخر: «ما أنت إلّا سيرا»، و «ما أنت إلّا ضربا»، وكذلك: «زيد سيرا»، و «زيد أبدا قياما». وإنّما جاز الإضمار لأنّ المخاطب يعلم أنّ هذا لا يكون إلّا بالفعل، وأنّ المصدر إنّما يدلّ على فعله، فكأنّك قلت: «زيد يسير سيرا»، و «ما أنت إلّا تقوم قياما»، وإن شئت قلت: «زيد سير يا فتى». فهذا يجوز على وجهين:
أحدهما: أن يكون: زيد صاحب سير، فأقمت المضاف إليه مقام المضاف لما يدلّ عليه كما قال الله عزّ وجلّ: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنََّا فِيهََا} (1) إنّما هو: أهل القرية كما قال الشاعر [من البسيط]:
[326] ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار
__________
(1) يوسف: 82.
[326] التخريج: البيت للخنساء في ديوانها ص 383والأشباه والنظائر 1/ 198وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34وشرح أبيات سيبويه 1/ 282والشعر والشعراء 1/ 354والكتاب 1/ 337ولسان العرب 7/ 305 (رهط)، 11/ 538 (قبل)، 14/ 410 (سوا) والمنصف 1/ 197وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 387، 4/ 68وشرح المفصل 1/ 115والمحتسب 2/ 43.
اللغة: ترتع: ترعى. ادّكرت: تذكّرت. الإقبال: ضدّ الإدبار.
المعنى: إنّ هذه الناقة ترعى ما دامت ناسية ولدها، فإذا تذكّرته أصابتها رعدة واضطراب، فتقبل وتدبر لا يقرّ لها قرار.
الإعراب: ترتع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هي». ما: حرف مصدري. رتعت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، وفاعله «هي». حتّى: حرف ابتداء وغاية. إذا: ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط، متعلّق بجوابه. ادكرت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هي». فإنما: الفاء: رابطة لجواب الشرط، «إنما»: أداة حصر. هي: ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. إقبال: خبر المبتدأ مرفوع بالضمّة. وإدبار: الواو: حرف عطف، و «إدبار»: معطوف على «إقبال» مرفوع بالضمة.(3/189)
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنّه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ} (1). الوجه: ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله.
ويجوز أن يوضع «البرّ» في موضع «البارّ» على ما ذكرت لك.
فإذا قلت: «ما أنت إلّا شرب الإبل»، فالتقدير: ما أنت إلّا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد لأنّه إذا قال: «ما أنت إلّا سير». فالمعنى: ما أنت إلّا صاحب سير لأنّ السير له. فإذا قال: «ما أنت إلّا شرب الإبل»، ففيه فعل لأنّ «الشّرب» ليس له. وإنّما التقدير: إلّا تشرب شربا مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع، كثر، فصار المعنى:
«ما أنت إلّا صاحب شرب كشرب الإبل»، فهذا ضعيف خبيث.
ومثل الأوّل قوله [من المتقارب]:
[327] وكيف تواصل من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب
وجملة «ترتع»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. والمصدر المؤوّل من «ما» وما بعدها في محلّ جرّ بإضافة اسم الزمان إليها، تقديره: «ترتع مدّة رتعها». وجملة «ادكرت»: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «إنّما هي»: جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «هي إقبال وإدبار» حيث أخبر عن اسم العين وهو الضمير العائد إلى الناقة باسم المعنى «الإقبال» و «الإدبار». وللعلماء في هذا الشاهد ثلاثة تخريجات:
1 - أن يكون الكلام على تقدير مضاف محذوف، والأصل: فإنّما هي ذات إقبال وذات إقبال وذات إدبار.
2 - أن يكون الكلام على تأويل المصدر بالمشتق، فكأنها قالت: فإنما هي مقبلة مدبرة.
3 - أن يجعل الكلام من قبيل المبالغة أي أنّ الشاعرة رأت أنّ المحدّث عنه قد بلغ في هذا الوصف مبلغا لا يؤدّي المشتق مقداره، فجعلته هو نفس المعنى.
__________
(1) البقرة: 177.
[327] التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص 26وسمط اللآلي ص 465وشرح أبيات سيبويه 1/ 94، 354والكتاب 1/ 215ولسان العرب 1/ 416 (رحب)، 11/ 217 (خلل) ونوادر أبي زيد ص 189وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 242وإصلاح المنطق ص 112وأمالي المرتضى 1/ 202ولسان العرب 1/ 492 (شرب)، 4/ 52 (برر) ومجالس ثعلب ص 77والمحتسب 2/ 264.
اللغة: تواصل: تداوم الودّ. الخلالة والخلة: الصّداقة المختصّة. أبو مرحب: كنية الظلّ، وهو سريعا ما يتحوّل وقيل هي كنية عرقوب الذي يضرب به المثل في خلف الوعود.
المعنى: كيف يدوم ودادك لمن صارت صداقته كصداقة الظلّ للمكان، سريعة التحوّل أو كصداقة عرقوب.
الإعراب: «وكيف»: الواو: بحسب ما قبلها، «كيف»: اسم استفهام في محلّ نصب حال.
«تواصل»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل: ضمير مستتر تقديره «أنت». «من»: اسم موصول في محلّ(3/190)
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عزّ وجلّ: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ} (1).
ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل]:
[328] وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي الفقارة عاقل
* * *
واعلم أنّ المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدلّ عليها، أو كان
نصب مفعول به. «أصبحت»: فعل ماض ناقص والتاء: تاء التأنيث. «خلالته»: اسم «أصبح» مرفوع بالضمّة، والهاء: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «كأبي»: جار ومجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة، والجار والمجرور متعلّقان بخبر «أصبحت». المحذوف. «مرحب»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «تواصل»: بحسب ما قبلها. وجملة «أصبحت»: صلة الموصول لا محلّ لها.
الشاهد فيه قوله: «أصبحت خلالته كأبي مرحب» حيث حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، والأصل «كخلالة أبي مرحب».
__________
(1) البقرة: 177.
[328] التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 144وأمالي المرتضى 1/ 202ومعجم ما استعجم ص 1026وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 216ولسان العرب 9/ 99 (خوف) ومجالس ثعلب ص 618.
اللغة: الوعل: تيس الجبل. ذو الفقارة: اسم جبل. عاقل: متحصّن معتصم.
المعنى: لقد خفت كثيرا، بحيث لم يعد ممكنا زيادة خوفي أكثر، كخوف تيس جبل يعتصم بعيدا في جبل ذي الفقارة.
الإعراب: «وقد»: الواو: بحسب ما قبلها، «قد»: حرف تحقيق. «خفت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «حتى»: حرف ابتداء. «ما»: حرف نفي. «تزيد»: فعل مضارع مرفوع بالضمة. «مخافتي»: فاعل مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل الياء، والياء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «على وعل»: جار ومجرور متعلّقان ب «تزيد». «في ذي»: جار ومجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، متعلّقان ب (عاقل). «الفقارة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «عاقل»: صفة مجرورة بالكسرة.
وجملة «وقد خفت»: ابتدائية لا محلّ لها، أو بحسب ما قبل الواو. وجملة «لا تزيد مخافتي»:
استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «لا تزيد مخافتي على وعل» حيث حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، إذ لا يصحّ تشبيه المخافة بالوعل، فالتقدير: «لا تزيد مخافتي على مخافة وعل عاقل».(3/191)
بالحضرة ما يدلّ على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلّا أنّها تبدل من أفعالها.
ألا ترى قوله عزّ وجلّ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ} (1) أنّ قوله: «أربعة» قد دلّ على أنّها قد تمّت. فكأنّه قال: «استوت استواء»، ومثله: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (2) لأنّ فعله «خلق»، فقوله: «أحسن»، أي: خلق حسنا خلقا، ثم أضافه.
ومثل ذلك: {وَعَدَ اللََّهُ} (3) لأنّه لمّا قال: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللََّهِ} (4)
علم أنّ ذلك وعد منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعدا، ثمّ أضافه. وكذلك: {كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (5). لمّا قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} (6) أعلمهم أنّ ذلك مكتوب عليهم، فكأنّه قال: كتب الله ذلك.
ومن زعم أنّ قوله: {كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (7) نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربيّة لأنّ الأسماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرّف تصرّف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله [من الكامل]:
ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب ... منه وحرف الساق طيّ المحمل [8] وذلك أنّه دلّ بهذا الوصف على أنّه منطو فأراد: طوي طيّ المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل، لدلالتها عليه.
* * * __________
(1) فصلت: 10.
(2) السجدة: 7.
(3) الروم: 6.
(4) الروم: 4، 5.
(5) النساء: 24.
(6) النساء: 23.
(7) النساء: 24.
[8] تقدم بالرقم 306.(3/192)
هذا باب ما يكون من المصادر توكيدا
وذلك قولك: «لا إله إلّا الله قولا حقّا». كأنّك قلت: «أقول قولا حقّا» لأنّ قولك:
«لا إله إلّا الله هو حقّ»، وكذلك: «لأضربنّك قسما حقّا» لأنّه بدل من قولك: «أقسم»، وكذلك: «لأقومنّ قسما»، لأنّ قولك: «لأقومنّ» فيه لام القسم. ومثله [من الكامل]:
[329] إنّي لأمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل
[329] التخريج: البيت للأحوص في ديوانه ص 166والأغاني 21/ 110وخزانة الأدب 2/ 48، 8/ 243، 244والزهرة ص 181وسمط اللآلي ص 259وشرح أبيات سيبويه 1/ 277وشرح المفصل 1/ 116وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 135وخزانة الأدب 8/ 177، 9/ 162والمقرب 1/ 256.
اللغة: الصدود: الإعراض.
المعنى: أيها البيت أقسم إنني لأتظاهر بالإعراض عنك اتقاء ألسنة الناس، وإنني مع هذا الإعراض لميّال إليك متعلق بك.
الإعراب: «إني»: «إن»: حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم: اسم (إن) محله النصب. «لأمنحك»:
اللام: المزحلقة للتوكيد، «أمنحك»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وكاف الخطاب: مفعول به محله النصب، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). «الصدود»: مفعول به منصوب بالفتحة. «وإنني»: الواو: حالية، «إنني»:
حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: اسم (إن) محله النصب. «قسما»: مفعول مطلق لفعل محذوف منصوب بالفتحة. «إليك»: جار ومجرور متعلقان ب (أميل). «مع الصدود»: جار ومجرور متعلقان ب (أميل). «لأميل»: اللام المزحلقة: للتوكيد، «أميل»: خبر (إن) مرفوع بالضمة.
وجملة «إني لأمنحك»: ابتدائية لا محل لها، وبحسب سياق الأبيات استئنافية. وجملة «أمنحك»:
خبر (إن) محلها الرفع. وجملة «إنني لأميل»: حالية محلها الرفع. وجملة «أقسم قسما»: اعتراضية لا محل لها اعترضت بين «إن» وخبرها «أميل».
والشاهد فيه: نصب (قسما) على المصدر المؤكد لما قبله من الكلام الدال على القسم لأنه لما قال:
إني لأمنحك الصدود علم أنه محقق مقسم فقال: قسما مؤكدا لذلك.(3/193)
فإن قال قائل: قد تقع اللام فيما لا قسم فيه.
قيل: تقع على تقدير القسم لأنّ قولك: «والله لأفعلنّ» متّصل، ولو أقسم مقسم على فعل لم يقع، لم يكن ليتّصل به إلّا اللام والنون، فإنّما حقّه القسم ذكر أو حذف.
* * * ومن المصادر ما يقع في موضع الحال فيسدّ مسدّه، فيكون حالا، لأنّه قد ناب عن اسم الفاعل، وأغنى غناءه، وذلك قولهم: «قتلته صبرا»، إنّما تأويله: «صابرا» أو «مصبرا»، وكذلك: «جئته مشيا» لأنّ المعنى: جئته ماشيا. فالتقدير: أمشي مشيا، لأنّ المجيء على حالات، والمصدر قد دلّ على فعله من تلك الحال.
ولو قلت: «جئته إعطاء»، لم يجز لأنّ «الإعطاء» ليس من المجيء، ولكن «جئته سعيا»، فهذا جيّد لأنّ المجيء يكون سعيا. قال الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} (1).
فهذا اختصار يدلّ على ما يرد ممّا يشاكلها، ويجري مع كلّ صنف منها.
* * * __________
(1) البقرة: 260.(3/194)
هذا باب الأسماء التي توضع موضع المصادر التي تكون حالا
وذلك قولك: «كلّمته فاه إلى فيّ»، و «بايعته يدا بيد». فإنّما انتصب لأنّه أراد:
«كلّمته مشافهة»، و «بايعته نقدا»، فوضع قوله: «فاه إلى فيّ» موضع «مشافهة»، ووضع قوله: «يدا بيد» في موضع «نقدا». فلو قلت: «كلّمته فوه إلى فيّ»، لجاز لأنّك تريد:
«كلّمته وفوه إلى فيّ».
وأمّا «بايعته يدا بيد»، فلا يجوز غيره لأنّ المعنى: بايعته نقدا، أي: أخذت منه، وأعطيت، ولست تخبر أنّك بايعته ويد بيد كما أنّك كلّمته وفوه إلى فيك. ولكن تقول:
«بايعته يده فوق رأسه»، أردت: ويده فوق رأسه، أي: وهذه حاله لأنّ هذا ليس من نعت «المبايعة» كما كان قولك: «مشافهة» و «نقدا» من نعت الفعل، فكذلك: «بايعته ويده في يدي».
* * * واعلم أنّ من المصادر ما يدلّ على الحال وإن كان معرفة وليس بحال، ولكن دلّ على موضعه، وصلح للموافقة، فنصب، لأنّه في موضع ما لا يكون إلّا نصبا. وذلك قولك:
«أرسلها العراك». و «فعل ذلك جهده وطاقته»، لأنّه في موضع: «فعله مجتهدا»، و «أرسلها معتركة» لأنّ المعنى: أرسلها وهي تعترك، وليس المعنى أرسلها لتعترك قال الشاعر [من الوافر]:
[330] فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدّخال
[330] التخريج: البيت للبيد في ديوانه ص 86وأساس البلاغة (نغص) وخزانة الأدب 2/ 192 وشرح أبيات سيبويه 1/ 20وشرح التصريح 1/ 373وشرح المفصّل 2/ 62والكتاب 1/ 372ولسان العرب 7/ 99 (نغص)، 10/ 465 (عرك)، 11/ 243 (دخل) والمعاني الكبير ص 446والمقاصد النحوية 3/ 219وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 85والإنصاف 2/ 822وجواهر الأدب ص 318 ولسان العرب 10/ 494 (ملك).(3/195)
واعلم أنّ هذه المنتصبات عن المصادر في موضع الأحوال، وليست بأحوال، ولكنّها موافقة، وموضوعة في مواضع غيرها لوقوعها معه في المعنى.
وكذلك: «جاءني القوم قاطبة»، و «طرّا».
إنّما معناه: جاءني القوم جميعا، ولكن وقع «طرّا» في معنى المصدر كما تقول:
«جاءني القوم جميعا»، إذا أخذته من قولك: «جمعوا جمعا».
وقد يكون الجمع اسما للجماعة. قال الله عزّ وجلّ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (1).
فأما قولك: «طرّا»، فقد كان يونس يزعم أنّه اسم نكرة للجماعة وإن لم يقع إلّا حالا.
ويقال: «طررت القوم»، أي: مررت بهم جميعا. وقال النحويّون سوى يونس: إنّه في موضع المصدر الذي يكون حالا.
اللغة: العراك: الازدحام على الماء. لم يذدها: لم يحبسها. لم يشفق على نغص الدخال: لم يخف أمرا ينغّص عليها دخالها، والدخال: أن يشرب بعضها ثم يرجع فيزاحم الذي على الماء.
الإعراب: «فأرسلها»: الفاء: بحسب ما قبلها، «أرسلها»: فعل ماض، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «العراك»: حال. «ولم»: الواو: حرف عطف، «لم»:
حرف جزم. «يذدها»: فعل مضارع مجزوم، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «ولم»: الواو: حرف عطف، «لم»: حرف جزم. «يشفق»: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «على نغص»: جار ومجرور متعلّقان ب «يشفق»، وهو مضاف. «الدخال»:
مضاف إليه.
وجملة «أرسلها»: بحسب ما قبلها. وجملة «لم يذدها»: معطوفة على سابقتها. وجملة «لم يشفق»: معطوفة على الجملة الأولى.
الشاهد فيه قوله: «العراك» حيث وقع الحال معرفة مؤوّلا بنكرة، تقديره: «أرسلها معتركة».
__________
(1) القمر: 45.(3/196)
هذا باب الأسماء الموضوعة في مواضع المصادر إذا أريد بها ذلك أو أريد بها التوكيد جرت على ما قبلها مجرى «كلّهم» و «أجمعين»
وذلك قولك: «مررت بزيد وحده»، و «مررت بأخويك وحدهما»، و «مررت بالقوم خمستهم»، و «مررت بهم ثلاثتهم»، و «أتاه القوم قضّهم بقضيضهم».
أمّا قولك: «مررت بزيد وحده»، فتأويله: أوحدته بمروري إيحادا كقولك: «أفردته بمروري إفرادا». وقولك: «وحده» في معنى المصدر، فلا سبيل إلى تغييره عن النصب.
وأمّا قولك: «مررت بالقوم خمستهم»، فجائز أن تجريه على الأوّل فتقول: «مررت بالقوم خمستهم»، وما أشبه الخمسة من قولك: «ثلاثتهم»، و «أربعتهم»، والمعنى مختلف لأنّك إذا قلت: «مررت بالقوم خمستهم»، فمعناه: بهؤلاء تخميسا كقولك: «مررت به وحده» أي: لم أخلط معه أحدا.
فكذلك قولك في الجماعة إنّما هو خصصتهم.
وإذا قلت: «مررت بالقوم خمستهم»، فهو على أنّه قد علم أنّهم خمسة، فإنّما أجري مجرى «كلّ». أراد: «مررت بالقوم كلّهم»، أي: لم أبق من هؤلاء الخمسة أحدا. فالمعنى يحتمل أن تكون قد مررت بغيرهم كما أنّك إذا قلت: «مررت بإخوتك كلّهم»، جاز أن تكون قد مررت بغيرهم أيضا.
وأمّا قولك: «مررت بالقوم قضّهم بقضيضهم»، فعلى هذا. كأنّك قلت: مررت بالقوم كلّهم وجماعتهم.
ومن قال: «قضّهم بقضيضهم»، أراد: انقضاضا، أي: انقضّ أوّلهم على آخرهم.
ولا يجوز «مررت بزيد كلّه» لأنّ «كلّا» لا يقوم في هذا الموضع، ولا يجوز: «مررت بأخويك اثنيهما»، لأنّ الاثنين هما الهاء والميم، والشيء لا يضاف إلى نفسه.
وإنّما قلت: «خمستهم» لأنّ «هم» لكلّ جمع، فاقتطعت من الجمع شيئا، فأضفته إلى جميعه، فصار مختصّا به.(3/197)
ولا يجوز «مررت بزيد كلّه» لأنّ «كلّا» لا يقوم في هذا الموضع، ولا يجوز: «مررت بأخويك اثنيهما»، لأنّ الاثنين هما الهاء والميم، والشيء لا يضاف إلى نفسه.
وإنّما قلت: «خمستهم» لأنّ «هم» لكلّ جمع، فاقتطعت من الجمع شيئا، فأضفته إلى جميعه، فصار مختصّا به.
و «هما» لا يكون إلّا تثنية.
فإن قلت: فأنت تقول: «كلاهما منطلق» ف «كلا» لا يكون إلّا لاثنين، فلم أضفته إلى ضميرهما؟
فالجواب في ذلك: أنّ «كلا» اسم واحد فيه معنى التثنية، فإنّما أضفت واحدا إلى اثنين. ألا ترى أنّك تقول: «الاثنان منطلقان»، و «كلاهما منطلق»، و «كلانا كفيل ضامن عن صاحبه». فإنّما تأويله: كلّ واحد منّا كما قال الشاعر [من الوافر]:
[331] أكاشره وأعلم أن كلانا ... على ما ساء صاحبه حريص
ومع هذا إنّ التثنية إنّما تخرج عن الواحد. تقول: «رجل» و «رجلان»، و «امرأة»،
[331] التخريج: البيت لعدي بن زيد في الكتاب 3/ 74وليس في ديوانه ولعمرو بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص 18وبلا نسبة في شرح المفصل 1/ 54.
اللغة: أكاشره: أضاحكه وأمازحه. الحريص: الشره الجشع.
المعنى: أتبسّم في وجهه، وأمازحه، وأعلم كما يعلم أنني أتمنّى ما يسوؤه، كما يتمنّى ما يسوؤني.
الإعراب: «أكاشره»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا). «وأعلم»: الواو: عاطفة، «أعلم»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، والفاعل: ضمير مستتر تقديره (أنا). «أن»: حرف مخفّف من (أنّ)، واسمها ضمير الشأن المحذوف، والتقدير (أنه). «كلانا»: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنّى، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «على»: حرف جر. «ما»: اسم موصول بمعنى (الذي) في محلّ جرّ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلّقان ب «حريص». «ساء»: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو).
«صاحبه»: مفعول به منصوب بالفتحة، والهاء: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «حريص»: خبر (كلانا) مرفوع بالضمّة. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها سدّ مسدّ مفعولي «أعلم».
وجملة «أكاشره»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أعلم»: معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «كلانا حريص»: في محلّ رفع خبر (أن). وجملة «ساء صاحبه»: صلة الموصول لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «أن كلانا حريص» حيث أخبر بالمفرد عن (كلا) لأنها تعني: كلّ واحد منا.(3/198)
و «امرأتان». فمن هذا الوجه أيضا إذا قلت للواحد: «مررت به وحده»، قلت للاثنين:
«مررت بهما وحدهما». فذا بيّن جدّا.
* * * فأمّا قولهم: «هذا نسيج وحده»، فلا معنى له إلّا الإضافة، لأنّه يخبر أنّه ليس في مثاله أحد، فلو لم يضف إليه، لقال: «هذا نسيج إفرادا». فالإضافة في الحقيقة إلى المصدر.
وكذلك: «عيير وحده»، و «جحيش وحده». ولو قال: «جحيش نفسه»، و «عيير نفسه وحدها»، لصلح لأنّه الرجل الذي يخدم نفسه وحدها. فهذا بيّن حدّا.
وكان أبو الحسن الأخفش لا يجيز: «اختصم أخواك كلاهما»، ولا «اقتتل أخواك كلاهما»، ويقول: «اختصم» لا يكون إلّا من اثنين أو أكثر، وإنّما أقول: «جاءني أخواك كلاهما» لأعلم السامع أنّه لم يأت واحد، وكذلك: «جاءني إخوتك كلّهم» لأعلم أنّي لم أبق منهم واحدا، فقيل له: فقل: «اختصم أخواك كلاهما» لأنّه لا يلتبس بما بعد التثنية، فذهب إلى أنّ «كلاهما» يكثّر به، ولا يقلّل به. وهذا قول كثير من النحويّين وليس كما قال إذا حدّد. وذلك أنّ «كلّا» عموم لأنّ الأعداد قد يقتصر على الشيء منها، فيكون كلاما، فتقول: «جاءني بنو فلان»، فيجوز أن تعني بعضا دون الكلّ، فإذا قلت: «كلّهم»، دخلت لتدلّ على العموم. و «كلا» ليس كذلك. إنّما تقع على الاثنين، وأنت تريد كلّ واحد منهما.
فهذا لا يقع إلّا على ما وصفنا لأنّ جماعة أكثر من جماعة، ولا يكون اثنان أكثر عددا من اثنين فتقول: تكثير أو تقليل.
ومن قول الأخفش أنّه لا يجوز: «استوى زيد وعمرو كلاهما»: لأنّ الاستواء لا يكون من واحد، إذا أراد: «ساوى فلان فلانا»، بل يدخل في باب «اقتتل»، و «اختصم»، ونحوه.
وإنّما تستخرج هذه المسائل بالتفتيش والقياس.
* * * واعلم أنّ من الأسماء أسماء محتملة لا تنفصل بأنفسها. فمتى ما سمع منها شيء، علم أنّ صوابه أن يكون محمولا على غيره، وذلك قولك: «جاءني رجل آخر» لا يجوز هذا إلّا أن تكون قد ذكرت قبله رجلا، فتقول: «جاءني فلان ورجل آخر»، أو يقول القائل: «هل جاءك فلان»؟ فتقول: «جاءني رجل آخر».
وكذلك: «سائر كذا وكذا»، لا يكون إلّا مضافا إلى شيء قد ذكر بعضه. تقول:
«رأيت الأمير دون سائر الأمراء»، و «جاءني عبد الله وتأخّر عنّي سائر إخوتي»، إذا كان «عبد الله» أخاك، فإن لم يكن أخاك، لم تجز المسألة إذا لم يكن بعضا، أضفت السائر إليه.(3/199)
وكذلك: «سائر كذا وكذا»، لا يكون إلّا مضافا إلى شيء قد ذكر بعضه. تقول:
«رأيت الأمير دون سائر الأمراء»، و «جاءني عبد الله وتأخّر عنّي سائر إخوتي»، إذا كان «عبد الله» أخاك، فإن لم يكن أخاك، لم تجز المسألة إذا لم يكن بعضا، أضفت السائر إليه.
ولو قلت: «أتتني جاريتك وامرأة أخرى»، كان جائزا، ولو قلت: «أتتني جاريتك ورجل آخر»، لم يجز، وكذلك لو قلت: «أتاني إخوتك وامرأة أخرى»، كان غير جائز.
فإن قلت: «أتاني أخوك، وإنسان آخر»، جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة لأنّ الباب الذي ذكرتها به يجمعهما.
وكذلك: «جاءتني جاريتك، وإنسان آخر»، وأنت تعني بالإنسان رجلا فهو جيّد بالغ.
فأمّا قوله [من البسيط]:
[332] صلّى على عزّة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلّى على جاراتها الأخر
فإنّه جعل «ابنتها» جارة لها، ولولا ذلك، لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عزّ وجلّ:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (1) لما قدّم من ذكر الأيّام. وكذلك: {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (2). فهذا باب هذا.
وكان حدّ «آخر» أن يكون معه «من كذا، وكذا» إلّا أنّ «أفعل» يقع على وجهين:
أحدهما: أن يكون نعتا قائما في المنعوت، نحو: «أحمر»، و «أصفر»، و «أعور».
والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: «هذا أفضل من زيد»، و «أكبر من عبد الله»، فإن أردت هذا الوجه، لم يكن إلّا أن تقول: «من كذا وكذا»، أو بالألف واللام نحو: «هذا الأصغر»، و «الأكبر».
[332] التخريج: البيت للراعي في ديوانه ص 122ولسان العرب 14/ 465 (صلا).
اللغة: الصلاة هنا معناها الرحمة.
الإعراب: صلّى: فعل ماض. على عزة: جار ومجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (صلّى). الرحمن: فاعل. وابنتها: «الواو»: حرف عطف، «ابنتها»: اسم معطوف على (عزة)، و «ها»: مضاف إليه. ليلى: بدل من (ابنتها). وصلّى: «الواو»: حرف عطف، «صلّى»:
فعل ماض، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). على جاراتها: جار ومجرور متعلقان ب (صلّى)، و «ها»: مضاف إليه. الأخر: صفة ل (جاراتها) مجرورة.
وجملة «صلى الرحمن»: ابتدائية، وعطف عليها جملة «صلّى» الثانية.
والشاهد فيه: أن (جاراتها) في هذا السياق معناها بناتها الأخر أو أنّ ابنتها جارة لها، كما ذكر.
__________
(1) البقرة: 184، 185.
(2) آل عمران: 7.(3/200)
فأمّا قوله في الأذان: «الله أكبر»، فتأويله: كبير كما قال عزّ وجلّ: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (1). فإنّما تأويله: «وهو عليه هيّن» لأنّه لا يقال: «شيء أهون عليه من شيء».
ونظير ذلك قوله [من الطويل]:
[333] لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل ... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل؟
أي: إنّي لوجل.
فأمّا إذا أردت «من كذا وكذا»، فلا بدّ من «منه» أو الألف واللام كقولك: «جاءني زيد ورجل آخر»، إنّما معناه: آخر منه. ولكن علم أنّ «الآخر» لا يكون إلّا بعد مذكور أو بعد أوّل، فلم يحتج إلى «منه».
__________
(1) الروم: 27.
[333] التخريج: البيت لمعن بن أوس في ديوانه ص 39وخزانة الأدب 8/ 244، 245، 289، 294وشرح التصريح 2/ 51وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1126ولسان العرب 5/ 127 (كبر)، 11/ 722 (وجل) والمقاصد النحويّة 3/ 493وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 140وأوضح المسالك 3/ 161وجمهرة اللغة ص 493وخزانة الأدب 6/ 505وشرح الأشموني 2/ 322وشرح قطر الندى ص 23وشرح المفصل 4/ 87، 6/ 98ولسان العرب 9/ 261 (عنف)، 13/ 438 (هون) والمنصف 3/ 35.
اللغة والمعنى: لعمرك: وحياتك. أوجل: يحتمل أن تكون فعلا مضارعا بمعنى أخاف، أو أفعل تفضيل بمعنى: أشدّ خوفا. تعدو: تركض، تسرع. المنيّة: الموت.
يقول: أقسم أنّي لا أدري على أيّ منّا يأتي الموت أوّلا، لذلك فأنا خائف من هذا المصير.
الإعراب: لعمرك: اللّام: حرف ابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وخبر المبتدأ محذوف تقديره «قسمي». ما: حرف نفي. أدري: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. وإنّي: الواو: حالية، إني: حرف مشبّه بالفعل، والياء: ضمير متّصل مبني في محلّ نصب اسم «إنّ». لأوجل: اللّام: المزحلقة، أوجل: خبر «إنّ» مرفوع، أو فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. على أيّنا: جار ومجرور متعلّقان ب «تعدو»، وهو مضاف، «نا» ضمير في محلّ جر بالإضافة. تعدو: فعل مضارع مرفوع. المنيّة: فاعل مرفوع. أوّل: ظرف مبنيّ على الضمّ في محل نصب مفعول فيه متعلّق ب «تعدو».
وجملة «لعمرك ما أدري» الاسميّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «ما أدري» الفعليّة:
لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب القسم. وجملة «إنّي لأوجل» الاسميّة: في محلّ نصب حال. وجملة «أوجل» باعتبار «أوجل» فعلا مضارعا الفعليّة: في محلّ رفع خبر «إنّ». وجملة «على أيّنا تعدو» الفعليّة:
في محلّ نصب مفعول به ل «أدري».
والشاهد فيه قوله: «لأوجل» حيث جاء بصيغة التفضيل دون أن تكون ثمة مفاضلة، وأراد بها أنه خائف.(3/201)
والدليل على أنّ الأصل هذا قولهم في مؤنّثه: «أخرى» كما تقول: «هذا أوّل منك»، و «هذه الأولى»، و «الأوسط»، و «الوسطى»، و «الأكبر»، و «الكبرى».
فلولا أنّ «آخر» قد استغني فيه عن ذكر «من كذا»، لكان لازما كما يلزم قولك: هذا أوّل من ذاك ولذلك قلت في «أخر» بغير الصرف لأنّها محدودة عن وجهها لأنّ الباب لا يستعمل إلّا بالألف واللام أو «من كذا». فلمّا سقط «من كذا» سقط ما يعاقبه، فلم يصرف.
قال الله عزّ ذكره: {وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (1)، فلم يصرف. وقال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (2). فلم يصرف. فهذان دليلان بيّنان مع المعنى الذي يجمعه.
* * * واعلم أنّ «أفعل» إذا أردت أن تضعه موضع الفاعل، فمطّرد، فمن ذلك قوله [من الرجز]:
[334] قبّحتم يا آل زيد نفرا ... ألأم قوم أصغرا وأكبرا
يريد: صغيرا وكبيرا. فهذا سبيل هذا الباب.
* * * __________
(1) آل عمران: 7.
(2) البقرة: 184، 185.
[334] التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 246، 276.
اللغة: قبحتم: أبعدكم الله عن فعل الخير. والنّفر: جماعة الرجال من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى السبعة.
المعنى: قبّحكم الله يا آل زيد، لأنكم لؤماء صغارا وكبارا.
الإعراب: قبحتم: فعل ماض مبني للمجهول، و «تم»: ضمير متصل مبني في محل رفع نائب فاعل. يا: حرف نداء. آل: منادى مضاف منصوب. زيد: مضاف إليه. نفرا: تمييز محوّل عن نائب الفاعل. ألأم: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: أنتم. قوم: مضاف إليه. أصغرا: حال منصوب. وأكبرا:
«الواو»: حرف عطف. أكبرا: معطوف على (أصغرا).
وجملة «قبحتم»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يا آل زيد»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «أنتم ألأم قوم».
والشاهد فيه: أن وزن (أفعل) قد يتجرد عن معنى التفضيل متضمنا معنى الصفة المشبهة ف (أصغر، وأكبر) معناهما هنا: صغيرا وكبيرا.(3/202)
هذا باب مسائل «أفعل» مستقصاة بعد ما ذكرنا من أصوله
تقول: «مررت برجل خير منك أبوه»، و «جاءني رجل خير منك أخوه»، و «رأيت رجلا أفضل منك أخوه». يختار في هذا الرفع والانقطاع من الأوّل لأنّه ليس اسم الفاعل الذي يجري على الفعل نحو: «فاعل»، وما أشبه ذلك ممّا هو اسم الفاعل، نحو: «مررت برجل حسن أبوه» لأنّه اسم من «حسن يحسن»، و «مررت برجل كريم أبوه»، لأنّه من «كرم» ك «ضارب» من «ضرب».
و «أفضل» فيه معنى الفعل، فإن أجريته على الأوّل، فبذلك المعنى، كأنّك قلت:
«يفضله أبوه».
وإن لم تجره، فلما ذكرت لك، وهو الباب.
فإن جرى على الأوّل، أتبعته لأنّه نعت له خاصّة، وذلك قولك: «مررت برجل خير منك»، و «مررت بدرهم سواء يا فتى»، و «مررت برجل سواء درهمه».
فإن قلت: «برجل سواء هو والعدم»، خفضت لأنّ «سواء» له خاصّة. فعلى هذا يجري هذا الباب.
* * * ثمّ نذكر المسائل، ونقول: «ما رأيت رجلا أحسن عنده زيد من عمرو». فأجريت «أحسن» على الأوّل خلافا لما ذكرت أنّه المختار، ولم يجز ها هنا غيره وذلك أنّك إذا قلت: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد»، فأردت أن ترفع «أحسن»، كنت قد أضمرت قبل الذكر، وذلك لأنّ الهاء في قولك «منه» إنّما هي «الكحل».
ولو قلت: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد»، كنت قد فصلت بين «الكحل» وما هو له بما ليس من الكلام، ووضعته في غير موضعه. فإن أخّرت «الكحل»، فقلت: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل»، وأنت تقدّر أنّ «أحسن» هو الابتداء، كان خطأ لما قدّمت من ضمير «الكحل» قبل ذكره.
وإن قدّرت أن يكون «الكحل» هو الابتداء، فجيّد بالغ، وتأخيره كتقديمه. فكأنّك قلت: «ما رأيت رجلا الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد».(3/203)
ولو قلت: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد»، كنت قد فصلت بين «الكحل» وما هو له بما ليس من الكلام، ووضعته في غير موضعه. فإن أخّرت «الكحل»، فقلت: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل»، وأنت تقدّر أنّ «أحسن» هو الابتداء، كان خطأ لما قدّمت من ضمير «الكحل» قبل ذكره.
وإن قدّرت أن يكون «الكحل» هو الابتداء، فجيّد بالغ، وتأخيره كتقديمه. فكأنّك قلت: «ما رأيت رجلا الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد».
وكذلك لو قلت: «ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجّة»، كان هو الوجه إلّا أن تقدّم، فتقول: «ما من أيّام الصوم أحبّ إلى الله فيها منه في عشر ذي الحجّة»، أو تؤخّر «الصوم»، ومعناه التقديم، فيكون كتأخيرك «الكحل» في المسألة الأولى.
وتقول: «زيد أفضل منه عبد الله» و «رأيت زيدا أفضل منه عبد الله». أردت: رأيت زيدا عبد الله أفضل منه، فتجعله ابتداء وخبرا في موضع المفعول الثاني.
وأمّا قولهم: «مررت برجل أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون»، و «مررت برجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون».
فهذا على إضمار «إذ كان»، و «إذا كان»، واحتمل الضمير لأنّ المعنى يدلّ عليه.
والتقدير: مررت برجل خير منك إذا كان خير ما يكون إذا كنت خير ما تكون.
ومثل هذا قولك: «هذا بسرا أطيب منه تمرا»، فإن أو مأت إليه وهو «بسر»، تريد: هذا إذ صار بسرا أطيب منه إذا صار تمرا، وإن أو مأت إليه وهو «تمر»، قلت: هذا بسرا أطيب منه تمرا، أي هذا إذ كان بسرا أطيب منه إذ صار تمرا، فإنّما على هذا يوجّه لأنّ الانتقال فيه موجود.
فإن أومأت إلى «عنب»، قلت: «هذا عنب أطيب منه بسر»، ولم يجز إلّا الرفع لأنّه لا يتنقّل فتقول: «هذا عنب أطيب منه بسر»، تريد: هذا عنب البسر أطيب منه.
فأمّا هذا البيت فينشد على ضروب [من الكامل]:
[335] والحرب أوّل ما تكون فتيّة ... تسعى ببزتها لكلّ جهول
منهم من ينشد: «الحرب أوّل ما تكون فتيّة» يجعل «أول» ابتداء ثانيا، ويجعل الحال يسدّ مسدّ الخبر وهو «فتيّة»، فيكون هذا كقولك: «الأمير أخطب ما يكون قائما»، وقد بيّنّا
[335] التخريج: البيت لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص 154وأمالي ابن الحاجب 2/ 666 وشرح أبيات سيبويه 1/ 293، 2/ 178والكتاب 1/ 401، 402ولسان العرب 8/ 64 (خدع) ولامرىء القيس في ملحق ديوانه ص 353.
اللغة: فتيّة: تصغير فتاة. بزّتها: ثوبها، وبكسر الباء: هيئتها. الجهول: الطائش.(3/204)
نصب هذا في قول سيبويه، ودللنا على موضع الغلط في مذاهبهم، وما كان الأخفش يختار، وهو الذي لا يجوز غيره.
فأمّا تصييره «فتيّة» حالا ل «أوّل»، «أوّل» مذكر، و «فتيّة» مؤنّثة، فلأن المعنى مشتمل عليها. فخرج هذا مخرج قول الله عزّ وجلّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (1) لأنّ «من» وإن كان موحّد اللفظ، فإنّ معناه ها هنا الجمع، وكذلك: {فَمََا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حََاجِزِينَ} (2)، وهذا كثير جدّا. ومنه قول الشاعر [من الطويل]:
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان [3]
أراد مثل اثنين ومثل اللذين. وقرأ القرّاء: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صََالِحاً} (4).
وأمّا أبو عمرو فقرأ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صََالِحاً}، فحمل ما يلي على اللفظ، وما تباعد منها على المعنى، ونظير ذلك قوله عزّ وجلّ: {بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ}
المعنى: الحرب في بدآياتها تشابه فتاة صغيرة، تستعرض جمالها وأناقتها أمام كلّ فتى طائش، فيسعى إليها.
الإعراب: والحرب: «الواو»: حسب ما قبلها، «الحرب»: مبتدأ مرفوع بالضمّة. أوّل: خبر مرفوع بالضمّة. ما: حرف مصدري، والمصدر المؤل من «ما» والفعل «تكون» مضاف. تكون: فعل مضارع ناقص مرفوع، و «اسمها»: ضمير مستتر تقديره «هي». فتية: خبر (تكون) منصوب بالفتحة. تسعى: فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (هي). ببزتها: جار ومجرور متعلقان ب (تسعى)، و «ها»: ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. لكل: جار ومجرور متعلقان ب (تسعى).
جهول: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «الحرب أوّل»: حسب ما قبلها، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تكون فتية»: صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «تسعى»: في محلّ نصب صفة ل (فتية).
والشاهد فيه قوله: «والحرب أوّل ما تكون» حيث يجوز في «فتية» النصب والرفع، وكذلك أنّث الحرب بدليل التاء في (تكون) و (تسعى)، والضمير المتصل في (ببزّتها).
__________
(1) يونس: 42.
(2) الحاقة: 47.
[3] تقدم بالرقم 232.
(4) الأحزاب: 31.(3/205)
{لِلََّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (1)، فهذا على لفظ «من»، ثمّ قال: {وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) على المعنى، وهذا كثير جدّا.
ومنهم من ينشد: «الحرب أوّل ما تكون فتيّة»، يريد: الحرب فتيّة في هذا الوقت.
ومنهم من ينشد: الحرب أوّل ما تكون فتيّة»، على غير هذا التفسير الأوّل ولكن على قوله: أوّل ما تكون تسعى بزينتها فتيّة، فقدّم الحال.
ومنهم من ينشد: «الحرب أوّل ما تكون فتية»، أراد: الحرب فتيّة وهي أوّل ما تكون.
ومنهم من ينشد: الحرب أوّل ما تكون فتيّة»، فخبّر أنّها أوّل شيء في هذه الحال.
فهذه الوجوه تدلّ على ما بعدها.
ولو قال قائل: معناه: أنّها أوّل ما تكون إذا كانت فتية، على قياس: «هذا بسرا أطيب منه تمرا»، كان مجيدا.
فأمّا قولهم: «البرّ أرخص ما يكون قفيزا [3] بدرهم»، و «الزيت أرخص ما يكون منوين [4] بدرهم» فعلى هذا.
وقولهم: «أرخص ما يكون البرّ بستين»، تأويله: الكرّ [5] بستين، ولكنّهم حذفوا «الكرّ» لعلمهم بأنّ التسعير عليه يقع.
فكلّ ما كان معلوما في القول جاريا عند الناس فحذفه جائز لعلم المخاطب.
فعلى هذا فأجره.
* * * __________
(1) البقرة: 112.
(2) البقرة: 112.
[3] القفيز: من المكاييل معروف، وهو ثمانية مكاكيك عند أهل العراق، وهو من الأرض قدر مئة وأربع وأربعين ذراعا، وقيل: هو مكيال تتواضع الناس عليه. (لسان العرب 5/ 395 (قفز)).
[4] المنا: الكيل أو الميزان الذي يوزن به، والمكيال الذي يكيلون به السمن وغيره. (لسان العرب 15/ 297 (مني)).
[5] الكرّ: مكيال لأهل العراق، وستّة أوقار حمار، وهو عند أهل العراق ستون قفيزا. (لسان العرب 5/ 137 (كرر)).(3/206)
هذا باب من التسعير
تقول: «أخذت هذا بدرهم فصاعدا»، و «أخذته بدرهمين فزائدا».
لم ترد: أنّك أخذته بدرهم وبصاعد، فجعلتهما ثمنا، ولكنّ التقدير: أنّك أخذته بدرهم، ثمّ زدت صاعدا فمن ثمّ دخلت الفاء، ولو أدخلت «ثمّ» لكان جائزا نحو:
«أخذته بدرهم ثمّ صاعدا»، ولكنّ الفاء أجود، لأنّ معناه الاتصال، وشرحه على الحقيقة:
أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعدا.
ومن ذلك قولك: «بعت الشاء شاة ودرهما». إنّما تأويله على الحقيقة: بعت الشاء مسعّرا شاة بدرهم.
فإن قلت: «لك الشاء شاة ودرهما»، كنت بالخيار: إن شئت رفعت لأنّ «لك» ظرف. فهو بمنزلة قولك: «عبد الله في الدار قائم»، و «قائما».
إن قلت: «قائم»، فإنّما خبّرت عن قيامه.
وإن قلت: «قائما»، فإنّما خبّرت عن كونه في هذا المحلّ، فاستغنى الكلام به.
ومن قال: «في الدار عبد الله» وهو يريد أن يرفع القائم فليس بكلام تامّ لأنّه لم يأت بخبر. وإنّما «قائم» هو الخبر، ف «في الدار» ظرف ل «القائم» لا ل «زيد».
وإذا كان «في الدار» خبرا فهو ل «زيد» لا ل «قائم». وقد مضى تفسير هذا.
وتقدير قولك: «الشاء شاة ودرهما»: وجب لك الشاء مسعّرا شاة بدرهم كما أنّه إذا قال: زيد في الدار قائما، فمعناه: استقرّ زيد في الدار قائما. وإذا قال: «لك الشاء شاة ودرهم». فإنّما المعنى: الشاء شاة بدرهم، ثمّ خبّر أنّه له بهذا السّعر، فعلى هذا يجري هذا الباب.
* * *
هذا باب ما يقع في التسعير من أسماء الجواهر التي لا تكون نعوتا(3/207)
* * *
هذا باب ما يقع في التسعير من أسماء الجواهر التي لا تكون نعوتا
تقول: «مررت ببرّ قفيز بدرهم» لأنّك لو قلت: «مررت ببرّ قفيز»، كنت ناعتا بالجوهر وهذا لا يكون لأنّ النعوت تحلية، والجواهر هي المنعوتات.
وتقول: «العجب من برّ مررنا به قفيزا بدرهم».
فإن قلت: فكيف أجعله حالا للمعرفة، ولا أجعله صفة للنكرة؟
فإنّ سيبويه اعتلّ في ذلك بأنّ النعت تحلية، وأنّ الحال مفعول فيها، وهذا على مذهبه صحيح بيّن الصحة.
وشرحه وإن لم يذكره سيبويه: إنّما هو موضوع في موضع قولك: «مسعّرا».
فالتقدير: العجب من برّ مررنا به مسعّرا على هذه الحال.
وإذا قال: «مررت ببرّ قفيز بدرهم»، فتأويله: قفيز منه بدرهم، ولولا ذلك، لم يجز أن يتّصل بالأوّل، ويكون في موضع نعته ولا راجع إليه منه. وإنّما هذا كقولك: «مررت برجل غلام له قائم».
وقد أجاز قوم كثير أن ينعت به فيقال: «هذا راقود خلّ»، و «هذا خاتم حديد»، وسنشرح ما ذهبوا إليه، ونبيّن فساده على النعت، وجوازه في الإتباع لما قبله إن شاء الله.
ويقال للذي أجاز هذا على النّعت: إن كنت سمعته من العرب مرفوعا، فإنّ رفعه غير مدفوع، وتأويله: البدل لأنّ معناه: خاتم حديد، وخاتم من حديد. فيكون رفعه على البدل والإيضاح.
فأمّا ادّعاؤك أنّه نعت، وقد ذكرت أنّ النّعت إنّما هو تحلية، فقد نقضت ما أعطيت، والعلّة أنت ذكرتها، وإنّما حقّ هذا أن تقول: راقود خلّ، أو راقود خلّا على التبيين. فهذا حقّ هذا.
فإن اعتلّ بقوله: «مررت برجل فضّة خاتمه»، و «مررت برجل أسد أبوه»، على قبحه فيما ذكره وبعده، فإنّ هذا في قولك: «فضّة خاتمه»، غير جائز، إلّا أن تريد: «شبيه
بالفضّة»، ويكون الخاتم غير فضّة. فهذا ما ذكرت لك أنّ النعت تحلية.(3/208)
فإن اعتلّ بقوله: «مررت برجل فضّة خاتمه»، و «مررت برجل أسد أبوه»، على قبحه فيما ذكره وبعده، فإنّ هذا في قولك: «فضّة خاتمه»، غير جائز، إلّا أن تريد: «شبيه
بالفضّة»، ويكون الخاتم غير فضّة. فهذا ما ذكرت لك أنّ النعت تحلية.
وعلى هذا: «مررت برجل أسد أبوه» لأنّه وضعه في موضع شديد أبوه. ألا ترى أنّ سيبويه لم يجز: «مررت بدابّة أسد أبوها»، إذا أراد السبع بعينه، فإذا أراد الشدّة، جاز على ما وصفت، وليس كجواز: «مررت برجل قائم أبوه»، لأنّ لهذا اللفظ والمعنى، وذاك محمول على معناه.
فحقّ الجواهر أن تكون منعوتة ليعرف بعضها من بعض. وحقّ الأسماء المأخوذة من الأفعال أن تكون نعوتا لما وصفت لك.
فإن قلت: «مررت ببرّ قفيز بدرهم»، جاز على البدل، ويجيزه على النعت من عبنا قوله، وأوضحنا فساده.
فإن قيل: معناه مسعّر، فحقّ هذا النصب لأنّ التسعير يعمل فيه. فعلى هذا فأجر هذا الباب.
فأمّا قولهم: «هذا خاتم حديدا»، على الحال، فتأويله: أنّك نبّهت له في هذه الحال.
فإن قلت: الحال بابها الانتقال نحو: «مررت بزيد قائما».
قيل: الحال على ضربين:
فأحدهما: التنقّل، والآخر: الحال اللازمة. وإنّما هي مفعول فاللزوم يقع لما في اسمها، لا لما عمل فيها.
فمن اللازم قوله عزّ وجلّ: {فَكََانَ عََاقِبَتَهُمََا أَنَّهُمََا فِي النََّارِ خََالِدَيْنِ فِيهََا} (1) فالخلود معناه: البقاء. وكذلك: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا} (2)، فهذا الاسم لا لما عمل فيه.
* * * __________
(1) الحشر: 17.
(2) هود: 108.(3/209)
هذا باب ما يجوز لك فيه النعت والحال ولا يكون مجازهما واحدا، ولما تحمل كلّ واحد منهما عليه
وذلك قولك: «مررت بامرأة معها رجل قائمة يا فتى»، إذا حملت ذلك على: «مررت بامرأة»، وإن حملته على الهاء في «معها»، قلت: «رجل قائمة»، والمعنى، إذا نصبت: أنّك مررت به معها. في حال قيامها، فكانت المقارنة في هذه الحال.
ومن ذلك: «هذه دابّة تشتدّ مكسورا سرجها»، إن حملته على الضمير في «تشتدّ»، وإن حملته على «دابّة»، رفعت، فيكون نعتا، كأنّك قلت: «هذه دابّة مكسور سرجها»، وفي الباب الآخر أنّها تشتدّ في هذه الحال.
وتقول: «نحن قوم ننطلق عامدين بلد كذا، وكذا» فتنصب «عامدين» لما في قولك «ننطلق».
فإن أردت أن تجريه على «قوم»، رفعت. وقد قرأوا هذه الآية: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ كِتََاباً يَلْقََاهُ مَنْشُوراً} (1)، أي: يخرج له طائره كتابا.
ومن هذا الباب: «مررت برجل معه صقر صائد به»، و «صائدا به».
فإن قلت: «مررت برجل معه امرأة ضاربها ضاربته»، كان جيّدا، وأجود منه أن تقول: «مررت برجل معه امرأة ضاربته ضاربها»، فيجري نعت «المرأة» وهو إلى جنبها، وإن شئت، قلت: «ضاربها» للهاء في «معه».
وتقول: «مررت برجل معه فرس راكبا برذونا» [2]، و «راكب» على ما وصفت لك.
وتقول: «مررت برجل معه امرأة ضاربها هو»، لا يكون إلّا كذلك لأنّك أجريت النعت عليها، والفعل له.
__________
(1) الإسراء: 13.
[2] البراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب. (لسان العرب 13/ 51 (برذن)).(3/210)
وكذلك لو قلت: «مررت برجل معه امرأة ضاربته هي». لم يكن من إظهار الفاعل بدّ. لأنّه الفعل جرى على غير من هو له، وإنّما يكون هذا الإظهار في اسم الفاعل لأنّه تبيّن فيه الإضمار، وأنّه محمول على الفعل.
فإن كان فعلا، لم تحتج فيه إلى إظهار. تقول: «مررت برجل معه امرأة يضربها»، و «معه امرأة تضربه».
وكذلك تقول: «زيد هند ضاربته» لأنّ الفعل لها.
فإن قلت: «زيد هند ضاربها»، قلت: «هو»، ويجري على وجهين:
إن شئت، جعلت «زيدا» ابتداء، و «هندا» ابتداء ثانيا، و «ضاربها» خبر عن «هند»، و «الهاء» الراجعة إليها، و «هو» إظهار فاعل، ورجوعه إلى «زيد».
وإن شئت، جعلت قولك «ضاربها» ابتداء ثالثا، وجعلت هو خبره، وجعلتهما خبرا عن «هند»، وجعلت «هندا» وما بعدها خبرا عن «زيد».
وتقول: «مررت بزيد وهند الضاربته»، أي: وهند التي تضربه، فموضعها موضع الحال بمنزلة قولك: «كلمت زيدا وعمرو عنده».
فتقدير الواو: تقدير «إذ» كما قال الله عزّ وجلّ: {يَغْشى ََ طََائِفَةً مِنْكُمْ وَطََائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (1) أي: إذ طائفة في هذه الحال.
وتقول: «أنت زيد ضاربه أنت» لأنّك ابتدأت «أنت»، وجعلت «زيدا» مبتدأ بعده، و «ضاربه» لك، فكان مبتدأ ثالثا، و «أنت» خبره، وإن شئت، كان خبرا عن «زيد»، و «أنت» فاعله.
ولو أدخلت على هذا «كان»، لم تغيّره عن لفظه، إلّا أنّك تجعل «زيدا» مرفوعا ب «كان».
ولو أدخلت عليه «ظننت» أو «إنّ»، لنصبت «زيدا»، وتركت سائر الكلام على حاله لأنّه قد عمل بعضه في بعض. فصار كقولك: «كان زيد أبوه منطلق»، و «إنّ زيدا أبوه منطلق».
واعلم أنّك إذا قلت: «كان زيد أبوه منطلق» أنّ «أباه» و «منطلقا» في موضع نصب،
__________
(1) آل عمران: 154.(3/211)
والجمل لا يعمل فيها ما قبلها، وكذلك: «كان زيد يقوم يا فتى» لأنّه فعل وفاعل، فهو كالابتداء والخبر، فهذا ممّا يؤكّد عندك أنّ عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال.
ولا يجوز أن تدخل بين الشيء وما يعمل فيه شيئا ممّا لا يعمل فيه، نحو: «أنت زيد ضاربه». إذا جعلت «ضاربه» جاريا على «زيد»، والمسائل كثيرة، والأصل ما وقّفتك عليه، فقس تصب إن شاء الله.
* * *
هذا باب المصادر التي تشركها أسماء الفاعلين، ولا تكون واقعة هذا الموقع إلّا ومعها دليل من مشاهدة، فهي منصوبة على ذلك، خبرا كانت أو استفهاما(3/212)
* * *
هذا باب المصادر التي تشركها أسماء الفاعلين، ولا تكون واقعة هذا الموقع إلّا ومعها دليل من مشاهدة، فهي منصوبة على ذلك، خبرا كانت أو استفهاما
وذلك قولك: «أقائما يا فلان وقد قعد الناس»، وذلك أنّه رآه في حال قيام، فوبّخه بذلك. فالتقدير: أتثبت قائما وقد قعد الناس، وليس يخبر عن قيام منقض، ولا عن قيام تستأنفه.
وكذلك لو قال: «أقياما وقد قعد الناس»، و «أجلوسا والناس يسيرون»، ومثله:
«أتخلّفا عن زيد مع برّه بك وفضله». ومن ذلك قول الشاعر [من الرجز]:
* أطربا وأنت قنّسريّ [1] * إنّما رأى نفسه في حال طرب مع سنّه، فوبّخها بذلك.
ولو لم تستفهم لقلت منكرا: «قاعدا، علم الله، وقد سار الناس»، «قائما كما يرى والناس قعود». فهذا لا يكون إلّا لما تشاهد من الحال فلذلك استغنيت عن ذكر الفعل.
* * * واعلم أنّ الأسماء التي لم تؤخذ من الأفعال تجري هذا المجرى، وذلك أن ترى الرجل في حال تلوّن وتنقّل، فتقول: «أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى»؟ تريد: أتتحوّل وتتلوّن؟
وأغناه عن ذكر الفعل ما شاهد من الحال.
وكذلك إن لم تستفهم قلت: «تميميّا مرّة، علم الله، وقيسيّا أخرى».
ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل]:
[336] أفي السّلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أشباه النّساء العوارك
[1] تقدم بالرقم 325.
[336] التخريج: البيت لهند بنت عتبة في خزانة الأدب 3/ 263والمقاصد النحوية 3/ 142وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه 1/ 382ولسان العرب 4/ 614 (عور)، 620 (عير) والمقرب 1/ 258.(3/213)
وقال الآخر [من البسيط]:
[337] أفي الولائم أولادا لواحدة ... وفي العيادة أولادا لعلّات
* * *
اللغة: الأعيار: جمع عير، وهو الحمار أهليا كان أم وحشيا. والجفاء: الغلظة والفظاظة. والعوارك:
جمع عارك، وهي الحائض.
المعنى: إنكم أجلاف وبليدون كالحمير في السلم، وجبناء ضعاف كالنساء الحوائض في الحرب.
الإعراب: الهمزة: حرف استفهام لا محل له. «في السلم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (تتحولون) المقدّر، والعامل في «أعيارا». «أعيارا»: حال من فاعل (تتحولون) المقدر. «جفاء»: تمييز منصوب بالفتحة. «وغلظة»: الواو: حرف عطف، «غلظة»: معطوف على (جفاء). «وفي الحرب»: الواو: حرف عطف، «في الحرب»: جار ومجرور متعلقان ب (تتحولون) المقدر المحذوف. «أشباه»: حال من فاعل «تتحولون». «النساء»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «العوارك»: صفة ل (الإماء) مجرورة بالكسرة.
وجملة «أتتحولون في السلم أعيارا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تتحولون في الحرب أشباه الإماء»:
معطوفة على الجملة السابقة.
والشاهد فيه: نصب «أعيارا» بإضمار فعل وضعت هي موضعه بدلا من اللفظ به.
[337] التخريج: البيت بلا نسبة في شرح أبيات سيبويه 1/ 382ولسان العرب 11/ 470 (علل) والمقرب 1/ 258.
اللغة: العلّات جمع مفرده (علّة)، وأولاد العلّة: الذين أمهاتهم شتى، وأبوهم واحد، وهذا مثل في الاختلاف، وأبناء لواحدة مثل للاتحاد والاجتماع.
المعنى: أتصيرون بمنزلة أبناء الأم الواحدة لدى الولائم، وتصيرون كأبناء الأمهات المتعددات لدى زيارتكم مريضا.
الإعراب: الهمزة: حرف استفهام لا محل له. «في الولائم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل العامل النصب في (أولادا). «أولادا»: حال من فاعل (تثبتون) المقدر، والتقدير: أتثبتون أولادا لواحدة في الولائم.
«لواحدة»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (أولاد). «وفي العيادة»: الواو: حرف عطف، «في العيادة»: جار ومجرور متعلقان بالفعل «تثبتون» المقدر. «أولادا»: حال من فاعل (تثبتون) المقدر. «لعلّات»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (أولادا).
والشاهد فيه: نصب (أولادا) بإضمار فعل وضعت هي موضعه بدل اللفظ به.(3/214)
هذا باب ما وقع من المصادر توكيدا
وذلك قولك: «هذا زيد حقّا» لأنّك لمّا قلت: «هذا زيد»، فخبّرت، إنّما خبّرت بما هو عندك حقّ، فاستغنيت عن قولك: «أحقّ ذاك»، وكذلك: «هذا زيد الحقّ لا الباطل» لأنّ ما قبله صار بدلا من الفعل.
ولو قلت: «هذا زيد الحقّ»، لكان رفعه على وجهين، وليس على ذلك المعنى، ولكن على أن تجعل «زيدا» هو الحقّ، وعلى أنّك قلت: «هذا زيد»، ثمّ قلت: «الحقّ»، تريد: قولي هو الحقّ، لأنّ «هذا زيد» إنّما هو قولك.
وقد قرىء هذا الحرف على وجهين، وهو قوله عزّ وجلّ: {ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} (1)، و {قَوْلَ الْحَقِّ}.
وتقول: «هذا القول لا قولك»، أي: ولا أقول قولك.
فتأويل هذا: أنّ «قولك» بمنزلة: «هذا القول حقّا»، و «هذا القول غير قيل باطل» لأنّه توكيد للأوّل.
ولو قلت: «هذا القول لا قولا»، لم يكن لهذا الكلام معنى لأنّك إنّما تؤكّد الأوّل بشيء تحقّه، فإذا قلت: «غير قيل باطل»، فقد أوجبت أنّه حقّ، فإذا قلت: «لا قولك»، فقد دللت على أنّه قول باطل، فعلى هذا تؤكّد.
ومن ذلك: «لأضربنّ زيدا قسما حقّا». ومن ذلك قوله [من الكامل]:
إنّي لأمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل [2]
__________
(1) مريم: 34.
[2] تقدم بالرقم 329.(3/215)
لمّا قال: «إني لأمنحك الصدود»، و «إنّني إليك لأميل»، علم أنّه مقسم، فكان هذا بدلا من قوله: «أقسم قسما».
* * * واعلم أنّ المصادر كسائر الأسماء، إلّا أنّها تدلّ على أفعالها فأمّا في الإضمار والإظهار والإخبار عنها والاستفهام، فهي بمنزلة غيرها.
تقول إذا رأيت رجلا في ذكر «ضرب»: «زيدا». تريد: «زيدا اضرب»، واستغنيت عن قولك: «اضرب» بما كان فيه من الذكر، فعلى هذا إذا ذكر فعلا، فقال: «لأضربنّ»، قلت: «نعم، ضربا شديدا».
فإن لم يكن ذكر، ولا حال دالّة، لم يكن من الإظهار بدّ، إلّا أن يكون موضع أمر، فتضمر، وتصيّر المصدر بدلا من اللّفظ بالفعل، وإنّما يكون ذلك في الأمر والنهي خاصّة لأنّهما لا يكونان إلّا بفعل، فتأمر بالمصدر نكرة، ومعرفة بالألف واللام والإضافة، ولذلك موضع آخر، وهو أن يكون المصدر قد استعمل في موضع الفعل حتّى علم ما يراد به.
ومن ذلك: «سقيا لزيد» لأنّ الدعاء كالأمر والنهي، وإنّما أردت: سقى الله زيدا سقيا. فإن قلت ذلك، لم تحتج إلى قولك: «لزيد».
وإن قلت: «سقيا»، قلت بعده: «لفلان» لتبين ما تعني، وإن علم من تعني. فإن شئت أن تحذفه، حذفته.
ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1) إنّما هو:
فاضربوا الرقاب ضربا، ثمّ أضاف.
وكذلك قوله، تبارك وتعالى: {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (2) إنّما تقديره: فإمّا مننتم منّا، وإمّا فاديتم فداء.
وكذلك: {وَعْدَ اللََّهِ حَقًّا} (3)، و {صُنْعَ اللََّهِ} (4).
* * * __________
(1) محمد: 4.
(2) محمد: 4.
(3) النساء: 122ويونس: 4.
(4) النمل: 88.(3/216)
واعلم أنّ من المصادر مصادر تقع في موضع الحال، وتغني غناءه، فلا يجوز أن تكون معرفة لأنّ الحال لا تكون معرفة.
وذلك قولك: «جئتك مشيا»، وقد أدّى عن معنى قولك: جئتك ماشيا، وكذلك قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} (1).
ومنه: «قتلته صبرا». وإنّما الفصل بين المصدر وبين اسم الفاعل أنّك إذا قلت:
«عجبت من ضرب زيد عمرا»، أنّ «ضربا» في معنى: «أن ضرب»، فيحتاج ما بعدها إلى الفاعل والمفعول.
فإذا قلت: «عجبت من ضارب عمرا»، فقد جئت بالفاعل، وإنّما بقي المفعول، والفاعل يحمل على المصدر كما حمل المصدر عليه. تقول: «قم قائما»، فالمعنى: قم قياما. فمن ذلك قوله [من الطويل]:
على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
إنّما أراد: لا أشتم، ولا يخرج من فيّ زور كلام فأراد: «ولا خروجا»، فوضع «خارجا» في موضعه، وهذا قول عامّة النحويّين.
وكان عيسى بن عمر يأبى ما فسّرنا ويقول: إنّما قال [من الطويل]:
[338] ألم ترني عاهدت ربّي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
يريد: عاهدت ربّي على أمور وأنا في هاتين الحالتين: لا شاتما، ولا خارجا من فيّ مكروه.
* * * __________
(1) البقرة: 260.
[338] التخريج: البيتان للفرزدق في ديوانه 2/ 212وأمالي المرتضى 1/ 63، 64وتذكرة النحاة ص 85وخزانة الأدب 1/ 223، 4/ 463، 465وشرح أبيات سيبويه 1/ 170وشرح المفصل 2/ 59، 6/ 50والكتاب 1/ 346ولسان العرب 2/ 250 (خرج) (البيت الثاني) والمحتسب 1/ 57وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 1/ 177ولسان العرب 2/ 279 (رتج) (البيت الأول).
اللغة: عاهدته: حالفته وعقدت معه ميثاقا. الرتاج: الباب العظيم الكبر، أو الباب المغلق.
المعنى: أعطيت ربي ميثاقا لا أخونه، لا أسب مسلما ما دمت حيا، وقد أعطيت ميثاقي هذا وأنا في(3/217)
مكان عظيم بين المقامين الساميين، الكعبة المشرفة، وحرم إبراهيم النبي عليه السلام.
الإعراب: ألم ترني: الألف: حرف استفهام، و «لم»: حرف نفي وقلب وجزم، «ترني»: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة «الألف المقصورة» من آخره، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. عاهدت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. ربي: لفظ الجلالة، مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء لاشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وإنني: «الواو»: حالية، «إنني»: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسمها. لبين: اللام: لام المزحلقة، «بين»: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق بخبر محذوف، وهو مضاف. رتاج: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. قائما: حال منصوبة بالفتحة الظاهرة.
ومقام: الواو: عاطفة، «مقام»: اسم معطوف على رتاج مجرور مثله.
وجملة «ألم ترني»: ابتدائية. وجملة «عاهدت ربي»: في محل نصب مفعول به ثان. وجملة «إنني»:
مع الخبر المحذوف في محل نصب حال.
على حلفة: جار ومجرور متعلقان بالفعل عاهدت. لا أشتم: «لا»: نافية، «أشتم»: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. الدهر: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل أشتم. مسلما: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. ولا خارجا: الواو: حرف عطف، «لا»:
نافية، «خارجا»: حال منصوبة بالفتحة الظاهرة. من فيّ: «من»: حرف جر، «فيّ»: اسم مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: ياء المتكلم في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان باسم الفاعل خارجا. زور: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف. كلام: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
وجملة «لا أشتم»: في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: «لا أشتم» فهي حالية بدليل عطف (خارجا) على محلها بالنصب على الحالية.(3/218)
هذا باب ما يكون حالا وفيه الألف واللام على خلاف ما تجري به الحال لعلّة دخلت
وذلك قولك: «ادخلوا الأوّل فالأوّل»، و «ادخلوا رجلا رجلا». تأويله: ادخلوا واحدا بعد واحد.
فأمّا «الأوّل»، فإنّما انتصب على الحال وفيه الألف واللام لأنّه على غير معهود، فجريا مجرى سائر الزوائد.
ألا ترى أنّك لو قلت: «الأوّل فالأوّل أتونا»، لم يجز لأنّك لست تقصد إلى شيء بعينه، ولو قلت: «الرجال أتونا»، كان جيدا.
وإن شئت قلت «دخلوا الأوّل فالأوّل» على البدل. كأنّك قلت: «دخل الأوّل فالأوّل». وكذلك لو قلت: «دخلوا رجل فرجل»، فأبدلت النكرة من المعرفة كما قال الله عزّ وجلّ: {بِالنََّاصِيَةِ نََاصِيَةٍ كََاذِبَةٍ خََاطِئَةٍ} (1).
فإذا قلت: «ادخلوا الأوّل فالأوّل»، فلا سبيل عند أكثر النحويّين إلى الرفع لأنّ البدل لا يكون من المخاطب لأنّك لو قدّرته بحذف الضمير، لم يجز. فأمّا عيسى بن عمر فكان يجيزه. ويقول: معناه: ليدخل الأوّل فالأوّل، ولا أراه إلّا جائزا على المعنى لأنّ قولك:
«ادخل» إنّما هو: «لتدخل» في المعنى.
وقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: {فَبِذََلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (2)، فإذا قلت: «ادخلوا الأوّل والآخر، والصغير والكبير»، فالرفع لأنّ معناه: ادخلوا كلّكم. فهذا لا يكون إلّا مرفوعا، ولا يكون إلّا بالواو لأنّ «الفاء» تجعل شيئا بعد شيء، و «الواو» تتّصل على معنى قولك: «كلّكم».
ألا ترى أنّك تقول: «مررت بزيد أخيك وصاحبك»، فتدخل «الواو» على حدّ قولك: «زيد العاقل الكريم»، وكذلك: «زيد العاقل، والكريم». ولو قلت: «العاقل فالكريم»، أو
__________
(1) العلق: 15، 16.
(2) يونس: 58.(3/219)
«العاقل ثمّ الكريم»، لخبّرت أنّه استوجب شيئا بعد شيء.
وكان سيبويه يقول: جيّد أن تقول: «هذا خاتمك حديدا»، و «هذا سرجك خزّا»، ولا تقول على النّعت: «هذا خاتم حديد» إلّا مستكرها، إلّا أن تريد البدل وذلك لأنّ «حديدا» و «فضّة» وما أشبه ذلك جواهر، فلا ينعت بها لأنّ النعت تحلية. وإنّما يكون هذا نعتا مستكرها إذا أردت التمثيل.
وتقول: «هذا خاتم مثل الحديد»، أي: في لونه وصلابته، و «هذا رجل أسد» أي:
شديد. فإن أردت السبع بعينه، لم تقل: «مررت برجل أسد أبوه». هذا خطأ، وإنّما أجاز سيبويه: «هذا خاتمك حديدا»، وهو يريد الجوهر بعينه لأنّ الحال مفعول فيها، والأسماء تكون مفعولة، ولا تكون نعوتا حتّى تكون تحلية.
وهذا في تقدير العربيّة كما قال، ولكن لا أرى المعنى يصحّ إلّا بما اشتقّ من الفعل، نحو: «هذا زيد قائما» لأنّ المعنى أنبّهك له في حال قيام.
وإذا قال: «هذا خاتمك حديدا»، ف «الحديد» لازم. فليس للحال ها هنا موضع بيّن، ولا أرى نصب هذا إلّا على التبيين لأنّ التبيين إنّما هو بالأسماء. فهذا الذي أراه، وقد قال سيبويه ما حكيت لك.
ولو قلت: «مررت بزيد رجلا صالحا»، لصلحت الحال لقولك: «صالحا» إلّا أن يكون علم أنّك مررت بزيد، وهو بالغ، فتقول: «مررت بزيد رجلا»، أي في حال بلوغه.
فقد دللتك بهذا على معنى الحال.
* * * ومن الحالات قولك: «ما شأنك قائما»، والتقدير: ما أمرك في هذه الحال. فهذا التقدير، والمعنى: لم قمت؟ كما أنّك تقول: «غفر الله لزيد»، واللفظ لفظ الإخبار، والمعنى معنى الدعاء، وقولك: «يعلم الله لأقومنّ». اللفظ لفظ: «يذهب زيد» والمعنى القسم.
ومثل هذا: «ما لك قائما»؟ والتقدير: أيّ شيء لك في حال قيامك؟ والمعنى: لم قمت؟ قال الله جلّ ذكره: {فَمََا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (1). والمعنى والله أعلم: ما
__________
(1) المدثر: 49.(3/220)
لهم يعرضون؟ أي: لم أعرضوا؟
ولو قلت: «من زيد قائما»؟ لم يجز لأنّ قولك: «من زيد»؟ سؤال يقتضي أن تعرف: أبن عمرو هو أم ابن خالد؟ التميميّ هو أم القيسيّ؟ فالسؤال قد وقع عن تعريف الذات، فليس للحال ها هنا موضع.
ولو قلت: «زيد أخوك قائما» وأنت تريد النسب، فهو محال لأنّ النسب لازم، فليس له في القيام معنى، ويستحيل في تقدير العربيّة مع استحالته في المعنى، لأنّ الفعل ينصب الحال.
ولو قلت: «زيد أخوك قائما»، تريد الصداقة، لكان جيّدا. المعنى: يصادقك في هذه الحال.
وكلّ شيء كان فيه فعل مجرّد أو معنى فعل فالحال فيه صحيحة نحو: «المال لك قائما»، أي: تملكه في هذه الحال، وكذلك: «المال لك يوم الجمعة»، ولا يصلح: «زيد أخوك يوم الجمعة»، إذا كان من النسب لأنّه لا فعل فيه.
وظروف الزمان لا تضمّن الجثث، وكلّ ما كان فعلا أو في معنى الفعل، فعمله في ظروف الزمان كعمله في الحال.
فأمّا قولهم: «الليلة الهلال»، فمعناه: الحدوث، ولولا ذلك، لم يجز كما لا تقول:
«الليلة زيد».
* * * وتقول: «خرجت من الدار فإذا زيد». فمعنى «إذا» ها هنا المفاجأة. فلو قلت على هذا: «خرجت فإذا زيد قائما»، كان جيّدا، لأنّ معنى «فإذا زيد»، أي: فإذا زيد قد وافقني.
* * *
هذا باب المخاطبة(3/221)
* * *
هذا باب المخاطبة
فأوّل كلامك لما تسأل عنه، وآخره لمن تسأله، وذلك قولك إذا سألت رجلا عن رجل: «كيف ذاك الرجل»؟ فتحت الكاف لأنّها للذي تكلّم. وقولك: «ذاك» إنّما زدت الكاف على «ذا»، وكانت لما تومىء إليه بالقرب.
فإن قلت «هذا» ف «ها» للتنبيه، و «ذا» هي الاسم، فإذا خاطبت، زدت الكاف للذي تكلّمه ودلّ الكلام بوقوعها على أنّ الذي تومىء إليه بعيد، وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت التراخي، زدت كافا للمخاطبة لأنّك تحتاج إلى أن تنبّه بها المخاطب على بعد ما تومىء إليه.
فإن سألت امرأة عن رجل، قلت: «كيف ذاك الرجل»؟ تكسر الكاف لأنّها لمؤنّث.
قال الله عزّ وجلّ: {قََالَ كَذََلِكِ اللََّهُ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ} (1).
وتقول إذا سألت رجلا عن امرأة: «كيف تلك المرأة»؟ بفتح الكاف لأنّها لمذكّر.
فإن سألت امرأة عن امرأة، قلت: «كيف تلك المرأة» بكسر الكاف من أجل المخاطبة.
فإن سألت امرأتين عن رجلين، قلت: «كيف ذانكما الرجلان»؟
وإن سألت رجلين عن امرأتين، قلت: «كيف تانكما المرأتان»؟
وإن سألت رجلين عن امرأة، قلت: «كيف تلكما المرأة»؟
وإن سألت امرأتين عن رجل، قلت: «كيف ذاكما الرجل»؟
وإن شئت، قلت: «ذلكما»، تدخل اللام زائدة، فمن قال في «الرجل»: «ذاك»، قال في الاثنين: «ذانك».
__________
(1) آل عمران: 47.(3/222)
ومن قال في «الرجل»: «ذلك»، قال في الاثنين: «ذانّك» بتشديد النون. تبدل من اللام نونا، وتدغم إحدى النونين في الأخرى، كما قال عزّ وجلّ: {فَذََانِكَ بُرْهََانََانِ مِنْ رَبِّكَ} (1).
وإن سألت رجالا عن نساء، قلت: «كيف أولئكم النساء»؟
وإن سألت نساء عن رجال، قلت: «كيف أولئكنّ الرجال»؟
وإن سألت نساء عن رجل، قلت بغير اللام: «كيف ذاكنّ الرجل»؟
وباللام: «كيف ذلكن الرجل»؟ كما قال الله عزّ وجلّ: {فَذََلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} (2).
* * * وقد يجوز أن تجعل مخاطبة الجماعة على لفظ الجنس إذ كان يجوز أن تخاطب واحدا عن الجماعة، فيكون الكلام له، والمعنى يرجع إليهم كما قال الله تبارك وتعالى:
{ذََلِكَ أَدْنى ََ أَلََّا تَعُولُوا} (3). ولم يقل «ذلكم» لأنّ المخاطب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فما ورد من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك تصب إن شاء الله.
* * * __________
(1) القصص: 32.
(2) يوسف: 32.
(3) النساء: 3.(3/223)
هذا باب تأويل هذه الكاف التي تقع للمخاطبة إذا اتّصلت بالفعل نحو: «رويدك» و «أرأيتك زيدا ما حاله»؟ وقولك: «أبصرك زيدا»
اعلم أنّ هذه الكاف زائدة زيدت لمعنى المخاطبة. والدليل على ذلك أنّك إذا قلت:
«أرأيتك زيدا»، فإنّما هي «أرأيت زيدا» لأنّ الكاف لو كانت اسما، استحال أن تعدّي «رأيت» إلى مفعولين: الأوّل والثاني هو الأوّل.
وإن أردت رؤية العين، لم يتعدّ إلّا إلى مفعول واحد، ومع ذلك أنّ فعل الرجل لا يتعدّى إلى نفسه، فيتّصل ضميره إلّا في باب «ظننت» و «علمت»، لما قد ذكرنا في موضعه.
فأمّا «ضربتني وضربتك يا رجل» فلا يكون.
وكذلك «أبصرك زيدا يا فلان»، إنّما هو: «أبصر زيدا»، ودخلت الكاف للإغراء توكيدا للمخاطبة.
وكذلك «رويد». يدلّك أنّك إذا قلت: «رويدك زيدا»، إنّما تريد: «أرود زيدا»، والكاف للمخاطبة.
ألا ترى أنّها لو كانت اسم الفاعل، كان خطأ لأنّ الواحد المرفوع لا تظهر علامته في الفعل. وإن كان الفعل لاثنين أو ثلاثة، قلت: «رويدكما»، و «رويدكم». فلو كان اسم الفاعل، لكان ألفا في التثنية، وواوا في الجمع كما تقول: «اذهبا»، و «اذهبوا».
وقد تقول: «رويد زيدا»، إذا لم ترد أن تبيّن المخاطبة كما تقول: «أرأيت زيدا»، و «أبصر زيدا».
وزعم سيبويه أنّ قولك: «رويدك زيدا»، إذا أدخلت الكاف، كقولك: «يا فلان» لمن هو مقبل عليك توكيدا للتنبيه ولمن هو غير مقبل عليك لتعطفه بالنداء. فكذلك تنبّه بالمخاطبة، وتركها كتركك «يا فلان» استغناء بإقبالك عليه، وإنّما القول بغير الكاف: «رويد زيدا» لأنّ «رويد» في موضع المصدر، وهو غير متمكّن لأنّ المصدر من «أرودت» إنّما هو «الإرواد».
ومن أراد أن يجعل «رويد» مصدرا محذوف الزوائد، جاز له ذلك، فقال: «رويدا زيدا». فنظير الأوّل قوله [من الطويل]:(3/224)
وزعم سيبويه أنّ قولك: «رويدك زيدا»، إذا أدخلت الكاف، كقولك: «يا فلان» لمن هو مقبل عليك توكيدا للتنبيه ولمن هو غير مقبل عليك لتعطفه بالنداء. فكذلك تنبّه بالمخاطبة، وتركها كتركك «يا فلان» استغناء بإقبالك عليه، وإنّما القول بغير الكاف: «رويد زيدا» لأنّ «رويد» في موضع المصدر، وهو غير متمكّن لأنّ المصدر من «أرودت» إنّما هو «الإرواد».
ومن أراد أن يجعل «رويد» مصدرا محذوف الزوائد، جاز له ذلك، فقال: «رويدا زيدا». فنظير الأوّل قوله [من الطويل]:
رويد عليّا جدّ ما ثدي أمّهم ... إلينا ولكن ودّهم متماين [1] ومن جعله مصدرا صحيحا، قال: «رويدا زيدا»، و «رويد زيد» كما تقول: {فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (2).
وإن كان نعتا، فهو مصروف منوّن على كلّ حال، وذلك قولك: «ضعه وضعا رويدا» كما قال الله عزّ وجلّ: {فَمَهِّلِ الْكََافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (3)، وإنّما صرّفنا هذا المصدر عند ما جرى من ذكره مع كاف المخاطبة.
* * * [1] تقدم بالرقم 311.
__________
(2) محمد: 4.
(3) الطارق: 17.(3/225)
هذا باب مسائل من هذه المصادر التي جرت
اعلم أنّك إذا قلت: «رويدك وعبد الله»، فهو جائز وفيه قبح حتى تقول: «رويدك أنت وعبد الله»، وقد تقدّم تفسير هذا في باب عطف الظاهر على المضمر.
فإن جعلت «رويد» متصرّفة، قلت: «رويد عبد الله وزيد»، ولا تقول: «رويدك ورويد زيد»، إذا جعلت «رويد» غير متصرّفة والكاف للمخاطبة لأنّ الكاف ليست باسم، و «رويد» اسم، ولا يقع العطف على استواء إلّا أن تجعل الكلام الثاني على غير معنى الكلام الأوّل، فذلك جائز، متى أردته.
وكلّ جملة بعدها جملة فعطفها عليها جائز، وإن لم يكن منها نحو: «جاءني زيد»، و «انطلق عبد الله»، و «أخوك قائم»، و «إن تأتني آتك»، فهذا على ذا.
ولو قلت: «ضعه وضعا رويدا»، لم تقع «رويد» المحذوفة التنوين هذا الموضع لأنّ تلك لا تقع إلّا في الأمر على معنى: «أرود زيدا».
واعلم أنّ الكاف في قولك: «النّجاءك» إنّما هي للمخاطبة بمنزلة كاف «رويدك»، والدليل على ذلك لحاقها مع الألف واللام، ولو كانت اسما، كان هذا محالا لأنّك لا تضيف ما فيه الألف واللام. فهذا بيّن جدّا.
* * * وفي هذه المصادر في الأمر والنهي من الضمير ما في الفعل، تقول: «النّجاءك نفسك»، و «النجاءكم كلّكم»، والخفض خطأ لأنّ الكاف ليست باسم.
فأمّا «عليك»، و «دونك»، وما أشبه ذلك، فإنّ الكاف في موضع خفض، وله ضمير المرفوع الذي يكون به فاعلا، وإن شئت، أتبعته التوكيد مرفوعا، وإن شئت، كان مخفوضا.
تقول: «عليك نفسك زيدا»، وإن شئت: «نفسك»، لأنّك تريد: «أنظر نفسك».(3/226)
فأمّا «عليك»، و «دونك»، وما أشبه ذلك، فإنّ الكاف في موضع خفض، وله ضمير المرفوع الذي يكون به فاعلا، وإن شئت، أتبعته التوكيد مرفوعا، وإن شئت، كان مخفوضا.
تقول: «عليك نفسك زيدا»، وإن شئت: «نفسك»، لأنّك تريد: «أنظر نفسك».
والدليل على أنّ الكاف لها موضع أنّ حروف الإضافة لا تعلّق ولا تنفرد، فهي واقعة على الأسماء.
* * * وكلّ شيء كان في موضع الفعل، ولم يكن فعلا، فلا يجوز أن تأمر به غائبا، ولا يجوز أن تقول: «على زيد عمرا»، ولا يجوز أن تقدّم فيه ولا تؤخّر، فتقول: «زيدا عليك»، و «زيدا دونك».
ومن زعم أنّ قول الله عزّ وجلّ: {كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (1) إنّما نصبه ب «عليكم» فهذا خطأ. وقد مضى تفسير هذا.
وإنّما قالوا: «عليه رجلا ليسني» [2]، لأنّ هذا مثل، والأمثال تجري في الكلام على الأصول كثيرا.
* * * __________
(1) النساء: 24.
[2] لم أقع على هذا المثل فيما عدت إليه من مصادر.(3/227)
هذا باب ما يحمل على المعنى، وحمله على اللفظ أجود
اعلم أنّ الشيء لا يجوز أن يحمل على المعنى إلّا بعد استغناء اللفظ، وذلك قولك:
«ما جاءني غير زيد وعمرو»، حمل «عمرو» على الموضع لأنّ معنى قوله: «غير زيد» إنّما هو: إلّا زيد، فحمل «عمرو» على هذا الموضع.
وكذلك قوله: «ما جاءني من أحد عاقل». رفعت «العاقل»، ولو خفضته، كان أحسن.
وإنّما جاز الرفع لأنّ المعنى: ما جاءني أحد.
ومن ذلك قراءة بعض الناس: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} (1).
لمّا قال: «قتل أولادهم»، تمّ الكلام، فقال: «شركاؤهم» على المعنى لأنّه علم أنّ لهذا التزيين مزيّنا فالمعنى: زيّنه شركاؤهم.
ومثل ذلك قول الشاعر [من الطويل]:
[339] ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط ممّا تطيح الطّوائح
__________
(1) الأنعام: 137.
[339] التخريج: البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب 1/ 303وشرح شواهد الإيضاح ص 94وشرح المفصل 1/ 80والكتاب 1/ 288وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص 362 ولنهشل بن حريّ في خزانة الأدب 1/ 303ولضرار بن نهشل في الدرر 2/ 286ومعاهد التنصيص 1/ 202وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه 1/ 110ولنهشل، أو للحارث، أو لضرار، أو لمزرد بن ضرار، أو للمهلهل في المقاصد النحوية 2/ 454وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 345، 7/ 24وأمالي ابن الحاجب ص 447، 789وتخليص الشواهد ص 478وخزانة الأدب 8/ 139 والخصائص 2/ 353، 424وشرح الأشموني 1/ 171وشرح المفصل 1/ 80والشعر والشعراء ص 105، 106والكتاب 1/ 366، 398ولسان العرب 2/ 536 (طوح) والمحتسب 1/ 230ومغني اللبيب ص 620وهمع الهوامع 1/ 160.
اللغة: الضارع: الخاضع والمستكين. المختبط: السائل بلا وسيلة، أو قرابة، أو معرفة. تطيح:(3/228)
لمّا قال: «ليبك يزيد»، علم أنّ له باكيا. فكأنّه قال: ليبكه ضارع لخصومة. ومن ذلك قولهم [من الرجز]:
[340] قد سالم الحيّات منه القدما ... الأفعوان والشّجاع الشّجعما
فنصب «الأفعوان» لأنّك تعلم أنّ «القدم» مسالمة كما أنّها مسالمة، فكأنّه قال: قد سالمت القدم الأفعوان والشجاع.
تهلك. الطوائح: المصائب.
المعنى: فليبك يزيد بن نهشل، لأنّ البكاء هو أقلّ شيء يجب عمله، فقد بكاه الذليل الخاضع كما بكاه العافي الذي أنهكته حوادث الأيام فراح يستعطي أهل السخاء.
الإعراب: «ليبك»: اللام: للأمر، «يبك»: فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة.
«يزيد»: نائب فاعل مرفوع. «ضارع»: فاعل لفعل محذوف تقديره: «يبكيه ضارع». «لخصومة»: جار ومجرور متعلّقان ب «ضارع». «ومختبط»: الواو: حرف عطف، «مختبط»: معطوف على «ضارع». «ممّا»:
جار ومجرور متعلّقان ب «مختبط». «تطيح»: فعل مضارع مرفوع. «الطوائح»: فاعل مرفوع.
وجملة «ليبك»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يبكيه ضارع»: المحذوفة بدل من جملة «ليبك يزيد». وجملة «تطيح»: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: (ضارع) حذف عامل الفاعل لقرينة، والتقدير: يبكيك ضارع. و «ضارع» فاعل فعل محذوف دلّ عليه مدخول الاستفهام المقدّر، كأنّه قيل: من يبكيه؟ فقيل: ضارع، أي يبكيه ضارع، ثمّ حذف الفعل.
[340] التخريج: الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 333وجمهرة اللغة ص 1139وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسيّ، أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب 11/ 411، 415، 416والمقاصد النحوية 4/ 81.
اللغة: الأفعوان: الذكر من الأفاعي. الشجاع ضرب من الحيات. الشجعم: الطويل.
الإعراب: «قد»: حرف تحقيق. «سالم»: فعل ماض مبنيّ على الفتح. «الحيّات»: فاعل مرفوع بالضمة. «منه»: جار ومجرور متعلقان بحال مقدّم محذوف من «القدم». «القدما»: مفعول به منصوب، والألف للإطلاق. «الأفعوان»: مفعول به لفعل محذوف، تقديره: «وسالمت»، أي: القدم. «والشجاع»:
حرف عطف واسم معطوف منصوب. «الشجعما»: نعت منصوب، والألف للإطلاق.
وجملة «قد سالم» ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وجملة «وسالمت» المقدّرة معطوفة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه: نصب «الأفعوان» وما بعده على المعنى، لأنّه لمّا قال: «قد سالم الحيّات منه القدما»، علم أنّ القدم مسالمة للحيّات، لأنّ ما سالم شيئا فقد سالمه الآخر، فكأنّه قال: سالمت القدم الأفعوان.(3/229)
ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} (1).
زعم الخليل أنّه لما قال: «انتهوا»، علم أنّه يدفعهم عن أمر، ويغريهم بأمر يزجرهم عن خلافه، فكان التقدير: ائتوا خيرا لكم. وقد قال قوم: إنّما هو على قوله: «يكن خيرا لكم». وهذا خطأ في تقدير العربيّة لأنّه يضمر الجواب ولا دليل عليه، وإذا أضمر «ايتوا»، فقد جعل «انتهوا» بدلا منه، وكذلك: «انته يا فلان» أمرا قاصدا. وقد مرّ من ذكر المضمرات ما يغني عن إعادته.
ومن ذلك قول الشاعر [من الوافر]:
[341] وجدنا الصالحين لهم جزاء ... وجنّات وعينا سلسبيلا
فنصبهما لأنّ «الوجدان» في المعنى واقع عليهما. ومثل ذلك [من الخفيف]:
[342] لن تراها وإن تأمّلت إلّا ... ولها في مفارق الرأس طيبا
__________
(1) النساء: 171.
[341] التخريج: البيت بلا نسبة في شرح أبيات سيبويه 1/ 427.
اللغة: السلسبيل: العذب.
المعنى: لقد اتّضح لنا أنّ الصالحين يجزون صالحا، فلهم جنات وماء عذب فرات.
الإعراب: «وجدنا»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله ب «نا» الدالة على الفاعلين، و «نا»: في محل رفع فاعل. «الصالحين»: مفعول به أول منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. «لهم»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. «جزاء»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «وجنات»: الواو: حرف عطف، «جنات»: منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم، وهي مفعول به لفعل محذوف والتقدير: ووجدنا لهم جنات. «وعينا»: الواو: حرف عطف «عينا»: معطوف على (جنات) منصوب بالفتحة. «سلسبيلا»: صفة ل (عين) منصوبة بالفتحة.
وجملة «وجدنا»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «لهم جزاء»: مفعول به ثان ل (وجدنا).
وجملة «وجدنا جنات»: معطوفة على جملة (وجدنا) الأولى.
والشاهد فيه: نصب (جنات) بإضمار فعل دلّ عليه ما قبله، التقدير: ووجدنا لهم جنّات وعينا.
[342] التخريج: البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ملحق ديوانه ص 176والكتاب 1/ 285 وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 35والخصائص 2/ 429وشرح المفصل 1/ 125.
اللغة: المفارق: ج مفرق، مكان افتراق شعر الرأس.
المعنى: فلن تراها مهما انتظرت إلا وقد علا الشيب رأسها.
الإعراب: لن تراها: «لن»: حرف ناصب، «تراها»: فعل مضارع منصوب بالفتحة المقدرة على(3/230)
لأنّ الرؤية قد اشتملت على الطيب. وهذا البيت أبعد ما مرّ لأنّه ذكره من قبل الاستغناء. وإنّما جاز نصبه على «رأيت» لأنّ المعنى: لن تراها إلّا وأنت ترى لها في مفارق الرأس طيبا. فهذا على الإضمار.
فأمّا قوله [من الطويل]:
[343] تواهق رجلاها يديه ورأسه ... [لها قتب خلف الحقيبة رادف]
فمن أنشده برفع «اليدين»، فقد أخطأ لأنّ الكلام لم يستغن، ولو جاز، لجاز:
«ضارب عبد الله زيد» لأنّ من كلّ واحد منهما ضربا.
* * * الألف للتعذر، و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
وإن: الواو: استئنافية، «إن»: حرف شرط جازم. تأملت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. إلا ولها: «إلا»: حرف حصر، «و»: حالية، «لها»: جار ومجرور متعلقان بالفعل المحذوف ترى. في مفارق: جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة و «مفارق» مضاف.
الرأس: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. طيبا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة «لن تراها»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «وإن تأملت»: اعتراضية لا محل لها. وجملة «تأملت»: فعل الشرط لا محل لها. وجملة «إلا ولها في مفارق الرأس»: مع الفعل المحذوف في محل نصب حال، وحذف جواب الشرط لمعرفته من سياق الكلام.
والشاهد فيه قوله: (طيبا) فقد نصبه فعل محذوف على اعتباره فعلا قلبيا.
[343] التخريج: البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص 73والأشباه والنظائر 6/ 33وسرّ صناعة الإعراب 2/ 483وسمط اللآلي ص 700وشرح أبيات سيبويه 1/ 273ولسان العرب 10/ 386 (وهق) وبلا نسبة في الخصائص 2/ 425.
اللغة: المواهقة: الملاحقة، والمداركة. القتب: رحل صغير على قدر السّنام. الحقيبة: كالبرذعة تحت الحلس. الرادف: الذي يكون في الموضع الذي يكون فيه الرّدف: وهو الراكب خلف الراكب.
المعنى: وصف حمار وحش وأتانا يسوقها إلى حيث يريد، فرأسه في موضع الحقيبة منها لشدة ملازمته إياها وحرصه عليها.
الإعراب: «تواهق»: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. «رجلاها»: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى،(3/231)
و «ها»: في محل جر بالإضافة. «يديه»: مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والهاء: مضاف إليه محلها الجر. «ورأسه»: الواو: تجوز فيها الحالية، والعطف و «رأسه»: مبتدأ مرفوع بالضم، والهاء: مضاف إليه محله الجر. «لها»: جار ومجرور متعلقان بالخبر. «قتب»: مبتدأ مرفوع بالضمة. «خلف»: مفعول فيه ظرف مكان متعلق ب (رادف) منصوب بالفتحة. «الحقيبة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «رادف»: صفة ل (قتب) مرفوعة بالضمة.
وجملة «تواهق رجلاها»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «رأسه لها قتب»: حالية محلها النصب، أو معطوفة على جملة «تواهق رجلاها». وجملة «لها قتب»: خبر للمبتدأ (رأسه) محلها الرفع.
والشاهد فيه: أن رفع (يديه) على المعنى خطأ وصوابه أن يجعلهما مفعولين ل (تواهق).(3/232)
هذا باب «أم»، و «أو»
فأمّا «أم» فلا تكون إلّا استفهاما، وتقع من الاستفهام في موضعين:
أحدهما: أن تقع عديلة للألف على معنى «أيّ»، وذلك قولك: «أزيد في الدار أم عمرو»؟ وكذلك: «أأعطيت زيدا أم حرمته»؟
فليس جواب هذا «لا»، ولا «نعم» كما أنّه إذا قال: «أيّهما لقيت»؟ أو: «أيّ الأمرين فعلت»؟ لم يكن جواب هذا «لا»، ولا «نعم» لأنّ المتكلّم مدّع أنّ أحد الأمرين قد وقع، لا يدري أيّهما هو.
فالجواب أن تقول: «زيد» أو «عمرو».
فإن كان الأمر على غير دعواه، فالجواب أن تقول: «لم ألق واحدا»، أو «كليهما».
فمن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زََاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصََارُ} (1). وقوله:
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمََاءُ بَنََاهََا} (2)، ومثله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} (3)، فخرج هذا مخرج التوقيف والتوبيخ، ومخرجه من الناس يكون استفهاما، ويكون توبيخا.
فهذا أحد وجهيها.
* * * ويدخل في باب التسوية مثل قولك: «سواء عليّ أذهبت أم جئت»، و «ما أبالي أقبلت أم أدبرت»، و «ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو»؟
فقولك: «سواء عليّ» تخبر أنّ الأمرين عندك واحد، فأدخلت حروف الاستفهام ها هنا لإيجابها التسوية.
__________
(1) ص: 63.
(2) النازعات: 27.
(3) الدخان: 37.(3/233)
ألا ترى أنّك إذا قلت: «أزيد في الدار أم عمرو»، أنّهما في علمك مستويان، فهذه مضارعة، ولهذا تقول: «قد علمت أزيد في الدار أم عمرو» لأنّهما قد استويا عند السامع كما استوى الأوّلان في علمك.
و «أيّ» داخلة في كلّ موضع تدخل فيه «أم» مع الألف. تقول: «قد علمت أيّهما في الدار»؟ تريد: أذا أم ذا؟ قال الله عزّ وجلّ: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهََا أَزْكى ََ طَعََاماً} (1).
وقال: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ََ} (2) لأنّ المعنى: أذا أم ذا؟
وعلى ذلك قول الشاعر [من الطويل]:
[344] سواء عليه أيّ حين أتيته ... أساعة نحس جئته أم بأسعد
فقس «أيّا» بالألف و «أم» كما تقول: «أيّ الرجلين أفضل أزيد أم عمرو»؟ وسنفرد بابا للمسائل بعد فراغنا من الأصول، فهذا أحد موضعيها.
* * * __________
(1) الكهف: 19.
(2) الكهف: 12.
[344] التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 232وبلا نسبة في رصف المباني ص 46.
اللغة: النحس: ما لا يبشّر بخير. والأسعد: جمع سعد، وهو عكس النّحس.
المعنى: إنّه لا يتشاءم بشيء، فقد استوى عنده إتيانك إليه في وقت نحس، أو سعد.
الإعراب: سواء: مبتدأ. عليه: جار ومجرور متعلقان ب (سواء). أي: اسم استفهام منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل (أتيت). حين: مضاف إليه. أتيته: فعل ماض، و «التاء»: فاعل، و «الهاء»: مفعول به. أساعة: «الهمزة»: حرف استفهام، «ساعة»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (جئته). نحس:
مضاف إليه. جئته: مثل (أتيته). أم: حرف عطف. بأسعد: معطوف على (ساعة نحس).
وجملة «سواء عليه أي حين أتيته»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أتيته» خبر للمبتدأ (سواء) محلها الرفع، ولم تحتج إلى ما يربطها بالمبتدأ (سواء) لأنها نفس المبتدأ في المعنى. وجملة «أساعة نحس جئته»:
بدل من جملة (أتيته)، أو تفسيرية لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (أيّا) أتت وتأتي بمعنى همزة التسوية، وأم المتصلة مجتمعتين، فمعنى قول الشاعر:
(سواء عليه أيّ حين أتيته) هو معنى قوله: (أساعة نحس جئته أم بأسعد).(3/234)
والموضع الثاني: أن تكون منقطعة ممّا قبلها، خبرا كان أو استفهاما، وذلك قولك فيما كان خبرا: «إنّ هذا لزيد أم عمرو يا فتى».
وذلك أنّك نظرت إلى شخص، فتوهّمته «زيدا»، فقلت على ما سبق إليك، ثمّ أدركك الظنّ أنّه «عمرو»، فانصرفت عن الأوّل، فقلت: «أم عمرو» مستفهما. فإنّما هو إضراب عن الأوّل على معنى «بل»، إلّا أنّ ما يقع بعد «بل» يقين، وما يقع بعد «أم» مظنون مشكوك فيه، وذلك أنّك تقول: «ضربت زيدا» ناسيا أو غالطا، ثمّ تذكر أو تنبّه، فتقول: «بل عمرا» مستدركا مثبتا للثاني، تاركا للأوّل. ف «بل» تخرج من غلط إلى استثبات، ومن نسيان إلى ذكر. و «أم» معها ظنّ أو استفهام، وإضراب عمّا كان قبله.
ومن ذلك: «هل زيد منطلق أم عمرو يا فتى قائما». أضرب عن سؤاله عن انطلاق «زيد»، وجعل السؤال عن «عمرو». فهذا مجرى هذا، وليس على منهاج قولك: «أزيد في الدار أم عمرو» وأنت تريد: أيّهما في الدار؟ لأنّ «أم» عديلة الألف، و «هل» إنّما تقع مستأنفة.
ألا ترى أنّك تقول: «أما زيد في الدار» على التقرير، وتقول: «يا زيد، أسكوتا والناس يتكلّمون»؟ توبّخه بذلك وقد وقع منه السكوت، ولا تقع «هل» في هذا الموضع.
ألا ترى إلى قوله [من الرجز]:
* أطربا وأنت قنّسريّ [1] * وإنّما هو: أتطرب وهو في حال طرب؟
وذلك لأنّ «الألف» و «أم» حرفا الاستفهام اللذان يستفهم بهما عن جميعه، ولا يخرجان منه. وليس كذا سائر حروف الاستفهام لأنّ كلّ حرف منها لضرب لا يتعدّى ذلك إلى غيره.
ألا ترى أنّ «أين» إنّما هي سؤال عن المكان لا يقع إلّا عليه.
و «متى» سؤال عن زمان، و «كيف» سؤال عن حال، و «كم» سؤال عن عدد.
و «هل» تخرج من حدّ المسألة، فتصير بمنزلة «قد»، نحو قوله عزّ وجلّ: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (2).
[1] تقدم بالرقم 325.
__________
(2) الإنسان: 1.(3/235)
ف «الألف» و «أم» لا ينقلان عن الاستفهام كما تنقل هذه الحروف. فتكون جزاء، ويكون ما كان منها يقع للناس وغيرهم، نحو: «من»، و «ما»، و «أيّ» كذلك، ويكون في معنى «الذي».
وحرفا الاستفهام اللذان لا يفارقانه: «الألف» و «أم»، وهما يدخلان على هذه الحروف كلّها.
ألا ترى أنّ القائل يقول: «هل زيد في الدار أم هل عمرو هناك»؟
وتقول: «كيف صنعت أم كيف صنع أخوك»؟ فدخل هذان الحرفان على حروف الاستفهام لتمكّنهما وانتقالهما. فمن ذلك قوله [من البسيط]:
[345] هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم
[345] التخريج: البيت الأول أو الثاني لعلقمة الفحل في ديوانه ص 50والأزهية ص 128 والأشباه والنظائر 7/ 49وخزانة الأدب 11/ 286، 288، 289، 293، 294والدرر 5/ 145، 6/ 104وشرح اختيارات المفضل ص 16011600ولسان العرب 12/ 37 (أمم) واللمع ص 182والمحتسب 2/ 291والمقاصد النحوية 4/ 576وبلا نسبة في الاشتقاق ص 140وجواهر الأدب ص 189والدرر 6/ 105، 107ورصف المباني ص 94، 406وشرح المفصل 4/ 18، 8/ 158وهمع الهوامع 2/ 77، 133.
اللغة: مكتوم: مستور. نأتك: الأصل نأت عنك أي بعدت عنك. مصروم: مقطوع. العبرة: الدمعة.
إثر: بعد. البين: الفراق. مشكوم: مشكور، أو مجازى بفعلته.
المعنى: هل تبوح بما استودعتك من سرّها يأسا منها، أو تصرم حبلها لنأيها عنك وبعدها، ثم يستأنف الشاعر تساؤلاته فيقول: أم هل تجزي هذه الحبيبة بكاءك في إثرها ببكاء مماثل!!
الإعراب: «هل»: حرف استفهام. «ما»: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
«علمت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء: ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل. «وما»: الواو: حرف عطف، «ما»: معطوفة على (ما) السابقة. «استودعت»: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون، والتاء: نائب فاعل محله الرفع. «مكتوم»: خبر للمبتدأ (ما)، وكان يجب أن يقول: مكتومان بالتثنية لأنه اسم مشتق خبر عن متعاطفين، ولكن التصريع أحوجه إلى الإفراد، ويمكن تخريجه على أنه خبر لأحد المتعاطفين، وليكن خبرا ل (ما) الثانية، وحذف خبر المبتدأ الأول لدلالة خبر المبتدأ الثاني عليه، وعلى ذلك يكون العطف في قوله: وما عطف جمل لا عطف مفردات. «أم»: هذه (أم) المنقطعة استئنافية تفيد هنا الإضراب الانتقالي. «حبلها»: مبتدأ مرفوع، وها: مضاف إليه محلّه الجر.
«إذ»: حرف تعليل. «نأتك»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتاء: للتأنث لا محل لها، والكاف: ضمير مبني على الفتح في محل نصب بنزع الخافض، لأن التقدير:(3/236)
فأدخل «أم» على «هل» وقال [من البسيط]:
سائل فوارس يربوع بشدّتنا ... أهل رأونا بسفح القفّ ذي الأكم [1] وقال [من الكامل]:
[346] كيف القرار ببطن مكّة بعدما ... همّ الذين تحبّ بالإنجاد
أم كيف صبرك إذ ثويت معالجا ... سقما خلافهم وسقمك بادي
* * *
نأت عنك، والفاعل مستتر جوازا تقديره: هي. «اليوم»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (مصروم).
«مصروم»: خبر للمبتدأ (حبلها). «أم»: ك (أم) السابقة. «هل»: حرف استفهام. «كبير»: مبتدأ مرفوع.
«بكى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وفاعله مستتر جوازا تقديره: هو. «لم»:
حرف نفي وقلب وجزم. «يقض»: فعل مضارع مجزوم ب (لم)، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو. «عبرته»: مفعول به، والهاء: مضاف إليه محله الجر. «إثر»: مفعول فيه ظرف زمان على تقدير: إثر رحيل الأحبة، متعلق بالفعل (بكى). «الأحبة: مضاف إليه مجرور «يوم»: بدل من (إثر).
«البين»: مضاف إليه. «مشكوم»: خبر للمبتدأ (كبير).
وجملة «هل ما علمت مكتوم»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «علمت»: صلة الموصول الاسمي لا محل لها. وجملة «ما استودعت مكتوم»: معطوفة على جملة «ما علمت مكتوم». وجملة «استودعت»: صلة الموصول الاسمي لا محل لها. وجملة «حبلها مصروم»: استئنافية لا محل لها. وجملة «نأتك»: اعتراضية لا محل لها، اعترضت بين المبتدأ (حبل) والخبر (مصروم). وجملة «هل كبير مشكوم»: استئنافية لا محل لها. وجملة «بكى»: صفة ل (كبير) محلّها الرفع. وجملة «لم يقض» حال من فاعل (بكى) محلّها النصب، أو صفة ثانية ل (كبير) محلّها الرفع.
والشاهد فيهما: مجيء «أم» منقطعة استئنافية في البيتين كما اتضح في الإعراب.
[1] تقدم بالرقم 16.
[346] التخريج: البيتان لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 311.
اللغة: الإنجاد: السير نحو نجد.
المعنى: أنّى لك الإقامة بمكة، وقد همّ من تحب بالرحيل إلى نجد، بل كيف ستقيم بعدهم محاولا إخفاء ما انتابك من المرض لرحيلهم، ومرضك هذا باد للعيان لا يخفى على أحد.
الإعراب: كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع خبر. القرار: مبتدأ مؤخر. ببطن: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (القرار). مكة: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. بعد: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (القرار). ما: مصدرية، والمصدر المؤول من (ما) ومن الفعل (همّ) مضاف إليه. همّ: فعل ماض. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. تحب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). بالإنجاد: جار ومجرور متعلقان بالفعل (همّ). أم: حرف للإضراف الانتقالي. كيف صبرك: مثل (كيف القرار)، و «الكاف» في «صبرك» مضاف إليه. إذ: اسم مبني على السكون(3/237)
وتدخل حروف الاستفهام على «من»، و «ما»، و «أيّ» إذا صرن في معنى «الذي» بصلاتهنّ، وكذلك «أم»، كقول الله عزّ وجلّ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذََا دَعََاهُ} (1)، وكقوله: {أَفَمَنْ يُلْقى ََ فِي النََّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (2)، وقد أوضحت لك حالهما.
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {الم. تَنْزِيلُ الْكِتََابِ لََا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ} (3)، وقوله: {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً} (4)، وما كان مثله نحو قوله عزّ وجلّ: {أَمِ اتَّخَذَ مِمََّا يَخْلُقُ بَنََاتٍ} (5)، فإنّ ذلك ليس على جهة الاستفهام لأنّ المستخبر غير عالم، إنّما يتوقّع الجواب فيعلم به. والله عزّ وجلّ منفيّ عنه ذلك. وإنّما تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير، ولكنّها لتكرير توبيخ بعد توبيخ عليهم.
ألا تراه يقول عزّ وجلّ: {أَفَمَنْ يُلْقى ََ فِي النََّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (6)
وقد علم المستمعون كيف ذلك ليزجرهم عن ركوب ما يؤدّي إلى النار، كقولك للرجل:
«السعادة أحبّ إليك أم الشقاء»؟ لتوقفه أنّه على خطأ وعلى ما يصيّره إلى الشقاء، ومن ذلك قوله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} (7). كما قال [من الوافر]:
[347] ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالمصدر (صبر). ثوبت: فعل ماض، و «التاء»: فاعل. معالجا: حال من فاعل «ثوى». سقما: مفعول به لاسم الفاعل (معالجا). خلافهم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق ب (معالجا)، أو بصفة من (سقما)، و «هم»: ضمير متصل مبني في محلّ جر مضاف إليه.
وسقمك: «الواو»: حالية، «سقم»: مبتدأ، و «الكاف»: مضاف إليه. بادي: خبر مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل.
وجملة «كيف القرار»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «همّ الذين»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
وجملة «تحب»: صلة الموصول الاسمي لا محل لها. وجملة «كيف صبرك»: استئنافية لا محل لها. وجملة «ثويت»: في محل جرّ بالإضافة. وجملة «سقمك باد»: حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: (أم كيف) حيث استعملت (أم) منقطعة استئنافية تفيد الإضراب الانتقالي، كما أن قوله شاهد على اقتران (أم) بأدوات الاستفهام.
__________
(1) النمل: 62.
(2) فصلت: 40.
(3) السجدة: 31.
(4) القلم: 46.
(5) الزخرف: 16.
(6) فصلت: 40.
(7) الزمر: 60.
[347] التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 85، 89والجنى الداني ص 32وشرح شواهد المغني 1/ 42ولسان العرب 7/ 101 (نقص) وبلا نسبة في الخصائص 2/ 463، 3/ 269ورصف(3/238)
وأنت تعلم أنّه لم يستفهم، ولكن قرّرهم بأنّهم كذلك وأنّه قد ثبت لهم، فمجاز هذه الآيات والله أعلم: أيقولون افتراه؟ على التوبيخ لهم، وأنّهم قالوا، فنبّه الرسول والمسلمين على إفكهم، وترك خبرا إلى خبر لا على جهة الإضراب، ولكن على جهة تكرير خبر بعد خبر، كما يقع أمر بعد زجر، وأمر بعد أمر للترغيب، والترهيب. والله أعلم.
* * * المباني ص 46وشرح المفصل 8/ 123.
اللغة: المطايا: جمع مطيّة وهي كل دابة تستخدم للركوب. أندى: أكثر ندى وجودا وأكرم عطاء.
الراح: جمع راحة وهي باطن الكفّ.
المعنى: يتساءل مقرّرا أنهم أفضل الناس شجاعة وكرما، ألستم أفضل الفرسان الذين يمتطون صهوات دوابهم للحرب والطعان؟ وكذلك ألستم أكثر الناس جودا وكرما تمنحون الناس من باطن راحاتكم خيرا وسخاء.
الإعراب: ألستم: الهمزة: حرف استفهام لا محلّ له، «ليس»: فعل ماض ناقص، و «تم»: ضمير متصل في محلّ رفع اسم (ليس). خير: خبر (ليس) منصوب بالفتحة. من: اسم موصول في محلّ جرّ بالإضافة. ركب: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). المطايا: مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. وأندى: الواو: حرف عطف، «أندى»: معطوف على منصوب منصوب مثله بفتحة مقدّرة على الألف. العالمين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. بطون: تمييز منصوب بالفتحة. راح: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «ألستم خير»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ركب المطايا»: صلة الموصول لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «ألستم» حيث دخلت همزة الاستفهام لتفيد نفي ما بعدها، وهو نفي أيضا، ونفي النفي إثبات، لذا صار المعنى: أنتم خير وأندى(3/239)
هذا باب من مسائل «أم» في البابين المتقدّمين لنوضّح كلّ باب على حياله، ونبيّنه من صاحبه إن شاء الله
تقول: «أعندك زيد أم عمرو»؟ فإذا أردت: أيّهما عندك؟ فهذا عربيّ حسن، والأجود:
«أزيد عندك أم عمرو»؟ لأنّك عدلت «زيدا» ب «عمرو»، فأوقعت كلّ واحد منهما إلى جانب حرف الاستفهام، وجعلت الذي لا تسأل عنه بينهما، وهو قولك: «عندك».
وكذلك: «أزيدا ضربت أم عمرا»؟ «أزيد قام أم عمرو»؟
ولو قلت: «أقام زيد أم عمرو»؟ و «أزيد أم عمرو قام»؟ و «أزيد أم عمرو عندك»؟
و «أزيدا أم عمرا ضربت»؟ كان ذلك جائزا حسنا، والوجه ما وصفت لك، وكلّ هذا غير بعيد.
فإن أردت أن تجريه على استفهامين، قلت: «أزيد عندك، أم عندك عمرو يا فتى»؟
استفهم أوّلا عن «زيد»، ثمّ أدركه الشكّ في «عمرو»، فأضرب عن «زيد»، ورجع إلى «عمرو»، فكأنّه قال: «أزيد عندك بل أعندك عمرو»؟ فهذا تمثيل ذلك، ومثله قول كثيّر [من الطويل]:
[348] أليس أبي بالنّضر أم ليس والدي ... لكلّ نجيب من خزاعة أزهرا
[348] التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص 233وخزانة الأدب 5/ 221وشرح أبيات سيبويه 2/ 145.
اللغة: الأزهر: الحسن الأبيض من الرجال، وقد جاءت هنا بمعنى القدوة، أو المثال الذي يحتذى به.
المعنى: إنني شريف النسب، فأبي أبو قريش النضرّ بن كنانة الذي كان مثالا يقتدي به كل نجيب من بني خزاعة التي تعود بنسبها إلى النّضر بن كنانة.(3/240)
ترك استفهام الأوّل، ومال إلى الثاني، وإنّما أخرجه مخرج التقرير في اللفظ، كالاستخبار.
و «أم» المنقطعة تقع بعد الاستفهام كموقعها بعد الخبر، ومن ذلك قولك: «أزيد في الدار أم لا»؟ ليس معنى هذا: «أيّهما»، ولكنّك استفهمت على أنّك ظننت أنّه في الدار، ثمّ أدركك الشكّ في أنّه ليس فيها، فأضربت عن السؤال عن كونه فيها، وسألت عن إصغارها منه. فأمّا قول ابن أبي ربيعة [من الطويل]:
[349] لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
الإعراب: «أليس»: الهمزة: حرف استفهام، «ليس»: فعل ماض ناقص. «أبي»: اسم (ليس) مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه محلّه الجر. «بالنضر»: الباء: حرف جر زائد، «النّضر»: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر (ليس). «أم»: حرف للإضراب الانتقالي يفيد الاستئناف. «ليس»: فعل ماض ناقص. «والدي»: اسم (ليس) مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه محله الجر. «لكل»: جار ومجرور متعلقان ب (أزهر) لما فيه من معنى الهداية، والإنارة، والتقدير: أليس والدي هاديا أو منيرا لكل نجيب. «نجيب»: مضاف إليه مجرور.
«من خزاعة»: جار ومجرور متعلقان بصفة من (نجيب). «أزهرا»: خبر (ليس) منصوب بالفتحة، والألف:
للإطلاق.
وجملة «أليس أبي بالنّضر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «ليس والدي أزهر»: استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه: وقوع (أم) للسؤال بعد السؤال. والمعنى: أليس أبي لكل نجيب.
[349] التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 266والأزهية ص 127وخزانة الأدب 11/ 122، 124، 127، 132والدرر 6/ 100وشرح أبيات سيبويه 2/ 151وشرح شواهد المغني 1/ 31وشرح المفصل 8/ 154والكتاب 3/ 175ومغني اللبيب 1/ 14والمقاصد النحوية 4/ 142 وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 35والجنى الداني ص 35ورصف المباني ص 45وشرح عمدة الحافظ ص 620والصاحبي في فقه اللغة ص 184والمحتسب 1/ 50وهمع الهوامع 2/ 132.
المعنى: يقول من شدّة ذهوله إنّه لم يعرف عدد الجمار التي رمين بها أسبع أم ثمان.
الإعراب: «لعمرك»: اللام: حرف ابتداء وقسم، «عمرك»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والكاف:
ضمير في محلّ جرّ بالإضافة، وخبره محذوف تقديره: «قسم». «ما»: نافية. «أدري»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنا». «وإن»: الواو: حاليّة، «إن»: زائدة. «كنت»: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «داريا»: خبر «كان» منصوب. «بسبع»: جار ومجرور متعلّقان ب «رمين».
«رمين»: فعل ماض، والنون: ضمير في محلّ رفع فاعل. «الجمر»: مفعول به منصوب. «أم»: حرف عطف. «بثمان»: جار ومجرور متعلّقان ب «رمين».
وجملة القسم «عمرك»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «أدري»: جواب القسم لا محل(3/241)
فليس على الإضراب، ولكنّه أراد: «أبسبع»؟ فاضطرّ، فحذف الألف، وجعل «أم» دليلا على إرادته إيّاه إذ كان المعنى على ذلك، كما قال الشاعر [من الطويل]:
[350] لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر
يريد: «أشعيث»؟
فأمّا قول الأخطل [من الكامل]:
[351] كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا
لها من الإعراب. وجملة «وإن كنت داريا»: في محلّ نصب حال. وجملة «رمين»: سدت مسدّ مفعولي «أدري».
الشاهد فيه قوله: «بسبع أم بثمان» حيث حذف الهمزة لوجود قرينة دالة على معناها، وتقدير الكلام: «أبسبع».
[350] التخريج: البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص 37وخزانة الأدب 11/ 122وشرح التصريح 2/ 113وشرح شواهد المغني ص 138والكتاب 3/ 175والمقاصد النحوية 4/ 138 ولأوس بن حجر في ديوانه ص 49وخزانة الأدب 11/ 128وللأسود أو للّعين المنقري في الدرر 6/ 98وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 421ولسان العرب 2/ 162 (شعث) والمحتسب 1/ 50 ومغني اللبيب 1/ 42وهمع الهوامع 2/ 132.
الإعراب: «لعمرك»: اللام: لام الابتداء، «عمرك»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة، وخبره محذوف تقديره: «قسمي». «ما»: حرف نفي. «أدري»: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: «أنا». «وإن»: الواو: حاليّة أو اعتراضيّة. «إن»: حرف زائد. «كنت»: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «داريا»: خبر «كان» منصوب. «شعيث»: مبتدأ مرفوع. «ابن»: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. «سهم»: مضاف إليه. «أم»: حرف عطف. «شعيث»:
مبتدأ مرفوع. «ابن»: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. «منقر»: مضاف إليه مجرور.
وجملة «لعمرك»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ما أدري»: جواب القسم. وجملة «وإن كنت داريا»: في محلّ نصب حال. وجملة «شعيث»: في محلّ نصب مفعول به. وجملة «شعيث ابن منقر»:
معطوفة على الجملة السابقة.
الشاهد فيه قوله: «شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر» حيث وقعت «أم» بين جملتين اسميتين حذفت قبلهما همزة الاستفهام لدلالة «أم» عليها. وفي البيت شاهد آخر للنحاة هو حذف التنوين من «شعيث» إمّا للضرورة الشعريّة، وإمّا لأنه اسم قبيلة فلا يصرف.
[351] التخريج: البيت للأخطل في ديوانه ص 385والأزهية ص 129وخزانة الأدب 6/ 9، 10، 12، 195، 11/ 122، 131، 133وشرح أبيات سيبويه 2/ 67وشرح التصريح 2/ 144وشرح(3/242)
فيكون على ضربين:
يجوز أن يكون: «أكذبتك عينك»، فحذف الألف.
ويجوز أن يكون ابتدأ «كذبتك عينك» مخبرا، ثمّ أدركه الشكّ في أنّه قد رأى، فاستفهم مستثبتا.
وأمّا ما حكى الله عن فرعون من قوله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلََا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هََذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} (1) فإنّما تأويله والله أعلم: أنّه قال: أفلا تبصرون. أم أنا خير؟ على أنّهم لو قالوا له: أنت خير، لكانوا عنده بصراء، فكأنّه قال والله أعلم: أفلا تبصرون، أم تبصرون.
وهذه «أم» المنقطعة لأنّه أدركه الشكّ في بصرهم، كالمسألة في قولك: «أزيد في الدار أم لا»؟ وقد مضى تفسير هذا.
فهذا في قول جميع النحويّين لا نعلم بينهم اختلافا فيه.
فأمّا أبو زيد وحده فكان يذهب إلى خلاف مذاهبهم، فيقول: «أم» زائدة، ومعناه:
أفلا تبصرون أنا خير، وكان يفسّر هذا البيت [من الرجز]:
[352] يا دهر أم ما كان مشيي رقصا ... بل قد تكون مشيتي توقّصا
شواهد المغني 1/ 143والكتاب 3/ 174ولسان العرب 1/ 706، 709 (كذب)، 6/ 156 (غلس)، 12/ 37 (أمم) وبلا نسبة في الأغاني 7/ 79والصاحبي في فقه اللغة ص 125.
اللغة: واسط: مدينة عراقيّة. غلس الظلام: ظلمة آخر الليل. الرباب: اسم محبوبته.
المعنى: لا بدّ أن عينيك تخدعانك، فأنت تتوهّم رؤية خيال الرباب في ظلام آخر الليل ويريد أنه يحلم.
الإعراب: كذبتك: فعل ماض مبني على الفتح، والكاف: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، والتاء: للتأنيث. عينك: فاعل مرفوع بالضمّة، والكاف: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أم رأيت:
«أم»: حرف عطف، «رأيت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل.
بواسط: جار ومجرور متعلّقان ب (رأيت). غلس: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق ب (رأيت).
الظلام: مضاف إليه مجرور بالكسرة. من الرباب: جار ومجرور متعلقان ب (رأيت). خيالا: مفعول به منصوب بالفتحة.
وجملة «كذبتك عينك»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «رأيت»: معطوفة عليها لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: «أم» حيث جاءت للاستفهام المجرّد، فالتقدير (هل رأيت).
__________
(1) الزخرف: 5251.
[352] التخريج: الرجز بلا نسبة في الأزهيّة ص 132وخزانة الأدب 11/ 62، 63وشرح عمدة(3/243)
يريد: يا دهر، ما كان مشيي رقصا. وهذا لا يعرفه المفسّرون، ولا النحويّون، لا يعرفون «أم» زائدة ولكن إذا عرض الشيء في الباب ذكرناه، وبيّنّا عنه.
* * * وتقول: «ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو»، و «ما أبالي أقمت أم قعدت»، و «سواء عليّ: أذهبت أم جئت»، وقد ذكرنا هذا قبل، ولكن رددناه لاستقصاء تفسيره لأنّ هذا ليس باستفهام، ولا قولك: «قد علمت أزيد في الدار أم عمرو». إنّما هو أنّك قد علمت أنّ أحدهما في الدار. لا تدري أيّهما هو؟ فقد استويا عندك، فهذه الأشياء التي وصفنا مستوية، وإن لم تكن استفهاما.
فالتسوية أجرت عليه هذه الحروف إذ كانت لا تكون إلّا للتسوية.
والدليل على ذلك أنّ «أيّا» لا تكون إلّا لهذا المعنى داخلة على جميعها.
ألا ترى أنّك إذا قلت: «أزيد في الدار أم عمرو»؟ فمعناه: أيّهما في الدار، وإذا قلت:
«سواء عليّ أذهبت أم جئت»، فمعناه: سواء عليّ أيّ ذلك كان، كما تقول: «ما أبالي أقمت أم قعدت»، أي: ما أبالي أيّ ذلك كان، وليت شعري! أيّ ذلك كان.
ألا ترى أنّه لا يدخل على الاستفهام من الأفعال إلّا ما يجوز أن يلغى لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وهذه الأفعال هي التي يجوز ألّا تعمل خاصّة، وهي ما كان من العلم والشكّ فعلى هذا: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} (1) {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرََاهُ} (2) لأنّ هذه اللام
الحافظ ص 656ولسان العرب 12/ 36 (أمم) والمنصف 3/ 118.
اللغة: الرّقص: النقزان من النشاط، والتوقّص هو تقارب الخطو في المشي.
المعنى: يشكو من دهره بقوله أنا في حداثة سني وشبابي لم أمش بعافية، بل كانت مشيتي دائما كمشية الشيوخ العاجزين.
الإعراب: يا: حرف نداء. دهر: منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب. أم: زائدة.
ما: نافية. كان: فعل ماض ناقص. مشيي: اسم (كان) مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»:
مضاف إليه. رقصا: خبر (كان) منصوب. بل: حرف إضراب إبطالي. قد: حرف تقليل. تكون: فعل مضارع ناقص مرفوع. مشيتي: اسم (تكون) مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. توقّصا: خبر (تكون).
جملة «يا دهر»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «ما كان مشيي رقصا»: استئنافية لا محل لها، وكذلك جملة «قد تكون مشيتي توقصا».
والشاهد فيه: أن (أم) زائدة عند بعض النحاة.
__________
(1) الكهف: 12.
(2) البقرة: 102.(3/244)
تفصل ما بعدها عمّا قبلها. تقول: «علمت لزيد خير منك». وعلى ذلك قوله [من الخفيف]:
[353] لا أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم
وقول الشاعر [من الخفيف]:
[354] ليت شعري وأين منّي ليت ... أعلى العهد يلبن فبرام
[353] التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 89والأزهية ص 125والحيوان 1/ 13 وخزانة الأدب 11/ 155، 157وشرح أبيات سيبويه 2/ 147والمقاصد النحوية 4/ 135وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 50وأمالي ابن الحاجب 1/ 445، 2/ 746وجواهر الأدب ص 186وخزانة الأدب 11/ 172.
اللغة: الحزن: ما غلظ من الأرض. لحاني: شتمني. بظهر غيب: في غيبتي. أبالي: أعبأ وأهتمّ.
نبيب التيس: صوته.
المعنى: استوى عندي نيل اللئيم من عرضي في غيابي، وتصوّيت التيس عند هياجه فيما غلظ من الجبال، فكلا الأمرين لا أعبأ به.
الإعراب: «لا»: نافية مهملة. «أبالي»: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). «أنبّ»: الهمزة: همزة تسوية، «نبّ»: فعل ماض مبني على الفتح. «بالحزن»:
جار ومجرور متعلقان بالفعل (نبّ). «تيس»: فاعل مرفوع. «أم»: متصلة حرف عطف. «لحاني»: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والنون: للوقاية، والياء للمتكلم: ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به. «بظهر»: جار ومجرور متعلقان ب (لحاني). «غيب»: مضاف إليه.
«لئيم»: فاعل مرفوع.
وجملة «أبالي»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «نبّ تيس»: مفعول به للفعل (أبالي) محلّها النصب.
وجملة «لحاني لئيم»: معطوفة على جملة (نبّ).
والشاهد فيه: دخول (أم) معادلة للألف، ولا يجوز (أو) هنا لأن قوله: ما أبالي يفيد التسوية بين شيئين.
[354] التخريج: البيت لأبي قطيفة (الوليد بن عقبة) في الأغاني 1/ 39ومعجم البلدان 1/ 367 (برام)، 5/ 440 (يلبن).
اللغة: يلبن: مكان بعينه، وكذلك برام.
المعنى: ليتني أعرف هل ما يزال أهل هذين المكانين على العهد الذي بيننا.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل. شعري: اسم (ليت) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. وأين: «الواو»: حرف اعتراض، «أين»: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالخبر المحذوف. مني: جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف.
ليت: مبتدأ مرفوع بضمة ظاهرة. أعلى: «الهمزة»: حرف استفهام. على العهد: جار ومجرور متعلقان(3/245)
وقال الشاعر [من الطويل]:
[355] سواء عليك اليوم أنصاعت النّوى ... بخرقاء أم أنحى لك السيف ذابح
ونظير إدخالهم التسوية على الاستفهام لاشتمال التسوية عليها قولك: «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة»، فأجروا حرف النداء على العصابة وليست مدعوّة لأنّ فيها الاختصاص الذي في النداء، وإنّما حقّ النداء أن تعطف به المخاطب عليك، ثمّ تخبره، أو تأمره، أو تسأله، أو غير ذلك ممّا توقعه إليه، فهو مختصّ من غيره في قولك: «يا زيد»، و «يا رجال».
فإذا قلت: «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة»، فأنت لم تدع العصابة، ولكنّك اختصصتها من غيرها كما تختصّ المدعوّ، فجرى عليها اسم النداء، أعني «أيّتها»، لمساواتها إيّاه في الاختصاص كما أنّك إذا قلت: «ما أدري أزيد في الدار أم عمرو»، فقد استويا عندك في
بالخبر المقدم المحذوف. يلبن: مبتدأ مؤخر. فبرام: «الفاء»: حرف عطف، «برام»: معطوف على (يلبن).
وجملة «ليت شعري أعلى العهد يلبن»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أعلى العهد يلبن»: خبر (ليت) محلها الرفع، أو مفعول به للمصدر (شعري) سد مسد خبر (ليت). وجملة «أين مني ليت»: اعتراضية لا محل لها.
والشاهد فيه: تعليق أفعال الظن والعلم ومشتقاتها عن العمل في لفظ المفعول، والعمل في محل الجملة، وهذا التعليق يكون بتصدر الجملة بما له الصدارة، وهو هنا همزة الاستفهام في (أعلى) التي علّقت المصدر (شعري) عن العمل في لفظ مفعوليه الصريحين فعمل في محل جملة (أعلى العهد يلبن).
[355] التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص 873وخزانة الأدب 11/ 152، 153.
اللغة: انصاعت النوى: انشقت، وذهبت بها المنية إلى مكان بعيد، والنّوى: النيّة، وهي الوجه الذي ينويه المسافر، وأنحى لك السيف ذابح: أي قصد لك بالسيف ذابح.
المعنى: يصور الشاعر هول مصابه برحيل حبيبته المكنى عنها بخرقاء، فيقول مخاطبا نفسه: لقد تساوى عندك في المصاب أن تنأى عنك خرقاء، وأن يقبل عليك أحدهم بسيفه ليذبحك.
الإعراب: سواء: خبر مقدم مرفوع. عليك: جار ومجرور متعلقان بالمصدر (سواء). اليوم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالمصدر (سواء). أنصاعت: «الهمزة»: حرف استفهام، «انصاعت»: فعل ماض، و «التاء» للتأنيث. النوى: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر. بخرقاء: جار ومجرور متعلقان بالفعل (أنصاعت): أم: حرف عطف. أنحى: فعل ماض. لك: جار ومجرور متعلقان بالفعل (أنحى). السيف:
مفعول به. ذابح: فاعل.
وجملة «سواء عليك أنصاعت»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «انصاعت النوى»: مبتدأ محلها الرفع، خبره «سواء»، وعطف عليها جملة (أنحى لك السيف ذابح).
والشاهد فيه: إدخال همزة التسوية على الاستفهام في قوله (سواء عليك اليوم أنصاعت أم أنحى).(3/246)
المعرفة وإن لم يكن هذا مستفهما عنه، ولكن محلّه من الاستفهام كمحلّ ما ذكرت لك من النداء.
وعلى هذا تقول: «على المضارب الوضيعة أيّها الرجل»، ولا يجوز أن تقول: «يا أيّها الرجل»، ولا «يا أيّتها العصابة» لأنّك لا تنبّه إنسانا إنّما تختصّ، و «يا» إنّما هي زجر وتنبيه.
وتقول: «أزيد في الدار أم في البيت عمرو»؟ لا تريد معنى «أيّهما»، ولكنّك أضربت عن الأوّل، واستفهمت عن الثاني على ما شرحت.
وكلّ ما كان من الإخبار، ومن حروف الاستفهام غير الألف، فليست تقع «أم» بعده إلّا مستأنفة، وتكون مع الألف مستأنفة إذا أجريتها على ما وصفت لك، فإذا أردت معنى «أيّهما»، عدلتها بالألف، وتدخل عليها ما كان للتسوية على ما وصفنا.
وكان الخليل يجيز: «لأضربنّه أذهب أم مكث»، يريد: لأضربنّه أيّ ذلك كان، وإنّما عبارة الألف و «أم» ب «أيّ» فحيث صلحت «أيّ»، صلحتا، وكان يجيز على هذا: «كلّ حقّ لها سميّناه أم لم نسمّه»، على معنى قوله: أيّ ذلك كان. والوجه في هذا «أو»، وتفسيره في بابها إن شاء الله.
* * *
هذا باب «أو»(3/247)
* * *
هذا باب «أو»
وحقّها أن تكون في الشكّ واليقين لأحد الشيئين، ثمّ يتّسع بها الباب، فيدخلها المعنى الذي في «الواو» من الإشراك على أنّها تخصّ ما لا تخصّه «الواو».
فأمّا الذي يكون فيه لأحد الأمرين يقينا أو شكّا، فقولك: «ضربت زيدا أو عمرا»، علمت أنّ الضّرب قد وقع بأحدهما، وذهب عنك أيّهما هو؟ وكذلك: «جاءني زيد أو أخوك».
فأمّا اليقين فقولك: «رأيت زيدا أو عمرا»، أي: قد جعلتك في ذلك مخيّرا، وكذلك:
«لأعطينّ زيدا أو عمرا درهما». لم تنس شيئا، ولكنّك جعلت نفسك فيه مخيّرة.
والباب الذي يتّسع فيه قولك: «ائت زيدا أو عمرا أو خالدا». لم ترد: ائت واحدا من هؤلاء، ولكنّك أردت: إذا أتيت، فائت هذا الضرب من الناس كقولك: «إذا ذكرت فاذكر زيدا أو عمرا أو خالدا».
فإذا نهيت عن هذا، قلت: «لا تأت زيدا أو عمرا أو خالدا»، أي: لا تأت هذا الضّرب من الناس كما قال الله عزّ وجلّ: {وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (1).
والفصل بين «أو» وبين الواو أنّك إذا قلت: «اضرب زيدا وعمرا»، فإن ضرب أحدهما فقد عصاك، وإذا قال: «أو»، فهو مطيع لك في ضرب أحدهما أو كليهما.
وكذلك إذا قال: «لا تأت زيدا وعمرا»، فأتى أحدهما، فليس بعاص، وإذا قال: «لا
__________
(1) الإنسان: 24.(3/248)
تأت زيدا أو عمرا»، فليس له أن يأتي واحدا منهما، فتقديرها في النهي، لا تأت زيدا ولا عمرا، وتقديرها في الإيجاب: ائت زيدا وإن شئت فائت عمرا معه.
وتقول: «لأضربنّه ذهب أو مكث» أي: لأضربنّه في هذه الحال كان أو في هذه الحال.
وعلى هذا تقول: «وكلّ حقّ لها داخل فيها أو خارج منها»، وإن شئت «داخل فيها وخارج منها».
أمّا «الواو»، فعلى قولك: «كلّ حقّ لها من الداخل، والخارج». وأمّا «أو»، فعلى قولك: «إن كان ذلك الحقّ داخلا أو كان خارجا».
وهذا البيت ينشد على وجهين [من الطويل]:
[356] إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أو تناهى فأقصرا
[356] التخريج: البيت لزيادة بن زيد العذري في خزانة الأدب 11/ 170، 175173وشرح أبيات سيبويه 2/ 148ولسان العرب 15/ 344 (نهى) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 102وأمالي ابن الحاجب 2/ 747.
اللغة: أملى: أطال كثيرا. تناهى: اختصر، أو انتهى.
المعنى: لا أتحدث بما لا أعرف، فإذا ما انتهت معرفتي عند نقطة ما، أقف عندها، سواء كان العلم بهذه النقطة وافرا كثيرا، أو مختصرا صغيرا.
الإعراب: «إذا»: ظرف لما يستقبل من الزمان، متضمن معنى الشرط، متعلّق بجوابه. «ما»: زائدة.
«انتهى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. «علمي»: فاعل مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه محلّه الجرّ. «تناهيت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. عنده: مفعول فيه ظرف مكان، والهاء: مضاف إليه محلّه الجرّ.
«أطال»: الهمزة: حرف تسوية لا محل له، «طال»: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو). «فأملى»: الفاء: حرف عطف، «أملى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف، وفاعله (هو). «أو»: حرف عطف. «تناهى فأقصرا»: تعرب إعراب «طال فأملى»، عدا الألف الأخيرة فهي للإطلاق.
وجملة «إذا ما انتهى»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تناهيت»: جواب شرط جازم لا محل لها.
وجملة «طال»: في محلّ نصب حال. وجملة «فأملى»: معطوفة عليها في محلّ نصب، وكذلك جملتي «تناهى» و «فأقصر».
والشاهد فيه: مجيء «أو» للتسوية، وهي في مقام «أم» التي تأتي بعد الاستفهام للتسوية.(3/249)
وينشد: أم تناهى.
أمّا «أو» فعلى قولك: «إن طال، وإن قصر».
وأمّا «أم» فعلى قولك: «أيّ ذلك كان»؟
والألف في «أطال» ألف استفهام، والأحسن في هذا «أو» لأنّ التقدير: إن كان كذا، وإن كان كذا، وكذلك كلّ موضع لا يقع فيه استفهام على معنى «أيّهما»، و «أيّهم»، ونسق به على هذا التقدير.
وكلّ موضع يقع فيه «أيّ» كائنا ما كان، فألف الاستفهام و «أم» تدخلانه، وإن كان الأحسن فيهما ما قصصنا.
وتقول: «ما أدري أزيدا أو عمرا ضربت أم خالدا». لم ترد أن تعدل بين «زيد»، و «عمرو»، ولكنّك جعلتهما جميعا عدلا ل «خالد» في التقدير. والمعنى: ما أدري أحد هذين ضربت أم خالدا.
وتقول: «قد علمت أربعيّ أم مضريّ أنت أم تميميّ»، كأنّه قال: قد علمت أم من أحد هذين الشّعبين أنت أم تميميّ.
وعلى هذا ينشد قول صفيّة بنت عبد المطّلب [من مجزوء الرجز]:
[357] كيف رأيت زبرا ... أأقطا أم تمرا
أم قرشيّا صقرا
[357] التخريج: الرجز لصفية بنت عبد المطلب في الأزهية ص 136وجمهرة اللغة ص 708.
اللغة: زبرا، أرادت الزبير، وهو ولدها. الأقط: شيء يصنع من اللبن الرائب كالجبن.
المعنى: كيف رأيت زبيرا، هل رأيته في الضعف واللين كطعام يسوغ لك، أم رأيته قرشيا ماضيا في الرجال كالصقر الجارح أو السيف الماضي.
الإعراب: «كيف»: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. «رأيت»: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل محلّه الرفع. «زبرا»: مفعول به. «أأقطا»: الهمزة: حرف استفهام، «أقطا»:
بدل من (كيف). «أو»: حرف عطف. «تمرا»: معطوف على (أقطا). «أم»: حرف عطف. «قرشيا»: معطوف على (أقطا). «صقرا»: صفة ل (قرشيا) لتأويله بمعنى (شجاع) أو (جارح).
وجملة «كيف رأيت»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه: مجيء (أم) معادلة للألف، واعتراض (أو) بينهما، والتقدير: أأحد هذين الأمرين رأيته أم قرشيا.(3/250)
لم ترد أن تجعل «الأقط» عدلا ل «التمر» فتقول: «أهذا، أم هذا»؟ ولكن أرادت:
أطعاما رأيت أم قرشيّا؟ لا يصلح في المعنى إلّا هذا.
فأمّا قول الله عزّ وجلّ: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (1) فإنّ قوما من النحويين يجعلون «أو» في هذا الموضع بمنزلة «بل». وهذا فاسد عندنا من وجهين:
أحدهما: أنّ «أو» لو وقعت في هذا الموضع موقع «بل»، لجاز أن تقع في غير هذا الموضع، وكنت تقول: «ضربت زيدا أو عمرا»، و «ما ضربت زيدا أو عمرا» على غير الشكّ، ولكن على معنى «بل»، فهذا مردود عند جميعهم.
والوجه الآخر: أنّ «بل» لا تأتي في الواجب في كلام واحد إلّا للإضراب بعد غلط أو نسيان، وهذا منفيّ عن الله عزّ وجلّ لأنّ القائل إذا قال: «مررت بزيد» غالطا فاستدرك، أو ناسيا فذكر، قال: «بل عمرو» ليضرب عن ذلك، ويثبت ذا.
وتقول: «عندي عشرة بل خمسة عشر» على مثل هذا، فإن أتى بعد كلام قد سبق من غيره فالخطأ إنّما لحق كلام الأوّل كما قال الله عزّ وجلّ: {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً} (2)
فعلم السامع أنّهم عنوا الملائكة بما تقدّم من قوله: {وَجَعَلُوا الْمَلََائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبََادُ الرَّحْمََنِ إِنََاثاً} (3) وقال: {أَمِ اتَّخَذَ مِمََّا يَخْلُقُ بَنََاتٍ} (4) وقال: {وَيَجْعَلُونَ لِلََّهِ مََا يَكْرَهُونَ} (5) وقال: {بَلْ عِبََادٌ مُكْرَمُونَ} (6)، أي: بل هؤلاء الذين ذكرتم أنّهم ولد عباد مكرمون.
ونظير ذلك أن تقول للرجل: «قد جاءك زيد»، فيقول: «بل عمرو».
ولكن مجاز هذه الآية عندنا مجاز ما ذكرنا قبل في قولك: «ائت زيدا أو عمرا أو خالدا»، تريد: ايت هذا الضّرب من الناس، فكأنّه قال والله أعلم: إلى مائة ألف أو زيادة. وهذا قول كلّ من نثق بعلمه.
وتقول: «وكلّ حقّ لها علمناه أو جهلناه»، تريد توكيد قولك: «كلّ حقّ لها»، فكأنّك قلت: إن كان معلوما، أو مجهولا فقد دخل في هذا البيع جميع حقوقها.
* * * __________
(1) الصافات: 147.
(2) مريم: 88.
(3) الزخرف: 19.
(4) الزخرف: 16.
(5) النحل: 62.
(6) الأنبياء: 26.(3/251)
ولها في الفعل خاصّة أخرى نذكرها في إعراب الأفعال إن شاء الله.
وجملتها أنّك تقول: «زيد يقعد أو يقوم يا فتى»، و «إنّما أكلّم لك زيدا أو أكلّم عمرا». تريد: أفعل أحد هذين كما قلت في الاسم: «لقيت زيدا أو عمرا»، و «أنا ألقى زيدا أو عمرا»، أي: أحد هذين.
وعلى القول الثاني: «أنا أمضي إلى زيد أو أقعد إلى عمرو أو أتحدّث»، أي: أفعل هذا الضرب من الأفعال.
وعلى هذا القول الذي بدأت به قول الله عزّ وجلّ: {تُقََاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (1)، أي:
يقع أحد هذين.
فأمّا الخاصّة في الفعل فأن تقع على معنى: «إلّا أن»، و «حتّى»، وذلك قولك: «الزمه أو يقضيك حقّك»، و «اضربه أو يستقيم». وفي قراءة أبيّ: {تُقََاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}، أي:
إلّا أن يسلموا، وحتّى يسلموا، وهذا تفسير مستقصى في بابه إن شاء الله.
* * * __________
(1) الفتح: 16.(3/252)
هذا باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام
وذلك قولك إذا قال القائل: «رأيت زيدا عند عمرو»: «أو هو ممّن يجالسه»؟
استفهمت على حدّ ما كنت تعطف. كأنّ قائلا قال: وهو ممّن يجالسه، فقال: أو هذا كذا؟
وهذه الألف لتمكّنها تدخل على الواو، وليس كذا سائر حروف الاستفهام، إنّما الواو تدخل عليهنّ في قولك: «وهل هو عندك»؟ فتكون الواو قبل «هل».
وتقول: «وكيف صنعت»؟ «ومتى تخرج»؟ «وأين عبد الله»؟ وكذلك جميعها إلّا الألف.
ولا تدخل الواو على «أم»، ولا «أم» عليها لأنّ «أم» للعطف و «الواو» للعطف.
ونظير هذه «الواو»، و «الفاء»، وسائر حروف العطف قول الله عزّ وجلّ: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنََا بَيََاتاً وَهُمْ نََائِمُونَ} (1)، {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنََا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2).
ف «الواو» ها هنا بمنزلة «الفاء» في قولك: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللََّهِ} (3).
وإنّما مجاز هذه الآيات والله أعلم إيجاب الشيء. والتقدير كما شرحت لك أوّلا.
وهذه «الواو»، وواو العطف مجازهما واحد في الإعراب.
وتكون في الاستفهام والتقرير كما ذكرنا في «الألف»، وللتعجب، وللإنكار.
فأمّا الاستفهام المحض فنحو قولك إذا قال الرجل: «رأيت زيدا» فتقول:
«أو يوصل إليه»، فأنت مسترشد أو منكر ما قال؟ فتقول: «أو أدركته»؟ تستبعد ذلك. فأمّا
__________
(1) الأعراف: 97.
(2) الأعراف: 98.
(3) الأعراف: 99.(3/253)
التعجّب والإنكار فقول المشركين: {أَإِنََّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبََاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (1).
والتقرير ما ذكرت لك في الآيات في «الفاء» و «الواو» في قوله عزّ وجلّ: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ} (2).
* * * __________
(1) الصافات: 16، 17والواقعة: 47، 48.
(2) الأعراف: 98.(3/254)
هذا باب ما يجري وما لا يجري بتفصيل أبوابه وشرح معانيه واختلاف الأسماء، وما الأصل فيها؟
اعلم أنّ التنوين في الأصل للأسماء كلّها علامة فاصلة بينها وبين غيرها، وأنّه ليس للسائل أن يسأل: لم انصرف الاسم؟
فإنّما المسألة عمّا لم ينصرف: ما المانع له من الصرف؟ وما الذي أزاله عن منهاج ما هو اسم مثله إذ كانا في الاسميّة سواء؟
ونفسر ذلك بجميع معانيه إن شاء الله.
اعلم أنّ كلّ ما لا ينصرف مضارع به الفعل، وإنّما تأويل قولنا: لا ينصرف، أي: لا يدخله خفض ولا تنوين لأنّ الأفعال لا تخفض ولا تنوّن، فلمّا أشبهها جرى مجراها في ذلك.
وشبهه بها يكون في اللفظ، ويكون في المعنى، بأيّ ذين أشبهها وجب أن يترك صرفه كما أنّه ما أشبه الحروف التي جاءت لمعنى من الأسماء فمتروك إعرابه إذ كانت الحروف لا إعراب فيها، وهو الذي يسميّه النحويّون المبنيّ.
* * * فممّا لا ينصرف: كلّ اسم في أوّله زيادة من زوائد الأفعال يكون بها على مثال الفعل.
فمن ذلك: «أكلب»، و «أحمد»، و «إثمد»، و «إصبع» لأنّ ما كان من هذا على «أفعل» فهو بمنزلة: «أذهب» و «أعلم»، وما كان منها على «أفعل» فهو بمنزلة: «أضرب»، و «أجلس»، وما كان منها على مثال: «إثمد» فهو بمنزلة «اضرب» في الأمر، وكلّ ما لم نذكر في هذا الباب فعلى هذا منهاجه.
فمن ذلك: «تنضب» [1]، و «تتفل» [2] لأنّهما على مثال: «تقعد»، و «تقتل».(3/255)
فمن ذلك: «أكلب»، و «أحمد»، و «إثمد»، و «إصبع» لأنّ ما كان من هذا على «أفعل» فهو بمنزلة: «أذهب» و «أعلم»، وما كان منها على «أفعل» فهو بمنزلة: «أضرب»، و «أجلس»، وما كان منها على مثال: «إثمد» فهو بمنزلة «اضرب» في الأمر، وكلّ ما لم نذكر في هذا الباب فعلى هذا منهاجه.
فمن ذلك: «تنضب» [1]، و «تتفل» [2] لأنّهما على مثال: «تقعد»، و «تقتل».
وسنفسّر ما يلحق هذه الحروف زوائد، وما يكون منه من نفس الحرف إن شاء الله.
* * * [1] التنضب: شجر له شوك قصار. (لسان العرب 1/ 764 (نضب)).
[2] التّتفل والتّتفل والتّتفل والتّتفل والتّتفل: الثعلب، وقيل: جروه. (لسان العرب 11/ 77 (تفل)).(3/256)
هذا باب «أفعل»
اعلم أنّ ما كان من «أفعل» نعتا فغير منصرف في معرفة ولا نكرة، وذلك: «أحمر»، و «أخضر»، و «أسود».
وإنّما امتنع هذا الضّرب من الصرف في النكرة لأنّه أشبه الفعل من وجهين:
أحدهما: أنّه على وزنه.
والثاني: أنّه نعت كما أنّ الفعل نعت.
ألا ترى أنّك تقول: «مررت برجل يقوم». ومع هذا أنّ النعت تابع للمنعوت كاتّباع الفعل الاسم.
فإن كان اسما، انصرف في النكرة لأنّ شبهه بالفعل من جهة واحدة، وذلك نحو:
«أفكل»، و «أحمد»، تقول: «مررت بأحمد، وأحمد آخر».
فإن قال قائل: ما بال «أحمد» مخالفا ل «أحمر»؟
قيل: من قبل أنّ «أحمد»، وما كان مثله لا يكون نعتا إلّا أن يكون معه «من كذا» فإن ألحقت به «من كذا»، لم ينصرف في معرفة ولا نكرة لأنّه قد صار نعتا ك «أحمر». وذلك قولك: «مررت برجل أحمد من عبد الله، وأكرم من زيد». وكلّ ما سمّيت به من الأفعال لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في النكرة، نحو: «يزيد»، و «يشكر»، و «يضرب»، ونحوه لو كان اسما. تقول: «مررت بيزيد، ويزيد آخر».
فإن قال قائل: ما باله انصرف في النكرة، وهو فعل في الأصل، وقد ذكرت أنّ ما لا ينصرف إنّما امتنع بشبهه بالفعل، و «أحمر» وما كان مثله لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، وهي أسماء؟
قيل له: إنّ «أحمر» أشبه الفعل وهو نكرة، فلما سمّيت به، كان على تلك الحال، فلمّا رددته إلى النكرة، رددته إلى حال قد كان فيها لا ينصرف فلذلك خالفه.
هذا قول النحويّين، ولست أراه كما قالوا.(3/257)
قيل له: إنّ «أحمر» أشبه الفعل وهو نكرة، فلما سمّيت به، كان على تلك الحال، فلمّا رددته إلى النكرة، رددته إلى حال قد كان فيها لا ينصرف فلذلك خالفه.
هذا قول النحويّين، ولست أراه كما قالوا.
أرى إذا سمّي ب «أحمر»، وما أشبهه، ثمّ نكّر أن ينصرف لأنّه امتنع من الصرف في النكرة لأنّه نعت، فإذا سمّي به، فقد أزيل عنه باب النعت، فصار بمنزلة «أفعل» الذي لا يكون نعتا، وهذا قول أبي الحسن الأخفش، ولا أراه يجوز في القياس غيره.
وكلّ ما لا ينصرف، إذا أدخلت فيه ألفا ولاما، أو أضفته، انخفض في موضع الخفض لأنّها أسماء امتنعت من التنوين والخفض لشبهها بالأفعال، فلمّا أضيفت وأدخل عليها الألف واللام، باينت الأفعال، وذهب شبهها بها إذ دخل فيها ما لا يكون في الفعل، فرجعت إلى الاسميّة الخالصة، وذلك قولك: «مررت بالأحمر يا فتى»، و «مررت بأسودكم».
* * *
هذا باب ما يسمّى به من الأفعال وما كان على وزنها(3/258)
* * *
هذا باب ما يسمّى به من الأفعال وما كان على وزنها
اعلم أنّك إذا سمّيت رجلا بشيء من الفعل ليست في أوّله زيادة، وله مثال في الأسماء، فهو منصرف في المعرفة، والنكرة.
فمن ذلك: «ضرب»، وما كان مثله، وكذلك: «علم»، و «كرم»، وبابهما لأنّ «ضرب» على مثال: «جمل»، و «حجر»، و «علم» على مثال: «فخذ»، و «كرم» على مثال: «رجل»، و «عضد».
وكذلك ما كثر عدّته، وكان فيه هذا الشرط الذي ذكرنا.
فمن ذلك: دحرج لأنّ مثاله: «جعفر»، و «حوقل» لأنّ مثاله «كوثر»، والملحق بالأصل بمنزلة الأصليّ.
فإن سمّيت بفعل لم تسمّ فاعله، لم تصرفه لأنّه على مثال ليست عليه الأسماء، وذلك نحو: «ضرب»، و «دحرج»، و «بوطر»، إلّا أن يكون معتلّا أو مدغما فإنّه إن كان كذلك، خرج إلى باب الأسماء، وذلك نحو: «قيل»، و «بيع»، و «ردّ»، وما كان مثلها لأنّ «ردّ» بمنزلة «كرّ»، و «برد»، ونحوهما، وقيل بمنزلة «فيل»، و «ديك».
وكذلك إن سمّيت بمثل «قطّع»، و «كسّر»، لم ينصرف في المعرفة لأنّ الأسماء لا تكون على «فعّل».
فإن قلت: قد جاء مثل «بقّم» [1]، فإنّه أعجميّ. وليست الأسماء الأعجميّة بأصول إنّما داخلة على العربيّة.
فأمّا قولهم: «خضّم» للعنبر بن عمرو بن تميم، فإنّما هو لقب لكثرة أكلهم و «خضّم» بعد إنّما هو فعل.
[1] البقّم: شجر يصبغ به، دخيل معرّب. (لسان العرب 12/ 52 (بقم)).(3/259)
ولو سمّيت رجلا «ضارب»، أو «ضارب» من قولهم: «ضارب زيدا»، إذا أمرته، انصرف لأنّ «ضارب» بمنزلة «ضارب» الذي هو اسم، و «ضارب» بمنزلة «خاتم»، فعلى هذا يجري ما ينصرف وما لا ينصرف.
* * * فأمّا ما كان فيه زيادة من زوائد الأفعال الأربع: «الهمزة»، و «الياء»، و «التاء»، و «النون»، فكان بها على مثال الفعل، فقد قلنا فيه، وسنقول في شرحه، وما يحكم عليه منها بالزيادة، وإن لم يكن له فعل، وما يحكم بأنّه أصليّ حتّى يتبيّن.
أمّا ما كانت «الهمزة» في أوّله، و «الياء»، فحكمه أن تكونا فيه زائدتين إذا كانت حروفه الثلاثة أصلية لأنّك لم تشتقّ من هذا شيئا إلّا أوضح لك أنّهما فيه زائدتان، فحكمت بما شاهدت منه على ما غاب عنك. وذلك نحو: «أفكل» [1]، و «أيدع» [2]، و «يرمع» [3] لأنّك لم ترها في مثل: «أحمر»، و «أصفر»، و «أخضر»، ولا فيما كان له فعل إلّا زائدة، وكذلك «الياء» لأنّك لم ترها في مثل: «اليعملة» [4] وما كان نحوها إلّا زائدة لأنّ «أحمر» من «الحمرة»، وكذلك «أخضر»، و «أسود»، و «يعملة» من «العمل».
* * * فأمّا «أولق» [5] فإنّ فيه حرفين من حروف الزيادة: «الهمزة» و «الواو»، فعند ذلك تحتاج إلى اشتقاق ليعلم أيّهما الزائدة؟
تقول فيه: «ألق الرجل فهو مألوق»، فقد وضح لك أنّ «الهمزة» أصل و «الواو» زائدة لأنّ الهمزة في موضع الفاء من الفعل فقد وضح لك أنّها «فوعل».
وكذلك «أيصر» [6] لأنّ فيه «ياء»، و «همزة». فكلاهما من الحروف الزوائد، فجمعه
[1] الأفكل: الرعدة، واسم موضع. (لسان العرب 11/ 530529 (فكل)).
[2] الأيدع: صبغ أحمر، وقيل: هو خشب البقّم. (لسان العرب 8/ 412 (يدع)).
[3] اليرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس. (لسان العرب 8/ 134 (رمع)).
[4] اليعملة من الإبل: النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل. (لسان العرب 11/ 476 (عمل)).
[5] الأولق: الأحمق. (لسان العرب 8/ 10 (ألق)).
[6] الأيصر: الحشيش المجتمع، وكساء فيه حشيش. (لسان العرب 4/ 2423 (أصر)).(3/260)
على «إصار» فقد بان لك أنّ «أيصر» «فيعل». قال الأعشى [من المتقارب]:
[358] فهذا يعدّ لهنّ الخلى ... ويجمع ذا بينهنّ الإصارا
فأمّا «النون» و «التاء»، فيحكم بأنّ كلّ واحد منهما أصل حتّى يجيء أمر يبين زيادتها.
فمن ذلك قولك: «نهشل»، و «نهسر الذئب»، يدلّك على أصليهما أنّك تقول:
«نهشلت المرأة» و «نهشل الرجل»: إذا أسنّا، وقد وضح لك أنّه بمنزلة «دحرج» لأنّ النون أصليّة.
وكذلك «توأم» إنّما هو «فوعل» من أتأمت المرأة كما تقول: «أكرمت».
فأمّا «تتفل»، و «نرجس» فقد وضح لك أنّ فيهما زائدتين لأنّهما على مثال لا تكون الأسماء عليه. ألا ترى أنّه ليس في الأسماء مثل: «جعفر»، ولا «جعفر» فقد وضح لك أنّ «تتفلا» مثل: «تقتل» فلو سمّيت به رجلا لم تصرفه.
وكذلك: «نرجس» بمنزلة «نضرب». فهذا حكمه.
فأمّا من قال: «تتفل»، فإنّه يصرف إن سمّى به وذلك لأنّه على مثال لا يكون الفعل عليه ليس في الأفعال «تفعل».
[358] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 101ولسان العرب 4/ 23 (أصر) والمنصف 2/ 18وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 165والمنصف 1/ 113.
اللغة: الخلى: رطب النبات والبقول والإصار: جمع مفرده أيصر، وهو الحشيش.
المعنى: يريد أنّ ناقته دفعت مع غيرها إلى رجلين قاما على رعاية هذه الإبل، فواحد يجمع لها الطعام، والثاني يقدمه لها.
الإعراب: فهذا: «الفاء»: حرف استئناف، «هذا»: «ها»: للتنبيه، و «ذا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يعدّ: مضارع مرفوع، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هو). لهن: جار ومجرور متعلقان بالفعل (يعد). الخلى: مفعول به. ويجمع: «الواو»: حرف عطف، «يجمع»: فعل مضارع مرفوع. ذا:
اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل. بينهن: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق ب (يجمع) و «الهاء»: مضاف إليه، و «النون»: علامة جمع الإناث. الإصارا: مفعول به منصوب بالفتحة والألف للإطلاق.
وجملة «هذا يعد»: استئنافية لا محل لها. وجملة «يعد»: خبر للمبتدأ (هذا) محلها الرفع، وعطف عليها جملة «يجمع ذا».
والشاهد فيه: أن (أيصر) وهو الحشيش يجمع على (إصار).(3/261)
ألا ترى أنّ الزيادة لا تمنع الصرف من الأسماء إلّا ما كان منها على وزن الأفعال.
فما كان في أوّله زيادة ليس هو بها على وزن الأفعال فهو مصروف. وذلك نحو:
«يربوع» [1] و «تعضوض» [2]، و «طريق أسلوب» [3] لأنّ الأفعال لا تكون عليه، وكذلك:
«إسكاف»، وفيما قلنا دليل على ما يرد عليك إن شاء الله.
* * * [1] اليربوع: دويبّة فوق الجرذ. (لسان العرب 8/ 111 (ربع)).
[2] التّعضوض: ضرب من التمر شديد الحلاوة. (لسان العرب 7/ 191 (عضض)).
[3] أي: ممتدّ. (انظر: لسان العرب 1/ 473 (سلب)).(3/262)
هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف ممّا سمّيت به مذكّرا من الأسماء العربيّة
اعلم أنّ كلّ ما لا ينصرف من مذكّر أو مؤنّث، عربيّ أو أعجميّ، قلّت حروفه أو كثرت في المعرفة، فإنّه ينصرف في النكرة، إلّا خمسة أشياء فإنّها لا تنصرف في معرفة، ولا نكرة فمنها:
ما كان من «أفعل» صفة نحو: «أخضر»، و «أحمر».
وما كان من «فعلان» الذي له «فعلى» نحو: «سكران»، و «سكرى»، و «عطشان» و «عطشى»، و «غضبان» و «غضبى»، وسنذكر علّته في موضعه إن شاء الله.
وما كان فيه ألف التأنيث مقصورا كان أو ممدودا.
فالمقصور، نحو: «سكرى» و «غضبى».
والممدود، نحو: «حمراء»، و «صفراء»، و «صحراء».
وما كان من الجمع على مثال لا يكون عليه الواحد نحو: «مساجد»، و «قناديل»، و «رسائل».
وما كان معدولا في حال النكرة نحو: «مثنى»، و «ثلاث»، و «رباع».
فإذا سمّيت مذكّرا باسم عربيّ، فهو مصروف إلّا أن يمنعه أحد هذه الموانع التي وصفت، أو ما أذكره لك مما يوجب ترك الصّرف في المعرفة، إلّا المعدول فإنّ له حكما آخر إذا سمّي به نذكره إن شاء الله.
فمن ذلك أن تسمّيه بمؤنّث فيها هاء التأنيث فإنّه لا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة.
وإنّما منعه من الصرف في المعرفة علم التأنيث الذي فيه. وذلك نحو رجل سمّيته «حمدة»، أو «طلحة»، أو نحو ذلك.
وقد تقدّم قولنا: إنّ كلّ ما كان فيه الهاء، مؤنّثا كان أو مذكّرا، عربيّا كان أو أعجميّا لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في النكرة.
فإن قال قائل: ما باله ينصرف في النكرة وما كانت فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة، ولا نكرة؟(3/263)
وقد تقدّم قولنا: إنّ كلّ ما كان فيه الهاء، مؤنّثا كان أو مذكّرا، عربيّا كان أو أعجميّا لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في النكرة.
فإن قال قائل: ما باله ينصرف في النكرة وما كانت فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة، ولا نكرة؟
قيل: إنّ الفصل بينهما أنّ ما كان فيه الهاء، فإنّما لحقته وبناؤه بناء المذكّر نحو قولك: «جالس» كما تقول: «جالسة»، و «قائم» ثمّ تقول: «قائمة». فإنّما تخرج إلى التأنيث من التذكير، والأصل التذكير.
وما كانت فيه الألف، فإنّما هو موضوع للتأنيث على غير تذكير خرج منه، فامتنع من الصرف في الموضعين لبعده من الأصل.
ألا ترى أنّ «حمراء» على غير بناء «أحمر»، وكذلك: «عطشى» على غير بناء «عطشان».
* * * وما كان مؤنّثا لا علامة فيه سمّيت به مذكّرا، وعدد حروفه ثلاثة أحرف، فإنّه ينصرف إذا لم تكن فيه هاء التأنيث، تحرّكت حروفه أو سكن ثانيها، وذلك نحو: «دعد»، و «شمس»، و «قدم»، و «قفا» فيمن أنّثها. إن سمّيت بشيء من هذا رجلا، انصرف.
وكذلك كلّ مذكّر سوى «الرجل».
فإن كان على أربعة أحرف فصاعدا ومعناه التأنيث، لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في النكرة. وذلك نحو رجل سمّيته «عقربا»، أو «عناقا»، أو «عقابا»، فإنّه ينصرف في النكرة، ولا ينصرف في المعرفة.
وإنّما انصرف في الثلاثة لخفّته لأنّ الثلاثة أقلّ أصول الأسماء.
وكذلك إن كان الاسم أعجميّا.
ألا ترى أن «نوحا»، و «لوطا» مصروفان في كتاب الله تبارك وتعالى وهما اسمان أعجميّان، وأنّ «قارون»، و «فرعون» غير مصروفين للعجمة، وكذلك: «إسحق»، و «يعقوب»، ونحوهما، ونذكر هذا في باب الأعجميّة إن شاء الله.
فأمّا «صالح» و «شعيب»، فاسمان عربيان، وكذلك: «محمّد» صلى الله عليهم أجمعين.
فكلّ ما اشتققته، فرأيت له فعلا، أو كانت عليه دلالة بأنّه عربيّ، ولم يمنعه من الصرف تأنيث، ولا عجمة، ولا زيادة من زوائد الفعل تكون بها على مثاله، ولا أن يكون على مثال الأفعال، ولا عدل، فهو مصروف في المعرفة، والنكرة.(3/264)
فأمّا «صالح» و «شعيب»، فاسمان عربيان، وكذلك: «محمّد» صلى الله عليهم أجمعين.
فكلّ ما اشتققته، فرأيت له فعلا، أو كانت عليه دلالة بأنّه عربيّ، ولم يمنعه من الصرف تأنيث، ولا عجمة، ولا زيادة من زوائد الفعل تكون بها على مثاله، ولا أن يكون على مثال الأفعال، ولا عدل، فهو مصروف في المعرفة، والنكرة.
* * *
هذا باب ما كان من أسماء المذكّر أو سمّي به ما هو على ثلاثة أحرف(3/265)
* * *
هذا باب ما كان من أسماء المذكّر أو سمّي به ما هو على ثلاثة أحرف
اعلم أنّ جميع ذلك منصرف إلّا ما استثنياه ممّا فيه هاء التأنيث نحو: «شاة»، و «شية».
أو تكون فيه زائدة يكون بها على مثال الفعل نحو: «يضع»، و «يزن».
أو يكون معدولا نحو: «عمر»، و «زفر».
أو يكون على مثال لا يكون إلّا للأفعال، نحو: «ضرب»، و «قتل».
فأمّا غير ذلك فمصروف.
* * *
هذا باب ما كان من هذه الأسماء على مثال «فعل»(3/266)
* * *
هذا باب ما كان من هذه الأسماء على مثال «فعل»
وإنّما ذكرناه لنبيّن المعدول منه من غيره.
فأمّا ما كان منه نكرة، ويعرّف بالألف واللام، فهو مصروف، واحدا كان أو جمعا.
فالواحد نحو: «صرد»، و «نغر»، و «جعل»، ينصرف في المعرفة والنكرة والجمع، نحو: «ثقب»، و «حفر»، و «عمر»: إذا أردت جمع «عمرة»، وكذلك إن كان نعتا نحو:
«سكع» [1]، و «ختع» [2]، و «حطم» [3] كما قال [من الرجز]:
قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم [4] و «لبد» وهو الكثير من قول الله عزّ وجلّ: {أَهْلَكْتُ مََالًا لُبَداً} (5).
فأمّا ما كان منه لم يقع إلّا معرفة نحو: «عمر»، و «قثم»، و «لكع»، فإنّه غير مصروف في المعرفة لأنّه الموضع الذي عدل فيه.
ألا ترى أنّك لا تقول: «هذا القثم»، ولا «هذا العمر» كما تقول: «هذا الجعل» [6]، و «هذا النّغر» [7].
* * * [1] السّكع: المتحيّر. (لسان العرب 8/ 159 (سكع)).
[2] الختع: الحاذق بالدلالة الماهر بها. (لسان العرب 8/ 62 (ختع)).
[3] الحطم: الذي لا يشبع لأنه يحطم كلّ شيء. (لسان العرب 12/ 138 (حطم)).
[4] تقدّم بالرقم 19.
__________
(5) البلد: 6.
[6] الجعل: دابّة سوداء. (لسان العرب 11/ 112 (جعل)).
[7) النّغر: طائر يشبه العصفور، وفرخ العصفور. (لسان العرب 5/ 223 (نغر)).(3/267)
هذا باب ما كان من «فعل»
اعلم أنّه ما كان على «فعل» غير معتلّ لم يكن إلّا فعلا، وكذلك كلّ بناء من الفعل معناه «فعل» إذا كان غير معتلّ نحو: «دحرج»، و «استخرج»، و «ضورب».
فإن سمّيت من هذا رجلا، لم تصرفه في المعرفة لأنّه مثال لا يكون للأسماء، وإنّما هو فيها مدخل.
فإن كان من ذوات الواو والياء، أو ممّا يلزمه الإدغام، فكان ذلك مخرجا له إلى مثال الأسماء، انصرف في المعرفة، لأنّ المانع له قد فارقه، وذلك قولك: «قد قيل»، و «بيع»، و «ردّ»، و «شدّ»، إذا أردت مثل «فعل» لأنّه قد خرج إلى مثال: «فيل»، و «ديك» كما خرج المدغم إلى مثال «البرّ» [1]، و «الكرّ» [2].
وإن كان على مثال: «أطيع»، و «استطيع»، و «قوول»، لم ينصرف في المعرفة، وكذلك: «احمورّ» في هذا المكان لأنّه لم يخرج إلى مثال من أمثلة الأسماء. فهذا جملة هذا.
* * * [1] البرّ: الحنطة. (لسان العرب 4/ 55 (برر)).
[2] الكرّ: من أسماء الآبار، ومكيال لأهل العراق. (لسان العرب 5/ 137136 (كرر)).(3/268)
هذا باب ما اشتقّ للمذكّر من الفعل
فمن ذلك ما كان اسما للفاعل نحو: «مجاهد»، و «مقاتل»، و «ضارب»، و «مكرم»، و «مستطيع»، و «مدحرج». فكلّ هذا منصرف لأنّه لا مانع له من الصرف، وكذلك إن كان مفعولا نحو: «مخرج»، و «مضروب»، و «مستطاع» لأنّها أسماء مشتقّة.
* * * وما كان من الأعجميّة معربا فهذا سبيله.
والمعرب منها ما كان نكرة في بابه لأنّك تعرّفه بالألف واللام، فإذا كان كذلك، كان حكمه حكم العربيّة. لا يمنعه من الصرف إلّا ما يمنعها. فمن ذلك: «راقود» [1]، و «جاموس»، و «فرند» [2] لأنّك تعرّفه بالألف واللام.
فإذا كان معرفة في كلام العجم، فغير منصرف لامتناعه بالتعريف الذي فيه من إدخال الحروف العربيّة عليه. وذلك نحو: «إسحق»، و «يعقوب»، و «فرعون»، و «قارون» لأنّك لا تقول: «الفرعون».
ولو سميته ب «يعقوب» تعني ذكر القبج [3] لانصرف لأنّه عربيّ على مثال «يربوع». والزوائد التي في أوّله لا تمنعه من الصرف لأنّها لا تبلغ به مثال الفعل لأنّ الفعل لا يكون على «يفعول».
وكذلك «إسحاق» إذا أردت به المصدر من قولك: «أسحقه الله إسحاقا»، وتعرف هذا من ذاك بأن «إسحاق» و «يعقوب» الأعجميّين على غير هذه الحروف، وإنّما لاءمت هذه الحروف العرب.
[1] الراقود: دنّ طويل. (لسان العرب 3/ 183 (رقد)).
[2] الفرند: السيف، ووشيه. (لسان العرب 3/ 334 (فرند)).
[3] أي: الحجل.(3/269)
ونظير «إسحق» في القصد إلى العربيّ والعجميّ ما قلت لك في «عمر» من أنّك إذا أردت به جمع «عمرة»، صرفته.
وإن أردت به المعدول عن «عامر»، امتنع من الصرف.
وإن كان الأعجميّ قد أعرب ولم يكن على مثال الأسماء المنصرفة ولا غيرها، صرف وصار كعربيّ لا ثاني له لأنّه إذا أعرب فهو كالعربيّة الأصليّة. فمن ذلك «آجرّ» مصروف لدخوله في التعريف إذ كان نكرة. فهو بمنزلة عربيّ منفرد ببنائه نحو: «إبل» [1]، و «إطل»، و «صعفوق» [2].
فأمّا «بقّم» فلا ينصرف في المعرفة وإن كان قد أعرب لأنّه قد وقع من أمثلة العرب على ما لا يكون إلا فعلا، نحو: «ضرب»، و «قطّع»، فمنعه الصرف ما منع: «ضرّب» لو سمّيت به رجلا.
وكذلك: «سراويل» لا ينصرف عند النحويّين في معرفة ولا نكرة لأنّها وقعت على مثال من العربيّة لا يدخله الصرف، نحو: «قناديل»، و «دهاليز». فكانت لمّا دخلها الإعراب كالعربيّة. فهذا جملة القول في الأعجميّ الواقع على الجنس، والمخصوص به الواحد للعلامة.
* * * [1] الإطل: منقطع الأضلاع من الحجبة. (لسان العرب 11/ 18 (أطل)).
[2] الصعفوق: اللئيم من الرجال. (لسان العرب 10/ 199 (صعفق)).(3/270)
هذا باب الجمع المزيد فيه، وغير المزيد
أمّا ما كان من الجمع على مثال: «مفاعل»، و «مفاعيل» نحو: «مصاحف»، و «محاريب»، وما كان على هذا الوزن نحو: «فعالل»، و «فواعل»، و «أفاعل»، و «أفاعيل»، وكلّ ما كان مما لم نذكره على سكون هذا وحركته وعدده، فغير منصرف في معرفة ولا نكرة.
وإنّما امتنع من الصّرف فيهما لأنّه على مثال لا يكون عليه الواحد، والواحد هو الأصل، فلمّا باينه هذه المباينة، وتباعد هذا التباعد في النكرة، امتنع من الصرف فيها، وإذا امتنع من الصرف فيها فهو من الصرف في المعرفة أبعد، ويدلّك على ذلك قول الله عزّ وجلّ: {مِنْ مَحََارِيبَ وَتَمََاثِيلَ} (1)، وقوله: {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوََاتٌ وَمَسََاجِدُ} (2). كلّ هذا هذه علّته. فإن لحقته الهاء للتأنيث، انصرف في النكرة على ما وصفت لك في الهاء أوّلا لأنّ كلّ ما كانت فيه فمصروف في النكرة، وممتنع من الصرف في المعرفة لأنّ الهاء علم تأنيث، فقد خرجت بما كان من هذا الجمع إلى باب «طلحة»، و «حمدة» وذلك نحو: «صياقلة»، و «بطارقة».
فإن قال قائل: فما باله انصرف في النكرة، وقد كان قبل الهاء لا ينصرف فيها؟
فالجواب في ذلك: أنّه قد خرج إلى مثال يكون للواحد.
ألا ترى أنّك تقول: «رجل عباقية» [3]، و «حمار حزابية» [4]، فالهاء أخرجته إلى هذا المثال كما أنّ ياءي النسب يخرجانه إلى باب «تميميّ»، و «قيسيّ». وذلك قولك:
«مدائنيّ» ونحوه، ينصرف في المعرفة والنكرة ألا ترى أنّ «مدائنيا» إنّما هو للواحد فبالياء
__________
(1) سبأ: 13.
(2) الحج: 40.
[3] العباقية: الداهية ذو الشّر والنكر. (لسان العرب 10/ 234 (عبق)).
[4] الحزابية: القصير. (لسان العرب 1/ 309 (حزب)).(3/271)
خرج إليه كما أخرجته «الهاء» إلّا أنّ ما كانت فيه الهاء لا ينصرف في المعرفة من أجل التأنيث، وما كانت فيه ياء النسب فمصروف في المعرفة، والنكرة.
فأمّا «سراريّ»، و «بخاتيّ» [1]، و «كراسيّ» فغير مصروف في معرفة ولا نكرة لأنّ «الياء» ليست للنسب، وإنّما هي «الياء» التي كانت في الواحد في «بختيّة» و «كرسيّ».
فأمّا قولك: «حواليّ»، و «حواريّ» فهو: «حوال»، و «حوار»، فنسب إليه، فإنّما على هذا تعتبر ما وصفت لك.
فأمّا قولهم: «رباع»، و «يمان»، فنذكره في باب: ما اعتلّ من هذا الجمع إن شاء الله.
فأمّا ما كان من الجمع على مثال «أفعال»، و «فعول»، نحو: «أجمال»، و «فلوس»، فمنصرف في المعرفة والنكرة لأنّه على مثال يكون للواحد. وهو جمع مضارع للواحد لأنّه لأدنى العدد. أعني «أفعالا».
و «فعول» وإن كان لأكثر العدد، فمضارعته للواحد لأنّه يجمع كما يجمع الواحد.
فأمّا «أفعال»، فما يكون منه على مثال الواحد قولهم: «برمة أعشار» [2] و «حبل أرمام»، و «أقطاع»، و «ثوب أكياش»: متمزّق، ويجمع كما يجمع الواحد. وذلك قولك:
«أنعام» و «أناعيم»، و «أعراب» و «أعاريب».
وما كان على «فعول» للواحد، فقولك: «سدوس» للطيلسان الأخضر.
وما يكون من هذا مصدرا أكثر من أن يحصى نحو: «قعدت قعودا»، و «جلست جلوسا»، و «سكتّ سكوتا».
ويجمع كما يجمع الواحد، تقول: «بيوت» و «بيوتات». فهما ينصرفان في المعرفة والنكرة على كلّ حال: أعني «أفعالا»، و «فعولا» إلّا أن تسمّي بهما مؤنثا فيمنعهما التأنيث الصّرف لأنّ كلّ مؤنّث، على ثلاثة أحرف متحرّكات غير منصرف، وكلّما زاد في عدد الحروف، كان ذلك أوكد لترك صرفه، ولهذا موضع نذكره فيه إن شاء الله.
وأمّا ما كان من الجمع على مثال «أفعل»، نحو: «أكلب» و «أكعب»، فغير منصرف في المعرفة وإنّما منعه الصرف أنّه على مثال الفعل نحو: «أعبد»، و «أقتل»، وينصرفان
[1] البخاتيّ: جمع البختيّة، وهي الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال خراسانيّة طويلة الأعناق. (لسان العرب 2/ 9 (بخت)).
[2] البرمة: القدر من الحجارة، وأعشار: متكسّرة. (لسان العرب 12/ 45 (برم)، 4/ 573 (عشر)).(3/272)
في النكرة كما ذكرت لك فيما يكون على مثال الفعل.
وما كان من الجمع على مثال «فعلان»، و «فعلان» نحو: «قضبان» و «ظلمان»، فغير منصرف في المعرفة لزيادة الألف والنون، وخروجه إلى باب «عثمان» و «سرحان»، وينصرفان في النكرة لأنّ الممتنع من الصرف في المعرفة والنكرة من هذا الباب «فعلان» الذي له «فعلى» على ما ذكرت لك نحو: «غضبان»، و «سكران».
كما أنّ الممتنع من باب ما كان على مثال «أفعل» من أن يصرف في المعرفة والنّكرة ف «أفعل» الذي هو نعت نحو: «أحمر»، و «أصفر».
وما كان من الجمع على مثال «فعال» فمصروف، وذلك نحو: «كعاب»، و «كلاب» لأنّه بمنزلة الواحد نحو: «حمار»، و «كتاب». وفي هذه الجملة دلالة على كلّ ما يرد عليك من الجمع إن شاء الله.
* * *
هذا باب ما كان من جمع المؤنّث بالألف والتاء(3/273)
* * *
هذا باب ما كان من جمع المؤنّث بالألف والتاء
فهذا الجمع في المؤنّث نظير ما كان ب «الواو» و «النون» في المذكّر لأنّك فيه تسلّم بناء الواحد كتسليمك إيّاه في التثنية.
والتاء دليل التأنيث، والضمة علم الرفع، واستوى خفضه ونصبه، كما استوى ذلك في «مسلمين».
والتنوين في «مسلمات» عوض من النون في قولك: «مسلمين».
فإن سمّيت ب «مسلمات» رجلا أو امرأة، لحقه التنوين لأنّه عوض، فلذلك كان لازما. وعلى ذلك قوله عزّ وجلّ: {فَإِذََا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفََاتٍ} (1) و «عرفات» معرفة لأنّه اسم موضع بعينه.
هذا في قول من قال: «هؤلاء مسلمون»، و «مررت بمسلمين يا فتى»، وكلّ ما كان على وزن «المسلمين» فالوجه فيه أن يجري هذا المجرى، وإن لم يكن في الأصل جمعا كما أنّ «كرسيّا» و «بختيّا» كالمنسوب، وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى «حيّ»، ولا إلى «أرض»، ولا غير ذلك.
فمن ذلك: «عشرون»، و «ثلاثون». قال الله عزّ وجلّ: {كَلََّا إِنَّ كِتََابَ الْأَبْرََارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمََا أَدْرََاكَ مََا عِلِّيُّونَ} (2).
__________
(1) البقرة: 198.
(2) المطففين: 18، 19.(3/274)
وتقول على هذا: «قنّسرون» [2]، و «مررت بقنّسرين»، و «هذه يبرون» [2]، و «مررت بيبرين».
ومن لم يقل هذا، وقال: «قنّسرين» كما ترى، وجعل الإعراب في النون، وقال:
«هذه سنون» فاعلم، فإنّه يفعل مثل هذا بالمؤنّث إذا كان واحدا، ويجيزه في الجمع كما تقول: «هؤلاء مسلمين» فاعلم، كما قال الشاعر [من الوافر]:
[359] وماذا يدّري الشّعراء منّي ... وقد جاوزت حدّ الأربعين
[1] قنّسرين: اسم مدينة. (انظر: معجم البلدان 4/ 403).
[2] يبرين: اسم مدينة. (انظر: معجم البلدان 5/ 427).
[359] التخريج: البيت لسحيم بن وثيل في إصلاح المنطق ص 156وتخليص الشواهد ص 74 وتذكرة النحاة ص 480وخزانة الأدب 8/ 61، 62، 65، 67، 68وحماسة البحتري ص 13والدرر 1/ 140وسرّ صناعة الإعراب 2/ 627وشرح التصريح 1/ 77وشرح ابن عقيل ص 41وشرح المفصل 5/ 11ولسان العرب 3/ 513 (نجذ)، 8/ 99 (ربع)، 14/ 255 (دري) والمقاصد النحويّة 1/ 191وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 248وجواهر الأدب ص 155وشرح الأشموني 1/ 38، 39وهمع الهوامع 1/ 49.
المعنى: يقول: ماذا يريد الشعراء منّي، وكيف يمنّون أنفسهم في خديعتي وقد بلغت سنّ الأربعين، وهي سنّ الحنكة والتجربة والاختبار؟
الإعراب: «وماذا»: الواو: بحسب ما قبلها، «ماذا»: اسم استفهام في محلّ نصب مفعول به مقدّم ل «يدّري». أو «ما»: اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ أو خبر مبتدأ مقدّم، و «ذا»: اسم موصول في محلّ رفع خبر المبتدأ «ما» أو مبتدأ مؤخّر. «يدّري»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل.
«الشعراء»: فاعل مرفوع بالضمة، وتكون جملة «يدّري» صلة الموصول تقديرها: «ما الذي تدّريه الشعراء منيّ». «منيّ»: جار ومجرور متعلّقان ب «يدّري». «وقد»: الواو: حالية، «قد»: حرف تحقيق. «جاوزت»:
فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «حدّ»: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. «الأربعين»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «ماذا» الاسمية: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تبتغي الشعراء»: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، أو ابتدائية لا محل لها من الإعراب اذا أعربنا «ماذا» مفعولا به. وجملة «وقد جاوزت» الفعلية: في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: «الأربعين» حيث أعرب بالحركات، فجرّ بالكسرة، ولم يعامل معاملة جمع المذكر السالم الذي هو الأكثر شيوعا. وقيل: إنّ كسرة النون، هنا، لغة من لغات العرب، وقيل: كسرت النون على ما هو الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين.(3/275)
وقال الآخر [من البسيط]:
[360] إنّي أبيّ أبيّ ذو محافظة ... وابن أبيّ أبيّ من أبيّين
وقال الله عزّ وجلّ فيما كان واحدا: {وَلََا طَعََامٌ إِلََّا مِنْ غِسْلِينٍ} (1) فمن رأى هذا، قال: «هذه عرفات مباركا فيها»، وعلى هذا ينشد هذا البيت [من الطويل]:
[361] تنوّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
[360] التخريج: البيت لذي الإصبع العدواني في خزانة الأدب 8/ 66، 68وسرّ صناعة الإعراب 2/ 628وشرح المفصل 5/ 13ولسان العرب 14/ 5 (أبي) وبلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 213.
الإعراب: إني: حرف مشبه بالفعل، و «ياء» المتكلم ضمير متصل، في محل نصب اسم (إن). أبيّ:
خبر (إن) مرفوع. أبيّ: توكيد لفظي ل (أبيّ) الأولى. ذو: خبر ثان مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة.
محافظة: مضاف إليه. وابن: «الواو»: حرف عطف، «ابن»: معطوف على (ذو). أبيّ: مضاف إليه. أبي:
توكيد لفظي. من أبيين: جار ومجرور متعلقان بصفة (أبيّ).
وجملة «إني أبيّ»: ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: (من أبيّين) حيث جر جمع المذكر السالم بالكسرة لا بالياء خلافا للقياس، وقد حمل ذلك بعضهم على الضرورة.
__________
(1) الحاقة: 36.
[361] التخريج: البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 31وخزانة الأدب 1/ 56والدرر 1/ 82 ورصف المباني ص 345وسرّ صناعة الإعراب ص 497وشرح أبيات سيبويه 2/ 219وشرح التصريح 1/ 83وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1359وشرح المفصّل 1/ 47والكتاب 3/ 233 والمقاصد النحويّة 1/ 196وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 41وشرح ابن عقيل ص 44وشرح المفصّل 9/ 34.
اللغة: تنوّرتها: تبصّرت نارها من بعيد. أذرعات: بلد في أطراف الشام. يثرب: اسم مدينة، وهي التي هاجر إليها الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما بعد، فسمّيت المدينة المنوّرة. أدنى: أقرب. نظر عال: أي يحتاج إلى نظر بعيد.
المعنى: يتوهّم الشاعر أنّه نظر إلى النار المشبوبة في دار الحبيبة، وهو بعيد عنها يتحرّق لرؤيتها، ويتمنّى لقاءها.
الإعراب: «تنوّرتها»: فعل ماض مبنيّ على السكون، والتاء: ضمير متّصل في محل رفع فاعل، و «ها»: ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به. «من أذرعات»: جار ومجرور متعلّقان ب «تنوّرتها».
«وأهلها»: الواو: حالية، «أهلها»: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و «ها»: ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة، «بيثرب»: جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف تقديره: «موجودون». «أدنى»: مبتدأ مرفوع وهو مضاف. «دارها»: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و «ها»: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ(3/276)
وقال الآخر [من الوافر]:
[362] تخيّرها أخو عانات دهرا ... [ورجّى أولها عاما فعاما]
والوجه المختار في الجمع ما بدأت به، وأمّا الواحد نحو: «غسلين»، و «علّيّين»، فالوجهان مقولان معتدلان.
* * * بالإضافة. «نظر»: خبر المبتدأ مرفوع. «عال»: نعت «نظر» مرفوع بالضمّة المقدرة على الياء المحذوفة لأنّه اسم منقوص.
وجملة «تنوّرتها» الفعلية: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «وأهلها بيثرب» الاسمية: في محلّ نصب حال. وجملة «أدنى دارها نظر» الاسمية: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «أذرعات» حيث يجوز فيه:
1 - الكسر مع التنوين، وذلك مراعاة ل «أذرعات» قبل التسمية به، فهو جمع مؤنّث سالم. وهذا الجمع يجرّ بالكسرة الظاهرة، وينوّن تنوين مقابلة لا تنوين تنكير.
2 - الكسر بلا تنوين، لأنّه جمع بحسب أصله، وعلم لمؤنّث بحسب حاله، فجرّ بالكسرة كما يجر جمع المؤنّث السالم، ومنع من التنوين كما يمنع العلم المؤنّث.
3 - الفتح بغير تنوين لأنّه علم مؤنث ممنوع من الصرف.
[362] التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص 247وخزانة الأدب 1/ 56وسرّ صناعة الإعراب 2/ 497ولسان العرب 4/ 53 (برر)، 13/ 300 (عون).
اللغة: الهاء في (تخيرها)، و (أولها) تعود على خمر يصفها، وتخيّرها: اختارها. وعانات: مكان بعينه. وأولها: ما يعود عليه من ربحها.
المعنى: يريد أن تاجر هذه الخمر ظلّ في عانات دهرا ينتقيها، ثم حبسها عنده مرجّيا ما يعود عليه منها عاما بعد عام.
الإعراب: تخيّرها: فعل ماض، و «ها»: مفعول به. أخو: فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة.
عانات: مضاف إليه مجرور. دهرا: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل (تخيّرها). ورجّى: الواو حرف عطف، و «رجّي»: فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. أولها: مفعول به منصوب بالفتحة، و «ها»: ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.
عاما: مفعول فيه منصوب بالفتحة متعلق ب «رجّى». فعاما: الفاء حرف عطف، و «عاما» اسم معطوف منصوب بالفتحة.
وجملة «تخيّرها»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «رجّى»: معطوفة على جملة «تخيّرها» لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه: حذف التنوين من (عانات).(3/277)
هذا باب ما لحقته ألف ونون زائدتان
أمّا ما كان من ذلك على «فعلان» الذي له «فعلى»، فقد تقدّم قولنا فيه أنّه غير مصروف في معرفة ولا نكرة.
وإنّما امتنع من ذلك لأنّ النون اللاحقة بعد الألف بمنزلة الألف اللاحقة بعد الألف للتأنيث في قولك: «حمراء»، و «صفراء». والدليل على ذلك أنّ الوزن واحد في السكون، والحركة، وعدد الحروف، والزيادة.
وأنّ النون والألف تبدل كلّ واحدة منهما من صاحبتها.
فأمّا بدل النون من الألف، فقولك في «صنعاء»، و «بهراء»: «صنعانيّ»، و «بهرانيّ».
وأمّا بدل الألف منها فقولك إذا أردت «ضربت زيدا» فوقفت قلت: «ضربت زيدا»، وفي قولك: «اضربن زيدا» و {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} (1) إذا وقفت قلت: «اضربا زيدا»، و «لنسفعا».
وزعم الخليل أنّ الدليل على ذلك: أنّ كلّ مؤنّث تلحقه علامة التأنيث بعد التذكير، فإنّما تلحقه على لفظه إلّا ما كان مضارعا لتأنيث أو بدلا في أنّ علامة التأنيث لا تلحقه على لفظه لأنّه لا يدخل تأنيث على تأنيث، وكذلك لا يدخل على ما كان بمنزلته.
ألا ترى أنّك لا تقول: «حمراءة»، ولا «صفراءة».
فكذلك لا تقول: «غضبانة»، ولا «سكرانة» [2]، وإنّما تقول: «غضبى»، و «سكرى».
__________
(1) العلق: 15.
[2] كان بنو أسد يقولون ذلك، واستنادا إلى هذه اللغة قرّر مجمع اللغة العربية في القاهرة إجازة صرف «فعلان» وصفا، وجمعه مع مؤنثه «فعلانة» جمعي تصحيح. (انظر كتاب في أصول اللغة 1/ 80).(3/278)
فإن كان «فعلان» ليس له «فعلى»، أو كان على غير هذا الوزن ممّا الألف والنون فيه زائدتان، انصرف في النكرة، ولم ينصرف في المعرفة نحو: «عثمان»، و «عريان»، و «سرحان».
وإنّما امتنع من الصرف في المعرفة للزيادة التي في آخره لأنّها كالزيادة التي في آخر «سكران».
وانصرف في النكرة لأنّه ليست مؤنّثه «فعلى» لأنّك تقول: في مؤنثه: «عريانة» و «خمصانة»، فقد وجبت فيه حقيقة التذكير فمنزلة هذا من باب «غضبان» كمنزلة «أفكل» [1] من باب «أحمر»، وكمنزلة «حبنطى» [2] من باب «حبلى» و «سكرى».
وسنذكرها بعقب هذا الباب إن شاء الله.
فأمّا «حسّان»، و «سمّان»، و «تبّان» فأنت في هذه الأسماء مخيّر:
إن أخذت ذلك في «السمن»، و «التبن»، و «الحسن»، فإنما وزنها «فعّال».
وإن أخذت «حسّان» من «الحسّ»، و «سمّان» من «السّمّ»، و «تبّان» من «التبّ»، لم تصرفه في المعرفة لزيادة الألف والنون، وصرفته في النكرة.
فأمّا «فينان» فالنون فيه أصل بمنزلة الدال في «حمّاد»، وذلك منصرف في المعرفة والنكرة لأنّ معناه: كثير الفنون، كأفنان الشجر، فهو منصرف على كلّ حال، وتقديره من الفعل «فيعال» على وزن «بيطار».
وكذلك: «مرّان» لأنّه «فعّال»، ومعناه: «المرانة»، أي: «اللّين».
فعلى هذا تصريف ما ينصرف وما لا ينصرف من هذا الباب.
فأمّا ما كانت نونه زائدة وليست فيها ألف، فمنصرف في المعرفة والنكرة لأنّه لا يشبه «فعلان فعلى» المنقلبة نونه من ألفه.
فمن ذلك: «رعشن» إنّما هو من «الارتعاش» قال [من الرجز]:
[363] من كلّ رعشاء وناج رعشن
[1] الأفكل: الرعدة، واسم موضع. (لسان العرب 11/ 530 (فكل)).
[2] الحبنطى: الممتلىء غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[363] التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص 162والمنصف 3/ 26وبلا نسبة في المنصف 1/ 166.(3/279)
وكذلك: «سرحان» لو صغّرته فقلت: «سريحين»، لصرفت «سريحينا» في المعرفة والنكرة، وما كان مثله نحو تصغيرك «سلطانا»، و «ضبعانا» إذا قلت: «سليطين»، و «ضبيعين».
وكذلك «ضيفن» النون زائدة لأنّه الذي يجيء مع الضيف، فتقدّره: «فعلن».
* * * اللغة: الرعشاء: الناقة السريعة لاهتزازها، والجمل رعشن، أي: سريع لاهتزازه في السير. وناج: سريع أيضا.
المعنى: يريد أن راحلته في هذه الرحلة ركوبة من هذه الركائب السريعة.
الإعراب: من كل: جار ومجرور متعلقان بحال من (المنتحيات) في البيت السابق. رعشاء: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. وناج: «الواو»: حرف عطف، «ناج»: معطوف على (رعشاء) مجرور بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة. رعشن: صفة ل (ناج) مجرورة.
والشاهد فيه: أن (فعلن) وزن تأتي عليه الصفة، ف (رعشن) وزنها (فعلن) وهي صفة كما لاحظنا.(3/280)
هذا باب ما كانت آخره ألف مقصورة للتأنيث، وللإلحاق
أمّا ما كانت ألفه للتأنيث، نحو: «حبلى»، و «سكرى»، فقد تقدّم قولنا فيه أنّه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.
وأمّا ما كانت الألف فيه زائدة للإلحاق فمصروف في النكرة لأنّه ملحق بالأصول، وممنوع من الصرف في المعرفة لأنّ ألفه زائدة كزيادة ما كان للتأنيث، فموضعه من «حبلى» وأخواتها كموضع «أفكل» من «أحمر»، وكموضع «عثمان» من «عطشان».
فمن ذلك «حبنطى» إنّما هو من «حبط بطنه»، فالنون والألف زائدتان لتبلغ بهما بناء «سفرجل»، وعلى هذا تقول للمرأة: «حبنطاة»، ولو كانت الألف للتأنيث، لم تدخل عليها الهاء لأنّه لا يدخل تأنيث على تأنيث.
وكذلك: «أرطى» ملحق ب «جعفر»، ووزنه «فعلى» ملحق ب «فعلل»، وعلى ذلك تقول في الواحدة: «أرطاة».
ومثله: «معزى» ملحق ب «هجرع» [1]، و «درهم».
فأمّا ما كان مثل: «ذفرى» [2]، و «تترى» [3] الذي يكون فيه الأمران: الإلحاق والتأنيث، وما كان من بابه فسنذكره في موضعه إن شاء الله.
* * * [1] الهجرع: من وصف الكلاب السلوقيّة الخفاف، والطويل الممشوق، والأحمق من الرجال. (لسان العرب 8/ 368 (هجرع)).
[2] الذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن، وهو من القفا: هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن.
(لسان العرب 4/ 307 (ذفر)).
[3] تقول: جاؤوا تترى، أي: متواترين متتابعين. (لسان العرب 5/ 276 (وتر)).(3/281)
هذا باب ما كان من «أفعل» نعتا يصلح فيه التأويلان جميعا
فمن ذلك «أجدل»، و «أخيل» الأجود فيهما أن يكونا اسمين لأنّ «الأجدل» إنّما يدلّ على الصقر بعينه، و «الأخيل» أيضا: اسم طائر.
فإن قال قائل: إنّ «أجدل» إنّما هو مأخوذ من «الجدل» وهي شدّة الخلق و «أخيل» إنّما هو «أفعل» مأخوذ من «الخيلان»، وكذلك: «أفعى» إنّما هو «أفعل» مأخوذ من الفعاوة.
قيل له: فإنّه كذلك، وإلى هذا كان يذهب من يراه نعتا، ولا يصرفه في معرفة ولا نكرة، وليس بأجود القولين.
أجودهما: أن تكون أسماء منصرفة في النكرة لأنّها وإن كان أصلها ما ذكرنا فإنّما تدلّ على ذات شيء بعينه.
ألا ترى أنّ «أجدل» لا يدلّ إلّا على الصقر، تقول: «أجدل» بمنزلة قولنا: «صقر».
وكذلك «أفعى» لا يدلّ إلّا على هذا الضرب من الحيّات.
ومثل ذلك: «أخيل» لأنّه يدلّ على طائر بعينه.
وهو الذي يلزم عندي في «أبغث» الطائر.
فأمّا «الأسود»، إذا عنيت الحيّة، و «الأدهم»، إذا أردت القيد، و «الأرقم»، إذا عنيت الحيّة، فنعوت غير منصرفة في معرفة ولا نكرة لأنّها تحلية لكلّ ما نعت بها غير دالّة على لون بعينه.
* * * فأمّا «أوّل» فهو يكون على ضربين: يكون اسما، ويكون نعتا موصولا به «من كذا».
وأمّا كونه نعتا، فقوله: «هذا رجل أوّل منك»، و «جاءني هذا أوّل من مجيئك»، و «جئتك أوّل من أمس».
وأمّا كونه اسما، فقوله: «ما تركت له أوّلا ولا آخرا»، كما تقول: «ما تركت له قديما ولا حديثا».(3/282)
وأمّا كونه نعتا، فقوله: «هذا رجل أوّل منك»، و «جاءني هذا أوّل من مجيئك»، و «جئتك أوّل من أمس».
وأمّا كونه اسما، فقوله: «ما تركت له أوّلا ولا آخرا»، كما تقول: «ما تركت له قديما ولا حديثا».
وعلى أيّ الوجهين سمّيت به رجلا، انصرف في النكرة لأنّه على باب الأسماء بمنزلة «أفكل»، وعلى باب النعوت بمنزلة «أحمر».
* * * فأمّا «أرمل» فإنّه اسم نعت به. والدليل على ذلك أنّ مؤنّثه على لفظه. تقول للمرأة:
«أرملة»، ولو كان نعتا في الأصل، لكان مؤنّثه «فعلاء» كما تقول: «أحمر»، و «حمراء»، فقولهم: «أرملة» دليل على أنّه اسم.
وكذلك «أربع» إنّما هو اسم للعدد وإن نعت به في قولك: «هؤلاء نسوة أربع»، لا اختلاف في ذلك.
وإنّما جاز أن يقع نعتا وأصله الاسم لأن معناه: معدودات كما تقول: «مررت برجل أسد» لأنّه معناه: شديد.
فإن قال قائل: فالرجل ليس ب «أسد» ولكن معناه: مثل أسد، و «الأربع» حقيقة عدد.
قيل: إنّما يخرج هذا وشبهه على تأويل الفعل وصحّته إذا جاز في التمثيل، ومثل الشيء غيره إذا كان المثل مضافا إليه، ولكنّه الأوّل الذي هو نعته.
فالشيء الذي يخرج على أنّه الأوّل على غير حذف أجود.
ألا ترى أنّ قولك: «زيد أسد» معناه: مثل أسد، فقد حذفت المثل وأنت تريده، ولولا تقديرك المثل، لم يكن كلاما. وقولك: «جواريك أربع» حقيقة على غير حذف، ولكن لمّا أردت النعت، قدّرت تقدير الفعل لأنّ النعت تحلية ألا ترى أنّك إذا قلت: «مررت برجل مثلك»، فإنّما أردت مشبه لك، ولولا ذلك، لم يكن نعتا.
وكان الأخفش لا يصرف «أرمل»، ويزعم أنّه نعت في الأصل، وله احتجاج نذكره في موضعه إن شاء الله.
وليس على هذا القول أحد من النحويّين علمناه.
* * *
فأمّا «أجمع» و «أكتع»، فمعرفة ولا يكون إلّا نعتا. فإن سمّيت بواحد منهما رجلا، صرفته في النكرة.(3/283)
* * *
فأمّا «أجمع» و «أكتع»، فمعرفة ولا يكون إلّا نعتا. فإن سمّيت بواحد منهما رجلا، صرفته في النكرة.
والفصل بينه وبين «أحمر» وجميع بابه، أنّ «أحمر» كان نعتا وهو نكرة، فلمّا سمّيت به، ازداد ثقلا، و «أجمع» لم يكن نكرة، إنّما هو معرفة ونعت، فإذا سمّيت به، صرفته في النكرة لأنّك لست تردّه إلى حال كان فيها لا ينصرف.
فأمّا «أولق» [1]، و «أيصر» [2] فإنّ في كلّ واحد منهما حرفين من حروف الزيادة. ففي «أولق» «الهمزة» و «الواو»، فلا بدّ من الاشتقاق حتّى يعلم أيّهما الأصل؟ فنظرت إلى «أولق» فإذا الفعل منه «ألق الرجل فهو مألوق»: إذا أصابه لمم من الجنون. فعلمنا أنّ الهمزة أصل، وأنّ الواو زائدة فتقديره: «فوعل» مثل: «كوثر». فهو مصروف في المعرفة والنكرة.
وكذلك «أيصر» يجمع على «فعال»، فيقال في جمعه: «إصار»، فتثبت الهمزة، وتسقط الياء كما قال الأعشى [من المتقارب]:
فهذا يعدّ لهنّ الخلى ... وينقل ذا بينهنّ الإصارا [3] * * *
[1] الأولق: الأحمق. (لسان العرب 8/ 10 (ألق)).
[2] الأيصر: الحشيش المجتمع، وكساء فيه حشيش. (لسان العرب 4/ 2423 (أصر)).
[3] تقدم بالرقم 358.(3/284)
هذا باب تسمية الواحد مؤنّثا كان أو مذكّرا بأسماء الجمع
قد تقدّم قولنا في جمع التكسير إنّه بمنزلة الواحد. يمنعه من الصرف ما يمنع الواحد، فإذا نقلت منه شيئا، فسمّيت به مذكّرا، فهو على تلك الحال، وذلك أنّك إن سمّيت مذكّرا «أنمارا»، أو «كلابا»، انصرف كما ذكرت لك في «أفعال» لأنّ هذا المثال ينصرف في المعرفة والنكرة.
فإن سمّيته «أكلب»، و «أكعب»، لم ينصرف في المعرفة لزيادة الهمزة في أوّله لأنّها على مثال «أعبد»، و «أقتل».
وينصرف هذا المثال في النكرة لأنّه ليس بنعت، وإنّما الممتنع من الصرف من هذا المثال في النكرة «أفعل» الذي يكون نعتا لأنّه لا يقع شيء ممّا على وزن الأفعال نعتا إلّا ما كان على «أفعل».
فإن سميّته ب «غلمان»، لم ينصرف وكان ك «سرحان» الذي هو واحد.
فإن سميّته ب «قضبان» فحاله كحال «عثمان» في الامتناع من الصرف في المعرفة، وأنّه ينصرف في النكرة لأنّه ليس شيء من هذا المثال يكون له «فعلى» إلّا ما كان على «فعلان» الذي هو في السكون والحركة، والزيادتين على مثال: «حمراء». فهذا يجمع هذا الضرب من الجمع.
فأمّا ما كانت فيه هاء التأنيث، جمعا كان أو واحدا، نحو: «طلحة»، و «نسّابة»، و «أجربة»، و «صياقلة»، فقد أجملنا القول فيه أنّه لا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة، واحدا كان أو جمعا، قليل العدد كان أو كثيرا، عربيّا كان أو أعجميّا.
فإن سميّت رجلا ب «مساجد»، و «قناديل» فإنّ النحويّين أجمعين لا يصرفون ذلك في معرفة ولا نكرة، ويجعلون حاله وهو اسم لواحد كحاله في الجمع.
وعلى هذا لم يصرفوا «سراويل»، وإن كانت قد أعربت لأنّها وقعت في كلام العرب على مثال ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.
فأمّا العجمة، فقد زالت عنها بأنّها قد أعربت، إلّا أبا الحسن الأخفش فإنّه كان إذا سمّى بشيء من هذا رجلا أو امرأة، صرفه في النكرة، فهذا عندي هو القياس، وكان يقول إذا منعه من الصرف أنّه مثال لا يقع عليه الواحد، فلمّا نقلته، فسميّت به الواحد، خرج من ذلك المانع.(3/285)
وعلى هذا لم يصرفوا «سراويل»، وإن كانت قد أعربت لأنّها وقعت في كلام العرب على مثال ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.
فأمّا العجمة، فقد زالت عنها بأنّها قد أعربت، إلّا أبا الحسن الأخفش فإنّه كان إذا سمّى بشيء من هذا رجلا أو امرأة، صرفه في النكرة، فهذا عندي هو القياس، وكان يقول إذا منعه من الصرف أنّه مثال لا يقع عليه الواحد، فلمّا نقلته، فسميّت به الواحد، خرج من ذلك المانع.
وكان يقول: الدليل على ذلك ما يقول النحويّون في «مدائنيّ»، وبابه أنّه مصروف في المعرفة والنكرة.
و «صياقلة» أنّه مصروف في النكرة ممتنع بالهاء من الصرف في المعرفة لأنّهما قد خرجا إلى مثال الواحد.
قيل له: فلم لم تصرف «مساجد» إذا كان اسم الرجل في المعرفة؟
فقال: إنّ بناءه قد بلغ به مثال ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهو عنده في هذا المثال بمنزلة الملحق بالألف ممّا فيه ألف التأنيث، وبمنزلة «أفكل» وبابه، من «أحمر» وبابه، وبمنزلة «عثمان» و «سرحان»، من باب: «غضبان» و «سكران».
فأمّا «سراويل»، فكان يقول فيها: العرب يجعلها بعضهم واحدا، فهي عنده مصروفة في النكرة على هذا المذهب.
ومن العرب من يراها جمعا واحدا «سروالة» وينشدون [من المتقارب]:
[364] عليه من اللّؤم سروالة ... [فليس يرقّ لمستعطف]
[364] التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 233والدرر 1/ 88وشرح التصريح 2/ 212وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 270وشرح شواهد الشافية ص 100وشرح المفصل 1/ 64 ولسان العرب 11/ 334 (سرل) وهمع الهوامع 1/ 25.
الإعراب: عليه: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. من اللؤم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت «سروالة». سروالة: مبتدأ مؤخّر. فليس: الفاء: استئنافية، «ليس»: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره (هو). يرقّ: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو».
لمستعطف: جار ومجرور متعلقان ب «يرقّ».
وجملة «عليه سروالة»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ليس يرق»: استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «يرق»: في محلّ نصب خبر «ليس».(3/286)
فمن رآها جمعا يقال له: إنّما هي اسم لشيء واحد، فيقول: جعلوه أجزاء كما تقول: «دخاريص القميص»، والواحد «دخرصة» [1] فعلى هذا كان يرى أنّها بمنزلة «قناديل» لأنّها جمع لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، ولكن إن سمّى بها، صرفها في النكرة كما وصفت لك في غيرها
* * * واعلم أنّ كلّ جمع ليس بينه وبين واحده إلّا الهاء، فإنّه جار على سنّة الواحد وإن عنيت به جمع الشيء لأنّه جنس.
من أنّثه فليس إلى الاسم يقصد، ولكنّه يؤنّثها على معناه كما قال عزّ وجلّ: {تَنْزِعُ النََّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (2) لأنّ النخل جنس. وقال: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهََا صَرْعى ََ كَأَنَّهُمْ أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} (3) لأنّه جمع «نخلة» فهو على المعنى جماعة.
ألا ترى أنّ «القوم» اسم مذكّر! وقال عزّ وجلّ: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} (4) لأنّ التقدير والله أعلم: إنّما هو جماعة قوم نوح.
وذلك الجمع نحو: «حصاة» و «حصى»، و «قناة» و «قنا»، و «شعيرة» و «شعير»، وكل ما كان مثل هذا فهذا مجازه.
* * * ومن الجمع ما يكون اسما للجمع، ولا واحد له من لفظه، فمجاز ذلك أن يكون مؤنّثا كالواحد الذي يعنى به الشيء المؤنّث، إلّا ما كان لجماعة الآدميّين، وذلك نحو: «غنم»، و «إبل»، فإنّك تقول في تصغيره: «غنيمة»، و «أبيلة» كما تقول في تصغير «دار»:
«دويرة»، وتصغير «هند»: «هنيدة».
الشاهد فيه قوله: «سروالة» حيث وردت لغة في «سراويل»، لأنّها بمعناه، وقد احتجّ به من قال إنّ جمعها «سراويل»، وهو ممنوع من الصرف لكونه جمعا. وقال سيبويه: «سراويل» واحد، وهو أعجمي.
[1] الدخرصة: واحدة الدخاريص، وهو من الثوب والدرع ما يوصل به البدن ليوسّعه. (لسان العرب 7/ 35 (دخرص)).
__________
(2) القمر: 20.
(3) الحاقة: 7.
(4) الحج: 42وص: 12وغافر: 5وق: 12والقمر: 9.(3/287)
وأمّا ما كان من الآدميّين من ذلك فنحو: «رهط» و «نفر» و «قوم»، لا تقول في تصغير شيء من ذلك إلّا كما تقول في تصغير الواحد المذكّر: «قويم»، و «رهيط»، و «نفير».
فإن سميّت بشيء من جميع هذا المؤنّث الذي ليس فيه علامة تأنيث، ولا مانع ممّا ذكرت رجلا، فهو مصروف في المعرفة والنكرة، وذلك نحو: «عنوق»: جمع «عناق» [1].
وكذلك كلّ ما كان جمعه لمؤنّث أو مذكّر، ولم يمنعه من الصرف ما يمنع الواحد، فهو مصروف إذا سميّت به مذكّرا.
فإن قال قائل: فكيف انصرف في المعرفة، وأصله التأنيث؟
فإنّما ذلك لأنّ تأنيثه ليس بحقيقيّ، إنّما قلت: «هي الجمال»، و «هي الرجال» على معنى هي جماعة الرجال، وجماعة الجمال.
ألا ترى أنّ المؤنّث والمذكّر يخرجان إلى اسم واحد، فتقول: «هي أينق» كما تقول:
«هي الجمال» فإنّما تريد بها جميعا: جماعة. فأمّا الواحد فتأنيثه وتذكيره واقعان له.
* * * والتأنيث والتذكير في الواحد على ضربين:
أحدهما: حقيقة، والآخر: لفظ، فهما في ترك الصرف سواء، لأنّ الصرف إنّما هو للفظ، وليسا في الإخبار عنهما سواء.
فأمّا الحقيقيّ فما كان في الرجل والمرأة، وجميع الحيوان لأنّك لو سمّيت رجلا «طلحة»، لخبّرت عنه كما يخبّر إذا كان اسمه مذكّرا.
ولو سميّت امرأة، أو غيرها من إناث الحيوان باسم مذكّر، لخبّرت عنها كما كنت تخبّر عنها واسمها مؤنّث. وذلك نحو امرأة سميّتها «جعفرا» فتقول: «جاءتني جعفر» كما تقول: «جاءتني حمدة»، ولا يجوز أن تقول: «جاءني» لأنّ التأنيث حقيقة، كما لا يجوز أن تقول: «جاءتني طلحة»، وأنت تعني رجلا.
والتأنيث الثاني، والتذكير نحو قولك: «يوم»، و «ليلة»، و «بلدة»، و «دار» و «منزل»، فليس في هذا أكثر من اللفظ.
فلو قلت: «قصر ليلتك»، و «عمر دارك»، لجاز لأنّ «الدار» و «المنزل» شيء
[1] العناق: الأنثى من المعز. (لسان العرب 10/ 274 (عنق)).(3/288)
واحد. ليس في «الدار» حقيقة تصرفها عن ذلك، وكذلك: «البلد» و «البلدة»، قال الله عزّ وجلّ: {فَمَنْ جََاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} (1) وقال: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} (2).
وقال في تأنيث الجمع: {وَقََالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (3) لأنّ الإخبار ليس عن واحد.
فإن قال: «قام جواريك»، صلح، ولو قال: «قام جاريتك»، لم يجز، وكذلك لا يجوز: «قام مسلماتك»، و «جاراتك» ولكن: «قامت» لأنّ هذا جمع حقيقيّ. لا يغيّر الواحد عن بنائه إلّا أن يضطرّ شاعر كما قال [من الوافر]:
* لقد ولد الأخيطل أمّ سوء [4] * ولو قال في الشعر: «قام جاريتك»، لصلح، وليس بحسن حتّى تذكر بينهما كلاما، فتقول: «قام يوم كذا وكذا جاريتك»، ولا يجوز مثل هذا عندنا في الكلام. وهذا الجمع إنّما هو على حدّ التثنية. فالألف والتاء في المؤنّث كالواو والنون في المذكّر.
* * * __________
(1) البقرة: 275.
(2) هود: 67.
(3) يوسف: 30.
[4] تقدم بالرقم 170.(3/289)
هذا باب تسمية المؤنّث
اعلم أنّ كلّ أنثى سميّتها باسم على ثلاثة أحرف فما زاد، فغير مصروف، كانت فيه علامة التأنيث أو لم تكن، مذكّرا كان الاسم أو مؤنّثا، وذلك نحو امرأة سميّتها «قدما» أو «قمرا» أو «فخذا» أو «رجلا».
فإن سميّتها بثلاثة أحرف أوسطها ساكن. فكان ذلك الاسم مؤنّثا أو مستعملا للتأنيث خاصّة، فإن شئت، صرفته، وإن شئت، لم تصرفه إذا لم يكن في ذلك الاسم علم التأنيث، نحو «شاة»، فإنّ ذلك قد تقدّم قولنا فيه. وذلك نحو امرأة سميّتها ب «شمس» أو «قدر»، فهذه الأسماء المؤنّثة.
وأمّا المستعملة للتأنيث، فنحو: «جمل»، و «دعد»، و «هند». فأنت في جميع هذا بالخيار، وترك الصرف أقيس.
فأمّا من صرف فقال: «رأيت دعدا»، و «جاءتني هند»، فيقول: خفّت هذه الأسماء لأنّها على أقلّ الأصول، فكان ما فيها من الخفّة معادلا ثقل التأنيث.
ومن لم يصرف قال: المانع من الصرف لما كثر عدّته نحو: «عقرب» و «عناق»، موجود فيما قلّ عدده كما كان ما فيه علامة تأنيث في الكثير العدد والقليلة سواء.
فإن سميّت مؤنّثا باسم على هذا المثال أعجميّ، فإنّه لا اختلاف فيه أنّه لا ينصرف في المعرفة، وذلك نحو امرأة سمّيتها ب «خشّ» أو ب «دلّ»، أو ب «جاز» لأنّه جمع مع التأنيث عجمة. فاجتمع فيه مانعان.
* * * فإن سميّت مؤنّثا بمذكّر على هذا الوزن عربيّ، فإن فيه اختلافا.
فأمّا سيبويه والخليل والأخفش والمازنيّ، فيرون أنّ صرفه لا يجوز لأنّه أخرج من
بابه إلى باب يثقل صرفه، فكان بمنزلة المعدول. وذلك نحو امرأة سميّتها «زيدا» أو «عمرا».(3/290)
فأمّا سيبويه والخليل والأخفش والمازنيّ، فيرون أنّ صرفه لا يجوز لأنّه أخرج من
بابه إلى باب يثقل صرفه، فكان بمنزلة المعدول. وذلك نحو امرأة سميّتها «زيدا» أو «عمرا».
ويحتجّون بأنّ «مصر» غير مصروفة في القرآن لأنّ اسمها مذكّر عنيت به البلدة.
وذلك قوله عزّ وجلّ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (1) فأمّا قوله عزّ وجلّ: {اهْبِطُوا مِصْراً} (2)
فليس بحجّة عليه لأنّه مصر من الأمصار، وليس «مصر» بعينها. هكذا جاء في التفسير، والله أعلم.
وأمّا عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبو عمر الجرميّ وأحسبه قول أبي عمرو بن العلاء فإنّهم كانوا إذا سمّوا مؤنّثا بمذكّر على ما ذكرنا، رأوا صرفه جائزا، ويقولون: نحن نجيز صرف المؤنّث إذا سمّيناه بمؤنّث على ما ذكرنا. وإنّما أخرجناه من ثقل إلى ثقل، فالذي إحدى حالتيه حال خفّة، أحقّ بالصرف كما أنّا لو سمّينا رجلا، أو غيره من المذكّر باسم مؤنّث على ثلاثة أحرف ليس له مانع لم يكن إلّا الصرف. وذلك أنّك لو سميّت رجلا «قدما» أو «فخذا» أو «عضدا»، لم يكن فيه إلّا الصرف لخفّة التذكير.
وكذلك لو سمّيته باسم أعجميّ على ثلاثة أحرف متحرّكات، جمع، أو ساكنة الحرف الأوسط، لكان مصروفا. لا يجوز إلّا ذلك لأنّ الثلاثة أقلّ الأصول، والتذكير أخفّ الأبواب.
فكلّ مذكّر بثلاثة أحرف، فمصروف إلّا أن تكون فيه هاء التأنيث نحو: «شاة»، و «ثبة» فقد قلنا في الهاء، أو تكون فيه زيادة فعل، نحو: «يعد»، و «يضع» أو يكون من المعدول: ك «عمر» و «قثم»، أو يكون على ما لا تكون عليه الأسماء، نحو: «ضرب»، و «قتل»، وقد تقدّم قولنا في هذا.
فأمّا ما كان من المذكّر المسمّى باسم مؤنث على أربعة أحرف فصاعدا، أو بأعجميّ على هذه العدّة فغير منصرف في المعرفة وذلك لأنّه إنّما انصرف فيما كان من المؤنّث على ثلاثة أحرف ممّا ذكرت لك لأنّها الغاية في قلّة العدد، فلمّا خرج عن ذلك الحدّ منعه ثقل المؤنّث من الانصراف.
__________
(1) الزخرف: 51.
(2) البقرة: 61.(3/291)
والأعجميّ المذكّر يجري مجرى العربيّ المؤنّث في جميع ما صرّف فيه.
ألا ترى أنّ «نوحا» و «لوطا» اسمان أعجميّان وهما مصروفان في كتاب الله عزّ وجلّ! فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وَعََاداً وَثَمُودَ وَأَصْحََابَ الرَّسِّ} (1)، وقوله: {أَلََا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} (2)، {وَإِلى ََ ثَمُودَ أَخََاهُمْ صََالِحاً} (3) فإنّ «ثمود» اسم عربيّ، وإنّما هو «فعول» من «الثّمد»، فمن جعله اسما لأب أو حيّ، صرفه، ومن جعله اسما لقبيلة أو جماعة، لم يصرفه، ومكانهم من العرب معروف فلذلك كان لهم هذا الاسم.
وعلى ذلك اسم «صالح».
فأمّا الأسماء المشتقّة غير المغيّرة، فهي تبين لك عن أنفسها.
* * * واعلم أنّ الشاعر إذا اضطرّ، صرف ما لا ينصرف. جاز له ذلك لأنّه إنّما يردّ الأسماء إلى أصولها.
وإن اضطرّ إلى ترك صرف ما ينصرف، لم يجز له ذلك وذلك لأنّ الضرورة لا تجوّز اللّحن، وإنّما يجوز فيها أن تردّ الشيء إلى ما كان له قبل دخول العلّة، نحو قولك في «رادّ» إذا اضطررت إليه: «هذا رادد» لأنّه «فاعل» في وزن «ضارب»، فلحقه الإدغام، كما قال [من البسيط]:
مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا [4] لأنّ «ضنّ» إنّما هو «ضنن»، فلحقه الإدغام وذلك قوله [من الرجز]:
يشكو الوجى من أظلل وأظلل [5] وعلى هذا قال الشاعر [من الكامل]:
فلتأتينك قصائد وليركبن ... جيش إليك قوادم الأكوار [6]
__________
(1) الفرقان: 38.
(2) هود: 68.
(3) هود: 61.
[4] تقدم بالرقم 42.
[5] تقدم بالرقم 91.
[6] تقدم بالرقم 46.(3/292)
ونحو ذلك.
ألا ترى أنّه ما كان من ذوات الياء فإنّ الرفع والخفض لا يدخلانه نحو: «هذا قاض» فاعلم، و «مررت بقاض»، فلمّا احتاج إليه الشاعر، ردّه إلى أصله فقال [من المنسرح]:
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلّا لهنّ مطّلب [1] وقال الشاعر مثله [من الطويل]:
فيوما يجارين الهوى غير ماضي ... ويوما ترى منهنّ غول تغول [2] فعلى هذا إجراء ما لا يجري لما وصفت لك.
* * * [1] تقدم بالرقم 43.
[2] تقدم بالرقم 47.(3/293)
هذا باب تسمية السّور والبلدان
أمّا قولك: «هذه هود»، و «هذه نوح»، فأنت مخيّر:
إن أردت هذه سورة نوح، وهذه سورة هود، فحذفت «سورة» على مثال ما حذف من قوله عزّ وجلّ: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (1) فمصروف. تقول: «هذه هود»، و «هذه نوح».
وإن جعلت واحدا منهما اسما للسورة، لم تصرفه في قول من رأى ألّا يصرف «زيدا»، إذا كان اسما لامرأة. هذا في «هود» خاصّة.
وأمّا «نوح»، فإنّه اسم أعجميّ لا ينصرف إذا كان اسما لمؤنّث، كما ذكرت لك قبل هذا. فأمّا «يونس»، و «إبراهيم»، فغير مصروفين، للسورة جعلتهما أو للرجلين للعجمة.
ويدلّك على ذلك أنّك إذا قلت: «هذه يونس» أنّك تريد: هذه سورة يونس، فحذفت كما أنّك تقول: «هذه الرحمن».
وأمّا «حاميم» فإنّه اسم أعجميّ لا ينصرف، للسورة جعلته أو للحرف ولا يقع مثله في أمثلة العرب. لا يكون اسم على «فاعيل». فإنّما تقديره تقدير: «هابيل».
وكذلك: «طس»، و «يس» فيمن جعلهما اسما كما قال لمّا جعله اسما للسورة [من الطويل]:
يذكّروني حاميم والرّمح شاجر ... فهلّا تلا حاميم قبل التقدّم [2]
__________
(1) يوسف: 82.
[2] تقدم بالرقم 83.(3/294)
وقال الكميت [من الطويل]:
وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأوّلها منّا تقيّ ومعرب [1] وأمّا فواتح السّور فعلى الوقف لأنّها حروف مقطّعة فعلى هذا تقول: {الم ذََلِكَ} (2)، و {حم وَالْكِتََابِ} (3) لأنّ حقّ الحروف في التهجّي التقطيع كما قال [من الرجز]:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخطّ رجلاي بخطّ مختلف
تكتّبان في الطريق لام الف [4] فهذا مجاز الحروف.
فأمّا «نون» في قولك: «قرأت نونا يا فتى»، فأنت مخيّر: إن أردت «سورة نون»، وجعلته اسما للسورة، جاز فيه الصرف فيمن صرف «هندا»، وتدع ذلك في قول من لم يصرفها.
وكذلك: «صاد»، و «قاف».
وهذه الأسماء التي على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إنّما هي بمنزلة امرأة سمّيتها «دارا».
* * * فأمّا البلاد، فإنّما تأنيثها على أسمائها، وتذكيرها على ذلك تقول: «هذا بلد»، و «هي بلدة»، وليس بتأنيث الحقيقة، وتذكيره كالرجل والمرأة.
فكلّ ما عنيت به من هذا «بلدا»، ولم يمنعه من الصرف ما يمنع «الرجل» فاصرفه.
وكلّ ما عنيت به من هذا «بلدة» منعه من الصرف ما يمنع «المرأة»، وصرفه ما يصرف اسم المؤنّث، على أنّ منها ما يغلب عليه أحد المذهبين والوجه الآخر فيه جائز، والأصل ما ذكرت لك.
[1] تقدم بالرقم 81.
__________
(2) البقرة: 1، 2.
(3) الزخرف: 1، 2والدخان: 1، 2.
[4] تقدم بالرقم 78.(3/295)
وذلك نحو: «فلج»، و «حجر»، و «قباء»، و «حراء».
فأمّا «المدينة»، و «البصرة»، و «الكوفة»، و «مكّة»، فحرف التأنيث يمنعها.
وأمّا «بغداد» ونحوها، فالعجمة تمنعها.
و «عمان»، و «دمشق» فالأكثر فيهما التأنيث، يراد البلدتان والتذكير جائز، يراد:
البلدان.
كما أنّ «واسطا» الأغلب عليه التذكير لأنّه اسم مكان وسط البصرة والكوفة، فإنّما هو نعت سمّي به. ومن أراد البلدة، لم يصرفها وجعلها كامرأة سميّت «ضاربا».
ألا ترى أنّه لمّا جعل «حراء» اسما لبقعة، لم يصرفه وقال [من الوافر]:
[365] ستعلم أيّنا خير قديما ... وأعظمنا ببطن حراء نارا
فأصل هذا ما تقصد به إليه.
ألا ترى أنّه يقول [من الرجز]:
[366] من كان ذا شكّ فهذا فلج ... ماء رواء، وطريق نهج
[365] التخريج: البيت لجرير في الكتاب 3/ 245ولسان العرب 14/ 174 (حري) ولم أقع عليه في ديوانه.
اللغة: حراء: اسم جبل.
المعنى: لا بد أن تعرف من منّا الأفضل مكانة ومكانا، ومن منّا صاحب النار الكبرى في بطن حراء.
الإعراب: ستعلم: «السين»: حرف استقبال، «تعلم»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، و «الفاعل»:
ضمير مستتر تقديره (أنت). أيّنا: «أيّ»: اسم موصول في محلّ نصب مفعول به، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. خير: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة، بتقدير (أينا هو خير). قديما: تمييز منصوب بالفتحة. وأعظمنا: «الواو»: للعطف، «أعظم»: معطوف على (خير) مرفوع بالضمّة، و «نا»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ببطن: جار ومجرور متعلّقان ب (أعظم). حراء: مضاف إليه مجرور بالفتحة عوض عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. نارا: تمييز منصوب بالفتحة.
وجملة «ستعلم»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «هو خير قديما»: صلة الموصول الاسمّي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: «ببطن حراء» حيث منع (حراء) من الصرف.
[366] التخريج: الرجز بلا نسبة في لسان العرب 14/ 345 (روي) ومعجم ما استعجم ص 1027.
اللغة: فلج: اسم بلد، أو اسم واد، أو طريق. وماء رواء: ماء عذب. وطريق نهج: طريق واضحة.(3/296)
فقال: «فهذا»، ولم يقل: «فهذه» لأنّه أراد بلدا.
* * * المعنى: من كان في شك مما أقول، فليتحقق من الأمر بنفسه.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان: ماض ناقص مبني على الفتح، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). ذا: خبر (كان) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة.
شك: مضاف إليه. فهذا: «الفاء»: رابطة لجواب الشرط، «هذا»: «ها»: للتنبيه، «ذا»: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فلج: خبر مرفوع، أو بدل من (هذا). ماء: خبر مرفوع. رواء: صفة ل (ماء).
وطريق: «الواو»: حرف عطف، «طريق»: معطوف على (ماء). نهج: صفة ل (طريق).
وجملة «من كان ذا شك فهذا فلج»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «كان ذا شك»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. والفعل (كان) محله الجزم. وجملة «فهذا فلج»: جواب شرط جازم مقترن بالفاء، محلها الجزم. ومجموع جملتي فعل الشرط وجوابه خبر للمبتدأ (من).
والشاهد فيه: تذكيره اسم الإشارة (هذا) لأنّه قدّر في (فلج) معنى البلد والمكان، لا معنى البقعة.(3/297)
هذا باب أسماء الأحياء والقبائل
فمجاز هذا مجاز ما ذكرنا قبل في البلدان. تقول: «هذه تميم»، و «هذه أسد»، إذا أردت هذه قبيلة تميم، أو جماعة تميم، فتصرف لأنّك تقصد قصد تميم نفسه.
وكذلك لو قلت: «أنا أحبّ تميما»، أو «أنت تهجو أسدا». إذا أردت ما ذكرنا، أو جعلت كلّ واحد منهما اسما للحيّ.
فإن جعلت شيئا من ذلك اسما للقبيلة، لم تصرفه على ما ذكرنا قبل. تقول: «هذه تميم» فاعلم، و «هذه عامر قد أقبلت».
وعلى هذا تقول: «هذه تميم ابنة مرّ»، وإنّما تريد القبيلة، كما قال [من الكامل]:
[367] لولا فوارس تغلب ابنة وائل ... نزل العدوّ عليك كلّ مكان
[367] التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 345.
اللغة والمعنى:
الإعراب: لولا: حرف شرط غير جازم. فوارس: مبتدأ خبره محذوف. تغلب: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. ابنة: صفة ل (تغلب) مجرورة أو بدل منها. وائل: مضاف إليه مجرور.
نزل: فعل ماض. العدو: فاعل. عليك: جار ومجرور متعلقان ب (نزل). كلّ: منصوب بنزع الخافض. مكان:
مضاف إليه.
وجملة «لولا فوارس نزل العدو»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «فوارس تغلب موجودة»: جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «نزل العدو»: جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه: تأنيث (تغلب) لأنّه قصد إلى معنى القبيلة لا إلى معنى الحيّ.(3/298)
وكما قال الله عزّ وجلّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} (1) لأنّ المعنى: الجماعة، وعلى هذا: {كَذَّبَتْ عََادٌ} (2) و {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} (3) لأنّه عنى القبيلة والجماعة.
* * * فأمّا ما كان من هذا اسما لا يقع عليه «بنو كذا»، فإنّ التذكير فيه على وجهين:
على أن تقصد قصد «الحيّ»، أو تعمد ل «الأب» الذي سمّي به القبيل، وذلك نحو:
«قريش»، و «ثقيف». تقول: «جاء قريش يا فتى»، إنّما تريد: حيّ قريش، وجماعة قريش.
فهي بمنزلة ما قبلها إلّا فيما ذكرنا من أنّك لا تقول: «بنو قريش» كما تقول: «بنو تميم» لأنّه اسم للجماعة، وإن كانوا إنّما سمّوا بذلك لرجل منهم.
وقد اختلف الناس في هذه التسمية لأيّ معنى وقعت؟ إلّا أنّ الثبت عندنا أنّها إنّما وقعت لقصيّ بن كلاب، ولذلك قال اللهبيّ [من الخفيف]:
[368] وبنا سمّيت قريش قريشا
و «ثقيف» كذلك إنّما هو تلقيب القبيلة أو الحيّ، المقصود في ذلك أبوها قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن.
__________
(1) الشعراء: 105.
(2) الشعراء: 123.
(3) القمر: 23.
[368] التخريج: الشطر للمشمرج بن عمرو الحميريّ في خزانة الأدب 1/ 204وبلا نسبة في لسان العرب 6/ 335 (قرش) والرواية فيهما:
وقريش هي التي تسكن البح ... ر بها سمّيت قريش قريشا
اللغة: قريش: سمك القرش، وبه سمّيت القبيلة العربية المشهورة بهذا الاسم كما يقول الشاعر.
الإعراب: وبنا: «الواو»: بحسب ما قبلها، «بنا»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (سميت). سمّيت:
فعل ماض مبني للمجهول، و «التاء»: للتأنيث. قريش: نائب فاعل. قريشا: مفعول به.
وجملة «سمّيت»: بحسب الواو.
والشاهد فيه: بيان سبب تسمية (قريش) قريشا.(3/299)
ومن جعل هذه الأسماء واقعة على قبائل أو جماعات، لم يصرفه، كما قال [من الكامل]:
[369] غلب المساميح الوليد سماحة ... وكفى قريش المعضلات وسادها
جعله اسما للقبيلة كما قال الأعشى [من الطويل]:
[370] ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة ... وإنّ معدّ اليوم مود ذليلها
جعل «معدّ» اسما للقبيلة يدلّك على ذلك قوله: «مود ذليلها».
[369] التخريج: البيت لعدي بن الرقاع في ديوانه ص 40وخزانة الأدب 1/ 203وشرح أبيات سيبويه 2/ 282والطرائف الأدبيّة ص 90ولسان العرب 6/ 335 (قرش) ولجرير في لسان العرب 2/ 489 (سمح) ولم أقع عليه في ديوانه وبلا نسبة في ما ينصرف وما لا ينصرف ص 59.
اللغة: المساميح: جمع سمح، وهو الذي خلقه السماحة والجود. المعضلات: الشدائد. سادها:
صار سيدها ووالي أمورها.
المعنى: لقد تفوق الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي على أصحاب السماحة والكرم، وقد ساد بعزته وكبريائه قريش ورفع من شأنها.
الإعراب: «غلب»: فعل ماض مبني على الفتحة. «المساميح»: مفعول به منصوب بالفتحة.
«الوليد»: فاعل مرفوع بالضمة. «سماحة»: تمييز منصوب بالفتحة. «وكفى»: الواو: عاطفة، «كفى»: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة، والفاعل (هو). «قريش»: مفعول به منصوب بالفتحة. «المعضلات»:
مفعول به ثان منصوب بالكسرة بالنيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. «وسادها»: الواو: عاطفة، «سادها»: فعل ماض مبني على الفتحة و «ها»: مفعول به، والفاعل «هو».
وجملة «غلب الوليد»: ابتدائية. وجملة «كفى قريش المعضلات»: معطوفة على ما قبلها لا محل لها من الإعراب. وجملة «سادها»: معطوفة على ما قبلها لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «قريش» منع من الصرف لأن الشاعر أراد بها القبيلة، فكان منعه من الصرف جاريا على القاعدة المطردة لوجود سببين مانعين من الصرف.
[370] التخريج: البيت للأعشى في شرح أبيات سيبويه 2/ 238وما ينصرف وما لا ينصرف ص 59وليس في ديوانه وبلا نسبة في الكتاب 3/ 251ولسان العرب 3/ 406 (معد).
اللغة: الحصى: كناية عن الكثرة. مود: مهلك.
المعنى: إذا كثر عدد من حصل من الأشراف وأهل المجد والعدد لم يكن عددنا قليلا فنهلك ونذهب ونضيع سدى من القلة والذلة.
الإعراب: «ولسنا»: الواو: بحسب ما قبلها، «لسنا»: فعل ماض ناقص و «نا»: اسمها. «إذا»: اسم مبني في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بخبر (ليس). «عدّ»: فعل ماض مبني للمجهول.(3/300)
على أنّه قد يجوز أن يقول «مود ذليله»، لو أراد أبا القبيلة لأنّه يريد: جماعة معدّ، ولكنّ ترك الصرف قد أعلمك أنّه يريد القبيلة، وأنّ ذليلها على ذلك جاء.
فإذا قلت: «ولد كلاب كذا»، و «ولد تميم كذا»، فالتذكير والصرف لا غير لأنّك الآن إنّما تقصد الآباء. وأمّا قوله [من الطويل]:
[371] بكى الخزّ من عوف وأنكر جلده ... وعجّت عجيجا من جذام المطارف
فإنّه جعله اسما للقبيلة.
«الحصى»: نائب فاعل مرفوع بالضمة المقدرة. «بأقلة»: الباء: حرف جر زائد، «أقلة»: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر (لسنا). «وإن»: الواو: استئنافية، «إن»: حرف مشبه الفعل. «معدّ»: اسمها منصوب بالفتحة. «اليوم»: مفعول فيه ظرف زمان متعلق باسم الفاعل (مودي). «مود»: خبر إن مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة. «ذليلها»: فاعل لاسم الفاعل (مودي) مرفوع بالضمة و «ها»:
مضاف إليه.
وجملة «لسنا»: استئنافية، وكذلك جملة «إن معد». وجملة «عدّ»: في محل جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: «معد» منع من الصرف لأنه أريد به القبيلة، فمنع لاشتماله على العلمية والتأنيث.
[371] التخريج: البيت لحميدة بنت النعمان في سمط اللآلي ص 180ومعجم الأدباء 11/ 20 وبلا نسبة في الكتاب 3/ 248وما ينصرف وما لا ينصرف ص 57.
اللغة: الخزّ: نوع من الثياب تنسج من صوف وإبريسم. عوف: ويروى «روح» وهو روح بن زنباع، أمير فلسطين في عهد عبد الملك بن مروان. عجّت: رفعت صوتها. جذام: قبيلة روح. المطارف: الثياب التي ميّزت أطرافها، والأغلب أن تكون من الخزّ.
المعنى: لقد كره الثوب الصوفي جلد عوف هذا، وبكى لكثرة ملازمته جسده، وصاحت ثياب بني قومه صياحا منكرا بسبب رائحته.
الإعراب: بكى: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. الخز: فاعل مرفوع بالضمة. من عوف: جار ومجرور متعلّقان ب (بكى). وأنكر:: «الواو»: للعطف «أنكر»: فعل ماض مبني على الفتح، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (هو). جلده: مفعول به منصوب بالفتحة، و «الهاء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وعجّت: «الواو»: للعطف، «عجت»: فعل ماض مبني على الفتح، و «التاء»: للتأنيث.
عجيجا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. من جذام: جار ومجرور متعلقان ب (عجت). المطارف: فاعل (عجت) مرفوع بالضمّة.
وجملة «بكى»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أنكر»: معطوفة عليها لا محلّ لها وكذلك جملة «عجّت».
والشاهد فيه قوله: «جذام» حيث منع صرف الاسم على إرادة القبيلة.(3/301)
وأمّا قولك: «هذه رقاش يا فتى» على مذهب بني تميم، و «هذه رقاش» في قول أهل الحجاز، فلهذا موضع سنبيّنه في عقب هذا الباب إن شاء الله.
و «رقاش» امرأة، وأبو القبيل عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وكذلك «سلول»، و «سدوس»، فليس من هذا مصروفا إلّا في النكرة، وإنّما ذلك بمنزلة «باهلة»، و «خندف» وإن كان في «باهلة» علامة التأنيث.
* * *
هذا باب تسمية الرجال والنساء بأسماء السّور والأحياء والبلدان(3/302)
* * *
هذا باب تسمية الرجال والنساء بأسماء السّور والأحياء والبلدان
اعلم أنّك إذا سمّيت رجلا باسم شيء من ذلك على ثلاثة أحرف ليس فيه مانع ممّا قدّمنا ذكره، فهو مصروف وإن وقع في الأصل مؤنّثا، كما ذكرت لك في رجل يسمّى «هندا» أو «قدما» أو «فخذا».
فإن سمّي بشيء على أربعة أحرف أو أكثر، وكان عربيّا مذكّرا، فهو مصروف.
وإن كان أعجميّا أو مؤنّثا، لم ينصرف. وذلك قولك في رجل يسمّى «حاميم»: «هذا حاميم مقبلا» لأنّه أعجميّ على ما وصفت لك.
فإن سمّيته «صالحا» أو «شعيبا»، وذلك الاسم اسم لسورة، انصرف لأنّه في الأصل مذكّر، وإن علّقته على مؤنّث، فإنّما ذلك بمنزلة «غزال» و «سحاب»، سمّيت بواحد منهما امرأة، ثمّ سمّيت بذلك الاسم رجلا، فإنّما تردّه إلى أصله.
وإنّما ذكرنا أنّ «هندا» و «دعدا» و «جملا» أسماء مؤنّثة لأنّها وقعت مشتقّة للتأنيث، فكانت بمنزلة ما أصله التأنيث إذ كان المؤنّث المختصّ بها.
ومن ثمّ لا يصرف عند أكثر النحويّين «أسماء بن خارجة» لأنّ «أسماء» قد اختصّ به النساء حتّى كأن لم يكن جمعا قطّ، والأجود فيه الصرف وإن ترك إلى حالته التي كان فيها جمعا للاسم، وعلى ذلك صرف هؤلاء النحويّون «ذراعا» اسم رجل لكثرة تسمية الرجال به، وأنّه وصف للمذكّر في قولك: «هذا حائط ذراع»، والأجود ألّا يصرف اسم رجل لأنّ «الذراع» في الأصل مؤنّثة.
* * * فإن سمّيت السورة أو الرجل أو غير ذلك بفعل، أجريته مجرى الأسماء، وذلك أنّك تقول إذا أضفت إلى {اقْتَرَبَتِ السََّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (1): «قرأت سورة إقتربه» لأنّك إذا
__________
(1) القمر: 1.(3/303)
سمّيت بفعل فيه تاء تأنيث صارت في الوقف هاء لأنّك نقلته إلى اسم، فصار آخره كآخر «حمدة» لأنّه في الأصل مدرج بالتاء، والتاء علامة التأنيث، وإنّما تبدل منها في الوقف «هاء»، وتقطع «ألف الوصل» كما أنّك لو سمّيت رجلا بقولك: «اضرب» في الأمر، قطعت الألف حتى تصير كألفات الأسماء، فتقول: «هذا إضرب قد جاء»، فتصيّره بمنزلة «إثمد». فعلى هذا قلت: «هذه سورة إقتربه»، فإن وصلت، قلت: «هذه سورة اقتربت الساعة» لأنّها الآن فعل رفعت بها «الساعة»، وسمّيت بهما جميعا كما أنّك لو سمّيت رجلا: «قام زيد»، لقلت: «هذا قام زيد» لأنّك سميت بفعل وفاعل.
ولهذا موضع نذكره فيه على حدته إن شاء الله.
* * *
هذا باب ما كان من الأسماء المعدولة على «فعال»(3/304)
* * *
هذا باب ما كان من الأسماء المعدولة على «فعال»
اعلم أنّ الأسماء التي تكون على هذا الوزن على خمسة أضرب: فأربعة منها معدولة، وضرب على وجهه.
فذلك الضرب هو ما كان مذكّرا، أو مؤنّثا غير مشتقّ، ويجمع ذلك أن تكون ممّا أصله النكرة.
فأمّا المذكّر، فنحو قولك: «رباب»، و «سحاب»، و «جمال».
وأمّا المؤنّث، فنحو قولك: «عناق»، و «أتان»، و «صناع».
فما كان من هذا مذكّرا، فمصروف إذا سمّيت به رجلا، أو غيره من المذكّر.
وما كان منه مؤنّثا، فغير مصروف في المعرفة، ومصروف في النكرة، لمذكّر كان أو لمؤنّث.
وأمّا ما كان معدولا، فمجراه واحد في العدل وإن اختلفت أنواعه.
فمن ذلك ما يقع في معنى الفعل، نحو قولك: «حذار يا فتى»، و «نظار يا فتى»، ومعناه: احذر، وانظر. فهذا نوع.
ومنه ما يقع في موضع المصدر، نحو قولك: «الخيل تعدو بداد يا فتى»، ومعناه:
بددا. ومثله: «لا مساس يا فتى»، أي: لا مماسّة. فهذا نوع ثان.
وتكون صفة غالبة حالّة محلّ الاسم كتسميتهم «المنيّة»: «حلاق يا فتى»، فهذا نوع ثالث.
والنوع الرابع ما كان معدولا للنساء نحو: «حذام»، و «قطام»، إلّا أنّ جملة هذا أنّه لا يكون شيء من هذه الأنواع الأربعة إلّا مؤنّثة معرفة. فأمّا ما لم يكن كذلك، فغير داخل في هذا الباب. ونحن بادئون في تفسيره نوعا نوعا.
أمّا ما كان في معنى الأمر فإنّما كان حقّه أن يكون موقوفا لأنّه معدول عن مصدر
فعل موقوف موضوع في موضعه، فإنّما مجازه مجاز المصادر، إلّا أنّها المصادر التي يؤمر بها نحو: «ضربا زيدا» كما قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1) إلّا أنّ المصدر مقدّر مؤنّثا علما لهذا المعنى: وذلك نحو قوله [من الرجز]:(3/305)
أمّا ما كان في معنى الأمر فإنّما كان حقّه أن يكون موقوفا لأنّه معدول عن مصدر
فعل موقوف موضوع في موضعه، فإنّما مجازه مجاز المصادر، إلّا أنّها المصادر التي يؤمر بها نحو: «ضربا زيدا» كما قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} (1) إلّا أنّ المصدر مقدّر مؤنّثا علما لهذا المعنى: وذلك نحو قوله [من الرجز]:
[372] تراكها من إبل تراكها ... [ألا ترى الموت لدى أوراكها]
إنّما المعنى: اتركها إلّا أنّه اسم مؤنّث موقوف الآخر محرّك بالكسر، لالتقاء الساكنين، وحركته الكسر لما أذكره لك إن شاء الله، ومن ذلك قوله [من الرجز]:
[373] مناعها من إبل مناعها ... ألا ترى الموت لدى أرباعها
__________
(1) محمد: 4.
[372] التخريج: الرجز لطفيل بن يزيد في خزانة الأدب 5/ 160، 162ولسان العرب 10/ 405 (ترك) وبلا نسبة في الإنصاف ص 537وجمهرة اللغة ص 394وشرح المفصّل 4/ 50والكتاب 1/ 241، 3/ 271وما ينصرف وما لا ينصرف ص 72وشرح أبيات سيبويه 2/ 307.
الإعراب: تراكها: اسم فعل أمر بمعنى «اترك» مبنيّ على الكسرة، والفاعل: أنت، و «ها»: ضمير في محلّ نصب مفعول به. من إبل: جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من المفعول به. تراكها: كسابقتها.
ألا: حرف استفتاح أو تنبيه. ترى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. الموت: مفعول به منصوب. لدى:
ظرف متعلّق بمحذوف حال من الموت، وهو مضاف. أوراكها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و «ها»:
ضمير في محلّ جر بالإضافة.
وجملة (تراكها من إبل) الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة وجملة (تراكها) الثانية:
توكيد للجملة الأولى، أو استئنافيّة.
والشاهد فيه قوله: «تراكها» مرتين، حيث اشتقّ من الفعل الثلاثيّ الذي هو «ترك يترك» اسما على وزن «فعال»، واستعمله بمعنى فعل الأمر، وبناه على الكسر.
[373] التخريج: الرجز لراجز من بكر بن وائل في شرح أبيات سيبويه 2/ 298وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 952وخزانة الأدب 5/ 161وشرح المفصل 4/ 51والكتاب 3/ 270وما ينصرف وما لا ينصرف ص 72.
اللغة: مناع: اسم فعل أمر بمعنى امنع. الأرباع: جمع ربع، وهو المنزل والدار بعينها.
المعنى: امنع مسير هذه الإبل إلى هذه الديار لأن موتها محقق فيها.
الإعراب: «مناعها»: اسم فعل أمر مبني بمعنى امنع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. «من إبل»: جار ومجرور متعلقان باسم فعل الأمر.
«مناعها»: توكيد لفظي لا محل له من الإعراب. «ألا»: للاستفتاح والتنبيه. «ترى»: فعل مضارع مرفوع(3/306)
وقال آخر [من الرجز]:
[374] حذار من أرماحنا حذار
وقال آخر [من الرجز]:
[375] نظار كي أركبه نظار
بالضمة المقدرة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. «الموت»: مفعول به منصوب. «لدى»: ظرف مكان متعلق بالفعل ترى. «أرباعها»: مضاف إليه مجرور بالكسرة، و «ها»: في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «مناعها»: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أما ترى»: استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «مناعها»: حيث استعمل (فعال) المأخوذ من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف اسم فعل أمر، وبناه على الكسر.
[374] التخريج: الرجز لأبي النجم في الإنصاف 2/ 539والكتاب 3/ 271ولسان العرب 4/ 176 (حذر) وبلا نسبة في شرح شواهد الإيضاح ص 169ومجالس ثعلب 2/ 651.
الإعراب: حذار: اسم فعل أمر بمعنى «احذر» مبنيّ على الكسرة، والفاعل: أنت. من: حرف جرّ.
أرماحنا: اسم مجرور بالكسرة وهو مضاف، و «نا»: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. حذار: توكيد لفظيّ للأولى، أو كسابقتها.
وجملة «حذار» الفعليّة: لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «حذار» الثانية: توكيد للجملة الأولى، أو استئنافيّة.
والشاهد فيه قوله: «حذار» في الموضعين، حيث بنى من الفعل الثّلاثي التامّ اسما على وزن «فعال»، واستعمله بمعنى فعل الأمر الذي هو احذر، وبناه على الكسر.
[375] التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 116وشرح أبيات سيبويه 2/ 309ولرؤبة في الكتاب 3/ 271.
المعنى: انتظر كي أركب البعير وتمهل.
الإعراب: «نظار»: اسم فعل أمر مبني بمعنى انتظر، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. «كي أركبه»: «كي»: حرف مصدرية ونصب، «أركبه»: فعل مضارع منصوب بالفتحة، والمصدر المؤول من «كي» وما بعدها في محل جرّ باللام المحذوفة، والجار والمجرور متعلقان باسم الفعل نظار، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. «نظار»: توكيد لفظي.
وجملة «نظار»: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «أركبه»: صلة الموصول الحرفي لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: «نظار» فإنه اسم فعل أمر مبني على الكسر بمعنى «انظر» فلو لم يكن فعل الأمر مبنيا لما بني ما ناب منابه.(3/307)
ويدلّك على تأنيثه قول زهير [من الكامل]:
[376] ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ في الذّعر
فقال: «دعيت». وقال زيد الخيل [من الوافر]:
[377] وقد علمت سلامة أنّ سيفي ... كريه كلّما دعيت نزال
[376] التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 89وإصلاح المنطق ص 336وخزانة الأدب 6/ 317، 318، 319والدرر 5/ 300وشرح أبيات سيبويه 2/ 231وشرح التصريح 1/ 50 وشرح شواهد الشافية ص 230وشرح المفصل 4/ 26والشعر والشعرء 1/ 145والكتاب 3/ 271 ولسان العرب 11/ 657، 658 (نزل)، 12/ 18 (أسم) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 75وهمع الهوامع 2/ 105وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 247ورصف المباني ص 232.
اللغة: حشو الدرع: الفارس الذي يرتديه. نزال: اسم فعل أمر بمعنى انزل.
المعنى: أنت شجاع مقدام كأسد جبار، وعند ما تشتد الحرب تنادي الأبطال: نزال، ويصير الناس من الذعر في مثل لجة البحر.
الإعراب: «ولنعم»: «الواو»: بحسب ما قبلها، واللام: حرف ابتداء وتوكيد، «نعم»: فعل جامد لإنشاء المدح. «حشو»: فاعل (نعم) مرفوع بالضمة. «الدرع»: مضاف إليه مجرور. «أنت»: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. «إذا»: ظرف لما يستقبل من الزمان متعلّق بجوابه (دعيت). «دعيت»: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح، والتاء تاء التأنيث الساكنة. «نزال»: اسم فعل أمر بمعنى «انزل» مبني على الكسر، في محل رفع نائب فاعل على الحكاية. «ولجّ»: الواو: عاطفة، «لجّ»: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. «في الذعر»: جار ومجرور متعلقان بالفعل لجّ.
وجملة «لنعم حشو الدرع»: في محل رفع خبر مقدّم للمبتدأ «أنت». وجملة «دعيت»: في محل جرّ بالإضافة. وجملة «لجّ في الذعر»: معطوفة على ما قبلها في محلّ جر.
والشاهد فيه قوله: «نزال» أراد بها «انزل»، أنثها الشاعر، وذلك بتأنيث الفعل «دعيت»، لأنها بمنزلة النّزلة.
[377] التخريج: البيت لزيد الخيل في ديوانه ص 138والحماسة البصرية 1/ 77وخزانة الأدب 6/ 317ولسان العرب 11/ 657 (نزل).
اللغة: يريد بسلامة أبناء سلامة بن سعد بن مالك من بني أسد، وكان زيد يكثر الإغارة عليهم.
المعنى: يدرك هؤلاء القوم جيّدا أنني شجاع، وسيفي باتر إذا ما دعي إلى النزال.
الإعراب: وقد: «الواو»: بحسب ما قبلها، «قد»: حرف تحقيق. علمت: ماض، و «التاء»:
للتأنيث. سلامة: فاعل. أنّ: حرف مشبه بالفعل. سيفي: اسم (أنّ) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: مضاف إليه. كريه: خبر ل (أنّ) مرفوع، كلما: مفعول فيه ظرف زمان متعلق ب (كريه).
ما: مصدرية. دعيت: فعل ماض مبني للمجهول، و «التاء»: للتأنيث. نزال: اسم مبني على الكسر في محل رفع(3/308)
وأمّا ما كان اسما لمصدر غير مأمور به، فنحو قوله [من الكامل]:
[378] وذكرت من لبن المحلّق شربة ... والخيل تعدو بالصّعيد بداد
وقرأ القرّاء: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيََاةِ أَنْ تَقُولَ لََا مِسََاسَ} (1).
فإن قال قائل: ما بالنا لا نجد أكثر المصادر إلّا مذكّرا. وهذا إنّما هو معدول عمّا لا نجد التأنيث في لفظه.
قيل له: قد وجدتم في المصادر مؤنثا كثيرا، كقولك: «أردت إرادة»، و «استخرت استخارة»، و «قاتلت مقاتلة».
* * * نائب فاعل للفعل (دعيت). والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها تسدّ مسدّ مفعولي (علم)، والمصدر المؤول من (ما) والفعل (دعيت) مضاف إليه.
وجملة «علمت»: بحسب الواو، وجملة «دعيت نزال»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (نزال) مؤنثة بدليل تأنيثه الفعل (دعيت).
[378] التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص 241والكتاب 3/ 275ولسان العرب 10/ 64 (حلق) ولعوف بن عطية بن الخرع في جمهرة اللغة ص 999وخزانة الأدب 6/ 368363، 370والدرر 1/ 98وشرح أبيات سيبويه 2/ 299وشرح المفصل 4/ 54ولسان العرب 3/ 78 (بدد) والمعاني الكبير ص 104وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 66وخزانة الأدب 6/ 340وما ينصرف وما لا ينصرف ص 73والمعاني الكبير ص 389وهمع الهوامع 1/ 29.
اللغة: الصعيد: الأرض. بداد: متفرّقة.
الإعراب: وذكرت: الواو: بحسب ما قبلها، «ذكرت»: فعل ماض، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. من لبن: جار ومجرور متعلقان بحال من (شربة)، وهو مضاف. المحلّق: مضاف إليه مجرور.
شربة: مفعول به. والخيل: الواو: حالية، «الخيل»: مبتدأ مرفوع. تعدو: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هي». بالصعيد: جار ومجرور متعلقان ب «تعدو». بداد: اسم في محلّ نصب حال.
وجملة «ذكرت»: بحسب ما قبلها. وجملة «الخيل تعدو»: في محلّ نصب حال. وجملة «تعدو»: في محلّ رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: «بداد» وهو اسم للتبدّد معدول عن مؤنث «بدة» ثم عدلها إلى بداد.
__________
(1) طه: 97.(3/309)
وكلّ مصدر تريد به المرة الواحدة، فلا بدّ من دخول الهاء فيه، نحو: «جلست جلسة واحدة»، و «ركبت ركبة»، وإنّما هذا معدول عن مصدر مؤنّث، كنحو ما ذكرت لك.
والدليل على ذلك أنّ المذكّر من المصادر، وغيرها الذي هو على هذا الوزن مصروف متصرّف نحو: «ذهبت ذهابا»، و «لقيته لقاء» وأنّه لمّا أراد المكسور، قال: «دعيت نزال».
* * * وأمّا ما كان نعتا غالبا، فمنه قوله [من الكامل]:
[379] لحقت حلاق بهم على أكسائهم ... ضرب الرّقاب، ولا يهمّ المغنم
يريد: المنيّة كما قال مهلهل [من الخفيف]:
[380] ما أرجّي العيش بعد ندامى ... كلّهم قد سقوا بكأس حلاق
[379] التخريج: البيت للأخرم بن قارب الطائي أو للمقعد بن عمرو في لسان العرب 10/ 66 (حلق) وشرح أبيات سيبويه 2/ 264وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 59وما ينصرف وما لا ينصرف ص 74.
اللغة: حلاق: اسم المنية. الأكساء: جمع كسء بالفتح، أي على أدبارهم. ضرب الرقاب: أي نضرب رقابهم.
المعنى: إنهم قوم شجعان لا يشغلهم المغنم عن ضرب أعدائهم فهم في مواصلتهم القتال معرّضون للموت، فكأن الموت يلاحقهم حيثما حلوا.
الإعراب: «لحقت»: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث لا محل لها. «حلاق»: فاعل مبني على الكسر في محل رفع. «بهم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (لحقت). «على أكسائهم»: جار ومجرور متعلقان بحال من (حلاق)، و «هم»: مضاف إليه محله الجر. «ضرب»: مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: يضربون ضرب الرقاب. «الرقاب»: مضاف إليه. «ولا»: الواو: حالية، «لا»: نافية. «يهمّ»: فعل مضارع مرفوع. «المغنم»: فاعل.
وجملة «لحقت حلاق»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «يضربون ضرب الرقاب»: حال من الهاء في (بهم). وجملة «لا يهم المغنم»: حال من فاعل (يضربون) محلّها النصب.
والشاهد فيه قوله: (حلاق)، وهو اسم للمنية، معدول عن (الحالقة)، وسميت بذلك لأنها تحلق، وتستأصل.
[380] التخريج: البيت للمهلهل بن ربيعة في شرح شواهد الإيضاح ص 472ولسان العرب 6/ 189 (كأس)، 10/ 66 (حلق) والمقاصد النحوية 4/ 212ولعدي بن ربيعة في معجم الشعراء ص 248ولعدي أو للمهلهل في شرح أبيات سيبويه 2/ 242.
اللغة: النّدامى جمع ندام، والنّدام جمع مفرده نديم، وهو المصاحب على الشراب والمسامر.
حلاق: اسم المنية.(3/310)
وإنّما هذا نعت غالب نظير قوله [من الطويل]:
[381] ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته ... عليه صفيح من تراب منضّد
وإنّما «النابغة» نعت في الأصل، ولكنّه غلب حتّى صار اسما.
* * * وأمّا ما كان اسما علما نحو: «حذام»، و «قطام»، و «رقاش»، فإنّ العرب تختلف فيه:
فأمّا أهل الحجاز فيجرونه مجرى ما ذكرنا قبل لأنّه مؤنّث معدول. وإنّما أصله
المعنى: لا رجاء لي في هذه الحياة بعد أن اختطفت يد المنون أصحابي الذين كنت أسامرهم، وأشرب وإياهم. قال ذلك الشاعر في يوم كان عليه من أيام حرب البسوس فقد فيه أصحابه.
الإعراب: «ما»: نافية مهملة. «أرجّي»: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). «العيش»: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. «بعد»: مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل (أرجّي). «ندامى»: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. «كلّهم»: «كلّ»: مبتدأ مرفوع بالضمة، و «هم»: ضمير في محل جر بالإضافة. «قد»: حرف تحقيق. «سقوا»: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، وواو الجماعة: فاعل محلّه الرفع، والألف:
فارقة. «بكأس»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (سقوا). «حلاق»: مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر.
وجملة «أرجي»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «كلهم قد سقوا»: في محل جرّ صفة ل (ندامى).
وجملة «سقوا»: في محل رفع خبر «كلّهم».
والشاهد فيه قوله: (حلاق) كالشاهد السابق.
[381] التخريج: البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص 49وخزانة الأدب 2/ 268، 6/ 328 وشرح أبيات سيبويه 2/ 224وبلا نسبة في لسان العرب 7/ 431 (وسط)، 8/ 453 (نبغ) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 54.
اللغة: الصفيح: الحجارة العريضة.
المعنى: يصف موت النابغة ودفنه بالرمل، ووضع التراب والصفيح عليه.
الإعراب: «ونابغة»: الواو: بحسب ما قبلها، «نابغة»: مبتدأ مرفوع. «الجعديّ»: مضاف إليه مجرور. «بالرمل»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. «بيته»: مبتدأ مؤخر مرفوع، والهاء:
مضاف إليه محله الجر. «عليه»: جار ومجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. «صفيح»: مبتدأ مؤخر مرفوع. «من تراب»: جار ومجرور متعلقان بصفة ل (صفيح). «منضّد»: صفة ل (تراب) مجرور بالكسرة.
وجملة «نابغة الجعديّ بيته بالرمل»: بحسب (الواو). وجملة «بيته بالرمل»: خبر للمبتدأ (نابغة) محلّها الرفع. وجملة «عليه صفيح»: حال من (بيته) محلّها النصب، ويمكن أن تكون خبرا ثانيا للمبتدأ(3/311)
«حاذمة»، و «راقشة»، و «قاطمة».
ف «فعال» في المؤنّث نظير «فعل» في المذكّر.
ألا ترى أنّك تقول للرجل: «يا فسق»، «يا لكع»، وللمرأة: «يا فساق»، «يا لكاع».
فلمّا كان المذكّر معدولا عمّا ينصرف عدل إلى ما لا ينصرف.
ولمّا كان المؤنّث معدولا عمّا لا ينصرف، عدل إلى ما لا يعرب لأنّه ليس بعد ما لا ينصرف إذ كان ناقصا منه التنوين إلّا ما ينزع منه الإعراب لأنّ الحركة والتنوين حقّ الأسماء، فإذا أذهب العدل التنوين لعلّة، أذهب الحركة لعلّتين.
واختير له الكسر لأنّه كان معدولا عمّا فيه علامة التأنيث، فعدل إلى ما فيه تلك العلامة لأنّ الكسر من علامات التأنيث. ألا ترى أنّك تقول للمؤنث: «إنّك فاعلة»، و «أنت فعلت»، و «أنت تفعلين» لأنّ الكسرة من نوع الياء فلذلك ألزمته الكسرة.
فإن نكّرت شيئا من هذا، أعربته وصرفته، فقلت: «رأيت قطام وقطاما أخرى».
ولو سمّيت به مذكّرا، أعربته، ولم تصرفه لأنّك لا تصرف المذكّر إذا سمّيت بمؤنّث على أربعة فصاعدا، فإنّما هو بمنزلة رجل سمّيته «عقربا» و «عناقا». تقول: «هذا حذام قد جاء»، و «قطام يا فتى»، و «هذا حذام آخر».
وإنّما فعلت ذلك لأنّه لم يلزم الكسر للتأنيث، ولو كان للتأنيث، لكان هذا في «عقرب» و «عناق»، ولكنّه للمعنى، فإذا نقلته إلى المذكّر، زال المانع منه، وجري مجرى مؤنّث سمّيت به مذكّرا ممّا لم يعدل.
وأمّا بنو تميم فلا يكسرون اسم امرأة، ولكنّهم يجرونه مجرى غيره من المؤنّث لأنّهم لا يذهبون به إلى العدل، والدليل على ذلك أنّهم إذا أرادوا العدل، قالوا: «يا فساق أقبلي»، و «يا خباث أقبلي»، لأنّ هذا لا يكون إلّا معدولا.
* * * (نابغة) إذا ردّ إليه الضمير الذي في (عليه).
والشاهد فيه: حذف (أل) من (النابغة) لأنّها كانت فيه للمح الأصل، وهو الوصف بالنبوغ أي ليست للتعريف، لأنّه علم معرّف بعلميته لا ب (أل) كما هي الحال في (الفضل، والحارث، والنعمان) فلما تنوسي الأصل نزّل منزلة سائر الأعلام ك (زيد، وعمرو).(3/312)
وما كان في آخره راء من هذا الباب فإنّ بني تميم يتبعون فيه لغة أهل الحجاز، وذلك أنّهم يريدون إجناح الألف، ولا يكون ذلك إلّا والراء مكسورة، وهذا مبيّن في باب الإمالة.
فتقول للضّبع: «هذا جعار»، فاعلم. وإنّما «جعار» نعت غالب، فصار اسما للضّبع.
فمن ذلك قوله [من الطويل]:
[382] فقلت لها عيثي جعار وجرّري ... بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره
ومنهم من يجري الراء مجرى غيرها، ويمضي على قياسه الأوّل. فمن ذلك قوله [من مخلّع البسيط]:
ومرّ دهر على وبار ... فهلكت عنوة وبار [1] والقوافي مرفوعة.
* * * [382] التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص 220وبلا نسبة في لسان العرب 4/ 125 (جرر)، 4/ 140 (جعر) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 74.
اللغة: عيثي: أفسدي. جعار: اسم للضّبع معدول عن (الجاعرة) وسميت بذلك لأنها تجعر، والجعر: نجو كلّ ذات مخلب من السباع. جرّري: أكثري من الجر، وقوله: «عيثي جعار» مثل يضرب لمن ظفر به عدوه، ولم يكن يطمع فيه من قبل. يشهد: يحضر.
المعنى: لك اليوم ما ترغبين فيه من البطش والفتك بامرىء لا ناصر له.
الإعراب: «فقلت»: الفاء: بحسب ما قبلها، قلت: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل مبني على الضم في محل رفع. «لها»: جار ومجرور متعلقان ب (قلت). «عيثي»: فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة: ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل. «جعار»: منادى مفرد علم مبني على الكسر لفظا، وعلى الضم تقديرا، محله النصب. «وجرّري»: الواو: حرف عطف، «جرّري»: مثل (عيثي). «بلحم»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (جرّري). «امرىء»: مضاف إليه مجرور. «لم»: حرف جازم. «يشهد»: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. «اليوم»:
مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلّق بالفعل (يشهد). «ناصره»: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه محلّه الجر.
وجملة «قلت»: بحسب الفاء. وجملة «عيثي»: مقول القول محله النصب، وعطف عليها جملة (جرري). وجملة «لم يشهد ناصره»: صفة ل (امرىء) محلّها الجر.
والشاهد فيه: أنّ (جعار) معدول عن (الجاعرة) وبنيت على الكسر لأنها أنثى، والكسر يناسب المؤنث.
[1] تقدم بالرقم 270.(3/313)
ومن المعدول: «أخر»، و «سحر»، وعدلهما مختلف.
فأمّا «أخر» فلولا العدل، انصرفت لأنّها جمع «أخرى». فإنّما هي بمنزلة «الظّلم»، و «النّقب»، و «الحفر»، ومثلها ممّا هو على وزنها: «الكبرى» و «الكبر»، و «الصّغرى» و «الصّغر». فباب «فعلى» في الجمع كباب «فعلة»، نحو: «الظّلمة» و «الظّلم»، و «الغرفة» و «الغرف».
وإنّما استويا في الجمع لاستواء الوزن، وأنّ آخر كلّ واحد منهما علامة التأنيث، فإنّما عدلت «أخر» عن الألف واللام من حيث أذكره لك:
وذلك أنّ «أفعل» الذي معه: «من كذا وكذا»، لا يكون إلّا موصولا ب «من»، أو تلحقه الألف واللام نحو قولك: «هذا أفضل منك»، و «هذا الأفضل»، و «هذه الفضلى»، و «هذه الأولى»، و «هذه الكبرى». فتأنيث «الأفعل»: «الفعلى» من هذا الباب. فكان حدّ «آخر» أن يكون معه «من»، نحو قولك: «جاءني زيد ورجل آخر». وإنّما كان أصله: «آخر منه» كما تقول: «أكبر منه»، و «أصغر منه»، فلما كان لفظ «آخر» يغني عن «من» لما فيه من البيان أنّه رجل معه.
وكذلك: «ضربت رجلا آخر»، قد بيّنت أنّه ليس بالأوّل استغناء عن «من» بمعناه.
فكان معدولا عن الألف واللام خارجا عن بابه، فكان مؤنّثه كذلك، فقلت: «جاءتني امرأة أخرى»، ولا يجوز «جاءتني امرأة صغرى» ولا «كبرى»، إلّا أن يقول: «الصغرى» أو «الكبرى». أو تقول: «أصغر منك» أو «أكبر»، فلمّا جمعناها، فقلنا: «أخر»، كانت معدولة عن «الألف» و «اللام» فذلك الذي منعها الصرف. قال الله عزّ وجلّ: {وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (1)، وقال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} (2).
فإن سمّيت به رجلا فهي منصرفة في قول الأخفش ومن قال به. لأنّه يصرف «أحمر» إذا كان نكرة اسم رجل لأنّه قد زال عنه الوصف. وكذلك هذا قد زال عنه العدل، وصار بمنزلة «أصغر» لو يسمّي به رجلا.
* * * __________
(1) آل عمران: 7.
(2) البقرة: 184، 185.(3/314)
وسيبويه يرى أنّه على عدله، ولكلّ مذهب قويّ يطول الكلام بشرحه. وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله.
فأمّا «سحر» فإنّه معدول، إذا أردت به يومك، عن «الألف» و «اللام» فإن أردت «سحرا» من الأسحار، صرفته لأنّه غير معدول.
ألا ترى أنّك تقول: «جاءني زيد ليلة سحرا»، و «قمت مرة سحرا»، و «كلّ سحر طيّب»، فهذا منصرف، فتقول إذا أردت تعريفه: «هذا السّحر خير لك من أوّل الليل»، و «جئتك في أعلى السّحر»، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: {إِلََّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنََاهُمْ بِسَحَرٍ} (1).
فأمّا في يومك، فإنّه غلب عليه التعريف بغير إضافة كما غلب «ابن الزبير» على واحد من بنيه، وكما غلب الوصف في قولك: «النابغة»، فصار كالاسم اللازم، فلمّا كان ذلك، امتنع من الصرف كما امتنع «أخر»، فقلت: «سير عليه سحر يا فتى»، ولم يكن متمكّنا، فترفعه، وتجريه مجرى الأسماء كما تقول: «سير عليه يوم الجمعة»، و «سير عليه يومان»، فامتنع من التصرّف كما امتنع من الصرف.
فإن عنيت الذي هو نكرة صرفته وصرّفته.
وإن صغّرت هذا الذي هو معرفة، صرفته لأنّ «فعيلا» لا يكون معدولا، وصار كتصغير «عمر» لأنّه قد خرج من باب العدل، ولكنّك لا تصرفه في الرّفع، فتقول: «سير عليه سحير يا فتى» إذا عنيت المعرفة.
ولم ينصرف إذا كان مكبّرا معدولا.
فإن سمّيت به رجلا، فلا اختلاف في صرفه.
فيقال لسيبويه: ما بالك صرفت هذا اسم رجل، ولم تفعل مثل ذلك في باب «أخر»؟
فمن حجّة من يحتجّ عنه أن يقول: إن «أخر» على وزن المعدول، وعدل في باب النكرة، فلمّا امتنع في النكرة، كان في المعرفة أولى.
وأمّا أنا، فلا أرى الأمر فيهما إلّا واحدا، ينصرفان جميعا إذا كانا لمذكّر، وترجع «أخر» إذا فارقه العدل إلى باب «صرد» و «نغر».
* * * __________
(1) القمر: 34.(3/315)
فأمّا «غدوة»، فليس من هذا الباب لأنّها بنيت اسما للوقت علما على خلاف بنائها وهي نكرة.
تقول: «هذه غداة طيّبة»، و «جئتك غداة يوم الأحد».
فإذا أردت الوقت بعينه، قلت: «جئتك اليوم غدوة يا فتى»، فهي ترفع وتنصب، ولا تصرف لأنّها معرفة.
* * * فأمّا «بكرة» ففيها قولان:
قال قوم: نصرفها لأنّا إذا أردنا بها يوما بعينه فهي نكرة لأنّ لفظها في هذا اليوم وفي غيره واحد.
وقال قوم: لا نصرفها لأنّها في معنى «غدوة» كما أنّك تجري «كلّهم» مجرى «أجمعين»، فتجريه على المضمر وإن كان «كلّهم» قد يكون اسما وإن لم يكن جيّدا، نحو قولك: «رأيت كلّهم»، و «مررت بكلّهم». ولكن لمّا أشبهتها في العموم، وأجريت مجراها على المضمر، فقلت: «إنّ قومك في الدار كلّهم»، كما تقول: «أجمعون» وكما فتحت «يذر» وليس فيها حرف من حروف الحلق لأنّها في معنى «يدع»، وكلا القولين مذهب، والقائل فيها مخيّر، أعني في جعل «بكرة» إذا أردت يومك، نكرة، إن شئت، ومعرفة إن شئت.
* * * ومن المعدول قولهم: «مثنى»، و «ثلاث»، و «رباع»، وكذلك ما بعده.
وإن شئت جعلت مكان «مثنى» «ثناء يا فتى» حتّى يكون على وزن: «رباع» و «ثلاث». وكذلك «أحاد»، إن شئت قلت: «موحد» كما قلت: «مثنى». قال الله عزّ وجلّ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ} (1) وقال عزّ وجلّ: {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ} (2) وقال الشاعر [من الوافر]:
[383] منت لك أن تلاقيني المنايا ... أحاد أحاد في شهر حلال
__________
(1) فاطر: 1.
(2) النساء: 3.
[383] التخريج: البيت لعمرو بن ذي الكلب الهذلي في جمهرة اللغة ص 102، 507، 1047 وشرح أشعار الهذليين 2/ 570ولسان العرب 12/ 151 (جمم) والمعاني الكبير ص 840وللهذلي في(3/316)
وقال الآخر [من الطويل]:
[384] ولكنّما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد
شرح أشعار الهذليين 1/ 245وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 17والدرر 1/ 90وشرح المفصل 1/ 62 وهمع الهوامع 1/ 26. (ويروى: «في الشهر الحرام»).
اللغة: منت: قدّرت. وأحاد أحاد: واحدا واحدا.
المعنى: يقول: لقد قدّرت لك المنايا أن ألتقيك وحدي، وأن تلتقيني وحدك.
الإعراب: منت: فعل ماض، و «التاء»: للتأنيث. لك: جار ومجرور متعلقان بالفعل (منت). أن: حرف ناصب ومصدري. تلاقيني: مضارع منصوب ب (أن) وعلامة نصبه الفتحة، و «النون»: للوقاية، و «ياء» المتكلم: مفعول به، والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت). والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تلاقيني) مفعول به للفعل (منت). المنايا: فاعل ل (منت). أحاد أحاد: حال منصوبة. في شهر: جار ومجرور متعلقان بالفعل (تلاقيني). حلال: صفة ل (شهر).
وجملة «منت المنايا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «تلاقيني»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه: أن (أحاد أحاد) معدولان عن (واحدا واحدا).
[384] التخريج: البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 1166وشرح أبيات سيبويه 2/ 235وشرح شواهد المغني 2/ 942والكتاب 3/ 225، 226والمقاصد النحوية 4/ 350 وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 567والجنى الداني ص 619وشرح المفصل 1/ 62، 8/ 57واللمع ص 238وما ينصرف وما لا ينصرف ص 44.
اللغة: أنيسه: ضد وحشه، ولعلّها معدولة عن أناسه. تبغّى: تطلب.
المعنى: إن أهلي موجودون في واد تسكنه الحيوانات المتوحشة، فألطف وآنس ما فيه ذئاب تطلب الناس وتطاردها واحدا، أو اثنين معا. أو: هم في واد بشره كالذئاب التي تطارد الناس.
الإعراب: ولكنما: «الواو»: حرف استئناف، «لكنما»: كافّة ومكفوفة. أهلي: مبتدأ مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بواد: جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الياء المحذوفة بسبب تنوين الاسم المقصور، متعلّقان بخبر (أهلي) المحذوف، بتقدير (أهلي موجودون أو مقيمون). أنيسه: مبتدأ مرفوع بالضمّة، و «الهاء»: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
ذئاب: خبر (أنيسه) مرفوع بالضمّة. تبغى: (أصلها تتبغى) فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (هي). الناس: مفعول به منصوب بالفتحة. مثنى: صفة (ذئاب) مرفوعة بضمّة مقدّرة على الألف. وموحد: «الواو»: للعطف، «موحد»: معطوف على (مثنى) مرفوع بالضمّة.
وجملة «أهلي مقيمون»: استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أنيسه ذئاب»: في محلّ جرّ صفة ل (الوادي).
وجملة «تبغى»: في محلّ رفع صفة ل (ذئاب).
والشاهد فيه قوله: «مثنى وموحد» حيث جاء بالعددين (واحد واثنان) معدولين إلى (مثنى وموحد).(3/317)
وتأويل العدل في هذا: أنّه أراد واحدا واحدا، واثنين اثنين.
ألا تراه يقول: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ} (1) والعدل يوجب التكثير كما أنّ «يا فسق» مبالغة في قولك: «يا فاسق»، وكذلك «يا لكع» [2]، و «يا لكاع».
وأمّا قولهم: «الثلاثاء» و «الأربعاء» يريدون: «الثالث» و «الرابع»، فليس بمعدول لأنّ المعنى واحد، وليس فيه تكثير، ولكنّه مشتقّ بمعنى اليوم ك «العديل» و «العدل».
و «العديل»: ما كان من الناس، و «العدل»: ما كان من غير ذلك، والمعنى في المعادلة سواء.
ألا ترى أنّ «الخميس» مصروف فهذان دليلان، وكذلك لزوم الألف واللام، لهذه الأيّام كما يلزم «النّجم»، و «الدّبران» [3] لأنّهما معرفة. وقد أبان ذلك «الأحد» و «الاثنان» لأنّه على وجهه.
وقد فسّرت لك باب العدل لتتناول القياس من قرب، وتميز بعضه من بعض إن شاء الله.
ونظير «العدل» و «العديل» قولهم: «امرأة ثقال»، و «رزان». وتقول لما ثقل وزنه:
«ثقيل»، و «رزين». إنّما تريد في المرأة أنّها متوقّرة لازمة لموضعها فعلى هذا بناؤه إن شاء الله.
* * * __________
(1) فاطر: 1.
[2] يا لكع: سبّ للأنثى، وكذلك «يا لكاع».
[3] الدبران: نجم بين الثريّا والجوزاء، ويقال له: التابع والتّويبع. (لسان العرب 4/ 271 (دبر)).(3/318)
هذا باب الأمثلة التي يمثّل بها أوزان الأسماء والأفعال
تقول: كلّ «أفعل» في الكلام يكون نعتا، فغير مصروف، وإن كان اسما، انصرف.
فإن قال قائل: لم قلت، كلّ «أفعل» يكون وصفا، لا ينصرف، وأنت قد صرفت «أفعلا» هذه التي ذكرت أنّها تكون وصفا؟
قيل له: «أفعل» ليس وصفا في الكلام مستعملا وإنّما هو مثال يمثّل به.
فإنّما قلت: إذا كان هذا المثال وصفا، لم ينصرف، ولو كان هذا شيئا قد علم وصفا، لم تصرفه، ولم تقل: إذا كان وصفا، ولكن تقول: لأنّه وصف كما تقول: كلّ «آدم» في الكلام لا ينصرف لأنّ «آدم» نعت مفهوم وعلى هذا تقول: كلّ «أفعل» في الكلام، تريد به الفعل فهو مفتوح لأنّ «أفعلا» مثال، وليس بفعل معروف، وموقعه بعد كلّ وهو مفرد يدلّك على أنّه اسم.
ولكن لو قلت: كلّ «أفعل زيد» مفتوح، لم يكن إلّا هكذا لأنّك قد رفعت به «زيدا»، فأخلصته فعلا، ووقعت «كلّ» عليه لأنّه عامل ومعمول فيه، فهو حكاية.
ونظير ذلك قولك: «هذا رجل أفعل» فاعلم فلا تصرف «أفعل» لأنّك وضعته موضع النعت كما وضعت الأوّل موضع الفعل، هذا قول الخليل وسيبويه.
وكان المازنيّ يقول: «هذا رجل أفعل»، فيصرف «أفعلا» هذا، ويقول: لأنّه ليس بنعت معلوم.
وأمّا «أفعل زيد»، فيجعله «فعلا» لأنّه قد رفع «زيدا» به، وهو مذهب.
وقول الخليل وسيبويه أقوى عندنا.
فإذا قلت «أفعل» إذا كان نعتا، لم ينصرف «أفعل» لأنّه معرفة وإنما بدأت به لذلك.
فكأنّك قلت: «هذا البناء»، إذا كان نعتا.
وتقول: كلّ «فعلان» له «فعلى» لا ينصرف، وإن لم تكن له «فعلى» فمصروف.
وإنّما صرفت «فعلانا» ها هنا لأنّه ليس بشيء معروف له «فعلى» والقول فيه القول في الأوّل. وعلى ذلك تقول: «فعلان»، إذا كانت له «فعلى»، لم ينصرف، فلا تصرف «فعلان» لأنّه معرفة كما قلنا فيما قبله.(3/319)
وتقول: كلّ «فعلان» له «فعلى» لا ينصرف، وإن لم تكن له «فعلى» فمصروف.
وإنّما صرفت «فعلانا» ها هنا لأنّه ليس بشيء معروف له «فعلى» والقول فيه القول في الأوّل. وعلى ذلك تقول: «فعلان»، إذا كانت له «فعلى»، لم ينصرف، فلا تصرف «فعلان» لأنّه معرفة كما قلنا فيما قبله.
وتقول: كلّ «فعنلى» في الكلام، فاصرفه لأنّ هذا مثال ما ينصرف في النكرة.
و «كلّ» لا يقع بعدها إلّا نكرة، وإنّما هو مثال: «حبنطى» [1]، و «سرندى» [2]، و «سبندى» [3] ونحوه.
وتقول: كلّ «فعلى» في الكلام، و «فعلى» فلا ينصرف لأنّ الألف للتأنيث، وإن شئت، قلت: كلّ «فعلى» في الكلام و «فعلى يا فتى»، فتصرفه، لأنّ هذا المثال للإلحاق يكون وللتأنيث. وإنّما تمنعه ألفه لا معناه، فإن قدّرتهما تقدير الملحق انصرفتا. وكانت ك «معزى» و «أرطى».
فإن قدّرتهما تقدير التأنيث، كانتا ك «دفلى» و «تترى» تكون للأمرين جميعا، والأجود التأنيث.
وتقول: كلّ «فعلى» في الكلام لا ينصرف لأنّ هذا المثال لا يكون إلّا للتأنيث، وهو باب «حبلى»، و «بهمى».
وكذلك كلّ «فعلاء» في الكلام لا ينصرف. هذا المثال لا يكون إلّا للتأنيث نحو:
«حمراء»، و «صحراء».
وتقول: كلّ «فعلاء»، و «فعلاء» فمصروف لأنّه مثال لا يكون إلا ملحقا مصروفا في المعرفة والنكرة. وذلك نحو: «علباء»، و «حرباء».
* * * [1] الحبنطى: الممتلىء غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[2] السرندى: الجريء، وقيل: الشديد. (لسان العرب 3/ 212 (سرد)).
[3] السبندى: الجريء من كلّ شيء. (لسان العرب 3/ 203 (سبد)).(3/320)
وأما «فعلاء» فنحو قولك: «قوباء [1] فاعلم»: لأنّه ملحق ب «فسطاط» كما أنّ «علباء» ملحق ب «سرداح» [2]. فهذا يبيّن لك جميع هذه الأمثلة إن شاء الله.
* * * [1] القوباء والقوباء: داء جلديّ. (انظر: لسان العرب 1/ 693 (قوب)).
[2] السرداح: الناقة الطويلة، وجماعة الطلح، والمكان اللّيّن ينبت النجمة والنّصيّ والعجلة. (لسان العرب 2/ 482 (سردح)).(3/321)
الجزء الرابع
المقتضب تأليف أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد المتوفّى سنة 285هـ تحقيق مراجعة حسن حمد الدكتور إميل يعقوب الجزء الرّابع منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان
بسم الله الرّحمن الرّحيم(4/323)
المقتضب تأليف أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد المتوفّى سنة 285هـ تحقيق مراجعة حسن حمد الدكتور إميل يعقوب الجزء الرّابع منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذا باب إيضاح الملحقة وتبيين الفصل بينها وبين غيرها
تقول فيما كان على أربعة أحرف كلّها أصل، نحو: «جعفر»، و «جلجل» [1]، و «قمطر» [2]، و «سبطر» [3]، و «حبرج» [4]، و «درهم»، وغير ذلك إذا أردت أن تبلّغ وزنه ما أصله الثلاثة، فقلت في مثل «جعفر»: «جدول»، ف «الواو» زائدة ألحقت الثلاثة ببناء الأربعة، فصار: «جدول» في وزن: «جعفر» وإنّما هو من «الجدل»، فهذه الواو زائدة ألحقته بهذا المثال، ف «الواو» ملحقة.
فإن قلت: «عجوز»، أو «رغيف»، أو «رسالة»، ف «الياء» و «الواو» و «الألف» زوائد، ولسن بملحقات لأنهنّ لم يبلغن بالثلاثة مثالا من أمثلة الأربعة. فهذا الملحق، وما كان مثله.
وما كان من الزوائد لا يبلغ بالثلاثة مثالا من أمثلة الأربعة والخمسة، ولا يبلغ الأربعة مثال الخمسة، فليس بملحق.
ف «سرحان» ملحق ب «سرداح» [4]، وإنّما امتنع من الصرف في المعرفة لأنّ في آخره الزائدتين اللتين في آخر «غضبان»، وقد أشبهه من هذه الجهة.
[1] الجلجل: الجرس الصغير، وغلام جلجل: خفيف الروح نشيط في عمله. (لسان العرب 11/ 122 (جلل)).
[2] القمطر: الجمل القويّ السريع، وقيل: الجمل الضخم القويّ، وشبه سفط يسفّ من قصب. (لسان العرب 5/ 116 (قمطر)).
[3] السبطر: الرجل الطويل، والماضي، ومن نعت الأسد بالمضاءة والشدّة. (لسان العرب 4/ 342 (سبطر)).
[4] السرداح: الناقة الطويلة، وجماعة الطلح، ومكان ليّن ينبت النجمة والنّصيّ والعجلة. (لسان العرب 2/ 482 (سردح)).(4/325)
و «حبنطّى» [1] ملحق ب «سفرجل» ب «النون» و «الألف»، وإنّما منعه من الصرف في المعرفة آخره كآخر «حبلى» في الزيادة، فأشبهها من هذه الجهة، ولكنّ الزوائد يكنّ كزوائد «حبلى» فلذلك لم ينصرف في المعرفة.
* * * فإن قلت: ما بال «حرباء» [2]، و «علباء» [3]، و «قوباء» [4] ينصرفن في المعرفة والنكرة، والزائدتان في آخر كلّ واحد منها كالزائدتين في آخر «حمراء». هلّا ترك صرفهنّ في المعرفة كما ترك صرف ما ذكرنا من الملحقات؟
فالفصل بينهما أنّ الأوائل التي وصفنا، ألفاتها غير منقلبة، وألفات هذه منقلبة من ياءات قد باينت ألفات التأنيث لأنّ تلك لا تكون إلّا منقلبة من شيء، فقد باينتها.
والدليل على ذلك قولهم: «درحاية» [5]، إنّما هي «فعلاية». فلو ذكّرت قلت: «درحاء» كما ترى كقولك: «سقّاء»، و «غزّاء يا فتى».
ألا ترى أنّ النحويّين لا يجيزون ترخيم رجل في النداء يسمّى «حبلويّ» في قول من قال: «يا حار» [6] فرفع لأنّ الذي يقول: «يا حار» لا يعتدّ بما ذهب، ويجعله اسما على حياله.
فإذا رخّم «حبلويّ»، لزمه أن يقول: «يا حبلى أقبل» لأنّ الواو تنقلب ألفا لفتحة ما قبلها، ومثال «فعلى» لا يكون إلّا للتأنيث، ومحال أن تكون ألف التأنيث منقلبة، فقد صار مؤنّثا مذكّرا في حال فلهذا ذكرت لك أنّه محال.
* * * [1] الحبنطى: الممتلىء غضبا أو بطنه. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[2] الحرباء: مسمار الدرع. (لسان العرب 1/ 306 (حرب)).
[3] العلباء: عصب العنق. (لسان العرب 1/ 627 (علب)).
[4] القوباء والقوباء داء جلديّ يعالج ويداوى بالريق. (لسان العرب 1/ 693 (قوب)).
[5] الدرحاية: الكثير اللحم، القصير السمين، الضخم البطن، اللئيم الخلقة. (لسان العرب 2/ 434 (درح)).
[6] ترخيم «يا حارث».(4/326)
هذا باب جمع الأسماء المؤنّثة بعلامة التأنيث إذا وقعت لمذكّر أو مؤنّث، فعلامات التأنيث الألف فيها، مقصورا كان أو ممدودا.
فالمقصور نحو «سكرى»، و «غضبى»، و «حبلى».
والممدود نحو: «حمراء»، و «صفراء»، و «صحراء».
وما كان بالهاء في الوقف ك «حمدة»، و «طلحة».
فما كان من هذا اسما لامرأة، فغير ممتنع من الألف والتاء نحو: «حبليات»، و «سكريات» و «حمراوات»، و «صفراوات»: تبدل من الألف التي هي طرف واوا كما تفعل في التثنية إذا قلت «حمراوان».
ولو كانت أصلا، لكان الأجود أن تبدل منها همزة، كما كان في الواحد قبل أن يثنّى، فيكون ما كان منه مبدلا من ياء أو واو، بمنزلة الهمزة الأصلية، فتقول في «كساء»: «كساءان» وفي «قرّاء»: «قرّاءان». فالهمزة في «قرّاء» أصل، وفي «كساء» مبدلة، وكذلك: «سقّاء»، وما كان مثله يجوز في هذا أجمع بدل الواو.
وأمّا ما كان مثل: «علباء»، و «حرباء»، فبدل الواو فيه أجود لأنّ ألفيه زائدتان، فهما يشبهان ألفي التأنيث من جهة الزيادة.
وأمّا ما كان مثل: «غزّاء»، و «سقّاء» فالإبدال فيه جائز، وليس كجوازه في الأوّل لأنّ الهمزتين مبدلتان من ياء أو واو، وهما أصلان.
وأمّا ما كان مثل: «قرّاء»، فقد يجوز هذا فيه على قبح لأنّ الهمزة أصل، وليست بمبدلة من شيء.
والأصل في هذا أجمع: أنّه كلّ ما كان مذكّرا من هذا الباب فالوجه فيه ثبات الهمزة في التثنية.
وما كانت ألفاه للتأنيث، لم يجز إلّا القلب إلى الواو.(4/327)
والأصل في هذا أجمع: أنّه كلّ ما كان مذكّرا من هذا الباب فالوجه فيه ثبات الهمزة في التثنية.
وما كانت ألفاه للتأنيث، لم يجز إلّا القلب إلى الواو.
* * * وما كانت فيه هاء التأنيث التي وصفنا، فسمّيت به امرأة، أدخلت عليها في الجمع الألف والتاء فتقول: «حمدات»، و «طلحات».
أمّا تحريك وسطه، فللفصل بين الاسم والنعت، وهذا يذكر مفسّرا في باب التصريف [1].
وأمّا حذف التاء التي كانت في الواحد، فلأنّ الألف والتاء إنّما دخلتا في الجمع للتأنيث فلا يدخل تأنيث على تأنيث لأنّ هذه العلامات إنّما تدّخل في المذكّر لتؤنّثه، فحذفت التاء التي في «حمدة» وأخواتها لدخول الألف والتاء اللتين هما علامة الجمع.
فإن سمّيت رجلا بشيء فيه ألف التأنيث، فأردت جمعه، جمعته بالواو والنون، فقلت في «حمراء» اسم رجل إذا جمعته: «حمراوون»، و «صفراوون»، وفيما كان مثل «حبلى»: «حبلون»، و «سكرون».
وما كان بالهاء فإنّك تجمعه بالألف والتاء فتقول: «طلحات»، و «حمدات» على ما قلت في المؤنّث.
وعلى هذا قلت: «طلحة الطلحات» [2].
والفصل بينهما أنّ ما كان فيه ألف التأنيث مقصورة أو ممدودة، فهي لازمة له لأنّها لم تدخل على بناء مذكّر.
فإن قال قائل: كيف يجوز دخول الواو والنون على ما فيه علامة التأنيث، وهما علامتا التذكير، أفيكون مؤنّثا مذكّرا في حال؟
قيل له: هذا محال، ولكنّ الألف لا تثبت، وإنّما يثبت ما هو بدل منها.
ألا ترى أنّك تقول في جميع «حبلى»: «حبليات». فلو كانت الألف ثابتة، لم يدخل عليها علم التأنيث لذي هو للجمع كما لا تقول: «حمدتات»، ولكنّك تبدل من الألف إذا كانت ممدودة واوا، فإنّما تدخل علامة التأنيث وعلامة التذكير على شيء لا تأنيث فيه.
فأمّا «طلحة»، فلو قلت في جمعها «طلحتون»، للزمك أن تكون أنّثته وذكّرته في حال، وهذا هو المحال.
فإن قلت: أحذف التاء. فإنّ هذا غير جائز، وإنّما جاز في الجمع في المؤنّث لأنّك لمّا حذفتها، جئت بما قام مقامها في اللفظ والتأنيث. فعلى هذا يجري جميع ما وصفنا في المذكّر المؤنّث.
* * * [1] تقدّم ذلك.
[2] انظر الشاهد الرقم 194.(4/328)
هذا باب [ما] يحكى من الأسماء وما يعرب
فمن الحكاية أن تسمّي رجلا، أو امرأة بشيء قد عمل بعضه في بعض نحو تسميتهم:
«تأبّط شرّا»، و «ذرّى حبّا، و «برق نحره».
فما كان من ذلك فإعرابه في كلّ موضع أن يسلم على هيئة واحدة لأنّه قد عمل بعضه في بعض، فتقول: «رأيت تأبّط شرّا»، و «جاءني تأبّط شرّا»، فمن ذلك قوله [من الطويل]:
[385] كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصرّ وتحلب
[385] التخريج: البيت للأسدي في لسان العرب 13/ 333 (قرن) وبلا نسبة في أمالي المرتضى 2/ 273والخصائص 2/ 367وشرح التصريح 1/ 117وشرح المفصل 1/ 28ولسان العرب 12/ 596 (نوم) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 20، 123.
اللغة: تصرّ: تشدّ الضرع لتجتمع الدرة فتحلب الدابة. القرن: الفود من الشعر في جانب الرأس.
المعنى: لن تتمكنوا من الزواج بهذه الفتاة يا أولاد تلك المرأة الوضيعة التي عاشت حياتها في رعاية الغنم والقيام على شؤونها من الحليب وغيره.
الإعراب: «كذبتم»: فعل ماض مبني على السكون، و «تم»: فاعل محله الرفع. «وبيت»: الواو:
حرف قسم، «بيت»: مقسم به مجرور، والجار والمجرور متعلقان بفعل «أقسم» المحذوف. «الله»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «لا»: نافية لا عمل لها. «تنكحونها»: فعل مضارع مرفوع بالنون لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة: فاعل محله الرفع، و «ها»: مفعول به محلّه النصب. «بني»: منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. «شاب»: فعل ماض مبني على الفتح. «قرناها»: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى، و «ها»: مضاف إليه محله الجر. «تصرّ»: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله مستتر جوازا تقديره (هي). «وتحلب»: الواو: حرف عطف، «تحلب»: مثل (تصرّ).
وجملة «كذبتم»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أقسم وبيت الله»: استئنافية لا محل لها. وجملة «لا تنكحونها»: جواب قسم لا محل لها. وجملة «بني»: استئنافية لا محل لها. وجملة «شاب قرناها»:
مقول لقول محذوف نائب فاعل محلّها الرفع، التقدير: بني المقول فيها: شاب قرناها. وجملة «تصرّ»:
حالية محلها النصب. وجملة «تحلب»: معطوفة على (تصرّ).
والشاهد فيه: قوله (بني شاب قرناه) وحمله على الحكاية، والمعنى: المقول لها: شاب قرناها.(4/329)
وقوله أيضا [من الرجز]:
[386] إنّ لها مركّنا إرزبّا ... كأنّه جبهة ذرّى حبّا
وقال الآخر [من الوافر]:
[387] وجدنا في كتاب بني تميم: ... أحقّ الخيل بالرّكض المعار
فلم يجز في هذا إلّا الحكاية لأنّه لا يدخل عامل على عامل.
ف «أحقّ الخيل» رفع بالابتداء، و «المعار» خبره. فهذا بمنزلة الفعل والفاعل.
[386] التخريج: الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 308وشرح المفصل 1/ 28والكتاب 3/ 326ولسان العرب 1/ 296 (حبب)، 416 (رزب) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 123ومجالس ثعلب 1/ 202.
اللغة: المركن من الضروع: العظيم والمركب: أعلى الفرج. الإرزب: الغليظ. ذرّى حبا: اسم رجل.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. لها: جار ومجرور متعلقان بخبر إن المقدم المحذوف. مركنا:
اسم إن مؤخر منصوب بالفتحة. إرزبا: صفة لمركن منصوبة مثله. كأنه: حرف مشبه بالفعل، و «الهاء»:
ضمير متصل في محل نصب اسم كأن. جبهة: خبر كأن مرفوع. ذرّى حبا: مضاف إليه في محل جر، وهو اسم مركب مبني على الحكاية.
وجملة «إن لها مركنا»: ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «كأنه جبهة»: في محل نصب صفة.
والشاهد فيه قوله: «ذرّى حبا» حيث تحولت هذه الجملة إلى اسم لرجل تروى على الحكاية.
[387] التخريج: البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص 78وشرح اختيارات المفضل 3/ 1439 وللطرماح في ملحق ديوانه ص 573ولسان العرب 4/ 626 (عير) ولبشر أو للطرماح في شرح أبيات سيبويه 2/ 323ولابن الطراوة في بغية الوعاة 2/ 341وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 168وسرّ صناعة الإعراب 1/ 231ولسان العرب 4/ 625 (عير) وما ينصرف وما لا ينصرف ص 125ونوادر أبي زيد ص 32.
اللغة: المعار: المسمّن، وجعله الأعلم من العارية كما يتضح في الحديث عن المعنى.
المعنى: يصف بني تميم بأنهم لا يرعون حرمة عاريتهم، فأحق الخيل عندهم بالابتذال والإجهاد هو ما يستعيرونه من غيرهم، ثم أضاف الشنتمري قائلا: ويحتمل أن المعنى أنهم يستعجلون في إنجاز عملهم بالعارية ليردوها سريعا إلى أصحابها، أما إذا أريد بالمعار المسمّن، فالمعنى أن أحق الخيل بالسرعة والاستعجال هو المسمّن، والقوي.
الإعراب: «وجدنا»: فعل ماض مبني على السكون، و «نا»: فاعل مبني على السكون في محل رفع.
«في كتاب»: جار ومجرور متعلقان بالفعل (وجدنا). «بني»: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. «تميم»: مضاف إليه مجرور. «أحق»: مبتدأ مرفوع. «الخيل»: مضاف إليه مجرور. «بالركض»: جار ومجرور متعلقان ب (أحق). «المعار»: خبر للمبتدأ (أحق) مرفوع.
وجملة «وجدنا»: ابتدائية لا محل لها. وجملة «أحق الخيل بالركض المعار»: مفعول به محلها النصب(4/330)
وعلى هذا ينشد هذا البيت لذي الرّمّة [من الوافر]:
[388] سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح: انتجعي بلالا
لأنّ التأويل: سمعت من يقول: الناس ينتجعون غيثا، فحكى ما قال ذاك، فقال:
سمعت هذا الكلام.
وعلى هذا تقول: «قرأت: الحمد لله ربّ العالمين». لا يجوز إلّا ذلك لأنّه حكى كيف قرأ.
وكلّ عامل ومعمول فيه هذا سبيلهما. وتقول: «قرأت على خاتمه: الحمد لله، و «قرأت على فصّه: زيد منطلق».
وتقول: «رأيت على فصّه الأسد رابضا» لأنّك لم تر هذا مكتوبا، إنّما رأيت صورة فأعملت فيها الفعل كما تقول: «رأيت الأسد يا فتى».
فأمّا قوله عزّ وجلّ: {فَقََالُوا سَلََاماً قََالَ سَلََامٌ} (1) فإنّ المفسّرين يقولون في هذا قولين أعني المنصوب.
بالفعل (وجد) على الحكاية كما يتضح لدى الحديث عن موطن الشاهد، ووجه الاستشهاد.
والشاهد فيه قوله: (أحقّ الخيل بالكرض المعار)، فقد تركه محكيا على لفظه منصوبا محله بالفعل وجد، والمعنى وجدنا في كتاب وصاياهم هذا الكلام.
[388] التخريج: البيت لذي الرّمة في ديوانه ص 1535وجمهرة اللغة ص 503وخزانة الأدب 9/ 167، 168وسرّ صناعة الإعراب 1/ 232وشرح التصريح 2/ 282ولسان العرب 2/ 509 (صدح)، 8/ 347 (نجع) ونوادر أبي زيد ص 32وبلا نسبة في أسرار العربية ص 390وخزانة الأدب 9/ 268، 393.
اللغة: انتجعه: قصده طلبا للمعروف. الغيث: المطر، وهنا العطاء. صيدح: اسم ناقة الشاعر. بلال:
اسم ممدوح الشاعر.
الإعراب: سمعت: فعل ماض، و «التاء»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. الناس: مبتدأ مرفوع.
ينتجعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، و «الواو»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. غيثا: مفعول به منصوب. فقلت: «الفاء»: عاطفة، و «قلت»: فعل ماض، و «التاء»: ضمير متصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. لصيدح: جار ومجرور متعلقان ب «قلت». انتجعي: فعل أمر، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بلالا: مفعول به منصوب.
وجملة «سمعت»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «الناس ينتجعون «غيثا»: في محل نصب مفعول به. وجملة «ينتجعون»: في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «قلت»: معطوفة على جملة «سمعت».
وجملة «انتجعي»: في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه قوله «سمعت الناس» حيث جاءت الحكاية ملفوظة، أي: إن القول الذي سمعه هو (الناس ينتجعون غيثا).
__________
(1) الذاريات: 25.(4/331)
أمّا المرفوع، فلا اختلاف في أنّ معناه والله أعلم قولي سلام، وأمري سلام، كما قال: {طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} (1) وكما قال: {وَقََالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} (2) على الحكاية.
وأمّا المنصوب فبإضمار فعل. كأنهم قالوا: سلّمنا سلاما.
وقال بعضهم: لم يكن هذا هو اللفظ، ولكنّه معنى ما قالوا. فإنّما هو بمنزلة: «قلت حقّا».
* * * واعلم أنّ هذه الحكاية لا يجوز أن تثنّى وتجمع، ولا تضاف لأنّه تزول معانيها باختلاف ألفاظها.
ألا ترى أنّك لو رأيت: «أحقّ الخيل بالركض المعار» في مكانين مكتوبا لم يجز أن تثنّيه كما تقول: «رأيت زيدين». فإنّما حقّ هذه الأسماء التأدية.
فإن سمّيت رجلا «زيد الطويل» و «الطويل» خبر، قلت: «رأيت زيد الطويل»، و «مررت بزيد الطويل».
فإن جعلت «الطويل» نعتا صرّفته [3]، فقلت: «مررت بزيد الطويل»، و «رأيت زيدا الطويل» لأنّ «الطويل» تابع، وعلى هذا الشرط وقع في التسمية.
وأمّا حيث كان خبرا، فإنّه وقع مرفوعا بالمبتدأ كما كان المبتدأ رفعا بالابتداء.
* * * ولو سمّيت رجلا «عاقلة لبيبة»، لكان الوجه فيه أن تقول: «مررت بعاقلة لبيبة»، و «جاءتني عاقلة لبيبة»، لأنّك سمّيت باسمين كلاهما نكرة، فجعلت الثاني تابعا للأوّل، كحالهما كانت في النكرة.
* * * ولو سمّيت ب «عاقلة» وحدها لكان الأجود أن تقول: «هذه عاقلة قد جاءت» لأنّه معرفة فيصير بمنزلة «حمدة» غير منصرف، والحكاية تجوز، وليس بالوجه، لأنّه على مثال الأسماء.
وأمّا «تضربان» إذا سمّيت به رجلا، قلت فيه: «لقي تضربان» حكيته. ولك أن تثنّيه وتنصبه، فتقول: «تضربين». ولك أن تلحقه ب «عثمان»، فتقول: «كلّمني تضربان»، فإذا صغّرته، قتل: «تضيربان» لا غير.
و «شيطان» يكون «فيعال» من «الشّطن»: وهو الحبل الممتدّ في صلابة، فتصرفه.
__________
(1) محمد: 21.
(2) القمر: 9.
[3] أي أخرجته عن البناء، فأعربته.(4/332)