الجزء الأول
تقديم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق سيدنا ومولانا محمد صلّى الله عليه وسلم
أما بعد، فإن من مفاخر المغرب الكبرى اهتمام سلاطينه وملوكه وعلمائه ورعاياه بالعلم والعلماء والأدباء قديما وحديثا، وخاصة ملوك الدولة العلوية الشريفة، ومن أبرز من بذل جهدا كبيرا في الإصلاح ونشر العلم والأدب في المغرب السلطان مولاي محمد بن عبد الله العلوي، فقد قرب إليه العلماء والأدباء وشجعهم، وكان ممن شملتهم عناية السلطان الشيخ عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب) وقد ألفه تلبية لطلب السلطان مولاي محمد بن عبد الله، وقد ترجم فيه لأكثر من 150 شخصية من الشعراء والأدباء والعلماء والقضاة والوزراء والأمراء والملوك والمتصوفة وغيرهم لفترة امتدت لأكثر من ثمانية قرون، من العصر الجاهلي إلى القرن 8هـ، وتمتد هذه التراجم في المكان أيضا من الأندلس والمغرب إلى أقصى العالم الإسلامي في المشرق أيام توسع الدولة العباسية وما تلاها، وبذلك جاء كتاب (الكوكب الثاقب) فريدا في عصره في هذا الامتداد الزماني والمكاني، وكذلك في احتفائه بتنوع الشخصيات التي ترجم لها، ففيهم من هم في أعلى المراتب مثل الملوك والأمراء والوزراء والعلماء والقضاة والشعراء الكبار، وفيهم من هم من الشعراء
البسطاء والمغمورين، كما اهتم السلوي بإيراد كثير من النصوص الشعرية والنثرية الجيدة والمختارة، وإيراد كثير من الآيات والأحاديث الشريفة والحكم والأمثال والنوادر المنتقاة، وعرض لقضايا اللغة والنحو والفقه والتفسير ومن أجل ذلك كله يعد كتاب (الكوكب الثاقب) نموذجا للإصلاح الذي دعا إليه السلطان مولاي محمد بن عبد الله عندما وضع برنامجا دراسيا لجامع القرويين، وأوصى فيه بدراسة أمهات الكتب في السيرة واللغة والنحو والأدب والشعر.(1/1)
أما بعد، فإن من مفاخر المغرب الكبرى اهتمام سلاطينه وملوكه وعلمائه ورعاياه بالعلم والعلماء والأدباء قديما وحديثا، وخاصة ملوك الدولة العلوية الشريفة، ومن أبرز من بذل جهدا كبيرا في الإصلاح ونشر العلم والأدب في المغرب السلطان مولاي محمد بن عبد الله العلوي، فقد قرب إليه العلماء والأدباء وشجعهم، وكان ممن شملتهم عناية السلطان الشيخ عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب) وقد ألفه تلبية لطلب السلطان مولاي محمد بن عبد الله، وقد ترجم فيه لأكثر من 150 شخصية من الشعراء والأدباء والعلماء والقضاة والوزراء والأمراء والملوك والمتصوفة وغيرهم لفترة امتدت لأكثر من ثمانية قرون، من العصر الجاهلي إلى القرن 8هـ، وتمتد هذه التراجم في المكان أيضا من الأندلس والمغرب إلى أقصى العالم الإسلامي في المشرق أيام توسع الدولة العباسية وما تلاها، وبذلك جاء كتاب (الكوكب الثاقب) فريدا في عصره في هذا الامتداد الزماني والمكاني، وكذلك في احتفائه بتنوع الشخصيات التي ترجم لها، ففيهم من هم في أعلى المراتب مثل الملوك والأمراء والوزراء والعلماء والقضاة والشعراء الكبار، وفيهم من هم من الشعراء
البسطاء والمغمورين، كما اهتم السلوي بإيراد كثير من النصوص الشعرية والنثرية الجيدة والمختارة، وإيراد كثير من الآيات والأحاديث الشريفة والحكم والأمثال والنوادر المنتقاة، وعرض لقضايا اللغة والنحو والفقه والتفسير ومن أجل ذلك كله يعد كتاب (الكوكب الثاقب) نموذجا للإصلاح الذي دعا إليه السلطان مولاي محمد بن عبد الله عندما وضع برنامجا دراسيا لجامع القرويين، وأوصى فيه بدراسة أمهات الكتب في السيرة واللغة والنحو والأدب والشعر.
ولما رأى السلطان مولاي محمد بن عبد الله اهتمام السلوي في (الكوكب الثاقب) بأمهات الكتب الأدبية واللغوية والتاريخية، وخاصة اعتناءه بكتاب الأغاني للأصبهاني الذي كانت له مكانة خاصة في قلب السلطان الذي أمر السلوي «بتصحيح» كتاب الأغاني و «تنقيحه» وإعادة «تبويبه»، فقام بهذه المهمة خير قيام، وسمى هذا العمل: (إدراك الأماني من كتاب الأغاني)، وقد ضم إليه كثيرا من شعراء المغرب والأندلس وبعض الشعراء الذين تأخروا عن زمن الأصبهاني، وقد جاء الكتاب في 25مجلدا، وهو بخط السلوي، ولا توجد منه إلا نسخة فريدة في الخزانة الحسنية العامرة بالرباط.
وقد بذل فيه الأستاذ الباحث عبد الله الياسمي جهدا كبيرا في تحقيقه حيث قضى فيه سبع سنوات من البحث والتنقيب من أجل تصحيحه وحل مستغلقاته
والكتاب زاخر بالشعر والأدب والأمثال والحكم والقصص والتاريخ والسير وكل ما يتعلق بالحياة من خلال تراجم الرجال وسيرهم وأخبارهم وأحوالهم وسلوكهم، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تحقق بذلك رغبة مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله ورعاه، في العناية بالتراث العلمي والأدبي المغربي والعربي والإسلامي وتحقيقه ونشره سيرا على نهج أسلافه المنعمين في الاهتمام بالعلم والأدب وكل ما ينفع الإنسان في الدارين.(1/2)
فجزى الله جلالته أحسن الجزاء وأبقاه ذخرا لهذا البلد الأمين ولكل العرب والمسلمين، وأقرّ عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد عضده بصنوه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وحفظ باقي الأسرة الملكية الشريفة. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية(1/3)
المقدمة
تضم هذه المقدمة ما يلي:
الفصل الأول: الأحوال السياسية والثقافية في القرن الثاني عشر من الهجرة في المغرب وتونس.
الفصل الثاني: حياة المؤلف.
الفصل الثالث: كتاب الكوكب الثاقب.
الخاتمة:
اختيار الكتاب للتحقيق والاجتهاد في جمع نسخه المخطوطة.
وصف المخطوطات المعتمدة في التحقيق.
عملنا في التحقيق.
ملاحظات حول «تحقيق» هناني النيفر للكوكب الثاقب.(1/5)
الفصل الأول:
الأحوال السياسية والثقافية في القرن الثاني عشر من الهجرة في المغرب
نشأ عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي بفاس، ومن المرجح أنه قضى طفولته وشبابه في عهد السلطان مولاي إسماعيل العلوي، كما قضى سنوات نضجه في فترة الفتنة التي أعقبت موت المولى إسماعيل، وعاش بقية عمره في عهد السلطان محمد بن عبد الله متنقلا بين المغرب وتونس. وفي هذا العصر تكونت شخصية المؤلف بأبعادها المختلفة، ولا شك أن الأحداث التي عرفها المغرب في هذا الوقت، كان لها تأثير كبير في تكوين صاحبنا، وفي انتقاله بعد ذلك إلى تونس واستقراره بها وتردّده على المغرب. وسنبين هذه الأمور في الفصل المتعلق بحياة المؤلف.
الحالة السياسية:
تميز عهد السلطان المولى إسماعيل (11391082هـ) بمجهوده الكبير في إتمام تأسيس الدولة العلوية وتوطيد سلطتها وتأسيس الجيش المغربي النظامي، فقد واجه الأجانب المغيرين الذين احتلوا الثغور المغربية، وأوقف التدخل العثماني على الحدود الشرقية مع الجزائر (1)، وقد أسس جيشا قويا استطاع به تهدئة البلاد
__________
(1) الاستقصا 7/ 9945ومقدمة التقاط الدرر 1915.(1/7)
وإخضاع الثائرين والمتمردين على سلطته في مجموع التراب الوطني، كما استطاع تأمين القوافل التجارية مع افريقية الغربية (1) فانتشر الأمن والاستقرار في ربوع المغرب. و «استقامت الأمور، وسكنت الرعية، وهدأت البلاد، واشتغل السلطان ببناء قصوره، وغرس بساتينه، والبلاد في أمن وعافية، تخرج المرأة والذميّ من وجدة إلى نول (2) فلا يجدان من يسألهما من أين، ولا إلى أين؟ مع الرخاء المفرط، فلا قيمة للقمح ولا الماشية، والعمال تجبي الأموال، والرعايا تدفع بلا كلفة ولم يبق في هذه المدة بأرض المغرب سارق ولا قاطع طريق» (3).
في هذه الظروف نشأ المؤلف، ودرس في فاس على العالم الكبير الشيخ أبي عبد الله محمد المسناوي (1136هـ) كما سيأتي تفصيل ذلك.
ولما توفي السلطان مولاي إسماعيل عام 1139هـ، عرف المغرب أزمة حادة وعمّت المغرب الفتن والاضطرابات والحروب، وأخذ أبناء السلطان يقاتل بعضهم بعضا، وتدخّل الجيش في تولية هذا وعزل ذلك (4)، ويكفي أن نعرف أن السلطان عبد الله بن المولى اسماعيل خلعه الجيش ست مرات وتولى الحكم سبع مرات (5)
و «كانت أيامه لا سيما أخرياتها كأيام الفترة التي ليس فيها سلطان، وكانت حال الرعية معه مثل الفوضى الذين لا وازع لهم» (6).
ولما تولى الحكم السلطان محمد بن عبد الله بعد وفاة والده «جدّد هذه الدولة الإسلامية بعد تلاشيها، وأحياها بعد خمود جمرتها، وتمزيق حواشيها بحسن سيرته
__________
(1) مقدمة التقاط الدرر 17.
(2) ويكتب أيضا: وادي نون، ويقع مجراه شمال وادي درعة بإقليم سوس جنوب وادي ماسة، (انظر التقاط الدرر 337 الحاشية 6، نقلا عن وصف افريقيا لليون الإفريقي).
(3) الاستقصا 7/ 97.
(4) الاستقصا 7/ 183117ومقدمة الدرر 39والتيارات السياسية 131.
(5) الاستقصا 7/ 183.
(6) الاستقصا 8/ 3.(1/8)
ويمن نقيبته» (1). وقد كان المولى محمد بن عبد الله نائبا لأبيه في مراكش، قبل أن يخلفه في الملك، وقد استطاع أن يعيد الاستقرار والأمن إلى البلاد بفضل ما عرف عنه من «حسن السياسة»، وكمال النجدة، وجودة الرأي، وتمام المعرفة بإدارة الأمور على وجهها، وإجرائها على مقتضى صوابها، حتى أحبّته القلوب وعلقت به الآمال» (2).
الحالة الثقافية وأثر الزاوية الدلائية
للبحث في الحالة الثقافية في العصر الذي عاش فيه المؤلف، لابد من الرجوع قليلا إلى الوراء في الزمن للحديث بإيجاز عن دور الزاوية الدلائية وأثرها في ازدهار الثقافة والأدب في المغرب قبل قيام الدولة العلوية، ثم بعد ذلك نتحدث عن أثر بعض رجال الدولة العلوية في هذا الازدهار الذي عرفته الثقافة في هذا العصر.
كان للزاوية الدلائية أثر كبير في ازدهار الثقافة والفكر والأدب حين اضطربت أحوال المغرب في أواخر الدولة السعدية، وعمت الفتن، فقد أخذ العلماء يفرون من المدن ويلجؤون إلى البادية ويقصدون الزاوية الدلائية ليجدوا الأمن والتشجيع والمجال العلمي الرحب، فقد كثرت فيها المدارس وازدحم بها الطلاب حتى كان يسكن في البيت الواحد طالبان فأكثر، وبلغ عدد بيوت الطلبة بإزاء جامع الخطبة في الزاوية الدلائية أربع مئة وألف مسكن، وكان محمد بن أبي بكر الدلائي (3)
ينفق عليهم جميعا. وكانت بالزواية خزانة تضم عشرة آلاف كتاب (4). ويقول الأستاذ عبد الله گنون عن الزاوية: «وإن أنس لا أنسى الزاوية الدلائية
__________
(1) الاستقصا 7/ 193.
(2) الاستقصا 8/ 3.
(3) سيأتي التعريف في الفقرة التالية.
(4) الزاوية الدلائية 71.(1/9)
ومالها من يد على الحركة الأدبية في هذا العصر فإنها التي أنعشت روح الأدب بعد خمودها، بإثر سقوط الدولة السعدية ولقد لبث الأدب المعاصر يحمل طابعها الخاص زمنا غير قصير ممثّلا في أسلوب اليوسي القوي الرصين ومتأديا إلى ابن زاكور (1) بطريق شيخه اليوسي» (2).
ومن أبرز أساتذة الزاوية وشيوخها الكبار: أحمد بن محمد القاضي المكناسي (3) (1025هـ) صاحب جذوة الاقتباس، الذي اشتهر في التاريخ والتراجم، ومحمد بن أبي بكر الدلائي (4) (1046هـ) الذي برز في التفسير والحديث وألمّ ببقية العلوم الأخرى، والشرقي ابن أبي بكر الدلائي (5) (1079هـ) الذي جمع بين العلم والدين والأدب، ومحمد المرابط الدلائي (6) (1089هـ) الذي اشتهر بالنحو، ومحمد بن محمد الشاذلي (7) (1107هـ) الأديب والعالم المشارك.
ومن أبرز خريجي الزاوية أحمد بن محمد المقّري التلمساني (8) (1041هـ) صاحب نفح الطيب، وأبو حامد محمد العربي بن يوسف الفاسي (9) (1052هـ) المؤرخ الأديب، صاحب مرآة المحاسن، وأبو علي الحسن بن مسعود اليوسي (10)
(1102هـ) الذي يعدّ من أكبر الأدباء والشعراء الذين عرفهم المغرب.
__________
(1) سيأتي التعريف به في الصفحة 42.
(2) النبوغ المغربي 1/ 322.
(3) ترجمته في التقاط الدرر 7169ومؤرخو الشرفاء 176174والنبوغ المغربي 1/ 264263والزاوية الدلائية 9386والأعلام 1/ 236،
(4) ترجمته في نشر المثاني 1/ 347339والتقاط الدرر 105104والزاوية الدلائية 8176.
(5) ترجمته في نشر المثاني 2/ 172والزاوية الدلائية 85.
(6) ترجمته في نشر المثاني 241236والتقاط الدرر 208207والزاوية الدلائية 8382والاعلام 7/ 64.
(7) ترجمته في نشر المثاني 1/ 305292والتقاط الدرر 9594والزاوية الدلائية 86
(8) ترجمته في نشر المثاني 1/ 305292والتقاط الدرر 9594والزاوية الدلائية 113108.
(9) ترجمته في نشر المثاني 2/ 10والتقاط الدرر 115114ومؤرخوا الشرفاء 173172والزاوية الدلائية 114113
(10) ترجمته في نشر المثاني 3/ 4925والتقاط الدرر 260258ومؤرخو الشرفاء 191189والنبوغ المغربي 296295والزاوية الدلائية 10897والحياة الأدبية 136122وانظر كتاب عبقرية اليوسي للدكتور عباس الجراري وكتاب رسائل اليوسي لفاطمة خليل.(1/10)
أثر رجال الدولة العلوية في ازدهار الثقافة
اشتغل المولى رشيد بتأسيس الدولة العلوية، ومع ذلك كان يحضر المجالس العلمية بالقرويين، ويناقش العلماء ويكرمهم ويشجعهم (1)، يقول اليوسي عنه:
«ثم جاء المولى رشيد بن الشريف فأعلى مناره (أي العلم) وأوضح نهاره وأكرم العلماء إكراما لم يعهد، وأعطاهم ما لا يعد، ولا سيما بمدينة فاس ولو طالت مدّته لجاءته علماء كل بلدة» (2)، وقد كان يحضر بعض دروس اليوسي في القرويين، ويجالسه في قصره مع خاصته، ويحادثه بدون كلفة (3). وقد بنى المولى رشيد مدرسة الشراطين بفاس (4) وكذلك مدرسة الصفارين في ثلاث طبقات، تضم ثلاثين ومئة بيت ليسكنها الطلبة، ويتعلموا فيها، كما بنى الخزانة العلمية بجانب المسجد الأعظم بفاس الجديد، وحبس كتبها (5). وهكذا كفر عن ذنبه عندما هدم الزاوية الدلائية، وذلك بنقل علمائها إلى فاس حيث تصدّروا في فاس ومكناس وكونوا عددا كبيرا من جلة علماء المغرب في هذه الفترة (6). ومن أشهرهم أبو عبد الله محمد المسناوي شيخ المؤلف عبد القادر السلوي.
ولما تولى المولى إسماعيل الملك صرف اهتمامه إلى الجيش من أجل ضبط البلاد والدفاع عنها، ولكنه لم يهمل العلم، فقد اشترط مثلا على الإسبان عام 1101هـ عندما طلبوا منه فداء مئة من أسرارهم «إطلاق مئة أسير مسلم، وتسليم خمسة آلاف كتاب عربي يختارها وفد رسمي» (7). وكان يجتمع بالعلماء ويشجّعهم ويبني المدارس والمساجد (8).
__________
(1) الزاوية الدلائية 100.
(2) الحياة الأدبية 68.
(3) الزاوية الدلائية 100.
(4) التيارات السياسية 11.
(5) النبوغ المغربي 1/ 284والحياة الأدبية 6968والتيارات السياسية 41.
(6) النبوغ المغربي 1/ 284والزاوية الدلائية 235والحياة الأدبية 69، 7271، 75.
(7) التيارات السياسية 42.
(8) الحياة الأدبية 7473.(1/11)
وإذا كان المولى إسماعيل قد اهتم أساسا بالناحية العسكرية، فإن ابنه وولي عهده المولى محمدا العالم (1) (1116هـ)، الذي كان واليا لأبيه بمنطقة سوس، كان شغوفا بالعلم والعلماء مخالطا لهم «ماهرا في فنون شتى كالنحو والبيان والمنطق والكلام والأصول، وكان ينفعل للشعر، وتأخذه أريحية الأدب» (2). ولشدة ولوعه بالأدب وأهله ومدارسته «صار مثلا سائرا في معرفة الشعر ونقده» (3)
وكان العالم الشيخ أبو عبد الله المسناوي الدلائي، شيخ المؤلف عبد القادر السلوي، من أخصّ الناس بالمولى محمد العالم (4)، «وكان أخوه الشريف أديبا عالما مهتما بالخصوص بجمع مصادر الأدب والتاريخ» (5).
وأما السلطان محمد بن عبد الله فقد كان «محبّا للعلم، فقد أصلح بناء مراكش، وبني مدرستين لطلبة العلم بقصبة مراكش كما بنى المساجد» (6)، ولما قدم فاس «أعطى الفقهاء والأشراف وطلبة العلم وأهل المدارس ثم جلس لفقهاء الوقت وسأل عنهم واحدا واحدا حتى عرفهم» (7) وقد عيّن ابنه المولى عليا خليفة له على فاس، وكان «من أهل المروءة والعقل والعلم والأدب، وكان يتشبه بأخلاق المولى محمد العالم ابن المولى إسماعيل في كرمه وأدبه، وكان له اعتناء كبير بنسخ كتب العلم والأدب، وكان كثيرا ما يبعث بأشعاره ومخاطباته لأهل عصره وأدباء وقته» (8)، وقد جعل هذا الأمير من بلاط إمارته بفاس ناديا أدبيا لقراءة الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني وقلائد العقيان ووفيات الأعيان لابن خلكان ومؤلفات لسان الدين ابن الخطيب وتاريخ ابن خلدون ونفح الطيب للمقري» (9).
__________
(1) النبوغ المغربي 1/ 285، والحياة الأدبية 155147.
(2) الاستقصا 7/ 92والنبوغ المغربي 1/ 285.
(3) ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الأول ص 82. مجلة دعوة الحق مارس 1972.
(4) الاستقصا 7/ 92والزاوية الدلائية 279.
(5) ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الأول ص 82مجلة دعوة الحق مارس 1972.
(6) الاستقصا 7/ 92والزاوية الدلائية 249.
(7) الاستقصا 7/ 196.
(8) الاستقصا 8/ 5والتيارات السياسية 50.
(9) ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الثاني ص 84مجلة دعوة الحق مارس 1973.(1/12)
وكان للسلطان محمد بن عبد الله مجلس علميّ يضمّ جماعة من علماء العصر وأئمته، لا يكاد يفارقه في حله وترحاله، أغلبهم من الفقهاء والمحدثين، وأهل التفسير، وبقية العلوم الدينية، وما يتصل بها. وكانوا يؤلفون له ويخوضون معه في مناقشة ما «يجمعه ويستخرجه من كتب الحديث التي جلبها من المشرق كمسند الإمام أحمد ومسند أبي حنيفة وغيرهما» كما كان يضمّ مجلسه جماعة من الكتاب والشعراء والأدباء (1)، ويقول عنه الضعيف الرباطي: (2) «كان فصيحا بليغا حليما متواضعا كريما جوادا عالما بالفقه والسنة والحلال والحرام وفصول الأحكام، له تآليف كالفتوحات الإلهية وغيرها مكرما للصلحاء، موقّرا للعلماء، مقرّبا لهم، لا يستغني عنهم ساعة، ولا يتحدث إلا معهم محبّا في الطلبة.
وكان كثيرا ما يجلس بعد صلاة الجمعة في مقصورة الجامع بمراكش مع فقهائها، ومن يحضره من علماء فاس وغيرها، للمذاكرة في الحديث وتفهمه (3)، ويحصل له بذلك النشاط التامّ، وكان كثيرا ما يتأسف أثناء ذلك ويقول: والله ضيّعنا عمرنا في البطالة، ويتحسر على ما فاته من قراءة العلم أيام الشباب (4).
وإذا كان الطابع الغالب على السلطان محمد بن عبد الله هو ميله للحديث وأهله والعلوم الدينية عامة (5)، فإنه لم يهمل الأدب والشعر واللغة، فإنّنا نجده مثلا في إحدى رحلاته يتذكر خبرا أدبيا، فيستدعي قاضي عسكره أبا زيد عبد الرحمن بن الكامل وسائر الكتاب ويختبر القاضي في قضية أدبية ويتأسف قائلا لهم: «لم يبق في وقتنا هذا كتّاب ولا أدباء» (6). وقد كان مغرما بكتاب مناهل الصفا للوزير الفشتالي (7)، وهو كتاب في تاريخ الدولة السعدية، ولكنه يضم
__________
(1) الاستقصا 8/ 52
(2) تاريخ الضعيف 164.
(3) التيارات السياسية 50نقلا عن الفتوحات الإلهية للسلطان محمد بن عبد الله ص (لا).
(4) الاستقصا 8/ 54، 66.
(5) النبوغ المغربي 1/ 285، 287286والحياة الأدبية 278والتيارات السياسية 5049، 255.
(6) الاستقصا 8/ 56.
(7) الاستقصا 8/ 56، 67.(1/13)
كثيرا من النصوص الشعرية والأخبار الأدبية. وقد اعتكف «على سرد كتب التاريخ وأخبار الناس وأيام العرب ووقائعها إلى أن تملّى من ذلك، وبلغ فيه الغاية القصوى، وكان يحفظ ما في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني من كلام العرب وشعراء الجاهلية والإسلام (1)» وقد كان معجبا بكتاب الأغاني غاية الإعجاب، يقول عبد القادر السلوي عن ذلك: «وكان ممن لهج بهذا الكتاب (الأغاني للأصبهاني) وشغف به شغف جميل ببثينة، وغيلان بميّ، وكثيّر بعزة، فزاده ذلك شرفا إلى شرف فحاز من علومه الفاخرة أكمل حظ وأوفر نصيب فأحاط به علما، واستولى على جواهره الحسان حفظا وفهما، وأحرزها على التمام نثرا ونظما» (2). وقد دفعه هذا الإعجاب أن أمر صاحبنا عبد القادر السلوي «بتحقيق» كتاب الأغاني «وتصحيحه» وإعادة «تبويبه» (3) كما ألف السلطان محمد بن عبد الله فضلا عن كتبه في الحديث والفقه وفروعهما، كتابا في الأدب سماه ترويح القلوب (4).
إصلاح التعليم:
لم يكتف السلطان محمد بن عبد الله ببناء المدارس والمساجد العديدة في مراكش والصويرة وآسفي وأنفا وفضالة والعرائش وغيرها (5)، وتشجيع العلماء على التحصيل والتأليف (6) بل إنه أصلح مناهج التعليم، وألحّ ودعا إلى نبذ كتب علم الفروع وعلم الكلام والمنطق والفلسفة والصوفية المغالية، وكتب الخلاف، وكان يرى في قراءة المختصرات في الفقه وغيره وترك أمهات المؤلفات مضيعة للأعمار في غير طائل (7)، وقد أصدر منشورا جاء في الفصل الثالث منه:
__________
(1) الاستقصا 8/ 66.
(2) إدراك الأماني 1/ 9.
(3) إدراك الأماني 1/ 10.
(4) مخطوط بالخزانة الحسنية رقم 4166.
(5) الاستقصا 8/ 69.
(6) الحياة الأدبية 271.
(7) الاستقصا 8/ 67.(1/14)
«الفصل الثالث في المدرسين في مساجد فاس، فإنا نأمرهم أن لا يدرّسوا إلا كتاب الله تعالى بتفسيره، وكتاب دلائل الخيرات (1) في الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن كتب الحديث المساند والكتب المستخرجة منها، والبخاري ومسلما من الكتب الصحاح، ومن كتب الفقه: المدونة (2)، والبيان والتحصيل (3)، ومقدمة ابن رشد (4)، والجواهر لابن شاس. (5)، والنوادر (6) والرسالة (7) لابن أبي زيد، وغير ذلك من الأقدمين وكذلك قراءة سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم كالكلاعي (8) وابن سيد الناس اليعمري (9)، وكذا كتب النحو كالتسهيل (10) والألفية (11) وغيرهم.
__________
(1) عنوانه الكامل هو (دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار لأبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي السملالي الشاذلي، تفقه بفاس وحفظ (المدونة في فقه مالك) واستقر بفاس (870هـ) جذوة الاقتباس 1/ 319ومعجم المؤلفين 10/ 50والأعلام 6/ 151.
(2) المدونة في فروع المالكية وهي للإمام مالك رواها عنه أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو فقيه جمع بين الزهد والعلم، تفقه بالإمام مالك ونظرائه له (المدونة) في ستة عشر جزءا، وهي من أجل كتب المالكية (191هـ) كشف الظنون 2/ 1644والأعلام 3/ 323وقد طبعت أول مرة بمطبعة السعادة بمصر عام 1323هـ 1323هـ.
(3) عنوانه الكامل (البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل) وهو للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد الفقيه قاضي الجماعة بقرطبة، وهو المعروف بابن رشد الجد. كان عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه (520هـ) المرقبة العليا 9998وأزهار الرياض 3/ 6159والأعلام 5/ 317316، وقد حقق الدكتور محمد حجي مع آخرين هذا الكتاب وصدر في 24مجلدا عن دار الغرب الإسلامي ببيروت. أنظر نشرة أخبار التراث ص 15العدد 10صفر ربيع الأول 1404هـ / 1984م.
(4) هو كتاب المقدمات لأوائل كتاب المدونة لابن رشد الجد، المعرّف به في الحاشية السابقة.
(5) الجواهر الثمينة على مذهب عالم المدينة، في الفروع لأبي محمد عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس المالكي المصري، كان شيخ المالكية في عصره، وقد ألف كتابه الجواهر على ترتيب الوجيز للغزالي، وقد مات مجاهدا بمصر، عند حصار الإفرنج لها عام 616هـ. كشف الظنون 1/ 613والأعلام 4/ 124.
(6) النوادر والزيادات على المدونة كتاب في الفقه المالكي في أزيد من مئة جزء لعبد الله بن عبد الرحمن النفزي المشهور بابن أبي زيد القيرواني. انظر عنه طبقات الفقهاء للشيرازي 160وترتيب المدارك 6/ 222215وتذكري الحفاظ 3/ 1021والديباج المذهب 138136وكشف الظنون 1/ 841.
(7) كتاب الرسالة في اعتقاد أهل السنة، أشهر كتب ابن أبي زيد القيرواني المشار إليه في الحاشية السابقة.
(8) سيرة الكلاعي هي المسماة (الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء) لسليمان بن موسى الكلاعي (634هـ) وقد ترجم له السلوي في (الكوكب الثاقب) برقم 115. وقد طبع جزآن من هذه السيرة بتحقيق مصطفى عبد الجواد مكتبة الخانجي القاهرة (13891387هـ / 197068م).
(9) سيرة ابن سيّد الناس هي المسماة (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) لمحمد بن محمد اليعمري، وقد عرفنا به في الصفحة 454الحاشية 2وقد طبعت هذه السيرة بمصر عام 1356بعناية حسام الدين القدسي.
(10) هو كتاب (تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) في النحو للشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسي المعروف بابن مالك الطائي النحوي (672هـ) وهو مجلد لخّصه من مجموعته المسماة بالفوائد، وهو كتاب جامع لمسائل النحو. أنظر كشف الظنون 1/ 405والأعلام 6/ 233.
(11) الألفية في النحو جمع فيه مقاصد العربية وسمّاه الخلاصة واشتهر بالألفية لأنه ألف بيت من الرجز. كشف الظنون 1/ 151وابن مالك سبق التعريف في الحاشية السابقة.(1/15)
وكتب التصريف، وديوان الشعراء الستة (1)، ومقامات الحريري، والقاموس ولسان العرب وأمثالهما مما يعين على فهم كلام العرب لأنها وسيلة إلى فهم كتاب الله وحديث رسول الله وناهيك بها نتيجة. ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد (2) رضي الله عنه كافية شافية ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلسفة، وكتب غلاة الصوفية، وكتب القصص فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلومنّ إلا نفسه. وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرّياء والسمعة، وأن يضلّوا طلبة البادية، فإنهم ياتون من بلدهم بنية خالصة في التّفقّه في الدين وحديث رسول الله، فحين يسمعونهم يظنون أنهم يحصّلون على فائدة بها، فيتركون مجالس التفقّه في الدين، واستماع حديث رسول الله، وإصلاح ألسنتهم بالعربية فيكون ذلك سببا في ضلالهم» (3).
وكان يستقدم الكتب من خارج المغرب، وقد عني بنسخ الكتب النادرة وكتب الأدب، وكان يعطي في ذلك مالا جزيلا (4)، ويذكر الأستاذ محمد المنوني (5) أن الوراقة ازدهرت في عهده واتّسمت بوفرة الكتب المنتسخة مع الرجوع إلى كتب السلف أو إلى الكتب التي تعتمد على الأصول القديمة والجيدة حتى يقلّ فيها التصحيف والتحريف مع العناية بالمقابلة والتصحح. وقد بعث السلطان مرة إلى فاس وحدها سبعة وخمسين جملا تحمل الكتب من أجل نسخها. وقد قام
__________
(1) هو المعروف بشرح ديوان الشعراء الستة ليوسف بن سليمان المشهور بالأعلم، عالم اللغة والأدب في الأندلس فقد جمع أشعار الشعراء الستة وشرحها (476هـ) الوفيات 7/ 8281وبغية الوعاة 2/ 356والأعلام 8/ 233ومصادر الشعر الجاهلي 504.
(2) لعل المقصود بذلك كتاب الرسالة في اعتقاد أهل السنة، المشار إليه في الحاشية 7من الصفحة السابقة.
(3) النبوغ المغربي 1/ 287286والحياة الأدبية 272271.
(4) التيارات السياسية 4342.
(5) الوراقة المغربية في عهد السلطان محمد الثالث 3ص 46مجلة دعوة الحق مارس 1977.(1/16)
بتوزيع اثني عشر ألف كتاب من كتب المولى إسماعيل على خزائن المغرب، كما نظّم عمليات إعارة الكتب بخزانة القرويين (1)، وكان يحبّس الكتب على الحرمين الشريفين (2)، كما كان العلماء يقصدونه طلبا للكتب، فقد قصده أحد العلماء الكبار من الصحراء، وهو عبد الله بن الحاج ابراهيم التججكي «لطلب الكتب فاختبره في العلم فأعجبه وعظمه وأعطاه خزانة كتب كبيرة نفيسة جدا» (3).
لقد كان لتشجيع رجال الدولة العلوية تأثير كبير في ازدهار الثقافة في المغرب في هذا العصر، كما كان للزاوية الدلائية دور كبير، فقد أمدّت مدينة فاس وكثيرا من المدن والنواحي بخيرة علمائها وفقهائها وأدبائها في هذا العصر، وعلى يد أساتذتها وشيوخها الذين نقلهم المولى رشيد إلى فاس بعد تهديم الزاوية، وعلى رأسهم أبو علي اليوسي، تكوّن جلّ شيوخ هذا العصر وأساتذته.
الأدب في هذا العصر
من خلال ما سبق يتضح أن الثقافة السائدة في هذا العصر هي ثقافة تعتمد أساسا على دراسة الفقه والحديث والتفسير والتصوف والمنطق وعلم الكلام والنحو والبلاغة، وما يتفرع عن هذه العلوم. أما الأدب بمعناه الخالص فقد كان الاهتمام به يأتي في المرتبة الثانية إذ «كانت الكتب الأدبية مغمورة بكتب علم الكلام والفقه (4)»، ولهذا نجد أن أكثر المؤلفات التي ألّفت في هذا لا عصر كانت ذات طابع فقهي ديني (5)، وحتى الرحلات التي ألّفت في هذه الفترة كان أغلبها رحلات حجازية (6).
__________
(1) الاستقصا 8/ 17والتيارات السياسية 43.
(2) الاستقصا 8/ 70.
(3) فتح الشكور 174.
(4) الحياة الأدبية 224.
(5) للتأكد من ذلك يكفي إلقاء نظرة على قائمة الكتب التي ألفت في هذا العهد والتي أوردها الأستاذ الشيخ عبد الله گنون في النبوغ المغربي 1/ 320310وانظر أيضا مقدمة التقاط الدرر 111110.
(6) دعوة الحق، يناير 1959ص 22.(1/17)
وبالرغم من ذلك فإن هذا العصر عرف أدباء كبارا مشهورين، وبعبارة أدق عرف فقهاء برزوا في ميدان الأدب، لقد كوّن أبو علي اليوسي عددا من التلاميذ الموهوبين (1) من أشهرهم محمد بن زاكور (2) (1120هـ) ومحمد بن الطيب العلمي (3) (1134هـ) وعلي مصباح الزرويلي (4) (1150هـ) ومحمد الأفراني (5) (1153هـ) ومحمد بن الطيب الشرقي (6) (1170هـ) وأبو مدين بن أحمد الفاسي (7) (1181هـ) وغيرهم.
ومن أبرز المؤلفات الأدبية في هذا العصر (8): محاضرات اليوسي، وعنوان النفاسة في شرح الحماسة لابن زاكور ومقباس الفوائد في شرح ما خفي من القلائد، له، والأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب لمحمد بن الطيب العلمي، وانس السمير وسنا المهتدي لعلي مصباح الزرويلي، والمسلك السهل للأفراني، والمحكم في الأمثال والحكم، وتحفة الأريب ونزهة اللبيب، ومجموع الظرف وجميع الطرف وكلها لأبي مدين بن أحمد الفاسي (8).
والخلاصة أن هذا العصر غلب عليه الطابع الديني الصوفي، فكان الأدب بالأساس وسيلة لإصلاح الأخلاق وتقويم السلوك، وبالرغم من ضعفه، فقد كان الأدب في المغرب أحسن حالا منه في المشرق العربي نظرا لغلبة الانحطاط على المشرق (9).
__________
(1) الحياة الأدبية 82.
(2) ترجمته في نشر المثاني 3/ 204201والتقاط الدرر 304303ومؤرخو الشرفاء 205204والنبوغ المغربي 1/ 323، 3/ 9190، 141139، 241239، 292، 332325. والحياة الأدبية 171161.
(3) ترجمته في نشر المثاني 3/ 264263والتقاط الدرر 327326ومؤرخو الشرفاء الشرفاء 211210والنبوغ المغربي 1/ 325324، 3/ 9291، 139138، 299، 308307، 334332والحياة الأدبية 195177.
(4) ترجمته في النبوغ المغربي 1/ 325، 3/ 285284والحياة الأدبية 228220.
(5) ترجمته في مؤرخو الشرفاء 9689، 219217والنبوغ المغربي 1/ 298والحياة الأدبية 236229.
(6) النبوغ المغربي 1/ 301، 3/ 9492، 139، 174173والحياة الأدبية 264258.
(7) ترجمته في نشر المثاني 4/ 182181والحياة الأدبية 295290.
(8) الحياة الأدبية: 82، 280، 281.
(9) الحياة الأدبية 82، 300و 172192 .. (،).(1/18)
الأحوال السياسية والثقافية في القرن الثاني عشر من الهجرة في تونس
الحالة السياسية
كانت تونس تابعة للدولة العثمانية كبقية الأقطار العربية، ما عدا المغرب، وقد عانت من الفتن والحروب الناجمة عن صراع الحكام العثمانيين على السلطة في تونس، وقد استمرت هذه الفتن إلى أن قضى إبراهيم باشا على آخر ملوك بني مراد وهو رمضان باي، وأخذ يحارب أتراك الجزائر لكنه أسر فانتخب أهل تونس حسين ابن علي التركي حاكما لتونس عام 1117هـ فكان هو مؤسس الدولة الحسينية (1).
وقد عرفت تونس في عهده، بعض الاستقرار، ولكن سرعام ما قام الصراع على السلطة من جديد: لم يكن لحسين بن علي أولاد في أول الأمر، فعقد ولاية العهد لابن أخيه علي باشا باي الأول ابن محمد، ولما رزق بالأولاد أخذ يمهّد لابنه محمد الرشيد ولاية العهد وقدّم ابن أخيه للباشية بدار الباشا. لكن ابن أخيه لم يرض بذلك، وفرّ إلى الجزائر واستنصر بحكامها وأخذ يحارب عمّه، وبعد حروب كثيرة انتصر على عمه الذي قتل عام 1153هـ، وفر أبناؤه إلى الجزائر (2). وهكذا خلص الأمر لعلي باشا باي فأخذ ينتقم من أنصار عمّه وقبض على الكثيرين بالظنة وسلبهم أموالهم ففرّ كثير من الناس إلى الجزائر ولحقوا بأبناء حسين فتقوّى جانبهم (3).
__________
(1) ذيل بشائر أهل الإيمان 108والأدب التونسي وتاريخ المغرب 227226.
(2) مسامرات الظريف 10والأدب التونسي 12وتاريخ المغرب 274271.
(3) الأدب التونسي 12وتاريخ المغرب 274.(1/19)
وبعد فترة من الاستقرار النسبي عاد أبناء حسين وأنصارهم بمساندة حكام الجزائر لمحاربة علي باشا، واستطاعوا بعد حروب أن يتغلبوا عليه فقتل عام 1169هـ، وتولى الحكم محمد الرشيد بن حسين، وبدأ عهده بإصدار عفو عام، وبذلك وطّد الأمن والاستقرار (1) وقلل من عدد الجيش حتى يخفف من تكاليفه على الشعب (2). وقد كان هذا الحاكم «حليما رضيا وأديبا شاعرا وموسيقيا على شاكلة أمراء الأندلس» (3). ولما توفي عام 1172هـ تولى أخوه علي باي الثاني الحكم فسار على نهج أخيه في الحكم والسياسة. وقد كان ديّنا ورعا، وازدهرت الحركة العلمية في أيام هذا الباب وقام بأعمال اجتماعية جليلة» (3) وكانت وفاته عام 1196هـ.
الحالة الثقافية
كان للحرب التي دارت بين الأتراك والإسبان من جهة ولصراع الأتراك فيما بينهم بعد ذلك على السلطة أثر سيء في الحياة الثقافية في تونس، فقد خلت المعاهد العلمية من الشيوخ والطلبة. ثم بمجيء الشيخ أحمد أفندي من الأستانة عام (1111هـ)، أخذت الحياة العلمية تنبعث، فقد بدأ ينشر العلوم الدينيّة والعلوم العربية وتخرّج على يده عدد من العلماء (4) الذين ساروا على نهجه في نشر العلم والمعرفة وظهرت طبقة من كبار العلماء من أشهرهم:
1) أبو الحسن علي النوري (5). من علماء صفاقص، حصل على كثير من علوم عصره، واستكمل دراسته بمصر، ومهر في علم الحديث، وعلم القراءات العشر، وجعل من داره بصفاقص زاوية ومدرسة لطلبة العلم، وكان ينفق عليهم من كسبه (1118هـ).
__________
(1) تاريخ المغرب: 286.
(2) تاريخ المغرب: 287.
(3) الأدب التونسي: 13.
(4) الأدب التونسي 22وذيل بشائر أهل الإيمان 3938 (المقدمة).
(5) ذيل بشائر أهل الإيمان 129127.(1/20)
2) محمد بن محمد الشرفي (1)، من علماء صفاقس في عهد حسين بن علي، وهو عالم بالفقه والنحو والتجويد، وله شعر جيد، وقد عيّنه حسين بن علي للتدريس في المدرسة التي بناها بصفاقس عام 1126هـ.
3) أبو عبد الله محمد زيتونة المنستيري (2)، حافظ المغرب ومفتي تونس في عصره. درس بالقيروان وتونس، واستقر بتونس، وقد تخرج عليه عدد كبير من علمائها، وله مؤلفات منها (شرح منظومة البيقوني) في مصطلح الحديث، (وشرح السلم) في المنطق وحاشية على تفسير أبي السعود سماها (مطالع السعود) وقد توفي عام 1138هـ.
4) محمد بن محمد الخضراوي (3)، عالم إفريقية في الفقه والنحو والمنطق والبلاغة والرياضيات ولد عام 1087هـ.
5) محمد سعادة (4) تفقّه بتونس، ثم رحل إلى مصر، حيث استكمل دراسته بالأزهر في الفقه والحديث والنحو والصرف والبلاغة. وله مؤلفات منها (تنوير المسالك من شرح منهج السالك إلى ألفية ابن مالك) و (قرة العين بنشر فضائل الأمير حسين).
وقد ساهم في هذا الانبعاث العلمي المراكز الثقافية وعلى رأسها تونس العاصمة حيث جامع الزيتونة الذي كان مقصد الطلبة والعلماء من جميع الجهات، ثم مدينة القيروان بعد أن أعاد بناءها حسين بن علي، فقد أصبح فيها أصبح فيها أزيد من 50 مسجدا عيّن لها أشهر الأساتذة والشيوخ وأجرى عليهم المرتبات الكافية، ومن
__________
(1) ذيل بشائر أهل الإيمان 127126.
(2) ذيل بشائر أهل الإيمان 230224والأعلام 6/ 132.
(3) ذيل بشائر أهل الإيمان 235234.
(4) ذيل بشائر أهل الإيمان 250249.(1/21)
المراكز الأخرى، صفاقس وجربة وباجة وسوسة (1) ولم يكن الطلبة والعلماء يكتفون بما يحصّلونه من علوم في هذه المراكز، وإنّما كان بعضهم يتوجه إلى المشرق العربي ليستكمل دراسته على علماء الأزهر ومن هؤلاء الشيخ محمد زيتونة والشيخ علي النوري ومحمد سعادة الذين سبق ذكرهم، وغيرهم (2).
أثر رجال الدولة في ازدهار الثقافة
انتشر التعليم بفضل كثرة الجوامع والمدارس والزوايا التي أقامها رجال الدولة وبفضل تشجيعهم للعلماء والطلبة، يقول صاحب مسامرات الظريف عن حسين بن علي (3): «وأحيا رسوم العلم في سائر جهات المملكة وبنى المدارس بالقيروان وصفاقس والجريد وجربة، وأقام بها العلماء والمؤدبين زيادة على إحيائه مساجد الله وشاد الجامع الحسيني العظيم البناء والمدرسة التي إلى جنبه، وبنى المدرسة الضخمة التي قرب ساباط عجم، وقدم لمشيختها الشيخ محمد الخضراوي، مدرس جامع محمد باي، وبنى المدرسة ذات النخلة التي قرب جامع الزيتونة وأوقف على جميعها الأوقاف الكافية وأجرى جراية بيت المال على علماء جامع الزيتونة» وكان لهذا الأمير «اعتناء بجمع الكتب وحصّل على خزانة عظيمة، وانتفع منه النسّاخون» (4). وكانت «له ملكة تامة في الفقه والأصول والعربية. متبحر في الآداب» (5). وكان تأتيه جماعة من كبار الفقهاء كل يوم لرواية الحديث الشريف بين العشاءين ويتداولون متن الصحيحين (6) وكان يوزّع العطايا والهبات كلما
__________
(1) ذيل بشائر أهل الإيمان 4443 (المقدمة).
(2) ذيل بشائر أهل الإيمان 44 (المقدمة)
(3) مسارات الظريف 9.
(4) ذيل بشائر أهل الإيمان 156.
(5) ذيل بشائر أهل الإيمان 155.
(6) ذيل بشائر أهل الإيمان 118.(1/22)
ختم البخاري، وكان يداوم على قراءة دلائل الخيرات في كل الأوقات. لقد كان له «رغبة في تكثير أهل العلم وطلابه وإحياء رسومه وتشييد بنائه (1)».
وعندما جاء علي باي الأول بعد مقتل عمه حسين عام 1153هـ سار على نهج عمه، بالرغم من أنه أكثر من سفك الدّماء وظلمه للخاصة والعامة، لقد كان معدودا في العلماء، وقد شرح تسهيل ابن مالك شرحا مهما، عكف عليه الناس، بجامع الزيتونة يتدارسونه مدة حياته (2). وقد كان «مع علمه ولوعا بالكتب واكتسابها (3)»، كما كا مغرما بانتساخها فهو الذي أمر عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي بنسخ الوافي بالوفيات للصفدي (4) وتحفة الباري شرح صحيح البخاري (4) كما أمره بتلخيص مطالع السعود (4).
وقد بنى عدة مدارس واختار لها العلماء الكبار وأوقف عليها الأوقاف الكافية للشيوخ والطلبة إعانة لهم على طلب العلم (5).
ولما جاء محمد الرشيد بن حسين بن علي إلى الحكم عام 1169هـ بعد مقتل علي باشا، شجع العلم والعلماء والطلبة فقد كان محبّا للعلم مولعا بالأدب مقتديا بملوك الأندلس وكان ينظم الشعر الرقيق (6). ولما توفي تولى الحكم أخوه علي باشا باي ابن حسين عام 1172هـ فقرّب إليه العلماء وكان أكثر ميله إلى العلوم الدينية ولا سيما الحديث النبوي وكان يجمع العلماء لمدارسة الكتب، وكان يلازم رواية صحيح البخاري بنفسه، ويأتيه كل ليلة طائفة من العلماء «للمسامرة على العلم وسرد الكتب المهمة والمحاورة فيها» (7) وقد توفي عام 1196هـ.
__________
(1) ذيل بشائر أهل الإيمان 118.
(2) مسامرات الظريف 14.
(3) مسامرات الظريف 15.
(4) انظر الصفحة 33من هذه المقدمة.
(5) مسامرات الظريف 15.
(6) مسامرات الظريف 47، 26.
(7) مسامرات الظريف 28.(1/23)
الأدب في هذا العصر
كان الاتجاه الغالب في الثقافة في هذا العصر هو الاتجاه الديني، ومع ذلك فإن الأدب عرف بعض الانتعاش بقيام الدولة الحسينية عام 1117هـ وذلك يعود إلى عدة أسباب من أهلها (1):
1) أن حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية قرّب إليه الشعراء وشجعهم وكذلك فعل من جاء بعده.
2) هجرة الأندلسيين إلى تونس عقب الغزو الإسباني.
3) رجوع جماعة من العلماء الذين توجهوا للحج وطلب العلم بالأزهر.
4) حياة الاستقرار التي عرفتها تونس في عهد حسين بن علي.
وقد انتعش الأدب والشعر بخاصة في عهد علي باشا باي الأول وابن عمه محمد الرشيد وأخيه علي باشا الثاني، وذلك لأن هؤلاء كان لهم «حظ من المعرفة والدراية الأدبية، وكانت لهم مواقف حربية هائلة وأعمال جليلة (2)».
ومن أبرز شعراء هذه الفترة في القرن الثاني عشر:
1) أبو الحسن علي الغراب (3). وقد ولد بصفاقس ودرس على شيوخها ثم انتقل إلى العاصمة تونس حين استكمل دراسته بجامع الزيتونة وقد تفوّق في العلوم العربية والتاريخية وعلم الفلك والمنطق وكان ميّالا إلى الأدب شعره ونثره منذ الصغر، مقربا من علي بشا باي الأول، وعلي باي الثاني، وقد توفي عام 1185هـ وله طائفة من الرسائل الإخوانية والمقامات ومجموعة كبيرة من شعره.
__________
(1) الأدب التونسي 3938.
(2) الأدب التونسي 42.
(3) ترجمته في الأدب التونسي 10391وتاريخ المغرب 284283والأعلام 4/ 319.(1/24)
2) أبو عبد الله محمد بن أحمد الورغيّ (1)، من فحول شعراء العهد الحسيني ويعتبر «أول شاعر مجدد في العصر الحسيني (2)، درس بجامع الزيتونة على أعلام التاريخ والشعر والعلوم الأدبية والكلام والمنطق والتفسير والحديث وقد تولى الكتابة في ديوان الإنشاء لعلي باشا الأول، فكان شاعره المقدّم وكاتبه المبرز، وقد تعرض للعزل والضرب والسجن بعد مقتل علي باشا الأول، وتوفي عام 1190هـ وقد ضاع الكثير من شعره ونثره وبقي له ديوان شعر.
3) حمودة بن محمد بن عبد العزيز (3)، وهو شاعر أديب مؤرخ، قرأ بالزيتونة وولي التدريس بها، وقد تولى قلم الإنشاء لعلي باي الثاني وله (التاريخ الباشي) وديوان شعر. توفي عام 1202هـ.
والخلاصة أن الحالة السياسية في المغرب الأقصى وتونس في القرن 12هـ عرفت اضطرابات وحروبا وفتنا جعلت الحكام يهتمون بالاستقرار بالدرجة الأولى كما أن الحالة الثقافية كانت متشابهة في القطرين فقد كان الإتجاه الغالب هو الاتجاه الديني وأما الأدب فكان يحتلّ المرتبة الثانية وذلك لعدة أسباب من أهمها «أن الصدام بين الإسلام والمسيحية في المغرب العربي اتّخذ شكلا عنيفا وحادّا لا يعرف المهادنة وقد ابتدأ بالأندلس، ثم منها انتقل إلى المغرب والجزائر وتونس.
وكانت الحملات الصليبية المتوالية على تونس وما فعله الإسبان بالمساجد والجوامع وخاصة جامع الزيتونة (4) جعل فيما يبدو رجال العلم يرون الاشتغال بالأدب ضربا
من العبث ويعدونه صرفا عن العمل الجدي وأن الدراسة الحقّة ما نفعت أصحابها في حالهم ومآلهم، كالدراسات الفقهية والأصولية، وأما الشعر فإنه حلية وكان الوالد لا يتردّد في نصح أبنائه وتحذيرهم من دراسة الأدب والشعر خاصة (5)».
__________
(1) ترجمته في الأدب التونسي 175149وتاريخ المغرب 286284والأعلام 6/ 15.
(2) الأدب التونسي 160.
(3) شجرة النور الزكية 364والأعلام 2/ 282.
(4) لقد دخلت كتائب الجيش الإسباني إلى جامع الزيتونة وربطوا خيولهم فيه ونهبوا خزائنه العلمية ومزّقوا كتبه وظلّت الكتب مدّة مطروحة بالشوارع تدوسها خيل الجند وحمل بعضها إلى الفاتيكان وإسبانيا وذلك في عام 980هـ انظر تاريخ المغرب 194193.
(5) الأدب التونسي 41.(1/25)
الفصل الثاني: حياة المؤلف
إغفال المترجمين للسلوي
لقد أغفل المؤرخون وأصحاب التراجم عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي فلم يترجموا له، وبرغم طول البحث في الكتب المطبوعة والمخطوطة وسؤال أهل الاختصاص لم أظفر بترجمة خاصة له، ومن الكتب التي رجعت إليها في بحثي عن ترجمة للسلوي أو حتى مجرد إشارة بسيطة إليه ما يلي:
1) نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري (1187هـ).
2) التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار وأعيان المئة الحادية والثانية عشر (1)، له أيضا.
3) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون لإسماعيل باشا البغدادي (1339هـ).
4) هدية العارفين في أسماء المؤلفين، له أيضا.
5) سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر الكتاني (1345هـ).
6) الإتحاف الوجيز (2) لمحمد بن علي الدكالي (1364هـ).
__________
(1) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة العامة تحت رقم (676د) ورجعت إليه عندما حقق وطبع.
(2) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة العامة تحت رقم (1320د) ورجعت إليه عندما حقق وطبع.(1/26)
7) إتحاف أشرف الملا ببعض أخبار الرباط وسلا (1)، له أيضا.
8) فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان لمحمد بن محمد غرّيط ت (1364هـ).
9) الدر المنتثر في أعيان القرن الثاني عشر والثالث عشر للحجاج علي علاء الدين الألوسي.
10) تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان (1375هـ، 1956هـ) (الترجمة العربية).
11) معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة.
وإن عدم تعرّض هؤلاء المؤلفين للسلوي وكتابه يدل على أنهم لم يعرفوا شيئا عنه ولا عن كتابه (الكوكب الثاقب).
1) تاريخ الضعيف (2) لمحمد بن عبد السلام الضعيف الرباطي (1233هـ).
2) الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برّا وبحرا أو الترجمان المغرب لأبي القاسم الزياني (1249هـ) تحقيق عبد الكريم الفيلالي.
3) الجيش العرموم الخماسي (3) في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي لمحمد بن أحمد أكنسوس (1294هـ).
كما بحثت في بعض الكتب التونسية ولكن دون جدوى، وقد نصحني الأستاذ العالم محمد المنوني بقراءة (الكشكول في محاسن المقول) (4) لمؤلفه محمد بن عثمان ابن محمد السنوسي (1255هـ) لأنه يتضمن أخبارا أدبية متفرقة عن الفترة التي عاش فيها السلوي في تونس، وقد قرأت فيه طويلا ولم أعثر على شيء يتعلق بالسلوي.
__________
(1) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة العامة تحت رقم (11د).
(2) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة الحسنية بالرباط. 3305)، (277). ط
(3) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 26. ط
(4) رجعت إليه مخطوطا بالخزانة العامة بالرباط (193ك).(1/27)
وقد زرت يوم 1/ 4/ 1983الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله بمكتب تنسيق التعريب ورجوته أن يمدني بما يعرف عن السلوي، فتفضل بإطلاعي على جذاذة سجل فيها أن له كتاب (الكوكب الثاقب) منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم (335تاريخ تيمورية)، وأن ترجمته موجودة في سلوة الأنفاس 2/ 186وفواصل الجمان الصفحة 199.
وقد فرحت بهذه المعلومات كثيرا، وشكرت له تفضله، ولكن سرعان ما تبخّر هذا الفرع عندما عدت إلى الكتابين فقد تحدث صاحب سلوة الأنفاس (2/ 186) عن شخص اسمه «أبو محمد سيدي الحاج عبد القادر السلوي الوربي وكان خامل الذكر، وله حانوت بالعطارين الكبرى، وكانت آثار الخير والولاية لائحة عليه توفى سنة نيف وسبعين ومئة وألف» فهذا الرجل ليس هو السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب)، وقد ألفه عام 1176هـ وألف كتابه (إدراك الأماني) عام 1180هـ.
وأما صاحب (فواصل الجمان) فقد ترجم في (ص 199) لأبي محمد عبد القادر بن عبد الرحمن الفاسي الفقيه الأديب الكاتب المتوفى عام 1296هـ بمكناس وهو ليس بصاحبنا السلوي الذي توفي قبله بحوالي قرن من الزمان.
وأما صاحب (الإتحاف الوجيز)، في ترجمته للفقيه الأديب أبي محمد عبد القادر بن محمد السلوي (1)، فقد خلط بين هذا الشخص وبين السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب) عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، ونسب للأول بعض صفات الثاني وأعماله ومن ذلك قوله (2): المخطّط بخطوط مقلة في كل مهراق» وقوله أيضا (3): «وكان لصاحب الترجمة خط رائق، رأيت أجزاء من تاريخ الصفدي المسمى بالوافي بالوفيات بخطه في غاية الحسن والإبداع، قال إنه فرغ من نسخه في فاتح عام ثمانية وخمسين ومئة وألف».
__________
(1) الإتحاف الوجيز 115114.
(2) الإتحاف الوجيز 114.
(3) الإتحاف الوجيز 115.(1/28)
وهذا الكلام يصدق على السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب) فهو الذي عرف بجمال خطه (1) وزخرفته وكثرة منتسخاته، كما عرف بنسخه لكتاب الوافي بالوفيات للصفدي (2). وقد أكد لي هذا الخلط الأستاذ العالم محمد المنوني الذي بحث طويلا عن ترجمة للسلوي فلم يظفر بشيء فصرح أنه «لا تعرف له ترجمة على حدة» (3).
وإذا كان هذا حال السلوي مع المؤرخين المغاربة، فكيف كان حاله مع المؤرخين التونسيين؟ يقول الشيخ محمد الشاذلي النيفر: «رغم مكانة السلوي العلمية لم يكن محظوظا فلم يذكره المؤرخون التونسيون رغم انتفاع بعضهم بشيء من آثاره، وهو إن كان قليلا فهو مصدر من المصادر» (4).
ولكن حال السلوي، بالرغم من ذلك، كان أحسن مع المؤرخين التونسيين فبالرغم من أنهم لم يخصوه بترجمة، فإن واحدا منهم على الأقل أشار إليه عرضا، وهو أحمد بن أبي الضياف (1291هـ) في كتابه (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان)، لقد عرض للسلوي أثناء ترجمته لحفيده وسميّه عبد القادر بن غشام (5). وقدّم لنا عنه معلومات نفيسة، برغم قلتها لكنها تلقي ضودا كاشفا على جوانب من حياته التي ظلت مجهولة تماما.
كما أن حظ السلوي كان طيّبا مع الرحالة الصوفي الحسين بن محمد الورثيلاني الجزائري صاحب (نزهة الأنظار) فقد لقيه في مدينة توزر في طريق عودته من الحج عام 1153هـ وسمعه وهو يفسر القرآن الكريم في مسجد توزر.
__________
(1) أنظر بحث الأستاذ المنوني: الوراقة المغربية في عهد السلطان العلوي محمد الثالث: ص 46، 50، مجلة دعوة الحق مارس 1977.
(2) أنظر الصفحة 33من هذه المقدمة.
(3) ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الثاني ص 85مجلة دعوة الحق مارس 1973.
(4) جريدة العمل التونسي 26/ 7/ 1968.
(5) إتحاف أهل الزمان 8/ 130.(1/29)
وقد استفاد الشيخ محمد الشاذلي النيفر من المعلومات التي أوردها ابن أبي الضياف وأضاف إليها معلومات أخرى وجدها في بعض التقاييد التي اطّلع عليها، وكتب بحثا في أربع حلقات عن المؤلف وكتابه (الكوكب الثاقب) في جريدة العمل التونسية (1) كما استفاد الأستاذ العالم محمد المنوني مما كتبه الشيخ محمد الشاذلي النيفر، وأضاف إلى ذلك بعض المعلومات التي حصل عليها نتيجة تقصّيه، وكتب بحثا عن المؤلف وكتابه (2). وقد استفاد الزركلي (3) ومصطفى بوشعراء (4) مما كتبه الأستاذ العالم محمد المنوني فترجما للسلوي.
وقد استفدنا من كل ذلك، وأضفنا إليه ما عثرنا عليه، في رسم صورة شبه متكاملة لحياة المؤلف كما في الصفحات الآتية.
__________
(1) جريدة العمل التونسي 26/ 7/ 68، 2/ 8/ 68، 9/ 8/ 68، 16/ 8/ 1968.
(2) ضمن بحثه (ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الثاني) 8785. مجلة دعوة الحق مارس 1973.
(3) الأعلام: 4/ 39.
(4) الاستيطان والحماية بالمغرب 1/ 93.(1/30)
حياة المؤلف
يكتنف حياة عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي كثير من الغموض، إذ لا نعرف تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته، ولا ظروف انتقاله من المغرب إلى تونس. وجلّ ما سنورده في هذا المجال يعتمد على بعض الإشارات التاريخية المتفرقة في كتبه، وعلى شيء من التقريب والترجيح.
صرح المؤلف في افتتاح كتابه (الكوكب الثاقب) أنه ألف وهو شيخ كبير السن (1)، وقد فرغ منه عام 1176هـ كما يذكر في آخر الكتاب. وإذا عرفنا أنه درس على الإمام المسناوي (2) محمد بن أحمد الدلائي المتوفى عام 1136هـ، فمن المرجح إذن أن يكون ميلاده في الربع الأول من القرن الثاني عشر للهجرة، وعلى ذلك يكون السلوي قد قضى طفولته وشبابه في عهد السلطان مولاي إسماعيل (11391082هـ).
وإذا عرفنا أن الفتن التي توالت عقب موت مولاي إسماعيل قد دفعت البعض إلى الارتحال إلى الديار المقدسة قصد الحج والاستقرار بها نهائيا كما فعل محمد بن محمد الدلائي عام 1141هـ (3) وأبو عبد الله محمد بن الطيب الشرقي عام 1143 (4) ووالد المؤرخ المغربي المشهور أبي القاسم الزياني عام 1169 (5)، فإنه يمكننا، أن نعلّل سبب مغادرة عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي المغرب والتجائه إلى تونس في هذه الفترة نفسها. وقد أكد لي أحفاد المؤلف في تونس هذا الأمر
__________
(1) الكوكب الثاقب 54.
(2) مساهمة القروبين 225.
(3) مؤرخو الشرفاء 215.
(4) أنظر (ابن الطيب الشرقي مؤرخا) للأستاذ الدكتور عبد العلي الودغيري ص 116، 133132مجلة المناهل العدد 36ذو الحج 1407 (يوليوز 1987).
(5) مؤرخو الشرفاء 104.(1/31)
عندما اتصلت بهم في صيف عام 1983م، فقد ذكروا لي أن جدّهم السلوي، كان عالما كبيرا يعيش في بلاط أحد ملوك المغرب، وأنه تعرض لو شاية كاذبة، جعلت السلطان يقرر التخلص منه، لكن أحد أصدقائه أخبره بالأمر قبل القبض عليه، فأسرع السلوي بأخذ ما خف وزنه وغلا ثمنه وركب فرسه، واتّجه نحو الشرق وقصد تونس وبالذات جامع الزيتونة، وأخذ يسكن مع الطلبة في المدرسة القريبة من الجامع، فعرف الطلبة والشيوخ مكانته العلمية عندما حاوروه وناظروه وقد وصل خبره إلى السلطان علي باشا، فاستدعاه وقرّبه إليه بعد أن عرف مكانته العلمية. ورغبة منه في إبقائه بجانبه بتونس أشار عليه أن يتزوج من بنت أحد أتباعه، وهو الشيخ ابن غشام الذي كان عدلا موثقا، كثير الغنى، له سبع بنات كلهن تزوجن إلا البنت الصغرى التي تعيش وحدها مع أبيها، ولم يكن له ذكور.
وهكذا تزوج السلوي وعاش في منزل صهره ابن غشام، ومن ثم أصبح أبناؤه يدعون باسم ابن غشام إلى وقتنا الحاضر، ونسي لقب السلوي بعد ذلك.
لا نعرف متى هاجر السلوي إلى تونس إلا أن أول إشارة تاريخية تدل على وجوده في تونس هي ما ورد في كتاب (نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار) المشهور بالرحلة الورثيلانية للحسين بن محمد الورثيلاني المتوفى عام 1193هـ فقد جاء فيها ما يلي (1): «في الحجة الأولى عام 1153هـ نزلنا بها (أي مدينة توزر التونسية) في الرجعة ووجدت في تلك الحجة العلامة الفاضل والفهامة الكامل سيدي عبد القادر الفاسي (2) يقرأ في مسجد توزر في التفسير
__________
(1) نزهة الأنظار 124123.
(2) لقد تبادر إلى ذهني بادئ الأمر أن هذا العالم قد يكون غير عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي الفاسي لكن بعد البحث تبين أنه لم يكن في تونس في هذه الفترة عالم مغربي اسمه عبد القادر الفاسي غير صاحبنا مؤلف (الكوكب الثاقب) وقد أكدّ لي هذا الأمر الأستاذ البحاثة محمد المنوني عندما أخبرته بنص (نزهة الأنظار). نعم لقد تسمى بعض علماء المغرب باسم عبد القادر الفاسي لكن ذلك كان قبل هذه الفترة مثل الشيخ عبد القادر الفاسي المتوفى عام 1091هـ الآتي ذكره عند الحديث عن ابن زاكور وهناك عالم آخر جاء بعد هذه الفترة هو أبو محمد عبد القادر بن عبد الرحمن الفاسي المتوفى عام 1296هـ انظر فواصل الجمان 200199.(1/32)
في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}
الآية. وكان رضي الله عنه حافظا للروايات ناقلا مذاهب العلماء، عبارته سلسة، فصيح اللسان، حلو الكلام، ما أحسنه في وقته، قلّ نظيره، ثم بعد ذلك مات رحمه الله، وهي ثلمة في الإسلام لا يسدها إلا خلق مثله، وهو حديث مروي عنه صلّى الله عليه وسلم بأن قال: إذا مات العالم انثلمت ثلمة في الإسلام لا يسدها إلّا خلق مثله».
ونستفيد من هذا النص أن السلوي كان في تونس 1153هـ فلقيه الحسين الورثيلانيّ عند عودته من الحج في مسجد مدينة توزر، وهذه المدينة تقع في الجنوب التونسي على طريق الحجاج المغاربة، ولعل السلوي قدم في هذه السنة أو في حوالي هذه السنة من المغرب ومكث في مدينة توزر يعطي دروسا في التفسير. وفي عام 1154هـ نجد السلوي في تونس ينسخ لعلي باشا كتاب تحفة الباري (1) بشرح صحيح البخاري لشيخ الإسلام القاضي أبي يحيى زكرياء بن محمد الأنصاري. وفي عام 1156هـ ينسخ أيضا لعلي باشا الأجزاء الثلاثة الأولى من كتاب الوافي بالوفيات للصفدي (2). وفي عام 1159هـ ينهي نسخ الجز الثالث والعشرين من الكتاب نفسه (3)
وفي عام 1165هـ يفرغ من تلخيص سفر من (مطالع السعود وفتح الودود على تفسير الإمام أبي السعود) (4) تأليف الشيخ محمد بن عبد الله الزيتونة التونسي (1138هـ)، وقد لخّصها باقتراح من علي باشا. وفي عام 1166هـ يفرغ من سفر آخر (5)، وفي عام 1168هـ يفرغ من سفر ثالث (6). وفي عام 1176هـ يفرغ من تأليف
__________
(1) أنظر تحفة الباري 1/ 336، وهو مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 5722، وانظر السفر الأخير صفحة 339، رقمه بالدار نفسها 04960. وفيهما يصرح بأن السلطان علي باشا باي أمره بنسخهما.
(2) توجد هذه الأجزاء الثلاثة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 648وفي آخرها يصرح بأن علي باشا أمره بنسخها.
(3) مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 13325.
(4) مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط رقم 9575.
(5) مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 10794.
(6) مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 10179.(1/33)
كتابه (الكوكب الثاقب). وفيه يشير إشارة واضحة إلى استيطان تونس عندما يصرح في افتتاح كتابه: (1) «عبد القادر بن عبد الرحمن، المدعو السلوي الأندلسي الأصل، الفاسي المنشأ التونسي الدار». وفي عام 1180هـ نجد السلوي في المغرب يحقق كتاب الأغاني للأصبهاني ويصحّحه بأمر من السلطان محمد بن عبد الله، كما جاء في مقدمة الكتاب وقد سماه (إدراك الأماني من كتاب الأغاني) (2)، وفي مقدمته يصرح باسمهم هكذا (3) «عبد القادر المدعو السلوي ابن عبد الرحمن الأندلسي ثم الفاسي» دون أن يذكر (التونسي الدار) على عكس ما فعل في الكوكب الثاقب.
ولا نعرف تاريخ وفاته بالضبط بالرغم من طول البحث وسؤال أحفاده بتونس، لكن الإشارة السابقة لمؤلف (نزهة الأنظار) تساعدنا على معرفة تقريبية بتاريخ وفاته، فقد ذكر أنه لقيه عام 1153هـ أثناء عودته من حجته الأولى. ثم قال بعد ذلك، وهو يدون حجته لعام 1179هـ: «ثم مات بعد ذلك». وإذا أخذنا في الاعتبار أن مؤلف (نزهة الأنظار) توفي عام 1193هـ (4) يكون السلوي قد توفي قبل وفاة الحسين الورثيلاني أي ما بين تاريخ تأليف (إدراك الأماني) عام 1180هـ ووفاة الحسين الوثيلاني عام 1193هـ على أننا إذا علمنا أن الحسين الورثيلاني قد فرغ من تأليف رحلته عام 1182 (5) يكون السلوي قد توفي قبل ذلك أي ما بين عام 1180هـ وعام 1182.
__________
(1) الكوكب الثاقب 1.
(2) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 2706.
(3) إدراك الأماني 1/ 10.
(4) أنظر ترجمته في نزهة الأنظار (المقدمة ص أ، ح، د) ومعجم المطبوعات 2/ 1913وتعريف الخلف 2/ 147139 والأعلام 2/ 257.
(5) أنظر نزهة الأنظار 713فقد جاء فيها: «انتهت الرحلة المباركة للشيخ سيد الحسين بن محمد الورثيلاني وكان الفراغ من نسخها الفاتح لشهر شعبان عام 1182هـ للشيخ المذكور من مسودته».(1/34)
وقد صرح الشيخ الشاذلي النفير أنه عثر في أحد الكنانيش أن وفاته كانت عام 1198هـ (1)، وهذا يتعارض مع الاستنتاج السابق، والله أعلم.
وقد توفي السلوي بتونس ودفن بمقبرة الزلاج حسبما أخبرني بذلك أحفاده بتونس صيف 1983.
ألقابه:
لقب السلوي نفسه بعدة ألقاب كما عرفنا قبل قليل فهو «المدعو السلوي» وهذا يعني أنه سكن سلا فترة من الزمن، ومنها انتقل إلى مكان آخر، فدعي فيه بالسلوي وهكذا علق به هذا اللقب. وهو «الفاسي المنشأ» وهذا يعني أنه نشأ وكبر في فاس، ولا ندري هل ولد ونشأ في فاس أم أنه ولد في مكان آخر ثم نقله أهله إليها وهو صغير حيث نشأ. وهو «الأندلسي الأصل». وقد صرح لي أحد أحفاده في تونس أن جدهم السلوي ينتمي إلى أسرة ابن عاشر السلوي الأندلسي، وإذا صح ذلك فهو ينتمي إلى أسرة أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر (2)، وهو من الزهاد الصالحين في المغرب، كان على علم غزير، أصله من الأندلس وقد رحل إلى المغرب، فاستقر في سلا إلى أن توفي عام 764هـ، وقد ألف أحد علماء سلا وهو أبو العباس أحمد بن عاشر الحافي (1163هـ) كتابا في سيرته سماه (تحفة الزائر في مناقب الشيخ ابن عاشر).
وقد نسي جميع هذه الألقاب أحفاده الذين اشتهروا باسم ابن غشام نسبة لأسرة زوجة جدهم عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي وهي أسرة الحاج أحمد بن غشام الطرابلسي (3).
__________
(1) صرح بذلك لهاني النيفر الذي (حقق) الكوكب الثاقب سنة 197473ونال به شهادة الكفاءة للبحث، وهي تعادل شهادة استكمال الدراسة. أنظر ص 6من مقدمة هذا التحقيق، وهو مرقون بكلية الآداب بتونس تحت رقم 107.
(2) ترجمته في نيل الابتهاج 7170وجذوة الاقتباس 1/ 153والإتحاف الوجيز 7189والأعلام 1/ 187.
(3) جريدة العمل التونسية 26/ 7/ 68ص 5.(1/35)
أحفاده
يعيش أحفاد المؤلف إلى زماننا هذا في تونس، وقد تعرفت على بعضهم في صيف 1983أثناء زيارتي لتونس بحثا عن المخطوط الأصلي، وأغلبهم من الأطباء والصيادلة والمهندسين والتقنيين السامين في الطيران، وغير ذلك من المهن التي تبتعد كثيرا عن المهنة التي توارثها أفراد هذه الأسرة وهي الإمامة والإشهاد والعدالة، ولعل ذلك يرجع إلى تغير نظرة المجتمع إلى هذه المهنة، فبعد أن كانت في وقت سابق تعتبر مهنة الجاه والمال أصبحت في زماننا هذا من المهن المتواضعة، وأصبحت مهنة الطب والهندسة من المهن المحترمة التي يطمح إليها الناس.
ولعل أشهر أحفاد السلوي هو سميّه الكاتب أبو محمد عبد القادر بن غشام، وقد ترجم له أحمد بن أبي الضياف في كتابه (إتحاف أهل الزمان) وكانت ترجمته له سببا في تعرّضه لجده السلوي، يقول عن الحفيد والجد (1): «نشأ في بيت شرف وعفاف، وأصل جده من سلا، قدم الحاضرة، وتنقل في الخطط العلمية من عدالة وإمامة، وتولى خطّة القضاء في بنزرت، وخطه معروف في الكتب، وله تأليف في الأدب سماه (الكوكب الثاقب) ونسج بنوه على منواله، وتسابقوا للاتصاف بخلاله» وقد قرأ الحفيد القرآن الكريم وحفظه ثم أقبل على العلم فدرس على كبار علماء عصره، وبخاصة على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله القادر الرياحي والشيخ أبي العباس أحمد الأبي، وكان فقيها فرضيا، مشاركا واشتغل بالتوثيق، وقد استكتبه أبو الثناء محمود بن عياد وصحبه معه إلى فرنسا. كما استكتبه في قلم الإنشاء المشير أبو العباس أحمد باي، وقد توفي أثناء رجوعه من الحج في القاهرة عام 1279هـ (2).
__________
(1) إتحاف أهل الزمان 8/ 130.
(2) إتحاف أهل الزمان 8/ 130.(1/36)
وقد توارث أحفاد السلوي مهنة التوثيق والعدالة إلى عهد قريب، كما تشهد بذلك بعض الوثائق (1) التي أمدني بها أحد أحفاده في تونس، ومنهم:
1) الفقيه حسن بن محمد بن غشام الذي تولى الإشهاد والعدالة بحاضرة تونس ونواحيها في أوائل صفر الخير عام 1256هـ، وذلك بأمر من أحمد باشا باي.
2) الفقيه أحمد بن محمد بن غشام الذي تولى الإشهاد بالوطن القبلي بتونس عام 1264هـ بأمر من المشير أحمد باشا باي.
3) الفقيه العدل محمد بن أحمد بن غشام الذي تولى الإشهاد والعدالة مكان والده، وذلك بأمر من المشير محمد الصادق، باشا باي عام 1299هـ.
4) الشيخ محمد الطيب بن محمد بن غشام الذي عيّن عدلا مبرزا بحاضرة تونس عام 1330هـ بأمر من محمد الناصر باشا باي.
وهذا الأخير هو الذي كان محتفظا بمخطوط (الكوكب الثاقب) ثم سلمه لحفيده المهندس توفيق بن غشام لما عاين فيه محبة الكتب والاهتمام بها وقد أوصاه بحفظ الكتاب وصيانته لأنه انتاج جدهم الأعلى الذي قدم من سلا من المغرب هكذا صرح لي هذا الحفيد بتونس صيف 1983.
دراسته وتكوينه العلمي والثقافي
شيوخه ومعاصروه:
إذا كنا لا نعرف شيئا كثيرا عن حياة السلوي فذلك ينطبق أيضا على دراسته وتكوينه، لقد كانت المصادر شحيحة، كما كان السلوي شحيحا في الحديث عن نفسه في كتاباته، فنادرا ما تفلت منه إشارة تتعلق بحياته أو عصره،
__________
(1) أنظر بعض صورها في ملحق هذه المقدمة.(1/37)
ولذلك لا نكاد نعرف شيئا عن أساتذة السلوي وشيوخه، وبقدر ما أغفله المؤرخون وكتاب التراجم والطبقات أغفل هو نفسه. وكل ما استطعنا العثور عليه في هذا المجال:
أ) ذكر السلوي أثناء تفريقه بين همذان بلد بخراسان وهمدان القبيلة العربية المشهورة، قول أحد شيوخه، دون أن يسميه، فقال (1): «وقد أنشدنا بعض أشياخنا رحمهم الله في ذلك لبعضهم:
همدان بالإسكان دون اعجام ... حيّ وعكس قرية بالإعجام
فمن يا ترى يكون هذا الشيخ؟ لا نملك إلا أن نقول: الله أعلم.
ب) وذكر الشيخ محمد الشاذلي النيفر أنه عثر في أحد تقاييد السلوي على ما يلي (2): «كتب شيخنا العلامة أبو عبد الله المسناوي (3) رحمه الله لبعض نجباء تلامذته لمّا استجازه».
هذا كل ما عثرنا عليه فيما يتعلق بشيوخه.
ج) والإشارة الثالثة ذكر فيها بعض أصحابه عند ما عرض لنظم فصيح ثعلب لابن المرحل فقال: (4) «وقد وضع عليه بعض أصحابنا شرحا حفيلا أحسن فيه كلّ الإحسان، وهو الفقيه النحويّ اللغويّ الأديب أبو عبد الله محمد بن الطيب الشرقي (3) نزيل طيبة المشرفة».
إن هذه الإشارات التي أمكن العثور عليها غير كافية لإلقاء الضوء على حياة السلوي الدراسية لكنها تساعدنا بعض الشيء على التعرف على بعض جوانب هذه الحياة.
__________
(1) الكوكب الثاقب 406.
(2) مساهمة القرويين 225.
(3) سيرد التعريف به بعد قليل.
(4) الكوكب الثاقب 635.(1/38)
فمن هو أبو عبد الله المسناري شيخ السلوي؟
أبو عبد الله المسناوي (1)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن الشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي، ولد في الزاوية الدلائية عام 1072هـ، ولما هدمت، وهو ابن سبع سنين انتقل مع والده إلى فاس، فدرس على علمائها من أمثال الشيخ أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي والإمام الحسن اليوسي وغيرهما، وقد اجتهد في الدراسة إلى أن أصبح عالما كبيرا يشتغل بالتدريس والفتيا، وتأليف الكتب، يقول عنه محمد بن الطيب القادري (2): «آية في العلم والتحقيق. أعطي ملكة التدريس والفتيا، وله صيت في التدريس، وإليه المرجع في كل فهم» و «كان آية في العلوم وحجة في صحة الإدراك والفهوم، آخذ بأوفر نصيب في غالب فنونها ولم يزل مقصودا للمشكلات ومعتمدا في النوازل والمعضلات وتلمذ له جميع أهل عصره، وانفرد برئاسة التدريس والعلم في وقته ومصره» (3)، وقد تخرج عليه عدد كبير من علماء المغرب في وقته. وقال عنه بروقنسال (4): إن أكثر كتاب التراجم في القرن الثامن عشر يعدّون من تلاميذه». ومن أبرزهم (5): المؤرخ الشهير محمد الصغير الإفراني المراكشي (1140هـ) صاحب (نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي)، و (صفوة من انتشر من صلحاء القرن الحادي عشر). ومحمد بن الطيب العلمي (6) (1134هـ) الأديب الشاعر صاحب (الأنيس المطرب)، ومحمد بن الطيب الشرقي (1170هـ) الآتي ذكره بعد، وغير هؤلاء من الأعلام.
__________
(1) ترجمته في التقاط الدرر 330327ونشر المثاني 3/ 278265. ومؤرخو الشرفاء 214والنبوغ المغربي 1/ 297296والزاوية الدلائية 246243والحياة الأدبية 204196والأعلام 6/ 13.
(2) التقاط الدرر 327.
(3) نشر المثاني 2/ 265.
(4) مؤرخو الشرفاء 214.
(5) الزاوية الدلائية 248.
(6) سيرد التعريف به قبل قليل.(1/39)
وكانت حلقات دروس المسناري بالقرويين غاصّة بالطلبة والعلماء على السواء. وكان يدرس في أول الأمر الفقه والبلاغة والمنطق والأدب والتاريخ، ثم مال في آخر حياته لتفسير القرآن الكريم وقراءة صحيح الإمام البخاري.
وقد اتسم هذا العالم الكبير بصفات خلقية وخلقية أكسبته الاحترام والهيبة من جمال ووقار ولطف ونبل، من مؤلفاته:
1) (نصرة القبض والردّ على من أنكر مشروعيته في صلاتي النفل والفرض) وفيه يجوّز قبض اليدين في الصلاة، وهو بذلك يرد على فقهاء المالكية بالرغم من أنه كان شيخ المالكية بفاس.
2) (صرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة).
3) (تقييد كاشف عن أحكام الاستنابة في الوظائف).
4) (نتيجة التحقيق في بعض أهل الشرف الوثيق).
وله مجموعة كبيرة من الفتاوي تعدّ مرجعا هامّا للفقهاء والقضاة. وتوفي الإمام المسناوي في 16شوال عام 1136هـ.
أبو عبد الله الشرقي (1) صاحب السلوي
هو محمد الطيب بن محمد بن محمد بن محمد الشرقي الفاسي الفقيه المالكي المحدّث، مولده بفاس ووفاته بالمدينة المنورة، كان علامة باللغة والأدب، وهو أحد تلاميذ الإمام امسناوي، مثل السلوي. ولعل علاقة الصحبة التي ربطت السلوي بالشرقي نشأت أيام تلمذتهما للإمام المسناوي. ويعدّ الشرقي من «كبار اللغويين والمحدّثين ليس في المغرب فقط وإنما في العالم العربي كله في القرن الثاني عشر»، وقد تخرّج عليه عدد كبير من العلماء، من المشرق والمغرب منهم الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس والقاضي الشوكاني ومن مؤلفاته:
__________
(1) ترجمته في تاج العروس 1/ 3 (المقدمة) ودليل المؤرخ 1/ 247246، 287والنبوغ المغربي 1/ 301والأعلام 6/ 178177والزاوية الدلائية 248والحياة الأدبية 264258، وابن الطيب الشرقي مؤرخا للدكتور عبد العلي الود غيري 137116ضمن مجلة المناهل العدد 36 (1407/ 1987).(1/40)
1) موطئة الفصيح لموطأة الفصيح، شرح به (نظم فصيح ثعلب) لابن المرحل.
2) (إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس) طبعت منه وزارة الأوقاف المغربية ثلاثة أجزاء، وهو حاشية على القاموس المحيط للفيروزبادي.
3) (المسفر عن خبايا المزهر) شرح فيه كتاب المزهر للسيوطي في علوم اللغة.
4) (فيض نشر الانشراح) وهو حاشية على كتاب الاقتراح في النحو للسيوطي.
5) وشرح أرجوزة (الكافية الشافية) في النحو لابن مالك.
6) (الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب).
7) (الأفق المشرق بتراجم من لقيناه بالمشرق).
8) إقرار العين بإقرار الأثر بعد ذهاب العين) وهي فهرسته الكبرى.
9) إرسال الأسانيد، وإيصال المصنفات والمساند) وهي فهرسته الصغرى. وغير ذلك من الكتب.
وقد توفي عام 1170هـ بالمدينة المنورة.
بعض معاصري السلوي:
وإذا كان المسناوي شيخ السلوي قد غلب عليه الجانب الفقهي، ومحمد بن الطيب الشرقي صاحب السلوي ومعاصره قد غلب عليه الجانب اللغوي، فقد كان السلوي شغوفا بالأدب شعره ونثره، ولا سيما الشعر، فقد خصص القسم الأكبر من كتابه (الكوكب الثاقب) للشعر والشعراء وأخبارهم، ولذلك فمن الأجدى أن نذكر أبرز معاصريه في هذا الجانب:(1/41)
1) ابن زاكور (1) (1120هـ)
هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زاكور الفاسي الأديب الشاعر الرحالة، شيخ الأدباء في عصره، ولد بفاس، ودرس بها على مجموعة من كبار علمائها، من أشعرهم الحسن اليوسي (2)، وعبد القادر الفاسي (3) كما رحل إلى تطوان والجزائر طلبا للعلم حيث أخذ عن بعض علماء المدينتين، وقد نال حظّا وافرا من علوم البلاغة واللغة والنحو والعروض والقوافي والفقه والحديث والتاريخ، إلا أن الجانب الأدبي كان غالبا على ابن زاكور، فقد اعتنى بأصول الأدب العربي، فشرح ديوان الحماسة وسمّاه (عنوان النفاسة في شرح ديوان الحماسة) في ثلاثة أسفار، وشرح قلائد العقيان وسمّاه (مقباس الفوائد في شرح ما خفي من القلائد) وشرح لامية العرب للشّنفرى وسماها (تفريج الكرب في شرح لامية العرب) ولذلك عدّ «محيي الطريقة الأدبية القويمة وباعث الكتب الأدبية الدسمة بعد الاندثار والإهمال) (4).
كما ألف ديوانا سمّاه (الروض الأريض في بديع التوشيح ومنتقى القريض» وغير ذلك. وهو بذلك يعدّ من أكبر مؤلفي الآداب من المغاربة. وقد أصبح ابن زاكور قدوة ونموذجا لمن جاء بعده من الشعراء والأدباء.
__________
(1) ترجمته في نشر المثاني 3/ 204201والتقاط الدرر 304303ومؤرخو الشرفاء 205204والنبوغ المغربي 1/ 323والأعلام 7/ 7والحياة الأدبية 171161والتيارات السياسية 227.
(2) هو أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي أحد كبار أدباء المغرب ومؤلفيه القلائل الذين اشتهروا في المشرق والمغرب، يقول عنه محمد الفاسي إن اليوسي «ذائع الصيت لا سيما في العقائد والفقهيات. وقد كان أيضا وقبل كل شيء أديبا وشاعرا ذا موهبة عالية، بل إنه أكبر شعراء القرن الحادي عشر «له مؤلفات كثيرة منها: المحاضرات، وزهر الأكم في الأمثال والحكم، وقد ولد عام 1040هـ وتوفي عام 1102هـ نشر المثاني 3/ 4925والتقاط الدرر 260258 ومؤرخو الشرفاء 191189والنبوغ المغربي 296295والزاوية الدلائية 10897والحياة الأدبية 136122 والأعلام 2/ 223.
(3) هو شيخ الجماعة بفاس الإمام أبو محمد عبد القادر بن علي الفاسي المالكي، من كبار الشيوخ في عصره له الأجوبة الكبرى) و (الأجوبة الصغرى) وهي من الفتاوى وله كذلك (تعليقات على صحيح البخاري) (1091هـ) نشر المثاني 2/ 279270والتقاط الدرر 218217والأعلام 4/ 41والحياة الأدبية 105102.
(4) مساهمة القرويين 222.(1/42)
2) أبو عبد الله محمد بن الطيب العلمي (1) (1134هـ).
هو أحد تلاميذ ابن زاكور البارزين في الأدب شعره ونثره، ومن ثم عدّ «امتدادا للمدرسة الأدبية التي أسسها اليوسي وسار على نهجها ابن زاكور» واعتبر نموذجا حيّا للأديب المغربي.
درس بالقرويين الأدب والتاريخ وتعلّق بهما بالرغم من رغبة الكثيرين عنهما كما درس الفقه واللغة والمنطق وغير ذلك، وقد توفي شابّا بالقاهرة، وهو في طريقه للحج عام 1134هـ. من مؤلفاته: (الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب) ترجم فيه لاثني عشر أديبا من معاصريه، وهو من أهم مؤلفاته، وله أيضا (القصائد المعشرة في التشوق إلى البقاع المطهرة) و (رسالة في الأنغام الثمانية).
3) علي مصباح الزرويلي (2) (بعد 1150هـ):
هو أبو الحسن علي بن أحمد بن قاسم، من الأدباء الشعراء الماهرين، نبغ في عهد مولاي إسماعيل، وكان من المقربين لوزيره اليحمدي، وكان كاتبه وساعده، وقد ألّف فيه (سنا المهتدي إلى مفاخر الوزير اليحمدي)، وهو كتاب في الأدب والأخبار ضمّنه عدّة قصائد في الوزير المذكور، وله أيضا (أنس السمير في وقائع الفرزدق وجرير) كما أنه جمع بنفسه ديوان شعره.
4) ابن الونان (3) (1187هـ):
هو أبو العباس أحمد بن محمد الونان، كان أبوه محمد على صلة بالسلطان محمد بن عبد الله، فلقّبه لخفّة روحه وملحه ونوادره بأبي الشمقمق، وقد ورث عنه
__________
(1) ترجمته في التقاط الدرر 327326ومؤرخو الشرفاء 211210والنبوغ المغربي 1/ 325324والأعلام 6/ 177176والزاوية الدلائية 248والحياة الأدبية 195177.
(2) ترجمته في الإعلام بمن حل مراكش 2/ 172 (ط 1) ودليل مؤرخ المغرب 1/ 239والنبوغ المغربي 1/ 325والحياة الأدبية 228220والأعلام 4/ 259.
(3) ترجمته في النبوغ المغربي 1/ 326والأعلام 1/ 224243والموسوعة المغربية 2/ 147146والحياة الأدبية وابن الونان والأدب 138135.(1/43)
ابنه هذه الكنية، وهو شاعر مقتدر، له معرفة بأيام العرب ومغازيها وسيرها، نظم أرجوزته المسماة الشمقمقية في السلطان محمد بن عبد الله وخاطبه بقوله:
يا سيدي سبط النبي ... أبو الشمقمق أبي
وقد اشتهرت هذه الأرجوزة في المغرب والمشرق وشرحها عدد من الأدباء وقد امتازت بطولها، فقد بلغت خمسة وسبعين ومئتي بيت (275) كما امتازت بغرابة ألفاظها ونبرات موسيقاها وحكمها وأمثالها.
هؤلاء هم بعض أبرز الشعراء والأدباء في عصر السلوي.
ثقافته الأدبية:
بالرغم من أننا لم نعثر على ترجمة للمؤلف تطلعنا بتفصيل على دراسة السلوي وتكوينه العلمي فإننا من خلال كتابه (الكوكب الثاقب) أولا، وبقية آثاره الأخرى ثانيا نستطيع أن نلمّ إلماما لا بأس به، بتكوينه العلمي وثقافته الأدبية. لقد عرفنا سابقا (1) أن السلويّ درس في فاس على الإمام المسناوي (2) المتوفى عام 1136هـ ومن خلال معرفتنا بهذا الإمام الذي أحاط بمعارف عصره من لغة وفقه وحديث وتفسير وجدل وتصوف وأدب نستطيع أن نعرف مدى تأثير الأستاذ في تلميذه، لقد بدا أثر هذه العلوم كلها في كتابه (الكوكب الثاقب) ففيه ما يدل على معرفة السلوي باللغة والنحو والفقه والحديث والتفسير وغير ذلك، كما سيتضح ذلك فيما بعد، ومن الملاحظ أن الإمام المسناوي غلب عليه جانب الفقه، كما اتضح ذلك من خلال مؤلفاته (3)، ومن اشتغاله بالإفتاء بفاس، وأما تلميذه السلوي، فإنه بالرغم من الأثر الديني والفقهي البارز في كتابه، فإنه أميل إلى الأدب منه إلى الفقه.
__________
(1) أنظر الصفحة 38من هذه المقدمة.
(2) أنظر الصفحة 39من هذه المقدمة.
(3) أنظر الصفحة 40من هذه المقدمة.(1/44)
إن ثقافة السلوي الأدبية تبدو غالبة على ما عداها، وهو يوضح هذا الميل الغالب عليه منذ الصغر، فيقول عن الأدب (1): «وكنت قديما ممّن خاض لججه، وركب ثبجه، وتلقّى رايته باليمين، وفاوض أهله في الغثّ منه والسمين، ثم لم أزل جادّا في طلبه، حريصا على التحلية بقلائد عقيانه واقتناء شذور ذهبه، مغرما بالتقاط غرره وعيونه، واستخراج خباياه من زواياه، واستنباط زلاله من ركاياه وعيونه، حتى ملأت من محاسنه عدّة رقاع وأوراق، وجمعت من أفانينه ما أعجب حسنه وراق، وحصلت من بدائعه على فوائد، ومن روائعه على فرائد، ومن قلائده على درّ ثمين، ومن خرائده على عرب أتراب وحور عين. وذلك حين غصن القدّ رطيب، وبرد الشباب قشيب، وصفو العيش غير مكدّر بمشيب». وتبرز ثقافته الأدبية من خلال رجوعه إلى أمهات المصادر الأدبية القديمة واستفادته منها في تأليف كتابه (الكوكب الثاقب)، لقد كان رجوعه إلى الأغاني للأصبهاني، والكامل للمبرد، وخاص الخاص، ويتيمة الدهر، والإعجاز والإيجاز للثعالبي، وبهجة المجالس لابن عبد البر القرطبي، والوافي في نظم القوافي لابن شريف الرندي، والوافي بالوفيات للصفدي، وشرح ديوان المتنبي للواحدي، والاقتضاب في شرح أدب الكتاب للبطليوسي، والعمدة لابن رشيق، والمثل السائر لابن الأثير، والصيّب والجهام لابن الخطيب، ونفح الطيب للمقرّي، وغيرها من المصادر (2)، لقد كان رجوعه إلى هذه المصادر دالا دلالة قوية على دراسة متأنية لهذه الكتب وغيرها، الأمر الذي ساعده على أن ينتقي منها مادة جيدة لتأليف كتابه، ولم يكن عمله قاصرا على الأخذ من هذه الكتب، بل إنه تجاوز ذلك إلى مناقشة ما فيها، وردّ بعضه، بعد أن تبين غلطه ومخالفته للصواب كما سيتضح ذلك فيما بعدد.
__________
(1) الكوكب الثاقب 4.
(2) انظر 7559من هذه المقدمة حيث الحديث عن مصادره الاساسية والثانوية.(1/45)
ثقافته الدينية:
مما لا شك فيه أن السلوي درس معظم العلوم التي كانت تدرس في عصره، وإذا كان الجانب الأدبي هو الغالب في كتابه (الكوكب الثاقب) فإن الجوانب الأخرى بارزة في كتابه ولا سيما الجانب الديني، فمن خلال كتابه نلمس معرفة السلوي في الفقه والحديث والتفسير وغير ذلك.
أالفقه:
إن تكوين السلوي في الفقه هو الذي أهّله لكي يصبح من المقربين إلى علي باشا، ومن ثمّ «تنقل في الخطط العلمية من عدالة وإمامة، وتولى خطة القضاء في بنزرت (1)»، وإذا ما نظرنا في كتابه (الكوكب الثاقب) فإننا نجد أنه لا يخلو من ملامح تشير إلى إلمام السلوي بالفقه، فهو مثلا يسوق في مقدمة الكتاب (2) قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس تعلّموا، فإن العلم بالتعلّم، والفقه بالتّفقّه، ومن يرد الله بن خيرا يفقّهه في الدين»، وهو ينعت الإمام مالكا بقوله (3): وهذا إمامنا مالك بن أنس» مما يدل على مذهبه الفقهي، كما أنه يرجع إلى كتاب الموطأ للإمام مالك ويأخذ عنه (4).
ولقد كان لثقافته الفقهية تأثير واضح، دفعه إلى أن يسوق جملة من القضايا الفقهية في كتابه (الكوكب الثاقب)، ومن أهم هذه القضايا:
1) فتوى الإمام الغزالي في يزيد بن معاوية عندما (5) «سئل عمّن صرح بلعن يزيد، هل يحكم بفسقه أم يكون ذلك مرخّصا فيه؟ وهل كان مريدا لقتل الحسين رضي الله عنه أم كان قصده الدّفع؟ وبرغم طول الفتوى فقد أوردها بتمامها بل جعلها السبب في الترجمة ليزيد: «وما قصدنا من ترجمته بأسرها إلّا هذا الجواب» (6).
__________
(1) اتحاف أهل الزمان 8/ 130.
(2) الكوكب الثاقب 1514.
(3) الكوكب الثاقب 13.
(4) الكوكب الثاقب 695.
(5) الكوكب الثاقب 58.
(6) الكوكب الثاقب 60.(1/46)
2) القضية المامونية، وقد ساقها في ترجمة القاضي يحيى بن أكثم، وهي في الفرائض والمواريث، وسميت المامونية نسبة إلى المامون الخليفة العباسي لأنه اختبر بها القاضي يحيى بن أكثم، فقد سأله (1): «أبوان وابنتان، لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين، وخلّفت، من في المسألة؟ فقال: يا أمير المومنين، الميت الأول رجل أو امرأة؟ فعلم المامون أنّه قد علم المسألة فقلّده القضاء» وقد أتبع السلويّ هذه القضية بحلّها.
3) المسألة المنبرية، وهي قضية في الفرائض أيضا عرضت على الإمام علي، وهو على المنبر، وهي (2) «زوجة وابنتان وأبوان فأجاب على البديهة صار ثمنها تسعا».
4) زواج المتعة، وقد عرض فيه للموقف المشرّف الذي وقفه القاضي يحيى ابن أكثم في وجه المامون عندما نادى بتحليل نكاح المتعة، واستطاع أن يقنعه بحرمة هذا النكاح لما قدمه من أدلة من القرآن الكريم والحديث الشريف (3).
5) قضية المرأة التي كشف رجل عنها ثيابها وأراد اغتصابها في عهد مروان بن الحكم وكيف كان حكم مروان في ذلك، وعرض لرأي الإمام مالك في هذا الحكم، وأشار إلى نزع مروان ثنية الرجل الذي يقبّل امرأة (4).
6) قضية المغيرة بن شعبة واتهامه بالزنى في عهد عمر بن الخطاب وكيف شهد عليه ثلاثة بالزنى وتردد الرابع فدرأ عنه عمر الحدّ، وحدّ الثلاثة حدّ القذف، وقد ساقها السلوي بتفصيل برغم طولها (5).
__________
(1) الكوكب الثاقب 261
(2) الكوكب الثاقب 770
(3) الكوكب الثاقب 263262
(4) الكوكب الثاقب 790
(5) الكوكب الثاقب 851848.(1/47)
7) فصل الإمام علي بن متخاصمين على ثمن أرغفة مشتركة بينهما بنسب متفاوتة عوّضهما عنها شخص ثالث بعد أن أكلها معهما (1).
ولم يقتصر عمل السلوي على هذا بل إنه تعداه إلى الترجمة لعدد كبير من الفقهاء والقضاة (2) مما يدلّ على اهتمام خاص بإخوانه في المهنة.
وقد ذكر الشيخ الشاذلي النيفر أن للسلوي رسالة في أصول الفقه عند بعض حفدته (3).
ويقول الرحالة الصوفي الحسين بن محمد الورثيلاني عن السلوي في (نزهة الأنظار) بعد أن عرض إلى وجوب معاقبة المجرمين وإن لجأوا إلى الاحتماء بقبور الصالحين: «وإلى مثل هذا التقرير يجنح شيخنا علامة الوقت سيدي عبد القادر الفاسي رضي الله عنه، فيمن يأوى إلى قبور الصالحين من الجناة، وقد يكون على أحدهم حدّ من الحدود فلا ينبغي إهماله» (4).
ب التفسير
إن أقدم إشارة عثرنا عليها تدل على اشتغاله بالتفسير هي ما سجله الحسين ابن محمد الورثيلاني (1193هـ) في رحلته (نزهة الأنظار) عند حديثه عن حجته الأولى (5): «عام ثلاثة وخمسين ومئة وألف نزلنا بها (أي مدينة توزر التونسية) في الرجعة ووجدت في تلك الحجة العلامة الفاضل والفهامة الكامل سيدي عبد القادر الفاسي يقرأ في مسجد توزر في التفسير في قوله تعالى (6): {«لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»}. الآية، وكان رضي الله تعالى عنه حافظا
__________
(1) الكوكب الثاقب 770
(2) يكفي إلقاء نظرة سريعة على المترجم لهم في الباب الثاني لمعرفة كثرة الفقهاء والقضاة.
(3) جريدة العمل التونسية 16/ 8/ 1968ص 5.
(4) نزهة الأنظار 481.
(5) نزهة الأنظار 481.
(6) البقرة 2/ 7.(1/48)
للروايات ناقلا مذاهب العلماء عبارته سلسة، فصيح اللسان، حلو الكلام، ما أحسنه في وقته، قلّ نظيره.
ولدراية السلوي في التفسير واشتغاله به كلّفه علي باشا بتلخيص (مطالع السعود). وهذا الكتاب (1) هو حاشية كتبها الشيخ محمد زيتونة التونسي (1138هـ) في عشرين جزءا على تفسير الإمام أبي السعود (982هـ) المسمى (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، وقد بقي من هذا التلخيص ثلاثة أسفار، سفر بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 9575وقد فرغ من تلخيصه عام 1165هـ، وسفران بدار الكتب الوطنية بتونس أحدهما يحمل رقم 10794لخصّه السلوي عام 1166هـ والآخر يحمل رقم 10179، وقد لخصه عام 1168هـ، وقد أشاد في آخر هذه الأسفار بعلي باشا. وأما الأجزاء الأخرى فيبدو أنها ضاعت في الفتنة التي تلت سقوط علي باشا وما تبعها من إتلاف كل ما فيه إشادة به.
وقد عرض السلوي في كتابه (الكوكب الثاقب) لكثير من الآيات المفسّرة في مواضع عديدة من كتابه (2).
ح: الحديث:
إلمام السلوي بالحديث يظهر في كل صفحة من صفحات (الكوكب الثاقب) إذ لا تكاد تخلو صفحة من صفحات الكتاب من حديث أو أكثر، وقد ضمّ الكتاب مجموعة من الأحاديث، ولعل كثرة الأحاديث في الكتاب راجعة إلى اشتغال السلوي بنسخ كتب الحديث، فقد نسخ تحفة الباري لعلي باشا (3) ولا ننسى نهضة الحديث على عهد السلطان محمد بن عبد الله وتشجيعه لأهله، وقد كان السلوي من المقربين لهذا السلطان كما سبق (4).
__________
(1) أنظر ما كتب حوله العالمان الأستاذان محمد الشاذلي في جريدة العمل 16/ 8/ 68ص 5ومحمد المنوني في دعوة الحق مارس 1973ص 85.
(2) أنظر مثلا الكوكب الثاقب في الصفحات 625، 666، 673، 742، وانظر كذلك فهرس الآيات ومواضعها في الكتاب.
(3) أنظر الصفحة 33 (المقدمة).
(4) أنظر الصفحة 1413 (المقدمة).(1/49)
والأحاديث التي ضمنها السلوي كتابه متنوعة أوردها لتأييد مواقف معينة، وهي في. أغلبها من الأحاديث الصحيحة، وقد كان السلوي على عادة المحدثين يروي سند الحديث في أحيان كثيرة، ويذكر أئمة الحديث الذين رووه وكان أحيانا يورد نصّ الحديث فقط. وقد تأثر بالمحدّثين في تحريّهم الدقة والضبط في إيراد الأقوال المنسوبة إلى أصحابها وإذا دخله بعض الشك في حفظه وروايته للقول فإنه يحتاط بقوله: «ما معناه» و «أو كما قال» (1).
وفي الكتاب إشارات كثيرة إلى بعض مصطلحات الحديث كالحديث الموقوف (2) والمرفوع (3) والمرسل (4) وغير ذلك (5)، ولشغف السلوي بالحديث ترجم لابن فرح (6) وأورد قصيدته في ألقاب الحديث كاملة، وقد ترجم لعدد لا بأس به ممّن اشتهروا برواية الحديث (7).
ويحدثنا السلوي في بداية كتابه عن أدب التعلم، وما يلزم من وقار واحترام للمحدث والحديث أثناء تعلم روايته، وقد أورد في ذلك أخبارا وآراء تدل على مكانته في علم الحديث (8).
ويلحّ السلويّ على ضرورة التزام طالب الحديث «السكينة والوقار والأدب» (9)
ومراعاة الوقت والمكان المناسبين فيقول (10): «وهذا إمامنا مالك بن أنس رحمه الله ورضي الله عنه لما سأله جرير بن عبد الحميد القاضي عن حديث، وهو
__________
(1) انظر الصفحة 99من هذه المقدمة.
(2) الكوكب الثاقب 694
(3) الكوكب الثاقب 714، 769.
(4) الكوكب الثاقب 610الحاشية 7.
(5) الكوكب الثاقب 365الحاشية 4، 610الحاشية 7 (ضمن الشعر).
(6) الترجمة رقم 121ص 611609.
(7) منهم أبو العيناء (ترجمة 42) والخطابي (ترجمة 75) والكلاعي (ترجمة 115) وابن فرح (ترجمة 121)
(8) أنظر أمثلة على ذلك في الكوكب الثاقب 1510.
(9) الكوكب الثاقب 1312.
(10) الكوكب الثاقب 13.(1/50)
قائم أمر بحبسه، فقيل له: إنه قاض. فقال: القاضي أحقّ من أدّب. ولما سأله هشام ابن الغازي عن حديث وهو واقف أمر بضربه فضرب عشرين سوطا، ثم رقّ له فحدثه عشرين حديثا، فقال هشام: وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا. ولما مشى معه عبد الرحمن بن مهدي يوما إلى العقيق، فسأله عن حديث انتهره وقال له: كنت في عيني أجلّ من أن تسأل عن حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن نمشي».
ويبدو الأثر الديني واضحا حتى في عنوان كتابه، فبالرغم من أن مادة كتابه الأساسية تدور حول الشعر والشعراء وأخبارهم فإنّه اقتبس عنوان كتابه من محيط الكتب الصوفية ومصطلحاتها، فكلمات (الكوكب الثاقب ذوى المناقب) شائعة عند المتصوفة بل وكثير من كتبهم عنونت بها ومن ذلك:
1) الكواكب الدريّة في تراجم السادة الصوفية لمحمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي (1031هـ) (1).
2) الكوكب المتلألئ على شرح قصيدة الغزالي لعبد الغني بن إسماعيل النابلسي (1143هـ) (2).
3) الكوكب الثاقب فيما لشيخنا من المناقب للشيخ مصطفى بن كمال الدين البكري (1162هـ) (3).
4) الكوكب الثاقب لأبي السيادة عبد الله بن إبراهيم المكي المحجوب (1193هـ) (4).
كل ذلك يدل على جانب من تكوين السلوي الديني. والجدير بالذكر أنه بالرغم من هذا التكوين واشتغاله بالقضاء والعدالة والإمامة كما عرفنا سابقا
__________
(1) أنظر الأعلام 6/ 204وفهرس المخطوطات (تونس) 5/ 38.
(2) الأعلام 4/ 3332وفهرس المخطوطات (تونس 5/ 118.
(3) معجم المطبوعات 1/ 582والأعلام 7/ 239.
(4) إيضاح المكنون 2/ 393والأعلام 4/ 64.(1/51)
فقد كان ميالا إلى الانشراح والانطلاق معجبا برواية الشعر لا سيما الشعر الماجن والحكايات الفاحشة على خلاف ما ينتظر من مثله. وكان غالبا ما يبدي بعض التحرّج من رواية ذلك، ولكن هذا التحرج يأتي غالبا بعد روايته لذلك الشعر، ومن أمثلة ذلك روايته قول المتنبي في هجاء ابن كيغلغ (1):
يحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسه ... ما بين فخذيها الطريق الأعظم
ثم يورد بيتا مشابها له لابن الرومي في امرأة أبي يوسف المعلم:
وتبيت بين مقابل ومدابر ... مثل الطريق لمقبل ولمدبر
ويعلق على ذلك: «وهي أبيات أبدع فيها كلّ الإبداع، تركناها لمزيد فحشها» ولكنه بالرغم من ذلك يورد بيت الفرزدق في المعنى نفسه:
وأبحت أمّك يا جرير كأنها ... للناس باركة طريق معضل
ويختم ذلك بقول: «عفا الله عنا وعنهم أجمعين».
تكوينه اللغوي والنحوي:
لقد كان تكوين السلوي في اللغة والنحو تكوينا متينا، ولا أدلّ على ذلك من سلامة لغته وأسلوبه في كتاب ضخم مثل (الكوكب الثاقب)، وهذا أمر غير غريب من مؤلف درس على أمثال الإمام المسناوي في بيئة علمية تهتم أكثر ما تهتم بإجادة الفقه والنحو واللغة والتفسير والحديث.
ومما ساعد السلوي على حسن تكوينه في اللغة والنحو شغفه الكبير بأمهات المصادر العربية القديمة لا سيما كتاب الكامل للمبرد، والمبرد إمام من أئمة الأدب واللغة والنحو والصرف في عصره، وقد كان إعجاب السلوي بالمبرد إعجابا كبيرا دفعه إلى التأثر به في شرح المفردات المستغلقة (2) والتعرض لبعض القضايا النحوية (3)، وهذا الميل إلى النحو هو الذي دفعه إلى أن يستطرد في آخر ترجمة الحريري لعرض مسألة نحوية مطولة (4).
__________
(1) الكوكب الثاقب 343.
(2) أنظر الكوكب الثاقب 84: (بيت حريد)، 114: الأراقم 117: الجثجاث والكرات والعرار، موهنا، المندل إلخ.
(3) مثلا إشارته إلى حذف المفعول وإلى العطف بالواو وثم والفاء في الكوكب الثاقب صفحتي 15، 177وانظر الصفحة 128، 129.
(4) الكوكب الثاقب 507506.(1/52)
وقد اعتمد السلوي في شروحه اللغوية في (الكوكب الثاقب) على القاموس المحيط للفيروز أبادي في أحيان كثيرة (1)، ورجع أحيانا إلى الصحاح للجوهري (2) والقول المأنوس للقرافي (3). وقد كان اعتماده على هذه المعاجم اعتمادا حكيما فهو يختار منها ما يدل على المعنى المقصود بأوجز عبارة وأدقها، وفي أحيان قليلة كان يشير إلى المعنى الأصلي للكلمة ثم يشير إلى المعنى المراد في النص (4).
مؤلفاته:
المعروف من مؤلفات السلوي يتوزعه الأدب والدين. فأما المؤلفات الأدبية فهي:
1) انتقاء من الصّيّب والجهام لابن الخطيب (5):
يذكر الأستاذ محمد الشاذلي النيفر، الذي يحتفظ في مكتبته الخاصة بهذا الانتقاء أنه بالرغم من أنه خال من اسم السلوي، إلّا أنّ «الخط والروح يدلان على أن الانتقاء للسلوي (6)» وتاريخ هذا الانتقاء هو 1142هـ وهو مخطوط في 74 صفحة بخط دقيق جدا. ومما يقوي نسبته للسلوي أن ترجمة ابن الخطيب في الكوكب الثاقب تضمنت عددا كبيرا من القصائد والرسائل المختارة من ديوان الصيب والجهام فلعله رجع إلى الانتقاء واستفاد منه في الترجمة لابن الخطيب. وقد أطال السلوي ترجمة ابن الخطيب حتى جاءت أطول ترجمة في الكتاب كله، كما أكثر من الرجوع إلى هذا الديوان والأخذ منه.
__________
(1) أنظر مثلا الكوكب الثاقب 234الحاشية 2، 86، 293الحاشية 2، 3، 298الحاشية 3
(2) الكوكب الثاقب 234الحاشية 4.
(3) الكوكب الثاقب 387الحاشية 1.
(4) الكوكب الثاقب 293.
(5) أنظر مساهمة القرويين 226وجريدة العمل التونسي 9/ 8/ 68ص 5، 16/ 8/ 68ص 5.
(6) جريدة العمل التونسية 16/ 8/ 68ص 5.(1/53)
2) الكوكب الثاقب
وسيأتي الكلام عليه مفصلا في الفصل الثالث من هذه المقدمة.
3) إدراك الأماني من كتاب الأغاني:
لما كان السلطان محمد بن عبد الله معجبا بكتاب الأغاني للأصبهاني، كما سبقت الإشارة إلى ذلك (1)، أمر السلوي، لما رآه ملمّا بكتاب الأغاني ومحتفيا به كثيرا في كتابه (الكوكب الثاقب)، أمره «بتجديد نسخة من هذا الكتاب الجليل المقدار، الرفيع المنار، وبتحريرها وتصحيحها وتحقيقها وتهذيبها وتنقيحها، على ترتيب لطيف، ومنزع شريف، اقتضاه رأيه السديد، ونظره الصائب الموفق الرشيد
وأن أضيف إليها ما أختاره، نصره الله، من كلام المولدين، وأنتخبه من أشعار المحدثين ممّا تحسن إضافته، وتستحسن روايته ودرايته، ويكمل به بديع جمالها، ويتسع في ميدان الإفادة، ومضمار الإجادة، فسيح عالمها، ويتميز به عن غيره من جميع النسخ الأغانية شريف حالها (2)». وقد صدر للمؤلف هذا الأمر في أوائل المحرم عام 1180هـ (3)، فأعاد ترتيب كتاب الأغاني بالتقديم والتأخير فافتتح كلّ جزء بشاعر كبير أو صحابي جليل أو سيّد عظيم، وهكذا بدأ الجزء الأول بحسان بن ثابت والثاني بكعب بن مالك والثالث بالحسين بن علي بن أبي طالب والرابع بالنابغة الجعدي والخامس بالمغيرة بن شعبة وهكذا بقية الأجزاء. وقد أضاف إلى التراجم الواردة في كتاب الأغاني كلّ التراجم الواردة في الباب الثاني من (الكوكب الثاقب) ممّن لم يترجم لهم الأصفهاني، وهم في أغلبهم من الشعراء المتأخرين زمنيا عن الأصفهاني أو من شعراء الأندلس والمغرب. ويقع الكتاب في خمس وعشرين مجلدا (25) ضاع منها المجلد الثامن عشر (18) وهو بخط صاحبه
__________
(1) أنظر الصفحة 14 (المقدمة).
(2) إدراك الأماني 1/ 10.
(3) إدراك الأماني 1/ 11.(1/54)
بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 2706، وخطّه مغربي جميل ملون مجدول مزخرف (1).
وأما مؤلفاته الدينية المعروفة فهي:
1) رسالة في أصول الفقه:
وهي ضائعة، وقد ذكر الأستاذ محمد الشاذلي النيفر (2)، أنه لم يقف عليها وإنما أخبر بوجودها عند بعض حفدته. وبرغم اتصالي ببعض أحفاد المؤلف بتونس في صيف 1983وإتاحتهم لي الفرصة لرؤية ما توارثوه من كتب ومخطوطات وتفحصه، فإنّني لم أعثر على هذه الرسالة، ولعلها من كتبه الضائعة.
2) تلخيص مطالع السعود:
لخص السلوي كتاب (مطالع السعود وفتح الودود على تفسير الإمام أبي السعود) تأليف الشيخ محمد بن عبد الله زيتونة التونسي (1138هـ) بأمر من باي تونس علي باشا. وكتاب (مطالع السعود) حاشية في التفسير كتبها صاحبها على تفسير أبي السعود محمد بن محمد العمادي، من علماء الترك المتوفى عام 982هـ، وعنوان كتابه (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) (3).
ولما كان كتاب (مطالع السعود) يقع في 20مجلدا فقد أمر علي باشا بتلخيصه، وما بقي من هذا التلخيص لا يتعدى ثلاثة أسفار، وهي بخط صاحبها السلوي وتحمل الإطراء والثناء على من أمر بتلخيصها، وهو علي باشا. ولعل الباقي ضاع في جملة الكتب التي أتلفت لما تضمّنته من مدح وثناء لعلي باشا، بعد الفتنة التي أعقبت قتله والتخلّص من أنصاره وحاشيته وكتبه (4).
__________
(1) ملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الثاني للأستاذ محمد المنوني دعوة الحق مارس 1973ص 87.
(2) جريدة العمل التونسية 16/ 8/ 68ص 5.
(3) الفوائد البهية 8281والأعلام 7/ 59.
(4) جريدة العمل التونسي 16/ 8/ 68ص 5.(1/55)
ومن الأسفار الثلاثة الباقية (1) سفر بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 9575 فرغ من كتابته في ربيع الأول عام 1165هو وهو يبتدئ من أوائل سورة (ق) (رقم 50) وينتهي بآخر سورة التغابن (رقم 64). وبدار الكتب الوطنية بتونس سفران أحدهما يحمل رقم 10794فرغ السلوي من كتابته عام 1166هـ وهو يبتدئ من سورة الطلاق (رقم 65) وينتهي بآخر سورة النبأ (رقم 78) والسفر الآخر يحمل رقم 10179وقد فرغ من كتابته عام 1168هـ وهو يبتدئ بسورة النساء (رقم (4) الآية (36) وينتهي بسورة المائدة (رقم 5) الآية (89).
__________
(1) أنظر جريدة العمل التونسية 16/ 8/ 68ص 5وملامح الحركة الأدبية في العصر العلوي الثاني للأستاذ المنوني دعوة الحق مارس 1973ص 85.(1/56)
الفصل الثالث: كتاب الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب
سبب تأليفه
يمكننا أن نستشف من خلال الكتاب نفسه أن سبب تأليف الكتاب يعود إلى أمرين:
1) شغف المؤلف بالأدب ورغبته في تخليد ذكره، فقد أفنى عمره في جمع مادة هذا الكتاب في الأوراق والرقاع، ولما كبر خشي عليها الضياع فأحب أن يجمعها في كتاب ينتسب به إلى أهل العلم والأدب يقول عن علم الأدب (1): «وكنت قديما ممّن خاض لججه وركب ثبجه وفاوض أهله في الغثّ منه والسمين. ثم لم أزل جادّا في طلبه حريصا على التحلية بقلائد عقيانه حتّى ملأت من محاسنه عدّة رقاع وأوراق وجمعت من أفانينه ما أعجب وراق وذلك حين غصن القدّ رطيب، وبرد الشباب قشيب ولمّا أن ولّى الشباب وجاء النذير وذهب العيش النضير.
فصرت الآن منحنيا كأنّي ... أفتّش في التّراب على شبابي
وخشيت على تلك الأوراق والرّقاع أن تصيبها قوارع البين وتغتالها أيدي الضّياع، أردت أن أنظم فرائدها في سلك هذا المجموع ليقع الانتفاع بها من بعدي، وأتشبّث بسببها بأذيال أهل العلم بحسب وسعي وعلى قدر جهدي».
__________
(1) الكوكب الثاقب 54.(1/57)
2) رغبة أحد الحكام الذين كان السلوي على صلة بهم. يقول عن كتابه (1):
«والله سبحانه المسؤول، أن يعيننا على إكماله وأن يتقبّله منّا أحسن قبول، وأن يحفظنا جلّ جلاله من الزّيغ والزّلل، وأن يقينا مصارع السوء في جميع ما نحاول من قول أو عمل. وأن يجعلنا ومن كان السبب في وضعه، وحملنا على تأليفه وجمعه، ممّن يبتغي بقوله وجه الله الكريم، وثوابه الجسيم».
وإذا كنّا لا ندري بالضبط شخصية هذا الحاكم لأن المؤلف لم يصرّح باسمه فإنّه من المتوقع أن يكون أحد اثنين:
1) السلطان محمد بن عبد الله العلوي (1204هـ).
2) أو الباي علي باشا حاكم تونس (1169هـ).
فقد كان السلوي، كما سبق في الحديث عن حياته، على صلة متينة بالرجلين ومقرّبا إليها. وبما أن الباي علي باشا توفي عام 1169هـ وتأليف الكوكب الثاقب تمّ عام 1176هـ فمن المنطقي والمرجح أن يكون الكتاب قد ألّف للسلطان محمد بن عبد الله المتوفى عام 1204هـ.
ومما يؤكد رغبة السلوي في إرضاء الحكام بهذا المؤلّف أنه كان يتوجه إليهم، في أغلب أبواب الكتاب (2) بالنصح والإرشاد داعيا إياهم إلى الاتصاف بالخلال التي تحفظ لهم حكمهم وسلطتهم، ومن أمثلة ذلك قوله (3):
«الباب الثالث في الحرب وتدبيرها، وما ينبغي من الحزم والتيقظ لمن يباشرها من مقدّمها وأميرها»، ويقول أيضا (4): «ومن الحزم المألوف عند سوّاس الحروب أن تكون حماة الرجال وكماة الأبطال في القلب» ويقول عن قائد
__________
(1) الكوكب الثاقب 7.
(2) من ذلك الباب الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع.
(3) الكوكب الثاقب الباب الثالث في الحرب وتدبيرها وما ينبغي من الحزم والتيقظ لمن يباشرها من مقدّمها وأسيرها.
(4) الكوكب الثاقب نفس الباب السابق.(1/58)
الجيش وأمير العسكر (1): «ومما ينبغي في حقّ قائد الجيش وأمير العسكر أن يخفي العلامة التي هو مشهور بها ورايته، ولا يعلم خيمته وليبدّل زيّه ويعمّ مكانه» ويقول عن الجود (2): «وأحقّ خلق الله به من كان مفتقرا إلى صرف الوجوه إليه وعطف القلوب عليه من الملوك والحكام وولاة الأحكام» ويقول عن الشّحّ والبخل (3): «الباب السادس في الشح والبخل وما ينبغي من تجنبهما لأهل الفضل». ويقول عن الحلم (4): إنّ أحقّ الناس بالحلم الولاة وأولو العلم».
من هذه الأمثلة وغيرها كثير يتّضح أحد دوافع المؤلف لتأليف هذا الكتاب، وهو تقديم النّصح والإرشاد للحكام مثلما فعل الطرطوشي في (سراج الملوك)، ذلك الكتاب الذي كان السلويّ مغرما به، فعدّه من مصادره الأساسية ورجع إليه في الأبواب الأخيرة من كتابه التي توجه بها إلى الحكام، كما سيأتي بعد قليل.
مصادره
ذكر السلوي في افتتاح كتابه (5) مجموعة من أمهات المصادر التي اعتمد عليها في تأليف كتابه، وذلك لحرصه على الأمانة العلمية من جهة ولرغبته في توثيق الكتاب وضبط معلوماته، كما ذكر في ثنايا الكتاب مجموعة أخرى من الكتب التي رجع إليها في مواضع معينة، مرة واحدة أو مرتين، أو أكثر. وقد نوّه المؤلف في افتتاح كتابه بالمجموعة الأولى وبمؤلفيها أيّما تنويه، وذلك لأنه أخذ منها موادّ كثيرة، وكانت عمدته في تأليف الكتاب، وقد تأثّر بها تأثّرا كبيرا فاستقى
__________
(1) الكوكب الثاقب 675.
(2) الكوكب الثاقب 714.
(3) الكوكب الثاقب 739.
(4) الكوكب 750.
(5) الكوكب الثاقب 65.(1/59)
منها كثيرا من المعلومات واتّبع أحيانا طريقة تقديمها لهذه المعلومات، كما سيتضح ذلك فيما بعد (1).
ويشير المؤلف إلى مصادره بطرق مختلفة، فمرة يذكر المؤلّف والكتاب معا، ومرة يذكر المؤلّف وحده أو الكتاب وحده، وفي أحيان قليلة يغفل ذلك كلّه، ومن هنا كانت صعوبة تخريج بعض الأخبار والأشعار التي لم نستطع الاهتداء إلى مصادرها، كما يرجع ذلك إلى كثرة مصادره. لقد أتاح له اشتغاله بنسخ الكتب أن يطّلع على عدد وفير منها، لم يكن متيسّرا للناس، كما أن بعضها من المصادر النادرة التي ضاعت أو لم تكتشف بعد، مثل كتاب الفرق الإسلامية لابن أبي الدم (2).
مصادره الأساسية:
نقصد بمصادره الأساسية ما ذكره في افتتاح كتابه كما قلنا، وهي تتفاوت في قيمتها، وفي مقدار اعتماد المؤلف عليها، كما تتباعد زمنيا، فمنها القديم، ومنها القريب من عصر المؤلف. فمن المصادر التي كان اعتماد المؤلف عليها كبيرا نذكر: الكامل للمبرد والأغاني للأصفهاني وبهجة المجالس لابن عبد البر وخاص الخاص للثعالبي والوافي بالوفيات للصفدي وغيرها وسنعرض لها الآن ببعض التعريف متبعين في ذلك الترتيب الزمني التنازلي بادئين بالأقدم فالقديم
1) الكامل للمبرّد (286هـ)
صاحب هذا الكتاب هو أبو العباس محمد بن يزيد المشهور بالمبرد وكتابه الكامل يعدّ من أهمّ الكتب التي ظهرت في القرن الثالث للهجرة يقول عنه
__________
(1) أنظر الصفحة 45، 6663، 9392 (المقدمة).
(2) الكوكب الثاقب 933932.(1/60)
أستاذنا الدكتور أمجد الطرابلسي (1) «فهو كتاب ثقافة أدبية عامة مع ميل شديد إلى إيراد النماذج المختارة من الشعر الجميل والنثر البليغ، والأحاديث المأثورة والأخبار الطريفة». ومما يتميز به هذا الكتاب أيضا كثرة تنقله من موضوع إلى آخر، وكثرة استطراداته وفي ذلك «استراحة للقارئ وانتقال ينفي الملل» (2)
كما أنه «يخلط ما فيه من الجدّ بشيء من الهزل ليستريح إليه القلب وتسكن إليه النفس» (2)»، كلّ ذلك مع احتفال بالشروح اللغوية والنحوية والصرفية.
وقد تأثر السلوي بالمبرد في إيراده الأخبار الطريفة والأشعار المختارة والاستطرادات في الشروح اللغوية، فإنه لا ينسى من حين لآخر أن يشرح بعض الألفاظ المستغلقة (3)، ويعرّف ببعض الأعلام المذكورة في الشعر أو الأخبار (4).
بل ينقل أحيانا بعض شروح المبرد اللغوية عندما ترد ضمن خبر نقله من المبرد، وسيتضح هذا التأثر أكثر عندما نعرض لطريقة السلوي في تأليف الكتاب.
والملاحظ أن المؤلف معجب إعجابا كبيرا بالمبرد، فهو يسبغ عليه ألقاب التجليل والتعظيم، يقول عنه (5): «الشيخ الكامل الإمام العلم المفرد». وقد دفعه هذا الإعجاب إلى أن يأخذ عنه قسما لا بأس به من مختاراته الشعرية والنثرية وكثيرا من أخباره (6).
__________
(1) نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب 151.
(2) الكامل للمبرد 2/ 285.
(3) الكوكب الثاقب 293، 298، 237، 442.
(4) الكوكب الثاقب 104، 105، 106، 107.
(5) الكوكب الثاقب 5.
(6) أنظر مثالا على ذلك باب الخوارج في الكامل 3/ 414163وفي الكوكب الثاقب أنظر ص 903887.(1/61)
2) الأغاني للأصفهاني (356هـ)
مؤلف هذه الموسوعة الأدبية الجامعة هو أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصفهاني، من أئمة الأدب في القرن الرابع للهجرة. ويعد هذا الكتاب من أضخم الكتب الأدبية، فهو يضم 24مجلدا، وهو بحق (1) «أوسع مصدر نملكه في تراجم شعراء العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري» فقد ترجم لما يقرب من خمس مئة شاعر من الجاهلية وصدر الإسلام، والعصر العباسي الأول. فهو يضم ثروة أدبية ثمينة. وقد كان غرض المؤلف تسجيل أشهر أغاني عصره بألحانها، فجره ذلك إلى الترجمة للشعراء. فذكر نسبهم وأخبارهم وأشعارهم وغير ذلك من الأمور حتى أصبح الكتاب مرجعا للحضارة العربية الإسلامية.
وقد كان السلويّ مولعا بالأصفهاني وكتابه الأغاني، الأمر الذي دفع السلطان محمد بن عبد الله العلوي أن يأمره بتحقيقه وتصحيحه عام 1180هـ (2)
فقام بالأمر خير قيام وأعاد ترتيبه، وأضاف إليه أغلب التراجم الموجودة في كتابه (الكوكب الثاقب) وسماه (إدراك الأماني من كتاب الأغاني». وقد جاء في 25 مجلدا ضخما (3). وقد رجع المؤلف إلى الأغاني كثيرا في ترجمته لشعراء الجاهلية وصدر الإسلام والعصر العباسي. وهو يذكر الأصفهاني دائما بالفضل ويرجّح رأيه عندما يتعارض مع غيره (4).
3) خاص الخاص للثعالبي (429هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو أبو منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري الثعالبي،
__________
(1) نظرة تاريخية 186.
(2) إدراك الأماني 1/ 1110.
(3) توجد منه نسخة فريدة في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 2706وقد ضاع منها المجلد 18.
(4) من أمثلة ذلك ما جاء في الكوكب الثاقب 198.(1/62)
وبرغم صغر حجم هذا الكتاب، فإنه يضم مجموعة من الأمثال والحكم واللطائف والمنتخبات الشعرية والنثرية الجميلة التي انتقاها من كتب كثيرة. وقد أعجب السلوي بهذا الكتاب وصاحبه ورجع إليه كثيرا، واستقى منه مجموعة من الأشعار وضمنها كتابه، ولا سيما الباب السابع الذي خصصه الثعالبي لعجائب الشعر والشعراء.
4) بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر النمري القرطبي (463هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو الفقيه الحافظ الأندلسي المشهور عمر بن يوسف ابن عبد الله بن عبد النمري القرطبي. ويعد كتابه هذا «موسوعة أدبية لعالم أندلسي كبير اشتهر بين معاصريه بالفقيه الحافظ المحدّث، ولكنه في الواقع لم يكن كذلك فحسب بل كان إلى جانب ذلك رجلا موسوعيّ الثقافة وافر الاطلاع» (1). لقد سجل في كتابه خلاصة قراءاته في الأدب وضمّنه نماذج نثرية وشعرية ثمينة. وقد قسّمه إلى اثنين وثلاثين ومئة باب. وعالج في كل باب موضوعا يتعلق بالدين أو الدنيا مفتتحا إياه بما يناسب المقام من القرآن الكريم والحديث الشريف إن أمكن، ثم يورد بعض أشعار العرب وحكمها وأمثالها وأخبارها المناسبة، كما يورد ما يوثر عن الروم والعجم مما له علاقة بالمقام. والكتاب بذلك ينهج منهج عيون الأخبار لابن قتيبة والعقد الفريد لابن عبد ربه إلّا أنه يزيد عليهما أنه يورد في الباب الواحد المعنى وضده (2).
وقد أعجب السلوي بابن عبد البر وكتابه، ولذلك كثيرا ما يستشهد به وينوّه به، وقد يأخذ عنه أحيانا دون أن يشير.
__________
(1) بهجة المجالس 1/ 3.
(2) بهجة المجالس 1/ 28.(1/63)
ومن الملاحظ أن هناك تشابها في بعض أبواب الكتابين، من ذلك ما يلي:
بعض أبواب الكوكب الثاقب بعض أبواب بهجة المجالس
الباب الثالث في الحرب وتدبيرها
الباب الرابع في الشجاعة والجبن
باب الحرب والشجاعة والجبن
الباب السابع في السفه والحلم باب حمد الحلم وذم السفه
الباب الخامس في الجود والسخاء
الباب السادس في الشح والبخل
باب مدح الجود والكرم وذم البخل واللؤم
وقد استفاد السلوي من مادة هذه الأبواب وغيرها في كتابه وانتقى منها ما أعجبه، وأضاف إليها ما انتقاه من كتب أخرى مثل سراج الملوك للطرطوشي.
5) سراج الملوك للطرطوشي (520هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد الطرطوشي الأندلسي الفقيه المالكي الزاهد. ويعدّ هذا الكتاب من الكتب التي ألّفت لوعظ الحكام وإرشادهم وتقديم مجموعة من الحكم والنصائح والأخبار ليستفيدوا منها في السّلم والحرب. وقد تأثر السلوي بهذا الكتاب واستفاد منه في بعض أبوابه. ويبدو هذا التأثر واضحا في أبواب الكتابين:(1/64)
بعض أبواب الكوكب الثاقب بعض أبواب سراج الملوك
الباب الثالث في الحرب وتدبيرها
وما ينبغي من الحزم والتيقظ
الباب الحادي والستون في الحروب وتدبيرها وحيلها ص 140
الباب الرابع في الشجاعة والجبن الباب الستون في الشجاعة وثمراتها ص 138
الباب الخامس في الجود والسخاء والإيثار الباب الثلاثون في الجود والسخاء ص 72
الباب السادس في الشح والبخل الباب الواحد والثلاثون في بيان الشح والبخل ص 77
الباب السابع في السفه والحلم الباب الثامن والعشرون في الحلم ومحاسنه ص 66
الباب الثامن في ذكر ملوك بني أمية
الباب التاسع في ذكر الخلفاء من بني العباس
الباب الثالث والثلاثون وهو جامع من أخبار ملوك العجم وحكاياتهم ص 150
الباب العاشر في نوادر من الأخبار الباب الرابع والستون مشتمل على حكم منثورة ص 159
خاتمة في مواعظ ورقائق الباب الأول في مواعظ الملوك(1/65)
وليس هذا التأثر قاصرا على عناوين الأبواب، وإنّما تعدّاه إلى الاستفادة من بعض المعلومات والأقوال والأخبار الواردة في بعض هذه الأبواب، ويتّضح ذلك بقراءة حواشي بعض هذه الأبواب في الكوكب الثاقب.
6) الوافي في نظم القوافي لابن شريف الرندي (684هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو أبو الطيب صالح بن يزيد بن صالح المشهور بابن شريف الرّندي الأندلسيّ، ويعدّ كتابه هذا من كتب النقد والبلاغة والعروض في الأندلس. وقد كانت استفادة السلوي من هذا الكتاب محدودة. ونلاحظ بعض أوجه هذه الاستفادة في افتتاحية الكوكب الثاقب ومقدمته والباب الأول، فقد أثنى السلوي في الافتتاحية والمقدمة على الأدب ورفع من شأنه وتحدث في الباب الأول عن طبقات الشعراء وبيّن فضائل الشعر وقيمته، وأورد ما يؤيد ذلك من الأقوال والأخبار. وقد تأثر في ذلك بالرّندي في مقدمة كتابه التي أثنى فيها على الأدب والشعر وأعلى من قدرهما، كما خصص الباب الأول للحديث عن فضل الشعر وخصص الباب الثاني للشعراء وطبقاتهم. وقد استقى السلوي من ذلك بعض الأقوال والمعلومات وضمّنها مقدمة كتابه والباب الأول وقد حقق هذا الكتاب الأستاذ الباحث محمد الگنوني، ونال به دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط عام 1974م.
7) ري الأوام ومرعى السّوام في نكت الخواصّ والعوامّ لأبي يحيى الزجالي الأندلسي
مؤلف هذا الكتاب هو أبو يحيى عبيد الله بن محمد الزجاليّ المتوفى بمراكش عام 694هـ. وقد حققه الدكتور محمد بن شريفة، واعتمد على قسم منه في إعداد أطروحته لدكتوراه الدولة في (أمثال العوام في الأندلس) سنة 1969وقد نشرت سنة 1975.
والكتاب مجموعة من الأمثال والحكم والعظات والوصايا، وقد رتب المؤلف الأمثال على حروف المعجم وقسّمها إلى قسمين: قسم فصيح للخواصّ وقسم عاميّ للعوامّ.(1/66)
ومن أبواب الكتاب: باب في ذكر الحرب باب في ذكر الجود باب في ذكر الأدب باب في الشعر والشعراء باب في جملة من النظم مما قيل في البخلاء وطعامهم.
ومن استعراض هذه الأبواب ومقارنتها ببعض أبواب (الكوكب الثاقب) يتبين التشابه الملحوظ بين بعض أبواب الكتابين، وبالرغم من ذلك فإن استفادة السلوي من مادة هذا الكتاب قليلة جدا، بالرغم من أنه عده من مصادره الأساسية التي ذكرها في افتتاح كتابه، ولم يشر إليه إلّا هذه المرة. ولعل ذكره لهذا الكتاب ولكتاب الوافي في نظم القوافي ضمن مصادره يعود في جزء منه إلى إحساسه بالميل إلى صاحبيهما الأندلسيين (1) أكثر من أي شيء آخر. وسنرى أنه رجع إلى كتب أخرى مشرقية كثيرا دون أن ينوّه بها أثناء عرضه لمصادره.
8) الوافي بالوفيات للصفدي (764هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو صلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي الأديب المؤرخ، والشاعر البارع المولع بالأدب وتراجم الأعيان.
ويعدّ كتابه من أضخم الكتب المؤلفة في التراجم، إذ يبلغ حوالي 30مجلدا، وطبع منه، حسب علمي، ثلاثة وعشرون. ولم يصل منه إلى المغرب سوى الأجزاء السبعة عشر الأولى، ما عدا الجزء الثالث عشر الذي لم يصل بعد (2).
وهذا الكتاب الموسوعة يترجم للأعلام المشهورين في شتى العلوم من الجاهلية حتى عصر المؤلف.
__________
(1) لا ننسى في هذا المقام أن السلوي أندلسي يشعر برباط قوي يشده إلى أصله الأندلسي وإلى كل مؤلف أندلسي، وقد أحب أن يجمع في كتبه مصادر المشرق والمغرب وإن كانت المصادر المشرقية هي الأساس الأول.
(2) هذا بالنسبة لتاريخ العمل في هذا الكتاب (الكوكب الثاقب) وقبل تقديمه لكلية الآداب عام 1988.(1/67)
وقد أعجب السلويّ بهذا الكتاب إعجابا كبيرا، ونسخه (1) لوالي تونس علي باشا قبل أن يؤلّف (الكوكب الثاقب)، ولا شك أنه أثناء النسخ جمع منه مادة غزيرة ضمّنها كتابه، ويندر أن لا يعود إليه في كل ترجمة من التراجم التي عقدها في الباب الثاني، كما أنه رجع إليه في غير ذلك لكن بنسبة أقل.
9) الصّيّب والجهام والماضي والكهام لابن الخطيب (776هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو الشاعر والكاتب المشهور لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني المشهور بابن الخطيب، وقد ترجم له المؤلف ترجمة مطولة في آخر الباب الثاني تعدّ أطول ترجمة في (الكوكب الثاقب).
وهذا الكتاب هو ديوان ابن الخطيب جمع فيه الشاعر قصائده التي اختارها من مجموع شعره. وقد حقق هذا الكتاب الدكتور محمد الشريف قاهر وطبعته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر سنة 1973. ونظرا لأنّ هذا الديوان لم يضمّ كلّ شعر الشاعر فقد جمع الأستاذ محمد مفتاح كلّ شعر الشاعر بما في ذلك ما ورد في (الصّيّب والجهام) وحققه وقدم له، وذلك لنيل دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط عام 197271.
وقد استفاد السلوي من (الصّيب والجهام) فاختار بعض قصائده وضمّنها ترجمته لابن الخطيب المطولة، وقد كان رجوعه إلى هذا الكتاب قاصرا على هذه الترجمة لا غير. وإعجاب السلوي بهذا الكتاب قديم، فقد رجع إليه واختصره كما يرى ذلك الأستاذ محمد الشاذلي النيفر اعتمادا على «الخط والروح» (2).
__________
(1) توجد الأجزاء الثلاثة الأولى من هذه النسخة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت 648ويوجد الجزء 23بالمكتبة الوطنية بتونس رقم 13325.
(2) أنظر جريدة العمل التونسية بتاريخ 16/ 8/ 1968ص 5.(1/68)
10) رقم الحلل في نظم الدول، لابن الخطيب أيضا
وهذا الكتيب منظومة تاريخية أرّخ فيها ابن الخطيب للدول الإسلامية منذ صدر الإسلام حتى عصره في المشرق والمغرب والأندلس، وقد نظمها على بحر الرجز وشفعها ببعض الشرح والتوضيح. وقد طبع هذا الكتيب في المطبعة العمومية بتونس عام 1316هـ.
وقد اقتصرت استفادة السلوي من هذا الكتيب على البابين الثامن والتاسع الخاصين بالدولتين الأموية والعباسية وقد ضمّنهما السلويّ بعض الأبيات مع بعض الشرح والتوضيح من رقم الحلل.
11) المرقبة العليا فيمن يستحقّ القضاء والفتيا للنّباهي (793هـ)
مؤلف هذا الكتاب هو أبو الحسن علي بن عبد الله الجذامي المالقيّ النّباهيّ، قاضي غرناطة، وهو من الأدباء المؤرخين. وقد طبع كتابه تحت عنوان تاريخ قضاة الأندلس إلى جانب عنوانه الأصلي في المكتب التجاري للطباعة والنشر ببيروت بدون ذكر للتاريخ وهو يتألف من قسمين أولهما خصصه للقضاء من الناحية النظرية، والقسم الثاني وهو الأكبر خصصه لتراجم القضاة في الأندلس. واستفادة السلوي من هذا الكتاب مثل غيره من الكتب الأندلسية والمغربية ما عدا بهجة المجالس محدودة لا تتعدّى الرجوع إليه في بعض التراجم القليلة من رجال القضاء في الأندلس.
12) جذوة الإقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن محمد القاضي المكناسي (1025هـ).
مؤلف هذا الكتاب هو أحمد بن محمد المكناسي المشهور بابن القاضي الفقيه والمؤرخ المغربي المشهور. والكتاب يهتم، كما هو واضح من عنوانه، بالترجمة
للأعلام الذين سكنوا مدينة فاس، أو حلّوا بها، وقد رتّبهم ابن القاضي على حروف المعجم، ومهّد للكتاب بمقدمة ذكر فيها فضل إقليم المغرب، وعقد بعض الفصول للحديث عن الدولة الإدريسية وبناء مدينة فاس وجامع القرويين(1/69)
مؤلف هذا الكتاب هو أحمد بن محمد المكناسي المشهور بابن القاضي الفقيه والمؤرخ المغربي المشهور. والكتاب يهتم، كما هو واضح من عنوانه، بالترجمة
للأعلام الذين سكنوا مدينة فاس، أو حلّوا بها، وقد رتّبهم ابن القاضي على حروف المعجم، ومهّد للكتاب بمقدمة ذكر فيها فضل إقليم المغرب، وعقد بعض الفصول للحديث عن الدولة الإدريسية وبناء مدينة فاس وجامع القرويين
وقد كان رجوع السلوي إلى هذا الكتاب قليلا ومحدودا في بعض التراجم المغربية أو الأندلسية.
مصادره الثانوية
ولم يكتف السلوي بالمصادر التي عدّدها في افتتاح كتابه، وإنما تعدّاها إلى غيرها كما أشار إلى ذلك في آخر قائمة مصادره عندما قال (1): «وغير ذلك من كتب جهابذة الأئمة، وأساطين علماء الأمة رحمهم الله أجمعين».
وهذه المصادر كثيرة نكتفي بذكر أهمها، ومن شاء التفصيل، فيمكنه العودة إلى الفهرس الذي صنّفناه للكتب الواردة في الكوكب الثاقب وإن كان ورود بعضها في ثنايا الكتاب لا يدلّ دائما على رجوع المؤلف إليها.
وسأقتصر في هذه القائمة على المصادر التي أتأكد من رجوع المؤلف إليها أو أرجح ذلك، وأستبعد ما عداها. وقد ذكر السلويّ هذه المصادر في ثنايا كتابه بطرق مختلفة، فمرة يذكر المؤلف والمصدر بدقة ووضوح (2) ومرة يذكر المؤلّف وحده (3)، أو المصدر وحده (4). وقد يشير أحيانا إلى المصدر بإيجاز شديد يوقع
__________
(1) الكوكب الثاقب 6.
(2) أنظر أمثلة لذلك في ص 479عندما ذكر أبكار الأفكار لابن شرف القيرواني وفي ص 500عندما ذكر المثل السائر لابن الأثير، ونصرة الثائر على المثل السائر للصفدي.
(3) أنظر، مثلا في ص 203فقد ذكر السمعاني وهو يقصد كتابه الأنساب، وفي الصفحة 204ذكر ابن الأثير وهو يقصد كتابه اللباب في الأنساب، وفي ص 336ذكر الواحدي، وهو يقصد كتابه شرح ديوان المتنبي، وفي ص 345ذكر الثعالبي وهو يقصد كتابه خاص الخاص، وذكر في ص 579ابن سعيد المغربي وهو يقصد كتابه القدح المعلى، وذكر في ص 644ابن خلدون وهو يقصد تاريخه المشهور.
(4) من ذلك ما ورد في ص 386فقد ذكر معجمي القول المأنوس والقاموس.(1/70)
في الحيرة ولا يساعد على معرفته ومعرفة صاحبه، وخاصة إذا كانت هناك كتب كثيرة تحمل عنوانا واحدا (1) وقد يذكر أحيانا المؤلف والمصدر، ولكن ذكره للمصدر يكون غير دقيق (2). وقد يغفل ذكر المؤلف والمصدر معا (3).
وفيما يلي أهم المصادر مرتبة ترتيبا زمنيا
1) الموطأ للإمام مالك بن أنس (179هـ) أشار إليه مرتين على الأقل.
2) مسند الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) أشار إلى مؤلفه.
3) صحيح البخاري (256هـ) أشار إلى مؤلفه.
4) سنن أبي داود (275هـ) أشار إلى مؤلفه.
5) سنن ابن ماجة (275هـ) أشار إلى مؤلفه.
6) طبقات الشعراء لعبد الله بن المعتز (292هـ) أشار إليه بالاسم مرة واحدة.
7) الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري (393هـ).
أشار إليه مرة واحدة.
8) الإعجاز والإيجاز للثعالبي (429هـ) وقد رجع إلى هذا الكتيب في مواضع كثيرة واستقى منه بعض مختاراته الشعرية.
9) يتيمة الدهر للثعالبي (429هـ) أيضا. وبرغم ضخامة هذا الكتاب بالمقارنة بخاص الخاص أو الإعجاز والإيجاز السابقي الذكر، فإن السلويّ لم يرجع إلى اليتيمة إلا في القليل.
10) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430)، وقد أشار إليه السلوي مرة واحدة.
__________
(1) أنظر مثلا على ذلك إشارته إلى بعض شراح العمدة في ص 204وانظر الحاشية 1في الصفحة نفسها.
(2) انظر مثلا في ص 252عندما أشار إلى كتاب التطفيل وحكايات الطفيليين بقوله: «كتاب له في أخبار الطفيليين» وفي ص 447أشار إلى كتاب ابن العديم باسم «دفع التجري عن أبي العلاء المعري» بينما اسم الكتاب «الإنصاف والتحري في رفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري»، وقد نشر بهذا الاسم، وقد يكون لهذا الكتاب اسمان انظر فهرس المصادر.
(3) أنظر مثلا ص 336، 343فقد أخذ عن الواحدي في شرحه لديوان المتنبي.(1/71)
11) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (456هـ) وقد رجع المؤلف إلى العمدة في مواضع قليلة ويلاحظ بعض التشابه في تخصيص بعض التراجم للقضاة والفقهاء والخلفاء فقد عقد السلوي في الباب الثاني تراجم للقضاة (1) والخلفاء (2) ولعل ذلك اقتداء بابن رشيق الذي خصص بابا لأشعار الخلفاء والقضاة والفقهاء (3)
12) أبكار الأفكار لابن شرف القيرواني (460هـ)، أشار إليه مرة في ترجمة ابن شرف ونقل منه، والكتاب غير مطبوع، ويوجد قسم منه مخطوط في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 702ومنه صورة بالميكروفيلم بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 867.
13) التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم للخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن ثابت (463هـ) صاحب تاريخ بغداد، وقد أشار إليه المؤلف مرة واحدة.
14) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (463هـ) وقد رجع إليه المؤلف واستقى منه بعض المعلومات وإن لم يصرح باسمه مكتفيا بذكر مؤلفه.
15) شرح ديوان المتنبي لأبي الحسن علي بن أحمد النيسابوري الواحدي (467هـ) وقد أشار المؤلف إلى الواحدي، ولم يذكر اسم الكتاب.
16) الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب لعبد الله بن محمد البطليوسي (521هـ) ذكره السلوي باسم شرح أدب الكاتب لابن قتيبة.
__________
(1) من أمثلة ذلك تراجم القاضي التنوخي (ت 48) والقاضي الرشيد (ت 100) والقاضي المهذب (ت 101) والقاضي ابن أبي حصينة (ت 103).
(2) من أمثلة ذلك تراجم يزيد بن معاوية (ت 4) والوليد بن عبد الملك (ت 6) وسيف الدولة (ت 50)، كما خصص البابين الثامن والتاسع لخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس.
(3) العمدة 1/ 32.(1/72)
17) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (544هـ) وقد رجع إليه المؤلف مرتين فقط.
18) الأنساب لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (562هـ) وقد أشار السلوي إلى مؤلفه السمعاني مرتين فقط ولم يصرح باسم الكتاب.
19) تاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن المشهور بابن عساكر (571هـ) وقد رجع إليه المؤلف، وأشار إليه مرة واحدة.
20) التعريف والإعلام بما انبهم في القرآن من الأسماء والأعلام لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المالقي الأندلس (581هـ). وقد أشار إليه مرة واحدة ونقل عنه، وقال عنه: (1) «وهو كتاب صغير الحجم غزير العلم».
والكتاب لازال مخطوطا ومنه نسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 1963د.
21) شرح المقامات الحريرية لأبي العباس أحمد بن عبد المومن القيسي الشريسي (619هـ) وقد أشار إليه السلوي ثلاث مرات واستقى منه.
22) اللباب في تهذيب الأنساب لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأثير (630هـ) وقد أشار السلوي إلى مؤلفه فقط، ولم يذكر اسم الكتاب.
23) معجم الأدباء لياقوت الحموي (620هـ) وقد رجع إليه السلوي واستفاد منه وأشار إليه مرات.
24) الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء سليمان بن موسى الكلاعي (634هـ) وقد رجع السلوي إلى هذا الكتاب واستقى منه وقد طبع من هذا الكتاب جز آن فقط بتحقيق مصطفى عبد الجواد، مكتبة الخانجي بالقاهرة 1389 1387هـ (19701968م) ولا زال باقي الأجزاء مخطوطا، حسب ما في علمي (2)،
__________
(1) الكوكب الثاقب 940.
(2) وذلك أثناء إعداد هذا البحث (سنوات 198881).(1/73)
ومنه نسخ مخطوطة كثيرة بالخزانة العامة بالرباط تحت الأرقام: ج 524، ق 10099، / 51، / 52، ج 576، / / / 791ق 1190، ج 105ك، 39مكرر إلخ.
25) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين أبي الفتح نصر الله بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري (637هـ)، وقد أشار السلوي إلى هذا الكتاب مرة واحدة.
26) الفرق الإسلامية لأبي إسحاق بن عبد الله الحموي الهمذاني المعروف بابن أبي الدم (642هـ) وقد أشار إليه السلوي مرة واحدة والكتاب مفقود غير معروف.
27) وفيات الأعيان وأنباء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن خلكان (681هـ) وقد استقى منه السلوي كثيرا واستفاد منه، وإن لم يشر إليه مكتفيا بذكر مؤلفه ابن خلكان أحيانا.
28) القدح المعلّى لأبي الحسن علي بن موسى المشهور بابن سعيد المغربي الأندلسي (685هـ) وقد رجع إليه السلوي وإن لم يذكر اسمه مكتفيا بذكر مؤلفه مرة واحدة، وقد فقد الكتاب الأصلي وطبع اختصاره في الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية بالقاهرة عام 1959م.
29) لسان العرب لمحمد بن مكرم المشهور بابن منظور (711هـ)، وقد كان رجوع السلوي لهذا المعجم قليلا بالمقارنة إلى القاموس المحيط ولم يشر إليه كما لم يشر إلى مؤلفه.
30) البحر المحيط وهو تفسير الإمام أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي الغرناطي (745هـ) وقد أشار إليه السلوي مرة واحدة، عند الترجمة لمؤلفه أبي حيان وإن لم يصرح باسم الكتاب.
31) نصرة الثائر على المثل السائر للصفدي (764هـ) وقد أشار إليه مرة واحدة.
32) نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين خليل بن آيبك
الصفدي (764هـ)، وقد استفاد السلوي من هذا الكتاب في مواضع كثيرة وإن لم يذكره مكتفيا بذكر مؤلفه الصفدي.(1/74)
32) نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين خليل بن آيبك
الصفدي (764هـ)، وقد استفاد السلوي من هذا الكتاب في مواضع كثيرة وإن لم يذكره مكتفيا بذكر مؤلفه الصفدي.
33) فوات الوفيات والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي (764هـ)، وقد استفاد المؤلف من هذا الكتاب في مواضع كثيرة وإن لم يشر إليه أو إلى مؤلفه.
34) الاعتصام للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (790هـ)، وقد ذكره السلوي مرة واحدة باسم حقائق الاعتصام وبيان ما يتعلق بالبدع من الأحكام، وقال عنه (1) «وهو كتاب جليل يشتمل على عشرة أبواب».
35) الدّيباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لبرهان الدين إبراهيم بن علي المالكي المشهور بابن فرحون (799هـ) وقد أشار إليه السلوي مرة وحدة.
36) تاريخ ابن خلدون وهو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد المشهور بابن خلدون (808هـ) وقد أشار السلوي إلى المؤلف فقط.
37) القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروز أبادي (817هـ) وقد رجع إليه السلوي مرات لشرح بعض الكلمات المستغلقة.
38) القول المأنوس لتحرير ما في القاموس للشيخ بدر الدين بن محمد يحيى القرافي (1008هـ) وقد أشار إليه السلوي مرة واحدة، وهو معجم مرتب على طريقة القاموس المحيط، ولا زال مخطوطا، منه نسخة في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 7986.
39) نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، للشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني (1041هـ) وقد أشار إليه السلوي في ترجمة ابن الخطيب وترجمة ابن زيدون.
__________
(1) أنظر الكوكب الثاقب 810809.(1/75)
موضوع الكتاب
يتألف كتاب (الكوكب الثاقب) من افتتاحية ومقدمة وعشرة أبواب متفاوتة في الطول، فأطولها الباب الثاني الذي يكوّن ثلثي الكتاب تقريبا ويليه الباب العاشر ثم الثامن وبعده الخاتمة والمقدمة ثم الباب الأول ويليه التاسع ثم الثالث والرابع ثم الافتتاحية وبعدها الباب السادس والسابع.
الافتتاحية:
تناول السلوي في الافتتاحية علم الأدب وعرّفه بأنه «معرفة الأشعار والأخبار» وبيّن قيمته وفضائله وفوائده، فهو يهذّب الأخلاق، ويقوّم النفوس «فكم شجّع من جبان، وكم قوّى من جنان، وكم أنطق بالحكمة من لسان، وكم بسط من يد كانت مقبوضة» (1)، واستشهد على قيمته بحديث للنبي صلّى الله عليه وسلم عندما سأله أحد الصحابة: «يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعر ما قد علمت، فما ترى فيه؟
قال: إنّ المومن يجاهد بسيفه ولسانه ويده، والذي نفسي بيده لكأنّما تنضحونهم بالنّبل» (2)، كما استشهد بقول أبي تمام:
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة العلا، من أين تؤتى المكارم
ولذلك فهو يدعو إلى تعلّمه وتعليمه لأنّه في رأيه «أحرى بأن يقدّم على غيره من العلوم رواية ودراسة، وأجدر بأن تنفق في تحصيله نفائس الأعمار، وأحقّ بأن يصان عمّن لا يقدّره حقّ قدره من السّفلة والأوغاد والجهلة الأغمار (3).
ثم بيّن شغفه بالأدب منذ شبابه المبكّر، وجدّه في طلبه ومعاشرته لأهله ومناقشتهم فيه، وجمعه لمحاسنه وكنوزهم، ولما ولّى عصر الشباب خشي أن تضيع
__________
(1) الكوكب الثاقب 21.
(2) الكوكب الثاقب 3.
(3) الكوكب الثاقب 43.(1/76)
هذه المحاسن والكنوز، لذلك عزم على جمعها في كتاب «ليقع الانتفاع بها من بعدي، وأتشبّث بسببها بأذيال أهل العلم (1)». ثم عرض للمصادر الأساسية التي اعتمد عليها في تأليف كتابه مثل كتاب الكامل للمبرّد والأغاني للأصبهاني وبهجة المجالس لابن عبد البر الأندلسي وخاص الخاص للثعالبي وسراج الملوك للطرطوشي والوافي بالوفيات للصفدي، والصيب والجهام ورقم الحلل لابن الخطيب وغيرها، ثم عرض لأبواب الكتاب، وبذلك ختم هذه الافتتاحية.
المقدمة:
وفي المقدمة عالج السلوي الأدب وقسّمه إلى غريزي ومكتسب، وعرّف الأدب الغريزيّ وبيّن قيمته، وجعله مستمدّا من العقل. ثم نوّه بالعقل، وبيّن قيمته الكبرى. وعرض في ذلك لأحاديث وأقوال مأثورة تعلي كلّها من شأن العقل والأدب، ودعا إلى حرمان السّيّء الخلق من التّعلّم «لأن ضرر ذلك أكبر من نفعه» وأورد رأي أحد العلماء: «زيادة العلم في الرجل السوء كزيادة الماء في أصول الحنظل، كلّما ازداد ريّا ازداد مرارة». ثم عرض للأدب المكتسب الحاصل بالرياضة والتعلّم والمجاهدة، وأوضح أنه مكمّل للأدب الغريزيّ، ومظهر لما كمن منه، وألحّ على ضرورة اتّصاف المتعلّم بالحياء والأدب، وإلّا كان الواجب حرمانه من العلم وأورد بعض الأخبار المؤيّدة لهذا الرأي (2). ونعى على العلماء الذين يستهينون بالعلم ويمنحونه لغير مستحقّيه صنيعهم، وعدّ ذلك سبب هوانهم «فما أتي العلماء إلّا من عدم توقيرهم للعلم وتساهلهم في أمره وانتهاكهم
__________
(1) الكوكب الثاقب 5.
(2) الكوكب الثاقب 1410.(1/77)
لحرمته» واستشهد على ذلك بقول القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني صاحب الوساطة:
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهانوا ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتى تجهّما
ثم عاد ليفصل الكلام على الأدب المكتسب، فعرض لعدة آراء في الموضوع، فبعضهم يرى أنّه معرفة الأشعار والأخبار، وقيل هو التّفنّن في العلوم والمشاركة فيها، وقيل هو عبارة عن مجموع أربعة عشر علما وهي اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والقوافي والعروض وقرض الشعر والإنشاء والكتابة والقراءات والمحاضرات.
ثم عرض رأيه في تلك الأقوال (1)، وبيّن أن للأدب غايتين: غاية دنيا وغاية عليا، فالدّنيا هي الاقتدار على النظم والنّثر، وأمّا العليا فهي الاقتدار على فهم كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم من أجل استنباط الأحكام.
فالأدب عند السلوي يكتسب قيمته من كونه «من أعظم الوسائل إلى معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله. وقد ساق المؤلف أخبارا وأقوالا كلّها تؤكّد قيمة الأدب وأهميّته، مركّزا على جانبه التربوي والخلقي مستشهدا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ما منح والد ولده منحة أفضل من حسن الأدب».
وهكذا يولي المؤلف الناحية التربوية والتعليمية في الأدب كلّ اهتمامه فالغاية من الأدب عنده ليست هي أن يكسبنا القدرة والمهارة على إبداع نصوص شعرية ونثرية، وإنما هي أكثر من ذلك القدرة على فهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال الصحابة من أجل استنتاج القواعد والأحكام حتى يكون قولنا وسلوكنا مطابقا للنّهج السوي، فالأدب عند السلوي له غاية سامية هي تهذيب الأخلاق والسلوك والحث على المكارم والفضائل ونصرة الحق والدفاع عنه ومواجهة الباطل والظلم.
__________
(1) الكوكب الثاب 1615.(1/78)
الباب الأول
خصّص السلويّ الباب الأول للحديث عن (طبقات الشعراء وما جاء في تعلّم الشعر وتعليمه). فجعل الشعراء ثلاث طبقات جاهلي ومخضرم وإسلامي. ثم قسم الإسلامي إلى ثلاثة أصناف: محدث ومولّد وبعد ذلك كلّ عصر ينسب إليه أهله.
وبعد هذه التقسيمات السريعة انتقل للحديث عن أهمية الشعر، فقال: «اعلم أنّ الشعر في الجملة مندوب إليه، ومرغّب فيه ومحضوض عليه لحديث: «إن من الشّعر لحكمة» وأورد رغبة الرسول عليه الصلاة والسلام في الاستماع إلى شعر أمية بن أبي الصلت (1) إلى غير ذلك من الأقوال والأخبار (2) التي تبرهن على رغبة السّلف الصالح في الشعر ورواياتهم له «ولكن إذا كان ينشد على نحو الحدّ الذي كان ينشد عليه في زمانه صلّى الله عليه وسلم وعمل به من بعده من الصحابة والتابعين، ومن يقتدى به من أهل العلم وأئمة المسلمين (3)»، وقد عدّد السلويّ الرغبة في الشعر وقوله في فوائد معينة منها:
1) المنافحة عن رسول الله والإسلام وأهله (4).
2) أن ينشد «الشعر في الأسفار الجهادية تنشيطا لكلال النفوس» (5)
3) كانوا «يتعرضون به لحاجاتهم ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم» (6)
4) أن يتمثّل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ نفسه أو ينشّطها أو يحرّكها لمقتضى الشّعر أو يذكرها لغيره ذكرا مطلقا» (7).
__________
(1) الكوكب الثاقب 20.
(2) الكوكب الثاقب 21، 22
(3) الكوكب الثاقب 22، 23.
(4) الكوكب الثاقب 23.
(5) الكوكب الثاقب 23.
(6) الكوكب الثاقب 24.
(7) الكوكب الثاقب 29.(1/79)
وختم هذه الفوائد بقوله (1): «إلى غير ذلك من الفوائد المستندة إلى أصل شرعيّ وغرض صحيح» وعاد ليؤكد (2) «أنّ الشعر ممدوح شرعا ومحمود طبعا، وأنّه ممّا يتأكد تعلّمه وتعليمه لكن إذا كان ممّا لا يذكّر بمعصية ولا يبعث على سفه ولا يحمل على فجور، ولا يشتمل على رفث وهجر من الكلام، ومنكر من القول وزور» ونستنتج مما سبق أنّ السلويّ يضع شروطا للشعر المقبول، ويلاحظ أن هذه الشروط تتعلق كلها بمضمون الشعر والغاية منه وهي تستند كلها إلى ما يبيحه الإسلام ويدعو إليه، فما وافق الإسلام وأهدافه فهو مقبول ومندوب إليه وأما ما خالف الإسلام ومبادئه، ودعا إلى المعاصي أو شجّع عليها أو اشتمل على «رفث وهجر من الكلام ومنكر من القول وزور» فهو غير مقبول.
الباب الثاني
هذا الباب هو أهم أبواب الكتاب فهو يحتل ثلثي الكتاب تقريبا، ويضم تراجم تسعة وعشرين ومئة شاعر، وقد ابتدأ المؤلف بالنابغة الجعدي وختم الباب بابن الخطيب السلماني، والشعراء المترجم لهم في هذا الباب هم:
أالشعراء الإسلاميون وعددهم ثمانية عشر شاعرا.
ب وشعراء دولة بني العباس وعصر الانحطاط وعددهم خمسة وتسعون شاعرا.
ج وشعراء الأندلس والمغرب العربي وعددهم ستة عشر شاعرا.
ولم يهتم المؤلف بذكر الشعراء حسب أقاليمهم وبلدانهم وذلك أمر طبيعي من مؤلف يضع كتابا عن الشعراء العرب بغضّ النظر عن الحدود والأقاليم.
__________
(1) الكوكب الثاقب 30.
(2) الكوكب الثاقب 30.(1/80)
وإذا كانت أغلبية الشعراء الذين ترجم لهم من مشاهير الشعراء كالحطيئة والفرزدق وجرير وبشار وأبي نواس وابن الخطيب وغيرهم، فإن كثيرا من الأسماء المترجم لها لم تشتهر بالشعر وإنّما كان لها أشعار قليلة، ومن هؤلاء الفقهاء والقضاة والعلماء والكتاب والمغنون والولاة والأمراء والملوك وغيرهم، وذلك تطبيقا لعنوان الكتاب (الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب).
الباب الثالث
خصّص السلويّ هذا الباب «للحرب وتدبيرها وما ينبغي من الحزم والتيقّظ لمن يباشرها «فبدأ بما قاله الله تعالى (1): {«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبََاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللََّهِ وَعَدُوَّكُمْ»}، ثم عرض مجموعة من القواعد والتدابير والنصائح التي يلزم معرفتها واتباعها في الحرب من ذلك:
1) أن الحرب خدعة ولذلك يجب اللجوء إلى وسائل الخداع الحربي المختلفة من بث الجواسيس وإغراء بعض قادة العدو على التعاون إلى غير ذلك.
2) وضع الأبطال والشجعان الأقوياء في القلب.
3) وضع الكمناء، وهي «من أعظم مكائد الحرب».
4) استصناع الشجعان واختيار الأبطال ذوي البسالة والإقدام والجرأة.
5) عدم الاختلاف على الأمراء
6) إخفاء علامة القائد ورايته وخيمته ليلا ونهارا.
وعرض المؤلف بعد ذلك لنتائج الحرب ومضارها فأورد مجموعة من الأقوال والأشعار في الموضوع.
__________
(1) سورة الأنفال 8/ 60.(1/81)
الباب الرابع
وخصص السلويّ هذا الباب «للشجاعة والجبن وآلات القتال وما للشعراء في ذلك من بديع المقال» فبدأ بتعريف الشجاعة موردا في ذلك عدة تعريفات من مثل «الشجاعة قوة القلب وثباته على ما يوجبه العدل والعلم»، وهي «الصّبر وقوّة النّفس».
ويعطينا تعريفا طريفا للشجاعة فهي ليست شجاعة مادية تبرز في التغلّب على الخصم والتعرّض للمخاطر فقط وإنّما هي فوق ذلك شجاعة معنوية، شجاعة ضبط النّفس والتّحكّم فيها تطبيقا لقول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصّرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
ثم أورد السلوي بعض الأشخاص الذين عرفوا بالشجاعة في الإسلام مبتدئا بالرسول عليه الصلاة والسلام ثم ذكر بعض الصحابة رضي الله عنهم.
ثم انتقل للحديث عن أوجه الشجاعة في المعارك ثم ساق مجموعة من الأمثال والأقوال والأبيات في الشجاعة والجبن.
الباب الخامس
خصّص هذا الباب «للجود والسخاء والإيثار، وما يؤثر في ذلك من عجيب الحكايات وغريب الآثار». وقد بدأ بتعريف الجود والسخاء والإيثار فذكر أن البعض يجعلها كّلّها بمعنى واحد، بينما يرى البعض الآخر أن «المراتب ثلاث:
السخاء ثم الجود ثم الإيثار، فمن أعطى البعض فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر فهو صاحب جود، ومن آثر غيره بالحاضر وبقي في الجهد فهو صاحب إيثار»، ثم عرض لأقوال الحكماء في الجود مبيّنا قيمة هذه الصفة الحميدة موردا
ما يؤكّد ذلك من قول الرسول عليه الصلاة والسلام، ويرفع من شأن السخيّ ويجعله قريبا من الله والجنة بعيدا من النار.(1/82)
السخاء ثم الجود ثم الإيثار، فمن أعطى البعض فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر فهو صاحب جود، ومن آثر غيره بالحاضر وبقي في الجهد فهو صاحب إيثار»، ثم عرض لأقوال الحكماء في الجود مبيّنا قيمة هذه الصفة الحميدة موردا
ما يؤكّد ذلك من قول الرسول عليه الصلاة والسلام، ويرفع من شأن السخيّ ويجعله قريبا من الله والجنة بعيدا من النار.
ولا ينسي السلويّ أن يدعو الحكام ضمنا إلى الاتصاف بهذه الخصلة الجميلة.
ثم تحدّث عن جود الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم كما عرض لغيرهم من الأجواد.
الباب السادس
خصص هذا الباب للحديث عن «الشّحّ والبخل وما ينبغي من تجنّبهما لأهل الفضل» وبدأ بتعريفهما فذكر أن البعض يعدّهما بمعنى واحد، وهو منع الفضل، وذهب البعض الآخر إلى أنّ «الشّحّ أشدّ من البخل، فإنّ البخل أكثر ما يقال في النّفقة وإمساكها والشّحّ أن يطمع الإنسان فيما ليس له». وقد استشهد على ذلك ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وببعض أقوال الحكماء مبيّنا ضرر الشّحّ والبخل وسوء مغبة البخلاء، وساق هجاء الشعراء وذمّهم للبخل وأورد بعض الأخبار حول بخل أبي الأسود الدؤلي، ثم أورد ما قاله الشعراء في ذم البخلاء بالطعام.
الباب السابع
وعقد هذا الباب للحديث عن «السّفه والحلم وما قيل إنّ أحقّ الناس بالحلم الولاة وأولو العلم» وقد بدأ ببيان شرف الحلم وعلوّ قيمته مستشهدا على ذلك بالحديث الشريف والقرآن الكريم وأقوال الحكماء والعلماء والشعراء.
الباب الثامن
خصص هذا الباب ل «ذكر ملوك بني أمية وابتداء دولتهم، وقد تعرّض في هذا الباب للأسباب التي مهدت لظهور دولة بني أمية بعد مقتل عثمان بن عفان،
وما كان من صراع بين الإمام علي ومعاوية وتولي معاوية الحكم بعد ذلك، وتبعه باقي ملوك بني أمية إلى أن قضى العباسيون على هذه الدولة.(1/83)
خصص هذا الباب ل «ذكر ملوك بني أمية وابتداء دولتهم، وقد تعرّض في هذا الباب للأسباب التي مهدت لظهور دولة بني أمية بعد مقتل عثمان بن عفان،
وما كان من صراع بين الإمام علي ومعاوية وتولي معاوية الحكم بعد ذلك، وتبعه باقي ملوك بني أمية إلى أن قضى العباسيون على هذه الدولة.
الباب التاسع
خصص هذا الباب لذكر الخلفاء من بني العباس إلى منتهى دولتهم، وقد عرض فيه لخلفاء بني العباس بالترتيب، وفي إيجاز كبير معتمدا في ذلك على ابن الخطيب في كتيّبه (رقم الحلل في نظم الدول) اعتمادا شبه كلّي. وقد تعرض لأهم الأحداث التي وقعت في عهد الدولة العباسية من مثل الصراع على السلطة بين الأمين والمامون.
الباب العاشر
خصص هذا الباب ل «نوادر من الأخبار حفظت عن أهل الجاهلية وغيرهم ونقلها الأئمة الأخيار»، وقد ساق في هذا الباب مجموعة من القصص والأخبار المشوقة.
الخاتمة
خصص الخاتمة كما يقول ل «مواعظ ورقائق من كلام أهل الحقائق» وهذه المواعظ وجهها بعض الوعاظ والزّهاد المشهورين لبعض الحكام والخلفاء.
أصناف المترجم لهم في الباب الثاني:
إذا كانت أغلبية الشعراء الذين ترجم لهم المؤلف من مشاهير الشعراء كالحطيئة والفرزدق وجرير والكميت وبشار فإن كثيرا من الأعلام المترجم لهم لم يشتهروا بالشعر، وإنما كانت لهم أشعار قليلة. ومن هؤلاء الكتاب والوزراء والمؤرخون والنقاد وعلماء اللغة والنحو وكتاب المقامات والفقهاء والقضاة والمحدثون ورواة الأخبار والمغنون وصانعو الألحان والخلفاء والأمراء والفلاسفة وعلماء الفلك والحساب وغيرهم.(1/84)
وقد اتّسمت بعض هذه التراجم بالطرافة والمتعة الفنية، وذلك لما تضمّنته من نوادر وطرائف أدبية عجيبة، كان السلوي يحرص على جمعها في كتابه، ومن أبرز هذه التراجم التي اكتست طابعا يسوده الهزل والمزاح أو المجون والفكاهة ترجمة ابن عبدل (ت 7) (1)، ووالبة بن الحباب (ت 22) وأبي العبر (ت 41) وأبي العيناء (ت 42) وأبي دلامة (ت 43) وبهلول المجنون (ت 45) وابن سكّرة (ت 66) وابن حجاج (ت 67) ومحمد بن عبد الواحد (ت 83) وابن جحدر (ت 116) وابن الجزار (ت 118).
التراجم الواردة استطرادا في الكتاب:
لم يكتف السلويّ بمن ترجم لهم في الباب الثاني وهم تسعة وعشرون ومئة علم، وإنما ترجم لعدد آخر من الأعلام استطرادا في أبواب الكتاب المختلفة وهذه التراجم ترد غالبا موجزة. وقد يرد بعضها مطوّلا، ومن أهم هذه التراجم ما يلي مرتبة حسب ورودها في الكتاب:
الشخصيات المترجم لها: موضع الترجمة: رقم الترجمة: الصفحة
1) ليلي الأخيلية: ضمن ترجمة توبة بن الحمير: 15: 139135
2) واصل بن عطاء: ضمن ترجمة بشار بن برد: 19: 153152
3) علي الرّضى ابن موسى الكاظم: ضمن ترجمة أبي نواس: 23: 179178
4) الأصمعي: ضمن ترجمة إسحاق الموصلي: 35: 248247
5) هلال الأسعر: ضمن ترجمة الخطيب التبريزي: 91: 468465
6) ولادة بنت المستكفى: ضمن ترجمة ابن زيدون: 107: 545543
7) المختار بن أبي عبيد الثقفي: أثناء الحديث عن مكائد الحرب فى الباب الثالث:: 689684
__________
(1) يقصد بهذا الرمز: رقم الترجمة. (ت ترجمة) وأما العدد الذي يلي (ت) فهو رقم الترجمة.(1/85)
الشخصيات المترجم لها: موضع الترجمة: اسم الباب: الصفحة
8) معن بن زائدة الشيباني: أثناء الحديث عن الجود: الباب الخامس: 735733
9) أبو الأسود الدؤلي: أثناء الحديث عن البخل والشح: الباب السادس: 746744
10) كليب بن ربيعة: أثناء الحديث عن البخل والشح: الباب السادس: 749748
11) سعنة بن غريض: أثناء الحديث عن معاوية: الباب الثامن: 784783
12) عمر بن هبيرة: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 822
13) سلمان الفارسي: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 832826
14) أمية بن أبي الصلت: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 842832
15) المغيرة بن شعبة: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 851842
16) الخنساء: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 862851
17) حجاج بن علاط السلمي: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 877875
18) ابن الحنفية (محمد بن علي): أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 879877
19) الشعبي: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 883
20) عبد الله بن أبي عتيق: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 887886
21) عمران بن حطان: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 892887
22) عمرو بن قميئة: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 908908
23) حماد الراوية: أثناء الحديث عن نوادر الأخبار: الباب العاشر: 918909
24) عمرو بن عبيد: أثناء عرضه لبعض المواعظ: الخاتمة: 928926
935932
25) جعفر الصادق: أثناء عرضه لبعض المواعظ: الخاتمة: 931929(1/86)
ولم يخصص المؤلف لهؤلاء الأعلام فصولا خاصة بهم لأن أغلبهم ليس له شعر، بينما السلوي التزم أن يخصّص الباب الثاني لنبذة من أشعار الشعراء (1)
وهو يعلّل لماذا لم يفرد الأصمعي بترجمة خاصة بقوله: (2): «وكان الأصمعيّ صاحب نوادر وملح ورواية، لا صاحب شعر، وإن كان له شعر، ففي غاية القلّة، فلذلك لم نفرده بترجمة تخصه وذكرته هنا على سبيل الإستطراد».
ولكننا نلاحظ أنه لم يفرد بعض الأعلام بترجمة خاصة بالرغم من أن لهم شعرا مثل الخنساء وعمران بن حطان، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه رأى أن ترجمتهما أليق بالباب العاشر الخاص بنوادر الأخبار، لما في حياتهما من هذه النوادر. وأما ليلى الأخيلية وولادة فلاشك أنه رأى أن الترجمة لهما بجانب صاحبيهما: توبة بن الحمير وابن زيدون أولى من أن يترجم لهما على حدة، حتى لا يعيد ما قاله في ترجمتهما، لا سيما أن شهرتهما مقرونة بالشاعرين ولولاهما لما كان لهما هذه الشهرة.
طريقة السلوي في الترجمة للشعراء:
يقول السلوي موضحا طريقته في آخر ترجمة ابن الخطيب، في ختام الباب الثاني (3): «قد أوردنا بحمد الله في هذا الباب من محاسن الشعراء وأخبارهم وما يحسن إيراده وتستحسن روايته ودرايته، ويطرب سماعه وإنشاده، وأودعناه
__________
(1) الكوكب الثاقب 32 (عنوان الباب).
(2) الكوكب الثاقب 248
(3) الكوكب الثاقب 665.(1/87)
من تراجمهم المهمة ما يقرب من مئة وثلاثين ترجمة وأفردنا كلّا ممّن ذكرناه منهم بترجمة ليكون ذلك أظهر لمحاسنه وأرشد للناظر فيها إلى استجلاء بدره من مطالعه، واستجلاء درّه من معادنه، وألمحنا فيه بذكر وفاة كثير منهم تكميلا للفائدة، وتتميما للعائدة. ولم نلتزم ذلك في سائرهم لأنّه ليس من غرضنا بالقصد الأول وبالذات، وإن أنجرّ الكلام إليه بالقصد الثاني، وبالعرض في بعض الأوقات».
ويمكن تحديد أهم معالم هذه الطريقة في أن المؤلف يبدأ ترجمته للشاعر بذكر اسمه ونسبه وكنيته ولقبه الذي اشتهر به، ثم يذكر الأغراض الشعرية التي برز فيها، كما يذكر آراء العلماء في شعره، وينتقي له بعض الأشعار التي يستحسنها، ويروي في أثناء ذلك بعض الأخبار والحكايات والنوادر المستملحة التي لها صلة بالشاعر وشعره، ثم ينهي الترجمة في بعض الأحيان بذكر سنة وفاته، وقد يذكر سنة ميلاده ووفاته في بداية الترجمة.
ويلاحظ أن المؤلف لم يسر على هذه الطريقة في كلّ التراجم، وإنما لجأ أحيانا إلى الاقتصار على ذكر أسماء الشعراء، وعرض بعض مختارات من شعرهم (1)، ويغلب هذا المنحى في أواسط الباب الثاني وأواخره (2)، ومن المرجح أن أسباب ذلك تعود إلى المصادر التي كان يستقي منها مادته، ففي التراجم الأولى (3) كان مصدره الأساسي هو كتاب الأغاني وهو مليء بالحديث عن نسب الشاعر وأخباره وحكاياته، كما أنه يحفل بذكر سنة ميلاده ووفاته. وأما في تراجم (4) الشعراء الذين ظهروا بعد زمن صاحب الأغاني، فقد اعتمد في الترجمة لهم في كثير من الأحيان
__________
(1) انظر مثلا التراجم رقم 20، 24، 49، 42، 55، 57، 58، 62.
(2) انظر مثلا التراجم رقم 84، 87، 88، 96، 101، 106، 109، 114إلخ.
(3) انظر مثلا التراجم رقم 1إلى 10، وغيرها.
(4) انظر مثلا التراجم رقم 5249، 5856.(1/88)
على كتب الثعالبي (1): خاص الخاص والإعجاز والإعجاز والإيجاز ويتيمة الدهر، وغيرها من كتب المتأخرين وهي أقل احتفالا بما كان يحتفل به الأصفهاني في أغانيه.
ومن أهم ما يطبع اختياراته الشعرية أنه ينتقيها غالبا من الغرض الذي اشتهر به الشاعر، فمثلا روى للحطيئة (2) حوالي أربعين بيتا أغلبها في الهجاء إلا أنه يورد أيضا بعض الأبيات التي استجيدت في أغراض أخرى.
والمؤلف شغوف بإيراد الأشعار الماجنة التي يتحرّج كثير من المؤلفين من ذكرها في كتبهم. وتختلف موضوعات هذه الأشعار بين الهجاء الفاحش، والغزل الإباحي، والخمريات الماجنة، وغير ذلك من الموضوعات (3). وإذا كان المؤلف يبدي استحسانه لبراعة الشاعر في هذه الأشعار فإنه لا ينسى، وهو الفقيه القاضي، أن يظهر في الوقت نفسه عدم موافقته لما ورد فيها من مساس بالأخلاق والدين، يقول عن يزيد بن معاوية (4): «كان يزيد شاعرا مجيدا إلّا أن أكثر شعره في الخمر» وبعد أن يورد له بعض الأبيات في الخمر يقول معلّقا (5): «وله أشعار كثيرة من هذا المعنى تدل على خبثه وفسقه». وبالرغم من هذا التحرّج الذي يشعر به فإنه يميل بطبعه إلى رواية الأشعار الماجنة أكثر من ميله إلى الأشعار الحكمية أو الدينية أو على الأقل فالميلان في مستوى واحد. وإذا علمنا أنّ المؤلف كان فقيها وقاضيا وإمامنا علمنا إلى أي حد كان طبعه الفني والأدبي غالبا على ما تفرضه عادة مهنة القضاء على صاحبها من وقار وتحفّظ.
وهذا الميل إلى هذا النوع من الأشعار يصاحبه ميل إلى رواية النوادر الغريبة والحكايات العجيبة والماجنة في كثير من الأحيان. ولا تكاد تخلو أية ترجمة من
__________
(1) انظر مثلا التراجم رقم 5249، 5856.
(2) انظر الترجمة رقم 2.
(3) من أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في الصفحة 73، 154، 155، 156، 170، 388385.
(4) الكوكب الثاقب 53.
(5) الكوكب الثاقب 55.(1/89)
حكاية أو عدة حكايات من هذا القبيل، وغالبا ما يبدأ هذه الحكايات بقوله: «ومن أعجب ما يحكى عنه» «ومن عجائبه» ومن المرجّح أن شغف المؤلف بهذه الحكايات يعود إلى رغبته في جعل مادته الأدبية مشوّقة ومحبّبة إلى القلوب، اتّباعا لطريقة الجاحظ في الجمع بين الجد والهزل في كتاباته. وقد أوضح المؤلف في افتتاحية كتابه هذا الاهتمام بالحكايات والأخبار الغريبة، فقال (1): «فذكرت فيه من أغراض الشعر وفنونه، وعزيزه وعيونه، وأبكاره وعونه ومن أخبار عجيبة، معزوّة لأربابها، ومسندة إلى أصحابها»، ويقول أيضا في آخر الباب الثاني (2): «قد أوردنا بحمد الله في الباب من محاسب الشعراء وأخبارهم ما يحسن إيراده، وتستحسن روايته ودرايته ويطرب سماعه وإنشاده»
وقد نتج عن شغف المؤلف بتلك الحكايات أنه كان يطيل في الحديث عن الشعراء الذين يجد حياتهم خصبة بمثل تلك الحكايات والأخبار الغريبة في حين يوجز تراجم الشعراء الذين لا يجد في حياتهم ما يشبع نهمه إلى الأخبار التي تستهويه، ومن هنا كان التفاوت كبيرا في عدد الصفحات المخصصة لكل شاعر، فبينما يترجم للبعض في سطور قليلة نجده يخصّص لآخرين عددا من الصفحات تقل أو تكثر حسب قلة الأخبار الطريفة أو كثرتها وهو لا يعنيه أن يترجم لجميع الشعراء وإنما هو مهتمّ بالترجمة لمن كان من الشعراء ذا حكاية عجيبة أو خبر مستملح.
ومما يلاحظ أيضا أن دواعي ترجمة المؤلف لبعض الأعلام لم تكن دواعي أدبية محضة، وإنما كانت أحيانا تحقيق رغبة فقهية أو أدبية، فمثلا يصرح في آخر ترجمته ليزيد بن معاية بأن هدفه من الترجمة له كان هو جواب الإمام الغزالي وإفتاؤه بعدم جواز لعن المسلم أو تكفيره، عندما سئل عن يزيد، يقول السلوي (3):
«وما قصدنا من ترجمته بأسرها إلّا هذا الجواب».
__________
(1) الكوكب الثاقب 5.
(2) الكوكب الثاقب 655.
(3) الكوكب الثاقب 60(1/90)
ومن أثر ذلك أنّه يتتبّع الأقوال التي تقال في إيمان الشاعر وكفره بشيء من التقصّي والتفصيل، ومن ذلك ما ساقه عن يزيد بن معاوية (1) وأبي العلاء المعري (2)، كما أنه يختم ترجمة بعض الشعراء المعروفين بمجونهم بالتساؤل عن مصيرهم في الآخرة، ويورد خبرا يتعلق برؤيا أحد معارفهم لهم في المنام وسؤاله عما فعل الله بهم، وجوابهم بأن الله غفر لهم بأبيات قالوها (3). ومن الأثر الديني في التراجم أنه يترحّم على الأعلام الذين يترجم لهم ويدعو لهم بالمغفرة إذا ارتكبوا ذنبا، وينهي أغلب تراجمه بمثل هذه العبارات: «رحمنا الله وإياه بمنه وفضله» أو بقوله: «سامحنا الله وإياه، وعفا عنا وعنه بمنه وكرمه آمين» «وأقل ما يختم به الترجمة قوله: «وبالله تعالى التوفيق» ويندر ألّا يختم الترجمة بالدعاء لصاحبها، ويحدث ذلك إذا كان يترجم لشاعر عرف بمجونه وفسقه مثل بشار بن برد (4) وابن سكرة (5) وابن حجاج (6)، كما تشعرنا صيغ الدّعاء في بعض تراجمه للشعراء أنه غير راض عن ضلالهم وسلوكهم المنحرف، وأنه يتمنى لو كانوا مهتدين، وذلك مثل قوله في خاتمة ترجمة يزيد بن معاوية: (7): «وبالله سبحانه التوفيق ومنه الهداية إلى سنن الصواب» وقوله في خاتمة حماد عجرد (8): والله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب» وقوله في خاتمة ترجمة الصابي (9): «وبالله تعالى التوفيق والهداية إلى سنن الصواب».
__________
(1) الكوكب الثاقب 6057.
(2) الكوكب الثاقب 455449.
(3) الكوكب الثاقب 182181.
(4) الكوكب الثاقب 155.
(5) الكوكب الثاقب 390.
(6) الكوكب الثاقب 393
(7) الكوكب الثاقب 60.
(8) الكوكب الثاقب 156.
(9) الكوكب الثاقب 371.(1/91)
ولا بنسى السلوي أن يذكّرنا في آخر كثير من التراجم أنه لم يذكر كل ما يعرف عن الشاعر، وأنه لجأ إلى الانتقاء والاختصار لأنّ المقام لا يسمح بالتوسّع، وأنّ ما انتقاه يدلّ على ما لم يذكره، يقول مثلا في آخر ترجمة الحطيئة (1):
«وترجمته أوسع من هذا، وفي هذا القدر منها كفاية، وبالله تعالى التوفيق».
ويقول في آخر ترجمة الفرزدق (2): «وترجمة الفرزدق من هذا أوسع، وفيما ذكرناه منها مقنع، والحمد لله على ما ألهم» ويقول في آخر ترجمة الصابي (3):
«وترجمة الصابي أطول من هذا، ولو تتبعناها كغيرها لطال الكتاب»
وتظهر براعة السلوي في اعتماده على مصادر متنوعة وقدرته على التصرف في المادة المعتمدة والتّحكّم فيها، لقد كان يعود إلى المصادر لا لينقل منها المعلومات فحسب وإنما أيضا ليختصر ويلخّص ويحذف ما لا حاجة إليه، وهكذا نجده مثلا يعتمد كتاب الأغاني للأصفهاني في كثير من التراجم، ولكنه لا يتبعه مثلا في إيراد سلسلة النسب الطويلة وإنما يختصرها كما يحذف سلسلة سند الخبر (4)، اعتقادا منه أنه لا تتعلق بها أهمية كبيرة في كتابه، كما يحذف في أحيان كثيرة سلسلة الرواة وينقل الخبر مجرّدا عن رواته، أو يكتفي بذكر أولهم، وقد امتدّ هذا التصرف والاختصار إلى الأخبار والحكايات التي يوردها، فهو غالبا ما يوجزها ويختصرها ويركز على الغرض المقصود من إيراده الخبر أو الحكاية، وهو أحيانا يجمع بين خبرين يدمج أحدهما في الآخر متصرّفا في الخبر مكمّلا هذا من ذاك (5)، كما أنه ينظّم الأخبار التي يستقيها من المصادر، ويرتبها بما يتناسب مع
__________
(1) الكوكب الثاقب 47.
(2) الكوكب الثاقب 94.
(3) الكوكب الثاقب 371.
(4) أنظر مثلا الصفحة 50عند حديثه عن زنى الوليد بن عقبة وشربه الخمر وقارن بما في الأغاني 5/ 126وانظر أيضا الأخبار الثلاثة المنقولة عن ابن عائشة وقتادة وعلي بن أبي طالب في الصفحة 5150وقارن بما في الأغاني 5/ 127، 141بالترتيب.
(5) أنظر مثلا ص 293فقد استقى حكاية أبي العبر، عندما كان يصطاد بجميع جوارحه من الأغاني والوافي بالوفيات.(1/92)
موضوعه، فهو مثلا في ترجمة الوليد بن عقبة يذكر أنه كان من فتيان قريش وأجودهم وبعد ذلك أورد مثلا ودليلا على جوده بينما صاحب الأغاني، وهو المصدر، انتقل للحديث عن فسقه (1)، كما أنه في ترجمته للحطيئة اعتمد على الكامل في إيراد خبر مرور الحطيئة بحسان، وإذا كان المبرد قد أورد هذا الخبر ضمن خبر الزبرقان فإن السلوي أخرجه منه وساقه منظّما مرتبا (2)، وإذا كان المبرد يؤخّر شرح بعض الألفاظ، فإن السلوي يورد الشرح بجانب اللفظ (3).
ولا يكتفي بذلك بل يصحّح بعض الألفاظ، يقول في بداية أحد الأخبار (4):
«واللفظ للمسعودي مع إصلاح بعض الألفاظ» هكذا يعترف بأمانة وصدق أن اللفظ للمسعودي لكنه يتدخل لإصلاحه عند الحاجة. كما أنه يتدخل ليحذف استطرادات المؤلفين الذين يأخذ عنهم، فلا يأخذ إلّا ما يروقه ويناسب ذوقه. كما أنه يحذف بعض الألفاظ الغريبة أو المستغلقة التي قد تثقل الخبر (5).
وإذا كان السلوي يحذف بعض استطرادات المصادر التي يعتمد عليها، فإنه هو نفسه شديد الميل إلى الاستطراد وخلط الجدّ بالهزل، مقتديا في ذلك بالمبرد الذي يقول (6): «نذكر في هذا الباب من كل شيء تكون فيه استراحة للقارئ وانتقال ينفي الملل لحسن موقع الاستطراف، ونخلط فيه من الجدّ بشيء من الهزل ليستريح إليه القلب وتسكن إليه النفس».
وقد دفعه ميله إلى الاستطراد إلى اغتنام كل فرصة تسنح له ليخرج عن موضوعه ويورد بعض الأخبار الطريفة، ومن ذلك ما فعل في ترجمة محمد
__________
(1) أنظر ص 48وقارن بما في الأغاني 5/ 122.
(2) أنظر ص 44وقارن بما في الكامل 2/ 192.
(3) أنظر شرح كلمة بحونة ص 40وقارن بما في الكامل 2/ 186.
(4) الكوكب الثاقب 807806.
(5) أنظر قصة عمرو بن معدي كرب مع أحيل الناس وأشجعهم وأجبنهم في الكوكب الثاقب 700699وقارنها بما في الأغاني 16/ 7168.
(6) الكامل 2/ 285.(1/93)
ابن حازم الباهلي (1)، فقد استطرد إلى الحديث عن باهلة وأصلها، وما قيل فيها من هجاء وأخبار، ثم عاد إلى موضوعه ليقول (2): «وهذه نبذة ذكرناها على سبيل الاستطراد، لتعلّقها بالمقام، وهي تفضي إلى متّسع من الكلام ليس هذا محلّ استقصائه، فلنرجع إلى صاحب الترجمة». وقد يحدث أحيانا أن يكون الموضوع الذي استطرد إليه أهم عنده من الموضوع الذي عقد الكلام من أجله، ومن ذلك استطراده في آخر ترجمة يزيد بن معاوية (3) إلى إيراد فتوى الغزالي بعدم جواز لعن يزيد أو تكفيره، ويطيل في ذلك، ويجعل فتوى الإمام الغزالي هي السبب في ترجمته ليزيد «وما قصدنا من ترجمته بأسرها إلا هذا الجواب (4)»، وهكذا يصبح الموضوع الرئيسيّ مطيّة لإيراد الموضوع الثاني، ووسيلة لتمرير موضوع عزيز على المؤلف ما كان في الإمكان إيراده بدون الموضوع الأول.
ولعل ميل المؤلف إلى الاستطراد تتحكم فيه أمور منها:
1) الرغبة في الإفادة، وممّا يدل على ذلك أن المؤلف في الباب الثالث المخصص للحرب وتدبيرها يورد بعض مكائد المختار بن أبي عبيد الثقافي ثم يستطرد إلى الترجمة له، ويذكر بعض أخباره ثم يقول (5) «وهذه أمور خارجة عن مسائل الباب ذكرناها على سبيل الاستطراد، لما اشتملت عليه من الفوائد، والله تعالى أعلم الصواب». ومن ذلك أيضا عرضه لقضية نحوية في آخر ترجمة الحريري، يقول (6): «ومما ينبغي أن نختم به هذه الترجمة تكميلا للفائدة وتكثيرا للعائدة ذكر مسألة نحوية وقعت في بيت من المقامات الحريرية، فجرى في إعرابها خلاف بين رجلين من الأعيان».
__________
(1) الترجمة رقم 30الصفحة 207203.
(2) الكوكب الثاقب 207.
(3) الكوكب الثاقب 6058.
(4) الكوكب الثاقب 60.
(5) الكوكب الثاقب 689.
(6) الكوكب الثاقب 506.(1/94)
2) الرغبة في إظهار معارفه ومقروءاته، ويحدث ذلك عندما يخوض في موضوع ثم يذكر ما يشبهه، فيسوقه استطرادا، ومن ذلك أنه أورد في آخر ترجمة ابن الخطيب رسالة له ثم قال (1): «قلت، وقد أذكرني بعض فصول هذه الرسالة ما كتب به أبو المطرف ابن عميرة لبعض إخوانه من العلماء» وهكذا استطرد إلى إيراد رسالة أبي المطرف، ومثل ذلك ما حصل عندما قال (2): «قلت: هذا كالذي دخل على قوم يشربون» وهكذا استطرد إلى موضوع مشابه. وفي أثناء الترجمة للخطيب التبريزي يعرض لشرهه الشديد فيذكر شخصا عرف بالشراهة وهو هلال ابن الأسعر، فيستطرد للترجمة له (3)، ويذكر أخبار شرهه حتى أنه خصّص له ثلثي ما خصّصه للتبريزي، وفي ترجمة ابن سكّرة يستطرد إلى إيراد أبيات تشبه بيتي ابن سكرة في كافاته (4).
3) الرغبة في الترجمة لبعض الأعلام الذين لا تتوفر فيهم الشروط الواجب توفّرها في المترجم لهم، كأن يكون غير شاعر. ومن هؤلاء الأعلام:
أالأصمعي، الذي ترجم له أثناء الترجمة لإسحاق الموصلي (5).
ب أبو الأسود الدؤلي الذي ترجم له في باب البخل والشحّ (6)
ح كليب بن ربيعة الوائلي، وقد ورد ذكره في أبيات في باب البخل والشح فاستطرد للترجمة له (7).
__________
(1) الكوكب الثاقب 664
(2) الكوكب الثاقب 711.
(3) الكوكب الثاقب 468465.
(4) الكوكب الثاقب 390386.
(5) الكوكب الثاقب 248.
(6) الكوكب الثاقب 746744.
(7) الكوكب الثاقب 749748(1/95)
4) الرغبة في عرض بعض القضايا الفقهية التي تروق المؤلف وتأخذ بمجامع قلبه، ومن ذلك عرضه لفتوى الغزالي في يزيد بن معاوية (1) كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكذلك عرضه لنكاح المتعة (2) وللقضية المسماة بالمسألة المامونية (3)
في ترجمة القاضي يحيى بن أكثم.
5) الرغبة في عرض بعض الرسائل الأدبية الطريفة، ومن ذلك رسالة ابن القيسراني (4)، والغالب على الظن أن المؤلف ما ترجم لابن القيسراني إلّا من أجل هذه الرسالة التي أخذت من الترجمة حيّزا كبيرا وهي رسالة أشبه بالمقامة تتخللها أشعار وأمثال وحكم، يقول في تقديمه لها: «وله رسالة لطيفة أبدع فيها ما شاء، صنعها في حقّ واعظ من أهل الموصل، كان يعظ الناس بأشعار أبي تمام، وتعرف بظلامة الخالدي». وقد بحثت طويلا عن هذه الرسالة في المصادر، ولكني لم أعثر إلّا على قسم منها في الوافي بالوفيات للصفدي (5)
ومن حبّ السلوي لمثل هذه الرسائل عرضه لرسالة ابن الخطيب (6) في دعوة أهل المغرب لإغاثة إخوانهم الأندلسيين ضد هجمة الصليبيين، وقد زاوج ابن الخطيب في هذه الرسالة بين الشعر والنثر المسجوع المليء بالإشارات الدينية والأدبية وغيرهما.
ومن أهم ما يتميز به كتاب السلوي (الكوكب الثاقب) هو حرص المؤلف على الأمانة العلمية، فقد ذكر في افتتاحية كتابه قائمة الكتب التي اعتمدها في تأليف كتابه (7) ولم يكتف بذلك، بل إنه كان يشير في كثير من المواضع إلى
__________
(1) الكوكب الثاقب 6058
(2) الكوكب الثاقب 263262.
(3) الكوكب الثاقب 262.
(4) الكوكب الثاقب 495484.
(5) الوافي بالوفيات 5/ 121114.
(6) الكوكب الثاقب 664658.
(7) الكوكب الثاقب 65.(1/96)
المؤلف والمصدر أو إلى أحدهما، ولم يتخلف هذا النهج إلّا في مواضع قليلة، لم يشر فيها إلى مصادره، كما أنه حرص أثناء ترجمته للشعراء على إسناد الأقوال والأخبار والآراء لأصحابها. ومن شدة أمانته أنه يتحرّى الدّقة والضبط في إيراد الأقوال المنسوبة إلى أصحابها، وإذا دخله بعض الشك في حفظه ورواياته للقول فإنه يحتاط بقوله: «ما معناه» و «أو ما كما قال»، ومن أمثلة ذلك ما حدث في ترجمته لإسحاق الموصلي فقد ذكر في آخرها (1): «وإيّاه عنى الحريريّ بقوله في المقامة الثامنة عشرة في وصف جارية ما معناه: «وإن غنّت شفت المفؤود وأحيت الموءود، وظلّ معبد عندها عبدا، وقيل سحقا لإسحاق وبعدا، أو كما قال»، وإذا ما قارنا هذا النص بما جاء في المقامات للحريري فإننا نجده قد تحرّى الأمانة والدّقة بقوله: «أو كما قال» لأن هناك فرقا يسيرا بين ما أورده الحريري وما أورده السلوي. وهذا النهج الذي سار عليه المؤلف يتكرر في الكتاب كثيرا. ولعل هذه الدقة آتية من تأثره بطريقة المحدّثين. فهم عندما يشكّون في كلمة أو عبارة، ولا يدرون هل روي الحديث باللّفظ أم حدث تغيير في بعض ألفاظه يستعلمون هذه العبارة «ما معناه» أو «أو كما قال» للتدليل على عدم تيقّنهم ودفعا لكل ما قد يوجّه لهم من طعن في عدم احترام نص الحديث. ومن المرجح أن السلوي كان يعتمد أحيانا في رواياته للأقوال على ذاكرته وحفظه، ومن ثم كان يحتاط خوفا من أن يكون غيّر لفظة أو عبارة والله أعلم.
قيمة الكتاب:
لا تتضح قيمة هذا الكتاب إلا إذا عرفنا نوع الثقافة التي كانت سائدة في عهد المؤلف، وهو القرن الثاني عشر للهجرة.
__________
(1) الكوكب الثاقب 250.(1/97)
إن الثقافة التي كانت رائجة في هذا القرن في المغرب، كما سبق الإلمام بذلك، هي ثقافة تعتمد أساسا على دراسة الفقه والحديث والتفسير والتصوف والمنطق وعلم الكلام والنحو والبلاغة، وما يتفرع عن هذه العلوم.
أما الأدب بمعناه الخالص، فقد كان الاهتمام به يأتي في المرتبة الثانية، ولهذا نجد أكثر المؤلفات التي ألفت في هذا القرن ذات طابع فقهي ديني (1)، وحتى الرحلات التي ألّفت في هذا القرن كان أغلبها رحلات حجازية (2).
وبالرغم من ذلك فإن هذا العصر عرف أدباء كبارا مشهورين أو بعبارة أدق عرف فقهاء برزوا في ميدان الأدب، ومن الأمثلة على ذلك ابن زاكور (1120هـ) وابن الطيب العلمي (1134هـ) وعلي مصباح الزرويلي (1150هـ) ومحمد الإفراني (1153هـ) ومحمد بن الطيب الشرقي (1170هـ) وغيرهم.
وإذا حاولنا أن نعرف الكتب الأدبية التي كانت تدرس آنذاك فإنه يمكن القول اعتمادا على كتاب (نفحات الشباب)، وهو لمؤلف مجهول من القرن الثاني عشر للهجرة، إن الكتب التي كانت تدرس في سوس والجنوب المغربي هي:
«مقامات الحريري ومعلقات الشعرء الجاهليين وحماسة أبي تمام والحماسة المغربية وعددا وافرا من دواوين الشعراء كالمتنبي والبحتري وأبي تمام وجرير والفرزدق والأخطل وأبي نواس وبشار ومسلم بن الوليد» (3).
وأما في جامعة القرويين بفاس وغيرها من مناطق المغرب الوسطى والشمالية فيبدو أن الاهتمام كان منصبّا على المؤلفات الأدبية التي أنشئت في عصر الانحطاط والتي يطغى عليها السجع والمحسنات البديعية والتّكلّف. ولعل هذا هو
__________
(1) للتأكد من ذلك يكفي إلقاء نظرة على قائمة الكتب التي ألفت في هذا العصر والتي أوردها الأستاذ عبد الله گنون في كتابه النبوغ المغربي 1/ 320310
(2) محمد الفاسي في دعوة الحق يناير 1659ص 22.
(3) الحياة الأدبية في المغرب 150.(1/98)
السبب الذي دفع السلطان محمد بن عبد الله، الذي يعدّ من كبار العلماء في القرن الثاني عشر للهجرة إلى وضع برنامج دراسي لجامعة القرويين أوصى فيه بدراسة «سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم وكذا كتب النحو كالتسهيل والألفية والبيان بالإيضاح والمطول وكتب التصريف وديوان الشعراء الستة ومقامات الحريري والقاموس ولسان العرب، وأمثالهما مما يعين على فهم كلام العرب (1)».
من خلال النصين السابقين يتضح جانب من قيمة كتاب (الكوكب الثاقب) فقد حقق باعتماده على أمهات الكتب الأدبية القديمة (2)، وبترجمته لكثير من الشعراء القدماء والمحدثين ما كان يصبو إليه الناس في عصره من دراسة للكتب الأصيلة، ومن دراسة لشعر الشعراء القدماء والمحدثين.
وتتجلى قيمة الكتاب أيضا في أن صاحبه ألّفه بعد دراساته وقراءاته المتكررة لعدد كبير من المصادر الأدبية القديمة والقريبة من عصره، وقد امتدّت هذه الدراسة حسب قول المؤلف نفسه (3) من فترة الشباب إلى زمن الشيخوخة حيث أخذ يجمع ما سجله سابقا من معلومات وأخبار وتراجم ليؤلف منها كتابه هذا، فهو إذن جهد العمر كله.
وقد أمر السلطان محمد بن عبد الله، وهو العالم الذي عرف بتكليف العلماء المختصين بالتأليف في مادة اختصاصهم (4)، مؤلف (الكوكب الثاقب) «بتنقيح» كتاب الأغاني للأصفهاني و «تصحيحه» و «تجديد تبويبه»، كما مر معنا سابقا (5). ولا شك أنّ ذلك كان بعد اطلاعه على كتاب (الكوكب الثاقب)، وبعد أن رأى حسن اطّلاع المؤلف وجودة فهمه لكتاب الأغاني وحسن اختياراته منه.
__________
(1) المرجع السابق ص 272
(2) أنظر الكوكب الثاقب 65
(3) الكوكب الثاقب 4.
(4) أنظر الصفحة 1412من المقدمة.
(5) الصفحة 5514من هذه المقدمة(1/99)
وتبرز قيمة هذا الكتاب أيضا في أنه أهمّ كتاب ألّف في هذا العصر من حيث عدد الشعراء الذين ترجم لهم، وكذلك من حيث اتّساع الرقعة المكانية والزمانية التي ينتمي إليها هؤلاء الشعراء، فقد بدأ المؤلف بشعراء العصر الإسلامي في القرن الأول للهجرة ووقف عند ابن الخطيب في أواخر القرن الثامن الهجري، وهكذا ترجم لكثير من شعراء المشرق والأندلس والمغرب.
وهذا النوع من الكتب الذي يهتم بإيراد عدد كبير من تراجم الشعراء مع شمولها لأقطار متعددة في فترة زمنية طويلة، يعدّ قليلا جدّا في تاريخ التأليف في الأدب العربي قديما وحديثا.
وتبرز قيمة الكتاب أيضا في أن صاحبه لم يقتصر اهتمامه على الشعراء الكبار المشهورين، وإنما اهتّم أيضا بكثير من الشعراء المغمورين والمقلّين على عكس كثير من المؤلفين، ومن أمثلة ذلك:
الزانكي المعروف بالأخضر (ترجمة 24)
الصمة بن عبد الله القشيري (ترجمة 16)
ابن عبدل (ترجمة 7)
أبو العبر (ترجمة 41)
أبو العيناء (ترجمة 42)
منصور الفقيه (ترجمة 46)
وتتضح قيمة الكتاب أيضا في غزارة ما اشتمل عليه من نصوص شعرية ونثرية فقد تضمن أزيد من ثمان مئة وأربعة آلاف بيت (4800) فضلا عن أنصاف الأبيات، كما تضمن عددا وافرا من الأقوال والحكم والأمثال فضلا عن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وعددا لا بأس به من القطع النثرية الجيدة، ومن ذلك رسائل ابن القيسراني وابن الخطيب وابن أبي المطرف.(1/100)
ومن مزاياه أنه يورد قصائد ومقطوعات مختارة كثيرة ولا يكتفي بانتقائها من أمهات المصادر وكتب المجموعات الأدبية والمختارات وإنما يعود في كثير من الأحيان إلى دواوين الشعراء ليستقي منها ما يروقه، كما تدل على ذلك بعض الإشارات المتناثرة في كتابه (1).
ومما يرفع من قيمة الكتاب أنه تضمّن نصوصا نادرة من ذلك قصيدة ابن دريد المثلثة (2)، فقد تفرّد (الكوكب الثاقب) بإيرادها فهي ليست في ديوانه الذي حققه محمد بدر الدين العلوي، وقد عثر عليها عمر بن سالم في (الكوكب الثاقب) فأثبتها في تحقيقه لديوانه (3). كما تفرد بإيراد قسم كبير من قصيدة ابن شرف اللامية في الأمثال (4) وهكذا فإن (الكوكب الثاقب) تضمن نصوصا أصولها مفقودة أو في حكم المفقودة، كما تضمن ما يزيد على تسعين بيتا لا توجد في دواوين أصحابها، مما يكوّن مستدركا صغيرا على هذه الدواوين (5).
من كل ما سبق يتضح أن هذا الكتاب الذي حققناه ذو شأن، وذلك لأن بعض مصادره فقدت وضاعت، وبعضها الآخر لا زال مخطوطا، كما أنه تضمن نصوصا ليست في مصادرها، بالرغم من أن هذه المصادر مطبوعة (6) مما يدل على أنها طبعت ناقصة. ولكل ذلك كان تحقيق (الكوكب الثاقب) ونشره مفيدا في تحقيق كثير من الكتب التي تعدّ من مصادره، وقد عثرت في بعضها أثناء مقارنة النصوص على أخطاء كثيرة تستدعي إعادة النظر والتصحيح، ومن ذلك ما جاء في الوافي بالوفيات 4/ 343، فقد حرفت كلمة (صفديم) فأصبحت فيه (صفدثم)
__________
(1) أنظر مثلا إشارته إلى الواحدي وهو يقصد شرحه لديوان المتنبي انظر الصفحة 336، كما أشار إلى ديوانه في الصفحة 346، كما أشار إلى الصيب والجهام (ديوان ابن الخطيب) كثيرا من المرات. 644، 651، 652
(2) الكوكب الثاقب 314310.
(3) ديوان ابن دريد 2925 (تحقيق عمر بن سالم).
(4) الكوكب الثاقب 482479.
(5) أنظر هذا المستدرك في آخر هذه المقدمة.
(6) من ذلك الورقة لابن الجراح انظر الصفحة 156الحاشية 5من الكوكب الثاقب، وشرح المقامات للشريشي أنظر الصفحة 510الحاشية 9.(1/101)
وكلمة (الصفديم) فأصبحت (الصفد ثم) (1). كما أن محقق الوافي بالوفيات ترك بياضا في مواضع كثيرة، وبالرجوع إلى (الكوكب الثاقب) يمكن ملء ذلك البياض.
ومن ذلك ما جاء في ترجمة ابن القيسراني في الوافي بالوفيات 5/ 118فقد ذكر المحقق في الحاشية 5 «مطموس في الأصل» وبالرجوع إلى (الكوكب الثاقب) (2) نجد «وليس على فكري». ونجد الدكتور إحسان عباس في فوات الوفيات 4/ 280يجد بياضا في الأصل فيقترح كلمة (الحال) بينما الكلمة الصحيح موجودة في الكوكب الثاقب (3) وهي (العين). كما نجده يثبت بيتا في الصفحة نفسها (4/ 280) هكذا:
هذا هو الجزار، قال الذي ... قد كان قبل اليوم مرّاخا
وكلمة (مراخا) لا معنى لها في البيت وإنما الصحيح (سلاخا) كما في الكوكب الثاقب (4) وجاء في الوافي بالوفيات 6/ 346 «فأسره بعد أن [شرد] من معه» بينما العبارة الصحيحة في الكوكب الثاقب (5): «فأسره بعدان ومن معه» و (عدان) موضع، وقد أوقع سوء الفهم المحقق في الخلط فاضطرّ إلى إضافة كلمة (شرد) لعل المعنى يستقيم له.
وجاء في الأغاني 23/ 197في ترجمة أبي العبر «وكان شاعرا ترك الجد وعاد إلى الهزل» والصّحيح ما جاء في الكوكب الثاقب (6) نقلا عن الأغاني
«وعدل».
وجاء في الصيب والجهام 629بيت يتحدث فيه ابن الخطيب عن فعل العدو الصليبي بالمسلمين في الأندلس:
وكم من غادة بكر جلتها يد الجلا ... ولم تدر الإذاية قط أو سجفا
__________
(1) الكوكب الثاقب 298.
(2) الكوكب الثاقب 491.
(3) الكوكب الثاقب 595.
(4) الكوكب الثاقب 595.
(5) الكوكب الثاقب 332
(6) الكوكب الثاقب 291.(1/102)
والصحيح: إلّا داية (1)، والدّاية هي المربية والحاضنة. وقد وردت قصيدة ابن الأبار في رثاء الكلاعي في الإحاطة 4/ 309304والمرقبة العليا 122120وفيها ما يزيد على عشرة أخطاء فادحة، ويتضح ذلك إذا قورنت القصيدة فيهما بما في الكوكب الثاقب (2). وجاء في معجم الأدباء 16/ 265: ليست هذه من عمله لأنها لا تناسب فضائله ولا تشاكل ألفاظه» بينما الصحيح ما جاء في الكوكب الثاقب (3): «لا تناسب رسائله» فكلمة (فضائله) لا تناسب السياق. ونكتفي بهذه الأمثلة من الأخطاء التي يمكن إصلاحها اعتمادا على الكوكب الثاقب.
وتظهر قيمة الكتاب أيضا في أن صاحبه يحرص على البحث والتّقصّي والرجوع إلى المصادر المتنوعة ومن أمثلة ذلك أنه في بحثه عن ترجمة دبيس (4)
رجع إلى شروح المقامات الحريرية، وذلك لأن دبيسا ذكر في المقامات، ولكنه لم يظفر إلّا بما جاء في شرح الشريشي، فقال (4) «ولم يعرّف به أحد ممّن وقفنا عليه من شراحها». والسلوي في رجوعه إلى هذه المصادر يعمل فكره ويقارن بينها، ويصحّح ما يحتاج إلى تصحيح، ومن أمثلة ذلك أنه روى ثلاثة أبيات لابن دقيق العيد (5)
اعتمادا، على الوافي بالوفيات للصفدي ثم رجع إلى بهجة المجالس لابن عبد البر، فوجد أن هذه الأبيات تروى لمحمود الوراق فردّ على الصفدي، وصحّح رأي ابن عبد البر في بهجة المجالس لأنه توفي عام 463هـ أي «قبل وجود ابن دقيق العيد بأكثر من مئتي سنة فكيف يصح أن ينسب الأبيات إليه (5)، هكذا يورد السلوي ما يراه صحيحا بعد أن يقارن ويناقش مختلف الآراء، يقول عن قصيدة نسبت لمسلم بن الوليد (6): «هكذا نسبها الصفديّ وغيره لمسلم بن الوليد، وبعضهم ينسبها
__________
(1) الكوكب الثاقب 577.
(2) الكوكب الثاقب 578574.
(3) الكوكب الثاقب 499.
(4) الكوكب الثاقب 510.
(5) الكوكب الثاقب 614.
(6) الكوكب الثاقب 198197.(1/103)
لأبي محمد عبد الله بن أيوب التيمي مولاهم، وروايتها له أثبت، وهو الذي صحّحه صاحب الأغاني، وهو أعلم بهذا الشأن ولأيهما كانت». ويعرض السلوي رأيه، في تواضع العلماء، دون أن يجد حرجا في ترجيح رأي غيره إذا كان صوابا، يقول عن شروح المقامات الحريرية (1): «وشرحان للشريشي، لكن من أثبت مقدّم على من نفى». ومن أمثلة تحقيقه للأخبار إيراده خبرا عن توسّط عدي بن أرطاة لجرير عند عمر بن عبد العزيز (2) ثم علّق على الخبر بقوله (3): «هكذا ذكر الحكاية ابن شريف الرّنديّ في كتابه الوافي في نظم القوافي، والذي ذكره صاحب الأغاني
أن الذي دخل على عمر بن عبد العزيز فأذن لجرير هو عون بن عبد الله
وصاحب الأغاني أعلم من ابن شريف الرّندي بهذا الشأن، ومع هذا فالله أعلم بالمؤذن به أي الرجلين كان، والخطب في هذا أسهل» ويعود سبب ترجيح السلوي لرأي الأصفهاني أنه أقرب إلى عصر جرير، فقد توفي عام 356هـ بينما توفي ابن شريف الرندي عام 684هـ فضلا عن القرب المكاني فالأصفهاني أقرب إلى مسرح الأحداث من ابن شريف الرندي. ولا يعتمد السلوي على المقياس الزمني في ترجيح رأي على رأي بصفة مطلقة، وإلّا لكان قد رجح رأي المبرد في المثال الآتي، ترجيحا صريحا، يقول عن بيتين نسبا لأيمن ابن خريم (4): «كذا نسبهما أبو عمر بن عبد البر في بهجته (5) لأيمن بن خريم، ونسبهما المبرد في كامله (6) لأبي تمام فالله أعلم».
__________
(1) الكوكب الثاقب 501.
(2) الكوكب الثاقب 107.
(3) الكوكب الثاقب 110.
(4) الكوكب الثاقب 707706.
(5) بهجة المجالس 1/ 479.
(6) الكامل 3/ 398.(1/104)
والسلوي يحرص على أن يضبط معلوماته ويدقّقها، ولذلك كان يراجع ما يكتب ويمحّصه وينقّحه ويصححه ويحذف ما يراه غير صحيح، ويضيف إليه ما يراه مفيدا أو ضروريا، ومن أمثلة ذلك الزيادات التي جاءت في النسخة الأصلية، وما نقل عنها من نسخ تونس، وليست في النسختين الموجودتين في المغرب (ج د)، وقد أشرنا إلى هذه الزيادات في حواشي التحقيق، ومن أمثلة ذلك ما حذفه المؤلف، وشطب عليه بعد أن أثبته في نسخته الأصلية، في آخر ترجمة ابن رشيق السبتي (1): «وفي الديباج المذهب لابن فرحون ما يخالفه، فإنه قال فيه الحسن بن عتيق بن الحسن ابن رشيق المنعوت بالجمال، كنيته أبو علي ابن أبي الفضائل»
ويقول في الأخير (1): «ولا يخفى ما بين كلامه وكلام ابن الخطيب الذي نقله صاحب الجذوة من الاختلاف الشديد الذي لا يقبل التأويل بحال، حتى لو قيل إنّ المذكور في كلام هذا غير المذكور في كلام ذاك ما بعد، بل لا شك أنّه غيره والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال».
يعدّ (الكوكب الثاقب) مثالا جيّدا للكتب الأدبية التي ألّفت في عصره فإذا نظرنا إلى الباب الثاني منه خاصة واعتبرناه كتاب تراجم للشعراء فإن من أبرز الكتب المغربية المؤلفة في عصره والمشابهة له كتاب (الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب) لأبي عبد الله محمد بن الطيب العلمي (2) (1134هـ) وكتاب (الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب) لأبي عبد الله محمد بن الطيب الشرقي (3) (1170هـ)، وقد ترجم العلمي في كتابه لاثني عشر أديبا من معاصريه، وأما كتاب الشرقي فهو مفقود لكننا نستطيع أن نستشف موضوعه من خلال عنوانه وإذا كان هذان الكتابات يتميزان بالترجمة للمعاصرين والاقتصار على
__________
(1) أنظر الصفحة 210من نسخة أ (في الملحق صورة لها).
(2) سبق التعريف به في الصفحة 44 (المقدمة).
(3) سبق التعريف به في الصفحة 4241 (المقدمة).(1/105)
عدد محدود من الشعراء والأدباء ممن التقى بهم العلمي والشرقي، فإن صاحبنا السلوي قد ترجم في (الكوكب الثاقب) لعدد كبير من الشعراء على امتداد ثمانية قرون، وهم جميعا من غير المعاصرين له، كما أنهم ينتمون إلى مناطق واسعة: من المشرق والمغرب والأندلس.
وإذا أخذنا مثالا من الكتب المشرقية المؤلفة في هذه الفترة وهو (شمامة العنبر والزهر المعنبر) لمحمد مصطفى الغلامي (1186هـ) الذي ألفه في عام 1168هـ فإننا نجده قد ترجم لخمسين شاعرا وأديبا من المعاصرين (القرن الثاني عشر للهجرة) وهم جميعا من المشرق العربي: أربعون من الموصل وستة من بغداد وثلاثة من حلب وواحد من بيت المقدس (1).
وإذا ما غضضنا الطرف عن الباب الأول والباب الثاني من (الكوكب الثاقب) ونظرنا إلى باقي الأبواب فإنه يمكن اعتباره من كتب المحاضرات أو (المتنوعات الأدبية) حسب تعبير د. محمد الأخضر (2) ويمكن تبعا لذلك وضعه بإزاء بعض الكتب التي ألّفت في هذه الفترة في المغرب من أمثال (أنس السمير في وقائع الفرزدق وجرير) لعلي مصباح الزرويلي (بعد 1150هـ) و (مجموع الظرف وجامع الطرف) لأبي مدين الفاسي (1181هـ)، فبالرغم من أن كتاب الزرويلي مخصّص للفرزدق وجرير فإنه ضم مجموعة من الأخبار والنوادر والأشعار والاستطرادات الأدبية المفيدة (3). وأما كتاب أبي مدين الفاسي فهو يشبه (الكوكب الثاقب) في احتفاله بالحكايات والنوادر الغريبة والقصص الطريفة ويشبهه أيضا في بعض أبوابه من ذلك الأبواب الآتية (4):
__________
(1) شمامة العنبر 26 (المقدمة)
(2) الحياة الأدبية 82.
(3) الحياة الأدبية 224221.
(4) الحياة الأدبية 293.(1/106)
الباب الأول في أخبار الأمراء والرؤساء والكبراء وهو يقابل في الكوكب الثاقب الباب الثامن والتاسع في ذكر ملوك بني أمية وخلفاء بني العباس
الباب الثاني في الإقدام وفضله والجبن المزري بأهله وهو يقابل في الكوكب الثاقب الباب الرابع في الشجاعة والجبن
الباب الثالث في الجود والإنفاق والحلم الممدوح وهو يقابل في الكوكب الثاقب الباب الخامس في الجود والسخاء والباب السابع في السفه والحلم
ومن خلال ما تقدم يتبين أن الكوكب الثاقب يعد مثالا جيّدا للكتب الأدبية التي ألّفت في عصره في المغرب.
إن قيمة (الكوكب الثاقب) تظهر أكثر إذا تصورنا الجمود الذي كان سائدا في وقت تأليفه لقد ارتبط التأليف عامة في هذه الفترة بكثرة الشروح والحواشي والتعليقات وشروح الشروح وحواشي الحواشي وتعليقات على التعليقات. وهكذا قلّ الإبداع في التأليف، ويكفي أن نلقي نظرة على قوائم الكتب التي ألّفت في هذه الفترة (1)، لتبين ذلك بوضوح. كما تبرز قيمته في أنه جمع بين نوعين من التأليف لهما أهميتهما الكبيرة في مجال الأدب، وهما:
__________
(1) أنظر النبوغ المغربي 1/ 320310.(1/107)
1) التأريخ الأدبي:
إن مقدمة الكتاب وبابيه الأول والثاني تعدّان ألصق بالأدب الخالص، على أن الباب الثاني، الذي يأخذ من الكتاب ثلثيه تقريبا، أدخل في تاريخ الأدب، فهو يهتم بالتأريخ لطبقات الشعراء، وقد ترجم المؤلف فيه لتسعة وعشرين ومئة شاعر معتمدا فيه على الترتيب الزمني بادئا من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومنتهيا بآخر القرن الثامن الهجري. وهذا الباب صالح لأن يكون كتابا بذاته أشبه بكتاب طبقات الشعراء لابن المعتز وكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة وكتاب الأغاني للأصبهاني في الترجمة لعدد كبير من الشعراء وإيراد بعض أخبارهم وأشعارهم.
2) أدب المحاضرات:
ويظهر في باقي أبواب الكتاب: الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والخاتمة. وهذه الأبواب برغم كثرتها العددية لا تكوّن من حجم الكتاب سوى الثلث تقريبا، ومواضيعها أشبه بمواضيع كتب المحاضرات العامة من مثل عيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكامل للمبرد، وبهجة المجالس لابن عبد البر وسراج الملوك للطرطوشي وريّ الأوام ومرعى السّوام للزجالي والمستطرف للإبشيهي والمحاضرات لليوسي وغيرها من كتب المحاضرات في الأدب العربي التي تعتبر أن الأدب هو الأخذ من كلّ فنّ بطرف.
وتبرز أيضا قيمة الكتاب في أن مؤلفه مزج في كتابه بين جانبين ضرورين للحياة الإنسانية وهما الجدّ والهزل، فقد قدم مادة علمية تتصل بكل معارف العرب الأدبية والتاريخية والحضارية والدينية وغيرها ومزجها بالنوادر والطرائف والأخبار الشّيّقة، والحكايات العجيبة، والأشعار المستعذبة وبكلّ ما يستلذّ سماعه من الحكم والأقوال.(1/108)
وإذا كان الاتجاه الغالب في عصره يميل إلى الفقه والدين والتصوف حتى اكتست معظم الآثار المؤلّفة في هذا العصر بطابع ديني صوفي (1)، فإن السلوي بكتابه (الكوكب الثاقب) كان أميل إلى الأدب، وبذلك عبّر عن الاتجاه الآخر الذي كان صوته خافتا في وقت كانت السيادة فيه للدين والتصوف والفقه.
وقد أشاد الأستاذ الشيخ محمد الشاذلي النيفر بهذا المؤلف فقال: يعدّ هذا الكتاب الضخم إحياء للتراث الأدبي من أصوله المعتمدة في المدرسة الإسلامية أيام ازدهارها كما يعدّ الباب الثاني خطوة في تاريخ الآداب العربية الإسلامية لا في حدوده الإقليمية الضيّقة» (2) ويقول عن السلوي: «وأكاد أجزم بأن سعة اطلاعه ليس لها نظير في عصره، فيما وقفت عليه من فوائده، وفوائد غيره
ويبدو أنه حمل معه مكتبة من المغرب نفيسة بعضها بخطه وبعضها من منتقياته» (3)، ولذلك عدّه الأستاذ محمد الشاذلي النيفر: خير تقدمة تقدّمت بها جامعة القرويين إلى تونس» (4)، وقد أرجع خمول ذكره إلى الفتنة التي اجتاحت تونس أواخر عهد علي باشا باي الأول، وأعقبت موته «ولولا التنازع على الملك بين أفراد العائلة الحسنية لكان لهذا الوافد صدّى (5).
__________
(1) الحياة الأدبية 281.
(2) مساهمة القرويين 225.
(3) المصدر نفسه
(4) مساهمة القرويين 226.
(5) مساهمة القرويين 226.(1/109)
الخاتمة
اختيار الكتاب للتحقيق والاجتهاد في جمع نسخه المخطوطة
إن أول صعوبة تتمثل في البحث عن مخطوط يستحق أن يحقّق ويستجيب لشروط البحث الجامعي من أجل إعداد دبلوم الدراسات العليا. ولقد كنت أنوي بعد حصولي على شهادة استكمال الدروس في دورة 1980أن أسجل موضوعا للبحث في الشعر الجاهلي والإسلامي، ولكن أستاذي الجليل الدكتور عزة حسن نصحني بأهمية التحقيق في هذه المرحلة في تكوين الطالب ومعرفته للمكتبة العربية، وإن كتابة البحث تأتي بعد إعداد دبلوم الدراسات العليا حين إعداد الدكتوراه، وقد اقتنعت بهذا التوجيه الصائب، وأخذت أتردّد على الخزانة الحسنية وعلى قسم الوثائق بالخزانة العامة بالرباط، بحثا عن مخطوط جدير بالتحقيق، وقد طالت هذه المرحلة سنة تقريبا، وأخيرا عرضت على أستاذي الجليل تحقيق كتاب (الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب) لعبد القادر بن عبد الرحمن السلوي (ق 12هـ) وبعد أن عاين الكتاب وفحصه في الخزانة الحسنية وافق على تحقيقه، فسجلت الموضوع بكلية الآداب بالرباط بتاريخ 10/ 11/ 1981، فإلى أستاذي يعود الفضل في اختيار تحقيق هذا الكتاب.
وبدأت مرحلة البحث عن النسخ من الكتاب في فهارس الخزانات المغربية والمشرقية وغيرها، وسؤال ذوي الاختصاص والمعرفة بالمخطوطات، وعلى رأسهم أستاذنا الجليل الشيخ محمد المنوني، فقدم لي جزاه الله كلّ ما يعرف عن مخطوطات الكتاب، ومنها مخطوطة دار الكتب المصرية بالقاهرة رقم 4845أدب»(1/110)
وأطلعني مشكورا على ما كتبه حول المؤلف وكتابه، وأخبرني بوجود مخطوطتين من الكتاب بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقمي 3361، 2968.
وكتبت إلى دار الكتب المصرية مباشرة أولا، ثم كتبت إليها ثانية عن طريق الملحق الثقافي بالمركز الثقافي المصري بالرباط، كما كتبت إلى دار الكتب الوطنية بتونس، فأما إدارة دارة الكتب المصرية فقد صمّت آذانها عن سماع نداءاتي المتكررة، والجواب على رسائلي المتعددة. وأمّا إدارة دار الكتب الوطنية بتونس فسرعان ما لبّت طلبي وأبدت استعدادها لتصوير المخطوطتين وحدّدت واجبات التصوير على الميكروفيلم.
وفي أثناء ذلك عثرت عند أحد الأصدقاء، وهو الأستاذ أحماد أبو زيد على صورة من مخطوطة الكتاب ففرحت بها فرحا كبيرا، لكن فرحي سرعان ما قلّ بعد أن تبين لي أنها مبتورة من آخرها بحوالي نصف الكتاب تقريبا، وقد صورت نسخة الخزانة الحسنية، فخرج تصويرها رديئا جدّا مما أتعبني كثيرا أثناء نسخ الكتاب.
ثم قرأت بحث الأستاذ الشيخ محمد الشاذلي النيفر عميد الكلية الزيتونية للشريعة في جريدة العمل التونسية بتاريخ 2/ 8/ 1968حول المؤلف وكتابه (الكوكب الثاقب) وعلمت منه أنه رأى نسخة المؤلف المكتوبة بخطه عند أحد أحفاد المؤلف بتونس، فبادرت بالكتابة إلى الشيخ الأستاذ محمد الشاذلي طالبا منه أن يمدني بعنوان هذا الحفيد، لكنني لم أتلقّ منه أي جواب. فواضبت على مكاتبته مستعينا بتوصية من صديقه الأستاذ العالم الشيخ محمد المنوني، ولكن دون جدوى.
واستمرّت المراسلة والانتظار من جهتي لمدة سنتين تقريبا.
وأخيرا قرّ عزمي على السفر إلى تونس في صيف 1983فزودني الأستاذ العالم الشيخ محمد المنوني بتوصية لصديقه الشيخ محمد الشاذلي النيفر وسافرت يوم 14/ 7/ 1983، واتصلت به فاستقبلني بترحاب كبير، ما كنت أظن أنني سألقاه منه
بعد ما عانيته من إهمال رسائلي، ووعدني بالمساعدة وإمدادي بعنوان الحفيد المطلوب على أن أرجع إليه بعد أسبوع لأتغذّى معه ويعطيني العنوان.(1/111)
وأخيرا قرّ عزمي على السفر إلى تونس في صيف 1983فزودني الأستاذ العالم الشيخ محمد المنوني بتوصية لصديقه الشيخ محمد الشاذلي النيفر وسافرت يوم 14/ 7/ 1983، واتصلت به فاستقبلني بترحاب كبير، ما كنت أظن أنني سألقاه منه
بعد ما عانيته من إهمال رسائلي، ووعدني بالمساعدة وإمدادي بعنوان الحفيد المطلوب على أن أرجع إليه بعد أسبوع لأتغذّى معه ويعطيني العنوان.
وأخذت أتردد يوميا على دار الكتب الوطنية بتونس، وأفحص مخطوطاتها فعثرت فيها على نسخة جديدة من الكتاب غير النسختين المعروفتين وهي تحمل الرقم 18429كما اطّلعت على مختصرين من الكتاب كان الأستاذ أحمد يزن قد أخبرني بوجودهما في هذه الدار، كما عثرت على بعض منتسخات المؤلف (1).
وعندما حلّ الموعد ذهبت إلى الأستاذ الشاذلي النيفر فاستقبلني بترحابه المعهود ومودّته الظاهرة، ولكنّه بقدر ما كان جوادا كريما بطعامه كان بخيلا بما عدا ذلك، فلم يعطني عنوان الحفيد، وإنّما وعدني بذلك بعد أسبوع آخر، وصبرت على مضض، وبعد نهاية الأسبوع الثاني كان جوابه لا يختلف عن كلامه السابق.
وعندها أدركت أنني أجري وراء سراب.
قررت أن اتّكل على الله ثم أعتمد على نفسي في البحث عن الحفيد، فأخذت أسأل الناس الذين أتوسم فيهم الخير والمعرفة، ومنهم صاحب إحدى المكتبات، فأخبرني أن أسرة ابن غشام، التي تنتسب إلى المؤلف كثيرة العدد، وأراني دليل الهاتف فوجدت أن عدد المشتركين من هذه الأسرة في شبكة الهاتف حوالي عشرين مشتركا فسجلت أسماءهم وأرقامهم وفيهم الأطباء والمهندسون والخبراء والصيادلة وأخذت أقضي الساعات الطوال في مخادع الهاتف الضيقة، والحرارة في تونس آنذاك حوالي 45، 48درجة مئوية في الظل، والهواء خانق.
وكانت نتيجة هذه المكالمات في البداية سلبية ومخيّبة للآمال، ولكنني لم أيأس، واستمرّت المكالمات أياما ليلا ونهارا، نظرا لأن كثيرا من أهل تونس في الصيف يهجرون العاصمة إلى الشواطئ والجبال نهارا ويعودون مساء. واستمرّ هذا البحث بالهاتف قبل أن أتلقّى أول بارقة أمل من أحد الصيادلة الذي أعانني على العثور على الحفيد الذي يملك المخطوطة الأم. وقد أخبرني هذا الحفيد واسمه توفيق غشام،
وهو مهندس، أن جدّه، وهو أحد أحفاد المؤلف عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، ائتمنه على المخطوطة قبل وفاته، بعد أن لمس فيه حبّه للكتب وعنايته بها، وفضّله على كثير من أبنائه وأحفاده الآخرين، وأخبره أن هذا كتاب جده الأكبر الذي جاء من سلا من المغرب، وقد سرّ هذا الحفيد بسؤالي عن جده وكتابه، وشعر بالاعتزاز، وأبدى استعداده وأريحيته لمساعدتي على تصوير الكتاب، فصورته على الآلة الناسخة. ويجدر بي هنا أن أزجي إليه الشّكر وأنوّه بأريحيته والخدمة الجلى التي قدّمها لي جزاه الله خيرا عن العلم وأهله.(1/112)
وكانت نتيجة هذه المكالمات في البداية سلبية ومخيّبة للآمال، ولكنني لم أيأس، واستمرّت المكالمات أياما ليلا ونهارا، نظرا لأن كثيرا من أهل تونس في الصيف يهجرون العاصمة إلى الشواطئ والجبال نهارا ويعودون مساء. واستمرّ هذا البحث بالهاتف قبل أن أتلقّى أول بارقة أمل من أحد الصيادلة الذي أعانني على العثور على الحفيد الذي يملك المخطوطة الأم. وقد أخبرني هذا الحفيد واسمه توفيق غشام،
وهو مهندس، أن جدّه، وهو أحد أحفاد المؤلف عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، ائتمنه على المخطوطة قبل وفاته، بعد أن لمس فيه حبّه للكتب وعنايته بها، وفضّله على كثير من أبنائه وأحفاده الآخرين، وأخبره أن هذا كتاب جده الأكبر الذي جاء من سلا من المغرب، وقد سرّ هذا الحفيد بسؤالي عن جده وكتابه، وشعر بالاعتزاز، وأبدى استعداده وأريحيته لمساعدتي على تصوير الكتاب، فصورته على الآلة الناسخة. ويجدر بي هنا أن أزجي إليه الشّكر وأنوّه بأريحيته والخدمة الجلى التي قدّمها لي جزاه الله خيرا عن العلم وأهله.
ثم صورت النسخة المحفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 3361على الميكروفيلم، ورجعت إلى النسختين الباقيتين من أجل حل بعض المشاكل في المتن.
وقد اتّصلت بعد ذلك بالأستاذ محمد الشاذلي النيفر، وأخبرته بحصولي على المخطوطة الأم فأبدى اندهاشه، وقد رجوته أن يسمح لي بتصوير نسخته الخاصة من الكتاب، فوعدني بتصويرها وإرسالها بعد مدة قريبة، ولكنه لم يرسلها إلّا بعد سنتين تقريبا، وبعد أن كدت أنهي عملي، وذلك على يد الأستاذ العالم محمد المنوني، فجزاه الله خيرا.
الصعوبات التي واجهتني في تحقيق الكتاب
أولى الصعوبات التي اعترضتني في تصحيح النصّ كثرة الأخطاء في النسخ المخطوطة التي لم تخل منها حتى نسخة المؤلف نفسها، وصعوبة قراءة النص في كثير من المواضع، وخاصة عندما تكتب بعض التراجم أو الزيادات في النسخة الأصلية في الحواشي والهوامش وبخط دقيق جدّا يجعلها لا تظهر بوضوح في الصورة، ومن الصعوبات كذلك كتابة الأشعار أحيانا كما يكتب النّثر وتداخلها مع كلام المؤلف.(1/113)
ومن الصعوبات التي اعترضتني في التحقيق، صعوبة التّعرّف على بعض الأعلام، وذلك لأن المؤلف في كثير من الأحيان لا يذكر الإسم كاملا، وإنّما يكتفي بذكر الكنية أو اللقب أو اسم الأب مثل: (أبو البقاء)، و (المسعودي) و (ابن الأنباري)، مع العلم أن هناك العشرات، إن لم يكن أكثر، ممّن كان يدعى بهذه الكنية أو بذلك اللقب إلخ وقد استطعت أن أتعرّف على كثير من هذه الأعلام بعد بحث وعناء كبيرين وبعضهم لم أستطع لحدّ الآن أن أتعرّف عليه برغم طول البحث في المظان، ومن ذلك:
أبو عبد الله ابن السقاط، وابن الواسطي الحلبي، وأبو الهمداني وأبو الكرم الكرابيسي، وأبو علي ابن المتوكل.
ومن الصعوبات أيضا كثرة إحالات المؤلف على مصادر لا يحدّدها بدقة، ثم صعوبة العثور عليها في المكتبات والخزانات العمومية، وبعضها غير موجود في المغرب، مثل بعض أجزاء الوافي بالوفيات للصفدي، فقد طبع منه أزيد من 22 مجلدا، وبقي منه حوالي 8مجلدات مخطوطة، ولكن لم يصل للمغرب من المطبوع سوى 17مجلدا، لكن المجلد 13لم يصل (1). وبعض هذه المصادر غير محقق تحقيقا علميا، وليس فيه فهارس فنية تساعد على البحث عن علم أو بيت من الشعر أو قول أو خبر، ومن ثمّ كنت مضطرّا أن أقرأ فيها طويلا كي أظفر بطلبتي (2)
وأحيانا لا أظفر بشيء، وقد أظفر أحيانا بأشياء مطلوبة لدي ما كنت أتوقّع أن أجدها في هذا المصدر أو ذاك.
__________
(1) هذا بالسبة للفترة التي اشتغلت فيها بهذا البحث (198881)
(2) من ذلك كتاب الفصول والغايات لأبي العلاء المعري، لقد قرأت فيه طويلا قبل العثور على جملة أبحث عنها. أنظر الكوكب الثاقب الصفحة 131الحاشية 2.(1/114)
وبعض هذه المصادر لا زال مخطوطا ممّا كان يتطلّب وقتا طويلا لقراءته حتى يمكن العثور على طلبتي، ومن ذلك كتاب التعريف والإعلام بما أنبهم في القرآن من الأسماء والأعلام لأبي القاسم السهيلي (1)، وكتاب القول المأنوس بتحرير ما في القاموس (2)، وريّ الأوام ومرعى السّوام (3) وكذلك بعض الأجزاء الأخيرة من الوافي بالوفيات للصفدي وخاصة الجزأين 26، 27وهما مصوّران على الميكروفيلم في قسم الوثائق بالخزانة العامة بالرباط، حيث كنت أتردّد عليها لأقرأهما بواسطة (قارئة) رديئة جدا، لا تساعد على قراءة الميكروفيلم بسهولة.
كما اعترضتني صعوبات أخرى متعلقة بالعثور على بعض الدواوين غير المتوفرة في المكتبات والخزانات وبعض هذه الدواوين غير كامل، من أمثلة ذلك ديوان ابن الرومي، فقد عثرت على الأجزاء الأربعة الأولى منه فقط، وبعد مدة من البحث عثرت على الجزء الخامس في خزانة أخرى، وبقيت لي أبيات تحتاج إلى تخريجها من الجزء السادس الذي لم أعثر عليه إلا أخيرا عندما شاءت الأقدار أن أذهب إلى الكويت في إعارة في السنة الماضية (19871986) حيث عثرت عليه في معهد المخطوطات وكذلك ديوان الشريف المرتضى، فقد عثرت على جزء منه بخزانة كلية الآداب بفاس، ولم يتح لي إكمال تخريج أشعار الشاعر إلّا بعد أن اشترى لي أحد الأصدقاء ديوانه الكامل في ثلاثة أجزاء من مصر، وكذلك الشأن بالنسبة لديوان ابن صيفي أبي الفوارس (حيص بيص)، فقد وجدت الجزء الثاني في أكثر من خزانة، ولكن الجزء الأول لم أعثر عليه إلا في دار الكتب الوطنية بتونس.
__________
(1) مخطوط بالخزانة العامة رقم 1963د.
(2) مخطوط بالخزانة الحسنية رقم 7986وانظر الكوكب الثاقب 387.
(3) مخطوط بالخزانة العامة رقم 985د.(1/115)
ومن الصعوبات التي واجهتني كثرة المستغلقات التي تتطلب الشرح والتوضيح بالرجوع إلى كتب مختلفة ومتنوعة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ وأيام العرب وأسماء الخيل والأمثال والحكم والأدب والنقد والبلاغة والعروض والفلسفة والمذاهب والفرق وعلم الفلك والتنجيم وغير ذلك.
وقد عانيت من تخريج الأحاديث، وذلك لكثرتها أوّلا ولصعوبة العثور عليها في المظان، ولتوزّعها بين مصادر كثيرة وغير مفهرسة، ولكون بعض كتب الحديث لا تورد الحديث كاملا وإنّما تقتصر منه على ما يخص بابا معينا، وهكذا يتوزّع الحديث الواحد على عدة أبواب متفرقة. ومن الأحاديث التي أخذت مني وقتا طويلا في البحث الحديث الذي أشير إليه في الكتاب ب (حديث الصادق المصدوق) (1)، ولم أتمكّن من العثور عليه إلّا أخيرا، على خلاف الحديث الذي أشير إليه ب (حديث فدك) (2) الذي وضعه أبو العيناء والجاحظ، فبرغم البحث وسؤال ذوي الاختصاص لم أظفر بشيء والغالب أن هذا الحديث أهمله العلماء ولم يذكروه، وممّا يدل على ذلك ما عثرت عليه في كتاب لسان الميزان (4/ 356) لابن حجر العسقلاني من قوله: «قلت: ما علمت ما أراد بحديث فدك». وهذا يبين أن علماء الحديث أنفسهم لم يعرفوا هذا الحديث.
ومن المشكلات العويصة التي واجهتني ولم أجد لها حلا لحد الآن بالرغم من رجوعي إلى عدد من كتب علم الفك، مشكلة المقصود بإعطاء المريخ في التثليث، وسلبه في التربيع ما أعطى، في قول أبي الفتح البستي (3):
فقد تدني الملوك لدى رضاها ... وتبعد حين تحتقد احتقادا
__________
(1) الكوكب الثاقب 934933.
(2) الكوكب الثاقب 295.
(3) الكوكب الثاقب 419.(1/116)
كما المريخ في التّثليث يعطي ... وفي التّربيع يسلب ما أفادا
وأما المشكلة الكبرى التي واجهتني فهي تخريج الأشعار ونسبة غير المنسوب منها، ذلك أن الكتاب يضم قدرا كبيرا من الأشعار تزيد على ثمان مئة وأربعة آلاف بيت (4800) ومنها اثنان وستون ومئتا بيت (262) غير منسوب، استطعت أن أنسب منها تسعة وثلاثين ومئة بيت (139) وبقي ثلاثة وعشرون ومئة بيت (123) غير منسوب، وقد خرجت كل الأبيات (4800)، ولم يبق دون تخريج سوى عشرين بيتا (20). وقد ضم الكوكب الثاقب قدرا من الشعر لم يرد في دواوين أصحابه (1)
مما يكوّن ملحقا لهذه الدواوين.
__________
(1) يقدر بحوالي تسعين بيتا وقد جمعنا هذا الشعر في الملحق الذي وضعناه في آخر هذه المقدمة.(1/117)
وصف المخطوطات المعتمدة في التحقيق
اعتمدت في تحقيق الكتاب على خمس نسخ خطية له، تتفاوت قيمتها وصحّتها، وقد رتبتها، كما يلي حسب صحتها وأهميتها:
أنسخة المؤلف المكتوبة بخطه.
ب نسخة دار الكتب الوطنية بتونس المحفوظة تحت رقم 3361.
ج نسخة الخزانة الحسنية بالرباط المحفوظة تحت رقم 925.
د نسخة خاصة لدى الأستاذ عبد السلام الخالدي بأگادير.
ش نسخة الأستاذ محمد الشاذلي النيفر عميد الكلية الزيتونية سابقا.
وقد استعنت بنسختين خطيتين أخريين في دار الكتب الوطنية بتونس، محفوظتين تحت رقمي 2968، 18429، ورمزت إليهما ب (هـ، و)، وكذلك استعنت بكتاب إدراك الأماني من كتاب الأغاني للمؤلف الذي نقل إليه معظم التراجم التي أوردها في الكوكب الثاقب نقلا حرفيا، وخاصة التراجم التي لم ترد في كتاب الأغاني للأصفهاني، وهذا الكتاب يضم (25) مجلدا فقد منه المجلد (18) وهو بالخزانة الحسنية تحت رقم 2706.
(1) النسخة أ
هي نسخة المؤلف مكتوبة بخط يده، وتوجد عند حفيده المهندس توفيق بن غشام الساكن بتونس العاصمة، وهي في تسع وثلاثمائة ورقة، مقاس المكتوب منها 15* 5، 9سم، وفي كل صفحة عشرون سطرا. كتبت عام 1176هـ، وتتميز بأن فيها زيادات مكتوبة في الحواشي والهوامش وبين الأسطر، وكلها بخط المؤلف، وبعض هذه الزيادات ترد في جملة أو جملتين، وبعضها في سطر أو عدة أسطر، مما
يدل على أن المؤلف كان يراجع كتابه من حين لآخر فيضيف ما يراه ضروريا لإتمام الفائدة، وكثير من هذه الإضافات لا توجد في النسختين (ج د) المغربيتين، بينما يوجد قسم منها في نسخ تونس (ب ش هـ و) مما يدل على أن نسختي المغرب نقلتا عن الأصل أو من نسخة منقولة عن الأصل، قبل أن يضيف إليه المؤلف ما أضاف مثل ما حصل في ترجمة كثيّر وغيرها. ونجد أحيانا خبرا في نسختي المغرب، ولا نجد له أثرا في نسخ تونس، وعندما نبحث عنه في نسخة المؤلف نجده قد شطب عليه، مما يعني أن نسختي المغرب نقلتا عن الأصل قبل أن يراجع المؤلف كتابه ويشطّب على ما لا يروقه بينما نسخ تونس نقلت عن الأصل بعد ذلك ومن أمثلة ذلك ترجمة الشعبي (1) فقد وردت في (ج) وشطب عليها في (أ) ولم ترد في (ب ش هـ و).(1/118)
هي نسخة المؤلف مكتوبة بخط يده، وتوجد عند حفيده المهندس توفيق بن غشام الساكن بتونس العاصمة، وهي في تسع وثلاثمائة ورقة، مقاس المكتوب منها 15* 5، 9سم، وفي كل صفحة عشرون سطرا. كتبت عام 1176هـ، وتتميز بأن فيها زيادات مكتوبة في الحواشي والهوامش وبين الأسطر، وكلها بخط المؤلف، وبعض هذه الزيادات ترد في جملة أو جملتين، وبعضها في سطر أو عدة أسطر، مما
يدل على أن المؤلف كان يراجع كتابه من حين لآخر فيضيف ما يراه ضروريا لإتمام الفائدة، وكثير من هذه الإضافات لا توجد في النسختين (ج د) المغربيتين، بينما يوجد قسم منها في نسخ تونس (ب ش هـ و) مما يدل على أن نسختي المغرب نقلتا عن الأصل أو من نسخة منقولة عن الأصل، قبل أن يضيف إليه المؤلف ما أضاف مثل ما حصل في ترجمة كثيّر وغيرها. ونجد أحيانا خبرا في نسختي المغرب، ولا نجد له أثرا في نسخ تونس، وعندما نبحث عنه في نسخة المؤلف نجده قد شطب عليه، مما يعني أن نسختي المغرب نقلتا عن الأصل قبل أن يراجع المؤلف كتابه ويشطّب على ما لا يروقه بينما نسخ تونس نقلت عن الأصل بعد ذلك ومن أمثلة ذلك ترجمة الشعبي (1) فقد وردت في (ج) وشطب عليها في (أ) ولم ترد في (ب ش هـ و).
والمؤلف يكتب أحيانا ترجمة كاملة في الهامش والحواشي مثل ما فعل في ترجمة والبة بن الحباب، وترجمة الزانكي، وترجمة القاضي يحيى بن أكثم.
وخط هذه النسخة مغربي واضح ليس فيه ألوان ولا تنميق. وهي النسخة التي اعتمدناها أصلا في تحقيق الكتاب.
(2) النسخة ب:
وهي نسخة محفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 3361في خمس وعشرين ومائتي ورقة (225) مقاسها 5، 2128سم ومقاس المكتوب منها 521، 12سم، في كل صفحة 27سطرا، وقد تم نسخها في أواخر جمادي الآخرة عام 1180كما جاء في آخرها، ولم يذكر اسم ناسخها. وتتميز هذه النسخة بوضوح خطها المغربي، وقلة الحواشي والتعاليق، وهي قليلة الأخطاء ملونة العناوين، مذهبة، وكتبت الفواصل فيها بالأحمر والأزرق وكذلك أسماء الشعراء المترجم لهم في الكتاب.
__________
(1) الكوكب الثاقب 883الحاشية 3.(1/119)
(3) النسخة ج:
وهي النسخة المحفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 925في ست عشرة ومائتي ورقة (216) مقاس المكتوب منها 5، 519، 12سم، في كل صفحة 27سطرا، وقد تم نسخها عام 1209هـ على يد العياشي بن عبد الله الملاقي وأولها محلّى بالذهب، وهي بخط مغربي لا بأس به، استعملت فيه الألوان، فيها حواش وتعاليق وتصحيحات وروايات مختلفة لبعض الكلمات أو العبارات في الأشعار، وأغلب هذه الحواشي تضم شروحا لبعض الألفاظ أو ضبطا للأعلام أو إضافات لها علاقة بالترجمة أو الموضوع مأخوذة في كثير من الأحيان من القاموس المحيط ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومكتوبة بخط مخالف لخط المتن، وهذا يعني أن أحد القراء هو الذي كتبها.
(4) النسخة د:
وهي نسخة خاصة في ملك الأستاذ عبد السلام الخالدي بأگادير، تقدم بها عام 1976م لنيل جائزة الحسن الثاني للمخطوطات. وهي مبتورة من الأخير، ضاع منها أكثر من النصف بقليل، وهي في ست وتسعين ورقة (96)، مقاس المكتوب منها 5، 515، 11في كل صفحة 26سطرا، ولا يعرف تاريخ نسخها ولا يعرف تاريخ نسخها ولا ناسخها. وتتميز بكثرة أخطائها، وخطها مغربي واضح.
(5) النسخة ش:
وهي نسخة الأستاذ محمد الشاذلي النيفر عميد الكلية الزيتونية للشريعة سابقا، وهي في خمس وثمانين ومائتي ورقة (285)، مقاس المكتوب منها 5، 515، 9سم، في كل صفحة 25سطرا، وقد تم نسخها عام 1276هـ، ولم يذكر اسم ناسخها وخطها مغربي واضح.(1/120)
(6) النسخة هـ:
وهي نسخة محفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 2968في خمس وسبعين ومائتي ورقة (275) مقاسها 1621، ومقاس المكتوب منها 1017في كل صفحة 25سطرا، تم نسخها في آخر جمادى عام 1274هـ على يد ناسخها حمودة ابن محمد النوري. خطّها مغربي واضح جميل، كتبت العناوين والفواصل فيها بالأحمر والأزرق.
(7) النسخة و:
وهي نسخة المرحوم حسن حسني عبد الوهاب، محفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم 13429في ستين وثلاثمائة ورقة (360) مقاسها 5، 520، 15 سم ومقاس المكتوب منها 5، 1015سم في كل صفحة 21سطرا، وقد تم نسخها يوم الجمعة رابع شهر محرم الحرام فاتح عام 1214هـ على يد الشريف محمد بن عبد الله الوهراني، وخطها مغربي واضح.
مخطوط كتاب إدراك الأماني من كتاب الأغاني للسلوي:
واستعنت كذلك بمخطوطة كتاب (إدراك الأماني من كتاب الأغاني) للمؤلف كما سبقت الإشارة قبل قليل.
بقية نسخ الكتاب ومختصراته:
توجد من هذا الكتاب نسخ كثيرة موزعة في الخزائن العامة والخاصة في المغرب والمشرق، وقد انتشرت نسخه في تونس أكثر من انتشارها في المغرب الأقصى، مما يدل على إقبال الناس عليه بحكم وجود مؤلفه وأحفاده بتونس. ومن هذه النسخ:(1/121)
1) نسخة دار الكتب المصرية بالقاهرة برقم (4845أدب طلعت) (1)، وهي بخط مغربي محلّى أولها بالذهب والألوان في أربع ومائتي ورقة (204). وفي كل صفحة 29سطرا، كتبت عام 1177هـ أي بعد تأليف الكتاب بعام واحد فقط. وقد حرصت جهدي على الحصول على صورة منها، فكاتبت إدارة دار الكتب المصرية ولكن دون جدوى، كما طلبت من بعض الإخوان في مصر تصويرها، لكن التعقيدات الإدارية والعراقيل حالت دون ذلك.
2) وهناك نسخة أخرى بدار الكتب المصرية بالقاهرة برقم (335تاريخ تيمورية) (2).
3) نسخة حمودة بن غشان بتونس، وهو من أحفاد المؤلف، وقد رأيت هذه النسخة بتونس عند مالكها في صيف 1983حين كنت أبحث عن نسخة المؤلف، وعدد أوراقها مائتا ورقة (200) مقاسها 526، 18سم ومقياس المكتوب منها 520، 1 سم، تمّ نسخها يوم السبت من جمادى الأولى عام 1190هـ من خط مؤلفه.
وتتميز هذه النسخة بكثرة الخروم والبلى.
4) وهناك نسخة ذكرها الأستاذ الدكتور محمد مفتاح في مصادر تحقيقه لشعر ابن الخطيب (3) وذكر أنها بالخزانة الحسنية برقم 2581ل 40ولكن قيم الخزانة أكّد لي أن هذا الرقم ليس من أرقام الخزانة الحسنية، كما أكدّ لي أنه لا يوجد من هذا الكتاب سوى نسخة واحدة برقم 925المشار إليها قبل قليل والصحيح أن هذا الرقم هو من أرقام خزانة القرويين بفاس.
ويوجد بدار الكتب الوطنية بتونس مختصران للكوكب الثاقب وهما:
__________
(1) انظر مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد 3الجزء 2ص 215 (نونبر 1957) ومجلة المورد العراقية، المجلد 6، العدد 1ص 277.
(2) انظر شعر ابن ميادة 333، فقد ذكر محققه هذه المخطوطات في فهرس مصادره.
(3) شعر ابن الخطيب تحقيق الاستاذ محمد مفتاح 3/ 627.(1/122)
1) مختصر الكوكب الثاقب وهو محفوظ فيها تحت رقم 7105عدد أوراقه 71 مقاسه 521، 15سم في كل صفحة 25سطرا، وقد نقل هذا المختصر من خط المؤلف في أوائل جمادى الأولى من عام 1201هـ على يد محمد الطاهر بن محمد الأكودي، وخطه مغربي.
2) تقييد ملخص من ورقة 48إلى 72، وقد تم الفراغ منه في 12ربيع الأنوار عام 1275هـ، وملخصه وناسخه هو حمودة بن محمد النوري البوبكري ناسخ النسخة هـ السابقة الذكر.
وقد اكتفيت بالمخطوطات الخمس الأصول واعتمدت عليها في تحقيق الكتاب مع الاستعانة بالمخطوطتين (هـ و) المشار إليهما سابقا، وكذلك استفدت من مخطوطة إدراك الأماني من كتاب الأغاني. وأما النسخ المخطوطة الأخرى التي ذكرتها ومخطوطتا مختصر الكتاب فلم أرجع إليها لأن الأصول المخطوطة أغنتني عن ذلك.(1/123)
عملنا في تحقيق الكتاب
يمكن تحديد الخطة التي اتّبعتها في تحقيق الكتاب في الأمور الآتية:
1) المقابلة بين النسخ وتصحيح النص.
2) تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال والحكم والأقوال وشواهد الأشعار المختارة.
3) توثيق التراجم وتصحيح موادّها.
4) التعريف بأعلام الأشخاص والبلدان والأماكن.
5) شرح الألفاظ المستغلقة والمعاني الغامضة.
6) مقدمة لدراسة عصر المؤلف وحياته وكتابه.
7) وضع الفهارس الفنية للكتاب.
1) المقابلة والتصحيح:
لقد حققت الكتاب اعتمادا على النسخ الخمس التي وصفتها آنفا، وقد اتّخذت النسخة (أ) وهي نسخة المؤلف المكتوبة بخطه أصلا في التحقيق وقابلت بينها وبين النسخ المعتمدة الأخرى وبيّنت في الحواشي ما فيها من اختلاف أو تصحيف وغلط، وقد اكتفيت في بيان الاختلاف بين النسخ بالإشارة في الحواشي إلى النسخة المخالفة. وأما النسخ المتفقة الصحيحة فلا أشير إليها، فمثلا عندما أقول في الحاشية:(1/124)
ج د: الفرد (1).
فهذا يعني أن النسخ الأخرى (أب ش) قد أوردت ما أثبته في المتن، دون أن أشير إلى ذلك، لأنه مفهوم من تخصيص (ج د) بالذّكر من بين خمس نسخ معتمدة في التحقيق.
وقد صحّحت كذلك أخطاء المؤلف وأوهامه وأشرت إلى ذلك في الحواشي ومن ذلك كلمة أمعنت (2) فالصحيح أنعمت، وكتابته كلمة (محل) (3) عوض (نخلة) إلى غير ذلك من الأخطاء التي أشرت إليها في مواضعها (4).
وكان المؤلف في أحيان نادرة يترك بعض البياض في الكتاب فعملت على استكمال هذا البياض بالعودة إلى المصادر التي اعتمد عليها (5). وفي بعض الأحيان كانت تسقط من المؤلف كلمة أو كلمتان فاستدركت هذا السقط اعتمادا على مصادر المؤلف التي أخذ منها، ودرجت على وضع هذه الإضافات بين معقوفين للدلالة على ذلك، مع الإشارة إلى ذلك في الحواشي (6).
وقد وقعت في النسخ المخطوط بعض الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية فصصحتها مع الإشارة في الحواشي أحيانا، وإهمال ذلك أحيانا حينما تكون الأخطاء يسيرة.
__________
(1) الكوكب الثاقب 5الحاشية 5.
(2) الكوكب الثاقب 6الحاشية 1وقد نبهني أستاذي الجليل الدكتور عزة حسن إلى هذا الخطأ.
(3) الكوكب الثاقب 503الحاشية 13.
(4) من أمثلة ذلك مما سيأتي بعد قليل في (ملاحظات حول تحقيق هناني النيفر للكوكب الثاقب) وانظر أيضا الكوكب الثاقب 171الحاشية 5، 271الحاشية 4.
(5) مثلما حدث عند إيراده للرسالة الموجهة لابن الزملكاني، أنظر الكوكب الثاقب 506الحاشية 7، 8وكذلك 824 الحاشية 2، 825الحاشية 1، 835الحاشية 7، 838الحاشية 3.
(6) أنظر 824الحاشية 2، 825الحاشية 1، 835الحاشية 7، 838الحاشية 3.(1/125)
2) التخريج:
وقد خرجت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والأمثال والحكم والأقوال وشواهد الشعر والنثر المختارة في الكتاب اعتمادا على المصحف الحسني، وكتب الأحاديث الصحيحة، وغيرها، وكتب الأمثال والأدب واللغة والتاريخ، وعلى دواوين الشعراء ومصادر الشعر وكتب الأدب وضبطت الآيات والأحاديث والأمثال والأقوال وشواهد الشعر والنثر.
وقد عمدت في تخريج الأشعار إلى الإشارة إلى غرض القصيدة أو المقطوعة ومطلعها ثم أذكر موضع البيت أو الأبيات أو القصيدة في ديوان الشاعر إن وجد ثم أذكر المصادر الأخرى مبتدئا بالأقدم منها، إلّا إذا كان المصدر المتأخر زمنا قد أورد القصيدة كاملة أو معظمها أو أورد من الأبيات أكثر ممّا أورده المصدر المتقدّم. وعندما تتساوى المصادر في رواية عدد واحد من الأبيات فإنني أبدأ بالأقدم زمنا.
وعندما تجتمع في حاشية واحدة عدّة قضايا أتبع الترتيب التالي:
1) أبدأ بذكر اختلاف النسخ المخطوطة.
2) أخرّج الأشعار.
3) أشرح الألفاظ المستغلقة بما فيها من أعلام للأشخاص والأماكن الواردة في متن الشعر.
وتفاديا لكثرة الأرقام فإنّني أجمع ثلاثة أبيات أو أربعة تحت رقم واحد وأشرحها بالترتيب.
3) توثيق التراجم:
وقد رجعت، من أجل توثيق التراجم التي خصص لها المؤلف الباب الثاني، إلى مصادر هذه التراجم لأصحح منها موادّ هذه التراجم، وما أورده المؤلف من أخبار وأقوال ومعلومات وأشعار، وقد ذكرت في الحاشية الأولى المخصصة للمترجم له،
سنة وفاته والمصادر التي اعتمدتها أو رجعت إليها في تصحيح مواد الترجمة وتوثيقها. وقد رتبتها ترتيبا زمنيّا الأقدم فالقديم. وقد أقدّم تعريفا موجزا بالمترجم له على سنة الوفاة إذا كان المؤلف لم يعرّف به، واكتفى بإيراد بعض أشعاره. وقد اتّبعت هذا النهج نفسه في التراجم التي ساقها المؤلّف عرضا واستطرادا في أبواب الكتاب المختلفة، بما فيها الباب الثاني نفسه.(1/126)
وقد رجعت، من أجل توثيق التراجم التي خصص لها المؤلف الباب الثاني، إلى مصادر هذه التراجم لأصحح منها موادّ هذه التراجم، وما أورده المؤلف من أخبار وأقوال ومعلومات وأشعار، وقد ذكرت في الحاشية الأولى المخصصة للمترجم له،
سنة وفاته والمصادر التي اعتمدتها أو رجعت إليها في تصحيح مواد الترجمة وتوثيقها. وقد رتبتها ترتيبا زمنيّا الأقدم فالقديم. وقد أقدّم تعريفا موجزا بالمترجم له على سنة الوفاة إذا كان المؤلف لم يعرّف به، واكتفى بإيراد بعض أشعاره. وقد اتّبعت هذا النهج نفسه في التراجم التي ساقها المؤلّف عرضا واستطرادا في أبواب الكتاب المختلفة، بما فيها الباب الثاني نفسه.
وإذا ظهر بعض الاستقصاء أحيانا في تعداد مصادر الترجمة أو في تخريج أشعارها، فإن ذلك يكون إلى أنني لم أكن أعثر على ضالتي بسهولة، فأضطرّ في أحيان كثيرة إلى الرجوع إلى أغلب المصادر التي ترجمت لهذا الشخص أو ذاك حتى أتمكّن من تصحيح بعض القضايا أو تخريج قول أو خبر أو بيت.
وقد اعتمدت في ذلك على المصادر المحققة أولا ثم المطبوعة بدون تحقيق، وإذا لم توجدا ألجأ إلى المخطوطة، إن وجدت، وقد ألغيت في أحيان كثيرة اعتمادي على المصادر غير المحققة بعد ظهور المحققة. وقد أعتمد عليهما معا (1)، وذلك لأن المحققة قد تخلّ أحيانا ببعض ما في الطبعة غير المحققة، ومن ذلك ديوان جرير وديوان الأخطل وديوان دعبل، فقد رجعت إلى هذا الأخير في طبعاته الثلاث على يد محققيه الثلاثة، ويمكن ملاحظة ذلك بالعودة إلى تراجم هؤلاء الشعراء.
4) التعريف بأعلام الأشخاص والأماكن:
فأمّا أعلام الأشخاص فقد عرّفت بهم بإيجاز وبيّنت أسماءهم الكاملة.
وكناهم، وألقابهم التي اشتهروا بها، والميادين التي برزوا فيها، وحدّدت سنة وفاتهم إن أمكن، أو عصرهم على الأقل، وذكرت ذلك غالبا في أول موضع ورد ذكرهم
__________
(1) وفي هذه الحالة أشير في الحاشية إلى الطبعة أو المحقق حتى لا يقع لبس.(1/127)
في الكتاب، وأحلت في المرات التالية على التعريف السابق. وتفاديا لتضخيم الكتاب بالحواشي أغفلت الأعلام الواردة في سلسلة سند الحديث أو الخبر، وكلّ علم لا يفيد التعريف به في إلقاء الضوء على المتن، وحرصت على العكس من ذلك أن أترجم لكلّ علم ورد له قول أو رأي أو شعر، إذا لم يكن مشهورا. وأما المشهورون أو الذين ورد ذكرهم عرضا، فقد أغفلت التعريف بهم إلّا في القليل النادر، وعندما يستدعي المقام ذلك لتوضيح قضية معينة.
وأما الأماكن والبلدان، فقد عرّفت بها اعتمادا على معاجم البلدان وكتب التاريخ والسير وكتب الأدب ومعاجم اللغة وغيرها.
5) شرح الألفاظ المستغلقة والمعاني الغامضة:
يضم كتاب (الكوكب الثاقب) كمية كبيرة من الألفاظ والتعابير التي تحتاج إلى شرح وتوضيح، وقد شرح المؤلف بعض الألفاظ والتعابير اعتمادا على القاموس المحيط وغيره، ولكنه ترك عددا كبيرا من الألفاظ المستغلقة، فشرحتها وضبطتها اعتمادا على المعاجم مثل معجم لسان العرب لابن منظور الإفريقي، ومعجم القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزأبادي ومعجم تاج العروس لمحمد المرتضى الزبيدي وغيرها من كتب اللغة والأدب.
6) المقدمة:
وقد جعلتها في ثلاثة فصول:
الفصل الأول خصّصته لبعض الملامح من الحياة السياسية والثقافية والأدبية بالمغرب وتونس في عصر المؤلف بإيجاز وبالقدر الذي يتصل بحياته اتّصالا مباشرا.(1/128)
والفصل الثاني خصّصته للحديث عن حياة المؤلف وآثاره.
والفصل الثالث خصصته للحديث عن الكتاب وقيمته، ومنهج التحقيق وصعوباته.
وقد ختمت الكتاب بصنع فهارس فنية تسهّل الرجوع للكتاب، وتشمل هذه الفهارس ما يلي:
1) فهرس آيات القرآن الكريم.
2) فهرس الأحاديث النبوية الشريفة، ويليه فهرس مصطلحات الحديث.
3) فهرس الأمثال والحكم.
4) فهرس الأيام
5) فهرس الشعر ويليه فهرس الرجز وفهرس أنصاف الأبيات.
6) فهرس أعلام الأشخاص والأقوام والقبائل والفرق.
7) فهرس الخيل.
8) فهرس الأماكن والبلدان.
9) فهرس الكتب الواردة في المتن.
10) فهرس اللغة ويليه فهرس مصطلحات البلاغة والنقد والعروض.
11) فهرس مواضيع الكتاب.
12) وأخيرا صنعت فهرسا للمصادر والمراجع وقسمته إلى الأقسام الآتية:
1 - المصادر.
2 - المراجع.
3 - المخطوطات.
4 - المجلات والجرائد.(1/129)
ملاحظات حول (تحقيق) هناني النيفر (للكوكب الثاقب)
في عام 1984أخبرني أستاذي الجليل الدكتور عزة حسن أن أحد الطلبة في تونس حقق (الكوكب الثاقب)، وشفع الخبر بإعطائي نشرة أخبار التراث (1) لأرى الخبر بنفسي، ونظرا لأنني كنت قطعت شوطا بعيدا في تحقيق الكتاب، فقد نصحني أستاذي أن أستمرّ في عملي. وقد سعيت حتى حصلت على صورة من تحقيق الطالب هناني النيفر سنة 197473للكوكب الثاقب تحت إشراف الأستاذ محمد اليعملاوي، وكان قد تقدّم به إلى كلية الآداب بالجامعة التونسية لنيل شهادة الكفاءة للبحث، وهي شهادة تحضّر في سنة واحدة، بعد الحصول على الإجازة، وتعادل عندنا شهادة استكمال الدراسة. وقد تبيّن لي من هذا (التحقيق) أنه مجرد نسخ مستعجل للكتاب وأن استعمال كلمة (تحقيق) في حقّه فيها كثير من التجاوز، فلقد جاء هذا النسخ مشوّها بسبب كثرة السقط نتيجة للسرعة في النسخ، وعدم مقابلة النسخ، وعدم الاعتماد على نسخة المؤلف التي تنفرد بزيادات وتنقيحات متفرقة، هذا بالرغم من قرب (المحقق) من أحفاد المؤلف مالكي النسخة الأصلية، ومن أمثلة السقط التي عثرت عليها عرضا أثناء تصفحي لتحقيقه ما يلي:
1) في ترجمة جرير سقط ما يلي (2):
«وأصدق شعره قوله:
إنّي لأرجو منك خيرا عاجلا ... والنّفس مولعة بحبّ العاجل»
__________
(1) نشرة أخبار التراث ص 27العدد 8شوال ذوالقعدة 1403هـ (يوليو أغسطس 1983).
(2) الكوكب الثاقب 104وقارنه بما في (تحقيق) هناني النيفر ص 67.(1/130)
2) في ترجمة توبة بن الحمير، سقط ما يلي: (1):
«الذي يسري فلا يعرف مقصدا، فينبح لتنبحه الكلاب، فيقصدها، والمتنوّر» ونتيجة لهذا السقط وقع في شرح المؤلف غلط واضح كان في الإمكان تفاديه لو رجع (المحقق) إلى معاجم اللغة، إذ أصبح الكلام هكذا بعد السقط:
«والمستنبح الذي يلتمس ما يلوح له من النار فيقصده». وهكذا اختلط الشرح، فما كان شرحا لكلمة (المتنوّر) شرحت به كلمة (المستنبح) وما كان شرحا لكلمة (المستنبح) شرحت به كلمة (المتنوّر)! وصحة الكلام هكذا: «والمستنبح الذي يسري فلا يعرف مقصدا فينبح الكلاب فيقصدها، والمتنوّر الذي يلتمس ما يلوح له من النار فيقصده».
3) في ترجمة إسحاق الموصلي، عند الحديث عن الأصمعي، سقط ما يلي (2)
«قال: ولا سمعت شيئا ترويه لنا أو تنشدناه أو نكتبه عنك؟ قال: لا، والله».
4) في آخر ترجمة أبي دلامة سقط ما يلي (3):
«وهو وبغلته المعنيان بقول الحريري في المقامة الأربعين: وأعيب من بغلة أبي دلامة».
5) في ترجمة السري الرفاء سقطت خمسة أبيات هي (4):
فغدت نبيط الخالدية تدّعي ... شعري وترفل في حبير ثيابي
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب ... نقضت عمائهم على الأبواب
من كلّ كهل يستطير سباله ... لونين بين أنامل البوّاب
مغظ على ذلّ الحجاب يردّه ... دامي الجبين تجهّم الحجّاب
ومفوّهين تعرّضا لحرابتي ... فتعرّضت لهما صدور حرابي
__________
(1) الكوكب الثاقب 138وقارنه بما في (تحقيق) هناني النيفر ص 89.
(2) الكوكب الثاقب 248وقارنه بما في (تحقيق) هناني النيفر ص 159.
(3) الكوكب الثاقب 303وانظر تحقيق هناني النيفر ص 188.
(4) الكوكب الثاقب 363وانظر تحقيق هناني النيفر ص 222.(1/131)
6) وفي حديث المولف عن ذهاب حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس مبعوثا من طرف الرسول صلّى الله عليه وسلم، سقط ما يلي (1):
«فقال له: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها وتصدقني فإنّي أعلم أن صاحبك قد تخيّرك من بين أصحابه حين بعثك».
7) وفي حديث المؤلف عن عمران بن حطان سقط ما يلي (2):
«وأنكر الأول لأنّ فيه مدّ المقصور، وإن كان جائزا في الشعر».
8) وفي حديث المؤلف عن حماد الراوية سقط ما يلي (3):
«ولا سألت حمادا عن أبي عمرو إلّا قدّمه على نفسه».
9) ونظرا لعدم اعتماده على نسخة المؤلف الأصلية، فقد فاته أن يورد إضافات المؤلف إلى نسخته الأصلية مثل ما أضافه في آخر ترجمة القاضي التنوخي عندما صحح سنة وفاته فقال (4):
«لعل صوابه سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة إلخ».
ولم يصحح الطالب هناني النيفر الأخطاء الواردة في النسخ المخطوطة وذلك لأنه لم يعد إلى مصادر المولف، وإنّما اكتفى بنقلها كما هي، ومن أمثلة ذلك، ما يلي:
1/ أبو ضرابة (5)، في مواضع كثيرة، كتبه بالضاء بينما هو في النسخ. المخطوطة بالخاء والصواب أبو حزابة.
__________
(1) الكوكب الثاقب 872
(2) الكوكب الثاقب 890
(3) الكوكب الثاقب 917
(4) الكوكب الثاقب 321الحاشية 2وانظر تحقيق هناني النيفر ص 105.
(5) تحقيق هناني النيفر 66وانظر الكوكب الثاقب 101.(1/132)
2/ الأرزبي (1)، في موضعين والصواب الأرزني.
3/ محمد بن الحسين الزبيدي (2) والصواب محمد بن الحسن الزبيدي.
4/ سعيد بن مخلوف (3) والصواب سعيد بن فحلون.
5/ ابن حيزبة (4) والصواب ابن حنزابة.
6/ محمد بن عبد الملك الثعالي (5)، وذلك اتّباعا للنسخ المخطوطة، والصواب عبد الملك بن محمد الثعالبي.
7/ عمر بن يوسف (6) وذلك اتّباعا للنسخ المخطوطة، والصواب يوسف بن عمر.
وأما تعليقات هناني النيفر على المتن، فقد جاءت مليئة بالأخطاء، وأغلب هذه التعليقات تعاريف لأعلام الأشخاص، وقد اعتمد في الغالب على مصدر وحيد هو الأعلام للزركلي، وإذا لم يجد لبعض الأعلام ذكرا فيه فإنه يهملهم في الغالب، ولا يبحث عنهم في مصادر أخرى. وأما تخريج الأحاديث والأشعار والأمثال والأقوال والأخبار فلا يهتم بها إلا في النادر، وعندما يخرج بعض الأحاديث، فهو يخرجها في أغلب الأحيان من المعجم المفهرس للأحاديث، بدل أن يرجع إلى كتب الأحاديث. وأمّا الأشعار فنادرا ما يخرجها أو يصحّحها من دواوين الشعراء أو مصادر الشعر والأدب، وحتى عندما يعود إليها، فليس من أجل تخريجها، وإنّما من أجل إشارة عابرة (7).
__________
(1) تحقيق هناني النيفر 243وانظر الكوكب الثاقب 403
(2) تحقيق هناني النيفر 244وانظر الكوكب الثاقب 404
(3) تحقيق هناني النيفر 244وانظر الكوكب الثاقب 404
(4) تحقيق هناني النيفر 209وانظر الكوكب الثاقب 340
(5) تحقيق هناني النيفر 103، 252وانظر الكوكب الثاقب 160الحاشية 1.
(6) تحقيق هناني النيفر 44وانظر الكوكب الثاقب 65.
(7) من الأمثلة النادرة عودته لديوان الحطيئة أنظر تحقيق النيفر ص 28، 29.(1/133)
ومن أمثلة أخطائه، تعريفه الخاطئ للأعلام، ومن ذلك ما يلي:
1/ عرف أبا زيد، الوارد في الصفحة 93بأنه سعيد بن أوس الأنصاري (1)، بينما الصحيح أنه عمر بن شبة، كما جاء في الأغاني 21/ 287مصدر الخبر، وقد صرّح باسمه كاملا، فلو رجع هناني النيفر إلى مصادر المؤلف لما وقع في كثير من الأخطاء.
2/ وعرف أبا دواد الإيادي الوارد في الصفحة 105بأنه أحمد بن أبي دؤاد القاضي العباسي (2)، بينما الصحيح أن أبا دواد الإيادي شاعر جاهلي معروف (3).
3/ في ترجمة الزبيدي، نقل العبارة الآتية (4) «أخذ عن اللؤلؤي» بالشكل التالي:
«أخذ عنه اللؤلئ» وهكذا أصبح التلميذ أستاذا، والأستاذ تلميذا ولم يكتف بذلك، بل عرّف اللؤلؤي بقوله (5): «لعله أحمد بن إبراهيم (318272هـ)».
وبذلك وقع في غلط آخر، وذلك أن الزبيدي ولد عام 316هـ وتوفي عام 379هـ، فكيف يأخذ اللؤلئ الذي توفي عام 318عن الزبيدي الذي ولد عام 316هـ؟! والصحيح أن اللؤلئ هنا هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأموي القرطبي المالكي الفقيه المفتي المتوفى عام 348هـ وهو من أساتذة الزبيدي لا من تلاميذه (6).
4/ جعل السلطان مسعود بن محمد بن ملك شاه السلجوقي (7)، أحد ممدوحي الثعالبي، وقال بأنه ولد عام 502هـ وتوفي عام 547 (8)، بينما المعروف أن الثعالبي توفي عام 429هـ، فكيف يعقل أن يمدح الثعالبي شخصا ولد بعد وفاته بأكثر من قرن!
__________
(1) تحقيق النيفر 61الحاشية 5وانظر التعريف به في الكوكب الثاقب 93، الحاشية 9
(2) تحقيق النيفر 68الحاشية 25.
(3) أنظر التعريف به في الكوكب الثاقب 105الحاشية 5.
(4) الكوكب الثاقب 404وقارن بما في تحقيق هناني النيفر 244.
(5) تحقيق هناني النيفر 244الحاشية 3.
(6) أنظر الكوكب الثاقب 404.
(7) الكوكب الثاقب 420الحاشية 2.
(8) تحقيق هناني النيفر 252الحاشية 1.(1/134)
والصحيح أن هذا السلطان الذي مدحه الثعالبي هو مسعود بن محمود بن سبكتكين الغزنوي (1) (432هـ)، ولكن (المحقق) نقل اسمه غلطا عن النسخ المخطوطة، دون أن يكلّف نفسه عناء تحقيق اسمه في المصادر.
ومن أخطاء هناني النيفر الأخرى، شرحه الخاطئ للكلمات، بالرغم من أنه نادرا ما يشرح، ومن أمثلة ذلك:
أفي ترجمة منصور الفقيه وردت الجملة الآتية (2): «فأصبح على بابه مئة حمل برّ» فلم يعرف المقصود بكلمة (بر) فكتب ما يلي (3): «وردت مادة برر في تاج العروس، في معنى سعة الأنفاس. ولم نجد ما يفيد معناها هنا» بينما الكلمة واضحة لا تحتاج إلى شرح، إنها تعني بكل بساطة القمح، وسياق الجملة الذي يتحدث عن المسغبة التي أصابت الناس، واستغاثة الشاعر بالأجواد لمواساة الناس في الشدة خير دليل يهدي إلى المعنى حتى ولو كانت الكلمة غريبة.
ب في آخر مثلثة ابن دريد ورد البيت التالي (4):
إنك مربوب مدين تسأل
فأخطأ في نقل كلمة (إنك) فجعلها (ألّه) وشرحها في الحاشية بقوله (5): «ألّه:
طرده» وهكذا قلب المعني رأسا على عقب.
وبذلك يكون هناني النيفر لم يكتف بنقل أخطاء النسخ المخطوطة كما هي، بل إنه أضاف إليها عددا كثيرا من أخطائه الخاصة التي تخلّلت عمله الذي جاء في تسع عشرة وخمس مئة صفحة (519) ولقد قدّمت بعض النماذج والأمثلة من أخطائه التي التقطتها بشكل عابر أثناء تصفحي لهذا العمل، ولم أحاول أن أستقصيها.
__________
(1) أنظر التعريف به في الكوكب الثاقب 420الحاشية 2.
(2) الكوكب الثاقب 306.
(3) تحقيق هناني النيفر 191.
(4) الكوكب الثاقب: 314
(5) تحقيق هناني النيفر 195الحاشية 8.(1/135)
الملحق(1/136)
الأشعار المستدركة على دواوين الشعراء (1)
1) ابراهيم بن المهدي
أص: 251
إذا كلّمتني بالجفون الفواتر ... رددت عليها بالدموع البوادر
فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ... وقد قضيت حاجاتنا بالضمائر
ب ص: 258
وريحان صدري كان حين أشمّه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
2) ابو الفتح البستي ص: 418
يا ناقها من مرض مسّه ... يفديك من عاداك من ناقه
كم قلت إذ قيل به فترة ... يا ربّنا بالرّوح منّا قه
3) البوصيري: ص 594
فلا تأس يا أيّهذا الأديب ... عليه فللموت ما يولد
إذا أنت عشت لنا بعده ... كفانا وجودك ما نفقد
4) أبو تمام:
أص: 276
وإنّ أولى البرايا أن تواسيه ... عند السّرور لمن واساك في الحزن
إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
__________
(1) هذه الأشعار وردت في الكوكب الثاقب، ولم نعثر عليها في دواوين أصحابها ولا في أشعارهم التي جمعها لهم بعض المحققين، وقد خرجناها من المصادر الأدبية.
وقد وضعنا بجانب هذه الأبيات الصفحات التي وردت فيها، في الكوكب الثاقب.(1/137)
ب ص: 283
ليت بين الذين بانوا وبيني ... مثل ما بين حاجبيّ وعيني
5) الحطيئة:
أص: 46
قالت وفيها حيدة وذعر
عود بربّي منكم وحجر
ب ص: 47
لا أحد الأم من حطيّه
هجا بنيه وهجا المريّه
من لؤمه مات على فريّه
6) ابن حيوس: ص 471
أبى الله إلّا أن يكون لك السّعد ... فليس لما تبغيه منع ولا ردّ
قضت حلب ميعادها بعد مطلها ... وأطيب وصل ما مضى قبله صدّ
يهزّ لواء النصر حولك عصبة ... إذا طلبوا نالوا وإن عقدوا شدّوا
7) الخنساء: ص 861
ترى الجليس يقول القول تحسبه ... نصحا وهيهات فانظر ما به التمسا
فاسمع مقالته واحذر عداوته ... والبس عليه بشكر مثل ما لبسا
8) ابن دريد: ص 317
فوا حزنا أن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضى به الله صالح
9) ابن دقيق العيد ص: 617616
ولله قوم كلّما جئت طارقا ... رأيت شخوصا كلّها ملئت فهما
إذا اجتمعوا جاءوا بكلّ طريفة ... ويزداد بعض القوم من بعضهم علما
تساقوا كؤوس العلم في روضة التّقى ... فكلّهم من ذلك الرّيّ لا يظما
نفوس على لفظ الجدال قد أنطوت ... فتبصرها حربا وتعقلها سلما
أولئك مثل الطّيب كلّ له شذا ... ومجموعه أذكّى أريجا إذا شمّا(1/138)
ولله قوم كلّما جئت طارقا ... رأيت شخوصا كلّها ملئت فهما
إذا اجتمعوا جاءوا بكلّ طريفة ... ويزداد بعض القوم من بعضهم علما
تساقوا كؤوس العلم في روضة التّقى ... فكلّهم من ذلك الرّيّ لا يظما
نفوس على لفظ الجدال قد أنطوت ... فتبصرها حربا وتعقلها سلما
أولئك مثل الطّيب كلّ له شذا ... ومجموعه أذكّى أريجا إذا شمّا
10) الذهبي يوسف بن لؤلؤ:
أص: 560
يا قوم قد غط الطبيب وما درى ... في كحله الرّشأ الغرير وطبّه
وأراد أن يمضي نصال جفونه ... ويحدّها لتصيبنا فبدت به
ب ص: 561
ربّ ناعورة روض ... بات يندى ويفوح
تضحك الأزهارّ منها ... وهي تبكي وتنوح
ت ص: 562
انظر إلى اللّوز تجد غصنه ... أحوي رشيق القدّ ميّاسه
بزهره تعبث ريح الصّبا ... وقصدها تاخذ أنفاسه
ث ص: 563
قد كنت جلدا في الخطوب اذا عرت ... لا تزدهيني الغانيات الغيد
وعهدت قلبي من حديد في الحشا ... فألانه بجفونه داود
ج ص: 563
يا قضيب الأراك عند التّثنّي ... هزّ عطفيه حين ماس الشباب
عجبا لك كيف ظلّ المحبّو ... ن بليل الأسى وأنت شهاب
ح ص: 563
منعت ارتشاف الثغر يا غاية المنى ... فزحزحتني منه إلى خدّك القاني
لئن فاتني منه الأقاح فإنني ... حصلت على ورد جنيّ وريحان
خ ص: 563(1/139)
منعت ارتشاف الثغر يا غاية المنى ... فزحزحتني منه إلى خدّك القاني
لئن فاتني منه الأقاح فإنني ... حصلت على ورد جنيّ وريحان
خ ص: 563
وأغنّ مهضوم الحشا ... كالظّبي لكن لا يصاد
أمن البياض بخده ... من أن يكون به سواد
د ص: 563
ومعذّر قد بيّتته جماعة ... ولووا بما وعدوه طول الليل
واكتا له كلّ هناك وما رأى ... منهم سوى حشف وسوء الكيل
ذ ص: 564
يا حسنه في الجيش حين غدا ... يختال بين السّمر والقضب
لم ألق أحلى من شمائله ... في العين لمّا صار في القلب
ر ص: 564
إنّ الذين ترحّلوا ... نزلوا بعين الناظره
أسكنتهم في مهجتي ... فإذا هم بالسّاهره
ز ص: 564
إنّي أذكّر مولاي الأمير وما ... أظنّه ناسي الوعد الذي ذكّرا
الدّوح يبدي الجنا لكنّ أغصنه ... لو لم تهزّ لما ألقت لنّا ثمرا
11) ابن صيفي أبو الفوارس حيص بيص: ص 440
ملكنا فكان العفو منا سجيّة ... ولما ملكتم سال بالدّم أبطح
وحلّلتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ ونصفح
وحسبكم هذا التّفاوت بيننا ... وكلّ إناء بالذي فيه ينضح
12) الطغراني: ص: 517
وأقول: ليت أحبّتي عاينتهم ... قبل الممات ولو بيوم واحد(1/140)
وأقول: ليت أحبّتي عاينتهم ... قبل الممات ولو بيوم واحد
13) أبو العتاهية ص: 168167
خفّف على إخوانك المؤنا ... أولا فلست لهم إذن سكنا
لا تغترر بدنوّ ذي لطف ... يوما إليك وإن دنا ودنا
واعلم جزاك الله صالحة ... أنّ ابن آدم لم يزل أذنا
متصرّما شرس الطّباع له ... نفس تريه قبيحه حسنا
14) أبو العلاء المعري:
أص: 451
لا أطلب الأرزاق وال ... مولى يفيض عليّ رزقي
إن أعط بعض القوت أعل ... لم أنّ ذلك فوق حقّي
ب ص: 452
حاول إهواني قوم فما ... واجهتهم إلا بإهوان
يحّرّشوني بسعاياتهم ... فغيّروا نية إخواني
لو استطاعوا لوشوا بي إلى ال ... مرّيخ في الشّهب وكيوان
ت ص: 456
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله ... وتزويجه لابنيه بنتيه في الخنا
علمنا بأنّ الخلق من نسل فاجر ... وأنّ جميع الخلق من عنصر الزّنا
ث ص: 457
نارهم ابن يعفر في ضحاه ... وليلة جارهم بنت المحلّق
15) الفرزق:
أص: 90
وكنت فيهم كممطور ببلدته ... يسرّ أن يجمع الأوطان والمطرا
ب ص: 129
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم(1/141)
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم
16) أبو فراس الحمداني: 326
مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر ... وأعوز ما حاولته الحبّ والصّبر
17) الكميت: ص 132
فلا زلت فيهم حيث يتّهمونني ... ولا زلت في أشياعهم أتقلّب
18) لبيد: ص
أص: 907
كأنّي وقد جاوزت تسعين حجة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا
ب ص: 907
وغنيت سبتا قبل مجرى داحس ... لو كان للنفس اللّجوج خلود
ج ص: 908
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: كيف لبيد؟
19) المتنبي: ص 341
بأيها المتحلّي غير شيمته ... ومن سجيته الإذعان والملق
دع التّخلّق تبعد عنك همّته ... إنّ التّخلّق ياتي دونه الخلق
20) مسلم بن الوليد: ص 197
قصدن له وهنّ يحدن عنه ... إذا ما الحرب شبّ لها وقود
21) ابن المعتز:
أص: 272
تأمّل إذا ما قابل البدر شمسه ... صباحا وكلّ يملأ الأفق أنوارا
كأنّ الذي ألقى إلى الغرب درهما ... لحاجته ألقى إلى الشرق دينارا
ب ص: 273(1/142)
تأمّل إذا ما قابل البدر شمسه ... صباحا وكلّ يملأ الأفق أنوارا
كأنّ الذي ألقى إلى الغرب درهما ... لحاجته ألقى إلى الشرق دينارا
ب ص: 273
وكأنما الشمس المنيرة إذ بدت ... والبدر يجنح للغروب وما غرب
متحاربان لذا مجنّ صاغه ... من فضّة وذا مجنّ من ذهب
ج ص: 756
والعاقل النّحرير محتاج إلى ... أن يستعين بجاهل معتوه
22) أبو نواس:
أص: 178
قيل لي أنت أحسن النّاس طرّا ... في فنون من المقال النبيه
لك من جيّد القريض مديح ... يثمر الدّرّ في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجممّعن فيه
قلت: لا أستطيع مدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه
ب ص: 181
يا ربّ إنّي لم أزل ... في مثل حال السّحره
حين استلاذوا بعرى الدّ ... ين وكانوا كفره
فآمنوا يوما ففا ... زوا بثواب البرره
ولم أزل مستشعر ال ... إيمان ياذا المقدره
فاغفر فإنّي بك أو ... لى منهم بالمغفره
ج ص: 187
وما خلقت إلّا لجود أكفّهم ... وأرجلهم إلّا لأعواد منبر
وثائق تثبت تولي بعض أحفاد السلوي مهنة الإشهاد والعدل(1/143)
وثائق تثبت تولي بعض أحفاد السلوي مهنة الإشهاد والعدل(1/145)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/146)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/147)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/148)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/149)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/150)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/151)
بعض الصفحلت من (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 13، 26، 30، 67، 303، الآتية بعد(1/152)
فهرس المقدمة(1/153)
فهرس المقدمة(1/154)
فهرس المقدمة(1/155)
فهرس المقدمة(1/156)
فهرس المقدمة(1/157)
فهرس المقدمة(1/158)
فهرس المقدمة(1/159)
فهرس المقدمة(1/160)
فهرس المقدمة(1/161)
فهرس المقدمة(1/162)
فهرس المقدمة(1/163)
فهرس المقدمة(1/164)
فهرس المقدمة(1/165)
فهرس المقدمة(1/166)
فهرس المقدمة(1/167)
فهرس المقدمة(1/168)
فهرس المقدمة(1/169)
فهرس المقدمة
الفصل الاول الصفحة
الأحوال السياسية والثقافية في القرن الثاني عشر. 187
من الهجرة في المغرب الحالة السياسية 97
الحالة الثقافية 109
أثر رجال الدولة العلوية في ازدهار الثقافة 1411
إصلاح التعليم 1714
الأدب في هذا العصر 1817
الأحوال السياسية والثقافية في القرن الثاني عشر.
من الهجرة في تونس 2519
الحالة السياسية 2019
الحالة الثقافية 2220
أثر رجال الدولة في ازدهار الثقافة 2322
الأدب في هذا العصر 2524
الفصل الثاني
حياة المؤلف 3726
إغفال المترجمين للسلوي 3026
حياة المؤلف 3531
ألقابه 3535
أحفاده 3736(1/171)
الفصل الثالث الصفحة
دراسته وتكوينه العلمي والثقافي 5637
شيوخه ومعاصروه 4437
ثقافته الأدبية 4544
ثقافته الدينية 5246
تكوينه اللغوي والنحوي 5352
مؤلفاته: 5653
كتاب الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب 10957
سبب تأليفه 5957
مصادره 7559
موضوع الكتاب 8476
أصناف المترجم لهم في الباب الثاني 8584
التراجم الواردة استطرادا في الكتاب 8785
طريقة السلوي في الترجمة 9787
قيمة الكتاب 10997
الخاتمة اختيار الكتاب للتحقيق والاجتهاد في جمع نسخه المخطوطة 113110
الصعوبات التي واجهتني في تحقيق الكتاب 117113
وصف المخطوطات المعتمدة في التحقيق 123118
عملنا في التحقيق 129124
ملاحظات حول (تحقيق) هناني النيفر للكوكب الثاقب 135130
الملحق (الشعر الوثائق) 169137(1/172)
فهرس الجزء الأول من الكوكب الثاقب
الصفحة
(افتتاحية المؤلف) 71
مقدمة في شرح ماهية الأدب وانقسامه إلى غريزي، ومكتسب. 198
الباب الأول في طبقات الشعراء وما جاء في تعلم الشعر وتعليمه عن السادة الكبراء. 3119
الباب الثاني في ذكر نبذة من أشعارهم وما يحسن إيراده من أخبارهم.
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
1: النابغة الجعدي رضي الله عنه: 3532
2: الحطيئة: 4736
3: الوليد بن عقبة بن أبي معيط: 5247
4: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: 6053
5: العرجي: 6660
6: الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان: 7166
7: ابن عبدل: 7471
8: وضاح اليمن: 7874
9: الفرزدق: 9479
10: جرير: 11095
11: الأخطل: 114111
12: كثيّر: 121114(1/173)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
13: ذو الرمة: 130121
14: الكميت: 135130
15: توبة بن الحمير بن حزم بن كعب: 139135
16: الصمة بن عبد الله القشيري: 141140
17: أعشى همدان: 143142
18: عبد الحميد الكاتب: 146144
19: بشار بن برد العقيلي: 155146
20: حماد عجرد: 156
21: أبو العتاهية: 169157
22: والبة بن الحباب الأسدي: 170169
23: أبو نواس: 182171
24: الزانكي المعروف بالأخضر: 182
25: ديك الجن: 184183
26: العتابي: 188184
27: مسلم بن الوليد: 198188
28: منصور النمري: 202198
29: أشجع بن عمرو السلمي: 203202
30: محمد بن حازم الباهلي: 210203(1/174)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
31: ابن مناذر: 218211
32: العباس بن الأحنف: 224219
33: محمد بن وهيب الحميري: 233224
34: دعبل بن علي الخزاعي: 237234
35: إسحاق الموصلي: 250237
36: إبراهيم بن المهدي: 259250
37: القاضي يحيى بن أكتم: 267259
38: ابن المعتز: 274267
39: أبو تمام: 285275
40: البحتري: 291285
41: أبو العبر: 294291
42: أبو العيناء: 299295
43: أبو دلامة: 303300
44: الرقاشي: 303
45: بهلول المجنون: 305304
46: منصور الفقيه: 308306(1/175)
افتتاحية المؤلف
كتاب
الكوكب الثاقب
في أخبار الشعراء وغيرهم
من ذوي المناقب
تأليف
عبد القادر بن عبد
الرحمن السلوي (ق 12هـ)(1/176)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله (1)
نحمدك يا من أنطق لسان الإنسان بجوامع الكلم، وبدائع الحكم، وعلمه من البيان وألهمه من التبيان ما لم يكن لولاه يعلم ونشكرك اللهم على ما أسديت إلينا من نعم لا نقوم بها شكرا، ولا نطيق لها حصرا، فذو نطق منا كذي بكم، ونصلّي ونسلّم على سيدنا ومولانا محمد، عبدك ورسولك وصفوتك من أنبيائك وخليلك، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، في اليوم المشهود، والموقف الأعظم، الذي أرسلته للعالمين رحمة وأنزلت عليه كتابك المجيد، الذي (2) {«لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»}. فضلا منك ونعمة. ونزّهته عن الشعر الذي هو باطل يجلى في معرض حق، وكذب يحلّى بحلية صدق (3)، وإن كان فضيلة في حقّ غيره، صلّى الله عليه وسلم، لئلا يلتبس الوحي بغيره على أحد من الأمة. وجعلت أمّته (4) (أمة) وسطا، (5) و {«خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنََّاسِ»} بما سبق لهم منك من السعادة في الأزل، وتقدّم لهم من العناية في القدم، وعلى جملة آله وأصحابه وأشياعه وأتباعه وأحزابه وأحبابه، الذين تخلّقوا بأخلاقه الكريمة، وتأدّبوا بمحاسن آدابه، أئمة الهدى ومصابيح الظلم ما تنوّرت قلوب أولئك بأنوار معرفتك، وخضع كلّ ذي سلطان لسلطانك وانقاد كلّ شيء لعظمتك (6)، وما سبح الرعد بحمدك، والملائكة من خيفتك، وما جرى في اللوح القلم.
وبعد، فيقول العبد الفقير إلى عفو مولاه، الغنيّ الحميد الحليم الغفار، عبد القادر بن عبد الرحمن، المدعو السلويّ الأندلسي الأصل، الفاسي المنشأ، التونسي
__________
(1) ج: محمد وآله. بك أستعين يا قوي يا معين». والعبارة الأخيرة من زيادة النساخ.
(2) سورة فصلت 41/ 42.
(3) حاشية أ: «خ يصور بصورة صدق». والقول في العمدة 1/ 27.
(4) ما بين القوسين ساقط من ح د.
(5) سورة آل عمران 3/ 110.
(6) د: لعظمته، وهو غلط.(1/177)
الدار، أوزعه (1) الله شكر ما أولاه، وكان له في جميع أموره وتولاه: إن علم الأدب الذي هو عبارة عن معرفة الأشعار والأخبار، على ما سنذكره بعد في المقدمة إن شاء الله، لمّا كان من أجلّ العلوم قدرا وأعظمها خطرا لتكفّله (2) من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشّيم ومن تقويم أود النفس، الذي به تتفاضل الأقدار وتتفاوت القيم، بما يضيق عنه نطاق التعبير، ويعجز عن وصفه من عرف بالبلاغة وجودة التحبير. فكم شجّع من جبان (3)، وكم قوّى من جنان، وكم أنطق بالحكمة من لسان. وكم بسط من يد كانت مقبوضة عن الإحسان. وكم هذّب من نفس. وكم جلب من أنس. وكم كشف من لبس. وكم أغنى عن تخمين وحدس. وكم استعطف به من كريم. وكم استنزل به من لئيم. وكم أرهف من خاطر. وكم أفاد من حكمة ومثل سائر. وكم وقع من قلوب الأعادي، موقع السّهام. كما أخبر بذلك نبيّنا عليه أفضل الصلاة والسلام (4)، «عن ابن شهاب الزهري رحمه الله قال، حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، عن أبيه رضي الله عنه قال، قلت: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعر ما قد علمت، فما ترى فيه؟ قال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ويده، والذي نفسي بيده لكأنّما تنضحونهم بالنّبل». إلى غير ذلك من فضائله التي لا تحصى بعدّ، وخصائصه التي لا تحصر برسم ولا حدّ. (الطويل)
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة العلا، من أين تؤتى المكارم (5)
كان (6) أولى بأن يصرف إلى تعلّمه وتعليمه عنان العناية. وأحرى بأن يقدّم
__________
(1) من قوله تعالى {«رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ»}. سورة النمل 27/ 19أوزعه الشيء: ألهمه وأولعه به. (اللسان: وزع)
(2) ج: يتكلفه.
(3) القول في اقتطاف الأزهار 6.
(4) الفتح الرباني 19/ 276275.
(5) البيت من قصيدة لأبي تمام في مدح القاضي أحمد بن أبي دؤاد، مطلعها:
ألم يأن أن تروى الظّماء الحوائم ... وأن ينظم الشّمل المشتّت ناظم
وهي في ديوانه 3/ 183176
(6) هذا جواب كلمة (لمّا في قوله: «إن علم الأدب الذي هو لمّا كان من أجل العلوم»(1/178)
على غيره من العلوم رواية ودراية. وأجدر بأن تنفق في تحصيله نفائس الأعمار.
وأحق بإن يصان عمّن لا يقدّره حقّ قدره من السّفلة (1) الأوغاد (والجهلة) (2) الأغمار.
وكنت قديما ممّن خاض لججه، وركب ثبجه، وتلقّى رايته باليمين، وفاوض أهله في الغثّ منه والسّمين. ثم لم أزل جادّا في طلبه، حريصا على التحلية بقلائد عقيانه واقتناء شذور ذهبه، مغرما (3) بالتقاط غرره وعيونه (4) (واستخراج خباياه من زاواياه، واستنباط زلاله من ركاياه وعيونه) (5)، حتى ملأت من محاسنه عدّة رقاع وأوراق. وجمعت من أفانينه ما أعجب حسنه وراق. وحصلت من بدائعه على فوائد، ومن روائعه على فرائد، ومن قلائده على در ثمين، ومن خرائده على عرب أتراب وحور عين. وذلك حين غصن القدّ رطيب، وبرد الشباب قشيب، وصفو العيش غير مكدّر بمشيب.
ولمّا أن ولّى عصر الشباب، ومرّ من العمر ما احلولى وطاب، وآذنت بالرحيل (6) أيام اللهو والتّصابي، وجاء النذير، وذهب العيش النّضير: (الوافر)
فصرت الآن منحنيا كأنّي ... أفتّش في التّراب على شبابي (7)
وخشيت على تلك الأوراق والرّقاع، أن تصيبها قوارع البين، أو ترشقها سهام (8)
الحين، فتصير أثرا بعد عين، وتغتالها أيدي الضّياع، أردت (9)، الآن بعون الله سبحانه وتأييده، وتوفيقه جل جلاله وتسديده، أن أنظم فرائدها في
__________
(1) حاشية أ: «خ، السفهاء».
(2) ما بين القوسين ساقط من ح د.
(3) د، حاشية أ: مولعا. ج: مولفا، وهو غلط.
(4) في هذه العبارات تلميحات لكتب معروفة في الأدب هي: قلائد العقيان للفتح ابن خاقان، وشذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام، والتقاط الدرر لمحمد بن الطيب القادري وعيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري.
(5) ما بين القوسين ساقط من د.
(6) ج د: الرحل، وهو غلط.
(7) د: شكابي، وهو غلط.
لم أعثر على هذا البيت في المظان. وقد يكون للمؤلف.
(8) ج: بمنهام، وهو غلط.
(9) هذا جواب (ولما) في قوله: «ولما أن ولّى عصر الشباب».(1/179)
سلك هذا المجموع، وأجلو خرائدها في منصة هذا الموضوع، ليقع الانتفاع بها من بعدي، وأتشبّث بسببها بأذيال أهل العلم بحسب وسعي وعلى قدر جهدي. فذكرت فيه من أغراض الشّعر وفنونه، وغرره (1) وعيونه، وأبكاره وعونه، ومن أخبار غريبة، وحكايات (2) عجيبة، معزوّة لأربابها، ومسندة إلى أهاليها وأصحابها، حسبما رواها عنهم الثّقات، وأسندها إليهم الأئمة الأثبات، ما تتجلّى بطرائف معانيه أصداء النفوس، وتتحلّى (3) بجواهر ألفاظه أجياد الطّروس، ويمتزج بالقلوب امتزاج الأرواح بالأشباح، (4) (والأشباح بالأرواح)، ويؤثّر فيها من الطرب والسرور ما لا تؤثّره الرّاح، منتقيا ذلك من كتب مشاهير أئمة هذا الشأن، وفحول هذا العلم وفرسان هذا الميدان، كالكامل للشيخ الكامل الإمام العلم المفرد (5)
أبي العباس محمد بن يزيد المبرد، والأغاني للكاتب البارع أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، وبهجة المجالس، وأنس المجالس للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البرّ النّمري الأندلسي، وخاص الخاص لأبي منصور عبد الملك بن محمد (6) الثعالبي، وسراج الملوك للإمام أبي بكر الطّرطوشي، (7) والوافي في نظم القوافي للأديب صالح بن شريف الرّندي والوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل ابن آيبك الصفدي، وريّ الأوام ومرعى السّوام في نكت الخواص والعوام لأبي يحيى عبيد الله بن يحيى الزجالي الأندلسي، والصيّب والجهام ورقم الحلل في نظم الدول، كلاهما للسان الدين محمد بن الخطيب السلماني والمرقبة العليا فيمن يستحقّ القضاء والفتيا لأبي محمد عبد الله بن الحسين النّباهي (8) الأندلسي، وجذوة
__________
(1) ج: وغريزه، وهو غلط.
(2) د: وحكاية.
(3) ج: وتحلى
(4) ما بين القوسين ساقط من ب ج د.
(5) ج د: الفرد.
(6) أب ج د ش: محمد بن عبد الملك، وهو غلط والتصحيح من دمية القصر 2/ 966والذخيرة 4/ 2/ 583560ونزهة الألباء 365والوفيات 3/ 180178.
(7) ج د: والوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي، والوافي في نظم
(8) أ: البناهي، وهو غلط.(1/180)
الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام مدينة فاس للشيخ أبي العباس ابن القاضي الفاسي، وغير ذلك من كتب جهابذة الأئمة، وأساطين علماء الأمة، رحمهم الله أجمعين، ونفعنا ببركتهم، وحشرنا في زمرتهم بمنّه وكرمه آمين.
ولمّا أنعمت (1) النّظر في تنقيحه (2)، وتهذيبه، وأعملت الفكر في ترتيبه وتبويبه، ترجمته بالكوكب الثاقب في أخبار الشعراء وغيرهم من ذوي المناقب. (3)
وحصرت الكلام فيه في مقدمة، وعشرة أبواب (4) و (خاتمة).
الباب الأول في طبقات الشعراء، وما جاء في تعلّم (5) الشعر وتعليمه عن السّادة الكبراء.
الباب الثاني في ذكر نبذة من أشعارهم، وما يحسن إيراده من أخبارهم.
الباب الثالث في الحرب وتدبيرها وما ينبغي من الحزم والتيقّظ لمن يباشرها من مقدّمها وأميرها.
الباب الرابع في الشجاعة والجبن وآلات القتال، وما للشعراء في ذلك من بديع المقال.
الباب الخامس في الجود والسخاء والإيثار، وما يؤثر في ذلك من عجيب الحكايات وغريب الآثار.
الباب السادس في الشّحّ والبخل، وما ينبغي من تجنّبهما لأهل الفضل.
الباب السابع في السفه والحلم، وما قيل من أن أحقّ الناس به الولاة وأولو العلم.
الباب الثامن في ذكر ملوك بني أمية وابتداء دولتهم.
الباب التاسع في ذكر الخلفاء من بني العباس إلى منتهى دولتهم.
الباب العاشر في نوادر من الأخبار، حفظت عن أهل الجاهلية وغيرهم ونقلها الأئمة الأخيار.
__________
(1) أب ج د ش هـ و: أمعنت، وهو غلط، والتصحيح من اللسان فقد ورد فيه أنعم النظر في الشيء إذا أطال الفكرة فيه.
(اللسان: نعم)
(2) ج: أمعنت فيه النظر في تنقيحه.
(3) ج: بالكوكب الثاقيب من ذوي المناقيب. وهو غلط.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) ج: تعليم، وهو غلط.(1/181)
وبهذا الباب يقع إن شاء الله ختم الكتاب.
والله سبحانه المسؤول أن يعيننا على إكماله، وأن يتقبله منا أحسن قبول، وأن يحفظنا جلّ جلاله من الزيغ والزلل، وأن يقينا مصارع السوء في جميع ما نحاوله من قول أو عمل (1)، وأن يجعلنا ومن كان السبب في وضعه، وحملنا على تأليفه وجمعه، ممّن يبتغي بقوله وفعله وجه الله الكريم، وثوابه الجسيم. ف «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (2). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذا أوان الشروع في المقدمة. وبعدها أشرع إن شاء الله في المقصود من أبواب الكتاب، ثم الخاتمة. ومن الله تعالى أستمدّ التوفيق والهداية إلى الصواب. (3) {«لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ مَتََابِ»}.
__________
(1) ج د: وعمل.
(2) د: وإنما. ونص الحديث في فتح الباري 1/ 9، وسنن ابن ماجه 2/ 1413.
(3) سورة الرعد 13/ 31.(1/182)
مقدمة في شرح ماهية الأدب وانقسامه إلى غريزي ومكتسب
اعلم، أعزّك (1) الله، أن الأدب ينقسم إلى قسمين: غريزي ومكتسب. فأما الأدب (2) الغريزي فهو ما يخلقه الله سبحانه في جبلة العبد من الميل إلى اكتساب الفضائل، واجتناب الرذائل، والتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الشّيم، والتخلي عما يضاد ذلك، من غير رياضة سبقت ولا تعلّم تقدّم. كما نشاهد من أحوال بعض الصبيان من نشأتهم على السّمت الحسن، والخلق السّبط، والهدى المستحسن، إلهاما من الله وتوفيقا منه لهم. وهذا النوع من الأدب هو الذي يعبّر عنه بعضهم بالفقه النفسي. وهو مستمد من العقل الذي هو عنصر المعارف وينبوع العلم والحكمة، متولد منه وناشئ عنه. فمن ثمّ كان العقل من أجلّ ما أنعم الله سبحانه به على عباده، إذ هو الوسيلة إلى معرفة الله تعالى التي هي أساس كلّ خير من خيري الدنيا والآخرة. فبحسبه يعملون، وعلى قدر أعمالهم يجزون كما جاء مصرّحا به في الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم (3) فيروى عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا؟ فقال: بالعقل، قلت: وفي الآخرة؟ قال: بالعقل. قلت: أليس إنما يجزون بأعمالهم؟ فقال: وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم الله من العقل، فبقدر ما أعطوا منه، كانت أعمالهم، وبقدر ما عملوا به يجزون».
__________
(1) د: وفقك.
(2) ج د: فأما ماهية.
(3) نص الحديث في إحياء العلوم 1/ 75. وجاء في صفوة الصفوة 3/ 258257قول قريب منه نسب إلى معاوية بن قرة بن إياس، أحد التابعين الكبار وهو: «إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون، ويصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم».
ويرى كثير من العلماء بالحديث أن أحاديث العقل لا تثبت. أنظر اللآلي المصنوعة 1/ 128/ 131وتذكرة الموضوعات 29والمصنوع 256وسلسلة الأحاديث 13.(1/183)
وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (1) «ثلاث من حرمهنّ فقد حرم خير الدنيا والآخرة:
عقل يداري به النّاس، وحلم يردّ به السفيه، وورع يحجزه عن المحارم». وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (2) «أفضل الناس أعقل الناس». (3) ويروى أنه لما أهبط الله عز وجل آدم إلى الأرض، أتاه جبريل عليهما السلام، فقال له: «يا آدم! إن الله تعالى قد أحضرك ثلاث خصال لتختار منها واحدة وتخلّي عن اثنتين. قال: وما هنّ؟ قال:
الحياء والدّين والعقل. قال آدم: إني اخترت العقل. فقال جبريل للحياء والدين:
ارتفعا، فقد اختار العقل، قالا: لا نرتفع. قال: ولم، أعصيتما؟ قالا: لا، ولكنّا أمرنا أن لا نفارق العقل حيث كان». إلى غير ذلك من الآثار الواردة في فضله والأخبار المروية في شرفه وشرف المتصفين به من أهله. فبقدر قوة العقل تكون فضائل الإنسان، وبحسبه يتوصل إلى ما يتوصّل إليه من العلم والعرفان.
ومن ثمّ خصّ منه نبينا صلّى الله عليه وسلم بالحظّ الأوفر، وحظي منه بما لم يحظ به غيره من سائر البشر. عن وهب بن منبّه (4) رحمه الله تعالى، قال: (5) «قرأت في أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرجح (6) الناس عقلا وأفضلهم رأيا». وفي رواية عنه أنه قال: «فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع (7) النّاس من بدء الدّنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلّى الله عليه وسلم إلا كحبّة رمل من بين رمال الدنيا». ذكره القاضي عياض (8) في الشفا (9). وبقدر
__________
(1) الحديث في بهجة المجالس 1/ 533. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث التي رجعت إليها.
(2) نص الحديث في أدب الدنيا 29وسراج الملوك 55واللالئ المصنوعة 1/ 128. وهو موضوع، أنظر اللالئ المصنوعة 1/ 131، والمصنوع 256، وانظر الصفحة السابقة الحاشية 3.
(3) الخبر في العقد الفريد 2/ 245وبهجة المجالس 1/ 542541وحياة الحيوان 2/ 414،
(4) هو أبو عبد الله اليماني صاحب القصص، كان من خيار التابعين، ثقة صدوقا، كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالإسرائيليات. تولى قضاء صنعاء (114هـ) المعارف 459ومعجم الأدباء 19/ 260259والوفيات 6/ 3635 والأعلام 8/ 126125.
(5) الشفا: 1/ 67.
(6) ج د: لأرجح
(7) د: لجميع.
(8) هو عياض بن موسى اليحصبيّ السبتيّ عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته. كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، تولى قضاء سبتة ثم غرناطة، من تصانيفه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) (544هـ) قلائد العقيان 235232 (ط. التقدم العلمية) والتعريف بالقاضي عياض لولده، والوفيات 3/ 485483وتذكرة الحفاظ 4/ 13071304. والديباج المذهب 172168وأزهار الرياض 1/ 23والأعلام 5/ 99.
(9) الشفا 1/ 67.(1/184)
عقله كانت معارفه صلّى الله عليه وسلم التي لا تنتهي إلى أمد، ولا تقف عند حد، كما قال البوصيري رحمه الله تعالى: (1) (تام البسيط)
ومن علومك علم اللّوح والقلم
يعني النبي صلّى الله عليه وسلم.
فناهيك شرفا بخصلة يلازم صاحبها الحياء والدّين، ولا يفارقان المتصف بها أبد الآبدين. وبقدر ضعف عقل الإنسان يخلو عن الأدب الغريزي، وبقدر خلوّه عنه تكثر رذائله، وتقلّ أو تعدم فضائله. كما نشاهد أيضا من أحوال بعض الناس من نشأته على (2) الميل إلى الرذائل، والتجافي عن الفضائل. فيتعذّر في حقه التأديب (3) أو يتعسّر كما قال القائل (4): (تام الوافر)
إذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الأديب
وكما قال الآخر (5): (تام الوافر)
إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب
وحينئذ فمن كان بهذه السبيل، ممّن ليست فيه قابلية للتعلم ولا أهلية للتحصيل لجفاء طبعه ورداءة أخلاقه وسوء انحرافها، وفرط غباوته وغلبة الشر عليه، وميله عن معالي الأمور إلى سفسافها، فلا ينبغي أن يجعل محلا للإفادة وموضعا للتعليم (6)، لأن ضرر ذلك أكبر من نفعه، مع ما في الاشتغال بتعليمه من المشقة الفادحة والعناء العظيم. فقد حكي عن بعض الأمم السالفة أنهم كانوا
__________
(1) عجز بيت من قصيدة البردة التي مطلعها:
أمن تذكّر جيران بدي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وصدر البيت:
فإن من جودك الدنيا وضرّتها
والقصيدة في ديوانه 249238.
ويقصد بضرة الدنيا الآخرة.
(2) ج: عن، وهو غلط.
(3) ج: التأدب.
(4) لم أعثر على هذا البيت في المظان.
(5) البيت لعجوز بدوية وهو مع بيتين آخرين في المستطرف 1/ 211وورد في الكشكول 21مع أربعة أبيات أخرى لها أيضا.
(6) أنظر الأمالي 1/ 1 (المقدمة).(1/185)
يختبرون المتعلم مدة في أخلاقه، فإن وجدوا فيه خلقا رديّا منعوه العلم أشدّ المنع، وقالوا: (1) (إنه) يستعين بالعلم على (2) الخلق الرديء فيصير العلم آلة شرّ في حقه. وكان بعض العلماء الحكماء يقول (3): زيادة العلم في الرجل السّوء كزيادة الماء في أصول الحنظل، كلما ازداد ريّا ازداد مرارة:
وإنما يصلح للإفاده (4)
ذو أدب ترجى له السّياده
أي ذو أدب غريزي ترجى له السيادة بتحصيل الأدب المكتسب. فإذن الأدب الغريزي هو الحقيقي وغيره من المكتسب الحاصل بالرياضة والتعلم والمجاهدة إنما هو مكمّل له ومظهر لما (5) كمن منه. فمن لم يكن في أصل جبلّته شعبة منه فليس ينفع فيه تأديب، ولا ينجع فيه تعليم ولا تدريب، ولا تنقيح ولا تهذيب:
(تام البسيط)
وما التأدب إلا ما خلقت به ... لا ما استفدت من الأقلام والكتب (6)
ورحم الله الشيخ الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج الواسطيّ (7)، أحد أئمة المحدّثين، فقد روي عنه أن بعضهم وافى البصرة نحوه ليسمع منه الحديث ويكثر. فصادف المجلس قد انقضى (8) وانصرف شعبة إلى منزله. فحمله الشّره على أن سأل عن منزل شعبة، فأرشد إليه، فجاء فوجد الباب مفتوحا، فدخل من غير استئذان، فوجد شعبة على البالوعة يبول. فقال السلام عليكم، رجل غريب، قدمت
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) ج: عن، وهو غلط.
(3) لم أعثر على هذا القول في المظان التي رجعت لها
(4) لم أعثر على هذين البيتين في المظان.
(5) ج: ما.
(6) د: خلقت له، وهو غلط.
ولم أعثر على هذا البيت في المظان.
(7) من أئمة المحدثين نزيل البصرة ومحدثها (16082هـ) الوفيات 2/ 470469وتذكرة الحفاظ 1/ 197193 والاعلام 3/ 164.
(8) د: انتقض.(1/186)
من بلدة بعيدة لتحدّثني بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاستعظم شعبة ذلك منه (1) فقال يا هذا، دخلت منزلي بغير إذني، وتكلمني على مثل هذا الحال!؟ فقال: إني خشيت الفوت. فقال: تأخّر عني حتى أصلح من شأني، فلم يفعل، واستمرّ في الإلحاح، وشعبة يخاطبه وذكره في يده يستبرئ. فلما أكثر قال له: اكتب (2) «حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود البدري عن رسول صلّى الله عليه وسلم، قال:
إن مما أدرك الناس من كلام النبوءة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت». ثم قال: والله لا حدّثتك بعد هذا (3) الحديث، ولا حدّثت قوما تكون فيهم.
فانظر أكرمك الله إلى صنع هذا الإمام الجليل، وكيف امتنع من تحديث هذا السائل مع شدة إلحاحه (4) عليه، ومع ما علم من حاله هو من رغبته في بث العلم ونشره وحرصه على الإفادة بما لديه. وما ذلك إلا لأنه لما لم يره أهلا للإفادة لما (5)
قام به من سوء الأدب واحتفّ به من قلة الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، عامله بالإبعاد وقابله بالطرد، وعاقبه بالحرمان، صيانة للحكمة عن وضعها في غير محلها، وعن بذلها لغير مستحقها، وإيتائها غير أهلها، عملا بقوله صلّى الله عليه وسلم: (6) «لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم». أو كما قال عليه الصلاة والسلام وما زال العلماء رضي الله عنهم يحضون على التزام الأدب في طلب العلم، ويحذرون من طلبه بالجهل. قال ذو النون المصري (7) رحمه الله: إياك
__________
(1) لأنه سلم عليه وهو يبول، ولم يكتف بذلك بل طلب منه أن يحدّثه، وقد نهى الرسول صلّى الله عليه وسلم عن التسليم على رجل أثناء البول. أنظر سنن ابن ماجه 1/ 7574
(2) فتح الباري 10/ 523وسنن ابن ماجة 2/ 1400ولباب الآداب 282وتذكرة الحفاظ 3/ 922وكشف الخفاء 1/ 14 وفي شرح الموطأ 2/ 47: «فافعل ما شئت».
(3) د. بغير هذا.
(4) د: الحاجة، وهو غلط.
(5) د: بما.
(6) الحديث في العقد الفريد 2/ 215وأدب الدنيا 89ونسب في طبقات الصوفية 22والذريعة إلى مكارم الشريعة 121 وكشف الخفاء 2/ 373لعيسى عليه السلام وورد في سنن الدارمي 1/ 105، 106حديث قريب منه، نصّه «لا تحدّث الباطل للحكماء فيمقتوك ولا تحدث الحكمة للسّفهاء فيكذبوك ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل «أو» لا تمنع العلم من أهله فتأثم ولا تنشره عند غير أهله فتجهل وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع» ومثله في إحياء العلوم 1/ 51لأحد العلماء.
(7) هو أبو الفضل ثوبان بن إبراهيم، المشهور بذي النون كان زاهدا وأحد رجال الطريق (245هـ) أنظر طبقات الصوفية 2615والوفيات 1/ 318315.(1/187)
أن تطلب العلم بالجهل. فقيل له: وكيف نطلب العلم بالجهل؟ فقال: إذا قصدت العالم في غير وقته، وتخطّيت الرقاب، وتركت في طلبه حرمة الشيوخ، ولم تستعمل في طلبه السكينة والوقار والأدب، فذلك طلب العلم بالجهل.
وهذا إمامنا مالك بن أنس رحمه الله ورضي الله عنه (1) (لمّا) سأله جرير ابن عبد الحميد (2) القاضي عن حديث وهو قائم أمر بحبسه. فقيل له: إنه قاض.
فقال: القاضي أحقّ من أدّب. ولمّا سأله هشام بن الغازي (3) عن حديث وهو واقف أمر بضربه فضرب (4) عشرين سوطا. ثم رقّ له فحدّثه عشرين حديثا. فقال هشام: وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا. ولمّا مشى معه عبد الرحمن بن مهدي (5) يوما إلى العقيق (6)، فسأله عن حديث انتهره وقال له: كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن نمشي. إلى غير ذلك ممّا جاء عن الأئمة في هذا المعنى مما يفوت الحصر.
ولله درّ أبي عبيدة حيث قال: ما قرعت بابا على عالم قط. وحينئذ ففعل شعبة، رحمه الله، لما فعل من تأديب هذا السائل بما ذكر، صواب. وليت الناس قفوا أثره في ذلك. فما أتي العلماء رحمهم الله إلّا من عدم توقيرهم للعلم وتساهلهم في أمره، وانتهاكهم لحرمته واستخفافهم بعظيم قدره (7): (الطويل)
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهانوا، ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) هو محدث الري عالم ثقة (188هـ) أنظر تاريخ بغداد 7/ 253وميزان الاعتدال 1/ 396394وتذكرة الحفاظ 1/ 272271والأعلام 2/ 119.
وانظر الخبر في ترتيب المدارك 2/ 25
(3) محدث وعابد وإمام مقرئ من دمشق (153هـ) أنظر سير الأعلام 7/ 60وميزان الاعتدال 4/ 304.
(4) ج د: أمر بضربه فضرب. أب: ضربه.
(5) العنبري البصري اللؤلئي فقيه من كبار حفاظ الحديث (198هـ) أنظر تذكرة الحفاظ 1/ 332329والأعلام 3/ 339 والخبر في ترتيب المدارك 2/ 25.
(6) العقيق هو كلّ مسيل ماء شقّه السيل ويقصد عقيق المدينة وفيه عيون ونخل وهو على بعد ليلتين منها. معجم ما استعجم (3/ 953952) ومعجم البلدان 4/ 139138.
(7) البيتان للقاضي الجرجاني. من المقطوعة الآتية، كما ذكر المؤلف، وهي في معجم الأدباء 14/ 1817وأغلبها في اليتيمة 4/ 23والإعجاز 195وبعضها في كشف الخفاء 2/ 152والبيت الأول في طبقات الفقهاء 122والوفيات 3/ 278 قوله: «ولو أن أهل العلم صانوه تضمين للحديث: «لو أن أهل العلم صانوه ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم، ولكن بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها» أنظر كشف الخفاء 2/ 152.(1/188)
وقبل هذين البيتين مما يؤكّد هذا المعنى ويشيد هذا المبنى:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما (1)
إذا قيل هذا مورد، قلت: قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما (2)
ولم أقض حقّ العلم إن كنت كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأغرسه عزّا وأجنيه ذلّة ... إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم البيتان
وهذه الأبيات للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (3) رحمه الله.
والحديث الذي أملاه شعبة على السائل صحيح، أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه بلفظ (4): «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» بإسقاط لفظ «الأولى» (5). وأخرجه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7) وابن ماجه (8) باللفظ المذكور. ومعناه، والله أعلم: أن الحياء ممّا اتفقت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في شريعة آدم عليه الصلاة والسلام واتّفقت عليه بقيّتها، فما من نبي إلّا ندب (9) إليه وحضّ عليه.
وأما الأدب المكتسب فهو ما يحصل للإنسان من الكمالات بالتّعلّم والرياضة والمجاهدة. فيكون مطلوب الاكتساب كغيره من العلوم المكتسبة ومن جملة ما يتناوله الأمر بالتعلّم في نحو قوله صلّى الله عليه وسلم: (10) «يا أيّها الناس، تعلّموا، فإنّما العلم
__________
(1) حاشية د: = خ في موقف =.
(2) حاشية أ: = خ هذا منهل =.
(3) قاض من العلماء بالأدب والنقد من أشهر كتبه الوساطة بين المتنبي وخصومه (366هـ) اليتيمة 4/ 263وطبقات الفقهاء 122والوافي بالوفيات 3/ 278.
(4) فتح الباري 10/ 523ونثر الدر 1/ 207.
(5) لم تسقط «الأولى» من صحيح البخاري، ولعلها سقطت من النسخة التي نقل منها المؤلف.
(6) الفتح الرباني 19/ 206.
(7) عون المعبود 13/ 153
(8) سنن ابن ماجة 2/ 1400.
(9) النّدب أن يندب إنسان قوما إلى أمر أو حرب أو معونة أي يدعوهم إليه (اللسان: ندب).
(10) فتح الباري 1/ 160، 6/ 217، 13/ 293، وسنن ابن ماجة 1/ 80ونثر الدر 1/ 183وكشف الخفاء 2/ 285.(1/189)
بالتّعلّم، والفقه بالتّفقّه ومن يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين» كما يؤذن به حذف المفعول على أحد الاحتمالين في مثله عند أهل العربية، وأرباب الصّناعة الأدبية.
وهذا النوع من الأدب هو المعنيّ بقول من قال لابنه (1) (من العرب) يحضّه على تعلّمه بالجد فيه والدأب: يا بنيّ عليك بالأدب، فإنّه يرفع العبد المملوك، حتى يجلسه في محلّ الملوك. ويقول عبد الملك بن مروان لبنيه (2): «عليكم بالأدب، فإن كنتم ملوكا سدتم، وإن كنتم وسطا رأستم، وإن أعوزتكم المعيشة عشتم».
ويقول أيوب بن القرّيّة (3): «تأدّبوا، فإن كنتم ملوكا سدتم وإن كنتم وسطا فقتم، وإن كنتم فقراء استغنيتم». وغيرهم ممّن نحا منحاهم في الحضّ عليه، وصرف عنان العناية إليه، ممّا هو في كلام أهل الأدب كثير وبينهم شهير.
وقد اختلفت مقالاتهم في التعبير عن حقيقته، والكشف عن ماهيته، فقيل:
هو معرفة الأشعار والأخبار. وقيل: هو التّفنّن في العلوم والمشاركة فيها، فيقال فلان أديب، أي متفنّن في العلوم مشارك فيها. وقيل: هو عبارة عن مجموع أربعة عشر علما، وهي: اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والقوافي والعروض وقرض الشّعر، أي معرفة كيفية النّظم وترتيبه، والإنشاء أي معرفة كيفية صوغ الكلام المنثور على وجه مخصوص، والكتابة أي معرفة أحوال الحروف في وضعها وكيفية ترتيبها خطّا، والقراءات أي معرفة أحوال ألفاظ القرآن من حيث النّطق بها، والمحاضرات أي معرفة تأدية الكلام على أساليب مختلفة، والتفنن في أنواع المخاطبات وأصناف المحاورات. قالوا: ومن علم المحاضرات علم التاريخ. فمجموع هذه الأربعة عشر علما عند هذا القائل هي الأدب. إلى غير ذلك من المقالات، المختلفة العبارات، بحسب اختلاف الاعتبارات.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) القول في بهجة المجالس 1/ 114وشرح المقامات 2/ 154.
(3) هو أيوب بن زيد والقّريّة أمّه، أحد بلغاء الدّهر، خطيب يضرب به المثل (84هـ) الوفيات 1/ 255250 والأعلام 2/ 37والقولة في بهجة المجالس 1/ 112.(1/190)
وهذه المقالات، وإن اختلفت مبنى، فليس بينها اختلاف في المعنى لرجوعها بالآخرة إلى معنى واحد، وذلك أن من قال: إنه معرفة الأشعار والأخبار (1) كأنه نظر إلى ما عليه مداره، وما يلزم فيه ملاحظته واعتباره. ولا شك أن فلكه دائر على معرفة الأشعار ورواية الأخبار. ومن قال: إنّه التّفنّن في العلوم والمشاركة فيها كأنّه رأى (2) أن ماهيته في الجملة وعلى سبيل التقريب إنما تتقوّم بعلوم (3) متعددة أعمّ من أن تكون رواية الأخبار ومعرفة الأشعار، أو غير ذلك من العلوم الأربعة عشر المذكورة في القول الآخر، أو غيرها. غايته أنه أبهم تلك العلوم ولم يفسّرها، والخطب في ذلك سهل. ومن رأى أنه مجموع أربعة عشر علما، كأنّه أشار إلى بيان العلوم الدائر فلكه عليها، وتفصيل ما أجمله غيره منها. والله سبحانه وتعالى (4) أعلم.
ثم إنهم (5) قسّموه إلى غايتين، ونوّعوه إلى مرتبتين: دنيا وعليا. فأمّا غايته (6) الدنيا فهي أن يحصل للمتأدّب بالنظر في الأدب والتّمهّر فيه قوة يقتدر بها على النظم والنثر لا غير. وأما غايته العليا فهي أن يحصل له قوة على فهم كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويعلم كيف يبني الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة بعضها على بعض حتى يستنبط منها الأحكام على حسب ما تقتضيه مباني كلام العرب ومجازاتها كما يفعله (7) أهل الأصول.
وهذا سفيان بن عيينة (8) رحمه الله على جلالته، وكمال حفظه واتّساع روايته كان كثيرا ما يسأل ابن مناذر (9) عن معاني حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيخبره
__________
(1) ج د: الأشعار والأخبار. أ. ب: الأخبار والأشعار.
(2) د: يرى.
(3) د، حاشية أ: من علوم.
(4) ج د: والله تعالى أعلم.
(5) منقول من الاقتضاب 14ببعض التصرف إلى قوله (الأصول)
(6) ج: غاية وهو غلط.
(7) ب د: يفعل.
(8) هو محدّث الحرم المكي، كان إماما زاهدا ورعا حجّ سبعين حجة (198هـ) المعارف 507506والوفيات 2/ 393391وتذكرة الحفاظ 1/ 265262والأعلام 3/ 105.
(9) سترجم له المؤلف برقم 31. وانظر الخبر في الأغاني 18/ 170.(1/191)
بها ويقول له: كذا مأخوذ من كذا. فيقول سفيان: كلام العرب يأخذ بعضه برقاب بعض، كما يأتي في ترجمة ابن مناذر، إن شاء الله.
وبين المقامين بون بعيد، وتفاوت شديد، لا يخفى على من له فهم ثاقب ونظر سديد. وقد نصّ على الغايتين المذكورتين الإمام أبو محمد البطليوسي الشهير بابن السّيد (1). فإنه قال، رحمنا الله وإياه، في شرح أدب الكاتب لابن قتيبة، بعد أن ذكر من غايتي الأدب نحوا ممّا قدّمناه (2) مشيرا إلى أفضل غايتيه وأكمل مرتبتيه: (3) «وفي الأدب لمن حصّل هذه المرتبة منه أعظم معونة على علم الكلام وكثير من العلوم النظرية، فقد زهد النّاس في علم الأدب وجهلوا قدر الفائدة الحاصلة منه حتى ظن المتأدّب أنّ أقصى غاياته أن يقول من الشعر أبياتا. والشعر عند العلماء أقصى مراتب الأدب لأنه باطل يجلى في معرض حقّ وكذب يصوّر بصورة صدق. قال: وهذا الذّمّ يتعلق بمن ظنّ صناعة الشّعر غاية الفضل. وأفضل حلى النّبل، فأمّا من كان الشعر بعض حلاه، وكانت له فضائل سواه، ولم يتّخذه مكسبا وصناعة، ولم يرضه لنفسه حرفة وبضاعة، فإنّه زائد في جلالة قدره، ونباهة ذكره» انتهى. ذكر ذلك في شرح قوله: (4) «فأبعد غايات كاتبنا في كتابته أن يكون حسن الخطّ قويم الحروف، وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشعر أبياتا في مدح قينة أو وصف كأس» إلخ.
وبالجملة فالأدب من أحسن ما يتحلى به الإنسان، وأجمل ما يتنافس فيه ذوو (5) العرفان، لكونه من أعظم الوسائل إلى معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، كما بيّنه لك أبو محمد ابن السّيد رحمه الله تعالى. وكفى بذلك شرفا
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن السيّد البطليوسي، من علماء اللغة والأدب في الأندلس، من كتبه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، وهو من المصادر التي أخذ منها المؤلف (521هـ) الوفيات 3/ 9896والأعلام 4/ 123.
(2) د: قدمنا.
(3) الاقتضاب 1514.
(4) أدب الكاتب 2، الاقتضاب 14
(5) أب ج د: ذو، ش: ذوي، وهو غلط، صوبناه.(1/192)
وفضلا. وكيف لا وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (1) «ما منح والده ولده منحة أفضل من حسن الأدب». وفي رواية: «ما نحل والد ولده نحلة خيرا من أدب حسن». وقال بعض الحكماء (2) «أفضل ما يورث الآباء الأبناء: الثناء الحسن والأدب النافع والإخوان الصالحون». وحكي (3) عن بعض الملوك أنه قال لبعض وزرائه وأراد محنته: «ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به. قال: فإن عدمه؟ قال: فأدب يتحلّى به. قال: فإن عدمه؟ قال: فمال يستره. قال فإن عدمه؟
قال: فصاعقة تحرقه فتريح منه البلاد والعباد».
ومما له تعلّق بالمقام الحكاية المشهورة، وهي أن بعض الولاة جاءه جلوازه (4)
بثلاثة صبيان، فقال لأحدهم: من أبوك؟ فقال (5): (الطويل)
أنا ابن الذي لا تنزل الدّهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود
فقال له: ما كان أبوك يا هذا إلّا كريما، ثم قال للآخر: من أبوك؟ فقال (6):
(تام المنسرح)
أنا ابن من ذلّت الرّقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرّغم وهي خاضعة ... يأخذ من مالها ومن دمها
فقال له: ما كان أبوك يا هذا إلا شريفا، ثم قال للثالث: من أبوك؟ فقال (7):
(الطويل)
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه ... وقوّمها بالسّيف حتى استقامت
ركاباه لا تنفكّ رجلاه منهما ... إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت
__________
(1) الفتح الرباني 19/ 45والجامع الصحيح 4/ 338ونثر الدر 1/ 164وبهجة المجالس 1/ 109و 765واللسان (نحل) وكشف الخفاء 2/ 305.
(2) بهجة المجالس 1/ 114وشرح المقامات 2/ 154.
(3) الخبر في البيان 1/ 7، 221والكامل 1/ 75وأدب الدنيا 31وتذكرة ابن حمدون 117واقتطاف الأزهار 5.
(4) الجلواز: التّؤرور، وهو تابع الشرطي، وقيل هو الشرطي. (اللسان: تأر، جاز).
(5) البيتان في العقد الفريد 2/ 466والغيث المسجم 1/ 101 (ط. العلمية) غير منسوبين.
(6) البيتان في الغيث المسجم 1/ 101 (ط. العلمية) غير منسوبين.
(7) لم أعثر على البيتين في المظان التي رجعت اليها.(1/193)
فقال له الوالي: ما كان أبوك يا هذا إلّا شجاعا. وأمر بإطلاقهم. فلما ولّوا قال له بعض الحاضرين: إن الأول كان أبوه يبيع (1) الباقلاء المطبوخة. والثاني كان أبوه حجّاما، والثالث كان أبوه حائكا. فقال الوالي: علّموا أولادكم الأدب فو الله لولا أدبهم لضربت أعناقهم. فتأمّل أكرمك الله ما اشتملت عليه هذه الحكاية، فضلا عن غيرها (2) ممّا ذكرناه، وممّا لم نذكره، تجدها الغاية في فضل الأدب، والنهاية في مدحه، والحضّ على تعلّمه. وبالله سبحانه التوفيق.
الباب الأول في طبقات الشعراء وما جاء في تعلم الشعر وتعليمه عن السادة (3) الكبراء
اعلم، وفّقنا الله وإياك، أن طبقات الشعراء ثلاث: جاهليّ ومخضرم وإسلاميّ. فأمّا الجاهليّ فهو الذي لم يدرك الإسلام، ورؤوس هذه الطبقة الشعراء الستة المشهورون (4)، وديوان شعرهم معروف، فمن أراد الوقوف على أشعارهم، واجتلاء عرائس بنات أفكارهم فعليه به، ففيه من ذلك ما يشفي الغليل ويبرئ العليل، ورأسهم امرؤ القيس بن حجر الكندي.
وأما المخضرم فهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام ككعب بن مالك، وكعب بن زهير ونظرائهما (5). وقد تضمنت كتب المغازي والسّير كثيرا من أشعارهم، وجملة شافية (6) من أخبارهم، فمن أحبّ الوقوف عليها فليرجع إليها. ومن هذه الطبقة النابغة الجعدي ورأسهم حسان بن ثابت رضي الله عنه.
__________
(1) د: كان يبيع أبوه. ج: كان يبيع أباه، وهو غلط.
(2) د: غيره، وهو غلط.
(3) ج د: السادات.
(4) هم الشعراء الستة الجاهليون الذين جمع لهم العالم الأندلسي الأعلم الشنتمري شعرهم وشرحه وهم امرؤ القيس والنابغة وعلقمة بن عبدة وزهير بن أبي سلمي وطرفة بن العبد وعنترة بن شداد. طبعه المستشرق أهلوارد سنة 1869م بعد تصحيحه ثم نشره مصطفى السقا باسم مختار الشعر الجاهلي سنة 1930وكذلك فعل الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجة سنة 1945أنظر مقدمة ديوان النابغة 6، ت محمد أبو الفضل دار المعارف مصر 1977.
(5) د ش: ونظائرهما.
(6) حاشية أ: «خ صالحة».(1/194)
وأما الإسلامي فهو الذي نشأ في الإسلام. وهذه الطبقة ثلاثة أصناف:
محدث ومولّد، وبعد ذلك كل عصر ينسب إليه أهله. والمحدثون جماعة منهم العتابي كلثوم بن عمرو، وأشجع السلمي، ورأسهم بشار بن برد. والمولّدون جماعة منهم مسلم بن الوليد صريع الغواني، والرقاشي، ورأسهم أبو نواس الحسن بن هانئ. وقال صاحب العمدة (1):
«كان ابن المعتز وابن الرومي وأبو تمام والبحتري طبقة متداركة غطّوا على من سواهم» (2) «ثو جاء أبو الطيب المتنبي فشغل الناس بشعره».
ثم اعلم أن الشّعر في الجملة مندوب إليه، ومرغّب فيه، ومحضوض عليه، لحديث (3) «إن من الشّعر لحكمة»، ولما روي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (4) «إنّ هذا الشعر جزل من كلام العرب، به يعطى السائل، وبه يكظم الغيظ، وبه يؤتى القوم في ناديهم»، ولما روي عن عمرو بن الشّريد (5) [عن أبيه] (6) رضي الله عنه أنه قال: (7) «ردفت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يوما، فقال لي: هل معك شيء من شعر أمية بن أبي الصلت؟ فقلت: نعم. فقال: هيه (8). فأنشدته بيتا. فقال: هيه، فأنشدته بيتا آخر إلى مائة بيت». وروي عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها أنها قالت: (9)
«رويت للبيد اثني عشر ألف بيت». وكانت لا ينزل بها أمر إلّا أنشدت فيه شعرا.
وعن أبي الزّناد رحمه الله قال (10): ما رأيت أحدا أروى للشّعر من عروة بن الزّبير.
__________
(1) العمدة 1/ 101.
(2) أالعمدة 1/ 100
(3) فتح الباري 10/ 537وسنن ابن ماجة 2/ 1235وزهر الآداب 1/ 65والعمدة 1/ 27وبهجة المجالس 1/ 38.
(4) لم أعثر على هذا الحديث في المظان.
(5) عمرو بن الشريد الثقفي، أحد التابعين المعروفين. الإصابة 5/ 298، 6/ 340.
(6) زيادة من صحيح مسلم 7/ 48. وأضفتها حتى لا يعتقد أن عمرو بن الشريد رأى النبي صلّى الله عليه وسلم.
(7) الفتح الرباني 19/ 278وصحيح مسلم 7/ 48وسنن ابن ماجة 2/ 1236والتاريخ الكبير 3/ 119. والبداية والنهاية 2/ 228.
(8) هيه: اسم فعل أمر تقال للاستزادة من الحديث أو الشعر المعهود بين المتكلمين. (اللسان: هيه).
(9) العمدة 1/ 30
(10) بهجة المجالس 1/ 37.(1/195)
وقيل له: ما أرواك للشّعر! فقال: وما روايتي من رواية عائشة له، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت (1) (فيه) شعرا. ومثله عن عمر بن الخطاب وغير واحد من الصحابة والتابعين رضوان الله عنهم أجمعين وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (2) «تعلّموا الشّعر، فإن فيه محاسن تبتغى (3)، ومساوئ تتّقى وفيه حكمة الحكماء، ودلالة على مكارم الأخلاق».
وروى ثور بن يزيد الكلاعي (4) عن خالد بن معدان (5) رضي الله أنه قال (6): «كلّ حكمة لم ينزل بها كتاب ولا بعث بها نبيّ ذخّرها الله حتى تنطق بها ألسن الشعراء». وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (7) «علّموا أولادكم الرّماية والعوم، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا، وروّوهم ما يجمل من الشعر». وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قال: (8) «اجعلوا الشّعر أكبر همّكم وأكثر آدابكم، فإنّ فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتني يوم الهرير (9)، وقد عزمت على الفرار، فما يردّني إلّا قول ابن الإطنابة الأنصاري واسمه عمرو (10):
أبت لي عفّتي وأبى بلائي ... وأخذي المدح بالثّمن الرّبيح
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) زهر الآداب 1/ 23واقتطاف الأزهار 6.
(3) حاشية أ «خ تنتقي».
(4) أب ج د ش: الديلمي، وهو غلط صححناه. وقد وقع خلط بين ثور بن يزيد الكلاعي الذي روى عن خالد بن معدان من جهة وثور بن زيد الديلمي المتوفى سنة 135هـ أنظر عن هذا الأخير تهذيب التهذيب 2/ 3231.
وأما ثور بن يزيد الكلاعي فهو محدث حمص حافظ ثقة، حدث عن خالد بن معدان وغيره (153هـ) المعارف 505 وتذكرة الحفاظ 1/ 175وميزان الإعتدال 1/ 375374ومرآة الجنان 1/ 323322وتهذيب التهذيب 2/ 3533 والشذرات 1/ 234والأعلام 2/ 102.
(5) هو أبو عبد الله الكلاعي الحمصي عالم أهل بلده في زمانه لقي سبعين صحابيا كان كثير العبادة، وهو أحد المحدثين الثقات (104هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 93والأعلام 2/ 299.
(6) القول في الكامل 1/ 265وبهجة المجالس 1/ 38وبعضه في عيون الأخبار 2/ 168.
(7) القول في بهجة المجالس 1/ 767.
(8) القول في الكامل 4/ 68والعمدة 1/ 29والوفيات 5/ 241.
(9) يوم الهرير من أعظم أيام صفين. العقد الفريد 4/ 346وثمار القلوب 637 (ت أبو الفضل).
(10) هو عمرو بن عامر، شاعر فارس جاهليّ من أشراف الخزرج. الأغاني 11/ 121ومعجم الشعراء 203والأعلام 5/ 80 والأبيات من قصيدة قالها عندما هدّده بعضهم بالقتل، مطلعها:
ألا من مبلغ الأحلاف عنّي ... فقد تهدى النصيحة للنّصيح
وهي في شعره 9493ومنها أربعة أبيات في حماسة البحتري 9والأبيات الثلاثة في الكامل 4/ 68والعقد الفريد 1/ 104والأمالي 1/ 258ومعجم الشعراء 204والعمدة 1/ 29.(1/196)
وإجشامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
وعن ابن عباس (1) رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (2) «إذا سألتموني عن شيء من عربية القرآن فاطلبوها في الشّعر، فإنّ الشعر ديوان العرب». ومعنى كونه ديوانهم، أنهم كانوا يرجعون إليه عند اختلافهم في الأنساب والحروب وإجراء الأرزاق، كما يرجع أهل الديوان إلى ديوانهم عند اشتباه شيء عليهم لأنه مستودع علومهم وآدابهم وحكمهم، ومعدن قصصهم وأخبارهم.
وعن (3) إمامنا مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه أنه مرّ بقينة تغنّي بشعر مسلم اليتيم (4): (تام الخفيف)
أنت أختي وأنت حرمة جاري ... وحقيق عليّ حفظ الجوار
إن للجار إن تغيّب عينا ... حافظا للمغيب والأسرار
ما أبالي أكان للبيت ستر ... مسبل أم بقى بغير ستار
فقال رحمه الله: يا أهل الدار علّموا فتيتكم (5) هذا ونحوه».
والآثار في هذا المعنى أكثر من أن نأتي عليها، وحسبك منها ما ذكرنا (6)
مما فيه الكفاية والغنية لمن وفّق إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أيضا أنه يحوز للإنسان أن ينشد الشعر، وأن يسمعه من غيره إذا أنشده، كما أفصح به مر ذكرناه من الآثار، وجرى عليه عمل الناس في سائر الأعصار والأمصار، لكن إذا كان ينشد على نحو الحدّ الذي كان ينشد عليه في
__________
(1) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أحد الصحابة الأجلاء، وأحد العلماء بالقرآن والتفسير والحديث والأنساب والشعر، دعا له الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل القرآن (68هـ) الاستيعاب 3/ 939933.
(2) القول في 1/ 30.
(3) الخبر في ترتيب المدارك 2/ 140
(4) لم أعثر لمسلم اليتيم على تعريف في المظان.
والأبيات غير منسوبة في ترتيب المدارك 2/ 140.
امرأة مغيب ومغيب ومغيبة: غاب بعلها أو أحد من أهلها. بقي الشيء يبقى بقاء وبقى بقيا. (اللسان: بقي، غيب).
(5) حاشية أ: «خ: فتيتكم» ب: فتيتكم. أج ش: قينتكم.
(6) ج د: ذكرت.(1/197)
زمانه صلّى الله عليه وسلم، وعمل به من بعده من الصحابة والتابعين، ومن يقتدى به من أهل العلم وأئمة المسلمين.
وذلك أنه كان ينشد لفوائد:
منها المنافحة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وعن الإسلام وأهله، فإنهم كانوا في زمانه صلّى الله عليه وسلم يعارضون به الكفار في أشعارهم التي كانوا يذمون فيها الإسلام وأهله، ويمدحون الكفر وأهله. ومن ثمّ كان ينصب لحسان بن ثابت رضي الله عن منبر في المسجد ينشد عليه، إذا وفدت الوفود، حتى يقولوا: خطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا. ويقول له صلّى الله عليه وسلم: (1) «اهجهم، يعني الكفار، وجبريل معك، ويدعو له، فيقول: اللهم أيّده بروح القدس ما دام ينافح عن نبيّك». وقد تقدم حديث الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (2) «قلت: يا رسول الله»، قد أنزل الله في الشعر ما قد علمت، فما ترى فيه؟ قال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ويده، والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنّبل» فتذكّر.
ومنها أنهم كانوا ربما أنشدوا الشعر في الأسفار الجهادية تنشيطا لكلال النّفوس، وتنبيها للراوحل أن تنهض بأثقالها. كما كان أنجشة (3) وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما يحدوان بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق (4): (مشطور الرجز)
نحن الذين بايعوا محمّدا
على الجهاد ما حيينا أبدا
__________
(1) الفتح الرباني 19/ 275وفتح الباري 10/ 546.
(2) الفتح الرباني 19/ 276275.
(3) أنجشة هو مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كان حبشيا يكنى أبا مارية، كان يسوق الإبل بنساء النبي عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له النبي: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير، يعني النساء. انظر أنساب الأشراف 482والاستيعاب 1/ 140.
(4) صحيح مسلم 5/ 189وفتح الباري 6/ 46والرسالة القشيرية 151.(1/198)
فيجيبهم صلّى الله عليه وسلم: «اللهمّ لا خير إلا خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة».
ومنها أنهم كانوا يتعرضون به لحاجاتهم، ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (1) «من أفضل ما أعطيته العرب الأبيات يقدّمها الرجل أمام حاجته، فيستعطف بها الكريم، ويستنزل بها اللئيم»، كما فعل كعب بن زهير رضي الله عنه، وذلك أنه كان في جاهليته ممّن يهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويؤذيه بلسانه، فلمّا (2) انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غزوة الطائف راجعا إلى المدينة كتب إليه أخوه بجير بن زهير بن أبي سلمى يخبره أن رسول الله عليه وسلم قد قتل رجالا بمكة ممّن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض. فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض، ولم يجد بدّا من الإسلام والاستسلام، فقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به، وأتى المدينة مستخفيا، فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه معرفة، فغدا به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين صلى الصبح، فجلس بين يديه ووضع يده في يده، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يعرفه، فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء (3) ليستأمنك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: نعم. قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير. فوثب عليه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله دعني وعدوّ الله أضرب عنقه، فقال صلّى الله عليه وسلم: دعه عنك، فإنه قد جاء تائبا نازعا (4). فغضب كعب على الأنصار لما صنع به صاحبهم، ومدح المهاجرين دونهم، إذ لم يتكلم فيه رجل منهم إلا بخير.
__________
(1) الكامل 1/ 75والعمدة 1/ 16وشرح المقامات 2/ 154وأخبار عمر 308.
(2) من السيرة 2/ 512501بتصرف والخبر في الأغاني 17/ 8986.
(3) ج د: جاءك.
(4) نزع عن الصّبا والأمر ينزع نزوعا: كفّ وانتهى. (اللسان: نزع)(1/199)
والقصيدة التي قالها كعب في ذلك، وأنشدها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المسجد مطلعها: (1)
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم عندها لم يجز مكبول
وما سعاد غداة البين إذ برزت ... إلا أغنّ غضيض الطّرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنّه منهل بالرّاح معلول (2)
منها:
وقال كلّ صديق كنت آمله ... لا ألهينّك، إنّي عنك مشغول
فقلت: خلّوا طريقي، لا أبالكم ... فكلّ ما قدّر الرّحمن مفعول
كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
نبّئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا، هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ وتفصيل (3)
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب، ولو كثرت فيّ الأقاويل
منها:
إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف الله مسلول
يروى أن كعبا (4) لمّا أنشد رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا البيت، أشار إلى الحاضرين أن اسمعوا تعجيبا (5) بقوله. ويقال إنه لما أنشده قوله:
نبّئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
__________
(1) من قصيدة طويلة في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلم، والاعتذار إليه، وهي في شرح ديوانه 256، والسيرة 2/ 513503، وجمهرة الأشعار 800788، ومنها 12بيتا في الشعر والشعراء 1/ 161160.
متبول: غلبه الحبّ. متيّم: مذلّل. الأغنّ: الذي يخرج كلامه من خياشيمه، والغنّة: صوت فيه ترخيم. الغضيض: الفاتر الطّرف وذلك إنما يكون من الحياء والخفر. (اللسان: تبل، تيم، غضض، غنن).
(2) العوارض: الثنايا من الأسنان. والظّلم: الماء الذي يجري على الأسنان من صفاء اللون. (اللسان: ظلم، عرض).
(3) أج د: مواعيد، وهو غلط والتصحيح من ب وشرح الديوان. ج: وتفضيل.
(4) ج د: يروى أنه لما.
(5) د: تعجبا.(1/200)
أعطاه برده. فاشتراه منه معاوية بثلاثين ألفا. ويقال إنه البرد الذي كانت تتوارثه خلفاء بني العباس، فالله أعلم، وهي قصيدة مشهورة اعتنى العلماء بشرحها.
وكما فعل ضرار بن الخطاب (1) يوم فتح مكة رضي الله عنه. وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، لما أمر سعد بن عبادة (2) رضي الله عنه أن يدخل في بعض الناس من كداء. قال حين وجّه (3) داخلا فيما ذكروا: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة». فسمعه رجل من المهاجرين يقال إنه عمر بن الخطاب رضي الله، فقال (4):
يا رسول الله، اسمع ما قال سعد، ما نأمن أن تكون له في قريش صولة. فقال رسول الله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (5) أدركه فخذ الراية، فكن أنت الذي تدخل بها» ويقال: (إنه) (6) أمر بذلك الزبير بن العوّام رضي الله عنه.
فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون (7)، وغرز بها راية رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال ضرار رضي الله عنه يستعطف النبيّ صلّى الله عليه وسلم على قريش حين سمع قول سعد. وهو من أجود شعر قاله: (8)
يا نبيّ الهدى إليك لجا حيّ ... قريش ولات حين لجاء
__________
(1) ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري أسلم يوم الفتح وشهد مع أبي عبيدة فتوح الشام، كان فارس قريش وشاعرهم (13هـ) أنظر طبقات ابن سلام 1/ 253250وجمهرة الأنساب 179والاستيعاب 2/ 749748والوافي بالوفيات 16/ 364363.
(2) سعد بن عبادة الخزرجي الصحابي الجليل، من سادة الأنصار، كان مقدّما وجيها (14هـ) انظر الاستيعاب 2/ 599594والأعلام 3/ 8685.
(3) وجّه وتوجّه بمعنى واحد (اللسان: وجه).
والقولة في السيرة 2/ 406والفتح الباري 8/ 6والاستيعاب 2/ 597
(4) وينسب هذا القول لعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. انظر الإستيعاب 2/ 597.
(5) السيرة 2/ 407.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(7) الحجون: جبل بأعلى مكة، وموضع بمكة ناحية البيت. معجم البلدان 2/ 225واللسان: (حجن).
(8) الأبيات في الاستيعاب 2/ 598، 748وحسن الصحابة 1/ 3432وما عدا البيتين الأخيرين في الوافي بالوفيات 16/ 364وبعضها في فتح الباري 8/ 9.
لجا: مخففة عن لجأ. البطان: الحزام الذي يلي بطن البعير وفيه حلقتان فإذا التقتا فقد بلغ الشّدّ غايته، فيقال التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتد. مجمع الأمثال 2/ 186
الصّيلم: الداهية لأنها تصطلم. والصّلعاء: الداهية الشديدة. البطحاء: بطحاء مكة. النّسر والعوّاء: كوكبان في
السماء. الفقع: ضرب من أردإ الكمأة ويشبه به الرجل الذليل. (اللسان: بطح، بطن، صلع، صلم، عوى، فقع).(1/201)
حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السماء
والتقت حلقتا البطان على القو ... م، ونودوا بالصّيلم الصّلعاء
إن سعدا يريد قاصمة الظّه ... ر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجيّ لو يستطيع من الغي ... ظ رمانا بالنّسر والعواء
فلئن أقحم اللّواء ونادى ... يا حماة اللّواء أهل اللّواء
لتكوننّ بالبطاح قريش ... فقعة القاع في أكفّ الإماء
فانتزع صلّى الله عليه وسلم الرّاية من يد سعد، فيما ذكروا. والله أعلم.
وكما فعلت قتيلة بنت الحارث (1) حين قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخاها النّضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ. وكان (2) من شياطين قريش وممن يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة. وكان قد قدم الحيرة، وتعلّم بها أحاديث ملوك فارس، فكان إذا جلس النبيّ صلّى الله عليه وسلم مجلسا، فذكّر فيه بالله، وحذّر قومه ما أصاب الأمم الخالية من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثمّ قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه. فهلمّ فأنا أحدّثكم أحسن من حديثه. ثم يحدّثهم عن ملوك فارس. ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا منّي؟
وما أحاديثه إلا أساطير الأولين، اكتتبها كما اكتتبتها. فأنزل الله فيه: (3)
«وقالوا أساطير الأولين اكتتبها، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. قل أنزله الذي يعلم السّرّ في السموات والأرض. إنه كان غفورا رحيما»، وكلّ (4) ما فيه الأساطير من القرآن. فلما (5) رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غزوة بدر، ونزل
__________
(1) شاعرة أدركت الجاهلية والإسلام أسر أخوها النّضر في وقعة بدر وقتل (نحو 20هـ). أنظر الاستيعاب 4/ 19051904والإصابة 8/ 8079والأعلام 5/ 190.
(2) من السيرة 1/ 300، 358بتصرف.
(3) سورة الفرقان 25/ 65.
(4) معطوف على مفعول جملة «فأنزل الله =
(5) أنظر السيرة 1/ 644643، 710والإصابة 8/ 79.(1/202)
بالصفراء (1) ومع الأسارى من المشتركين، أمر (2) بقتله، فقتله عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. فقالت أخته قتيلة لّما بلغها قتله: (3)
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح خامسة وأنت موفّق
أبلغ بها ميتا بأنّ تحية ... ما إن تزال بها الرّكائب تخفق
منّي إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق
هل يسمعنّي النّضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميّت لا ينطق
أمحمدّ يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
فالنّضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقّهم إن كان عتق يعتق
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق
فيقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشّعر رقّت نفسه الكريمة، وذرفت عيناه، لما طبع عليه صلّى الله عليه وسلم من الرّأفة والرّحمة، وقال: (4) «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه».
ونظير هذا في سائر الأزمنة تقديم الشعراء للخلفاء والملوك ومن أشبههم قطعا من أشعارهم بين يدي حاجاتهم. وقد كان (5) شعبة بن الحجاج (6) أو سماك ابن حرب (7) إذا كانت له إلى أمير حاجة استنزله بأبيات يقولها فيه. ومثله عن غير واحد من الأئمة المقتدى بهم.
__________
(1) الصفراء: واد بين الحرمين. (القاموس: الصفر)
(2) ج د: أمر عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه بقتله فقتله، فقالت
(3) الأبيات في السيرة 2/ 4342والبيان 4/ 44والعقد الفريد 3/ 266265والأغاني 1/ 19وشرح ديوان الحماسة 2/ 963/ 966وزهر الآداب 1/ 2928والعمدة 1/ 56، 57والاستيعاب 4/ 19051904والإصابة 8/ 80.
حاشية ح: «الأثيل موضع بالصفراء وهو في الأصل مصغر أثل الذي هو الشجر المعروف لما فيه الموضع منه، وهو قليل.
وقوله مظنّة أي يظنّ أنّ الراكب يصل إليه عند خامسة من الليالي». وجاء في اللسان (أثل): وأثيل مصغّر، موضع قرب المدينة. وكف الدّمع والماء: سال. الضّنء والضّنء: الولد. ورجل معرق في الحسب والكرم أي عريق النسب أصيل.
(اللسان: ضنأ، عرق، وكف).
(4) السيرة 2/ 43.
(5) الخبر في الكامل 1/ 75ومنه أخذ، وهو في البيان 2/ 320.
(6) من رجال الحديث وكان عالما بالأدب والشعر (160هـ) أنظر الوفيات 2/ 470469والأعلام: 3/ 164والخبر من الكامل 1/ 75
(7) من كبار تابعي أهل الكوفة ومن رجال الحديث، ومن العلماء بالشعر (123هـ). أنظر ميزان الاعتدال 2/ 232 وتهذيب التهذيب 4/ 239232والأعلام 3/ 138.(1/203)
ومنها أي (1) من الفوائد التي كانوا ينشدون الشعر لأجلها أن يتمثّل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ بها نفسه، أو ينشّطها أو يحرّكها لمقتضى الشعر، أو يذكرها لغيره ذكرا مطلقا، كما حكى أبو الحسن القرافي (2)
الصوفي عن الحسن رحمه الله، قال (3): إن قوما أتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا (4): يا أمير المومنين، إنّ لنا إماما إذا فرغ من صلاته تغنّى. فقال عمر من هو؟ فذكر له الرجل. فقال: قوموا بنا إليه. فإنّا إن وجّهنا إليه يظن أنّا (5) تجسّسنا (6) عليه أمره. فقام عمر مع جماعة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم حتى أتوا الرجل وهو في المسجد. فلما أن نظر إلى عمر قام فاستقبله. فقال:
يا أمير المومنين ما حاجتك وما جاء بك؟ إن كانت الحاجة لنا كنّا أحقّ بذلك منك أن نأتيك، وإن كانت الحاجة لك، فأحقّ من عظّمناه خليفة خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
فقال (7) (له) عمر: ويحك بلغني أمر ساءني، قال: وما هو يا أمير المومنين، فإني أعينك من نفسي. قال له عمر: بلغني أنّك إذا صلّيت تغنّيت. قال: نعم يا أمير المومنين. قال عمر: أو تتمجّن في عبادتك؟ قال: لا يا أمير المومنين ولكنها (8) عظة أعظ بها نفسي. فقال عمر: قلها فإن كان حسنا، قلته معك، وإن كان قبيحا نهيتك عنه. فقال: (9) (تام الرمل)
وفؤاد كلّما عاتبته ... عاد في الهجران يبغي تعبي
__________
(1) د: أن، وهو غلط.
(2) هو علي بن صالح الوزير، نسب إلى القرافة، وهي محلة بمصر، وهو من المحدثين، سمع من الأمير أبي نصر علي بن هبة الله بن ماكولا المتوفى سنة 475هـ الأنساب للسمعاني 10/ 86واللباب في الأنساب 3/ 22ومعجم البلدان 4/ 317
(3) الخبر في روضة الأزهار ورقة 149ب.
(4) د: قالوا.
(5) د: أننا.
(6) ح: تحسسنا.
(7) ما بين القوسين ساقط من د.
(8) د ولكن.
(9) ج: عتبته، وهو غلط.
والأبيات لم أعثر عليها في المظان. وقد ورد في روضة الأزهار ورقة 149ب بيتان، غير معزوين، برواية مخالفة، والثاني منهما لفّق من بيتين وهما:
لي قلب كلّما ذكّرته ... لجّ في العصيان يبغي تعبي
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... ينقضي العمر كذا في اللّعب(1/204)
لا أراه الدّهر إلا لاهيا ... في تماديه، فقد برّح بي
يا قرين السوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللّعب
وشباب بان عنّي فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجّي بعده إلا الفنا ... ضيّق الشيب على مطّلبي
ويح نفسي لا أراها أبدا ... في جميل لا ولا (في) أدب (1)
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... راقبي المولى وخافي وارهبي (2)
قال: فقال عمر رضي الله عنه:
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... راقبي المولى وخافي وارهبي (3)
ثم قال: على هذا فليغنّ من غنّى.
إلى غير ذلك من الفوائد المستندة إلى أصل شرعي وغرض صحيح.
وقد تبيّن لك مما قصصناه (4)، وجلوناه عليك من الأخبار ونصصناه (5)، أنّ الشعر ممدوح شرعا، ومحمود طبعا، وأنه مما يتأكد تعلّمه وتعليمه، ومما ينبغي الاشتغال به والتفهم فيه وتفهيمه، لكن إذا كان على الحدّ الذي أشرنا إليه، ونبّهنا (6) عليه، ممّا لا يذكّر بمعصية ولا يبعث على سفه، ولا يحمل على فجور، ولا يشتمل على رفث وهجر من الكلام ومنكر من القول وزور، كما نصّ عليه الأئمة، وبيّنوه للأمة. أما ما كان كذلك، فما أبعده (من) (7) أن يكون جائزا، فضلا عن أن يكون مرغّبا فيه ولفضيلة قصب السبق حائزا. وإنما لم يكن من صفة نبينا صلّى الله عليه وسلم ليتحقق إعجاز القرآن كما منع الكتابة لذلك، مع أنه لا خفاء في فضيلتهما. قال
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) د: نفسي وهو غلط.
(3) د: نفسي وهو غلط.
(4) ج: قصصنا. د: قصدناه، وهو غلط
(5) د: وقصصناه.
(6) د: أشرت ونبهت.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج د.(1/205)
تعالى: (1) {«وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ، وَمََا يَنْبَغِي لَهُ»}. وقال عزّ من قائل: (2) {«وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتََابٍ وَلََا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لَارْتََابَ الْمُبْطِلُونَ»}.
والحاصل أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فما كان منه مشتملا على حكمة بالغة، أو موعظة حسنة أو شيء من الفوائد التي ذكرناها، ونحوها مما ينتظم في سلكها ويجري مجراها، ويكون على أسلوبها وفي معناها (3)، فهو المرغّب فيه والمندوب إليه، وما كان بعكس ذلك فهو المرغوب عنه والمحذّر منه، وعليه يحمل ما ورد في التنفير عنه من نحو قوله صلّى الله عليه وسلم: (4) «لأن يمتلئ بطن أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا». فتتّفق حينئذ أحاديث هذا (5) الباب، ولا يبقى فيها تعارض بوجه ولا إشكال بحال. وبالله تعالى التوفيق، وإليه المرجع والمآل، لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال.
__________
(1) سورة يس 36/ 69.
(2) سورة العنكبوت 29/ 48.
(3) د، معانيها
(4) فتح الباري 10/ 548
(5) ج: هذه، وهو غلط.(1/206)
الباب الثاني في ذكر نبذة من أشعارهم وما يحسن إيراده من أخبارهم
1 - النابغة الجعدي رضي الله عنه (1).
واسمه (2) حيان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس عيلان (3) بن مضر. وإنما (4) سميّ النابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله. وعن ابن الأعرابي قال: أقام النابغة ثلاثين سنة لا يتكلم. ثم تكلّم بالشعر. وكان النابغة الجعديّ أسنّ من نابغة بني ذبيان. قال ابن سلام (5): «كان النابغة الجعديّ قديما، شاعرا مفلقا، طويل البقاء في الجاهلية (6) (والإسلام، وكان أكبر من الذبياني». ويدل (7) على أنه أقدم من النابغة الذبياني أنه عمّر مع المنذر بن محرّق قبل النعمان بن المنذر. وكان الذبياني مع النعمان بن المنذر وفي عصره. ولم يكن له قدم، إلا أنّه مات قبل الجعديّ، ولم يدرك الإسلام. وقد أدركه الجعديّ (8) (الذي) يقول: (الطويل)
تذكّرت شيئا قد مضى لسبيله ... ومن عادة المحزون أن يتذكرا
__________
(1) ج د: رحمه الله.
وترجمة النابغة الجعدي (نحو 50هـ) في طبقات ابن سلام 1/ 131123والشعر والشعراء 1/ 302295 والأغاني 5/ 341والمؤتلف 191ومعجم الشعراء 321وأمالي المرتضى 1/ 269263والاستيعاب 1522 4/ 1514وإدراك الأماني 4/ 2.
(2) أنظر الأغاني 5/ 1.
(3) ج د: قيس بن عيلان، وهو غلط.
(4) الخبر في الأغاني 5/ 54والإستيعاب 4/ 1514.
(5) طبقات ابن سلام 1/ 123وانظر الخبر في الأغاني 5/ 5والاستيعاب 4/ 1514.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.
(7) الخبر في طبقات ابن سلام 1/ 124123والاستيعاب 4/ 15151514.
(8) ما بين القوسين ساقط من ج.
والأبيات من قصيدة طويلة في الاستعبار بحوادث الدهر مطلعا:
خليليّ غضا ساعة وتهجّرا ... ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا
وهي في شعره 6935، وقسم منها في الأغاني 5/ 6والاستيعاب 4/ 15211520، والبيتان الأولان في الشعر والشعراء 1/ 296ورسالة الغفران 558.(1/207)
نداماي عند المنذر بن محرّق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا
كهول وفتيان كأن وجوههم ... دنانير مما شيف في أرض قيصرا
وعمّر (1) النابغة الجعديّ عمرا طويلا، قيل مائة وثمانين سنة. وذكر ابن قتيبة (2) أنه عمّر مائتين وعشرين سنة، ومات بأصبهان. قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (3): وما ذلك بمنكر لأنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه أفنى ثلاثة قرون، فقال له عمر رحمه الله: فكم لبثت مع كلّ قرن؟ قال: ستين سنة. قال أبو الفرج: كل قرن ستون سنة، فهذه مائة وثمانون. ثم عمّر بعده، فمكث بعد قتل عمر، خلافة عثمان وعلي ومعاوية ويزيد. وقدم على عبد الله بن الزبير بمكة، وقد دعا لنفسه، فاستماحه ومدحه، وبين هؤلاء وعمر نحو ممّا ذكر ابن قتيبة، بل لا أشك أنه بلغ هذا السن، فهو كما تقدم مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.
حدث (4) عنه يعلى بن الأشدق العقيلي أنه قال: أنشدت النبيّ صلّى الله عليه وسلم هذا الشعر فاعجب به (5):
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم (6) فأين المظهر يا أبا ليلى؟ فقلت: الجنة، فقال: إن شاء الله، (7)
(فقلت: إن شاء الله).
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
__________
(1) الخبر في الأغاني 5/ 6.
(2) الشعر والشعراء 1/ 296والأغاني 5/ 7.
(3) الأغاني 5/ 87.
(4) من الأغاني 5/ 8إلى قوله: «وما انفضّ من فيه سنّ» وانظر أمالي المرتضى 1/ 266والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
(5) من القصيدة السابقة.
(6) الخبر في العقد الفريد 2/ 52والعمدة 1/ 53والاستيعاب 4/ 1516.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج.
والبيتان من القصيدة السابقة وهما في ري الأوام 208.
والبادرة: الحدّة، وهو ما يبدر من حدّة الرجل عند غضبه من قول وفعل (اللسان: بدر).(1/208)
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم (1): أجدت لا يفضض الله فاك، قال: فلقد رأيته وأتت عليه مائة سنة (2) أو نحوها وما انفضّ من فيه سنّ.
وعن (3) أبي عبيدة أن النابغة الجعدي كان ممّن فكر في الجاهلية (4) (وأنكر الخمر والسّكر، وما تفعل بالعقل، وهجر الأزلام والأوثان (5)، وقال في الجاهلية) كلمته التي أولها (6): (تام المنسرح)
الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
وكان يذكر دين إبراهيم والحنيفيّة (7)، ويصوم ويستغفر، ويتوقع (8) أشياء لعواقبها.
ووفد على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، وأنشده قوله (9): (الطويل)
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرّة نيّرا
وجاهدت حتى ما أحسّ ومن معي ... سهيلا إذا ما لاح ثمّت غوّرا
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» فكان أحسن الناس ثغرا، وكان كلّما سقطت له سنّ، نبتت له أخرى. وشهد مع عليّ رضي الله عنه صفين.
وقال (10) عمر بن شبّة، كان النابغة الجعديّ شاعرا مقدّما، إلا أنه كان إذا
__________
(1) الخبر في العقد الفريد 2/ 52.
(2) د: ونحوها.
(3) من الأغاني 5/ 98إلى قوله: «وشهد مع علي صفين».
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
(5) ذكر القالي في أماليه 1/ 205204بعض الشعراء الذين حرّموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية.
الأزلام جمع زلم وزلم وهو القدح: السهم، والأزلام كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أمر ونهي وافعل ولا تفعل، قد زلّمت وسويّت ووضعت في الكعبة فإذا أراد رجل سفرا أو نكاحا أتى السادن فقال: أخرج لنا زلما، فيخرجه وينظر إليه فإذا خرج قدح الأمر مضى وإن خرج قدح النهي قعد عما أراده. (اللسان: زلم)
(6) القصيدة في الاستعبار والوعظ وهي في شعره 136132، ومنها بيتان في الوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم
(7) من كان علي دين إبراهيم فهو حنيف عند العرب وكان في الجاهلية يقال لمن اختتن وحجّ البيت حنيف لأنّ العرب لم تتمسّك في الجاهلية بشيء من دين إبراهيم غير الختان وحج البيت (اللسان: حنف).
(8) الأغاني 5/ 9: ويتوقى، ولعل هذا هو الصحيح.
(9) البيتان من قصيدته في الاستعبار بحوادث الدهر التي خرجناها في الصفحة 32الحاشية 8.
المجرة هي البياض المعترض في السماء، وسهيل كوكب يمان. (اللسان: جرر، سهل).
(10) من الأغاني 5/ 10بتصرف إلى قوله «فغلبوه» والخبر في الاستيعاب 4/ 1518.(1/209)
هاجى غلب، هاجى أوس بن مغراء (1) وليلى الأخيليّة (2)، وكعب بن جعيل (3)
فغلبوه، وهو أشعر منهم.
وذكر (4) الهيثم بن عديّ، قال: رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارخوا: يا لعامر! فخرج النابغة الجعدي ومعه عصبة فأتي به أبو موسى رضي الله عنه فقال له: ما أخرجك؟ فقال: سمعت داعية قومي، قال: فضربه أسواطا، فقال النابغة في ذلك: (5) (تام الوافر)
رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا
فإن تك لابن عفّان أمينا ... فلم يبعث لك البرّ الأمينا
فيا قبر النبيّ وصاحبيه ... ألا يا غوثنا لو تسمعونا
ألا صلّى إلهكم عليكم ... ولا صلّى على الأمراء فينا (6)
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) أب ح د س: أوس بن معن. (معن) غلط، والتصحيح من الأغاني 5/ 10والاستيعاب 4/ 1518وأوس بن مغراء شاعر مخضرم من تميم هاجى النابغة الجعدي. أنظر طبقات الفحول 1/ 126125، 515، 516والشعر والشعراء 2/ 691والأغاني 5/ 1210والموشح 92.
(2) سترد ترجمتها مع توبة بن الحمير انظر الترجمة رقم 15.
(3) شاعر تغلبي مخضرم شهد مع معاوية موقعة صفين. طبقات الفحول 1/ 462461والشعر والشعراء 2/ 653
(4) من الأغاني 5/ 30. والخبر في الوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم
(5) من مقطعة في خمسة أبيات في شعره 210. والأبيات في الأغاني 5/ 30والاستيعاب 4/ 1518. والأول منها في ثمار القلوب 353 (ت. أبو الفضل).
(6) ج: عليه.(1/210)
2 - الحطيئة (1)
واسمه (2) جرول بن أوس بن مالك بن جؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة ابن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر (3) (بن نزار).
كان أوس (4) والد الحطيئة تزوّج بنت رياح (5) بن عوف بن عمرو (6) بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. وكانت لها أمة يقال لها الضّراء فأعلقها أوس بالحطيئة، ورحل عنها. وكان لابنة رياح أخ يقال له: الأفقم (7)، وكان طويلا أفقم، صغير العينين، مضغوط اللّحيين، فولدت الضراء الحطيئة.
فجاءت به شبيها بالأفقم، فقالت لها مولاتها: من أين هذا الصبيّ؟ فقالت لها: من أخيك، وهابت أن تقول لها من زوجك. فشبهته بأخيها، فقالت لها: صدقت». ثم مات الأفقم وترك ابنين من حرّة. وتزوّج الضراء رجل من بني عبس فولدت له رجلين فكان أخوي الحطيئة من أمه. وأعتقت ابنة رياح الحطيئة وربّته، فكان كأنه أحدهم.
وهو (8) من فحول الشعراء ومقدميهم، متصرف في فنون الشعر من المديح (9) والهجاء والنسيب والفخر، مجيد في ذلك أجمع. وكان ذا شرّ وسفه.
ونسبه متدافع بين قبائل العرب، وكان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الأخرى. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم ثم ارتدّ، وقال في ذلك (10):
أطعنا رسول الله اذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر
__________
(1) ترجمته في طبقات ابن سلام 110/ 121والشعر والشعراء 1/ 335328، والأغاني 2/ 202157، 17/ 229224والفوات 1/ 279276وسرح العيون 454448وإدراك الأماني 9/ 6741والأعلام 2/ 118.
(2) من الأغاني 2/ 157
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) من الأغاني 2/ 159بتصرف.
(5) ج د: رباح (بالباء)
(6) الأغاني 2/ 159رياح بن عمرو بن عوف.
(7) حاشية أ: «ط الفقم محرك تقدّم الثنايا العليا فلا تقع على السفلى. فقم كفرح فقما فهو أفقم».
(8) من الأغاني 2/ 157إلى قوله «فسمي الحطيئة».
(9) د: المدح.
(10) من مقطوعة قالها في الرّدّة أولها:
ألا كلّ أرماح قصار أذلّة ... فداء لأرماح ركزن على الغمر
وهي في ديوانه 143142والبيتان في الشعر والشعراء 1/ 328والأغاني 2/ 157.(1/211)
أيورثها بكرا اذا مات بعده ... فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
وكنيته أبو مليكة، والحطيئة لقب لها: لقّب به لقصره وقربه من الأرض، وقيل لقّب بالحطيئة لأنه ضرط (1) (ضرطة) بين قوم، فقيل له: ما هذا؟، فقال: إنما (1) (هي) حطأة. فسمّي الحطيئة (2).
حدّث أبو الفرج الأصبهاني (3) عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: «لم تقل العرب بيتا قطّ أصدق من بيت الحطيئة (4): (تام البسيط)
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والنّاس
فقيل له: فبيت طرفة (5): (الطويل)
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فقال: من يأتيك ممن زوّدت أكثر، وليس بيت مما قالته العرب إلا وفيه مطعن إلا قول الحطيئة (6):
«لا يذهب العرف بين الله والناس».
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) ج د. فقيل له الحطيئة.
(3) الأغاني 2/ 174173.
(4) من قصيد يمدح فيها بغيض بن عامر من بني أنف الناقة ويهجو الزبرقان مطلعها:
والله ما معشر لاموا امرءا جنبا ... في آل لأي بن شماس بأكياس
وهو في ديوان 109105والبيت في الكامل 2/ 189والعقد الفريد 1/ 227والأغاني 2/ 173ورسالة الغفران 207.
(5) من معلقة طرفة التي مطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وهي في ديوانه 6730وشرح القصائد السبع 231132وشرح القصائد العشر 15995.
(6) أنظر مجمع الأمثال 2/ 241، 260.(1/212)
وحدّث (1) عن أبي عبيدة قال: بلغني أن هذا البيت في التوراة. وقال (2) (عن) عثمان بن (3) (أبي) عائشة: إن كعبا الحبر (4) سمع رجلا ينشد بيت الحطيئة هذا، فقال: والذي نفسي بيده، إن هذا البيت لمكتوب في التوراة. قال (5) (إسحاق) يعني ابن ابراهيم الموصلي (6)، قال العمري، (7) والذي صحّ عندنا أنه في التوراة: لا يذهب المعروف بين الله وبين العباد.
وذكر (8) أن عبد الله بن عباس (9) رضي الله عنهما قال له: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ قال: أمن الماضين أم من الباقين؟ قال: من الماضين. قال: الذي يقول (10): (الطويل)
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشّتم يشتم
وما بدونه الذي يقول: (11) (الطويل)
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب
__________
(1) من الأغاني 8/ 174إلى قوله: «بين الله وبين العباد).
(2) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) حاشية د: الأحبار.
وجاء في القاموس (الحبر): «وكعب الحبر ويكسر ولا تقل الأحبار».
وكعب الحبر هو كعب بن ماتع الحميريّ التابعي، كان في الجاهلين من كبار علماء اليهود في اليمن، وأسلم فأخذ عنه الصحابة وغيرهم أخبار الأمم الغابرة وأخذ هو الكتاب والسنة عن الصحابة (32هـ) أنظر المعارف 430وتذكرة الحفاظ 1/ 52والأعلام 5/ 228.
(5) ما ببين القوسين ساقط من د.
(6) سيترجم له المؤلف برقم 35.
(7) ج: فالذي. وأنظر القول في العقد الفريد 1/ 227.
(8) من الأغاني 2/ 193.
(9) سبق التعريق به في الصفحة 22الحاشية 1.
(10) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته التي مطلعها:
أمم أمّ أوفى دمنة، لم تكلّم ... بحومانة الدّرّاج، فالمتثلّم
وهي في شرح شعره 3716وشرح القصائد السبع 289237وشرح القصائد العشر 199162.
وفر عرضه يفره: لم يشتمه كأنه أبقاه له كثيرا طيّبا، لم ينقصه بشتم (اللسان: وفر)
(11) البيت للنابغة الذيباني من قصيدة يمدح فيها النعمان ويعتذر له، مطلعها:
أتاني، أبيت اللّعن، أنّك لمتني ... وتلك التي أهتمّ منها وأنصب
وهي في ديوانه 7472والبيت في الشعر والشعراء 1/ 178ومجمع الأمثال 1/ 23. وإدراك الأماني 17/ 173.
لمّ الشيء يلمّه لمّا جمعه وأصلحه (اللسان: لمم).(1/213)
ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا، يعني نفسه، والله يا ابن عم رسول الله لولا الطّمع والجشع لكنت أشعر الماضين، وأما الباقون، فلا تشكّ أني أشعرهم وأصردهم (1) سهما إذا رميت.
وعن الأصمعي (2) (قال) (3): كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا دنيء النفس، كثير الشّرّ، قليل الخير، بخيلا، قبيح المنظر، رثّ الهيئة، مغموز النّسب، فاسد الدين، وما تشاء أن تقول في شعر شاعر عيبا إلا وجدته، وقلّما تجد ذلك في شعره، وعن أبي عبيدة قال (4): بخلاء العرب أربعة: الحطيئة وحميد الأرقط (5)
وأبو الأسود الدؤلي (6) وخالد بن صفوان (7).
ولقيه (8) الزبرقان بن بدر التميمي، وهو قاصد بصدقات قومه، إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال (9) (له) الزبرقان: من أنت؟ قال: أنا أبو مليكة، أنا حسب موضوع، فقال له الزبرقان: إني أريد هذا الوجه، ومالك منزل (10)، فامض إلى منزلي بهذا السّهم، فسل عن القمر بن القمر، وكن هناك حتى أعود إليك (11). ففعل، فأنزلوه وأكرموه، وأقام عندهم. فحسده عليه بنوعمه من بني قريع (12)، وذلك أن الزبرقان من بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد
__________
(1) ج: وأطردهم، وهو غلط.
والصّرد: الطعن النافذ. وصرد الرّمح والسّهم يصرد صردا: نفذ حدّه (اللسان: صرد).
(2) سترد ترجمته ضمن الترجمة رقم 35.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) القول في معجم الأدباء 11/ 1413.
(5) حميد الأرقط هو حميد بن مالك شاعر إسلامي مجيد معاصر للحجاج بن يوسف الثقفي، اشتهر ببخله. أنظر تاريخ الطبري 6/ 393392ومعجم الأدباء 11/ 1513والخزانة 2/ 454.
(6) وأبو الأسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو من سادة التابعين ويعدّ من الشعراء والمحدثين والمبخلاء (69هـ) أنظر معجم الشعراء 151والوفيات 2/ 539535وحياة الحيوان 619617والأعلام 3/ 237.
(7) وخالد بن صفوان التميمي هو أحد فصحاء العرب وخطبائهم المشهورين، كان يجالس عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، اشتهر بالبخل. أنظر معجم الأدباء 11/ 3524والوفيات 3/ 1211والأعلام 2/ 297.
(8) من الكامل 2/ 194185حتى البيتين اللذين يهجو فيهما الحطيئة نفسه. وانظر الخبر في طبقات ابن سلام 1/ 117114وهو في الأغاني 2/ 183179مفصلا.
والزبرقان هو الحصين بن بدر شاعر مفلق محسن سيد في الجاهلية عظيم القدر في الإسلام، ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم صدقات قومه. أنظر طبقات ابن سلام 1/ 57، 58، 109، 119114والمؤتلف 128وجمهرة الأنساب 219218.
(9) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(10) أب ج د ش: مترك، وهو غلط والتصويب من الكامل 2/ 185.
(11) د. عليك وهو غلط.
(12) يقصد بغيض بن عامر وأخويه علقمة وهوذة من بني قريع، وكانوا ينازعون الزبرقان الشّرف، فدعوا الحطيئة إلى ترك الزبرقان والقدوم إليهم. وانظر طبقات ابن سلام 1/ 115وجمهرة الأنساب 220219.(1/214)
ابن زيد مناة بن تميم. وحاسدوه بنو قريع بن عوف بن كعب. ولم يكن لعوف إلا قريع وعطارد وبهدلة، وكان الذين حسدوه منهم بني لأي بن بن شمّاس بن أنف الناقة بن قريع. فدسّوا إلى الحطيئة: أن تحوّل إلينا نعطك مائة ناقة، ونشدّ كل طنب من أطناب بيتك بجلّة (1) بحونة أي ضخمة، يقال ذلك للناقة والنخلة إذا استفحلت وطالت، قال: فأنّى لي بذلك؟ قالوا: إنهم يريدون النّجعة، فتخلّف عنهم.
ثم دسّوا إلى امرأة الزبرقان من خبّرها (2) (أن الزبرقان) إنّما قدّمّ (3) هذا الشيخ ليتزوّج ابنته، فقدح ذلك في قلبها. فلما احتمل القوم تخلّف الحطيئة، فاحتمله القريعيّون فبنوا له، ووفّوا (4) له.
فلما جاء الزبرقان صار إليهم، فقال: ردّوا عليّ جاري، فقالوا: ليس لك بجار، وقد طرحته. فذلك قول الحطيئة (5):
وإنّ التي نكّبتها عن معاشر ... عليّ غضاب أن صددت كما صدّوا
أتت آل شمّاس بن لأي وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العدّ
فإنّ الشّقيّ من تعادي صدورهم ... وذو الجدّ من لا نوا إليه ومن ودّوا
يسوسون أحلاما بعيدا أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللّوم أو سدّو المكان الذي سدّوا
__________
(1) أب ج د ش: بحلة وهو غلط، والتصحيح من طبقات ابن سلام 1/ 115والكامل 2/ 185.
والجلّة بالضم: وعاء يتّخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيها (اللسان: جلل).
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) قدّمه وأقدمه بمعنى واحد. (اللسان: قدم).
(4) د: وزوجوا له، وهو غلط.
(5) من قصيدة يمدح فيها بني قريع مطلعها:
ألا طرقتنا بعدما هجدوا هند ... وقد سرن خمسا واتلأبّ بنا نجد
وهي في ديوانه 4239والأبيان في الكامل 2/ 186وبعضها في سرح العيون 454.
نكبتها عنهم: نحّيتها عنهم. ويريد بذلك قصائده ومدحه. أنظر ديوانه 39.(1/215)
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها، ولا كدّوا
وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدّهر: ردّوا فضل أحلامكم، ردّوا
وتعذلني أبناء سعد عليهم ... وما قلت إلّا بالتي علمت سعد
وفيهم يقول أيضا (1): (تام البسيط)
لقد مريتكم لو أنّ درّتكم ... يوما يجيء بها مسحي وإبساسي
لمّا بدا لي منكم عيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي منكم آسي (2)
أزمعت يأسا مبينا من نوالكم ... ولا ترى طاردا للحرّ كالياس (3)
ما كان ذنب بغيض لا أبالكم ... في بائس جاء يحدو آخر الناس
جار لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيما بين أرماس
ملّوا قراه وهرّته كلابهم ... وجرّحوه بأنياب وأضراس (4)
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والنّاس
وله في هذا الباب أشعار كثيرة، فمن أحسنها قوله (5): (الطويل)
جزى الله خيرا، والجزاء بكفّه، ... على خير ما يجزي الرجال بغيضا
فلو شاء إذ جئناه ضنّ ولم يلم ... وصادف منأى في البلاد عريضا
كان (6) أبو العباس (7) المبرد يقول كثرت محاسنه حتى كذّب ذامّه،
__________
(1) الأبيات من قصيدته التي خرّجناها في الصفحة 37الحاشية 4.
والأبيات في الكامل 2/ 189وقسم منها في الأغاني 2/ 185184وسرح العيون 450.
المري: مسح ضرع الناقة لتدرّ. والإبساس عند الحلب: أن يقال للناقة بس بس لتدرّ (اللسان: بسس، مرا).
(2) ب: غيب.
(3) د: طارد للمرء. (طارد) غلط.
(4) د: هل قراه وهرتهم، وهو غلط.
(5) أول مقطوعة من أربعة أبيات في مدح بغيض بن عامر، وهي في ديوانه 30، والبيتان في الكامل 2/ 191.
(6) ح: كان. أب د ش: قال، وهو غلط.
(7) د: العلاء، وهو غلط.(1/216)
فاستغنى عن أن يكثّر مادحه، ثقة بأن هاجيه غير مصدّق. فتأمّل هذا الكلام تجده رأسا في بابه. ومنها قوله: (1). (تام الوافر)
وإنّي قد علقت بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثّراء
هم الآسون أمّ الرّأس لمّا ... تواكلها الأطبّة والإساء
إذا نزل الشّتاد بدار قوم ... تجنّب جار بيتهم الشّتاء
ثم قال يخاطب الزبرقان ورهطه:
ألم أك نائيا فدعوتموني ... فجاء بي المواعد والرّجاء
فلما كنت جاركم أبيتم ... وشرّ مواطن الحسب الإباء
ولمّا كنت جارهه حبوني ... وفيكم كان، لو شئتم حباء
فلمّا أن مدحت القوم قلتم ... هجوت، وهل يحلّ لي الهجاء!؟
فلم أشتم لكم حسبا ولكن ... حدوت بحيث يستمع الحداء
فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب رحمه الله في هذه القصة فسجنه، فقال (2)
(يخاطب) عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويستعطفه (3): (تام البسيط)
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النّهى البشر
ما آثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن بك استأثروا إذ كانت الأثر
__________
(1) من قصيدة في مدح بغيض بن عامر مطلعها:
ألا أبلغ بني عوف بن كعب ... وهل قوم على خلق سواء
وهي في ديوانه 6253والأبيات في الكامل 2/ 192.
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) د: حمل الحواصل، وهو غلط.
والأبيات في ديوانه 165164والأغاني 2/ 186والفوات 1/ 277وحياة الحيوان 2/ 439والأول والثاني في الشعر والشعراء 1/ 334.
وذو مرخ محرّكة واد بالحجاز (القاموس: مرخ)(1/217)
فرقّ له عمر رضي الله عنه فأخرجه، ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا بكرسيّ فجلس عليه، ودعا بالحطيئة، فأجلسه بين يديه، ودعا بإشفى وشفرة يوهمه أنه عزم على قطع لسانه، حتى ضجّ من ذلك، فكان فيما قال له الحطيئة: يا أمير المؤمنين، إني والله لقد هجوت نفسي، وهجوت أبي وأمي وامرأتي، فتبسم عمر رضي الله عنه، (1) (ثم) قال له: فما الذي قلت؟ قال: قلت لأبي وأمّي والمخاطبة للأم (2): (تام الكامل)
ولقد رأيتك في النّساء فسؤتني ... وأبا بنيك فساءني في المجلس
وقلت لها (3): (تام الوافر)
تنحّي فاقعدي منّي بعيدا ... أراح الله منك العالمينا
أغربالا إذا استودعت سرّا ... وكانونا عند المتحدثينا
وقلت لامرأتي (4): (تام الوافر)
أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع
فقال (5) (له) عمر رحمه الله: كيف هجوت نفسك؟ قال: اطّلعت على بئر فرأيت وجهي فاستقبحته، فقلت (6): (الطويل)
أبت شفتاي اليوم إلا تكلّما ... بشرّ فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها قبّح الله سعيه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) البيت أول مقطوعة في تسعة أبيات في هجاء أبيه وبني بجاد من عبس، وهي في ديوانه 111110. والبيت في سرح العيون 451.
(3) ج: فاقعدي عني.
والبيتان من مقطوعة في خمسة أبيات في هجاء أمه أولها:
جزاك الله شرّا من عجوز ... ولقّاك العقوق من البنينا
وهي في ديوانه 123ومجمع الأمثال 1/ 157وبعضها في الأغاني 2/ 163والمحاسن والمساوئ 1/ 208والبيتان في الفوات 1/ 276.
والكانون: هنا الرجل الثقيل. (القاموس: كن)
(4) البيت في الديوان 256مفردا، وهو في سرح العيون 451.
امرأة لكاع أي ذليلة لئيمة. (اللسان: لكع).
(5) ما بين القوسين ساقط من د.
(6) البيتان في ديوانه 257والأغاني 2/ 164163ورسالة الغفران 307والمحاسن والمساوئ 1/ 208والفوات 1/ 276 والثاني في سرح العيون 451(1/218)
ويحكى (1) أن ضيفا نزل به وهو يرعى غنما له، وفي يده عصا، فقال له الضيف: يا راعي الغنم! فأومأ إليه الحطيئة بعصاه، وقال: عجراء (2) من سلم.
فقال له الرجل: إني (3) ضيف، فقال له الحطيئة: للضيفان أعددتها!
ويروى (4) أنه مرّ بحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وحسان ينشد (5): (الطويل):
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فالتفت إليه فقال: كيف ترى؟ قال: ما أرى بأسا، فقال حسان: انظر إلى هذا الأعرابي يقول: ما أرى بأسا! أبو من أنت؟ قال: أبو مليكة. فقال حسان: ما كنت عليّ أهون منك حيث (6) اكتنيت بامرأة! ما اسمك؟ قال: الحطيئة. قال: امض بسلام.
ولما (7) حضرته الوفاة، اجتمع إليه قومه، فقالوا يا أبا مليكة! أوص. فقال:
ويل للشّعر من الرواة السّوء، قالوا: أوص يرحمك الله يا حطيء، قال: من الذي يقول (8):
إذا أنبض الرّامون عنها ترنّمت ... ترنّم ثكلى أوجعتها الجنائز
__________
(1) أنظر الحكاية في الأغاني 2/ 171وشرح المقامات 2/ 237.
(2) أب ج د ش: عجزاء، وهو غلط والتصحيح من الكامل 3/ 159والأغاني 2/ 171واللسان (عجر).
والعجراء: العصا التي فيها أبن، يقال: ضربه بعجراء من سلم وقضيب ذو عجر كأنه من خيزران أي ذو عقد (اللسان: عجر)
(3) د: انا.
(4) الخبر في الكامل 2/ 192والأغاني 2/ 170.
(5) من قصيدة في الفخر مطلحها:
ألم تسأل الرّبع الجديد التّكلّما ... بمدفع أشداخ فبرقة أظلما
وهي في ديوانه 131126.
(6) ج د: حين
(7) من الأغاني 2/ 195/ 197بتصرف والخبر في التعازي 257256ومجمع الأمثال 2/ 224223والفوات 1/ 279278وسرح العيون 452451.
(8) ب ج: الجناجر، وهو غلط.
والبيت للشماخ من قصيدة طويلة في وصف الناقة والقوس مطلعها:
عفا بطن قوّ من سليمى فعالز ... فذات الغضا فالمشرفات النّواشز
وهي في ديوانه 201173وجمهرة الأشعار 841826.
وأنبض القوس مثل أنضبها: جذب وترها لتصوّت، وأنبض بالوتر إذا جذبه ثم أرسله ليرن (اللسان: نبض).(1/219)
قالوا: الشّمّاخ (1)، قال: أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب، فقالوا: ويحك! أهذه وصيّة!؟ أوص بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل ضابئ (2) أنه شاعر حيث يقول:
(الطويل)
لكلّ جديد لذّة غير أنّني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
قالوا: أوص ويحك بغير ذا! قال: أبلغوا امرأ القيس أنه أشعر العرب حيث يقول (3):
(الطويل)
فيالك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل
قالوا: اتّق الله ودع عنك هذا، قال: أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول: (4) (تام الكامل)
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
قالوا: إن هذا لا يغني عنك شيئا: فقل غير ما أنت فيه، فقال: (5) (الرجز)
الشّعر صعب وطويل سلّمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه
__________
(1) الشماخ بن ضرار شاعر مخضرم من أوصف الشعراء للقوس والحمر، جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة من الجاهليين.
أنظر طبقات ابن سلام 1/ 135132والشعر والشعراء 1/ 325321والأعلام 3/ 175.
(2) هو ضابئ بن الحارث البرجميّ شاعر مخضرم كان يسكن الكوفة جعله ابن سلام في الطبقة التاسعة من الجاهليين. أنظر طبقات ابن سلام 1/ 176171والشعر والشعراء 1/ 359357ومعجم الشعراء 244والأعلام 3/ 212.
والبيت في الشعر والعشراء 1/ 329والأغاني 2/ 196ومجمع الأمثال 2/ 223.
(3) أذ: شد وهو غلط.
والبيت من معلقته المشهورة التي مطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
وهي في ديوانه 269وشرح القصائد السبع 11115وشرح القصائد العشر 9320
وحبل مغار: محكم الفتل. ويذبل: اسم جبل بعينه في بلاد نجد. (اللسان: ذبل، غور).
(4) البيت لحسان بن ثابت من قصيدة في الفخر مطلعها:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل
وهي في ديوانه 125121.
السواد: جماعة الناس. (اللسان: سود) والمعنى أنهم أجواد لا يتضايقون من نزول كثرة الناس بهم لخيرهم وسعتهم.
(5) من رجز في سبعة أبيات في الكلام على الشعر، وهي في ديوانه 239والأبيات في مختارات ابن الشجري 547546 وسرح العيون 452.(1/220)
قالوا هذا مثل الذي كنت فيه، فقال (1):
قد كنت أحيانا شديد المعتمد
وكنت ذا غرب على الخصم ألد
فوردت نفسي وما كادت ترد
قالوا يا أبا مليكة، ألك حاجة؟ قال: لا والله، ولكني أجزع على المديح الجيّد يمدح به من ليس له بأهل. فقالوا: من أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه، وقال:
هذا الجحير إذا طمع في خير، يعني فمه، واستعبر باكيا، فقالوا له: قل لا إله إلا الله. فقال: (2) (مشطور الرجز)
قالت وفيها حيدة وذعر
عوذ بربّي منكم وحجر!
فقالوا له: ما تقول في عبيدك؟ قال: هم عبيد قنّ (3) ما عاقب الليل النهار قالوا: فأوص للفقراء بشيء، قال: أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارة لا تبور، واست المسؤول أضيق (4). قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثل حظّ الذكر (5)، قالوا: ليس هكذا قضى الله لهن، قال: لكني هكذا قضيت. قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم، ونيكوا أمّهاتهم. قالوا:
فهل لك شيء تعهد فيه غير هذا؟ قال: نعم، تحملونني على أتان وتتركونني راكبها
__________
(1) د: كادت تريد، وهو غلط.
والرجز في ديوانه 238ومختارات ابن الشجري 546.
والغرب والغربة: الحدّة، والألدّ الخصم الجدل (اللسان: غرب، لدد).
(2) البيتان ليسا في ديوان الحطيئة. وهما في الأغاني 2/ 197والفوات 1/ 279للحطيئة، وهما في اللسان (حجر) غير منسوبين.
حاد عن الشيء يحيد حيدا مال عنه وعدل والرجل يحيد عن الشيء إذا صدّ عنه خوفا وأنفة. والعرب تقول عند الأمر تنكره: حجرا له، بالضم، أي دفعا (اللسان: حجر، حيد).
(3) العبد القنّ الذي كان أبوه مملوكا لمواليه فإذا لم يكن كذلك فهو عبد مملكة (اللسان: قنن)
(4) أي أضيق من أن يردّ السائل خائبا. يقال: است أمّك أضيق واستك أضيق من أن تفعل كذا وكذا. أنظر اللسان (سته) ومجمع الأمثال 1/ 341.
(5) خلافا لقوله تعالى: {«لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»} سورة النساء 4/ 11.
وأنظر الشعر والشعراء 1/ 328ففيه: «مالي للذكور من ولدي دون الإناث»(1/221)
حتى أموت. فإن الكريم لا يموت على فراشه. والأتان مركب لم يمت عليه كريم قطّ، فحملوه على أتان، وجعلوا يذهبون به ويجيؤون حتى مات وهو يقول (1):
(مشطور الرجز)
لا أحد الأم من حطيّه
هجا بنيه وهجا المريّه
من لؤمه مات على فريّه
الفريّة: الأتان (2). وترجمته أوسع من هذا. وفي هذا القدر منها كفاية، وبالله تعالى التوفيق، لا إله غيره.
3 - الوليد بن عقبة بن أبي معيط (3)
واسم (4) أبي معيط أبان بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصيّ. هذا الذي عليه النسّابون، وأنّ أبا عمرو ابن أمية. وذكر الهيثم بن عدي (5) في (كتاب المثالب) أن أبا عمرو كان عبدا لأمية اسمه ذكوان، فاستلحقه وذكر أن دغفلا النّسابة (6) دخل على معاوية، فقال له: من رأيت من علية قريش؟ (7) (فقال): رأيت عبد المطلّب بن هاشم وأمية بن عبد شمس.
فقال: صفهما لي، فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة، حسن الوجه، في جبينه نور النبوءة وعزّ الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسود غاب. قال: فصف أمية،
__________
(1) هذه الأبيات ليست في ديوان الحطيئة وهي في الأغاني 2/ 197والمحاسن والمساوئ 1/ 208والفوات 1/ 279له.
(2) الفريّة: تصغير فرا وهو حمار الوحش، أنّث بالتاء بعد تصغيره فصار فريّة بمعنى الأتان. وقد أتعب محقق الأغاني (2/ 197الحاشية 6) نفسه في البحث عن (الفريّة) في كتب اللغة، وكأن المفروض فيها أن تورد الأسماء مصغّرة.
(3) (61هـ) أخباره في الأغاني 5/ 153122، 1/ 12والوافي بالوفيات ج 27 (ميكرو فيلم). والأعلام 8/ 122.
(4) من الأغاني 1/ 12إلى قوله «أخبرتك به».
(5) الهيثم بن عدي الطائي راوية أخباري له مصنفات كثيرة كان يجالس المنصور والمهدي والهاديّ والرشيد وروى عنهم (206هـ) أنظر الوفيات 6/ 106/ 114.
(6) هو دغفل بن حنظلة السدوسي النّسّابة كان أعلم زمانه بالأنساب، يضرب به المثل في العلم بها. أنظر مجمع الأمثال 2/ 54، 346.
(7) ما بين القوسين ساقط من د.(1/222)
قال: رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم، ضريرا يقوده عبده ذكوان. قال: ذاك ابنه أبو عمرو. فقال دغفل: هذا شيء قلتموه وأحد ثتموه، فأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به.
كان الوليد هذا أخا لعثمان بن عفان رضي الله عنه لأمّه، لأن أمّهما أروى بنت كريز بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمّها البيضاء بنت عبد المطلب. وكان يقال لها قبّة الديباج، وكنيتها أمّ حكيم، ولذلك كان يقال لعثمان وللوليد: يا ابني أروى، وابني أم حكيم. ومن ثم قال الوليد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأمّي من حيث تلقاه بأبيك.
كان يكنى أبا وهب، وكان أحد فتيان قريش وشجعانهم وفرسانهم وشعرائهم وأجوادهم. فممّا يؤثر من جوده أن (1) لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب، كان شريفا في الجاهلية والإسلام، وكان (2) (قد) نذر أن لا تهب الصّبا إلا نحر وأطعم حتى تنقضي وهي الريح التي تهب من تلقاء الفجر تقبل (3) القبلة.
وتسميها العرب القبول. فهبّت في الإسلام وهو بالكوفة مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة،، وكان إذ ذاك واليها، فخطب الناس، فقال: إنكم قد علمتم نذر أبي عقيل وما وكّد على نفسه فأعينوا أخاكم. ثم نزل فبعث إليه بمائة ناقة، وبعث الناس، فقضى نذره، ففي ذلك تقول ابنة لبيد (4): (تام الوافر)
إذا هبّت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبّتها الوليدا
__________
(1) من الكامل 3/ 62والخبر في الشعر والشعراء 1/ 282والأغاني 15/ 370، ولباب الآداب 9493.
(2) ما بين القوسين ساسقط من ج د.
(3) قبلت الريح المكان استقبلته (اللسان: قبل) وجاء في الكامل 3/ 57 «والنّكباء: الريح بين الرّيحين، لأن الرياح أربع
فما بين مطلع سهيل إلى مطلع الفجر جنوب وإذا هبّت من تلقاء الفجر فهي الصّبا تقابل القبلة، فالعرب تسميها القبول، قال الشاعر:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر»
(4) البيت في الشعر والشعراء 1/ 282والكامل 3/ 63والأغاني 15/ 371وشرح أدب الكاتب 197وجمهرة الأشعار 88ولباب الآداب 93.(1/223)
(1) وكان يقال له: أشعر بركا، لأنه كان أشعر الصّدر، والبرك بفتح الموّحّدة وسكون الراء، الصدر، ومنه قول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (2):
(تام البسيط)
يا أيها الرّاكب الماضي لطيّته ... أبلغ حنيفة، وانشر فيهم الخبرا
أكان مسلمة الكذّاب قال لكم ... لن تدركوا المجد حتى تغضبوا مضرا
مهلا حنيفة، إن الحرب إن طرحت ... عليكم بركها أسرعتم الضّجرا
أي إن طرحت (3) [عليكم] صدرها. وذكروا أن عديّ بن حاتم الطائي (4)
قال يوما في الوليد لما ولي الكوفة: ألا تعجبون (5) (لهذا)، أشعر بركا! يولّى مثل هذا المصر! وو الله ما يحسن أن يقضي في تمرتين. فبلغ ذلك الوليد، فقال على المنبر: أنشد الله رجلا سمّاني أشعر بركا إلّا قام! فقام عديّ بن حاتم فقال:
أيها الأمير، إن الذي يقوم فيقول: أنا سمّيتك أشعر بركا لجريء، فقال: اجلس أبا طريف (6)، فقد برّأك الله منها. فجلس وهو يقول: والله ما برّأني (7) منها. وزعم الأصمعيّ أن الذي كان يقال له أشعر بركا زياد بن أبيه. والأول هو الذي عليه الرّواة، والله أعلم.
__________
(1) من الكامل 3/ 26، 27بتصرف إلى آخر الخبر.
(2) شاعر مقدّم فصيح كان النحويون بالبصرة يأخذون عنه اللغة وهو من أحفاد جرير الشاعر (239هـ) الأغاني 24/ 258245
والأبيات يهجو فيها بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، وهي في الكامل 3/ 26.
(3) زيادة من ج د.
(4) صحابي من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيء في الجاهلية والإسلام، قام في حرب الرّدة بأعمال كبيرة، شهد فتح العراق وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي، وهو ابن حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود (68هـ) المعارف 313والسيرة 2/ 580والاستيعاب 3/ 10591057والأعلام 4/ 220.
(5) ما بين القوسين ساقط من د.
(6) ج: أبا شريف، وهو غلط. د: ترك بياض مكان الكلمة.
(7) ب د ش: والله ما برأني الله منها.(1/224)
وكان (1) الوليد فاسقا، ولي الكوفة لعثمان بن عفان، بعد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، فشرب الخمر وشهد عليه بذلك فحدّه وعزله وهو الذي يقول في عثمان رحمه الله يرثيه، ويحرّض معاوية على الأخذ بثأره (2):
(الطويل)
والله ما هند بأمّك إن مضى الن ... هار ولم يثأر بعثمان ثائر
أيقتل عبد القوم سيّد أهله ... ولم تقتلوه، ليت أمّك عاقر
حدث (3) أبو عبيدة والأصمعي وابن الكلبي قالوا: كان الوليد بن عقبة زانيا شرّيب خمر، فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصليّ بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم، وقال: أزيدكم؟ وتقيّأ في المحراب. وقرأ بهم في الصلاة، وهو رافع صوته (4): (مجزوء الرمل)
علق القلب الرّبابا ... بعد ما شابت وشابا
فشخص أهل الكوفة إلى عثمان رضي الله عنه، فأخبروه خبره، وشهدوا عليه بشربه الخمر، فأتي به، فأمر رجلا بضربه الحدّ، فلما دنا منه، قال: نشدتك الله وقرابتي من أمير المؤمنين فتركه، فخاف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يعطّل الحدّ فقام إليه فحدّه (5) فقال له الوليد: نشدتك الله وبالقرابة، فقال له علي: اسكت أبا وهب، فإنّما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود (6)، فضربه وقال: لتدعونّي قريش بعد هذا جلّادها. قال إسحاق الموصلي: فأخبرني مصعب الزّبيريّ
__________
(1) من الأغاني 5/ 122.
(2) د: ولم يأثر، وهو غلط. ج: ولم يقتلوه.
والبيتان في الأغاني 5/ 122.
والأول دخله خرم وهو أن تسقط أول الوتد المجموع في أول البيت فتصبح فعولن عولن. أنظر القسطاس 3231.
(3) من الأغاني 5/ 127126إلى قوله: «فأمر به عثمان فحدّ».
(4) البيت في الأغاني 5/ 126والغيث المسجم 1/ 144 (ط. العلمية).
(5) أنظر خبر ذلك في الفتح الباري 7/ 53، 56، 57والاستيعاب 4/ 1556.
(6) إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وسلم: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ!» متفق عليه. أنظر رياض الصالحين 339.(1/225)
قال: قال الوليد بن عقبة بعدما جلد: اللهم إنهم شهدوا عليّ بزور، فلا ترضهم عن أمير، ولا ترض أميرا عنهم. فقال الحطيئة يكذّب عنه (1): (تام الكامل)
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه ... أنّ الوليد أحقّ بالعذر
خلعوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري
ورأوا شمائل ماجد أنف ... يعطي على الميسور والعسر
فنزعت مكذوبا عليك ولم ... تنزع إلى طمع ولا فقر
فقال رجل من بني عجل يردّ على الحطيئة (2): (تام الكامل)
نادى وقد تمّت صلاتهم ... أأزيدكم، ثملا، وما يدري
ليزيدهم خيرا ولوا قبلوا ... لقرنت بين الشّفع والوتر
فأبوا أبا وهب ولو فعلوا ... وصلت صلاتهم إلى العشر
وروى ابن عائشة عن أبيه، قال: لما أحضر عثمان رضي الله عنه الوليد لأهل الكوفة في شرب الخمر، حضر الحطيئة، فاستأذن على عثمان، وعنده بنو أمية متوافرون، فطمعوا أن يأتي للوليد بعذر، فقال: شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه. الأبيات الأربعة.
قال: فسرّوا وظنّوا أن قد قام بعذر. فقال رجل من بني عجل يرد على الحطيئة:
نادى وقد تمّت صلاتهم ... وأنشد البيتن الأول والثالث،
قال: فوجم القوم، وأطرقوا، فأمر به عثمان رحمه الله فحدّ.
وعن قتادة (3) في قوله تعالى (4) {«إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ»}، قال: هو الوليد
__________
(1) الأبيات في ديوانه 179والأغاني 5/ 127ومختارات ابن الشجري 550والوافي بالوفيات ج 27 (ميكرو فيلم) وورد في الاستيعاب 4/ 1555والفتح الباري 7/ 57البيت الأول فقط مع الأبيات الثلاثة التالية المنسوبة لرجل من عجل.
(2) ج د: وما قبلوا، وهو غلط
والأبيات وردت في ديوان الحطيئة 180منسوبة إليه، بعد الأبيات السابقة وهي مناقضة للأولى. وهي في مختارات ابن الشجري 551550، والصحيح أنها لرجل من عجل كما في الأغاني 5/ 127.
(3) من الأغاني 5/ 142141إلى قوله «من أجل الخلوق» وانظر الخبر في السيرة 2/ 296والاستيعاب 4/ 1553وسراج الملوك 135.
(4) سورة الحجرات 49/ 6.(1/226)
ابن عقبة بن أبي معيط بعثه النبي صلّى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق (1) مصدّقا (2)، فلما رأوه أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأمره أن يتثبّت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا، فبعث عيونه، فلما جاءوه (3) أخبروه بأنهم متمسّكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم. فلما أصبحوا أتاهم خالد رحمه الله فرأى ما يعجبه، فرجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم تشتكي الوليد، وقالت: إنه يضربها، فقال لها: «ارجعي وقولي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أجارني»، فانطلقت فمكثت ساعة، ثم رجعت فقالت: ما أقلع عنّي، فقطع رسول الله هدبة من ثوبه. ثم قال: «امضي (4) بهذا، وقولي إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجارني»، فانطلقت، فمكثت ساعة، ثم رجعت فقالت: يا رسول الله ما زادني إلّا ضربا، فرفع يديه وقال: «اللهم عليك الوليد» مرتين أو ثلاثا.
وعن أبي موسى الأشعري رحمه الله أن الوليد بن عقبة قال (5): لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكّة، جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيدعو لهم بالبركة، ويمسح على رؤوسهم، فجيء بي إليه، وأنا مخلّق (6) فلم يمسّني، وما منعني إلا أن أمّي خلّقتني بخلوق. فلم يمسّني من أجل الخلوق. وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) المصطلق من ولد سعد بن عمرو بن عامر بن لحيّ، منهم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن ضرار زوجة الرسول صلّى الله عليه وسلم أنظر جمهرة الأنساب 239.
(2) المصدّق بتخفيف الصاد الذي يقبض الصدقات ويجمعها هو عامل الزكاة ووكيل الفقراء في القبض (اللسان:
صدق).
(3) د: جاءوا.
(4) ج د: امض، وهو غلط.
(5) الحديث في الاستيعاب 4/ 1552وهو مشكوك فيه.
(6) مخلّق: مطليّ بالخلوق، وهو ضرب من الطيب وقيل الزعفران (اللسان: خلق).(1/227)
4 - يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (1)
واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. ولد سنة خمس أو ست من الهجرة، وتوفي بدمشق سنة أربع وستين وصلى عليه ابنه معاوية وله ثمان وثلاثون سنة. وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما. وأنكر جماعة من العلماء (2) أن يكون من الصحابة، وقالوا: إنما ولد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالله أعلم. وكان يكنى أبا خالد. ولي الخلافة بعد أبيه معاوية بولاية العهد منه، يروى (3) أن أباه لما نصبه لولاية العهد أقعده في قبة حمراء، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ثم يميلون إلى يزيد حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال: يا أمير المومنين، اعلم أنّك لو لم تولّ أمور الناس هذا لأضعتها، والأحنف بن قيس (4) جالس، فقال له معاوية: مالك لا تتكلم يا أبا بحر؟ قال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت. فقال له: جزاك الله عن الطاعة خيرا! وأمر له بألوف. فلما خرج الأحنف لقيه الرجل بالباب، فقال:
يا أبا بحر، إني لأعلم أن شرّ خلق الله هذا وابنه، ولكنّهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخراجها إلا بما سمعت، فقال له الأحنف (5):
يا هذا أمسك عليك، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.
كان يزيد شاعرا مجيدا إلا أن أكثر شعره في الخمر، منه قوله (6):
(الطويل)
شربت على الجوزاء كأسا رويّة ... وأخرى إذا الشّعرى العبور استقلّت
__________
(1) (64هـ) ترجمته في الأغاني 17/ 213209والفوات 4/ 333327وإدراك الأماني 13/ 2217والأعلام 8/ 189
(2) الوفيات 3/ 287والفوات 4/ 328.
(3) من الكامل 1/ 4847وأنظر الخبر في المستجاد 220والوفيات 2/ 500.
(4) من أهل البصرة من تميم، كان حليما حكيما داهية معترفا له بالفضل (72هـ) مجمع الأمثال 1/ 219والوفيات 2/ 506499وتهذيب تاريخ ابن عساكر 7/ 2410ونكت الهميان 148والأعلام 1/ 277276.
(5) انظر البيان 2/ 147.
(6) البيتان في الفوات 4/ 331وليسا في شعره.(1/228)
مشعشة كانت قريش تعافها ... فلما استحلّوا قتل عثمان حلّت
وقوله (1): (الطويل)
أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنّم
خذوا بنصيب من نعيم ولذة ... فكلّ وإن طال المدى يتصرّم
ولا تتركوا يوم السّرور إلى غد ... فربّ غد ياتي بما ليس يعلم
ألا إنّ أهنا العيش ما سمحت به ... صروف الليالي والحوادث نوّم
لقد كادت الدّنيا تقول لأهلها ... خذوا لذة، لو أنّها تتكلّم
وقوله (2): (الطويل)
وساق أتاني والثّريّا كأنها ... قلائص قد أعنقن خلف فنيق
وناولني كأسا كأنّ بنانه ... مخلّقة من نورها بخلوق
وقال: اغتنم من دهرنا غفلاته ... فعقد وداد الدهر غير وثيق (3)
وإنّي من لذّات دهري لقانع ... بحلو حديث أو بمرّ عتيق
هما ما هما لم يبق شيء سواهما ... حديث صديق أو عتيق رحيق
إذا شجّها السّاقي حسبت حبابها ... نجوما تبدّت في سماء عقيق
وقوله يخاطب أباه (4): (الطويل)
أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ؟! الآن طابت لي الخمر
سأشرب فاغضب، لا رضيت، كلاهما ... حبيب إلى قلبي: عقوقك والسّكر
__________
(1) من الشعر المنسوب ليزيد وهي ضمن أبيات أخرى في شعره 59. والأبيات في الفوات 4/ 331والثلاثة الأولى في الوفيات 3/ 287وتمام المتون 82والأولان في حياة الحيوان 2/ 396.
(2) ج: أعنقن، أب د ش: اعتقن، وهو غلط.
والأبيات من الشعر المنسوب ليزيد وهي مع بيت آخر في شعره 4847والفوات 4/ 332.
القلائص جمع قلوص وهي الفتيّة من الإبل. أعنق: أسرع، والعنق من السير المنبسط، والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته على أهله ولا يركب (اللسان: عنق، فنق، قلص).
(3) ج د: فعهد
(4) البيتان من الشعر المنسوب ليزيد وهما في شعره 53والفوات 4/ 333.(1/229)
وله أشعار كثيرة من هذا المعنى تدل على خبثه وفسقه.
ويروي (1) أن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لما قال في أخته عاتكة (2) (بنت معاوية) يشبّب بها: (تام الخفيف)
صاح حيّا الإله أهلا ودارا ... عند أصل القناة من جيرون
عن يساري إذا دخلت على البا ... ب وإن كنت خارجا فيميني
فبتلك ارتهنت في الشام حتى ... ظنّ أهلي مرجّمات الظّنون (3)
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّاص ميزت بجوهر مكنون
(وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون) (4)
ثم خاصرتها إلى القبة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون
تجعل المسك واليلنجوج والنّدّ صلاء لها على الكانون
قبّة من مراجل ضربتها ... عند برد الشّتاء في قيطون
__________
(1) من الكامل 1/ 298297إلى قوله: «قال معاوية: كذب»
(2) ما بين القوسين ساقط من ج د.
أب ش: وإن كنت خارجا فيميني.
ج: وإن كنت خارجا عن فيميني (عن) غلط.
د: وإن كنت داخلا فيميني، (داخلا) غلط.
والأبيات أول قصيدة في شعر عبد الرحمن بن حسان 6159وبعضها في الشعر والشعراء 1/ 492491والكامل 1/ 298297والعقد الفريد 5/ 323322والأغاني 15/ 110109واللسان (سنن، قطن) ورفع الحجب 2/ 138
وتروى الأبيات لأبي دهبل الجمحي من قصيدة أولها:
طال ليلي وبتّ كالمجنون ... واعترتني الهموم بالمطرون
وهي في ديوانه 7268ومعظمها في الأغاني 7/ 123122والنوادر 188وبعضها في (اللسان: خصر) ورفع الحجب 2/ 138. والبيت الرابع والسابع في شرح القصائد السبع 175، 276، 438ونسب البيت الرابع في الكامل 1/ 296لأبي دهبل وعبد الرحمن بن حسان معا.
جيرون: باب من أبواب دمشق (اللسان: جرن).
(3) حاشية ج: = خ اغتربت =.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
الدّون: الحقير والخسيس. اليلنجوج: عود طيّب الريح يتبخّر به (اللسان: دون، لنج) المسنون والمراجل والقيطون، سيشرحها المؤلف بعد قليل.(1/230)
دخل على أبيه معاوية فقال له: أما سمعت قول عبد الرحمن بن حسان في ابنتك؟ قال: وما قال؟ قال، قال:
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّ ... اص ميزت بجوهر مكنون
قال معاوية: صدق. فقال يزيد، قال:
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
قال معاوية: إنه صدق، قال يزيد، فإنه قال:
ثم خاصرتها إلى القبّة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون
قال معاوية: كذب. وهذا ممّا يدل على فرط حلم معاوية رضي الله عنه (1) وسعة صدره، كما اشتهر عنه. والمسنون (2) هو المنصوب على استواء. والمراجل ثياب من ثياب اليمن، والقيطون البيت في جوف البيت.
وبعضهم (3) يروي هذه الأبيات لأبي دهبل الجمحي (4)، ويقول: (5) إنه كان تقيّا وإنه قفل (6) من غزوة ذات مرة، فمر بدمشق، فدعته امرأة إلى أن يقرأ لها كتابا، وقالت له: إن صاحبته في هذا القصر، وهي تحبّ أن تسمع ما فيه، فلما دخلت به برزت له امرأة جميلة، وقالت له: إنما احتلت لك بالكتاب حتي أدخلتك.
فقال: «أما الحرام فلا سبيل إليه، قالت: فلست تراد لحرام، فتزوجته، وأقام عندها دهرا حتى نعي بالمدينة. ثم استأذنها ليلّمّ بأهله، ثم يعود، فجاء أهله، وقد اقتسم ميراثه، فلما همّ بالعود إليها نعيت له. والأول هو الذي عليه جمهور الرواة.
__________
(1) ج د: رحمه الله.
(2) الشرح من الكامل 1/ 297.
(3) أنظر الصفحة السابقة الحاشية 2.
(4) هو وهب بن زمعة من بني جمح من قريش وهو شاعر محسن كان جميل الوجه عفيفا (63هـ) أنظر الشعر والشعراء 2/ 621618والأغاني 7/ 145113والمؤتلف 117وأمالي المرتضى 1/ 119114وإدراك الأماني 17/ 7958.
(5) من الكامل 1/ 297296إلى آخر الخبر وهو في الأغاني 7/ 127126وذيل الأمالي 188.
(6) ج: أقبل.(1/231)
وفي أيام يزيد هذا قتل مولانا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. واختلف قول السلف فيه (1)، فعن مالك رحمه الله، فيه قولان: تصريح وتلويح، (2) (ولأحمد رحمه الله فيه قولان أيضا تصريح وتلويح). قال بعض المتأخرين (1): ولنا فيه قول واحد: التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنّرد والمتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره فيها معلوم، ومخازيه كثيرة. وقال جمال (2) (الدين) علي بن يوسف الشهير بابن القفطي (3): لما ورد السبي من العراق على يزيد، خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسين رضي الله عنهما والرؤوس على أسنّة الرّماح، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب (4)
فلما رآهم أنشأ يقول (5): (تام الكامل)
لما بدت تلك الحمول وأشرفت ... تلك الرؤوس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل ... فقد اقتضيت من الرسول ديوني
يعني بذلك أنه قتل بمن قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر مثل عتبة بن ربيعة جدّه لأمه، ومن يجري مجراه. وقائل هذا الكلام خارج عن ربقة الإسلام، بري الله ورسوله منه. قال الصلاح الصفدي في وافيه (6): والظاهر أن هذا الشعر نظم على لسانه. والله أعلم. قال (7): ويقال إنه لما أتي برأس [سيدنا] (8) الحسين رضي
__________
(1) أنظر هذه الأقوال في الوفيات 3/ 287والفوات 4/ 328والشذرات 1/ 6968.
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) هو وزير الملك العزيز بالله في حلب وأحد الكتاب المشهورين صاحب كتاب إنباه الرواة (646هـ) الوفيات 3/ 118117والأعلام 5/ 33.
(4) ثنيّة العقاب هي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص. معجم البلدان 2/ 85.
(5) د: نعى الغراب، وهو غلط.
والبيتان في إدراك الأماني 13/ 20وليسا في شعر يزيد.
جيرون سقيقة مستطيلة على عمد عند باب دمشق من بناء سليمان بن داود عليه السلام. معجم البلدان 2/ 199.
(6) لم أعثر على الجزء الذي ترجم فيه الصفدي ليزيد بن معاوية. والقول في إدراك الأماني 13/ 20.
(7) القول في الفوات 4/ 332وإدراك الأماني 13/ 20.
(8) زيادة في ج د.(1/232)
الله عنه صاح بنات معاوية وعياله وسمعهم فاغرورقت عيناه، وقال (1):
(مشطور الرجز)
يا صيحة تحمد من صوائح ... ما أهون الموت على النوائح
ثم قال (2): إذا قضى الله أمرا كان مفعولا. كنا نرضى من أهل العراق بدون قتل الحسين. وعرض عليه فيمن عرض عليّ بن الحسين بن علي رضي الله عنهم فأراد قتله والأمن من غائلته ثم ارعوى وكفّ وقال (3): (الطويل)
هممت بنفسي همّة لو فعلتها ... لكان قليلا بعدها ما ألومها
ولكنّني من عصبة أمويّة ... إذا هي زلّت أدركتها حلومها
فهذا ونحوه مما يقضي بعدم كفره وأن لا يتعرّض له إلا بخير كغيره من عصاة المسلمين، وهو الذي أفتى به حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله فإنه (4)
سئل عمّن صرّح بلعن يزيد، هل يحكم بفسقه، أم يكون ذلك مرخّصا فيه؟ وهل كان مريدا لقتل الحسين رضي الله عنه أم كان قصده الدفع؟ وهل يسوغ الترحّم عليه، أم السكوت عنه أفضل؟ فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن مسلما فهو الملعون، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (5): «المسلم ليس بلعّان». وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم، وقد ورد النهي عن ذلك (6) وحرمة
__________
(1) البيتان في الفوات 4/ 332وإدراك الأماني 13/ 20وليسا في شعره.
(2) القول في الفوات 4/ 332وحياة الحيوان 1/ 111وإدراك الأماني 13/ 20.
(3) ج: لو جعلتها، وهو غلط.
والبيتان في الفوات 4/ 332وإدراك الأماني 13/ 20وليسا في شعره.
(4) إحياء العلوم 3/ 108والخبر في حياة الحيوان 2/ 397396والوفيات 3/ 289288والفوات 4/ 336329 وشذرات الذهب 1/ 69وإدراك الأماني 13/ 2220وسؤال في يزيد 3533
(5) الجامع الصحيح 4/ 350، 371وإحياء العلوم 3/ 104، 106.
(6) إشارة إلى ما ورد في باب النهي عن لعن الدواب: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم كان في سفر فسمع لعنة. فقال: ما هذا؟ قالوا:
فلانة لعنت راحلتها، فقال: ضعوا عنها، فإنها ملعونة» سنن الدارمي 2/ 288وعون المعبود 7/ 230وحياة الحيوان 2/ 589588.(1/233)
المسلم (1) أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلّى الله عليه وسلم (2). ويزيد صحّ إسلامه وما صحّ قتله للحسين رضي الله عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك. ومهما لم يصحّ ذلك منه لا يجوز أن يظنّ ذلك به، فإن إساءة الظنّ بالمسلم حرام، وقد قال الله تعالى (3): {«اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»}. وقال صلّى الله عليه وسلم (4): «إن الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظنّ به ظنّ السوء». ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به، فينبغي أن يعلم به غاية حمقه، فإن من قتل في عصره من الأكابر والوزراء والسلاطين لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله أو رضي به، ومن (5) الذي كرهه، لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده. فكيف لو كان في بلد بعيد، وزمن بعيد، وقد انقضى. فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد، وقد طرق التعصّب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب. فهذا (6) (أمر) لا تعرف حقيقته أصلا، وإذا لم تعرف وجب إحسان الظنّ بكلّ مسلم، يمكن إحسان الظنّ به. ومع هذا فلو بيّنت على مسلم أنه قتل مسلما، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر بل هي (7) معصية، فإذا مات القاتل ربّما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره، لم يجز لعنه، فكيف بمن تاب عن قتل. وبم يعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة؟ (8) {«وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ»}، فإذن لا
__________
(1) ج د: المؤمن.
(2) إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وسلم «المومن أعظم حرمة من الكعبة» سنن ابن ماجة 2/ 1297والجامع الصحيح 4/ 378والمقاصد الحسنة 340، 437، والمصنوع 147146وكشف الخفاء 2/ 292وجاء أيضا في كشف الخفاء 2/ 151: «لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل المسلم».
(3) سورة الحجرات 49/ 12.
(4) المقاصد الحسنة 438وجاء في الجامع الصحيح 5/ 17 «المومن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» وجاء في سنن ابن ماجة 2/ 297: «ألا وإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وجاء في كشف الخفاء 2/ 125 «كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».
(5) د: أومن.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح د.
(7) أج: هو.
(8) سورة الشوري 42/ 25.(1/234)
يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين. ومن لعنه كان فاسقا (1) عاصيا لله تعالى. ولو جاز لعنه فسكت، لم يكن عاصيا بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره، لا يقال له في القيامة: لم لم تلعن إبليس؟. ويقال للآعن لم لعنت إبليس؟
ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون؟ والملعون هو المعبد من الله عز وجل، وذلك غيب لا يعرف إلا فيمن مات كافرا، فإن ذلك علم بالشّرع. وأما الترحّم عليه فهو جائز بل هو مستحبّ بل هو داخل في قولنا في كل صلاة: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنه كان مؤمنا. والله أعلم. كتبه الغزالي (2) وهو الذي ينبغي أن يعوّل عليه من أمر يزيد. وما قصدنا (3) من ترجمته بأسرها إلا هذا الجواب. وبالله سبحانه التوفيق، ومنه الهداية إلى سنن الصواب.
5 - العرجي (4)
هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي (5)، فهو قرشي أموي، (6) ولقّب العرجي لأنّه كان يسكن عرج (7) الطائف، وقيل لقّب بذلك لما كان له بالعرج من المال، فنسب إلى ماله.
كان من شعراء قريش، وممن شهر بالغزل منها. وكان مشغوفا بالصيد واللهو حريصا عليهما، قليل المحاشاة لأحد فيهما. فلم تكن له نباهة في أهله، وكان أشقر
__________
(1) إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وسلم: «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر» الجامع الصحيح 5/ 21وسنن ابن ماجة 1/ 27وإحياء العلوم 3/ 106.
(2) وردت هذه الفتوى موجزة في إحياء العلوم 3/ 108.
(3) ج د: قصدت.
(4) (نحو 120هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 580578والأغاني 1/ 417383، 19/ 218216وإدراك الأماني 20/ 86والأعلان 4/ 109 (وهو فيه عبد الله بن عمر بن عمرو)
(5) من الأغاني 1/ 383بتصرف.
(6) من الأغاني 1/ 386385بتصرف إلى قوله «يطرق» والخبر في الكامل 2/ 51.
(7) العرج: قرية جامعة من نواحي الطائف إليها ينسب العرجي الشاعر، الوفيات 4/ 253والقاموس (عرج)(1/235)
أزرق جميل الوجه كوسجا (1) ناتئ الحنجرة. وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك (2) في أرض الروم، وكان له معه بلاء حسن، ونفقة كثيرة.
يروى أنه باع أموالا كثيرة عظيمة، وأطعم ثمنها في سبيل الله حتى نفد ذلك.
وكان قد اتّخذ غلامين، فإذا كان الليل نصب قدره وقام الغلامان يوقدان، فإذا نام أحدهما، قام الآخر حتى يصبحا، يقول: لعل طارقا يطرق. وكان (3) من أفرس الناس وأرماهم وأبراهم لسهم (4) وأجودهم فممّا يؤثر من جوده أنه (5) كان غازيا فأصابت النّاس مجاعة، فقال للتجار: أعطوا الناس، وعليّ ما تعطون. فلم يزل يعطيهم، ويطعم الناس، حتى أحصي ذلك فبلغ عشرين ألف دينار، فالتزمها العرجي، فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقال: بيت المال أحقّ بهذا.
وحدث أبو الفرج الأصبهاني (6) عن ابن مخارق، قال: واعد العرجيّ امرأة كان يهواها شعبا من شعاب عرج الطائف، إذا نزل رجالها يوم الجمعة إلى مسجد الطائف، فجاءت على أتان لها، معها جارية لها، وجاء على حمار ومعه غلام له، فواقع المرأة وواقع الغلام الجارية، ونزل الحمار على الأتان، فقال العرجيّ: هذا يوم قد غاب عذّاله!!
وكان العرجيّ كثير الهجاء لمحمد بن هشام بن إسماعيل المخزوميّ خال هشام ابن عبد الملك بن مراون، ويكثر أن يشبّب بأمّه جيداء، وهي امرأة من بني الحارث ابن كعب، وبزوجته جبرة، ولم يكن تشبيبه بهما لمودة بينهما، وإنما يفعل ذلك ليحطّ من
__________
(1) الكوسج: الذي لا شعر على عارضيه (اللسان: كسج).
(2) أمير وقائد مشهور له فتوحات كثيرة في بلاد الروم وغزا الترك والسند تولى العراقين (120هـ) المعارف 358، 359، 360، 364، 365، 556، 571ومعجم الشعراء 373372والأعلام 7/ 224.
(3) من الأغاني 1/ 403.
(4) ج د: للسهم.
(5) من الأغاني 1/ 395بتصرف إلى آخر الخبر.
(6) الأغاني 1/ 395إلى آخر الحكاية.(1/236)
قدر محمد بن هشام، فمن تشبيبه بأمّه جيداء قوله (1): (السريع)
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إن لا: تفعلي تحرجي
إنّي أتيحت لي يمانيّة ... إحدى بني الحارث من مذحج
نلبث حولا كلّه كاملا ... لا نلتقي إلّا على منهج
في الحجّ إن حجّت، وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
أيسر ما نال محبّ لدى ... بين محبّ قوله: عرّج (2)
نقض إليكم حاجة أو نقل ... هل لي ممّا بي من مخرج؟
(3) روي أن عطاء بن أبي رباح (4) أنشد قول العرجي:
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
فقال: الخير كلّه في منى حجّت أو لم تحجّ. وفي رواية (5) [عنه] أنّه قال: الخير
كلّه والله بمنى، إذ غيّبها الله وإياه عن مشاعره.
ومن (6) تشبيبه بزوجه أعني زوج محمد بن هشام واسمها جبرة (7):
(الكامل)
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الصّدود وأنتم سفر؟
ما نلتقي إلّا ثلاث منى ... حتّى يفرّق بيننا النّفر
الحول بعد الحول يتبعه ... ما الدهر إلّا الحول والشّهر
__________
(1) الأبيات أول قصيدة في ديوان العرجي 2017. والأبيات في الأغانتي 1/ 407406.
(2) ج: ما قال.
(3) من الأغاني 1/ 407بتصرف.
(4) وهو تابعي كان مفتي مكة ومحدّثها (115هـ) المعارف 444وطبقات الفقهاء 69والوفيات 3/ 263261.
(5) زيادة من ج د.
(6) من الأغاني 1/ 408.
(7) أول قصيدة في ديوانه 4542والأبيات في الأغاني 1/ 408.(1/237)
ولما (1) ولي هشام بن عبد الملك الخلافة، وكان محمد بن هشام خاله، كما تقدّم ذكره، ولّاه مكة، وكتب إليه أن يحجّ بالناس. فهجاه العرجيّ بأشعار كثيرة.
منها قوله (2): (تام الوافر)
كأنّ العام ليس بعام حجّ ... تغيّرت المواسم والشّكول
إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليحزنها فلا صحب الرسول
ومنها قوله (3): (الطويل)
ألا قل لمن أمسى بمكّة قاطنا ... ومن جاء من عمق ونقب المشلّل
دعوا الحجّ لا تستهلكوا نفقاتكم ... فما حجّ هذا العام بالمتقبّل
وكيف يزكّى حجّ من لم يكن له ... إمام لدى تجميره غير دلدل (4)
يظلّ يرائي بالصّيام نهاره ... ويلبس في الظّلماء سمطي قرنفل (5)
فلمّا (6) بلغ هجاؤه محمد بن هشام، جعل يطلب عليه العلل حتى وجدها، فحبسه وضربه وأقامه للناس حتى مات في سجنه، وأقسم أن لا يخرج من الحبس ما دام له سلطان فمكث في الحبس نحوا من تسع سنين حتى مات فيه. واختلف في السبب الذي من أجله وجد محمد بن هشام السبيل إليه، فقيل: إنّ العرجيّ لاحى مولى لأبيه فأمضّه (7) العرجيّ، فأجابه المولى بمثل ما قاله له فأمهله حتى إذا كان
__________
(1) ج د: فلما. والخبر في الأغاني 1/ 405
(2) البيتان في ديوانه 190والأغاني 1/ 406.
(3) الأبيات في هجاء محمد بن هشام، وهي في ديوانه 189والأغاني 1/ 406.
العمق: واد من أودية الطائف. والنقب: الطريق الضيق في الجبل. والمشلّل جبل يهبط منه إلى قديد. (اللسان: شلل، عمق، نقب).
(4) الديوان والأغاني: تجميره، وهو أصح. أب ج د هـ وش: تحميده.
والتجمير: رمي الجمار في الحج. الدّلدل: ضرب من القنافذ له شوك طويل أكثر ما يظهر بالليل (اللسان: جمر، دلل).
وقد كان محمد بن هشام ينبز بالدّلدل لخروجه ليلا طلبا للمجون والفساد فكأنه اتّخذ الدّلدل إماما يقتدي به كما وصفه العرجي في البيتن الأخيرين، وقد نعته الوليد بن يزيد بهذا اللقب فقال:
قد جعل الله بعد غلبتكم ... لنا عليكم يا دلدل الغلبه
الأغاني 1/ 416.
(5) السّمط: الخيط الواحد المنظوم (اللسان: سمط) يريد أنه يلبس خيطا فيه أزهار القرنفل.
(6) من الأغاني 1/ 411409بتصرف إلى قوله «وأقامهما في الشمس».
(7) أمضّه الهمّ والحزن والقول: أحرقه وشقّ عليه. (اللسان: مضض).(1/238)
الليل أتاه مع جماعة من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله فأخذه وأوثقه كتافا وأمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه، ففعلوا. ثم قتله وأحرقه بالنار، فاستعدت امرأته على العرجي محمد بن هشام، فحبسه. وقيل: إنّ العرجيّ كان وكّل بحرمه مولى له، يقوم مقامه بأمورهنّ، فبلغه أنه يخالف إليهن، فلم يزل يرصده حتى وجده يحدّث بعضهن، فقتله وأحرقه بالنار فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام، فأخذه وأخذ معه صديقا له يقال له الحصين بن غرير الحميري، فجلدهما وصبّ على رأسهما الزيت، وأقامهما في الشمس، ثم حبسهما إلى أن كان من أمر العرجي ما تقدم. وفي سجنه يقول رحمه الله (1):
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فصبرا عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها لنحري
أجرّر في الجوامع كلّ يوم ... فيا لله مظلمتي وصبري (2)
كأنّي لم أكن فيهم وسيطا ... ولم تك نسبتي في آل عمرو
وعن (3) الأصمعي قال: كان لأبي حنيفة (4) جار بالكوفة يغنّي، فإذا انصرف وقد سكر يغني في غرفته، فيسمع أبو حنيفة غناءه، فيعجبه، وكان يكثر أن يغنّي:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلقيه العسس ليلة، فأخذوه وحبس، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة،
__________
(1) أول مقطعة في ستة أبيات في الشكوى من إهمال قومه آل عمرو بن عثمان بن عفان له، وهو في السجن، وهي في ديوانه 3634، والأبيات في الأغاني 1/ 413.
(2) أب د هـ وش: الجوانح، وهو غلط. ح: المجامع، والتصحيح من الأغاني 1/ 413.
الجوامع جمع جامعة وهي الغلّ لأنها تجمع اليدين إلى العنق (اللسان: جمع) آل عمرو: أي عمرو بن عثمان بن عفان، وهم قوم العرجي انظر أول ترجمة العرجي.
(3) من الأغاني 1/ 414413إلى آخر الخبر. والخبر في العقد الفريد 6/ 15والمستجاد 219218وتاريخ بغداد 13/ 363362والوفيات 5/ 410وحياة الحيوان 1/ 231.
(4) هو النعمان بن ثابت الفقيه الكوفي وإمام الحنفية، كان عالما عاملا زاهدا، وهو أحد الأئمة الأربعة (150هـ) تاريخ بغداد 13/ 423323والوفيات 5/ 415405وتذكرة الحفاظ 1/ 169168والبداية والنهاية 10/ 108107.(1/239)
فسأل عنه من غد فاخبر، فدعا بسواده وطويلته (1)، فلبسهما وركب إلى عيسى بن موسى (2) فقال: إن لي جارا أخذه عسسك البارحة وحبس، وما علمت منه إلا خيرا فقال عيسى: سلّموا إلى أبي حنيفة كلّ من أخذه العسس البارحة. فأطلقوا جميعا. فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة، ثم قال له سرّا: ألست تغنّي يا فتى كل ليلة:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
فهل أضعناك؟ قال: لا والله، أيها القاضي، ولكن أحسنت وتكرّمت، أحسن الله جزاءك. قال: فعد إلى ما كنت عليه، فإني كنت آنس به، ولم أر به بأسا فقال: أفعل.
وكان (3) الوليد بن يزيد بن عبد الملك (4) (بن مروان مضطغنا على محمد ابن هشام لأشياء بلغته عنه في حياة هشام بن عبد الملك)، فلمّا ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم وأشخصا إلى الشام، ثم دعا لهما بالسياط، فقال له:
أسألك بالقرابة، فقال: وأيّ قرابة بيننا؟ وهل أنت إلا من أشجع! قال: فأسألك بصهر عبد الملك. قال: لم تحفظه فقال (5): يا أمير المؤمنين، قد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يضرب قرشيّ بالسياط إلا في حدّ. قال: في حدّ أضربك وقود أنت أوّل من سنّ ذلك على العرجي، وهو ابن عمّي وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حقّ جدّه، ولا نسبه بهشام، ولا ذكرت حينئذ هذا الخبر وأنا وليّ ثأره. اضرب يا غلام، فضربهما ضربا مبرّحا وأثقلا بالحديد ووجّه بهما إلى يوسف بن عمر (6) بالكوفة، وأمر بتعذيبهما حتى يتلفا، وكتب إليه: احبسهما مع ابن النصرانية، يعني خالدا
__________
(1) جاء في الأغاني 10/ 236: «كان أبو جعفر المنصور قد أمر أصحابه بلبس السواد وقلانس طوال تدعّم بعيدان من داخلها» وقد كان السواد شعارا لبني العباس وكان أنصارهم يرتدونه، ويقصد بالطويلة القلنسوة العالية الطويلة.
(2) هو أحد الولاة القادة وهو ابن أخي العباس السفاح (167هـ) تاريخ الطبري 7/ 473والوفيات 2/ 467والأعلام 5/ 110109.
(3) من الأغاني 1/ 416415بتصرف إلى قوله «ومات خالد القسري معهما في يوم واحد».
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
(5) ج د. قال.
(6) أب ح د: عمر بن يوسف، وهو غلط. ش: عمرو بن يوسف، وهو غلط. والتصحيح من الأغاني 1/ 416.
ويوسف بن عمر الثقفي هو ابن عم الحجاج، ولّاه هشام بن عبد الملك اليمن ثم ولّاه العراق (126هـ) انظر الوفيات 7/ 112101.(1/240)
القسريّ (1)، ونفسك نفسك إن عاش أحد منهم. فعذّبهم عذابا شديدا وأخذ منهم مالا عظيما حتى لم يبق فيهم موضع للضرب. فكان محمد بن هشام مطروحا، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه بها. ولما اشتدّ عليهم الحال تحامل إبراهيم لينظر (2) (في) وجه محمد، فوقع عليه فماتا جميعا، ومات خالد القسريّ معهما في يوم واحد.
(3) وقال إسحاق الموصليّ: غنيت الرشيد:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
فقال لي: ما كان سبب هذا الشعر، حين قاله العرجي؟ فأخبرته بخبره، إلى أن مات فرأيته يتغيّظ، كلما مرّ عليه منه شيء، فأتبعته بقتل (4) الوليد لابني هشام، فجعل وجهه يتهلّل، وغيظه يسكن، فلما انقضى الحديث قال لي يا إسحاق! لولا ما حدّثتني به من فعل الوليد ما تركت أحدا من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجي. رحمنا الله وإياه.
6 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان (5)
(6) ابن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. كان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشعرائهم وأجوادهم وأشدّائهم.
__________
(1) كان خالد بن عبد الله القسري أمير العراقيين من جهة هشام بن عبد الملك وكانت أمّه نصرانية، ثم عزله وولّى يوسف بن عمر الثقفي الذي عذبه حتى مات (126هـ) الأغاني 22/ 301والوفيات 2/ 231226وإدراك الأماني 16/ 120102.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) من الأغاني 1/ 417إلى الأخير بتصرف
(4) أب ج د ش: بمقتل.
(5) (126هـ) ترجمته في العقد الفريد 4/ 463452ومروج الذهب 3/ 219212والأغاني 7/ 1، 9: 275وأمالي المرتضى 1/ 130128 (ت أبو الفضل) ورسالة الغفران 445443والفوات 259256وحياة الحيوان 1/ 128127وإدراك الأماني 14/ 2321، 17/ 13983.
(6) من الأغاني 7/ 1، 2بتصرف إلى قوله = غير ذلك =.(1/241)
وكان فاسقا خليعا متّهما في دينه، مرميّا بالزندقة، وشاع ذلك وظهر حتى أنكره الناس فقتل. وله أشعار كثيرة تدل على خبثه وكفره. قال أبو الفرج: ومن الناس من ينفي ذلك عنه وينكره، ويقول: إنه متقوّل عليه، والأغلب الأشهر غير ذلك. روي (1) أنه لما ولي الخلافة بعث إلى جماعة من أهله، فلما حضروه قال لهم:
أتدرون لم دعوتكم؟ قالوا: لا، قال: ليقل قائلكم، فقال رجل منهم: يا أمير المؤمنين أردت أن ترينا ما جدّد الله لك من نعمته وإحسانه، فقال: نعم، ولكني أقول (2):
(تام الخفيف)
أشهد الله والملائكة الأب ... رار والعابدين أهل الصلاح
أنني أشتهي السماع وشرب ال ... كأس والعضّ للخدود الملاح
والنديم الكريم والخادم الفا ... ره يسعى عليّ بالأقداح
قوموا إذا شئتم. ولما (3) تهتّك في الخلاعة واشتغل باللهو عن الرعية كتب إليه مؤدّبه يزيد بن أبي مساحق، وبعث به إلى النّوار جاريته وأمرها أن تغّنيه بهما (4):
(تام الوافر)
مضى الخلفاء بالأمر الحميد ... وأصبحت المذمّة للوليد
تشاغل عن رعيّته بلهو ... وخالف فعل ذي الرأي الرشيد
فكتب إليه الوليد (5) (مجزوء الرمل)
ليت حظّي اليوم من كلّ ... معاش (لي) وزاد (6)
قهوة أبذل فيها ... طارفي ثم تلادي
فيظلّ القلب منها ... هائما في كلّ واد
إن في ذاك فلاحي ... وصلاحي ورشادي
__________
(1) من الأغاني 7/ 22بتصرف إلى قوله «قوموا إذا شئتم».
(2) أول مقطعة في خمسة أبيات في المجون، وهي في شعره 39واللطائف 3635والأبيات الثلاثة في الأغاني 7/ 22.
(3) من الأغاني 7/ 7069بتصرف إلى آخر الأبيات الأربعة.
(4) البيتان في الأغاني 7/ 69.
(5) الأبيات في اللهو والمجون وهي في شعره 51والعقد الفريد 4/ 459والأغاني 7/ 70.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.(1/242)
ومما استجيد من شعره (1): (تام المنسرح)
اصدع نجيّ الهموم بالطّرب ... وانعم على الدهر بابنة العنب
واستقبل العيش في غضارته ... لا تقف منه آثار معتقب (2)
من قهوة زانها تقادمها ... فهي عجوز تعلو على الحقب
أشهى إلى الشّرب يوم جلوتها ... من الفتاة الكريمة النّسب
فقد تجلّت ورقّ جوهرها ... حتى تبدّت في منظر عجب
فهي بغير المزاج من شرر ... وهي لدى المزج سائل الذّهب
كأنّها في زجاجها قبس ... تذكو ضياء في عين مرتقب
في فتية من بني أميّة أه ... ل المجد والمأثرات والحسب
ما في الورى مثلهم ولا فيهم ... مثلي ولا منتم لمثل أبي
وحدث أبو الفرج الأصبهاني رحمه الله قال (3): أخبرني محمد بن خلف وكيع.
قال: وجدت في كتاب عبيد الله بن سعيد الزهري عن عمه عن أبيه، قال: خرج الوليد بن يزيد، وكان مع أصحابه على شراب، فقيل له: إن اليوم الجمعة، فقال:
والله لأخطبنّهم اليوم بشعر، وصعد المنبر فخطب وقال (4): (مزدوج الرجز)
الحمد لله وليّ الحمد ... أحمده في يسرنا والجهد
وهو الذي في الكرب أستعين ... وهو الذي ليس له قرين
أشهد في الدنيا وما سواها ... أن لا إله غيره إلاها
ما إن له في خلقه شريك ... قد خضعت لملكه الملوك
__________
(1) ج د: من شعره. أب ش هـ و: كلامه.
والأبيات في الخمر في شعره 17والأغاني 7/ 19.
(2) د: متعقب وهو غلط.
«ويقال: فعلت كذا فاعتقبت منه ندامة أي وجدت في عاقبته ندامة (اللسان: عقب).
(3) من الأغاني 7/ 5857إلى قوله: ثم نزل =.
(4) أول قصيدة طويلة في الإرشاد والوعظ وهي في شعره 142141، الأبيات في الأغاني 7/ 5857.(1/243)
أشهد أن الدين دين أحمد ... فليس من خالفه بمهتدي
وأنّه رسول ربّ العرش ... القادر الفرد شديد البطش
أرسله في خلقه نذيرا ... وبالكتاب واعظا بشيرا
ليظهر الله بذاك الدّينا ... وقد جعلنا قبل مشركينا
من يطع الله فقد أصابا ... أو يعصه أو الرسول خابا
ثم القران والهدى السبيل ... قد بقيا لمّا مضى الرسول
كأنّه لمّا بقى لديكم ... حيّ صحيح لا يزال فيكم
إنّكم من بعد إن تزلّوا ... عن قصده أو نهجه تضلّوا
لا تتركن نصحي فإنّي ناصح ... إن الطريق فاعلمنّ واضح
من يتّق الله يجد غبّ التّقى ... يوم الحساب صائرا إلى الهدى
إنّ التّقى أفضل شيء في العمل ... أرى جميع البرّ فيه قد دخل (1)
خافوا الجحيم إخوتي لعلّكم ... يوم اللّقاء تعرفوا ما سرّكم
قد قيل في الأمثال لو علمتم ... فانتتفعوا تعرفوا ما سرّكم
ما يزرع الزّارع يوما يحصده ... وما يقدّم من صلاح يجده
فاستغفروا ربّكم وتوبوا ... فالموت منكم فاعلموا قريب
ثم نزل.
وذكرت (2) جارية أنّه واقعها يوما وهو سكران، فلما تنحّى عنها أذّن المؤذّن بالصلاة، فحلف أن لا يصلّي بالناس غيرها، فخرجت متلثّمة، فصلّت بالنّاس.
وحدّث (3) عنه أشعب الطامع (4) أنه دخل عليه يوما فألبسه سروايل من جلد قرد له ذنب، وقال له: ارقص وغنّني شعرا يعجبني، فإن فعلت فلك ألف درهم، ففعل، فأعجبه، فأعطاه ألف درهم.
__________
(1) د: جميع الخلق.
(2) من الأغاني 7/ 47إلى آخر الحكاية.
(3) من الأغاني 7/ 46إلى آخر الخبر.
(4) هو أشعب بن جبير من أهل المدينة، مولى عبد الله بن الزبير، يضرب به المثل في الطمع فيقال: أطمع من أشعب.
مجمع الأمثال 1/ 439.(1/244)
وحدّث (1) البندار قال: حججت مع الوليد، فقلت له، لما أراد أن يخطب الناس: أيّها الأمير، إن اليوم يوم يشهده الناس من كلّ الآفاق، وأريد أن تشرّفني بشيء، قال: وما هو؟ قلت: إذا علوت المنبر دعوتني وأسررت إليّ شيئا فيتحدّث الناس بذلك. فقال: أفعل، فلما جلس على المنبر، قال: أين البندار فقمت إليه، فقال: أدن، فأخذ بأذني وقال: البندار ولد زنى، والوليد بن يزيد ولد زنى، وكلّ من ترى حولنا ولد زنى، أفهمت؟ قلت: نعم، قال: انزل. فنزلت.
وحدث أشعب (2) قال: دخلت على الوليد يوما، فلما رآني كشف عن عورته، وهو منعظ (3) (قال أشعب) فرأيت مثل مزمار آبنوس مدهون، فقال لي:
أرأيت مثله قطّ؟ قلت: لا يا سيدي، قال: فاسجد له، فسجدت ثلاث سجدات، فقال (4): ما هذا؟ قلت: واحدة لأيرك واثتنان لخصيتيك، قال: فضحك، وأمر لي بجائزة.
وعن (5) يحيى بن سليم قال: دعا الوليد بن يزيد ليلة بمصحف، فلما فتحه وافق ورقة فيها (6): «واستفتحوا وخاب كلّ جبّار عنيد. من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد»، فقال: علّقوه، ثم (7) (أخذ) القوس والنبل فرماه حتى مزّقه، ثم قال (8): (تام الوافر)
أتوعد كلّ جبّار عنيد ... فها أنا ذاك جبّار عنيد
إذا لاقيت ربّك يوم حشر ... فقل: يا ربّ مزّقني الوليد
__________
(1) من الأغاني 7/ 5958، وفيه الوليد البندار، ولم أعثر له على تعريف في المظان التي رجعت لها.
(2) من الأغاني 7/ 47إلى آخر الخبر.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) د: قال.
(5) من الأغاني 7/ 49إلى قوله «ثم قتل» والخبر في حياة الحيوان 2/ 174.
(6) سورة إبراهيم 14/ 1615.
(7) ما بين القوسين ساقط من د.
(8) البيتان في شعره 45ومروج الذهب 3/ 216والأغاني 7/ 49وأمالي المرتضى 1/ 130 (ت. أبو الفضل) والفوات 4/ 257وحياة الحيوان 1/ 128127، 2/ 175174والبيت الثاني في رسالة ابن القارح 33.(1/245)
قال: فما لبث بعد ذلك إلّا قليلا، ثم قتل. وكان (1) الذي سعى في قتله يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو المعروف بالناقص، وولي الأمر بعده. وعندما اقتحموا عليه الدار بعد وقعة جرت عليه في خبر طويل ألقى سيفه ووضع المصحف في حجره. وقال: يوم كيوم عثمان.
وذكر (2) الوليد يوما عند أمير المؤمنين المهديّ فقال: إني لأحسبه كان زنديقا فقال ابن علاثة الفقيه: يا أمير المومنين، الله أعظم وأجلّ من أن يولّي خلافة النبوءة وأمر الأمة من لا يؤمن به، فقد أخبرني عنه من شهده في ملاعبه وشربه، أنه إذا حضرت الصلاة طرح ما كان عليه من مصبّغات ثياب ومطيّباتها، ثم يتوضا فيحسن الوضوء، ويؤتى بثياب نظاف فيصلي فيها أحسن صلاة بأحسن قراءة وسكون وركوع وسجود، فإذا فرغ عاد إلى حاله الأولى. أفهذه أفعال من لا يؤمن بالله؟ فقال له المهديّ: صدقت، بارك الله عليك يا ابن علاثة (3) [وبالله تعالى التوفيق لا إله سواه].
7 - ابن عبدل (4)
هو (5) الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال، ينتهي نسبه إلى أسد بن خزيمة. شاعر مجيد مقدّم في طبقته، هجّاء خبيث اللسان، من شعراء الدولة الأموية، وكان أعرج أحدب. ومنزله بالكوفة ومنشؤه بها. حدث أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصبهاني، في أغانيه، عن العتبي، قال (6) كان الحكم
__________
(1) من الأغاني 7/ 8073إلى آخر الخبر بإيجاز شديد.
(2) من الأغاني 7/ 83إلى آخر الخبر بتصرف.
(3) زيادة من ج د.
(4) (نحو 100هـ) ترجمته في الأغاني 2/ 426404والمؤتلف 161ومعجم الأدباء 10/ 239228والوفيات 2/ 204201والفوات 1/ 392390وإدراك الأماني 9/ 191والاعلام 2/ 267.
(5) من الأغاني 2/ 405404بتصرف إلى آخر الأبيان الثمانية وعنه نقل صاحب الوفيات 2/ 202201والفوات 1/ 391390.
(6) الخبر في المؤتلف 161.(1/246)
ابن عبدل أعرج لا تفارقه العصا، فترك الوقوف بأبواب الملوك، وكان يكتب على عصاه حاجته، ويبعث بها مع رسوله، فلا يحبس له رسول، ولا تؤخّر له حاجة، فقال في ذلك يحيى بن نوفل (1): (الطويل)
عصا حكم في الدار أوّل داخل ... ونحن على الأبواب نقصى ونحجب
وكانت عصا موسى لفرعون آية ... وهذي لعمر الله أدهى وأعجب
تطاع فلا تعصى ويحذر سخطها ... ويرغب في المرضاة منها ويرهب
قال: فشاعت هذه الأبيات في الكوفة، وضحك منها، فكان ابن عبدل يقول ليحيى:
يا ابن الزّانية! ما أردت بعصاي حتى جعلتها ضحكة؟ واجتنب أن يكتب عليها وكاتب النّاس بحوائجه في الرّقاع.
وكان لابن عبدل صديق أعمى يدعى أبا عليّة واسمه يحيى، وكان ابن عبدل قد أقعد، فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما، الحكم يحمل وأبو علية يقاد، فلقيهما صاحب العسس بالكوفة، فأخذهما فحبسهما، فلما استقرّا في الحبس نظر الحكم إلى عصا أبي عليّة موضوعة إلى جانب عصاه، فضحك وأنشأ يقول (2): (مجزوء الكامل)
حبسي وحبس أبي علي ... ة من أعاجيب الزمان
أعمى يقاد ومقعد ... لا الرّجل من ولا اليدان
هذا بلا بصر هنا ... ك وبي يخبّ الحاملان
يا من رأى ضبّ الفلا ... ة قرين حوت في المكان
__________
(1) يحيى بن نوفل اليماني من حمير، شاعر خبيث اللسان كثير الهجاء نادر المدح (نحو 125هـ) الشعر والشعراء 2/ 749745والأعلام 8/ 175174.
والأبيات في الأغاني 2/ 404والوفيات 2/ 201والفوات 1/ 390.
(2) مقطعة في ثمانية أبيات في شعره 117والأغاني 2/ 405والوفيات 2/ 202وما عدا البيت الأخير في الفوات 1/ 391
الطّرف: الكريم من الخيل (القاموس: طرف).(1/247)
طرفي وطرف أبي عليّ ... ة دهرنا متوافقان
من يفتخر بجواده ... فجوادنا عكّازتان
طرفان لا علفاهما ... يشرى ولا يتصاولان
هبني وإيّاه الحري ... ق أكان يسطع بالدّخان
وسمع (1) امرأة تمشي بالبلاط (2) وهي تتمثل بقوله (3): (الطويل)
وأعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
فقال لها، وكان قريبا منها، يا أخيّة، أتعرفين قائل هذا الشعر؟ قالت: نعم، ابن عبدل، (4) (قال) أفتثبتينه؟ قالت: لا، قال: فأنا هو، وأنا الذي أقول (5):
(الطويل)
فأنعظ أحيانا فينقدّ جلده ... وأعذله جهدي، فلا ينفع العذل
وأزداد نعظا حين أبصر جارتي ... فأوثقه كي ما يكون له عقل
وربّتما لم أدر ما حيلتي له ... إذا هو آذاني وعزّ به الجهل (6)
فأوقبه في بطن جاري وجارتي ... مكابرة قدما وإن رغم الفحل
فقالت له المرأة بيس والله الجار للمغيبة (7) أنت، فقال إي والله وللّتي معها زوجها وأبوها وابنها وأخوها!
__________
(1) من الأغاني 2/ 410409إلى آخر الخبر بتصرف.
(2) أب ج د ش هـ و: البلاد، وهو غلط والتصحيح من الأغاني 2/ 409. والبلاط بفتح الباء وكسرها من قرى غوطة دمشف. معجم البلدان 1/ 477والقاموس (بلط). وقد كان ابن عبدل قد قصد الشام، وكان يدخل على عبد الملك ويسمر عنده. الأغاني 2/ 420. والبلاط أيضا مكان بالمدينة مبلّط بين المسجد النبوي والسوق. جمهرة الأنساب 120 ومعجم البلدان 1/ 478477.
(3) البيت من قصيدة في الفخر مطلعها:
وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي فرضي
وهي في شعره 110109والأمالي 2/ 261والبيت في الأغاني 2/ 409، 426وشرح الحماسة للمرزوقيي 3/ 1163 وأمالي المرتضى 1/ 624.
الفرض: الهبة والعطية المرسومة وما فرضه الإنسان على نفسه دون مقابل (اللسان: فرض).
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
(5) مقطعة من أربعة أبيات في شعره 111والأغاني 2/ 409.
(6) ب: وغرّ.
(7) امرأة مغيب ومغيب ومغيبة: غاب بعلها أو أحد من أهلها. (اللسان: غيب).(1/248)
وحدث أبو الفرج (1) (2) [رحمه الله]، أنه كان بالكوفة امرأة موسرة، وكانت لها على الناس ديون بالسّواد (3)، فاستعانت بابن عبدل في دينها، وقالت:
إني امرأة ليس لي زوج، وجعلت تعرّض بأن تزوّجه نفسها، فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه، فلما طالبها بالوفاء، كتبت إليه (4): (الوافر)
سيخطيك الذي حاولت منّي ... فقطّع حبل وصلك من حبالي
كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال
قال: وكان ابن عبدل أتى بشر بن مروان (5) بالكوفة، فسأله، فقال له: أخمس مائة أحبّ إليك، أم ألف في القابل (6)؟ قال: ألف في القابل، فلما أتاه قال (7) (له):
ألف أحبّ إليك أم ألفان في القابل؟ قال: ألفان في القابل، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات بشر وما أعطاه شيئا. وبالله تعالى التوفيق.
8 - وضاح اليمن (8)
هو (9) عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي حمد. ثم قيل:
إنه من أبناء الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز (10) لنصرة سيف بن ذي يزن (11) على الحبشة، وهم الذين يقال لهم الأبناء. وقيل إنه ولد خولان بن عمرو
__________
(1) الأغاني 2/ 415، والخبر في الوفيات 2/ 204203والفوات 1/ 392391.
(2) زيادة من ج د.
(3) سواد كل شيء: كورة ما حول القرى وسواد الكوفة والبصرة: قراهما (اللسان: سود).
(4) البيتان في الأغاني 2/ 415ومعجم الأدباء 10/ 234والوفيات 2/ 204والفوات 1/ 392.
(5) هو أخو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان واليا له على الكوفة والبصرة (74هـ) الكامل 3/ 350، 362 وتاريخ الطبري 6/ 194، 197والأعلام 2/ 55.
(6) أي في العام المقبل (اللسان: قبل).
(7) ما بين القوسين ساقط من د.
(8) (نحو 90هـ) ترجمته في أسماء المغتالين 273والأغاني 6/ 241209وتهذيب ابن عساكر 7/ 298295 والفوات 2/ 275272وإدراك الأماني 22/ 202والأعلام 3/ 299.
(9) من الأغاني 6/ 209بتصرف.
(10) هو قائد الجيش الفارسي الذي أعان به كسرى أنوشروان سيف بن ذي يزن على الحبشة. أنظر السيرة 1/ 6562 وتاريخ الطبري 2/ 148141ومروج الذهب 2/ 5755.
(11) من ملوك العرب اليمانيين ودهاتهم استنجد بالفرس لما ملك الأحباش اليمن فأمدوه بجيش على رأسه وهرز فطرد الأحباش واستعاد الحكم منهم. السيرة 1/ 6862ومروج الذهب 2/ 5855والأعلام 3/ 149.(1/249)
ابن قيس بن معاوية بن جشم الحميري. ولقب بوضاح اليمن لجماله وبهائه.
كان (1) يهوى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وينسب بها في شعره، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك وهو إذ ذاك خليفة، فبلغ الوليد نسيبه بها، فأمر بطلبه فأتي به، فأمر بقتله، فقال له ابنه عبد العزيز: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فتحقّق قوله، ولكن افعل به كما فعل معاوية بأبي دهب (2)، فإنه (لمّا) (3)
شبّب بابنته عاتكة شكاه يزيد وسأله أن يقتله، فقال: إذا تحقّق قوله ولكن تبرّه وتحسن إليه فيستحيي ويكفّ، ويكذّب نفسه. فلم يقبل منه الوليد، وجعله في صندوق ودفنه حيّا. فوقع بين رجل من زنادقة الشعوبية وبين رجل من ولد الوليد فخار خرجا فيه إلى أغلظ المسابّة، وذلك، في دولة بني العباس. فوضع الشّعوبيّ عليهم كتابا زعم فيه أن أم البنين عشقت وضاحا، وكانت تدخله صندوقا عندها، فوقف على ذلك خادم الوليد فأنهاه إليه وأراه الصندوق، فأخذه فدفنه.
هكذا في رواية خالد بن كلثوم (4)، والزّبير بن بكار (5). والذي في رواية بن الكلبي (6) أن أم البنين عشقت وضاحا، فكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها، وأن الوليد أهدي إليه جوهر له قيمة (7)، فاستحسنه فبعث به مع خادم له إلى أم البنين وقال له: قل لها إنّي آثرتك به. فدخل عليها الخادم فجأة ووضاح عندها فأدخلته الصندوق وهو يرى، فأدّى إليها الجوهر، وسألها أن تهب له منه حجرا، فقالت له:
__________
(1) من الأغاني 6/ 226224بتصرف إلي نهاية الحكاية.
(2) سبق التعريف في الصفحة 56الحاشية 4، وانظر خبره مع معاوية في الأغاني 7/ 126121
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) من علماء الكوفة ورواتها عارف بالأنساب وأيام الناس أنظر طبقات ابن سلام 1/ 148والفهرست 66 (ط. خياط) وبغية الوعاة 1/ 550.
(5) قرشي من أحفاد الزبير بن العوام وهو علامة نسابة أخباري له (جمهرة نسب قريش) و (الموفقيات)، (256هـ) تاريخ بغداد 8/ 471467ومعجم الأدباء 11/ 165161والوفيات 2/ 312311والأعلام 3/ 42.
(6) هو محمد بن السائب ابن الكلبي وهو نسابة أخباري عالم بالتفسير (146هـ) المعارف 536والوفيات 4/ 312309وميزان الاعتدال 3/ 559556والأعلام 1336.
والخبر في ثمار القلوب 110 (ت. أبو الفضل) والوفيات 2/ 4645والفوات 2/ 275274وتهذيب ابن عساكر 7/ 296.
(7) ج: قيمته.(1/250)
لا يا ابن اللّخناء (1) ولا كرامة. فرجع إلى الوليد فأخبره، فكذّبه، وأمر به فوجئت (2) عنقه. ثم لبس الوليد نعليه، ودخل على أم البنين، وهي جالسة في ذلك البيت تمتشط (3)، وقد كان القادم وصف له الصندوق الذي أدخلته فيه، فجلس عليه، ثم قال لها: يا أم البنين ما أحبّ إليك هذا البيت من بين بيوتك! فلم تختارينه؟ فقالت: اخترته لأنه يجمع حوائجي كلّها، فأتناولها منه من قرب. فقال لها: هبي (4) (لي) صندوقا من هذه الصناديق، فقالت: كلّها لك يا أمير المؤمنين، فقال لها: إنما أريد واحدا منها، فقالت له خذ: أيّها شئت، قال: هذا الذي جلست عليه، قالت: خذ غيره فإنّ لي فيه أشياء أحتاجها، قال: ما أريد غيره، قالت: خذه يا أمير المؤمنين. فأمر به فحمل حتى انتهى به إلى مجلسه فوضعه فيه. ثم أمر بحفر بئر في المجلس عميقة، فحفرت إلى الماء. ثم دعا بالصندوق فقال: إنه بلغنا شيء إذا كان حقّا، فقد كفّنّاك ودفنّاك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنا دفنّا الخشب، وما أهون ذلك! ثم قذف به في البئر وهيل عليه التراب وسوّيت الأرض وردّ عليها البساط الذي كان عليها وجلس الوليد عليه. ثم ما رئي (5) بعد ذلك اليوم لوضاح أثر في الدنيا إلى هذا اليوم. قال: وما رأت أمّ البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرّق الموت بينهما.
وكان (6) وضاح يهوى امرأة من أهل اليمن، من الفرس، تسمى روضة، فذهبت به كلّ مذهب. فخطبها، فمنعها قومها من تزويجه إياها، وزوجوها غيره، فمكث مدة طويلة، ثم أتاه رجل من بلدها، فأسرّ إليه شيئا فبكى. فقيل له ما
__________
(1) أمة لخناء: منتنة (الأساس: لخن).
(2) وجئت عنقه: ضربت (اللسان: وجأ).
(3) ج: تمشط.
(4) ما بين القوس ين ساقط من د.
(5) ح د: ريء، وهو غلط.
(6) من الأغاني 6/ 213211بتصرف إلى آخر الأبيات الأربعة.(1/251)
يبكيك؟ فقال: أخبرني هذا أن روضة قد جذمت، وأنه رآها قد ألقيت مع المجذومين.
وفي روضة هذه يقول (1): (مجزوء الكامل)
يا روضة الوضّاح قد ... عنّيت وضاح اليمن
فأسقي خليلك من شرا ... ب لم يكدّره الدّرن
الريح ريح سفرجل ... والطّعم طعم سلاف دن
إنّي تهيّجني إلي ... ك حمامتان على فنن
وفيها يقول وهو من أجود شعره (2) (تام الخفيف)
يا لقومي لكثرة العذّال ... ولطيف سرى مليح الدّلال
زائر في قصور صنعاء يسري ... كلّ أرض مخوفة وجبال
يقطع الحزن والمهامه والبي ... د ومن دونه ثمان ليال (3)
عاتب في المنام أحبب بعتبا ... هـ إلينا وقوله من مقال
قلت: أهلا ومرحبا عدد القط ... ر وسهلا بطيف هذا الخيال
حبّذا من إذا خلونا نجيّا ... قال: أهلي لك الفداء ومالي
وهي الهمّ والمنى وهوى النّف ... س، إذا اعتلّ ذو هوى باعتلال
قست ما كان قبلنا من هوى النّا ... س، فما قست حبّها بمثال
لم أجد حبّها يشاكله الح ... بّ ولا وجدنا كوجد الرّجال
كلّ حبّ إذا استطال سيبلى ... وهوى روضة المنى غير بال
__________
(1) أول قصيدة في شعره 131130والأغاني 6/ 216213.
(2) القصيدة في شعره 125124والأغاني 6/ 232231.
(3) الحزن: ما غلظ من الأرض، والمهامه جمع مهمه وهي المفازة البعيدة والبلد المقفر. والبيد جمع بيداء وهي الفلاة.
النّجيّ: المتسارون والمتناجون ومنه قوله تعالى {«فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا»} أي اعتزلوا متناجين (اللسان: بيد، حزن، مهه، نجا).(1/252)
لم يزده تقادم العهد إلّا ... جدّة عندنا وحسن احتلال (1)
أيها العاذلون كيف عتابي ... بعد ما شاب مفرقي وقذالي (2)
كيف عذلي على التي هي منّي ... بمكان اليمين أخت الشّمال
والذي أحرموا له وأحلّوا ... بمنى صبح عاشرات اللّيالي
ما ملكت الهوى ولا النّفس منّي ... منذ علّقتها فكيف احتيالي
إن نأت كان نأيها الموت صرفا ... أو دنت لي فثمّ يبدو خبالي
يا ابنة المالكيّ يا بهجة النّف ... س أفي حبّكم يحلّ اقتتالي
أيّ ذنب عليّ إن قلت إنّي ... لأحبّ الحجاز حبّ الزّلال
لأحبّ الحجاز من حبّ من في ... هـ وأهوى حلاله من حلال (3)
ومما قاله في أم البنين (4): (تام الخفيف)
صدع البين والتّفرّق قلبي ... وتولّت أمّ البنين بلبّي
ثوت النّفس في الحمول لديها ... وتولّى بالجسم منّي صحبي
ولقد قلت والمدامع تجري ... بدموع كأنّها فيض غرب
جزعا للفراق يوم تولّت: ... حسبي الله ذو المعارج حسبي
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) احتلال من احتلّ المكان يحتلّه أي نزل به وأقام. حسن احتلال: حسن مقام وحسن نزول (اللسان: حلل).
(2) القذال: جماع مؤخر الرأس (القاموس: القذال).
صبح عاشرات الليالي: يريد صبح الليلة العاشرة من ذي الحجة وهو صبح يوم عيد الأضحى المبارك.
(3) الحلال جمع حلّة بالكسر: القوم النّزول (القاموس: حل) ويقصد أنه يحب سكان الحجاز من حبّ صاحبته التي تسكنه.
(4) مقطعة في أربعة أبيات في شعره 112والأغاني 6/ 237.
الحمول: الإبل عليها هوادج النساء، ويريد صاحبته التي مضت في الحمول. الغرب: الدّلو العظيمة، ويقصد كثرة بكائه ودموعه. ذو المعارج من نعت الله، لأن الملائكة تعرج إلى الله (القاموس: حمل، غرب). و (اللسان: عرج).(1/253)
9 - الفرزدق (1)
هو همّام بن غالب بن صعصصة بن ناجية بن عقال بن سفيان بن مجاشع (2) التميمي، يكنى أبا فراس، ولقّب بالفرزدق لجدري كان في وجهه.
كان أبوه شريفا وكذلك أجداده إلى حيث انتهوا، ولكلّ واحد منهم قصة يطول الكتاب بذكرها، وفي ذلك يقول مفتخرا ومخاطبا لجرير (3): (تام المقارب)
ألم تر أنّا بني دارم ... زرارة منّا أبو معبد
ومنّا الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد
ألسنا بأصحاب يوم النّسار ... وأصحاب ألوية المربد
ألسنا تميم الذين بهم ... تسامي وتفخر في المشهد
وناجية الخير والأقرعان ... وقبر بكاظمة المورد
إذا ما أتى قبره عائذ ... وأناخ على القبر بالأسعد
أيطلب مجد بني دارم ... عطيّة كالجعل الأسود
ومجد بني دارم دونه ... مكان السّماكين والفرقد
__________
(1) (110هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 298والشعر والشعراء 1/ 489478والأغاني 9/ 335324، 21/ 403275وأمالي المرتضى 1/ 6958، 285282والوفيات 7/ 10086والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم، وحياة الحيوان 1/ 3433وإدراك الأماني 16/ 992.
(2) ج: مشاجع، وهو غلط.
(3) من قصيدة في الفخر وهجاء جرير مطلعا:
عرفت المنازل من مهدد ... كوحي الزبور لدى الغرقد
وهي في شرح ديوانه 207202. والأبيات في الكامل 2/ 75. والبيت الثاني في الاستيعاب 2/ 718.
«ومنا الذي منع الوائدات» يقصد جدّه صعصعة كما سيأتي بعد، وقد اشترى ثمانين ومائتي مؤودة. وفي الوفيات 6/ 89أنه اشترى ثلاثين. يوم النّسار: كان لبني أسد وبني تميم وأحلافهما على بني عامر. انظر العقد الفريد 5/ 248 ومجمع الأمثال 2/ 430وأيام العرب في الجاهلية 378. وناجية هو أحد جدود الفرزدق كما مرّ في نسبه. والأقرعان هما الأقرع بن حابس وابنه الأقرع من بني مجاشع بن دارم. وكان الأقرع بن حابس حكما من سادات العرب في الجاهلية وقد وفد على الرسول صلّى الله عليه وسلم في قومه من بني دارم فأسلموا. وشهد حنينا وفتح مكة والطائف وكان من المؤلفة قلوبهم وكان مع خالد بن الوليد في أكثر من مواقعه حتى اليمامة (31هـ) الكامل 1/ 226، 3/ 190والاستيعاب 1/ 103 والأعلام 2/ 5.
وكاظمة: موضع بين اليمامة والبصرة علي البحر، وكان به قبر غالب بن صعصة أبي الفرزدق أنظر ذيل الأمالي 77.(1/254)
يريد بعطية والد جرير (1) أما زرارة الذي أشار إليه فهو زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. وكان زرارة يكنى أبا معبد، وكان له بنون: معبد ولقيط وحاجب وعلقة والمأموم. وقيل إن المأموم هو علقة، ومنهم شيبان بن زرارة وابنه يزيد ابن شيبان النسّابة. وكان حاجب أذكر القوم. وأسر يوم جبلة (2)، وقتل أخوه لقيط. فزعم أبو عبيدة أنه لم يكن عكاظيّ أغلى فداء من حاجب، وكان أسره زهدم العبسيّ، فلحقه ذو الرّقيبة القشيريّ (3) فأخذه منه (4) لعزه وكونه في محلّ قومه، فقال حاجب: لما نازعني الرجلان خفت أن أقتل بينهما، فقلت: حكّماني في نفسي، ففعلا فحكمت بسلاحي وركابي لزهدم، وبنفسي لذي الرّقيبة. وفي ذي الرقيبة هذا يقول القائل (5): (تام الكامل)
ولقد رأيت القائلين وفعلهم ... فلذي الرّقيبة مالك فضل
كفّاه متلفة ومخلفة ... وعطاؤه متدفّق جزل
ففدي حاجب. وقتل في ذلك اليوم لقيط وأسر عمرو بن عدس. وأما (6) علقمة بن زرارة فقتله بنو ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، فقتل به أخوه حاجب أشيم بن شراحيل، ففي ذلك يقول حاجب (7): (الطويل)
فإن تقتلوا منّا كريما فإنّنا ... أبأنا به مولى الصّعاليك أشيما
قتلنا به خير الضّبيعات كلّها ... ضبيعة قيس لا ضبيعة أضجما
__________
(1) من الكامل 2/ 7776إلى قوله «وأسر عمرو بن عدس».
(2) يوم شعب جبلة كان لعامر وعبس على ذبيان وتميم. العقد الفريد 5/ 141ومجمع الأمثال 2/ 432.
(3) هو مالك بن سلمة الخير بن قشير، أنظر جمهرة الأنساب 289.
(4) أج د ش: فأخذه منه ذو الرقيبة.
(5) البيتان للمسيب بن علس واسمه زهير وهو شاعر جاهلي كان أحد المقلّين المفضّلين في الجاهلية وهو خال الأعشى ميمون أنظر ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 156والشعر والشعراء 1/ 184180والبيتان من قصيدة في مدح ذي الرقيبة مالك القشيري مطلعها:
بكرت لتحزن عاشقا طفل ... وتباعدت وتجذّم الوصل
وهي في شعره 358357وجمهرة الأشعار 544539والبيتان في الكامل 2/ 77.
(6) من الكامل 2/ 8180إلى قوله «كذلك حتى ملت».
(7) البيتان في الكامل 2/ 80.(1/255)
وكان يقال لأشيم مولى الصعاليك. وضبيعة أضجم الذي ذكر هو ضبيعة بن ربيعة ابن نزار رهط المتلمّس، هذا لقبهم.
وأما معبد بن زرارة فإن قيسا أسرته يوم رحرحان (1)، فصاروا به إلى الحجاز. فأتى لقيط في بعض الأشهر الحرم ليفديه. فطلبوا منه ألف بعير فقال لقيط: إن أبانا أمرنا أن لا نزيد على المائتين فتطمع فينا ذؤبان العرب. فقال معبد:
يا أخي افدني فإنّي ميّت، فأبى لقيط، وأبى معبد أن ياكل أو يشرب فكانوا يشحون (2) فاه ويصبّون فيه الطعام والشراب لئلا يهلك فيضيع الفداء، فلم يزل كذلك حتى مات.
(3) وأما قوله: «ومنّا الذي منع الوائدات» فيعني به جده صعصعة بن ناجية (4)، وكانت العرب في الجاهلية تئد البنات ولم يكن هذا في جميعها. إنما كان في بني تميم بن مرّ، ثم استفاض في جيرانهم. وقيل: بل كان في تميم وقيس وأسد وهذيب وبكر بن وائل لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم (5): «اللهم اشدد وطأتك على مضر»، فأجدبوا سنين حتى أكلوا الوبر بالدم، فكانوا يسمونه العلهز (6)، ولهذا أبان تعالى تحريم الدم، ودلّ على ما من أجله قتلوا البنات، فقال عز من قائل (7):
{«وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ»}، وقال سبحانه (8): {«وَلََا يَقْتُلْنَ أَوْلََادَهُنَّ»}، وهذا خبر بيّن أنه للحاجة.
__________
(1) يوم رحرحان كان لعامر على تميم انظر العقد الفريد 5/ 139ومجمع الأمثال 2/ 432.
(2) د: يحشون، وهو غلط.
شحا فاه يشحوه ويشحاه شحوا: فتحه (اللسان: شحا)
(3) من الكامل 2/ 8382بتصرف إلى قوله: فاستاق النعم وسبى الذراريّ.
(4) سيأتي خبره في الصفحة 83. وترجمته في المحبر 141والاستيعاب 2/ 718والوفيات 6/ 89والإصابة 3/ 431429.
(5) فتح الباري 2/ 290وصحيح مسلم 2/ 134، 135والكامل 2/ 82وحياة الحيوان 2/ 263.
(6) العلهز شيء يتّخذونه في سني المجاعة يخلطون الدّم بأوبار الإبل ثم يشوونه بالنار يأكلونه (اللسان: علهز) وحياة الحيوان 2/ 263.
(7) سورة الإسراء 17/ 31.
(8) سورة الممتحنة 60/ 12.(1/256)
وقد روي أنهم فعلوا ذلك أنفة. فذكر أبو عبيدة أن تميما منعت النّعمان بن المنذر الإتاوة يعني الإرفاق (1)، فوجّه إليهم أخاه الرّيّان. وكانت له خمس كتائب:
الوضائع (2) وهم قوم من الفرس، كان كسرى يضعهم عنده عدّة ومددا فيقيمون سنة عند الملك من ملوك لخم، فإذا كان في رأس الحول ردّهم إلى أهليهم، وبعث بمثلهم.
والشّهباء وهي أهل بيت الملك، وكانوا بيض الوجوه يسمّون الأشاهب.
والصنائع وهم صنائع الملك، أكثرهم من بكر بن وائل.
والرهائن وهم قوم كان يأخذهم (3) من كل قبيلة فيكونون عنده رهنا، ثم يوضع مكانهم مثلهم.
والخامسة دوسر (4) وهي كتيبة ثقيلة تجمع شجعانا وفرسانا من كل قبيلة، فأغزاهم أخاه (5) وجلّ من معه بكر بن وائل، فاستاق النّعم وسبى النّساء والذراريّ في خبر طويل، فوفدت (6) إليه بنو تميم، فلما رآها أحبّ البقيا فقال (7): (تام البسيط)
ما كان ضرّ تميما لو تغمّدها ... من فضلنا ما عليها قيس عيلان
فأناب القوم، وسألوه النساء. فقال النعمان: كلّ امرأة اختارت أباها ردّت إليه، وإن اختارت صاحبها تركت عليه. فكلّهنّ اختارت أباها إلّا ابنة لقيس
__________
(1) «أرفقك الله إرفاقا» وفي الحديث في إرفاق ضعيفكم وصدّ خلّتهم أي إيصال الرّفق إليهم» (اللسان: رفق). والمقصود بالإرفاق هنا المساعدة.
(2) أنظر اللسان والقاموس (وضع).
(3) ج د: أخذهم.
(4) كتيبة دوسر: مجتمعة. ودوسر كتيبة للنعمان، اشتقّت من الدّسر وهو الدفع والطّعن بشدة!. الاشتقاق 262 (ط. المثني بغداد) ومجمع الأمثال 1/ 118والأساس واللسان والقاموس (دسر).
(5) أغزاهم أخاه أي جعل أخاه يغزوهم ويقصد تميما المذكورين أعلاه في قوله: «إن تميما منعت النعمان فوجه إليهم أخاه الريان فأغزاهم أخاه» (اللسان: غزو)
وقد هم محقق الكامل 2/ 83الحاشية 1فشرح العبارة السابقة بقوله: «أي أعطاهم إياه يغزو بهم».
(6) من الكامل 2/ 8884إلى قوله «يا لهذم قبّح الله أخسرنا».
(7) البيت في الكامل 2/ 84.(1/257)
ابن عاصم (1) فإنها اختارت صاحبها عمرو بن فلان (2). فنذر قيس لا تولد له ابنة إلّا قتلها، فهذا شيء يعتلّ به من وأد، ويقول فعلناه أنفة. قال المبرد (3): وقد أكذب ذلك ما أنزل الله في القرآن.
وروى (4) الرواة أنّ صعصعة بن ناجية (5) لما أتى رسول الله فأسلم قال:
يا رسول الله إني كنت أعمل عملا في الجاهلية أفينفعني ذلك اليوم؟ قال: وما كان عملك؟ قال: أضللت ناقتين عشراوين، فركبت جملا ومضيت في بغائهما، فرفع لي بيت حريد (6) فقصدته، فإذا شيخ جالس بفناء الدار فسألته عن الناقتين، فقال:
[لي] (7): ما نارهما؟ فقلت: ميسم بني دارم. فقال: هما عندي، وقد أحيا الله بهما قوما من أهلك من مضر. فجلست معه لتخرجا إليّ، فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت (8)، فقال لها: ما وضعت؟ فإن كان سقبا (9) شاركنا في أموالنا، وإن كانت حائلا (10) وأدناها، فقالت العجوز: وضعت أنثى! فقلت: أتبيعها؟ قال:
وهل تبيع العرب أولادها؟ قال، قلت: إنما أشتري حياتها، ولا أشتري رقّها. قال:
فبكم؟ قلت: احتكم. قال: بالناقتين والجمل، قال، قلت: ذلك عليّ، على أن يبلّغنّي الجمل وإياها، قال: ففعل. فآمنت بك يا رسول الله، وقد صارت لي سنّة في العرب، على أن أشتري كلّ موءودة بناقتين عشراوين وجمل، فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا موءودة قد أنقذتها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (11): «لا ينفعك ذلك، لأنك لم تبتغ بذلك وجه الله، وإن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه».
__________
(1) هو أحد سادة قومه كان عاقلا حليما حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية وذمّها في شعره. وقد قدم على الرسول صلّى الله عليه وسلم في وفد بني تميم في سنة تسع فقال عنه: هذا سيد أهل الوبر. وقد ولاه الرسول صدقات قومه (نحو 20هـ) جمهرة الأنساب 216والاستيعاب 3/ 12961294ومجمع الأمثال 1/ 220والوفيات 1/ 184183والأعلام 5/ 206.
(2) في الكامل 2/ 84 «عمرو بن المشمرج». ولم أعثر له على تعريف في المظان.
(3) الكامل 2/ 84.
(4) ورد الخبر أيضا في الأغاني 21/ 279والإصابة 3/ 430ببعض الإختلاف.
(5) سبق ذكره في الصفحة 81الحاشية 4.
(6) بيت حريد: سيشرحه المولف بعد قليل.
(7) زيادة من ج د.
(8) كسر البيت وكسره (بكسر الكاف): جانبه. السّقب: ولد الناقة ساعة يولد.
(9) كسر البيت وكسره (بكسر الكاف): جانبه. السّقب: ولد الناقة ساعة يولد.
(10) والحائل الأنثى من أولاد الإبل ساعة توضع (القاموس: حول، سقب، كسر).
(11) لم أعثر على هذا الحديث في كتب الحديث ونصه في الكامل 2/ 85.(1/258)
قال المفسرون: في قوله تعالى (1) {«وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»} إنما تسأل تبكيتا (2) لمن فعل ذلك بها، كقوله تعالى لعيسى عليه السلام (3): {«أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ مِنْ دُونِ اللََّهِ»}. ومعنى وئدت أثقلت بالتراب.
يقال للرجل: اتّئذ أي تثبّت وتثقّل، كما يقال: توقّر. قالت الزباء في قصة قصير (4): (مشطور الرجز)
ما للجمال مشيها وئيدا
وقوله في هذا الخبر: «أضللت ناقتين عشراوين»، أضللت أي ضلّتا منّي وتحقيقه صادفتهما ضالّتين (5) (والعشراء الناقة التي أتى عليها منذ حملت عشرة أشهر، وإنما حمل الناقة سنة) وقوله: ما نارهما؟ يريد ما وسمهما. كما قال (6): (مشطور الرجز)
قد سقيت آبالهم بالنّار
والنار قد تشفي من الأوار
أي عرف وسمهم فلم يمنعوا.
وقوله: فإذا بيت حريد يقول متنحّ عن الناس، وهذا من قولهم: انحرد الجمل إذا تنحّى عن الإناث، فلم يبرك معها. ويقال في غير هذا الموضع: حرد حرده، أي قصد قصده. ومنه قوله تعالى (7): {«عَلى ََ حَرْدٍ»}، أي قصد، وقيل: منع،
__________
(1) سورة التكوير 81/ 98.
(2) التبكيت كالتقريع والتعنيف بكّته تبكيتا إذا قرّعه بالعذل تقريعا (اللسان: بكت)
(3) سورة المائدة 5/ 116.
(4) الزّباء هي نائلة بنت عمرو ملكة مشهورة في الجاهلية أنظر خبرها وخبر قصير بن سعد في تاريخ الطبري 1/ 625618 ومجمع الأمثال 1/ 237223وشرح المقامات 2/ 54.
والبيت في الكامل 2/ 85منسوب لقصير ونسب للزباء في تاريخ الطبري 1/ 625ومجمع الأمثال 1/ 236واللسان (صرف، وأد) وحياة الحيوان 2/ 238.
(5) ماب ين القوسين ساقط من ج د.
(6) البيتان في الكامل 2/ 86واللسان (نور، أور).
آبال جمع إبل. وجاء في اللسان بعد البيتين: «النار ها هنا السمات. والمعنى أنهم سقوا إبلهم بالسّمة، أي إذا نظروا في سمة صاحبه عرف صاحبه فسقي وقدّم على غيره لشرف أرباب تلك السّمة، وخلّوا لها الماء» الأوار: العطش هنا (اللسان: إبل، أور، نور).
(7) القلم 68/ 25.(1/259)
من قولهم حاردت الناقة إذا منعت لبنها، والسنة، إذا منعت مطرها، والبعير الأحرد الذي يضرب بيديه. وأصله الامتناع من المشي.
وقول الفرزدق:
«وقبر بكاظمة المورد»
إلى آخر البيت الذي بعده، يعني قبر أبيه غالب (1) بن صعصعة بن ناجية وكان الفرزدق يجير من استجار بقبر أبيه، وكان أبوه جوادا شريفا، دخل الفرزدق البصرة في إمرة زياد (2) فباع إبلا كثيرة، وجعل يصرّ أثمانها، فقال له رجل: إنك لتصرّ أثمانها. ولو كان غالب بن صعصعة ما صرّها، ففتح الفرزدق تلك الصّرر ونثر المال. وبلغ الخبر زيادا فطلبه فهرب. وله في هربه حديث طويل.
فممّن (3) استجار بقبر أبيه غالب، فأجاره الفرزدق، امرأة من بني جعفر بن كلاب خافت من الفرزدق لما هجا بني جعفر بن كلاب أن يسميها ويسبّها فعاذت بقبر أبيه، فلم يذكر لها اسما ولا نسبا. ولكن قال في كلمته التي يهجو فيها بني جعفر بن كلاب (4): (الطويل)
عجوز تصلّي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
ومن ذلك أيضا أن الحجاج لما ولّى تميم بن زيد القينيّ السّند، دخل البصرة فجعل يخرج من شاء. فجاءت عجوز إلى الفرزدق، فقالت: إنّي استجرت بقبر أبيك.
وجاءت منه بحصيات، فقال: ما شأنك؟ فقالت: إن تميم بن زيد خرج
__________
(1) أنظر خبر غالب بن صعصعة في المحبر 142.
(2) يقصد زياد بن أبيه.
(3) أنظر الخبر أيضا في طبقات ابن سلام 1/ 314313والأغاني 21/ 355354والأمالي 3/ 77والوفيات 6/ 88 باختلاف.
(4) من قصيدة مطلعها:
عرفت بأعلى رائس الفأو بعد ما ... مضت سنة أيّامها وشهورها
وهي في شرح ديوانه 464452والبيت في طبقات ابن سلام 1/ 314والكامل 2/ 87والأغاني 21/ 355.
رائس الوادي: أعلاه. الفأو: ما بين الجبلين. (اللسان: رأس، فأي).(1/260)
بابن لي معه ولا قرّة لعيني ولا كاسب لي غيره. فقال لها: وما اسم ابنك؟
قالت (1): خنيس، فكتب إلى تميم بن زيد مع بعض من شخص (2): (الطويل)
تميم بن زيد، لا تكوننّ حاجتي ... بظهر، فلا يعيا عليّ جوابها
فهب لي خنيسا واحتسب فيّ منّة ... لعبرة أمّ ما يسوغ شرابها
أتتني فعاذت يا تميم، بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها
وقد علم الأقوام أنك ماجد ... وليث إذا ما الحرب شبّ شهابها
فلما ورد الكتاب على تميم تشكّل في الاسم، فقال: حبيش أم خنيس. ثم قال:
انظروا من له مثل هذا الإسم في عسكرنا فأصيب ستة ما بين حبيش وخنيس، فوجّه بهم إليه.
ومنهم (3) مكاتب لبني منقر ظلع بمكاتبته، فأتى قبر غالب، فاستجار به وأخذ منه حصيات، فشدّهنّ في عمامته، ثم أتى الفرزدق، فأخبره وقال: إني قد قلت شعرا قال: هاته، فقال (4): (الطويل)
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الرّدى أو أن أردّ على قسر
بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم يك إلّا غالبا ميّت يقري
فقال لي: استقدم أمامك إنّما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر
__________
(1) د: فقالت:
(2) من مقطوعة في تسعة أبيات أولها
كتبت وعجّلت لبرادة إنّني ... إذا حاجة طالبت عجّت ركابها
وهي في شرحد ديوانه 9594ولم يرد فيه البيت الأخير. والأبيات في الكامل 2/ 87والأبيات الثلاثة الأولى في طبقات ابن سلام 1/ 312311والأغاني 21/ 354، 365364، 398والأمالي 3/ 77والوفيات 6/ 88.
(3) من الكامل 2/ 88بتصرف والخبر في طبقات ابن سلام 1/ 312والأغاني 21/ 354، 398.
ظلع الرّجل والدابة في مشيه يظلع ظلعا: عرج وغمز في مشيه. والمراد به هنا أنه ضعف عن حمل ما كوتب به.
والمكاتبة أن يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال ينجّمه عليه [يقسّطه]، ويكتب عليه أنه إذا أدّى نجومه [أقساطه] فهو حرّ (اللسان: ظلع، كتب).
(4) ج د: ولم يكن، وهو غلط.
والأبيات في الكامل 2/ 88والأول والثالث في طبقات ابن سلام 1/ 312والأغاني 21/ 354، 398.
القسر: القهر على الكره القهر والغلبة (اللسان: قسر) أي أنه عاذ بالقبر بعد أن كاد يهلك في السعي لأداء ما كاتب عليه أو أن يردّ إلى العبودية. «تقري المئين عظامه: يريد أنهم كانوا ينحرون الإبل عند قبور عظمائهم، فيطعمون الناس في الحياة وبعد الممات وهذا معروف في أشعارهم. أنظر الكامل 2/ 88.(1/261)
فقال له الفرزدق: وما اسمك؟ قال: لهذم، قال: يالهذم (1) «حكمك مسمّطا». قال: ناقة كوماء سوداء الحدقة. قال: يا جارية، اطرحي لنا حبلا. ثم قال: يا لهذم، اخرج بنا إلى المربد فألقه في عنق ما شئت. فتخيّر العبد على عينه، ثم رمى بالحبل في عنق ناقة، وجاء صاحبها، فقال له الفرزدق: اغد عليّ (2) (في) ثمنها. قال: فجعل لهذم يقودها، والفرزدق يسوقها حتى إذا نفذ بها (3) من البيوت إلى الصحراء صاح به الفرزدق: يا لهذم قبّح الله أخسرنا. وأخباره في السخاء وكرم النفس وعلوّ الهمّة كثيرة جدا، وحسبنا منها ما ذكرنا مما ينبّه على ما وراءه.
وحدث صاحب الأغاني (4) عمّن سمّاه من شيوخه أن الفرزدق أقبل، وزياد الأعجم (5) ينشد الناس في المربد، وقد اجتمعوا حوله، فقال: من هذا؟ فقيل له:
زياد الأعجم. فأقبل نحوه فقيل لزياد: هذا الفرزدق قد أقبل إليك، فقام، فتلقاه، وحيّا كلّ واحد منهما صاحبه، فقال له الفرزدق: ما زالت نفسي تنازعني إلى هجاء عبد القيس (6) منذ دهر، فقال له زياد: وما يدعوك إلى ذلك؟ فقال: لأني رأيت الأشقريّ (7) هجاهم، فلم يصنع شيئا، وأنا أشعر منه، وقد عرفت الذي هيّج ما بينك وبينه. قال: وما هو؟ قال: إنكم اجتمعتم في قبة عبد الله بن الحشرج (8) في
__________
(1) جاء في اللسان نقلا عن الكامل 2/ 92بتصرف: من أمثال العرب السائرة قولهم لمن يجوز حكمه: حكمك مسمّطا، قال المبرّد: وهو على مذهب لك حكمك مسمّطا أي متمّما مرسلا لا يردّ أي سهلا مجوّزا نافذا. والمثل في مجمع الأمثال 1/ 212.
وناقة كوماء: عظيمة السنام طويلته (اللسان: سمط، كوم).
(2) ما بين القوسين ساقط من ب ج د.
(3) د: حتى أنفذ بها، وهو غلط.
(4) من الأغاني 15/ 393392بتصرف إلى قوله: «لا أهجو قوما أنت منهم أبدا».
(5) زياد الأعجم شاعر أموي كان أكثر نزوله بفارس اشتهر بهجائه أنظر طبقات ابن سلام 2/ 699693والشعر والشعراء 1/ 440437والأغاني 15/ 394380ومعجم الأدباء 11/ 171168.
(6) عبد القيس قبيلة مشهورة ينتمي إليها زياد الأعجم بالولاء أنظر الأغاني 15/ 380وجمهرة الأنساب 295.
(7) هو كعب بن معدان الأشقري وهو شاعر فارس خطيب معدود في الشجعان من أصحاب المهلب (80هـ) الأغاني 14/ 301283ومعجم الشعراء 346وإدراك الأماني 17/ 216206والأعلام: 5/ 229
(8) هو سيّد من سادات قيس وأمير من أمرائها ولي أكثر أعمال خراسان وكان جوادا ممدّحا وشاعرا (90هـ) الأغاني 12/ 3423والأعلام 4/ 8382.(1/262)
خراسان، فقلت له قد: قلت شيئا، فمن قال مثله فهو أشعر مني، ومن لم يقل مثله، ومدّ لي عنقه، فأنا أشعر منه. فقال لك: وما قلت؟ فقلت قلت (1):
(الطويل)
وقافية حذّاء بتّ أحوكها ... إذا ما سهيل في السّماء تلالا
فقال (2) (له) الأشقريّ: (الطويل)
وأقلف صلّى بعد ما ناك أمّه ... يرى ذاك في دين المجوس حلالا
فأقبلت على من حضر، فقلت: ما لأمّ كعب أخزاها الله، ما أشأمها حين يخبر ابنها بقلفتي! فضحك الناس وغلبت عليه في المجلس. فقال له زياد: يا أبا فراس، هب لي نفسك ساعة، ولا تعجل، حتى يأتيك رسولي بهديّتي، ثم ترى رأيك، ووظن الفرزدق أنه سيهدي إليه شيئا يستكفّه (3) به، فكتب إليه زياد (4): (الطويل)
وما ترك الهاجون لي إن أردته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق
وما تركوا لحما يدقّون عظمه ... لآكله أبقوه للمتعرّق
سأحطم ما أبقوا له من عظامه ... فأنكب عظم الساق منه وأنتقي
فإنّا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فبعث إليه الفرزدق: لا أهجو قوما أنت منهم أبدا. وفي رواية أن الفرزدق قال له: حسبك هلمّ نتتارك. قال: ذاك إليك. وما عاوده بشيء.
__________
(1) البيت لزياد الأعجم وهو بيت مفرد في شعره 95والأغاني 15/ 393.
قصيدة حذاء: سيارة لا يتعلق بها من العيب شيء لجودتها (معجم المقاييس والأساس: حذذ).
(2) ما بين القوسين ساقط من ج د.
وبيت الأشقري في هجاء زياد الأعجم وهو مفرد في شعره 100والأغاني 15/ 393.
رجل أقلف لم يختن. والقلفة والقلفة جلدة الذكر التي ألبستها الحشفة وهي تقطع من ذكر الصبي (اللسان: قلف).
(3) د: يستكفيه.
(4) أج د ش: أبقوه للمتفرق، وهو غلط والتصحيح من ب وطبقات ابن سلام والشعر والشعراء والأغاني والعمدة.
والأبيات في الهجاء وهي في شعره 9392وطبقات ابن سلام 2/ 696والشعر والشعراء 1/ 438والأغاني 15/ 393والعمدة 1/ 65.
عرقت العظم وتعرّقته إذا أخذت اللّحم عنه بأسنانك نهشا. ونكب الإناء ينكبه نكبا: هراق ما فيه، ونكب كنانته
نكبا: نثر ما فيها. وانتقيت العظم إذا استخرجعت نقيه أي مخّه (اللسان: عرق، نقا، نكب).(1/263)
ومن شرف الفرزدق وعلوّ همّته، ما روي عنه (1)، من أنّه قيّد نفسه والتزم أن لا يفكّ القيد من رجليه حتى يحفظ القرآن. وقد اقتدى (2) به في ذلك الأديب أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري الأندلسي المعروف بالأبيض (3)، حيث سئل عن لغة بمحضر من خجل منه، فلم يحضره جواب، فقيّد نفسه في قيد حديد، وحلف أن لا ينزعه حتى يحفظ الغريب المصنّف في اللغة (4)، فاتّفق أن دخلت عليه أمّه وهو في تلك الحال، فارتاعت من ذلك، فقال (5): (تام الكامل)
ريعت عجوزي أن رأتني لابسا ... حلق الحديد ومثل ذاك يروع
قالت: جننت؟ فقلت: بل هي همّة ... هي عنصر العلياء والينبوع
سنّ الفرزدق سنّة فتتبعتها ... إني لما سنّ الكرام تبوع
ومن جوامع كلم الفرزدق رحمه الله (6): (الطويل)
قوارص تأتيتي ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
قال يونس بن حبيب (7): وليس لأحد مثل قوله (8):
وإنّا وسعدا كالفصيل وأمّه ... إذا وطئت لم يضره اعتمادها
__________
(1) الخبر في الأغاني 21/ 283وأمالي المرتضى 1/ 63.
(2) الخبر في نفح الطيب 3/ 489.
(3) أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري المشهور بالأبيض شاعر وشاح حسن التصرف هجاء. قتله الزبير أمير قرطبة لما هجاه (530هـ) أنظر الخريدة 6/ 580 (شعراء المغرب والأندلس) وزاد المسافر 108 (وهو فيه أحمد بن محمد) والمطرب 76والمغرب في حلى المغرب 2/ 127ونفح الطيب 3/ 389.
(4) الغريب المصنف في اللغة لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (222هـ) الوفيات 4/ 6360.
وقد حققه د. هادى حسن حمودي أستاذ فقه اللغة بجامعة وهران بالجزائر. أنظر نشرة أخبار التراث صفحة 16العدد 13ماي يونيه 1984.
(5) الأبيات في نفح الطيب 3/ 489.
(6) ب. طبقات ابن سلام: قوارص. أج د ش: قوارض. ج: وتحتقرونها.
والبيت من مقطوعة في بيتين قالها الفرزدق لما هرب من زياد بن أبيه ونزل بالرّوحاء على بكر بن وائل، ثم انتقل عنهم، وأولها:
تصرّم عنّي ودّ بكر بن وائل ... وما كاد عنّي ودّهم يتصرّمّ
وهي في شرح ديوانه 756وطبقات ابن سلام 1/ 358357والبيت في الأغاني 21/ 306. ويقصد بالقوارص أبيات الهجاء المؤذبة.
(7) هو إمام نحاة البصرة، علامة بالأدب أخذ عنه سيبويه (182هـ) طبقات النحويين 5351والفهرست 63 (دار المعرفة) ونزهة الألباء 5149ومعجم الأدباء 20/ 6764والوفيات 7/ 249244والمزهر 2/ 399والأعلام 8/ 261.
(8) أد ش: لم يضر.
والبيت في شرح ديوانه 216والبيان 2/ 350والإعجاز 148.(1/264)
ولا مثل قوله في جرير (1):
(تام الكامل)
ضربت عليه العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل
ولا مثل قوله (2): (تام البسيط)
يمضي أخوك ولا تلقى له خلفا ... والمال بعد ذهاب المال يكتسب
ولا مثل قوله (3): (تام البسيط)
وكنت فيهم كممطور ببلدته ... يسرّ أن يجمع الأوطان والمطرا
ومن نوادره أنه (4) ركب يوما بغلة، ومرّ بنسوة، فلمّا حاذاهنّ لم تتمالك البغلة ضرطا، فضحكن منه، فالتفت إليهن، وقال: لا تضحكن، فما حملتني أنثى إلا ضرطت، فقالت إحداهن: ما حملك أكثر من أمك فأراها قد قاست ضراطا عظيما! فحرّك بغلته وهرب.
وروي عنه أنه قال (5): ما أعياني جواب قط كما أعياني جواب دهقان (6)
مرة، قال لي: أنت الفرزدق الشاعر؟ قلت: نعم، قال: إن هجوتني تخرب ضيعتي؟
قلت: لا، قال: أفتموت عيشونة ابنتي؟ قلت: لا، قال: فرجلي إلى عنقي في حر أمّك. فقلت: ويلك، لم تركت رأسك؟ قال حتى أنظر أيّ شيء تصنع الزانية!
__________
(1) من قصيدة في الفخر وهجاء جرير مطلعها:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
وهي في شرح ديوانه 725714والبيت في الموشح 162.
الكتاب المنزل يقصد به القرآن الكريم مشيرا إلى قوله تعالى {«وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ»} سورة العنكبوت 29/ 41. وهو يعني أن بيت جرير واه وأصله في الضعف والذل مثل بيت العنكبوت.
(2) من قصيدة في هجاء الطرماح مطلعها:
لا يعجبنّك دنيا أنت تاركها ... كم نالها من أناس ثم قد ذهبوا
وهي في شرح ديوانه 6696.
(3) لم أعثر على هذا البيت في شرح ديوانه للصاوي ولا في ديوانه (صادر).
(4) من الأغاني 21/ 356بتصرف، والنادرة في العمدة 1/ 78.
(5) من الأغاني 357بتصرف.
(6) الدّهقان والدّهقان: زعيم فلّاحي العجم، ورئيس الإقليم، فارسي معرب. (اللسان والقاموس: دهقن).(1/265)
وقال (1) يوما لكثيّر: أبا صخر! أنت أنسب العرب حين تقول (2): (الطويل)
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
يعرض له بسرقته من جميل، فقال كثير: وأنت يا أبا فراس أشعر الناس حين تقول (3): (الطويل)
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
وهذا البيتان لجميل بن عبد الله بن معمر العذري، سرق كثيّر أحدهما، وسرق الفرزدق الآخر، فقال له الفرزدق: هل كانت أمّك ترد البصرة؟! قال: لا، ولكن كان أبي كثيرا ما يأتيها!!
والتقى (4) هو والحسن البصري (5) [رحمه الله (6) في جنازة، فقال للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ يقولون: اجتمع في هذه الجنازة خير
__________
(1) من الأغاني 9/ 341بتصرف إلى نهاية الخبر، وهو في الأمالي 3/ 119وحلية المحاضرة 2/ 64والغيث المسجم 2/ 60 (ط. العلمية).
(2) من قصيدة في الغزل مطلعها
ألا حيّيا ليلى أجدّ رحيلي ... وآذن أصحابي غدا بقفول
وهي في ديوان كثّير 115108، والبيت في الأغاني 9/ 341، 342والأمالي 3/ 119والوسالة 205وحلية المحاضرة 2/ 64. وجاء في الأغاني 8/ 96: «قال ابن سلام وهذا البيت الذي لكثّير، أخذه من جميل حيث يقول:
أريد لأنس ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى على كلّ مرقب»
والبيت في ديوان جميل 33مفردا.
(3) من قصيدة طويلة يناقض فيها جريرا مطلعها
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
وهي في شرح ديوان 569551والنقائض 2/ 576548، والبيت في طبقات ابن سلام 1/ 363والأغاني 9/ 340، 341، 342والأمالي 3/ 119والوساطة 193وحلية المحاضرة 2/ 64، وينسب البيت أيضا لجميل من قصيدة في الفخر مطلعها:
عفا برد من أمّ عمرو فلفلف ... فأدمان منها فالصّرائم مألف
وهي في ديوانه 139131.
(4) من الكامل 1/ 121119إلى أخر الأبيات الأربعة. والخبر في طبقات ابن سلام 1/ 335والأغاني 21/ 393391.
(5) هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصريّ، من كبار فقهاء التابعين واحد العلماء الفصحاء الشجعان النسّاك (110هـ) المعارف 441440وطبقات الفقهاء 87وشرح المقامات 2/ 180179وتذكرة الحفاظ 1/ 7271وميزان الاعتدال 1/ 527والوفيات 2/ 7369والأعلام 2/ 226.
(6) زيادة من ج د.(1/266)
الناس وشرّ الناس! فقال الحسن: كلا، لست بخيرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟
فقال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستون سنة وخمس نجائب (1) لا يدركن. فزعم بعض التميمية أنه رؤي في النوم بعد موته، فقيل له: ما فعل بك ربّك (2)؟ فقال:
غفر لي بالكلمة التي نازعنيها الحسن، رحمهما الله. ونظر إليه أبو هريرة رضي الله عنه، فقال: مهما فعلت فعلا، فقنّطك النّاس، فلا تقنط من رحمة الله، ثم نظر إلى قدميه، فقال: إنّي أرى لك قدمين لطيفتين (3)، فابتغ لهما موقفا صالحا يوم القيامة. وقال في آخر عمره وقد تعلّق بأستار الكعبة، وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم مسلما (4): (الطويل)
ألم ترني عاهدت ربّي وأنّني ... لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
وقال في أيام تنسّكه (5): (الطويل)
أخاف وراء القبر إن لم تعافني ... أشدّ من القبر التهابا وأضيقا
إذا قادني يوم القيامة قائد ... عنيف، وسوّاق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من غدا ... إلى النّار مغلول القلادة موثقا
إذا شربوا ماء الحميم رأيتهم ... يذوبون من حرّ الحميم تمزّقا
__________
(1) النجائب جمع نجيبة وهي الناقة الخفيفة السريعة (اللسان: نجب) ويعني بالنجائب الصلوات الخمس. أنظر الكامل 1/ 119.
(2) أش: بك ربك. ب هـ و: الله بك. ج د: ربك بك.
(3) د: نظيفتين.
(4) من قصيدة في التوبة مطلعها:
إذا شئت هاجتني ديار مجبلة ... ومربط أفلاء أمام خيام
وهي في شرح ديوانه 771769والبيتان في الكامل 1/ 120وأمالي المرتضى 1/ 6463ورسالة الغفران 389.
(5) مقطعة من أربعة أبيات قالها يوم وفاة زوجته النوار، وهي في شرح ديوانه 578والكامل 1/ 121وأمالي المرتضى 1/ 65.(1/267)
وحدث أبو الفرج الأصبهاني (1) [رحمه الله] قال (2): توفي للفرزدق ابن صغير فدفنه بعد ما صلّى عليه، ثم التفت إلى النّاس فقال (3): (الطويل)
وما نحن إلّا مثلهم غير أنّنا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا
قال: ثم لم يلبث إلا أياما (4) حتى مات (5) (فقال جرير يرثيه: (الطويل)
فلا ولدت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات بعل من نفاس تعلّت
هو الوافد المأمون والراتق الثّأى ... إذا النّعل يوما بالعشيرة زلّت
وكانت (6) وفاته سنة عشر ومائة في خلافة هشام، وفي هذه السنة مات الحسن البصري (7) وابن سيرين (8) وجرير، قاله أبو زيد (9)، وردّه صاحب الأغاني بأنّ الفرزدق مات بعد يوم كاظمة (10)، وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة ومائة، وقد قال فيه الفرزدق شعرا، وذكره في مواضع من قصائده. قال: ويقوّي ذلك أيضا ما روي عن أبي اليقظان (11)، وأبي همام المجاشعي (12) أنّ الفرزدق
__________
(1) زيادة من ج د.
(2) من الأغاني 21/ 386إلى قوله «حتى مات» بتصرف.
(3) البيت في شرح ديوانه 818والأغاني 21/ 386.
(4) ب: قليلا.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د إلى قوله: (أربع عشرة ومائة).
البيتان في شرح ديوانه 2/ 1023والنقائض 2/ 1046وطبقات ابن سلام 1/ 417والأغاني 21/ 387واللسان (ثأى، علا).
تعلّت المرأة من نفاسها أو مرضها: سلمت وصحّت. الوافد: من وفد يفد إذا خرج إلى ملك أو أمير رسولا لقومه ورئيسا لهم. الرّتق ضدّ الفتق. الثّأى: خرم خرز الأديم، الإفساد (اللسان والقاموس: ثأى، رتق، علو، وفد) ويقصد أن الفرزدق كان سيّد قومه ورئيسهم ورسولهم إلى الملوك والأمراء، وكان هو المصلح بينهم إذا كثر الفساد والشّقاق.
(6) من الأغاني 21/ 387.
(7) سبق التعريف به في الصفحة 91الحاشية 5.
(8) هو محمد بن سيرين البصري إمام وقته في علوم الدين بالبصرة تابعيّ من أشراف الكتاب اشتهر بتعبيره الرؤيا (110هـ) المعارف 443442وطبقات الفقهاء 88والوفيات 4/ 183181وحياة الحيوان 1/ 450449والأعلام 6/ 154.
(9) هو عمر بن شبة شاعر وراوية مؤرخ حافظ للحديث (262هـ) الوفيات 3/ 440وبغية الوعاة 2/ 219218 والأعلام 5/ 4847.
(10) كاظمة على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة. معجم البلدان 4/ 431. وهي اليوم في الجزء الواقع غربي الكويت على أرض مكونة شبه لسان داخلة في البحر جهة الجهرة. أنظر كاظمة في الأدب والتاريخ 12.
ويوم كاظمة هو يوم كان بين تميم وشيبان قال فيه الفرزدق ثلاثة أبيات يفخر بانتصار تميم على شيبان انظر ديوانه 2/ 692. ولم أجد لهذا اليوم تعريفا في المظان.
(11) هو سحيم بن حفص، وسحيم لقبه واسمه عامر بن حفص، كان عالما بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب ثقة فيما يرويه (190هـ) الفهرست 138 (دار المعرفة) ومعجم الأدباء 11/ 180.
(12) لم أعثر له على تعريف في المظان.(1/268)
مات سنة أربع عشرة ومائة)، يرحمنا الله إياه.
وحكى المبرد عن بعض أصحابه، قال (1): شهدت رجلا في طريق مكّة معتكفا على قبر، وهو يردّد بيتا ودموعه تكف (2) من لحيته، فدنوت منه لأسمع ما يقول، فجعلت العبرة تحول بينه وبين الإبانة، فقلت له: يا هذا! فرفع رأسه إليّ، كأنّما هبّ من رقدة، فقال: ما تشاء؟ فقلت له: أعلى أبيك تبكي؟ قال: لا، قلت:
فعلى ابنك؟ قال: لا، ولا على ذي نسب ولا صديق، ولكن على من هو أخصّ منهما. قال: قلت: أو يكون أحد أخصّ ممّن ذكرت؟ قال: نعم، من أخبرك عنه، إنّ هذا المدفون كان عدوّا لي، من كلّ باب، يسعى عليّ في نفسي ومالي وولدي، فخرج إلى صيد أيأس ما كنت من عطبه، وأكمل ما كان في صحّته، فرمى ظبيا، فأقصده، فذهب ليأخذه، فإذا الظّبي، وهو قد أنفذه حتى نجم سهمه (3) من صفحة البطن، فعثر، فتلقّى بفؤاده ظبة (4) السّهم، فلحقه أولياؤه، فانتزعوا السّهم، فإذا هو والظّبي ميتان، فنما إليّ خبره، فأسرعت إلى قبره مغتبطا بفقده، فإنّي لضاحك السّنّ إذ وقعت عيني على صخرة فرأيت عليها كتابا، فهلمّ فاقرأه، وأومأ إلى الصّخرة فإذا عليها: (الطويل)
وما نحن إلّا مثلهم غير أنّنا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا
قال، فقلت: أشهد أنّك تبكي على من بكاؤك عليه أحقّ من النّسب.
وترجمة الفرزدق (5) [رحمه الله] من هذا أوسع، وفيما ذكرناه منها مقنع والحمد لله على ما ألهم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5) [تسليما].
__________
(1) الكامل 4/ 9993إلى آخر الخبر.
(2) وكف الدّمع والماد وكفا ووكيفا: سال (اللسان: وكف).
(3) نجم الشّيء ينجم بالضم نجوما: طلع وظهر. ظبة السّيف: طرفه (اللسان: ظبب، نجم).
(4) نجم الشّيء ينجم بالضم نجوما: طلع وظهر. ظبة السّيف: طرفه (اللسان: ظبب، نجم).
(5) زيادة من ج د.(1/269)
10 - جرير (1)
(2) هو ابن عطيّة بن الخطفى، (3) (والخطفى) لقب لجدّه، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ابن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يكنى أبا حزرة، وهو والفرزدق والأخطل المقدّمون (4) على شعراء الإسلام. ورأت (5) أمّه وهي حامل به كأنّها ولدت حبلا من شعر أسود، فلما سقط جعل ينزو (6) فيقع في عنق هذا فيخنقه حتّى فعل ذلك برجال كثيرين، فانتبهت فزعة، فتأوّلت الرّؤيا فقيل لها: إنّك تلدين غلاما ذا أسر وشدّة شكيمة وبلاء على الناس. فلما ولدته سمّته جريرا باسم الحبل الذي رأته. وولدته (7) من سبعة أشهر. وهاجاه ثمانون شاعرا فغلبهم. وقد قال خالد بن كلثوم (8): ما رأيت أشعر من جرير والفرزدق، قال الفرزدق بيتا مدح فيه قبيلتين وهجا قبيلتين فقال (9): (الطويل)
عجبت لعجل إذ تهاجي عبيدها ... كما آل يربوع هجوا آل دارم
يعني بعبيدها بني حنيفة. وقال جرير بيتا هجا فيه أربعة (10): (تام الكامل)
إنّ الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لشرّ ما أبشار
__________
(1) (110هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 300297والشعر والشعراء 1/ 477471والأغاني 8/ 893.
16/ 321317وشرح المقامات 2/ 185183والوفيات 1/ 327321وإدراك الأماني 15/ 572.
(2) من الأغاني 8/ 3إلى قوله: «على شعراء الإسلام» بتصرف.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) د: المتقدمون.
(5) من الأغاني 8/ 49إلى قوله «الحبل الذي رأته» بتصرف والخبر في شرح المقامات 2/ 184.
(6) نزا ينزو نزوا: وثب (اللسان: نزا).
(7) من الأغاني 8/ 50بتصرف، والخبر في الشعر والشعراء 1/ 471.
(8) أب ج د ش هـ و: عمرو بن كلثوم، وهو غلط، والتصحيح من الأغاني 8/ 5والخبر أيضا في الأغاني 21/ 284 وخالد بن كلثوم سبق التعريف به في الصفحة 75الحاشية 4.
(9) البيت في شرح ديوانه 848والأغاني 21/ 284.
عجل: قبيلة من ربيعة. آل دارم: قوم الفرزدق. آل يربوع: قوم جرير. بنو حنيفة: حي من ربيعة (اللسان: حنف، عجل) وانظر ترجمة جرير والفرزدق في الكتاب.
(10) من قصيدة طويلة يهجو فيها الفرزدق مطلعها:
ما هاج شوقك من رسوم ديار ... بلوى عنيّق أو بصلب مطار
وهي في ديوانه 899896. والبيت في الأغاني 21/ 284وفيه إستار (لفظ معرب بمعنى أربعة).
البعيث هو خداش بن بشر من الخطباء الشعراء، كانت بينه وبين جرير مهاجاة. (134هـ) طبقات ابن سلام 2/ 533، والبيان 1/ 45، والشعر والشعرآء 1/ 505504والمؤتلف 56، 108والأعلام 2/ 302.
أبشار جمع بشر: الخلق. (اللسان: بشر)(1/270)
قال: وقال جرير: لقد هجوت التيم (1) في ثلاث كلمات ما هجا فيهنّ شاعر قبلي، قلت (2): (تام الوافر)
من الأصلاب ينزل لؤم تيم ... وفي الأرحام يخلق والمشيم
ومن شعره الذي تقدم فيه على غيره (3).
بنفسي من تجنّبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النّيام
ومن هجوه في الفرزدق (4): (تام الوافر)
وكنت إذا نزلت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا
وقال في هجوه وهجو أمه (5): (تام الوافر)
بها برص بأسفل أليتيها ... كعنفقة الفرزدق حين شابا
__________
(1) التيم: قبية من ولد عبد مناة بن أدّ وبنوتيم بطن من الرّباب. جمهرة الأنساب 198و (اللسان: تيم).
(2) ج د: فقلت.
والبيت من قصيدة في هجاء التيم مطلعها:
ألم يك لا أبا لك شتم تيم ... بني زيد من الحدث العظيم
وهي في ديوانه 2/ 588586، والبيت في الأغاني 8/ 5.
المشيمة: يقال لما يكون فيه الولد المشيمة والكيس والحوران (اللسان: شيم)
(3) البيتان من قصيدة يهجو فيها الأخطل ويفخر بقومه مطلعها:
متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام
وهي في ديوانه 278والبيتان في شرح المقامات 2/ 184.
(4) من قصيدة في هجاء الفرزدق مطلعها:
ألا حيّ الدّيار بسعد أنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الدّيارا
وهي في ديوانه 889886والبيت في شرح المقامات 2/ 184.
(5) من قصيدة في هجاء الفرزدق والراعي النميري مطلعها:
أقلّي اللّوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا
وهي في ديوان 825813والبيت في الكامل 3/ 45والأغاني 8/ 55
الألية: العجيزة وهي ما ركب العجز من شحم ولحم. العنفقة: شعيرات بين الشفة السّفلى والذقن. (القاموس: الألية، العنفق).(1/271)
وكان يقول (1): ما عشقت، ولو عشقت لنسبت نسيبا تسمعه العجوز فتبكي على ما فاتها من شبابها. ومن غزله (2): (تام البسيط)
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
وقال (3): (تام الكامل)
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!؟
وقال (4): (تام الكامل)
أسرى بخالدة الخيال ولا أرى ... شيئا ألذّ من الخيال الطارق
إنّ البليّة من تملّ حديثه ... فانقع فؤادك من حديث الوامق
وقال في رثاء امرأته (5): (تام الكامل)
لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
نعم الخليل وكنت علق مضنّة ... ولديّ منك سكينة ووقار
__________
(1) من الأغاني 8/ 43والقول في شرح المقامات 2/ 184.
(2) ج د: حراك له.
والبيتان من قصيدة في هجاء الأخطل مطلعها:
بان الخليط ولو طووعت مابانا ... وقطّعوا من حبال الوصل أقرانا
وهي في ديوانه 167160، والبيتان في الأغاني 8/ 39وشرح المقامات 2/ 184والأول في الكامل 1/ 283.
(3) البيتان من قصيدة في هجاء الأخطل مطلعها:
أمسيت إذ رحل الشباب حزينا ... ليت الليالي قبل ذاك فنينا
وهي في ديوانه 388386والبيتان في الكامل 2/ 261وشرح المقامات 2/ 184واللسان (غيض، وشل) والأول في الأغاني 16/ 316، 317، 319.
الوشل: الكثير من الدمع. وماء معين: ظاهر جار على وجه الأرض. وغيّضن الدمع: نقصنه وحبسنه. وأنشد ثعلب:
غيضن من عبراتهنّ البيت معناه أنهّن سيّلن دموعهن حتى نزفنها. قال ابن سيّده: من هنا للتبعيض. (اللسان: عين، غيض، وشل)
(4) أول قصيدة غزلية في ديوانه 390389والبيتان في الكامل 2/ 261.
نقع من الماء وبه ينقع نقوعا: روي. الوامق: المحبّ من ومقه يمقه: أحبّه (اللسان: نقع، ومق).
(5) أول قصيدة في رثاء زوجته خالدة أم حزرة، وهي في ديوانه 885862والأبيات في الكامل 4/ 28والأول الثالث مع آخر في شرح المقامات 2/ 185.
العلق: النفيس من كل شيء.، وهذا علق مضنّة وتكسر الضاء: نفيس يضنّ به (القاموس: ضنن، علق).(1/272)
لن يلبث القرناء أن يتفرّقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار
صلّى الملائكة الذين تخيّروا ... والصالحون عليك والأبرار
أبأمّ حزرة يا فرزدق عبتم ... غضب المليك عليكم الجبّار
يروى (1) أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده (2): (تام الوافر)
أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشيّة همّ صحبك بالرّواح
تقول العاذلات علاك شيب ... أهذا الشّيب يمنعني مراحي (3)
تعزّت أمّ حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح (4)
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح
أغثني يا فداك أبي وأمّي ... بسيب منك إنّك ذو ارتياح
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
سأشكر أن رددت إليّ ريشي ... وأنبتّ القوادم في جناحي
قال جرير: فلما انتهيت إلى هذا البيت، كان عبد الملك متّكئا، فاستوى جالسا وقال: من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت. ثم التفت إليّ وقال:
يا جرير، أترى أمّ حزرة ترويها مائة ناقة من نعم كلب (5)، فقلت: يا أمير المؤمنين إن لم تروها، فلا أرواها الله. قال: فأمر لي بها، كلّها سود الحدق، قلت: يا أمير المؤمنين، نحن مشايخ، وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أبّاق فلو أمرت لي
__________
(1) من الوفيات 1/ 325إلى آخر الخبر، وهو في طبقات ابن سلام 1/ 420418والشعر والشعراء 1/ 475والأغاني 8/ 6867.
(2) أول قصيدة في مدح عبد الملك بن مروان، وهي في ديوانه 9087.
(3) الديوان: مراحي. أب ج د ش هـ و: مزاحي.
(4) اللّقاح واحدتها لقوح وهي الناقة الحلوب (اللسان: لقح).
(5) أب ج د ش هـ و: كليب، وهو غلط، والتصحيح من الشعر والشعراء 1/ 475والوفيات 1/ 326.
كلب: قبيلة من قضاعة مساكنها في بادية الشام (اللسان: كلب).(1/273)
بالرّعاء، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صحاف من ذهب وبيده قضيب، فقلت:
يا أمير المؤمنين، والمحلب، وأشرت إلى إحدى الصّحاف فنبذها إليّ بالقضيب، وقال: خذها، لا انتفعت بها. وإلى هذا يشير قول جرير (1): (تام البسيط)
أعطوا هنيدة تتلوها ثمانية ... ما في عطاياهم منّ ولا سرف
وأشعاره كثيرة وأخباره مع الفرزدق شهيرة. والأكثر على أنه أشعر من الفرزدق.
حدث أبو الفرج الأصبهاني عن أبي عبيدة ومحمد بن سلام والأصمعي (2):
أن العرب اتّفقت على أنّ أشعر شعراء الإسلام ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، واختلفوا في تقديم بعضهم على بعض. قال محمد بن سلام: والراعي معهم في طبقتهم، ولكنّه آخرهم، والمخالف في ذلك قليل. وقد سمعت يونس (3) يقول: ما شهدت مشهدا قطّ ذكر فيه جرير والفرزدق، فاجتمع أهل المجلس على أحدهما.
وكان يونس فرزدقيا. وقال ابن دأب (4): الفرزدق أشعر عامة وجرير أشعر خاصة. وقال أبو عبيدة (5): كان أبو عمرو يشبّه جريرا بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة. قال أبو عبيدة: يحتجّ من قدّم جريرا بأنّه كان أكثرهم فنون شعر، وأسلمهم ألفاظا، وأقلّهم تكلّفا، وأرقّهم نسيبا. وقال (6) العلاء بن جرير
__________
(1) ب ج د: عطائهم.
والبيت من قصيدة في مدح يزيد بن عبد الملك وهجاء آل المهلب مطلعها:
أنظر خليلي بأعلى ثرمداء ضحى ... والعيس جائلة أغراضها خنف
وهي في ديوانه 177168والبيت في النوادر لأبي مسحل 1/ 145واللسان (هند، سرف).
الأغراض جمع غرضة وهي حزمها. وخنف: التي تلعب برؤوسها من نشاطها. ديوانه 168ويقصد بقوله: جائلة أغراضها: تجول عليها لسرعتها في السير ونشاطها. هند وهنيدة: اسم للمائة من الإبل خاصة. السّرف هنا الخطأ وأخطأ الشيء: وضعه في غير حقّه (اللسان: سرف، هند).
(2) الأغاني 8/ 54بتصرف إلى قوله «وأرقهم نسيبا» والخبر في طبقات ابن سلام 1/ 300297.
(3) هو يونس بن حبيب أحد رواة الشعر والغريب، وكان النحو أغلب عليه (182هـ) المعارف 541والوفيات 7/ 249244.
(4) هو عيسى بن يزيد بن دأب اللّيثيّ، شاعر راوية عالم بالأنساب وصاحب رسائل وخطب، اتّهم بوضع الشعر وأحاديث السّمر (171هـ) البيان 1/ 51، 324ومراتب النحويين 157156ومعجم الأدباء 16/ 165152.
(5) الخبر في الشعر والشعراء 1/ 483472.
(6) من الأغاني 8/ 6إلى آخر الأبيات الخمسة. والخبر في طبقات ابن سلام 1/ 375374والموشح 183.(1/274)
العنبري (1): إذا لم يجيء الأخطل سابقا فهو سكّيت، والفرزدق لا يجيء سابقا ولا سكّيتا، وجرير يجيء سابقا ومصلّيا وسكّيتا (2).
قال محمد بن سلام (3): رأيت أعرابيا من بني أسيّد أعجبني ظرفه وروايته فقلت له: أيّهما عندكم أشعر؟ فقال: بيوت الشّعر أربعة: فخر ومدح وهجاء ونسيب، وفي كلّها غلّب (4) جرير، قال في الفخر (5): (تام الوافر)
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت النّاس كلّهم غضابا
وقال في المدح (6): (تام الوافر)
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقال في الهجاء (7): (تام الوافر)
فغضّ الطّرف، إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال في النسيب (8): (تام البسيط)
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
قال ابن سلام، وبيت النّسيب عندي (9): (الطويل)
فلمّا التقى الحيّان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
__________
(1) هو أحد رواة الشعر والأخبار المشهورين روى عنه ابن سلام في طبقاته 1/ 374والطبري في تاريخه 6/ 479.
(2) السّكّيت والسّكيت بالتشديد والتخفيف: الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل. السابق الأول، والمصلّي الثاني (اللسان: سكت، صلا).
(3) طبقات ابن سلام 1/ 380378
(4) غلّب الرجل فهو غالب: غلب وهو من الأضداد. وغلّب على صاحبه، حكم له عليه بالغلبة (اللسان: غلب).
(5) من قصيدة في هجاء الفرزدق والراعي النميري مطلعها:
أقلّي اللّوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا
وهي في ديوانه 825813والبيت في الإعجاز 149وشرح المقامات 2/ 184.
(6) من قصيدة في مدح عبد الملك بن مروان مطلعها:
أتصحو بل فؤادك غير صاح ... عشيّة همّ صحبك بالرّواح
وهي في ديوان 9087والبيت في الإعجاز 148.
(7) من القصيدة السابقة في الحاشية 5، والبيت في شرح المقامات 2/ 184.
(8) من القصيدة التي سبق أن خرجناها في الصفحة 97الحاشية 2.
(9) ج د: أصيب.
والبيت من قصيدة في هجاء الفرزدق مطلعها
ألم تر أنّ الجهل أقصر باطله ... وأمسى عماء قد تحلّت مخايله
وهي في ديوانه 972963والبيت في طبقات ابن سلام 1/ 380وشرح المقامات 2/ 184.(1/275)
وحدث (1) خلّاد الأرقط (2) (قال) (3): كانت الشّراة، يعني الخوارج، والمسلمون يتواقفون ويتساءلون بينهم عن أمر الدين وغير ذلك على أمان وسكون لا يهيج بعضهم بعضا، فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكريّ (4) وأبو حزابة (5)
التميمي وهما في الحرب، فقال عبيدة: يا أبا حزابة، إني سائلك عن أشياء أفتصدقني في الجواب فيها؟ قال: نعم، إن تضمّنت (6) لي مثل ذلك، قال: قد فعلت، قال: سل عمّا بدا لك. قال: ما تقولون في أئمتكم؟ قال: يبيحون الدمّ الحرام والمال الحرام والفرج الحرام، قال: ويحك، فكيف فعلهم في المال؟ قال: يجبونه من غير حلّه، وينفقونه في غير حقّه. قال: فكيف فعلهم في اليتيم؟ قال: يظلمونه ماله، ويمنعونه حقّه، وينيكون أمّه. قال: ويحك يا أبا حزابة أفمثل (7) هؤلاء تتبع، (8) (قال) قد أجبت فاسمع سؤالي، ودع عتابي على رأيي. قال: قل، قال:
أيّ الخمر أطيب؟ أخمر السّهل، أم خمر الجبل؟ قال: ويلك، أمثلي يسأل عن هذا؟! قال: أوجبت على نفسك أن تجيب. قال: أمّا إذ أبيت، فإنّ خمر الجبل أقوى وأسكر، وخمر السّهل أحسن وأسلس. قال. فأيّ الزواني أفره؟! أزواني رام هرمز (9) أم زواني أرّجان (10)؟ قال: ويلك، إنّ مثلي لا يسأل عن هذا، قال:
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سلام 1/ 382.
(2) هو خلاد بن يزيد الباهلي البصري المعروف بالأرقط. صهر يونس بن حبيب النحوي وهو أحد رواة الأشعار وأخبار القبائل (220هـ) الفهرست 107 (ط. فلوجل) وتهذيب التهذيب 3/ 176.
(3) ما بين القوسين ساقط ن ج د.
(4) هو أحد زعماء الخوارج وفصحائهم وشعرائهم (77هـ) طبقات ابن سلام 1/ 382والبيان 1/ 347وإدراك الأماني 10/ 223والأعلام 4/ 199.
(5) ش: حزابة، حاشية أ: خ حزابة». أب ج د و: خرابة، وهو غلط.
وأبو حزابة هو الوليد بن حنيفة التميمي من شعراء الدولة الأموية، بدوي سكن البصرة، كان هجاء مشهورا بخبث لسانه (85هـ) الأغاني 22/ 268260والأعلام 8/ 120.
(6) د: ضمنت.
(7) د: أمثل.
(8) ما بين القوسين ساقط من د.
(9) رام هرمز: مدينة مشهورة من بلاد الأهواز من إقليم خوزستان الذي بين البصرة وفارس معجم البلدان 3/ 17والوفيات 2/ 506.
(10) أرّجان: مدينة كبيرة كثيرة الخير وهي برية بحرية وبينها وبين شيراز ستون فرسخا. معجم البلدان 2/ 144143(1/276)
لابدّ من الجواب أو تغدر، قال: أمّا إذ أبيت، فزواني رام هرمز أرقّ أبشارا، وزواني أرّجان أحسن أبدانا، قال: فأيّ الرجلين أشعر، أجرير أم الفرزدق؟ قال: فعليك وعليهما لعنة الله، أيهما الذي يقول (1): (تام الكامل)
وطوى الطّراد مع القياد بطونها ... طيّ التّجار بحضرموت برودا
قال: جرير، قال: فهو أشعرهما. قال: وكان الناس قد تجاذبوا في أمر جرير والفرزدق حتى تواثبوا، وصاروا إلى المهلّب (2) محكّمين له في ذلك. فقال: أردتم أن أحكم بين هذين الكلبين المتهارشين فيتمغضاني. ما كنت لأحكم بينهما ولكنّي أدلّكم على من يحكم بينهما ثم يهون عليه سبابهما. عليكم بالشّراة، فسلوهم إذا تواقفتم. فلما تواقفوا سأل أبو حزابة عبيدة بن هلال عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب.
وروي (3) أن عبد الملك بن مروان صنع طعاما وأكثر وأطاب، ودعا إليه الناس، فأكلوا. فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام! وما أكثره، فقال أعرابيّ من ناحية (4) (القوم): أمّا أكثر، فنعم، وأمّا أطيب، فقد والله أكلت أطيب منه، فضحكوا (5) منه، وسمعه عبد الملك، فأدناه منه، وقال له: ما أنت بمحقّ حتى تبيّن لي صدقك، فأخبره بحكاية عن طعام أكله، فقال له عبد الملك: لقد أكلت طعاما طيّبا، فممّن أنت، قال: أنا رجل جانبتني عنعنة تميم وأسد وكشكشة ربيعة (6)
__________
(1) من قصيدة لجرير في الفخر مطلعها:
أهوى أراك برامتين وقودا ... أم بالجنينة من مدافع أودا
وهي في ديوانه 338337والبيت في الأغاني 8/ 8.
طراد الأقران ومطاردتهم هو أن يحمل بعضهم على بعض في الحرب وغيرها (اللسان: طرد) ويقصد أن طراد الأعداء في القتال وقيادة الخيل إلى الغزو يضمّرها، وهذا هو المستحبّ في الخيل.
(2) المهلب بن أبي صفرة الأزدي قائد شجاع حمى البصرة من الخوارج واشتهر بقتاله لهم، كان واليا على خراسان (83هـ)
(3) من الأغاني 8/ 4240بتصرف إلى آخر الخبر.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(5) د: فضجوا
(6) أب ج د ش: عبعبة تميم وأسد، وكسكسة ربيعة. (عبعبة)، (كسكسة) غلط. والتصحيح من الأغاني 8/ 41واللسان (عنن، كشش).
وعنعنة تميم: إبدالهم العين من الهمزة كقولهم: عن يريدون (أن)، والكشكشة لغة ربيعة، وفي الصّحاح لبني أسد،
يجعلون الشين مكان الكاف، وذلك في المؤنث خاصة، فيقولون: عليش، ومنش وبش.
أما الكسكسة فهي لغة هوازن لا ربيعة، وهي أن يزيدوا بعد كاف المؤنث سينا فيقولون: أعطيتكس ومنكس، وهذا في الوقف دون الوصل (اللسان: عنن، كسس، كشش).(1/277)
وحوشيّ أهل اليمن، وإن كنت منهم. قال: فمن أيّهم أنت؟ قال: من أخوالك عذرة.
قال: أولئك فصحاء النّاس، فهل لك علم بالشّعر؟ قال: سلني عمّا بدا لك يا أمير المؤمنين. قال: أيّ بيت قالته العرب أمدح؟ قال: قول جرير (1): (تام الوافر)
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
قال: وجرير في القوم، فتطاول ورفع رأسه. قال: عبد الملك: فأيّ بيت قالته العرب أفخر؟ قال: قول جرير (2): (تام الوافر)
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت النّاس كلّهم غضابا
قال: فتحرّك جرير. ثم قال عبد الملك: فأيّ بيت أهجى؟ قال: قول جرير (3):
(تام الوافر)
فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
قال: فاستشرف لها جرير. قال: فأيّ بيت أغزل؟ قال: قول جرير (4): (تام البسيط)
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
فاهتزّ جرير وطرب. قال: فأيّ بيت قالته العرب أحسن تشبيها؟ قال:
قول جرير (5):
سرى نحوهم ليل كأنّ نجومه ... قناديل فيهنّ الذّبال المفتّل
فقال جرير جائزتي للعذريّ يا أمير المؤمنين، وكانت أربعة آلاف درهم وحملانا وكسوة فقال (6) (له) عبد الملك: وله مثلها، ولك جائزتك لا تنقص منها
__________
(1) البيت سبق تخريجه في الصفحة 100الحاشية 9.
(2) البيت سبق تخريجه في الصفحة 100الحاشية 5.
(3) البيت سبق تخريجه في الصفحة 100الحاشية 7.
(4) البيت سبق تخريجه في الصفحة 97الحاشية 2.
(5) من قصيدة في هجاء الأخطل مطلعها:
أجدّك لا يصحو الفؤاد المعلّل ... وقد لاح من شيب عذار ومسحل
وهي في ديوانه 143140.
أجدك معناه أبجّدّ هذا منك؟. العذار: اللّحية. المسحل: أسفل اللّحية، ما تحت الذقن (اللسان: جدد، سحل، عذر)
(6) ما بين القوسين ساقط من ج د.(1/278)
شيئا، فخرج العذريّ وفي يده اليمنى ثمانية آلاف درهم، وفي اليسرى رزمة ثياب.
وأحسن أمثال جرير قوله (1): (تام الكامل)
إن الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للّئام نصور
وأظرف شعر له قوله في الفرزدق لما هدّد مربعا راوية جرير بالقتل (2):
(تام الكامل)
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يا مربع
وأصدق شعره قوله (3): (تام الكامل)
إنّي لأرجو منك خيرا عاجلا ... والنّفس مولعة بحبّ العاجل
ومن أحسن أمداحه قوله في عمر بن عبد العزيز رحمه الله (4)، وكانت أمّه أمّ عاصم (5) (بنت عاصم) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (6): (تام البسيط)
ما عدّ قوم كأجداد تعدّهم ... مروان ذو النّور والفاروق والحكم
أشبهت من عمر الفاروق سيرته ... فاق البريّة وائتمّت به الأمم
تدعو قريش وأنصار الرسول له ... أن يمتعوا بأبي حفص وما ظلموا
__________
(1) من قصيدة في هجاء الشاعر سراقة بن مرداس، الذي أغراه والي العراق بشر بن مروان بهجاء جرير ومطلعها:
يا صاحبيّ هل الصباح منير ... أم هل للوم عواذلي تفتير
وهي في ديوانه 368364والبيت في الإعجاز 149وبهجة المجالس 1/ 632.
(2) من قصيدة في هجاء الفرزدق مطلعها:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما رفعوا لبين تجزع
وهي في ديوانه 919909والبيت في الإعجاز 149وبهجة المجالس 2/ 198
(3) من مقطعة في خمسة أبيات في مدح عمر بن عبد العزيز مطلعها:
إن الذي بعث النبيّ محمدا ... جعل الخلافة في الإمام العادل
وهي في ديوانه 737.
والنفس مولعة بحبّ العاجل: إشارة إلى قوله تعالى: {«كَلََّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعََاجِلَةَ»} سورة القيامة 75/ 20وقوله تعالى:
{«إِنَّ هََؤُلََاءِ يُحِبُّونَ الْعََاجِلَةَ»} سورة الإنسان 76/ 27.
(4) ح: رضي الله عنه.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(6) من قصيدة مطلعها:
هل رام أم لم يرم ذو السّدر فالثّلم ... ذاك الهوى منك لا دان ولا أمم
وهي في ديوانه 277274والأبيات في الكامل 2/ 272.
الأمم: بين القريب والبعيد (اللسان: أمم).(1/279)
وقال فيه يمدحه أيضا (1): (تام الوافر)
يعود الفضل منك على قريش ... وتفرج عنهم الكرب الشّدادا
وقد آمنت وحشهم برفق ... ويعيي النّاس وحشك أن يصادا
وتبني المجد يا عمر بن ليلى ... وتكفي الممحل السّنة الجمادا
وتدعو الله مجتهدا ليرضى ... وتذكر في رعيّتك المعادا
وما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا
تعوّد صالح الأخلاق إنّي ... رأيت المرء يألف ما استعادا
(2) وكعب بن مامة الذي أشار إليه هو رجل من إياد وكان أحد أجواد العرب الذي آثار على نفسه، وكان مسافرا ورفيقه رجل من النّمر بن قاسط (3)، فقلّ عليهما الماء فتصافناه، والتّصافن: أن يطرح في الماء حجر ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا. وكذلك كلّ شيء وقف على كيله أو وزنه، والأصل ما ذكرنا، فجعل النّمريّ يشرب نصيبه، فإذا أخذ كعب نصيبه قال (4): «اسق أخاك النّمريّ»، فيؤثره حتى جهد كعب، ورفعت له أعلام الماء، فقيل له: رد كعب ولا ورود به، فمات عطشا، ففي ذلك يقول أبو دواد الإيادي (5): (تام البسيط)
أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنّك ورّاد فما وردا
__________
(1) من قصيدة مطلعها:
أبت عيناك بالحسن الرّقادا ... وأنكرت الأصادف والبلادا
وهي في شرح ديوانه للصاوي 137134وليست في ديوانه (ت. نعمان محمد أمين طه) والأبيات في الكامل 1/ 231، 2/ 272.
(2) من الكامل 1/ 231230بتصرف، والخبر موجزا في العقد الفريد 1/ 293وثمار القلوب 126 (ت أبو الفضل) ومجمع الأمثال 1/ 183.
وكعب بن مامة الإيادي من أجواد الجاهلية، وكان جارا لأبي داود الإياديّ مكرما له. أنظر المحبر 145144والأغاني 16/ 373.
(3) قبيلة وهم النمر بن قاسط بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. جمهرة الأنساب 300و (اللسان: نمر).
(4) مجمع الأمثال 1/ 333.
(5) من شعراء الجاهلية، كان وصّافا للخيل، وأكثر أشعاره في وصفها، كان جارا لكعب بن مامة الإيادي المشهور بالجود فأكرمه. الأغاني 16/ 381373وشعره 253243.
والبيت من مقطوعة في أربعة أبيات أولها:
تنفي الحصى صعدا شرقيّ منسمها ... نفي الغراب بأعلى أنفه الغردا
وهي في شعره 308ومنها ثلاثة أبيات في البخلاء للجاحظ 218ومجمع الأمثال 1/ 184183واثنان في الأمالي 2/ 221. ونسب البيت في المبحر 145ومجمع الأمثال 1/ 184183لمامة يرثي ابنه كعبا.
الغرد: الكمأة. (اللسان: غرد) ولعله يقصد أن الغراب ينقر الكمأة بمنقاره.(1/280)
(1) وأمّا ابن سعدى المذكور معه في الشعر فهو أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ، وكان سيّدا مقدّما، فوفد هو وحاتم الطائيّ على عمرو بن هند ملك الحيرة، وأبوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء فدعا أوسا، فقال: أنت أفضل أم حاتم؟ فقال:
أبيت اللّعن! لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي (2) لوهبنا في غداة واحدة، ثم دعا حاتما. فقال له: أنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللّعن، إنما ذكرت بأوس ولأحد ولده أفضل منّي. وكان النّعمان بن المنذر دعا بحلّة وعنده وفود العرب من كلّ حيّ، فقال: احضروني في غد، فإني ملبس هذه الحلّة أكرمكم. فحضر القوم جميعا إلّا أوسا، فقيل له: لم تتخلّف؟ فقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي أن لا أحضر، وإن كنت المراد فسأطلب ويعرف مكاني. فلمّا جلس النعمان لم ير أوسا، فقال: اذهبوا إلى أوس فقولوا له: احضر آمنا ممّا خفت، فحضر، فألبس الحلّة، فحسده قوم من أهله عليها، فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلاث مائة ناقة، فقال الحطيئة: كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلّا من عنده! ثم قال (3)
(تام البسيط)
كيف الهجاء وما تنفكّ صالحة ... من آل لأم وراء الغيب تأتيني
فقال لهم بشر بن أبي خازم، أحد بني أسد بن خزيمة: أنا أهجوه لكم، فأخذ الإبل وفعل فأغار أوس عليها، فاكتسحها، فجعل لا يستجير حيّا إلّا قال له: قد أجرتك إلّا من أوس، وكان في هجائه قد ذكر أمّه، فأتي به، فدخل أوس على أمّه، فقال:
قد أتينا ببشر الهاجيّ لي ولك، فقالت: أتطيعني فيه؟ قال: نعم: قالت: أرى أن تردّ عليه ماله وتعفو عنه وتحبوه، وأفعل مثل ذلك، فإنّه، لا يغسل
__________
(1) من الكامل 1/ 132131بتصرف إلى قوله: «المضروب به في المثل في الجود»، والخبر في المستجاد 168164 والمحبر 146145وثمار القلوب 119117 (ت. أبو الفضل).
(2) اللّحمة: القرابة (القاموس: اللحم).
(3) مطلع مقطوعة في خمسة أبيات يمدح فيها أوس بن حارثة الطائي، وهي في ديوانه 174والبيت في المستجاد 166 وثمار القلوب 118 (ت أبو الفضل).(1/281)
هجاءه إلّا مدحه، فخرج إليه، فقال: إن أمي سعدى التي كنت تهجوها، قد أمرت فيك بكذا وكذا، فقال: لا جرم والله! لا مدحت حتّى أموت أحدا غيرك. ففيه يقول (1): (تام الوافر)
إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها
وما وطئ الثّرى مثل ابن سعدى ... ولا لبس النّعال ولا احتذاها
وأمّا حاتم (2) المذكور معه في القصة فهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج ابن أخزم الطائي المضروب به المثل في الجود (3)، ومآثره فيه أشهر من أن تذكر وهو والد عديّ بن حاتم الصحابيّ المشهور رضي الله عنه.
ولمّا (4) ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وفدت عليه الشّعراء يهنّئونه، فأقاموا ببابه أيّاما لا يؤذن لهم إلى أن قدم عديّ بن أرطأة (5)، وكانت له عنده مكانة، فتعرّض إليه جرير، فقال (6): (تام البسيط)
يا أيّها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك إنّي قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
وحش المكانة من قومي ومن بلدي ... نائي المحلّة عن أهلي وعن وطني
فقال عدي: نعم، فلمّا دخل عليه، قال: يا أمير المؤمنين، إن الشعراء ببابك منذ أيام، وأقوالهم باقية، وسهامهم نافذة، فقال عمر رضي الله عنه: مالي وللشعراء؟
__________
(1) من قصيدة في مدح أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ مطلعها:
أتعرف من هنيدة رسم دار ... بخرجي ذروة فإلى لواها
وهي في ديوانه 224219والبيتان في المستجاد 168167وثمار القلوب 119 (ت أبو الفضل).
(2) أنظر أخباره في الشعر والشعراء 255247والأغاني 17/ 397363والأعلام 2/ 151.
(3) مجمع الأمثال 1/ 182.
(4) من الوافي في نظم القوافي 87، والخبر في الأغاني 8/ 47، والوفيات 1/ 434430.
(5) هو أمير البصرة وقاضيها علي عهد عمر بن عبد العزيز (102هـ) الكامل 2/ 212والأعلام 4/ 219.
(6) مقطعة في ثلاثة أبيات قالها لعون بن عبد الله حسب ديوانه والبيان 1/ 329328والأغاني 8/ 47وتاريخ الخلفاء 222أو قالها لعدّي بن أرطأة حسب الوافي في نظم القوافي، والبيتان الأولان في ديوانه 570، 738ووردت المقطعة كاملة في شرح ديوانه للصاوي 588.(1/282)
فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قد مدح بالشّعر وأثاب عليه، وفيه أسوة لكل مسلم، قال: ومن مدحه؟ قال: عبّاس بن مرداس (1) فكساه حلّة قال: أفتروي قوله؟ قال: نعم، وأنشد (2): (الطويل)
رأيتك يا خير البريّة كلّها ... نشرت كتابا جاء بالحقّ معلما
سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا ... عن الحقّ، لمّا أصبح الدّين مظلما
قال: صدقت، فمن بالباب؟ قال: جميل بن معمر، قال: أليس القائل (3): (الطويل)
ألا ليتنا نحيا جميعا، وإن نمت ... يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوّي عليها صفيحها
أظلّ نهاري لا أراها ويلتقي ... مع اللّيل روحي في المنام وروحها
اغرب به (4)، فمن بالباب غيره؟ قال: كثيّر، قال: أليس القائل (5): (تام الكامل)
رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا
اغرب به، فمن بالباب غيره؟ قال: الأخطل، قال: أبعده الله، أليس القائل يصرّح بالكفر (6): (تام الوافر)
ولست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عنسا، بكورا ... إلى بطحاء مكّة للنّجاح
__________
(1) شاعر مخضرم أمه الخنساء الشاعرة وكان من المؤلفة قلوبهم، أسلم قبيل الفتح توفي نحو سنة 18هـ، الأغاني 14/ 320302وإدراك الأماني 12/ 163151والأعلام 3/ 267.
(2) البيت الأول مطلع مقطوعة في أربعة أبيات في ديوانه 141والعقد الفريد 2/ 92وليس فيهما البيت الثاني الوارد هنا. وقد نسب البيت الأول في معجم الشعراء 303لعائذ بن سلمة الأزديّ في مدح الرسول عليه السلام.
(3) من مقطوعة في خمسة أبيات في الغزل أولها:
لقد ذرفت عيني وطال سفوحها ... وأصبح من نفسي سقيما صحيحها
وهي في ديوانه 51.
(4) غرب أي بعد، ويقال: اغرب عنّي أي تباعد (اللسان: غرب).
(5) من مقطوعة في سبعة أبيات في الغزل أولها:
ولقد لقيت على الدّريجة ليلة ... كانت عليك أيامنا وسعودا
وهي في ديوانه 441والبيتان في معجم البلدان 5/ 78.
مدين: هي كفر منده من أعمال طبرية. معجم البلدان 5/ 7877. وقد أورد ياقوت بيتي كثير عند تعريفه لمدين.
(6) مقطوعة في أربعة أبيات يصرح فيها برفضه الدخول في الإسلام عندما دعاه عبد الملك بن مروان إلى الإسلام وهي في شعره 2/ 756755وما عدا البيت الثاني في رسالة الغفران 350.(1/283)
ولست مناديا أبدا بليل ... كمثل العير: حيّ على الفلاح!
ولكني سأشربها، شمولا ... وأسجد عند منبلج الصّباح
اغرب به، فمن بالباب غيره؟ قال: همّام بن غالب، قال: أليس القائل يفخر بالزنا (1): (الطويل)
هم دلّتاني من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز أفتخ الرّيش كاسره
فلمّا استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحيّ فيرجى أم قتيل نحاذره
اغرب به، فمن بالباب غيره؟ قال: جرير، قال: هو القائل (2): (تام الكامل)
لولا مراقبة العيون أريننا ... مقل المها وسوالف الآرام
وأتتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزّيارة فارجعي بسلام
إن كان فهذا، إئذن له فأذن له، فلمّا دخل، قال له عمر: اتّق الله يا جرير، ولا تقل إلّا الحقّ، فأنشأ يقول (3): (تام البسيط)
كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصّوت والنّظر
ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم يدرج ولم يطر
إنّا لنرجو إذا ما القطر أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
كلّ الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذّكر؟
__________
(1) البيتان لهمّام بن غالب المشهور بالفرزدق من قصيدة في الغزل والمجون مطلعها:
ألا من لشوق أنت بالليل ذاكره ... وإنسان عين ما يغمّض عائره
وهي في شرح ديوانه 262255والبيتان في الشعر والشعراء 1/ 497والعقد الفريد 2/ 94والأغاني 21/ 322 والوفيات 1/ 432.
باز أفتخ: ليّن الجناح، وعقاب فتخاء لينة الجناح لأنها إذا انحطّت كسرت جناحيها (اللسان: فتخ).
(2) من قصيدة في هجاء الفرزدق مطلعها:
سرت الهموم فبتن غير نيام ... وأخو الهموم يروم كلّ مرام
وهي في شرح ديوانه 553551 (الصاوي) وليست في ديوانه (نعمان طه) والبيتان في العقد الفريد 2/ 9594.
السالفة: صفحة العنق (اللسان: سلف).
(3) من قصيدة في مدح عمر بن عبد العزيز مطلعها:
لجّت أمامة في لومي وما علمت ... عرض السّماوة روحاتي ولا بكري
وهي في ديوانه 417412 (نعمان طه) وشرح ديوانه 276274 (الصاوي) ولم يرد البيت الأخير فيهما، وهو في العقد الفريد 2/ 9695والوفيات 1/ 433وبعض القصيدة في الأغاني 8/ 47.(1/284)
فقال: يا جرير، لقد وليت هذا الأمر، وما أملك إلّا ثلاث مائة دينار، فمائة قد أخذتها أمّ عبد الله، ومائة أخذها عبد الله، وبقيت مائة فهي لك.
(1) (هكذا ذكر الحكاية ابن شريف الرّندي في كتابه الوافي في نظم القوافي) (2) والذي ذكره صاحب الأغاني (3) بسندين كلاهما عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أنّ الذي دخل على عمر بن عبد العزيز فأذن لجرير (4) هو عون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (5)، فإنّه قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء، فجعلوا لا يصلون إليه، فجاء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعليه عمامته (6) قد أرخى طرفيها، فدخل، فصاح به جرير:
يا أيها القارئ المرخي عمامته
وأنشد البيتين الأولين فقط. وصاحب الأغاني أعلم من ابن شريف الرّندي بهذا الشأن، ومع هذا فالله أعلم بالمؤذن به أي الرجلين كان، والخطب في هذا أسهل (7).
وقال جرير لما نعي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (8): (تام البسيط)
نعى النّعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا
حمّلت أمرا عظيما فاضطلعت به ... وقمت فينا بأمر الله يا عمرا
فالشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
ومحاسنه رحمه الله كثيرة. وفيما ذكرناه من أخباره ما ينبّه على ذلك، وبالله التوفيق (9).
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) الوافي في نظم القوافي 87.
(3) الأغاني 8/ 47.
(4) أج د: بجرير، وهو غلط والتصحيح من ب ش: دخل عن عمرو بن عبد العزيز هو عون بن عبد الله، وفيه أغلاط.
(5) هو أحد الخطباء الرواة لزم عمر بن عبد العزيز، وكان ذا منزلة عنده. البيان 1/ 329328.
(6) ب د ش: عمامة.
(7) ب د ش: سهل.
(8) مقطعة في ثلاثة أبيات في رثاء عمر بن عبد العزيز، وهي في ديوانه 736والكامل 2/ 273. والبيتان الأخيران في الغيث المسجم 2/ 218 (ط. العلمية).
تبكي عليك أي تباكي عليك نجوم الليل والقمر فتبكيهم. الغيث المسجم 2/ 218ط. (العلمية)
(9) ب: ش: وبالله تعالى التوفيق. ج: وبالله تعالى التوفيق لا إله غيره.(1/285)
11 - الأخطل (1)
هو رجل من بني تغلب بن وائل من بني جشم، يكنى أبا مالك، وكان نصرانيا. وقد تقدّم (2) أنّه وجرير والفرزدق هم المقدّمون على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية. ولم يبق أحد من شعراء عصرهم إلّا تعرّض لهم، فافتضح وسقط، وبقوا يتصاولون، على أن الأخطل إنّما دخل بين جرير والفرزدق في آخر أمرهما وقد أسنّ ونفد أكثر عمره. وهو وإن كان له تقدّم فليس بحره من بحارهما في شيء.
وأمير شعره قصيدته التي يقول فيها لبني مروان (3): (تام البسيط)
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم النّاس أحلاما، إذا قدروا
إن العداوة تلقاها، وإن قدمت ... كالعرّ، يكمن حينا، ثم ينتشر
وأقسم المجد، حقّا، لا يحالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشّعر (4)
وهي قصيدة طويلة مشهورة بين أهل الأدب منها في هجو بني كليب:
أمّا كليب بن يربوع، فليس لها ... عند التّفاخر إيراد ولا صدر (5)
مخلّفون، ويقضي الناس أمرهم ... وهم بغيب، وفي عمياء ما شعروا
منها في هجوهم:
قوم تناهت إليهم كلّ مخزية ... وكلّ فاحشة سبّت بها مضر
الآكلون خبيث الزاد، وحدهم ... والسائلون بظهر الغيب: ما الخبر؟
__________
(1) اسمه غياث بن غوث (90هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 502451والشعر والشعراء 1/ 503490 والأغاني 8/ 320280وإدراك الأماني 15/ 5753، 8860والأعلام 5/ 123.
(2) تقدم ذلك في ترجمة جرير.
(3) الأبيات من قصيدة في مدح عبد الملك بن مروان مطلعها:
خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا ... وأزعجتهم نوى في صرفها غير
وهي في شعره 1/ 211192، والأبيات في خاص الخاص 106ومنه نقلت.
ورجل شموس: عسر في عداوته، شديد الخلاف على من عانده والجمع شمس وشمس. العرّ والعرّ والعرّة: الجرب (اللسان: جرب، شمس).
(4) أب ج د ش: يخالفهم، وهو غلط، والتصحيح من الديوان.
(5) كليب بن يربوع: قوم جرير أنظر ترجمته رقم 10.(1/286)
روي (1) أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: إني مدحتك بأبيات أحبّ أن تسمعها، فقال: إن كنت شبّهتني بالأسد والصقر فلا حاجة لي بها، وإن كنت قلت كما قالت الخنساء فهات. قال: وما الذي قالت يا أمير المومنين؟
فأنشده (2): (الطويل)
وما بلغ المهدون للنّاس مدحة ... وإن أطنبوا إلّا التي فيك أفضل
ولا بلغت كفّ امرئ متناولا ... من المجد إلّا والذي نلت أطول
قال: والله لقد أحسنت، وقد قلت فيك بيتين ما هما بدونهما، وأنشده (3)
(الطويل)
إذا متّ مات العرف وانقطع النّدى ... فلم يبق إلّا من قبيل مصرّد
وردّت أكفّ السائلين وأمسكوا ... عن الدّين والدّنيا بخلف مجدّد
قال صاحب الوافي (4): وهذا من الأخطل غاية الخطل، أي شيء يكون أسوأ من مواجهة ملك بموته ثم بيأسه من حسن خلفه من بعده.
وحكي (5) أن رجلا من بني مخزوم قال للأحوص (6) بن محمد بن عبد الله ابن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ليؤذيه: أتعرف الذي يقول (7):
(تام الكامل)
ذهبت قريش بالمكارم والعلى ... واللّؤم تحت عمائم الأنصار
__________
(1) من الوافي في نظم القوافي 62والخبر في الشعر والشعراء 1/ 490وزهر الآداب 2/ 923.
(2) من قصيدة في رثاء أخيها صخر مطلعها:
أمن حدث الأيام عينك تهمل ... وتبكي على صخر وفي الدّهر مذهل
وهي في أنيس الجلساء 103والبيتان في الشعر والشعراء 1/ 490.
(3) مقطعة في بيتين وهي من الشعر المنسوب للأخطل وهي في ديوانه 381 (انطوان صالحاني) والوافي في نظم القوافي 62ولم ترد في شعره (ت. قباوة).
التّصريد في العطاء: تقليله، وشراب مصرّد أي مقلّل. الخلف واحد أخلاف الضّرع وهو حلمة ضرع الناقة، وناقة جدّاء:
يابسة الضّرع. (اللسان: جدد، خلف، صرد).
(4) الوافي في نظم القوافي 63.
(5) من الكامل 1/ 179178بتصرف والخبر في أخبار أبي القاسم الزجاجي 46.
(6) الأحوص اسمه عبد الله وهو شاعر إسلامي مشهور من الأنصار اشتهر بتشبيبه بنساء أهل المدينة (105هـ) طبقات ابن سلام 2/ 668655والشعر والشعراء 528525والأغاني 4/ 268224، 21/ 11295
(7) البيت للأخطل من مقطعة في ستة أبيات يهجو فيها الأنصار أولها:
لعن الإله، من اليهود، عصابة ... بالجزع بين جليجل وصرار
وهي في شعره 2/ 484483والبيت في طبقات ابن سلام 1/ 463والشعر والشعراء 1/ 491(1/287)
فقال الأحوص: أعرف الذي يقول (1): (تام الكامل)
النّاس كنّوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل
أبقت رياسته لأسرته ... لؤم الفروع ودقّة الأصل
قال المبرد (2): وهذا الشعر لحسان بن ثابت، والبيت الذي أنشده المخزوميّ للأحوص هو للأخطل.
وكان (3) يزيد بن معاوية عتب على قوم من الأنصار، فأمر كعب بن جعيل التّغلبيّ (4) بهجائهم، فأبى، وقال: أرادّني أنت في الكفر بعد الإسلام! ولكني أدّلك على غلام من الحيّ نصرانيّ، كأنّ لسانه لسان ثور، يعني الأخطل. فلما قال هذا البيت دخل النّعمان بن بشير (5) بن سعد الأنصاري على معاوية، فحسر عمامته عن رأسه، ثم قال: يا معاوية أترى لؤما؟ قال: ما أرى إلّا كرما، فقال النعمان (6): (الطويل)
معاوي إن لا تعطنا الحقّ تعترف ... لحيّ الأزد مسدولا عليها العمائم
أيشتمنا عبد الأراقم ضلّة ... فماذا الذي تجدي عليك الأراقم!
فما لي ثأر دون قطع لسانه ... فدونك من ترضيه عنك الدراهم
__________
(1) البيتان لحسان بن ثابت الأنصاري من قصيدة في هجاء أبي جهل بن هشام مطلعها:
قد رامني الشعراء فانقلبوا ... مني بأفوق ساقط النّصل
وهي في ديوانه 106، والبيتان في الكامل 1/ 178وأخبار أبي القسم الزجاجي 46.
(2) الكامل 1/ 179178.
(3) الخبر في طبقات ابن سلام 1/ 462461والشعر والشعراء 1/ 491490والعقد الفريد 5/ 321وأخبار أبي القاسم الزجاجي 47.
(4) شاعر مخضرم، كان في زمن معاوية وشهد معه وقعة صفين ومدحه وردّ عنه (نحو 55هـ) طبقات ابن سلام 2/ 576572والشعر والشعراء 2/ 654653والمؤتلف 84ومعجم الشعراء 344والأعلام 5/ 226225.
(5) ج د ش: بشر وهو غلط.
والنعمان بن بشير صحابي شهد مع معاوية ضفين وقد قرّبه معاوية وابنه يزيد من بعده (65هـ) المعارف 294 والأغاني 16/ 5528والإستيعاب 4/ 15001496والأعلام 8/ 36.
(6) ج: الحق تعرف لحية الأزد. وهما غلط.
ج د: ترضيك عنه. وهو غلط.
والأبيات أول قصيدة قالها لمعاوية يشكو فيها هجاء الأخطل للأنصار ويفخر بقومه، وهي في شعره 140134 والأبيات في الكامل 1/ 179وأخبار أبي القاسم الزجاجي 47والأغاني 16/ 45والعقد الفريد 5/ 322.(1/288)
والأراقم (1) قبيلة من تغلب بن وائل من بني جشم بن بكر. وزعم (2) [بعض] أهل العلم أنهم سمّوا الأراقم لأن عيونهم شبّهت بعيون الحيات.
والأراقم جمع أرقم وهي الحيّة كذا قال المبرد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
12 - كثير (3)
هو ابن عبد الرحمن بن جمعة، خزاعيّ النّسب، وكنيته أبو صخر، كان يهوى امرأة يقال لها عزّة (4) (واشتهر بها فصار يضاف إليها، فيقال كثيّر عزّة) (5) (وهي عزة بنت حميل بن وقّاص الضّمرية وحميل هذا هو أبو بصرة (6)
الغفاري المحدّث). وهو أحد فحول الشعراء المجيدين، وأجود شعره ما قاله في عزّة، فمن شعره فيها قوله (7): (الطويل)
خليلي هذا رسم عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّت
وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ... ولا موجعات الحزن حتّى تولّت
فليت قلوصي عند عزّة قيّدت ... بحبل ضعيف بان منها فضلّت
وأصبح في القوم المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي فبلّت (8)
منها:
فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
__________
(1) من الكامل 1/ 225بتصرف.
(2) زيادة من ج د.
(3) (105هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 2/ 549540والشعر والشعراء 1/ 524510والأغاني 9/ 393 والوفيات 4/ 113106وإدراك الأماني 17/ 422.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) ما بين القوسين ساقط من ح د. والخبر من الأغاني 9/ 24.
(6) أب ش: أبو نضرة. وهو غلط، والتصحيح من الأغاني 9/ 24والاستيعاب 1/ 406405.
وأبو بصرة حميل بن بصعرة بن وقاص الغفاري صحابي روى عنه أبو هريرة الحديث أنظر المصدرين السابقين.
(7) أول قصيدة في ديوانه 10395وقسم منها في الأمالي 2/ 108والأبيات في الأغاني 9/ 3029.
(8) اح د ش: ففلّت.
بلّت: ذهبت وبلّت مطيّته على وجهها إذا همت ضالّة. الأمالي 2/ 110و (اللسان: بلل)(1/289)
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
تمنّيتها حتى إذا ما رأيتها ... رأيت المنايا شرّعا قد أظلّت (1)
كأنّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصمّ لو تمشي بها العصم زلّت
صفوحا فما تلقاك إلّا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
أصاب الردى من كان يهوى لك الرّدى ... وجنّ اللواتي قلن عزّة جلّت (2)
كان (3) عبد الملك بن مروان يقول في قول كثيّر: (الطويل)
أقول لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
لو أنه قال هذا البيت في صفة الحرب لكان أشعر النّاس.
وكان الشعبيّ (4) يقول: لا أعلم لنا وللدنيا مثلا إلّا كما قال كثير: (الطويل)
أسيئي بنا أو أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
وقيل له (5): إنّ فلانا يتنقّصك ويشتمك فتمثّل بقول كثير:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
وعن كثير أنّه سئل عن أغزل شعره، فأشار إلى قوله في عزة (6): (الطويل)
وأدنيتني حتّى إذا ما فتنتني ... بقول يحلّ العصم وسط الأباطح
تجافيت عنّي حين لا لي حيلة ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح
__________
(1) لم يورد محقق الديوان هذا البيت في متن القصيدة، ولكنه أشار إليه في تخريج القصيدة صفحة 107وهو في الأغاني 9/ 30.
العصم من الظّباء والوعول ما كان في ذراعها بياض (اللسان: عصم).
(2) د: جنت، وهو غلط،
ولم يورد محقق الديوان هذا البيت في متن القصيدة ولكنه أشار إليه في الصفحة 107.
جلّ يجلّ جلالة وجلالا: أسنّ واحتنك (القاموس: جلل).
(3) من الكامل 1/ 324إلى قوله: «اشعر الناس» بتصرف.
(4) هو أبو عمرو عامر بن شراحيل الكوفي، تابعيّ جليل القدر وافر العلم (104هـ) شرح المقامات 2/ 182180 والوفيات 3/ 1612والأعلام 3/ 251.
(5) الخبر في مجمع الأمثال 2/ 387.
(6) هذان البيتان من الأبيات المختلطة النسبة، فالبعض ينسبها لجميل أو مجنون بني عامر والبعض ينسبها لكثير، أنظر ديوانه 526. والبيتان في ديوان مجنون ليلى 94وليسا في ديوان جميل.(1/290)
وعن أحكمه فقال (1) (قولي): (الطويل)
فقلت لها: يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا ذلّلت يوما لها النّفس ذلّت
وفي عزة (1) (أيضا) يقول (2): (الطويل)
فإن تسل عنك النّفس أو تذر الهوى ... فباليأس تسلو النّفس لا بالتّجلّد
وكلّ خليل راءني فهو قائل ... من اجلك هذا هامة اليوم أو غد
وفيها (3) يقول: (الطويل)
فما روضة بالحزن طيبة الثّرى ... يمجّ النّدى جثجاثها وعرارها
بمنخرق من بطن واد كأنّما ... تلاقت به عطّارة وتجارها
بأطيب من أردان عزّة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل الرّطب
يحكى أن امرأة عرضت له، فقالت: أنت القائل: فما روضة بالحزن الأبيات؟
قال: نعم، فقالت: فضّ الله فاك! أرأيت لو أنّ زنجيّة بخّرت أردانها بمندل، أما كانت تطيب؟! ألا قلت، كما قال سيّدك امرؤ القيس (4): (الطويل)
ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
والبيت من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 114الحاشية 7.
(2) من قصيدة في الغزل مطلعها:
تظل ابنة الظمريّ في ظل نعمة ... إذا ما مشت من فوق صرح ممرّد
وهي في ديوانه 435433والبيتان في الكامل 2/ 254وفيه: «راءني: يريد رآني ولكنه قلب فأخّر الهمزة». هذا هامة اليوم أو غد: ميّت في يومه أو في غده. الكامل 2/ 255ومجمع الأمثال 2/ 405.
(3) من الكامل 3/ 117115إلى قوله «المندل والمندلي» بتصرف.
والأبيات من قصيدة في الغزل مطلعها:
وإنّي لأسمو بالوصال إلى التي ... يكون شفاء ذكرها وازديارها
وهي في ديوانه 431429والأبيات في الكامل 3/ 115والبيتان الأول والثالث في الوفيات 4/ 110.
(4) من قصيدة طويلة في الغزل بأمّ جندب ووصف فرسه والصيد مطلعها:
خليلي مرّا بي على بأمّ جندب ... نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب
وهي في ديوانه 5541والبيت في الكامل 3/ 115والوفيات 4/ 110.(1/291)
والجثجاث ريحانة طيبة الرّح برّيّة من أحرار البقل، قال جرير يهجو خليد عينين العبديّ (1): (تام الكامل)
كم عمّة لك يا خليد وخالة ... خضر نواجذها من الكرّاث
نبتت بمنبته فطاب لريحها ... ونأت عن القيصوم والجثجاث
وإنما هجاه بالكرّاث لأنّ عبد القيس يسكنون بالبحرين، والكرّاث من أطعمتهم، والعامة يسمّونه الرّكّال (2)
وقول كثير: وعرارها، العرار: البهار البرّيّ وهو حسن الصّفرة، طيّب الريح.
وقوله: موهنا، يقول: بعد هدء من الليل. يقال: أتانا بعد هدء من الليل وبعد وهن، أي بعد دخولنا في الليل. والمندل العود. قال (3): (الهزج)
أمن زينب ذي النار ... قبيل الصّبح ما تخبو
إذا ما خمدت يلقى ... عليها المندل الرّطب
ويقال له المندل والمندليّ، قاله المبرد.
(4) (ومن شعره في غير عزّة، وهو من أجود شعره قوله (5): (الطويل)
لقد هجرت سعدى وطال صدودها ... وعاود عيني دمعها وسهودها
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها (6)
__________
(1) شاعر من عبد القيس كان ينزل أرضا بالبحرين تدعى عينين فنسب إليها، وكان يهاجي جريرا. الشعر والشعراء 1/ 470 ومعجم البلدان 4/ 180واللسان والقاموس: (عين).
ج د: ونبت عن القيصوم.
والبيتان في ديوانه 1024وطبقات ابن سلام 1/ 450والكامل 3/ 116والثاني في (اللسان: قصم).
خضر نواجذها أي سود والنواجذ أقصى الأضراس. الكرّاث: بقلة وضرب من النبات ممتدّ، أهدب. القيصوم من نبات السهل وهو من الأمرار طيب الرائحة من رياحين البر. والجثجاث: نبات ربيعي له زهرة صفراء طيبة الريح. (اللسان:
جثث، خضر، قصم، كرث، نجذ).
(2) أب ج د ش: «والكراث من أطعمتهم العامة ويسمونه» والتصحيح من الكامل 3/ 116.
(3) البيتان لعمر بن أبي ربيعة وهما في ديوانه 486والكامل 3/ 117.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج د إلى قوله «فكان آخر الناس عهدا به».
(5) أول قصيدة في الغزل وهي في ديوانه 202200.
(6) جاء في الأغاني 9/ 38أن هذا البيت والذي يليه لنصيب من قصيدته التي أولها:
لقد هجرت سعدى وطال صدودها
وقد ورد البيتان في مقطوعة لنصيب أولها:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين أن شبّت وبان نهودها
وهي في ديوانه 82.(1/292)
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
منعّمة لم تلق بؤسا وشدّة ... هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها
هي الخلد ما دامت لأهلك جارة ... وهل دام في الدنيا لنفس خلودها (1)
فتلك التي أصفيتها بمودّتي ... وليدا ولمّا تستبن لي نهودها
وقد قتلت نفسا بغير جريرة ... وليس لها عقل ولا من يقيدها
وكيف يودّ القلب من لا يودّه ... بلى، قد تريد النّفس من لا يريدها
ألا ليت شعري بعدنا هل تغيّرت ... عن العهد أم أمست كعهدي عهودها
إذا ذكرتها النّفس جنّت بذكرها ... وريعت وحنّت واستخفّ جليدها
فلو كان ما بي بالجبال لهدّها ... وإن كان في الدنيا شديدا هدودها
ولست وإن أوعدت فيها بمنته ... وإن أوقدت نار فشبّ وقودها
أبيت نجيّا للهموم مسهّدا ... إذا وفدت نحوي بليل وفودها
فأصبحت ذا نفسين: نفس مريضة ... من النّاس ما ينفكّ همّ يعودها
ونفس إذا ما كنت وحدي تقطّعت ... كما انسلّ من ذات النّظام فريدها
فلم تبد لي يأسا، ففي اليأس راحة ... ولم تبد لي جودا فينفع جودها
في الأغاني (2) عن عمر الواديّ (3)، قال: بينا أنا أسير بين العرج والسقيا، وفي رواية: بينا أنا أسير بين الرّوحاء والعرج. وكلّها أسماء مواضع، قال: إذ سمعت إنسانا يغنّي غناء لم أسمع قطّ أحسن منه وهو:
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها البيتين.
قال: فكدت أسقط عن ناقتي طربا، فقلت: والله لألتمسنّ الصوت والوصول إليه، ولو بذهاب عضو من أعضائي. قال: فقصدت نحو الصوت حتى هبطت من
__________
(1) ب: لأرضك، في مكان لأهلك.
(2) الأغاني 9/ 39بتصرف إلى آخر الخبر.
(3) سيأتي التعريف به في آخر هذا الخبر.(1/293)
الشرف، فإذا أنا برجل يرعى غنما، وإذا هو صاحب الصوت فأعلمته الذي قصد بي إليه، وسألته إعادته عليّ، فقال: والله لو كان عندي قرى ما فعلت، ولكنّي أجعله قراك، فربما ترنّمت به وأنا جائع فأشبع، وكسلان فأنشط، ومستوحش فآنس. قال:
فأعاده عليّ مرارا حتى أخذته، فو الله ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة ولقد وجدته كما قال.
وعمر هذا هو ابن داود بن زاذان، وجدّه زاذان مولى عمرو بن عثمان بن عفان، وكان من المقدّمين في صناعة الغناء، وممّن له اتّصال تام بالوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقتل الوليد وهو يغنّيه، فكان آخر النّاس عهدا به.
وكان كثيّر مع أدبه وجودة شعره محمّقا، فحدّث أبو الفرج الأصبهاني (1)
عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنه حضر كثيّرا وقد سأله الفرزدق بعد كلام دار بينهما تقدم في ترجمة الفرزدق: أكانت أمّك تأتي البصرة؟ قال: لا ولكن أبي كان كثيرا ما يأتيها. يقول طلحة: والذي نفسي بيده، لعجبت من كثيّر وجوابه، وما رأيت أحدا قطّ أحمق منه، رأيتني دخلت عليه يوما في نفر من قريش، وكنّا كثيرا ما نتهزّل، فقلنا: فكيف تجدك يا أبا صخر؟ فقال: بخير، ما سمعتم النّاس يقولون شيئا؟ قلنا: نعم، سمعناهم يتحدّثون أنّك الدّجال. فقال: والله لئن قلتم ذلك إني لأجد في عيني هذه ضعفا (2) منذ أيام.
وحكي (3) أن عمر بن أبي ربيعة والأحوص ونصيبا نزلوا بطريق مكة فذهب الأحوص لبعض حاجته فبصر بكثيّر وهو بالقرب منهم، فرجع فأخبر صاحبيه به. فقال عمر: نبعث إليه ليأتينا، فقال الأحوص: هو والله عند نفسه أكبر من ذلك، قال:
فنسير نحن إليه، فلما دنوا منه سلّموا عليه، فلم يتحرّك ولا زاد على ردّ
__________
(1) الأغاني 8/ 96، 9/ 341إلى آخر الحكاية بتصرف.
(2) إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وسلم «الدجّال أعور عين اليسرى» أنظر سنن ابن ماجة 2/ 1353.
(3) من الكامل 2/ 157155إلى آخر الخبر بتصرف.(1/294)
السلام، فجلسوا إليه، فأقبل على عمر، وقال له: يا أخا قريش، اخبرني عن قولك (1): (تام المنسرح)
قالت لها أختها تعاتبها ... لا تفسدنّ الطّواف في عمر
قومي تصدّي له ليبصرنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها: قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت تشتدّ في أثري
والله لو قلت هذا في هرّة (2) [أهلك] ما عدا ذلك أنّك لم تشبّب بها وإنّما شبّبت بنفسك. وما هكذا يقال للمرأة، إنّما توصف بأنّها مطلوبة متمنّعة، كما قال هذا وأشار إلى الأحوص (3): (الطويل)
أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر يوما فسوف يزور
فامتلأ الأحوص سرورا فأقبل عليه، وقال: وأنت يا أحوص، اخبرني عن قولك (4):
(تام الوافر)
فإن تصلي أصلك وإن تعودي ... بهجر بعد وصل لا أبالي
أمّا إنّك لو كنت من فحول الشّعراء لباليت، أفلا قلت، كما قال هذا، وأشار إلى نصيب (5): (الطويل)
بزينب ألمم قبل أن يظعن الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
__________
(1) من قصيدة غزلية مطلعها:
يا من لقلب متيّم كلف ... يهذي بخود مريضة النّظر
وهي في ديوانه 145144والأبيات في الكامل 2/ 156.
(2) أب د ش: عزة، ح غزة وهما غلط والتصويب والزيادة من الكامل 2/ 156.
(3) من مقطوعة في ستة أبيات في الغزل أولها:
لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير
وهي في شعره 125والبيتان في الكامل 2/ 156.
(4) أول مقطوعة في أربعة أبيات في الغزل في ديوانه 186والبيت في الكامل 2/ 156.
(5) مطلع قصيدة في الغزل في شعره 60والبيت في الكامل 2/ 156.(1/295)
فأنتفخ نصيب، فأقبل عليه، وقال له: وأنت يا أسود، اخبرني عن قولك (1): (الطويل)
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
كأنّك اهتممت أن لا يفعل بها بعدك. فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: قوموا فقد استوت القرقة. والقرقة (2) لعبة يلعبها الصبيان، واستواؤها انقضاؤها.
(3) (وكانت وفاة كثيّر وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد، في سنة خمس ومائة فقال النّاس: مات اليوم أفقه الناس، وأشعر الناس. وأجفلت (4)
قريش في جنازة كثير ولم يوجد لعكرمة من يحمله. وبالله تعالى التوفيق).
13 - ذو الرمة (5):
هو غيلان بن عقبة بن بهيش (6) بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة يكنى أبا الحارث، وذو الرمة (7) (لقب له) لقّب به لقوله في الوتد (8):
(مشطور الرجز)
أشعث باقي رمّة التقليد
__________
(1) أول مقطعة في بيتين في الغزل لنصيب في شعره 84والبيت في الكامل 2/ 157، وقد نسب المبرد في الكامل (1/ 183الشطر الثاني لرجل من جلساء عبد الملك، وأما عجز بيت نصيب فهو:
أوكّل بدعد من يهيم بها بعدي
ونفى الأصبهاني في الأغاني 22/ 278أن يكون هذا البيت لنصيب ونسبه للنّمر بن تولب ومثل ذلك في الشعر والشعراء 1/ 116وهو في شعر النمر بن تولب 133.
(2) القرق لعبة للصبيان يخطّون في الأرض خطّا وياخذون حصيات فيصفونها، ومن كلامهم: استوى القرق فقوموا بنا، أي استوينا في اللعب، فلم يقمر واحد منّا صاحبه (اللسانك قرق).
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
والخبر من الأغاني 9/ 3736.
(4) أجفل القوم: انقلعوا كلّهم فمضوا (اللسان: جفل).
(5) (117هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 2/ 570549والشعر والشعراء 1/ 543531والأغاني 18/ 471وجمهرة الأنساب 200وإدراك الأماني 19/ 362والأعلام 5/ 124.
(6) أب ج: بهيس، دش: بهنس، وكلاهما غلط، والتصحيح من الشعر والشعراء والأغاني وجمهرة الأنساب.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج.
(8) أد ش: يلقي رمة التقييد (يلقي) غلط، والتصحيح من ج، وطبقات ابن سلام والشعر والشعراء والأغاني والوفيات.
والبيت من أرجوزة في الوصف مطلعها:
قلت لنفسي شبه التّفنيد
وهي في ديوانه 1/ 368327والبيت في طبقات ابن سلام 2/ 567والشعر والشعراء 1/ 533والأغاني 18/ 1 والوفيات 4/ 16و (اللسان: رمم).
والرّمّة والرّمّة: قطعة من الحبل بالية يعني ما بقي في رأس الوتد من رمّة الطّنب المعقود فيه (اللسان: رمم).(1/296)
والرّمّة، بالضم، الحبل البالي.
كان من فحول الشعراء ومقدّميهم. يقال (1) إنّه كان ينشد شعره في سوق الإبل، فجاء الفرزدق، فوقف عليه، فقال له ذو الرّمّة: كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس؟ فقال: ما أحسن ما تقول! فقال: ما لي لا أذكر مع الفحول؟ قال: قصّر بك عن غايتك بكاؤك في الدّمن وصفتك للأبعار (2) والعطن.
وهو (3) أحد عشّاق العرب، ومعشوقته ميّة بنت مقاتل بن طلبة (4) بن قيس بن عاصم المنقري. وكان ذو الرمة كثير التّشبيب بها في شعره، وكان حبّها قد غلب عليه وشهر به حتى أضيف إليها، فقيل غيلان ميّ، وإياهما عنى أبو تمام بقوله (5):
(تام البسيط)
ما ربع ميّة معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب
وهما المعنيّان بقول الحريري في المقامة السابعة والعشرين (6): «ولفح هجير يذهل غيلان عن ميّ». وإنّما خصّ الحريريّ غيلان من بين العشاق، وأن الهاجرة تشغله عن ميّ لشدّة حرّها، لأنّه كان كثيرا ما يذكر الهواجر في شعره وأنّه صبور على المشي فيها لميّ كقوله (7): (الطويل)
وهاجرة من دون ميّة لم تقل ... قلوصي بها والجندب الجون يرمح
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سلام 2/ 552والشعر والشعراء 1/ 531والأغاني 18/ 15والوفيات 4/ 11.
(2) د: للأباعر.
و «العطن للإبل كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض، والمعطن كذلك» (اللسان: عطن).
(3) من الوفيات 4/ 11بتصرف إلى بيت أبي تمام والخبر في الشعر والشعراء 1/ 533.
(4) هو أحد سادة تميم وأشرافهم وفد في قومه على عبد الملك بن مروان فأدناه وأكرمه، أنساب الأشراف 22وأبوه قيس بن عاصم مشهور بالحلم والعقل أنظر تعريفا عنه في الصفحة 83الحاشية 1.
(5) من قصيدته في مدح المعتصم وفتح عمورية مطلعها:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب
وهي في ديوانه 1/ 7945والبيت في الوفيات 4/ 11.
(6) شرح المقامات 2/ 39.
(7) من قصيدة في الغزل بمي مطلعها:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... على النّأي والنّائي يودّ وينصح
وهي في ديوانه 2/ 12261189
والجندب: الذكر من الجراد ورمح الجندب يرمح: ضرب الحصا برجله (اللسان: جدب، رمح) ويريد الشاعر بذلك شدّة الحرّ.(1/297)
إذا جعل الحرباء ممّا أصابه ... من الحرّ يلوي رأسه ويرنّح
لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ميّ فللموت أروح
ولمّا شكوت الحبّ كيما تثيبني ... بودّي قالت: إنّما أنت تمزح!
وقبلها (1):
ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء حرّة ... شعاع الضّحى في لونها يتوضّح
هي الشّبه أعطافا وجيدا ومقلة ... وميّة أبهى بعد منها وأملح
يقال (2): اشرأبّ فلان نحوي إذا وقف ينظر كالمتحيّر. والأعطاف جمع عطف وهو ما انثنى من العنق.
حدّث ابن قتيبة (3) عن أبي ضرار الغنوي (4)، قال: رأيت ميّة وإذا معها بنون لها، فقلت له: صفها لي: فقال: كانت مسنونة الوجه، طويلة الخدّ، شمّاء الأنف، وعليها وسم جمال، قلت: أكانت تنشدك شيئا ممّا قاله فيها ذو الرّمّة؟
قال: نعم. ومكثت (5) ميّة زمانا تسمع شعر ذي الرمة ولا تراه، فجعلت لله بدنة أن تنحرها يوم تراه، فلما رأته، رأت وجلا دميما أسود، وكانت من أهل الجمال، فقالت: واسوأتاه وابؤساه! فقال ذو الرمة (6): (الطويل)
على وجه ميّ مسحة من حلاوة ... وتحت الثّياب العار لو كان باديا
__________
(1) الأبيات في الكامل 2/ 303والأول منها في (اللسان: شرب)
سنح لي الظبي يسنح سنوحا إذا مرّ من مياسرك إلى ميامنك سنح لي الشيء إذا عرض (اللسان: سنح).
وجاء في الكامل 2/ 304: «قوله: من المؤلفات يقال: آلفت المكان أولفه إيلافا «ويقال: ألفته إلفا، وقوله: «الرّمل»:
النصب فيه أجود بالفعل ويجوز الخفض «والأدمة في الناس شربة من سواد، وفي الإبل والظّباء بياض يقال: ظبية أدماء» (اللسان: أدم).
(2) من الكامل 2/ 304بتقديم وتأخير.
(3) الشعر والشعراء 1/ 533.
(4) جاء في طبقات ابن سلام 2/ 560والشعر والشعراء 1/ 533والأغاني 18/ 27: أبو سوّار الغنوي. وجاء في الوفيات 4/ 12: أبو ضرار الغنوي، والخبر وارد في هذه المصادر ببعض الاختلاف.
(5) من الوفيات 4/ 12، والخبر في الشعر والشعراء 1/ 533والأغاني 18/ 28.
(6) ح: مسحة من ملاحة.
والأبيات من قصيدة في هجاء ميّ أولها:
ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه ... إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا
وهي في ديوانه 3/ 19231920. وجاء في طبقات ابن سلام 2/ 560559والأغاني 18/ 2625، 29أن هذه الأبيات موضوعة على لسان ذي الرمة.(1/298)
ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا
فواضيعة العمر الذي لجّ فانقضى ... بميّ ولم أملك ضلالا فؤاديا
ويروى (1) أنّ ذا الرمة لم ير ميّة قط إلّا مبرقعة فأحبّ أن ينظر إليها حاسرة، فقال (2): (تام الوافر)
جزى الله البراقع من ثياب ... عن الفتيان شرّا ما بقينا
يوارين الملاح فلا نراها ... ويخفين القباح فتزدهينا
فنزعت البرقع عن وجهها، وكانت باهرة الحسن، فلمّا رآها سافرة، قال:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة
البيت المتقدم، فنزعت ثيابها وقامت عريانة، فقال:
ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه
البيت، فقالت: أتحبّ أن تذوق طعمه؟ فقال: إي والله، فقالت: تذوق الموت قبل أن تذوقه.
ومن شعره السائر (3): (الطويل)
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب ... به أهل ميّ هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنّما ... هوى كلّ نفس حيث حلّ حبيبها
وكان يشبّب بخرقاء (4) وهي من بني البكّاء بن عامر بن صعصعة، وسبب ذلك أنّه مرّ في سفر (5) ببعض البوادي، فإذا خرقاء خارجة من خباء، فنظر إليها
__________
(1) من الوفيات 4/ 1312بتصرف.
(2) البيتان في ديوانه 3/ 1917والوفيات 14/ 12و (اللسان: زها).
(3) من قصيدة في الغزل بميّ مطلعها:
ألا حيّ ربع الدار قفرا جنوبها ... بحيث انحنى عن قنع حوضى كثيبها
وهي في ديوانه 2/ 703691
القنع: منقطع الرمل حيث يجري الماء. حوضى: موضع. ديوانه 2/ 691، 1/ 250.
(4) من الوفيات 4/ 13والخبر في طبقات ابن سلام 2/ 562والشعر والشعراء 1/ 534والأغاني 18/ 1، 13.
(5) ج د: سفره.(1/299)
فوقعت من قلبه، فخرق إداوته (1)، ودنا منها يستطعم كلامها، فقال: إني رجل على ظهر سفر، وقد تخرّقت إداوتي، فأصلحيها، فقالت: والله إنّي ما أحسن العمل وإنّي لخرقاء (2)، فشبّب بها ذو الرّمّة، وسمّاها خرقاء.
قال المفضّل الضبي (3): كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت، فقال (4) (لي) يوما: هل لك أن أريك خرقاء صاحبة ذي الرمة؟ فقلت: إن فعلت أنعمت وتفضّلت، قال: فتوجهنا، فعدل بي عن الطريق بقدر ميل، ثم أتينا أبيات شعر، فاستفتح بيتا، ففتح له، وخرجت علينا امرأة طويلة حسّانة (5) بها قوّة، فسلّمنا وجلسنا نتحادث ساعة، ثم قالت لي: هل حججت قطّ؟ قلت: غير مرّة، قالت: فما منعك من زيارتي؟ أما علمت أنّي منسك من مناسك الحجّ؟ قلت: وكيف ذلك؟
قالت: أما سمعت قول عمّك ذي الرّمّة (6): (تام الوافر)
تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام
وكان (7) ذو الرمة كثير المديح لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان بلال أمير البصرة وقاضيها، ففيه يقول يخاطب ناقته صيدح (8): (تام الوافر)
سمعت: الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح: انتجعي بلالا
__________
(1) الإداوة جمع أداوى إناء صغير من جلد يتّخذ للماء الخرقاء مؤنث أخرق من الخرق بالضم وبالتحريك ضدّ الرّفق وأن لا يحسن الرجل العمل والتّصرّف في الأمور (اللسان: إدا، خرق).
(2) الإداوة جمع أداوى إناء صغير من جلد يتّخذ للماء الخرقاء مؤنث أخرق من الخرق بالضم وبالتحريك ضدّ الرّفق وأن لا يحسن الرجل العمل والتّصرّف في الأمور (اللسان: إدا، خرق).
(3) من الوفيات 4/ 1413، والخبر في الشعر والشعراء 1/ 534والأغاني 18/ 3837.
(4) من بين القوسين ساقط من د.
(5) الحسّانة أشدّ حسنا من الحسناء الوفيات 4/ 14واللسان: (حسن).
(6) بيت مفرد في ديوانه 3/ 1913وطبقات ابن سلام 2/ 562والشعر والشعراء 1/ 535والأغاني 18/ 37والوفيات 4/ 14.
(7) من الكامل 2/ 52والوفيات 4/ 14، والخبر في الأغاني 18/ 31.
(8) من قصيدة مطلعها:
أراح فريق جيرتك الجمالا ... كأنّهم يريدون احتمالا
وهي في ديوانه 3/ 15581506، والبيتان في الكامل 2/ 53والأول في حياة الحيوان 1/ 41، 2/ 131.
وجاء في الكامل 2/ 53: «قوله: سمعت الناس ينتجعون، حكاية، والمعنى إذا حقّق إنما هو سمعت هذه اللفظة، أي قائلا يقول الناس ينتجعون غيثا وفيه 2/ 54 «قوله: إذا النّكباء ناوحت الشّمالا، فإن الرياح أربع ونكباواتها أربع، وهي الريح التي تأتي ما بين ريحين، فتكون بين الشمال والصّبا أو الشمال والدّبور، أو الجنوب والدّبور أو الجنوب والصّبا.
فإذا كانت النّكباء تناوح الشّمال فهي آية الشّتاء، ومعنى تناوح تقابل».(1/300)
تناخي عند خير فتّى يمان ... إذا النّكباء ناوحت الشمالا
وكان بلال داهية أديبا، فلمّا أنشده قوله: فقلت لصيدح انتجعي بلالا قال:
يا غلام، مر لها بقتّ ونوى. يريد أنّ ذا الرّمّة لا يحسن المدح.
وفيه أيضا يقول يخاطب الناقة المذكورة (1): (الطويل)
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر
وقد أخذ (هذا) (2) المعنى من قول الشماخ (3) في عرابة الأوسيّ (4):
(تام الوافر)
إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين
وجاء أبو نواس بعدهما فقال (5): (تام الكامل)
وإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرّجال حرام
فأبو نواس (6) تبع قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والشمّاخ وذو الرمة تبعا قول امرأة من الأنصار كانت مأسورة بمكة فنجت على ناقة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنّي نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها، فقال لها رسول الله (7): «لبيس ما
__________
(1) من قصيدة مطلعها:
لميّة أطلال بحزوى دواثر ... عفتها الشّوافي بعدنا والمواطر
وهي في ديوانه 2/ 10501011والبيت في الكامل 1/ 130والموشح 9795والوفيات 4/ 14.
الوصل: المفصل جمع أوصال (اللسان: وصل).
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) الشماخ شاعر مخضرم سبق التعريف به في الصفحة 45الحاشية 1.
(4) هو عاربة بن أوس بن قيظية الأنصاري، سيد قومه وصحابيّ مشهور بالجود اتّصل به الشماخ ومدحه فأجزل عطاءه (نحو 60هـ) الطبقات الكبرى 4/ 369والكامل 1/ 128والاستيعاب 3/ 1238والإصابة 4/ 481والأعلام 4/ 222.
والبيت من قصيدة في المدح مطلعها:
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطّرح الظّنون
وهي في ديوانه 341319والبيت في الكامل 1/ 129والموشح 94والوفيات 4/ 14.
(5) من قصيدة في مدح محمد ابن هارون الرشيد المشهور بالأمين مطلعها:
يا دار ما فعلت بك الأيام ... ضامتك والأيام ليس تضام
وهي في ديوانه 409407
(6) الخبر في الكامل 1/ 129128والوفيات 4/ 1514.
(7) السيرة 2/ 285وسنن الدارمي 2/ 237وعون المعبود 9/ 147.(1/301)
جزيتها» كذا للصلاح الصفدي في وافيه (1)، وفيه من القلق ما فيه، وأوضح منه ما في كامل المبرد (2)، فإنه بعدما أنشد بيت الشماخ قال: وقد أحسن كلّ الإحسان في قوله:
إذا بلّغتني وحملت رحلي البيت
يقول: لست أحتاج إلى أن أرحل إلى غيره. قال: وقد عاب بعض الرّواة قوله:
«فاشرقي بدم الوتين»، وقال: كان ينبغي أن ينظر لها (3) مع استغنائه عنها، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للأنصارية (4) المأسورة بمكة وقد نجت على ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها، فقال صلّى الله عليه وسلم:
«لبيس ما جزيتها». وقال (5): «لا نذر في معصية، ولا نذر للإنسان في غير ملكه».
قال المبرد (6): وممّا لم يعب في هذا المعنى قول عبد الله بن رواحة (7)
رضي الله عنه لما أمّره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد زيد (8) وجعفر (9) على جيش: (تام الوافر)
إذا بلّغتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء (10)
فشأنك فانعمي وخلاك ذمّ ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي
__________
(1) الجزء الذي ترجم فيه الصفدي لذي الرمة في الوافي بالوفيات لم أعثر عليه.
(2) الكامل 1/ 129.
(3) د: إليها
(4) هي امرأة رجل من بني غفار، انظر خبرها في السيرة 2/ 281، 285.
(5) سنن الدارمي 2/ 237وسنن ابن ماجة 1/ 686.
(6) الكامل 1/ 130129إلى آخر الشرح.
(7) عبد الله بن رواحة هو سيد في الجاهلية، وكان في الإسلام عظيم القدر والمكانة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، شهد بدرا، واستشهد في مؤتة سنة 8هـ طبقات ابن سلام 1/ 226223والاستيعاب 3/ 901898والأعلام 4/ 86.
(8) هو زيد بن حارثة الصحابي الذي كان الرسول قد تبنّاه، استشهد في مؤتة سنة 8هـ السيرة 2/ 373والاستيعاب 2/ 547542.
(9) هو جعفر بن أبي طالب، وهو أخو علي بن أبي طالب، استشهد في مؤتة سنة 8هـ السيرة 2/ 378والاستيعاب 1/ 245242.
(10) أول مقطعة لعبد الله بن رواحة يخاطب ناقته في سيره إلى غزوة مؤتة متمنيا الاستشهاد وهي في ديوانه 8079 والسيرة 2/ 377376والبيتان في الكامل 1/ 129والموشح 9594.(1/302)
الحساء جمع حسي وهو موضع رمل تحته صلابة، فإذا مطرت السماء على ذلك الرّمل نزل الماء فمنعته الصّلابة أن يغيض، ومنع الرّمل السّمائم أن تنشّفه فإذا بحث ذلك الرمل أصيب الماء. يقال: حسي وأحساء وحساء.
و «لا» في قوله: «لا أرجع» دعائية. فالفعل بعدها مجزوم بها، ومعناه اللهم لا أرجع، كما تقول: زيد لا تغفر له.
ومن (1) أحسن ما امتدح به ذو الرّمّة بلالا هذا قوله (2): (الطويل)
تقول عجوز مدرجي متروّحا ... على بيتها من عند أهلي وغاديا
أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا؟
فقلت لها: لا إنّ أهلي لجيرة ... لأكثبة الدّهنا جميعا وماليا
وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يا ابنة الخير قاضيا
ولكنّني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كريما يمانيا
من آل أبي موسى ترى النّاس حوله ... كأنهم الكروان أبصرن بازيا
مرمّين من ليث عليه مهابة ... تفادى أسود الغاب منه تفاديا
وما الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ماهيا (3)
قوله: مدرجي أي مروري، وهو بخلاف قولهم في المثل (4): «خير من دبّ ودرج» لأنّ معناه من حيي ومات (5)، من دبّ على وجه الأرض ومن درج عنها فذهب.
__________
(1) من الكامل 2/ 5754إلى آخر بيت الفرزدق بتصرف.
(2) من قصيدة مطلعها:
ألا حيّ بالزّرق الرّسوم الخواليا ... وإن لم تكن إلّا رميما بواليا
وهي في ديوانه 2/ 1300/ 1325والكامل 2/ 54.
كأنهم الكروان أبصرن بازيا: يشير إلى مهابة الممدوح والكروان ج كروان وهو طائر طويل الرّجلين أغبر نحو الحمامة، والكروان يضرب به المثل في الجبن (أنظر مجمع الأمثال 1/ 185) و (اللسان: كرا).
(3) د: (الحزن) هنا تحريف. الخرق).
(4) الكامل 2/ 55واللسان (درج).
(5) د: من حيي ومن مات.
وجاء في اللسان (درج): أحسن من دبّ ودرج، فدبّ مشى، ودرج مات. وجاء في القاموس: (دب) من دبّ ودرج أي الأحياء والأموات.(1/303)
وثاويا من ثوى بالمكان أقام به، ويقال فيه أثوى أيضا، وهو أقل. وقسا موضع من بلاد بني تميم، وأكثبة جمع قلّة لكثيب. والدّهنا مقصورا، من بلاد بني تميم، وبعضهم يجوّز فيه المدّ، وأنكره المبرد (1). والكروان جمع كروان وهو طائر معروف جمع بعد حذف زيادته فهو في التقدير جمع كرا كأخ وإخوان، واستعمل كروان مفردا بحذف الزيادة أيضا، تقول العرب في بعض أمثالها (2): «أطرق كرا إنّ النّعام في القرى» يريدون الكروان. وقوله: ترى القوم (3)
حوله، كان حقّه أن يقول: ترين لأن المخاطبة أولا لامرأة، ألا تراه يقول: وما كنت مذ (4)
أبصرتني إلخ، ولكنه حوّل المخاطبة إلى رجل، والعرب تفعل ذلك، قال تعالى (5): {«حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ»}، والتقدير، والله أعلم، كان الناس في الفلك، ثم حولت المخاطبة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم. وقوله: مرمّين أي سكوتا مطرقين من أرمّ إذا أطرق ساكتا.
وتفادى أسود الغاب أي يفتدى منه بعضها ببعض. وقوله: «ولكن هيبة هي ما هيا»، إذا رفعت «هيبة» فالمعنى أمره هيبة، كما قال تعالى (6): {«طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} «أي أمرنا طاعة، ويجوز في هذا أن يكون من حذف الخبر أي طاعة وأمر معروف أمثل. وإذا نصبت هيبة فهو على المصدر أي يهاب هيبة.
وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول الفرزدق في علي بن الحسين (7):
(تام البسيط)
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم
__________
(1) قال المبرد في الكامل 2/ 55: «ولم أسمع إلا القصر من أهل العلم والعرب، وسمعت بعد من يروي مدّها ولا أعرفه».
(2) الكامل 2/ 56: أطرق كرا أطرق كرا ... إنّ النّعام في القرى
وهو في مجمع الأمثال 1/ 431وحياة الحيوان: 2/ 487
(3) كذا في أب ح د ش. وورد قبل قليل في الشعر: «ترى الناس».
(4) ح د: إذ.
(5) سورة يونس 10/ 22
(6) سورة محمد 47/ 21
(7) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين (94هـ) الوفيات 3/ 269266والأعلام 4/ 277.
والبيت ليس في شرح ديوان الفرزدق للصاوي. وهو من قصيدة مطلعها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
وهي في الوفيات 6/ 9695ومنها سبعة أبيات في الأغاني 5/ 327. وروى صاحب الأغاني أنها نسبت لغيره. ثم قال: «والصحيح أنها للحزين في عبد الله بن عبد الملك» الأغاني 15/ 328. والبيت في الشعر والشعراء 1/ 71في مدح بعض بني أمية، وهو غير معزوّ. وهو في المؤتلف 89للحزين الكناني في مدح عبد الله بن عبد الملك والي مصر.(1/304)
وتوفي (1) ذو الرمة سنة سبع عشرة ومائة، ولمّا حضرته الوفاة قال: (2)
أنا ابن نصف الهرم يعني ابن أربعين سنة. روى عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال وهو في النزع (3): (تام البسيط)
يا قابض الرّوح عن نفسي إذا احتضرت ... وغافر الذّنب زحزحني عن النّار
وكان (4) له ثلاثة إخوة: هشام وأوفى ومسعود، فمات أوفى ثم مات ذو الرمة فقال مسعود يرثيهما (5): (الطويل)
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع
ولم تنسني أوفى المصيبات ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع
رحمنا الله وإياهم (6) [بمنه وكرمه].
14 - الكميت (7).
المسمّون (8) بالكميت من الشعراء ثلاثة: الكميت بن معروف (9)، وهو مخضرم، وجدّه الكميت بن ثعلبة (10)، وهو جاهلي، والكميت المراد هنا، وهو ابن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع الأسدي، وهو شاعر كوفي
__________
(1) من الوفيات 4/ 16بتصرف.
(2) القول في طبقات ابن سلام 2/ 565والشعر والشعراء 1/ 532والأغاني 18/ 42.
(3) من مقطعة في بيتين أولهما:
يا ربّ قد أشرفت نفسي وقد علمت ... علما يقينا لقد أحصيت آثاري
وهي في ديوانه 3/ 18751874والبيت في الشعر والشعراء 1/ 532والأغاني 18/ 44والوفيات 4/ 16.
(4) من الوفيات 4/ 15والخبر في طبقات ابن سلام 2/ 565والشعر والشعراء 1/ 535والأغاني 18/ 3، 4.
(5) البيتان في طبقات ابن سلام 2/ 566والبيان 2/ 193192والشعر والشعراء 1/ 535والأغاني 18/ 4ونسب البيتان في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/ 795793إلى هشام أخي ذي الرمة ونسب فيه 2/ 787البيت الثاني لأخيه مسعود.
(6) زيادة من ج د.
(7) (60هـ 126هـ) ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 320318والشعر والشعراء 2/ 588585والأغاني 17/ 401ومعجم الشعراء 348347وإدراك الأماني 20/ 282والأعلام 5/ 233.
(8) الخبر في طبقات ابن سلام 1/ 195والمؤتلف 170ومعجم الشعراء 347.
(9) ترجمته في الأغاني 22/ 145143ومعجم الشعراء 347.
(10) ترجمته في طبقات ابن سلام 1/ 195والمؤتلف 170ومعجم الشعراء 347.(1/305)
مجيد من شعراء الدولة الأموية، ولم يدرك الدولة العباسية، وكان هذا أطولهم شعرا، وكلّهم بنو أب واحد، كذا قاله المرزباني (1)، يقال في المثل (2): «أطول من شعر الكميت».
وكان (3) معروفا بالتّشيّع لبني هاشم، مشهورا بذلك، وقصائده الهاشميّات من جيّد شعره ومختاره. روي (4) أنه لما قال الشعر، كان أول ما قاله الهاشميات، فسترها ثم أتى الفرزدق، فقال: يا أبا فراس، إنّك شيخ مضر، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي قال: صدقت، أنت ابن أخي، فما حاجتك؟ قال: نفث على لساني، فقلت شعرا، فأحببت أن أعرضه عليك، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أول (5) من ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن، وإنّي لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، هات ما قلت، فأنشده (6): (الطويل)
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
قال: فإلى من تطرب يا ابن أخي؟ قال:
... ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب
قال: بل فالعب يا ابن أخي فإنّك في أوان اللّعب فقال:
ولم تلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّبني بنان مخضّب
قال: فما يتطربك يا ابن أخي؟ قال:
(7) (ولا السانحات البارحات ... أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب
__________
(1) معجم الشعراء 347.
(2) لم أعثر على هذا المثل في المظان، وجاء في البيان 1/ 207 «ولاموا الكميت على الإطالة فقال: أنا على القصار أقدر» وجاء في الفصول والغايات 131 «واستقبل جرائم تترى طوالا كقصائد الكميت الأسدي».
(3) من الأغاني 17/ 1.
(4) من الأغاني 17/ 28والخبر في أمالي المرتضى 1/ 6766.
(5) ح د: أولى.
(6) مطلع قصيدة طويلة في مدح بني هاشم وهي في هاشمياته 7327 (تفسير أبي رياش) والقصائد الهاشميات 3015 (الشنقيطي) وليست في شعره.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج د.
السانح الذي يجيء من يسارك إلى يمينك وأهل الحجاز يتشاءمون بالسوانح، والبوارح من الظباء والطير وغيرها ما تجيء من ميامنك إلى مياسرك فتوليك مياسرها، وأهل نجد يتشاءمون بالبوارح وقوله: أمرّ سليم القرن: الذي يتيّمّن به، أم مر أعضب: الذي يتشاءم به، والأعضب المكسور أحد قرنيه. أنظر الهاشميات تفسير أبي رياش 28.(1/306)
فقال: أجل، لا تتطير، فقال)
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب
فقال: ومن هؤلاء ويحك! (1) (فقال):
إلى النّفر البيض الذين بحبّهم ... إلى الله فيما نابني أتقرّب
فقال: أرحني ويحك! من هؤلاء؟ قال:
بني هاشم رهط النّبيّ فإنّني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
خفضت لهم منّي جناحي مودّة ... إلى كنف عطفاه أهل ومرحب (2)
وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها ... وإنّي لأوذى فيهم وأذنّب (3)
فقال له: يا ابن أخي أذع، ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.
وفي رواية (4) أنّه لمّا أنشده قوله:
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب
قال له الفرزدق: لقد طربت إلى خير شيء، ما طرب إليه أحد قبلك، فأمّا نحن فما نطرب، ولا طرب من كان قبلنا إلّا إلى ما تركت أنت الطّرب إليه.
حدث (5) أبو الفرج الأصبهاني، رحمه الله، بسنده، عن إسماعيل بن علي الخزاعيّ أخي دعبل بن علي، قال: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: ما لك وللكميت بن زيد؟ فقلت: يا رسول الله، ما بيني وبينه إلّا كما يكون بين الشعراء، فقال لي: لا تفعل، أليس هو القائل: (الطويل)
فلازلت فيهم حيث يتّهمونني ... ولا زلت في أشياعهم أتقلّب (6)
فإنّ الله عز وجل قد غفر له بهذا البيت. قال: فانتهيت عن الكميت بعدها.
__________
(1) ماب ين القوسين ساقط من د.
(2) خفضت لهم مني جناحي مودة: إشارة إلى قوله تعالى: {«وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»} سورة الإسراء 17/ 24.
(3) حاشية ج: أذنّب: أي أنسب إلى الذّنب، والله أعلم.
(4) الأغاني 17/ 28.
(5) من الأغاني 17/ 26بتصرف.
(6) هذا البيت ليس في الهاشميات (تفسير أبي رياش) ولا في القصائد الهاشميات (الصعيدي) ولا في القصائد الهاشميات (الشنقيطي) ولا في شعره، وهو في الأغاني 17/ 26ومستدرك الهاشميات 211.(1/307)
وحدث (1) أيضا عن إبراهيم بن سعد الأسديّ، قال: سمعت أبي يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: ممّن أنت؟ فقلت: من العرب، قال: أعلم، فمن أي العرب أنت؟ قلت: من بني أسد، قال: من أسد خزية؟ قلت: نعم، قال: أهلاليّ أنت؟ قلت: نعم، قال: أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت (2): نعم، قال: أنشدني:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
قال. فأنشدته حتى بلغت إلى قوله (3):
فما لي إلّا آل أحمد شيعة ... وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب
فقال لي: إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام، وقل له: قد غفر الله لك بهذه القصيدة.
قال الأصبهاني (4): كذا وجدت في كتاب بخط المرهبي (5) الكوفي.
وحدث أيضا عن نصر بن مزاحم المنقريّ (6) أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم في المنام، وبين يديه رجل ينشده (7): (تام الخفيف)
من لقلب متيّم مستهام
قال: فسألت عنه، فقيل لي: هذا الكميت بن زيد الأسدي، قال: فجعل النبي صلّى الله عليه وسلم يقول له: جزاك الله خيرا! ويثني عليه.
ولما (8) بلغت قصائده الهاشميات هشام بن عبد الملك وهو إذ ذاك خليفة، وكانت قد دسّها إليه خالد بن عبد الله القسريّ (9) مع ثلاثين جارية اشتراهنّ،
__________
(1) من الأغاني 17/ 26بتصرف.
(2) ج د: قال، وهو غلط.
(3) من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 131الحاشية 6وهو في الكامل 2/ 90والأغاني 17/ 27والقصائد الهاشميات 17 (الشنقيطي)، ولم يرد في قصائده الهاشميات (الصعيدي) ولا في شعره.
(4) الأغاني 17/ 27.
(5) ب د، والأغاني 17/ 27: المرهبي. أد ش: الموهبي.
ولم أعثر على تعريف للمرهبي في المظان.
(6) مؤرخ من غلاة الشيعة له «مقتل الحسين» و «وقعة صفين» وغير ذلك (212هـ) تاريخ بغداد 13/ 283282 وميزان الاعتدال 4/ 254253ولسان الميزان 6/ 157والأعلام 8/ 28.
(7) صدر مطلع قصيدة طويلة للكميت في مدح بني هاشم وتتمة البيت:
... غير ما صبوة ولا أحلام
وهي في هاشمياته 261 (تفسير أبي رياش) وليست في شعره.
(8) الخبر مفصل في الأغاني 17/ 43، 108، 17.
(9) أحد عمال هشام بن عبد الملك وأمير العراقين في زمنه (126هـ) الأغاني 22/ 291والوفيات 2/ 231226 والأعلام 2/ 297.(1/308)
بأغلى ثمن، وأدّبهنّ، وروّاهنّ القصائد المذكورة، وبعث بالجواري مع نخّاس، فباعهنّ (1) من هشام بن عبد الملك، فأنشدنه القصائد، كبر (2) عليه ذلك، وبعث إلى خالد يأمره بقتل الكميت في خبر طويل مذكور في الأغاني وغيره، ثم نجّاه الله تعالى منه بحسن نيّته وصدق محبّته في آل رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ومن شعره قوله يمدح خالد بن عبد الله القسريّ هذا (3): (تام المنسرح)
لو قيل للجود من حليفك؟ ما ... إن كان إلّا إليك ينتسب
لو أنّ كعبا وحاتما نشرا ... كانا جميعا في بعض ما تهب
لا تخلف الوعد إن وعدت ولا ... أنت عن المعتفين تحتجب
فأمر له بمائة ألف درهم.
وكان (4) خالد هذا من أخبث النّاس، فممّا روي (5) من خبثه أنّه استعفي من بناء بيعة بناها لأمّه. فقال بملأ (6) من المسلمين: قبّح الله دينهم إن كان شرّا من دينكم. وكانت أمّه رومية استلبها أبوه في يوم عيد للروم فأولدها خالدا وأسدا، ولذلك يقول الفرزدق (7): (الطويل)
ألا قطع الرّحمن ظهر مطيّة ... أتتنا تهادى من دمشق بخالد
وكيف يؤمّ النّاس من كانت امّه ... تدين بأنّ الله ليس بواحد!
بنى بيعة فيها الصّليب لأمّه ... ويهدم من كفر منار المساجد
__________
(1) فباعهن من هشام أي اشتراهن منه.
(2) «كبر» هي جواب «ولمّا بلغت قصائده»
(3) أول مقطعة في خمسة أبيات في شعره 1/ 84، والأبيات في الأغاني 17/ 3534 «لو أن كعبا وحاتما نشرا» يقصد كعب بن مامة الإيادي المشهور بالجود. أنظر خبر جوده في الكامل 1/ 231230والأغاني. وأما حاتم فهو حاتم بن عبد الله الطائي الذي يضرب به المثل في الجود.
(4) الخبر في الأغاني 22/ 1815.
(5) من الكامل 3/ 87بتصرف.
(6) د: لملا.
(7) الأبيات في هجاء خالد بن عبد الله القسري، وهي في شرح ديوانه 190189وطبقات ابن سلام 1/ 346والكامل 3/ 87والأغاني 21/ 313والوفيات 2/ 228. وصلت ألف (امه) للضرورة الشعرية.(1/309)
وقال أيضا في ذلك (1): (الطويل)
عليك أمير المؤمنين بخالد ... وأصحابه لا طهّر الله خالدا
بنى بيعة فيها الصليب لأمّه ... ويهدم من بغض الصلاة المساجدا
وكان سبب هدم خالد منار المساجد حين حطّها عن دور النّاس أنّه بلغه شعر لرجل من موالي الأنصار وهو (2): (تام الخفيف)
ليتني في المؤذّنين حياتي! ... إنّهم يبصرون من في السّطوح
فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كلّ ذات دلّ مليح
فحطّها عن دور الناس.
ومن خبثه وعتوّه، أخزاه الله، ولعنه لعنا كثيرا، أنّه كان (3) يصعد على منبر الكوفة ويصرح بلعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه فيسميه باسمه واسم أبيه وجده، ويذكر قرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم (4) [تسليما كثيرا].
15 - توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة (5)
ابن عمرو بن عقيل، أحد (6) (فحول) الشعراء المقدمين، كان (7) يهوى ليلى الأخيلية (8)، وهي بنت عبد الله بن الرّحّال، ويقال الرّحّالة، بن شدّاد
__________
(1) يحرّض الخليفة على خالد. وقد جاء البيت الأول في الديوان هكذا:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فعجّل هداك الله نزعك خالدا
والبيتان في شرح ديوانه 189والكامل 3/ 87والأغاني 22/ 21.
(2) البيتان في الكامل 3/ 87والأغاني 20/ 202وهما للسّريّ بن عبد الرحمن الأنصاري وهو من شعراء أهل المدينة مقلّ غزل، هجا الأحوص ونصيبا فلم يجيباه. أنظر الأغاني 20/ 203198.
(3) الخبر في الكامل 2/ 292والأغاني 22/ 15، 16، 18.
(4) زيادة في ج د.
(5) (85هـ) ترجمته في التعازي 7873والشعر والشعراء 1/ 454452والأغاني 11/ 249204والأمالي 1/ 8986والمؤتلف 68والوافي بالوفيات 10/ 438436والفوات 1/ 260259وإدراك الأماني 13/ 178151
(6) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(7) الخبر في الأغاني 11/ 204، 224.
(8) ترجمة ليلى الأخيلية في الشعر والشعراء 1/ 458455والأغاني 11/ 249203والفوات 3/ 228226.(1/310)
ابن معاوية، وهو الأخيل، وهو فارس الهرّار (1)، ابن عباد بن عقيل بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكانت من النساء المقدّمات في الشعر، من شعراء الإسلام.
وكان (2) توبة كثير الزيارة لها، فعاتبه قومها، فلم يعتب، وشكوه إلى قومه، فلم يقلع، فتظلموا إلى السلطان، فأهدر دمه إن أتاهم، فجاءها مرة بعد هذا، فسفرت له عن وجهها، وكانت قبل ذلك إنّما تلقاه منتقبة فعرف الشرّ في وجهها فكرّ راجعا ولم ينذر به حتى فات، وقال في ذلك قصيدته التي أولها (3):
(الطويل)
نأتك بليلى دارها ما تزورها ... وشطّت نواها واستمرّ مريرها
يقول فيها:
حمامة بطن الواديين ترنّمي ... سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... ولا زلت في خضراء دان بريرها (4)
منها:
وأشرف بالغور اليفاع لعلّني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
عليّ دماء البدن إن كان بعلها ... يرى لي ذنبا غير أنّي أزورها
وأنّي إذا ما زرتها قلت: يا سلمي ... وما كان في قولي اسلمي ما يضيرها
__________
(1) أش: هزّان، ج د: بهزان، والتصحيح من ب والأغاني 11/ 85، 87، 204، 224.
والهرار حصان أعوج ويستحب ذلك في الخيل (اللسان: عوج)
(2) الخبر في الشعر والشعراء 1/ 452والأغاني 11/ 204، 205، والفوات 1/ 259.
(3) مطلع قصيدة غزلية وهي في ديوانه 4227ومنها 10أبيات في الأمالي 1/ 88، 131وثمانية في الشعر والشعراء 1/ 452والأبيات في الأغاني 11/ 208205.
نأتك: نأت عنك. النّوى والنّيّة: الوجه الذي تريده وتنويه. والمرير والمريرة: العزيمة. ويقال: استمرّ مريره أي استحكم عزمه (اللسان: مرر، نأى، نوى).
(4) أح د ش: مريرها، وهو غلط، والتصحيح من ب والديوان والشعر والشعراء 1/ 453والأغاني 11/ 208.
والبرير: ثمر الأراك. الغور: سيشرحه المؤلف بعد قليل، واليفاع: المشرف من الأرض والجبل. والبدن والبدن ج بدنة:
ناقة أو بقرة تنحر بمكة سمّيت بذلك لأنهم كانوا يسمّنونها. (اللسان: بدن، برر، يفع).(1/311)
وهي طويلة من أجود شعره.
وكان (1) قد غزا قوما من العرب، فغنم وانصرف فعرّس (2) في طريقه فأمن فقال فندّت (3) فرسه، فأحاط به عدوّه، ومعه أخوه عبيد الله وقابض مولاه، فدعاهما، فقاتل عبيد الله شيئا ثم انهزم وقتل توبة، فقالت ليلى الأخيليّة في ذلك (4): (الطويل)
دعا قابضا، والمرهفات ينشنه ... فقبّحت مدعوّا، ولبيّك داعيا!
فليت عبيد الله كان مكانه ... صريعا، ولم أسمع لتوبة ناعيا
ثم قالت ترثيه (5):
أعيني ألا فابكي على ابن حميّر ... بدمع كفيض الجدول المتفجّر
لتبك عليه من خفاجة نسوة ... بماء شؤون العبرة المتحدّر
سمعن بهيجا أزحفت فذكرنه ... وقد يبعث الأحزان طول التّذكّر
كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ ... بنجد ولم يطلع مع المتغوّر
ولم يرد الماء السّدام إذا بدا ... سنا الصّبح في أعقاب أخضر مدبر
ولم يقدع الخصم الألدّ ويملأ ال ... جفان سديفا يوم نكباء صرصر
ألا ربّ مكروب أجبت وخائف ... أجرت ومعروف لديك ومنكر
فيا توب للمولى ويا توب للنّدى ... ويا توب للمستنبح المتنوّر
__________
(1) من الكامل 4/ 41والخبر في التعازي 74.
(2) عرّس: سار نهاره ونزل أول الليل (اللسان. عرس).
(3) أب ج د ش: ويقال ندت، وهو غلط، والتصحيح من الكامل 4/ 41. قال يقيل قيلولة: استراح نصف النهار. وندّت الإبل: نفرت وذهبت شرودا فمضت على وجهها (اللسان: قيل، ند).
(4) د: تنشنه. ج وليتك داعيا.
والبيتان من مقطعة في ثلاثة أبيات تهجو فيها قابضا لفراره عن توبة أولها:
جزى الله شرّا قابضا بصنيعه ... وكلّ امرئ يجزى بما كان ساعيا
وهي في ديوانها 123، والبيتان في الكامل 4/ 4140والتعازي 74، والأول في الأغاني 11/ 236.
(5) أول قصيدة في رثاء توبة، وهي في ديوانها 7471والأغاني 11/ 233231والأبيات في الكامل 4/ 41والتعازي 7675.
شؤون جمع شأن: مجرى الدمع إلى العين. الهيجا والهيجاء بالقصر والمد: الحرب. يقدع يكفّ ويكبح (اللسان: شأن، قدع، هيج)(1/312)
قولها (1):
لتبك عليه من خفاجة نسوة
تعني خفاجة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. والنّجد ما ارتفع من الأرض. والغور: ما انخفض منها. ويقال ماء سدام، ومياه سدم وهي القديمة المندفنة. وأرادت بالأخضر الليل، والعرب تسمّي الأسود أخضر. والألدّ:
الشديد الخصام. والسّديف: شقق (2) السّنام. والنّكباء: الريح بين الريحين الشديدة الهبوب. والصّرصر: الشديدة الصوت. والمستنبح: الذي يسري فلا يعرف مقصدا (3) فينبح لتنبحه الكلاب فيقصدها. والمتنوّر: الذي يلتمس ما يلوح له من النار فيقصده. قال الأخطل، يعني جريرا (4): (تام البسيط)
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم: بولي على النار
فتمسك البول شحّا أن تجود به ... فما تبول لهم إلّا بمقدار
فيقال: إن جريرا توجّع لقوله:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم البيتين (5)
وقال: جمع بهذه الكلمة ضروبا من الهجاء (6): منها البخل الفاحش، ومنها عقوق الأم في ابتذالها دون غيرها، ومنها تقذير الفناء، ومنها السّوءة التي ذكرها من الوالدة.
__________
(1) من الكامل 4/ 4140بتصرف.
(2) الكامل 3/ 57، 4/ 42: شقق، أب ج د ش: شقاق.
شقق وشقاق جمع لشقّة وهي الشظية أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره (اللسان: شقق) ويقصد بالشّقق قطع لحم السّنام وشحمه.
(3) ج د: قصدا.
(4) من قصيدة في هجاء جرير مطلعها:
ما زال فينا رباط الخيل معلمة ... وفي كليب رباط الذلّ والعار
وهي في شعره 2/ 641635. ولم يرد البيت الثاني في متن القصيدة وأورده المحقق في الصفحة 636حاشية 4.
والبيت الأول في الكامل 4/ 42.
(5) ج د: توجع لهذين البيتين.
(6) أنظر القول في الغيث المسجم 1/ 423422 (ط. العلمية).(1/313)
ويروى (1) أن ليلى الأخيلية أقبلت من سفر ومعها زوجها، فمرّت بقبر توبة وهي في هودجها، فقالت: والله لا أبرح حتّى أسلّم على توبة، فمنعها زوجها، وأبت هي إلا أن تلمّ به، فتركها، فصعدت ربوة عليها قبر توبة، فقالت: السّلام عليك يا توبة، ثم حوّلت وجهها إلى القوم، فقالت: ما عرفت منه كذبة قطّ قبل هذه. قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: أليس القائل (2): (الطويل)
ولو أنّ ليلى الأخيلية سلّمت ... عليّ ودوني تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح
فما باله لم يسلّم عليّ كما قال!؟ وكانت إلى جانب القبر بومة كامنة، فلما رأت الهودج واضطرابه، فزعت وطارت في وجه الجمل، فنفر ورمى بليلى على رأسها فماتت من وقتها (3)، فدفنت إلى جانبه. يرحمنا الله وإياهما (4).
ومن شعر توبة أيضا فيما يحسبه المبرّد (5)، قال: وقد قال الشّعراء قبله وبعده، فلم يبلغوا هذا المقدار (6): (تام الوافر)
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامريّة أو يراح
قطاة عزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) من الأغاني 11/ 244بتصرف إلى آخر الخبر، وهو في الوافي بالوفيات 10/ 438437والفوات 1/ 260.
(2) من قصيدة غزلية مطلعها:
ألا هل فؤادي عن صبا اليوم صافح ... وهل ما وأت ليلى به لك ناجح
وهي في ديوانه 5047، والأبيات في الأغاني 11/ 244والأمالي 1/ 87، 197والوافي بالوفيات 10/ 437 والفوات 1/ 260والبيتان الأولان في الشعر والشعراء 1/ 453ومروج الذهب 2/ 333، 3/ 141والمستجاد 248 وحياة الحيوان 1/ 266، 2/ 6.
وأت: وعدت. «زقا الدّيك والطائر والصّدى والهامة ونحوها يزقو ويزقي زقوا وزقاء: صاح. والصدّى = جسد الإنسان بعد موته، وكانت العرب تقول إنّ عظام الموتى تصير هامة فتطير وكانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت إذا بلي الصّدى (اللسان: زقا، صدى، وأى).
(3) أنظر المستجاد 248ففيه ما يخالف هذا.
(4) ج د: رحمنا.
(5) الكامل 3/ 37.
(6) أول مقطوعة في أربعة أبيات في الغزل منسوبة لتوبة وهي في ديوانه 97والبيتان في الكامل 3/ 3837وحياة الحيوان 2/ 445.
ونسب البيتان لمجنون ليلى من مقطوعة في تسعة أبيات قالها لما بلغه أنّ أهل ليلى يريدون نقلها إلى الرجل الذي زوّجت به، أولها:
رعاة الليل ما فعل الصباح ... وما فعلت أوائله الملاح
وهي في ديوانه 9190.(1/314)
16 - الصمة بن عبد الله القشيري (1)
شاعر (2) إسلامي بدوي مقلّ، من شعراء الدّولة الأموية، وهو الصّمّة بن عبد الله بن الطفيل بن قرّة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير. ولجده قرّة بن هبيرة صحبة (3): وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم، فأسلم، وقال له (4) «يا رسول الله! إنّا كنّا نعبد الآلهة، لا تنفعنا ولا تضرّنا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: نعم ذا عقلا».
قال أبو الفرج الأصبهاني (5) فيما رواه عن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأزديّ: لو حلف حالف أن أحسن أبيات قيلت في الجاهلية والإسلام قول الصّمّة بن عبد الله القشيريّ ما حنث، يعني قوله (6): (الطويل)
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معا
وفي رواية: أتبكي على ريّا البيت
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
بكت عيني اليمنى، فلمّا زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
وأذكر أيام الحمى ثمّ أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدّعا
فليست عشيّات الحمى برواجع ... عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
__________
(1) (نحو 95هـ) ترجمته في الأغاني 6/ 91والمؤتلف 145144وجمهرة الأنساب 289وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 3/ 12221215، 12421240والإصابة 5/ 440والخزانة 3/ 62، 8/ 85 (ت. هارون) وإدراك الأماني 24/ 218213والأعلام 3/ 209.
(2) من الأغاني 6/ 21بتصرف.
(3) الخبر في الاستيعاب 3/ 1281والإصابة 5/ 440437.
(4) الاستيعاب 3/ 1281والإصابة 5/ 438437.
(5) الأغاني 6/ 5بتصرف.
(6) من قصيدة غزلية مطلعها:
خليلي عوجا منكما اليوم أودعا ... نحيّي رسوما بالقبيّة بلقعا
وهي في شعره 2/ 229224. وقد نسبت هذه الأبيات إلى مجنون ليلى وهي في ديوانه 199198وهي للصّمة القشيري في الأغاني 6/ 5والأمالي 1/ 191190والوفيات 6/ 371370وبعضها في أمالي اليزيدي 149وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 3/ 12181215وجمهرة الأنساب 289والإصابة 5/ 440ونسبت في مصارع العشاق 379378 (تصحيح محمد بدر الدين) ليزيد بن الطثرية.(1/315)
قال الأصبهاني (1): والصحيح في البيتين الأولين أنهما لقيس بن ذريح، وروايتهما له أثبت والأخر مشكوك فيها أهي للمجنون أم للصّمّة.
وكان (2) الصّمّة قد خطب ابنة عمّ له، وكان لها محبّا، فاشتطّ عليه أبوها في المهر، فسأل أباه أن يعاونه، وكان كثير المال، فأبى، فسأل عشيرته فأعطوه، فأتى بالإبل عمّه، فقال: لا أقبل هذه في مهر ابنتي، فسل (3) أباك أن يبدلها لك، فسأل أباه فأبى عليه، فلمّا رأى فعلهما قطع عقلها وخلّاها، فعاد كلّ بعير إلا ألّافه. وتحمّل الصّمّة راحلا. فقالت ابنة عمّه، حين رأته تحمّل: تالله، ما رأيت كاليوم رجلا باعته عشيرته بأبعرة. ومضى من وجهه (4) حتى لحق بالثّغر، فقال:
أتبكي على ريّا البيتين السابقين.
وفي رواية (5) أنّه لما خطبها إلى أبيها، قال له: لا أزوّجك إلّا على كذا وكذا من الإبل، فذهب إلى أبيه فأعلمه بذلك، وشكا إليه ما يجده بها، فساق الإبل عنه إلى أخيه، فلمّا جاء بها عدّها عمّه فوجدها تنقص بعيرا، فقال: لا آخذها إلّا كاملة، فغضب أبوه، وحلف ألّا يزيده على ذلك شيئا. فرجع إلى الصّمّة، فقال له:
ما وراءك؟ فأخبره، فقال: تا لله ما رأيت قطّ الأم منكما جميعا، وإنّي لألأم منكما، إن أقمت بينكما، ثم ركب راحلته، ورحل إلى ثغر من الثّغور، فأقام به حتّى مات، يرحمنا الله وإياه.
__________
(1) الأغاني 6/ 6.
(2) ج. د: كان.
والخبر من الأغاني 6/ 7بتصرف.
(3) ح: فاسأل.
(4) ح د: لوجهه.
(5) من الأغاني 6/ 7إلى الأخير بتصرف.(1/316)
17 - أعشى همدان (1)
هو (2) عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جثم ينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان، يكنى ابا المصبّح (3) (وهو) شاعر فصيح، كوفي من شعراء الدولة الأموية، كان زوج أخت الشعبي التابعيّ الجليل، المضروب به المثل في الحفظ، وهو عامر بن شراحيل، وكان الشعبيّ زوج أخته، وكان هو أحد الفقهاء القراء، ثم ترك ذلك وقال الشّعر. يروى أنه أتى الشّعبيّ يوما فقال له: إني رأيت كأنّي أدخل بيتا فيه حنطة وشعير، وقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت الشعير، (4) (فقال له الشعبيّ: إن صدقت رؤياك تركت القرآن وقراءته، وقلت الشّعر)، فكان كما قال.
روي (5) أنه تعرّض ليزيد بن معاوية فحرمه، فمرّ بالنعمان بن بشير على حمص، وهو عامل عليها لابن الزّبير، فقال له النعمان: ما عندي شيء ولكن معي عشرون ألفا من أهل اليمن، فإن شئت سألتهم، قال: قد شئت، فصعد النعمان رضي الله عنه المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أعشى همدان وقال: إن أخاكم أعشى همدان قد أصابته حاجة ونزلت به جائحة، وقد عمد إليكم، فما ترون؟ قالوا:
دينار دينار، قال: لا، ولكن من اثنين دينار. قالوا: رضينا، قال: إن شئتم عجّلتها له من بيت المال من عطاياكم، وقاصصتكم إذا خرجت عطاياكم، قالوا: نعم، فأعطاه عشرة آلاف دينار، فقبضها الأعشى، ثم أنشأ يقول (6): (الطويل)
لم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان، نعمان الفتى ابن بشير
__________
(1) (83هـ) ترجمته في أسماء المغتالين 267265ومروج الذهب 3/ 155154والأغاني 6/ 6233والمؤتلف 15 14والأعلام 3/ 312.
(2) من الأغاني 6/ 3433بتصرف.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) الخبر في الأغاني 6/ 5049.
(6) في البيت الأول خرم وهو سقوط أول الوتد المجموع في أول البيت: فعولن تصبح عولن. أنظر القسطاس 3231.
والأبيات أول مقطعة في أربعة أبيات في مدح النعمان بن بشير، وهي في شعره 330والأغاني 6/ 50.(1/317)
إذا قال أوفى ما يقول ولم يقل ... ككاذبة الأقوام حبل غرور
متى أكفر النّعمان لم أك شاكرا ... ولا خير فيمن لم يكن بشكور
وكان (1) الحجّاج قد أغزاه بلد الدّيلم، ونواحي دستبى (2)، فأسر، فلم يزل أسيرا بيد الديلم (3) إلى أن هويته بنت العلج الذي أسره، فصارت إليه ليلا فأمكنته من نفسها، فأصبح وقد واقعها ثمان مرّات، فقالت: يا معشر المسلمين، أهكذا تفعلون بنسائكم؟ فقال لها: هكذا نفعل كلّنا، فقالت له: بهذا العمل نصرتم (4)، أفرأيت إن خلّصتك (5) أتصطفيني لنفسك؟ فقال لها: نعم، وعاهدها، فلما كان الليل حلّت قيوده، وأخذت به طريقا تعرفها حتى تخلصه، فقال شاعر من أسارى المسلمين (6): (الطويل)
فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان تفديها الغداة أيورها
وخرج (7) مع ابن الأشعث (8) فأتي به الحجاج في الأسرى، فأمر به فقتل صبرا، يرحمنا الله وإياه.
__________
(1) من الأغاني 6/ 3534بتصرف والخبر فى الفرج بعد الشدة 1/ 122.
(2) دستبى: كورة كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان وربما أضيفت إلى قزوين. معجم البلدان 2/ 454.
(3) ج: أسيرا بين أيديهم رلى.
(4) أنظر مثل هذه الحكاية وقعت للحكم بن عبدل في الوفيات 2/ 204.
(5) أد: تخلصتك.
(6) البيت في الأغاني 6/ 35والفرج بعد الشدة 1/ 122وشرح المقامات 2/ 250.
(7) الخبر مفصل في الأغاني 6/ 4645، 6258.
(8) هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أحد قواد الأمويين الدهاة، كان تابعا للحجاج يتولّى سجستان وبست وغيرهما فأمره الحجاج أن يتوغل في بلاد الترك ويفتحها فخلع طاعته وطاعة عبد الملك واستمرت الحرب بينهما طويلا إلى أن انهزم ابن الأشعث (85هـ) تاريخ الطبري 6/ 252249، 341334، 383366، 393389ومروج الذهب 3/ 132131، 159، 241، 306، 3/ 140، 148147والأعلام 1/ 333.(1/318)
18 - عبد الحميد الكاتب (1)
(2) هو ابن يحيى بن سعيد العامري الكاتب البليغ، يقال إنه كان في أول أمره يعلّم الصّبيان بالكوفة، ثم اتّصل بمروان بن محمد بن مروان بن الحكم، آخر ملوك بني أمية، قبل أن تصل إليه الخلافة، وصحبه، وانقطع إليه، فلما جاءه الخبر بالخلافة سجد مروان وأصحابه إلّا عبد الحميد، فقال له مروان: لم لم تسجد؟ فقال عبد الحميد: ولم؟ على أن كنت معنا فطرت عنّا (3) (بالخلافة)!؟ فقال: إذن تطير معي، فقال: إذن وجب السّجود، وسجد. وكان كاتب مروان طول خلافته، وهو أول من اتّخذ التحميدات في فصول الكتب، واستعمل في بعضها الإيجاز البليغ، وفي بعضها الإسهاب المفرط بحسب ما اقتضاه الحال، فمن الإيجاز أنّ بعض عمال مروان أهدى إليه عبدا أسود، فأمره بالإجابة ذامّا مختصرا، فكتب (4): «لو وجدت لونا شرا من السّواد وعددا أقلّ من الواحد لأهديته!» وقيل له (5): ما الذي مكّنك من البلاغة؟ فقال: حفظ كلام الأصلع، يعني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقيل له (6): أيّهما أحبّ إليك أخوك أم صديقك؟ فقال:
إنّما أحبّ أخي إذا كان صديقي، وقال: (7) «العلم شجرة وثمارها الألفاظ»، وكتب موصيّا بشخص (8): «حقّ موصّل كتابي عليك كحقّه عليّ إذ جعلك موضعا (9) لأمله، وقد رآني أهلا لحاجته، وقد أنجزت حاجته، فصدّق أمله».
__________
(1) (132هـ) ترجمته في الوزراء 8372ومروج الذهب 3/ 248وثمار القلوب 158155وشرح المقامات 2/ 187 والوفيات 3/ 232228وسرح العيون 241237وإدراك الأماني 22/ 196194وأمراء البيان 1/ 9838 والأعلام 3/ 290289.
(2) من الوفيات 3/ 229228بتصرف إلى قوله «لأهديته» وعنه نقل المؤلف، وانظر ذلك أيضا في سرح العيون 238237.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) القول في الوزارء 81وثمار القلوب 157واللطائف 36. ونسب هذا القول في العقد الفريد 4/ 156لمروان نفسه، ونسب في الأغاني 6/ 84لحماد الراوية مع صديق له.
(5) القول في الوزراء 82وثمار القلوب 156وسرح العيون 239.
(6) القول في بهجة المجالس 1/ 687وسرح العيون 239ونسب هذا القول إلى بزرجمهر في عيون الأخبار 3/ 6.
(7) القول في الوزراء 82وثمار القلوب 156والوفيات 3/ 228وسرح العيون 239.
(8) القول في الوفيات 3/ 229وسرح العيون 240.
(9) حاشية ج «صح عليك كحقه عليّ إذ رآك موضعا». أب ج د ش: إليك كحقه عليك إذ جعلك موضعا».(1/319)
وله شعر رائق فمنه (1): (الطويل)
كفى حزنا أنّي أرى من أحبّه ... قريبا ولا غير العيون تترجم
وأقسم لو أبصرتنا حين نلتقي ... ونحن سكوت خلتنا نتكلّم
ومنه (2): (المتقارب)
ترحّل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالزّائل
فلهفي على خلف قادم ... ولهفي على سلف راحل!
سأبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء مولّهة ثاكل
فتبكي من ابن لها قاطع ... وتبكي على ابن لها واصل
(3) ولمّا اشتدّ الطلب على مروان، وتتابعت هزائمه المشهورة، قال لعبد الحميد: إنّ القوم محتاجون إليك، وإنّ إعجابهم بك يدعوهم إلى حسن الظّنّ بك، فاستأمن إليهم، وأظهر الغدر بي، فلعلّك تنفعني في حياتي أو بعد مماتي في حرمي، فقال عبد الحميد (4): (الطويل)
أسرّ وفاء وأظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع النّاس ظاهره!
ثم قال: «يا أمير المؤمنين! إنّ الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك، وأقبحهما بي، ولكنّي أصبر حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. فلمّا قتل مراوان استخفى عبد الحميد، فغمز عليه بالجزيرة عند ابن المقفع، وكان صديقه (5)، وفاجأهما الطّلب وهما في بيت. فقال الذين دخلوا عليهما: أيكما عبد الحميد؟ فقال كلّ منهما: أنا، خوفا على صاحبه إلى أن عرف عبد الحميد، فأخذ وسلّمه أبو العباس السّفّاح إلى
__________
(1) البيتان في سرح العيون 241وإدراك الأماني 22/ 195وأمراء البيان 39.
(2) الأبيات في عيون الأخبار 2/ 322وتاريخ الطبري 6/ 182والوزراء 81وسرح العيون 241وإدراك الأماني 22/ 195.
(3) من سرح العيون 239238بتصرف إلى آخر الترجمة والخبر في عيون الأخبار 1/ 2726والعقد لفريد 1/ 79 والوزراء 79والمستجاد 194وثمار القلوب 157وشرح المقامات 2/ 187والوفيات 3/ 229والغيث المجسم 2/ 348347 (ط. العلمية).
(4) البيت في عيون الأخبار 1/ 27والعقد الفريد 1/ 79والوزراء 79ومروج الذهب 3/ 248والمستجاد 194وشرح المقامات 2/ 187والوفيات 3/ 229والغيث المجسم 2/ 348 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 22/ 195.
(5) كذا في أب ج د ش، والأولى أن تكون العبارة: استخفى عبد الحميد بالجزيرة عند ابن المقفع، وكان صديقه، فغمز عليه، وفاجأهما(1/320)
عبد الجبار (1)، صاحب شرطته، فكان يحمي له طستا ويعضه على رأسه إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، يرحمنا الله وإياه. وكان أبو جعفر المنصور يقول: غلبنا بنو أمية بثلاثة: الحجاج وعبد الحميد والمؤذّن البعلبكي (2)، وبالله تعالى التوفيق.
19 - بشار بن برد العقيلي (3)
هو ابن برجوخ (4)، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو خاء معجمة، العقيليّ بضم العين مولاهم، المرعّث (5)، بضم الميم وفتح الراء، وتشديد العين المهملة المفتوحة، وبعدها ثاء مثلثة، وهو الذي في أذنه رعاث (6)، وهو القرط، لأنه كان في أذنه وهو صغير قرط. يقال (7) إنه ولد على الرقّ فأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها. وذكر (8) له في الأغاني ستة وعشرين جدّا أسماؤهم كلّها أعجمية. كان يرى رأي الكامليّة (9) من اليهود وكان (10) أكمه، ولد أعمى جاحظ العينين، قد تغشّاهما لحم أحمر، وكان ضخما عظيم الخلق والوجه.
وهو في أول مرتبة المحدثين المجيدين من الشعراء. فمن بديع شعره (11):
(تام البسيط)
هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني
__________
(1) هو عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي أمير من الشجعان الأشداء الجبارين في صدر العهد العباسي (142هـ) الوزراء 79والوفيات 3/ 230والأعلام 3/ 275274.
(2) الموذن البعلبكي رجل كان يجيد الأذان ساحر الصوت. الوفيات 3/ 230والمستطرف 2/ 147.
(3) (168هـ) ترجمته في البيان 1/ 3224، 5049والشعر والشعراء 2/ 764761والكامل 3/ 193192 وطبقات ابن المعتز 3121والأغاني 3/ 250135، 6/ 253242وأمالي المرتضى 1/ 141137وتاريخ بغداد 7/ 118112والوفيات 1/ 271، 276، 428420ونكت الهميان 125وإدراك الأماني 22/ 14567.
(4) أب ج د ش: برجوخ، الأغاني 3/ 135والوفيات 1/ 271ونكت الهميان 125وإدراك الأماني 22/ 68: يرجوخ.
(5) الخبر في الأغاني 3/ 140.
(6) من الوفيات 1/ 274.
ج د: رعثة.
(7) الخبر في الأغاني 3/ 136والوفيات 1/ 272.
(8) من الوفيات 1/ 271والخبر في الأغاني 3/ 135.
(9) جاء في نكت الهميان 127 «وهم فرقة من الرافضة يتبعون رجلا كان يعرف بأبي كامل. كان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي بن أبي طالب وكفّر عليّ بن أبي طالب بتركه قتالهم وكان يلزمه قتالهم، كما لزمه قتال أصحاب الجمل وصفين. وانظر بعض ذلك في (اللسان والقاموس: كمل).
(10) من الوفيات 1/ 272.
(11) أول مقطوعة في أربعة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 4/ 237والبيت في الوفيات 1/ 272.(1/321)
وقوله (1): (تام الخفيف)
أنا والله أشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشّاق
وقوله (2): (تام البسيط)
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وقوله (3): (تام الرمل)
إنّ في برديّ جسما ناحلا ... لو توكّأت عليه لانهدم
ختم الحبّ لها في كبدي ... موضع الخاتم من أهل الذّمم
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصّمت من لا ونعم
وقال يوما (4): ما زلت أجتهد، منذ سمعت قول امرئ القيس (5): (الطويل)
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي
حتّى قلت (6): (الطويل)
كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
__________
(1) من مقطوعة في خمسة أبيات في الغزل بصاحبته عبدة أولها:
عبد إنّي إليك بالأشواق ... لتلاق وكيف لي بالتّلاقي
وهي في ديوانه 4/ 137، ومنها ثلاثة أبيات في الأغاني 6/ 246والبيت في الوفيات 1/ 272.
(2) من مقطوعة في خمسة أبيات في الغزل أولها حسب طبقات ابن المعتز:
أمن تجنّي حبيب راح غضبانا ... أصبحت في سكرات الموت سكرانا
وأولها حسب الديوان هو البيت الوارد هنا، منها أربعة أبيات في طبقات ابن المعتز 28وثلاثة في الأغاني 3/ 238، 6/ 242، وديوانه 4/ 229228واثنان في أخبار أبي تمام 216وزهر الآداب 1/ 152والوفيات 1/ 272.
(3) من مقطوعة في خمسة أبيات في الغزل بعبدة أولها:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عنّي الكرى طيف ألم
وهي في ديوانه 4/ 188187والأغاني 3/ 151ومنها أربعة في الوفيات 1/ 422.
(4) من الأغاني 3/ 196بتصرف.
(5) قصيدة طويلة في الغزل والفخر ووصف فرسه والصيد مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهي في ديوانه 3927.
العنّاب: من الثمر الواحدة عنّابة وربّما سمي ثمر الأراك عنّابا. الحشف: اليابس الفاسد من التمر (اللسان: حشف، عنب).
(6) من قصيدة طويلة في مدح مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، مطلعها
جفا ودّه فازورّ أو ملّ صاحبه ... وأزرى به أن يزال يعاتبه
وهي في ديوانه 1/ 340325والبيت في الشعر والشعراء 2/ 763وطبقات ابن المعتز 26، 28والأغاني 3/ 142، 196والوفيات 1/ 421.(1/322)
ومن عجائبه قوله في صفة متاعه (1): (تام الكامل)
عجل الرّكوب إذا اعترته نافض ... وإذا أفاق فليس بالرّكّاب
وتراه بعد ثلاث عشرة قائما ... مثل المؤذّن شكّ يوم سحاب
ومن أعجب ما يحكى عنه ما ذكره ابن المعتز في طبقات الشعراء المحدثين (2) أن أمير المؤمنين المهديّ دخل حجرة بعض جواريه، على حين غفلة منها، فرآها تغستل، فلمّا رأته سترت متاعها بكفّيها، وكان أعظم من أن يشتملا عليه، فانثنت حتى توارى في عكن بطنها، فخرج وهو يقول:
نظرت عيني لحيني
ثم أرتج عليه، فقال: من بالباب من الشعراء؟ فقالوا: بشار، فأذن له فدخل، فقال له: أجز:
نظرت عيني لحيني
فقال بشار (3): (مجزوء الرمل)
... نظرا وافق شيني
سترت لمّا رأتني ... دونه بالراحتين
فضلت منه فضول ... تحت طيّ العكنتين
فقال له المهدي: قبّحك الله ويحك! أكنت ثالثنا؟ ثم ماذا؟ فقال:
فتمنّيت وقلبي ... للهوى في زفرتين
أنّني كنت عليه ... ساعة أو ساعتين
__________
(1) أول مقطعة في ثلاثة أبيات في المجون، وهي في ديوانه 1/ 388والبيت الثاني في الأغاني 3/ 202مع بيتين آخرين، والأول والثاني في خاص الخاص 108والثاني في الإعجاب 157.
(2) طبقات ابن المعتز 2423والخبر في الأغاني 3/ 231230وخاص الخاص 109108.
(3) أول مقطوعة في ستة أبيات في المجون وهي في ديوانه 4/ 228227.
العكن والأعكان جمع عكنة وهي الأطواء في البطن من السّمن وتعكّن الشيء إذا ركم بعضه على بعض وانثنى (اللسان: عكن).(1/323)
فضحك المهديّ، وأمر له بجائزة، فقال: يا أمير المؤمنين، أقنعت من هذه الصّفة بساعة أو ساعتين؟ قال: فبكم ويلك؟ قال: سنة أو سنتين. فقال: اخرج عنّي قبّحك الله (1)، (فخرج بالجائزة).
وأمر (2) عقبة بن سلم (3) بإحضار بشار بن برد وحماد عجرد (4) وأعشى باهلة (5) فلمّا أحضروا قال لهم: إنّه قد خطر ببالي البارحة مثل يتمثّله النّاس وهو: (6) «ذهب الحمار يطلب قرنين فجاء بلا أذنين» وإنّي أحبّ أن تخرجوه إلى الشّعر (7)، فمن أخرجه منكم فله خمسة آلاف درهم، وإن لم تفعلوا جلدتكم كلّكم خمس مائة، قال، فقال حماد: أجّلنا شهرا أيها الأمير، وقال الأعشى: أجّلنا أسبوعين قال، وبشار ساكت لا يتكلم، فقال له عقبة: مالك يا أعمى لا تتكلّم! أعمى الله قلبك! فقال: أصلح الله الأمير، قد حضرني شيء، فإن أمرت قلته. قال:
فقل، فقال (8): (تام السريع)
شطّ بسلمى عاجل البين ... وجاورت أسد بني القين
ورنّت النّفس لها رنّة ... كادت لها تنشقّ نصفين
يابنة من لا أشتهي ذكره ... أخشى عليه علق الشّين
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) من الأغاني 3/ 206205إلى آخر الخبر بتصرف.
(3) عقبة بن سلم من بني هناءة، أحد ولاة المنصور العباسي على البحرين والبصرة. جمهرة الأنساب 380ومجمع الأمثال 1/ 184.
(4) سيترجم له المؤلف برقم 20.
(5) هو عامر بن الحارث من شعراء المراثي الجاهليين. طبقات ابن سلام 1/ 203، 212210، والكامل 4/ 6664 والمؤتلف 14وجمهرة الأشعار 2/ 709والأعلام 3/ 250. ولا يعقل أن يجتمع بشار المتوفي سنة 168هـ بشاعر جاهلي، ولم أجد شاعرا عباسيا له نفس الإسم في المظان.
(6) مجمع الأمثال 1/ 286وهو من أمثال المولّدين وفيه: «فعاد مصلوم الأذنين» وجاء في اللسان (نعم): «ويقولون للذي يرجع خائبا: جاء كالنّعامة، لأن الأعراب يقولون إن النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها فجاءت بلا أذنين».
(7) أب ج ش: إلى شعر.
(8) مقطوعة في ستة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 4/ 222والأغاني 3/ 206205وأغلبها في ذيل الأمالي 107.
أسد بني القين: شجعانهم، وبنو القين من قضاعة، جمرة الأنساب 454. علق مصدر علق بالشيء وعلقه: نشب فيه
لزمه (اللسان: علق).(1/324)
والله لو ألقاك لا أتّقي ... عينا لقبّلتك ألفين
طالبتها ديني فراغت به ... وعلّقت قلبي مع الدّين
فصرت كالعير غدا طالبا ... قرنا فلم يرجع بأذنين
قال: فانصرف بشار بالجائزة.
(1) وجاء إليه فتى، فقال له: أنت بشار؟ فقال: نعم، فقال: إني آليت أن أدفع إليك مائتي دينار، وذلك أني عشقت امرأة، فكلّمتها، فلم تلتفت إليّ فهممت أن أتركها، فذكرت قولك (2): (تام الكامل)
لا يؤيسنّك من مخدّرة ... قول تغلّظه وإن جرحا
عسر النّساء إلى مياسرة ... والصّعب يمكن بعد ما جمحا
ثم دفعها إليه ومضى.
(3) وجاء إليه أبو الشمقمق الشاعر (4)، فشكا إليه الضّعف، وحلف له أن ليس عنده شيء، فقال له بشار: والله ما عندي شيء يغنيك، ولكن قم معي إلى عقبة بن سلم، فقام معه، فذكر له أبا الشمقمق وأدبه وثناءه وشكره فأمر له بخمس مائة درهم، فقال بشار يمدحه (5): (مجزوء الكامل)
يا واحد العرب الذي ... أمسى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر ... ما كان في الدنيا فقير
وأمر لبشار بألفي درهم، فقال له أبو الشمقمق: نفعتنا ونفعناك يا أبا معاذ، فجعل بشار يضحك.
__________
(1) الخبر في الأغاني 3/ 209وسرح العيون 472471والوفيات 1/ 426.
(2) من قصيدة في الغزل بسعدى مطلعها:
قاس الهموم تنل بها نجحا ... والليل إنّ وراءه صبحا
وهي في ديوانه 2/ 7772والبيتان في طبقات ابن المعتز 25والأغاني 3/ 241وسرح العيون 472والوفيات 1/ 426.
(3) من الأغاني 3/ 178بتصرف.
(4) هو مروان بن محمد شاعر عباسي هجاء ومرتزق خبيث اللسان ماجن (نحو 200هـ) الكامل 3/ 86ومعجم الشعراء 297وطبقات ابن المعتز 125والوفيات 6/ 335والأعلام 7/ 209.
(5) البيتان في مدح عقبة بن سلم في ديوانه 4/ 84والأغاني 3/ 178.(1/325)
ومن شعره البديع قوله في المشورة (1): (الطويل)
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي رافد للقوادم
وخلّ الهوينى للضّعيف ولا تكن ... نؤوما فإنّ الحرّ ليس بنائم
وأدن من القربى المقرّب نفسه ... ولا تشهد الشّورى امرءا غير كاتم
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها ... وما خير سيف لم يؤيّد بقائم
فإنّك لا تستطرد الهمّ بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
وبعضهم (2) ينسب هذه الأبيات لعنترة، وبعضهم (3) ينسبها للعجاج الأسدي (4). والصحيح أنّها لبشار، وعليه اقتصر صاحب الأغاني، وزاد: قال الأصمعي (5): فقلت لبشار: إني رأيت رجال الرأي يتعجّبون من رأيك في المشورة، فقال: أما علمت أن المشاور بين إحدى الحسنين: بين صواب يفوز بثمرته أو خطإ يشارك في مكروهه!؟ قال، فقلت: أنت والله أشعر في هذا الكلام منك في الشعر.
وقوله في يالعتاب (6): (الطويل)
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
__________
(1) د: عدة للقوادم.
والأبيات من قصيدة في مدح أبي جعفر المنصور وتحريضه على أبي مسلم الخراساني مطلعها:
أبا مسلم ما طول عيش بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم
وهي في ديوانه 4/ 194190، والأبيات في البيان 4/ 49والحيوان 3/ 68والأغاني 3/ 158157، 214وبهجة المجالس 1/ 452451والوفيات 1/ 272. ونكت الهميان 130.
الغلّ مفرد أغلال وهو جامعة توضع في العنق أو في اليد. قائم مفرد قوائم وهو مقبض السيف (اللسان: غلل، قوم).
(2) أنظر ذلك في الحيوان 3/ 67وبهجة المجالس 1/ 451، وهذه الأبيات غير واردة في ديوان عنترة والعجاج.
(3) أنظر ذلك في الحيوان 3/ 67وبهجة المجالس 1/ 451، وهذه الأبيات غير واردة في ديوان عنترة والعجاج.
(4) كذا في النسخ وبهجة المجالس، ولعل الصحيح السعدي بدل الأسدي، فالعجاج من بني سعد بن زيد مناة بن تميم. أنظر الشعر والشعراء 2/ 595وجمهرة الأنساب 215.
(5) الأغاني 3/ 158، 214والوفيات 1/ 423.
(6) من القصيدة التي سبق أن خرجناها في الصفحة 147الحاشية 6. والأبيات في طبقات ابن المعتز 27والأغاني 3/ 197وقراظة الذهب 118والوفيات 1/ 423.(1/326)
فعش واحدا أوصل أخاك فإنّه ... مقارف ذنب تارة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت، وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟!
وقوله (1) يهجو واصل بن عطاء المعتزلي (2)، وكان طويل العنق، يقال: إن عمرو ابن عبيد (3) نظر إليه من قبل أن يكلّمه، فقال: لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق! وكان يلقّب بالغزّال، لأنه كان يلزم الغزّالين ليعرف المتعفّفات من النساء فيجعل صدقته لهنّ (4): (تام البسيط)
ماذا منيت بغزّال له عنق ... كنقنق الدّوّ إن ولّى وإن مثلا
عنق الزّرافة ما بالي وبالكم ... تكفّرون رجالا أكفروا رجلا!
وكان (5) واصل هذا أحد الأعاجيب، وذلك أنه كان ألثغ قبيح اللّثغة في الراء، فكان يخلّص كلامه من الرّاء، ولا يفطن لذلك لاقتداره وسهولة ألفاظه ففي ذلك يقول شاعر من المعتزلة (6) يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الرّاء، على كثرة تردّدها في الكلام، وحتى كأنّها ليست فيه (7): (الطويل)
عليم بإبدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحقّ باطله
__________
(1) من الكامل 3/ 192بتصرف والخبر في الوفيات 6/ 1110.
(2) هو أحد أئمة المعتزلة المشهورين (181هـ) البيان 1/ 3314وأمالي المرتضى 1/ 169163والوفيات 6/ 117 والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم.
(3) هو أحد شيوخ المعتزلة وأحد الزهاد المشهورين (144هـ) عيون الأخبار 1/ 209، 2/ 142والمعارف 483482 وذكر المعتزلة 6968، 9190ومروج الذهب 3/ 303302، 4/ 2322وفضل الاعتزال 250242وأمالي المرتضى 1/ 171164، 178173وتاريخ بغداد 12/ 188166وشرح المقامات 1/ 253252والوفيات 3/ 462460والبداية والنهاية 10/ 8078وسير الأعلام 6/ 106104وميزان الاعتدال 3/ 280273وتهذيب التهذيب 7570وسترد أخباره في خاتمة الكتاب.
(4) البيتان في ديوانه 4/ 162والبيان 1/ 16والكامل 3/ 192والأغاني 3/ 145وأمالي المرتضى 1/ 139.
النّقنق: الظليم. الدّوّ: الفلاة الواسعة. مثل الشيء يمثل مثولا: قام منتصبا (اللسان: دوا، مثل، نقق).
(5) من الكامل 3/ 194193والخبر في الوفيات 6/ 7.
(6) هو أبو الطروق الضبيّ وهو من شعراء المعتزلة وكان هو الآخر ألثغ، البيان 1/ 36، 37ومعجم الشعراء 513والوفيات 6/ 7.
(7) البيت في الوفيات 6/ 7. وجاء في البيان 1/ 15أنه قاله في محمد بن شبيب المتكلم.(1/327)
وقال آخر (1): (تام البسيط)
ويجعل البرّ قمحا في تصرّفه ... وخالف الرّاء حتّى احتال للشّعر
ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر
وممّا يحكى (2) من كلامه، وقد ذكر بشارا: أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ، من يقتله! أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية (3) لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلّا سدوسيّا أو عقيليّا.
فقال: «هذا الأعمى»، ولم يقل بشارا ولا ابن برد ولا الضرير. وقال «من أخلاق الغالية»، ولم يقل المغيريّة (4) ولا المنصورية (5). وقال: «لبعثت» ولم يقل: لأرسلت (6)، وقال: «على مضجعه»، ولم يقل: على فراشه. وذكر «بني عقيل» لأن بشارا كان يتوالى إليهم، وذكر «بني سدوس» لأنه كان نازلا فيهم، واجتناب الحروف شديد.
وفد بشار على أمير المومنين المهدي وأنشده قصيدة يمدحه فيها منها (7): (الطويل)
إلى ملك من هاشم في نبوّة ... ومن حمير في الملك والعدد الدّثر
__________
(1) البيتان في البيان 1/ 2221وذكر المعتزلة 65وأمالي المرتضى 1/ 139والوفيات 6/ 8والوافي بالوفيات ج 27 (ميكرو فيلم) غير معزوين.
وخالف الرّاء حتى احتال للشّعر: أي أنه يختار من أسماء الشّعر ما ليس فيه الرّاء مثل: الجمّة وهي ما طال من الشّعر وغطّى الرأس. واللّمّة وهي ما ألمّ بالمنكب من الشعر، وزاد على الجمّة. والخصيلة أو الخصلة وهي ما اجتمع من الشعر في لفيفة، والمسيحة وهي ذؤابة الشّعر والهلب وهو الشّعر كلّه وقيل ما غلظ منه، فقه اللغة 9392 والمخصص 1/ 6962واللسان (جمم، خصل، لمم، مسح، هلب)
(2) من الكامل 3/ 194بتصرف والخبر في البيان 1/ 16والأغاني 3/ 146وأمالي المرتضى 1/ 140والوفيات 6/ 8.
(3) الغالية من الشيعة الذين غلوا في حقّ أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخلقية وحكموا فيهم بأحكام الألوهية وربّما شبّهوا الإله بالخلق. الملل والنحل 2/ 10.
(4) والمغيريّة فرقة من الشيعة، أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي كان مولى لخالد بن عبد الله القسري وادّعى الإمامة لنفسه ثم ادّعى النبوة وغلا غلوّا لا يعتقده عاقل. الحيوان 2/ 227ومفاتيح العلوم 20والملل والنحل 2/ 13.
(5) والمنصورية فرقة من الشيعة وتنسب إلى أبي منصور العجلي الذي زعم أنه عرج إلى السماء ورأى معبوده فمسح بيده رأسه وقال له: يا بني انزل فبلّغ عني ثم أهبطه إلى الأرض الحيوان 2/ 268والملل والنحل 2/ 1514.
(6) ب ج د ش: وأرسلت.
(7) من قصيدة طويلة مطلعها:
تجاللت عن فهر وعن جارتي فهر ... وودّعت نعمى بالسلام والبهجر
وهي في ديوانه 3/ 259245ومنها 13بيتا في الأغاني 3/ 243242والبيتان في نكت الهميان 125.
ومن حمير: يشير إلى أمّ المهدي لأنها من أصل حميري. أنظر جمهرة الأنساب 21.
الدّثر: الكثير، والعارض: الخدّ عارضا الوجه وعروضاه: جانباه. (اللسان: دثر، عرض).(1/328)
من المشترين الحمد تندى من النّدى
يداه ويندى عارضاه من العطر
فلم يحظ منه بشيء، فقال يهجوه (1): (تام السريع)
خليفة يزني بعمّاته ... يلعب بالدّبّوق والصّولجان
أبدلنا الله به غيره ... ودسّ موسى في حر الخيزران
والخيزران هذه جارية أمير المؤمنين المهدي، وهي أم هارون الرشيد وموسى الهادي، وهي إحدى الثلاث التي ولدت كلّ واحدة منهنّ خليفتين وهي من مولّدات المدينة، وقيل إنها بنت عبد العزيز بن طارقة من مولّدات الطائف وقيل إنها تيمية.
وقد كان (2) بشار أنشد هذين البيتين في حلقة يونس بن حبيب النحوي فسعي به إلى وزيره يعقوب بن داود (3)، وكان بشار قد هجاه بقوله (4):
(تام البسيط)
بني أميّة هبّوا طال نومكم ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين النّاي والعود
فدخل (5) الوزير يعقوب على المهدي وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الملحد الزنديق هجاك. قال: بماذا؟ قال: لا أطيق قوله. فأقسم عليه فكتبهما، فلما وقف عليهما كاد ينشقّ غيظا، فانحدر إلى البصرة، فلمّا بلغ البطيحة (6) سمع أذانا في
__________
(1) البيتان في ديوانه 4/ 229والأغاني 3/ 243والوفيات 1/ 427ونكت الهميان 125
والدّبّوق: لعبة يلعب بها الصبيان. الصولجان: عصا يعطف طرفها، يضرب بها الكرة على الدّوابّ. الحر بتخفيف الراء الفرج وأصله حرح (اللسان: حر، حرح، دبق، صلج).
موسى الهادي كان ولي العهد وهو ابن المهدي من جاريته الخيزران. تاريخ الطبري 8/ 121وجمهرة الأنساب 22.
(2) من الأغاني 3/ 243والوفيات 1/ 427والخبر في نكت الهميان 126125.
(3) هو كاتب المهدي ووزيره وقد آخاه (187هـ) رسالة الغفران 431والوفيات 7/ 269.
(4) من مقطوعة أولها
لا يأيسنّ فقير من غنّى أبدا ... بعد الذي نال يعقوب بن داود
وهي في ديوانه 3/ 91والبيتان في طبقات ابن المعتز 25والأغاني 3/ 245243، ورسالة الغفران 430، وأمالي المرتضى 1/ 141والوفيات 1/ 427ونكت الهميان 126.
(5) من الأغاني 3/ 244243والوفيات 1/ 427بتصرف والخبر في نكت الهميان 126.
(6) البطيحة ما بين واسط والبصرة وهو مستنقع مغيض ماء دجلة والفرات. معجم البلدان 1/ 451450و (اللسان: بطح).(1/329)
وقت ضحاء النهار، فقال: انظروا ما هذا؟ فإذا بشار سكران. فقال: يا زنديق، عجبت أن يكون فعل هذا غيرك، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة، وأنت سكران؟! فأمر بضربه، فضرب بالسياط بين يديه سبعين سوطا، تلف منها، فكان إذا ضرب سوطا، يقول: حسّ، وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع، فقال بعضهم: انظروا إلى زندقته كيف يقول حسّ، ولا يقول بسم الله، فقال بشار:
ويلك! أطعام هو فأسمّي الله عليه؟! فقال له آخر: أفلا قلت: الحمد لله؟، فقال:
أنعمة هي فأحمد الله عليها؟! وبان الموت فيه، فألقي في سفينة حتى مات سنة ثمان وستين ومائة. وقال في حالة ضرب الجلّاد له: ليت أبا الشمقمق (1) يراني حيث يقول (2): (مجزوء الرمل)
هلّلينه هلّلينه ... طعن قثّاة لتينه
إنّ بشّار بن برد ... تيس اعمى في سفينه
وفيه يقول حماد عجرد يهجوه (3): (الطويل)
لقد صار بشّار بصيرا بدبره ... وناظره بين الأنام ضرير
له مقلة عمياء واست بصيرة ... إلى الأير من تحت الثّياب تشير
على ودّه أنّ الحمير تنيكه ... وأنّ جميع العالمين حمير
__________
(1) سبق التعريف به في الصفحة 150الحاشية 4.
(2) البيتان في شعر أبي الشمقمق 151والأغاني 3/ 195وتمام المتون 273ونكت الهميان 126. والبيت الثاني في الأغاني 3/ 247ومحاضرات الأدباء 3/ 718والوفيات 1/ 427.
قثاة أي قثّاءة مفرد قثّاء وهو الخيار (اللسان: قثأ)
وجاء في الحيوان 2/ 150 «وتقول العرب: «ما هو إلا تيس في سفينة إذا أرادوا به الغباوة، وما هو إلا تيس، إذا أرادوا به نتن الريح».
(3) الأبيات في الأغاني 14/ 332ونكت الهميان 130والبيتان الأخيران في تمام المتون 273.(1/330)
20 - حماد عجرد (1)
قال الرياشيّ (2)، قال بشار بن برد: أهجى بيت هجي به أحد قول العبديّ، يعني حمادا (3): (الطويل)
نسبت إلى برد وأنت لغيره ... فهبك لبرد، نكت أمّك من برد؟
وكان يقول (4): قد تهيّأ لابن الفاعلة في هجائي بهذا البيت ما لم يتهيأ لجرير والفرزدق، وقد تهاجيا أربعين سنة.
وقال محمد بن داود بن الجراح (5): من عجيب الشعر قول حماد عجرد في أخذ العذرة (6)، ولم يسبق إليه (7): (المديد)
قد فتحنا الحصن بعد امتناع ... بمبيح فاتح للقلاع
ظفرت كفّي بتفريق شمل ... جاءني تفريقه باجتماع
وإذا شعبي وشعب حبيبي ... إنّما يلتام بعد انصداع
والله سبحانه وتعالى هو الموفّق للصواب.
__________
(1) هو حماد بن عمر الكوفي شاعر مجيد من طبقة بشار، وكان بينهما مهاجاة وهو من مخضرمي الدولتين. ولم يشتهر إلا في الدولة العباسية (161هـ) الشعر والشعراء 2/ 785783وطبقات ابن المعتز 7267والأغاني 14/ 381321والمؤتلف 157وأمالي المرتضى 1/ 134133والوفيات 2/ 214210ومعجم الأدباء 254 10/ 249وإدراك الأماني 22/ 184145.
(2) هو أبو الفضل العباس بن الفرج، عالم باللغة والشعر كثير الرواية (257هـ) أخبار النحويين البصريين 9389 وطبقات النحويين 9997.
(3) البيت في الأغاني 14/ 345327.
(4) القول في الأغاني 14/ 345وخاص الخاص 109إلى آخر الأبيات.
(5) كاتب كبير في عهد المقتدر قتل لتآمره مع عبد الله بن المعتز على خلع المقتدر، له كتاب الورقة في أخبار الشعراء (296هـ) تاريخ بغداد 5/ 255والوافي بالوفيات 3/ 6261والوفيات 3/ 354353والأعلام 6/ 120.
وليس هذا القول في كتاب الورقة المطبوع، كما لم يرد فيه أي ذكر لحماد عجر، ولا لشعره.
(6) العذرة: البكارة (اللسان: عذر)
(7) الأبيات في الأغاني 14/ 336قالها بعد دخوله بزوجته، وهي في خاص الخاص 109.(1/331)
21 - أبو المتاهية (1)
هو (2) إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، مولى عنزة، كان (3) لا يخلي شعره ممّا تقدّم من الأخبار والآثار، فينظم ذلك الكلام المنثور ويتناوله أقرب متناول (4)، ويسرقه أخفى سرقة، وهذا بعينه هو المسمى عند أرباب البلاغة بالعقد (5)، فمن ذلك قوله (6): (تام السريع)
يا عجبا للنّاس لو فكّروا ... وحاسبوا أنفسهم أبصروا
وعبروا الدّنيا إلى غيرها ... فإنّما الدّنيا لهم معبر
الخير ممّا ليس يخفى هو ال ... معروف والشّرّ هو المنكر
والموعد الموت وما بعده ال ... حشر، لذاك النّبأ الأكبر
لا فخر إلا فخر أهل التّقى ... غدا إذا ضمّهم المحشر
ليعلمنّ النّاس أن التّقى ... والبرّ كانا خير ما يذخر
عجبت للإنسان في فخره ... وهو غدا في قبره يقبر
ما بال من أوّله نطفة ... وجيفة آخره يفخر؟!
أصبح لا يملك تقديم ما ... يرجو ولا تأخير ما يحذر
وأصبح الأمر إلى غيره ... في كلّ ما يقضى وما يقدر
__________
(1) (211هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 799795وطبقات ابن المعتز 234227ومروج الذهب / 320315 3، 359356، 458450والأغاني 4/ 1121والوفيات 1/ 226219والوافي بالوفيات 9/ 190185 وإدراك الأماني 21/ 862والأعلام 1/ 231.
(2) من الأغاني 4/ 1إلى قوله «مولى عنزة».
(3) من الكامل 2/ 1411بتصرف إلى قوله «ولا يدفع حتفه».
(4) د: تناول.
(5) انظر تعريفا للعقد وأمثلة عليه في حلية المحاضرة 2/ 9592والعمدة 2/ 294293والإيضاح 586584. وقد ألف الثعالبي كتابا في (نثر النظم وحل العقد) طبع بالمطبعة الأدبية بمصر سنة 1317هـ.
(6) الأبيات أول قصيدة في أشعاره 152151، منها ثلاثة أبيات في شرح المقامات 1/ 18وبيت في الكامل 2/ 14.(1/332)
فقوله: يا عجبا للناس إلخ: مأخوذ من قولهم: الفكرة مرآة تريك حسنك من قبيحك (1). ومن قول لقمان لابنه (2) يا بنيّ، لا ينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من أربعة أوقات: فوقت منها يناجي فيه ربّه، ووقت يحاسب فيه نفسه، ووقت يكسب فيه لمعاشه، ووقت يخلّي فيه بين نفسه وبين لذّتها، ليستعين بذلك على سائر الأوقات.
وقوله: وعبروا الدنيا البيت مأخوذ من قول الحسن البصري: اجعل الدنيا كالقنطرة تجوز عليها ولا تعمرها.
وقوله: وعبروا الدنيا البيت مأخوذ من قول الحسن البصري: اجعل الدنيا كالقنطرة تجوز عليها ولا تعمرها.
وقوله: الخير مما ليس إلخ: مأخوذ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (3) (يا عبد الله، كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأمانتهم وصاروا هكذا، وشبّك بين أصابعه، فقلت: مرني، فقال: «خذ ما عرفت، ودع ما أنكرت، وعليك بخويصّة نفسك وإياك وعوامّها».
قوله صلّى الله عليه وسلم: في حثالة من الناس، الحثالة: ما يبقى (4) في الإناء من رديّ الطعام، وضربه مثلا. وقوله عليه الصلاة والسلام: مرجت عهودهم، يقول (5):
اختلطت وذهبت بهم كلّ مذهب. يقال مرج الماء إذا سال، فلم يكن له مانع، قال تعالى (6) {«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ»}.
__________
(1) د: حسنه من قبيحه. وهو غلط.
(2) القول في الكامل 2/ 12وبهجة المجالس 1/ 116.
(3) سنن ابن ماجة 2/ 13081307ونثر الدر 1/ 196واللسان (مرج)
مرج العهود: اضطرابها وقلة الوفاء بها (اللسان: مرج).
(4) ج د: بقي.
(5) ج: يقال، وهو غلط.
(6) سورة الرحمان 55/ 19.(1/333)
وقول أبي العتاهية: ليعلمنّ الناس البيت، مأخوذ من قول أبي هريرة رضي الله عنه، عنه صلّى الله عليه وسلم قال (1): «إذا حشر النّاس في صعيد واحد نادى مناد من قبل العرش: ليعلمنّ أهل الموقف من أهل الكرم اليوم؟ ليقم المتّقون (2)» ثم تلا عليه الصلاة والسلام (3): {«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللََّهِ أَتْقََاكُمْ»}.
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (4): ولو قال قائل إنّ أقرب ما أخذ منه أبو العتاهية قوله: ليعلمن الناس أنّ التّقى. الخ قول الخليل بن أحمد (5):
(تام الكامل)
والناس همّهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال
وإذا افتقرت إلى الذّخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
لكان قد قال قولا.
وقوله: (6) ما بال من أوّله نطفة البيت مأخوذ من قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: «ما لابن آدم والفخر! وإنما أوّله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه».
ومن أمثال أبي العتاهية السائرة ما أنشده له أبو منصور (7) (عبد الملك
__________
(1) الحديث في الكامل 2/ 13.
(2) الكامل 2/ 13: ليقم المتقون أب ج د ش: لنعم المتقون.
(3) سورة الحجرات 49/ 13.
(4) الكامل 2/ 1514.
(5) البيتان للأخطل من قصيدة في المدح. مطلعها:
لمن الديار بحائل فوعال ... درست وغيّرها سنون خوالي؟
وهي في شعره 1/ 147136. ونسب البيت الثاني في الكامل 2/ 14والأغاني 8/ 310للخليل بن أحمد الفراهيدي، ونسب في الوفيات 2/ 248للأخطل، وجاء في الوفيات: «إن الخليل كان ينشد كثيرا هذا البيت، وهو للأخطل» ومثل ذلك في سير الأعلام 7/ 430، ولعل هذا هو السبب في نسبة البيت للخليل. والبيت غير منسوب في العقد الفريد 5/ 63، 482.
(6) من الكامل 2/ 13، 14.
(7) ما بين القوسين ساقط من ش.(1/334)
ابن محمد (1) الثعالبي في كتاب (2) غاية الإيجاز ونهاية الإعجاز (3) وهو قوله (4): (مجزوء الرمل)
لو رأى الناس نبيّا ... سائلا ما رحموه
أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه
فإذا احتجت إليه ... ساعة مجّك فوه
قال (5) ومن غرر قوله في الغزل (6): (مجزوء الكامل)
أعلمت عتبة أنني ... منها على شرف مطلّ
وشكوت ما ألقى إلي ... ها والمدامع تستهلّ
حتى إذا برمت بما ... أشكو وما يشكو الأذلّ
قالت: فأيّ النّاس يع ... لم ما تقول؟ فقلت كلّ
قال: قال ابن المعتز (7): أجمع أهل الأدب علي أنّهم لم يسمعوا قافية أحقّ بمكانها من قوله: فقلت كلّ.
__________
(1) أب ج د: محمد بن عبد الملك، وهو غلط، والتصحيح من دمية القصر 2/ 966والذخيرة 4/ 2/ 583560ونزهة الألباء 365والوفيات 3/ 180178.
(2) ش: كتابه.
(3) طبع هذا الكتاب باسم الإعجاز والإيجاز. والخبر فيه 161.
(4) من قصيدة في الأمثال والحكم أولها:
يسلم المرء أخوه ... للمنايا وأبوه
وهي في أشعاره 424421، ومنها ستة أبيات في عيون الأخبار 3/ 195194.
(5) من الإعجاز 161.
(6) ج: وما أشكو الأذل.
والأبيات أول مقطعة من خمسة أبيات في أشعاره 599598والأبيات في طبقات ابن المعتز 228والإعجاز 161 والوفيات 1/ 219والوافي بالوفيات 9/ 185.
(7) طبقات ابن المعتز 229228والقول في الاعجاز 161.(1/335)
وقال (1) إسحاق بن إبراهيم الموصلي (2): أنشدني ابن مخلد (3)
لأبي العتاهية (4):
ما إن يطيب لذي الرّعاية لل ... أيّام لا لعب ولا لهو
إذ كان يطرب في مسرّته ... فيموت من أجزائه جزو
فقلت ما أحسنهما! فقال: أهكذا (5) (تقول). والله إنهما روحانيان يظهران ما بين السماء والأرض.
وكان (6) الجاحظ يقول: إن في قول أبي العتاهية: (7) (مزدوج الرجز)
إنّ الشباب حجّة التّصابي
روائح الجنّة في الشّباب
معنى كمعنى الطرب الذي تعرفه القلوب وتعجز عن وصفه الألسن.
وقال الجاحظ: (8) دخلت يوما على أبي إسحاق النظام (9)، وفي يده قدح دواء يريد أن يشربه، وهو يتكرّهه، ويعبس له وجهه، فقال لي: يا أبا عثمان صدق والله صديقك، يعني أبا العتاهية في قوله (10):
أصبحت في دار بليّات ... أدفع آفات بافات
__________
(1) من خاص الخاس 110109إلى آخر الأبيات الأربعة في مدح المهدي والقول في الإعجاز 160.
(2) سترد ترجمته برقم 35في هذا الكتاب.
(3) هو الحسن ابن مخلد بن الجراح، أبو محمد وزير من الكتاب له علم بالأدب، كان يتولى ديوان الضياع للمتوكل، واستوزره المعتمد على الله سنة 263هـ، وقد حبسه ابن طولون بأنطاكية فمات بها سنة 269هـ. الوزراء للصابي 82، 284والتاريخ الكبير 4/ 250249والأعلام 2/ 223.
(4) د: لا لهو ولا لعب، وهو غلط.
والبيتان من مقطعة في ستة أبيات في الاستعبار أولها:
نام الخليّ لأنه خلو ... عمّن يؤرّق عينه الشّجو
وهي في أشعاره 429، والبيتان في الأغاني 4/ 57وخاص الخاص 40والإعجاز 160وسرح العيون 460.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج.
(6) د: وكما أن، وهو غلط.
(7) من أرجوزته المزدوجة المعروفة بذات الأمثال وأولها:
الحمد لله على تقريره ... وحسن ما صرّف من أموره
وهي في أشعاره 465444وانظر الأغاني 4/ 3736وخاص الخاص 110والإعجاز 160.
(8) الخبر في خاص الخاص 110.
(9) هو إبراهيم بن سيار المعروف بالنظام من أئمة المعتزلة وهو صاحب فرقة النظامية (231هـ). الفرق بين الفرق 141131وأمالي المرتضى 1/ 189187والأعلام 1/ 43.
(10) البيت في أشعاره 511وخاص الخاص 110.(1/336)
ويقال إنّ أمدح شعر لخليفة قوله لأمير المؤمنين المهدي (1): (تام المتقارب)
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات النّفوس ... لما قبل الله أعمالها
وكان (2) أبو العتاهية يهوى امرأة نائحة من أهل الحيرة ذات حسن وجمال يقال لها سعدى، وكان عبد الله بن معن بن زائدة (3) المكنّى بأبي الفضل يهواها أيضا، وكانت مولاة لهم، فاتّهمها أبو العتاهية بالنّساء، فقال فيها: (4) (الطويل)
ألا يا ذوات السّحق في الغرب والشّرق ... أفقن فإنّ النّيك أشفى من السّحق
أراكنّ ترقعن الخروق بمثلها ... وأيّ لبيب يرقع الخرق بالخرق؟!
وهل يصلح المهراس إلّا بعوده ... إذا احتيج منه ذات يوم إلى الدّقّ
وفي ابن معن هذا يقول أبو العتاهية يهجوه: (5) (الهزج)
أرى قومك أبطالا ... وقد أصبحت بطّالا
فصغ ما كنت حلّيت ... به سيفك خلخالا
فما تصنع بالسّيف ... إذا لم تك قتّالا
__________
(1) من قصيدة مطلعها:
ألا ما لسيّدتي ما لها ... أدلا فأحمل إدلالها
وهي في أشعاره 613609. والأبيات في الأغاني 4/ 3433وخاص الخاص 110والإعجاز 162والوفيات 1/ 222221والوافي بالوفيات 9/ 188187والأبيات الثلاثة الأولى في الشعر والشعراء 2/ 798والمنتحل 254.
بنات النفوس: كناية عن النيات والمقاصد وأفكار الناس.
(2) من الأغاني 4/ 24إلى آخر الأبيات الأربعة التالية.
(3) هو أحد الشجعان الفصحاء الأجواد أيام بني أمية وبني العباس وهو ابن عم يزيد بن مزيد الشيباني قائد الرشيد المشهور انظر الوفيات 5/ 244، 6/ 333332.
(4) د: الشرق والغرب.
والأبيات في أشعاره 589588والأغاني 4/ 24، 15/ 278.
السّحق هو حكّ المرأة فرجها بفرج مثلها. (تاج العروس: كسس)
(5) من مقطعة في ثمانية أبيات قالها في هجاء عبد الله بن معن لما هدده إذا تعرّض لمولاته سعدى، مطلعها:
ألا قل لابن معن ذا الذي في الودّ قد حالا
وهي في أشعاره 608607والأغاني 4/ 24، 15/ 279وبعضها في التمثيل 291والغيث المسجم 1/ 228 (ط. العلمية).(1/337)
قال عبد الله بن معن: فوا لله ما تقلّدت سيفا بعد ذلك فلمحني إنسان إلّا قلت يحفظ الأبيات فينظر إليّ. وفيه يقول أيضا يهجوه (1): (تام السريع)
يا صاحبي رحلي لا تكثرا ... في شتم عبد الله من عذلي
سبحان من خصّ ابن معن بما ... أرى به من قلّة العقل
قال ابن معن، وجلا نفسه ... على من الجلوة يا أهلي؟
أنا فتاة الحيّ من وائل ... في الشّرف الشّامخ والنّبل
ما في بني شيبان أهل الحجا ... جارية واحدة مثلي
ويلي ويا لهفي على أمرد ... يلصق منه القرط بالحجل (2)
صافحته يوما على خلوة ... فقال: دع كفّي وخذ رجلي
أخت بني شيبان مرّت بنا ... ممشوطة كورا على بغل
تكنى أبا الفضل ويا من رأى ... جارية تكنى أبا الفضل
قد نقّطت في وجهها نقّطة ... مخافة العين من الكحل
إن زرتموها قال حجابها ... نحن عن الزّوّار في شغل
مولاتنا مشغولة عندها ... بعل ولا إذن على البعل
يا بنت معن الخير لا تجهلي ... وأين إقصار عن الجهل
أتجلد الناس وأنت امرؤ ... تجلد في الدّبر وفي القبل
ما ينبغي للنّاس أن ينسبوا ... من كان ذا جود إلى البخل
ما قلت هذا فيك إلّا وقد ... جفّت به الأقلام من قبلي
__________
(1) أول قصيدة في أشعاره 622620، والأبيات في الأغاني 4/ 2322، 15/ 281280، والأبيات: الأول والثالث والرابع والتاسع والعاشر في العقد الفريد 5/ 304. وخبر ذلك في الأغاني 15/ 280.
جلا العروس على بعلها جلوة: عرضها عليه مجلوّة (القاموس: جلا)
(2) أج د ش: يلصق منه. (منه) غلط والتصحيح من ب والأغاني فيما سب.
الحجل والحجل: الخلخال. الكور: الرّحل (القاموس: حجل، كور).(1/338)
فبعث (1) إليه عبد الله بن معن، فأتي به، فدعا بغلمان له ثم أمرهم أن يرتكبوا منه الفاحشة، وقاله: قد جزيتك على قولك فيّ، فهل لك في الصلح، ومعه مركب وعشرة آلاف درهم أو تقيم على الحرب؟ قال: بل الصلح أصلح. قال:
فأسمعني ما تقول في الصلح، فقال (2): (مجزوء الرمل)
ما لعذّالي ومالي ... أمروني بالضّلال
عذلوني في اغتفاري ... لابن معن واحتمالي
إن يكن ما كان منه ... فبجرمي وفعالي
أنا منه كنت أسوا ... عشرة في كلّ حال
قل لمن يعجب من حس ... ن رجوعي ومقالي:
ربّ ودّ بعد صدّ ... وهوى بعد تقالي
قد رأينا ذا كثيرا ... جاريا بين الرّجال
إنّما كانت يميني ... لطمت منّي شمالي
ومن شعره أيضا قوله: يمدح موسى الهادي ابن أمير المؤمنين المهدي ابن أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور رحمهم الله (3): (مجزوء الكامل)
لهفي على الزّمن القصير ... بين الخورنق والسّدير
إذ نحن في غرف الجنا ... ن نعوم في بحر السّرور
في فتية ملكوا عنا ... ن الدّهر أمثال الصّقور
ما منهم إلّا الجسو ... ر على الهوى غير الحصور
__________
(1) الخبر في الأغاني 4/ 23.
(2) أول قصيدة في أشعاره 624622، والأبيات في الأغاني 4/ 23، 26، 15/ 282.
(3) القصيدة في أشعاره 546544والأغاني 4/ 6260.
الخورنق والسدير من أشهر قصور العراق، بناهما شخص اسمه سنمّار للنعمان بن قيس الأكبر. انظر مسالك الأبصار 1/ 230واللسان: (خرنق: سدر). الحصور: الضيّق الصّدر، العييّ في المنطق (اللسان: حصر).(1/339)
يتعاورون مدامة ... صهباء من حلب العصير
عذراء ربّاها شعا ... ع الشمس في حرّ الهجير
لم تدن من نار ولم ... يعلق بها وضر القدور (1)
ومقرطق يمشي أما ... م القوم كالرّشإ الغرير
بزجاجة تستخرج السّرّ ... الدّفين من الضّمير
زهراء مثل الكوكب الدّ ... رّيّ في كفّ المدير
تدع الكريم وليس يد ... ري ما قبيل من دبير (2)
ومخدّرات زرننا ... بعد الهدوّ من الخدور
ريّا روادفهنّ يل ... بسن الخواتم في الخصور (3)
غرّ الوجوه محجّبا ... ت قاصرات الطّرف حور
متنعّمات في النّعي ... م، مضمّخات بالعبير
يرفلن في حلل المحا ... سن والمجاسد والحرير (4)
ما إن يرين الشمس إلّا ... الفرط من خلل السّتور (5)
وإلى أمين الله مه ... ربنا من الدهر العثور (6)
وإليه أتعبنا المطا ... يا بالرّواح وبالبكور
صعر الخدود كأنّما ... جنّحن أجنحة النّسور (7)
__________
(1) الوضر: الدّرن والدّسم المقرطق أي يلبس قرطقا أي قباء. قرطقه ألبسه القرطق (اللسان والتاج: قرطق، وضر).
(2) ليس يدري ما قبيل من دبير أي لا يعرف الأمر مقبلا ولا مدبرا أي ما يدرى شيئا.
المخدّرة: البنت التي تلزم خدر البيت. الهدوّ: يريد الهدوء، وأتانا بعد هدء وهدء وهدأة أي بعد هزيع من الليل (اللسان، خدر، دبر، قبل، هدأ).
(3) ريا: مؤنث ريّان من روي بالماء، قاصرات الطّرف إشارة إلى قوله تعالي: {«وَعِنْدَهُمْ قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ عِينٌ»} الصافات 37/ 48. وامرأة قاصرة الطرف: لا تمدّه إلى غير بعلها. حور جمع حوراء والحوراء المرأة الشديدة بياض بياض عينيها وسواد سوادهما.
(4) المجاسد: جمع مجسد وهو ثوب مصبوغ بالزعفران.
(5) أج د ش: القرط، وهو غلط.
(6) أج د ش: الغيور وهو غلط.
(7) صعر الخدود: أي مائلات الخدود من النشاط. والصّعر: التكبّر (اللسان: صعر).(1/340)
متسربلات بالظّلا ... م على السّهولة والوعور
حتى وصلن بنا إلى ... ربّ المدائن والقصور
ما زال قبل فطامه ... في سنّ مكتهل كبير
ومن (1) جوامع كلمه وبدائع حكمه. قوله (2): (مجزوء الكامل)
يا ربّ أنت خلقتني ... وخلقت لي وخلقت منّي
سبحانك اللهمّ عا ... لم كلّ غيب مستكنّ (3)
مالي بشكرك طاقة ... يا سيدي إن لم تعنّي
وقال يخاطب أمير المؤمنين المهدي ويستعطفه (4):
ولقد تنسّمت الرّياح لحاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم
أشربت نفسي من رجائك ما له ... عنق يخبّ إليك بي ورسيم
ورميت نحو سماء جودك ناظري ... أرعى مخايل برقه وأشيم
ولربما استيأست ثم أقول: لا ... إنّ الذي ضمن النجاح كريم
ومن شعره (5): (تام الكامل)
قطّعت منك حبائل الآمال ... وحططت عن ظهر المطيّ رحالي
ووجدت برد اليأس بين جوانحي ... فأرحت من حلّ ومن ترحال
يا أيها البطر الذي هو من غد ... في قبره متمزّق الأوصال
حذف المنى عنه المشمّر في الهنى ... وأرى مناك طويلة الأذيال (6)
__________
(1) من خاص الخاص 111110والإعجاز 162.
(2) الأبيات في أشعاره 658وخاص الخاص 111110والإعجاز 162.
(3) د: عالم الغيب المستكن، وهو غلط.
(4) وهو يتنجّز بالأبيات ما وعده من تزويجه بعتبة وهي في أشعاره 631والأغاني 3/ 252251وثلاثة أبيات منها في الأغاني 3/ 254واثنان غير معزوين منها في عيون الأخبار 3/ 117.
العنق محرّكة سير مسبطرّ للإبل والدابة. والرّسيم من سير الإبل: سريع مؤثر في الأرض. شام السحاب والبرق شيما:
نظر إليه أين يقصد وأين يمطر. (اللسان: رسم، شيم، عنق)
(5) أول قصيدة طويلة قالها بعد أن ردّته عتبة حين كلّمها المهدي فيه، وهي في أشعاره 284280والأبيات في الأغاني 3/ 254، 4/ 1514.
(6) د: خذ المنى، وهو غلط. أج د ش: عند المشمر (عند) غلط.(1/341)
حيل ابن آدم في الأمور كثيرة ... والموت يقطع حيلة المحتال
قست السؤال فكان أعظم قيمة ... من نيل عارفة جرت بسؤال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال
وإذا خشيت تعذّرا في بلدة ... فاشدد يديك بعاجل التّرحال
واصبر على غير الزمان فإنّما ... فرج الشدائد مثل حلّ عقال
ومنه في ابن السماك الواعظ (1): (تام البسيط)
يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
كالملبس الثوب من عري وعورته ... للنّاس باديّة ما إن يواريها
وأعظم الإثم بعد الشّرك نعلمه ... في كلّ نفس عماها عن مساويها
عرفانها بعيوب النّاس يبصرها ... منهم ولا تبصر العيب الذي فيها
وقال في الحكمة والموعظة الحسنة (2): (مجزوء الكامل)
كن في أمورك ساكنا ... فالمرء يدرك في سكونه
والصّمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه
ربّ امرئ متيقّن ... غلب الشّقاء على يقينه
فأزلّه عن رأيه ... فابتاع دنياه بدينه
وقال (3):
خفّف على إخوانك المؤنا ... أولا فلست لهم إذن سكنا
__________
(1) هو أبو العباس محمد بن صبيح المذكّر مولى بني عجل المعروف بابن السماك، كان كوفيا زاهدا عابدا حسن الكلام صاحب مواعظ، حفظ كلامه وجمع، قدم بغداد زمن هارون الرشيد فمكث بها، ثم رجع إلى الكوفة فمات بها سنة 183هـ صفة الصفوة 3/ 177174واللباب في الأنساب 2/ 135والوفيات 4/ 302301والأبيات في أشعاره 425والأغاني 4/ 3534.
(2) من قصيدة في الحكم والأمثال مطلعها:
المرء نحو من خدينه ... فيما تكشّف من دفينه
وهي في أشعاره 404403والبيت الثاني مع آخر في البيان 1/ 197.
(3) ليست هذه الأبيات في أشعاره (ت شكري فيصل) ولا في ديوانه (ط. صادر) ولا في الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية.
والبيت الأول مع آخر في الأغاني 20/ 95معزوين لابن أبي عيينة، وهو محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة، وهو شاعر مطبوع ظريف غزل هجاء، وأكثر أشعاره في هجاء ابن عمه خالد، وكان من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة، وهو من معاصري مسلم بن الوليد ودعبل أنظر الأغاني 20/ 11874.(1/342)
لا تغترر بدنوّ ذي لطف ... يوما إليك وإن دنا ودنا
واعلم جزاك الله صالحة ... أنّ ابن آدم لم يزل أذنا
متصرّما شرس الطّباع له ... نفس تريه قبيحه حسنا
وقال سلم الخاسر (1) أشعر الجنّ والإنس كلّهم أبو العتاهية في قوله (2): (المديد)
سكن يبقى له سكن ... ما بهذا يؤذن الزّمن
نحن في دار يخبّرنا ... عن بلاها ناطق لسن
دار سوء لم يدم فرح ... لامرئ فيها ولا حزن
في سبيل الله أنّفسنا ... كلّنا بالموت مرتهن
كل نفس عند ميتتها ... حظّها من مالها الكفن
إنّ مال المرء ليس له ... منه إلّا ذكره الحسن
وقال (3): (الطويل)
كفاك عن الدّنيا الدّنيّة مخبرا ... غنى باخليها وافتقار كرامها
وأنّ رجال النّفع تحت مداسها ... وأنّ رجال الضّرّ فوق سنامها (4)
وأشعاره في القناعة والزهد وذم الدنيا والمواعظ والحكم كثيرة جدا. وقد جمع شعره فيها الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر (5) ورتّبها على حروف المعجم (6) رحمه الله وأرضاه.
__________
(1) هو سلم بن عمرو بن حماد المشهور بسلم الخاسر، شاعر مطبوع من شعراء الدولة العباسية (180هـ) الأغاني 19/ 287260ومعجم الأدباء 11/ 241236.
(2) أول قصيدة في الزهد في أشعاره 362361والأبيات في الأغاني 4/ 11.
(3) البيتان في أشعاره 645.
(4) ج: رجل الضر. (رجل) غلط.
(5) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المالكي من كبار حفّاظ الحديث، يقال له حافظ المغرب وهو صاحب الاستيعاب في معرفة الأصحاب وبهجة المجالس (463هـ). الوفيات 7/ 7266والمغرب في حلى المغرب 2/ 408407وتذكرة الحفاظ 3/ 11321128والديباج المذهب 357359.
(6) حققها الدكتور شكري فيصل وضمها إلى كتابه (أبو العتاهية أشعاره وأخباره) مطبعة جامعة دمشق 1384هـ / 1965م.(1/343)
وكانت وفاة (1) أبي العتاهية وإبراهيم الموصلي (2) وأبي عمرو الشيباني (3) في خلافة المامون وذلك في سنة عشر ومائتين (4) وقيل في سنة تسع. وعن محمد بن سعد (5) كاتب الواقدي (6): أنّ أبا العتاهية توفي يوم الإثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة (7) (ومائتين ودفن حيال قنطرة الزياتين في الجانب الغربي من بغداد)، حكى الأقوال الثلاثة في وفاته صاحب الأغاني (8).
وبالله تعالى التوفيق لا إله غيره.
22 - والبة بن الحباب الأسدي (9)
(10) يكنى أبا أسامة وهو أستاذ أبي نواس، عنه أخذ ومن بحره اغترف.
وكان ظريفا غزلا وصّافا للخمر والغلمان، وشعره في غير ذلك مقارب، وهاجى بشّارا وأبا العتاهية، فلم يصنع شيئا وفضحاه. قال (11) أمير المؤمنين المهديّ يوما
__________
(1) من الأغاني 4/ 111110إلى آخر الترجمة بتصرف.
(2) هو إبراهيم بن ماهان أو ميمون، أبو إسحاق النديم، كان أوحد زمانه في الغناء واختراع الألحان، شاعر من ندماء الخلفاء العباسيين (188هـ) الأغاني 5/ 258154والوفيات 1/ 4342والأعلام 1/ 5958وانظر ترجمة ابنه إسحاق في هذا الكتاب برقم 35.
(3) هو إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء من علماء النحو واللغة، كان عالما بأيام العرب جامعا لأشعارها (210هـ) طبقات النحويين 195194ونزهة الألباء 9693والوفيات 1/ 202201والأعلام 1/ 296.
(4) جاء في الوفيات 1/ 43 «مات إبراهيم الموصلي وأبو العتاهية الشاعر وأبو عمرو الشيباني النحوي في سنة ثلاث عشرة ومائتين في يوم واحد ببغداد».
(5) هو أبو عبد الله مؤرخ ثقة من حفّاظ الحديث ولد في البصرة وسكن بغداد وصحب الواقدي المؤرخ زمانا فكتب له وروى عنه فعرف بكاتب الواقدي أشهر كتبه (طبقات الصحابة) يعرف بطبقات ابن سعد (230هـ) تاريخ بغداد 5/ 322321والوافي بالوفيات 3/ 88وتهذيب التهذيب 9/ 183182والأعلام 6/ 137136.
(6) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي بالولاء المشهور بالواقدي من أقدم المؤرخين في الإسلام من كتبه (المغازي النبوية) و (فتح افريقية) و (فتح العجم) و (فتوح العراق) (207هـ) الوفيات 4/ 351348وتذكرة الحفاظ 1/ 348والأعلام 6/ 311.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(8) الأغاني 4/ 111110.
(9) (نحو 170هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 8986والوزراء للجهشياري 149والأغاني 18/ 10799وتاريخ بغداد 13/ 490487والفوات 4/ 248247والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم وإدراك الأماني 19/ 7065 والأعلام 8/ 109.
(10) من الأغاني 18/ 101100بتصرف إلى قوله: «على هذه الشريطة».
(11) الخبر في طبقات ابن المعتز 8988والعمدة 1/ 73والعمدة 1/ 73والفوات 4/ 247.(1/344)
لعمارة بن حمزة (1): من أرّقّ النّاس شعرا؟ قال: والبة بن الحباب الذي يقول (2):
(مجزوء الكامل)
ولها ولا ذنب لها ... حبّ كأطراف الرّماح
في القلب يقدح والحشا ... فالقلب مجروح النّواحي
فقال: صدقت والله، قال: ما يمنعك من منادمته يا أمير المؤمنين قال، قوله (3):
قلت لساقينا على خلوة ... أدن كذا رأسك من راسي
ونم على وجهك لي ساعة ... إنّي امرؤ أنكح جلّاسي
أفتريد أن أكون من جلّاسه على هذه الشريطة؟!
ومن أمثاله السائرة قوله (4): (تام المنسرح)
إن كان يجزى بالخير فاعله ... شرّا ويجزى القبيح بالحسن
فويل تالي القرآن في ظلم اللّ ... يل وطوبى لعابد الوثن
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) هو كاتب أبي جعفر المنصور ومولاه، وهو من أولاد عكرمة مولى ابن العباس، وكان بليغا فصيحا وكان المنصور وولده المهدي يقدّمانه، وولي لهما الأعمال الكبار، وله رسائل مجموعة (199هـ) معجم الأدباء 15/ 257242والوفيات 3/ 266، 4/ 3231والأعلام 5/ 3736.
(2) البيتان في طبقات ابن المعتز 208والأغاني 18/ 100والعمدة 1/ 73وعنوان المطربات 32والفوات 4/ 247 والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم.
(3) البيتان في طبقات ابن المعتز 89والوزراء للجهشياري 149والأغاني 18/ 100والعمدة 1/ 73والفوات 4/ 247 والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم.
(4) البيتان في خاص الخاص 114والمنتحل 194.(1/345)
23 - أبو نواس (1)
هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصّبّاح الحكميّ. كان جدّه (2) مولى الجرّاح ابن عبد الله الحكمي (3) والي خراسان فنسب إليه.
وهو أحد فحول الشعراء المبرّزين المجيدين في كل فن، المبدعين في كل مذهب وهو في أول مرتبة المولّدين. وهو عند أهل الأدب أشعر من مسلم بن الوليد (4) صريع الغواني.
حدث الحمادي (5) قال (6): حضرت مجلس (7) [عبيد الله بن] عبد الله ابن طاهر (8) وفيه أبو عبادة البحتري فقال له: يا أبا عبادة، من أشعر، مسلم أم أبو نواس؟ فقال: أيها الأمير، إنّ أبا نواس يتصرّف في كلّ طريق ويبدع (9) في كلّ مذهب، ومسلم يسلك طريقا لا يتعدّاه، ويلزم مذهبا لا يتخطّاه، فقال له: إنّ
__________
(1) (198هـ) ترجمته في أخبار أبي نواس لأبي هفان، والشعر والشعراء 2/ 830800وطبقات ابن المعتز 217193والأغاني 20/ 7360والموشح 444407وتاريخ بغداد 7/ 449436والتاريخ الكبير 4/ 280254ونزهة الألباء 8077وكامل ابن الأثير 6/ 295294والوفيات 2/ 10495وأخبار أبي نواس لابن منظور والوافي بالوفيات 12/ 290283والبداية والنهاية 10/ 235227وحياة الحيوان 1/ 91ومعاهد التنصيص 1/ 9883والنجوم الزاهرة 2/ 156والشذرات 1/ 347345وإدراك الأماني 23/ 125109.
(2) الخبر في تاريخ بغداد 7/ 437والتاريخ الكبير 4/ 254ونزهة الألباء 77والوفيات: 2/ 95
(3) هو أبو عقبة أمير خراسان وأحد الأشراف الشجعان دمشقي الأصل والمولد ولي البصرة للحجاج ثم خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز، ولاه يزيد بن عبد الملك أرمينية وأذربيجان، كان منصرفا إلى الغزو والفتح فاستشهد غازيا (112هـ) الكامل لابن الأثير 5/ 159والأعلام 2/ 115.
(4) سترد ترجمته برقم 27.
(5) أب ج د ش: الحميدي وهو غلط، والتصحيح من الكشف عن مساوئ شعر المتنبي 32والغيث المجسم 1/ 13. (ط.
العلمية)
والحمادي هو محمد بن يوسف، وهو من معاصري الصاحب بن عباد، حسب ما في الكشف عن مساوئ شعر المتنبي 32 والغيث المسجم 1/ 13. (ط. العلمية). ولم أعثر له على تعريف في المظان.
(6) الخبر في الكشف عن مساوئ شعر المتنبي 32والغيث المسجم 1/ 13 (ط العلمية) وورد الخبر في ديوان أبي نواس 13 (جمع حمزة بن الحسن الأصبهاني) وفيه: ابن الرومي عوض الحمادي رواي الخبر.
(7) زيادة من ديوان أبي نواس 13 (جمع حمزة الأصبهاني) والكشف عن مساوئ شعر المتنبي 32والغيث المجسم 1/ 13 (ط. العلمية).
(8) هو أمير ولي شرطة بغداد وكان مترسّلا شاعرا (300هـ) الأغاني 9/ 4840والوفيات 3/ 123120وأمّا عبد الله بن طاهر فهو أبوه، وهو أحد أمراء المامون الكبار اشتهر بجوده وبمدح الشعراء له (228هـ) الأغاني 12/ 112101والوفيات 3/ 8983.
(9) د: ويبتدع.(1/346)
ثعلبا (1) يوافقك على هذا، فقال: ليس هذا من علم ثعلب وأضرابه ممّن يحفظ الشّعر ولا يقوله. وإنما يعرف الشّعر من دفع إلى مضايقه. فقال: ورّيت (2) بقولك زنادي يا أبا عبادة، هكذا حكم أبو نواس وقد سئل عن جرير والفرزدق ففضّل جريرا فقيل له: إن أبا عبيدة (3) لا يوافقك على هذا. فقال: ليس هذا من علم أبي عبيدة إنّما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقه.
فمن عجيب شعر أبي نواس قوله في المديح (4): (تام البسيط)
وكّلت بالدّهر عينا غير غافلة ... بجود كفّك تأسو كلّ ما جرحا
قال (5) هارون بن علي بن يحيى المنجم (6): أجمع أهل العلم بالشّعر أنّ أجود بيت للمحدثين هذا البيت. وقال غيره: بل قوله في الفضل بن الربيع (7):
(تام السريع)
أنت على ما بك من قدرة ... فلست مثل الفضل بالواجد
وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
__________
(1) هو أحمد بن يحيى المشهور بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان راوية للشعر عالما بالأدب والحديث (291هـ) الوفيات 1/ 102وتذكرة الحفاظ 2/ 666.
(2) ورّيت النار توريّة: إذا استخرجتها وأوقدتها اللسان (ورى)، ووريت زنادي أي أضأت زنادي، انظر الزاهر 1/ 168 ويقصد بذلك أنه قوّى رأيه ودعمه.
(3) هو معمر بن المثنى من علماء البصرة في النحو واللغة والأدب، وكان مع معرفته ربما لم يقم البيت حتى يكسره (210هـ) مراتب النحويين 7977وطبقات النحويين 178175والوفيات 5/ 235.
(4) أش: بجود كفك. ب: من جود كفك ج. د: بكفّ جودك، وفيه غلط والبيت من قصيدة في مدح أبي العباس من آل الربيع، مطلعها:
قد عذّب الحبّ هذا القلب ما صلحا ... فلا تعدّن ذنبا أن يقال صحا
وهي في ديوانه 457456، والبيت في الإعجاز 163.
(5) من الإعجاز 163.
(6) هو أبو عبد الله البغدادي عالم بالأدب، له تصانيف منها (كتاب النساء) و (المختار في الأغاني) (288هـ). معجم الشعراء 486485والوفيات 6/ 7978والأعلام 8/ 6261.
(7) هو أحد المقربين لدى الرشيد، وكان بينه وبين البرامكة إحن وشحناء، ولما نكبوا تولّى بعدهم وزارة الرشيد والأمين (208هـ). معجم الشعراء 313312والوفيات 4/ 4037والأعلام 5/ 148.
والبيتان من مقطوعة في ستة أبيات أولها:
قولا لهارون إمام الهدى ... عند احتفال المجلس الحاشد
وهي في ديوانه 454والبيتان في الإعجاز 164163والبيت الثاني مع آخر في التاريخ الكبير 4/ 261.(1/347)
ومن غرره ونفائس درره قوله في محمد الأمين (1): (الطويل)
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ منّا بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
وقوله في الخصيب (2) يمدحه: (الطويل)
فتى يشتري حسن الثّناء بماله ... ويعلم أنّ الدائرات تدور
فما جازه جود ولا حلّ دونه ... ولكن يسير المجد حيث يسير
وقوله (3): (تام السريع)
يا قمرا أبصرت في مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
يبكي فيلقي الدّرّ من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
وكان (4) المامون (5) (رحمه الله) يقول: لو نطقت الدّنيا لما وصفت نفسها بأحسن من قول أبي نواس (6): (الطويل)
إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدّوّ في ثياب صديق
__________
(1) من مقطوعة في ستة أبيات أولها:
ملكت على طير السعادة واليمن ... وحزت إليك الملك مقتبل السّنّ
وهي في ديوانه 454والبيتان في أخبار أبي نواس لأبي هفان 115وسرقات أبي نواس 34ومروج الذهب 3/ 355 والوساطة 56والإعجاز 164وتاريخ بغداد 7/ 443والتاريخ الكبير 4/ 257والبيت الثاني في عيار الشعر 76.
(2) هو أبو نصر الخصيب بن عبد الحميد من عمّال العباسيين المشهورين كان يتولّى خراج مصر، فاشتهر بجوده فقصده الشعراء للمدح ومنهم أبو نواس انظر الوفيات 1/ 61، 137، 138والفوات 1/ 155، 4/ 252.
والبيتان من قصيدة مطلعها:
أجارة بيتنا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير
وهي في ديوانه 783480.
(3) أول مقطوعة في خمسة أبيات في الغزل في ديوانه 242والتاريخ الكبير 4/ 257ومنها أربعة أبيات في تاريخ بغداد 7/ 438والبداية والنهاية 10/ 228والبيتان في أخبار أبي نواس لأبي هفان 23/ 119والأغاني 20/ 68، 69وخاص الخاص 111ولطائف اللطفل 133132ونثر النظم 161، وأحسن ما سمعت 110والإعجاز 163، والغيث المسجم 1/ 443 (ط. العلمية).
(4) من خاص الخاص 11والإعجاز 162ونسب هذا القول في الشعر والشعراء 2/ 819للرشيد.
(5) زيادة في ج د.
(6) من مقطوعة في خمسة أبيات في الزهد أولها:
أيا ربّ وجه في التراب عتيق ... ويا ربّ حسن في التراب رفيق
وهي في ديوانه 621والبداية والنهاية 10/ 232وبعضها في حياة الحيوان 1/ 91والبيت في الشعر والشعراء 2/ 819والمنتحل 173وتاريخ بغداد 7/ 443والتاريخ الكبير 4/ 256، 257والوفيات 2/ 97. والغيث المسجم 2/ 338 (ط. العلمية) والشذرات 1/ 346.(1/348)
وممّا يجمع بين الإعجاب والظرف والإطراب قوله (1): (مجزوء الرجز)
أربعة مذهبة ... لكلّ همّ وحزن
تحيا بها عين ورو ... ح وفؤاد وبدن
الماء والبستان وال ... قهوة والوجه الحسن
ومن شعره البديع قوله (2): (الطويل)
ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جرّ الزّقاق على الثّرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم التّرحّل خامس
تروح علينا الرّاح في عسجديّة ... حبتها بأنواع التّصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدّريها بالقسيّ الفوارس
فللرّاح ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
وما (3) أحسن ما كتب به أبو الحسين ابن الجزّار (4) في يوم نوروز مضمّنا (5): (الطويل)
كتبت بها في يوم لهو وهامتي ... تمارس من أهواله ما تمارس
وعندي رجال للمجون ترجّلت ... عمائمهم عن هامهم والطيالس
__________
(1) مقطوعة في بيتين في الديوان، روايتهما:
أربعة يحيا بها ... قلب، وروح وبدن
الماء والبستان وال ... خمرة، والوجه الحسن
وهما في ديوانه 51. والأبيات الثلاثة في لطائف اللطف 133.
(2) أول قصيدة في ثمانية أبيات في ديوانه 37. والأبيات في طبقات ابن المعتز 206والوافي بالوفيات 12/ 188 والشذرات 1/ 346وإدراك الأماني 23/ 112111والأبيات الثلاثة الأخيرة في الشعر والشعراء 2/ 815والبيتان الأولان مع آخر في شرح الحماسة للمرزوقي 2/ 783والرابع والخامس في رسالة الغفران 400.
(3) من الوافي بالوفيات 12/ 289وهو في إدراك الأماني 23/ 112.
(4) هو عبد الله بن محمد الجزار عالم بالعربية من تلاميذ المبرد وثعلب (325هـ) إنباه الرواة 2/ 35وهو فيه الخراز) وتاريخ بغداد 10/ 132 (وفيه الخزاز) ونزهة الألباء 363 (وفيه الخراز أو الخزاز) وبغية الوعاة 2/ 55 (وفيه الخزاز) والأعلام 4/ 119 (وفيه الجزار).
(5) الأبيات في تاريخ بغداد 10/ 23والوافي بالوفيات 12/ 289وإدراك الأماني 23/ 112.(1/349)
فللرّاح ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
مساحب من جرّ الرّفاق على القفا ... وأضغاث أنطاع جنيّ ويابس
قال (1) [الشيخ] صلاح الدين الصفدي (2) رحمه الله: «لم أر لأحد مثل هذا التضمين (3) ولا هذا الاهتدام (4)، كيف نقل وصف الكاس المصوّرة إلى وصف الذين يتصافعون يوم النّوروز».
ومن أمثال أبي نواس السّائرة قوله (5): (المديد)
صار جدّا ما مزحت به ... ربّ جدّ جرّه اللّعب
وقوله (6): (الطويل)
كفى حزنا أنّ الجواد مقتّر ... عليه ولا معروف عند بخيل
وقوله (7): (المديد)
لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرّ من ثمره
__________
(1) زيادة في ج.
(2) الوافي بالوفيات 12/ 289.
(3) التضمين هو أن يضمّن الشعر شيئا من شعر شاعر آخر مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء، انظر العمدة 2/ 84/ 89والإيضاح 584580.
(4) الاهتدام افتعال من الهدم فكأنّه هدم البيت من الشعر تشبيها بهدم البيت من البناء وهو أن يأخذ الشاعر قسما من البيت ويهتدم باقيه فيأتي بالمعنى في غير اللفظ. العمدة 2/ 287وحلية المحاضرة 2/ 6564.
(5) من مقطعة في الأمثال أولها:
ما هوى إلا له سبب ... يبتدي منه وينشعب
وهي في ديوانه 239والبيت في الإعجاز 164.
(6) من قصيدة خمرية مطلعها:
وخيمة ناطور برأس منيفة ... تهمّ يدا من رامها بزليل
وهي في ديوانه 290289 (جمع حمزة الأصبهاني) وديوانه 178 (صادر) وهي في ديوانه 1716 (ت. الغزالي) وليس فيها البيت المذكور، وهو في طبقات ابن المعتز 216ضمن 13بيتا. وهو في أخبار أبي نواس لأبي هفان 135 وأخبار أبي نواس لابن منظور 2/ 34والمنتحل 109، 173.
الزّليل من زلّ يزلّ ويزلّ زلا وزليلا: زلق. همّ بالشيء يهمّ همّا: أراده وعزم عليه (اللسان: زلل: همم). ويريد بذلك صعوبة الوصول إلى خيمة الخمار لأنها في مكان عال وعر.
(7) من قصيدة في مدح العباس بن عبد الله الهاشمي مطلعها:
أيّها المنتاب عن عفره ... لست من ليلي ولا سمره
وهي في ديوانه 431427والبيت في الكامل 2/ 17والوساطة 56والإعجاز 164والمنتحل 173والوفيات 6/ 334والوافي بالوفيات 12/ 288.
المنتاب: من انتاب الرجل القوم إذا قصدهم وأتاهم مرة بعد مرة. والعفر من ليالي الشهر السابعة والثامنة والتاسعة، وهي بيض لبياض القمر. وحرّكها للضرورة الشعرية. (اللسان: عفر، نوب). ويقصد بذلك صديقا له خانه مع صاحبته ثم قصده للسّمر والحديث. والمعنى أيها المختلف إلينا من ليله للسمر والحديث، لست مني ولست منك، فليلي وسمري لا يشبه ليلك وسمرك، لما بين وفائي وغدرك من خلاف. انظر ديوان أبي نواس 427الحاشية 1.(1/350)
وقوله (1): (المديد)
فامض لا تمنن عليّ يدا ... منّك المعروف من كدره
وفي (2) هذا الشعر أبيات مختارة فمنها قوله: (3) (المديد)
وإذا مجّ القنا علقا ... وتراءى الموت في صوره
راح في ثنيي مفاضته ... أسد يدمى شبا ظفره
تتأيّى الطّير غدوته ... ثقة بالشّبع من جزره
فاسل عن نوء تؤمّله ... حسبك العباس من مطره
لا تغطّى منه مكرمة ... بربى واد، ولا خمره
ذلّلت تلك الفجاج له ... فهو مجتاز على بصره
كيف لا يدنيك من أمل ... من رسول الله من نفره
وهذا البيت قد عابوه عليه. قال (4) (المبرد): وهو لعمري كلام مستهجن موضوع في غير موضعه لأنّ حقّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يضاف إليه ولا يضاف إلى غيره. قال: ولو اتّسع متّسع فأجراه في باب الحيلة خرج على الاحتيال ولكنه عسر، موضوع في غير موضعه، وباب الاحتيال فيه أن تقول: قد يقول القائل من بني هاشم لغيره من أبناء قريش: منّا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحقّ هذا أنه من القبيل الذي أنه منه فقد أضافه إلى نفسه، وكذلك (5) يقول
__________
(1) من القصيدة السابقة، والبيت في الكامل 2/ 17.
(2) من الكامل 2/ 1817إلى قوله: «واحدا فواحدا».
(3) من القصيدة السابقة، والأبيات في الكامل 2/ 17والأبيات الثلاثة الأولى مع مطلع القصيدة وبيت آخر في الوفيات 6/ 335334.
مجّ الشيء: رماه ولفظه. العلق: الدم. المفاضة من الدروغ: الواسعة. شباة كل شيء: حدّ طرفه والجمع شبوات وشبا. تأيّا الشيء: تعمّد آيته أي شخصه ويقال تأييته إذا قصدته، والتأيّي: التنظّر والتّؤدة. والجزر كلّ ما يذبح والخمر بالتحريك: ما واراك من شجر (اللسان: أيا، جزر، خمر، شبا، علق، فيض، مج) ومعنى مجّ القنا علقا: أن الرماح سالت بالدم لكثرة القتلى، ويعني بقوله تتأيّى الطير غدوته أي أنها تنتظرها. والمقصود بالجزر هنا: قتلى الممدوح.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
والقول في الكامل 2/ 1817والموشح 431430.
(5) د: وكذا.(1/351)
القرشيّ لسائر العرب، كما قال حسان بن ثابت: (الطويل)
وما زال في الإسلام من آل هاشم ... دعائم عزّ لا ترام ومفخر (1)
بها ليل منهم جعفر وابن أمّه ... عليّ ومنهم أحمد المتخيّر
فقال: منهم. كما قال هذا: من نفره، أراد من النفر الذين العباس هذا الممدوح منهم.
وأمّا قول حسان: منهم جعفر وابن أمّه علي الخ فإنّ العرب إذا كان العطف بالواو (2) قدّمت وأخّرت. قال الله عز وجل (3): {«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كََافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»} وقال (4): {«يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»} وقال: (5) و {«اسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرََّاكِعِينَ»} ولو كان بثّمّ أو بالفاء لم يصلح إلّا بتقديم (6) المقدّم ثم الذي يليه واحدا فواحدا. انتهى المقصود منه بلفظه.
وممّن عاب على أبي نواس قوله:
كيف لا يدنيك من أمل إلخ.
القاضي عياض في الشّفا (7)، فإنه قد ذكره مع أشياء من هذا المعنى له ولغيره ثم بالغ في الرّدّ على قائلها والإنكار عليه وحكم بكفره، فنعوذ بالله من الخذلان وعثرات اللّسان.
__________
(1) ج د: من آل جعفر.
والبيتان من قصيدة في رثاء أهل مؤتة: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، مطلعها:
تاوبني ليل بيثرب أعسر ... وهمّ إذا ما نوّم القوم مسهر
وهي في ديوانه 224223والسيرة 2/ 385384والبيتان في الكامل 2/ 18.
البهاليل: جمع بهلول: السيد الجامع لكلّ خير. (القاموس: البهل).
(2) ج د: فإن العطف إذا كان بالواو قدمت
(3) سورة التغابن 64/ 2.
(4) سورة الأنعام 6/ 130.
(5) سورة آل عمران 3/ 43.
(6) ج د: تقديم.
(7) الشفا 2/ 243241.(1/352)
ومن شعر أبي نواس قوله (1): (تام الخفيف)
قيل لي أنت أحسن النّاس طرّا ... في فنون من المقال النبيه
لك من جيّد القريض مديح ... يثمر الدّرّ في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمّعن فيه
قلت: لا أستطيع مدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه
وابن موسى هذا الذي أشار إليه هو علي الرّضى بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
كان علي (2) هذا سيد بني هاشم في زمانه (3) وكان المامون يجلّه ويخضع له، حتى أنه جعله وليّ عهده من بعده (4)، وكتب إلى الآفاق بذلك، فثار بنو العباس لذلك وتألّموا (5) [له] وهو أحد الأئمة الإثني عشر. ومدحه (6) دعبل الخزاعي (7) فأعطاه ستمائة دينار وجبّة خزّ بذل له فيها أهل قمّ (8) ألف دينار فامتنع من بيعها وسافر فأرسلوا من قطع عليه الطريق وأخذ الجبّة، ورجع إلى قمّ فقالوا له: أمّا الجبّة فلا سبيل إليها ولكن هذه ألف دينار وأعطوه منها خرقة.
ولمّا (9) خرج أخوه زيد على المامون بالبصرة وفتك بأهلها أرسله إليه المامون ليردّه عن ذلك. فقال له: ويلك يا زيد، ما فعلت بالمسلمين بالبصرة؟! وتزعم
__________
(1) لم أعثر على هذه الأبيات في ديوانه (ت. الغزالي) ولا في ديوانه (جمع حمزة الأصبهاني) ولا في ديوانه (صادر) ولا في ديوانه (مكتبة الثقافة العربية) ولا في ديوانه (لمحمود كامل) والأبيات قالها لمّا لامه عمر إسماعيل بن علي النوبختي على عدم مدحه لعلي بن موسى برغم أنه ما ترك خمرا ولا طردا ولا غزلا ولا هجاء ولا مديحا إلا قال فيه، وهما في الوفيات 3/ 270وأخبار أبي نواس لابن منظور 74ومنهاج السنة 2/ 125والأئمة الإثني عشر 98وإدراك الأماني 23/ 113.
(2) ترجمته في تاريخ اليعقوبي 2/ 453448 (ط. دار بيروت) وتاريخ الطبري 8/ 554وزهر الآداب 1/ 92والوفيات 3/ 271269ومنهاج السنة 2/ 126125.
(3) د: زمنه.
(4) أنظر خبر ذلك في الكامل لابن الأثير 6/ 327326، 341.
(5) زيادة في د.
(6) الخبر في الأغاني 20/ 121120، 149148.
(7) سترد ترجمته برقم 34.
(8) قمّ: مدينة قرب أصبهان تعدّ مركز الشيعة ولا يوجد بها سنيّ قط معجم البلدان 4/ 296، 398397.
(9) الخبر في الوفيات 3/ 271.(1/353)
أنّك ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يعطي به (1). فبلغ ذلك المامون فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له المامون يوما (2): ما يقول بنو أبيك في العباس جدنا فقال: ما يقولون في رجل فرض الله طاعة نبيّه على خلقه وفرض طاعته على نبيّه. فأمر له بألف ألف درهم.
وكانت أمّه أمّ ولد نوبيّة، وكان هو شديد السّواد. دخل (3) الحمام يوما فبينما هو في مكان منه إذ دخل عليه جنديّ فأزاله عن مركزه وقال: صبّ على رأسي يا أسود، فصبّ على رأسه، فدخل من عرفه، فصاح بالجندي: هلكت وأهلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإمام المسلمين؟! فانثنى الجنديّ يقبّل رجليه ويقول له: هلّا عصيتني إذ أمرتك. فقال: إنّها مثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه. ثم قال (4): (تام الرمل)
ليس لي ذنب ولا ذنب لمن ... قال لي: يا عبد أو يا أسود
إنّما الذّنب لمن ألبسني ... ظلمة وهو سنا لا يحمد
يقال (5): أنّه أكل عنبا وأكثر منه فمات فجأة فاغتمّ المامون لذلك كثيرا ودفنه بطوس (6) عند قبر أبيه. وقيل: إنّه شقّ له قبر أبيه الرشيد ودفنه فيه. وكانت وفاته بطوس لتسع بقين من شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين. وولد بالمدينة المشرفة سنة ثمان وأربعين [ومائة] رحمه تعالى ورضي عنه وعن أسلافه الطاهرين.
__________
(1) يريد أنّ من انتسب إلى رسول الله، وعرف بذلك عليه أن يتصرّف على هذا الأساس، كما يتصرّف رسول الله وذلك بحفظ دماء المسلمين، فهو يلومه لأنه ينتسب إلى رسول الله ولا يفعل أفعاله.
(2) القول في الوفيات 3/ 471.
(3) الخبر في بدائع السلك 2/ 859.
(4) البيتان في إدراك الأماني 23/ 114وجاء في بدائع السلك 2/ 859على لسان علي الرّضا: «إنّما الذّنب على من وضع ماءه عند أمة سوداء، هلّا اختار».
(5) الخبر في الكامل لابن الأثير 6/ 351والوفيات 3/ 270.
(6) طوس: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور، نحو عشرة فراسخ، فتحت في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبها قبر علي بن موسى الرّضا، وبها أيضا قبر هارون الرشيد. معجم البلدان 4/ 5049.(1/354)
ولمّا (1) مرض أبو نواس (2) مرضه الذي مات (3) منه، دخل عليه محمد بن إبراهيم الكاتب (4) يعوده، ومعه صالح بن علي الهاشمي (5)، فقال له صالح بن علي: يا أبا نواس: تب إلى الله، فإنّك في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، وبينك وبين الله هنات. فقال:
أسندوني، فأسندوه. فقال: إيّاي تخوّف بالله؟ وقد حدّثني (6) حمّاد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال (7): «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» وقد حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله (8): «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو حسن الظنّ بالله، فإنّ حسن الظّنّ بالله ثمن الجنّة».
__________
(1) الخبر في تاريخ بغداد 1/ 397396وبهجة المجالس 2/ 375والتاريخ الكبير 4/ 255والوافي بالوفيات 12/ 285 والبداية والنهاية 10/ 228227.
(2) ج: ولما مضر أبا نواس، وفيه تحريف وغلط.
(3) ج د: توفي.
(4) لعله محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق أحد المقربين للمامون، ولّاه الواثق فارس وكان أحد قوّاد المعتصم (236هـ) تاريخ اليعقوبي 2/ 477، 488 (ط. دار بيروت) وتاريخ الطبري 9/ 57، 77، 85، 9893، 100، 101، 122، 136، 150، 183، 184.
والأرجح أنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي البابشامي نسب إلى نزوله بباب الشام من المحدثين الرواة، كان معاصرا لأبي نواس وقد روي عنه عن أبي نواس حديثان مسندان. أنظر تاريخ بغداد 1/ 397396 والتاريخ الكبير 4/ 255ولسان الميزان 5/ 23.
(5) كذا في أب ج د ش، هـ، و، وهذا غير ممكن لأن صالح بن علي الهاشمي توفي سنة 151هـ ولا يعقل أن يعود أبا نواس في مرض موته، وقد مات سنة 198هـ. أنظر تعريف صالح بن علي في الصفحة 798حاشية 6وقد يكون هناك شخص آخر له نفس الإسم. وجاء في تاريخ بغداد 1/ 396أن الذي عاد أبا نواس مع محمد بن إبراهيم الكاتب هو عيسى بن موسى، وعيسى بن موسى بن محمد بن علي هو أحد الأمراء الهاشميين ولّاه أبو العباس السفاح على الكوفة وسوادها وجعل الأمر من بعده لأبي جعفر المنصور ثم من بعد أبي جعفر لعيسى بن موسى، ولما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة خلع عيسى بن موسى وجعل ولاية العهد لابنه المهدي. أنظر تاريخ الطبري 7/ 423، 458، 473470، 490488، 590575، 600597، 649641، 8/ 259، 128121، 358.
(6) روى أبو نواس هذا الحديث أنظر أخباره لابن منظور 75، 81.
(7) سنن ابن ماجة 2/ 441وتاريخ بغداد 1/ 397396وبهجة المجالس 2/ 375والتاريخ الكبير 4/ 255، 279والبداية والنهاية 10/ 228، 234والمقاصد الحسنة 252.
(8) سنن ابن ماجة 2/ 1395والجامع الصحيح 4/ 625وتاريخ بغداد 1/ 396وبهجة المجالس 1/ 426، 2/ 244، 375 والتاريخ الكبير 4/ 255254والبداية والنهاية 10/ 227، 234.(1/355)
وقال (1) محمد بن يعقوب البزاز (2): كنت جارا لأبي نواس، فعدته في مرضه الذي مات فيه، ودخل طبيب نصرانيّ اسمه سعيد، فنظر إليه ووصف له دواء يعلّله به، ثم خرج وخرجت بخروجه، فغمزني وقال: مرهم لا يعذّبوه بالدّواء، فإنّه الساعة يموت، فرجعت إليه، فقال لي: سألتك بالله ما قال لك النّصرانيّ، فإني رأيته يغمزك؟ فقلت: ما عسى أن يقول لي! فقال: أقسمت عليك لما أخبرتني، فأخبرته، فرفع عينيه إلى السماء وسالت دموعه على خديه وقال (3):
(مجزوء الرجز)
يا ربّ إنّي لم أزل ... في مثل حال السّحره
حين استلاذوا بعرى الدّ ... ين وكانوا كفره
فآمنوا يوما ففا ... زوا بثواب البرره
ولم أزل مستشعر ال ... إيمان يا ذا المقدره
فاغفر فإنّي (بك) أو ... لى منهم بالمغفره (4)
(ثم مات) (5).
ورآه (6) بعض إخوانه بعد موته بأيام في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال:
غفر لي بأبيات قلتها، وهي الآن تحت وسادتي. فنظروا، فإذا برقعة تحت وسادته في بيته مكتوب فيها (7): (تام الكامل)
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
__________
(1) من بهجة المجالس 2/ 376إلى آخر الأبيات الخمسة، والخبر في أخبار أبي نواس لأبي هفان 47. وهو في التاريخ الكبير 4/ 278وفيه إسماعيل بن نوبخت عوض محمد بن يعقوب البزاز.
(2) أب ج د ش: البزار والتصحيح من بهجة المجالس.
(3) لم ترد هذه الأبيات في ديوانه (ت. الغزالي) ولا في ديوانه (جمع حمزة الأصبهاني) ولا في ديوانه (مكتبة الثقافة) ولا في ديوانه (صادر) ولا في ديوانه (محمود كامل). وهي في بهجة المجالس 2/ 376وإدراك الأماني 23/ 115.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(6) الخبر في تاريخ بغداد 7/ 649وبهجة المجالس 2/ 375والوفيات 103102.
(7) ج د: فيها مكتوب.
والأبيات في ديوانه 618وتاريخ بغداد 7/ 449وبهجة المجالس 2/ 376375والتاريخ الكبير 4/ 278ونزهة الألباء 80والوفيات 2/ 103والبداية والنهاية 10/ 234وحياة الحيوان 1/ 91والشذرات 1/ 347وإدراك الأماني 23/ 116.(1/356)
إن كان لا يرجوك إلّا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟
مالي إليك وسيلة إلّا الرّجا ... وجميل ظنّي ثمّ إنّي مسلم
يرحمنا الله وإياه وصلى الله على سيدنا (1) [ومولانا] محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
24 - الزانكي المعروف بالأخضر (2)
هو أبو يعقوب يوسف بن المغيرة حضر حلقة أبي نواس ببغداد وأنشده شيئا من شعره، فقال له أبو نواس: أرويت من شعري شيئا؟ (3) قال: لا. قال: ولم؟
(قال) (4): لأنّك كثير الإحالة غير متّسق الشعر. قال: وما ذاك ويلك؟ فذكر شيئا كثيرا من شعره عابه به فشتمه أبو نواس. وقام عن الحلقة.
(تام البسيط)
ومن شعر الزانكي المذكور (5):
ومستطيل على الصّهباء باكرها ... في فتية باصطباح الرّاح حذّاق
وكلّ شيء رآه ظنّه قدحا ... وكلّ شخص رآه ظنّه السّاقي
وبالله (6) [سبحانه] وتعالى التوفيق.
__________
(1) زيادة من ج د.
(2) لم أعثر له على ترجمة في المظان، ولعله يوسف بن المغيرة بن أبان، وهو شاعر مقلّ. أنظر الفهرست 189 (ط. فلوجل)
(3) ج د: أرويت شيئا من شعري.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) نسب البيتان في المختار من القطب 389إلى عبد الله بن المعتز ووردا أيضا في المختار 466دون نسبة. وليسا في شعر ابن المعتز (يونس السامرائي) ولا في ديوانه (ت. محمد بديع).
(6) زيادة في ج د.(1/357)
25 - ديك الجن (1)
هو عبد السلام بن رغبان بالراء المهملة والغين المعجمة وبعد الموحدة ألف ونون، الكلبي الحمصي. كذا ضبط الصفدي (2) اسم والده، ونقل أنه إنما لقّب بديك الجنّ لأنّه كان أزرق العين أشقر. وكان يصبغ حاجبيه بالزّنجار (3) وذقنه بالحناء.
أخذ عنه أبو تمام وغيره ولقي أبا نواس لما توجه إلى مصر. (4) (فكان ينبغي ذكر ترجمته بالقرب منه ولكنّي لم أتذكّره إلّا عند الخوض في ترجمة الذي قبله) وهو شاعر فصيح.
فمن محاسنه قوله من قصيدة وهي غرة شعره (5): (تام الوافر)
أبا عثمان معتبة وصبرا ... وشافي النّصح يعدل بالأشافي
إذا شجر المودّة لم تجده ... سماء البرّ أسرع في الجفاف
وقوله في غلام دخل الماء (6): (تام الخفيف)
رقّ حتى حسبته ورق الور ... د نديّا يرفّ بين الرّياح
ورد الماء ثم راح وقد أص ... دره الماء في غلالة راح
وقوله في بعض خمرياته (7):
وقام فكاد الكأس يخضب كفّه ... وتحسبه من وجنتيه استعارها
مشعشعة من كفّ ظبي كأنّما ... تناولها من خدّه فأدارها
__________
(1) لم ترد ترجمة ديك الجن في نسخة أفي هذا الموقع، وإنّما جاءت بعد ترجمة أبي علي البصير (رقم 68) وقد كتب صاحب صاحب الكوكب بعد ترجمة الزانكي ما يلي «هذا محل ترجمة ديك الجن على ما هو الصواب ثم العتابي».
وترجمة ديك الجن (235هـ) في الأغاني 14/ 6751والوفيات 3/ 184وحياة الحيوان 1/ 616وإدراك الأماني 11/ 209والأعلام 5/ 5.
(2) لم أعثر على الجزء الذي ترجم فيه الصفدي لديك الجن من كتابه الوافي بالوفيات.
(3) الزّنجار: صدأ النحاس (المعجم الوسيط: زنجر).
(4) ما بين القوسين ساقط من ب ج د ش.
(5) البيتان في ديوانه 175وخاص الخاص 128والإعجاز 271.
الأشافي جمع إشفى وهي المثقب. لم تجده لم تمطره، من الجود وهو المطر الواسع: الغزير. (اللسان: جود، شفى)
(6) البيتان في ديوانه 161والإعجاز 271.
(7) من مقطعة في خمسة أبيات أولها:
بها غير معذور فداو خمارها ... وصل بعشيّات الغبوق ابتكارها
وهي في ديوانه 108107. والبيتان في الوفيات 3/ 185.(1/358)
(1) (وقوله في جارية نصرانية من أهل حمص كان يهواها ثم خطبها فتزوجت بعد إسلامها وكانت تسمى وردا (2): (تام الكامل)
انظر إلى شمس القصور وبدرها ... والي خزاماها وبهجة زهرها
لم تبل عينك أبيضا في أسود ... جمع الجمال كوجهها في شعرها
ورديّة الوجنات يختبر اسمها ... من نعتها من لا يحيط بخبرها
وتمايلت فضحكت من أردافها ... عجبا، ولكنّي بكيت لخصرها
تسقيك كفّ مدامة من كفّها ... وردية ومدامة من ثغرها
ومحاسنه كثيرة رحمه الله)
26 - العتابي (3)
هو كلثوم بن عمرو بن أيوب التّغلبيّ، من ذرية عمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند ملك الحيرة. وهو شاعر بليغ، من شعراء الدولة العباسية، كان منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد وأوصلوه إليه، فبلغ عنده كلّ مبلغ. ولمّا (4)
قدم مدينة السلام دخل على المامون وعنده إسحاق الموصلي، فقرّبه المامون وأدناه وأقبل عليه بالمداعبة، فقال: يا أمير المؤمنين، (5) «الإيناس قبل الإبساس»، فاشتبه على المامون قوله، فنظر إلى إسحاق مستفهما، فأومأ إليه، وغمز حتى فهم فقال: يا غلام، ألف دينار! فأتي بها فوضعها بين يدي العتابي. وأخذوا في الحديث فغمز المامون إسحاق عليه، فجعل العتابيّ لا ياخذ في شيء إلّا عارضه
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) الأبيات في ديوانه 169168والأغاني 4/ 55.
(3) (220هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 867وطبقات ابن المعتز 263261ومروج الذهب 3/ 356355، 4/ 428426، والأغاني 13/ 125109والموشح 451449ومعجم الشعراء 352351وزهر الآداب 2/ 625620وتاريخ بغداد 12/ 492488ومعجم الأدباء 17/ 3126واللباب في الأنساب 2/ 319 (ط بغداد) والوفيات 4/ 124122والفوات 3/ 221219وإدراك الأماني 23/ 132والأعلام 5/ 231.
(4) الخبر في طبقات ابن المعتز 221ومروج الذهب 3/ 427426والأغاني 13/ 112111وتاريخ بغداد 12/ 490489والتاريخ الكبير 2/ 421وشرح المقامات 1/ 214213والوفيات 4/ 124123والفوات 3/ 221220.
(5) «يقال: آنسه نقيض أوحشه، والإبساس: الرّفق بالناقة عند الحلب، وهو أن يقال: بس بس» مجمع الأمثال 1/ 59وزهر الآداب 2/ 620، 986. ويريد بذلك أن يمنحه الخليفة بعض المال قبل أن يحدّثه.(1/359)
فيه إسحاق فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه. قال:
نعم، فقال لإسحاق: من أنت، وما اسمك؟ قال: أنا من الناس واسمي كل بصل فتبسم العتابيّ، فقال: أما النّسب فمعروف وأما الاسم فمنكر. فقال إسحاق: أتنكر أن يكون الاسم كل بصل وأنت اسمك كل ثوم، وما كلثوم من الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثّوم؟ فقال العتابي: لله درّك ما أحجّك، أفيأذن لي أمير المومنين أن أصله بما وصلني به. قال: ذلك موفّر عليك، وأمر له بمثله، فقال له إسحاق:
توهّمني تجدني، فقال: أظنّك إسحاق الموصلي، قال: أنا حيث ظننت. وأقبل عليه بالتحيّة والسلام وطال الحديث بينهما فقال (1) (المامون): حيث اتّفقتما فانصرفا متنادمين، فأخذه إسحاق إلى منزله، فأقام عنده.
ومن شعره البديع (2): (المديد)
هيبة الإخوان قاطعة ... لأخي الحاجات عن طلبه
فإذا ما هبت ذا أمل ... مات ما أمّلت من سببه
قال دعبل بن علي الخزاعي (3): ما حسدت أحدا قط على شعر ما حسدت العتابي على هذين البيتين. وهذا المعنى مأخوذ من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«الهيبة مقرونة بالخيبة والحياء مقرون بالحرمان. والفرصة تمرّ مرّ السحاب».
حدث عثمان الورّاق (4) قال: رأيت العتابيّ ياكل خبزا على الطريق بباب الشام فقلت: ويحك أما (5) تستحيي؟ فقال: لو كنت بين البقر أكنت تحتشم أن تاكل وهي تراك؟! فقلت: لا. قال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر. ثم قام وقصّ ودعا وأنشد حتى كثر الزّحام عليه، فقال: روي أن من بلغ لسانه أنفه لم يدخل
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) البيتان في شعره 388والأغاني 13/ 116.
(3) من الأغاني 13/ 116إلى آخر قول علي. ودعبل ستأتي ترجمته برقم 34.
(4) من الأغاني 13/ 114بتصرف إلى آخر الخبر وهو في محاضرات الأدباء 2/ 29.
(5) ب. ج: ما(1/360)
النّار. فلم يبق منهم أحد إلّا أخرج لسانه يومئ به نحو أنفه. فلما تفرّقوا قال: ألم أخبرك (1) (أنهم بقر؟!).
ومن شعر العتابي (2) (المتقارب التام)
فلو كان للشّكر شخص يبين ... إذا ما تأمّله الناظر
لمثّلته لك حتى تراه ... فتعلم أنّي امرؤ شاكر
ومن أحسن ما قيل في التّوقّي من (3) معالي الأمور طلبا للسلامة قوله (4):
(الطويل)
تلوم على ترك الغنى باهليّة ... زوى الدّهر عنها كلّ طرف وتالد
رأت حولها النّسوان يرفلن في الكسا ... مقلّدة أجيادها بالقلائد
يسرّك أنّي نلت ما نال جعفر ... من الملك أو نال يحيى بن خالد
وأنّ أمير المؤمنين أغصّني ... مغصّهما بالمرهفات البوارد
فإنّ كريمات المعالي مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود
وحكي (5) عنه أنه قيل له: ما لك لا تخدم الأمير؟ أو لا تكتب للأمير؟ فقال:
لأنّي رأيته يعطي رجلا ألف مثقال بلا خصلة، ويرمي آخر من أعلى السور على غير ذنب، فلم أدر أيّ الرجلين أكون عنده، مع أن الذي أعطي في ذلك أكثر من الذي آخذ. يعني مهجته وركوب الغرر فيها.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) البيتان في شعره 403وعيون الأخبار 3/ 161والأغاني 13/ 110وبهجة المجالس 1/ 315.
(3) ج: عن.
(4) أول مقطعة في سبعة أبيات قالها بعد قتل جعفر بن يحيى البرمكي ونكبة البرامكة. وهي في شعره 394393.
والأبيات في البيان 3/ 354353وعيون الأخبار 1/ 232231ومروج الذهب 4/ 193والأغاني 13/ 124123 وزهر الآداب 2/ 621620وبهجة المجالس 1/ 348 (واللسان: برد) ومنها ثلاثة أبيات في خاص الخاص 112.
الكسا جمع كسوة. المرهفات: السيوف الدقيقة الرقيقة. الأساود جمع أسود وهي الحية العظيمة (. القاموس: رهف، أسود، الكسوة).
(5) من بهجة المجالس 1/ 348إلى آخر الخبر.(1/361)
وحدث (1) عنه الجاحظ أنه كان يضع من قدر أبي نواس. فقال له راويته:
تضع من قدره وهو القائل (2): (الطويل)
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ منّا بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
فقال: هذا سرقه. قال: ومن أين؟ قال: من قول أبي دهبل (3): (تام الكامل)
وإذا يقال لبعضهم: نعم الفتى ... فابن المغيرة ذلك النّعم
عقم النّساء فما يجئن بمثله ... إن النساء بمثله عقم
قال: فقد أحسن في قوله (4): (المديد)
فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشّي البرء في السّقم
قال: وهذا أيضا سرقه، قال: من أين؟ قال: من قول الفقعسي (5): (الطويل)
إذا السقم يوما حلّ عنها وكاءها ... تصعّد منها برؤه وتصوّبا
قال: فقد قال (6): (الطويل)
وما خلقت إلّا لجود أكفّهم ... وأرجلهم إلّا لأعواد منبر
__________
(1) من مروج الذهب 3/ 356355إلى آخر الخبر.
(2) من المقطعة التي خرجناها في الصفحة 173الحاشية 1.
(3) أب ج د ش: من قول الهذيل، وفيه تحريف، والتصحيح من مروج الذهب 4/ 217 (ت. شارل پلا) وبقية المصادر.
نسب البيتان في مروج الذهب 3/ 355 (دار الأندلس) لأبي الهذيل الجمحي ونسبا في مروج الذهب 4/ 217 (ت.
شارل پلا) لأبي دهبل الجمحي. ونسب البيت الثاني لأبي دهبل الجمحي في عيون الأخبار 3/ 279والأغاني 7/ 134 وهو من مقطعة في مدح الرسول مطلعها:
إنّ البيوت معادن فنجاره ... ذهب وكلّ بيوته ضخم
وهي في ديوان أبي دهبل الجمحي 6766وليس فيها البيت الأول ومنها أربعة أبيات في نسب قريش 331.
(4) من قصيدة خمرية مطلعها:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي، ولم أنم
وهي في ديوانه 41والبيت في مروج الذهب 3/ 356والوساطة 58وأخبار أبي نواس لابن منظور 44.
(5) هو شوسة الفقعسي كما في مروج الذهب 3/ 356ولم أعثر على تعريف له في المظان. والبيت مع آخر في مروج الذهب 3/ 356 (دار الأندلس) ومروج الذهب 4/ 217 (ت. شارل پلا).
(6) البيت ليس في ديوانه (ت. الغزالي) ولا في ديوانه (ط. صادر) ولا في ديوانه (مكتبة الثقافة بغداد) ولا في ديوانه (محمود كامل فريد) ولا في ديوانه (جمع حمزة الأصفهاني).
وهو له في مروج الذهب 3/ 356ونسب في الأغاني 18/ 201ومعجم جمع الأدباء 19/ 57والوفيات 6/ 224وبغية الوعاة 1/ 249لمحمد بن مناذر في مدح البرامكة.(1/362)
قال: وهذا أيضا سرقه. قال: من أين؟ قال: من مروان بن أبي حفصة (1): (الطويل)
وما خلقت إلّا لبذل أكفّهم ... وألسنهم إلا لتحبير منطق
قال: فسكت الراوية، ولو أتاه بشعره كله لقال سرقه.
وترجمته أوسع من هذا، عفا الله عنّا وعنه، ورحمنا وإياه بمنه وكرمه.
27 - مسلم بن الوليد (2)
كان يلقّب صريع الغواني ويدّعي أن أسلافه من موالي الأنصار. وهو شاعر بليغ من شعراء الدولة العباسية.
حدث أبو الفرج الأصبهاني (3) عن جعفر بن قدامة قال: قال لي محمد بن عبد الله بن مسلم حدثني أبي قال: اجتمع أصحاب المامون يوما عنده فأفاضوا في ذكر الشّعر والشعراء (4)، فقال له بعضهم: أين أنت يا أمير المومنين عن مسلم بن الوليد؟ قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول، وقد رثى رجلا (5): (الطويل)
أرادوا ليخفو قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر
__________
(1) هو سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد شاعر مشهور من أهل اليمامة، قدم بغداد واتصل بالمهدي وهارون الرشيد ومعن بن زائدة ومدحهم ونال عطاءهم الوفير (182هـ). الشعر والشعراء 2/ 767وطبقات ابن المعتز 42والأغاني 10/ 9471والوفيات 5/ 193189وإدراك الأماني 14/ 11396.
والبيت أول بيتين في المدح وهما في شعره 69ومروج الذهب 3/ 356.
(2) (208هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 846836وطبقات ابن المعتز 240234والأغاني 19/ 7230 ومعجم الشعراء 372وتاريخ بغداد 13/ 9896والوفيات 6/ 334331والفوات 4/ 142136ومعاهد التنصيص 3/ 6754وإدراك الأماني 23/ 221194والأعلام 7/ 223.
(3) الأغاني 19/ 34. والخبر في معاهد التنصيص 3/ 56.
(4) د: الشعراء والشعر.
(5) البيت في شرح ديوانه 320وعيون الأخبار 4/ 36والأغاني 14/ 179، 19/ 34ومعجم الشعراء 372والإعجاز 171ونثر النظم 109وتاريخ بغداد 13/ 97والغيث المسجم 1/ 379 (ط. العلمية) ومعاهد التنصيص 3/ 56.(1/363)
وحيث مدح رجلا بالشجاعة فقال (1): (تام البسيط)
(2) (يجود بالنّفس إذ ضنّ الجواد بها ... والجود بالنّفس أقصى غاية الجود
وحيث هجا رجلا بقبح الوجه والأخلاق فقال) (3): (تام الكامل)
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره لقبح المخبر
وتغازل فقال (4): (مشطور الرجز)
هوي يجدّ وحبيب يلعب
أنت لقى بينهما معذّب
(فقال المامون: هذا أشعر من خضتم اليوم في ذكره). (5)
وحدث (6) بسنده عن القحذميّ قال، قال يزيد بن مزيد: أرسل إليّ الرشيد يوما في وقت لا يرسل فيه إلى مثلي، فأتيته لابسا سلاحي مستعدا لأمر إن أراده، فلمّا رآني ضحك إليّ ثم قال: يا يزيد، خبّرني من الذي يقول فيك (7):
(تام البسيط)
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل
__________
(1) من قصيدة في مدح داود بن يزيد المهلبي وهو أمير من الشجعان ولّاه الرشيد السند (205هـ) ومطلعها:
لا تدع بي الشّوق إنّي غير معمود ... نهى النّهى عن هوى الهيف الرّعاعيد
وهي في شرح ديوانه 171151والبيت في الأغاني 19/ 34والوساطة 227ومعجم الشعراء 372وتاريخ بغداد 13/ 97ومعاهد التنصيص 3/ 56ونسب لأبي تمام في العقد الفريد 1/ 293.
«لا تدع بي الشوق» أي: لا تدعني مشتاقا، ولا تقل إنّ بي شوقا لأحد. غير معمود: أي غير عاشق، والمعمود: المقروح القلب. والهيف: الضامرات البطون. والرّعاديد: المرتجّات الأكفال، شرح ديوانه 152151.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) البيت في شرح ديوانه 321وعيون الأخبار 4/ 36والأغاني 14/ 179، 19/ 34والإعجاز 171وأحسن ما سمعت 170ونثر النظم 97وتاريخ بغداد 13/ 97ومعاهد التنصيص 3/ 56. ونسب في أمالي اليزيدي 135للفضل بن محمد بن يحيى اليزيدي وهو في شعر اليزيديين 193مفردا.
(4) البيتان في شرح ديوانه 305والأغاني 19/ 34ومعاهد التنصيص 3/ 56.
اللّقى بالفتح، الشيء الملقى لهوانه، وجمعه ألقاء (اللسان: لقاه.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج.
(6) الأغاني 19/ 3534والخبر في الوفيات 6/ 333332ومعاهد التنصيص 3/ 5958.
(7) من قصيدة لمسلم بن الوليد في مدح يزيد بن مزيد الشيباني مطلعها:
أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي
وهي في شرح ديوانه 231والفوات 4/ 141136وبعضها في الشعر والشعراء 2/ 839838وطبقات ابن المعتز 236والأغاني 19/ 35، 40، والمستجاد 100والوفيات 6/ 331، 333والبيتان في معاهد التنصيص 3/ 59.(1/364)
لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
فقلت: لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال: سوءة لك من سيّد قوم يمدح بمثل هذا الشعر ولا يعرف قائله، وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله وهو مسلم بن الوليد.
وحدث (1) بسند له عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان الحنفي ذي الهدمين قال، حدثني أبي قال: دخل يزيد بن مزيد على الرشيد، فقال له: يا يزيد، من الذي يقول فيك؟ (2): (تام البسيط)
لا يعبق الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يتبعنه في كلّ مرتحل
فقال: لا أعرف قائله يا أمير المؤمنين. فقال له هارون: أيقال فيك مثل هذا الشعر ولا تعرف قائله؟! فخرج من عنده خجلا، فلما صار إلى منزله دعا حاجبه فقال له:
من بالباب من الشعراء؟ قال: مسلم بن الوليد. فقال: كيف حجبته عنّي، فلم تعلمني بمكانه؟ قال: أخبرته أنك مضيق (3)، وأنه ليس في يديك شيء تعطيه إيّاه، وسألته الإمساك والمقام أياما إلى أن تتّسع. قال: فأنكر ذلك عليه. وقال:
أدخله إليّ. فأدخله إليه فأنشده قوله (4): (تام البسيط)
أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي
ردّ البكاء على العين الطموح هوى ... مفرّق بين توديع ومرتحل
أما كفى البين أن أرمى بأسهمه ... حتّى رماني بلحظ الأعين النّجل!
ممّا جنت لي، وإن كانت منى صدقت ... صبابة خلس التسليم بالمقل
__________
(1) الأغاني 19/ 3635والخبر في الوفيات 6/ 331ومعاهد التنصيص: 3/ 59
(2) من القصيدة التي خرّجناها في الصفحة السابقة الحاشية 7. والبيت في معاهد التنصيص 3/ 61.
(3) أضاق الرجل، فهو مضيق إذا ضاق عليه معاشه (اللسان: ضيق).
(4) من القصيدة السابقة التي خرجناها في الصفحة السابقة، الحاشية 7، والأبيات في الأغاني 19/ 36والمستجاد 100 ومعاهد التنصيص 3/ 59.(1/365)
فقال له: قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم، فاقبضها واعذر. فخرج الحاجب فقال لمسلم: قد أمرني أن أرهن ضيعة من ضياعه على مائة ألف درهم، خمسون ألفا منها لك وخمسون ألفا لنفقته، وأعطاه إياها. فكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد فأمر ليزيد بمائتي ألف درهم. وقال: اقض الخمسين الألف التي أخذها الشاعر، وزده مثلها، وخذ مائة ألف لنفقتك. فافتكّ ضيعته وأعطى مسلما خمسين ألفا أخرى. ومن (1) فرائد قلائده وأبيات قصائده قوله في ذم الدنيا (2):
(تام البسيط)
دلّت على عيبها الدنيا وصدّقها ... ما استرجع الدّهر ممّا كان أعطاني
وقوله في الهجو (3): (تام الكامل)
أما الهجاء فدقّ عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنّه ... عرض عززت به وأنت ذليل
(4) وكان مسلم بن الوليد قد قال قصيدة يهجو فيها قريشا ويمدح الأنصار (5) وكتمها. فوقعت إلى ابن قنبر (6). فاستعلى عليه
__________
(1) من الإعجاز 171.
(2) من قصيدة في الشكوى وتذكر أيامه الماضية مطلعها:
قد اطّلعت على سرّي وإعلاني ... فاذهب لشأنك ليس الجهل من شاني
وهي في شرح ديوانه 129121والبيت في الأغاني 9/ 45ومعجم الشعراء 372والإعجاز 171والمنتحل 174.
(3) مقطعة في أربعة أبيات في هجاء ميّاس وهو لقب دعبل أولها:
ميّاس، قل لي أين أنت من الورى ... لا أنت معلوم ولا مجهول
وهي في شرح ديوانه 334والبيتان في الأغاني 19/ 47، 50ومعجم الشعراء 372وأحسن ما سمعت 170ونثر النظم 97والأول في الإعجاز 171.
(4) الخبر في الأغاني 19/ 70.
(5) أنظر ذلك في ديوانه 316315والأغاني 19/ 6867.
(6) هو الحكم بن قنبر المازني أو الحكم بن محمد بن قنبر المازني شاعر ظريف من شعراء الدولة الهاشمية، كان يهاجي مسلم ابن الوليد الأنصاري مدة، ثم غلبه مسلم. الأغاني 19/ 7261، 14/ 168161وإدراك الأماني 11/ 52.(1/366)
وهتكه وأغرى به السلطان، وأجابه (1) (ابن قنبر) عنها بقصيدة منها قوله يعني قريشا (2): (الطويل)
ومنهم رسول الله أزكى من انتمى ... إلى نسب زاك ومجد مقدّم
وما كانت الأنصار قبل اعتصامها ... بنصر قريش في المحلّ المعظّم
ولا بالأولى يعلون أقدار قومهم ... صداء وخولان ولخم وسلهم (3)
ولكنّهم بالله عاذوا ونصرهم ... قريشا ومن يستعصم الله يعصم
فعزّوا وقد كانوا وفطيون فيهم ... من الذّلّ في باب من العزّ مبهم (4)
يسومهم الفطيون ما لا يسامه ... كريم ومن لا ينكر الظّلم يظلم
وإنّ قريشا بالمآثر فضّلت ... على الخلق طرّا من فصيح وأعجم
فما بال هذا العلج ضلّ ضلاله ... يمدّ إليهم كفّ أجذم أعسم (5)
يسامي قريشا مسلم وهم هم ... بمولى يمانيّ وبيت مهدّم
إذا قام فيه غيرهم لم يكن لهم ... مقام به من لؤم مبنى ومدعم
جعاسيس أشباه القرود لو انّهم ... يباعون ما ابتيعوا جميعا بدرهم (6)
وما مسلم من هؤلاء ولا أولى ... ولكنّه من نسل علج ملكّم (7)
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) من قصيدة يحرّض فيها الخليفة على مسلم أولها:
ألا امثل أمير المومنين بمسلم ... وأفلق به الأحشاء من كلّ مجرم
وهي في الأغاني 19/ 7068.
(3) صداء: بالمدّ حيّ من اليمن. خولان: قبيلة باليمن. لخم حي باليمن. سلهم: حي من مذحج (اللسان والقاموس: خول، سلهم، صدأ، لخم).
(4) أب ج د القطيون وهو غلط ش: القيطون، وهو غلط. والتصحيح من الأغاني 19/ 68وجمهرة الأنساب 373.
الفطيون: هو عامر بن عامر بن ثعلبة ملك يهودي تملك يثرب في الجاهلية. أنظر أسماء المغتالين 137136 والاشتقاق 436وجمهرة الأنساب 373.
(5) عسم فهو أعسم وهي عسماء وأعسم يده أي أيبسها، والعسم محرّكة يبس في مفصل الرّسغ تعوجّ منه اليد والقدم (القاموس: العسم).
(6) جعاسيس جمع جعسوس وهو القصير الدميم (القاموس: الجعس).
(7) د: ولا مسلم.(1/367)
تولى زمانا غيرهم ثمّت ادّعى ... إليهم فلم يكرم ولم يتكرّم
فإن يك منهم فالنّضير ولفّهم ... مواليه لا من يدّعي بالتّزعّم (1)
وإن تدعه الأنصار مولى أسمهم ... بقافية تستكره الجلد بالدّم
عقابا لهم في إفكهم وادّعائهم ... لأقلف منقوش الذّراع موشّم (2)
فلا تدّعوه وانتفوا منه تسلموا ... بنفيكموه من مقال ومأثم
وإلّا فغضّوا الطّرف وانتظروا الرّدى ... إذا اختلفت فيكم صوارد أسهمي (3)
ولم تجدوا منها مجنّا يجنّكم ... إذا طلعت من كلّ فجّ ومعلم
وأنتم بنو أذناب من أنتم له ... ولستم بأبناء السّنام المقدّم
ولا ببني الرّأس الرفيع محلّه ... فيسمو بكم مولى مسام وينتمي
فكيف رضيتم أن يسامى نبيّكم ... ببيتكم الرّثّ القصير المهدّم
سأحطم من سامى النّبيّ تطاولا ... عليه وأكوي منتماه بميسم
منها:
قريش خيار الله والله خصّهم ... بذلك فاقعس أيها العلج وارغم
ومن تدّعي منه الولاء مؤخر ... إذا قيل للجاري إلى المجد أقدم (4)
(5) فلم يكن عند مسلم في هذا جواب أكثر من الانتفاء من تلك القصيدة ونسبتها إلى ابن قنبر والادّعاء عليه أنّه اختلقها عليه ونسبها إليه ليعرضه للسلطان، وخافه فقال ينتفي منها ويهجو تميما (6): (الطويل)
دعوت أمير المؤمنين ولم تكن ... هناك ولكن من يخف يتجشّم
وإنّك إذ تدعو الخليفة ناصرا ... لكالمترقّي في السماء بسلّم
__________
(1) النضير، يقصد بني النضير، وهم حي من يهود المدينة، أجلاهم عنها الرسول عليه السلام لما تآمروا على اغتياله، فهاجر بعضهم إلى خيبر وبعضهم الآخر إلى الشام. السيرة 2/ 191190.
اللّفّ بالكسر الصنف من النّاس والحزب (القاموس: لفه).
(2) الأقلف: من لم يختن (القاموس: القلف) يشير إلى انتسابه إلى النصارى سكان يثرب (المدينة) والنصارى لا يختنون.
(3) صوارد جمع صارد. وسهم صارد ومصراد: نافذ (القاموس: الصرد).
(4) ب: يدعي.
(5) من الأغاني 19/ 70بتصرف.
(6) القصيدة في شرح ديوانه 939والأغاني 19/ 7170.(1/368)
كذاك الصّدى تدعوه من حيث لا ترى ... وإن تتوهّمه تمت في التوهّم
هجوت قريشا عامدا ونحلتني ... رويدك يظهر ما تقول فيعلم (1)
إذا كان مثلي في قبيلي فإنّه ... على ابن لؤيّ قصرة غير متهم
سيكشفك التعديل عما قذفتني ... به فتأخّر عارفا أو تقدّم
فإنّ قريشا لا يغادر ودّها ... ولا يستمال عهدها بالتّرحّم
مضى سلف منهم وصلّى بعقبهم ... لنا سلف في الأوّل المتقدّم (2)
جرى فجرينا سابقين بسبقهم ... كما اتّبعت كفّ نواشر معصم
وإنّ الذي يسعى ليقطع بيننا ... كملتمس اليربوع في جحر أرقم
أضلّك قرع الآبدات طريقها ... فأصبحت من عميائها في تهيّم (3)
وخانتك عند الجري لمّا ابتغيتها ... تميم فحاولت العلى بالتّقحّم
فأصبحت ترميني بسهمي وتتّقي ... يدي بيدي أصليت نارك فاضرم
فقال ابن قنبر يهجوه بقصيدة أولها (4): (تام الخفيف)
قل لعبد النّضير مسلم الوغ ... د الدّنيّ اللئيم سنخ (5) النّصاب
__________
(1) أج د ش: فتعلم.
لؤي: هو لؤي بن غالب أبو قريش. قصرة: أي دون الناس، يقال أبلغ هذا الكلام بني فلان قصرة ومقصورة أي دون الناس. ويقال أيضا هو ابن عمّي قصرة بالضم ومقصورة وابن عمي دنيا ودنيا أي داني النسب قريبه. متهم من أتهم الرجل إذا أتى بما يتهم عليه. تعديل الشيء: تقويمه. (اللسان: تهم، عدل، قصر، لأي). ويقصد بقوله: إذا كان مثلي إلخ أنّه إذا كان نسبه ساميا رفيع المكانة فإنّ قريشا من دون الناس في أعلى مقام ولا يمكن أن تتّهم، ويقصد بالتعديل قبول شهادة الشهود.
(2) صلّ الفرس: تلا السابق، النواشر: عصب الذراع، اليربوع: دويبة فوق الجرذ، الأرقم: الحية التي ظهرها رقم أي نقش وجمعها أراقم. (اللسان: ربع، رقم، صلى، نشر).
(3) القرع: الضرب. والآبدات جمع آبدة، وهي الكلمة الغريبة، ويقال للشوارد من القوافي أوابد. العمياء: الغواية واللجاجة في الباطل (اللسان: ابد، عمى، قرع). والتّهيّم: من تهيّمه الهوى تهيّما إذا حمله على الهيام والجنون (محيط المحيط: هيم).
ويريد بالآبدات قصائد الهجاء والسباب. ويقصد بالعمياء الحيرة والضلال لقد أصبح ابن قنبر في ضلال وحيرة وهيام بسببب قصائد مسلم الهجائية.
(4) الأبيات في الأغاني 19/ 71.
(5) أج د ش والأغاني (ط. الدار): شيخ وهو تصحيف صوّبناه من الأغاني 18/ 353 (ط. الثقافة) وحاشية الأغاني 19/ 71 (ط. الدار).
السّنخ: الأصل من كل شيء يقال رجع فلان إلى سنخ الكرم وإلى سنخه الخبيث، والنّصاب: الأصل، يقال فلان يرجع إلى نصاب صدق (اللسان: سنخ، نصب) والسّنخ والنّصاب: بمعنى واحد وهو الأصل فلما اختلف اللفظان أضيف أحدهما إلى الآخر جاء في اللسان (سنخ): «وفي حديث علي عليه السلام: ولا يظمأ على التّقوى سنخ أصل. والسّنخ والأصل واحد فلمّا اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الآخر».(1/369)
اخس يا كلب إذ نبحت فإنّي ... لست ممّن يجيب نبح الكلاب
أفأرضى ومنصبي منصب العزّ ... وبيتي في ذروة الأحساب
أن أحطّ الرفيع من سمك بيتي ... بمهاجاة أوشب الأوشاب (1)
من إذا سيل من أبوه بدا من ... هـ حياء يحميه رجع الجواب
وإذا قيل حين يقبل: من أن ... ت ومن تعتزيه في الأنساب (2)
قلت: هاجي ابن قنبر، فتسربل ... ت بذكري فخرا لدى النّساب
(3) وهي قصيدة طويلة، فلم يجبه عنها مسلم بشيء. فقال ابن قنبر يهجوه أيضا (4): (تام الخفيف)
لست أنفيك إن سواي نفاكا ... عن أبيك الذي له منتماكا
ولماذا أنفيك يا ابن وليد ... من أب إن ذكرته أخزاكا
ولو انّي طلبت الأم منه ... لم أجده إن لم تكن أنت ذاكا
لو سواه أباك كان جعلنا ... هـ إذا الناس طاوعونا أباكا (5)
حاك دهرا بغير حذق لبرد ... وتحوك الأشعار أنت كذاكا
(6) وهي طويلة فلم يجبه عنها مسلم بشيء. فقال ابن قنبر يهجوه أيضا (7): (تام الخفيف):
فخر العبد عبد قنّ اليهود ... بضعيف من فخره مردود
فاخر الغرّ من قريش بإخوا ... ن خنازير يثرب والقرود
__________
(1) ج: بمناجاة وهو غلط.
الأوشاب: ج وشب وهم الأوباش والأخلاط من الناس (المعجم الوسيط: الوشب)
(2) د: تعتريه.
(3) من الأغاني 19/ 71.
(4) الأبيات في الأغاني 19/ 71.
(5) ب ج د، الأغاني: أباك. أش: لو سواه أبوك.
(6) من الأغاني 19/ 72.
(7) الأبيات في الأغاني 19/ 72.(1/370)
يتولّى بني النضير ويدعو ... بهم الفخر من مكان بعيد
وبني الأوس والخزارج في الذّ ... لّ على سابق الزمان التّليد
إذ رضوا بافتضاض فطيون منهم ... كلّ بكر ريّا الروادف رود (1)
وبنو عمّها شهود لما يف ... عل فطيون، قبّحوا من شهود (1)
خلف باب الفطيون والبعل فيهم ... لا بذي غيرة ولا بنجيد (1)
فإذا ما قضى اليهوديّ منها ... وطرا قنّعوا بخزي جديد
(2) فلمّا أفحش ابن قنبر في هذه القصائد وفي عدة قصائد قالها، ومسلم ممسك عنه لا يجيبه مشى إليه قوم من مشايخ الأنصار واستعانوا بمشيخة من قرّاء تميم وذوي الفضل منهم والعلم، فمشوا معهم إليه، فقالوا: ألا تستحي أن تهجو من لا يجيبك؟
أنت بدأت الرّجل فأجابك، ثم عدت فكفّ، وتجاوزت ذلك إلى ذكر أعراض الأنصار التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحميها ويذبّ عنها، لغير حال أحلّت لك ذلك منهم؟ فما زالوا به يعظونه ويقولون له كلّ قول حتى أمسك عن المناقضة لمسلم، فقطعها فانقطعت.
ومن شعر مسلم بن الوليد قوله يرثي يزيد بن مزيد (3): (تام الوافر)
أحقّا أنّه أودى يزيد؟ ... تبيّن أيّها النّاعي المشيد (4)
أتدري من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك كان بها الصّعيد (5)
أحامي المجد والإسلام أودى؟! ... فما للأرض ويحك لا تميد؟!
تأمّل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد؟!
__________
(1) ج د ش: قطيون وهو غلط
(2) الأغاني 19/ 72.
(3) القصيدة ما عدا البيت ما قبل الأخير في ديوانه 149147وهي في العقد الفريد 295293منسوبة لأبي محمد التيمي ونسب له 19بيتا في الأغاني 20/ 4847ونسب 18بيتا في الأمالي 2/ 8584و 15بيتا في الوفيات 6/ 338و 14بيتا في الأغاني 19/ 5655للشاعرين معا.
(4) ج د ش: أحق.
(5) الديوان والوفيات: كان بها. أب ج د ش الأغاني 20/ 47: كان بك.(1/371)
وهل شيمت سيوف بني نزار؟ ... وهل وضعت عن الخيل اللّبود (1)
وهل تسقي البلاد عشار مزن ... بدرّتها؟ وهل يخضرّ عود؟
أما هدّت لمصرعه نزار ... بلى، وتقوّض المجد المشيد
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التّليد
أما والله ما تنفكّ عيني ... عليك بدمعها أبدا تجود
فإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسب جمود
أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعا أو تصان لها خدود
لتبكك قبّة الإسلام لمّا ... هفت أطنابها ووهى العمود
ويبكك شاعر لم يبق دهر ... له كسبا وقد كسد القصيد (2)
فمن يدعو الإمام لكلّ خطب ... ينوب وكلّ معضلة تؤود؟
ومن يحمي الخميس إذا تعايا ... بحيلة نفسه البطل النّجيد (3)؟
فإن يهلك يزيد فكلّ حيّ ... فريس للمنيّة أو طريد
ألم تعجب له أنّ المنايا ... فتكن به وهنّ له جنود
قصدن له وهنّ يحدن عنه ... إذا ما الحرب شبّ لها وقود
لقد عزّى ربيعة أنّ يوما ... عليها مثل يومك لا يعود
هكذا نسبها الصفدي (4) وغيره لمسلم بن الوليد. وبعضهم (5) ينسبها لأبي محمد عبد الله بن أيوب التيمي (6)، مولاهم. وروايتها له أثبت. وهو الذي
__________
(1) د: على الخيل، وفيه غلط
وشام السيف يشيمه شيما سلّه وأغمده ضدّ، والمقصود المعنى الثاني. والعشار هنا هي النّوق التي وضعت لتمام سنة (اللسان: شيم، عشر) وهذا كناية عن غزارة الأمطار.
(2) ب ج د: نشبا وقد.
ج: بكل خطب.
والنّشب: المال الأصيل (القاموس: نشب).
(3) تعايا بالأمر: لم يهتد لوجه مراده، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه (القاموس: عي).
(4) لم يطبع حسب علمي بعد الجزء الذي ترجم فيه الصفدي لمسلم بن الوليد في كتابه الوافي بالوفيات.
(5) العقد الفريد 3/ 293والأمالي 2/ 84والأغاني 20/ 4847والوفيات 6/ 338.
(6) هو أحد شعراء الكوفة، مشهور بمجونه وخلاعته اتصل بالبرامكة وبيزيد بن مزيد ومدحهم (209هـ) الأغاني 20/ 5943وتاريخ بغداد 9/ 411والنجوم الزاهرة 2/ 189والأعلام 4/ 73.(1/372)
صححه صاحب الأغاني (1) وهو أعلم بهذا الشأن ولأيّهما كانت، فقد أجاد، ولذلك أوردناها في ترجمة مسلم وإن كان الصحيح أنها لغيره. وبالله تعالى التوفيق.
28 - منصور النمري (2)
هو ابن سلمة، وقيل ابن الزبرقان بن سلمة، يتّصل نسبه بسعد بن الخزرج بن تيم الله بن النّمر بن قاسط، شاعر مجيد من فحول شعراء الدولة العباسية وهو تلميذ العتابي كلثوم بن عمرو (3) وخرّيجه، عنه أخذ ومن بحره استقى. وهو الذي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد (4)، وقرّظه حتى أقدمه من الجزيرة ووصله إلى الرشيد، ثم جرت بعد ذلك بينهما وحشة، فتهاجرا وسعى كلّ واحد منهما في هلاك صاحبه.
ولما أنشد الرشيد قصيدته التي يقول في أولها (5): (تام البسيط)
ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع (6)
بان الشباب وفاتتني بلذّته ... صروف دهر وأيام لها خدع
ما كنت أوفي شبابي كنه عزّته ... حتّى انقضى فإذا الدّنيا له تبع
منها:
ما كان أقصر أيام الشّباب وما ... أبقى حلاوة ذكراه التي يدع
__________
(1) الأغاني 19/ 56، 20/ 47.
(2) (نحو 190هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 866863وطبقات ابن المعتز 247241والأغاني 13/ 157140 وتاريخ بغداد 13/ 6965والفوات 4/ 198164والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم وإدراك الأماني 24/ 172.
(3) سبقت ترجمته برقم 26.
(4) الفضل بن يحيى البرمكي وزير الرشيد وأخوه من الرضاع، وقد قلده عمل خراسان وقد كان معروفا بالجود (193هـ) مروج الذهب 3/ 369368، 375، 384، 385، وتاريخ بغداد 12/ 339334والوفيات 4/ 3627.
(5) وهي قصيدة طويلة في شعره 10395منها تسعة أبيات في زهر الآداب 2/ 649والأبيات الثلاثة الأولى في طبقات ابن المعتز 245244والأغاني 13/ 145وشرح المقامات 2/ 196والفوات 4/ 168165والغيث المسجم 2/ 176 (ط. العلمية) والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم، والبيتان الأول والثالث في الإعجاز 166وأحسن ما سمعت 140 والأول في أخبار الشعراء 77والثالث في المنتحل 175.
(6) أب ج د ش: إلا ذكرت، وهو غلط، والتصحيح من شعره والمصادر السابقة.(1/373)
ما واجه الشّيب من عين وإن ومقت ... إلّا لها نبوة عنه ومرتدع
إنّي لمعترف ما فيّ من أرب ... للغانيات فما للنّفس تنخدع
قال له الرشيد (1): أحسنت والله لا يتهنّى أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب.
ومن القصيدة في المديح (2): (تام البسيط)
أيّ امرئ بات من هارون في سخط ... فليس بالصّلوات الخمس ينتفع
إنّ المكارم والمعروف أودية ... أحلّك الله منها حيث تجتمع
إذا رفعت امرءا فالله يرفعه ... ومن وضعت من الأقوام يتّضع
نفسي فداؤك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا بيننا قرع
منها في مدح الرشيد (3)
إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع
فأمر له الرشيد بمئة ألف درهم.
(4) يروى أن العتابيّ استقبل منصورا النّمريّ يوما فوجده واجما كئيبا فقال له: ما خبرك؟ قال: تركت امرأتي تطلق (5)، وقد عسرت عليها الولادة وهي يدي ورجلي والقيّمة بأمري. فقال له العتابي: اكتب على فرجها: هارون فقال: لماذا؟
قال: لتلد ويتّسع المكان. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنّك قلت:
__________
(1) القول في تاريخ الطبري 8/ 362والأغاني 13/ 145وزهر الآداب 2/ 649والفوات 4/ 166165والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
(2) الأبيات من القصيدة السابقة وهي في الأغاني 13/ 147والإعجاز 167وتاريخ بغداد 13/ 68والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
(3) من القصيدة السابقة والبيت في طبقات ابن المعتز 242وسرقات أبي نواس 38والإعجاز 167والوافي بالوفيات ج 26مكرو فيلم.
المخايل جمع مخيلة وهي السحابة التي نحسبها ماطرة (القاموس: خال، خيل). ويريد أن جود الخليفة وسخاءه لا يخلف إذا أخلفت السحب التي يرجى مطرها.
(4) الخبر في طبقات ابن المعتز 242241والأغاني 13/ 150148وزهر الآداب 2/ 649وتاريخ بغداد 13/ 69 ومحاضرات الأدباء 3/ 722والفوات 4/ 168167والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
والعتابي سبقت ترجمته برقم 26.
(5) طلقت المرأة تطلق طلقا وطلقت بضم اللام أصابها وجع الولادة (اللسان: طلق)(1/374)
إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع
فقال له: ياكشحان (1)، والله لئن تخلّصت امرأتي لأذكرنّ ذلك للرشيد. فلمّا ولدت امرأة منصور خبّر الرشيد الواقعة. فغضب وطلب العتابيّ، فاستتر عند الفضل بن الربيع حتى تلطّف له في أمره ثم أحضره، فقال له ويلك تقول كذا وكذا للنمري، فاعتذر له حتى قبل. ثم قال: يا أمير المؤمنين، ما حمله على الكذب عليّ إلّا وقوفي على ميله إلى العلوية، وأنشده قصيدته اللامية التي أولها (2):
(تام المنسرح)
شاء من الناس راتع هامل ... يعلّلون النّفوس بالباطل
فغضب، وقال للفضل: أحضره الساعة. فستره الفضل عنده ولم يطلبه الرشيد إلى أن قال يوما للفضل: ويحك تفوتني النّمري. فقال: يا أمير المؤمنين هو عندي وقد حصّلته. قال: فجيء به، وكان الفضل قد أمره أن يطوّل شعره ويباشر الشّمس ويشوّه حاله، ففعل. فلما أراد إدخاله إليه ألبسه فروة مقلوبة وأدخله. فلما رآه قال:
السيف. فقال (3) الفضل: ومن هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك؟ قال: أليس هو القائل (4): (تام المنسرح)
ألا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذّابل
__________
(1) الكشحان: هو الدّيّوث المشارك في قرينته (تاج العروس: كشح).
(2) من قصيدة في التشيع لآل البيت وهي في شعره 123121والشعر والشعراء 2/ 864ومنها 14بيتا في طبقات ابن المعتز 243242والبيت في الأغاني 13/ 147، 148وتاريخ بغداد 13/ 68.
الراتع: هو الذي ياكل ويشرب ما يشاء في خصب وسعة. والهامل هي الإبل التي تترك حرّة ترعى دون راع (اللسان: رتع، همل).
(3) د: قال له.
(4) من القصيدة السابقة التي خرجناها قبل قليل في الحاشية 2.
المساعير جمع مسعر ومسعار وهو الذي يوقد الحرب ويؤرّثها. سلّ السّيف يسلّه سلا: أخرجه. والسلّة: اسم المرّة من سلّ. القنا الذابل: الدقيق (اللسان: ذبل، سعر سل). ويقصد بالقنا الذابل الذي يبس وصلب.(1/375)
فقال منصور: لا يا سيدي. ما أنا الذي قلت هذا ولقد كذب عليّ ولكني الذي أقول (1): (مخلع البسيط)
يا منزل الحيّ ذي المعالي ... انعم صباحا على بلاكا
هارون يا خير من يرجّى ... لم يطع الله من عصاكا
في خير دين وخير دنيا ... من اتّقى الله واتّقاكا
فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله. فقال يمدح الفضل بن الربيع (2): (الهزج)
رأيت الملك مذ وزّر ... ت قد قامت محانيه
هو الأوحد في الفضل ... فما يعرف ثانيه
وكان (3) محمد البيدق (4) ينشد الرشيد أشعار المحدثين، وكان إنشاده يطرب أكثر من الغناء. فأنشده يوما قصيدة منصور النمري التي أولها (5): (تام البسيط)
ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إلّا ذكرت شبابا ليس يرتجع
فلما بلغ إلى قوله فيها:
أيّ امرئ بات من هارون في سخط ... فليس بالصّلوات الخمس ينتفع
الأبيات الأربعة.
كان بين يديه خوان فرمى به من بين يديه. وقال: هذا أطيب من كلّ طعام، ومن كلّ شيء وبعث إلى منصور بسبعة آلاف دينار. قال البيدق: فلم يعطني منها
__________
(1) الأبيات في شعره 112والأغاني 13/ 150والفوات 4/ 168والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
(2) أب ج د ش: حانيه، وهو غلط والتصحيح من المصادر التالية، والبيتان في شعره 143والأغاني 13/ 150والفوات 4/ 168والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
محانيه: معاطفه جمع محنية بالتخفيف (اللسان: حنا). ويقصد بمحاني الملك أسسه وقواعده.
(3) من الفوات 4/ 166والخبر في الأغاني 13/ 147146والوافي بالوفيات ج 26ميكرو فيلم.
(4) أحد الرواة الذين كانوا ينادمون الرشيد، قال عنه الأصبهاني: محمد الراوية المعروف بالبيدق لقصره، وكان ينشد هارون الرشيد أشعار المحدثين، وكان أحسن خلق الله إنشادا. الأغاني 13/ 147146والوفيات 3/ 477، 5/ 252.
(5) من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 198الحاشية 5.(1/376)
ما يرضيني، وشخص إلى رأس عين (1)، فأغضبني وأحفظني، فأنشدت هارون قوله (2): (تام المنسرح)
شاء من النّاس راتع هامل ... يعلّلون النفوس بالباطل
حتى بلغت إلى قوله:
ألا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذابل (3)
قال الرشيد: أراه يحرّض (4) عليّ، ابعثوا له من يجئني برأسه، فكلّمه فيه الفضل ابن الربيع فلم يفده. وتوجّه إليه الرسول فوافاه في اليوم الثاني (5) [في اليوم] الذي مات فيه منصور. فأمر بنبشه وإحراقه. فشفع فيه الفضل ولم يزل إلى أن كفّ عنه، وكانت وفاته في حدود العشر (6) ومائتين، رحمنا الله وإياه.
29 - أشجع بن عمرو السلمي (7)
أظنّه مولاهم. كان (8) جعفر بن يحيى يقول: ما مدحت بأحبّ إليّ من عينيّة أشجع، يعني قصيدته التي يقول فيها (9): (تام المتقارب)
يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
__________
(1) ورأس عين ورأس العين: موضع بين حرّان ونصيبين (اللسان: عين).
(2) من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 200الحاشية 2.
(3) أنظر شرح البيت في الصفحة 200الحاشية 5.
(4) ج د: يحرضون، وهو غلط.
(5) زيادة في ج د.
(6): د: العشرين، وهو غلط.
ولا يعقل أن تكون وفاة منصور النّمريّ سنة 210هـ لأنّ الرشيد توفي سنة 193أنظر تاريخ اليعقوبي 2/ 430 (ط.
دار بيروت) وتاريخ الطبري 8/ 342، كما أن الفضل بن الربيع توفي سنة 208وكلاهما بقيا بالحياة بعده. والمرجح أنه توفي قبل وفاة الرشيد أي قبل سنة 193هـ أنظر الأغاني 13/ 148147والفوات 166والأعلام 7/ 299وشعر منصور النمري 25.
(7) من أهل الرقة، قدم البصرة وتأدّب بها، ثم ورد بغداد فنزلها، مدح الرشيد والبرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة (حوالي 200هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 889885وطبقات ابن المعتز 253250وأخبار الشعراء للصولي 74/ 137والأغاني 18/ 252211وتاريخ بغداد 7/ 45والتاريخ الكبير 3/ 6359والفوات 1/ 197196والوافي بالوفيات 9/ 267265وإدراك الأماني 19/ 167138والأعلام 1/ 331.
(8) من الإعجاز 168.
(9) من قصيدة مدح بها جعفر بن يحيى البرمكي لما ولّاه الرشيد خراسان مطلعها:
أتصبر يا قلب، أم تجزع ... فإنّ الديار غدا بلقع
منها 46بيتا في التاريخ الكبير 3/ 61/ 63و 43بيتا في شعره و 18بيتا في أخبار الشعراء للصولى 8382و 14 بيتا في الأغاني 8/ 225224و 11بيتا في الشعر والشعراء 2/ 887886، والأبيات في الإعجاز 169168.(1/377)
وكيف ينالون غاياته ... وهم يجمعون ولا يجمع
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع
فما خلفه لامرئ مطلب ... ولا لامرئ دونه مطمع
بديهته مثل تدبيره ... متى جئته فهو مستجمع
وقال أبو منصور الثعالبي (1): أحسن وأبدع وأعجب ما قيل في الملك المهيب والنّصرة بالرّعب قوله في الرشيد (2): (تام الكامل)
وعلى عدوّك يا ابن عمّ محمد ... رصدان ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبّه رعته وإذا هدا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام
وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
30 - محمد بن حازم الباهلي (3)
منسوب إلى باهلة، وباهلة (4) وغنيّ والطّفاوة جيمعهم بنو يعصر بن سعد ابن قيس عيلان بن مضر. وهم وفزارة أبناء عمّ لأن فزارة هم بنور ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس [عيلان]، فباهلة على هذا رجل وهو قول السمعاني (5) وذكر
__________
(1) خاص الخاص 112والقول في الإعجاز 168.
(2) من قصيدة في مدح هارون الرشيد مطلعها:
قصر عليه تحية وسلام ... نشرت عليه جمالها الأيام
وهي في شعره 253252وبعضها في أخبار الشعراء 76وطبقات ابن المعتز 252251والأغاني 18/ 214 وتاريخ بغداد 7/ 45والتاريخ الكبير 3/ 60والفوات 1/ 196/ 197والوافي بالوفيات 9/ 267266والبيتان في الشعر والشعراء 2/ 886والكامل 2/ 98وخاص الخاص 112والإعجاز 168.
(3) (نحو 200هـ) وترجمته في طبقات ابن المعتز 309307والورقة 112109والأغاني 14/ 11191ومعجم الشعراء 430429وتاريخ بغداد 2/ 295والمحمدون 227226والوافي بالوفيات 2/ 317وإدراك الأماني 11/ 15.
(4) طبقات ابن سلام 1/ 33وجمهرة الأنساب 245244، 468، 481واللباب في الأنساب 1/ 93واللسان (بهل).
(5) هو أبو سعد عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر السمعاني الفقيه الشافعي الحافظ له تصانيف كثيرة منها (تذييل تاريخ بغداد) و (تاريخ مرو) و (الأنساب) (562هـ) الوفيات 3/ 212209وتذكرة الحفاظ 4/ 13191316والأعلام 4/ 55.
والقول في الأنساب للسمعاني 2/ 67وانظر أيضا المبهج 43واللباب في الأنساب 1/ 94.(1/378)
بعض شرّاح العمدة (1) أن اسمه مالك. قال: وهو قول الأكثر. وصحّح ابن الأثير (2) أنّ باهلة اسم امرأة مالك بن يعصر ولدت له عدّة أولاد، وقيل (3)
إنها امرأة من همدان تزوجها معن والد قتيبة بن معن فنسب ولده منها إليها، فالله أعلم. وأيّا ما كانت باهلة فإنّ (4) العرب كانوا يستنكفون من الانتساب إليها لأنها لم تكن من أشرافهم حتى قال قائلهم (5): (تام المتقارب)
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النّفس من باهله
وذلك في كلامهم كثير (6).
فيروى (7) أن رجلا من الحاج لقيه أعرابيّ فقال له: ممّن الرّجل؟ قال: باهلي قال: أعيذك بالله من ذلك. قال: إي والله، وأنا مع ذلك مولى لهم. قال: فأقبل الأعرابيّ عليه يتمسّح به ويقبّل رجليه. فقال له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأنّ الله عز وجل لم يبتلك بهذا في الدنيا إلّا وأنت من أهل الجنة.
__________
(1) لم أهتد إلى معرفة هذا الكتاب، فهناك كتب كثيرة تحمل هذا الإسم منها: في شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد المترجم له برقم 122:
أشرح العمدة المسمى (إحكام شرح عمدة الأحكام) لعلاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار (724هـ). الأعلام 4/ 251.
ب: شرح العمدة المسمى (رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام) لعمر بن علي الفاكهاني (734هـ) الأعلام 5/ 56.
ح: شرح العمدة المسمى (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) لابن الملقّن عمر بن علي الأنصاري الأندلسي (840هـ) الأعلام 5/ 57.
د: وشرح العمدة المسمى (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام) للشيخ عماد الدين القاضي ابن الأثير الحلبي مطبعة الشرق إدارة الطباعة المنيرية مصر سنة 1342هـ.
وهناك كتاب آخر اسمه (شرح العمدة في الأحكام) لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (600هـ) لأحمد بن أبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي (1021هـ). مؤرخو الشرفاء 171170والأعلام 1/ 275.
(2) اللباب في الأنساب 1/ 94وانظر أيضا جمهرة اللغة 1/ 330.
(3) الصحاح (بهل) وجمهرة الأنساب 245واللسان (بهل).
(4) الخبر في الأنساب للسمعاني 2/ 70واللباب في الأنساب 1/ 93وانظر سبب ذلك في جمهرة الأنساب 260وثمار القلوب 120119 (ت. أبو الفضل) والوفيات 4/ 90/ 91.
(5) البيت لأبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، وهو في أخبار النحويين 59وطبقات النحويين 63وثمار القلوب 119 (ت. أبو الفضل) والتمثيل والمحاضرة 456والمنتحل 138والأنساب للسمعاني 2/ 70واللباب في الأنساب 1/ 93 والوفيات 4/ 90.
(6) أنظر بعض ذلك في تاريخ بغداد 9/ 7574والغيث المسجم 2/ 183182 (ط. العلمية).
(7) الخبر في الكامل 3/ 12والوفيات 4/ 90.(1/379)
وحدث (1) الرواة أنّ أبا قلابة عبد الله بن زيد الجرميّ (2) قال: حججنا مع أبي جزء ابن عمرو بن سعيد بن سلم الباهلي (3) قال: وكلّنا في ذراه (4) وهو إذ ذاك بهيّ وضيء، قال: فجلسنا في المسجد الحرام مع قوم من بني الحارث بن كعب، لم نر أفصح منهم، فرأوا هيئة أبي جزء وإعظامنا إياه مع جماله، فقال قائل منهم:
أمن أهل بيت الخليفة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب. قال: ممّن الرجل؟ قال رجل من مضر. قال: أعرض ثوب الملبس (5)، من أيّها عافاك الله؟ قال: رجل من قيس. قال: أين يراد بك؟ صر إلى فصيلتك التي تؤويك، قال: رجل من بني سعد بن قيس. قال: اللهم غفرا! من أيها عافاك الله؟ قال: رجل من بني يعصر.
قال: ومن أيها؟ قال: رجل من باهلة. قال: قم عنّا. قال أبو قلابة فأقبلت على الحارثيّ فقلت: أتعرف من هذا؟ قال: ذكر أنّه باهلي. قال، قلت: هو أمير ابن أمير ابن أمير ابن أمير ابن أمير حتى عددت له خمسة. ثم قلت: هذا أبو جزء أمير بن عمرو وكان أميرا ابن سعيد وكان أميرا ابن سلم وكان أميرا، ابن قتيبة وكان أميرا، فقال الحارثيّ: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة. قال: أفالخليفة أعظم أم النبي؟ قلت: بل النبيّ. قلت: بل النبيّ. قال: فو الله لو عددت له في النّبوءة أضعاف ما عددت له في الإمرة ثم كان باهليا ما عبأ الله به شيئا. قال أبو قلابة: فكادت نفس
__________
(1) من الكامل 3/ 1211بتصرف إلى آخر الخبر.
(2) أبو قلابة عالم بالقضاء والأحكام ناسك من أهل البصرة، رفض تولي القضاء وفرّ إلى الشام (104هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 94والأعلام 4/ 88.
(3) من أسرة مشهورة تولى كثير من أفرادها الإمارات وقيادة الجيوش، وتوارثوا ذلك في العصر العباسي، فقد تولى جدّه سعيد بن سلم الولايات الضخمة للمنصور والمهدي وكان عالما بالعربية والحديث، وكان أبوه عمرو بن سعيد من الولاة الأجواد المشهورين رثاه أشجع بن عمرو السلمي بمرثية من أجود مراثي حماسة أبي تمام أنظر الكامل 3/ 1211وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/ 860856وجمهرة الأنساب 247246واللباب في الأنساب 1/ 116 (ط. المثنى.
بغداد) والوفيات 4/ 9187.
(4) يقال: فلان في ذرى فلان أي في ظلّه وكنفه (اللسان: ذرا).
(5) أعرض ثوب الملبس: مثل يقال لمن سألته عن أمر فلم يبيّنه لك، وعمّم في إجابته ولم يخصّ (اللسان: لبس)) وجاء في الكامل 3/ 12 «يقال للرّجل إذا سئل عن شيء فأجاب عن غيره: أعرض ثوب الملبس، أي أبدى غير ما يراد منه.(1/380)
أبي جزء تخرج. فقلت له: انهض بنا، فإنّ هؤلاء أسوأ النّاس أدبا.
وقال بعض الشعراء (1): (تام المتقارب)
أباهل ينبحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب: يا باهليّ ... عوى الكلب من لؤم هذا النّسب
وأنشد المازني (2): (تام المتقارب)
سل الله ذا المنّ من فضله ... ولا تسألنّ أبا واثله
فما سأل الله عبد له ... فخاب ولو كان من باهله
ترى الباهليّ على خبزه ... إذا رامه آكل آكله
ومن ثم قال الفرزدق (3): (الطويل)
إذا باهليّ تحته حنظليّة ... له ولد منها فذاك المذرّع
والمذرّع عند العرب هو الذي أمّه شريفة وأبوه وضيع. ومنه قول الشاعر (4): (تام البسيط)
إنّ المذرّع لا تغني خؤولته ... كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
__________
(1) البيتان في الكامل 3/ 11لرجل من عبد القيس ونسبا في ثمار القلوب 119 (ت. ابو الفضل) لأبي هفان والبيت الثاني غير معزو في الوفيات 4/ 90، وشرح المقامات 2/ 24.
(2) هو أبو عثمان بكر بن محمد البصري، كان إمام عصره في النحو والآداب وهو شيخ المبرد (249هـ). طبقات النحويين 10092والوفيات 1/ 286283والأعلام 2/ 69.
(3) أول مقطوعة في ثلاثة أبيات في شرح ديوانه 514والبيت في الكامل 2/ 126و (اللسان: ذرع).
حنظلية أي امرأة من حنظلة وهي قبيلة قال عنها الجوهري إنها أكرم قبيلة في تميم (اللسان: حنظل).
(4) البيت في الكامل 2/ 126و (اللسان: ذرع) غير معزو.
محاضير جمع محضير، وفرس محضير إذا كان شديد الحضر، وهو العدو (اللسان: حضر).(1/381)
وإنّما (1) سميّ المذرّع للرّقمتين في ذراع البغل وإنّما صارت فيه من ناحية الحمار. قال هدبة (2): (تام الكامل)
ورثت رقاش اللّؤم عن آبائها ... كتوارث الحمران رقم الأذرع
فإن كان الأب شريفا والأمّ وضيعة فإنّهم يسمّونه الهجين. قال المبرد (3): والأصل في ذلك أن تكون أمة، وإنّما قيل له هجين من أجل البياض، كأنّهم قصدوا قصد الرّوم والصقالبة ومن أشبههم.
وهذه نبذة ذكرناها على سبيل الاستطراد لتعلّقها بالمقام، وهي تفضي إلى متّسع من الكلام ليس هذا محلّ استقصائه. فلنرجع إلى صاحب الترجمة فنقول:
(كان) (4) محمد بن حازم الباهليّ يكنى أبا جعفر وهو من ساكني بغداد ومولده ومنشؤه بالبصرة. وكان شاعرا مطبوعا من شعراء الدولة العباسية إلّا أنّه كان كثير الهجاء للنّاس فاطّرح. ولم يمدح من الخلفاء إلّا المامون، ولا اتّصل بواحد منهم فتكون له نباهة طبقته. وكان ساقط الهمّة متقلّلا جدا، يرضيه اليسير، ولا يتصدّى لمدح ولا طلب.
حدث الأصبهاني عن الخليل بن أسد، قال (5): سمعت محمد بن حازم الباهلي في منزلنا يقول: بعث إليّ فلان الطاهري (6)، وكنت قد هجوته فأفرطت
__________
(1) من الكامل 2/ 126. والقول في اللسان (ذرع).
ورقمتا الحمار والفرس: الأثران بباطن أعضادها، وقيل الرّقمتان اللتان في باطن ذراعي الفرس لا تنبتان الشّعر (اللسان: رقم).
(2) هو هدبة بن الخشرم شاعر إسلامي فصيح من بادية الحجاز، كان يروي للحطيئة (نحو 50هـ) الأغاني 21/ 274254والوافي بالوفيات ج 27ميكرو فيلم وإدراك الأماني 8/ 163والأعلام 8/ 78.
والبيت في شعره 110والكامل 2/ 126.
رقاش قبيلة من ذبيان كان هدبة مخاصما لبعض أبنائها. الأغاني 21/ 255254.
(3) الكامل 2/ 125.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج. د.
والخبر من الأغاني 14/ 92إلى قوله «لمدح ولا وطلب».
(5) الأغاني 14/ 92.
(6) هو محمد بن حميد بن قحطبة حسب طبقات ابن المعتز 309وهو سعيد بن حميد الكاتب الطوسي حسب الوفيات 3/ 8079.(1/382)
بألف درهم وثياب، وقال: أمّا ما قد مضى فلا سبيل إلى ردّه، ولكن أحبّ أن لا تزيد عليه شيئا. فبعثت إليه بالألف الدرهم والثياب وكتبت إليه (1):
(تام الكامل)
لا ألبس النّعماء من رجل ... ألبسته عارا على الدّهر
وقال (2) محمد بن حازم الباهليّ: مرّ بي أحمد بن سعيد بن سلم (3) وأنا على بابي، فلم يسلم عليّ سلاما أرضاه، فكتبت رقعة وأتبعته بها فيها (4):
(تام السريع)
وباهليّ من بني وائل ... أفاد مالا بعد إفلاس
قطّب في وجهي خوف القرى ... تقطيب ضرغام لدى الباس
وأظهر التّيه فتايهته ... تيه امرئ لم يشق بالنّاس
أعرته إعراض مستكبر ... في موكب مرّ بكنّاس
وحدث (5) أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: أحسن ما قال المحدثون من شعراء هذا الزمان في مديح (6) الشباب وذم الشيب قول محمد بن حازم (7): (تام البسيط)
لا حين صبر فخلّ الدّمع ينهمل ... فقد الشّباب بيوم الموت متّصل
سقيا ورعيا لأيّام الشّباب وإن ... لم يبق منهنّ لا رسم ولا طلل
جرّ الزّمان ذيولا في مفارقه ... وللزّمان على إحسانه علل
وربّما جرّ أذيال الصّبا مرحا ... وبين برديه غصن ناعم خضل (8)
__________
(1) من مقطعة في ثلاثة أبيات في الهجاء أولها:
وفعلت بي فعل المهلّب إذ ... غمر الفرزدق بالنّدى الدّثر
وهي في ديوانه 51وطبقات ابن المعتز 309والوفيات 3/ 80والبيت في الأغاني 14/ 92.
(2) من الأغاني 14/ 93.
(3) أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهليّ هو قائد الواثق على الثغور والعواصم أنظر تاريخ الطبري 9/ 144142.
(4) مقطعة في أربعة أبيات في الهجاء في ديوانه 62والأغاني 14/ 93.
(5) من الأغاني 14/ 9594والخبر في الورقة 110،
(6) ج د: مدح.
(7) ابتداء قصيدة في ديوانه 87والأغاني 14/ 9594ومنها 8أبيات في الورقة 111110.
(8) خضل: ند ورطب ناعم. (اللسان: خضل).(1/383)
لا تكذبنّ فما الدّنيا بأجمعها ... من الشّباب بيوم واحد بدل
كفاك بالشّيب عيبا عند غانية ... وبالشّباب شفيعا أيّها الرّجل
بان الشّباب وولّى عنك باطله ... فليس يحسن منك اللهو والغزل
أمّا الغواني فقد أعرضن عنك قلى ... وكان إعراضهنّ الدّلّ والخجل
أعرنك الهجر ما ناحت مطوّقة ... فلا وصال ولا عهد ولا رسل
ليت المنايا أصابتني بأسهمها ... فكنّ يبكين عهدي قبل أكتهل (1)
عهد الشّباب لقد أبقيت لي حزنا ... ما جدّ ذكراك إلّا جدّ لي ثكل (2)
إن المشيب إذا ما حلّ رائده ... في منهل جاء يقفو إثره الأجل
وقال في ذلك أيضا (3): (تام البسيط)
أبكي الشباب لندمان وغانية ... وللمغاني وللأطلال والكثب
وللصّريخ وللآجام في غلس ... وللقنا السّمر والهنديّة القضب
وللخيال الذي قد كان يطرقني ... وللنّدامى وللذّات والطّرب
يا صاحبا لم يدع فقدي له جلدا ... أضعت بعدك إنّ الدّهر ذو عقب
وقد أكون، وشعبانا معا، رجلا ... يوم الكريهة فرّاجا عن الكرب
ومدح (4) محمد بن حازم بعض بني حميد فلم يثبه، وجعل يفتش شعره فيعيب فيه الشيء بعد الشيء، وبلغه ذلك فهجاه هجاءا كثيرا شنيعا، منه قوله (5): (تام الوافر)
عدوّاك المكارم والكرام ... وخلّك دون خلّتك اللّئام
__________
(1) أج د: تبكين، وهو غلط.
(2) د: أبقيتني، وهو غلط.
(3) مقطعة في خمسة أبيات في بكاء الشباب وهي في ديوانه 23والأغاني 14/ 95.
المغاني جمع مغنى وهو المنزل، الصريخ: المستغيث، والآجام: جمع أجمة وهي الشجر الكثير الملتف، والعقب جمع عقبة بالضم النّوبة والبدل. (القاموس: اجم، الصرخة، العقب، الغنى). والمعنى أنه يبكي الشباب لهذه اللذات. وللآجام في غلس أي للصيد فيها.
(4) من الأغاني 14/ 9795إلى آخر الترجمة.
(5) مقطعة في خمسة أبيات في ديوانه 99والأغاني 14/ 96.
الزّور: الزائر والزائرون. التدام النّساء: ضربهنّ صدورهن ووجوههنّ.
(اللسان: زور، لدم) ويقصد حزن الإنسان وندمه عندما يزور إنسانا لئيما.(1/384)
ونفسك نفس كلب عند زور ... وعقبى زائر الكلب التدام
تهرّ على الجليس بلا احترام ... لتحمشه إذا حضر الطّعام (1)
إذا ما كانت الهمم المعالي ... فهمّك ما يكون به الملام
قبحت ولا سقاك الله غيثا ... وجانبك التّحيّة والسّلام
قال: فبعث إليه ابن حميد بمال واعتذر إليه وسأله الكفّ فلم يفعل وردّ المال عليه وقال فيه (2): (مخلع البسيط)
موضع أسرارك المريب ... وحشو أثوابك العيوب
وتمنع الضّيف فضل زاد ... ورحلك الواسع الخصيب
يا جامعا مانعا بخيلا ... ليس له في العلا نصيب
أبالرّشى يستمال قلبي؟ ... كلّا ومن عنده الغيوب
لا أرتدي حلّة لمثر ... بوجهه من يديّ ندوب
وبين جنبيه لي كلوم ... دامية مالها طبيب
ما كنت في موضع الهدايا ... منك، ولا شعبنا قريب
أنّى، وقد نشّت المكاوي ... عن سمة شأنها عجيب (3)
وسار بالذّمّ فيك شعري ... وقيل لي محسن مصيب
مالك مال اليتيم عندي ... فلا أرى أكله يطيب
حسبك من موجز بليغ ... يبلغ ما يبلغ الخطيب
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) د: لتجشمه وهو غلط.
وحمشه أغضبه (القاموس: حمشه).
(2) القصيدة في ديوانه 37والأغاني 14/ 9796.
الرّحل: المسكن والمنزل (القاموس: الرحل).
(3) نشّت المكاوي: سمع لها صوت عند الكي (اللسان والقاموس: نشش). ويقصد أن قصائد الهجاء وسمته بالمعايب والقبائح وتركت له أثرا سيئا بين الناس.(1/385)
31 - ابن مناذر (1)
اسمه محمد ويكنى أبا جعفر وقيل أبا عبد الله وقيل أبا ذريح، وهو مولى لبني صبير بن يربوع. وقال الجاحظ (2): كان محمد بن مناذر مولى سليمان القهرمان، وكان سليمان مولى عبيد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان أبو بكرة عبدا لثقيف، ثم ادّعى عبيد الله بن أبي بكرة أنه ثقفيّ، وادّعى سليمان القهرمان أنّه تميميّ، وادّعى ابن مناذر أنّه صليبة من بني صبير بن يربوع، فابن مناذر مولى مولى مولى، وهو دعيّ مولى دعيّ مولى دعيّ، وهذا ممّا لا يجتمع في غيره قطّ ممّن عرفنا وبلغنا خبره.
وهو شاعر فصيح مقدّم بالعلم في اللّغة وإمام فيها، قد أخذ عنه أكابر أهلها. وكان في أوّل أمره متنسّكا. ثم عدل عن ذلك فهجا النّاس وتهتّك وقذف أعراض أهل البصرة حتى نفي عنها، فهرب (3) منها في حدّ وجب عليه وذهب إلى مكّة. فبقي بها (4) حتى مات. وكان (5) يجالس سفيان بن عيينة (6)، فكان سفيان يسأله عن معاني حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيخبره بها، ويقول له: كذا مأخوذ من كذا. فيقول سفيان: إن كلام العرب يأخذ بعضه برقاب بعض. وأدرك المهديّ ومدحه ومات في أيام المامون.
وهو (7) يروي عن ابن عيينة وشعبة بن الحجاج الواسطي (8) وأسقط
__________
(1) (198هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 875873والتعازي 309306وطبقات ابن المعتز 125119 والأغاني 18/ 210168ومعجم الأدباء 19/ 6055والوفيات 6/ 224والوافي بالوفيات 5/ 6563وبغية الوعاة 1/ 250249وإدراك الأماني 19/ 138108والأعلام 7/ 111.
(2) من الأغاني 18/ 169إلى قوله: حتى نفي عنها، والقول في معجم الأدباء 19/ 58وبغية الوعاة 1/ 250.
(3) الخبر في الأغاني 18/ 170.
(4) ج د: فيها.
(5) الخبر في الشعر والشعراء 2/ 873وطبقات ابن المعتز 120والأغاني 18/ 170.
(6) سبق التعريف به في الصفحة 16الحاشية 8.
(7) الخبر في الوافي بالوفيات 5/ 64إلى قوله: فيه خير. وهو في معجم الأدباء 19/ 56.
(8) سبق التعريف به في الصفحة 11الحاشية 7.(1/386)
يحيى بن معين (1) روايته وقال: كان صاحب شعر لا صاحب حديث.
كان يتعشّق عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي (2) ويقول فيه الشعر ويشبّب بنساء ثقيف، فطردوه من البصرة فخرج إلى مكة. فكان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى تلدغ النّاس، ويصبّ (3) المداد في الليل بالأماكن التي يتوضّأ النّاس منها حتى تسودّ وجوههم. لا يروي عنه رجل فيه خير.
وجوّزوا (4) في ميمه الفتح فيمنع من الصرف، والضّمّ فيصرف، ففي القاموس (5): «وابن مناذر، ويضم فيصرف. شاعر بصريّ لأنّه محمد بن المنذر ابن المنذر بن المنذر وهم المناذرة أي آل المنذر». انتهى.
قال المبرد في وصفه (6): إنه كان رجلا عالما مقدّما وشاعرا مفلقا وخطيبا مصقعا. وكان من المحدثين فجمع في شعره بين شدّة كلام العرب بروايته، وبين حلاوة المحدثين بعصره ومشاهدته. قال: فمن حلو المراثي قوله يرثي عبد المجيد بن عبد الوهاب (7) (الثقفي، وكان به صبّا. واعتبط (8) عبد المجيد) وهو ابن عشرين سنة من غير علة، وكان من أجمل الفتيان وآدبهم، فذلك قول ابن مناذر فيه (9):
(تام الخفيف)
حين تمّت آدابه وتردّى ... برداء من الشّباب جديد
__________
(1) هو أحد أئمة المحدثين الحفاظ المشهورين اشتهر بجمع الحديث وكتابته ونقد رجاله (233هـ). الوفيات 6/ 143139وميزان الاعتدال 4/ 410وتذكرة الحفاظ 1/ 431429والأعلام 8/ 173172.
(2) كان عبد المجيد هذا من أحسن الناس وجها وأدبا ولباسا وكان على غاية المحبة لابن مناذر والمساعدة له، وكان والده عبد الوهاب محدّثا جليلا وعالما وقورا، يروي عنه وجوه المحدثّين، وكبار الرواة، لا ينكر تشبيب ابن مناذر بابنه. انظر الأغاني 18/ 175، 169.
(3) الخبر في الأغاني 18/ 17.
(4) كان ابن مناذر يغضب إذا قيل له: ابن مناذر بالفتح، ويصيح بأعلى صوته: معاشر الناس، مناذر بالفتح قرية، وأنا ابن مناذر (بالضم) أنظر طبقات ابن المعتز 120والأغاني 18/ 170ومعجم الأدباء 19/ 58.
(5) القاموس: النذر).
(6) الكامل 4/ 61بتصرف.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج.
(8) واعتبط: مات شابا صحيحا (القاموس: عبط).
(9) من قصيدة مطلعها:
كلّ حيّ لاقي الحمام فمود ... ما لحيّ مؤمّل من خلود
منها 39بيتا في الكامل 4/ 6461و 27بيتا في التعازي 309307وعشرة أبيات في الأغاني 18/ 168، 179، 181، 200.
الأملود: الناعم اللّيّن (القاموس: ملده).(1/387)
وسقاه ماء الشبيبة فاهتزّ ... اهتزاز الغصن النّدي الأملود
وسمت نحوه العيون وما كا ... ن عليه لزائد من مزيد
وكأنّي أدعوه وهو قريب ... حين أدعوه من مكان بعيد
فلئن صار لا يجيب فقد كا ... ن سميعا هشّا إذا هو نودي (1)
يا فتى كان للمقامات زينا ... لا أراه في المحفل المشهود
لهف نفسي أما أراك وما عن ... دك لي إن دعوت من مردود!
كان عبد المجيد سمّ الأعادي ... ملء عين الصديق رغم الحسود
عاد عبد المجيد رزءا وقد كا ... ن رجائي لريب دهر كنود (2)
خنتك الودّ لم أمت كمدا بعدك إنّي عليك حقّ جليد لو فدى الحيّ ميّتا لفدت نفسك نفسي بطارفي وتليدي ولئن كنت لم أمت من جوى الحز ... ن عليه، لأبلغن مجهودي
لأقيمنّ مأتما كنجوم اللّيل زهرا يلطمن حرّ الخدود موجعات يبكين للكبد الحرّى عليه وللفؤاد العميد (3)
ولعين مطروفة أبدا قا ... ل لها الدّهر: لا تقرّي وجودي
كلما عزّك البكاء فأنفد ... ت لعبد المجيد سجلا فعودي
لفتى يحسن البكاء عليه ... وفتى كان لامتداح القصيد
__________
(1) هشّ: فرح. سمّ الأعادي: قاتلهم (القاموس: السم، هش) ومعنى هشّ إذا نودي أنه يفرح إذا نودي ليعين أو ليغيث أحدا أو ليستضيفه.
(2) الكنود، بالفتح البخيل (القاموس: الكنود).
(3) العميد: الشديد الحزن. عين مطروفة: متحرّكة، مضطربة. السّجّل: الدّلو الضخمة المملوءة ماء (اللسان: عمد، طرف، سجل).(1/388)
وأول هذه القصيدة الفريدة (1):
كلّ حيّ لاقي الحمام فمودي ... ما لحيّ مؤمّل من خلود
لا تهاب المنون شيئا ولا تر ... عي والد ولا مولود
يقدح الدّهر في شمايخ رضوى ... ويحطّ الصخور من هبّود
منها (2):
أين ربّ الحصن الحصين بسورا ... ء وربّ القصر المنيف المشيد
شاد أركانه وبوّبه با ... بي حديد وحفّه بجنود
كان يجبى إليه ما بين صنعا ... ء فمصر إلى قرى يبرود
وترى خلفه زرافات خيل ... جافلات تعدو بمثل الأسود
فرمى شخصه فأقصده ... الدّهر بسهم من المنايا سديد
ثم لم ينجه من الموت حصن ... دونه خندق وبابا حديد
وملوك من قبله عمروا الدّنيا ... أعينوا بالنّصر والتّأييد
فلو أنّ الأيّام أخلدن حيّا ... لعلاء أخلدن عبد المجيد (3)
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود (4)
ويح أيد حثت عليه وأيد ... دفنته، ما غيّبت في الصّعيد؟
__________
(1) الأبيات في الكامل 4/ 6362والتعازي 307وطبقات ابن المعتز 122. والبيتان الأولان في الأغاني 18/ 168 والوافي بالوفيات 5/ 64.
أودى الرجل: هلك فهو مود. أرعى عليه يرعي عليه: أبقى عليه. الشّماريخ: رؤوس الجبال. رضوى: جبل بالمدينة.
هبّود: جبل (اللسان: رضي، رعى، شمرخ، هبد، ودى).
(2) الأبيات في الكامل 4/ 6463وأغلبها في التعازي 308307وطبقات ابن المعتز 124122وبعضها في الأغاني 18/ 179، 200والوافي بالوفيات 5/ 64.
سوراء بضم أوله موضع يقال هو إلى جنب بغداد وقيل هو بغداد نفسها. يبرود: بليدة بين حمص وبعلبك ويبرود أيضا في قرى بيت المقدس (معجم البلدان 3/ 278، 5/ 427).
(3) ج د: المنايا أخلدن.
(4) نسب هذا البيت خطأ لابن ميادة. انظر شعره 271.(1/389)
إنّ عبد المجيد يوم تولّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود
هدّ ركني عبد المجد وقد كنت بركن، أنوء منه، شديد (1)
فبعبد المجيد تامور نفسي ... عثرت بي، بعد انتعاش جدودي (2)
وبعبد المجيد شلّت يدي اليمنى وشلّت به يمين الجود
فبرغمي كنت المقدّم قبلي ... وبكرهي دلّيت في ملحود
كنت لي عصمة وكنت سماء ... بك تحيا أرضي ويخضرّ عودي
قال إسحاق الموصلي (3): قال ابن مناذر: قلت:
يقدح الدّهر في شماريخ رضوى
ثم مكثت دهرا لا أدري ما أتمّمه به، فسمعت قائلا يقول: هبّود، فقلت (4):
وما هبود؟ فقال لي: جبل في بلادنا. فقلت:
... ويحطّ الصخور من هبّود
قال إسحاق: وسمع أعرابيّ هذا البيت فقال: ما أجهل قائله بهبّود! والله إنّها لأكيمة ما تواري الخارئ، فكيف يحطّ منها (5) الصخور!
وعن (6) عمرو بن كركرة قال: أنشدني ابن مناذر قصيدته الدالية التي رثى بها عبد المجيد، فلما بلغ إلى قوله:
يقدح الدهر في شماريخ رضوى البيت
__________
(1) في الكلام تقديم وتأخير وأصله: كنت أنوء بركن منه شديد.
أنوء: أنهض. (اللسان: نوأ).
(2) ج د ش: تامر، وهو غلط.
التامور: حياة النفس (اللسان: أمر)
(3) الخبر في الأغاني 18/ 181180ومعجم البلدان 5/ 392391.
(4) د: قلت.
(5) ج د: منه.
(6) من الأغاني 18/ 181والخبر في معجم البلدان 5/ 391.(1/390)
قلت له: هبّود أي شيء هو؟ فقال (1): جبل. فقلت له: سخنت عينك (2)، هبّود، والله بئر باليمامة ماؤها ملح لا يشرب منه شيء خلقه الله، وقد والله خريت فيها مرّات. قال: فلمّا كان بعد مدّة، وقفت عليه في مسجد البصرة وهو ينشدها، فلما بلغ هذا البيت أنشده (3):
ويحطّ الصخور من عبّود
فقلت له: عبّود أيش هو زيادة؟ (4). فقال: جبل بالشام، فلعلّك يا ابن الزانية خريت عليه أيضا، فضحكت ثم قلت: لا خريت عليه ولا رأيته. وانصرفت عنه وأنا أضحك.
ومن (5) مختار شعر ابن مناذر قوله في مدح عبد المجيد من (6) قصيدة مطلعها (7) (مخلع البسيط)
شيّب ريب الزّمان رأسي ... لهفي على ريب ذا الزّمان
منها في المديح:
منّي إلى الماجد المرجّى ... عبد المجيد الفتى الهجان
خير ثقيف أبا ونفسا ... إذا التقت حلقتا البطان
نفسي فداء له وأهلي ... وكلّ ما تملك اليدان
كأنّ شمس الضحى وبدر ... الدّجى عليه معلّقان
__________
(1) د: قال.
(2) سخنت عينك: بكت (القاموس: السخن).
(3) أب ج ش هـ، انشدها وهو غلط والتصحيح من د.
(4) كذا في أب ج ش هـ، والأغاني 18/ 181ولعله يقصد: أي شيء آخر زيادة على ما قلت سابقا في هبود.
(5) من الأغاني 18/ 177.
(6) ج د: في.
(7) الأبيات في الأغاني 18/ 177.
الهجان: الكريم. البطان: الحزام الذي يلي البطن يقال: التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتدّ (اللسان: هجن، بطن) ومجمع الأمثال 2/ 186.(1/391)
نيطا معا فوق حاجبيه ... والبدر والشّمس يضحكان
مشمّر همّه المعالي ... ليس برثّ ولا بواني (1)
بنى له عزّة ومجدا ... في أزل الدّهر بانيان
فاسأله عمّا حوت يداه ... يهتزّ كالصّارم اليماني
قال (2) التّوزيّ (3): سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من أيام النحر: ما كانت العرب تسمّيه؟ فقال: لا أعلم، فلقيت ابن مناذر فأخبرته، فقال: أخفي هذا عن أبي عبيدة، هذه أيام متواليات كلّها على حرف الراء، فالأول يوم النّحر والثاني يوم القرّ والثالث يوم النّفر والرابع يوم الصّدر قال: فلقيت أبا عبيدة فأخبرته، فكتبه عنّي عن ابن مناذر.
وحجّ (4) ابن مناذر سنة، فجمعه الموسم مع أبي نواس والحسين بن الضحاك (5) فتناشدا قصيدتيهما في الخمر. قول أبي نواس (6): (تام البسيط)
دع عنك لومي فإنّ اللّوم إغراء ... وداوني باللّتي كانت هي الداء
يقول فيها:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنّما أخذها بالعقل إغفاء
إلى آخرها. وقول الحسين بن الضحاك (7): (تام البسيط)
بدّلت من نفحات الورد بالآء ... ومن صبوحك درّ الإبل والشّاء
__________
(1) ب: برث. أج د: براث، وهو غلط.
(2) الخبر في الأغاني 18/ 206والوافي بالوفيات 5/ 64.
(3) التوزيّ هو أبو محمد عبد الله بن محمد مولى قريش، من علماء النحو واللغة (230هـ) طبقات النحويين 106.
(4) من الأغاني 7/ 203بتصرف إلى قوله: وقام أبو نواس منكسرا».
(5) شاعر ماجن من شعراء الدولة العباسية، يلقب بالخليع لتهتكه وفحشه (250هـ) طبقات ابن المعتز 271268 والأغاني 7/ 226146ومعجم الأدباء 10/ 235.
(6) مطلع قصيدة خمرية وهي في ديوانه 76، والبيت في الأغاني 7/ 202، 203.
(7) مطلع قصيدة في الخمر وهي في ديوانه 2319والبيتان في الأغاني 7/ 147، 202، 203.
الآء: شجر الدّفلى. رقراقة: وصف لدمعة أي دمعة صافية. عين مرهاء. لا كحل فيها (اللسان: أو أ، مره).(1/392)
منها:
فضّت خواتمها في نعت واصفها ... عن مثل رقراقة في عين مرهاء
فتنازعا أيّهما أشعر، فقال أبو نواس: هذا ابن مناذر حاضر الموسم وهو بيني وبينك، فأنشده قصيدته، حتى فرغ منها. فقال ابن مناذر: وما أحسب أن أحدا يجيء بمثل هذه، وهمّ بتفضيله. فقال له الحسين: لا تعجل حتى تسمع، فقال: هات، فأنشده قصيدته حتى انتهى إلى قوله: فضّت خواتمها، البيت، فقال له ابن مناذر: حسبك قد استغنيت (عن) (1) أن تزيد شيئا، والله لو لم تقل في دهرك كلّه غير هذا البيت لفضّلتك به على سائر من وصف الخمر، فقم (2) فأنت أشعر، وقصيدتك أفضل، فحكم له. وقام أبو نواس منكسرا.
والمرهاء: العين الخالية من الكحل، والرقراقة وصف لمقدّر (3)، أي دمعة رقراقة أي دائرة في الحملاق (4)، يقال: ترقرق الدّمع إذا دار في الحملاق. ويعني أنّ هذه الخمر في صفائها كدمعة العين الخالية من الكحل. والله أعلم.
ومن شعر ابن مناذر قوله يرثي سفيان بن عيينة رحمه الله (5):
(تام السريع)
راحوا بسفيان على نعشه ... والعلم مكسوّين أكفانا
إنّ الذي غودر بالمنحنى ... هدّ من الإسلام أركانا
يا واحد الأمة في علمه ... لقيت من ذي العرش غفرانا
لا يبعدنك الله من ميّت ... أورثنا علما وأحزانا
وتوفي ابن مناذر سنة ثمان وتسعين ومائة رحمنا الله وإياه (6) [بمنه].
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) ج د: قم.
(3) ج د: مقدر، وهو غلط.
(4) حملاق العين بالكسر والضم باطن أجفانها (القاموس: حملاق).
(5) الأبيات في الأغاني 18/ 192191، 205والأول والثالث في معجم الأدباء 19/ 60والأبيات الثلاثة الأخيرة في الوافي بالوفيات 5/ 64.
(6) زيادة من ج د.(1/393)
32 - العباس بن الأحنف (1).
ابن طلحة الحنفي اليمامي يكنى أبا الفضل. كان من عرب خراسان، ونشأ ببغداد، وهو شاعر مطبوع من شعراء الدولة العباسية. وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي (2). قال أبو منصور الثعالبي (3): «من عجيب شأنه أنّه أشعر النّاس في الغزل وليس له في المدح و (4) (لا) الهجاء ولا غيرهما مما قالت الشّعراء فيه بيت واحد».
(5) (وفي الأغاني عن محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا حسين بن فهم، قال: سمعت العطويّ (6) يقول: كان العباس بن الأحنف شاعرا مجيدا غزلا، وكان أبو الهذيل العلّاف (7) يبغضه شديدا ويلعنه لقوله (8): (تام البسيط)
إذا أردت سلوّا كان ناصركم ... قلبي، وما أنا من قلبي بمنتصر
فأكثروا أو أقلّوا من إساءتكم ... فكلّ ذلك محمول على القدر
قال: فكان أبو الهذيل يلعنه لهذا ويقول: يعقد الكفر والفجور في شعره. قال محمد ابن يحيى: وأنشدني محمد بن العباس اليزيدي شعرا للعباس بن الأحنف،
__________
(1) (192هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 835831وطبقات ابن المعتز 256253والأغاني 8/ 375351 وتاريخ بغداد 12/ 133127ومعجم الأدباء 12/ 4440والوفيات 3/ 2720والوافي بالوفيات 16/ 644638 والأعلام 3/ 259.
(2) من وجوه الكتّاب، وله شعر جيد، تنقل في أعمال السلطان والدواوين (243هـ) الأغاني 10/ 6743والوفيات 1/ 4744والأعلام 1/ 45.
(3) خاص الخاص 117.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د، إلى قوله «ظفر ببعضه».
والخبر من الأغاني 8/ 355354إلى البيت:
كذّبت بالقدر تشتهي القدر
(6) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية، بصريّ المولد والمنشأ، وكان شاعرا كاتبا من شعراء الدولة العباسية، وأحد المتكلمين الحذّاق (250هـ) الأغاني 22/ 128123ومعجم الشعراء 432وإدراك الأماني 7/ 214.
(7) هو محمدف بن الهذيل، كان شيخ البصريين في الاعتزال، ومن أكبر علمائهم، وكان إبراهيم النظام من أصحابه (235هـ). طبقات المعتزلة 263254والوفيات 4/ 267265والأعلام 7/ 131.
(8) من قصيدة في الغزل مطلعها
عيناي شامت دمي والشؤم في النظر ... بعدا لعين تبيع النوم بالسّهر
وهي في ديوانه 119118والبيتان في الأغاني 8/ 354.(1/394)
أظنه يهجو به أبا الهذيل العلاف، وما سمعت للعباس هجاء غيره (1):
(تام البسيط)
يا من يكذّب أخبار الرسول لقد ... أخطأت في كلّ ما تأتي وما تذر
كذّبت بالقدر الجاري عليك فقد ... أتاك منّي بما لا تشتهي القدر
فيستثنى هذان البيتان من قول أبي منصور الثعالبي أنه ليس له في الهجاء ولا في المدح ولا غيرهما مما قالت الشعراء فيه بيت واحد.
وفي العباس يقول الأصمعي، (2) (وقد أنشد قوله): (تام البسيط)
أتأذنون لصبّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السّمع والبصر!
لا يضمر السّوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النّظر!
ما زال هذا الفتى يدخل يده في جرابه، فلا يخرج شيئا، حتى أدخلها، فأخرج هذا، ومن أدمن طلب شيء ظفر ببعضه).
وفيه (3) يقول بشار: مازال غلام بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها حتى قال: (4): (تام الكامل)
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار؟!
ومن بديع شعره قوله (5) (تام البسيط)
نزوركم لا نكافيكم بجفوتكم ... إنّ المحبّ إذا لم يستزر زارا
__________
(1) البيتان في ديوانه 152وفي الأغاني 8/ 355.
(2) ما بين القوسين ساقط من ب.
والبيتان في ديوانه 147والأغاني 8/ 357356.
(3) الخبر في الأمالي 1/ 208وخاص الخاص 117والوفيات 3/ 20والوافي بالوفيات 16/ 638.
(4) من قصيدة في الغزل مطلعها:
غضب الحبيب فهاج لي استعبار ... والله لي ممّا أحاذر جار
وهي في ديوانه 118115والبيتان في الأمالي 1/ 209وخاص الخاص 117وتاريخ بغداد 12/ 130والوفيات 3/ 20والوافي بالوفيات 16/ 640والبيت الثاني في الأغاني 8/ 369.
(5) البيتان في ديوانه 125والإعجاز 173172ولطائف اللطف 135وأحسن ما سمعت 43والأول في العقد الفريد 6/ 212والتطفيل 57، 78والثاني في نثر النظم 111.(1/395)
يقرّب الشّوق دارا وهي نازحة ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وقوله (1): (تام الكامل)
تعب يكون مع الرّجاء بذي الهوى ... خير له من راحة في الياس
لولا كرامتكم لما عاتبتكم ... ولكنتم عندي كبعض الناس
وقوله، وفيه تشبيه حسن إلى الغاية (2) (حتى قال الرياشي: والله لو لم يقل من الشّعر إلّا هذين البيتين لكفياه) (3): (تام المنسرح)
أحرم منك بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
صرت كأنّي ذبالة نصبت ... تضيء للنّاس وهي تحترق
وقوله (4): (الطويل)
تعالي نجدّد دارس العهد بيننا ... كلانا على طول الجفاء ملوم
وقوله (5): (تام البسيط)
أبكي الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
وقوله (6): (تام الوافر)
إذا امتنع القريب فلم تنله ... على قرب فذاك هو البعيد
__________
(1) البيتان في الرجاء واليأس وهي في ديوانه 161والوفيات 3/ 21والوافي بالوفيات 16/ 640.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(3) البيتان من مقطعة في أربعة أبيات في الغزل أولها:
إنك لا تعرفين ما الهمّ وال ... غمّ ولا تعرفين ما الأرق
وهي في ديوانه 197196والبيتان في الشعر والشعراء 2/ 832وطبقات ابن المعتز 255والأغاني 8/ 370 والإعجاز 172وأحسن ما سمعت 107والوفيات 3/ 23والثاني في المنتحل 174ونهاية الأرب 3/ 84.
(4) من مقطعة في ثلاثة أبيات في الغزل أولها:
أناسية ما كان بيني وبينها ... وقاطعة حبل الصفاء ظلوم
وهي في ديوانه 252والبيت في الأغاني 8/ 365.
(5) أول مقطعة في ستة أبيات في الغزل في ديوانه 8584والبيت في الشعر والشعراء 2/ 832وطبقات ابن المعتز 254والأغاني 8/ 365والوفيات 3/ 20والوافي بالوفيات 16/ 638.
(6) من مقطعة في خمسة أبيات في الغزل أولها:
تقول وقد كشفت المرط عنها ... وذلك لو ظفرت به الخلود
وهي في ديوانه 97والبيت في الأغاني 8/ 360.(1/396)
قال أبو العتاهية (1): ما حسدت أحدا ما حسدته على هذا البيت.
وقوله (2): (تام الكامل)
والله لو أنّ القلوب كقلبها ... ما رقّ للولد الضّعيف الوالد
وقوله (3): (تام الكامل)
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار
وقوله (4): (تام الكامل)
لو كنت عاتبة لسكّن روعتي ... أملي رضاك، وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صدّ العاتب
وقوله (5): (تام البسيط)
أرى الطريق قريبا حين أسلكه ... إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف
وقوله: (تام البسيط)
(6) (تعتل بالشغل عنّي ما تكلّمني ... الشّغل للقلب ليس الشغل للبدن
قال الزّبير بن بكار (7): العباس بن الأحنف أشعر الناس حيث يقول هذا البيت
__________
(1) الأغاني 8/ 360
(2) من قصيدة في الغزل مطلعها:
قالت: مرضت، فعدتها فتبرّمت ... وهي الصحيحة والمريض العائد
وهي في ديوانه 8280والبيت في الأغاني 8/ 357
(3) من قصيدة في الغزل مطلعها:
غضب الحبيب فهاج لي استعبار ... والله لي ممّا أحاذر جار
وهي في ديوانه 118115والبيت في الأغاني 8/ 357.
(4) أول مقطعة في أربعة أبيات في الغزل. وهي في ديوانه 36. والبيتان في الشعر والشعراء 2/ 832وطبقات ابن المعتز 254والأغاني 8/ 255ونهاية الأرب 3/ 84.
(5) البيت في الغزل. وهو في ديوانه 179والمنتحل 174ونهاية الأرب 3/ 84.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج د.
والبيت من مقطعة في أربعة أبيات في الشكوى من البعد والنوى أولها:
أغيب عنك بودّ لا يغيّره ... نأي المحلّ ولا صرف من الزّمن
وهي في ديوانه 276والبيت في الأغاني 8/ 358وتاريخ بغداد 12/ 129والوفيات 3/ 23.
(7) من أعيان العلماء تولى القضاء بمكة وهو راوية عالم بالأنساب وأخبار العرب وصنّف الكتب منها جمهرة نسب قريش وكتاب الأخبار الموفقيات (256هـ) تاريخ بغداد 8/ 471467والوفيات 2/ 212311والأعلام 3/ 42.
والقول في الأغاني 8/ 358وتاريخ بغداد 12/ 129والوفيات 3/ 23.(1/397)
ولا أعلم شيئا من أمور الدنيا خيرها وشرّها إلّا وهو يصلح أن يتمثّل فيه بهذا النصف الأخير منه).
وقوله (1): (تام الرمل)
مت على من غبت عنه أسفا ... لست منهم بمصيب خلفا
أو ترى قرّة عين أبدا ... أو ترى نحوهم منصرفا
قلت لمّا شفّني وجدي بهم ... حسبي الله لما بي وكفى
بيّن الدّمع لمن أبصرني ... ما تضمّنت إذا ما ذرفا
وقوله (2): (الطويل)
جرى السّيل فاستبكاني السّيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلّا أن تيقّنت أنّه ... يمرّ بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا قبلكم فإذا انتهى ... إليكم، تلقّى طيبكم فيطيب
أيا ساكني أكناف دجلة كلّكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
وتوفي (3) العباس بن الأحنف سنة ثمان وثمانين ومائة. وقيل سنة اثنتين وتسعين ومائة. ومات يوم موته إبراهيم الموصلي (4) وعلي بن حمزة الكسائي (5)
(6) (النحوي وهشيمة الخمارة (7). فرفع ذلك إلى الرشيد، فأمر المامون أن يصلّي عليهم، فخرج) فصفّوا بين يديه، فقال: من هذا الأول؟ قيل: إبراهيم الموصلي فقال: أخّروه وقدّموا العباس بن الأحنف، فقام فصلّى عليهم. فلما فرغ
__________
(1) مقطعة في أربعة أبيات في الشوق والوجدوهي في ديوانه 190189والأغاني 6/ 166165.
(2) الأبيات في الغزل والشوق وهي في ديوانه 29والوافي بالوفيات 16/ 643ونسبت الأبيات الثلاثة الأولى لمجنون بني عامر في الأغاني مع أبيات أخرى.
غروب جمع غرب وهو الدلو العظيمة (القاموس: الغرب).
(3) الخبر في الأغاني 5/ 255254وتاريخ بغداد 12/ 132والوفيات 3/ 25والوافي بالوفيات 16/ 639.
(4) هو النديم المغنّي المشهور نادم هارون الرشيد وغنّى له (188هـ) الأغاني 5/ 258154والوفيات 1/ 4342.
(5) هو أحد القراء السبعة، إمام في النحو واللغة، عالم أهل الكوفة وإمامهم كان يؤدّب الأمين بن هارون الرشيد (188هـ وقيل 189وقيل 192وقيل 193) مراتب النحويين 121120وطبقات النحويين 130127 والأغاني 5/ 254والوفيات 3/ 25، 297295والأعلام 4/ 283.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.
(7) هي امرأة كانت تبيع الخمر وكانت جارة لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وكانت تخصّه بأطيب الشّراب وجيّده وقد رثاها عند موتها بحسن القيادة. الأغاني 5/ 410وشرح المقامات 1/ 214.(1/398)
وانصرف دنا منه هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعي، فقال: يا سيدي كيف آثرت العباس بن الأحنف بالتقدمة على من حضر؟ قال لقوله (1): (تام الكامل)
وسعى بها ناس فقالوا إنّها ... لهي التي تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم ... إنّي ليعجبني المحبّ الجاحد
ثم قال: أتحفظها؟ قلت: نعم قال: أنشدني باقيها، فأنشدته (2):
لما رأيت الليل سدّ طريقه ... عنّي وعذّبني الظّلام الراكد
والنّجم في كبد السّماء كأنّه ... أعمى تجيّر ما لديه قائد
ناديت من طرد الرّقاد بصدّه ... عمّن أعالج وهو خلو هاجد
يا ذا الذي صدع الفؤاد بهجره ... أنت البلاء طريفه والتّالد
ألقيت بين جفون عيني حرقة ... فإلى متى أنا ساهر يا راقد (3)؟
فقال المامون: أليس من قال هذا الشّعر حقيقا بالتقدمة؟ فقلت: بلى والله يا سيدي.
رحمنا الله وإياهم بمنه وكرمه (4) [آمين].
33 - محمد بن وهيب الحميري (5)
شاعر (6) مطبوع من أهل بغداد من شعراء الدولة العباسية وأصله من البصرة وله أشعار كثيرة يذكرها فيها، ويصف إيطانه لها (7) (ومنشأه بها).
__________
(1) من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 222الحاشية 2.
والبيتان في الأغاني 5/ 254وتاريخ بغداد 12/ 132والوفيات 3/ 25والوافي بالوفيات 1396.
(2) الأبيات في الأغاني 5/ 254والأبيات الثلاثة الأولى في تاريخ بغداد 12/ 130.
(3) أب ج د ش: خرقة وهو غلط صوّبناه من الأغاني. وفي الديوان: فرقة ونظنه تصحيفا.
(4) زيادة من ج د.
(5) (225هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 313310والأغاني 19/ 9673ومعجم الشعراء 421420وخاص الخاص 94والوافي بالوفيات 5/ 179ومعاهد التنصيص 1/ 230220وإدراك الأماني 24/ 3117والأعلام 7/ 134.
(6) من الأغاني 19/ 74بتصرف.
(7) ما بين القوسين ساقط من د.(1/399)
روي (1) أنّه اجتمع الشعراء بباب المعتصم، فبعث إليهم محمد بن عبد الملك الزيات (2) أنّ أمير المومنين يقول لكم: من كان منكم يحسن أن يقول مثل قول النّمريّ (3) في الرشيد:
(تام البسيط)
خليفة الله إن الجود أودية ... أحلّك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصّلوات الخمس ينتفع
إن أخلف القطر لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع
فليدخل وإلّا فلينصرف، فقام محمد بن وهيب، فقال: فينا من يقول مثله، قال:
وأيّ شيء قلت؟ فقال (4): (تام البسيط)
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ... شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر
يحكي أفاعيله في كلّ نائبة ... الغيث واللّيث والصمصامة الذّكر (5)
فأمر بإدخاله وأحسن جائزته.
وحدّث أبو الفرج الأصبهاني عن علي بن يحيى المنجم قال (6): بلغ محمد ابن وهيب أنّ دعبل بن عليّ قال: أنا ابن قولي (7): (تام الكامل)
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
__________
(1) من الأغاني 19/ 7574بتصرف إلى قوله: «وأحسن جائزته».
(2) هو وزير المعتصم والواثق، عالم باللغة والأدب من بلغاء الكتاب والشعراء (233هـ) تاريخ الطبري 9/ 160156 ومعجم الشعراء 425والوفيات 5/ 10394والأعلام 6/ 248.
(3) النمري هو منصور النمريّ الذي سبقت ترجمته برقم 28.
والأبيات من قصيدة طويلة مطلعها:
ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إلّا ذكرت شبابا ليس يرتجع
وهي في شعره 10395.
(4) البيتان في الأغاني 19/ 73وهما في مدح أبي إسحاق المعتصم الخليفة العباسي. أنظر تاريخ الطبري 8/ 360.
(5) د: الغيث والليل (الليل) غلط.
(6) الأغاني 19/ 85. والخبر في معاهد التنصيص 1/ 229.
(7) من مقطعة في سبعة أبيات في الغزل وذكر الشيب أولها:
أين الشباب وأيّة سلكا ... لا أين يطلب، ضلّ بل هلكا
وهي في ديوانه 118117والبيت في الشعر والشعراء 2/ 854وطبقات ابن المعتز 73والأغاني 19/ 85، 20/ 125، 127، ومعاهد التنصيص 1/ 229(1/400)
وأنّ أبا تمام قال: أنا ابن قولي (1): (تام الكامل)
قلّب فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلّا للحبيب الأوّل
فقال (2) محمد بن وهيب وأنا ابن قولي (3): (المديد)
ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا
لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا
قال أبو الفرج (4): وهذا من جيّد شعره ونادره، وأول هذه الأبيات:
نم فقد وكّلت بي الأرقا ... لاهيا تغري بمن عشقا
إنّما أبقيت من جسدي ... شبحا غير الذي خلقا
كنت كالنّقصان في قمر ... ماحقا منه الذي اتّسقا
وفتى ناداك من كثب ... أسعرت أحشاؤه حرقا
غرقت في الدمع مقلته ... فدعا إنسانها الغرقا
إنّما عاقبت ناظره ... أن أعاد الطّرف مسترقا
ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا
لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا
قدحت كفّاك زند هوى ... في سواد القلب فاحترقا
وحدث أبو الفرج الأصبهاني (5) رحمه الله عن عمّه، قال: حدثني أبو عبد الله الهاشميّ عن أبيه، قال: دخل محمد بن وهيب على أحمد بن هشام (6) يوما
__________
(1) من مقطوعة في الغزل أولها:
البين جرّعني نقيع الحنظل ... والبين أثكلني وإن لم أثكل
وهي في ديوانه 4/ 253والبيت في الأغاني 19/ 85، 20/ 125ومعاهد التنصيص 1/ 229.
(2) د: قال.
(3) البيتان في الأغاني 19/ 85ومعجم الشعراء 421والوافي بالوفيات 5/ 189ومعاهد التنصيص 1/ 229.
(4) الأغاني 19/ 8685، وفيه الأبيات.
(5) الأغاني 19/ 86، والخبر في الوافي بالوفيات 5/ 189ومعاهد التنصيص 1/ 228.
(6) هو أحد وجوه القواد العباسيين. أنظر نتفا من أخباره في تاريخ الطبري 8/ 391، 393ومروج الذهب 3/ 391 والوفيات 1/ 390.(1/401)
وقد مدحه، فرأى بين يديه غلمانا روقة (1) مردا، وخدما بيضا فرهة في نهاية الحسن والكمال والنظافة، فدهش لما رأى، وبقي متبلّدا لا ينطق بحرف، فضحك أحمد منه وقال (2) (له: مالك)؟، ويحك، تكلّم بما تريد، فقال (3): (تام الكامل)
قد كانت الأصنام وهي قديمة ... كسرت وجدّعهنّ إبراهيم
ولديك أصنام سلمن من الأذى ... وصفت لهنّ غضارة ونعيم
وبنا إلى صنم نلوذ بركنه ... فقر وأنت إذا هززت كريم
فقال له: اختر من شئت، فاختار واحدا منهم، فأعطاه إياه، فقال يمدحه (4): (تام الكامل)
فضلت مكارمه على الأقوام ... وعلا فحاز مكارم الأيّام
وعلته أبّهة الجلال كأنّه ... قمر بدا لك من خلال غمام
إنّ الأمير على البريّة كلّها ... بعد الخليفة أحمد بن هشام
وعن (5) الحسن بن الحسن بن رجاء عن أبيه قال: لمّا قدم المامون ولقيه أبو محمد الحسن بن سهل (6) دخلا جميعا فعارضهما ابن وهيب فقال (7):
(تام البسيط)
اليوم جدّدت النّعماء والمنن ... فالحمد لله حلّ العقدة الزّمن
اليوم أظهرت الدنيا محاسنها ... للنّاس لمّا التقى المامون والحسن
__________
(1) غلمان روقة بالضم حسان، يقال وصيف روقة. ووصفاء روقة. فرهة جمع فاره مثل صحبة وصاحب، وغلام فاره: حسن الوجه مليح. (اللسان: روق، فره).
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) الأبيات في الأغاني 19/ 86والوافي بالوفيات 5/ 189ومعاهد التنصيص 1/ 228.
وجدّعهنّ إبراهيم: أي كسرهن، يشير إلى قوله تعالى {«فَجَعَلَهُمْ جُذََاذاً إِلََّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ»}. سورة الأنبياء 21/ 58.
(4) الأبيات في الأغاني 19/ 86ومعاهد التنصيص 1/ 228.
(5) من الأغاني 19/ 8886إلى آخر الخبر وهو في معاهد التنصيص 1/ 226224.
(6) هو وزير المامون وصهره وأحد القادة الكبار في عصره، كان عالي الهمة، كثير العطاء للشعراء وغيرهم (236هـ).
تاريخ بغداد 7/ 323319والوفيات 2/ 123120والأعلام 2/ 192.
(7) البيتان في الأغاني 19/ 87ومعاهد التنصيص 1/ 225224.(1/402)
قال: فلمّا جلسا سأله المامون عنه، فقال: هذا رجل من حمير، شاعر مطبوع اتّصل بي متوسلا إلى أمير المومنين، وطالبا الوصول مع نظرائه، فأمر المامون بإيصاله مع الشعراء، فلما وقف بين يديه وأذن له في الإنشاد، أنشده قوله (1):
(تام الكامل)
طللان طال عليهما الأمد ... دثرا فلا علم ولا نضد
لبسا البلى فكأنّما وجدا ... بعد الأحبّة مثل ما وجدوا
حيّيتما طللين حالهما ... بعد الأحبّة غير ما عهدوا (2)
إمّا طواك سلوّ غانية ... فهواك لا ملل ولا فند (3)
إن كنت صادقة الهوى فردي ... في الحبّ منهلنا الذي نرد
أدمي هرقت وأنت آمنة؟ ... أم ليس لي عقل ولا قود؟
إن كنت فتّ وخانني سبب ... فلربّما لم يحظ مجتهد
حتى انتهى إلى قوله في مدح المامون (4):
يا خير منتسب لمكرمة ... في المجد حيث تبحبح العدد
في كلّ أنملة لراحته ... نوء يسحّ وعارض حشد
وإذا القنا رعفت أسنّته ... علقا وصمّ كعوبه قصد (5)
فكأنّ ضوء جبينه قمر ... وكأنّه في صولة أسد
وكأنّه روح تدبّرنا ... حركاته وكأنّنا جسد (6)
__________
(1) القصيدة في الأغاني 19/ 87ومعاهد التنصيص 1/ 225.
نضد: ما نضد من متاع والسرير ينضّد عليه (القاموس: نضد)
(2) أب ج د: خانهما بعد، وهو غلط. والتصحيح من الأغاني ومعاهد التنصيص.
(3) حاشية ح: «خ إما طواك، وكذلك في الأغاني ومعاهد التنصيص. أب ج د ش: إما طوال. أب د ش: تهواك، وهو غلط، والتصحيح من ج، والأغاني ومعاهد التنصيص.
(4) الأبيات في الأغاني 19/ 8887ومعاهد التنصيص 1/ 226225.
النّوء: المطر. العارض: السحاب الذي يعترض في أفق السماء. حشد: لا ينقطع ماؤه. (اللسان: حشد، عرض، نوأ).
(5) أج د ش: كعوبه. ب: كعوبها
العلق: الدّم. القصد جمع قصدة وهي القطعة مما يكسر (القاموس: العلق، القصد).
(6) د: وكأنه جسد. (وكأنه) غلط.(1/403)
فاستحسنها المامون، وقال: يا محمد، احتكم. فقال: أمير المومنين أولى بالحكم، ولكن إن أذن لي في المسألة سألته، فأمّا الحكم فلا، فقال: سل فقال: يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة (1)، فقال: ذلك والله أردت، وأمر بأن تعدّ أبيات قصيدته، ويعطى لكلّ بيت ألف درهم. فعدّت، فكانت خمسين فأعطي خمسين ألف درهم.
(2) وكان محمد بن وهيب لمّا قدم المامون من خراسان مضاعا مطّرحا إنّما يتصدّى للعامة وأوساط الكتّاب والقواد بالمديح، ويسترفدهم فيحظى باليسير، فلما هدأت (3) (الأمور) واستقرّت واستوسقت (4) جلس أبو محمد الحسن بن سهل يوما منفردا بأهله وخاصته ومن يقرب من أنسه فتوسل إليه محمد بن وهيب بالحسن بن رجاء (5) حتى أوصله مع الشعراء، فلما انتهى إليه القول استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشد قصيدته التي أولها (6): (الطويل)
وديعة أسرار طوتها السرائر ... وباحت بمكتوماتهنّ النواظر (7)
ملكت لها طيّ الضمير وتحته ... شبا لوعة عضب الغرارين باتر
فأعجم منها ناطق وهو معرب ... وأعربت العجم العيون النواظر (8)
ألم تغذني السّراة في ريّق الهوى ... غريرا بما تجني عليّ الدّوائر (9)
(تسالمني الأيام في عنفوانه ... ويكلؤني طرف من الدهر ناظر) (10)
__________
(1) سبق التعريف به في الصفحة 188والحاشية 1.
(2) من الأغاني 19/ 8179إلى آخر الخبر بتصرف، وهو في معاهد التنصيص 1/ 223222.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) د: واسترسلت.
(5) أب: بالحسن بن الحسن بن رجاء. وهو غلط. أنظر الأغاني 19/ 79.
والحسن بن رجاء أمير عباسي مشهور بتقريب الشعراء ومنادمتهم. الكامل 1/ 308، 2/ 208وطبقات ابن المعتز 283282، 401398ومروج الذهب 3/ 480والأغاني 7/ 201200.
(6) الأبيات في الأغاني 19/ 79والثلاثة الأولى في معاهد التنصيص 1/ 222.
(7) ب: بمكتوماتهن الضمائر. وجاء في حاشية (أ): «خ الضمائر» وفي حاشية أخرى في (أ): «صح النواظر».
الشّبا: حدّ كلّ شيء. عضب: قاطع. الغرار بالكسر: حدّ الرمح والسهم والسيف (القاموس: شبا، العضب، غره).
(8) الأغاني ومعاهد التنصيص: وأعربت العجم الجفون العواطر. أ. ب. ج ش: وأعجبت.
(9) ج د: السراء.
والسراة جمع سري وهو الشريف السخيّ (اللسان: سرا).
(10) د: تعالمني الأيام، وهو غلط، وما بين القوسين ساقط من ج.(1/404)
(1) (حتى انتهى إلى قوله) (2):
إلى الحسن الباني العلى يمّمت بنا ... عوالي المنى حيث العلى المتظاهر (3)
إلى الأمل المبسوط والأجل الذي ... بأعدائه تكبو الجدود العواثر
ومن أنبعت عين المكارم كفّه ... يقوم مقام القطر والرّوض داثر
تعصّب تاج الملك في عنفوانه ... وأطّت به عصر الشباب المنابر (4)
تعظّمه الأوهام قبل عيانه ... ويصدر عنه الطّرف والطّرف حاسر
به تجتدى النّعمى وتستدرك المنى ... وتستكمل الحسنى وترعى الأواصر
أهاب بنا داعي نوالك موذنا ... بجودك إلّا أنّه لا يحاور
قسمت صروف الدّهر بأسا ونائلا ... فمالك موتور وسيفك واتر
ولما رأى الله الخلافة قد وهت ... دعائمها والله بالأمر خابر (5)
بنى بك أركانا عليها محيطة ... فأنت لها دون الحوادث ساتر
وأرعن فيها للسّوابغ جنّة ... وسقف سماء أنشأته الحوافر (6)
يعني أن على الدروع من الغبار ما قد غشيها فصار كالجنّة لها:
لكم فلك فيها الأسنّة أنجم ... ونقع المنايا مستطير وثائر
أجزت قضاء الموت في مهج العدى ... ضحى فاستباحتها المنايا الغوادر (7)
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من أد.
(2) الأبيات في الأغاني 19/ 8180وبعضها في معاهد التنصيص 1/ 223222.
(3) حاشية ج «صح حيث». الأغاني: حيث. أب ج د ش: جيش، وهو غلط.
(4) د: يعصب.
أطّ يئطّ أطيطا: صوّت (القاموس: أط)
ويقصد بقوله: تعصّب أنه وضع التاج على رأسه كالعصابة.
(5) د: دعائمه وهو غلط.
(6) ب، الأغاني: جنة. أج د ش: جبّة.
جيش أرعن: له فضول، ويقال: الجيش الأرعن هو المضطرب لكثرته. السوابغ جمع سابغة وهي الدّرع الواسعة. (اللسان:
رعن، سبغ).
(7) ب، الأغاني: ضحى فاستباحتها. أج د ش: به فاستباحتها.(1/405)
لك اللّحظات الكالئات قواصدا ... بنعمى وبالبأساء فهي شواذر (1)
ولو لم تكن إلّا بنفسك فاخرا ... لما انتسبت إلّا إليك المفاخر
قال: فطرب أبو محمد حتى نزل عن سريره إلى الأرض وقال: أحسنت والله.
وأجملت، ولو لم تقل قطّ ولا تقول في باقي دهرك غير هذا، لما احتجت إلى القول.
وأمر له (2) بخمسة آلاف دينار فأحضرت، واقتطعه إلى نفسه فلم يزل في جنبه (3) أيام ولايته، وبعد ذلك إلى أن مات، فما تصدّى إلى غيره.
(4) وكان محمد بن وهيب قد مدح عليّ بن هشام (5)، وتردّد إليه وإلى بابه دفعات فحجبه، ولقيه يوما، فتعرّض له في طريقه وسلّم عليه، فلم يرفع إليه طرفه، وكان في تيه شديد. فكتب إليه رقعة يعاتبه فيها، فلما وصلت إليه خرّقها وقال: أيّ شيء يريد هذا الثقيل السيء الأدب؟ فقيل له ذلك، فانصرف مغضبا، وقال: والله ما أردت ماله، وإنما أردت التّوصّل بجاهه، وسيغنيني الله عز وجل.
أما والله ليندمنّ على فعله. وقال يهجوه (6): (تام البسيط)
أزرت بجود عليّ خيفة العدم ... فصدّ منهزما عن شأوذي الهمم
لو كان من فارس في بيت مكرمة ... أو كان من ولد الأملاك في العجم
أو كان أوّله أهل البطاح أو الرّكب ... الملبّون إهلالا إلى الحرم
أيّام تتّخذ الأصنام آلهة ... فلا ترى عاكفا إلّا على صنم
لشجّعته على فعل الملوك لهم ... طبائع لم ترعها خيفة العدم
لم تند كفّاك من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
__________
(1) شواذر: مهدّدة من التّشذّر وهو التّهدّد والتّوعّد. (اللسان: شذر). وفي الأساس (شذر): «وأقبل يتشذّر: يتهدّد».
ويقصد أن له أوقاتا يحفظ فيها من يشاء ويرعاه فتصيبه النّعمى، ويتهدد من يشاء فتصيبه البأساء.
(2) ج: لي.
(3) ج: جنبته.
(4) من الأغاني 19/ 8281، والخبر في معاهد التنصيص 1/ 224223.
(5) هو أحد قواد المامون الذي أعانه في حربه مع معارضيه فقرّبه وأغدق عليه، وولّاه الولايات الواسعة، ثم قتله سنة 217 أنظر نتفا من أخباره في تاريخ الطبري 8/ 544543، 566، 572، 574، 614، 622، 626، 628 627.
(6) الأبيات في الأغاني 19/ 8281ومعاهد التنصيص 1/ 224223.(1/406)
كنت امرءا رفعته فتنة فعلا ... أيّامها غادرا بالعهد والذّمم
حتّى إذا انكشفت عنّا عمايتها ... ورتّب النّاس بالأحساب والقدم (1)
(2) (مات التّخلّقّ وارتدّتك مرتجحا ... طبيعة نذلة الأخلاق والشّيم) (2)
كذاك من كان لا رأسا ولا ذنبا ... كزّ اليدين حديث العهد بالنّعم (3)
هيهات ليس بحمّال الدّيات ولا ... معطي الجزيل ولا المرهوب ذي النّقم
فحدث بعض بني هشام أن هذه الأبيات، لما بلغت عليّ بن هشام، ندم على مكان منه، وجزع (4) منها، وقال: لعن الله اللّجاج، فإنه شرّ خلق تخلّقه النّاس، ثم أقبل على أخيه الخليل بن هشام فقال: الله يعلم أنّي لا أدخل على الخليفة متقلّدا السيف إلا وأنا مستح منه، أذكر قول ابن وهيب:
لم تند كفّاك من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
وعن (5) ابن الأعرابي (6) أنه كان يقول: أهجى بيت قاله المحدثون قول محمد بن وهيب:
لم تند كفّاك من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
(7) وكان محمد بن وهيب يحضر مجلس يزيد بن هارون (8) ويتردّد إليه، فلزمه عدة مجالس يملي فيها كلها فضائل أبي بكر وعمر وعثمان
__________
(1) د: عنك عمايتها. (عنك) غلط.
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) أب ج د: لا رأس ولا ذنب. الأغاني والمعاهد: لا رأسا ولا ذنبا.
(4) ج د: وفزع.
(5) من الأغاني 19/ 82والخبر في معاهد التنصيص 1/ 224.
(6) هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي وهو راوية لأشعار القبائل وأنسابها، وكان عالما باللغة وهو ربيب المفضل الضبي صاحب المفضليات (231هـ) مراتب النحويين 147وطبقات النحويين 197195والوفيات 4/ 309306.
(7) من الأغاني 19/ 83بتصرف.
(8) من علية المحدّثين وعظيم من عظمائهم، كان واسع العلم بالدين (206هـ). مروج الذهب 3/ 446وتذكرة الحفاظ 1/ 320317والأعلام 8/ 190.(1/407)
رضي الله عنهم تعالى ولم يذكر شيئا من فضائل عليّ كرّم الله وجهه» فقال فيه ابن وهيب (1): (تام البسيط)
آتي يزيد بن هارون أدالجه ... في كلّ يوم ومالي وابن هارون
فليت لي بيزيد حين أشهده ... راحا وقصفا وندمانا يسلّيني
أغدو إلى عصبة صمّت مسامعهم ... عن الهدى بين زنديق ومابون (2)
لا يذكرون عليّا في مشاهدهم ... ولا بنيه بني البيض الميامين
إني لأعلم أنّي لا أحبّهم ... كما هم بيقين لا يحبّوني
لو يستطيعون في ذكري أبا حسن ... وفضله قطّعوني بالسّكاكين
ولست أترك تفضيلي له أبدا ... حتى الممات على رغم الملاعين
وكان (3) ابن عائشة القرشي (4) يقول: «لأنا بوجدان الكلم أسرّ منّي بوجدان ضالة النّعم». فإذا قيل له: مثل هذا؟ قال: مثل قول ابن وهيب الحميري (5):
(الطويل)
وإنّي لأرجو الله حتى كأنّني ... أرى بجميل الظنّ ما الله صانع
قال أبو منصور الثعالبي (6) رحمه الله: لم يصف أحد الدنيا كوصف ابن وهيب إياها في قوله (7): (الطويل)
وقد دبّت الدنيا إليّ صروفها ... وخاطبني إعجامها وهو معرب
ولكنّني منها خلقت لغيرها ... وما كنت منه فهو شيء محبّب
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) أد ش: اني يزيد (انى) غلط.
والأبيات في الأغاني 19/ 8483.
أدالجه من أدلج القوم إذا ساروا من أول الليل (اللسان: دلج) والمقصور هنا ب أدالجه أي أسير إليه أوّل الليل.
(2) أش: أغدو ولي وهو غلط. والتصحيح من ب ج د والأغاني. ب: مأفون.
المأبون هو المتّهم بالشر. والمأفون هو الضعيف الرأي والعقل. (القاموس: أبنه، افن).
(3) من الإعجاز 183وخاص الخاص 119إلى آخر البيت التالي.
(4) هو عبد الرحمن بن عبيد الله، شاعر متأدّب من أهل البصرة، اتّصل بالقاضي المعتزلي المشهور أحمد بن أبي دواد ومدحه ثم هجاه (227هـ) طبقات ابن المعتز 338337وتاريخ بغداد 10/ 260259والأعلام 3/ 315.
(5) البيت في الإعجاز 183وخاص الخاص 119.
(6) خاص الخاص 119إلى آخر البيتين.
(7) البيتان في معجم الشعراء 420وخاص الخاص 119والثاني في أحسن ما سمعت 89.(1/408)
34 - دعبل بن علي الخزاعي (1)
هو بكسر الدال المهملة والباء الموحّدة بينهما عين مهملة ساكنة. قال في القاموس (2) = «الدّعبل كزبرج (3) (بيض الضّفدع، والناقة القوية والشارف، كالدّعبلة فيهما، وشاعر خزاعيّ رافضيّ» انتهى. وفي الصّحاح (4): «الدّعبل:
الناقة الشارف واسم رجل شاعر». وفي الأغاني (5) عن دعبل أنه قال: كنت جالسا مع بعض أصحابنا ذات يوم. فلما قمت سأل عنّي رجل لم يعرفني (6) (بعض) أصحابنا، فقالوا: هذا دعبل. فقال: قولوا في جليسكم خيرا، كأنه ظنّه لقبا أو شتما. فيتبادر من هذا ونحوه أن هذا اللفظ اسم علم عليه، وقيل إنه لقب له، وإن اسمه محمد وكنيته أبو جعفر، وهو الذي في الأغاني (7) عن محمد ابن أحمد بن أبي أيوب). وهو شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية. وأحسن شعره قصيدته الكافية التي مطلعها (8): (تام الكامل)
أين الشباب؟ وأيّة سلكا؟ ... لا تطلبنه ضلّ، بل هلكا
وبيت القصيد قوله وبه سار ذكره (9):
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
__________
(1) (246هـ) ترجمته في الشعر والشعراء 2/ 856853، وطبقات ابن المعتز 268264والأغاني 20/ 186119 وتاريخ بغداد 8/ 385382ومعجم الأدباء 11/ 11299والوفيات 2/ 270266والوافي بالوفيات 14/ 1712 وإدراك الأماني 24/ 8031والأعلام 2/ 339، ومقدمة ديوانه تحقيق محمد يوسف نجم، وديوانه تحقيق عبد الصاحب الدجيلي وشعره صنعة عبد الكريم الأشتر.
(2) القاموس (الدعبل). ب: فدعبل كزبرج.
(3) ما بين القوسين ساقط من ب إلى قوله «محمد بن أحمد بن أبي أيوب».
(4) الصحاح (دعبل). والشرح في الأغاني 20/ 123والوفيات 2/ 270.
(5) الأغاني 20/ 124.
(6) ما بين القوسين ساقط من أ.
(7) الأغاني 20/ 123.
(8) منها سبعة أبيات في الغزل والشيب والشباب في ديوانه 118117 (ت. نجم) وديوانه 247 (الدجيلي) وشعره 161160 (الأشتر) والبيت في الأغاني 20/ 127وخاص الخاص 119وتاريخ بغداد 8/ 384.
(9) الأبيات في الأغاني 20/ 127والوفيات 2/ 268والبيتان الأول والثالث في طبقات ابن المعتز 73وتاريخ بغداد 8/ 384والأول في الشعر والشعراء 2/ 854والأغاني 19/ 85والإعجاز 184وخاص الخاص 120.(1/409)
(منها: (1)
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صحبيّ إذا دمي سفكا
لا تأخذا بظلامتي أحدا ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا)
ومن شعره (2): (تام السريع)
عداوة العاقل خير إذا ... حصّلتها من خلّة الأحمق
لأنّ ذا العقل إذا لم يزغ ... عن ظلمك استحيا فلم يخرق (3)
ولن ترى الأحمق يبقي على ... دين ولا ودّ، ولا يتّقي
ومنه أيضا (4) في مدح الشيب: (تام الكامل)
أهلا وسهلا بالمشيب فإنّه ... سمة العفاف وحلية المتحرّج
وكأنّ شيبي نظم درّ زانه ... في تاج ذي ملك أغرّ متوّج (5)
وقوله (6): (تام البسيط)
تعجّبت أن رأت شيبي فقلت لها ... لا تعجبي من يطل عمر به يشب
شيب الرّجال لهم زين ومكرمة ... وشيبكنّ لكنّ العار فاكتئبي
فينا لكنّ، وإن شيب بدا، أرب ... وليس فيكنّ، بعد الشّيب من أرب
وبعضهم (7) ينسب هذه الأبيات لأبي دلف (8) والأكثر على أنها لدعبل.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) الأبيات في ديوانه 245 (ت. الرجيلي) وشعره 157 (ت. الأشتر.)، ولم ترد في ديوانه (نجم) وقد اعتمد محقق ديوانه (الدجيلي) على (الكوكب الثاقب في أخبار الشعراء) نسخة دار الكتب المصرية رقم 4845 (أدب طلعت) في تخريج الأبيات.
(3) د: لم يزغ. أب ج ش هـ و: لم يزع. وهو غلط.
زاغ يزوغ: مال. (القاموس: زاغ).
(4) ج د: وقوله في
والبيتان أول مقطعة في أربعة أبيات في ديوانه 53 (ت نجم) وديوانه 54 (ت الدجيلي) وشعره 84 (الأشتر). والبيتان في الأمالي 1/ 110.
(5) حاشية أ: «خ في رأس». د: في رأس.
(6) من مقطوعة في أربعة أبيات في مدح الشيب أولها:
إن المشيب رداء الحلم والأدب ... كما الشباب رداء اللهو واللّعب
وهي في ديوانه 323 (الدجيلي) وشعره 286 (الأشتر) ولم ترد في ديوانه (نجم).
(7) أنظر ذلك في العقد الفريد 3/ 52وبهجة المجالس 2/ 50ونسبت في معجم الشعراء 399إلى مروان بن أبي الجنوب.
(8) هو القاسم بن عيسى العجلي، شاعر مجيد اشتهر بالشجاعة وعلوّ المحل عند الخلفاء العباسيين وحسن الأدب (226هـ) الأغاني 8/ 257248ومعجم الشعراء 334واليتيمة 3/ 373352والأعلام 5/ 179.(1/410)
ومن مليح شعره ونادره (1): (تام الوافر)
أحبّ الشّيب لمّا قيل ضيف ... لحبّي للضّيوف النّازلينا (2)
وهو القائل (3): (تام الخفيف)
لم يطيقوا أن يسمعوا وسمعنا ... فصبرنا على رحى الأسنان
صوت مضغ الضّيوف أحسن عندي ... من غناء القيان بالعيدان
وقال (أيضا) (4): (تام البسيط)
ما يرحل الضّيف عنّي بعد تكرمة ... إلّا برفد وتشييع ومعذرة
(وقال (5) يهجو القاضيّ أحمد بن أبي دواد الأياديّ (6): (تام الخفيف)
إنّ هذا الذي دواد أبوه ... وإياد قد أكثر الأنباء
ساحقت أمّه ولاط أبوه ... ليت شعري عنه فمن أين جاء؟!
جاء من بين صخرتين صلودي ... ن عقامين ينبتان الهباء (7)
لا سفاح ولا نكاح ولا ما ... يوجب الأمّهات والأباء (8))
وقال في معرض الهجو (9): (تام الخفيف)
وابن عمران يبتغي عربيّا ... ليس يرضى البنات للأكفاء
إن بدت حاجة له ذكر الضّي ... ف، وينساه عند وقت الغداء
__________
(1) من قصيدة في نقض قصيدة الكميت بن زيد التي قالها في هجاء اليمنية ومدح المضرية والتي مطلعها:
ألا حيّيت عنا يا مدينا ... وهل بأس بقول مسلّمينا
ومطلع قصيدة دعبل:
أفيقي من ملامك يا ظعينا ... كفاك اللّوم مرّ الأربعينا
وهي في ديوانه 150148 (نجم) وديوانه 295291 (الدجيلي) وشعره 193192 (الأشتر) ولم يرد البيت في القصيدة في هذا الأخير وإنما ورد مفردا في الصفحة 150، وهو في عيار الشعر 76.
(2) ب: وديوانه (نجم): كحبي.
(3) البيتان في ديوانه 160 (نجم) وديوانه 198 (الدجيلي) وشعره 331330 (الأشتر) والكامل 3/ 160.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
والبيت من قصيدة في الفخر مطلعها:
إذا غزونا فمغزانا بأنقرة ... وأهل سلمى بسيف البحر من جرت
وهي في ديوانه 4846 (نجم) وديوانه 154151 (الدجيلي) وورد البيت مفردا في شعره 80 (الأشتر) والبيت في الكامل 3/ 160.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د إلى آخر الأبيات الأربعة.
(6) الأبيات في ديوانه 11 (نجم) وديوانه 9594 (الدجيلي) والأغاني 146145.
(7) رجل عقام وعقيم: لا يولد له. الهباء: التّراب الذي تطيره الريح (اللسان: عقم، هبا).
(8) أ: والأبناء.
(9) البيتان في ديوانه 12 (نجم) وديوانه 95 (الدجيلي) وشعره 47والكامل 3/ 159.(1/411)
وقال أيضا (1): (تام البسيط)
فضيف عمرو وعمر يسهران معا ... عمرو لبطنته والضّيف للجوع
ومن غرر شعره قوله في الشّعر (2): (الطويل)
سأقضي ببيت يحمد النّاس أمره ... ويكثر من أهل الرّواية حامله
يموت رديء الشّعر قبل أهله ... وجيّده يبقى وإن مات قائله
وأشعاره كثيرة، وفي هذا القدر منها ما ينبّه على ما وراءه. وبالله تعالى التوفيق.
35 - إسحاق الموصلي (3)
هو (ابن) (4) إبراهيم بن ماهان. ثم غيّر اسم ماهان إلى ميمون فصار يقال:
إبرهيم بن ميمون. وسبب (5) تغيّر اسم ماهان إلى ميمون أن أباه إبراهيم كتب إلى صديق له فعنون كتابه: من إبراهيم بن ماهان. فقال له بعض فتيان الكوفة: أما تستحيي من هذا الإسم؟ فقال: هو اسم أبي. فقال: غيّره. فقال: وكيف أغيّره.
فأخذ الكتاب ومحا ماهان وكتب: ميمون، فبقي إبراهيم بن ميمون. وأصله من
__________
(1) البيت مع آخر قبله:
أضياف عمران في خفض وفي دعة ... وفي شراب ولحم غير ممنوع
في ديوانه 182 (نجم) وديوانه 344 (الدجيلي) وشعره 308. الأشتر) والبخلاء للبغدادي 72والبيت في الكامل: 3/ 160
(2) من مقطعة في خمسة أبيات في الرد على من نعاه أولها:
نعوني ولما ينعني غير شامت ... وغير عدوّ قد أصيبت مقاتله
وهي في ديوانه 124123 (نجم) وديوانه 256255 (الدجيلي) وشعره 178177 (الأشتر). والبيتان في الكامل 2/ 10والإعجاز 184وخاص الخاص 76والثاني في الشعر والشعراء 2/ 855.
(3) (235هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 361359والأغاني 5/ 345267، 17/ 215110، 20/ 324320 والفهرست 159157 (ت. رضا تجدد) وزهر الآداب 2/ 595593وتاريخ بغداد 6/ 345338وسمط الآلئ 1/ 138137، 210209والتاريخ الكبير 2/ 427414ونزهة الألباء 171169وشرح المقامات 1/ 215213ومعجم الأدباء 6/ 585وإنباه الرواة 1/ 219215والوفيات 1/ 205202والبداية والنهاية 10/ 315314والوافي بالوفيات 8/ 393388ومرآة الجنان 2/ 116114والنجوم الزاهرة 2/ 288والشذرات 2/ 8482وإدراك الأماني 4/ 119.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) من الأغاني 5/ 155154بتصرف(1/412)
فارس وله بيت شريف في العجم. وكان ميمون جدّه هرب من جور بعض عمّال بني أمية، فنزل في الكوفة في بني عبد الله بن دارم، فتزوج بها امرأة من بنات الدهاقين الذين هربوا من فارس لما هرب ميمون والد إبراهيم، فولدت له إبراهيم، ومات في الطاعون الجارف وخلف إبراهيم طفلا، فأصله من فارس.
وسبب (1) اشتهاره بالنسبة إلى الموصل أن إبراهيم والده لما نشأ وأدرك صحب الفتيان واشتهى الغناء فطلبه واشتدّ أخواله عليه في ذلك وبلغوا منه، فهرب منهم (2) إلى الموصل فأقام بها نحوا من سنة، فلما رجع إلى الكوفة. قال له إخوانه من الفتيان: مرحبا بالفتى الموصلي، فلقّب به.
(3) وكان محلّ إسحاق من العلم ومكانه من الرواية والأدب وتقدّمه في الشّعر ومنزلته في سائر المحاسن أشهر من أن يدلّ عليها بوصف، فأمّا الغناء الذي اشتهر به، فكان أصغر علومه وأدنى ما يوسم به، وإن كان هو الغالب عليه وعلى سائر ما كان يحسنه فإنّه كان (له) (4) في غيره نظراء، وأكفاء ولم يكن له في الغناء نظير، فإنّه لحق فيه من مضى، وسبق من بقي، ولحّب للنّاس جميعا طريقه وأوضحها وسهّل عليه سبيله وأنارها، فهو إمام أهل صناعته جميعا ومعلّمهم، يعرف ذلك منه (5) الخاصّ والعامّ والموافق والمفارق. على أنه (6) (كان) أكره الناس للغناء وأشدّهم بغضا لأن يدعى إليه أو يسمّى به. وكان يقول: لوددت أن أضرب، كلما أراد مريد منّي أن أغنّي، وكلما قال قائل: إسحاق الموصلي المغنّي، عشر مقارع، لا أطيق أكثر من ذلك، وأعفى من الغناء، ولا ينسبني من يذكرني إليه. وكان المامون يقول: لولا ما سبق على ألسنة الناس وشهر به عندهم من الغناء لولّيته القضاء بحضرتي فإنه أولى به، وأعفّ وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة.
__________
(1) من الأغاني 5/ 156إلى آخر الخبر.
(2) ج د: منه، وهو غلط.
(3) من الأغاني 5/ 269268بتصرف. والخبر في معجم الأدباء 6/ 76والوافي بالوفيات 8/ 388ومرآة الجنان 2/ 115114.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) د: عند.
(6) ما بين القوسين ساقط من د.(1/413)
وقد روى (1) الحديث ولقي أهله مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة (2)
وهشيم بن بشير (3)، وإبراهيم بن سعد (4)، وأبي معاوية الضرير (5)، وروح ابن عبادة (6) وغيرهم من شيوخ الحجاز والعراق. وكان مع كراهته للغناء أضنّ خلق الله به على كلّ أحد حتى على جواريه، ومن يأخذ عنه منتسبا إليه، ومتعصّبا له فضلا عن غيرهم. وهو الذي صحّح أجناس الغناء وطرائقه، وميّزه تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله، ولا تعلّق به أحد بعده.
قال فيما روى عنه ولده حماد (7): رأيت في منامي كأنّ جريرا جالس ينشد شعره، وأنا أسمع منه، فلمّا فرغ أخذ بيده كبّة شعر فألقاها في فمي فابتلعتها، فأوّل ذلك بعض من ذكرته له أنه ورّثني الشّعر. قال يزيد بن محمد المهلبي (8):
وكذلك كان، لقد مات إسحاق وهو أشعر أهل زمانه.
وحدّث (9) أحمد بن حمدون، عن أبيه أن الأصمعيّ أنشد قول إسحاق يذكر ولاءه لخزيمة بن خازم (10): (الطويل)
إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم
عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثّريّا قاعدا غير قائم
__________
(1) من الأغاني 5/ 269إلى قوله (أحد بعده). والخبر في معجم الأدباء 6/ 1211والوافي بالوفيات 8/ 390ومرآة الجنان 2/ 115.
(2) سبق التعريف به في الصفحة 16الحاشية 8.
(3) من كبار المحدثين الحفاظ، وله كتاب في التفسير (183هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 249248والأعلام 8/ 89.
(4) هو أبو إسحاق الزهري من المحدثين الثقات (183هـ). تذكرة الحفاظ 1/ 253252والأعلام 1/ 40.
(5) هو محمد بن خازم الكوفي حافظ ثبت كثير الحديث (195هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 295294والأعلام 6/ 112.
(6) روح بن عبادة القيسيّ البصريّ، حافظ ثقة، كثير الحديث. وصنّف الكتب في السنن والأحكام والتفسير (205هـ).
تذكرة الحفاظ 1/ 350349والأعلام 3/ 34.
(7) من الأغاني 5/ 274والخبر في تاريخ بغداد 6/ 341وشرح المقامات 1/ 213والوافي بالوفيات 8/ 390.
(8) شاعر محسن من الندماء الرواة ينتمي إلى المهلب بن أبي صفرة (259هـ) الكامل 3/ 4، 186والأعلام 8/ 187
(9) من الأغاني 5/ 278277إلى آخر الخبر.
(10) من قوّاد الدولة العباسية المشهورين وقد ولي أبوه خراسان وعمان لأبي جعفر المنصور (203هـ) المعارف 417 وتاريخ الطبري 7/ 360، 363، 386، 389. 8/ 232، 270إلخ، والأعلام 2/ 305.
والبيتان في ديوانه 189والأغاني 5/ 278، 369وذيل الأمالي 70وزهر الأداب 2/ 593وتاريخ بغداد 6/ 341 والتاريخ الكبير 2/ 417وشرح المقامات 1/ 213ومعجم الأدباء 6/ 8والوافي بالوفيات 8/ 391.(1/414)
قال: فجعل الأصمعيّ يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضّلهما. قال: وكان السبب في تولّي إسحاق خازم بن خزيمة بن خازم أن مناظرة جرت بينه وبين ابن جامع (1) بحضرة الرشيد فتغالظا، فقال له ابن جامع: يا من إذا قلت له: يا ابن الزانية، لم أخف أن أن يكذّبني أحد. فمضى إلى خازم بن خزيمة، فتولّاه وانتمى إليه فقبل ذلك منه، وقال هذين البيتين.
(2) وحدث ابن حمدون أيضا قال: سمعت الواثق يقول: ما غناني إسحاق قط إلّا ظننت أنه قد زيد لي في ملكي، ولا سمعته يغنّي غناء لابن سريج (3) إلّا ظننت أن ابن سريج قد نشر، وإنّه ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضرا، فيتقدّمه عندي وفي نفسي بطيب الصوت، حتى إذا اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو ورأيت من ظننته تقدّم ينقص. وإن إسحاق لنعمة من نعم الملك التي لم يحظ أحد بمثلها ولو أنّ العمر والشباب والنّشاط ممّا يشترى لاشتريتهنّ له بشطر ملكي.
(4) وحدث عليّ بن يحيى (5) المنجم قال: سأل إسحاق الموصليّ المامون أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرواة، لا مع المغنّين، فإذا أراد الغناء غنّاه، فأجابه إلى ذلك. ثم سأله بعد حين أن يأذن له في الدّخول مع الفقهاء، فأذن له.
(6) ولمّا أراد الفضل بن يحيى (7) الخروج إلى خراسان ودّعه إسحاق الموصليّ ثم أنشده (8): (تام المتقارب)
فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الدّيم
عليك السلام فكم من وفاء ... أفارق منك وكم من كرم
__________
(1) هو إسماعيل بن جامع من المغنين المنافسين لإسحاق الموصلي في الغناء، اتصل بالرشيد فحظي عنده (192هـ).
تاريخ الطبري 8/ 226، 227والأغاني 6/ 340289والأعلام 1/ 311.
(2) الأغاني 5/ 285والخبر في شرح المقامات 1/ 214.
(3) هو عبيد الله بن سريج من أشهر المغنين في صدر الإسلام (98هـ) الأغاني 1/ 323248والأعلام 4/ 194.
(4) من الأغاني 5/ 286بتصرف والخبر في معجم الأدباء 6/ 9والوافي 6/ 9والوافي بالوفيات 8/ 389.
(5) ج د: يحيى بن علي، وهو غلط والتصحيح من أب ش والأغاني.
(6) من الأغاني 5/ 302301بتصرف.
(7) سبقت ترجمته في الصفحة 198الحاشية 4.
(8) البيتان في ديوانه 234233وعيون الأخبار 3/ 32والعقد الفريد 5/ 413والأغاني 5/ 302والمنتحل 235.(1/415)
قال إسحاق: فأمر (لي) (1) بألف دينار ومضى، ثم لم يزل كتابه يرد عليّ ومعه ألف دينار، كلّما غنّي بهذين البيتين في لحن صنعته وألقيته على بعض من ذهب معه.
وقال إسحاق: قال لي (2) المعتصم يوما أو قال لي الواثق: لقد ضحك الشّيب في عارضيك، فقلت: نعم سيدي، وبكيت ثم قلت أبياتا في الوقت وغنّيت فيها (3): (تام المتقارب)
تولّى شبابك إلّا قليلا ... وحلّ المشيب فصبرا جميلا
كفى حزنا بفراق الصّبا ... وأن أصبح الشّيب منه بديلا
ولما رأى الغانيات المشي ... ب أغضين دونك طرفا كليلا
سأندب عهدا مضى للصّبا ... وأبكي الشباب بكاء طويلا
قال: فبكى الواثق وحزن وقال: والله لو قدرت على ردّ شبابك لفعلت ولو بشطر ملكي. قال: فلم يكن لكلامه عندي جواب إلّا تقبيل البساط بين يديه.
وعن (4) الأصمعي قال: دخلت أنا وإسحاق الموصليّ يوما على الرشيد فرأيناه لقس (5) النّفس، فأنشده إسحاق (6): (الطويل)
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل
أرى النّاس خلّان الكرام ولا أرى ... بخيلا له حتى الممات خليل
وإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال خيرا أن يكون ينيل
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) من الأغاني 5/ 314.
(3) الأبيات في ديوانه 225والأغاني 5/ 314.
(4) من الأغاني 5/ 323322إلى آخر الخبر وهو في الأمالي 1/ 31. والبخلاء للبغدادي 5958ومعجم الأدباء 6/ 1917.
(5) لقست نفسه: غثت وخبثت. (القاموس: لقسه).
(6) الأبيات في ديوانه 163والأغاني 5/ 322والأمالي 1/ 31والبخلاء للبغدادي 58/ 59والتاريخ الكبير 2/ 420 والوفيات 1/ 204203ومرآة الجنان 2/ 115وما عدا البيت الأول في الشذرات 2/ 84.(1/416)
فعالي فعال المكثرين تجمّلا ... ومالي، كما قد تعلمين، قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المومنين جميل؟!
قال: فقال الرشيد: لا تخاف إن شاء الله (1) (ثم قال): لله درّ أبيات تأتينا بها، ما أشدّ أصولها وأحسن فصولها، وأقلّ فضولها! وأمر له (2) بخمسين ألف درهم، فقال له إسحاق: وصفك والله يا أمير المومنين لشعري أحسن منه، فعلام آخذ الجائزة؟ فضحك الرشيد وقال: اجعلوها لهذا القول مئة ألف درهم. قال الأصمعيّ:
فعلمت يومئذ أن إسحاق أحذق بصيد الدراهم منّي!
وحدّث إسحاق، قال: عنّت لي في بعض الطريق جارية كاعب فغازلتها، فولّت عني، ومرّت غير حافلة، ولا ملتفتة فتبعتها حتى وافت باب دار شاهقة فأخذت بعضادته (3) وكشفت عن وجه كأنّه القمر. وأنشدت تقول (4): (تام المتقارب)
الان لمّا علاك المشيب ... وأبصرت في عارضيك القتيرا
وبان الشباب بلذّاته ... فولّى وأصبحت شيخا كبيرا
تطرّبت وارتحت للغانيا ... ت هيهات حاولت أمرا عسيرا
ثم أغلقت الباب ودخلت، فانصرفت وأنا أخزى من دخل النار.
وحدث صاحب الأغاني (5) بسنده عن حمّاد ولده قال: حدثني أبي، قال: غدوت يوما، وأنا ضجر، من ملازمة دار الخلافة والخدمة فيها، فخرجت، وركبت بكرة وعزمت على أن أطوف الصحراء وأتفرّج، فقلت لغلماني: إن جاء رسول الخليفة (6). أو غيره، فعرّفوه أني بكّرت في مهمّ (لي) (7) وأنكم لا تعرفون أين توجهت.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج.
(2) ج د: لي، وهو غلط.
(3) عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله (اللسان: عضد).
(4) لم أعثر على هذه الأبيات في المظان التي رجعت إليها.
القتير: الشيب، وقيل: هو أول ما يظهر منه (اللسان: قتر).
(5) الأغاني 5/ 426423بتصرف إلى آخر الخبر. وهو في الفرج بعد الشدة 2/ 405402والتاريخ الكبير 2/ 423421وشرح المقامات 1/ 215214.
(6) د: الخلافة
(7) ما بين القوسين ساقط من د.(1/417)
قال: ومضيت (1) فطفت ما بدا لي وعدت وقد حمي النّهار، فوقفت في شارع المخرّم (2)، في فناء ثخين الظّلّ، وجناح رحب، على الطريق لأستريح. فلم ألبث أن جاء خادم يقود حمارا فارها عليه جارية، ورأيت لها قواما حسنا وطرفا فاترا، وشمائل ظريفة، فحدست أنها مغنّية. فدخلت الدار التي كنت على بابها، وعلقها قلبي في الوقت علوقا شديدا، لم أستطع معه البراح. فلم ألبث إلّا يسيرا حتى أقبل رجلان شابان جميلان لهما هيئة تدل على قدرهما، وهما راكبان، فاستأذنا فأذن لهما، فحملني ما (قد) (3) حصل في قلبي من حبّ الجارية وإيثاري علم حالها والتوصّل إليها أن نزلت معهما، ودخلت بدخولهما. فظنا أن صاحب البيت دعاني وظنّ صاحب البيت أنّي معهما، فجلسنا وأتي بالطعام، فأكلنا وبالشراب فوضع، وخرجت الجارية وفي يدها عود. فرأيت جارية حسناء، وتمكّن ما في قلبي منها، فغنّت غناء صالحا، وشربنا فقمت للبول فسأل صاحب المنزل عني الفتيين فأخبراه أنّهما لا يعرفاني. فقال: هذا طفيلي ولكنّه ظريف، فأجملوا عشرته، وجئت فجلست (4) فغنّت الجارية في لحن لي (5): (الطويل)
ذكرتك إذ مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح (6)
من المؤلفات الرّمل أدماء حرّة ... شعاع الضّحى في متنها يتوضّح (7)
__________
(1) حاشية د: «خ وغدوت».
(2) المخرّم محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلى خلف الجامع المعروف بجامع السلطان. معجم البلدان 5/ 71.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) ج: فسألت، وهو غلط.
(5) البيتان لذي الرّمة من قصيدة في الغزل مطلعها:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... على النّأي والنّائي يودّ وينصح
وهي في ديوانه 2/ 12261189. والبيتان في الأغاني 5/ 292، 424، 426والفرج بعد الشدة 2/ 403والتاريخ الكبير 2/ 422وشرح المقامات 1/ 214والبيت الثاني في (اللسان: ألف).
(6) حاشية د: «صح خ تستريح».
(7) حاشية د: «خ في وجهها».(1/418)
فأدّته أداء صالحا وشربت ثم غنّت أصواتا فيها من صنعتي (1): (مجزوء الخفيف)
الطّلول الدّوارس ... فارقتها الأوانس
أوحشت بعد أهلها ... فهي قفر بسابس (2)
فكان أمرها فيه أصلح من الأول ثم غنّت أصواتا من القديم والمحدث وغنّت في أضعافها من صنعتي (3) (في شعري): (مجزوء الخفيف)
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا (4)
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
واعترفنا بما ادّعي ... ت وإن كنت كاذبا
فكان أصلح ممّا غنّته فاستعدته منها (5) لأصحّحه، فأقبل عليّ رجل من الرجلين فقال: هذا تصديق المثل (6) «طفيليّ ويقترح» فأطرقت ولم أجبه. وجعل صاحبه يكفّه عنّي فلا ينكفّ. ثم قاموا للصّلاة وتأخّرت فأخذت عود الجارية فشددته على طبقته وأصلحته إصلاحا محكما، فصلّيت وعدت إلى موضعي وعادوا، فأخذ ذلك الرجل في عربدته عليّ وأنا صامت ثم أخذت الجارية العود وجسّته، فأنكرت حاله، فقالت: من مسّ (7) عودي؟ فقالوا: ما مسّه أحد.
فقالت: بلى، والله لقد مسّه (8) حاذق متقدّم وشدّ طبقته وأصلحه إصلاح متمكّن من صناعته» (9) فقلت لها (10): أنا أصلحته، فقالت بالله عليك خذ (11)
__________
(1) البيتان لأبي ياسين وهما في الأغاني 5/ 341، 426والفرج بعد الشدة 2/ 403والتاريخ الكبير 2/ 422وشرح المقامات 1/ 214.
وأبو ياسين شاعر مجهول قليل الشعر كان صديقا لإسحاق الموصلي. أنظر الأغاني 5/ 424، 426.
(2) ج د: (فهو). وهو غلط.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) ج د: لمن صد. أب ش هـ و: لمن عد، وهو غلط. أش: بلغنا.
والأبيات أول مقطعة لإسحاق الموصلي في أربعة أبيات في ديوانه 94وفي الأغاني 10/ 111110والأبيات الثلاثة في الفرج بعد الشدة 2/ 403والتاريخ الكبير 2/ 422وشرح المقامات 1/ 214والبيتان الأولان في الأغاني 5/ 316، 426، 10/ 106.
(5) د: منه، وهو غلط.
(6) مجمع الأمثال 1/ 442في أمثال المولدين وفيه «طفيليّ ومقترح» ومثله في الأغاني 5/ 425والفرج بعد الشدة 2/ 404.
(7) د:: جس
(8) د: جسه.
(9) ج: صناعة، وهو غلط.
(10) د: له. وهو غلط.
(11) د: خذه.(1/419)
واضرب به (1) [فأخذته منها] فضربت مبدأ طريق عجيب صعب فيه نقرات محرّكة، فما بقي منهم أحد (2) إلّا وثب، فجلس بين يديّ وقالوا: بالله يا سيدي تغنّي؟ قلت: نعم وأعرّفكم بنفسي أنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، والله إني لأتيه على الخليفة وأنتم تشتموني منذ اليوم، لأنّي تملّحت معكم، بسبب هذه الجارية وو الله لانطقت بحرف ولا جلست معكم أو تخرجوا هذا المعربد المقيت (3) الغثّ، ونهضت لأخرج فعلقوا بي فلم أعرّج، ولحقتني الجارية فعلقت بي فأبيت، وقلت: ما أجلس إلّا أن تخرجوا هذا المعربد البغيض. فقال له صاحبه: من هذا حذرت عليك، فأخذ يعتذر. فقلت أجلس ولكن والله لا أنطق بحرف، وهو حاضر، فأخذوا بيده فأخرجوه. فغنّيت الأصوات التي غنّتها الجارية من صنعتي، فطرب صاحب البيت طربا شديدا وقال: هل لك في أمر أعرضه عليك؟ قلت: ما هو؟ قال: تقيم عندي شهرا والجارية والحمار لك مع ما عليه من حلية وعلى الجارية من كسوة. قلت:
أفعل. فأقمت عنده ثلاثين يوما، لا يعرف أحد أين أنا، والمامون يطلبني في كل موضع فلا يعرف لي خبرا. فلما كان بعد ثلاثين يوما سلّم إليّ الجارية والحمار والخادم، فجئت بذلك إلى منزلي وهم في أقبح صورة لفقدي وركبت إلى المامون من وقتي، فلما رآني. قال: يا إسحاق ويحك! أين تكون؟ فأخبرته بخبري. فقال: عليّ بالرّجل الساعة، فدللتهم على منزله فأحضر فسأله المامون عن القصة فأخبره، فقال:
أنت رجل ذو مروءة وسبيلك أن تعاون عليها، وأمر (له) (4) بمائة ألف درهم.
وقال له: لا تعاشر ذلك المعربد النّذل. فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين. وأمر لي بخمسين ألف درهم. وقال: أحضرني الجارية فأحضرته إياها فغنّته فقال لي: قد جعلت عليها نوبة في كل أسبوع يوم ثلاثاء تغنّيني من وراء ستارة (5) مع
__________
(1) زيادة من د.
(2) ب: واحد منهم. ج: بقي أحد إلا. د: أحد منهم.
(3) أج د ش: المقت، وهو غلط.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) ج: الستارة.(1/420)
الجواري، وأمر لها بخمسين ألف درهم. فربحت والله بتلك الرّكبة وأربحت.
ومن شعر إسحاق الموصلي (1): (الطويل)
لعمري لئن حلّئت عن مورد الصّبا ... لقد كنت ورّادا لمشربه العذب
ليالي أمشي بين برديّ لاهيا ... أميس كغصن البانة النّاعم الرّطب
سلام على سير القلاص مع الرّكب ... ووصل الغواني والمدامة والشّرب
سلام امرئ لم تبق منه بقيّة ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب
وكان (2) إسحاق الموصلي ينشد الفضل بن يحيى (3) أبياتا في صفة فرس كان أنشده إياها الأصمعيّ فدخل الأصمعيّ وإسحاق ينشدها وهي (4): (مشطور الرجز)
كأنّه في الجلّ وهو سامي
مشتمل جاء من الحمّام
يسور بين السّرج واللّجام
سور القطاميّ إلى اليمام
فقال له الأصمعيّ: هات بقيّتها؟ فقال إسحاق: ألم تقل لي لم يبق منها شيء؟ فقال: ما بقي منها إلّا عيونها. ثم أنشد بعد هذه ثلاثين (5) بيتا، فغضب
__________
(1) ج د: شرّابا لمورده العذب.
والأبيات قالها عند علوّ سنّه، وهي في ديوانه بترتيب مخالف أولها هو ثالث الأبيات هنا، وهي في ديوانه 9392، والكامل 2/ 282ومعجم الأدباء 6/ 59.
حلأ الإبل والماشية عن الماء تحليئا وتحلئة: طردها أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. ماس يميس ميسا وميسانا تبتخر واختال (اللسان: حلأ، ميس).
(2) من الأغاني 5/ 387386بتصرف إلى آخر الخبر، وفيه أن إسحاق كان ينشد الفضل بن الربيع. والخبر في شرح المقامات 2/ 193192وفيه أنه كان ينشد الفضل بن يحيى.
(3) سبق التعريف به في الصفحة 198الحاشية 4.
(4) الأبيات في الأغاني 5/ 386وشرح المقامات 2/ 192.
الجلّ بالضم وبالفتح ما تلبسه الدّابة لتصان به. واشتمل بالثوب أداره على جسده كلّه. سار الرجل إليك سورا وسؤورا:
وثب وثار. القطاميّ بالفتح ويضم: الصّقر (القاموس: جل، سورة، الشمال، قطمه).
(5) د: بعد هذين البيتين ثلاثين.(1/421)
عليه إسحاق، وعرّف الفضل قلّة شكره، وبخله بما عنده، وأخذ يصف أبا عبيدة وفضله وعلمه ونزاهته وبذله لما عنده، فأنفذ إليه الفضل مالا جزيلا وأقدمه [من] (1) البصرة.
وسعى بالأصمعيّ عند الرشيد حتى حط منزلته، قال إسحاق يهجوه بأبيات منها (2): (الوافر)
أليس من العجائب أن قردا ... أصيمع باهليّا يستطيل
ويزعم أنه قد كان يفتي ... أبا عمرو ويسأله الخليل
إذا ما قال: قال أبي، عجبنا ... لما يأتي به ولما يقول
وما إن كان يدري ما دبير ... أبوه إن سألت ولا قبيل
والأصمعيّ (3) هذا هو عبد الملك بن قريب منسوب إلى أصمع (4)، فخذ من بني قتيبة بن معن، وبنو معن بنو باهلة، وباهلة امرأة من همدان في قول بعضهم (5)
تزوجها معن فنسب ولدها منه إليها، وقيل: إنه اسم رجل، وهو قول السمعاني (6). وذكر بعضهم أن اسمه مالك. قال: وهو قول الأكثر. وصحّح ابن الأثير (7) أن باهلة اسم امرأة مالك بن يعصر ولدت له عدّة أولاد. فالأقوال فيها ثلاثة. وقد تقدّم الكلام على ذلك في ترجمة محمد بن حازم (8) (الباهلي).
__________
(1) زيادة من الأغاني وشرح المقامات.
(2) أول قصيدة وهي في ديوانه 170168والأغاني 5/ 388387، والأبيات الثلاثة الأولى في شرح المقامات 2/ 192 والأولان في طبقات النحويين 192.
أبو عمرو هو أبو عمرو بن العلاء العالم المشهور. والخليل هو الخليل بن أحمد الفراهيدي العالم المعروف. وقولهم: ما يعرف قبيله من دبيره، وفلان ما يدري قبيلا من دبير، المعنى ما يدري شيئا (اللسان: دبر).
(3) (216هـ) ترجمته في المعارف 544543والورقة 3230ومراتب النحويين 10580وإنباه الرواة 2/ 205197وجمهرة الأنساب 246245وطبقات النحويين 174167وشرح المقامات 2/ 193189والوفيات 3/ 176170.
(4) أنظر ذلك في جمهرة الأنساب 245.
(5) الصحاح: بهل) وجمهرة الأنساب 245.
(6) القول في الأنساب للسعماني 2/ 67وأنظر أيضا المبهج 43واللباب في الأنساب: 1/ 93
(7) اللباب في الأنساب 1/ 94وانظر أيضا جمهرة اللغة 1/ 330.
(8) أنظر الترجمة رقم 30.
وما بين القوسين ساقط من ج د.(1/422)
وكان (1) الأصمعي حافظا للغة عالما بغريبها، فطنا عارفا بأشعار العرب وأخبارها وأيامها، وكان صاحب دين، وكان (2) أبوه نذلا خسيسا جاءه عطاء الملك (3) بجماعة من أهل البصرة فوجده ملتفّا، في كساء فركله برجله، وصاح به يا قريب! قم ويلك فقام، فقال له: هل لقيت أحدا من أهل العلم قط، أو من أهل اللغة أو العرب أو من الفقهاء والمحدثين؟ قال: لا والله، (4) (قال: ولا سمعت شيئا ترويه لنا أو تنشدناه أو نكتبه عنك؟ قال: لا والله). فقال لمن حضر: هذا أبو الأصمعي فاشهدوا لي عليه، وعلى ما سمعتم منه لئلا يقول ولده غدا أو بعد غد:
حدثني أبي أو أنشدني أبي، فنفضحه.
وكان الأصمعي صاحب نوادر وملح ورواية، لا صاحب شعر، وإن كان له شعر ففي غاية القلّة. فلذلك لم نفرده بترجمة تخصّه. وذكرته هنا على سبيل الاستطراد.
وقد روي عنه أنه سئل: لم لا تقول الشّعر؟ فقال: الذي يجيئني لا أرضاه والذي أرضاه لا يجيئني (5) (أو كما قال). وقال في ذلك (6): (الطويل)
أبى الشّعر إلّا أن يجيء رديّه ... إليّ ويأبى منه ما كان محكما
فياليتني، إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت أعجما
ومثله (7) عن غير واحد من الجلّة ممّن توقّف عن عمل الشّعر هيبة له لا جهالة به.
ومن شعر إسحاق الموصلي قوله يرثي أباه إبراهيم (8): (الطويل)
سلام على القبر الذي لا يجيبنا ... ونحن نحيّي تربه ونخاطبه
__________
(1) شرح المقامات 2/ 189بتصرف.
(2) من شرح المقامات 2/ 192بتصرف إلى قوله: «فتفضحه».
(3) ب: الملك، أج د: الملط، وهو غلط.
وعطاء الملك راو من الرّواة المجهولين، انظر الوفيات 2/ 100.
(4) ما بين القوسين ساقط من ب ج.
(5) ما بين القوسين ساقط من د.
(6) البيتان في زهر الآداب 1/ 245والعمدة 1/ 117.
(7) العمدة 1/ 117.
(8) الأبيات في ديوانه 89والأغاني 5/ 257.(1/423)
ستبكيه (1) أشراف الملوك إذا رأوا ... محلّ التّصابي قد خلا منه جانبه
ويبكيه أهل الظرف طرّا كما بكى ... عليه أمير المومنين وحاجبه
ولما بدا لي اليأس منه وأنزفت ... عيون بواكيه وملّت نوادبه
وصار شفاء النّفس من بعض ما بها ... إفاضة دمع تستهلّ سواكبه
جعلت على عينيّ للصبح عبرة ... وللّيل أخرى ما بدت لي كواكبه
وتوفي (2) إسحاق ببغداد في أول خلافة المتوكل، وكان يسأل الله أن لا يبتليّه بالقولنج (3) لما رأى من صعوبته على أبيه. فرأى في منامه كأن قائلا يقول له:
قد أجيبت دعوتك. ولست تموت بالقولنج ولكنّك تموت بضدّه، فأصابه ذرب (4) في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وماءتين، فكان يتصدّق في كلّ يوم أمكنه أن يصومه بمائة درهم، ثم ضعف عن الصوم، فلم يطقه، ومات رحمه الله في شهر رمضان. فقال محمد بن علي (5) الجرجاني يرثيه: (الطويل)
على الجدث الشرقيّ عوجا فسلّما ... ببغداد لما ضنّ عنه عوائده
وقولا له لو كانت للموت فدية ... فداك من الموت الطّريف وتالده
أإسحاق لا تبعد وإن كان قد رمى ... بك الموت وردا ليس يصدر وارده
إذا هزل اخضرّت فنون حديثه ... ورقّت حواشيه وطابت مشاهده
وإن جدّ كان القول جدّا وأقسمت ... مخارجه أن لا تلين معاقده
فبكّ على ابن الموصليّ بعبرة ... كما ارفضّ من نظم الجمان فرائده
__________
(1) د: ستبكيك.
(2) من الأغاني 5/ 430بتصرف إلى قوله: «ومات رحمه الله في شهر رمضان» والخبر في معجم الأدباء 6/ 5352 والوافي بالوفيات 8/ 392.
(3) القولنج: مرض معويّ مؤلم يعسر معه خروج الثّفل والريح (القاموس: القولنج).
(4) الذّرب، بالتحريك: الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، وبفسد فيها ولا تمسكه. (اللسان: ذرب).
(5) أب ج د ش: محمد بن علي. وفي الأغاني 5/ 431: محمد بن عمرو. وفي زهر الآداب 2/ 593: محمد بن عامر.
ولم أعثر على تعريف لهذه الأسماء في المظان.
والأبيات في الأغاني 5/ 432431والأبيات 1، 3، 4، 5في زهر الآداب 2/ 594593.(1/424)
ورثاه أيضا مصعب الزّبيريّ (1) بقصيدة مطلعها: (الطويل)
أتدري لمن تبكي العيون الذّوارف ... وينهلّ منها واكف ثم واكف
نعم في امرئ لم يبق في النّاس مثله ... مفيد لعلم أو صديق ملاطف
تجهّز إسحاق إلى الله غاديا ... فلله ما ضمّت عليه اللّفائف
وما حمل النّعش، المزجّى عشية ... إلى القبر إلا دامع العين لاهف
وهي طويلة. وترجمته أوسع من هذا. وإياه عنى الحريريّ بقوله في المقامة الثامنة عشرة في وصف جارية ما معناه (2): وإن غنّت شفت المفؤود، وأحيت الموؤود، وظلّ معبد (3) عندها عبدا، وقيل سحقا لإسحاق وبعدا، أو كما قال. والله سبحانه هو الموفّق للصواب، ومنه الإعانة وعليه الاتّكال.
36 - إبراهيم بن المهدي (4)
هو (إبراهيم (5)) بن أمير المومنين المهدي ابن أمير المومنين أبي جعفر عبد الله المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب فهو أخو الرشيد لأبيه وعم المامون. كان أوحد عصره أدبا وظرنا، وكانت له اليد الطّولى في
__________
(1) هو مصعب بن عبد الله الزّبيريّ شاعر راوية علّامة بالأنساب والتاريخ، ثقة في الحديث، له كتاب (نسب قريش).
(263هـ) الفهرست 160 (دار المعرفة) ومعجم الشعراء 402وتاريخ بغداد 13/ 114112وتهذيب التهذيب 10/ 164162والأعلام 7/ 248.
والأبيات في الأغاني 5/ 432ومعجم الشعراء 6/ 54والوافي بالوفيات 8/ 392.
المزجّى الذي يدفع ويساق برفق. (اللسان: زجا).
(2) شرح المقامات 1/ 215211وفيها: «وإن قرأت شفت المفؤود وأحيت الموؤود وخلتها أوتيت من مزامير آل داود، وإن غنّت ظلّ معبد لها عبدا، وقيل سحقا لإسحاق وبعدا».
(3) هو معبد بن وهب المغنّيّ، وقد كان من أحسن النّاس غناء وأجودهم صنعة، وهو إمام أهل المدينة في الغناء (126هـ). الأغاني 1/ 5936والأعلام 7/ 246.
(4) (224هـ) ترجمته في الورقة 2219وتاريخ الطبري 8/ 555، 573569، 606603وأشعار أولاد الخلفاء 17 ومروج الذهب 3/ 364363، 417، 426423، 442، 446444، 472. والأغاني 10/ 14995وتاريخ بغداد 6/ 148142. والوفيات 1/ 4239، 390385والوافي بالوفيات 6/ 113110وإدراك الأماني 14/ 154114والتاريخ الكبير 2/ 285263.
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د.(1/425)
صنعة الغناء. ولم يكن له بعد إسحاق الموصليّ فيه نظير، على أنه كان أحسن صوتا منه. ووصف (1) غناءه أحمد بن يوسف وزير المامون فقال: القلوب معه على خطر، فكيف الجيوب!
وكان شاعرا مفلقا، فمن بديع شعره، ونفيس درّه قوله (2): (الطويل)
إذا كلّمتني بالجفون الفواتر ... رددت عليها بالدّموع البوادر
فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ... وقد قضيت حاجاتنا بالضّمائر
ومن فرائد قلائده قوله للمامون (3): (تام الكامل)
ما إن عصيتك والغواة تمدّني ... أسبابها إلا بنيّة طائع
فعفوت عمّا لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
فرحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وحنين والهة كقوس النّازع
شبّهها بالقوس لانحنائها وحنينها. وإنّما قال ذلك للمامون لأنّه كان قد خرج عليه، ولمّا دخل عليه وقد رضي عنه، قال له (4): يا أمير المومنين وليّ الثّأر محكّم في القصاص فإن عاقبت فبحقّك وإن عفوت فبفضلك ثم أنشد (5): (المجتث)
ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقّك أولا ... فاصفح بفضلك عنه
إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه
__________
(1) من خاص الخاص 63إلى آخر القول.
(2) البيتان في الأمالي 1/ 218وعنوان المرقصات 35والوافي بالوفيات 6/ 113وليسا في شعره.
(3) من قصيدة في مدح المامون بعد أن عفا عنه ومطلعها:
يا خير من ذملت يمانية به ... بعد الرّسول لآيس أو طامع
وهي في شعره 203200وأغلبها في تاريخ الطبري 8/ 606604وبعضها في الورقة 2120وأشعار أولاد الخلفاء 19ومروج الذهب 3/ 443والأغاني 10/ 117والفرج بعد الشدة 2/ 253والمستجاد 8382وخاص الخاص 116والإعجاز 180.
(4) القول في أشعار أولاد الخلفاء 18ومروج الذهب 3/ 442والأغاني 10/ 116والفرج بعد الشدة 2/ 252والمستجاد 81والوفيات 1/ 387386والتاريخ الكبير 2/ 263، وبدائع السلك 1/ 432ببعض الاختلاف.
(5) الأبيات في شعره 199والأمالي 1/ 199والفرج بعد الشدة 2/ 252والمستجاد 81وبدائع السلك 1/ 432.(1/426)
فقال له المامون (1): لا تثرب عليك يا إبراهيم. يغفر الله لك. أما لو علم النّاس ما لنا من اللّذة في العفو لتقرّبوا إلينا بالجنايات ثم أنشد (2):
(مخلع البسيط)
لما رأيت الذّنوب جلّت ... عن المجازاة بالعقاب
جعلت فيها الجزاء عفوا ... أمضى من الضّرب للرّقاب
ومن بديع تشبيهاته قوله في صفة مصلوب (3): (تام البسيط)
كأنّه شلو كبش والهواء له ... تنّور شاوية والجذع سفّود
ومن (4) أعاجيب أحاسنه قوله في النهي عن وصف الحبيب. وبعضهم ينسبه (5)
للحكم بن قنبر (6): (تام الوافر)
ولست بواصف أبدا حبيبا ... أعرّضه لأهواء الرّجال
وما بالي أشوّق قلب غيري ... إليه ودونه ستر الحجال
كأنّي أشتهي الشّركاء فيه ... وآمن فيه أحداث اللّيالي
وكان إبراهيم بن المهديّ صاحب نوادر، فمن أعجبها وأغربها وأحلاها وأعذبها، ما ذكره الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (7) في كتاب له في أخبار الطفيليين (8) بسند له يبلغ به الحسين بن
__________
(1) القول في الفرج بعد الشدة 2/ 253والوفيات 4/ 406والفوات 2/ 236وبدائع السلك 1/ 432ببعض الإختلاف.
(2) لم أعثر على البيتين في المظان.
(3) ج: شلق كبش. (شلق) غلط.
والبيت من قصيدة يصف فيها صلب بابك الخرّمي ويمدح الخليفة المعتصم وأولها:
ما زال يعنف بالنعمى فنفرها ... عنه الغموط ووافته الأراصيد
وهي في شعره 195194وأمالي المرتضى 2/ 250249والبيت في خاص الخاص 116.
الغموط: جحود النّعمى. (اللسان: غمط). والأراصيد يقصد بها الأجل والموت. والمعنى أن نكرانه النّعمى أذهبها عنه وجاءه الأجل الذي كان له بالمرصاد.
(4) من خاص الخاص 116إلى آخر الأبيات الثلاثة.
(5) د: ينسبها.
(6) سبق التعريف به في الصفحة 191والحاشية 6.
والأبيات في شعره 188وخاص الخاص 116.
(7) من كبار العلماء الحفّاظ، محدّث الشام والعراق وهو صاحب (تاريخ بغداد) (463هـ) الوفيات 1/ 9392وتذكرة الحفّاظ 3/ 11461135.
(8) اسم الكتاب (التطفيل وحكايات الطفليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم) عنيت بنشره مكتبة القدسي، مطبعة التوفيق سنة 1346.(1/427)
عبد الرحمن الجبلي عن أبيه قال (1): أمر المامون (2) (أن) يحمل إليه عشرة من الزنادقة سمّوا له، من أهل البصرة، فجمعوا وأبصرهم طفيليّ فقال: ما اجتمع هؤلاء إلّا لصنيع، فانسلّ فدخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا بهم إلى زورق، قد أعدّ لهم، فدخلوا الزورق، فقال الطفيليّ: هي نزهة. فدخل معهم الزورق فلم يكن بأسرع من أن قيّد القوم، وقيّد معهم الطفيليّ. فقال الطفيليّ: بلغ تطفيلي إلى القيود، ثم سير بهم إلى بغداد، فدخلوا بهم على المامون، فجعل يدعوهم (3)
بأسمائهم رجلا رجلا، فيأمر بضرب عنقه، حتى وصل إلى الطفيليّ وقد استوفوا عدة القوم، فقال للموكّلين بهم: ما هذا؟ فقالوا: والله ما ندري، غير أنا وجدناه مع القوم، فجئنا به. فقال له المامون: ما قصّتك ويلك؟! فقال. يا أمير المومنين، امرأته طالق إن كان يعرف من أقوالهم شيئا ولا يعرف إلا الله ومحمدا النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وإنما أنا رجل رأيتهم مجتمعين فظننت صنيعا يغدون إليه. فضحك المامون. وقال:
يؤدّب.
وكان إبراهيم بن المهدي قائما على رأس المامون، فقال: يا أمير المومنين هب لي أدبه أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي فقال: قل يا إبراهيم. قال (4): يا أمير المومنين، خرجت من عندك، يوما أمشي في سكك بغداد، متطوّفا حتى انتهيت إلى موضع سمّاه، فشممت يا أمير المومنين من جناح أبازير قدور قد فاح طيبها فتاقت نفسي إليها وإلى طيب رائحتها، فوقفت على خياط، فقلت لمن هذه الدار؟ فقال:
لرجل من التجار من البزازين. قلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، فرميت بطرفي إلى الجناح، فإذا في بعضه شبّاك فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشّباك قابضا على بعضه ومعصم، فشغلني يا أمير المومنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور،
__________
(1) الخبر في التطفيل 4441والعقد الفريد 6/ 208ومروج الذهب 3/ 423421والمستجاد 6353والتاريخ الكبير 2/ 280276وروضة الأزهار 123أ 125ب.
(2) ما بين القوسين ساقط من د.
(3) ج د: يدعوهم. أب ش: يدعو.
(4) الخبر في العقد الفريد 6/ 211208ومروج الذهب 3/ 426423وشرح المقامات 1/ 215.(1/428)
فبقيت باهتا ساعة، ثم أدركني ذهني، فقلت للخياط: هو ممّن يشرب النبيذ؟ قال:
نعم، وأحسب عنده اليوم دعوة (1)، وليس ينادم إلّا تجارا مثله مستورين. فإني لكذلك إذ أقبل رجلان نبيلان راكبان، من رأس الدّرب، فقال لي الخياط. هؤلاء منادموه. فقلت: ما أسماؤها وما كناهما؟ فقال: فلان وفلان وأخبرني بكناهما، فحرّكت دابتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداءكما قد استبطأكما أبو فلان أعزّه الله، وسايرتهما، حتى أتينا إلى الباب فأجلّاني وقدّماني، فدخلت ودخلا، فلما رآني معهما صاحب المنزل لم يشكّ أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت عليهما من موضع، فرحّب بي وأجلسني في أفضل المواضع، فجيء يا أمير المومنين بالمائدة وعليها خبز نظيف وأتينا بتلك الألوان، فكان يا أمير المومنين طعمها أطيب من ريحها، فقلت في نفسي: هذه الألوان قد أكلتها. بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها.
ثم رفع الطعام وجيئ بالوضوء، ثم صرنا إلى منزل المنادمة فإذا أشكل (2) منزل يا أمير المومنين. وجعل صاحب المنزل يلطفني ويقبل عليّ بالحديث، وجعلوا لا يشكّون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدّمة. وإنما ذلك الفعل كان منه لما ظنّ أني منهما بسبيل، حتى إذا شربنا أقداحا خرجت علينا جارية يا أمير المومنين كأنها غصن بان يتثنّى فأقبلت فسلّمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة فجلست وأتي بعود، فوضع في حجرها، فجسّته فاستبنت في جسّها حذقها، ثم اندفعت تغنّي (3):
(الطويل)
توهمّها طرفي فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها قلبي فآلم كفّها ... فمن مسّ قلبي في أناملها عقر
__________
(1) الدّعوة: ما دعوت إليه من طعام وشراب (اللسان: دعا)
(2) أشكل منزل أي أحسن منزل (اللسان: شكل).
(3) أول مقطعة غزلية في ثلاثة أبيات لأبي نواس في ديوانه 730ومروج الذهب 3/ 424والأغاني 5/ 228وشرح المقامات 1/ 215والبيتان في العقد الفريد 6/ 209. والتاريخ الكبير 2/ 278.
الأثر بالضم أثر الجرح يبقى بعد البرء. العقر بالفتح الجرح والحزّ (اللسان: أثر، عقر).(1/429)
فهيّجت يا أمير المومنين بلابلي، وطربت بحسن شعرها وحذقها، ثم اندفعت تغنّي (1): (الطويل)
أشرت إليها هل عرفت مودّتي ... فردّت بطرف العين إنّي على العهد
فحدت عن الإظهار عمدا لسرّها ... وحادت عن الإظهار أيضا على عمد
فصحت: السلام، يا أمير المومنين. وجاءني من الطّرب ما لم أملك نفسي معه. ثم اندفعت تغنّي الصوت الثالث (2): (الطويل)
أليس عجيبا أن بيتا يضمّني ... وإياك لا نخلو ولا نتكلّم
سوى أعين تشكو الهوى بجفوننا ... وتقطيع أنفاس على النار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان ونفس تسلّم
فحسدتها يا أمير المومنين على حذقها وإصابتها المعنى في الشعر، وإنها لم تخرج من الفن الذي ابتدأت فيه، فقلت: بقّي عليك يا جارية. فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّي، ورأيت القوم كأنّهم قد تغيّروا لي، فقلت: ليس ثم عود؟ فقالوا: بلى والله يا سيدنا، فأتيت بعود، فأصلحت من شأنه ما أردت ثم اندفعت أغنّي (3): (تام الكامل)
ما للمنازل لا يجبن حزينا ... أصممن أم قدم المدى فنسينا
روحوا العشيّة روحة مذكورة ... إن متن متنا وإن حيين حيينا
فما استتممته حتّى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها يا أمير المومنين وتقول: معذرة يا سيدي، والله ما سمعت من يغنّي هذا الصوت مثلك أحدا. وقام
__________
(1) البيتان في العقد الفريد 6/ 209ومروج الذهب 3/ 424والمستجاد 57وشرح المقامات 1/ 215غير معزوين.
(2) الأبيات غير معزوة في العقد الفريد 6/ 210209ومروج الذهب 3/ 424والمستجاد 58وشرح المقامات 1/ 215 والتاريخ الكبير 2/ 278.
(3) ج د: لا للمنازل، (لا) غلط.
والبيتان غير منسوبين في العقد الفريد 6/ 210ومروج الذهب 3/ 425والمستجاد 79وشرح المقامات 1/ 215والتاريخ الكبير 2/ 278.
ليستقيم وزن البيت الثاني يجب إهمال ألف (متنا).(1/430)
مولاها وجميع من كان حاضرا فصنعوا كصنيعها، وطرب القوم واحتسوا بالكاسات والطّاسات. ثم اندفعت أغنّي (1): (الطويل)
أفي الله أن تمسين لا تذكرينني ... وقد سفحت عيناي من ذكرك الدّما
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما
إلى الله أشكو أنّها أجنبيّة ... وأنّي بها ما عشت بالودّ مغرما
فجاءنا من طرب القوم يا أمير المومنين، شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم فأمسكت ساعة، حتى هدؤوا ممّا كانوا فيه من الطّرب. ثم اندفعوا في الشرب بالقراحيّات صرفا على ذلك الطرب. ثم اندفعت أغنّي بالصوت الثالث (2):
(تام البسيط)
هذا محبّك مطويّ على كبد ... حرّى، مدامعه تجري على جسده
له يد تسأل الرحمان راحته ... ممّا به ويد أخرى على كبده
يا من رأى أسفا مستهترا دنفا ... كانت منيّته في عينه ويده
فجعلت الجارية تصيح: هذا والله الغناء يا سيدي. وسكر القوم، وخرجوا من عقولهم. وكان صاحب المنزل جيّد الشّرب حسن المعرفة، فأمر غلمانه مع غلمانهم بحفظهم وصرفهم إلى منازلهم، وخلوت معه، فشربنا أقداحا ثم قال لي: يا سيدي، ذهب، ما كان من أيامي ضياعا إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلحّ حتى أخبرته، فقام فقبّل رأسي، وقال: يا سيدي وأنا أعجب بكون هذه
__________
(1) الأبيات في العقد الفريد 6/ 210ومروج الذهب 3/ 425والمستجاد 60. والتاريخ الكبير 2/ 278والأبيات الثلاثة الأولى في روضة الأزهار 124ب، والبيتان الأولان في شرح المقامات 1/ 215.
وفي قوله: (أن تمسين) غلط نحوي.
(2) د: يسأل، وهو غلط.
والأبيات غير معزوة في مروج الذهب 3/ 425والمستجاد 60وشرح المقامات 1/ 215والتاريخ الكبير 2/ 279 والبيتان الأولان في العقد الفريد 6/ 210وروضة الأزهار 125أغير معزوّين، ونسبا في بدائع البدائه 290لخالد بن يزيد الكاتب.(1/431)
الآداب إلّا من مثلك، وإذا أنا مع الخلافة وأنا لا أشعر. ثم سألني عن قصّتي وكيف حملت نفسي على ما فعلت، فأخبرته خبر الطعام وخبر الكفّ والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي فقال: والكف والمعصم؟ ثم قال: يا فلانة لجارية له قولي لفلانة تنزل فجعل ينزل إليّ واحدة بعد واحدة، فأنظر إلى كفّها ومعصمها، فأقول: ليس هي. قال: والله ما بقي غير أمّي وأختى، والله لأنزلهما إليك، فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداءك. ابدأ بأختك قبل الأم، فعسى أن تكون هي. فقال: صدقت. فنزلت، فلما رأيت كفّها ومعصمها. قلت هي ذه فأمر غلمانه فصاروا إلى عشرة مشايخ من جلّة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، ثم قال للمشايخ: هذه أختي فلانة أشهدكم أني قد زوّجتها (1) من سيدي إبراهيم بن المهدي، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم.
فرضيت وقبلت النكاح، ودفع إليها (2) القدر، وفرّق البدرة الأخرى على المشايخ.
ثم قال لهم: اعذروا هذا ما حضر على هذا الحال فقبضوها ونهضوا. ثم قال لي:
يا سيدي أمهّد لك بعض البيوت، فتنام مع أهلك، فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم شيمته، فقلت: بل أحضر عمارية (3) وأحملها إلى منزلي، فقال: ما شئت، فأحضرت عمارية وحملتها وصرت بها إلى منزلي، فوحقّك يا أمير المومنين، لقد حمل إلي من الجهاز ما ضاقت به بعض بيوتنا. فأولدتها (4) هذا القائم على رأس سيدي أمير المومنين.
فعجب المامون من كرم ذلك الرجل وسعة صدره. وقال: لله أبوه، ما سمعت مثله قط. ثم أطلق الرجل الطفيليّ وأجازه بجائزة سنية، وأمر إبراهيم بإحضار الرجل، فكان من خواصّ المامون وأهل محبّته.
__________
(1) د: تزوجتها، وهو غلط.
(2) د: إلي، وهو غلط.
(3) عمارية: هودج يجلس فيه ويحمل. (ملحق دوزي: عمر).
(4) د: فأولدها. وهو غلط.(1/432)
وأخبار إبراهيم بن المهدي ومحاسنه ونوادره كثيرة. ومما استجيد من شعره قوله يرثي ولده أحمد وكان قد مات بالبصرة: (الطويل)
نأى آخر الأيام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب (1)
دعته نوى لا ترتجى أوبة لها ... فلبّك مسلوب وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب
تبدّل دارا غير داري وجيرة ... سواي، وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطنا غير أنّه ... على طول أيام المقام غريب
(2) (كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضّحى ... سقاه النّدى فاهتزّ وهو رطيب)
كأن لم يكن كالدّرّ يلمع نوره ... بأصدافه لمّا يشنه ثقوب
كأن لم يكن زين الفناء ومعقل ... النساء إذا يوم يكون عصيب
وريحان صدري كان حين أشمّه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بحمد إلهي وهي منه سليب
قليلا من الأيام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أعلقته شعوب (3)
كظلّ سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى (أن) أطاحته فطاح جنوب (4)
أو الشمس لمّا من غمام تحسّرت ... مساء وقد ولّت وحان غروب
سأبكيك ما أبقت دموعي والبكا ... بعينيّ ماء يا بنيّ يجيب
وما غار نجم أو تغنّت حمامة ... أو اخضرّ في فرع الأراك قضيب
حياتي ما دامت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب
__________
(1) د: نأى عنك آخر الأيام حبيب، وهو غلط.
والأبيات أول قصيدة، وهي ما عدا البيت التاسع في شعره 231227وهي كاملة في التعازي 156153والتاريخ الكبير 2/ 285283، والأبيات في الكامل 4/ 2523وأغلبها في أشعار أولاد الخلفاء 4544.
الغروب: جمع غرب وهو الدمع. (القاموس: الغرب).
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) ج: لويرو (لو) غلط. د: أعقلته، وهو غلط.
شعوب: علم على المنيّة (المعجم الوسيط: شعب).
(4) ما بين القوسين ساقط من د.(1/433)
وأضمر إن أنفدت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضّلوع وجيب (1)
دعوت أطبّاء العراق فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب
ولم يملك الآسون دفعا لمهجتي ... عليها لإشراك المنون رقيب (2)
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي ... أخوك، فرأسي قد علاه مشيب
فأصبحت في الهلّاك إلّا حشاشة ... تذاب بنار الحزن فهي تذوب
تولّيتما في حقبة فتركتما ... صدى يتولّى تارة ويثوب
ولا ميت إلا دون رزئك رزؤه ... ولو فتّتت حزنا عليك قلوب
وإنّي وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأنّي وإن أبطأت عنك قريب (3)
وإنّ صباحا نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب
وترجمته أطول من هذا. وفيما ذكرنا (4) منها مقنع إن شاء الله تعالى.
37 - القاضي يحيى بن أكتم (5)
يكنى أبا محمد، وأكتم، قال ابن خلكان (6): بالتاء المثناة فوق، ابن محمد ابن قطن التميمي الأسيّدي (7) المروزي البغدادي، من ولد أكتم بن صيفي حكيم
__________
(1) د: واضمرت، وهو غلط.
(2) د: لمهجتي، وهو غلط.
(3) ج: قلبي وهو غلط.
(4) ب ج د ش: ذكرناه.
(5) (242159هـ) ترجمته في ثمار القلوب 125122وجمهرة الأنساب 210وتاريخ بغداد 14/ 204191والوفيات 6/ 165147وميزان الاعتدال 4/ 362361والنجوم الزاهرة 2/ 217، 308والشذرات 2/ 102101وإدراك الأماني 14/ 1815والأعلام 8/ 138.
(6) الوفيات 6/ 163وفيه «يقال بالثاء المثلثة، والتاء المثناة من فوقها ومعناهما واحد».
(7) أب ج د ش: الأسدي، وهو غلط والتصحيح من جمهرة الأنساب 210والوفيات 6/ 147، 164.
والأسيّديّ نسبة إلى أسيّد وهو بطن من تميم يقال له أسيّد بن عمرو بن تميم. جمهرة الأنساب 72، 207، 210 واللباب في الأنساب 1/ 61 (ط. المثنى بغداد) والوفيات 6/ 146.(1/434)
العرب. كان عالما بالفقه بصيرا بالأحكام، مشاركا في كثير من الفنون، ذكره الدّارقطني (1) في (أحكام الشافعي). وقال الخطيب (2): كان ابن أكتم سليما من البدعة ينتحل مذهب أهل السّنّة، سمع عبد الله (3) بن المبارك وسفيان بن عيينة (4) وغيرهما. وروى عنه الترمذيّ وأبو حاتم (5) والقاضي إسماعيل (6)
وغيرهم.
وكان أحد الأئمة المجتهدين أولي التّصانيف. قال ابن حنبل (7): ما علمت فيه بدعة. وكان يحيى يقول: (8) القرآن كلام الله، فمن قال إنه مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وعن يحيى بن معين (9) أنه كان يكذب. وقال صالح جزرة (10): حدث عن عبد الله بن إدريس (11) بأحاديث لم يسمعها منه. وقال
__________
(1) الدارقطني هو عليّ بن عمر الحافظ المشهور، وكان عالما فقيها على مذهب الإمام الشافعي (385هـ). الوفيات 3/ 299297واللباب في الأنساب 1/ 483وتذكرة الحفاظ 3/ 995991والأعلام 4/ 314.
وما بين القوسين ساقط من ش.
أب ج د: أحكام: الوفيات 6/ 147: أصحاب.
(2) تاريخ بغداد 14/ 191.
(3) أب ج د ش: هبة الله. وهو غلط والتصحيح من تاريخ بغداد 14/ 191والوفيات 6/ 147.
وعبد الله بن المبارك المروزي حافظ كبير، وهو ممّن جمعوا إلى الحديث الفقه والزّهد والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء (181هـ). المعارف 511وتاريخ بغداد 10/ 169152وتذكرة الحفاظ 1/ 279274والأعلام 4/ 115.
(4) سبق التعريف به في الصفحة 16الحاشية 8.
(5) أبو حاتم هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظليّ أحد المحدّثين الحفّاظ من أقران البخاري ومسلم (277هـ). تذكرة الحفاظ 2/ 569567والأعلام 6/ 27.
(6) القاضي إسماعيل بن إسحاق هو محدّث البصرة وشيخ مالكية العراق تولّى قضاء بغداد، ثم أصبح قاضي القضاة (282هـ). تذكرة الحفاظ 2/ 626625. والمرقبة العليا 3632والديباج المذهب 9592والأعلام 1/ 310.
(7) أنظر ذلك في تاريخ بغداد 14/ 198.
(8) تاريخ بغداد 14/ 198والوفيات 6/ 148.
(9) هو أحد أئمة الحديث الثقات ومؤرخي رجاله، من نظراء أحمد بن حنبل (233هـ) الوفيات 6/ 143139وتذكرة الحفاظ 2/ 431429وميزان الاعتدال 4/ 410والأعلام 173172.
والخبر في تاريخ بغداد 14/ 201وميزان الاعتدال 4/ 362.
(10) هو صالح بن محمد بن عمرو المعروف بجزرة، محدّث حافظ علّامة ثبت (293هـ) تذكرة الحفاظ 2/ 643والأعلام 3/ 195.
والقول في تاريخ بغداد 14/ 202.
(11) محدّث حافظ وإمام حجّة وعابد ورع، أقدمه الرشيد ليتولى القضاء فرفض (192هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 285282 والأعلام 4/ 71.(1/435)
أبو الفتح الأزدي (1): يروي عن الثقات عجائب. وكان واسع العلم بالفقه كثير الأدب حسن العارضة قائما بكلّ معضلة. قال الحاكم (2): من نظر في كتاب التّنبيه ليحيى بن أكتم عرف تقدّمه في العلوم. غلب (3) على المامون حتى لم يتقدّم عليه عنده أحد، مع براعة المامون في العلم. وكانت الوزراء لا تعمل شيئا في الملك إلّا بعد مراجعته ومطالعته. ولّاه المامون القضاء ببغداد وله عشرون سنة (4)
ولما ولي القضاء بالبصرة استصغروه، فقال له أحدهم: كم سنّ القاضي؟ قال: أنا أكبر من عتّاب، يعني ابن أسيّد (5) الذي ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أهل مكة، وأكبر من معاذ، يعني ابن جبل (6) الذي وجّه به الرسول صلّى الله عليه وسلم وسلم قاضيا على اليمن.
(7) ولما أراد المامون أن يوليّه القضاء دخل عليه فاستحقره، فعلم يحيى بذلك، فقال: يا أمير المومنين، إن كان القصد علمي، فاسألني، فقال له المامون:
أبوان وابنتان لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين وخلّفت، من في المسألة؟
__________
(1) هو محمد بن الحسين المحدث الحافظ، له مصنف في الضعفاء، قويّ النفس في تجريح المحدثين (367هـ). تذكرة الحفاظ 3/ 968867والأعلام 6/ 98
والقول في تاريخ بغداد 14/ 202وميزان الإعتدال 4/ 362.
(2) الحاكم لقب اشتهر به عالمان كبيران هما: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، الحافظ الكبير إمام المحدثين المعروف بابن البيّع، صاحب التصانيف الكثيرة، تولّى قضاء نيسابور، من أعلم المحدثين بصحيح الحديث، له المستدرك على الصحيحين (405هـ) تذكرة الحفاظ 3/ 10451039والوفيات 4/ 281280والأعلام 6/ 227.
وأبو أحمد الحاكم الكبير محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، محدث خراسان وإمام عصره، تولى القضاء في مدن كثيرة، ثم لزم المسجد والعبادة والتصنيف ورفض القضاء (378هـ). تذكرة الحفاظ 3/ 979976 والوافي بالوفيات 1/ 115والأعلام 7/ 20.
والقول في تاريخ بغداد 14/ 197.
(3) تاريخ بغداد 14/ 198197والوفيات 6/ 148147.
(4) تاريخ بغداد 14/ 199198والوفيات 6/ 149وسراج الملوك 114وحياة الحيوان 2/ 4.
(5) عتّاب بن أسيّد أحد الصحابة الشجعان أسلم يوم فتح مكة وولاه النبيّ صلّى الله عليه وسلم القضاء عليها يوم خرج إلى حنين وكان عمره إحدى وعشرين سنة. جمهرة الأنساب 113والاستيعاب 3/ 10251023والوفيات 6/ 149والأعلام 4/ 200199.
(6) معاذ بن جبل صحابي جليل، من أعلم الصحابة بالحلال والحرام، وأحد الستة الذي جمعوا القرآن الكريم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثه الرسول بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن (18هـ). الاستيعاب 3/ 14071402والإصابة 6/ 138136والأعلام 7/ 258.
(7) الخبر في الوفيات 6/ 148وحياة الحيوان 2/ 4.(1/436)
فقال: يا أمير المومنين، الميّت الأول رجل أو امرأة؟ فعلم المامون أنه قد علم المسألة، فقلّده القضاء. وهذه المسألة تعرف عند الفرضيين بالمامونيّة، لأنه هو الذي سألها وتصحّ المسألتان (1) من أربع وخمسين إن كان الميت الأول رجلا، فإن كان امرأة لم يرث (2) الجدّ في المسألة الثانية لأنه أبو أم، فتصحّ المسألتان من ثمانية عشر سهما.
وذكره (3) (أبو إسحاق) القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد بن درهم (4) وأثنى عليه كثيرا وقال (5): كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله، وذلك أن المامون نادى بتحليل نكاح المتعة، وهو في طريق الشام، فسمع بذلك يحيى بن أكتم، فقال لمحمد بن منصور (6) وفلان لرجل سمّاه (7): بكّرا غدا إليه، فإن رأيتما للقول وجها [فقولا] (8)، وإلّا فأمسكا إلى أن أدخل. فلما دخلا على المامون، وجداه يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهى عنهما. ومن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا فعله (9) رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر؟ فأومأ محمد بن منصور إلى الرجل: رجل يقول في عمر (10) ما يقول، نكلّمه نحن. فأمسكا. وجاء يحيى بن أكتم، فجلس وجلسنا، فقال المامون ليحيى: مالي أراك
__________
(1) ج: المسألة، وهو غلط.
(2) د: ترث، وهو غلط.
(3) ما بين القوسين ساقط من ب ج د هـ و.
والخبر من الوفيات 6/ 151150.
(4) سبق التعريف به في الصفحة 260الحاشية 6.
(5) من الوفيات 6/ 150. والخبر في تاريخ بغداد 14/ 200199والفوات 2/ 238وحياة الحيوان 2/ 4.
(6) محدّث حافظ، تولى قضاء فارس وخوزستان (252هـ) الوفيات 5/ 103وتذكرة الحفاظ 2/ 511.
(7) هو أبو العيناء كما في تاريخ بغداد 14/ 199والوفيات 6/ 149، وقد سبقت ترجمة أبي العيناء برقم 42.
(8) زيادة من تاريخ بغداد 4/ 119والوفيات 6/ 149.
(9) د: فعل.
(10) هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قد سمع أن رجلا تزوّج زواج متعة من امرأة فحملت منه، فخرج فزعا يجرّ رداءه وقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت، أنظر الموطأ 448وفقه السنة 2/ 42.(1/437)
متغيّرا؟ فقال: هو غمّ لما حدث في الإسلام يا أمير المومنين، قال: وما حدث فيه؟
قال: النّداء بتحليل الزّنى يا أمير المومنين، فإنّ المتعة زنى. قال: ومن أين (1)
قلت هذا؟ قال: من كتاب الله تعالى ومن حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال الله تعالى (2): {«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»} إلى قوله تعالى: {«فَمَنِ ابْتَغى ََ وَرََاءَ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ العََادُونَ»}. يا أمير المومنين زوجة المتعة ملك اليمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: فقد (3) (صار) متجاوز هذين من العادين. وهذا الزهريّ (4) يا أمير المومنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أنادي بالنّهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها (5). فالتفت المامون إلى من حضر. وقال: أمحفوظ هذا من حديث الزّهريّ؟ فقالوا: نعم يا أمير المومنين. رواه جماعة منهم مالك (6) رضي الله عنه.
فقال: أستغفر الله.
وكان يحيى (7) بن أكتم رجلا مفنّنا (8) فكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث، وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو، وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام حتى يقطعه. فدخل عليه يوما رجل من خراسان، ذكيّ حافظ فرآه
__________
(1) ج د: أنت، وهو غلط.
(2) سورة المومنون 23/ 71وهو يشير إلى قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى ََ وَرََاءَ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ العََادُونَ}.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) هو أبو بكر محمد بن مسلم الزهريّ أحد الفقهاء المحدّثين، والأعلام التابعين بالمدينة، رأى عشرة من الصحابة، رضي الله عنهم (124هـ). المعارف 472ومعجم الشعراء 413والوفيات 4/ 179177.
(5) يشير إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «أيّها الناس إنّي كنت أذنت لكم في الإستمتاع، ألا وإنّ الله قد حرّمها إلى يوم القيامة». سنن ابن ماجة 1/ 631وصحيح مسلم 6/ 63والجامع الصحيح 3/ 430429وفقه السنة 2/ 42.
(6) أنظر الموطأ 448.
(7) من الوفيات 6/ 152، والخبر في تاريخ بغداد 14/ 195وحياة الحيوان 2/ 5.
(8) د هـ: متفننا.
مفنّنا من قولك: فنّن فلان رأيه إذا لوّنه ولم يثبت على رأي واحد، ورجل يفنّن الكلام أي يشتقّ في فن بعد فنّ (اللسان: فنن).(1/438)
لمّا ناظره مفنّنا فقال له: نظرت في الحديث؟ قال: نعم فقال: ما تحفظ من الأصول؟
فقال: أحفظ عن شريك عن أبي إسحاق عن الحارث أن عليّا رضي الله عنه رجم لوطيا.
فأمسك عنه، ولم يكلّمه. وكان ممّن يزنّ بالمرد. ووردت عنه في أمرهم حكايات (1)
وكان ميله إليهم في الشبيبة والكهولة، فلمّا شاخ أقبل على شأنه، وبقيّت الشّناعة.
قال أبو بكر الخطيب رحمه الله (2): دخل على ابن أكتم ابنا مسعدة (3)
وكانا (4) على نهاية الجمال، فلما رآهما يمشيان في الصحن، أنشأ يقول (5):
(مخلع البسيط)
يا زائرينا من الخيام ... حيّاكما الله بالسّلام
لم تأتياني وبي نهوض ... إلى حلال ولا حرام
يحزنني أن وقفتما بي ... وليس عندي سوى الكلام
ثم أجلسهما بين يديه يمازحهما حتى انصرفا.
وقيل (6) عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات. ويقال (7) إنّه مازج الحسن بن وهب (8)، وهو يومئذ صبيّ وجمّشه (9) فغضب الحسن بن وهب فأنشده يحيى (10): (الطويل)
أيا قمرا جمّشته متغضّبا ... وأصبح لي من تيهه متجنّبا
__________
(1) أنظر بعض ذلك في مروج الذهب 3/ 434وثمار القلوب 125122.
(2) تاريخ بغداد 14/ 195، والخبر في الوفيات 6/ 152.
(3) لعلهما أخوا عمرو بن مسعدة وزير المامون وأحد الكتّاب البلغاء (217هـ) معجم الشعراء 220219والوفيات 3/ 478475والأعلام 5/ 86.
(4) د: وكان، وهو غلط.
(5) الأبيات في تاريخ 14/ 195والوفيات 6/ 152وإدراك الأماني 14/ 16.
(6) تاريخ بغداد 14/ 195.
(7) الخبر في الوفيات 6/ 153152.
(8) أب ج د ش هـ و: الحسن بن سهل، وهو غلط والتصحيح من الوفيات 6/ 152ثم إن الحسن بن سهل المولود سنة 166هـ والمتوفي سنة 236هـ، في سن متقاربة مع القاضي يحى بن أكتم (242159هـ) فلا يعقل أن يقال عنه «وهو يومئذ صبي».
وأما الحسن بن وهب، المولود سنة 186. والمتوفى سنة 250هـ فهو أصغر من القاضي يحيى بسبعة وعشرين سنة.
أنظر عن الحسن بن وهب الأغاني 23/ 11694والفوات 1/ 370367والأعلام 2/ 226، وعن الحسن بن سهل أنظر الوفيات 2/ 123120والأعلام 8/ 192.
(9) جمّشه: قرّصه ولاعبه أي غازله (اللسان: جمش).
(10) الأبيات في الوفيات 6/ 153152وإدراك الأماني 14/ 17.(1/439)
إذا كنت للتّجميش والعضّ كارها ... فكن أبدا يا سيّدي متنقّبا
ولا تظهر الأصداغ للنّاس فتنة ... وتجعل منها فوق خديك عقربا
فتقتل مسكينا وتفتن ناسكا ... وتترك قاضي المسلمين معذّبا
قال (1) له المامون يوما: من الذي يقول (2): (المنسرح)
قاض يرى الحدّ في الزّناء ولا ... يرى على من يلوط من باس
فقال يحيى: أولا تعرفه يا أمير المومنين؟ قال: لا. قال: يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم (3) الذي يقول (4): (تام المنسرح)
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ال ... أمّة وال من آل عبّاس
فأفحم المامون خجلا، وقال: ينفى أحمد بن أبي نعيم إلى السّند. وأول هذه الأبيات (5): (تام المنسرح)
أنطقني الدّهر بعد إخراس ... لنائبات أطلن وسواسي
يا بؤس للدّهر لا يزال كما ... يرفع ناسا يحطّ من ناس (6)
لا أفلحت أمّة وحقّ لها ... بطول نكس وطول إتعاس
ترضى بيحيى يكون سائسها ... وليس يحيى لها بسوّاس
قاض يرى الحدّ في الزّناء ولا ... يرى على من يلوط من باس
يحكم للأمرد الغرّير على ... مثل جرير ومثل عبّاس (7)
__________
(1) من مروج الذهب 3/ 435، والخبر في العقد الفريد 4/ 35وتاريخ بغداد 14/ 196والوفيات 6/ 154153.
(2) البيت في العقد الفريد 4/ 35وتاريخ بغداد 14/ 196والوفيات 6/ 153وإدراك الأماني 14/ 17.
(3) لم أعثر له على تعريف في المظان.
(4) البيت في العقد الفريد 4/ 35ومروج الذهب 3/ 435وتاريخ بغداد 14/ 196والوفيات 6/ 153وإدراك الأماني 14/ 17.
د: يحسب، وهو غلط.
(5) نسبت الأبيات في تاريخ بغداد 14/ 196والوفيات 6/ 154وإدراك الأماني 14/ 17لأحمد بن أبي نعيم. ونسب البيت الخامس والثامن والعاشر في طبقات ابن المعتز 378لابن أبي خالد. ونسبت الأبيات 5، 8، 10في مروج الذهب 3/ 435لابن أبي نعيم.
(6) ب: لا يزال. أج د: لا تزال، وهو غلط.
(7) الغرير الشابّ لا تجربة له كالغرّ بالكسر (القاموس: غره).(1/440)
فالحمد لله كيف قد ذهب العدل وقلّ الوفاء في الناس أميرنا يرتشي وحاكمنا ... يلوط والرّاس شرّ ماراس
لو صلح الدين واستقام لقد ... قام على النّاس كلّ مقياس (1)
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ال ... أمّة وال من آل عباس
وذكر صاحب الأغاني (2). أن المامون أراد امتحان يحيى لمّا تواتر النقل عنه، ورمي به من أمر المرد، فأخلى له مجلسا ثم استدعاه وأوصى مملوكا خزريا يقف عنده وحده، وإذا خرج المامون يقف المملوك ولا يخرج.
وكان المملوك في غاية الحسن. فلما اجتمعا في المجلس وتحادثا قام المامون، كأنّه يقضي حاجة فوقف المملوك، فتجسّس المامون عليهما. وكان قد قرّر معه أن يعبث بيحيى علما منه أن يحيى لا يتجاسر عليه خوفا من المامون. فلما عبث به المملوك سمع يحيى يقول (3): «لولا أنتم لكنّا مومنين» فدخل المامون وهو ينشد (4): (الطويل)
وكنّا نرجّي أن نرى العدل ظاهرا ... فأعقبنا بعد الرّجاء قنوط
متى تصلح الدّنيا ويصلح أهلها ... إذا كان قاضي المسلمين يلوط!
والبيتان لأبي حكيمة راشد بن إسحاق (5).
وكان يحيى أعور، وتوفي (6) في أيام المتوكل بعد أن غضب عليه وأمر بقبض أملاكه. فذهب إلى الحجاز وحمل أخته معه وعزم على أن يجاور، فلمّا اتّصل به رجوع المتوكل له، بدا له في المجاورة (7)، وكرّ راجعا إلى العراق. فلمّا وصل
__________
(1) ب: لو صلح. أج د ش: لو يصلح، وهو غلط.
(2) الأغاني 20/ 255، والخبر في الوفيات 6/ 155154.
(3) سورة سبأ 34/ 31.
(4) البيتان لإبراهيم بن يحيى اليزيدي أحد ندماء المامون، وهما في شعر اليزيديين 136والأغاني 20/ 255، ونسبا في مروج الذهب 3/ 446والوفيات 6/ 155لأبي حكيمة راشد.
(5) هو شاعر كان من المقربين للوزير محمد بن عبد الملك الزيات، وقد اشتهر برثاء متاعه. طبقات ابن المعتز 308، 390389والأغاني 23/ 5957والوفيات 3/ 79والفوات 2/ 1915.
(6) الخبر في الوفيات 6/ 163.
(7) بدا له في المجاورة: أي غيّر رأيه فيها، جاء في اللسان (بدا): «بدا لي بداء: أي تغيّر رأيي على ما كان عليه».(1/441)
إلى الرّبذة (1) توفي بها يوم الجمعة منتصف ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومائتين وقيل سنة ثلاث وأربعين، ودفن هناك رحمه الله تعالى.
وحكى (2) أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعد قال: كان يحيى بن أكتم صديقا لي فمات. فكنت أشتهي أن أراه في النوم فأقول له: ما فعل الله بك؟
فرأيته ليلة في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي إلّا أنّه وبّخني، وقال لي: يا يحيى خلّطت عليّ في دار الدنيا فقلت: يا ربّ اتّكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (3)، إنّك قلت: إنّي لأستحيي أن أعذّب ذا شيبة بالنار، فقال: عفوت عنك يا يحيى وصدق نبيي، إلّا أنّك خلّطت عليّ في دار الدنيا. هكذا ذكر (4) الشيخ أبو القاسم القشيري (5) في الرسالة (6) رحمه الله تعالى.
38 - ابن المعتز (7)
هو عبد الله بن أمير المومنين المعتز بالله الزبير ابن أمير المومنين جعفر
__________
(1) الرّبذة بفتح أوله وثانيه، وبالذال المعجمة، وهي التي جعلها عمر رضي الله عنه حمى لإبل الصّدقة وهي في بلاد غطفان. أنظر معجم ما استعجم 2/ 633. وجاء في الوفيات 6/ 164أنها قريبة من قرى المدينة على طريق الحاجّ ينزلونها عند عبورهم عليها.
(2) من الوفيات 6/ 164163نقلا عن الرسالة القشيرية 65وفيها عبد الله بن سعيد.
والخبر في شرح المقامات 2/ 20وحياة الحيوان 2/ 5.
(3) جاء في لباب الآداب أن رسول الله قال: «إن الله يستحيي من عبد يشيب في الإسلام أن يعذّبه». وجاء في كشف الخفاء 1/ 244 «أن الله يستحيى أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام».
وجاء في الجامع الصحيح 4/ 172 «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة». وجاء في حلية الأولياء 2/ 387 «إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذّبهما». ومثل ذلك في تنبيه الغافلين 31.
(4) ج: ذكره.
(5) هو عبد الكريم بن هوازن فقيه شافعيّ، كان علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر والكتابة وعلم التصوف وهو من الوعاظ الزهاد (465هـ) انظر دمية القصر 2/ 998993واللباب في الأنساب 3/ 38والوفيات 3/ 208205.
(6) الرسالة القشيرية 65 (آخر باب الخوف).
(7) (296هـ) ترجمته في أشعار أولاد الخلفاء 296107والأغاني 10/ 286274والوفيات 3/ 8076والفوات 2/ 246239والوافي بالوفيات 17/ 467447وإدراك الأماني 20/ 110106.(1/442)
المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن أبي جعفر المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب الآداب (1) الفائقة، والمعاني الرائقة والتشبيهات (2) البديعة والاستعارات الرفيعة، (3) (يقال: إنّه لم يكن بعد ذي الرمة أقصد للتشبيه منه). فمن محاسنه قوله في بعض خمرياته (4):
(تام البسيط)
وقد يباكرني الساقي فأشربها ... راحا تريح من الأحزان والكرب
وأمطر الكأس ماء من أبارقه ... فأنبت الدّرّ في أرض من الذهب
وسبّح القوم لمّا أن رأوا عجبا ... نورا من الماء في نار من العنب
وهو القائل (5): (تام المتقارب)
وخمّارة من بنات المجوس ... ترى الزّقّ في بيتها شائلا
وزنّا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
ولما سمع هذين البيتين (6) المعتمد ابن عبّاد، زاد عليهما ثالثا، فقال وأجاد (7): (تام المتقارب)
وقلنا: خذي جوهرا ثابتا ... فقالت: خذوا عرضا زائلا
__________
(1) ج د: الأدب، وهو غلط.
(2) ج د: والاستعارات البديعة والتشبيهات الرفيعة.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) من قصيدة في الخمر أولها:
يا من يفنّدني في اللهو والطرب ... دع ما تراه وخذ رأيي فحسبك بي
وهي في شعره 2/ 3231والأبيات الثلاثة في خاص الخاص 130. والبيتان الأخيران في الإعجاز 274.
(5) من مقطوعة في الخمر أولها:
شربت المدام فلا مازحا ... بسبّ النّدامى ولا باخلا
وهي في شعره 2/ 202201والبيتان في اليتيمة 3/ 84والإعجاز 274وخاص الخاص 130وأحسن ما سمعت 56 ولطائف اللطف 141ورسالة الغفران 560وحلبة الكميت 113ونفح الطيب 3/ 615 (ت. محيي الدين).
(6) ج د: سمعها.
والمعتمد ابن عباد هو محمد بن عبّاد، ملك إشبيلية، الشاعر المشهور، والكاتب البارع (488هـ) الوفيات 5/ 2921 والأعلام 6/ 181.
(7) البيت في ديوانه 35والذخيرة 3/ 1/ 115ونفح الطيب 3/ 616 (ت. محيي الدين).(1/443)
ومن بديع شعره ونفيس درّه قوله في الغزل (1): (تام الكامل)
ظبي يتيه بحسن صورته ... عبث الفتور بلحظ مقلته
وكأنّ عقرب صدغه احترقت ... لمّا دنت من نار وجنته
وقوله في هلال الفطر من رمضان (2): (تام الكامل)
أهلا بفطر قد أنار هلاله ... فالآن فاغد على المدام وبكّر
وانظر إليه كزورق من فضّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وقوله في الربيع (3): (الخفيف)
اسقني الرّاح في شباب النّهار ... وانف همّي بالخندريس العقار
ما ترى نعمة السّماء على الأر ... ض وشكر الرّياض للأزهار
وغناء الطّيور كلّ صباح ... وانفتاق الأشجار بالأنوار
وكأنّ الربيع يجلو عروسا ... وكأنّا من قطره في نثار
وقوله في الديك (4): (المنسرح)
صفّق إمّا ارتياحة لسنا ال ... فجر وإمّا على الدّجى أسفا
وقوله في الريح اللينة (5): (تام البسيط)
والريح تجذب أطراف الرّداء كما ... أفضى الشّفيق إلى تنبيه وسنان
__________
(1) البيتان في شعره 1/ 229ومروج الذهب 4/ 205وخاص الخاص 131وأحسن ما سمعت 130والإعجاز 274 ولطائف اللطف 142.
الصّدغ ما انحدر من شعر الرأس بين العين والآذن (اللسان: صدغ) ويقصد بعقرب صدغه تثنّي شعر رأسه المتدلّي على هيئة ذيل العقرب، وفي ذلك إشارة إلى سحره وفتكه بالناظرين.
(2) البيتان في ديوانه 2/ 591وخاص الخاص 131ونثر النظم 135ولطائف اللطف 140وشرح المقامات 1/ 94 والفوات 2/ 245وهي في الإعجاز 250منسوبة للقاضي أبي القاسم التنوخي المترجم له برقم 48.
(3) أول مقطوعة في خمسة أبيات في شعره 2/ 124. والأبيات في خاص الخاص 131. ونسبت في الإعجاز 251250 للقاضي أبي القاسم التنوخي. والبيتان الأول والأخير في لطائف اللطفل 141.
الخندريس: الخمر القديمة، سمّيت بذلك لقدمها (اللسان: خندرس)
(4) د: على الدجا البقا. (البقا) غلط.
والبيت من خمرية مطلعها:
بشّر بالصّبح طائر هتفا ... مستوفيا للجدار مشترفا
وهي في شعره 2/ 177175والبيت في خاص الخاص 131.
(5) من قصيدة في الفخر مطلعها:
يا دار يا دار أطرابي وأشجاني ... أبلى جديد مغانيك الجديدان
وهي في شعره 1/ 186181والبيت في اليتيمة 2/ 393وخاص الخاص 131ولطائف اللطف 141والوافي بالوفيات 17/ 465.(1/444)
وقوله في العمارة (1): (تام المتقارب)
ألا من لنفس وأحزانها ... ودار تداعت لحيطانها
أظلّ نهاري في شمسها ... شقيّا لقيّا ببنيانها
أسوّد وجهي بتبييضها ... وأخرب كيسي لعمرانها
ومن (2) عجيب أمره أنه كان يستكثر في أوصافه من التشبيه بالعنّين كقوله في وصف الشمس التي تكاد تخرج من الغيم (3): (تام الوافر)
تظلّ الشمس ترمقنا بلحظ ... مريض مدنف من خلف ستر
تحاول فتق غيم وهو يأبى ... كعنّين يروم نكاح بكر
وكقوله (4) في الوحشة: (تام الوافر)
أطال الدّهر في بغداد همّي ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها على رغمي مقيما ... كعنّين تضاجعه عجوز
وقوله (5) في العذر الكاذب من مزدوجة: (مزدوج الرجز)
وجاءنا بعذرة كذابه
لم يفتح القلب لها أبوابه
__________
(1) أول مقطعة في أربعة أبيات في شعره 2/ 648647. والأبيات الثلاثة في الأغاني 10/ 283وخاص الخاص 132131، ونسبت في الإعجاز 251للقاضي أبي القاسم التنوخي المترجم له برقم 48.
رجل شقيّ لقيّ: لا يزال يلقي شرّا (اللسان: لقا).
(2) من خاص الخاص 132إلى قوله: «لمكان ابنه عبد الواحد».
(3) من مقطعة في ثلاث أبيات في المطر والشمس أولها:
مطرنا بل غرقنا وسط بحر ... فغيري من دعا بنزول قطر
وهي في شعره 2/ 580. والبيتان في خاص الخاص 132وأحسن ما سمعت 81والغيث المسجم 2/ 258. والبيت الأخير في اليتيمة 2/ 341.
رجل مدنف: براه المرض حتى أشفى على الموت. والعنّين الذي لا ياتي النساء ولا يريدهنّ (اللسان: دنف، عنن).
(4) ج: وقوله، د: يضاجعه، وهو غلط.
والبيتان ليسا في شعره، وهما في ديوانه 319 (الخياط) وديوان أشعار الأمير 2/ 187وخاص الخاص 132والوافي بالوفيات 17/ 466والفوات 2/ 245ونسبا في الإعجاز 251للقاضي أبي القاسم التنوخي الآتية ترجمته برقم 48
(5) د: وكقوله. ديوان أشعار الأمير 2/ 33: ذات مهر ضائع. أب ج د ش: ذات حر ضائع.
والبيتان من مزدوجته في ذم الصبوح التي أولها:
لي صاحب قد لا مني وزادا ... في تركي الصبوح ثم عادا
وهي في شعره 2/ 559538وديوانه 312306 (الخياط) وديوان أشعار الأمير 2/ 3730والوافي بالوفيات 17/ 463457والبيتان في خاص الخاص 132(1/445)
كعذرة العنّين بعد السّابع
إلى عروس ذات مهر ضائع
حتى اتّهم أنّه كان عنّينا. وليس بعنّين لمكان ابنه عبد الواحد (1).
ومن عيون شعره قوله (2)، ومنهم (3) من ينسبها لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر (4):
سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب
فأمسيت في ليلين بالشّعر ... وصبحين من كأس ووجه حبيب
وقوله (5): (تام الكامل)
قد حثّني بالكأس أوّل فجره ... ساق علامة دينه في خصره
فكأن حمرة لونها من خدّه ... وكأنّ طيب نسيمها من نشره
حتى إذا صبّ المزاج تبسّمت ... عن ثغرها فحسبته من ثغره
وقوله (6): (تام البسيط)
وجاءني في قميص الليل معتجرا ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قدّت من الظّفر (7)
__________
(1) حاشية د: «إذا ضم معه الولد للفراش، وإلّا فالظّنّ على حاله. قيل لبعضهم: أيولد لابن تسعين؟ قال: نعم، إذا كان في جواره ابن عشرين. فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر».
(2) البيتان في الغزل في شعره 2/ 40والعقد الفريد 6/ 63والأمالي 1/ 227ولطائف اللطف 46.
(3) الثعالبي في الإعجاز 252251وخاص الخاص 132وأحسن ما سمعت 60وفيها جميعا: عبد الله بن عبد الله بن طاهر.
(4) أب ج د ش: لعبد الله بن طاهر، وهو غلط.
وعبيد الله سبق التعريف به في الصفحة 171الحاشي 8.
والبيتان له في المصادر المذكورة في الحاشية السابقة رقم 3.
(5) أول مقطعة في سبعة أبيات في الخمر في شعره 2/ 115114والأبيات في أحسن ما سمعت 6059.
(6) من قصيدة خمرية مطلعها:
سقى الجزيرة ذات الظّلّ والشجر ... ودير عبدون هطّال من المطر
وهي في شعره 2/ 112109، ومنها 10أبيات في الوفيات 3/ 78.
المعتجر هو الذي يلفّ العمامة على رأسه ويردّ طرفها على وجهه دون أن يتلحّى بها (اللسان: عجر).
(7) أب ج د ش: ضوء صباح. وفي شعره والوفيات: ضوء هلال، وهو أولى.(1/446)
فقمت أفرش خدّي في التراب له ... ذلّا وأسحب أذيالي على الأثر
وكان ما كان ممّا لست أذكره ... فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر
وهو القائل (1): (تام البسيط)
وفتية كسيوف الهند قلت لهم ... سيروا فما خالفوا قولي ولا رفقوا
ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم ... حتّى توقّد في ذيل الدّجى الشّفق
ومن تشبيهاته الفائقة، ومعانيه الرائقة، قوله في الهلال (2): (السريع)
انظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا
كمنجل قد صيغ من فضّة ... يحصد من زهر الدّجى النّرجسا
وقوله (3): (تام الخفيف)
وكأنّ المجرّ جدول ماء ... نوّر الأقحوان في جانبيه
وكأنّ الهلال نصف سوار ... والثّريّا كفّ تشير إليه
وقوله في مقابلة الشمس والقمر (4): (الطويل)
تأمّل إذا ما قابل البدر شمسه ... صباحا وكلّ يملأ الأفق أنوارا
كأنّ الذي ألقى إلى الغرب درهما ... لحاجته ألقى إلى الشرق دينارا
__________
(1) من قصيدة في الفخر مطلعها:
يا قلب قد جدّ بين الحيّ فانطلقوا ... علّقتهم هكذا حينا وما علقوا
وهي في شعره 1/ 143140.
رفق: انتظر (اللسان: رفق).
(2) د: ينظر من أنواره. (ينظر) غلط.
والبيتان في شعره 2/ 606605.
الحندس: الليل الشديد الظّلمة (اللسان: حندس).
(3) البيتان من مقطعة في أربعة أبيات في وصف الليل والنجوم، أولها:
جاءني زائرا وقد شيّب اللي ... ل ودبّ الضّياء في عارضيه
وهي في شعره 2/ 655654.
المجرّ: المجرّة وهي البياض المعترض في السماء (اللسان: جرر).
(4) البيتان ليسا في شعره ولا في ديوان أشعاره ولا في ديوانه (الخياط) ولا في ديوانه (صادر).(1/447)
وقوله (1): (تام الكامل)
وكأنّما الشّمس المنيرة إذ بدت ... والبدر يجنح للغروب وما غرب
متحاربان لذا مجنّ صاغه ... من فضّة ولذا مجنّ من ذهب
وقوله (2): (الطويل)
ألا فاسقياني قهوة ذهبيّة ... فقد ألبس الآفاق جنح الدجى دعج
كأنّ الثّريّا والظلام يحثّها ... فصوص لجين قد أحاط بها سبج
(3) (وقوله: (الطويل)
كأنّ الثّريّا هودج فوق ناقة ... يحثّ بها حاد إلى الغرب مزعج
وقد لمعت حتّى كأنّ بريقها ... قوارير فيها زئبق يترجرج)
وقوله (4): (تام الكامل)
والنّجم في الليل البهيم تخاله ... عينا تخالس أعين الرّقباء
والصبح من تحت الظلام كأنّه ... شيب بدا في لمّة سوداء
وقوله في النيلوفر (5): (تام السريع)
وبركة تزهو بنيلوفر ... ألوانه بالحسن منعوته
نهاره ينظر من مقلة ... شاخصة الأجفان مبهوته
كأنّما كلّ قضيب له ... يحمل في أعلاه ياقوته
__________
(1) البيتان ليسا في شعره ولا في ديوان أشعاره ولا في ديوانه (الخياط) ولا في ديوانه (صادر).
(2) البيتان في شعره 2/ 531
الدّعج: شدة السواد السّبج: خرز أسود (المعجم الوسيط: دعج سبج).
(3) ما بين القوسين ساقط من ج.
والبيتان من مقطوعة في ثلاثة أبيات في الخمر أولها:
ألا سقّيني والنجم يلمع في الدّجى ... سلافا كنار نورها يتأجّج
وهي في شعره 2/ 68.
(4) البيتان في شعره 2/ 496495.
(5) أول مقطعة في أربعة أبيات في شعره 2/ 527526.
النّيلوفر: جنس نباتات مائية (المعجم الوسيط: نيلو).(1/448)
وقوله في البنفسج (1) (وتنسب أيضا لغيره): (تام البسيط)
بنفسج جمعت أوراقه فحكت ... كحلا تشرّب دمعا يوم تشتيت
كأنّه وضعاف القضب تحمله ... أوائل النار في أطراف كبريت
وقوله في التين (2): (تام الكامل)
أنعم بتين طاب طعما واكتسى ... حسنا وقارب منظرا من مخبر
في برد ثلج في نقا تبر وفي ... ريح العبير وطيب طعم السّكر
يحكي إذا ما صبّ في أطباقه ... خيما ضربن من الحرير الأخضر
وقوله في العنب (3): (الطويل)
شربنا عصير الكرم تحت ظلاله ... على وجه معشوق الشمائل أغيد
كأنّ عناقيد الكروم وظلّها ... كواكب درّ في سماء زبرجد
وتشبيهات ابن المعتز ومحاسنه كثيرة جدا. وما محاسن شيء كله حسن.
وفي ما ذكرناه من ذلك كفاية لمن اكتفى. والحمد لله وكفى. وسلام على عباده الذين اصطفى. وخصوصا نبينا (4) المجتبى ورسولنا المصطفى صلّى الله عليه وسلم. وشرف وكرم وبارك وترّحم.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
والبيتان أول مقطعة في ثلاثة أبيات في شعره 2/ 528527. ونسبت في نهاية الأرب 11/ 227226لأبي القاسم ابن هذيل الأندلسي، ونسب البيت الثاني في الوفيات 3/ 372لعلي بن إسحاق الزاهي.
(2) أب ج د ش: قبا تبر. (قبا) غلط، والتصحيح من شعره.
والأبيات في شعره 2/ 596595وديوانه 248247وهي مع بيتين آخرين في نهاية الأرب 11/ 160159 منسوبة لكشاجم وهي من قصيدة مطلعها:
قم قد أتى ضوء الصباح المسفر ... يا صاح نغتنم الهوى ونبكّر
وهي في ديوان كشاجم 248247.
(3) البيتان في شعره 2/ 567.
(4) ج د: حبيبنا المجتبي.(1/449)
39 - أبو تمام (1)
هو حبيب بن أوس الطائيّ، أحد فحول الشعراء المجيدين في كل فن، المتصرّفين في كل قول، المبدعين في كل معنى، وديوان شعره مشهور. وأهل الأدب (2) مختلفون في تقديمه على أبي الطيب المتنبي وعكسه. وممّن قال بالثاني أبو العلاء المعري. وممّن قال بالأول الشريف المرتضى وحكايتهما في ذلك مشهورة ستأتي في ترجمة المعري (3) إن شاء الله تعالى.
فمن مليح شعره ونفيس درّه قوله في تحسين الحجاب (4): (تام البسيط)
يا أيّها الملك النّائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إنّ السماء ترجّى حين تحتجب
وقوله في استتمام العرف (5): (تام الكامل)
إنّ ابتداء العرف مجد كامل ... والمجد كلّ المجد في إتمامه
هذا الهلال يروق أبصار الورى ... حسنا وليس لحسنه كتمامه
__________
(1) (231هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 286282وأخبار أبي تمام والأغاني 16/ 399382والموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري والتاريخ الكبير 4/ 2618والوفيات 2/ 2611والوافي بالوفيات 11/ 299292وإدراك الأماني 25/ 142.
(2) القول في معجم الأدباء 3/ 124123والوفيات 1/ 121والوافي بالوفيات 7/ 97.
(3) أنظر الترجمة 90.
(4) من مقطوعة في سبعة أبيات في عتاب أبي دلف وقد حجبه، وقيل في عبد الله بن طاهر وقيل في غيره وأولها:
صبرا على المطل ما لم يتله الكذب ... فللخطوب إذا سامحتها عقب
وهي في ديوان 4/ 446والبيتان في خاص الخاص 120والإعجاز 185، والوفيات 2/ 25والبيت الثاني في الأغاني 16/ 396ولطائف اللطف 138.
الكثب، بالتحريك: القرب، وهو كثبك أي قربك (اللسان: كثب)
(5) من قصيدة في سبعة أبيات في مدح إسحاق بن أبي ربعي كاتب إسحاق ابن إبراهيم المصعبي، أولها:
لولا أبو يعقوب في إبرامه ... سبب العلى لانحلّ ثني ذمامه
وهي في ديوانه 3/ 269والبيتان في خاص الخاص 120والإعجاز 187.(1/450)
وقوله في كرم العهد (1): (تام البسيط)
وإنّ أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن واساك في الحزن
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
وقوله في الحث على الاغتراب (2): (الطويل)
وطول مقام المرء في الحيّ مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدّد
فإنّي رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى النّاس أن ليست عليهم بسرمد
وقوله في الشعر (3): (الطويل)
ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه ... مغارم في الأقوام وهي مغانم!
ولا كالعلى ما لم ير الشّعر بينها ... فكالأرض غفلا ليس فيها معالم
وما هو إلّا القول يسري فيغتدي ... له غرر في أوجه ومواسم
يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... ويرضى بما يقضي به وهو ظالم
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة العلى من أين تؤتى المكارم (4)
__________
(1) البيتان ليسا في ديوانه، وهما في الإعجاز 186وخاص الخاص 121.
(2) من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري مطلعها:
سرت تستجير الدمع خوف نوى غد ... وعاد قتادا عندها كلّ مرقد
وهي في ديوانه 2/ 3122والبيتان في أخبار أبي تمام 61والأغاني 16/ 385وخاص الخاص 120والإعجاز 186185والمنتحل 197والتاريخ الكبير 4/ 2322.
(3) أب ح د ش: ترعى حقوقه. (ترعى) غلط والتصحيح من الديوان.
والأبيات من قصيدة في مدح القاضي أحمد بن أبي دؤاد مطلعها:
ألم يأن أن تروى الظّماء الحوائم ... وأن ينظم الشّمل المشتّت ناظم؟!
وهي في ديوانه 3/ 183176.
(4) د: درت.(1/451)
وقوله (1): (تام الكامل)
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
وقوله في ذم الشّيب، وهو أحسن ما قيل فيه على كثرته (2): (الطويل)
غدا الشّيب مختطّا بفوديّ خطّة ... طريق الرّدى فيها إلى النفس مهيع
هو الزّور يجفى والمعاشر يجتوى ... وذو الإلف يقلى والجديد يرقّع (3)
له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنّه في القلب أسود أسفع
ونحن نزجّيه على الكره والرّضى ... وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع (4)
__________
(1) من قصيدة في مدح القاضي أحمد بن أبي دؤاد مطلعها:
أرأيت أي سوالف وخدود ... عنّت لنا بين اللّوى فزرود!
وهي في ديوانه 1/ 399384والبيتان في الوفيات: 1/ 86
(2) من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري مطلعها:
أما إنّه لولا الخليط المودّع ... وربع عفا منه مصيف ومربع
وهي في ديوان 2/ 335319والأبيات في خاص الخاص 121والأبيات الثلاثة الأولى في أخبار أبي تمام 98 والإعجاز 186.
طريق مهيع: واضح واسع بيّن وجمعه مهايع. (اللسان: هيع).
(3) ج: الإلف يلقى. (يلقى) غلط.
الزّور: الزائر، وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم. أسفع: أسود مشرب بحمرة (اللسان:
زور، سفع). شبّه الشيب بالزائر الذي يجفى بالرغم من الميل الغالب إلى إكرام الزائر والإحسان إليه والترحيب به.
(4) أب ح د ش: نرجيه، وهو غلط والتصحيح من الديوان.
نزجّيه: ندفعه برفق (اللسان: زجا). يقول: نحن على سخط راضون به لأنه لابد منه وإن كنّا نبغضه فمثله مثل الأنف الأجدع يعلم الفتى أنّه قبيح وقد ثبت أنّه من وجهه، وهذا مثل قديم، يقولون: منك أنفك وإن كان أجدع. (ديوانه 2/ 324).(1/452)
ومن بديع شعره قوله يصف مصلوبين (1): (تام الكامل)
سود اللّباس كأنّما نسجت لهم ... أيدي السّموم مدارعا من قار
بكروا وأسروا في متون ضوامر ... قيدت لهم من مربط النّجّار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبدا على سفر من الأسفار
(2) وسئل عن أمدح بيت له، فقال قولي: (تام البسيط)
لو أنّ إجماعنا في فضل سؤدده ... في الدّين لم يختلف في الأمّة اثنان
قيل: ثم ماذا؟ قال قولي (3): (تام الوافر)
فلو صوّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطّباع
ويقال بل قوله (4): (الطويل)
تعوّد بسط الكفّ حتى لو انّه ... ثناها لقبض لم تجبه أنامله
__________
(1) من قصيدة في مدح المعتصم وذكر صلبه للإفشين، مقدّم قواده، وبعلبك، ومازيار، مطلعها:
الحقّ أبلج والسّيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار
وهي في ديوانه 2/ 209198والأبيات في الأغاني 16/ 387.
أراد بسواد ثيابهم اسوداد جلودهم بالشمس والرياح. (ديوانه 2/ 208). السّموم: الريح الحارة. المدارع جمع مدرعة: وهي ضرب من الثياب ولا تكون إلّا من الصوف خاصة (اللسان: درع، سمم).
(2) من خاص الخاص 121والإعجاز 187186.
والبيت من قصيدة في مدح محمد بن حسان الضبي مطلعها:
ما اليوم أول توديع ولا الثاني ... البين أكثر من شوقي وأحزاني
وهي في ديوانه 3/ 311308والبيت في خاص الخاص 121والإعجاز 187.
(3) من قصيدة في مدح مهديّ بن أصرم مطلعها:
خذي عبرات عينك عن زماعي ... وصوني ما أزلت من القناع
وهي في ديوانه 2/ 340336، والبيت في خاص الخاص 121والإعجاز 187.
(4) من قصيدة في مدح المعتصم مطلعها:
أجل أيّها الرّبع الذي خفّ آهله ... لقد أدركت فيك النّوى ما تحاوله
وهي في ديوانه 3/ 3021والبيتان في خاص الخاص 121والبيت الثاني في رسالة ابن القارح 65ونسب في الفوات 1/ 221لبكر بن النطاح وهو في شعره 175.(1/453)
ولو لم يكن في كفّه غير نفسه ... لجاد بها فليتّق الله سائله!
(1) وقال أبو القاسم الآمدي: هو أشعر النّاس في المراثي، وليس له فيها أجود وأحسن من قوله (2): (الطويل)
ألا إنّ في كفّ المنيّة مهجة ... تظلّ لها عين العلى وهي تدمع
هي النّفس إن تبك المكارم فقدها ... فمن بين أحشاء المكارم تنزع
قلت: ومن مختار مراثيه قوله في ابن حميد الطائي النبهاني (3):
(الطويل)
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفّيت الآمال بعد محمّد ... وأصبح في شغل عن السّفر السّفر
وما كان إلّا مال من قلّ ماله ... وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر
وما كان يدري من بلا يسر كفّه ... إذا ما استهلّت أنّه خلق العسر
ألا في سبيل الله من عطّلت له ... فجاج سبيل الله وانثغر الثّغر
فتى كلّما فاضت عيون قبيلة ... دما ضحكت منه الأحاديث والذّكر
__________
(1) من خاص الخاص 122121والإعجاز 187إلى آخر البيتين.
ولم أعثر على هذا القول في الجزءين الأولين المطبوعين من الموازنة، والغالب أن هذا القول في الجزء الثالث غير المطبوع بعد، ففيه باب المراثي حسب ما جاء في مقدمة الجزء الأول ص 1412وقد جاء في نشرة أخبار التراث العدد 31ص 19أن الطالب عبد الله محمد محارب يحقق هذا الجزء تحت إشراف د. الطاهر مكي للحصول على درجة الماجستير كلية دار العلوم بالقاهرة.
(2) من قصيدة في رثاء إدريس بن بدر الشامي القرشي مطلعها:
دموع أجابت داعي الحزن همّع ... توصّل منّا عن قلوب تقطّع
وهي في ديوانه 4/ 9892والبيتان في خاص الخاص 122121والإعجاز. 187.
(3) هو محمد بن حميد الطوسي من قواد المامون المشهورين بالشجاعة والجود قتل في حربه لبابك الخرّمي (214هـ) تاريخ الطبري 8/ 619والأعلام 6/ 110.
والقصيدة في ديوانه 4/ 8579وقد أوردها صاحب الكوكب بكاملها ومنها ستة أبيات في أخبار أبي تمام 125124 والأغاني 16/ 390.(1/454)
فتى مات بين الطّعن والضّرب ميتة ... تقوم مقام النّصر إذ فاته النّصر
وما مات حتّى مات مضرب سيفه ... من الضّرب واعتلّت عليه القنا السّمر
وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر
ونفس تخاف العار حتّى كأنّه ... هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها: من دون أخمصك الحشر
غزا غزوة والحمد نسج ردائه ... فلم ينصرف إلّا وأكفانه الأجر
تردّى ثياب الموت حمرا فما دجا ... لها اللّيل إلّا وهي من سندس خضر (1)
كأنّ بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
يعزّون عن ثاو تعزّى به العلى ... ويبكي عليه الجود والبأس والشّعر
وأنّى لهم صبر عليه وما مضى ... إلى الموت حتى استشهدا هو والصّبر!
فتى كان عذب الرّوح لا من غضاضة ... ولكنّ كبرا أن يكون له كبر!
فتى سلبته الخيل وهو حمي لها ... وبزّته نار الحرب وهو لها جمر (2)
وقد كانت البيض المشاهير في الوغى ... بواتر فهي اليوم من بعده بتر
أمن بعد طيّ الحادثات محمدا ... يكون لأثواب النّدى أبدا نشر؟!
إذا شجرات العرف جزّت أصولها ... ففي أيّ فرع يوجد الورق النّضر (3)؟
لئن أبغض الدّهر الخؤون لفقده ... لعهدي به ممّن يحبّ له الدّهر (4)
لئن غدرت في الرّوع أيامه به ... لما زالت الأيام شيمتها الغدر
__________
(1) د: ترد، وهو غلط.
(2) ش: جمر. أب ح د: الجمر.
(3) أب ج د ش: جز أصولها. وفي الديوان جزت.
(4) ج: الدهر الحزن. (الحزن) غلط.(1/455)
لئن ألبست فيه المصيبة طيّء ... لما عرّيت منها تميم ولا بكر
كذلك ما ننفكّ نفقد هالكا ... يشاركنا في فقده البدو والحضر (1)
سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه ... وإن لم يكن فيها سحاب ولا قطر
وكيف احتمالي للسّماء صنيعة ... بإسقائها قبرا وفي لحده البحر؟!
ثوى في الثّرى من كان يحيا به الثّرى ... ويغمر صرف الدهر نائله الغمر
مضى طاهر الأثواب لم تبق بقعة ... غداة ثوى إلّا اشتهت أنّها قبر (2)
عليه سلام الله وقفا فإنّني ... رأيت الكريم الحرّ ليس له عمر
وحدث أبو الفرج الأصبهاني (3) عن [محمد بن] موسى بن حماد، قال: دخلت على دعبل، فذكرنا أبا تمام فثلبه دعبل ووصفه بأنه سروق للشعر. قال: ثم دعا غلامه فجاءه بمخلاة فيها دفاتر فجعل يمرّها على يديه حتى أخرج منها دفترا، فقال: انظروا هذا! فنظرنا، فإذا فيه: قال مكنف بن سليمان (4) من ولد زهير بن أبي سلمى، وكان هجا ذفافة (5) العبسيّ بأبيات منها (6):
إنّ الضّراط به تصاعد جدّكم ... فتعاظموا ضرطا بني القعقاع
__________
(1) د: تنفك، وهو غلط.
(2) د: يبق.
(3) الأغاني 16/ 397396بتصرف إلى قوله = كذا فليجل الخطب = وفيه: = عن محمد بن موسى بن حماد =. وانظر الخبر في أخبار أبي تمام 201199والوساطة 194193والموازنة 1/ 7069والموشح 504502والتاريخ الكبير 4/ 2625.
(4) كذا في أب ج د ش. وفي أخبار أبي تمام 200والأغاني 16/ 396والموازنة 1/ 69والموشح 502: مكنف أبو سلمى. وفي التاريخ الكبير 4/ 25: ملتف أبو سلمى. وفي الوساطة 193: أبو مكنف المزني.
ولم أعثر له على تعريف كاف في المظان. وجاء في الموشح 502: «مكنف أبو سلمى من ولد زهير بن أبي سلمى، وكان منزله قنّسرين». والظاهر أنه شاعر كان في أيام الرشيد لأنّ ذفافة الذي هجاه من رجال الرشيد، انظر الحاشية الآتية.
(5) ج د، الوفيات 4/ 321: دقاقة، وهو غلط والتصحيح من المصادر المذكورة في الحاشية السابقة.
وذفافة العبسيّ كان من المقربين إلي الرشيد، وعمّه شيبة بن الوليد العبسي كان من حاشية المهدي أنظر الأغاني 20/ 217، 223.
(6) البيت في أخبار أبي تمام 200والأغاني 16/ 396والموازنة 1/ 69والموشح 503، وبنو القعقاع هم آل ذفافة العبسيين أنظر الموازنة 1/ 69.(1/456)
قال: ثم مات ذفافة بعد ذلك فرثاه مكنف، فقال (1): (الطويل)
أبعد أبي العبّاس يستعذب الشّعر ... فما بعده للدّهر حسن ولا عذر
ألا أيّها الناعي ذفافة والندّى ... تعست وشلّت من أناملك العشر
أتنعى لنا من قيس عيلان صخرة ... تفلّق منها من جبال العدى الصّخر (2)
إذا ما أبو العباس خلّى مكانه ... فلا حملت أنثي ولا نالها طهر
ولا مطرت أرضا سماء ولا جرت ... نجوم ولا لذّت لشاربها الخمر (3)
كأنّ بني القعقاع يوم مصابه ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
توفّيت الآمال بعد وفاته ... وأصبح في شغل عن السّفر السّفر
ثم قال: سرق أبو تمام أكثر هذه القصيدة فأدخلها في قصيدته:
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... إلى آخرها.
وهذا تحامل من دعبل على أبي تمام. وجلالة أبي تمام ومكانته (4) وتقدّمه في فنون الشّعر لا تخفى على منصف: (تام الرمل)
ما يضرّ البحر أمسى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر (5)
__________
(1) ج د: في الدهر.
والأبيات في أخبار أبي تمام 201200والأغاني 16/ 397396والموشح 503، وما عدا البيت الثالث في الوساطة 194193والموازنة 1/ 7069، وما عدا البيت الثاني في التاريخ الكبير 4/ 2625ومعها بيت آخر.
(2) د: تلقلق، وهو غلط.
(3) ج د: أرض سماء، وهو غلط، د: لشاربه، وهو غلط.
(4) د: ومكانه.
(5) البيت في رسالة الغفران 443غير معزوّ وهو كذلك في الدرر الكامنة 4/ 301.(1/457)
ولما أنشد أبو تمام هذه القصيدة (1) أبا دلف القاسم بن عيسى العجلي، قال (2) (له: وددت أنها قيلت فيّ، فإنّه لم يمت من رثي بهذا الشعر أو مثله. فقال له أبو تمام: بل) أفدي الأمير بأهلي ونفسي، وأكون المقدّم قبله.
وروى أنه دخل البصرة فرأى صبيانا مجتمعين وفيهم صبيّ يدعونه (3) الشاعر، فدنا منه أبو تمام، وقال له: أشاعر أنت؟ قال: نعم. قال: فأنشدني من شعرك. قال: ممّا قلت أو ممّا أقول؟ قال: ممّا تقول. قال: افتح بديهتي بدرهمك أنشدك، فأعطاه درهما وقال له: عجّز ما أصدّر، فقال: قل، فقال أبو تمام (4):
(تام الخفيف)
ليت بين الذين بانوا وبيني
فقال: ياعم (5) في القرب تعني أم في البعد؟ قال: في القرب. فقال:
ليت بين الذين بانوا وبيني ... مثل ما بين حاجبيّ وعيني
فعجب أبو تمام من حسن بديهته على صغر سنّه. وقال: والله لا أقمت في بلد فيه مثل هذا. وانصرف من وقته. ثم (6) إنّه عاد إلى البصرة بعد مدة فبينما هو
__________
(1) يريد قصيدته في رثاء محمد بن حميد الطوسيّ التي سبق أن خرجناها في الصفحة 279الحاشية 3.
والخبر في الأغاني 6/ 390والوفيات 2/ 14والوافي بالوفيات 11/ 296.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) د: يدعونهم، وهو غلط.
(4) لم أعثر على هذا الشطر في ديوان أبي تمام، ولا في شعر عبد الصمد بن المعذل.
(5) د: فقال قوم. (قوم) غلط.
(6) الخبر في أخبار أبي تمام 242241والأغاني 13/ 253والوفيات 12/ 13.(1/458)
(1) (بها) مع قوم من أهل الأدب يذاكرهم إذ وقف عليه رجل (2)
فأنشده (3): (تام الخفيف)
أنت بين اثنتين تبرز للنّا ... س وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو طالبا لنوال
أيّ شيء من ماء وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السؤال
قال أبو تمام: فتعرّفته فإذا هو صاحبي. وذكر الصفدي (4) أن هذا الرجل الذي وقف عليه هو عبد الصمد بن المعذل (2).
ولما (5) أنشد أبو تمام المعتصم قصيدته (6): (تام الكامل)
ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي حقوق الأربع الأدراس
وانتهى فيها إلى قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس (7)
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) هو عبد الصمد بن المعذل وهو شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية، بصري المولد والمنشأ، وكان هجاء خبيث اللسان، شديد العارضة (240هـ) طبقات ابن المعتز 369367والأغاني 13/ 258226والفوات 2/ 331330.
(3) الأبيات لعبد الصمد بن المعذل في هجاء أبي تمام، وهي في شعره 153152وأخبار أبي تمام 242والأغاني 13/ 253 وخاص الخاص 118وأحسن ما سمعت 52ونثر النظم 4والوفيات 2/ 13والوافي بالوفيات 11/ 294والغيث المسجم 2/ 401 (ط. العلمية).
(4) الوافي بالوفيات 11/ 294.
(5) الخبر في أخبار أبي تمام 232230والوفيات 2/ 1514والوافي بالوفيات 11/ 297296.
(6) د: الأدناس، وهو غلط.
والبيت مطلع قصيدة في ديوانه 2/ 252242والأبيات الأربعة في أخبار أبي تمام والوفيات 2/ 1514.
(7) عمرو هو عمرو بن معد يكرب، الفارس الشجاع وأحد الصحابة المشهورين بإقدامهم. أنظر الأغاني 15/ 244208 والاستيعاب 3/ 12051201.
وإياس يعني به إياس بن معاوية القاضي كان بالبصرة يوصف بالذكاء، وكان من قوم يظنون الشيء فيكون كما يظنون حتى شهر أمرهم في ذلك أنظر ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي 2/ 249.
وأما حاتم فهو حاتم بن عبد الله الطائي الجواد المشهور في الجاهلية بجوده وسخائه.
والأحنف هو الأحنف بن قيس اشتهر بحلمه، وصواب رأيه، وقد سبق التعريف به في الصفحة 53الحاشية 4.(1/459)
قال له الكنديّ (1) الفيلسوف: ما صنعت شيئا يا أبا تمام، شبّعت أمير المومنين بصعاليك العرب، ففكّر قليلا ثم قال:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في النّدى والباس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس (2)
فتعجّب الكنديّ من تخلّصه وحسن بديهته، وقال: إن هذا الفتى ينحت من قلبه وسيموت عن قريب. فكان كما قال. تغمدنا الله وإياه برحمته.
40 - البحتري (3)
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي، شاعر فصيح حسن المذهب، نقيّ الكلام، له تصرّف في فنون الشعر سوى الهجاء، فإن بضاعته فيه مزجاة (4) وذلك من سعادته.
ولد سنة ست ومائتين، وخرج إلى العراق، ومدح جعفرا المتوكل على الله وغيره.
من غرر شعره قوله في الاعتذار (5): (تام البسيط)
اقبل معاذير من ياتيك معتذرا ... أبرّ فيما أتى من ذاك أم فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره ... وقد أجلّك من يعصيك مستترا
واحلم عن النّاس إمّا كنت مقتدرا ... فالسّيّد الحرّ من يعفو إذا قدرا
__________
(1) هو يعقوب بن إسحاق فيلسوف العرب والإسلام في عصره اشتهر بالطب والفلسفة والموسيقى والهندسة والفلك (نحو 260هـ). الفهرست 315 (ت رضا تجدد) ومعجم الشعراء 507والأعلام 8/ 195.
(2) إشار إلى قوله تعالى {«اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ،»} سورة النور 24/ 35.
(3) (283أو 285هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 395393والأغاني 21/ 5336والموشح 525505وشرح المقامات 1/ 3028ومعجم الأدباء 19/ 258248والوفيات 6/ 3121وإدراك الأماني 25/ 5947وتاريخ حلب 4/ 146.
(4) بضاعة مزجاة: فيها إغماض لم يتمّ صلاحها، وقيل يسيرة قليلة (اللسان: زجا).
(5) البيتان الأول والثاني مع بيت آخر بعدهما في ديوانه 2/ 1091والعقد الفريد 2/ 142.(1/460)
وقوله (1) في معرض المدح: (الطويل)
شكرتك إن الشّكر للعبد نعمة ... ومن يشكر المعروف فالله زائده
لكلّ زمان واحد يقتدى به ... وهذا زمان أنت لا شك واحده
ومما يطرب بلا سماع ويسكر بلا شراب قوله (2): (تام السريع)
بات نديما لي حتّى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح
كأنّما يبسم عن لؤلؤ ... منضّد أو برد أو أقاح
تحسبه نشوان إمّا رنا ... للفتر في أجافنه وهو صاح
بتّ أفدّيه ولا أرعوي ... لنهي ناه عنه أو لحي لاح
أمزج كاسي بجنى ريقه ... وإنّما أمزج راحا براح
يساقط الورد علينا، وقد ... تبلّج الصبح، نسيم الرّياح
وقال في وصف مصلوب (3): (تام الكامل)
مستشرفا للشّمس، منتصبا لها ... في أخريات الجذع كالحرباء
فتراه مطّردا على أعواده ... مثل اطّراد كواكب الجوزاء (4)
__________
(1) ج د: وقال.
والبيتان في ديوان 5/ 2707والوفيات 6/ 27.
ومن يشكر المعروف إشارة إلى قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} سورة إبراهيم 14/ 7.
(2) الأبيات أول قصيدة في المدح وهي في ديوانه 1/ 437435والأبيات في خاص الخاص 123.
(3) من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري الطائي أحد قواد المامون في محاربة بابك الخرّمي مطلعها:
زعم الغراب منبّئ الأنباء ... أنّ الأحبّة آذنوا بتناء
وهي في ديوانه 1/ 125.
(4) ج: مطرحا اطراح.(1/461)
وقال في ذلك أيضا (1): (تام الخفيف)
تحسد الطير منه ضبع البوادي ... وهو في غير حالة المحسود
وكأنّ امتداد كفّيه فوق الجذع ... من محفل الرّدى المشهود
طائر مدّ مستريحا جناحي ... هـ استراحات متعب مكدود
ومن (2) ألطف شعره وأرقّه قوله، وكان أبو بكر الخوارزميّ (3) يقول: لا تنشدونيهما فأرقص طربا، وما أقبح الرقص بالمشايخ (4): (الوافر)
يذكّرنيك، والذّكرى عناء ... مشابه فيك طيّبة الشّكول
نسيم الرّوض في ريح شمال ... وصوب المزن في راح شمول
وقال (5) الصاحب بن عباد: أمدح شعر البحتري قوله (6): (الوافر)
دنوت تواضعا، وعلوت مجدا ... فشأناك: انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منها والشّعاع
__________
(1) من قصيدة في المدح مطلعها:
أقصرا قد أطلتما تفنيدي ... ومن الجهل لوم غير سديد
وهي في ديوانه 2/ 813805.
(2) من خاص الخاص 122.
(3) هو محمد بن العباس أحد الشعراء كان إماما في اللغة والأنساب وهو ابن أخت الطبري صاحب التاريخ المشهور (383هـ). اليتيمة 4/ 241194، والإعجاز 200198وخاص الخاص 192190والوفيات 4/ 403 والأعلام 6/ 183.
(4) من قصيدة في مدح الفتح بن خاقان مطلعها:
أكنت معنّفي يوم الرّحيل ... وقد لجّت دموعي في الهمول؟
وهي في ديوانه 3/ 17361732، والبيتان في خاص الخاص 122والإعجاز 189.
الشّكول ج شكل وهو الهيأة والصورة صوب المزن: انصباب ماء السحاب الرّاح: الخمر. الشّمول: ريح الشمال، والشّمول أيضا: الخمر. (المعجم الوسيط: روح شكل، شمل، صوب، مزن).
(5) من خاص الخاص 122والإعجاز 188وأحسن ما سمعت 148.
(6) من قصيدة في مدح إبراهيم بن المدبّر الوزير الكاتب، مطلعها:
فدتك أكفّ قوم ما استطاعوا ... مساعيك التي لا تستطاع
وهي في ديوانه 2/ 12471246والبيتان في مروج الذهب 3/ 482والأمالي 1/ 40والموازنة 2/ 350وخاص الخاص 122والإعجاز 188ونثر النظم 95.(1/462)
ومن فرائد جواهره قوله يصف كلام ابن الزيات (1): (تام الخفيف)
في نظام من البلاغة ما ... شكّ امرؤ أنّه نظام فريد
وكلام كأنّه الزّهر الضا ... حك في رونق الرّبيع الجديد
مشرق من جوانب السّمع ما يخ ... لقه عوده على المستعيد
ومعان لو فصّلتها القوافي ... فضلت شعر جرول ولبيد (2)
جزن مستعمل الكلام اختيارا ... وتجنّبن ظلمة التعقيد
وقال (3) القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني رحمه الله (4): غرر البحتري ووسائط قلائده كثيرة، وعندي أنّ أفصح أبياته وأبلغها وأحسنها قوله فيمن يرضى بعد السخط، وفي نفسه بقية من العتب (5): (الطويل)
تبلّج عن بعض الرّضى وانطوى على ... بقيّة عتب شارفت أن تصرّما
__________
(1) هو محمد بن عبد الملك المشهور بابن الزيات شاعر مجيد وكاتب بارع وزر للمعتصم والواثق (233هـ) الأغاني 23/ 7445وخاص الخاص 125124والوفيات 5/ 10394والأعلام 6/ 248.
والأبيات من قصيدة مطلعها:
بعض هذا العتاب والتّفنيد ... ليس ذمّ الوفاء بالمحمود!
وهي في ديوانه 1/ 638632والأبيات 1، 2، 5في العقد الفريد 4/ 203، والبيتان 4، 5في الموازنة 1/ 401 والأبيات 1، 4، 5في المنتحل 8 (المكتبة التجارية).
الفريد: الجوهرة النفيسة كالفريدة، والدّرّ إذا نظم وفصّل بغيره (القاموس: الفرد).
(2) الديوان: فصّلتها. أب ج د ش: فضلتها.
جرول هو الحطيئة جرول بن أوس الذي ترجم له برقم 2
ولبيد هو لبيد بن ربيعة العامري الشاعر الجاهلي المشهور صاحب المعلقة.
(3) من خاص الخاص 122.
والقاضي أبو الحسن الجرجاني سبق التعريف به في الصفحة 14الحاشية 3.
(4) لم أعثر على هذا القول في الوساطة، وهو في خاص الخاص 122.
(5) من قصيدة في عتاب الفتح بن خاقان مطلعها:
يهون عليها أن أبيت متيّما ... أعالج وجدا في الضمير مكتّما
وهي في ديوانه 3/ 19821977والبيت في خاص الخاص 122.
تبلّج الرّجل إلى الرّجل: ضحك وهش.، تصرّم: تقطّع. (اللسان: بلج، صرم)(1/463)
وحدث البحتري قال (1): كنت صاحبا لأبي معشر المنجم (2)
فدخلنا على المعتز بالله (3) وهو محبوس قبل أن يلي الخلافة، فأنشدته (4): (الطويل)
جعلت فداك الدّهر ليس بمنفكّ ... من الحادث المشكوّ والنازل المشكي
وما هذه الأيام إلّا منازل ... فمن منزل رحب إلى منزل ضنك
وقد هذّبتك الحادثات، وإنّما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسّبك
أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الظلم والإفك
أقام جميل الصّبر في الحبس برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك
قال البحتري: فدفع (5) الورقة إلى خادم على رأسه، وقال: احتفظ بها فلئن فرّج الله كربي لأقضيّن حقّ هذا الرجل. وكان أبو معشر قد أخذ مولده فحكم له بالخلافة بمقتضى طالع الوقت. فناوله رقعة فيها ذلك. فلما ولي الخلافة أعطى كلّ واحد منّا ألف دينار وأجرى له (6) في كلّ شهر مائة دينار.
وحدث ابن درستويه النحويّ (7). قال: اجتمعنا على خلوة عند المبرد ومعنا البحتري فسلكنا مسلكا من المذاكرة، ونزعنا منزعا من المحاضرة، فقال البحتري:
__________
(1) الخبر في الفرج بعد الشدة 1/ 9593والفوات 3/ 320.
(2) هو جعفر بن محمد المنجم المشهور إمام وقته في فنه، له تصانيف في علم التنجيم (272هـ) الوفيات 1/ 359358 والأعلام 2/ 127.
(3) المعتز بالله هو محمد بن جعفر ويسمى أيضا الزبير بن جعفر، الخليفة العباسي المعروف، سجنه المستعين ثم بويع له بالخلافة عند عزل المستعين (255هـ) الأغاني 9/ 323318والفوات 3/ 321319والأعلام 6/ 70.
(4) أول مقطعة في سبعة أبيات في مدح القائد العباسي أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري وقد حبس، وقد أنشدها البحتري المعتزّ أيضا، وهي في ديوانه 3/ 15641563والأبيات الخمسة في أخبار البحتري 188187والمنتحل 264والفوات 3/ 320والبيت الأول في أخبار البحتري 98.
(5) د: فرفع، وهو غلط.
(6) د: منهما الف ديوار وأجرى لهما.
(7) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، قرأ على المبرد وبرع، وكان من علماء النحو واللغة (347هـ) طبقات النحويين 127والوفيات 3/ 4544.(1/464)
أشعرت أني سبقت الناس إلى قولي (1): (الطويل)
شقائق يحملن النّدى فكأنّه ... دموع التّصابي في خدود الخرائد
كأنّ يد الفتح بن خاقان أقبلت ... تليها بتلك البارقات الرّواعد
فاستحسن (2) ذلك المبرد استحسانا أسرف فيه فاعترت البحتريّ أريحيّة جرّ لها ذيول العجب، قال: فكأنه أعجبني ما (3) يعجب الناس من المراجعة في القول، فقلت: يا أبا عبادة لم تسبق إلى هذا بل سبقك إلى قولك:
شقائق يحملن النّدى البيت، سعيد بن حميد الكاتب (4) بقوله:
(تام الكامل)
عذب الفراق لنا قبيل وداعنا ... ثم اجترعناه، كسمّ ناقع
وكأنّما أثر الدّموع بخدّها ... طلّ سقيط فوق ورد يانع
وشاركك فيه صاحبنا أبو العباس الناشئ (5) حيث يقول: (تام القريب)
بكت للفراق وقد راعني ... بكاء الحبيب لبعد الدّيار
كأنّ الدّموع على خدّها ... بقية طلّ على جلّنار
__________
(1) من قصيدة في مدح وزير المتوكل الفتح بن خاقان، مطلعها:
مثالك من طيف الخيال المعاود ... ألمّ بنا من أفقه المتباعد
وهي في ديوانه 1/ 626622ومنها ثمانية أبيات في زهر الآداب 1/ 529والبيتان في عيار الشعر 115والأول في العقد الفريد 5/ 418والصناعتين 257والثاني في الموازنة 2/ 316.
(2) د: فأحست، وهو غلط.
(3) د: لما، وهو غلط.
(4) كاتب مترسّل وشاعر فصيح مقدّم في صناعته من أهل بغداد، وأصله من النّهروان الأوسط (نحو 250هـ) الأغاني 18/ 167154والأعلام 3/ 93.
والبيتان من الشعر المنسوب له، وهما في أشعاره 158وزهر الآداب 1/ 530.
(5) هو عبد الله بن محمد الأنباري من الشعراء المجيدين، كان نحويا عروضيا متكلّما مترسّلا (293هـ) الفهرست 217 (ت. رضا تجدد) وتاريخ بغداد 10/ 9392والمنتظم 6/ 5857والوفيات 3/ 9391والنجوم الزاهرة 159 3/ 158والشذرات 2/ 215214والأعلام 4/ 118.
والبيتان في ديوانه 70.
الجلّنار كلمة فارسية معناها ورد الرّمّان وهو أصناف كثيرة فمنه أبيض ومورّد أحمر أنظر الجامع لمفردات الأدوية 1/ 164(1/465)
وما أساء ابن الرومي في زيادته عليك بل أحسن حيث قال (1): (تام المنسرح)
لو كنت يوم الوداع شاهدنا ... وهنّ يطفئن لوعة الوجد
لم تر إلّا دموع باكية ... تسفح من مقلة على خدّ
كأنّ تلك الدّموع قطر ندى ... تقطر من نرجس على ورد
وسبقك أبو تمام إلى الخروج بقوله (2): (تام الكامل)
من كلّ زاهرة ترقرق بالنّدى ... فكأنّها عين إليه تحدّر
خلق أطلّ من الربيع كأنّه ... خلق الإمام وهديه المتنشّر (3)
قال: فشقّ ذلك على البحتري، وحلّ حبوته وانصرف، فكان آخر العهد بمؤانسته.
41 - أبو العبر (4)
هو أحمد بن أحمد (5) الهاشمي. كانت (6) كنيته أبا العباس فصيّرها أبا العبر، وكان يزيد فيها كلّ سنة حرفا، فمات وهو أبو العبر طرد طبك طبكري بك بك بك. وكان (7) شاعرا ترك الجدّ وعدل إلى الهزل لمّا رأى أن شعره لتوسّطه لا
__________
(1) من مقطعة في أربعة أبيات في الفراق أولها:
ما يوم بين الحبيب بالسّعد ... ولا محبّ عليه بالجلد
وهي في ديوانه 2/ 767.
(2) البيتان من قصيدة في مدح المعتصم مطلعها:
رقّت حواشي الدّهر فهي تمرمر ... وغدا الثّرى في حليه يتكسّر
وهي في ديوانه 2/ 197191.
(3) ج: المنتشر، د: المسنشر، وكلاهما غلط.
(4) (نحو 250هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 344342وأشعار أولاد الخلفاء 333323والأغاني 23/ 204197والفهرست 218217 (ط. دار المعرفة) والفوات 3/ 301298والوافي بالوفيات 2/ 4441 وإدراك الأماني 25/ 7570.
(5) كذا في أب ج د ش هـ و. وجاء في طبقات ابن المعتز 342، 521: أحمد بن محمد بن أحمد، وفي الأغاني 23/ 197: محمد بن أحمد بن عبد الله، وفي الفوات 3/ 298والوافي بالوفيات 2/ 41: محمد بن أحمد.
(6) من الأغاني 23/ 200بتصرف والخبر في طبقات ابن المعتز 342وأشعار أولاد الخلفاء 327والفوات 3/ 298والوافي بالوفيات 2/ 41.
(7) من الأغاني 23/ 97بتصرف، والخبر في أشعار أولاد الخلفاء 323والوافي بالوفيات 2/ 4241(1/466)
ينفق مع أبي تمام والبحتري وأضرابهما، فعدل إلى الحمق، وكسب بذلك أضعاف ما كسبه شاعر بالجد. حبسه (1) أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم الطاهري، وقال: هذا عار على بني هاشم، فصاح في الحبس: نصيحة لأمير المومنين! فأخرج، فقال له إسحاق:
هات نصيحتك! فقال: الكشكية (2)، أصلحك الله، لا تطيب إلّا بكشك، فضحك، وقال: هو، فيما أرى، مجنون، فقال أبو العبر: إنما امتخطت (3) حوت، (4) (فقال:
ويلك، ما معنى قولك؟ فقال: أصلحك الله زعمت أنّي مججت نون وأنا امتخطت (5)
حوت) فأطلقه وقال: أظنّني (6) في حبسيك (7) مأثوم فقال: لا ولكنك في ماء بصل (8). فقال: أخرجوه عنّي ولا يقيم في بغداد فهذا عار على أهل البيت.
قال (9) عبد العزيز بن أحمد (10): كان أبو العبر (11) (يجلس) بسرّ من رأى في مجلس يجتمع (12) (إليه) فيه المجّان يكتبون عنه، وكان يجلس على سلّم
__________
(1) من الأغاني 23/ 202201بتصرف، والخبر في أشعار أولاد الخلفاء 329، والفوات 3/ 299298والوافي بالوفيات 2/ 42.
(2) الكشك: ماء الشعير والكشك: بكسر الكاف سميد يعجن باللبن ويترك حتى يحمض ثم يجفّف ويفتّت ويعمل منه طعام مائع، وكشك الفقراء شيء يتّخذ من النّشا والحليب يجمّد بالغلي ويعمل منه طعام يعرف بالكشكية وكل ذلك فارسي. (محيط المحيط: كشك).
(3) ب و: امتخطت. أج د ش: امتخط.
لقد قسم كلمة مجنون إلى كلمتين «مجّ» و «نون» فجعل بدل «مج» بمعنى مجّ الشراب أي رمى به، كلمة «امتخطت» وجعل بدل «نون» بمعنى نوع من الحيتان كلمة حوت.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج هـ.
(5) أب ج د ش: امتخط.
(6) ب: أظنني. أج د ش: أظنك، وهو غلط.
(7) ش: حبسك.
(8) قسم كلمة «مأثوم» إلى كلمتين: «ماء» و «ثوم» وجعل بدلهما «ماء بصل».
(9) من الأغاني 23/ 200199بتصرف والخبر في أشعار أولاد الخلفاء 327326والفوات 3/ 300299والوافي بالوفيات 2/ 4342.
(10) عبد العزيز بن أحمد هو أحد الرواة الذين روى عنهم الأصفهاني في الأغاني، وقال عنه إنه عم أبيه. أنظر الأغاني 23/ 199،
(11) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(12) ما بين القوسين ساقط من د.(1/467)
وبين يديه بلّوعة فيها ماء وحمأة قد سدّ مجراها، وبيده قصبة طويلة، وعلى رأسه خفّ وفي رجليه قلنسوتان ومستمليه في جوف البئر وحوله ثلاثة يدقون بالمهاريز حتى تكثر الجلبة ويقلّ السماع، ويصيح مستمليه من البئر. ثم يملي عليهم. فإن ضحك أحد ممّن حضر قاموا فصبّوا على رأسه من البلّوعة إن كان وضيعا وإن كان ذا مروءة رشّوا عليه بالقصبة من مائها ثم يحبس في الكنيف إلى أن ينقضي (1)
المجلس، فلا يخرج حتى يغرم درهمين.
«البلّوعة (2) والبلّاعة مشدّدتين بئر تحفر ضيّقة الرأس يجري فيها ماء المطر ونحوه». هذا أصلها في اللغة. والمراد بها هنا حفرة كبيرة بعيدة القعر.
(3) و «الحمأة طين أسود منتن».
قال بعضهم (4): رأيته بسرّ من رأى، ببعض آجامها وهو عريان لا يواريه شيء، وبيده اليمنى باشق (5) واليسار قوس وعلى رأسه قطعة رئة في حبل مشدود بأنشوطة. وفي ذكره شعر مفتول فيه شصّ قد ألقاه (6) في الماء ليصيد السّمك. فقيل له: خرب بيتك ماذا تفعل؟ فقال: أصطاد بجميع جوارحي!
قال (7) محمد بن إسحاق (8): له من الكتب: جامع الحماقات وحاوي
__________
(1) د: يقضي، وهو غلط.
(2) من القاموس: بلعه.
(3) من القاموس: الحمأة.
(4) من الأغاني 23/ 201200بتصرف. والخبر في أشعار أولاد الخلفاء 328والوافي بالوفيات 2/ 44.
(5) الباشق اسم طائر أعجمي معرب. (اللسان: بشق)
(6) الأغاني 23/ 201: ألقاه. أب ج د ش: ألقاها، وهو غلط.
(7) من الوافي بالوفيات 2/ 43.
(8) وهو المعروف بابن النديم صاحب كتاب الفهرست، ورّاق أخباريّ أديب (385هـ) معجم الأدباء 18/ 17ولسان الميزان 5/ 7372والأعلام 6/ 29.
والقولة في الفهرست 218 (ط. دار المعرفة).(1/468)
الرقاعات، وكتاب المنادمة وأخلاق الرؤساء. ومن شعره الصالح قوله (1):
(تام الخفيف)
أيها الأمرد المولع بالهج ... ر أفق ما كذا سبيل الرّشاد
فكأنّي بحسن وجهك قد أل ... بس في عارضيك ثوب الحداد
وكأنّي بعاشقيك وقد أب ... دلت فيهم من خلطة ببعاد
حين تنبو العيون عنك كما ين ... قبض السّمع عن حديث معاد (2)
فاغتنم قبل أن تصير إلى كا ... ن وتضحي في جملة الأضداد
وقوله (3): (المديد)
لا أقول: الله يظلمني ... كيف أشكو غير متّهم!
وإذا ما الدّهر ضعضعني ... لم تجدني كافر النّعم
قنعت نفسي بما رزقت ... وتناهت في العلا هممي
ليس لي مال سوى كرمي ... وبه أمني من العدم
وترجمته أوسع من هذا، وفي هذا القدر منها كفاية، والله المستعان وعليه التكلان.
__________
(1) الأبيات في أشعار أولاد الخلفاء 330والأغاني 23/ 202والفوات 3/ 300والوافي بالوفيات 2/ 43.
(2) أب ج د ش: حتى تنبو. (حتى) غلط. والتصويب من أشعار أولاد الخلفاء والأغاني والوافي بالوفيات.
ج د ش: من حديث.
(3) الأبيات في أشعار أولاد الخلفاء 324والأغاني 23/ 198والوافي بالوفيات 2/ 42والأبيات الثلاثة الأولى في الفوات 3/ 299.(1/469)
42 - أبو العيناء (1)
اسمه محمد بن قاسم بن خلّاد بن ياسر الهاشميّ مولى المنصور. توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. قال الخطيب (2): ولد بالأهواز، ونشأ بالبصرة، وبها سمع الحديث، وكتب (3) عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري (4) وأبي عاصم النبيل (5) وغيرهم. وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لسانا، وأسرعهم جوابا، وأحضرهم نادرة. ولم يسند من الأحاديث إلّا القليل، والغالب عليه رواية الأخبار والحكايات.
وقال الدارقطني (6): ليس بالقوي في الحديث. وقال إسماعيل بن محمد النحوي (7): سمعت أبا العيناء يقول: أنا والجاحظ (8) وضعنا حديث فدك (9)
__________
(1) (282هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 415414ومروج الذهب 4/ 148146ومعجم الشعراء 448ونثر الدر 3/ 231195وزهر الآداب 1/ 286279وتاريخ بغداد 3/ 179170ومعجم الأدباء 18/ 306286
والوفيات 4/ 348343والوافي بالوفيات 4/ 344341ونكت الهميان 270265وميزان الاعتدال 4/ 13ولسان الميزان 5/ 346344وإدراك الأماني 22/ 2220
(2) تاريخ بغداد 3/ 170بتصرف إلى قوله «الأخبار والحكايات» والخبر في الوفيات 4/ 343والوافي بالوفيات 4/ 344343ونكت الهميان 266.
(3) الخبر في معجم الأدباء 18/ 286ولسان الميزان 5/ 346345.
(4) هو سعيد بن أوس اللغويّ البصريّ، كان من أئمة الأدب وغلبت عليه اللغات والنوادر والغريب، وهو من شيوخ سيبويه (215هـ) مراتب النحويين 7673وطبقات النحويين 166165وجمهرة الأنساب 373 والوفيات 2/ 380378والأعلام 3/ 92.
(5) هو الضحاك بن مخلد الشيبانيّ البصريّ الحافظ شيخ الإسلام، وهو من العلماء بالنحو واللغة (212هـ) طبقات النحويين 54 (ط. 73) وتذكرة الحفاظ 1/ 367366والأعلام 3/ 215.
(6) سبق التعريف به في الصفحة 260الحاشية 1.
والخبر في تاريخ بغداد 3/ 172وميزان الاعتدال 4/ 13.
(7) هو أبو علي الصفار، عالم بالنحو وغريب اللغة، من أهل بغداد (341هـ) نزهة الألباء 382381ومعجم الأدباء 7/ 3633وإنباه الرواة 1/ 213211وبغية الوعاة 1/ 454والأعلام 1/ 322.
والخبر في الوافي بالوفيات 4/ 241إلى قوله (الأربعين) بتصرف وهو في معجم الأدباء 18/ 286ونكت الهميان 265ولسان الميزان 4/ 356، 5/ 246.
(8) كذا في أب ج د ش هـ و، وكذلك في لسان الميزان 5/ 346والوافي بالوفيات 4/ 341وجاء في معجم الأدباء / 286 18: أنا والحافظ.
(9) فدك: قرية بخيبر (اللسان والقاموس: فدك).
لم أعثر على نص هذا الحديث في المظان، وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان 4/ 356بعد أن أورد هذا الخبر:
«قلت: ما علمت ما أراد بحديث فدك».(1/470)
وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي (1) فقال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله، وأبى أن يقبله، فكان أبو العيناء يحدث بهذا بعد.
كان أولا أحول ثم عمي. يقال (2) إنّ جدّه الأكبر لقي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فأساء مخاطبته، فدعا عليه بالعمى له ولولده من بعده. فكل (3)
من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم. وقال المبرد (4): إنّما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيّف على الأربعين. قال (5) المتوكل يوما: أشتهي أن أنادم أبا العيناء إلّا أنه ضرير. فقال أبو العيناء: إن أعفاني أمير المومنين من رؤية الأهلّة ونقش الخواتم فإني (6) أصلح.
وخاصم (7) يوما علويا، فقال له العلويّ: أتخاصمني وأنت تقول في صلاتك: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فقال له: نعم، لكنّي أقول:
__________
(1) لم أعثر على تعريف لابن شيبة العلوي في المظان، ولعلّه هو الإمام الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي وهو من المحدثين الثقات له كتاب (المصنف في الأحاديث والآثار) وقد طبعته الدار السلفية بالهند سنة 1399هـ / 1979م في خمسة عشر جزءا. وقد توفي سنة 235هـ تاريخ بغداد 10/ 66 وتذكرة الحفاظ 1/ 422والأعلام 4/ 118.
أو لعله عثمان بن محمد بن أبي شيبة حافظ كبير، ومحدث ثقة له المسند والتفسير (239هـ) تذكرة الحفاظ 2/ 444وميزان الاعتداد 3/ 3935والأعلام 4/ 213.
(2) الخبر في معجم الأدباء 18/ 289والوفيات 4/ 347ونكت الهميان 265.
(3) ج: فكان، وهو غلط.
(4) لم أعثر على هذا القول في كتب المبرد: الكامل والفاضل والتعازي وهو في معجم الأدباء 18/ 289.
(5) من الوافي بالوفيات 4/ 343342إلى آخر الترجمة وانظر تاريخ بغداد 3/ 174ومعجم الأدباء 18/ 287والوفيات 4/ 347.
والمتوكل هو الخليفة العباسي المشهور.
(6) ج د: فأنا.
(7) الخبر في معجم الأدباء 18/ 295والغيث المسجم 1/ 332 (ط. العلمية).(1/471)
«الطيّبين الطاهرين» فتخرج أنت منهم. وصار (1) يوما إلى باب صاعد (2) بن مخلّد فاستأذن عليه، فقيل له: وهو مشغول بالصلاة ثم استأذن بعد ساعة، فقيل كذلك، فقال: لكلّ جديد لذّة (3). وقد كان قبل الوزارة نصرانيا.
ومرّ (4) يوما بدار عبد الله بن منصور (5) وكان مريضا وقد صلح فقال لغلامه: كيف خبر مولاك؟ فقال: كما تحبّ. فقال: ما لي لا أسمع الصّراخ عليه؟!.
واجتمع هو وأبو هفّان (6) على مائدة. فقال أبو هفان: هذه أشدّ حرّا من مكانك في لظى. فقال أبو العيناء: برّدها بشيء من شعرك.
(7) وقال له المنتصر بن المتوكل (8): يا أبا العيناء، ما أحسن الجواب؟
فقال: ما أسكت المبطل وحيّر المحقّ. فقال: أحسنت والله.
ودخل على ابن منارة (9) الكاتب وعنده ابن المرزبان (10). فأراد العبث
__________
(1) الخبر في مروج الذهب 4/ 147ونثر الدر 3/ 200والوفيات 4/ 344.
(2) ج: صعيد، وهو غلط.
وصاعد بن مخلّد وزير من أهل بغداد، كان يسمّى ذا الوزارتين، كان نصرانيا وأسلم على يد الموفق العباسي (276 هـ) نثر الدر 3/ 200وثمار القلوب 292 (ت. أبو الفضل) والمنتظم 5/ 101والكامل لابن الأثير 7/ 327، 419 (ط. صادر) والأعلام 3/ 187.
(3) هذا مأخوذ من قول ضابئ البرجمي:
لكلّ جديد لذة غير أنّني ... وجدت جديد الموت غير جديد
أنظر الصفحة 45الحاشية 2فقد تم تخريج هذا البيت هناك.
(4) الخبر في نثر الدّرّ 3/ 197ومعجم الأدباء 18/ 293والوفيات 4/ 344ونكت الهميان 267.
(5) عبد الله بن منصور من الكتّاب الكبار في الدولة العباسية، كان حيا سنة 256هـ، انظر تاريخ الطبري 9/ 440.
(6) هو عبد الله بن أحمد المهزميّ المعروف بأبي هفان، راوية عالم بالشعر والأدب وشاعر من البصرة، سكن بغداد، وحدث عن الأصمعي (257هـ) الإعجاز 261وتاريخ بغداد 9/ 371370واللباب في الأنساب 3/ 275ولسان الميزان 3/ 250249والأعلام 4/ 65.
(7) من تاريخ بغداد 3/ 177والخبر في زهر الآداب 2/ 793.
(8) المنتصر بن المتوكل هو الخليفة العباسي محمد بن جعفر المتوكل (248هـ) مروج الذهب 4/ 5946والأعلام 6/ 70
(9) كذا في أب ج د ش. وجاء في الوافي بالوفيات 4/ 332: ابن منازة، ولم أعثر له على تعريف في المظان.
(10) هو محمد بن خلف بن المزربان المحوّلي، مؤرخ عالم بالأدب، أخباري، نسبته إلى المحوّل، وهي قرية غربي بغداد، له تصانيف كثيرة (309هـ) تاريخ بغداد 5/ 239237ومعجم الأدباء 19/ 52واللباب في الأنساب 3/ 177 والأعلام 6/ 115.(1/472)
به، فنهاه ابن منارة، فلم يقبل. فلما جلس قال له: يا أبا العيناء، لم لبست جباعة؟
فقال: وما الجبّاعة؟ فقال: التي ليست بجبّة ولا درّاعة. فقال أبو العيناء: ولم أنت صفديم؟ قال: وما الصّفديم؟ قال الذي ليس بصفعان ولا نديم. فوجم لذلك، وضحك أهل المجلس.
وقال أبو العيناء (1): عشقتني امرأة بالبصرة من غير أن تراني، وإنما كانت تسمع كلامي وعذوبته، فلما رأتني استقبحتني وقالت: قبّحه الله! هذا هو؟! فكتبت إليها (2): (الطويل)
ونبّئتها لمّا رأتني تنكّرت ... وقالت: دميم أحول ما له جسم
فإن تنكري منّي احولالا فإنّني ... أديب أريب لا عييّ ولا فدم
فوقّعت في الرقعة: يا عاضّ بظر أمّه! ألديوان الرّسائل أريدك أم لنفسي!؟
(3) «الفدم العييّ عن الكلام في ثقل ورخاوة وقلة فهم».
وقال (4) جحظة (5): أنشدني أبو العيناء لنفسه (6): (الطويل)
حمدت إلهي إذ منيت بحبّها ... على حول يغني عن النّظر الشّزر
نظرت إليها والرّقيب يظنّني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر
__________
(1) الخبر في زهر الآداب 1/ 158.
(2) البيتان في شعره 2/ 52والوافي بالوفيات 4/ 343وإدراك الأماني 22/ 22.
(3) نقلا عن القاموس (الفدم).
(4) من نكت الهميان 266إلى آخر الترجمة.
(5) هو أبو الحسن أحمد بن جعفر المعروف بجحظة البرمكي النديم، وهو أديب راوية مغنّ وشاعر من بقايا البرامكة. كان في عينيه نتوء فلقّبه ابن المعتز بجحظة (324هـ) الإعجاز 260259والوفيات 1/ 134133والوافي بالوفيات 6/ 289286.
(6) البيتان في شعره 1/ 52ومعجم الأدباء 18/ 302والوافي بالوفيات 4/ 343وإدراك الأماني 22/ 22، ونسبا في شرح المقامات 1/ 90للقاضي أبي محمد عبد الوهاب ابن علي (422هـ) وفي الوفيات 4/ 381لأبي حفص الشّطرنجي عمر بن عبد العزيز (نحو 210هـ).(1/473)
وقال (1) محمد بن خلف بن المرزبان (2)، قال لي أبو العيناء: أتعرف في شعراء المحدثين رشيدا الرّياحيّ (3)؟ قال، فقلت: لا. قال: بلى هو القائل فيّ (4):
(تام الخفيف)
انسبوا لابن قاسم مأثرات ... فهو للخير صاحب وقرين (5)
أحول العين والخلائق زين ... لا احولال بها ولا تلوين
ليس للمرء شائنا حول العي ... ن إذا كان فعله لا يشين
قال، فقلت: وكنت قبل العمى أحول، أمن السّقم إلى البلى؟ فقال: هذا أطرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم. وقال: أيّما أصلح، من السّقم إلى البلى؟ أو حال العجوز لا واخذها الله من القيادة إلى الزّنى؟
وأخباره في هذا الباب كثيرة وحسبنا منها ما ذكرنا ممّا فيه الكفاية والغنية، والله وليّ التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
__________
(1) من معجم الأدباء 18/ 290إلى آخر الخبر.
(2) سبق التعريف به في الصفحة 297الحاشية 10.
(3) لم أعثر له على تعريف في المظان التي رجعت إليها. وجاء في تاريخ بغداد 3/ 175أن الذي مدح أبا العيناء بهذه الأبيات هو أبو العالية. ولم أعثر له على تعريف.
(4) الأبيات في تاريخ بغداد 3/ 175ومعجم الأدباء 18/ 290والوافي بالوفيات 4/ 343ونكت الهميان 266وإدراك الأماني 22/ 22.
(5) ابن قاسم هو أبو العيناء محمد بن قاسم. أنظر أول الترجمة.(1/474)
43 - أبو دلامة (1)
(2) اسمه زند بالنون ابن الجون الكوفي (3) (كني) باسم جبل بمكة يقال له (4) (أبو) دلامة. وكان أبو دلامة أسود، وهو مولى لبني أسد أدرك آخر أيام بني أمية، ونبغ في أيام بني العباس، ومدح أبا العباس السّفّاح وأبا جعفر المنصور والمهدي، وكان صاحب نوادر وملح. وكان فاسد الدين رديء المذهب.
وكانت له بغلة قد جمعت كلّ عيب فكان يصفها في أشعاره، ويذكر عيوبها.
ودخل (5) على أمير المومنين المهدي فأنشده قصيدة في بغلته يهجوها، فلما انتهى إلى قوله فيها يصف بيعها وخداعه لمشتريها (6): (الوافر)
أتاني خائب يستام منّي ... عريق في الخسارة والضلال
__________
(1) (161هـ) ترجمته في الشعر والعشراء 2/ 782780وطبقات ابن المعتز 6254وتاريخ الطبري 8/ 42، 183 والأغاني 10/ 273234والمؤتلف 131وشرح المقامات 2/ 178174ومعجم الأدباء 11/ 168165والوفيات 2/ 327320والوافي بالوفيات 14/ 221216. وإدراك الأماني 14/ 239213.
(2) من الأغاني 10/ 235بتصرف إلى قوله: «رديء المذهب» والخبر في شرح المقامات 2/ 174.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج د.
وجاء في الأغاني 10/ 237: «وكنّي أبا دلامة باسم جبل بمكة يقال له أبو دلامة، كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهلية وهو بأعلى مكة» وانظر اللسان والقاموس (دلم).
(5) من الأغاني 10/ 265بتصرف إلى قوله: «فأمره أن يختار له» والخبر في شرح المقامات 2/ 176174
(6) د: لمشتريه، وهو غلط. ج د: تبيعي غير غال. (تبيعي) غلط.
والأبيات من قصيدة طويلة مطلعها:
أبعد الخيل أركبها كراما ... وبعد الفره من حضر البغال
وهي في ديوانه 7569وشرح المقامات 2/ 175174وثمار القلوب 363361 (ت. أبو الفضل). والأبيات في الأغاني 10/ 265.
يستام منّي: أي يعرض عليّ الثمن. (اللسان: سوم).(1/475)
فقال تبيعها؟ قلت: ارتبطها ... بحكمك إنّ بيعي غير غال
فأقبل ضاحكا نحوي سرورا ... وقال: أراك سهلا ذا جمال
هلمّ إليّ يخلو بي خداعا ... وما يدري الشّقيّ بمن يخالي
فقلت بأربعين فقال: أحسن ... إليّ فإن مثلك ذو سجال (1)
فأترك خمسة منها لعلمي ... بما فيه يصير من الخبال
فأبدلني بها يا ربّ طرفا؟ ... يكون جمال مركبه جمالي
قال (2) له المهدي: لقد أفلتّ من بلاء عظيم. فقال: والله يا أمير المومنين لقد مكثت شهرا أتوقّع صاحبها أن يردّها. فقال المهدي لصاحب دوابّه: خيّره في مركبين من الإصطبل. فقال: يا أمير المومنين إن كان الاختيار إليّ وقعت في شرّ من البغلة، ولكن مره يختر (3) لي. فأمره أن يختار له.
ودخل (4) يوما على المهدي وعنده وجوه من بني هاشم، فقال: «أنا أعطي الله عهدا لئن لم تهج واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك». فكلما نظر إلى واحد منهم غمزه بأنّ عليه رضاه. قال أبو دلامة: فعلمت، أنّي وقعت، وأنها منه عزيمة
__________
(1) السّجال جمع سجل وهو الدّلو المملوءة ماء. (اللسان: سجل) ويرمز بالسجال إلى العطاء والجود، يريد أن ينقص له في الثمن. الخبال: الفساد والجنون، والطّرف بالكسر، من الخيل: الكريم العتيق. (اللسان: خبل، طرف).
(2) ج د: فقال:.
(3) د: ان يختر، وهو غلط.
(4) من الأغاني 10/ 258بتصرف إلى آخر الأبيات. والحكاية في طبقات ابن المعتز 57والمحاسن والمساوئ 15/ 205 وشرح المقامات 2/ 177.(1/476)
لابد منها، فلم أر أحدا أحقّ بالهجاء مني، ولا أدعى إلى السلامة من هجاء نفسي، فقلت (1): (الوافر)
ألا أبلغ لديك أبا دلامه ... فلست من الكرام ولا كرامه
إذا لبس العمامة كان قردا ... وخنزيرا إذا نزع العمامه
جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللّؤم تتبعه الدّمامه
فإن تك قد أصبت نعيم قوم ... فلا تعجب فقد دنت القيامه
ومن فساد دينه ما ذكره المبرد في كامله (2) أن نصرانيا اختلف إلى أبي دلامة يتطبّب لابن له، فوعده أبو دلامة إن برأ على يديه أن يعطيه ألف درهم. قال: فبرأ ابنه، فقال للمتطبّب: إن الدراهم ليست عندي، ولكن (3) والله لأوّصّلنّها إليك، ادّع بها على جاري فلان، فإنه موسر، وأنا وابني نشهد لك، فليس دون أخذها شيء، فصار النصراني بالجار إلى ابن شبرمة (4)، فسأله البيّنة، فطلع عليه أبو دلامة وابنه، ففهم القاضي. فلمّا جلسا بين يديه، قال أبو دلامة (5): (الطويل)
إن الناس غطّوني تغطّيت عنهم ... وإن بحثوا عنّي ففيهم مباحث
فقال ابن شبرمة من ذا الذي يبحثك يا أبا دلامة؟ ثم قال للمدّعي: قد عرفت شاهديك! فخلّ عن خصمك ورح إليّ العشية. فراح إليه فغرمها من ماله.
__________
(1) الأبيات في ديوانه 79وطبقات ابن المعتز 57والأغاني 10/ 258وشرح المقامات 2/ 177. والأبيات الثلاثة الأولى في المحاسن والمساوئ 1/ 204.
ونسب البيتان الأولان في الوفيات 2/ 326لأبي عطاء السّندي مولى بني أسد في هجاء أبي دلامة.
(2) الكامل 2/ 4645بتصرف إلى قوله «فغرمها من ماله» وهذه الحكاية في العمدة 1/ 54والوفيات 2/ 326325.
(3) أب ج د ش: (أين الدراهم؟ ولكن) وفيه نقص، وقد أثبتنا ما في الكامل مصدر المؤلف لهذا الخبر.
(4) هو عبد الله بن شبرمة الضّبّيّ الكوفيّ قاضي الكوفة وهو فقيه وراوية ثقة (144هـ) تاريخ الطبري 7/ 159، 179، 191وميزان الاعتدال 2/ 438.
(5) أول بيتين في ديوانه 37وجاد في ديوانه أنه قالهما في القاضي ابن أبي ليلى، والبيت في الكامل 2/ 46والأغاني 10/ 239والعمدة 1/ 54وحياة الحيوان 1/ 237.(1/477)
ونوادر أبي دلامة وملحه أكثر من هذا، وهو وبغلته المعنيان بقول الحريري في المقامة الأربعين (1): «وأعيب من بغلة أبي دلامة». وبالله سبحانه التوفيق.
44 - الرقاشي (2)
(3) هو الفضل بن عبد الصمد مولى رقاش، امرأة من ربيعة. كان منقطعا إلى البرامكة مستغنيا بهم عن سواهم. ولمّا (4) قتل جعفر بن يحيى (5) وصلب اجتاز به الرقاشي فوقف تحت جذعه يبكي ويقول (6): (الوافر)
أما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للنّاس بالحجر استلام
على اللّذّات والدنيا جميعا ... ودولة آل برمك السّلام
فبلغ خبره الرشيد، فقال له: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يا أمير المومنين، كان إليّ محسنا، فلمّا رأيته على تلك الحال حرّكني إحسانه، فما ملكت نفسي حتى قلت ما قلت. فقال: كم كان يجري عليك؟ قال: ألف دينار في كل سنة. قال: فإنّا قد أضعفناها لك. فقبّل الأرض بين يديه وانصرف.
__________
(1) شرح المقامات 2/ 174.
(2) (نحو 200هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 227226وتاريخ الطبري 8/ 301300والأغاني 16/ 253244 ومعجم الشعراء 311والفوات 3/ 185183وإدراك الأماني 2/ 2014.
(3) من الأغاني 16/ 245بتصرف.
(4) من الأغاني 16/ 249بتصرف إلى قوله «أضعفناها لك» والخبر في الفوات 3/ 183.
(5) هو أبو الفضل البرمكي الوزير، كان عالي المنزلة عند هارون الرشيد اشتهر بسخائه وكان فصيحا. وقد غضب عليه الرشيد فقتله ونكب البرامكة بسببه (187هـ) تاريخ بغداد 7/ 160152.
(6) د: لناس، وهو غلط.
والأبيات في الأغاني 16/ 249وتاريخ بغداد 7/ 158والوفيات 1/ 340وحياة الحيوان 2/ 231. ونسبت في تاريخ الطبري 8/ 301لمحمد بن عبد الرحمن العطوي وهي في شعره 62، ونسب البيتان الأولان للرقاشي أو لأبي قابوس الحيري في معجم الشعراء 311ونسب البيت الأخير للرقاشي في الفوات 3/ 183(1/478)
45 - بهلول المجنون (1)
(2) هو ابن عمرو الصيرفي من أهل الكوفة، كان من عقلاء المجانين ووسوس، وله كلام مليح ونوادر وأشعار.
قال الأصمعي (3): رأيت بهولا قائما ومعه خبيص (4)، فقلت له: إيش معك؟ قال: خبيص. قلت: أطعمني، قال: ليس هو لي. قلت: هو لمن؟ قال: لحمدونة بنت الرشيد أعطتني آكله لها!
وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك (5): رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلّى رجليه في قبر وهو يلعب بالتّراب. فقلت له: ما تصنع ها هنا؟ فقال:
أجالس أقواما لا يؤذونني، وإن غبت لا يغتابونني، فقلت: قد غلا السّعر بمرّة، فهل تدعو الله، فيكشف عنّا؟ فقال: والله ما أبالي ولو حبة بدينار، إنّ لله علينا أن نعبده، كما أمرنا، وإنّ عليه أن يرزقنا كما وعدنا (6). ثم صفّق بيديه (7) وأنشأ يقول (8): (تام البسيط)
يا من تمتّع بالدنيا وزينتها ... ولا تنام عن اللّذات عيناه
شغلت نفسك فيما لست تدركه ... تقول لله ماذا حين تلقاه؟
__________
(1) (نحوه 190هـ) ترجمته في البيان 2/ 231230ومحاضرات الأدباء 3/ 720719وصفة الصفوة 2/ 518516 (وهو فيها عمرو بن المغيرة) والوافي بالوفيات 10/ 312309والفوات 1/ 231228وإدراك الأماني 22/ 2827والأعلام 2/ 77.
(2) الخبر في الفوات 1/ 229228.
(3) من الفوات 1/ 229إلى آخر الترجمة بتصرف. والخبر في الوافي بالوفيات 10/ 309وبعضه في العقد الفريد 6/ 151
(4) الخبيص: الحلواء المخبوصة وخبص الحلواء يخبصها خبصا: خلطها وعملها. (اللسان: خبص).
(5) هو أحد الرواة كان حيا سنة 198هـ أنظر تاريخ الطبري 8/ 480والموشح 228، والخبر في صفة الصفوة 2/ 516 باختلاف الراوي.
(6) د: أوعدنا، وهو غلط.
(7) د: بين يديه.
(8) ج: ليس تدركه
والبيتان في صفة الصفوة 2/ 516والوافي بالوفيات 10/ 310والفوات 1/ 229وإدراك الأماني 22/ 27.(1/479)
وقال الحسن بن سهل بن منصور: رأيت الصّبيان يرمون بهلولا بالحصى فأدمته حصاة. فقال (1): (تام الرمل)
حسبي الله توكّلت عليه ... من نواصي الخلق طرّا بيديه
ليس للهارب في مهربه ... أبدا من راحة إلّا إليه
ربّ رام لي بأحجار الأذى ... لم أجد بدّا من العطف عليه
فقلت (2) (له): تعطف عليهم وهم يرمونك؟ فقال: اسكت لعلّ الله يطّلع على غمّي ووجعي، وشدّة فرح هؤلاء فيهب بعضنا من بعض.
وقال عبد الله بن عبد الكريم: كان لبهلول صديق، قبل أن يجنّ، فلما أصيب بعقله، فارقه صديقه، فبينا بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة، إذا بصديقه عدل عنه، فقال بهلول (3): (تام الخفيف).
ادن منّي ولا تخافنّ غدري ... ليس يخشى الخليل غدر الخليل
إنّ أدنى الذي ينالك منّي ... ستر ما يتّقى وبثّ الجميل
وأخباره أكثر من هذا. وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) الأبيات في الوافي بالوفيات 10/ 310والفوات 1/ 229وإدراك الأماني 22/ 2827.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) البيتان في الوافي بالوفيات 10/ 311والفوات 1/ 230وإدراك الأماني 22/ 28.(1/480)
46 - منصور الفقيه (1)
هو أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر (2) التميميّ الشافعيّ، أصله (3) من رأس عين (4). وهو من أصحاب الشافعي، وكان ضريرا. وله مصنفات في المذهب مليحة توفي سنة ست وثلاثمائة. وكان قبل أن يعمى جنديا.
ويظهر في شعره التشيع (5). وذكره (6) أبو إسحاق الشيرازي (7) في طبقات الفقهاء (8)، وكان شاعرا فصيحا. من شعره قوله، وقد أصابت الناس مسغبة شديدة في سني القحط، فرقي سطح داره في الليل، ونادى بأعلى صوته (9): (تام الخفيف)
الغياث الغياث يا أحرار ... نحن خلجانكم وأنتم بحار
إنّما تحسن المواساة في الشّدّ ... ة لا حين ترخص الأسعار
فسمعه جيرانه، فأصبح على بابه مئة حمل (10) برّ.
__________
(1) (306هـ) ترجمته في زهر الآداب 2/ 827826وخاص الخاص 134وطبقات الفقهاء 108107والمنتظم 6/ 152ومعجم الأدباء 19/ 190185والوفيات 5/ 292289والمغرب في حلى المغرب 1/ 263262 (قسم مصر) ونكت الهميان 298297وحسن المحاضرة 1/ 186والشذرات 2/ 249وإدراك الأماني 22/ 3130.
(2) ج د: عمرو، وهو غلط.
(3) من الوفيات 5/ 289ونكت الهميان 298297.
(4) د: العين.
ورأس عين: موضع بين حرّان ونصيبين، وقيل بين ربيعة ومضر (اللسان: عين).
(5) د: التشييع، وهو غلط.
(6) من الوفيات 5/ 290ونكت الهميان 298بتصرف.
(7) هو الشيخ إبراهيم بن علي العلامة الفقيه المناظر، نبغ في علوم الشريعة، من مؤلفاته طبقات الفقهاء (476هـ) الوفيات 1/ 3129والأعلام 1/ 51.
(8) طبقات الفقهاء 108107.
(9) البيتان في الوفيات 5/ 290ونكت الهميان 298والشذرات 2/ 249وإدراك الأماني 22/ 30.
(10) ج: جمل.(1/481)
ومن مليح شعره قوله (1): (تام البسيط)
عاب التفقّه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضرّ شمس الضّحى والشمس طالعة ... ألّا يرى ضوءها من ليس ذا بصر
وقوله (2): (مجزوء الكامل)
الكلب أحسن عشرة ... وهو النّهاية في الخساسه
ممّن ينازع في الرّيا ... سة قبل أوقات الرّياسه
وقوله (3): (مجزوء الكامل)
لي حيلة فيمن ينمّ ... وليس في الكذّاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
وقوله (4): (الطويل)
إذا رشوة من باب قوم تقحّمت ... لتدخل فيه والأمانة فيه
سعت هربا منه وولّت كأنّها ... حليم تنحّى عن جوار سفيه
وقوله (5): (المجتث)
ما بالبخيل انتفاع ... والكلب ينفع أهله
__________
(1) البيتان في معجم الأدباء 19/ 187والوفيات 5/ 290ونكت الهميان 298والشذرات 2/ 250وإدراك الأماني 22/ 30.
(2) البيتان في معجم الأدباء 19/ 187والوفيات 5/ 290ونكت الهميان 298والشذرات 2/ 250وإدراك الأماني 22/ 30.
(3) البيتان في بهجة المجالس 1/ 404ومعجم الأدباء 19/ 196ومرآة الجنان 8/ 553والوفيات 5/ 290ونكت الهميان 298وحياة الحيوان 2/ 493والمستطرف 2/ 8والشذرات 2/ 250وإدراك الأماني 22/ 30.
(4) د: ليدخل، وهو غلط.
والبيتان في بهجة المجالس 1/ 622ومرآة الزمان 8/ 132وإدراك الأماني 22/ 30.
(5) د: بالبخل، وهو غلط.
والبيتان في بهجة المجالس 1/ 626وإدراك الأماني 22/ 30.(1/482)
فنزّه الكلب عن أن ... ترى أخا البخل مثله
وقوله (1): (تام الكامل)
جهلوا القياس للطفه فتوهّموا ... أنّ البخيل وكلبه سيّان
والكلب يحفظ أهله ويقيهم ... ويكفّ طارقهم عن العدوان
والنّذل يوحش أهله ويجيعهم ... ويحضّ ناصرهم على الخذلان
فهما ومن جعل الكلاب أعزّة ... والباخلين أذلّة ضدّان (2)
وقوله (3): (مجزوء الكامل)
إن لم يصبك من الكري ... م الحرّ وابله فطلّه
إنّ الكريم له على ... معروفه نفس تدلّه
يبدي مكارمه كما ... يبدي فرند السّيف صقله
وقوله (4): (تام الخفيف)
كلّ من فارق المروءة عاشا ... ونما وفره وزاد رياشا
وأخو الفضل والمروءة والدّي ... ن مقلّ أموره تتلاشى
وقوله (5): (مخلع البسيط)
أيّ زمان نشأت فيه ... كذي ضلال بأرض تيه
ما شئت من عالم خبيث ... فيه ومن جاهل سفيه
(6) و (أشعاره كثيرة وبالله سبحانه التوفيق).
__________
(1) الأبيات في بهجة المجالس 1/ 627وإدراك الأماني 22/ 31.
(2) د: والباخلان، وهو غلط.
(3) الأبيات في بهجة المجالس 1/ 635634وإدراك الأماني 22/ 31.
(4) البيتان في بهجة المجالس 1/ 645وإدراك الأماني 22/ 31.
الرّياش: اللباس الفاخر، والأثاث، والخصب، والحالة الجميلة (المعجم الوسيط: ريش).
(5) البيتان في بهجة المجالس 1/ 678وإدراك الأماني 22/ 31.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.(1/483)
الجزء الثاني
فهرس الجزء الثاني من الكوكب الثاقب
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
47: ابن دريد: 317309
48: القاضي التنوخي: 321317
49: أبو علي المحسّن بن علي التنوخي: 321
50: سيف الدولة ابن حمدان: 323322
51: أبو فراس الحمداني: 328323
52: أبو المطاع الحمداني: 329328
53: أبو العشائر الحمداني: 330329
54: المتنبي: 346330
55: ابن الرومي: 349346
56: كشاجم: 352350
57: أبو بكر الخالدي: 354353
58: أبو عثمان الخالدي: 358354
59: السري الرفاء: 364358
60: الصاحب ابن عباد: 367365
61: الصابي: 371368
62: أبو الفرج الببغاء: 373372
63: ابن يعقوب: 377373
64: السلامي: 381377
65: ابن بختار البغدادي: 383381(2/1)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
66: ابن سكرة: 390383
67: ابن حجاج: 393391
68: أبو علي البصير: 395394
69: ابن لكنك: 367396
70: الخبز أرزي: 401398
71: أحمد بن فارس: 402401
72: الأرزني: 403
73: الزبيدي: 405404
74: بديع الزمان الهمذاني: 408406
75: الخطابي: 410409
76: الشريف الرضي: 414411
77: الشريف المرتضى: 415
78: أبو الفتح البستي: 419416
79: أبو منصور الثعالبي: 423419
80: بكر بن علي الصابوني: 426423
81: القاضي البحاثي: 428426
82: البديهي: 430429
83: محمد بن عبد الواحد صريع الغواشي: 432430
84: أبو نصر ابن نباتة السعدي: 434432
85: ابن الخياط: 437435(2/2)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
86: ابن صيفي: 440437
87: المطوعي: 442440
88: الميكالي: 444443
89: مهيار الديلمي: 446444
90: المعري: 464447
91: الخطيب التبريزى: 468464
92: ابن حيوس: 471468
93: ابن صافي: 474472
94: ابن رشيق القيرواني: 477474
95: ابن شرف القيرواني: 482477
96: ابن القيسراني: 495483
97: الحريري صاحب المقامات: 507496
98: الأمير دبيس: 511508
99: الطغرائي: 519511
100: القاضي الرشيد: 520519
101: القاضي المهذب: 523520
102: القاضي الأرجاني: 526523
103: القاضي ابن أبي حصينة: 528526
104: ابراهيم الغزي: 530529
105: ابن صابر: 534531(2/3)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
106: ابن مجبر الأندلسي: 538535
107: ابن زيدون: 545538
108: ابن باجة: 548545
109: ابن مطروح: 550549
110: ابن الوكيل: 552551
111: ابن العفيف: 554553
112: ابن النبيه: 558554
113: الذهبي: 564559
114: ابن الخيمي: 570565
115: الكلاعي صاحب السيرة: 579570
116: ابن جحدر: 580579
117: البوصبري: 582580
118: ابن الجزار: 597583
119: السراج الورّاق: 603598
120: ابن خلكان: 608604
121: ابن فرح: 611609
122: ابن دقيق العيد: 619612
123: ابن البناء: 621619
124: أبو عبد الله المسفر: 623621
125: أبو حيان: 630623(2/4)
رقم الترجمة: اسم الشاعر: الصفحة
126: القاضي ابن فضل الله: 634630
127: ابن المرحل: 638635
128: ابن رشيق السبتي: 640639
129: ابن الخطيب السلماني: 665641
الباب الثالث في الحرب وتدبيرها وما ينبغي من الحزم والتيقظ لمن يباشرها من مقدمها وأميرها 689666
الباب الرابع في الشجاعة والجبن وآلات القتال وما للشعراء في ذلك من بديع المقال 712689
الباب الخامس في الجود والسخاء والإيثار وما يؤثر في ذلك من عجيب الحكايات وغريب الآثار 738712
الباب السادس في الشح والبخل وما ينبغي من تجنبهما لأهل الفضل 749739
الباب السابع في السفه والحلم وما قيل إن أحق الناس بالحلم الولاة وأولو العلم 759750
الباب الثامن في ذكر ملوك بني أمية وابتداء دولتهم. 798759(2/5)
تتمة الباب الثاني
47 - ابن دريد (1)
(2) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أزديّ النسب، بصريّ المولد والمنشأ. أخذ عن أبي حاتم سهل بن محمد (3)، والرياشي (4)، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي (5)، وغيرهم.
وكان إماما في اللغة والأخبار والشعر، وخرج إلى نواحي فارس فصحب بها ابني (6) ميكال الشاه وأخاه، (7) (وكانا يومئذ على عمالة
__________
(1) (321هـ) ترجمته في مروج الذهب 4/ 230228وطبقات النحويين 184183ومعجم الشعراء 462461 وتاريخ بغداد 2/ 197195ومعجم الأدباء 18/ 143127والمحمدون 204201والوفيات 4/ 329323 والوافي بالوفيات 2/ 343339وحياة الحيوان 1/ 538537والخزانة 3/ 121119 (ت. هارون) وإدراك الأماني 22/ 3935وتاريخ الأدب لبروكلمان 2/ 185177.
(2) من الوفيات 4/ 323، 325بتصرف، وهو في الخزانة 3/ 119، 121 (ت. هارون).
(3) هو المشهور بأبي حاتم السجستاني، من كبار علماء النحو واللغة، كان إماما في علوم الآداب، وعنه أخذ ابن دريد والمبرد (248هـ) طبقات النحويين 9694والوفيات 2/ 433430والأعلام 3/ 143.
(4) هو أبو الفضل العباس بن الفرج المشهور بالرياشي، وقد سبق التعريف به في الصفحة 156الحاشية 2.
(5) هو عبد الرحمن بن عبد الله المشهور بابن أخي الأصمعي، من الرواة النحاة، انظر طبقات النحويين 180والفهرست 61 (ت. رضا تجدد).
(6) المشهور أنه قال مقصورته في والي خراسان عبد الله بن محمد ابن ميكال وابنه إسماعيل أي في الأب والإبن أنظر شرح مقصورة ابن دريد 66ومعجم الأدباء 7/ 76والوفيات 4/ 323وتاريخ الأدب لبروكلمان 2/ 178. وجاء في الفوائد المحصورة 2/ 321في شرح البيت 108: ابن ميكال هو عبد الله بن محمد بن ميكال الشاه. وجاء فيها أيضا (2/ 324323) في شرح البيت 109: وأبو العباس هو أخوه على ما حكاه أبو علي البغدادي، وقيل هو إسماعيل ابن عبد الله ابن محمد بن ميكال. والراجح أنه يقصد با بني ميكال الأب والابن فكل منهما ينحدر من ميكال. فالإبن هو إسماعيل بن عبد الله هو أبو العباس شيخ خراسان ووجيهها في عصره، تقلد ديوان الرسائل، وقد تأدب على ابن دريد، وفيه وفي أبيه نظم ابن دريد مقصورته، وكان أبوه أمير الأهواز (362هـ) الجمهرة 1/ 3وشرح مقصورة ابن دريد 66، 13والفوائد المحصورة 2/ 324ومعجم الأدباء 7/ 125، 18/ 138137والأعلام 1/ 318.
والأب هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن ميكال، أمير الأهواز، وهو الذي استقدم ابن دريد ليؤدّب ولده أبا العباس السابق الذكر. أنظر شرح مقصورة ابن دريد 66، 13والفوائد المحصورة 2/ 321ومعجم الأدباء 7/ 76.
(7) ما بين القوسين ساقط من ش.(2/6)
فارس وفيهما قال مقصورته (1)، فوصلاه عليها (2) بعشرة آلاف) درهم.
(3) قال أبو حفص ابن شاهين (4): كنا ندخل على ابن دريد، فنستحيي مما نرى من العيدان المعلّقة والشراب، وقد جاوز التسعين.
(5) وقال يوسف بن الأزرق (6): ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان إلّا وهو يتسابق إلى روايته (7) لحفظه له.
(8) وقال الخطيب البغدادي (9) عن أبي بكر الأسدي: ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء.
فمن بديع شعره هذه القصيدة المثلثة الفريدة (10): (مثلث الرجز)
ما طاب فرع لا يطيب أصله ... حمى مواخاة اللّئيم فعله
__________
(1) قصيدة مشهورة جدا، وقد عارضها كثير من الشعراء وشرحها كثير من الأدباء واللغويين أنظر مروج الذهب 230 4/ 229والوفيات 4/ 324وتاريخ الأدب لبروكلمان 2/ 181179.
ومطلعها:
يا ظبية أشبه شيء بالمها ... ترعى الخزامى بين أشجار القنا
وهي في ديوانه 134115وشرح مقصورة ابن دريد للخطيب التبريزي 9813.
(2) د: عليه، وهو غلط.
(3) من الوافي بالوفيات 2/ 340والخبر في معجم الأدباء 18/ 130والوفيات 4/ 326والخزانة 3/ 120 (ت. هارون).
(4) هو عمر بن أحمد المشهور بأبي حفص ابن شاهين، واعظ علامة من حفّاظ الحديث، له مصنفات كثيرة، وهو من أهل بغداد (385هـ) تاريخ بغداد 11/ 267265ولسان الميزان 4/ 284283والأعلام 5/ 40.
(5) من الوافي بالوفيات 2/ 340والخبر في معجم الأدباء 18/ 130والوفيات 4/ 326والخزانة 3/ 121 (ت. هارون).
(6) لم أعثر له على تعريف في المظان.
(7) ج د: لروايته
(8) من الوافي بالوفيات 2/ 340والخبر في معجم الأدباء 18/ 129والوفيات 4/ 324.
(9) تاريخ بغداد 2/ 196.
(10) قصيدة في الأمثال والحكم وهي في ديوانه 2925وري الأوام 404400وقد أضافها محقق الديوان نقلا من الكوكب الثاقب الذي أوردها كاملة معتمدا على مخطوطتين بدار الكتب الوطنية بتونس: رقم 2968 (الورقتين 8180) ورقم 3361 (الورقة 78) كما اعتمد على مخطوطة ري الأوام بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 400 (الورقات 102100) أنظر ديوانه 25في الحاشية.(2/7)
وكلّ من واخى لئيما مثله
من أمن الدّهر أتي من مأمنه ... لا تستثر ذا لبد من مكمنه (1)
وكلّ شيء يبتغى في معدنه
لكلّ ناع ذات يوم ناعي ... وإنّما السّعي بقدر السّاعي (2)
قد يهلك المرعيّ عتب الرّاعي
من ترك القصد تضق مذاهبه ... دلّ على فعل امرئ مصاحبه
لا تركب الأمر وأنت عائبه
مالك إلّا ما عليك مثله ... لا تحمدنّ المرء ما لم تبله
والمرء كالصورة لولا فعله
يا ربّما أورثت اللّجاجه ... ما ليس للمرء إليه حاجه
وضيق أمر يتبع انفراجه
كم من وعيد يخرق الآذانا ... كأنّما ينبا به سوانا
أصمّنا الإهمال أم أعمانا
يجلّ ما يؤذي وإن قلّ الألم ... ما أطول الليل على من لم ينم
وسقم عقل المرء من شرّ السّقم
__________
(1) د: من معدنه.
لبد جمع لبدة وهي الشّعر المجتمع على زبرة الأسد، المتراكب بين كتفيه، وكنيته ذو لبدة. (القاموس واللسان: لبد).
(2) ج: ذات نوم. (نوم) غلط.(2/8)
ما منك من لم يقبل المعاتبه ... وشرّ أخلاق الفتى المواربه
يكفيك ممّا تكره المجانبه
متى تصيب الصاحب المهذّبا ... هيهات ما أعسر هذا مطلبا
وشرّ ما طلبته ما استصعبا
لا يسلك الخير سبيل الشّرّ ... والله يقضي ليس زجر الطّير
كم قمر عاد إلى قمير
لم يجتمع جمع لغير بين ... لفرقة كلّ اجتماع اثنين
يعمى الفتى وهو بصير العين
الصّمت إن ضاق الكلام أوسع ... لكلّ جنب ذات يوم مصرع
كم جامع لغيره ما يجمع
ما لك إلّا ما بذلت مال ... في طرفة العين تحول الحال (1)
ودون آمال الورى الآجال
كم قد بكت عين وأخرى تضحك ... وضاق من بعد اتّساع مسلك
لا تبر من أمرا عليك يملك
خير الأمور ما حمدت غبّه ... لا يرهب المذنب إلّا ذنبه
والمرء مغرور بمن أحبّه
__________
(1) د: يحول.(2/9)
كلّ مقام فله مقال ... كلّ زمان فله رجال
وللعقول تضرب الأمثال
دع كلّ أمر منه يوما يعتذر ... خف كلّ ورد غير محمود الصّدر (1)
لا تنفع الحيلة في ماضي القدر
نوم الفتى خير له من يقظه ... لم ترضه فيها الكرام الحفظه
وفي صروف الدّهر للمرء عظه
مسألة الناس لباس ذلّ ... من عفّ لم يسأم ولم يملّ
فارض من الأكثر بالأقلّ
جواب سوء المنطق السّكوت ... قد أفلح المتّئد الصّموت
ما حمّ من رزقك لا يفوت (2)
في كلّ شيء عبرة لمن عقل ... قد يسعد المرء إذا المرء اعتدل
يرجو غدا ودون ما يرجو الأجل
كم زاد في ذنب جهول عذره ... دع أمر من أعيا عليك أمره
يخشى امرؤ شيئا ولا يضرّه
رأيت غبّ الصّبر ممّا يحمد ... وإنّما النفس كما تعوّد
وشرّ ما يطلب ما لا يوجد
__________
(1) د: يوما منه. وهو غلط
(2) حمّ الأمر بالضم حمّا: قضي وقدّر. (القاموس: حم).(2/10)
لا يأكل الإنسان إلّا ما رزق ... ما كلّ أخلاق الرّجال تتّفق
هان على النائم ما يلقى الأرق
من يلدغ النّاس يجد من يلدغه ... لا يعدم الباطل حقّا يدمغه (1)
لسان ذي الجهل وشيكا يوثغه (1)
كلّ زمان فله نوابغ ... والحقّ للباطل ضدّ دامغ
يغصّك المشرب وهو سائغ
لا خير في صحبة من لا ينصف ... والدّهر يجفو مرّة ويلطف
كأنّ صرف الدّهر برق يخطف
ربّ صباح لامرئ لم يمسه ... حتف الفتى موكّل بنفسه
حتّى يحلّ في ضريح رمسه
إنّي أرى كلّ جديد بال ... وكلّ شيء فإلى زوال
فاستشف من جهلك بالسّؤال
إنّك مربوب مدين تسأل ... والدّهر عن ذي غفلة لا يغفل
حتّى يجيء يومه المؤجّل
__________
(1) أب ج د ش والديوان: يوثغه بالثاء المثلثة ولعلّ الصحيح بالتاء المثناة.
دمغه: غلبه وأبطله وعلاه. وثغ رأسه يثغه: شدخه. (القاموس: دمغ وثغ). ويقصد أن الحقّ لا يلبث أن يتغلّب على الباطل فيبطله، وإن لسان الجاهل لا يلبث أن يوقعه في المضرة والتهلكة.
وإذا كانت يوتغه (بالتاء المثناة) فمعناها: يهلكه من قولهم: أوتغه الله يوتغه أهلكه. (اللسان والقاموس: وتغ).(2/11)
ومن شعره البديع قوله (1): (تام الكامل)
غرّاء لو جلت الخدود شعاعها ... للشّمس عند طلوعها لم تشرق
غصن على دعص تأوّد فوقه ... قمر تألّق تحت ليل مطبق
لو قيل للحسن احتكم لم يعدها ... أو قيل خاطب غيرها لم ينطق
فكأنّنا من فرعها في مغرب ... وكأنّنا من وجهها في مشرق (2)
تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها ... الويل حلّ بمقلة لم تطبق
ومحاسنه، رحمه الله، كثيرة.
عاش بضعا وتسعين سنة. (3) وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. وكان مولده سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وفلج في آخر عمره. سقي الدّرياق (4) فبرأ، ثم عاوده الفالج، فبطل من محزمه إلى قدميه، فكان إذا دخل عليه أحد ضجّ وتألّم لدخوله، وإن لم يصل إليه. قال تلميذه أبو علي القالي: كنت أقول في نفسي: إنّ الله تعالى عاقبه بقوله في المقصورة (5): (تام الرجز)
مارست من لو هوت الأفلاك من ... جوانب الجوّ عليه ما شكا
__________
(1) الوفيات والديوان: ليل مطبق. أب ج د ش هـ و: غصن مطبق.
والأبيات في ديوانه 40 (ت. عمران سالم)، 86 (ت. العلوي) والوفيات 4/ 325والوافي بالوفيات 2/ 343.
الدّعص بالكسر قطعة من الرمل مستديرة أو الكثيب منه المجتمع. تأوّد: تثنّى وتلوّى (اللسان والقاموس: أود، دعص). ويقصد بالدّعص هنا كفل المرأة على التشبيه بالدّعص.
(2) الفرع: الشّعر التام (القاموس: فرع).
(3) من الوفيات 4/ 326325بتصرف، والخبر في الوافي بالوفيات 2/ 341340والخزانة 3/ 120 (ت. هارون).
(4) الدّرياق والدّرّاق والدّرياقة، كله التّرياق (اللسان والقاموس: درق، دراق).
(5) من المقصورة التي خرجناها في الصفحة 310الحاشية 10.
والبيت في الوفيات 4/ 326وحياة الحيوان 1/ 537والخزانة 3/ 120 (ت. هارون).(2/12)
(1) وعاش بعد ذلك عامين، قال، وقال لي مرة، وقد سألته عن بيت شعر:
لئن طفئت شحمتا عينيّ، لم تجد من يشفيك من العلم. قال: وكذلك قال لي أبو حاتم السجستاني (2)، وقد سألته عن شيء، فقال لي: قال لي كذلك الأصمعي، وقد سألته عن شيء. قال أبو علي: وآخر شيء سألته عنه، قال لي: يا بني، حال الجريض دون القريض (3). وهذا مثل مشهور.
والجريض غصص الموت، ومعناه: منعت غصص الموت من الشّعر. وزعم ابن دريد أن أوّل من قال ذلك عبيد بن الأبرص، حين أراد النّعمان بن المنذر قتله، وقال:
أنشدني قصيدتك التي أولها (4):
أقفر من أهله ملحوب (مخلع البسيط)
وكانت تعجب النّعمان بن المنذر، فقال: أبيت اللّعن، حال الجريض دون القريض. فذهبت مثلا. وقال الرّياشيّ (5): الجريض والقريض يحدثان عند الموت، فالجريض تبلّع الرّيق، والقريض صوت الأسنان.
__________
(1) من الوفيات 4/ 329327بتصرف والخبر في الخزانة 3/ 121120 (ت، هارون).
(2) سبق التعريف به في الصفحة 309الحاشية 3.
(3) المثل في الشعر والعراء 1/ 274وأخبار أبي القاسم الزجاجي 48ومجمع الأمثال 1/ 191والمستقصى في الأمثال 2/ 55واللسان والقاموس (جرض).
(4) ج: محلوب، وهو غلط.
وتتمة البيت: فالقطبيّات فالذّنوب
والقصيدة في ديوانه 2010وشرح القصائد العشر 484468وجمهرة الأشعار 484471ومنها أحد عشر بيتا في الشعر والشعراء 1/ 274.
ويلاحظ أن وزن هذه القصيدة مختلف، ويقول عنها المعري في الفصول والغايات 131: «وقصيدة عبيد: أقفر من أهله ملحوب. وزنها مختلف، وليست موافقة لمذهب الخليل في العروض».
(5) سبق التعريف به في الصفحة 156الحاشية 2.(2/13)
(1) وكان (2) [رحمه الله] كثيرا ما ينشد في حال صحته (3): (الطويل)
فوا حزنا أن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضى به الله صالح
(4) ولمّا توفي رثاه جحظة البرمكيّ (5) بقوله: (تام البسيط)
فقدت بابن دريد كلّ فائدة ... لمّا غدا ثالث الأحجار والتّرب
وكنت أبكي لفقد الجود منفردا ... فصرت أبكي لفقد الجود والأدب
عفا الله عنّا وعنه، ورحمنا وإياه بفضله وكرمه.
48 - القاضي التنوخي (6)
هو أبو الحسن، ويكنى أبا القاسم أيضا، عليّ بن محمد بن داود التنوخي والد أبي علي المحسّن بن علي (7) الآتي ذكره بعد. كان (8) هذا القاضي عفا الله
__________
(1) من الوافي بالوفيات 2/ 241، والخبر في الوفيات 4/ 327.
(2) زيادة من ج د.
(3) لم يرد هذا البيت في ديوانه (ت. عمران سالم) و (ت. محمد بدر العلوي) وهو في الوفيات 4/ 327والوافي بالوفيات 2/ 241وحياة الحيوان 1/ 537والخزانة 3/ 121 (ت. هارون).
(4) الخبر في الوفيات 4/ 328.
(5) سبق التعريف به في الصفحة 298الحاشية 5.
والبيتان في شعره 342وطبقات النحويين 184وتاريخ بغداد 2/ 197ومعجم الأدباء 18/ 136والمحمدون 204 والوفيات 4/ 328والوافي بالوفيات 2/ 343.
(6) (342هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 345335ومعجم الأدباء 14/ 191162والوفيات 3/ 369366ومعاهد التنصيص 2/ 1611وإدراك الأماني 22/ 4240والأعلام 4/ 325324.
(7) أنظر الترجمة التالية مباشرة برقم 49.
(8) الخبر في اليتيمة 2/ 336335ومعاهد التنصيص 2/ 12.(2/14)
عنّا وعنه من جملة القضاة الذين ينادمون الوزير أبا محمد الحسن بن محمد المهلّبي (1)، ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطّراح الحشمة والتّبسّط (2) والخلاعة، وهم ابن قريعة (3)، وابن معروف (4)، ورجل آخر ذهب عنّي اسمه (5)، وما منهم إلّا أبيض اللّحية طويلها. وكذلك (6) (كان) الوزير المهلبيّ (1)، فإذا طابوا وأخذ الشّراب منهم، وهبوا الوقار للعقار، وأخذ كلّ منهم طاس ذهب من ألف مثقال مملوءا شرابا قطربّليّا أو عكبريّا (7) فيغمس لحيته فيه وينقعها ثمّ يرش بها بعضهم بعضا، ويرقصون جميعا وعليهم المصبّغات (8) ومخانق المنثور (8).
__________
(1) من ولد المهلب بن أبي صفرة من كبار الوزراء الأدباء الشعراء، اتصل بمعز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه فكان كاتبا في ديوانه ثم استوزره (352هـ) اليتيمة 2/ 240223والوفيات 2/ 127124والفوات 1/ 357353والأعلام 2/ 213.
(2) ب ج: والتبسط أد ش: والتبسيط وهو غلط.
(3) هو أبو بكر محمد بن عبد الرحمن يعرف بابن قريعة البغدادي، كان قاضي السّندية وغيرها من أعمال بغداد، اشتهر بسرعة البديهة في الجواب، كان مختصا بالوزير المهلبي ونديما له (367هـ) الوفيات 4/ 384382والأعلام 6/ 190.
(4) هو عبيد الله بن أحمد بن معروف، قاضي القضاة ببغداد في زمنه، وهو أديب وشاعر مقلّ، اشتهر بالظرف، وقد جمع بين جدّ العلم وهزل الظرف (381هـ) اليتيمة 3/ 109107 (وهو فيها عبد الله) وتاريخ بغداد 10/ 368365 والأعلام 4/ 191.
(5) هو القاضي الإيذجيّ كما في معجم الأدباء 14/ 167166ومعاهد التنصيص 2/ 12.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.
(7) ج: قطربيا وعكبريا
قطربّليّا: نسبة إلى قطربّل، اسم قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر، وهي بليدة من نواحي دجيل بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. معجم البلدان 4/ 371، 142بالتتابع.
(8) المصبّغات أي الثياب المصبّغة. مخانق ج مخنقة وهي القلادة (اللسان: خنق، صبح) وملحق المعاجم العربية (صبغ).
والمنثور: نوع من الرياحين وهو معروف بالخيري نبات له زهر أبيض وأصفر. الجامع لمفردات الأدوية 2/ 82، 4/ 167وتاج العروس (نثر).(2/15)
وإياهم (1) عنى السريّ الرّفاء (2) بقوله: (تام المنسرح)
مجالس ترقص القضاة بها ... إذا انتشوا في مخانق البرم
وصاحب يخلط المجون لنا ... بشيمة حلوة من الشّيم
تخضب بالرّاح شيبه عبثا ... أنامل مثل حمرة العنم
حتى تخال العيون شيبته ... لحية تيس قد خضّبت بدم
وكان هذا القاضي شاعرا بليغا متصرّفا في مقاصد الشعر وفنونه مجيدا فيها أجمع.
فمن محاسنه، ولطائف (3) أحاسنه (4) قوله: (الطويل)
وليلة مشتاق كأنّ نجومها ... قد اغتصبت عيني الكرى فهي نوّم (5)
كأنّ عيون الساهرين لطولها ... إذا شخصت للأنجم الزّهر أنجم (6)
كأن سواد الليل والفجر ضاحك ... يلوح ويخفى أسود يتبسّم
__________
(1) من اليتيمة 2/ 336إلى آخر الأبيات.
(2) سترد ترجمته في الكتاب برقم 59.
والأبيات من مقطوعة مطلعها:
كيف خلاصي من العراق وقد ... آثرت فيها معادن الكرم
وهي في ديوانه 2/ 677والأبيات في اليتيمة 2/ 336ومعجم الأدباء 14/ 168167ومعاهد التنصيص 2/ 12.
البرم جمع برمة وهي ثمرة العضاه وبرمة السّلم أطيب البرم ريحا وهي صفراء طيبة. وقد تكون البرمة للأراك. والبرم ثمر الطّلح وزهره. العنم: ضرب من الشجر له نور أحمر تشبّه به الأصابع المخضوبة. (اللسان: برم، عنم).
(3) د: ولطيف.
(4) ج: إحسانه.
والأبيات في السّهاد والسهر في ديوانه 70واليتيمة 2/ 337ومعجم الأدباء 14/ 168.
(5) حاشية ج: «خ اعتصبت» وهو غلط.
(6) حاشية ج: «خ الساهرين».(2/16)
وقوله (1): (الطويل)
بنفسي من لم يبد قطّ لعاذل ... فيرجع إلّا وهو لي فيه عاذر
ولا لحظت عيناه ناه عن الهوى ... فأصبح إلّا وهو بالحبّ آمر (2)
يؤثّر فيه ناظر الفكر بالمنى ... وتجرحه باللّمس منا الضّمائر
وقوله من قصيدة (3): (تام المتقارب)
كأنّ المدير لها باليمين ... إذا قام للسقي أو باليسار
تدرّع ثوبا من الياسمين ... له فرد كمّ من الجلّنار
وقوله (4): (الطويل)
رضاك شباب لا يليه مشيب ... وسخطك داء ليس منه طبيب
كأنّك من كلّ النّفوس مركّب ... فأنت إلى كلّ النفوس حبيب
__________
(1) د: ويخرجه باللمس، (ويخرجه) غلط.
والأبيات من مقطعة في أربعة أبيات في الغزل مطلعها:
أما في جنايات النواظر ناظر ... ولا منصف إن جار منهن جائر؟
وهي في ديوانه 59ومعجم الأدباء 14/ 185.
(2) حقه أن يقول (ناهيا) لأنه مفعول به لفعل (لحظت) ولكن الوزن اضطره إلى أن يقول. ناه) وهو غلط.
(3) ج د: لها فرد. (لها) غلط.
والبيتان من مقطعة في ثمانية أبيات في الخمر أولها:
وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار
وهي في ديوانه 5655ومعجم الأدباء 14/ 191190وما عدا البيت الرابع في اليتيمة 2/ 339338والبيتان في الإعجاز 250وأحسن ما سمعت 55والوفيات 3/ 367.
الجلّنار كلمة فارسية معرّبة معناها ورد الرّمّان وهو أصناف كثيرة فمنه أبيض ومورّد وأحمر. أنظر الجامع لمفردات الأدوية 1/ 164.
(4) البيتان في ديوانه 47واليتيمية 2/ 344وخاص الخاص 139والإعجاز 249ولطائف اللطف 145ومعجم الأدباء 14/ 171والوفيات 3/ 367ومعاهد التنصيص 2/ 16.(2/17)
وقوله (1): (الطويل)
أسير وقلبي في ذراك أسير ... وحادي ركابي لوعة وزفير
ولي أدمع غزر تفيض كأنّها ... ندى فاض في العافين منك غزير
وتوفي هذا القاضي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة (2)، غفر الله لنا وله.
49 - أبو علي المحسن بن علي التنوخي (3)
هو ابن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن داود المتقدّم الذّكر. من أفراد ملحه قوله (4): (الطويل)
خرجنا لنستسقي بيمن دعائه ... وقد كاد هدب الغيم أن يبلغ الأرضا
فلمّا ابتدا يدعو تقشّعت السّما ... فما تمّ إلّا والغمام قد انفضّا
__________
(1) د: يفيض، وهو غلط.
والبيتان أول مقطعة في سبعة أبيات في التشوق إلى بعض أصدقائه وهي في ديوانه 59ومعجم الأدباء 14/ 172171والبيتان في خاص الخاص 139، ونسبا غلطا في الإعجاز 270لأبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي المترجم له برقم 88.
العافين جمع عاف وهو كلّ طالب فضل أو رزق (القاموس: العفو).
(2) جاء في حاشية أبخط المؤلف: (ط لعل صوابه سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة، وبه يوافق ما سيأتي في ترجمة المعري من أنه من أقرانه وأنه توفي سنة تسع وأربعين وأربع مئة. وجاء في إدراك الأماني 22/ 4241بعد أن نقل المؤلف هذه الترجمة من الكوكب الثاقب: «كذا وقع لصلاح الصفدي في وافيه، ولعل الصواب سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة وبه يوافق ما ذكر في ترجمة المعري من أنه من أقرانه، وأنه توفي سنة تسع وأربعين وأربع مائة».
(3) (384هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 346345ومعجم الأدباء 17/ 11692والوفيات 4/ 162159وإدراك الأماني 22/ 4241 (في آخر ترجمة أبيه القاضي التنوخي) وانظر كتابيه: الفرج بعد الشدة، والمستجاد من فعلات الأجواد.
(4) البيتان قالهما في بعض المشايخ وقد خرج يستسقي، وكان في السماء سحاب، فلما دعا أصحت السماء! وقد نسبا خطأ لوالد الشاعر القاضي التنوخي، أبي الحسن علي بن محمد وأوردهما محقق ديوانه فيه 63وهما لأبي علي المحسّن في اليتيمة 2/ 345وخاص الخاص 139ولطائف اللطف 145والإعجاز 270والوفيات 4/ 160ومعجم الأدباء 17/ 94وتمام المتون 361.(2/18)
50 - سيف الدولة ابن حمدان (1)
هو أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان بن حمدون الحمداني. قال صاحب اليتيمة في وصفه (2): كان بنو حمدان وجوههم للصباحة (3) [وألسنتهم للفصاحة]، وأيديهم للسّماحة (4)، وعقولهم للرّجاحة. وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم. وكان شاعرا مجيدا. وفي عصره فريدا. وهو القائل لأخيه ناصر الدولة (5): (الطويل)
رضيت لك العليا وقد كنت أهلها ... وقلت لهم بيني وبين أخي فرق (6)
ولم يك بي عنها نكول وإنّما ... تجافيت عن حقّي فكان لك الحقّ (7)
ولا بدّ لي من أن أكون مصلّيا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق (8)
__________
(1) (356هـ) ترجمته في اليتيمة 1/ 3415والوفيات 3/ 406401وإدراك الأماني 22/ 52.
(2) ج: وصفهم.
والخبر من اليتيمة 1/ 15إلى قوله: «وواسطة قلادتهم».
(3) زيادة في ج.
(4) حاشية ج: «خ وأكفهم للسماحة الخ».
(5) هو أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ملك الموصل، وهو من ملوك الدولة الحمدانية، وهو أخو سيف الدولة، أكبر منه قليلا، كان شجاعا مظفّرا عارفا بالسياسة عاقلا (358هـ) الوفيات 2/ 117114والأعلام 2/ 195.
والأبيات في اليتيمة 1/ 33والمنتحل 179والوفيات 2/ 116.
(6) حاشية ج: «خ وهبت لك».
(7) حاشية ج: «خ تجاوزت عن حقي فتمّ لك الخ».
(8) حاشية ج: «صح خ أما كنت ترضى أن أكون مصليا الخ».
المصلّي من الخيل: الذي يجيء بعد السابق. (اللسان: صلا).(2/19)
ومن (1) غرر ما ألقاه بحر شعره، من نفيس دره، قوله في قوس قزح، وهو أحسن ما قيل فيه (2): (الطويل)
وساق صبيح للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقضّ علينا ومنفضّ
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجوّ دكنا وهي خضر على الأرض (3)
يطرّزها قوس السّحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيضّ
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبّغة، والبعض أقصر من بعض
(4) (وإحساناته كثيرة، وإبداعاته شهيرة، رحمه الله وأرضاه).
51 - أبو فراس الحمداني (5)
هو الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون، فهو ابن عمّ سيف الدولة وناصر الدولة، ووصفه صاحب اليتيمة، فقال في حقّه (6): كان أبو فراس
__________
(1) من خاص الخاص 142.
(2) الأبيات في اليتيمة 1/ 31وخاص الخاص 142وثمار القلوب 19والوفيات 3/ 402منسوبة لسيف الدولة. ونسبت لابن الرومي في معاهد التنصيص 1/ 109، وذكر صاحب معاهد التنصيص أن بعضهم ينسبها لسيف الدولة بن حمدان، منهم صاحب اليتيمة. ونسبت الأبيات الثلاثة الأخيرة في العمدة 2/ 237لابن الرومي، وعن هذين المصدرين الأخيرين أضيفت الأبيات كلها إلى ديوان ابن الرومي 4/ 1419.
(3) حاشية ح: «خ دكنا والحواشي على الأرض».
(4) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(5) (357هـ) ترجمته في اليتيمة 1/ 8835والإعجاز 211209وخاص الخاص 144142والتاريخ الكبير 3/ 442439والوفيات 2/ 6458وحياة الحيوان 2/ 417وإدراك الأماني 22/ 5553وتاريخ حلب 4/ 4944.
(6) اليتيمة 1/ 35والقول في الوفيات 2/ 5958.(2/20)
فريد دهره، وقريع عصره، أدبا وفضلا، وكرما وبذلا (1)، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة. وشعره سائر بين العذوبة والجزالة، والفخامة والجلالة عليه رواء الطّبع وسمة الظفر وعزّة الملك ولم تجتمع هذه الخصال إلّا في شعر عبد الله ابن المعتز.
لكن أبو فراس أشعر منه عند أهل الصّنعة ونقدة الكلام. وكان أبو الطيب المتنبيّ يشهد له بالتقدّم ويتحامى جانبه، فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته، وهو القائل (2): (تام الوافر)
ولمّا أن طغت سفهاء كعب ... فتحنا بيننا للحرب بابا
ولمّا ثار سيف الدّين ثرنا ... كما هيّجت آسادا غضابا
أسنّته إذا لاقى طعانا ... صوارمه إذا لاقى ضرابا
دعانا، والأسنّة مشرعات ... فكنّا عند دعوته الجوابا (3)
صنائع فاق صانعها ففاقت ... وغرس طاب غارسه فطابا
ومن وسائط قلائده، وفرائد قصائده، قوله (4): (تام البسيط)
سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنّوم عن عيني تمايله
وما السّلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشّمول ازدهتني بل شمائله
ألوى بصبري أصداغ لوين له ... وغلّ صدري بما تحوي غلائله (5)
__________
(1) حاشية ج: خ ونبلا».
(2) من قصيدة طويلة في الفخر مطلعها:
أبت عبراته إلّا انسكابا ... ونار ضلوعه إلّا التهابا
وهي في ديوانه 2/ 1612والأبيات في اليتيمة 1/ 41في جملة أبيات أخرى.
(3) حاشية ج: صح مشرعات. أب ج د ش: مشرفات.
(4) أول مقطعة في أربعة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 2/ 302والأبيات في اليتيمة 1/ 55والوفيات 2/ 60.
(5) حاشية ج: «خ بلبّي وغل قلبي».(2/21)
وقوله (1): (الطويل)
أساء فزادته الإساءة حظوة ... حبيب على ما كان منه حبيب
يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه ... ومن أين للوجه المليح ذنوب؟!
وقوله (2): (تام الكامل)
وكنى الرّسول عن الجواب تظرّفا ... ولئن كنى فلقد علمنا ما عنى
قل يا رسول ولا تحاش فإنّه ... لا بدّ منه أسا بنا أم أحسنا
وقوله (3): (تام الخفيف)
لم أؤخذك بالجفاء، لأنّي ... واثق منك بالوفاء الصحيح
فجميل العدوّ غير جميل ... وقبيح الصديق غير قبيح
وقوله في حالة الأسر (4): (تام السريع)
ارث لصبّ بك قد زدته ... على بلايا أسره أسرا
فهو أسير الجسم في بلدة ... وهو أسير الروّح في أخرى
وقوله (5): (تام الوافر)
عدتني عن زيارته عواد ... أقلّ مخوفها سمر الرّماح
ولو أنّي أطعت رسيس شوقي ... ركبت إليك أعناق الرّياح
__________
(1) أول مقطعة في أربعة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 2/ 39والبيتان في اليتيمة 1/ 55وخاص الخاص 143 والإعجاز 210والوفيات 2/ 60.
(2) أول مقطعة في أربعة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 3/ 403ومنها ثلاثة أبيات في اليتيمة 1/ 56. والبيتان في خاص الخاص 143والإعجاز 210.
(3) البيتان كتب بهما إلى صديق، وهما في ديوانه 2/ 66واليتيمة 1/ 49وخاص الخاص 143والإعجاز 210209 والتاريخ الكبير 3/ 440.
(4) أول مقطعة في ثلاثة أبيات كتبها وهو في الأسر إلى غلامه «منصور» وهي في ديوانه 2/ 208207واليتيمة 1/ 66 والبيتان في خاص الخاص 143والإعجاز 210.
(5) أول مقطة في أربعة أبيات في التشوق وهي في ديوانه 2/ 67والبيتان في اليتيمة 1/ 56وخاص الخاص 143 والإعجاز 210والمنتحل 226.
رسيس الشيء: ابتداؤه (القاموس: الرس).(2/22)
وقوله لسيف الدول (1): (مجزوء الكامل)
بالكره منّي واختيارك ... ألّا أكون حليف دارك
يا تاركي إنّي لشك ... رك ما حييت لغير تارك!
وقوله (2): (الطويل)
مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر ... وأعوز ما حاولته الحبّ والصّبر
أو اعدتي بالوصل والموت دونه ... إذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر (3)
بدوت وأهلي حاضرون لأنّني ... أرى أنّ دارا لست من أهلها قفر
وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرض فلا وفر الوفر (4)
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره ... فلم يمت الإنسان ما حيي الذّكر
وقال أصيحابي: الفرار أو الرّدى؟ ... فقلت: هما أمران أحلاهما مرّ
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم ... وفي الليلة الظّلماء يفتقد البدر
ولو سدّ غيري ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التّبر لو نفق الصّفر
ونحن أناس لا توسّط عندنا ... لنا الصّدر، دون العالمين، أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر (5)
__________
(1) أول مقطعة في ثلاثة أبيات في العتاب على تركه في الأسر، وهي في ديوانه 2/ 272واليتيمة 1/ 70والبيتان في خاص الخاص 143والإعجاز 211.
(2) من قصيدة طويلة مشهورة في الفخر مطلعها:
أراك عصيّ الدّمع شيمتك الصّبر ... أمّ للهوى نهي عليك ولا أمر؟
وهي في ديوانه 2/ 214209ما عدا أول الأبيات فليس في ديوانه (ت سامي الدهان) ولا في ديوانه (ت. ابراهيم السامرائي). ومنها ثلاثة عشر بيتا في اليتيمية 1/ 49، 78وسبعة في التاريخ الكبير 3/ 440.
(3) حاشية ج: «خ معللتي بالوصل».
(4) حاشية ج: خ لم أفر عرضا».
وفر عرضه ووفر يفر: كرم ولم يبتذل (اللسان: وفر).
(5) ج: يغله.(2/23)
وهي طويلة: وكلّها على هذا النمط (1) (البديع).
وقوله (2): (تام الكامل)
قد كنت عدّتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتدّ الزّمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أمّلته ... والمرء يشرق بالزّلال البارد
وقوله (3): (مجزوء الكامل)
لا تطلبنّ دنوّ دا ... ر من خليل أو معاشر
أبقى لأسباب الموّدّ ... ة أن تزور ولا تجاور
(4) من نكت حكمه قوله (5): (تام الكامل)
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجّل يلقى الرّدى في أهله ... ومعجّل يلقى الرّدى في نفسه
وقوله (6): (الطويل)
إذا كان غير الله للمرء عدّة ... أتته الرّزايا من وجوه الفوائد
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) من مقطعة في سبعة أبيات كتب بها إلى سيف الدولة يعاتبه وأولها:
إنّي منعت من المسير إليكم ... ولو استطعت لكنت أول وارد
وهي في ديوانه 2/ 7372والبيتان في اليتيمة 1/ 37والوفيات 2/ 6059والغيث المسجم 1/ 235 (ط. العلمية) وحياة الحيوان 2/ 13.
(3) البيتان في ديوانه 2/ 218.
(4) من خاص الخاص 144والإعجاز: 121
(5) البيتان في ديوانه 2/ 234233واليتيمة 1/ 59وخاص الخاص 144والإعجاز 211والوفيات 2/ 63.
(6) من قصيدة يصف فيها أسره ويعرّض ببعض أهله مطلعها:
لمن جاهد الحساد أجر المجاهد ... وأعجز ما حاولت إرضاء حاسد
وهي في ديوانه 2/ 81/ 85ومنها سبعة أبيات في اليتيمة 1/ 8382والبيت في أحسن ما سمعت 24.(2/24)
وقوله يرثي (1): (تام السريع)
لا بدّ من فقد ومن فاقد ... هيهات ما في النّاس من خالد
كن المعزّى لا المعزّى به ... إن كان لا بدّ من الواحد
ومحاسنه رحمه الله وافرة، وبحار آدابه ببدائع (2) المعاني زاخرة.
وفيما ذكرنا من ذلك ما ينبّه على ما لم نذكره. وبالله تعالى التوفيق.
52 - أبو المطاع الحمداني (3)
هو ابن ناصر الدولة (4) أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان، فهو ابن أخي سيف الدولة. من ألطف شعره وأرقّه قوله (5):
(تام البسيط)
أفدي الذي زرته بالسّيف مشتملا ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه
وما خلعت نجاد السّيف من عنقي ... حتّى لبست نجادا من ذوائبه
فكان أسعدنا نيلا لبغيته ... من كان في الحبّ أشقانا بصاحبه
__________
(1) من مقطعة في ثلاثة أبيات يعزي بها سيف الدولة أولها:
قولا لهذا السّيّد الماجد ... قول حزين مثله فاقد
وهي في ديوانه 2/ 71والبيتان في اليتيمة 1/ 38والوفيات 2/ 63. وقد ورد أول البيتين في الديوان هكذا:
هيهات! ما في الناس من خالد ... لا بدّ من فقد ومن فاقد
(2) ج: ببديع.
(3) (428هـ) اسمه ذو القرنين ولقبه وجيه الدولة، ترجمته في اليتيمة 1/ 9291وتتمة اليتيمة 139وخاص الخاص 145144والإعجاز 212211ودمية القصر 1/ 188187وتاريخ مدينة دمشق 2/ 1/ 175173ومعجم الأدباء 11/ 121119والوفيات 2/ 281279وحياة الحيوان 2/ 1413والنجوم الزاهرة 5/ 27 (وهو فيها الحسن بن عبد الله) والشذرات 3/ 238 (وفيها ذو القرنين أبو المطاع ابن الحسن بن عبد الله)، وإدراك الأماني 22/ 55والأعلام 3/ 8
(4) سبق التعريف به في الصفحة 322الحاشية 5.
(5) د: جعلت نجاد السيف. (جعلت) غلط.
والأبيات في ديوانه 122واليتيمة 1/ 92وتتمة اليتيمة 9وخاص الخاص 144والإعجاز 212211ومعجم الأدباء 11/ 121والوفيات 2/ 279.(2/25)
وقوله (1): (تام الخفيف)
غير مستنكر وغير بديع ... أن يذيع الذي تجنّ ضلوعي
لي دموع كأنّها من حديثي ... وحديث كأنّه من دموعي
وقوله (2): (تام البسيط)
بتنا أعفّ مبيت باته بشر ... ولا مراقب إلّا الظّرف والكرم
فلا مشى من وشى عند العدوّ بنا ... ولا سعى بالذي يسعى بنا قدم
وله محاسن كثيرة على هذا النمط الذي ذكرناه، رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه.
53 - أبو العشائر الحمداني (3)
قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله (4): لم أسمع أملح وأظرف من قوله في الغزل (5): (تام الكامل)
للعبد مسألة عليك جوابها ... إن كنت تذكره، فهذا وقته
ما بال ريقك ليس ملحا طعمه ... ويزيدني عطشا إذا ذقته
__________
(1) ج: قوله.
والبيتان في ديوانه 137وتتمة اليتيمة 11وخاص الخاص 144.
(2) مقطعة في ثلاث أبيات أولها.
لمّا التقبنا معا والليل يسترنا ... من جنحه ظلم في طيّها نعم
وهي في ديوانه 134وتتمة اليتيمة 9والإعجاز 212والوفيات 2/ 280ودمية القصر 1/ 187والبيتان في خاص الخاص 145144.
(3) لم أهتد إلى اسمه الشخصي في المظان.
ترجمته في اليتيمة 1/ 9089والإعجاز 211وخاص الخاص 144وإدراك الأماني 22/ 56.
(4) خاص الخاص 144والقول في الإعجاز 211واليتيمة 1/ 90.
(5) البيتان في اليتيمة 1/ 90وخاص الخاص 144والإعجاز 211ولطائف اللطفل 147وأحسن ما سمعت 109.(2/26)
وفي اليتيمة (1): عوتب أبو الطيب المتنبي في آخر عمره على تراجع شعره، فقال:
تجوّزت في قولي، وأعفيت طبعي، واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان، وفيهم من يقول، يعني أبا زهير ابن حمدان (2): (تام الوافر)
وقد علمت بما لاقته منّا ... قبائل يعرب وبنو نزار
لقيناهم بأرماح طوال ... تبشّرهم بأعمار قصار (3)
وفيهم من يقول، يعني أبا العشائر بن حمدان (4): (تام الكامل)
أأخا الفوارس لو رأيت مواقفي ... والخيل من تحت الفوارس تنحط
لقرأت منها ما تخطّ يد الوغى ... والبيض تشكل والأسنّة تنقط
وتراجم آل حمدان أوسع من هذا، وفيما ذكرناه منها كفاية، وباللع تعالى التوفيق، إلى سواء الطريق، ومنه (5) [الإعانة و] الهداية، في البداية والنهاية.
54 - المتنبي (6)
هو أبو الطيّب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفيّ الكوفي، ولد سنة ثلاث وثلاثمائة، وقتل سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. قال صاحب اليتيمة
__________
(1) اليتيمة 1/ 89.
(2) الذي جاء في اليتيمة 1/ 89: «يعني أبا زهير مهلهل بن نصر بن حمدان» والبيتان في اليتيمة 1/ 89وإدراك الأماني 22/ 56والبيت الثاني في عنوان المرقصات 41.
(3) ج: يبشرهم، وهو غلط.
(4) البيتان في اليتيمة 1/ 89وإدراك الأماني 22/ 56والثاني في عنوان المرقصان 41.
نحط ينحط نحطا ونحيطا: صوّت مع توجّع، والنّحط صوت الخيل من الثّقل والإعياء. (اللسان: نحط).
(5) زيادة في ج. د: العناية والهداية.
(6) (354هـ) الوساطة، والكشف عن مساوئ شعر المتنبي، والرسالة الحاتمية، واليتيمة 1/ 224110وخاص الخاص 149145والإعجاز 217212والإبانة عن سرقات المتنبي، والمنتظم 7/ 3024والوفيات 1/ 125120والوافي بالوفيات 6/ 346336.(2/27)
في وصفه (1): هو نادرة الفلك وواسطة عقد الدّهر، في صناعة الشعر، وهو شاعر سيف الدولة، والمنسوب إليه، والمشهور به، لأنه (2) [هو] الذي جذب بضبعه (3)، ورفع من قدره، وألقى عليه شعاع سعادته، حتى سار شعره مسير الشمس والقمر، وسار كلامه في البوادي والحضر، وكادت اللّيالي تنشده والأيام تحفظه، كما قال في نفسه (4): (الطويل)
وما الدّهر إلّا من رواة قصائدي ... إذا قلت شعرا أصبح الدّهر منشدا
واختلف (5) في سبب تلقيبه بالمتنبي، فقيل: لقّب بذلك لقوله (6): (تام الخفيف)
أنا في أمّة تداركها اللّ ... هـ غريب كصالح في ثمود
وقيل (7) لأنّه تنبّأ في بني الفصيص بشعره، وفي (8) ذلك يقول بعض الشعراء (9) لأحد (10) الأمراء، وقد رآه ينظر في شعره (11): (الطويل)
وقالوا أجاد ابن الحسين وإنّما ... تجيد العطايا واللهى تفتح اللها
__________
(1) اليتيمة 1/ 110بتصرف.
(2) زيادة في د.
(3) الضّبع، بسكون الباء، وسط العضد وقيل العضد كلّها يقول: أخذ بضبعيه أي بعضديه. وجذب بضبعيه، وأخذت بضبعيه: إذا نعشته ونوّهت باسمه. (أساس البلاغة، واللسان: ضبع)
(4) من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
لكل امرئ من دهره ما تعوّدا ... وعادات سيف الدولة الطعن في العدى
وهي في ديوانه 1/ 292281، والبيت في اليتيمة 1/ 110.
(5) اليتيمة 1/ 113والوفيات 1/ 401.
(6) من قصيدة في الشكوى من سوء حاله قالها في صباه مطلعها:
كم قتيل، كما قتلت، شهيد ... ببياض الطّلى وورد الخدود
وهي في ديوانه 1/ 324313والبيت في اليتيمة 1/ 113والوفيات 1/ 401.
(7) الخبر في العمدة 1/ 75.
(8) الخبر في الوفيات 1/ 124ونفح الطيب 3/ 194.
(9) هو أبو محمد عبد الجليل بن وهبون الشاعر الأندلسي المشهور كما جاء في الوفيات 1/ 124ونفح الطيب 3/ 194.
(10) ج د: لبعض الأمراء.
والأمير المشار إليه هو المعتمد بن عباد كما جاء في الوفيات 1/ 124ونفح الطيب 3/ 194.
(11) البيتان في الوفيات 1/ 124ونفح الطيب 3/ 194.
ابن الحسين هو المتنبي. اللهى جمع لهوة وهي العطيّة أو أفضلها وأجزلها. اللها يقصد اللهاة وهي اللّحمة المشرفة على الحلق. (القاموس: لها).(2/28)
تنبّأ عجبا بالقريض ولو درى ... بأنّك تروي شعره لتألّها
وقال سبط ابن الجوزي (1) فيما نقله عنه الصلاح الصفدي في وافيه (2): كان المتنبي قد تلا على أهل البراري كلاما زعم أنّه قرآن نزل عليه وهو «والنّجم السّيّار، والفلك الدّوّار، إنّ الإنسان لفي أخطار، امض على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإنّ الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضلّ عن سبيله». وقال غيره (3): كان قد خرج إلى كلب فادّعى فيهم أنّه علوي ثم ادّعى النبوءة إلى أن شهد عليه بالدعوتين وحبس دهرا وأشرف على القتل ثم استتابوه وأطلقوه، ثم إنّه (4) تنبّأ في بادية السّماوة (5) فخرج (6) (إليه) لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدي فأسره بعدان (7) ومن معه، وحبسه دهرا فاعتلّ وكاد يتلف ثم استتيب بمكتوب. وقيل: إنه قال: أنا أوّل من تنبّأ بالشعر. وقيل غير ذلك من الأقوال، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر (8).
__________
(1) هو يوسف بن قزغلي واعظ ومورخ مشهور، ولد ونشأ ببغداد، صنّف كتابا كبيرا في التاريخ في أربعين مجلدا، سماه (مرآة الزمان) (654هـ) الوفيات 3/ 142والأعلام 8/ 246.
(2) الوافي بالوفيات 6/ 346345.
(3) من الوفيات 6/ 346إلى قوله: «تنبأ بالشعر»
وكلب: حي من قضاعة (اللسان: كلب).
(4) الخبر أيضا في الوفيات 1/ 122.
(5) بادية السّماوة: موضع بين الكوفة والشام. معجم البلدان 3/ 245وجاء في تهذيب الأسماء ق 2/ ج 1/ 160:
«السّماوة هي أرض لبني كلب تأخذ من ظهر الكوفة إلى جهة مصر، سميت بذلك لعلوّها وارتفاعها».
(6) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(7) عدان: ماء لسعد بن زيد مناة بن تميم، وقيل هو ساحل البحر كله كالطّفّ. معجم البلدان 4/ 88وجاء في اللسان (عدن): والعدان أرض بعينها.
وقد وهم محقّق الوافي بالوفيات فكتب: «فأسره بعد أن [شرد] من معه». فجعل من كلمة (عدان) كلمتين ثم أضاف كلمة (شرد) ليستقيم له المعنى.
(8) حاشية أد: «خ الحال».(2/29)
وقال الصاحب أبو القاسم ابن عباد (1) وجماعة: بدئ الشّعر بكندة وختم بكندة، يعنون (2) امرأ القيس وأبا الطيب. وقال آخرون: بدئ الشّعر بملك وختم بملك، يعنون أمرأ القيس وأبا فراس الحمداني. وقال صاحب العمدة (3): كان ابن المعتز وابن الرومي وأبو تمام والبحتري طبقة متداركة غطّوا على من سواهم. ثم جاء أبو الطيب (4) (المتنبي) فشغل النّاس بشعره.
فمن وسائط قلائده، وأبيات قصائده، قوله لسيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان (5): (تام الخفيف)
كلّ يوم لك ارتحال جديد ... ومسير للمجد فيه مقام
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
وقوله له (6): (تام الوافر)
رأيتك في الذين أرى ملوكا ... كأنّك مستقيم في محال
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال
__________
(1) سترد ترجمته برقم 60.
(2) ج د: يريدون.
(3) العمدة 1/ 101بتصرف.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(5) من قصيدة في مدح سيف الدولة، وقد عزم على الرحيل مطلعها:
أين أزمعت أيّهذا الهمام ... نحن نبت الرّبا وأنت الغمام
وهي في ديوانه 3/ 348343والبيتان في خاص الخاص 145والإعجاز 213والمنتظم 7/ 29.
(6) ومن قصيدة في رثاء والدة سيف الدولة ومدحه مطلعها:
نعدّ المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
وهي في ديوانه 3/ 208والبيتان في خاص الخاص 146والإعجاز 213والغيث المسجم 2/ 358 (ط. العلمية) والبيت الثاني في أحسن ما سمعت 149ونثر النظم 95.
المحال: ما عدل به عن وجهه. وحوّله: جعله محالا. المحال: الكلام لغير شيء، والمعنى: أنت تفضلهم كفضل المستقيم على المعوجّ. (اللسان: حول) وديوان المتنبي 3/ 20.(2/30)
وقوله في مرض عنّ له (1): (تام الوافر)
يجشّمك الزّمان هوى وحبّا ... وقد يوذى من المقة الحبيب
وكيف تعلّك الدنيا بشيء ... وأنت بعلة الدنيا طبيب
وجسمك فوق همّة كلّ داء ... فقرب أقلّه منها عجيب
وقوله له (2): (الطويل)
نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنّئت الدّنيا بأنّك خالد
وقوله في غيره (3): (تام البسيط)
لا يدرك المجد إلّا سيّد فطن ... لما يشقّ على السادات فعّال
لطّفت رأيك في وصلي وتكرمتي ... إنّ الكريم على العلياء يحتال
منها:
كأنّك نفسك لا ترضاك صاحبها ... إلّا وأنت على المفضال مفضال
ولا تعدّك صوّانا لمهجتها ... إلا وأنت لها في الرّوع بذّال
لولا المشقّة ساد النّاس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال
__________
(1) من قصيدة قالها لسيف الدولة لما تشكّى من دمّل، مطلعها:
أيدري ما أرابك من يريب ... وهل ترقى إلى الفلك الخطوب؟
وهي في ديوانه 1/ 7572والأبيات في خاص الخاص 146والإعجاز 214213والبيتان الأولان في اليتيمة 1/ 220والأول والثالث في المنتحل 272.
المقة: الحبّ. (القاموس: ومقه).
(2) د: ما لم. وهو غلط.
والبيت من قصيدة في المدح مطلعها:
عواذل ذات الخال فيّ حواسد ... وإنّ ضجيع الخود منّي لماجد
وهي في ديوانه 1/ 280268والبيت في اليتيمة 1/ 184وخاص الخاص 146والإعجاز 214.
(3) من قصيدة مدح بها أبا شجاع فاتكا مطلعها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
وهي في ديوانه 3/ 288276والأبيات الأربعة الأخيرة في اليتيمة 1/ 208207والبيت الخامس في الوساطة 287 والإعجاز 216وخاص الخاص 147ومن القصيدة بيتان في الوفيات 4/ 22.(2/31)
وإنّما يبلغ الإنسان طاقته ... ما كلّ ما شية بالرّجل شملال (1)
إنّا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر النّاس إحسان وإجمال
ذكر الفتى عمره الثاني، وحاجته ... ما قاته، وفضول العيش أشغال (2)
وهذا البيت آخر القصيدة ومطلعها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النّطق إن لم تسعد الحال (3)
(4) يقولها في أبي شجاع فاتك المعروف بالمجنون (5)، وكان روميا أخذ صغيرا هو وأخ له وأخت من بلاد الروم قرب حصن يعرف بذي الكلاع، فتعلّم الخطّ بفلسطين، وكان كبير الهمّة كريم النّفس مقيما بالفيوم من أعمال مصر، وهو بلد لا يصحّ فيه (6) جسم، وإنّما أقام (7) به أنفة من كافور الإخشيدي، وحياء من النّاس أن يركب معه، فأصابته علّة ألجأته إلى دخول مصر، ولم يمكّن المتنبي أن يعوده، وفاتك يسأل عنه كثيرا حتى التقيا في الصحراء، فحمل إلى منزل أبي الطيب هدية قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا بعدها، فقال أبو الطيب هذه القصيدة يمدحه بها، وهي طويلة.
__________
(1) الشّملال: الناقة السريعة. (القاموس: شمل).
(2) د: ذكره، وهو غلط. أب ج د ش: فاته، وهو غلط، والتصحيح من الديوات. وقال أبو البقاء العكبري: «صحّف الرواة هذا البيت فرووه: فاته (بالفاء) والصواب بالقاف، وعليه فسّر الواحدي فقال: إذا ذكر الإنسان بعد موته كان ذلك حياة ثانية له، وما يحتاج إليه في دنياه قدر القوت، وما فضل من القوت فهو شغل. أنظر ديوانه 3/ 288.
(3) المعنى: يقول مخاطبا لنفسه: ليس عندك من الخيل والمال ما تهديه إلى الممدوح تجازيه به على إحسانه إليك، فإذا لم يكن عندك هذا فليسعدك النّطق. يريد: فامدحه وجازه بالثناء إن لم يعنك الحال على مجازاته بالمال. ديوانه 3/ 277.
(4) الخبر في الوفيات 4/ 21.
(5) ترجمته في الوفيات 4/ 2321والأعلام 5/ 126.
(6) ج د: فيه. أب: به.
(7) ج: قام، وهو غلط(2/32)
ومن أجود شعر أبي الطيب قوله في كافور الإخشيدي (1): (الطويل)
قضى الله يا كافور أنّك أوّل ... وليس بقاض أن يرى لك ثاني
فما لك تختار القسيّ وإنّما ... عن السّعد يرمي دونك الثّقلان؟ (2)
ومالك تعنى بالأسنّة والقنا ... وجدّك طعّان بغير سنان؟
ولم تحمل السّيف الطويل نجاده ... وأنت غنيّ عنه بالحدثان؟
أرد لي جميلا جدت أو لم تجد به ... فإنّك ما أحببت فيّ أتاني
لو الفلك الدّوّار أبغضت سعيه ... لعوّقه شيء عن الدّوران
وهذه الأبيات (3) من أجود ما مدح به ملك (4). قال الواحديّ (5): وليس لها في معناها مثل. وله فيه من قصيدة (6): (الطويل)
تجاوز قدر المدح حتّى كأنّه ... بأحسن ما يثنى عليه يعاب
ومن مختار قصائد أبي الطيب قوله في سيف الدولة (7): (تام البسيط)
أجاب دمعي وما الدّاعي سوى طلل ... دعا فلبّاه قبل الخيل والإبل
__________
(1) من قصيدة مطلعها:
عدوّك مذموم بكلّ لسان ... ولو كان من أعدائك القمران
وهي في ديوانه 4/ 247242.
(2) د: ترمي.
(3) من شرح ديوان المتنبي للواحدي 675، والقول في ديوان المتنبي 4/ 246.
(4) د: مالك، وهو غلط.
(5) شرح ديوان المتنبي للواحدي 675.
(6) من قصيدة في مدح كافور مطلعها:
منى كنّ لي أنّ البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب
وهي في ديوانه 1/ 201188والبيت في الوساطة 264واليتيمة 1/ 142.
(7) أول قصيدة في ديوانه 3/ 8874ومنها ثمانية أبيات في المنتظم 7/ 29والبيت الأول مع ثلاثة أبيات أخرى في اليتيمة 1/ 117.(2/33)
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... وظلّ يسفح بين العذر والعذل (1)
أشكو النّوى ولهم من عبرتي عجب ... كذاك كانت وما تشكو سوى الكلل
وما صبابة مشتاق على أمل ... من اللّقاء كمشتاق بلا أمل
متى تزر قوم من تهوى زيارتها ... لا يتحفوك بغير البيض والأسل (2)
والهجر أقتل لي مما أراقبه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل
ما بال كلّ فؤاد في عشيرتها ... به الذي بي وما بي غير منتقل
مطاعة اللّحظ في الألحاظ مالكة ... لمقلتيها عظيم الملك في المقل
تشبّه الآنسات الخفرات بها ... في مشيها فينلن الحسن بالحيل (3)
قد ذقت شدّة أيامي ولذّتها ... فما حصلت على صاب ولا عسل
وقد أراني الشّباب الرّوح في بدني ... وقد أراني المشيب الرّوح في بدلي (4)
وقد طرقت فتاة الحيّ مرتديا ... بصاحب غير عزهاة ولا غزل
العزهاة (5): الذي لا يريد النساء ولا يميل إليهن وهو ضدّ الغزل، يقول أتيت حبيبتي ليلا ومعي سيف، والسيف لا يوصف بالميل إلى النساء ولا بالبغض لهن.
(تام البسيط)
فبات بين تراقينا ندافعه ... وليس يعلم بالشّكوى ولا القبل
__________
(1) ج: يفسح، وهو غلط.
الكلل: جمع كلّة وهي السّتر. (ديوانه 3/ 75).
(2) الأسل: الرّماح. (ديوانه 3/ 75). أنا الغريق فما خوفي من البلل: مثل في نصف بيت (أنظر اليتيمة 1/ 200).
(3) د: الخافرات.
الصاب: شجر مرّ يعصر منه ماء مرّ. (ديوانه 3/ 77).
(4) البدل: يقصد به الولد، لأنه بدل الإنسان، إذا كان يشبّ أوان شيخوخة الأب والمعنى، يقول: قد صحبت الشباب مسرورا، وأراني الرّوح يد القوة والجلادة والنهضة في بدني، ثم صحبت المشيب مستكرها لصحبته فأراني الرّوح في بدلي بتغيير أحوالي، وعجزي عن النهوض وصرت أستعين بغيري (ديوانه 3/ 7877).
(5) من شرح ديوان المتنبي للواحدي 489.(2/34)
ثم اغتدى وبه من ردعها أثر ... على ذوائبه والجفن والخلل (1)
لا أكسب المجد إلا من مضاربه ... أو من سنان أصمّ الكعب معتدل
جاد الأمير به لي في مواهبه ... فزانها وكساني الدّرع في الحلل
ومن عليّ بن عبد الله معرفتي ... من حبّه، من كعبد الله أو كعلي؟ (2)
معطي الكواعب والجرد السلاهب ... والبيض القواضب والعسّالة الذّبل (3)
ضاق الزّمان ووجه الأرض عن ملك ... ملء الزمان وملء السّهل والجبل
من تغلب الغالبين الناس منصبه ... ومن عديّ أعادي الجبن والبخل (4)
والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده ... بالجاهلية عين العيّ والخطل
ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول؟ (5)
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل
__________
(1) الرّدع: أثر الطيب. وذوائبه جمع ذؤابة، وذؤابة السيف: رأس قائمه، وجفن السّيف: غمده. واخلل واحدها خلّة بالكسر:
جلود منقوشة بالذهب وغيره، تغشّى بها أغماد السيّوف. (ديوانه 3/ 78).
(2) المعنى: يقول من علي، وهو سيف الدولة بن عبد الله، معرفتي بحمل الرّمح والطعن به، لأنّي لما صحبته احتذيت حذوه في الحرب ثم قال: ومن مثل سيف الدولة وأبيه يريد لا مثل لهما. (ديوانه: 3/ 79
(3) الكواعب من النساء: التي نبت ثديهنّ. والجرد من الخيل: التي يقصر شعر جلودها، وذلك من شواهد كرمها، والسّلاهب منها: الطّوال، والعسّالة من الرماح: المنعطفة عند هزّها المضطربة. والذّبل: اليابسة منها (ديوان 3/ 79).
(4) تغلب: هم قوم الممدوح. وكذلك عدي: قبيلة معروفة. ابن أبي الهيجاء، كنية سيف الدولة. أبو الهيجاء هو والده عبد الله المتقدّم. والمعنى أنه يخاطب نفسه: يقول: المدح لهذا الممدوح تنجده وتعينه بأخبار الجاهلية، وما سلف له من كريم الأولية عيّ بيّن وخطل ظاهر لأنه غنيّ عن الشرف بغيره وهذا تعريض بأبي العباس النامي لأنه مدح سيف الدولة فذكر آباءه الذين كانوا في الجاهلية فردّ عليه بقوله هذا وأكدّه بالبيت الذي بعده (ديوانه 3/ 80).
(5) فما كليب: أدخل (ما) على من يعقل لأنه أراد السؤال عن صفته مع الاحتقار بشأنه، وكليب هو ابن ربيعة رئيس بني تغلب وسيّدهم في الجاهلية وكانت العرب تضرب به المثل في العزّ، فيقولون: أعزّ من كليب بن وائل. (أنظر ديوانه 3/ 80) والكوكب الثاقب 749748.(2/35)
إن الهمام الذي فخر الأنام به ... فخر السّيوف بكفّي خيرة الدّول
تمشي الأمانيّ صرعى دون مطلبه ... فما يقول لشيء ليت ذلك لي
أنت الجواد بلا منّ ولا كدر ... ولا مطال ولا وعد ولا ملل
أنت الشّجاع إذا ما لم يطأ فرس ... غير السّنوّر والأشلاء والقلل (1)
وردّ بعض القنا بعضا منازعة ... كأنّه من نفوس القوم في جدل
لا زلت تضرب من عاداك عن عرض ... بعاجل النّصر في مستأخر الأجل (2)
كان (3) أبو بكر الخوارزميّ (4) يقول: أمير شعراء العصر أبو الطيب، وأمير شعره قصيدته التي أولها (5): (تام البسيط)
من الجآذر في زيّ الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب؟
قال: وأمير هذه القصيدة قوله:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصّبح يغري بي
وقد جمع فيه أربعة من الطّباق (6) وهي الزيارة والإنثناء، والسواد والبياض، والليل والصبح، والشفاعة والإغراء، ولا يعرف لأحد مثله على أن
__________
(1) أب ج د ش: عند السنور، (عند) غلط.
والسّنوّر: لبوس من قدّ كالدّرع. والقلل: جمع قلّة: وهي أعلى الرأس. والمعنى: يقول: أنت الشجاع عند اشتداد القتال وسقوط القتلى عن خيولهم والخيل لا تطأ حينئذ إلّا أشلاءهم ورؤوسهم. (ديوانه 3/ 88).
(2) عرض: اعتراض. ونظرت إليه عن عرض وعرض أي من جانب وناحية (ديوانه 3/ 88).
(3) من خاص الخاص 147146إلى بيت ابن المعتز. والخبر في الإعجاز 215واليتيمة 1/ 137، 177
(4) أبو بكر الخوارزني سبق التعريف به في الصفحة 287الحاشية 3.
(5) أول قصيدة في مدح كافور وهي في ديوانه 1/ 176159ومنها 14بيتا في اليتيمة 1/ 177واثنا عشر بيتا في المنتظم 7/ 3029والبيتان في خاص الخاص 147، والبيت الثاني في الوساطة 163، والإعجاز 215، ولطائف اللطف 147.
الجآذر جمع جوذر: وهو ولد البقرة الوحشية. والأعاريب جمع عرب يقول: من هذه النسوة اللاتي كأنهن أولاد بقر الوحش، وهن في زي الأعاريب وشبّههنّ بالجآذر لحسن عيونهن. متحليات بالذهب الأحمر إلخ. حمر المطايا، وهو أحسن ألوان الإبل وحمر الجلابيب أي أنّ عليهن ثياب الملوك. (ديوانه 1/ 160159واليتيمة 1/ 204).
(6) يرى البعض أنّ فيه خمسة من الطباق، والخامس هو «ولي وبي» أنظر شرح ديوان المتنبي للواحدي 634والغيث المسجم 1/ 283 (ط. العلمية).(2/36)
ابن جني (1) حكى عن ابن حنزابة (2) وزير كافور، أنه ألمّ فيه بقول عبد الله بن المعتز (3): (تام البسيط)
لا تلق إلّا بليل من تواصله ... فالشّمس نمّامة والليل قوّاد
ومن غرر أمثال أبي الطيب قوله (4): (الطويل)
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ
وقوله (5): (الطويل)
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد
وقول (6): (تام الكامل)
والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ... ذا عفّة فلعلّة لا يظلم
__________
(1) هو أبو الفتح عثمان جني الموصلي النحوي المشهور، كان إماما في علم العربية قرأ الأدب على الشيخ أبي علي الفارسي، من تصانيفه: شرح ديوان المتنبي (392هـ) معجم الأدباء 12/ 11581والوفيات 3/ 248246.
(2) أب ج د ش: ابن حيزبة وهو غلط. والتصحيح من اليتيمة 1/ 137والوفيات 1/ 346.
وابن حنزابة هو أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر، كان وزير بني الإخشيد بمصر مدة إمارة كافور، وهو من العلماء المحبّين للعلماء وقد قصده المتنبي ومدحه، له تصانيف في «أسماء الرجال» و «الأنساب». (391هـ) الوفيات 1/ 350346والفوات 1/ 294292.
(3) أول بيتين في الغزل في ديوانه 1/ 251والبيت في خاص الخاص 147، والغيث المسجم 1/ 284 (ط. العلمية) والشطر الثاني في اليتيمة 1/ 137.
(4) من مقطعة في المدح مطلعها:
أقلّ فعالي بله أكثره مجد ... وذا الجدّ فيه نلت أم لم أنل جدّ
وهي في ديوانه 1/ 383373والبيت في الوساطة 167مع بيت آخر وهو في اليتيمة 1/ 204وخاص الخاص 147 والإعجاز 215وسرح العيون 39.
(5) من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
عواذل ذات الخال فيّ حواسد ... وإنّ ضجيع الخوذ منّي لماجد
وهي في ديوانه 1/ 280268والشطر الثاني من البيت مثل وهو في اليتيمة 1/ 198.
(6) من قصيدة في هجاء إسحاق بن إبراهيم الأعور ابن كيغلغ، مطلعها:
لهوى النّفوس سريرة لا تعلم ... عرضا نظرت وخلت أنّي أسلم
وهي في ديوانه 4/ 132121والبيت مع بيتين آخرين في اليتيمة 1/ 209وهو مع آخر في خاص الخاص 148(2/37)
وقوله (1): (الطويل)
وأسرع مفعول فعلت تغيّرا ... تكلّف شيء في طباعك ضدّه
وقوله (2): (تام البسيط)
إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا ... ألّا تفارقهم، فالرّاحلون هم
وقوله (3): (تام الخفيف)
وإذا لم يكن من الموت بدّ ... فمن العجز أن تكون جبانا
كلّ ما لم يكن من الصّعب في الأن ... فس سهل فيها، إذا هو كانا
وقوله (4): (تام البسيط)
يا أيّها المتحلّي غير شيمته ... ومن سجيّته الإذعان والملق
دع التخلّق تبعد عنك همّته ... إنّ التخلّق ياتي دونه الخلق
وقوله (5): (الطويل)
أعزّ مكان في الدّنى ظهر سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
__________
(1) من قصيدة في مدح كافور مطلعها:
أودّ من الأيام مالا تودّه ... وأشكو إليها بيننا وهي جنده
وهي في ديوانه 2/ 3019. والبيت في الوساطة 334وهو في اليتيمة 1/ 210مع آخر.
(2) من قصيدة في عتاب سيف الدولة مطلعها:
وأحرّ قلباه ممّن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم
وهي في ديوانه 3/ 374362وجزء منها في اليتيمة 1/ 192.
(3) من قصيدة في الزمان وحوادثه أولها:
صحب النّاس قبلنا ذا الزّمانا ... وعناهم في شأنه ما عنانا
وهي في ديوانه 4/ 242239.
ومعنى البيت الثاني: كل شيء لم يكن صعبا في النفس، سهل إذا وقع، أي أن الأمر الشديد إنما يصعب على النفس قبل وقوعه، فإذا وقع سهل. ديوانه 4/ 241.
(4) البيتان ليسا في ديوانه (شرح العكبري) ولا في شرح ديوانه للواحدي ولا في العرف الطيب (شرح ديوانه لليازجي) ولا في شرح ديوانه للبرقوقي ولا في فائت شعره، ولم أعثر عليهما في المظان.
(5) من قصيدة في مدح كافور مطلعها:
منى كنّ لي أنّ البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب
وهي في ديوانه 1/ 201188والبيت مع آخر في الوساطة 155والشطر الثاني مثل في اليتيمة 1/ 198.
الدّنى جمع دنيا، والسابح من الخيل: الشديد الجري. (ديوانه 1/ 193).(2/38)
وقوله (1): (الطويل)
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرت الئيم تمرّدا
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى
وقوله (2): (تام المتقارب)
ومن ركب الثور بعد الجوا ... د أنكر أظلافه والغبب
وقوله (3): (تام الكامل)
لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم
وقوله (4):
وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب
ومن أحسن ما قيل في وصف الخيل قوله (5): (الطويل)
ويوم كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس أيّان تغرب
وعيني إلى أذني أغرّ كأنّه ... من الليل باق بين عينيه كوكب
__________
(1) من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
لكلّ امرئ من دهره ما تعوّدا ... وعادات سيف الدّولة الطّعن في العدا
وهي في ديوانه 1/ 292281.
(2) من قصيدة قالها لما كتب إليه سيف الدولة يستدعيه، مطلعها:
فهمت الكتاب أبرّ الكتب ... فسمعا لأمر أمير العرب
وهي في ديوان 1/ 10596والبيت في الوساطة 175وخاص الخاص 147والإعجاز 215 واليتيمة: 1/ 217205
والغبب والغبغب للبقر والديك: ما تدلّى تحت حنكيهما. (ديوانه 1/ 98).
(3) من القصيدة الذي خرجناها في الصفحة 340الحاشية 6.
والبيت في اليتيمة 1/ 208مع أبيات أخرى، وهو في خاص الخاص 148مع بيت آخر.
(4) من قصيدة في مدح كافور، مطلعها:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
وهي في ديوانه 1/ 187176والبيت في خاص الخاص 148والإعجاز 217وعجزه في الوساطة 277.
(5) من القصيدة السابقة في الحاشية 4، والأبيات الخمسة الأولى في اليتيمة 1/ 218، والبيتان الأخيران فيها أيضا 1/ 206.(2/39)
له فضلة من جسمه فإهابه ... يجىء على صدر رحيب ويذهب (1)
شققت به الظّلماء أرخي عنانه ... فيطغى، وأدنيه مرارا فيلعب (2)
وأصرع أيّ الوحش قفّيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب (3)
وما الخيل إلّا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرّب
إذا لم تشاهد غير حسن شيارتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيّب (4)
ومن شعر أبي الطيب في الهجو قوله في ابن كيغلغ (5) من قصيدة:
(تام الكامل)
يحمي ابن كيغلغ الطّريق وعرسه ... ما بين فخذيها الطريق الأعظم
وإنّما (6) قال له ذلك لأن ابن كيغلغ أخذ عليه الطريق، وسأله أن يمدحه فلم يفعل وهرب منه، وهذا البيت كقول علي بن العباس الرومي (7) في امرأة أبي يوسف المعلم (8): (تام الكامل)
وتببيت بين مقابل ومدابر ... مثل الطريق لمقبل ولمدبر
__________
(1) ج: من جلده، د: فلسانه، وهو غلط.
الإهاب: الجلد ما لم يدبغ. المعنى: أنه وصف فرسه بسعة الجلد. وإذا اتّسع الجلد اشتدّ العدو (ديوانه 1/ 179).
(2) ج: أرخي عنانه. أب د ش: أدني
(3) أد: قضّيته به. وهو غلط.
قفّيته: تلوته، ومنه {«وَقَفَّيْنََا عَلى ََ آثََارِهِمْ»}. (ديوانه 1/ 180).
(4) الشّيات: جمع شيّة وهي اللون. (ديوانه 1/ 180).
(5) هو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ، وقد كان على طرابلس، وكان أبوه على مدن ساحل الشام: السويدية واللاذقية وجبلة وصيدا وكان إسحاق على عداوة قديمة مع المتنبي، فهجاه هجاءا فاحشا. دمية القصر 1/ 168166، وديوان المتنبي 1/ 121والوفيات 5/ 63والفوات 1/ 4342والبيت من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 340 الحاشية 6.
(6) من شرح ديوانه للواحدي 342إلى آخر بيت الفرزدق بتصرف.
(7) سترد ترجمته بعد ترجمة المتنبي مباشرة.
(8) من قصيدة في هجاء أبي يوسف الدقاق مطلعها:
أأبيّ يوسف دعوة المستصغر ... ويل التي حملتك تسعة أشهر
وهي في ديوانه 3/ 10651063. والبيت في شرح ديوان المتنبي للواحدي 342وهو لابن الرومي مع أبيات أخرى،(2/40)
وهي أبيات أبدع فيها كلّ الإبداع، تركناها لمزيد فحشها، وسابق الحلبة في هذا المعنى الفرزدق في قوله (1): (تام الكامل)
وأبحت أمّك يا جرير كأنّها ... للنّاس باركة طريق معمل
عفا الله عنّا وعنهم أجمعين. ومن شعر أبي الطيب أيضا قوله يهجو (2):
(تام البسيط)
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أنّي بما أنا باك منه محسود!
إنّي نزلت بكذّابين ضيفهم ... عن القرى وعن التّرحال محدود
ومنها:
جود الرّجال من الأيدي وجودهم ... من اللّسان، فلا كانوا ولا الجود
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم ... إلّا وفي يده من نتنها عود
من كلّ رخو وكاء البطن منفتق ... لا في الرّجال ولا النّسوان معدود (3)
ومنها:
العبد ليس لحرّ صالح بأخ ... لو أنّه في ثياب الحرّ مولود
لا تشتر العبد إلّا والعصا معه ... إن العبيد لأنجاس مناكيد
__________
(1) من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 90الحاشية 1.
والبيت في شرح ديوان المتنبي للواحدي 342وديوان المتنبي 4/ 126 (شرح العكبري).
(2) من قصيدته المشهورة في هجاء كافور الإخشيدي مطلعها:
عيد بأيّة حال عدت يا عبد ... بما مضى أم بأمر فيك تجديد
وهي في ديوانه 2/ 4639. ومنها ثمانية أبيات في اليتيمة 1/ 215.
(3) الوكاء: ما تشدّ به القربة والكيس ونحوهما. ديوانه واللسان (وكأ).(2/41)
ومن شعره (1): (تام الكامل)
تصفو الحياة لجاهل أو عافل ... عمّا مضى منها وما يتوقّع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
قال أبو منصور عبد الملك بن محمد (2) الثعالبي رحمه الله: ليس فيما أحفظ من الشعر الكثير أحسن وأوعظ وأنفع وأدعى إلى تسليّتي من أقوال ثلاثة من الشعراء أحدها (3) قول أبي الطيب (4): (تام البسيط)
هوّن على بصر ما شقّ منظره ... فإنّما يقظات العين كالحلم
ولا تشكّ إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم
والثاني قول محمد بن بشير (5): (تام البسيط)
لا أحسب الشرّ جارا لا يفارقني ... ولا أحزّ على ما فاتني الودجا
__________
(1) من قصيدة في رثاء أبي شجاع فاتك، مطلعها:
الحزن يقلق والتّجمّل يردع ... والدّمع بينهما عصيّ طيّع
وهي في ديوانه 2/ 278268وأول البيتين في الوساطة 269والبيتان في اليتيمة 1/ 206.
(2) أب ج د: محمد بن عبد الملك، وهو غلط. ش: قال أبو منصور الثعالبي. أنظر الترجمة رقم 79.
والقول في خاص الخاص 148.
(3) أب ج د ش: أحدهم، وهو غلط.
(4) من قصيدة يذكر فيها مسيره من مصر ويرثي فاتكا أبا شجاع مطلعها:
حتّام نحن نساري النّجم في الظّلم ... وما سراه على خفّ ولا قدم
وهي في ديوانه 4/ 163155ومنها سبعة أبيات في اليتيمة 1/ 210209والبيتان في خاص الخاص 148 والإعجاز 216، والأول في سرح العيون 41.
الرّخم: خسيس الطير. والمعني: هوّن على العين ما شقّ عليها منظره ممّا تراه من المكاره وهب أنّك تراه في الحلم ولا تشك إلى أحد من الناس ما تلقاه، لأنّك لا تأمن أن يكون المشكوّ إليه شامتا إذا علم بالشكية. ديوانه 4/ 162.
(5) هو أبو سليمان الخارجي من بني خارجة بن عدوان، شاعر فصيح حجازي مطبوع، من شعراء الدولة الأموية، كان منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي، وله في مدائح ومراث مختارة، وكان يبدو في أكثر زمانه ويقيم في بوادي المدينة ولا يكاد يحضر مع الناس. الأغاني 16/ 133102والوفيات 6/ 340.
وقد يكون هو محمد بن يسير البصري أبو جعفر الرياشي، وهو شاعر ظريف من شعراء الدولة العباسية، كان في عصر أبي نواس، وعمّر بعده حينا، وكان ماجنا هجاء خبيثا (نحو 210هـ) البيان 1/ 65، 2/ 360، والحيوان 1/ 59، 9694، 5/ 236234، 273272، 6/ 415414والشعر والشعراء 2/ 884883والعقد الفريد 1/ 241 والأغاني 14/ 5017والوفيات 6/ 340والقاموس وتاج العروس (يسر) والأعلام 7/ 144.
والبيتان ليسا في شعر محمد بن بشير الخارجي وهما في خاص الخاص معزوان لمحمد بن بشير. وفي الأغاني 14/ 4241قصيدة له مطلعها:
ماذا يكلّفك الرّوحات والدّلجا ... البرّ طورا وطورا تركب اللّججا
وفي غالب الرأي أن البيتين من هذه القصيدة. ومنها خمسة أبيات في الشعر والشعراء 2/ 883وأربعة في البيان 2/ 360والعقد الفريد 1/ 69، 241.(2/42)
ولا نزلت من المكروه منزلة ... إلّا تيقّنت أن ألقى لها فرجا
والثالث ما أنشدنيه أبو الفتح البستي لنفسه (1): (مخلع البسيط)
إذا ازدرى ساقط كريما ... فلا يطولنّ ضيق صدره
فأكثر النّاس منذ كانوا ... ما قدروا الله حقّ قدره
وشعر أبي الطيب كثير، وقد تكفّل به ديوانه الشهير، فمن أراد الوقوف عليه، فليرجع إليه. والله سبحانه ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
55 - ابن الرومي (2)
هو عليّ بن العباس بن جريح. من غرر شعره، وخدع سحره، قوله (3): (الطويل)
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يولد
وإلّا فما يبكيه منها وإنّها ... لأفسح ممّا كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدّنيا استهلّ كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدّد
وقوله في النهي عن ترك العتاب (4): (تام الخفيف)
يا أخي: أين ربع ذاك الإخاء ... أين ما كان بيننا من صفاء؟
أنت عيني وليس من حقّ عيني ... طبق أجفانها على الأقذاء
__________
(1) البيتان في الحكمة، وليسا في ديوانه، وهما في فائت ديوانه 175وخاص الخاص 149والإعجاز 203.
(2) (283هـ) ترجمته في الفهرست 190 (ت. رضا تجدد) ومعجم الشعراء 290289وزهر الآداب 1/ 232226، 278272، 297293ورسالة ابن القارح 4140ورسالة الغفران 483476والعمدة 1/ 69، 72وتاريخ بغداد 2623والوفيات 3/ 362358ومعاهد التنصيص 1/ 118108وإدراك الأماني 22/ 6765.
(3) من قصيدة طويلة في مدح صاعد بم مخلد مطلعها:
أبين ضلوعي جمرة تتوقّد ... على ما مضى أم حسرة تتجدّد؟
وهي في ديوانه 2/ 603584والأبيات في خاص الخاص 128والإعجاز 272271والغيث المسجم 1/ 29 (ط.
العلمية) والأول والثاني في معجم الشعراء 290.
(4) د: ذاك الإخلاء (الإخلاء). غلط.
والبيتان أول قصيدة طويلة في عتاب أبي القاسم التّوزيّ الشّطرنجي. وهي في ديوانه 1/ 7364والبيتان في خاص الخاص 129والإعجاز 272وأحسن ما سمعت 39.(2/43)
وقوله فيمن يقتني السلاح ولا يستعمله (1): (الطويل)
رأيتكم تبدون للحرب عدّة ... ولا يمنع الأسلاب منكم مقاتل
فأنتم كمثل النّخل يشرع شوكه ... ولا يمنع الخرّاف ما هو حامل
وقوله في الاستزادة (2): (تام الرمل)
أيّها المنصف إلّا رجلا ... واحدا أصبحت ممّن ظلمه
كيف ترضى الفقر عرسا لامرئ ... وهو لا يرضى لك الدّنيا أمه؟!
قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله (3): لم أسمع في الهجاء بالجبن أبلغ وأملح وأطرف (4) من قوله في سليمات بن عبد الله بن طاهر (5): (تام المنسرح)
قرن سليمان قد أضرّ به ... شوق إلى وجهه سيدنفه
لا يعرف القرن وجهه ويرى ... قفاه من فرسخ فيعرفه
ولا في الاستمتاع بالشباب كقوله (6): (تام الخفيف)
قصرك الشّيب فاقض أنت قاض ... من هوى البيض والعيون المراض
إنّ شرخ الشباب قرض الليالي ... فتصرّف فيه قبيل التّقاضي
__________
(1) د: شوكها، وهو غلط.
والبيتان في ديوانه 5/ 2011وخاص الخاص 129والإعجاز 272والمنتحل 136،
الخرّاف والخارف هو الذي يخرف النخل أي يجتنيه. (اللسان: خرف).
(2) البيتان في ديوانه 6/ 2400. وخاص الخاص 129والإعجاز 273وأحسن ما سمعت 168167.
(3) خاص الخاص 129والإعجاز 273.
(4) ج: أصلح وأظرف. وهما غلط.
(5) هو أحد عمال العباسيين وولاتهم على طبرستان ثم تولّى شرطة بغداد والسواد (266هـ) تاريخ الطبري 9/ 275271، 307، 386، 440، 549والوفيات 3/ 123.
والبيتان أول مقطعة في أربعة أبيات في ديوانه 4/ 1564ومنها ثلاثة أبيات في زهر الآداب 2/ 686والغيث المسجم 1/ 335 (ط. العلمية) والبيتان في خاص الخاص 129والإعجاز 273والثاني في الوفيات 3/ 359مع آخر.
(6) البيتان في ديوانه 4/ 1417وخاص الخاص 130والإعجاز 274273.
القصر: الغاية قاله أبو زيد وأنشد:
عش ما بدا لك قصرك الموت ... لا معقل منه، ولا فوت
(اللسان: قصر) أي غايتك الموت. وقصرك الشيب: غايتك ونهايتك.(2/44)
ولا في الشرب على النرجس أعجب من قوله (1): (تام الكامل)
أدرك ثقاتك إنّهم وقعوا ... في نرجس معه ابنة العنب
فهم بحال لو بصرت بهم ... سبّحت من عجب، ومن عجب
ريحانهم ذهب على درر ... وشرابهم درر على ذهب
قلت: ومن عجائب ابن الرومي قصيدة بارعة في مدح عبد الملك بن صالح الهاشميّ (2) استطرد فيها (3) [إلى] ذكر (4) جارية سوداء، وأبدع في وصفها ما شاء. يقول فيها (5): (تام المنسرح)
تبارك الله خالق الكرم ال ... بارع من حمأة ومن علق
منها في وصف الجارية السوداء:
سوداء لم تنتسب إلى برص الشّ ... قر ولا كلف ولا مهق
ليست من الغبش الأكفّ ولا ال ... فلج الشّفاه الخبائث العرق
منها:
غصن من الآبنوس ركّب في ... مؤتزر معجب ومنتطق (6)
__________
(1) من قصيدة في مدح صديقه وجامع شعره الشاعر علي بن عبد الله الكاتب مطلعها:
يا ابن المسيّب، عشت في نعم ... وسلمت من هلك، ومن عطب
وهي في ديوانه 1/ 147146والأبيات في خاص الخاص 130وهي في زهرّ الآداب 1/ 522مع أبيات أخرى، والأول والثالث في الإعجاز 274.
(2) لم أعثر له على تعريف في المظان.
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) ج د: وصف.
(5) أول قصيدة طويلة في ديوانه 4/ 16581653ومنها 24بيتا في زهر الآداب 1/ 229، 231، 232وستة عشر بيتا في الذخيرة 1/ 125وأربعة أبيات في نهاية الأرب 2/ 38.
الكلف والكلفة: حمرة كدرة تعلو الوجه، وقيل لون بين الحمرة والسّواد. المهق والمهقة: شدّة البياض وهما بياض الإنسان حتى يقبح جدا. والغبش: جمع أغبش تقول ليل أغبش إذا اشتدت ظلمته (اللسان: غبش، كلف، مهق).
(6) الآبنوس: شجر له خشب أسود مشهور. (المصطلحات العلمية: آبنوس) المؤتزر: العجز لأنه موضع الإزار من الإنسان.
والمنتطق موضع شدّ النّطاق على الجسم وهو وسطه موضع الخصر. حبة القلب: وسطه وسويداؤه يقال: أصابت فلانة حبّة قلب فلان إذا شغف قلبه حبّها. (اللسان: أزر، حبب، نطق).(2/45)
يهتزّ من ناهديه في ثمر ... ومن نواحي ذراه في ورق
أكسبها الحبّ أنّها صبغت ... صبغة حبّ القلوب والحدق
فانصرفت نحوها الضّمائر وال ... أبصار تعنق أيّما عنق (1)
يفترّ ذاك السّواد عن يقق ... من ثغرها كالآنىء النّسق
كأنّها والمزاح يضحكها ... ليل تفرّى دجاه عن فلق
لها حر تستعير وقدته ... من قلب صبّ، وصدر ذي حنق
كأنّما حرّه لخابره ... ما ألهبت في حشاه من حرق
يزداد ضيقا على المراس كما ... تزداد ضيقا أنشوطة الوهق
يقول من حدّث الضمير به ... طوبى لمفتاح ذلك الغلق
له إذا ما القمدّ خالطه ... أزم كأزم الخناق بالعنق (2)
أخلق بها أن تقوم عن ذكر ... كالسّيف يفري مضاعف الحلق
إن جفون السيوف أجودها ... أسود والخلق غير مختلق (3)
وهي طويلة وهذا القدر منها كاف في مقصودنا. وقوله: أنشوطة الوهق، (4) «الوهق محركة وتسكّن: الحبل يرمى في أنشوطة، فتؤخذ به الدّابة أو الإنسان».
والأنشوطة كأنبوبة عقدة يسهل انحلالها كعقدة التّكّة. والقمدّ بضم القاف والميم وتشديد الدّال المهملة من أوصاف الذّكر، يقالك ذكر قمدّ إذا كان شديد الإنعاظ.
والأزم يطلق على معان كثيرة، والمناسب منها هنا أن يكون من أزم الشيء إذا انقبض وانضمّ. وباقي الألفاظ معناها واضح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) العنق ضرب من سير الدابة والإبل هو سير سريع. أبيض يقق ويقق شديد البياض ناصعه. النّسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد.
تفرّى: انشقّ، يقال: تفرّى الليل عن صبحه. (اللسان: عنق، نسق، يقق).
(2) حاشية ج: «كأخذ». والإشارة إلى كلمة (كأزم).
يفري: يقطع. (اللسان: فرا). ويقصد ب «مضاعف الحلق» الدّرع المضاعف النسج.
(3) أب ج د ش: والخلق: ولعل الصواب ما في الديوان وزهر الآداب: والحق.
الجفن: غمد السيف. (اللسان: جفن).
(4) من القاموس (أزم، القدم، نشط، الوهق).(2/46)
56 - كشاجم (1)
هو (2) أبو الفتح محمود بن الحسين، من أهل الرملة، من نواحي فلسطين، كان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة. (3) (وهو مصنّف كتاب أدب النديم، وكتاب المصايد والمطارد (4) وغيرها)، وهو الذي لقّب نفسه كشاجم، فسئل عن ذلك، فقال: الكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من جواد، والميم من منجم، وهو شاعر بليغ مجيد في كل فن من فنون الشعر. فمن عجيب شعره قوله (5): (تام الكامل)
بأبي وأمّي زائر متقنّع ... لم يخف ضوء البدر تحت قناعه
لم أستتمّ عناقه لقدومه ... حتّى ابتدأت عناقه لوداعه
وقوله في الشيب (6): (الطويل)
وفكّرت في شيب الفتى وشبابه ... فأيقنت أنّ الحقّ للشيب واجب
يصاحبني شرخ الشباب وينقضي ... وشيبي إلى حين الممات مصاحب
__________
(1) (360هـ) ترجمته في خاص الخاص 64، 136134والإعجاز 258257والفهرست 154 (ت رضا تجدد) والفوات 4/ 10099والشذرات 3/ 3837والأعلام 7/ 168167.
(2) من الفوات 4/ 99بتصرف إلى آخر البيتين الآتيين.
(3) ما بين القوسين ورد في (ج د) بعد قوله: «والميم من منجم»
(4) حققه الدكتور محمد أسعد طلس، بغداد 1954.
(5) أب ج د ش: ضوء البيت، وفيه تحريف، والتصحيح من الإعجاز.
والبيتان أول ثلاثة أبيات في ديوانه 340وهما في خاص الخاص 135، والإعجاز 257وأحسن ما سمعت 44 والفوات 4/ 99.
(6) البيتان في ديوانه 43وخاص الخاص 135والإعجاز 257ونهاية الأرب 2/ 23.(2/47)
وقوله في العتاب (1): (تام المتقارب)
إلى الله أشكو أخا جافيا ... يضيع وأحفظ منه الصنيعه
إذا ما الوشاة سعوا نحوه ... أصاخ إليهم بأذن سميعه
كثرت عليه فأمللته ... وكلّ كثير عدوّ الطبيعه
ولكنّ نفسي إذا أكرهت ... على الهجر ليست له مستطيعه
وقوله (2): (تام الكامل)
يا معرضا عنّي بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبله
هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلّا انحطاط المنزله
أو ما علمت بأن أحوال الفتى ... كالفيء في أحواله المتنقّله (3)
ساع إلى النّقصان يسرع حثّه ... عجلان يقطع كلّ يوم مرحله
النّاس أكفاء ولكن فاتهم ... بالفضل مأمول أنال مؤمّله
ومياه أوجههم سواء كلّها ... إلّا التي تغنى بذلّ المسأله
فاجعل لنا حظّا من الحال التي ... عمّا قليل منك تغدو أرمله
لا تستبدّ بما منحت فإنّما ... هو فلتة أو حالة متحوّله
لسنا نجشّمك النّوال فإنّه ... متجشّم أعباؤه مستثقله
لكن نسومك بذل جاهك فاحبنا ... منه فإنّ زكاته أن تبذله
__________
(1) أول مقطوعة في ستة أبيات في العتاب وهي في ديوانه 327والأبيات في خاص الخاص 135والإعجاز 158157 والمنتحل 122121.
(2) قصيدة في ثلاثة عشر بيتا في الاستعطاء أوردها صاحب الكوكب بتمامها وهي في ديوانه 391390.
(3) الفيء: ما كان شمسا فنسخه الظّل والجمع أفياء، وفاء الفيء فينا: تحوّل. (اللسان: فيأ).(2/48)
وافتح يمينك حين أمكن فتحها ... بالمكرمات ولا تدعها مقفله
كم من يد ندمت على إمساكها ... في شغلها لما غدت متعطّله
لا يفلتنّك شكرنا وثناؤها ... فتعضّ من ندم عليه الأنمله
وقوله في معرض المدح (1): (تام الكامل)
يا كامل الآداب منفرج العلى ... والمكرمات ويا كثير الحاسد
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شرّ أعينهم بعيب واحد
وقوله في كاتب (2): (تام الخفيف)
وإذا نمنمت بنانك خطّا ... معربا عن بلاغة وسداد
عجب النّاس من بياض معان ... تجتنى من سواد ذاك المداد (3)
وقوله في خادم يسمّى كافورا (4): (تام المتقارب)
أكافور قبّحت من خادم ... ولا قتك مسرعة جائحه
حكيت سميّك في برده ... وأخطأك اللون والرّائحه
توفي في حدود الخمسين وثلاثمائة رحمنا الله وإياه.
__________
(1) في الديوان وديوان المعاني وخاص الخاص والإعجاز: منفرد العلى. أ. ب ج د ش: منفرج العلى.
والبيان في ديوانه 150وديوان المعاني 1/ 68وخاص الخاص 135والإعجاز 258والبيت الثاني في أحسن ما سمعت 149ونثر النظم 96.
(2) البيتان في ديوانه 141وخاص الخاص 136والمنتحل 9ونهاية الأرب 7/ 17.
(3) الديوان والمنتحل ونهاية الأرب: من بياض معان من سواد ذاك المداد. أب ج د ش: من بيان معان تجتنى من سواده كالحداد، وفيه تحريف.
(4) أول قصيدة في هجاء غلام اسمه كافور، وهي في ديوانه 104، والبيتان في خاص الخاص 135والإعجاز 258.
جاء في اللسان: (كفر) الكافور: أخلاط من الطيب وجاء في المصطحات العلمية (كفر): الكافور مادة عطرية بيضاء، وجاء في الجامع لمفردات الأدوية 4/ 43: «وقد يدخل الكافور في الطيب كلّه وهو بارد يابس». ويريد بذلك أن هذا الغلام المسمى كافورا يشبه في اللفظ والبرودة سميّه الكافور الذي هو أخلاط من الطيب بارد ولكنه يفارقه في اللون والرائحة، ولا شك أن لون هذا الغلام لم يكن أبيض ولم تكن رائحته طيبة.(2/49)
57 - أبو بكر الخالدي (1)
هو محمد بن هشام، شاعر فصيح متفنّن (2) في أفانين الشّعر، مبدع في سائرها من مدح وهجاء وغزل ونسيب وغيرها. من لطائف شعره، ونفثات سحره، قوله في البدر تحت الغيم (3): (تام الكامل)
والبدر منتقب بغيم أبيض ... هو فيه بين تخفّر وتبرّج
كتنفّس الحسناء في المرآة إذ ... كملت محاسنها ولم تتزوّج
وقوله في السحاب (4): (تام الخفيف)
وسحاب يجرّ في الأرض ذيلي ... مطرف زرّه على الأرض زرّا
برقه لمحة ولكن له رع ... د بطيّ يكسو المسامع وقرا
كخليّ منافق للذي يه ... واه، يبكي جهرا ويضحك سرّا
وقوله في بعض خمرياته (5): (تام الكامل)
ما عذرنا في حبسنا الأكوابا ... سقط النّدى وصفا الهواء وطابا
وكأنّما الصّبح المنير وقد بدا ... باز أطار من الظلام غرابا
__________
(1) (380هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 208183وخاص الخاص 155154والإعجاز 224223والفهرست 195 (ت. رضا تجدد) ومعجم البلدان 2/ 339338والوفيات 4/ 52والوافي بالوفيات 5/ 149.
(2) ج د: متصرف.
(3) أب ج د ش: تحفز، وهو غلط، والتصحيح من الديوان واليتيمة والإعجاز.
والبيتان من قصيدة في الغزل مطلعها:
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج ... لأرتك سالفتي غزال أدعج
وهي في ديوان الخالديين 3433واليتيمة 2/ 190والبيتان في خاص الخاص 154والإعجاز 224.
السالفة: صفحة العنق. (اللسان: سلف).
(4) الأبيات في ديوان الخالديين 54واليتيمة 2/ 190وخاص الخاص 154والأول والثالث في الإعجاز 224.
المطرف والمطرف واحد المطارف وهي أردية من خزّ مربعة لها أعلام، زرّه: شدّه. الوقر: ثقل السّمع. ورجل خليّ: لا همّ له، فارغ. (اللسان: خلا، زرر، طرف، وقر).
(5) أول مقطعة في خمسة أبيات في الخمر وهي في ديوان الخالديين 16، واليتيمة 2/ 193والأبيات في خاص الخاص 154والإعجاز 223.(2/50)
فأدم لذاذة عيشنا بمدامة ... زادت على هرم الزمان شبابا
سفرت فغار حبابها من لحظنا ... فعلا محاسنها فصار نقابا
قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله (1): ولم أسمع في القلم أحسن وأعجب من قوله (2): (تام المتقارب)
له قلم كقضاء الإله ... فبالسّعد طورا وبالنّحس ماض
وما فارق الأسد في حالتيه ... يبيسا وذا ورقات غضاض
ففي يد ليث العلى في الندى ... وفي وجه ليث الشّرى في الغياض
وإحساناته رحمه الله وإبداعاته وتشبيهاته الغريبة واستعاراته كثيرة جدا، وفيما ذكرنا منها تنبيه على ما تركنا، وبالله تعالى التوفيق.
58 - أبو عثمان الخالدي (3)
هو سعيد بن هاشم أخو أبي بكر المتقدم الذكر، كان كأخيه من أعاجيب الدهر، في أفانين الشعر. من غرره ونفائس درره قوله (4): (مجزوء الرمل)
يا شبيه البدر حسنا ... وضياء ومثالا
وشبيه الغصن لينا ... وقواما واعتدالا
أنت مثل الورد لونا ... ونسيما ومنالا (5)
زارنا حتّى إذا ما ... سرّنا بالقرب زالا
__________
(1) خاص الخاص 155.
(2) الأبيات في ديوان الخالديين 67وخاص الخاص 155.
(3) (371هـ) ترجمته في الفهرست 195 (ت. رضا تجدد) واليتيمة 2/ 208183وخاص الخاص 157155 والإعجاز 225224ومعجم الأدباء 11/ 212208. وهو فيه سعد، ومعجم البلدان 2/ 339338والفوات 2/ 5752والأعلام 3/ 103.
(4) أب ج د ش: وضياء ومنالا. (ومنالا) غلط. والتصحيح من الديوان واليتيمة. والأبيات في ديوان الخالديين 82 والإعجاز 224وخاص الخاص 155ونسبت في اليتيمة 2/ 193لأخيه أبي بكر محمد الخالدي.
(5) حاشية أ: «خ وزوالا».(2/51)
وقوله (1): (تام الكامل)
ومدامة حمراء في قارورة ... زرقاء تحملها يد بيضاء
فالرّاح شمس والحباب كواكب ... والكفّ قطب والإناء سماء
وقوله (2): (تام البسيط)
أما ترى الغيم يا من قلبه قاس ... كأنّه أنا مقياسا بمقياس
قطر كدمعي وبرق مثل نار هوى ... في القلب منّي، وريح مثل أنفاسي
قال أبو منصور الثعالبي (3) رحمه الله: ولم أسمع في وصف غلام جامع للمحاسن والمناقب أحسن وأعجب من قوله في مملوكه (4): (تام المنسرح)
ما هو عبد لكنّه ولد ... خوّلنيه المهيمن الصّمد
وشدّ أزري بحسن خدمته ... فهو يدي والذّراع والعضد
صغير سنّ كبير منفعة ... تمازج الضّعف فيه والجلد
مغسّق الطّرف كحله كحل ... مغزّل الجيد حليه جيد
ثقّفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمرّ في منزلي ولا حرد
مسامري إن دجا الظلام ولي ... منه حديث كأنّه الشّهد
خازن ما في يدي وحافظه ... وليس شيء لديّ مفتقد
ومنفق مشفق إذا أنا أس ... رفت وبذّرت فهو مقتصد
يصون كتبي فكلّها حسن ... يطوي ثيابي فكلّها جدد
__________
(1) نسب البيتان في ديوان الخالديين 11واليتيمة 2/ 195لأبي بكر محمد الخالدي. ونسبت في خاص الخاص 155 والإعجاز 224وحلبة الكميت 111إلى أبي عثمان سعيد الخالدي.
(2) البيتان في ديوان الخالديين 135واليتيمة 2/ 202وخاص الخاص 155والإعجاز 225ومعجم الأدباء 11/ 212
(3) خاص الخاص 156.
(4) قصيدة كتبها إلى ابن سكّرة عندما سأله عن غلامه. وهي في ديوان الخالديين 123120وخاص الخاص 156وثمار القلوب 230229 (ت. أبو الفضل). والفوات 2/ 5554.(2/52)
وحاجبي، فالخفيف محتبس ... عندي به، والثّقيل مطّرد
وحافظ الدار إن ركبت فما ... على غلام سواه أعتمد
وأبصر النّاس بالطّبيخ فكال ... مسك القلايا والعنبر الثّرد
وصيرفيّ القريض، وزّان دي ... نار المعاني الجياد، منتقد
ويعرف الشّعر مثل معرفتي ... وهو على أن يزيد مجتهد
وواجد بي من المحبّة وال ... رّأفة أضعاف ما به أجد
إذا تبسّمت فهو مبتهج ... وإن تنمّرت فهو مرتعد
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
قلت اسم هذا الغلام رشأ، وأصله من إرمينيّة، كان لأبي بكر وأبي عثمان الخالديين، ربّياه وعلّماه وأدّباه، وكان (1) أهداه لهما سيف الدولة ابن حمدان، وذلك أنهما مدحاه، فبعث إليهما وصيفا ووصيفة، ومع كل منهما بدرة وتخت من ثياب مصر، فكتب أحدهما في الجواب (2): (تام الكامل)
لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا ... إلّا ومالك في النوال حبيس
خوّلتنا شمسا وبدرا أشرقت ... بهما لدينا الظّلمة الحنديس
رشا أتانا وهو حسنا يوسف ... وغزالة هي بهجة بلقيس
هذا ولم تقنع بذاك وهذه ... حتّى بعثت المال وهو نفيس
أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة ... وأتى على ظهر الوصيف الكيس
وكسوتنا ممّا أجادت حوكه ... مصر وزادت حسنه تنّيس (3)
فغدا لنا من جودك المأكول وال ... مشروب، والمنكوح، والملبوس
__________
(1) الخبر في اليتيمة 1/ 2322والوفيات 3/ 405404.
(2) أد ش: لم يعد، وهو غلط. والأبيات في ديوان الخالديين 163162واليتيمة 1/ 2322والوفيات 3/ 405.
(3) تنّيس: بكسرتين وتشديد النون وياء ساكنة: جزيرة في بحر مصر قريبة من البر، ما بين الفرما ودمياط. معجم البلدان 2/ 51.(2/53)
فلما قرأها سيف الدولة، قال له: أحسنت إلّا في لفظة «المنكوح»، فإنّها ليست مما يخاطب به الملوك. وهو من بديع النقد، ومستحسنه، وممّا يدل على فرط ذكاء سيف الدولة وتبحّره في علم الأدب، وأنّه إمام فنّه رحمه الله تعالى.
فكان هذا الغلام للخالديين يخدمهما ويكتب مدائحهما عنهما. وفيه (1)
يقول هبة الله بن ميسرة يهجوه وذلك أنه اجتاز ببابه هو وأبو الفضائل ابن ابراهيم ابن أحمد الأنطاكي (2). فقال له أبو الفضائل: إن لهذا الرجل، يعني رشا، سماعا قد ورد معه من العراق، فما ترى في النزول به والتعرّض لاستماع غنائه؟ قال هبة الله، فقلت له: على شريطة أن لا أسأله ذلك وأن تتولّى أنت خطابه. قال: فنزلنا عنده، وأفضنا في الحديث وعرض له أبو الفضائل، باستدعاء (3) الطّعام والشراب حرصا على السماع، فلم يجبه إلى ذلك واحتجّ (4) بمعاذير اللّئام، فقال فيه هبة الله، والخطاب لأبي الفضائل (5): (تام الكامل)
خفيت عليك منازل التّطفيل ... فنزلت من رشإ بشرّ نزيل
وطرقته فطرقت ذئبا أطلسا ... أو حيّة صمّاء ذات صليل
فرقيته وقرأت كلّ صحيفة ... حتّى قرأت صحيفة الإنجيل
وزعمت أنّ أباه من عظمائهم ... يومي إلى توفيل أو منويل
حتّى خشيتك أن تقبّل كفّه ... حبّ الرّجاء وطاعة التّأميل
أسفي عليك وقد أرقت صبابة ... من ماء وجهك في سؤال بخيل
فوجدت طعم سؤاله من لؤمه ... مرّا كطعم الحنظل المبلول
__________
(1) من التطفيل 4847بتصرف. وفيه هبة الله بن مسرة الشاعر البلدي ولم أعثر له على تعريف في المظان.
(2) في التطفيل 47: أبو الفضائل إبراهيم بن أحمد الأنطاكي ولم أعثر له على تعريف في المظان.
(3) أب ج د ش: فاستدعى، وهو غلط، والتصحيح من التطفيل 47.
(4) د: وأصبح، وهو غلط.
(5) القصيدة في التطفيل 4847.(2/54)
أقبلت تنشده وأطرق معرضا ... إطراق مرء طالب بذحول (1)
حتّى ظننتك قاتلا وظننته ... من فرط نخوته وليّ قتيل
وكفلت لي عنه بكلّ كريمة ... ثمّ انثنيت وأنت شرّ كفيل
وأبت عليك خلائق خزريّة ... تأبى إذا ما قدتها لجميل
هلّا سألت عن الصّناعة أهلها ... فيخبّروك بصنعة التّطفيل
القوم لا يغشون إلّا منزلا ... يغشى العيون دخانه من ميل
ومحاسن أبي عثمان الخالدي كثيرة، رحمه الله وأرضاه (2).
59 - السري الرفاء (3)
(4) هو السّريّ بن أحمد السريّ الكنديّ الموصليّ، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل، وهو مع ذلك يتولّع بالأدب والشعر حتى برع. ووقع بينه وبين الخالديين المتقدمي الذكر هجاء، وآل الأمر بينهم إلى أن قطع سيف الدّولة رسمه.
فانحدر من حلب إلى بغداد، فلما قدم الخالديان بغداد بالغا في إذايته (5) حتى عدم القوت، فجلس ينسخ ويبيع شعره وادّعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره.
(6) وكان مغرى بنسخ ديوان أبي الفتح كشجام، وهو إذ ذكان ريحان تلك البلاد، فكان يدسّ فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين، ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويغلي سعره وينقص منهما.
__________
(1) التطفيل: ذمر طالب. د: بدخول، وهو غلط.
ذمر: شجاع. والذّحول جمع ذحل وهو الثأر. (القاموس: ذحل، ذمر).
(2) ح د: رحمنا الله وإباه.
(3) (360هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 182117وتاريخ بغداد 9/ 194ومعجم الأدباء 11/ 189182والوفيات 2/ 362359ومعاهد التنصيص: 3/ 283280
(4) من الوفيات 2/ 360359.
(5) كذا في أب ج د ش والذي في اللسان (أذى): آذاه يؤذيه أذى وأذيّة وأذاة وآذاه إيذاء» وليس فيه إذاية، على أن هذه الكلمة مستعملة بكثرة في لغتنا العامية وقد وردت في رسائل اليوسي 1/ 222.
(6) من الوفيات 2/ 360. والخبر في اليتيمة 2/ 118ومعجم الأدباء: 11/ 184(2/55)
وكان شاعرا مطبوعا كثير الافتنان في الوصف والتشبيه، ولم يكن له رواء ولا منظر، ولم يكن يحسن من العلوم شيئا غير نظم الشّعر. وجمع شعره قبل وفاته. وتوفي في حدود الستين والثلاثمائة. فمن بديع محاسنه قوله في ورد أبيض (1): (الطويل)
بدا أبيض الورد الجنيّ كأنما ... تنسّم للنّاشي بمسك وكافور
كأنّ اصفرارا منه تحت ابيضاضه ... برادة تبر في مداهن بلّور
وقوله (2): (المنسرح)
إبريقنا عاكف على قدح ... كأنّه الأمّ ترضع الولدا
أو عابد من بني المجوس إذا ... توهّم الكأس شعلة سجدا
ومن وسائط قلائده، ونفائس فرائده، قوله في الغزل (3): (تام الوافر)
بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتّحيّة والسّلام
ويلقاني بعزّة مستطيل ... وألقاه بذلّة مستهام
وحتفي كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حدّ الحسام
__________
(1) أج د ش: تبسم، وأثبتنا ما في الديوان ونهاية الأرب: تنسم.
والبيتان من مقطوعة في ثلاثة أبيات أولها:
وروض كساه الغيث إذ جاد أرضه ... مجاسد وشي من بهار ومنثور
وهي في ديوانه 2/ 294ونهاية الأرب 11/ 193.
البهار هو الأقحوان الأصفر. المنثور أو الخيريّ هو نبات له زهر أبيض وأصفر. الجامع للمفردات 1/ 121، 2/ 82، 4/ 187. النّاشي من نشي منه ريحا طيّبة أي شمّ. البرادة: ما سقط من التّبر عند البرد. (اللسان:
برد، نشا).
(2) أب ج د ش: توهم النار. (النار) غلط، والتصحيح من الديوان وحلبة الكميت.
والبيتان في ديوانه 2/ 797وحلبة الكميت 172.
(3) الأبيات في غلام كان يهواه، وهي في ديوانه 2/ 286والبيتان الأول والثالث في اليتيمة 2/ 137والإعجاز 221 والوفيات 2/ 361وحياة الحيوان 1/ 650.(2/56)
وقوله (1): (الطويل)
بنفسي من ردّ التّحيّة ضاحكا ... فجدّد بعد اليأس في الوصل مطمعي
إذا ما بدا أبدا الغرام سرائري ... وأظهر للعذّال ما بين أضلعي
وحالت دموع العين بيني وبينه ... كأنّ دموع العين تعشقه معي
وقوله في وصف يوم متلوّن جاء بالبرد (2): (مجزوء الكامل)
يوم خلعت به عذاري ... فعريت من حلل الوقار
وضحكت فيه إلى الصّبا ... والشّيب يضحك في عذاري
متلوّن يبدي لنا ... طرفا بأطراف النّهار
فهواؤه سلب الرّدا ... ء وغيمه جا في الإزار (3)
يبكي فيجمد دمعه ... والبرق يكحله بنار
وقوله (4): (تام البسيط)
قم فانتصف من صروف الدّهر والنّوب ... واجمع بكاسك شمل اللهو والطّرب
أما ترى الصّبح قد قامت عساكره ... في الشّرق تنشر أعلاما من الذّهب
والجوّ يختال في حلىّ ممسّكة ... كأنّما البرق فيها قلب ذي رعب
جريت في حلبة الأهواء مجتهدا ... فكيف أقصر والأيام في طلبي؟
توّج بكاسك قبل الحادثاث يدي ... فالكأس تاج يد المثري من الأدب
__________
(1) الأبيات في ديوانه 2/ 291وخاص الخاص 152ونهاية الأرب 2/ 255.
والبيتان الأول والثالث في الإعجاز 221وأحسن ما سمعت 124وعنوان المرقصات 41.
(2) الأبيات في ديوانه 2/ 217واليتيمة 2/ 170وخاص الخاص 152والإعجاز 222.
(3) د: جاء. ولا يستقيم به وزن الشعر. وقوله (جا) مخففة من (جاء).
(4) أول مقطعة في ثمانية أبيات في ديوانه 1/ 351350والأبيات في اليتيمة 2/ 173وخاص الخاص 153152 ومنها أربعة أبيات في الإعجاز 222والبيتان الأول والرابع مع آخر في أحسن ما سمعت 139.(2/57)
وقوله (1): (الطويل)
وبكر شربناها على الورد بكرة ... فكانت لنا وردا إلى بكرة الغد
إذا قام مبيضّ اللّباس ... توهّمته يسعى بكمّ مورّد
وقوله في معرض الشّكر (2): (تام الكامل)
ألبستني نعما رأيت بها الدّجى ... صبحا، وكنت أرى الصّباح بهيما
فغدوت يحسدني الصديق وقبلها ... قد كان يلقاني العدوّ رحيما
وقوله (3): (تام السريع)
وكانت الإبرة فيما مضى ... صيّانة وجهي وأشعاري
فأصبح الرّزق بها ضيّقا ... كأنّه من ثقبها جاري
قال الشيخ أبو منصور الثعالي (4) رحمه الله: قد أكثر الناس في ذم البخيل بالطعام ولم أسمع في ذمّ البخيل بالشراب غير قوله وهو غاية في بابه (5): (تام البسيط)
الكأس تهدي إلى شرّابها فرحا ... فما لهذا الفتى صفرا من الفرح
يصفرّ إن صبّ صاقيه لنا قدحا ... كأنّما دمه ينصبّ في القدح
__________
(1) البيتان في ديوانه 2/ 134واليتيمة 2/ 174وأحسن ما سمعت 55.
(2) من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
الله جارك ظاعنا ومقيما ... وضمين نصرك حادثا وقديما
وهي في ديوانه 2/ 630628والبيتان في المنتحل 85والوفيات 2/ 361.
(3) من مقطعة في أربعة أبيات في وصف حاله أولها:
ينبيك عن صحّة أخباري ... عسري من العشق وإعساري
وهي في ديوانه 2/ 289واليتيمة 2/ 117ومعجم الأدباء 11/ 184183. ومعاهد التنصيص 3/ 281والبيتان في الوفيات 2/ 360.
(4) خاص الخاص 153والإعجاز 222.
(5) البيتان في ديوانه 2/ 55وخاص الخاص 153والإعجاز 222.(2/58)
قال (1): ولم أسمع في وصف مزيّن حاذق أحسن من قوله (2): (تام المتقارب)
هل الحذق إلّا لعبد الكريم ... حوى فضله حادثا من قديم
له راحة سيرها راحة ... تمّرّ على الرّأس مرّ النّسيم
حمول الحسام ولكنّه ... يروح ويغدو بكفّي حليم
ومن بدائعه قوله عفا الله عنّا وعنه (3): (تام البسيط)
هات التي هي يوم الحشر أوزار ... كالنّار في الحسن عقبى شربها النّار
أما ترى الورد قد باح الربيع به ... من بعد ما كان حولا وهو إضمار (4)
وبلغه (5) أن الخالديّين يريدان العود إلى بغداد في أيام الوزير المهلبي (6)، فكتب إلى أبي الخطاب المفضل بن ثابت الصابي (7): (تام الكامل)
بكرت عليك مغيرة الأعراب ... فاحفظ ثيابك يا أبا الخطاب
ورد الفرات ربيعة بن مكدّم ... وعتيبة بن الحارث بن شهاب (8)
أفعندنا شكّ بأنّهما هما ... في الفتك لا في صحّة الأنساب
جلبا إليك الشّعر من أوطانه ... جلب التّجار طرائف الأجلاب
فبدائع الشّعراء فيما جهّزا ... مقرونة ببدائع الكتّاب
__________
(1) خاص الخاص 153.
(2) أول مقطعة في تسعة أبيات في ديوانه 2/ 681680. والأبيات في اليتيمة 2/ 182وخاص الخاص 153والإعجاز 223وشرح المقامات 2/ 278. والبيت الثاني في المتشابه 31.
(3) أول مقطعة في ثلاثة أبيات، وهي في ديوانه 2/ 275والبيتان في خاص الخاص 153والإعجاز 223والأول في اليتيمة 2/ 137.
(4) د: إذا ترى، (إذا) غلط.
(5) الخبر في اليتيمة 2/ 145وديوانه 41 (ط، القدسي).
(6) سبق التعريف في الصفحة 318الحاشية 1.
(7) هو أحد أصدقاء الخالديين من الأدباء الفضلاء وهو ابن عم أبي إسحاق إبراهيم الصابي المترجم له في رقم 61، وقد توفي سنة 367هـ.
ديوان السري الرفاء 41 (ط. القدسي) والوافي بالوفيات ج 26ميكروفيلم.
والأبيات أول قصيدة طويلة في ديوانه 1/ 418410ومنها 36بيتا في اليتيمة 2/ 146145وثلاثة أبيات في معجم البلدان 2/ 338.
(8) د: مكرم، وهو غلط. وربيعة بن مكدّم هو أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم المشهورين في الجاهلية. الأغاني 16/ 7756وجمهرة الأنساب 188والأعلام 3/ 17. وعتيبة بن الحارث فارس من بني تميم في الجاهلية، كان يلقّب صياد الفوارس، يضرب به المثل في الفروسية. جمهرة الأنساب 224والأعلام 4/ 201(2/59)
شنّا على الآداب أقبح غارة ... جرحت قلوب محاسن الآداب
فحذار من حركات صلّي قفرة ... وحذار من وثبات ليثي غاب (1)
لا يسلبان أخا الثّراء وإنّما ... يتناهبان نتائج الألباب
إن عزّ موجود الكلام عليهما ... فأنا الذي وقف الكلام ببابي
أو يهبطا من ذلّة فأنا الذي ... ضربت على الشّرف الرّفيع قبابي
كم حاولا أمدي فطال عليهما ... أن يدركا الأمطار لي بسراب (2)
عجزا ولن يقف العبيد إذا جروا ... يوم الرّهان مواقف الأرباب (3)
ولقد حميت الشّعر وهو لمعشر ... رسم سوى الأسماء والألقاب (4)
وصرفت عنه المدّعين وإنّما ... عن حوزة الآداب كان حرابي (5)
فغدت نبيط الخالديّة تدّعي ... شعري وترفل في حبير ثيابي (6)
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب ... نقضت عمائمهم على الأبواب
من كلّ كهل يستطير سباله ... لونين بين أنامل البوّاب (7)
__________
(1) حاشية ج: «صح وثبات ليثي». أب ج د ش: حركات ليثي.
والصّلّ: الحيّة التي لا تنفع فيها الرّقية، يشبّه الرجل به إذا كان داهية (اللسان: صلل).
(2) د: أمري، وهو غلط. حاشية ج: إلا مثار ترابي، وكذلك في الديوان واليتيمة.
الأمد: الغاية، وأمد الخيل في الرهان منتهى غاياتها الذي تسبق إليه. (اللسان: أمد) ومعنى «أن يدركا الأمطار لي بسراب» إن جريي كالمطر وجريهما كالسراب، فالسراب لا يلحق المطر في القيمة لأنه لا وجود له وكذلك جريهما بالمقارنة إلى جريي، والمقصور بذلك هو الشعر فشعرهما تافه بالمقارنة بشعري.
(3) أد ش: عجزوا، وهو غلط.
(4) ج: رمم سوى.
(5) ج: ضرابي.
(6) النّبيط والنّبط: جيل يسكنون سواد العراق. ثوب حبير: جديد. والسّبال جمع سبلة وهي شعر الشارب، وقيل هي مقدّم اللحية خاصة (اللسان: حبر، سبل، نبط).
والخالديّة قرية من قرى الموصل. معجم البلدان 2/ 338، والفوات 4/ 25. ويقصد بنبيط الخالدية: الخالديّين
(7) أج د ش: يستطيل، وهو غلط والتصحيح من الديوان واليتيمة.(2/60)
مغض على ذلّ الحجّاب يردّه ... دامي الجبين تجهّم الحجّاب (1)
ومفوّهين تعرّضا لحرابتي ... فتعرّضت لهما صدور حرابي
نظرا إلى شعري يروق فترّبا ... منه خدود كواعب أتراب
شرباه فاعترفا له بعذوبة ... ولربّ عذب عاد سوط عذاب (2)
في غارة لم تنثلم فيها الظّبى ... ضربا ولم تبد القنا بخضاب (3)
تركت غرائب منطقي في غربة ... مسبيّة لا تهتدي لإياب
جرحى وما ضربت بحدّ مهنّد ... أسرى وما حملت على أقتاب (4)
لفظ صقلت متونه وكأنّه ... في مشرقات النّظم درّ سخاب (5)
وكأنّما أجريت في صفحاته ... حرّ اللّجين وخالص الزّرياب
أغربت في تحبيره فروّاته ... في نزهة منه وفي استغراب
وهي طويلة، وفي هذا القدر منها ما يكفي، وبالله (6) [سبحانه و] تعالى التوفيق.
__________
(1) ج: تهجم، وفي حاشيتها: «خ تجهم».
رجل مفوّه: قادر على المنطق والكلام، بليغ، منطيق، ولعله يسخر منهما. ترّبه: وضع عليه التراب. (اللسان: ترب، فوه). ويقصد بذلك أنهما شوّها شعره الشبيه بخدود الكواعب الأتراب.
(2) من قوله تعالى: {«فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذََابٍ»}. سورة الفجر 89/ 13.
(3) ب ش هـ و: تبد، أد: يبد، ج: يبد (بالباء والنون معا). الديوان واليتيمة: تند.
(4) ج، الديوان واليتيمة: الأقتاب.
والأقتاب: جمع قتب وقتب وهو إكاف البعير (اللسان: قتب).
(5) ب: مشرقات النظم در سحاب. د ش: مشرفات النظم در سحاب. أ: مشرفات سخاب. حاشية ج: «خ صح في مشرقات النظم در سحاب.، وكذلك هي في اليتيمة. وفي الديوان: مشرقات النظم در سخاب.
السّخاب: القلادة. والزّرياب: الذّهب. (اللسان: زرب، سخب).
(6) زيادة في ج د.(2/61)
60 - الصاحب ابن عباد (1)
هو أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد بن عباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني، منسوب إلى طالقان، من أعمال قزوين. كان وزيرا لفخر الدولة ابن ركن الدولة، وكان عالما، فاضلا كريما، أخذ الأدب عن ابن فارس (2)، صاحب المجمل، وصنّف المحيط في اللّغة في تسعة مجلدات، وغيره من الكتب. وهو أوّل من لقّب بالصاحب من الوزراء. وكان أبوه عبّاد وجدّه عباس (بن عباد) (3) وزيرين، ولذا قيل في حقه (4): (تام الكامل)
ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد
يروي عن العبّاس عبّاد وزا ... رته وإسماعيل عن عبّاد
ولد في ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلاثمائة بطالقان ومات في صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ومشى (5) فخر الدولة أمام جنازته، وأغلقت له مدينة الري واجتمع النّاس على باب قصره، وحضر فخر الدولة وغيره من الأمراء قد غيّروا لباسهم، فلما خرج نعشه صاح الناس صيحة واحدة.
__________
(1) (385هـ) ترجمته في اليتيمة 3/ 286188ومعجم الأدباء 6/ 317168والوفيات 1/ 233228، 416413 والوافي بالوفيات 9/ 141125ومعاهد التنصيص 4/ 136111والأعلام 1/ 316.
(2) سيترجم له برقم 71.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) البيتان لأبي سعيد الرستمي في مدح الصاحب، وهما في اليتيمة 3/ 190، 307، ومعجم الأدباء 6/ 257، 263
والوفيات 1/ 229228ومعاهد التنصيص 4/ 112. ونسبا في الوافي بالوفيات 9/ 126للسّلامي الشاعر الذي سيترجم له برقم 64.
وأبو سعيد الرّستمي هو محمد بن محمد بن الحسن من أبناء أصبهان وشعرائها المشهورين وكان من ندماء الصاحب ابن عباد المقربين. انظر اليتيمة 3/ 319300.
الإسناد في الحديث هو أن يتصل سنده من أوله إلى منتهاه. أصول الحديث 353. ويقصد به هنا أنه ورث الوزارة أبا عن أب.
والعباس هو جدّ الصاحب ابن عباد، وعبّاد هو والده، وإسماعيل هو صاحب الترجمة أنظر أول الترجمة.
(5) الخبر في الوفيات 1/ 232والوافي بالوفيات 9/ 127ومعاهد التنصيص 4/ 133.(2/62)
كان رحمه الله نادرة الدهر. وأعجوبة العصر. له الرسائل الغريبة والأشعار البديعة العجيبة، فمن بديع شعره، ونتائج فكره، قوله (1): (تام الكامل)
رقّ الزّجاج ورقّت الخمر ... فتشابها وتشاكل الأمر
فكأنّما خمر ولا قدح ... وكأنّما قدح ولا خمر
ومن نفائس غرره ودرره قوله في الغزل (2): (تام الخفيف)
لا ترجّوا صلاح قلبي بلومي ... حلف الجفن لا استقلّ بنوم
وهواه لئن تأخّر عنّي ... طول يومي، إنّي سيحضر يومي
وقوله (3): (تام الوافر)
وعهدي بالعقارب حين تشتو ... تخفّف سمّها وتقلّ ضرّا
فما بال الشتاء أتى وهذي ... عقارب صدغه تزداد شرّا
وقوله (4): (تام المتقارب)
عزمت على الفصد يا سيدي ... لفضل دم كظّني مؤلم
فلمّا تأخّرت عن مجلسي ... أرقت بغير اقتصاد دمي
وقوله (5): (مجزوء الرمل)
قال لي إنّ رقيبي ... سيّء الخلق فداره
قلت: دعني وجهك الجنّ ... ة حفّت بالمكاره
__________
(1) البيتان في ديوانه 176واليتيمة 3/ 259وأحسن ما سمعت 54والإعجاز 229، وخاص الخاص 161وحلبة الكميت 107
(2) ح د: وقوله في الغزل.
والبيتان في ديوانه 182واليتيمة 3/ 253والإعجاز 228وخاص الخاص 161160.
(3) ح: يخفف ويقل (بالياء والتاء للكلمتين معا). هامش ح: «خ يخفف لدغها». (بالياء والتاء معا).
والبيتان في الغزل، وهما في ديوانه 175واليتيمة 3/ 258وخاص الخاص 161.
(4) البيتان في الغزل في ديوانه 281واليتيمة 3/ 256والإعجاز 229وخاص الخاص 161.
كظّه الطعام: ملأه حتى لا يطيق النّفس. (القاموس: الكظة).
(5) البيتان في ديوانه 230واليتيمة 3/ 254والإعجاز 228وخاص الخاص 161. ومعجم الأدباء 6/ 261والوافي بالوفيات 9/ 138.
وفي البيت الأخير تضمين لحديث نبوي شريف هو «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النار بالشّهوات» وهو في الجامع الصحيح لمسلم 8/ 143142والإعجاز 21.(2/63)
وقوله في الثلج (1): (الخفيف)
أقبل الثّلج في غلائل نور ... وتهادى بلؤلؤ منثور
فكأنّ السّماء صاهرت الأر ... ض، فصار النّثار من كافور
وقوله في الوحل (2): (تام البسيط)
إنّي ركبت وكفّ الوحل كاتبة ... على ثيابي سطورا ليس تنكتم
فالأرض محبرة والحبر من لثق ... والطّرس ثوبي ويمنى الأشهب القلم
وقوله في ابن العميد (3): (تام الكامل)
قدم الرئيس مقدّما في سبقه ... وكأنّما الدّنيا سعت في طرقه
فبحارها من جوده وجبالها ... من حلمه، ورياضها من خلقه
وكأنّما الأفلاك طوع يمينه ... كالعبد منقادا لمالك رقّه
قد قاسمته نجومها فنحوسها ... لعدوّه، وسعودها في أفقه
ومن أمثاله السائرة قوله (4): (تام المتقارب)
وقائلة: لم عرتك الهموم ... وأمرك ممتثل في الأمم؟
فقلت: دعيني على غصّتي ... فإنّ الهموم بقدر الهمم
(5) (ومحاسنه رحمه الله كثيرة، ومياه بحار آدابه غزيرة، ويكفي في التنبيه عليها ما ذكرناه منها، وبالله سبحانه التوفيق).
__________
(1) البيتان في ديوانه 229وخاص الخاص 162وأحسن ما سمعت 79والإعجاز 229وهي في ثلاثة أبيات في اليتيمة 3/ 261أولها:
أقبل الثلج فانبسط للسرور ... ولشرب الكبير بعد الصغير
(2) ج: وكف الأرض ليس ينكتم.
والبيتان في ديوانه 281280واليتيمة 3/ 262والإعجاز 230229وخاص الخاص 162.
اللّثق: الماء والطين يختلطان. (اللسان: لثق).
(3) أول مقطعة في 8أبيات في أستاذه ابن العميد وهي في ديوانه 250249واليتيمة 3/ 158والأبيات في خاص الخاص 162.
(4) البيتان في ديوانه 280واليتيمة 3/ 274والإعجاز 228وخاص الخاص 160، والوافي بالوفيات 9/ 140.
(5) ما بين القوسين ساقط في ج د.(2/64)
61 - الصابي (1)
(2) هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن حبّون، بالحاء المهملة المفتوحة والباء الموحدة المشدّدة، الحرّاني (3) (المشهور بالصابي) صاحب الرسائل المشهورة. كان يكتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة، فقلد ديوان الرسائل سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، فكانت تصدر منه مكاتب إلى عضد الدولة (4) بما يؤلمه، فلما ملك بغداد اعتقله وعزم على إلقائه تحت أيدي الفيلة، وشفعوا فيه، فأطلقه. كان متشدّدا (5) في دينه ولم يسلم، وكان يصوم رمضان مع المسلمين ويحفظ القرآن.
وله (6) كتاب في أخبار الدولة الديلمية، أمره به عضد الدولة بعد إطلاقه، قيل إنه دخل عليه بعض أصدقائه، فرآه في شغل من التسويد: فقال له: ما تعمل؟
فقال: (7): أباطيل أنمّقها، وأكاذيب ألفّقها. فبلغ ذلك عضد الدولة، فأثار حقده عليه، فلم يزل مبعدا في أيامه إلى أن توفي في شوال سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
وله كلّ شيء حسن من المنظوم والمنثور. فمن محاسنه قوله (8): (الطويل)
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فو الله ما أدري أبالخمر أسبلت ... جفوني، أم من عبرتي كنت أشرب
__________
(1) (384هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 301241ومعجم الأدباء 2/ 9420والوفيات 1/ 5452والوافي بالوفيات 6/ 163158ومعاهد التنصيص 1/ 7861والأعلام 1/ 178.
(2) من الوفيات 1/ 52والوافي بالوفيات 6/ 159158بتصرف.
(3) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(4) هو أبو شجاع فنّا خسرو الملقب عضد الدولة البويهي، أحد المتغلبين على الملك في عهد الدولة العباسية بالعراق، تولى ملك فارس والموصل وبلاد الجزيرة (372هـ) اليتيمة 2/ 218216والوفيات 4/ 5550وحياة الحيوان 2/ 398 والأعلام 5/ 156.
(5) أب ج ش: مشددا، وأثبتنا ما في الوفيات 1/ 52. د: مشدودا، وهو غلط.
(6) الخبر في الوفيات 1/ 52ومعاهد التنصيص 1/ 64.
(7) د: فقال له.
(8) البيتان في اليتيمة 2/ 256والإعجاز 230وخاص الخاص 163162.(2/65)
وقوله في معرض المدح (1):
قل للوزير أبي محمّد الّذي ... قد أعجزت كلّ الورى أوصافه
لك في المحافل منطق يشفي الجوى ... ويسوغ في أذن الأديب سلافه
فكأنّ لفظك لؤلؤ متنخّل ... وكأنّما آذاننا أصدافه
وقوله (2): (تام البسيط)
له يد برعت جودا بنائلها ... ومنطق درّه في الطّرس ينتثر
فحاتم كامن في طيّ راحتها ... وفي أناملها سحبان مستتر
وقوله في تهنئة وزير معاد إلى عمله (3): (تام الكامل)
قد كنت طلّقت الوزارة عند ما ... زلّت بها قدم وساء صنيعها
فغدت بغيرك تستحلّ ضرورة ... كيما يحلّ إلى ذراك رجوعها
فالآن قد آبت وآلت حلفة ... أن لا يبيت سواك وهو ضجيعها
وقوله في التهنئة بعيد الفطر (4): (تام البسيط)
يا ماجدا يده بالجود مفطرة ... وفوه عن كلّ هجر صائم أبدا
اسعد بصومك إذ قضّيت واجبه ... نسكا ووفّيته من شهره العددا
واسحب من العيد أذيالا له جددا ... واستقبل العيد في إفطاره رغدا
__________
(1) الأبيات في مدح الوزير المهلبي الآتي ذكره، وهما في اليتيمة 2/ 273والمنتحل 12وخاص الخاص 163ومعاهد التنصيص 1/ 73والبيتان الثاني والثالث في الإعجاز 230.
وأبو محمد هو الحسن بن محمد الوزير المهلبي الذي سبق التعريف به في الصفحة 318الحاشية 1.
(2) البيتان في الإعجاز 230وخاص الخاص 163.
وحاتم هو حاتم بن عبد الله الطائيّ الشاعر الجاهليّ المشهور بالجود والسخاء وقد سبق ذكره في الصفحة 107.
وسحبان هو سحبان بن زفر الوائليّ خطيب يضرب به المثل في الفصاحة والبيان، عاش في الجاهلية والإسلام (54هـ) المعارف 611والأعلام 3/ 79.
(3) الوزير هو أبو نصر سابور بن أردشير، انظر اليتيمة 8/ 131124ومعجم الأدباء 2/ 83.
والأبيات في اليتيمة 2/ 284والإعجاز 231وخاص الخاص 164ومعجم الأدباء 2/ 84.
(4) الأبيات في اليتيمة 2/ 276وخاص الخاص 164والمنتحل 31وهي من قصيدة يهنّئ بها عضد الدولة كما جاء في اليتيمة.(2/66)
وقوله في التهنئة بعيد الأضحى (1): (الهزج)
مرجّيك وصابيكا ... بذا الأضحى يهنّيكا
وقد أوجز إذ قال ... مقالا هو يكفيكا
أراني الله أعداء ... ك في حال أضاحيكا
وكان أبو إسحاق الصابي (2) كاتب الإنشاء لعز الدولة بختيار بن معزّ الدولة أحمد بن بويه الديلمي (3)، فلمّا قتله عضد الدولة فنّا خسرو (4) قبض على أبي إسحاق الصابي فاصطفى أمواله واعتقله بسبب ما ذكرناه.
زاره أبو الفرج الببغاء (5)، وهو في السجن ثم قطعه، فكتب إليه الصابي (6): (الطويل)
أبا الفرج اسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدّهر حظّا إذا نكص (7)
مضت مدّة أستام ودّك غاليا ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص
وأنّستني في محبس بزيارة ... شفت قرما من صاحب لك قد خلص (8)
ولكنّها كانت كحسوة طائر ... فواقا كما يستفرص السّارق الفرص
__________
(1) من أبيات كتب بها إلى الشريف الرّضيّ الموسويّ وهي في اليتيمة 2/ 279والإعجاز 231وخاص الخاص 164.
والبيتان الأول والثالث في أحسن ما سمعت 180. والثالث في المنتحل 27.
(2) ج: الصابي في كتاب، وهو غلط.
(3) هو أحد سلاطين العراق من بني بويه، كان شديد البأس نشبت معارك بينه وبين ابن عمه عضد الدولة انتهت بمقتله سنة (367هـ) اليتيمة 2/ 219218والوفيات 1/ 268267، والأعلام 2/ 44.
(4) سبق التعريف في الصفحة 368الحاشية 4.
(5) سيترجم له بعد قليل برقم 62.
(6) من قصيدة في اليتيمة 1/ 252251والأبيات في الوفيات 3/ 200.
(7) حاشية أ: «خ نقص»
أستام: أغالي في الثمن عند البيع. (القاموس: السوم).
(8) د: بمحبس، وهو غلط.
القرم محركة شدّة الشوق إلى الحبيب. (القاموس: القرم). الفواق هو شخوص الرّيح من الصدر (اللسان: فوق) ويقصد أن زيارة صديقه كانت قصيرة.(2/67)
وأحسبك استوحشت في ضيق محبسي ... وعادك عيد من تذكّرك القفص
فعوفيت يا قسّ الطّيور فصاحة ... إذا سرد المنظوم أو درس القصص (1)
من المنسر الأشغى ومن حزّة المدى ... ومن بندق الرّامي ومن قصّة المقص
ومن صعدة فيها من الزّرق لهذم ... لفرسانهم عند الطّعان بها نغص
فهذي دواهي الطّير وقّيت شرّها ... إذا الدّهر من أحداثه جرّع الغصص
فأجابه أبو الفرج الببغاء بقوله (2): (الطويل)
أيا ماجدا في حلبة المجد ما نكص ... ويا كاملا في رتبة المجد ما نقص
ستخلص من هذا السّرار وأيّما ... هلال توارى في السّرار، وما خلص
بدولة تاج الملّة الملك الذي ... له في أعالي قنّة المشتري حصص
تقنّصت إنصافي وما كنت قبل ذا ... أظنّ بأنّ المرء بالبر يقتنص
فأصبحت لا أخشى أذيّة جارح ... ورأبك لي وكر وقلبك لي قفص
وترجمة الصابي أطول من هذا، ولو تتبعناها كغيرها (3) لطال الكتاب. وبالله تعالى التوفيق والهداية إلى سنن الصواب.
__________
(1) قسّ هو قسّ بن ساعدة حكيم العرب وأحد خطبائها وفصحائها المشهورين في الجاهلية أنظر المعارف 61والأعلام 5/ 196. ويلمح هنا إلى لقب صاحبه بالببغاء وهو طير ناطق فكأنه بين الطيور في نطقه كقس بن ساعدة بين الناس في فصاحته.
المنسر: منقار النسر. الأشغى: المتعقّف، قيل له ذلك لفضل في منقاره الأعلى على الأسفل. البندق جمع بندقة وهو الذي يرمى. الزّرق: الأسنّة والنّصال. لهذم: حادّ (اللسان: بندق، زرق، شغا، لهذم، نسر). فعوفيت. من المنسر هنا يدعو له بالنجاة من اصطياد النسر له والخ.
(2) الأبيات في اليتيمة 1/ 252والوفيات 3/ 201200مع أبيات أخرى.
السّرار: اختفاء القمر في آخر ليلة من الشهر. أدب الكاتب 69واللسان (سرر). ويريد أنه سيخلص من السجن كما يخلص القمر من السّرار.
(3) ج: لغيرها، د: غيرها، وهما غلط.(2/68)
62 - أبو الفرج الببغاء (1)
هو عبد الواحد بن نصر القرشيّ المخزوميّ، والببغاء لقب له، وهو في الأصل طائر أخضر وهو بتخفيف الباء الثانية، وقد تشدد، ولقّب به أبو الفرج للثغة كانت في لسانه. وهو شاعر مجيد، فمن غرر أحاسنه (2)، وبدائع محاسنه قوله في الغزل (3): (تام الكامل)
أو ليس من إحدى العجائب أنّني ... فارقته وحييت بعد فراقه؟
يا من يحاكي البدر عند تمامه ... ارحم فتى يحكيه عند محاقه
وقوله من قصيدة في سيف الدولة (4): (تام الكامل)
وكأنما نقشت حوافر خيله ... للنّاظرين أهلّة في الجلمد
وكأنّ طرف الشّمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الإثمد
قال أبو منصور الثعالبي (5): لم أسمع في الوداع أحسن من قوله (6):
(تام البسيط)
يا سادتي هذه نفسي تودّعكم ... إذ كان لا الصّبر يسليها ولا الجزع
__________
(1) (398هـ) ترجمته في اليتيمة 1/ 270236وتاريخ بغداد 11/ 1211والوفيات 3/ 202199. وإدراك الأماني 10/ 7473.
(2) ج د: احسانه.
(3) البيتان في شعره 2/ 311واليتيمة 1/ 259والإعجاز 218وخاص الخاص 150ولطائف اللطفل 148وإدراك الأماني 10/ 73.
المحاق: ما يرى من نقص في جرم القمر وضوئه في آخر الشهر القمري (المعجم الوسيط: محق)
(4) من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
سقت العهاد خليط ذاك المعهد ... ريا وحيّ البرق برقة ثهمد
منها ستة عشر بيتا في شعره 2/ 293292وسبعة أبيات في اليتيمة 1/ 267. والبيتان في الإعجاز 219وخاص الخاص 150والوفيات 3/ 202وإدراك الأماني 10/ 74.
(5) خاص الخاص 150.
(6) أب ج د ش: الحياة لكم. (لكم) غلط، والتصحيح من المصادر الآتية.
والأبيات في شعره 2/ 308واليتيمة 1/ 258257والإعجاز 218وخاص الخاص 150والوفيات 3/ 201.(2/69)
قد كنت أطمع في روح الحياة لها ... فالآن مذ بنتم لم يبق لي طمع
لا عذّب الله نفسي بالبقاء، فلا ... أظنّني بعدكم بالعيش أنتفع
قال (1): ولم أسمع في رمد المحبوب أحسن وأطرف من قوله (2): (الطويل)
بنفسي ما يشكوه من راح طرفه ... ونرجسه ممّا دها حسنه الورد
أراقت دمي ظلما محاسن وجهه ... فأضحى وفي عينيه آثاره تبدو
غدت عينه كالخدّ حتى كأنّما ... سقى عينه من ماء توريده الخدّ
لئن أصبحت رمداء مقلة مالكي ... لقد طال ما استشفت به مقل رمد
وبالله تعالى التوفيق.
63 - ابن يعقوب (3)
هو أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباريّ، أحد عدول بغداد. من محاسنه قوله يرثي وزير (4) عزّ الدولة (5) (بختيار) ابن معزّ الدولة أحمد
__________
(1) خاص الخاص 150.
(2) الأبيات في شعره 2/ 291واليتيمة 1/ 260والإعجاز 218وخاص الخاص 150وإدراك الأماني 10/ 74.
(3) (بعد 390هـ) شاعر مقلّ من الكتاب، وكان صوفيا واعظا. ترجمته في اليتيمة 2/ 375373 (وهو فيها: أبو بكر محمد بن أبي القاسم الأنباري) وتاريخ بغداد 3/ 35. والوفيات 5/ 124120ونكت الهميان 273272 والنجوم الزاهرة 4/ 130وإدراك الأماني 23/ 159157والأعلام 6/ 312.
(4) أب ج د ش: الوزير، وهو غلط.
ووزير عز الدولة المرثي هو أبو الطاهر محمد بن محمد المشهور بابن بقية. أنظر الوفيات 5/ 124118ونكت الهميات 273271والأعلام 6/ 312 (ترجمة محمد بن عمر ابن الأنباري).
(5) ما بين القوسين ساقط من د.(2/70)
ابن بويه الديلمي (1)، وكان قد قتله عضد الدولة فنّا خسرو (2)
وصلبه (3): (تام الوافر)
علوّ في الحياة وفي الممات ... بحقّ أنت إحدى المعجزات
كأنّ النّاس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصّلات
كأنّك قائم فيهم خطيبا ... وكلّهم قيام للصّلاة
مددت يديك نحوهم احتفاء ... كمدّهما إليهم بالهبات (4)
ولمّا ضاق بطن الأرض عن أن ... يضمّ علاك من بعد الممات
أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السّافيات (5)
لعظمك في النّفوس تبيت ترعى ... بحفّاظ وحرّاس ثقات
وتشعل عندك النّيران ليلا ... كذلك كنت أيّام الحياة
ركبت مطيّة، من قبل زيد ... علاها في السّنين الماضيات (6)
ولم أرقبل جذعك قطّ جذعا ... تمكّن من عناق المكرمات
أسأت إلى النّوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثأر النّائبات
وكنت تجير من صرف اللّيالي ... فعاد مطالبا لك بالتّرات
وصيّر دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السّيّئات
وكنت لمعشر سعدا فلمّا ... مضيت تفرّقوا بالمنحسات
__________
(1) سبق التعريف به في الصفحة 370الحاشية 3.
(2) سبق التعريف به في الصفحة 368الحاشية 4.
(3) القصيدة في اليتيمة 2/ 375373والوفيات 5/ 121120ونكت الهميان 272/ 273وتاج المفرق، 2/ 7675وحياة الحيوان 1/ 157والنجوم الزاهرة 4/ 131130. ومنها خمسة أبيات في الغيث المسجم 2/ 307 (ط. العلمية).
(4) أب ج د ش: كمدها، وهو غلط، والتصحيح من اليتيمة والوفيات وتاج المفرق والنجوم الزاهرة والغيث المسجم.
(5) حاشية ج: «صح خ تراب السافيات».
(6) أب ج د ش: زيدا، وهو غلط.
وزيد هو زيد بن علي بن الحسين، وسيعرف به المؤلف بعد قليل.(2/71)
غليل باطن لك في فؤادي ... يخفّف بالدّموع الجاريات
ولو أنّي قدرت على قيام ... بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات
وما لك تربة فأقول: تسقى ... لأنّك نصب هطل الهاطلات
عليك تحيّة الرحمن تترى ... برحمات غواد رائحات
وهي قصيدة لم يقل أحد في مصلوب مثلها، وكتبها (1) الشاعر المذكور نسخا ورمى بها في شوارع بغداد، فتداولها الأدباء إلى أن وصل خبرها عضد الدولة وأنشدت بين يديه، فتمنّى أن يكون هو المصلوب، وقال: عليّ بهذا الرّجل، فطلب سنة كاملة. واتّصل الخبر بالصاحب ابن عباد، فكتب له إلى عضد الدولة بالأمان، وأمر به فحضر إليه، فقال له الصاحب: أنشدنيها فلما بلغ فيها إلى قوله:
ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكّن من عناق المكرمات
قام إليه الصاجب وقبّل فاه، وأنفذه إلى عضد الدولة، فقال له: ما حملك على رثاء عدوي؟ فقال: حقوق وجبت وأياد سلفت، فجاش الحزن في قلبي فرثيت.
وكان بين يديه شموع (2) تزهر (3)، فقال: هل يحضرك شيء في الشّموع، فقال (4): (تام المتقارب)
كأنّ الشّموع وقد أظهرت ... من النّار في كلّ رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين ... تضرّع تطلب منك الأمانا (5)
__________
(1) الخبر في الوفيات 5/ 121ونكت الهميان 273والغيث المسجم 2/ 307. (ط. العلمية) وتاج المفرق 2/ 76.
(2) د: شموس، وهو غلط.
(3) ج: تزنه، وهو غلط.
(4) البيتان في الوفيات 5/ 122وتاج المفرق 2/ 76.
(5) د: أمانا.(2/72)
فخلع عليه وأعطاه فرسا وبدرة (1).
وزيد المذكور في قوله:
ركبت مطية من قبل زيد ... علاها في السّنين الماضيات
يعني به زيد بن عليّ بن الحسين (2) رضي الله عنهم وكان قد خرج على هشام بن عبد الملك فقتله يوسف (3) بن عمر (4) (الثقفيّ وصلبه (هو) (5)
وجماعة من أصحابه عراة. وروى الزبيريون (6) أنه كان (7) (بين) يوسف بن عمر (4))، ورجل إحنة، فكان يطلب عليه علّة. فلما ظفر بزيد وأصحابه أحسّوا بالصلب، فأصلحوا من أبدانهم، فاستحدّوا (8). فصلبوا عراة. وأخذ يوسف بن عمر عدوّه ذلك، فنحله أنه كان من أصحاب زيد فقتله وصلبه، ولم يكن استحدّ (9) له لأنه (4) (كان)، عند نفسه آمنا. وكان بالكوفة رجل معتوه، عقيدته (10) التّشيّع (11). فكان يجيء فيقف على زيد وأصحابه، فيقول:
__________
(1) ج: بدرة وفرسا.
(2) هو الذي يقال له زيد الشهيد، عدّه الجاحظ من خطباء بني هاشم، ثار على الأمويين فقتل وصلب، وإليه تنسب طائفة الزّيديّة (122هـ) نسب قريش 6160والأخبار الطوال 344 (ط. بغداد) وتاريخ اليعقوبي 3/ 5756وتاريخ الطبري 7/ 173160، 191180ومقاتل الطالبيين 151127 (ط. البابي الحلبي) والفرق بين الفرق 2625 وتهذيب ابن عساكر 6/ 2717والوفيات 5/ 122، 6/ 111110والملل والنحل 1/ 156154والفوات 2/ 3835 وتاريخ ابن خلدون 3/ 1/ 213209وتهذيب التهذيب 3/ 420419والأعلام 3/ 59.
(3) هو ابن عمّ الحجاج بن يوسف الثقفيّ، وقد ولي اليمن لهشام بن عبد الملك ثم نقله إلى ولاية العراق وأضاف إليه إمرة خراسان (127هـ) تاريخ الطبري 7/ 148، 169، 207179والوفيات 7/ 112101والأعلام 8/ 243.
(4) ما بين القوسين ساقط من د.
(5) ما بين القوسين ساقط من ب ج.
(6) الزبيريون ينتسبون إلى سلالة عبد الله بن الزّبير بن العوام الصحابيّ الجليل المشهور، وقد ظهر منهم علماء في الأنساب والأخبار والرواية كأبي عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيريّ صاحب (نسب قريش) المتوفى سنة 236هـ.
والزبير بن بكار بن عبد الله صاحب (نسب قريش وأخبارها) والمطبوع باسم (جمهرة نسب قريش) أنظر طبقات ابن سعد 5/ 186178وجمهرة الأنساب 114112 (ت. بروقنسال) ومقدمة محقق نسب قريش 65والأعلام 3/ 42.
(7) ما بين القوسين ساقط من ج.
(8) استحدّوا: حلقوا شعر العانة. (اللسان: حدد).
(9) أب ج د ش: استعد، والأصوب: استحدّ.
(10) أب ج د ش: عقده وهو غلط والأصوب: عقيدته أو يعتقد.
(11) د: التشييع، وهو غلط.(2/73)
صلى الله عليك يا ابن رسول الله، فقد جاهدت في الله حقّ جهاده، وأنكرت الجور ودافعت الظالمين. ثم يقبل عليهم رجلا رجلا، فيقول: وأنت يا فلان فجزاك الله خيرا فقد جاهدت في الله حق جهاده، وأنكرت الجور ونصرت ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى يقف على عدوّ يوسف فيقول: فأمّا أنت يا فلان، فوفور، عانتك يدلّ على أنّك بريء ممّا قذفت به.
رحمنا الله وإياهم بمنّه وفضله.
64 - السلامي (1)
(2) هو أبو الحسن بن محمد بن عبد الله بن محمد المخزومي، من ذرية الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو منسوب إلى مدينة السّلام وهي بغداد. قال الثعالبي في حقه (3): هو من أشعر أهل العراق قولا بالإطلاق. ولقي جماعة من الشعراء منهم الببغاء (4) وأبو عثمان الخالدي (5) وأبو الحسن التّلّعفري (6)، فأعجبتهم براعته، إلا أنهم كانوا يتهمونه فيما ينشدهم لحداثة سنّه، حتى صنع الخالديّ دعوة للشعراء فدعاهم وفيهم السلامي، فلم يلبثوا أن جاء
__________
(1) (393هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 430195وتاريخ بغداد 2/ 335 (وهو فيه محمد بن عبيد الله) والوفيات 4/ 409403والوافي بالوفيات 3/ 319317وإدراك الأماني 1/ 191188.
(2) من الوافي بالوفيات 3/ 318317بتصرف إلى قوله: «وله فيها أهاج كثيرة». والخبر في الوفيات 4/ 404403
(3) اليتيمة 2/ 396395والقول في الوفيات 4/ 405404.
(4) سبقت ترجمة الببغاء برقم 62.
(5) سبقت ترجمة أبي عثمان الخالدي برقم 58.
(6) هو علي بن أحمد ويعرف بأبي الحسن التّلّعفريّ شاعر معاصر للسلآمي أنظر اليتيمة 1/ 284. وهو غير محمد بن يوسف التلعفري الشاعر المشهور (675هـ) الفوات 4/ 7162والوافي بالوفيات 5/ 263255. والأعلام 7/ 151.(2/74)
مطر شديد وبرد حتى غطّى وجه الأرض، فألقى الخالديّ نارنجا (1) كان هناك وقال:
صفوا هذا! فقال السلامي ارتجالا (2): (مجزوء الكامل)
لله درّ الخالديّ ... الأوحد النّدب الخطير
أهدى لماء المزن عن ... د جموده نار السّعير
لا تعذلوه فإنما ... بعث الخدود إلى الثّغور
فلما رأوا ذلك أمسكوا عنه إلّا التّلّعفري، فقال السّلاميّ فيه يهجوه (3):
(تام الوافر)
سما التّلّعفريّ إلى وصالي ... ونفس الكلب تكبر عن وصاله
ينافي خلقه خلقي وتأبى ... فعالي أن تضاف إلى فعاله
فصنعتي النّفيسة في لساني ... وصنعته الخسيسة في قذاله
فإن أشعر فما هو من رجالي ... وإن يصفع فما أنا من رجاله
وله فيه أهاج كثيرة.
ومن محاسنه قوله، وهو أول شعر قاله (4): (المنسرح)
بدائع الحسن فيه مفترقه ... وأعين النّاس فيه متّفقه
سهام ألحاظه مفوّقة ... فكلّ من رام لحظه رشقه
قد كتب الحسن فوق وجنته ... هذا مليح وحقّ من خلقه
__________
(1) النّارنج: فارسي معرّب نارنك، وهو نوع من اليمون. (تاج العروس: نرج، وأقرب الموارد: نرنج).
(2) الأبيات في اليتيمة 2/ 396والوفيات 4/ 405والوافي بالوفيات 3/ 318.
شبه النارنج بالنار في لونه، وشبه البرد بالثغور في بياضه.
(3) الأبيات في اليتيمة 2/ 397والوفيات 4/ 405والوافي بالوفيات 3/ 318.
(4) من مقطعة في أربعة أولها:
ظبي إذا لاح في عشيرته ... يطرق بالهمّ قلب من طرقه
وهي في تاريخ بغداد 2/ 335، والأبيات الثلاثة في اليتيمة 2/ 395والوفيات 4/ 404والوافي بالوفيات 3/ 317.
سهام مفوّقة: وضعت في الوتر ليرمى بها. (اللسان: فوق).(2/75)
ومن غرره ونفائس درره قوله من قصيدة مدح بها عضد الدولة ابن بويه (1): (الطويل)
إليك طوى عرض البسيطة جاعل ... قصارى المطايا أن يلوح لها القصر
فكنت وعزمي في الظلام وصارمي ... ثلاثة أشياء كما اجتمع النّسر
وبشّرت آمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدّهر
(2) ومثله قول المتنبي (3): (الطويل)
هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدّنيا، وأنت الخلائق
وقول القاضي الأرّجاني (4): (تام البسيط)
يا سائلي عنه لمّا جئت أمدحه ... هذا هو الرّجل العاري من العار
لقيته فرأيت النّاس في رجل، ... والدّهر في ساعة، والأرض في دار
قال الصلاح الصفدي في وافيه (5): والسّلامي في هذا المعنى في الطبقة الأولى حسنا والأرّجانيّ في الوسطى والمتنبي في السّافلة مع نقص المعنى.
ومن (6) غرر شعر السّلامي قوله (7): (مجزوء الكامل)
نبّهت ندماني وقد ... عبرت بنا الشّعرى العبور
والبدر في أفق السّما ... ء كروضة فيها غدير
__________
(1) سبق التعريف به في الصفحة 368الحاشية 4.
ح د: أرض البسيطة (أرض) غلط.
والأبيات في اليتيمة 2/ 401والوفيات 4/ 407والوافي بالوفيات 3/ 318.
(2) الخبر في الوفيات 4/ 407والوافي بالوفيات 3/ 318.
(3) من قصيدة في مدح الحسين بن إسحاق التنوخي مطلعها:
هو البين حتّى ما تأتّى الحزائق ... ويا قلب حتى أنت ممّن أفارق
وهي في ديوانه 2/ 350341والبيت في الوفيات 4/ 407والوافي بالوفيات 3/ 318.
(4) سيترجم له برقم 102.
والبيتان أول مقطعة في ثلاثة أبيات في المدح وهي في ديوانه 2/ 786785والبيتان في الوفيات 4/ 407والوافي بالوفيات 3/ 318.
(5) الوافي بالوفيات 3/ 319.
(6) من الوافي بالوفيات 3/ 319إلى آخر الأبيات.
(7) من قصيدة في مدح عضد الدولة حسب ما في اليتيمة 2/ 417415وهي فيها 19بيتا ومنها 12بيتا في الوفيات 4/ 408. والأبيات في الوافي بالوفيات 3/ 319.(2/76)
هبّوا فقد أعيا الرقي ... ب ونام وانتبه السّرور
وأشار إبليس فقل ... نا كلّنا: نعم المشير
(منها (1)):
طاف السّقاة بها كما ... أهدت لك الصّيد الصّقور
عذراء يكتمها المزا ... ج كأنّها فيه ضمير
ويظنّ تحت حبابها ... خدّ تقبّله ثغور
قال الشيخ أبو منصور الثعالبي (2) رحمه الله: سمعت أبا القاسم (3) عبد الصمد ابن بابك يقول: كان السّلاميّ أشعر شعراء بغداد بعد ابن نباتة (4) وأمير شعره وغرّة كلامه قوله في تشبيب قصيدة له في الصاحب إسماعيل بن عباد (5):
(تام الوافر)
نحن أولاك نطلب من بعيد ... لعزّتنا وندرك من قريب
تبسّطنا على الآثام لمّا ... رأينا العفو من ثمر الذّنوب
قال (6): وكان الصاحب إذا أنشد هذا البيت الأخير يقول: هذا والله معنى قد كان يدور في خاطر الناس فيحومون حوله ويرفرفون عليه ولا يتوصلون إليه على قرب مأخذه حتى جاء السّلاميّ فأفصح (7) عنه، وأحسن ما شاء ولم يدر ما رمى به.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج.
ج د: أهدى.
(2) خاص الخاص 170والإعجاز 236.
(3) د: عبد القاسم، وهو غلط.
وعبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أحد الشعراء المجيدين المكثرين (410هـ) خاص الخاص 196195 والوفيات 3/ 198196والأعلام 4/ 11.
(4) سيترجم له برقم 84.
(5) من قصيدة حسب ما في اليتيمة 2/ 398397وهي فيها 24بيتا. والبيتان في خاص الخاص 170والإعجاز 236 والبيت الثاني في الوفيات 4/ 406.
(6) خاص الخاص 170.
(7) ج: فاصفح، وهو غلط.(2/77)
ومن (1) بدائعه قوله في غلام بيده مرآة (2): (المنسرح)
رأيته والمرآة في يده ... كأنّها شمسة على ملك
فقلت للصّورة التي احتجبت ... من غير زهد بنا ولا نسك:
يا أشبه النّاس بالحبيب ألا ... تخبرنا عنك غير مؤتفك
قال: أنا البدر زرت بدركم ... وبيننا قطعة من الفلك
وقوله من تشبيب قصيدة (3): (تام البسيط)
ما ضنّ عنك بموجود ولا بخلا ... أعزّ ما عنده النّفس التي بذلا
يحكي المطايا حنينا والهجير حمى ... والمزن دمعا وأطلال الدّيار بلى
ومحاسن السّلامي رحمه الله كثيرة (4) (وبحار (5) معانيه غزيرة)، وحسبنا منها ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
65 - ابن بختيار البغدادي (6)
هو محمد بن بختيار، ويعرف بالأبله (7)، لقّب بذلك لأنّه كان غاية في الذكاء من باب وصف الشيء بوصف ضدّه، كما قيل للأسود كافور. (8) (كان شاعرا مطبوعا رقيق حاشية البيان لطيف المعاني، حسن النّادرة) من غرر شعره
__________
(1) من خاص الخاص 171170.
(2) الأبيات في اليتيمة 2/ 396وخاص الخاص 171170.
(3) البيتان في اليتيمة 2/ 406وخاص الخاص 171.
(4) ما بين القوسين ساقط من ش.
(5) أ: وبحار. ب ج د: ومياه. حاشية أ: وغروب.
(6) (579هـ) ترجمته في مرآة الزمان 8/ 380379والوفيات 4/ 465463والوافي بالوفيات 2/ 246244 وإدراك الأماني 10/ 5958والأعلام 6/ 50.
(7) من الوافي بالوفيات 2/ 245بتصرف والخبر في الوفيات 4/ 465
(8) ما بين القوسين ساقط من ج د.(2/78)
وفرائد درّه قوله (1) (وهو في غاية الرقة) (2): (تام الكامل)
دعني أكابد لوعتي وأعاني ... أين الطليق من الأسير العاني!؟
آليت لا أدع السّلوّ يمرّ بي ... من بعد ما أخذ الغرام عناني (3)
منها:
يا برق إن تجز العقيق فطالما ... أغنته عنك سحائب الأجفان (4)
هيهات أن أنسى رباك ووقفة ... فيها أغير بها على الغيران
ومهفهف ساجي اللّحاظ حفظته ... فأضاعني وأطعته فعصاني
يصمي قلوب العاشقين بمقلة ... طرف السّنان وطرفها سيّان (5)
خنث الدّلال بشعره وبثغره ... يوم الوداع أضلّني وهداني
(6) (ما قام معتدلا يهزّ قوامه ... إلّا وبانت خجلة في البان) (6)
يا أهل نعمان إلى وجناتكم ... تعزى الشقائق لا إلى النّعمان (7)
ما يفعل المرّان من يد قلّب ... في القلب فعل مرارة الهجران
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ب ج د.
(2) من قصيدة ورد منها اثنا عشر بيتا في الوفيات 4/ 464وأحد عشر بيتا في الوافي بالوفيات 2/ 245والأبيات في إدراك الأماني 10/ 5958.
(3) د: السرور، وهو غلط.
(4) العقيق: هو كل مسيل ماء شقّه السّيل فأنهره ووسّعه. ويقصد عقيق المدينة وفيه عيون ونخل وهو على بعد ليلتين منها.
معجم ما استعجم 3/ 953952ومراصد الاطلاع 2/ 952. ساجي اللحاظ: ساكنها. (القاموس: سجا).
(5) ج: طرف السنين. (السنين) غلط.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.
د: وبات، وهو غلط.
(7) نعمان (الأول) بفتح النون: بلد، ويقال له نعمان الأراك وهو بمكة. ونعمان (الثاني) بضم النون: الدم، وأضيفت الشقائق إليه لحمرته، أو هو إضافة إلى ابن المنذر لأنه حماه. المرّان: الرّماح الصّلبة اللدنة الواحدة مرّانة. قلّب: محتال بصير بتقلّب الأمور. (اللسان والقاموس: قلب، مرن، نعم).(2/79)
وقوله وقد مرّ بباب دار (1) (بعض) من كان يودّه، فوجد خلوة فكتب (2):
(تام السريع)
دارك يا بدر الدّجى جنّة ... بغيرها نفسي ما تلهو
وقد روي في خبر أنّه ... أكثر أهل الجنّة البله
وقوله (3): (مجزوء الكامل)
يا ذا الذي كفل اليتي ... م وقصده كفل اليتيم
إن كنت ترغب في النّعي ... م فقد حصلت على الجحيم
وهو القائل (4) البيت المشهور: (تام البسيط)
لا يعرف الشوق إلّا من يكابده ... ولا الصّبابة إلّا من يعانيها
والله سبحانه وتعالى أعلم.
66 - ابن سكره (5)
(6) هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن سكّرة الهاشمي، من ولد علي بن المهدي (7)، كان شاعرا جيّد الشعر، مطبوع القول، خفيف الروح، طيبّ المزاح، حسن النادرة. وكان أهل بغداد يقولون (8): إن زمانا جاد بابن سكّرة
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(2) البيتان في الوفيات 4/ 465والوافي بالوفيات 2/ 246وإدراك الأماني 10/ 59.
«أكثر أهل الجنّة البله» حديث ضعيف، وهو في الفردوس 1/ 362ومجمع الزوائد 8/ 79.
(3) البيتان في مرآة الزمان 8/ 379والوافي بالوفيات 2/ 246وإدراك الأماني 10/ 59.
الكفل محركة: العجز أوردفه. (القاموس: الكفل).
(4) ج د: وهو قائل.
والبيت في الوفيات 4/ 464والوافي بالوفيات 2/ 245وإدراك الأماني 10/ 59.
(5) (385هـ) ترجمته في اليتيمة 3/ 293وتاريخ بغداد 5/ 466465وشرح المقامات 2/ 2726والوفيات 4/ 414410والوافي بالوفيات 3/ 312308. وحياة الحيوان 1/ 206205والشذرات 3/ 118117وإدراك الأماني 17/ 4542. والأعلام 6/ 225 (وهو فيها محمد بن عبد الله).
(6) من الوفيات 4/ 410والوافي بالوفيات 3/ 312308بتصرف.
(7) حاشية ج: «ط: ابن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي».
وفي الوفيات 4/ 410: ابن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي.
(8) اليتيمة 3/ 3والوفيات 4/ 410والوافي بالوفيات 3/ 309والشذرات 3/ 118.(2/80)
وابن الحجاج (1) لسخيّ جدّا. ويشبّهونهما بالفرزدق وجرير. يقال إن ديوانه يزيد على خمسين ألف بيت. وكان معروفا بالسخف، وما أورده الثعالبي في اليتيمة من نوادره هي أكثر من ذلك. فمن مليح شعره قوله (2): (مخلع البسيط)
تهت علينا ولست فينا ... وليّ عهد ولا خليفه
فلا تقل ليس فيّ عيب ... قد تقذف الحرّة العفيفه
والشّعر نار بلا دخان ... وللقوافي رقى لطيفه
كم من أثيل المحلّ سام ... هوت به أحرف خفيفه (3)
لو هجي المسك وهو أهل ... لكلّ مدح لصار جيفه
فته وزد ما عليّ جار ... يقطع عنّي ولا وظيفه (4)
وينسب إليه وهو لطيف جدا (5): (مجزوء الرمل)
نزلتي بالله زولي ... وانزلي غير لهاتي
واتركي حلقي بحقّي ... فهو دهليز حياتي
ومن (6) عجائب ملحه قوله في غلام بيده غصن نور: (تام الخفيف)
غصن بان أتى وفي اليد منه ... غصن فيه لؤلؤ منظوم
__________
(1) سيترجم له بعد هذه الترجمة مباشرة. ويكتب بالألف اللام، وبدونهما.
(2) الأبيات في هجاء بعض الرؤساء وهي في اليتيمة 3/ 15والوفيات 4/ 412. والوافي بالوفيات 3/ 309وإدراك الأماني 17/ 43.
(3) حاشية ج «خ من أثيل» أب ج د ش: ثقيل.
أثيل المحلّ: أصيل قديم دائم. (اللسان: أثل)
(4) جار: أي مال جار عليّ من قبلك وفي اللسان: رزق جار أي دائم متصل (اللسان: جرا).
(5) البيتان في اليتيمة 3/ 27وخاص الخاص 167وإدراك الأماني 17/ 43.
النّزلة: الزكام. (القاموس: النزول).
(6) من خاص الخاص 167والبيتان فيه، وفي اليتيمة 3/ 3وأحسن ما سمعت 127. وشرح المقامات 2/ 26والوفيات 4/ 411410وإدراك الأماني 17/ 43والبيت الأول في الإعجاز 233.(2/81)
فتحيّرت بين غصنين في ذا ... قمر طالع وفي (ذا) نجوم (1)
وقوله في الغزل (2): (تام المنسرح)
في وجه إنسانة كلفت بها ... أربعة ما اجتمعن في أحد
الخدّ ورد والصّدغ غالية ... والرّيق خمر والثّغر من برد
وقوله في مهدي دواة (3): (تام البسيط)
أخ مزجت بروحي روحه وجرى ... منّي كمجرى دمي، في الجسم أفديه
أهدى إليّ دواة لو كتبت بها ... دهرا أياديه لم تنفد أياديه
وقوله (4): (مجزوء الرمل)
قيل: ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدّه
قلت: درّاعة عري ... تحتها جبّة رعده
والبيتان المشهوران اللذان أسّس الحريريّ عليهما المقامة (5) (الكرجية وهي) الخامسة والعشرون (6)، أعني قوله (7): (تام البسيط)
جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) البيتان في اليتيمة 3/ 7والإعجاز 233وخاص الخاص 167وشرح المقامات 2/ 27وإدراك الأماني 17/ 43والبيت الثاني في أحسن ما سمعت 109.
الصّدغ بالضم: ما بين العين والأذن، والشّعر المتدلّي على هذا الموضع. غالية: طيب. (القاموس: الصدغ، غلت).
(3) د: كمجرى دمعي. (دمعي) غلط. ج د: بالنفس أفديه.
والبيتان في اليتيمة 3/ 26وخاص الخاص 167والإعجاز 233وإدراك الأماني 17/ 43.
(4) ج د: قيل لي ما. (لي) زائدة. د: تحته، وهو غلط.
والبيتان في اليتيمة 3/ 25وشرح المقامات 2/ 27والوفيات 4/ 412والوافي بالوفيات 3/ 309والشذرات 3/ 118 وإدراك الأماني 17/ 43.
درّاعة: ثوب. (القاموس: درع).
(5) ما بين القوسين ساقط من ج د.
(6) شرح المقامات 2/ 20.
(7) البيتان في شرح المقامات 2/ 2827والوفيات 4/ 413412والوافي بالوفيات 3/ 310والنجوم الزاهرة 5/ 358 والشذرات 3/ 118وإدراك الأماني 17/ 43.
الكنّ بالكسر: البيت. الكيس بالكسر للدراهم لأنه يجمعها. الطّلاء: الخمر، وقد قصر للضرورة الشعرية. الكسّ بالضم الفرج. والكساء واحد الأكسية، قصر المضرورة الشعرية (القاموس: طلى، كس، الكسوة، الكن، الكيس).(2/82)
كنّ وكيس وكانون وكأس طلا ... مع الكباب وكسّ ناعم وكسا
وقد نظم الناس في هذا الأسلوب كثيرا (1). قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (2)
رحمه الله: لما قرأت المقامات الحريرية على الشيخ شهاب الدين أبي الثناء محمود الحلبي (3) الكاتب، ووصل إلى بيتي ابن سكّرة (4) أنشدني لبعضهم مواليا (5): (البسيط)
لقيتها قلت: وقّيني من الآفات ... بالله ارحمي صبّك المضنى وإلا فات
قالت: تريد بأحدوثه وخرافات ... تنصب علينا وتأخذ سادس الكافات
يريد بسادس الكافات الكاف السادس الواقع في بيتي ابن سكرة وهو من بديع التلميح.
ومثله قول امرأة من الظّرفاء كانت ملتفّة في كساء، وقد قيل لها من أنت؟
فقالت: أنا السادس في السابع، تشير إلى السادس والسابع من كافاته، فكأنها قالت: أنا الكسّ الناعم في الكساء.
والكسّ بالضم، قال في القاموس: الكسّ (6) ليس من كلامهم، وإنما هو
__________
(1) أنظر بعض ذلك في الوافي بالوفيات 3/ 312310والنجوم الزاهرة 5/ 359358.
(2) الوافي بالوفيات 3/ 310والغيث المسجم 2/ 458 (ط. العلمية).
(3) هو محمود بن سليمان أديب كبير، وشاعر مكثر عمل في دواوين الإنشاء بالشام ومصر وله تآليف كثيرة (725هـ) الفوات 4/ 9682والأعلام 7/ 172.
(4) ج: بيت، وهو غلط.
(5) الوافي بالوفيات والغيث المسجم: وإلا مات. ب ج د: وإخرافات، وهو غلط.
والبيتان في الوافي بالوفيات 3/ 310والغيث المسجم 2/ 458والنجوم الزاهرة 5/ 358.
(6) أب ج د ش وإدراك الأماني 17/ 44: الحر، وهو غلط. والتصحيح من القاموس (الكس).(2/83)
مولّد، انتهى. وفي القول المأنوس (1) حكى أبو حيان (2) عن النحاس (3) أنه سمع من العرب (4): (تام السريع)
يا عجبا للسّاحقات الورس ... الواضعات الكسّ فوق الكسّ
فيكون على هذا من كلام العرب لا من كلام المولدين، وقال ابن التعاويذي (5)
في نوع بيتي ابن سكّرة وأسلوبه: (الطويل)
إذا اجتمعت في مجلس الشّرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنها صواب
شواء وشمّام وشهد وشادن ... وشمع وشاد مطرب وشراب
__________
(1) القول المأنوس 139. والخبر في تاج العروس (كسس).
والقول المأنوس بتحرير ما في القاموس: معجم في اللغة لمحمد بن يحيى القرافي، وهو فقيه مالكي، وعالم في اللغة من أهل مصر، ولي قضاء المالكية فيها (1008هـ) نيل الابتهاج 342وخلاصة الأثر 4/ 262258وتاج العروس 1/ 3 (مقدمة) والأعلام 7/ 141.
(2) أبو حيان هو محمد بن يوسف الغرناطيّ، من كبار علماء العربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات (745هـ) الفوات 4/ 7971وبغية الوعاة 1/ 285280، والأعلام 7/ 152.
(3) النحاس هو أبو جعفر أحمد بن محمد النحويّ المصريّ من كبار علماء النحو واللغة (338هـ) معجم الأدباء 4/ 230224والوفيات 1/ 10099وبغية الوعاة 1/ 362.
(4) البيت في البحر المحيط 3/ 195والقول المأنوس 139وإدراك الأماني 17/ 44. وفيها (الورس)، وهو في تاج العروس (كسس)، وفيه: الدّرس بدل الورس.
الدّرس: الفرج. السّاحقات جمع ساحقة، والسّحق حكّ المرأة فرجها بفرج مثلها. (تاج العروس: درس، كسس). الورس:
نبت أصفر يستخرج منه صبغ الغمرة يطلى به وجه العروس. (اللسان: غمر، ورس).
(5) هو أبو الفتح محمد بن عبيد الله المعروف بابن التعاويذي شاعر مشهور وكاتب بارع (584هـ) معجم الأدباء 18/ 249235والوفيات 4/ 473466ونكت الهميان 263259.
والبيتان في ديوانه 49والوافي بالوفيات 3/ 310ونكت الهميان 263والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 17/ 44.
الشّمّام: بطيخ مخطّط بحمرة وخضرة وصفرة (تاج العروس وأقرب الموارد: شمم). الشّهد: العسل ما دام لم يعصر من شمعه، وقيل هو العسل ما كان. الشادن: ولد الظبية الذي قوي وصلح جسمه وترعرع. الشادي: المغنّي (اللسان: شدا، شدن، شهد) يقصد بالشادن هنا المرأة الشابة.(2/84)
وقال ابن قزل (1) في نحو ذلك: (تام البسيط)
عجّل إليّ فعندي سبعة كملت ... وليس فيها من اللّذات إعواز
طار وطبل وطنبور وطاس طلا ... وطفلة وطباهيج وطنّاز
وقال في ذلك أيضا (2): (تام البسيط)
جاء الخريف وعندي من حوائجه ... سبع، بهنّ قوام السمع والبصر
موز ومنّ ومحبوب ومائدة ... ومسمع ومدام طيّب ومري
وقال آخر في ذلك (3): (الطويل)
رمتنا يد الأيام عن قوس خطبها ... بسبع وهل ناج من السّبع سالم
غلاء وغارات وغزر وغربة ... وغمّ وغدر ثم غبن ملازم
__________
(1) ابن قزل لعله عليّ بن عمر بن قزل، وهو شاعر ظريف من أمراء التركمان تولّى شدّ الدواوين بدمشق، فعرف بالمشدّ، ولد بمصر وتوفي بدمشق سنة 556هـ الفوات 3/ 5651والبداية والنهاية 13/ 197والنجوم الزاهرة 7/ 6564.
والشذرات 5/ 280والأعلام 4/ 315.
والبيتان في الوافي بالوفيات 3/ 310والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية) والنجوم الزاهرة 5/ 358وإدراك الأماني 17/ 44.
الطّنبور: آلة موسيقية. (ملحق دوزي: طنبر). الطّلاء: الخمر وهو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. جارية طفلة: رقيقة البشرة ناعة. الطباهجة ضرب من قليّ الطعام. الطّنّاز: الساخر المستهزئ، يقصد به المضحك. (اللسان:
طبهج، طفل، طلى، طنز).
(2) البيتان في الوافي بالوفيات 3/ 311310والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية).
المنّ: شبه العسل، كان ينزل على بني إسرائيل. والمريّ: الرجل المقبول في خلقه وخلقه. (اللسان: مرا، منن) ويقصد بالمنّ هنا العسل. ويقصد بالمري هنا المنادم الحسن المعاشرة.
(3) البيتان في الوافي بالوفيات 3/ 311والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 17/ 44.
الغبن في البيع والشراء: الوكس. غبنه يغبنه غبنا: خدعه (اللسان: غبن).(2/85)
قال الشيخ شهاب الدين محمود (1): من خاصية هذا النوع أنه لا بد أن يكون بعض هذه السبعة موصوفا ليقوم الوزن. قال الصفدي (2): والعلّة في ذلك أنها سبعة ألفاظ، ويريد الناظم أن يأتي بها في بيت واحد فيضطرّه الوزن إلى أن يأتي بلفظة ليكون كلّ أربعة في نصف. قال: فاتّفق لي أن قلت، يعني من غير زيادة وصف (3): (تام البسيط)
إن قدّر الله لي في العمر واجتمعت ... سبع فما أنا في اللذات مغبون
قصر وقدر وقوّاد وفحبته ... وقهوة وقناديل وقانون
وقد ناقض بعضهم (4) ابن سكّرة فردّ جميع الكافات إلى واحد فقال:
(الطويل)
يقولون كافات الشّتاء كثيرة ... وما هي إلّا واحد غير مفترى (5)
إذا صحّ كاف الكيس فالكلّ حاضر ... لديك وكلّ الصّيد يوجد في الفرا (6)
__________
(1) سبق التعريف به في الصفحة 386الحاشية 3.
والقول في الوافي بالوفيات 3/ 311والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية).
(2) الوافي بالوفيات 3/ 311والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية).
(3) البيتان مع القول في الوافي بالوفيات 3/ 311والغيث المسجم 2/ 459 (ط. العلمية) والنجوم الزاهرة 5/ 359 وإدراك الأماني 17/ 45.
(4) هو أبو الثناء محمود بن نعمة بن أرسلان الشّيزري من الشعراء النحاة الأدباء المشهورين (بعد 565هـ) خريدة القصر 1/ 579575 (قسم الشام) وإنباه الرواة 3/ 273والوفيات 3/ 525والنجوم الزاهرة 5/ 358وبغية الوعاة 2/ 283.
والبيتان في خريدة القصر 1/ 576 (قسم الشام) والوفيات 2/ 525وحياة الحيوان 2/ 362والنجوم الزاهرة 5/ 358 وبغية الوعاة 2/ 283وكشف الخفاء 2/ 122وإدراك الأماني 17/ 45.
(5) حاشية ج: «خ إلا فرد كاف بلا مرا».
(6) تضمين للمثل القديم: «كلّ الصّيد في جوف الفرا» وهو يضرب في الواحد الذي يقوم مقام الكثير لقيمته. أنظر زهر الآداب 1/ 24ومجمع الأمثال 2/ 136واللسان (فرأ) وكشف الخفاء 2/ 121.
والفرا هو الحمار الوحشي (اللسان: فرأ)(2/86)
وقال آخر (1): (تام الوافر)
إذا ظفرت بكاف الكيس كفّي ... ظفرت بمفرد ياتي بجمع
وقد جعل بعضهم كافات الشتاء ثمانية فقال (2): (الطويل)
وكم ليلة في شهر كانون بتّها ... أعانق من خدني بها الدّعص والغصنا
جمعت من الكافات فيها ثمانيا ... فما شئت من مرأى أنيق حوى الحسنا
كرانا وكيزانا وكسّا وكاعبا ... وكأسا وكوبا والكوانين والكنى (3)
كانون: شهر الشتاء، وكرانا: عود الغناء، والكوب هو الكوز بغير عروة (4)، وبالله سبحانه التوفيق (5). (لا رب غيره).
__________
(1) وقبل البيت:
وكافات الشتاء تعدّ سبعا ... وما لي طاقة بلقاء سبع
وهما لأبي الحسين الجزار في الغيث المسجم 2/ 460 (ط. العلمية). وهما في النجوم الزاهرة 5/ 358غير منسوبين، والبيت في إدراك الأماني 17/ 45غير معزو.
(2) الأبيات في شرح المقامات 2/ 28وقد نسبت لابن مسعود، وقد نقلها شارح المقامات من شرح شيخه ابن اللبان علي بن أحمد الشريشي (583هـ) للمقامات الحريرية. وانظر عنه معجم المؤلفين 7/ 21. والأبيات في إدراك الأماني 17/ 45غير معزوة.
الكيزان جمع كوز وهو كوب بعروة (اللسان: كوز). ولعله يقصد بالكنى أصحابه باعتبار أن كل رجل ينادى بكنية كأبي محمد وأبي عبد الله.
(3) هذا آخر نسخة د.
(4) أنظر اللسان (كون، كنن، كوب، كوز).
(5) ج: وبالله تعالى التوفيق.
وما بين القوسين ساقط من ج.(2/87)
67 - ابن حجاج (1)
هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن حجاج شاعر ظريف لطيف المعاني حسن النادرة، خفيف الروح، وقد تقدم قول أهل بغداد فيه، وفي ابن سكّرة (2): إنّ زمانا جاد به وابن سكّرة لسخيّ جدّا. من عجائب شعره قوله في الجمع بين السّباخ والسراب (3): (تام الوافر)
دعوت نداك من ظمإ إليه ... وعنّاني بقيعتك السّراب
سراب لاح يلمع في سباخ ... فلا ماء هناك ولا تراب
ومن معانيه الغريبة قوله (4): (تام البسيط)
تقول لي وهي غضبى من تدلّلها ... وقد دعتني إلى شيء فما كانا
إن لم تنكني نيك المرء زوجته ... فلا تلمني إذا أصبحت قرنانا
ما بال أيرك من شمع رخاوته ... فكلّما عركته راحتي لانا
__________
(1) (391هـ) ترجمته في الإمتاع والمؤانسة 1/ 139137، 2/ 172واليتيمة 3/ 9930وخاص الخاص 169167والإعجاز 235233وتاريخ بغداد 8/ 1514والمنتظم 7/ 218216ومعجم الأدباء 9/ 232206 والكامل لابن الأثير 9/ 168. والوفيات 172168وسير أعلام النبلاء 17/ 6159والبداية والنهاية 11/ 330329والنجوم الزاهرة 4/ 205204ومعاهد التنصيص 3/ 201188والشذرات 3/ 137136 وإدراك الأماني 17/ 5150وأعيان الشيعة 25/ 16081والأعلام 2/ 231.
(2) أنظر بداية الترجمة السابقة الصفحة 384383.
(3) ج: السراب والسباخ.
والبيتان في اليتيمة 3/ 51والإعجاز 234233وخاص الخاص 168والمنتحل 151وإدراك الأماني 17/ 50 وأعيان الشيعة 25/ 123.
القيعة: ما انبسط من الأرض، وفيه يكون السراب نصف النهار. السّباخ جمع سبخة وهي الأرض المالحة. (اللسان:
سبخ، قوع).
(4) الأبيات في الغيث المسجم 2/ 239 (ط. العلمية) ومعاهد التنصيص 3/ 195وإدراك الأماني 17/ 50.
القرنان: الذي يشارك في امرأته والذي لا غيرة له. (اللسان: قرن).(2/88)
وقال وقد صرف عن الحسبة (1): (تام المنسرح)
قال غلامي ومقلتاه تكف ... وجسمه ظاهر السّقام دنف
حسبتنا هذه التي كثر الإ ... رجاف في أمرها فليس يقف
قد عزلونا عنها فقلت: نعم ... وصاد فا عين واو نون ألف
وقال (2): (تام الوافر)
أغرّك يا ابنة العشرين سرّ ... ملكت به الغضارة والنّضاره
فلا يعظم عليك بياض شعري ... فإنّ سواد شعرك في القصاره
ومن شعره (3): (تام الخفيف)
وكبار الملوك ما فتّشوا قطّ ... فكانوا إلّا كبار الأيور
نعم خصّهم بها الله حتى اس ... تكملوا الفضل في جميع الأمور
ومن طرف نوادره قوله فيمن دعاه وأخّر طعامه إلى المساء (4): (مجزوء الكامل)
يا صاحب البيت الذي ... قد مات ضيفاه جميعا
حصّلتنا حتى نمو ... ت بدائنا عطشا وجوعا
كالبدر لا نرجو إلى ... وقت المساء له طلوعا
__________
(1) الأبيات في اليتيمة 3/ 8382والغيث المسجم 338 (ط. العلمية) وإدراك الأماني: 17/ 50
وكفت العين تكف: تدمع وتسيل قليلا قليلا. رجل دنف: براه المرض حتى أشفى على الموت (اللسان: دنف، وكف).
وحرف الصاد والفاء والعين والواو والنون والألف: أي وصفعونا.
(2) البيتان في إدراك الأماني 17/ 50.
القصارة: ما يبقى في المنخل بعد الانتخال. والقصارة أيضا: قشرة الحبّة إذا كانت في السنبلة. (اللسان: قصر) ولعله يقصد بذلك أن سواد شعرها شيء عارض سرعان ما يزول كما تزول القصارة.
(3) البيتان في إدراك الأماني 17/ 50.
(4) الأبيات في اليتيمة 3/ 77والإعجاز 234وخاص الخاص 168ومعاهد التنصيص 3/ 190وإدراك الأماني 17/ 51 وأعيان الشيعة 25/ 126.(2/89)
وقوله في ذلك [أيضا] (1): (تام السريع)
يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير معنى وبلا فائده
قد جنّ أصحابك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائده
ومن مليح خمرياته قوله من قصيدة (2): (تام الكامل)
يا سادتي قد جاءنا رجب ... فتفضّلوا واستقبلوا رجبا
بمدامة لولا أبوّتها ... ما كنت قطّ أشرّف العنبا
حمراء مثل النار موقدة ... لم تلق لا نارا ولا حطبا
من قال إنّ المسك يشبهها ... ريحا فلا والله ما كذبا
وقوله في الصبوح (3): (تام الكامل)
يا صاحبيّ استيقظا من رقدة ... تزري على عقل اللبيب الأكيس
هذي المجرّة والنّجوم كأنّها ... نهر تدفّق في حديقة نرجس
وأرى الصّبا قد غلّست بنسيمها ... فعلام شربي الرّاح غير مغلّس؟
قوما اسقياني قهوة روميّة ... مذ عهد قيصر دنّها لم يمسس
صرفا تضيف إذا تسلط حكمها ... موت العقول إلى حياة الأنفس
وترجمته أوسع من هذا، وفيما ذكرناه منها الكفاية والغنية إن شاء الله (تعالى) (4).
__________
(1) زيادة في ج.
والبيتان في اليتيمة 3/ 77والإعجاز 234وخاص الخاص 168ومعجم الأدباء 9/ 226والوفيات 2/ 170وتاج المفرق 2/ 51ومعاهد التنصيص 3/ 190وإدراك الأماني 17/ 51وأعيان الشيعة 25/ 126.
(2) من قصيدة في مدح ابن العميد بعد أن هجر النبيذ، كما جاء في اليتيمة مطلعها:
حقّي على الأستاذ قد وجبا ... فإليه قد أصبحت منتسبا
منها تسعة أبيات في اليتيمة 3/ 67، 68. والأبيات في خاص الخاص 168وإدراك الأماني 17/ 51.
(3) الأبيات في اليتيمة 3/ 65وخاص الخاص 169168والوفيات 2/ 169والشذرات 3/ 136وإدراك الأماني / 51 17، وما عدا البيت الثالث في الإعجاز 235234.
غلّست أي أتت في الغلس وهو ظلام آخر الليل وهو أيضا أول الصبح (اللسان: غلس).
(4) زيادة في ج.(2/90)
68 - أبو علي البصير (1)
(2) اسمه الفضل بن جعفر بن الفضل النخعيّ الكوفيّ، كان شاعرا مطبوعا متفنّنا. له ملح ونوادر وطرف في هدم المطر داره، من أحسنها قوله (3):
(تام الخفيف)
من تكن هذه السماء عليه ... نعمة أو يكن بها مسرورا
فلقد أصبحت علينا عذابا ... ولقينا بها أذى وشرورا
أيها الغيث كنت بؤسا وفقرا ... لي، وللنّاس حنطة وشعيرا
ومن شعره (4): (تام البسيط)
قلت لأهلي وراموا أن أميرهم ... بماء وجهي فلم أفعل ولم أكد
لا يستوي أن تهينوني وأكرمكم ... ولا يقوم على تقويمكم أودي
فطيّبوا عن رقيق العيش أنفسكم ... ولا تمدّوا إلى أيدي اللّئام يدي
تبلّغوا وادفعوا الحاجات ما اندفعت ... ولا يكن همّكم في يومكم لغد
فربّ مدّخر ما ليس آكله ... ويستعدّ ليوم ليس في العدد
وربّ مجتهد ما ليس بالغه ... وبالغ ما تمنّى غير مجتهد
__________
(1) شاعر ضرير من الكتاب البلغاء، سكن بغداد واتّصل بالمعتصم والمتوكل كان يتشيع (255هـ) ترجمته في طبقات ابن المعتز 398397ومروج الذهب 4/ 6362ومعجم الشعراء 314والموضع 436434. ونكت الهميان 225ولسان الميزان 4/ 438والأعلام 5/ 147.
(2) ج: هو الفضل.
(3) أب ج هـ وش: من بكى أو بكى. (بكى بكي) غلط والتصحيح من أشعاره والإعجاز.
والأبيات في أشعاره 160وخاص الخاص 126والإعجاز 262.
(4) مقطعة في القناعة وعزة النفس، لم يرد في أشعاره 157منها سوى أربعة أبيات وأغلبها متداخل هكذا:
قلت لأهلي وراموا أن أميرهم ... بماء وجهي فلم أفعل ولم أكد
لا تجمعوا أن تهينوني وأكرمكم ... ولا تمدّوا إلى نيل اللئام يدي
تبلغوا وادفعوا الحاجات ما اندفعت ... ولا يكن همّكم في يومكم لغد
فربّ ملتمس ما ليس يدركه ... ومدرك ما تمنّى غير مجتهد
وهذه الأبيات في ديوان المعاني 1/ 121، والبيت الثاني والثالث من الأبيات الستة في لسان الميزان 4/ 438.
مار عياله وأهله يميرهم: جلب لهم الطعام (اللسان: مير).(2/91)
ومن شعره (1): (تام الخفيف)
إن أرم شامخا من العلم أدرك ... بذراع رحب وباع طويل
وإذا نابني من الأمر مكرو ... هـ تلقّيته بصبر جميل
ما ذممت المقام في بلد يو ... ما فعاتبته بغير الرحيل
ومن أحسن أمثاله السائرة (2): (تام الوافر)
لعمر أبيك ما نسب المعلّى ... إلى كرم وفي الدّنيا كريم
ولكنّ البلاد إذا اقشعرّت ... وصوّح نبتها رعي الهشيم
قال الثعالبي (3): ولم أسمع في الهجاء أحسن وأملح من قوله (4): (الخفيف)
لي صديق في خلقة الشيطان ... وعقول النّساء والصّبيان
من تظنّونه؟ فقالوا جميعا ... ليس هذا إلا أبا هفّان
وبالله تعالى التوفيق (5).
__________
(1) الأبيات في علو الهمة والعزة في أشعاره 165ونكت الهميان 226.
(2) البيتان في هجاء المعلّى بن أيوب وهي في أشعاره 166وعيون الأخبار 2/ 36ومروج الذهب 4/ 62والأمالي 2/ 287 ومعجم الشعراء 314وخاص الخاص 126والإعجاز 262والمنتحل 136وبهجة المجالس 1/ 525والوفيات 3/ 321. والوافي بالوفيات ج 26ميكروفيلم
قال أبو علي القالى «صوّح: يبس وتشقّق» الأمالى 2/ 287.
والمعلّى بن أيوب هو أبو العلاء الكوفي ابن خالة الحسن والفضل ابني سهل، قلّده المامون النفقة والجيش، وكان صاحب مروءة وسخاء وغنى (255هـ) تاريخ الطبري 9/ 387والفرج بعد الشدة 1/ 25والوافي بالوفيات ج 26 ميكروفيلم.
(3) خاص الخاص 126.
(4) البيتان في هجاء أبي هفان المهزمي وهي في أشعاره 168وخاص الخاص 126. وثمار القلوب 73ولطائف اللطف 138والبيت الأول في الإعجاز 263ونسب الثاني فيه 191إلى يزيد بن محمد المهلبي.
وأبو هفان سبق التعريف به في الصفحة 297الحاشية 4.
(5) بعد هذا وردت غلطا في نسخة أترجمة ديك الجن. وقد صرح صاحب الكوكب الثاقب في آخر ترجمة الزانكي بما يلي:
«هذا محل ترجمة ديك الجن على ما هو الصواب ثم العتابي».(2/92)
69 - ابن لكنك (1)
هو أبو الحسين محمد بن لكنك، ويقال فيه أيضا لكنك، بتقديم النون، البصريّ، شاعر ظريف، من ملحه وطرفه قوله (2): (تام المنسرح)
عجبت للدّهر في تصرّفه ... وكلّ أحوال دهرنا عجب
يعاند الدّهر كلّ ذي أدب ... كأنّما ناك أمّه الأدب
وقوله (3): (الطويل)
تعستم جميعا من وجوه لبلدة ... تكنّفهم لؤم وجهل فأفرطا
أراكم تعيبون اللّئام وإنّني ... أراكم بطرق اللّؤم أهدي من القطا
وقوله (4): (مجزوء الخفيف)
عدّيا في زماننا ... عن حديث المكارم
من كفى النّاس شرّه ... فهو في جود حاتم
__________
(1) تأخر موضع هذه الترجمة في نسخة (و) وجاء عوضها ترجمة ديك الجن. وابن لكنك أو لنكك شاعر هجّاء وأديب نحوي مشهور (نحو 360هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 358347ومعجم الأدباء 19/ 116والوافي بالوفيات 1/ 157156والفوات 1/ 4847 (وهو فيه إبراهيم بن محمد) وبغية الوعاة 1/ 220219 (وهو فيها محمد بن محمد) وإدراك الأماني 23/ 173والأعلام 7/ 20 (وهو فيه محمد بن محمد).
(2) البيتان في شعره 241واليتيمة 2/ 348وخاص الخاص 140، ونسبا غلطا في الإعجاز 207لأبي الحسن الموسوي النقيب (الشريف الرّضي) المترجم له برقم 76.
(3) أول مقطعة في ثلاثة أبيات في الهجو وذم الناس، وهي في شعره 253واليتيمة 2/ 350وثمار القلوب 483 (ت.
أبو الفضل) والبيتان في خاص الخاص 140، ونسبا غلطا في الإعجاز 208207للشريف الرّضي المترجم له برقم 76.
القطا واحدته قطاة وهو طائر يضرب به المثل في الاهتداء فيقال إنه لأدلّ من قطاة، لأنها ترد الماء ليلا من الفلاة البعيدة. (اللسان: قطا). وثمار القلوب 483482 (ت. أبو الفضل).
(4) البيتان في ذم الزمان وهما في شعره 261واليتيمة 2/ 351وخاص الخاص 140وزهر الآداب 1/ 43ونهاية الأرب 3/ 109.(2/93)
وقوله (1): (مجزوء الرّمل)
يا زمانا أورث الأح ... رار ذلا ومهانه
لست عندي بزمان ... إنّما أنت زمانه
كيف نرجو منك خيرا ... والعلى فيك مهانه؟
أجنون ما نراه ... منك يبدو أم مجانه؟
وقوله في أبي رياش الثمالي (2): (تام الوافر)
يطير إلى الطّعام أبو رياش ... مبادرة ولو واراه قبر
أصابعه من الحلواء صفر ... ولكنّ الأخادع منه حمر
وقوله فيه وقد ولي عملا بالبصرة (3): (تام الكامل)
قل للوضيع أبي رياش لا تبل ... ته كلّ تيهك بالولاية والعمل
ما ازددت حين وليت إلّا خسّة ... كالكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) حاشية ج: «خ ألبس الأحرار». «ج: وجنون لي نراه (ولي) غلط. حاشية ج: «خ أجنون ما أرى منك إلخ».
والأبيات في ذم الزمان وهي في شعره 265264واليتيمة 2/ 348347ومعجم الأدباء 19/ 9وما عدا البيت الثالث في خاص الخاص 140139والبيتان الأولان في الإعجاز 270ولطائف اللطف 146والمنتحل 184ونسبت الأبيات في بهجة المجالس 1/ 800لمنصور الفقيه.
زمانة: عاهة. المجانة أن لا يبالي ما صنع وما قيل له، وهي ارتكاب المقابح المردية والفعائل المخزية (اللسان: زمن، مجن).
(2) هو أحمد بن إبراهيم الشيباني المشهور بأبي رياش الثمالي، شاعر اشتهر بحفظ أيام العرب وأنسابها وأشعارها مع فصاحة وبيان كما اشتهر بشراهته وقذارة ثيابه (349هـ) اليتيمة 2/ 352351ومعجم الأدباء 2/ 131123 وإنباه الرواة 1/ 2625والوافي بالوفيات 6/ 207205.
والبيتان في شعره 248واليتيمة 2/ 353وخاص الخاص 140ولطائف اللطف 146ومعجم الأدباء 2/ 126والوافي بالوفيات 6/ 206، ونسبا غلطا في الإعجاز 208للشريف الرّضي المترجم له برقم 76.
الأخادع جمع أخدع، والأخدعان عرقان في جانبي العنق. (اللسان: خدع) ولعله يقصد أنه يصفع فتحمرّ صفحة عنقه.
(3) حاشية ج: «خ تيه».
والبيتان في شعره 259واليتيمة 2/ 352وثمار القلوب 397 (ت. أبو الفضل) وخاص الخاص 140ومعجم الأدباء 2/ 127والوافي بالوفيات 6/ 207. ونسبا غلطا في الإعجاز 208للشريف الرّضي، المترجم له برقم 76.(2/94)
70 - الخبز أرزي (1)
هو أبو القاسم نصر بن أحمد (2) بن مامون المعروف بالخبز أرزي، وإنما (3)
قيل له ذلك لأنه كان يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان. وكان أمّيا لا يتهجى (4) ولا يكتب، وكان ينشد أشعار الغزل، والناس يزدحمون عليه ويعجبون منه. وكان أبو الحسين محمد بن لكنك (5) الشاعر ينتابه (6) ليسمع شعره، وجمع له ديوانا قرأه عليه الخطيب (7). حضر (8) إليه ابن لكنك وغيره يوم عيد، وهو يخبز في دكانه، فقعدوا عنده، فزاد في الوقود حتى دخن عليهم، فنهض الجماعة، فقال الخبر أرزي لابن لكنك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال: إذا اتّسخت ثيابي! لأنّه سوّدها بالدخان وكانت جددا. فانصرف ابن لكنك وكتب إليه (9):
(تام الوافر)
لنصر في فؤادي فرط حبّ ... أنيف به على كلّ الصحّاب
__________
(1) (327هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 368365وتاريخ بغداد 13/ 299296، ومعجم الأدباء 19/ 222218 والوفيات 5/ 382376والوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم والأعلام 8/ 21.
(2) أب ج هـ وش: أحمد بن نصر، وهو غلط. والتصحيح من المصادر السابقة.
(3) الخبر في معجم الأدباء 19/ 219218والوفيات 5/ 376والوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم.
(4) ج: لا يقرأ.
(5) سبقت ترجمته برقم 69.
(6) ج: يغتابه، وهو غلط.
(7) كذا في أب ج هـ وش. والذي جاء في تاريخ بغداد للخطيب 13/ 296 «ونزل (أي الخبز أرزي) بغداد وأقام بها دهرا طويلا وقرئ عليه ديوانه». ولا يعقل أن يقرأ الخطيب البغداديّ المولود سنة 392هـ والمتوفى سنة 463هـ ديوان الخبز أرزي على ابن لكنك المتوفي سنة 360هـ أو على الخبز أرزي المتوفى سنة 327هـ والصواب ما في الوفيات 5/ 376: «وذكره الخطيب في تاريخه وقال: قرأ عليه ديوانه وروى عنه مقطعات من شعره المعافى بن زكريا الجريريّ وأحمد بن منصور بن محمد بن حاتم النوشري وعدّ جماعة رووا عنه».
(8) الخبر في تاريخ بغداد 13/ 299.
(9) الأبيات في اليتيمة 2/ 365وتاريخ بغداد 13/ 299ومعجم الأدباء 19/ 220219والوفيات 5/ 379وشعره 241.(2/95)
أتيناه فبخّرنا بخورا ... من السّعف المدخّن للثّياب
فقمت مبادرا وظننت أنّي ... أراد بذاك طردي أو ذهابي (1)
فقال: متى أراك أبا حسين ... فقلت له: إذا اتّسخت ثيابي
فكتب إليه الجواب إملاء وهو أشعر من الابتداء (2): (تام الوافر)
منحت أبا الحسين صميم ودّي ... فداعبني بألفاظ عذاب
أتى وثيابه كقتير شيب ... فعدن له كريعان الشّباب
وبغضي للمشيب أعدّ عندي ... سوادا لونه لون الخضاب
ظننت جلوسه عندي لعرس ... فجدت له بتمسيك الثّياب
فقلت: متى أراك أبا الحسين؟ ... فجاوبني: إذا اتّسخت ثيابي
ومن غرر شعره وفرائد بحر درّه قوله (3): (الطويل)
خليليّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولى تمشّى إلى عبد
أتى زائرا من غير وعد وقال لي: ... أعيدك من تعليق قلبك بالوعد
فما زال نجم الوصل بيني وبينه ... يدور بأفلاك المسرّة والسّعد
فطورا على تقبيل نرجس ناظر ... وطورا على تعضيض تفّاحة خدّ
وقوله (4): (تام البسيط)
قد قلت إذخان عهدي من كلفت به ... ولم يكن عنه لي صبر ولا جلد
إن كان شاركني في حبّه وتح ... فالنّهي يشرب منه الكلب والأسد
__________
(1) كذا في أب ج هـ وش. (وظننت أني)، وجاء في اليتيمة ومعجم الأدباء وشعره: وحسبت نصرا. وفي تاريخ بغداد والوفيات: وظننت نصرا.
(2) ج: فدعاني بألفاظ (فدعاني) غلط.
والأبيات في معجم الأدباء 19/ 220وما عدا البيت الثالث في تاريخ بغداد 13/ 299والوفيات 5/ 379والأبيات الثلاثة الأولى في اليتيمة 2/ 365.
(3) الأبيات في اليتيمة 2/ 366والوفيات 5/ 377376والوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم. والبيتان الأولان في خاص الخاص 141.
(4) البيتان في اليتيمة 2/ 367وخاص الخاص 141.(2/96)
الوتح: بكسر المثناة الفوقية، وبالحاء المهملة: الخسيس. والنّهي: بكسر النون، الغدير (1).
ومن شعره (2): (تام البسيط)
ورد الخدود ورمّان النّهود وأغ ... صان القدود تصيد السّادة الصّيدا
شرطي إذا ما رأيت الخصر مختصرا ... والرّدف مرتدفا والقدّ مقدودا
شرط لو انّ هلال الرأي أبصره ... لم يستطع لشروط الفقه توكيدا
وقوله (3): (تام الخفيف)
كم أناس وفوا لنا حين غابوا ... وأناس جفوا وهم حضّار
عرضوا ثم أعرضوا، واستمالوا ... ثمّ مالوا، وجاوروا ثم جاروا
لا تلمهم على التّجنّي فلو لم ... يتجنّوا لم يحسن الإعتذار
وقوله (4): (تام المتقارب)
وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق ... لبثّ الهموم وشكوى الزّمان
وقوله (5): (تام المتقارب)
رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النّظر
فلم أدر من حيرتي فيهما ... هلال الدّجى من هلال البشر
__________
(1) أنظر لسان العرب (نهي وتح).
(2) الأبيات في خاص الخاص 142141والبيتان الأولان في اليتيمة 2/ 368.
(3) من مقطعة في خمسة أبيات في الشوق إلى الأهل والجيران أولها:
شاقني الأهل لم تشقني الدّيار ... والهوى صائر إلى حيث صاروا
وهي في اليتيمة 2/ 368367ومعجم الأدباء 19/ 221والأبيات في الوفيات 5/ 377والوافي بالوفيات ج 27 ميكروفيلم.
(4) البيتان في المنتحل 200وتاريخ بغداد 5/ 185والوفيات 5/ 377والوافي بالوفيات ح 27ميكروفيلم.
(5) الأبيات في معجم الأدباء 19/ 220والوفيات 5/ 378والوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم.(2/97)
فلولا التّورّد في الوجنتين ... وما راعني من سواد الشّعر
لكنت أظنّ الهلال الحبيب ... وكنت أظنّ الحبيب القمر
وهذا الشعر كثير من رجل لم يقرأ ولم يكتب. ولعلّه أجود من شعر كثير ممّن قرأ وكتب في عصرنا وممّن تقدّمنا أيضا فرحمنا الله وإياه [(1) ونضر محيانا ومحياه].
71 - أحمد بن فارس (2)
(3) اللغوي القزوينيّ ثم الرازيّ سكن الري فنسب إليها وكان شافعيّ المذهب فانتقل في آخر عمره إلى مذهب مالك، فسئل عن ذلك فقال: أخذتني (4) (الحميّة لهذا) الإمام المقبول على جميع الألسنة أن يخلو مثل هذا البلد من مذهبه.
وهو صاحب (المجمل) في (4) (اللغة) وكتاب (فقه اللغة) وكتاب (متخير الألفاظ)، وكتاب (تفسير أسماء النبي صلّى الله عليه وسلم) وغير ذلك.
من محاسنه قوله (5): (تام السريع)
مرّت بنا هيفاء مجدولة ... تركيّة تعزى لتركيّ
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجّة نحويّ
__________
(1) زيادة في ج.
(2) (390وقيل 375هـ) وترجمته في اليتيمة 3/ 404397ومعجم الأدباء 4/ 9880والوفيات 1/ 120118 والوافي بالوفيات 7/ 280278والديباج المذهب 3736والنجوم الزاهرة 4/ 213212والشذرات 3/ 133132 وإدراك الأماني 10/ 8382.
(3) من الوافي بالوفيات 7/ 279278بتصرف والخبر في معجم الأدباء 4/ 8483.
(4) ما بين القوسين بياض في ج.
(5) البيتان في اليتيمة 403402ومعجم الأدباء 4/ 87والوفيات 1/ 119والوافي بالوفيات 7/ 280179والديباج المذهب 36والنجوم الزاهرة 4/ 213والشذرات 3/ 133وإدراك الأماني 10/ 83.(2/98)
وقوله (1): (تام المنسرح)
لو قيل لي: اختر لقلت: ذا هيف ... بي، من وصالي وصدّه، برح
بدر مليح القوام معتدل ... قفاه وجه، ووجهه ربح
وقوله (2): (الطويل)
سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا، وفي الأحشاء نار تضرّم
ومالي لا أصفي الدّعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم
نسيت الذي أحسنته غير أنّني ... مدين وما في جوف بيتي درهم
(3) (وقوله: (تام المتقارب)
إذا كان يؤذيك حرّ المصيف ... وكرب الخريف وبرد الشّتا
ويلهيك حسن زمان الرّبيع ... فأخذك للعلم قل لي: متى)؟!
وقوله (4): (مجزوء الكامل)
اسمع مقالة ناصح ... جمع النّصيحة والمقه
إيّاك واحذر أن تكو ... ن من الثّقات على ثقه
ومحاسنه كثيرة رحمه الله وأرضاه.
__________
(1) البيتان في اليتيمة 3/ 403والوافي بالوفيات 7/ 279وإدراك الأماني 10/ 83
البرح: الشر والعذاب والشّدة. (اللسان: برح). وجهه ربح: يقصد أن وجهه يتفاءل به ويبشّر بالرّبح.
(2) الأبيات في اليتيمة 3/ 402والإعجاز 201وخاص الخاص 194ومعجم الأدباء 4/ 86والوفيات 1/ 119 والديياج المذهب 36والشذرات 3/ 133.
همذان مدينة عريقة في بلد الديلم بخراسان. معجم استعجم 2/ 551ومعجم البلدان 5/ 417410وانظر الصفحة 406
(3) ما بين القوسين ساقط من هـ.
والبيتان في اليتيمة 3/ 403، والمنتحل 249ومعجم الأدباء 4/ 88وري الأوام 107. والوافي بالوفيات 7/ 280.
(4) البيتان في اليتيمة 3/ 403، 4/ 288والإعجاز 202201وخاص الخاص 194ومعجم الأدباء 4/ 88والوفيات 1/ 119والوافي بالوفيات 7/ 279. والديباج المذهب 36والشذرات 3/ 133.
المقة: المحبّة. (اللسان: ومق)(2/99)
72 - الأرزني (1)
هو أبو محمد يحيى بن محمد الأرزنيّ اللغوي الإمام في علم العربية من نادر شعره قوله في زوجته (2): (الطويل)
أبنت أبي إسحاق، هل أنت نرجس ... فإنّ كلا شخصيكما متماثل
فساقان خضراوان والرأس أبيض ... ووجهك مصفرّ وجسمك ناحل
قيل إن هذا المعنى مأخوذ (3) من قول الآخر وقد سئل عن زوجته، فقال:
كأنها (4) باقة نرجس، فقيل له: بالرفاء و (5) (البنين) فقال: نعم رأسها أبيض ووجهها أصفر وساقاها (6) خضروان.
كان الأرزنيّ (7) هذا مليح الخطّ حسن الضّبط وكان يخرج العصر إلى سوق الكتب ببغداد وفي صحبته دواة وكاغد، فلا يقوم من مجلسه حتى يكتب الفصيح (8)
ويبيعه من وقته بنصف دينار. فيمضي ويأخذ بثمنه نبيذا ولحما وخبزا وفاكهة ولا يبيت حتّى ينفقه، هذا سوى ما كان يكتبه من الغداة إلى العصر. ذكره أبو منصور الثعالبي في اليتيمة وقال (9): إنه أحد أئمّة اللغة وأصحاب الخطوط. رحمنا الله وإياه.
__________
(1) أب ح هـ وش: الأرزبي، وهو غلط، والتصحيح من المصادر التالية: والأرزنيّ نسبة إلى أرزن الروم (بديار بكر) (415هـ) ترجمته في تتمة اليتيمة 300وتاريخ بغداد 14/ 239ومعجم الأدباء 20/ 3534وبغية الوعاة 2/ 343وإدراك الأماني 17/ 8382 (وهو فيه الأرزبي) والأعلام 8/ 164.
(2) البيتان في تتمة اليتيمة 300وإدراك الأماني 17/ 82.
(3) ج: ماخذ، وهو غلط.
(4) ج: كانت، وهو غلط.
(5) ما بين القوسين بياض في ج.
(6) ج: وساقها، وهو غلط.
(7) الخبر في معجم الأدباء 20/ 3534وبغية الوعاة 2/ 343.
(8) هو كتاب الفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتوفى سنة 260هـ. أنظر المصدرين السابقين.
(9) ذكره في تتمة اليتيمة 300ولم أعثر عليه في اليتيمة.(2/100)
73 - الزبيدي (1)
هو أبو بكر محمد بن الحسن (2) بن عبد الله بن مذحج الإشبيلي النحوي صاحب طبقات النحويين (3)، منسوب إلى زبيد بن صعب بن سعد العشيرة رهط عمرو بن معدى كرب الزّبيدي. سمع (4) من قاسم بن أصبغ (5) وسعيد بن فحلون (6) وأبي علي البغدادي (7) وأكثر عنه. وكان متفنّنا فقيها أديبا من أهل الحفظ للفقه والرواية للحديث، أخذ عن (8) اللّؤلئي (9) وابن القوطية (10).
__________
(1) (379هـ) ترجمته في تاريخ العلماء بالأندلس 2/ 92واليتيمة 2/ 7170وجذوة المقتبس 4543وبغية الملتمس 5756ومعجم الأدباء 18/ 184179والوفيات 4/ 374372والمغرب في حلى المغرب 1/ 251250والوافي بالوفيات 2/ 351وبغية الوعاة 1/ 8584وإدراك الأماني 17/ 57.
(2) أب ج ش هـ و: الحسين، وهو غلط والتصحيح من المصادر المذكورة أعلاه.
(3) الخبر في معجم الأدباء 8/ 180والوفيات 4/ 373، 374وبغية الوعاة 1/ 85.
(4) الخبر في تاريخ العلماء بالأندلس 2/ 92.
(5) هو محدّث الأندلس، فقيه عالم بالعربية والأنساب (340هـ) تذكرة الحفاظ 3/ 855853ولسان الميزان 4/ 458 وبغية الوعاة 2/ 251وطبقات النحويين 12، 14، 169، 181، 199والأعلام 5/ 173.
(6) أب ج ش هـ و: سعيد بن مخلوف، وهو غلط، والتصحيح من طبقات النحويين 14وتاريخ العلماء 2/ 92وبغية الملتمس 298والوفيات 4/ 373.
وسعيد بن فحلون أصله من إلبيرة، وسكن بجّانة وسمع بإلبيرة وبقرطبة ورحل إلى المشرق فسمع بالقيروان والإسكندرية كان صدوقا فيما روى، وكانت له أخلاق كريمة (346هـ) تاريخ العلماء بالأندلس 201200 وجذوة المقتبس 216215وبغية الملتمس 299298.
(7) وأبو علي البغدادي هو إسماعيل بن القاسم المشهور بالقالي صاحب الأمالي (356هـ) طبقات النحويين 121 وتاريخ علماء الأندلس 1/ 8483وجذوة المقتبس 158154وبغية الملتمس 219216والوفيات 1/ 228226 وبغية الوعاة 1/ 453.
(8) أب ج ش هـ و: عنه، وهو غلط، لأن اللؤلئي وابن القوطية أكبر سنا من الزبيدي، ولأن ابن القوطية أخذ عن والد الزبيدي انظر الوفيات 4/ 368.
(9) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأمويّ القرطبي، يعرف باللؤلئي ويكنى أبا بكر، كان إماما في حفظ الرأي على مذهب الإمام مالك. ومقدّما في الفتيا على أصحابه (348هـ) تاريخ العلماء بالأندلس 1/ 5251واليتيمة 2/ 6463 وجذوة المقتبس 120.
(10) هو محمد بن عمر الإشبيلي المشهور بابن القوطية، من أعلم زمانه باللغة، كان حافظا للحديث والفقه والشعر والأدب (367هـ) تاريخ العلماء بالأندلس 2/ 7978واليتيمة 2/ 73والوفيات 4/ 371368وتحفة الأبية 109108 وبغية الوعاة 1/ 198والأعلام 6/ 312311.(2/101)
وغلب عليه الأدب وعلم لسان العرب فشهر به، له من التواليف: (1) كتاب الواضح في النحو وكتاب مختصر العين (2) وكتاب غلط صاحب العين، وكتاب طبقات النحويين وغير ذلك. وله شعر جيّد، فمنه ما كتب به إلى جارية له تدعى سلمى (3): (مخلع البسيط)
ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بدّ للبين من زماع
لا تحسبيني صبرت إلّا ... كصبر ميت على النّزاع
ما خلق الله من عذاب ... أشدّ من وقفة الوداع
ما بينها والحمام فرق ... لولا المناحات والنّواعي
(4) (إن يفترق شملنا وشيكا ... فكلّ شعب إلى انصداع
وكلّ قرب إلى بعاد ... وكلّ وصل إلى انقطاع) (4)
توفي بإشبيلية وهو على قضائها في جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، رضي الله عنه وأرضاه ورحمنا وإياه.
__________
(1) أنظر قائمة كتبه في معجم الأدباء 18/ 181180.
(2) حققه ونشره الأستاذان علال الفاسي ومحمد بن تاويت الطنجي الرباط 1963م (دون ذكر المطبعة)
(3) الأبيات في جذوة المقتبس 45وبغية الملتمس 5756ومعجم الأدباء 18/ 184183والوفيات 4/ 373والوافي بالوفيات 2/ 351وما عدا البيت الرابع في المغرب في حلى المغرب 1/ 251.
لا تراعي: لا تفزعي. الزّماع: المضاء في الأمر والعزم عليه. (اللسان: روع، زمع).
(4) كل المصادر السابقة التي روت الأبيات تروي البيتين الأخيرين ثلاثة أبيات هي:
إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان ذا اجتماع
فكلّ شمل إلى افتراق ... وكلّ شعب إلى انصداع
وكلّ قرب إلى بعاد ... وكلّ وصل إلى انقطاع(2/102)
74 - بديع الزمان الهمذاني (1)
هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الهمذاني، بفتح الميم وبالذال المعجمة، نسبة لهمذان بلد بخراسان (2). وأما القبيلة المشهورة فهي بإسكان الميم وبالدال المهملة (3)، وقد أنشدنا بعض أشياخنا رحمهم الله في ذلك لبعضهم (4): (الرجز)
همدان بالإسكان دون اعجام ... حيّ وعكس قرية باعجام
سكن أبو الفضل هراة (5). وروى عن ابن فارس صاحب المجمل المتقدم ذكره قريبا (6) وغيره. وكان فصيحا بليغا. وله مقامات تحتوي على أربع مائة مقامة (7) وعلى أساسه بنى الحريري (8) مقاماته لكن مقامات البديع، قصيرة جدا بحيث تجيء كل أربع أو خمس منها مثل مقامة من مقامات الحريري.
__________
(1) (398هـ) ترجمته في اليتيمة 4/ 301256وخاص الخاص 194192والإعجاز 201200وزهر الآداب 1/ 267261ومعجم الأدباء 2/ 202161والوفيات 1/ 129127والوافي بالوفيات 6/ 358355ومعاهد التنصيص 3/ 131113وإدراك الأماني 10/ 105104والأعلام 1/ 116115.
(2) شرح المقامات 1/ 9ومعجم البلدان 5/ 417410والقاموس (الهماذي).
(3) تنسب قبيلة همدان إلى همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. أنظر جمهرة الأنساب 484واللباب في الأنساب 3/ 391.
(4) أب ج ش هـ و: للاعجام، وهو غلط.
والبيت في إدراك الأماني 10/ 104.
(5) هراة إحدى مدن خراسان الكبار. معجم البلدان 5/ 397396والوفيات 1/ 96، 128.
(6) سبقت ترجمة ابن فارس برقم 71.
(7) هكذا ذكر أيضا الحصري في زهر الآداب 1/ 261ولم يصلنا منها سوى خمسين ونيف. انظر مقامات الهمذاني 1. وقد ذكر ابن شرف القيرواني في أعلام الكلام 14أنها عشرون مقامة.
(8) سيترجم المؤلف للحريري برقم 97(2/103)
قال (1) أبو سعيد (2) الحاكم: سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة، وعجّل دفنه، فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، وانه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر. وكانت وفاته بهراة سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
فمن عجيب شعره قوله من قصيدة (3): (تام البسيط)
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا
والدّهر لو لم يخن، والشمس لو نطقت ... واللّيث لو لم يصد، والبحر لو عذبا
وقوله من أخرى (4): (تام الكامل)
يا دهر إن تك لا محالة مزعجي ... عن موطني ولكلّ دهر شان
فاعمد براحلتي هراة فإنّها ... عدن وإنّ رئيسها عدنان
ومن غرر كلامه (5) ما كتب به إلى مستميح عاوده مرارا: (6) مثل الإنسان في الإحسان كمثل الأشجار في الثّمار فيجب إذا أتى بالحسنة أن يرفّه إلى السنة
__________
(1) من الوفيات 1/ 129والخبر في الوافي بالوفيات 6/ 358.
(2) أ: أبو عبيد الله. ب ج ش هـ و: أبو عبد الله. والصحيح: أبو سعيد الحاكم. كما في الوفيات الذي أخذ منه المؤلف هذا الخبر.
وأبو سعيد الحاكم هو عبد الرحمن بن محمد بن دوست، وهو من أعيان الفضلاء بنيسابور، جمع بين الفقه والأدب، وشعره كثير الملح، وهو عالم بالعربية، أخذ اللغة عن الجوهري، وأخذ عنه الواحدي. وله تصانيف، وقد جمع رسائل بديع الزمان الهمذاني (431هـ) اليتيمة 1/ 428425وهو فيها أبو سعد، والوفيات 2/ 298297والأعلام 3/ 326
(3) من قصيدة في المدح مطلعها:
عليّ أن أريح العيس والقتبا ... وألبس البيد والظلماء واليلبا
وهي في ديوانه 64ومنها 14بيتا في اليتيمة 4/ 293292والبيتان في خاص الخاص 193192والإعجاز 201والوفيات 1/ 128وعنوان المرقصات 4443والوافي بالوفيات 6/ 358وإدراك الأماني 10/ 104.
(4) من مقطعة في خمسة أبيات في أبي عامر عدنان بن محمد الضبي، مطلعها:
ليل الصبا ونهاره سكران ... حدثان لم يعركهما حدثان
وهي في ديوانه 81واليتيمة 4/ 292والبيتان في خاص الخاص 193والإعجاز 201200وإدراك الأماني 10/ 104.
(5) حاشية أ: «خ صح إنشائه».
(6) من رسالة أولها: «عافاك الله، مثل الإنسان» وهي في كشف المعاني 223221والقولة في خاص الخاص 13 والإعجاز 117ولطائف اللطف 82ومعاهد التنصيص 3/ 122وإدراك الأماني 10/ 104.(2/104)
ومنها (1) ما كتب به إلى (من) (2) عاتبه على ترك عطاياه (3): الجود بالذّهب ليس كالجود بالأدب، وهذا الخلق النفيس، ليس يساعده الكيس، وهذا الطبع الكريم، ليس يأخذه الغريم، والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة، ولقد جهدت بالطّبّاخ أن يطبخ من زائية (4) الشّمّاخ لونا فلم يفعل، وبالقصّاب أن يسمع أدب الكتّاب (5)، فلم يقبل، واحتيج في البيت، إلى شيء من الزيت، فأنشدت من شعر الكميت (6)، مائة بيت، فلم يغن كما لا يغني (لو) و (ليت)، ولو وقعت أرجوزة العجّاج (7)، في توابل السّكباج، لما عدمتها عندي، ولكن ليست تقع، فما أصنع؟
وله رحمه الله من هذا المعنى شيء كثير، وفيما ذكرناه منه كفاية والله سبحانه الموفّق للصواب.
__________
(1) ج، حاشية أ: «منه».
(2) ما بين القوسية ساقط من ج.
(3) من الرسالة السابقة. والعبارة في خاص الخاص 1413ولطائف اللطف 8382ومعاهد التنصيص 3/ 122وإدراك الأماني 10/ 105104.
(4) حاشية ج: «خ من جيمية» ومثله في كشف المعاني.
والشماخ سبق التعريف به في الصفحة 45الحاشية 1. وللشماخ زائية واحدة في القوس مطلعها:
عفا بطن قوّ من سليمى فعالز ... فذات الغضا فالمشرفات النواشز
وهي في ديوانه 201173وجمهرة الأشعار 841826.
وله جيمية واحدة مطلعها:
ألا ناديا أظعان ليلى تعرّج ... فقد هجن شوقا ليته لم يهيّج
وهي في ديوانه 9573.
(5) يقصد (أدب الكتّاب) لابن قتيبة، ولابن السّيد البطلوسي شرح عليه سمّاه الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب «أنظر الوفيات 3/ 96.
(6) أنظر الترجمة 14الصفحة 135130.
(7) هو عبد الله بن رؤبة السعدي راجز مجيد من الشعراء اشتهر بتطويله للرجز وجعله كقصيد الشعر (نحو 90هـ) الشعر والشعراء 2/ 597595والأعلام 4/ 8786.
السّكباج لحم يطبخ بخل (تاج العروس: سكبج).(2/105)
75 - الخطابي (1)
(2) هو الإمام الحافظ أبو سليمان أحمد ويقال حمد بن محمد بن إبراهيم ابن الخطاب من ولد زيد بن الخطاب (3)، ولد سنة تسع عشرة وتوفي سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة. روى عنه أبو حامد الإسفرائيني (4) وأبو عبيد الهرويّ (5) والثعالبي (6) وغيرهم. وله شعر جيد منه قوله (7): (تام البسيط).
ما دمت حيّا فدار النّاس كلّهم ... فإنّما أنت في دار المداراة
من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ... عمّا قليل نديما للنّدا مات
__________
(1) أبو سليمان البستي نسبة إلى بست من بلاد كابل. كان محدّثا فقيها وأديبا لغويا شاعرا (388هـ) ترجمته في اليتيمة 4/ 336334وخاص الخاص 199198ومعجم الأدباء 4/ 260246 (ترجم له باسم أحمد)، 10/ 272262 (باسم حمد) وإنباه الرواة 1/ 125. والوفيات 2/ 216214 (حمد) وتذكرة الحفاظ 3/ 10201018 (حمد)، والوافي بالوفيات 7/ 318317والشذرات 3/ 128127والخزانة 1/ 283282 (ط.
بولاق) وإدراك الأماني 2/ 2120والأعلام 2/ 273 (وفيه حمد).
(2) من معجم الأدباء 4/ 249246بتصرف.
(3) كان من المهاجرين الأولين، وهو أخو عمر بن الخطاب لأبيه قتل شهيدا يوم اليمامة سنة 12هـ طبقات ابن سعد 3/ 378376والاستيعاب 2/ 553550والوفيات 6/ 16والأعلام 3/ 58.
(4) هو أحمد بن محمد أحد أئمة الشافعية. كان يحضر مجلسه أكثر من 300فقيه (406هـ). طبقات الفقهاء 124123والوفيات 1/ 7472والوافي بالوفيات 7/ 358357والأعلام 1/ 211.
(5) أبو عبيد الهرويّ هو أحمد بن محمد تلميذ الخطابي أبي سليمان وقد حدث عنه في كتابه المعروف بالغريبين: غريب القرآن وغريب الحديث، وهو من العلماء الكبار (401هـ) معجم 4/ 247، 254والوفيات 1/ 9695والأعلام 1/ 210.
(6) الثعالبي أبو منصور كان صديق الخطابي. انظر معجم الأدباء 4/ 247، وستأتي ترجمته برقم 79.
(7) البيتان في اليتيمة 4/ 335ومعجم الأدباء 4/ 258، 10/ 272والوفيات 2/ 216والوافي بالوفيات 7/ 318 والخزانة 1/ 282 (ط. بولاق) وإدراك الأماني 2/ 20والأول في الشذرات 3/ 128.(2/106)
وقوله (1): (الطويل)
وما غربة الإنسان في شقّة النوى ... ولكنّها والله في عدم الشّكل
وإنّي غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وقوله (2): (الطويل)
تغنّم سكون الحادثات فإنّها ... وإن سكنت عمّا قليل تحرّك
وبادر بأيام السّلامة إنّها ... رهون، وهل للرّهن عندك مترك
وقوله (3): (تام البسيط)
وقائل إذ رأى من حجبتي عجبا ... كم ذا التّواري وأنت الدّهر محجوب؟
فقلت: حلّت نجوم العمر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب
ولذت من وجل بالاستتار من الأ ... بصار إنّ غريم الموت مرعوب
ومحاسنه كثيرة، وترجمته كبيرة، رحمه الله وأرضاه (4).
__________
(1) البيتان في اليتيمة 4/ 235ومعجم الأدباء 4/ 254، 10/ 270وإنباه الرواة 1/ 125والوافي بالوفيات 7/ 318 والشذرات 3/ 128والخزانة 1/ 282 (ط. بولاق). وإدراك الأماني 2/ 20.
الشّكل هنا الشّبه والمثل، والشكل ما يناسب ويصلح لك (المعجم الوسيط: شكل) ولعله يقصد أن غربته تتمثل في عدم وجود صديق مشاكل ومناسب له.
(2) البيتان في اليتيمة 4/ 336وخاص الخاص 198ومعجم الأدباء 4/ 259وإدراك الأماني 2/ 2120.
(3) الأبيات في اليتيمة 4/ 335وخاص الخاص 199ومعجم الأدباء 4/ 259258وإدراك الأماني 2/ 21.
(4) ج: ومحاسنه رحمه الله كثيرة رضي الله عنه وأرضاه.(2/107)
76 - الشريف الرضي (1)
هو أبو الحسن الموسويّ النّقيب من وسائط قلائده، وأبيات قصائده، قوله لأبي إسحاق الصابي (2): (تام البسيط)
لقد تمازج قلبانا كأنّهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللّبن
أنت الكرى مؤنسا طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانعا عيني من الوسن
ومما لا غاية لظرفه قوله في مرض وزير (3): (المنسرح)
يا دهر ماذا الطّروق بالألم ... جاف لنا عن بقيّة الكرم
إن كنت لا بدّ آخذا عوضا ... فخذ حياتي ودع حيا الأمم
لا درّ درّ السّقام كيف رمى ... طبيب آمالنا من السّقم
ومن غرره ونفائس درره قوله (4): (تام البسيط)
يا ليلة السّفح ألّا عدت ثانية ... سقى زمانك هطّال من الدّيم
ماض من العيش لو يفدى بذلت له ... كرائم المال من خيل ومن نعم
__________
(1) هو محمد بن الحسين المشهور بالشريف الرّضي، يعد أشعر الطالبيين (406هـ) ترجمته في اليتيمة 3/ 151131 وخاص الخاص 202201والإعجاز 208206ودمية القصر 1/ 298292والمحمدون 244243والوفيات 4/ 420414والوافي بالوفيات 2/ 379374والشذرات 3/ 184182وإدراك الأماني 1/ 240والأعلام 6/ 99
(2) سبقت ترجمته برقم 61،
والبيتان من قصيدة طويلة مطلعها:
دع من دموعك بعد البين للدّمن ... غدا لدارهم واليوم للظّعن
وهي في ديوانه 2/ 949945 (ط. بيروت»، منها 20بيتا في اليتيمة 2/ 306305والبيتان في خاص الخاص 201والإعجاز 206والمنتحل 218217.
(3) مقطوعة في ديوانه 2/ 755754وخاص الخاص 202والإعجاز 207.
الحيا: الخصب والمطر. (القاموس: الحي).
(4) أول قصيدة غزلية وهي في ديوانه 2/ 724722والأبيات في الوافي بالوفيات 2/ 376.(2/108)
بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى ... يضمّنا الشّوق من فرع إلى قدم
وبات بارق ذاك الثّغر يوضح لي ... مواضع اللّثم في داج من الظّلم
وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الرّيط واللّمم (1)
وأكتم الصّبح عنها وهي نائمة ... حتّى تكلّم عصفور على علم
فقمت أنفض بردا ما تعلّقه ... غير العفاف وغير الرّعي للذّمم
وقوله (2) (وهو في غاية اللطافة): (تام الكامل)
يا صاحب القلب الصحيح أما اشتفى ... يوم النّوى من قلبي المصدوع (3)
أأسأت للمشتاق، حين ملكته ... وجزيت فرط نزاعه بنزوع
هيهات لا تتكلّفنّ لي الهوى ... فضح التّطبّع شيمة المطبوع
وتركتني ظمآن أشرب أدمعي ... أسفا على ذاك اللّمى الممنوع (4)
قلبي وطرفي منك هذا في حمى ... قيظ وهذا في رياض ربيع
أبكي ويبسم والدّجى ما بيننا ... حتّى استضاء بثغره ودموعي
قمرا إذا استجليته بعتابه ... لبس الغروب فلم يعد لطلوع
أبغي الوصال بشافع من غيره ... شرّ الهوى ما رمته بشفيع
__________
(1) الرّيط جمع ريطة: كلّ ملاءة غير ذات لفقين أو كل ثوب ليّن رقيق. واللّمم: جمع لّمة وهي الشّعر المجاوز شحمة الأذن.
(القاموس: الريطة، لمه).
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
والأبيات أول قصيدة غزلية في ديوانه 1/ 497496والأبيات في الوافي بالوفيات 2/ 377.
(3) حاشية ج: «خ ألم الهوى من قلبي».
نزع إلى أهله نزاعة ونزاعا بالكسر: اشتاق. ونزع عن الأمور نزوعا: انتهى عنها. (القاموس: نزعه).
(4) حاشية ج: «خ أرشف أدمعي)».
اللّمى سمرة في الشفة أو شربة سواد فيها. (القاموس: اللمى).(2/109)
ما كان إلّا قبلة التّسليم أر ... دفها الفراق بضمّة التّوديع
أتبيت ريّان الجفون من الكرى ... وأبيت منك بليلة الملسوع
قد كنت أجزيك الصدود بمثله ... لو أنّ قلبك كان بين ضلوعي
وقوله (1): (تام الخفيف)
أيها الرّائح المجدّ تحمّل ... حاجة من متيّم مشتاق
اقر عنّي السّلام أهل المصلّى ... فبلاغ السّلام بعض التّلاقي
وإذا ما وصلت للخيف فاشهد ... أنّ قلبي إليه بالأشواق
ضاع قلبي فانشده لي بين جمع ... ومنى عند بعض تلك الحداق
وابك عنّي فطالما كنت من قب ... ل أعير الدّموع للعشّاق
وقوله، وبعضهم ينسبه إلى أخيه أبي القاسم المرتضى (2): (تام الخفيف)
يا خليليّ من ذؤابة قيس ... في التّصابي مكارم الأخلاق
علّلاني بذكرهم واسقياني ... وامزجا لي دمعي بكأس دهاق
__________
(1) أول مقطعة في ستّة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 2/ 574والأبيات في الوافي بالوفيات 2/ 377.
الخيف: خيف مكة موضع فيها عند منّى. والجمع هو المزدلفة وهو مبيت للحاجّ ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات، وسمّيت المزدلفة لاجتماع الناس بها. منىّ: هي بليدة على فرسخ من مكة. والحداق جمع حدقة وهي السّواد المستدير وسط العين. معجم البلدان 2/ 412، 5/ 121120، 199198واللسان (جمع، حدق، خيف، منى).
(2) هو الشريف المرتضى صاحب الترجمة التالية رقم 77.
والأبيات ليست في ديوان الشريف الرضي وهي في الوافي بالوفيات 2/ 378معزوة له، وهي للشريف المرتضى من قصيدة كتب بها إلى خاله الشريف أبي الحسن أحمد بن الحسين الناصر مطلعها:
ما رأتني عيناك يوم الفراق ... أخدع القلب بادّكار التّلاقي
وهي في ديوانه 2/ 342. ونسبت الأبيات له في تتمة اليتيمة 69وخاص الخاص 202ومعجم الأدباء 13/ 149 والوفيات 3/ 314. والبيت الأخير في الغيث المسجم 1/ 378 (ط. العلمية) له أيضا.
كأس دهاق: مترعة ممتلئة (اللسان: دهق). وكأس دهاق، ينظر إلى قوله تعالى: {«إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفََازاً حَدََائِقَ وَأَعْنََاباً وَكَوََاعِبَ أَتْرََاباً وَكَأْساً دِهََاقاً»} سورة النبأ 78/ 3431.(2/110)
وخذا النّوم من جفوني فإنّي ... قد خلعت الكرى على العشّاق
(1) قيل إنّ المطرّز (2) لما وقف على هذه الأبيات قال: رحم الله الشريف الرّضيّ وهب ما لا يملك لمن (3) لا يقبل، فلما بلغ ذلك صدر الدّين ابن الوكيل (4) قال:
والله قول المطرّز عندي أحسن من قول الشريف الرضي.
ومن عجيب شعره قوله (5): (مجزوء الرمل)
اشتر العزّ بما بي ... ع فما العزّ بغال
بالقصار الصّفر إن شئ ... ت أو السّمر الطّوال
ليس بالمغبون عقلا ... مشتري عزّ بمال
إنّما يدّخر الما ... ل لحاجات الرّجال
والفتى من جعل الأم ... وال أثمان المعالي
ومحاسنه ومبتدعاته (6) ومبتكر معانيه ومخترعاته كثيرة جدّا. فرضي الله عنه وأرضاه.
__________
(1) من الوافي بالوفيات 2/ 378والغيث المسجم 1/ 378 (ط. العلمية) بتصرف. وجاء في الوفيات 3/ 314: أن الذي وقف على الأبيات هو البصروي الشاعر.
(2) المطرّز لعله عبد الرحمن بن محمد، وهو شاعر بغدادي كثير الشعر معاصر للشريف المرتضى (439هـ) تاريخ بغداد 11/ 16والغيث المسجم 1/ 378 (ط. العلمية).
(3) أب ج ش: على من (على) غلط صوبناه. وجاء في الغيث المسجم 1/ 387خلع ما لا يملك على من
(4) سيترجم المؤلف لابن الوكيل برقم 110.
وقول ابن الوكيل في الوافي بالوفيات 2/ 378والغيث المسجم 1/ 378 (ط. العلمية).
(5) مقطوعة قالها عندما أجرى قوم بحضرته ذكر ما بذله أحد الوزراء من الأموال حتى قلّد الوزارة وهي في ديوانه 2/ 702واليتيمة 3/ 150وخاص الخاص 202201والمنتحل 238والمحمدون 238 (ت رياض عبد الحميد)، والأبيات الأربعة الأولى في الإعجاز 206.
(6) ج: ومبدعاته.(2/111)
77 - الشريف المرتضى (1)
هو أبو القاسم عليّ بن الحسين أخو أبي الحسن المتقدم الذّكر. من عيون شعره قوله (2): (تام الكامل)
أمسى يشوّقني إلى أهل الغضا ... شوق يقلّبني على جمر الغضا
ولقد عراني الشّيب في عصر الصّبا ... حتّى لبست به شبابا أبيضا
وقوله (3): (المنسرح)
مولاي يا بدر كلّ دجنّة ... خذ بيدي قد وقعت في اللّجج
حسنك ما تنقضي عجائبه ... كالبحر حدّث عنه بلا حرج
بحقّ من خطّ عارضيك ومن ... سلّط سلطانها على المهج
مدّ يديك الكريمتين معي ... ثم ادع لي من هواك بالفرج
وقوله من قصيدة (4): (تام البسيط)
أين الذين على خدّ الثّرى وطئوا ... وحكّموا في لذيذ العيش فاحتكموا
لم يبق منهم على ضنّ القلوب بهم ... إلّا رسوم قبور حشوها رمم
فلا يغرّنك في الموتى وجودهم ... فإنّ ذاك وجود كلّه عدم
وترجمته أوسع من هذا وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) شاعر كثير الشعر، وهو إمام في اللغة والأدب له مصنفات كثيرة منها (الغرر والدّرر) المعروف بأمالي المرتضى و (الشهاب في الشيب والشباب) وهو نقيب الطالبيين (436هـ) وترجمته في تتمة اليتيمة 69وخاص الخاص 203202وجمهرة الأنساب 63ودمية القصر 1/ 303299والذخيرة 4/ 2/ 475465ومعجم الأدباء 157 13/ 146والوفيات 3/ 317313 (وهو فيه علي بن الطاهر). وميزان الاعتدال 3/ 124وإدراك الأماني 10/ 109 والأعلام 4/ 278.
(2) من قصيدة في الاستعبار مطلعها:
ألّا أرقت لضوء برق أو مضا ... ما زار طرفي ومضه حتّى مضى؟
وهي في ديوانه 2/ 160158. والبيتان في خاص الخاص 202وإدراك الأماني 10/ 109.
الغضا من أشجار الرمل له هدب، من أجود الوقود عند العرب. وأهل الغضا هم أهل نجد لكثرته هنالك. (اللسان: غضا).
(3) مقطعة في أربعة أبيات في الغزل وهي في ديوانه 1/ 174والوفيات 3/ 315وإدراك الأماني 10/ 109.
الدّجنّة: الظلمة، ومن الغيم المطبّق تطبيقا، المظلم الذي ليس فيه مطر (اللسان: دجن).
(4) من قصيدة في التعزية عن ميت توفي يوم السبت مطلعها:
ما للقلوب غداة السّبت مزعجة ... وللدّموع غداة السبت تنسجم؟
وهي في ديوانه 3/ 168166والأبيات مع بيت آخر في تتمة اليتيمة 71وهي في خاص الخاص 203وإدراك الأماني 10/ 109.(2/112)
78 - أبو الفتح البستي (1)
هو علي بن محمد الكاتب البليغ الناظم الناثر المتصرّف في فنون الشعر على اختلاف أنواعها المجيد في جميعها. كان معاصرا لأبي منصور الثعالبي (2)
وكانت بينهما صداقة ومصافاة وله فيه أمداح. فمن أمداحه فيه قوله (3):
(الطويل)
أخ لي زكيّ النّفس والأصل والفرع ... يحلّ محلّ العين منّي والسّمع
تمسّكت منه إذ بلوت إخاءه ... على حالتي رفع النوائب والوضع
بأوعظ من عقل وآنس من هوى ... وأوفق من طبع وأنفع من شرع
ومن وسائط قلائده، ومخدّرات خرائده قوله (4): (تام البسيط)
لمّا أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كلّ برّ وفضل غير محدود
حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السّود
ومن لطيف شعره ونفيس درّه قوله (5): (تام المتقارب)
إذا ملك لم يكن ذا هبه ... فدعه فدولته ذاهبه
__________
(1) (400هـ) ترجمته في اليتيمة 1/ 430429، 4/ 334302وخاص الخاص 78، 79، 198197والإعجاز 204202والوفيات 3/ 378376وعبر الذهبي 3/ 7675والبداية والنهاية 11/ 278، 345والنجوم الزاهرة 4/ 106ومعاهد التنصيص 3/ 221212وإدراك الأماني 15/ 5958والأعلام 4/ 326.
(2) سترد ترجمة الثعالبي بعد هذه الترجمة برقم 79.
(3) الأبيات في ديوانه 275واليتيمة 4/ 320وخاص الخاص 42، 197والغيث المسجم 1/ 279 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 15/ 58والبيتان الأول في الإعجاز 203.
(4) البيتان في ديوانه 343واليتيمة 4/ 310وخاص الخاص 197والإعجاز 202وأحسن ما سمعت 48والمنتحل 23وإدراك الأماني 15/ 58.
(5) ج: ومن نفيس دره ولطيف شعره.
والبيت مفرد في ديوانه 228واليتيمة 4/ 326وخاص الخاص 197والإعجاز 202والمتشابه 32ونهاية الأرب 7/ 92 وإدراك الأماني 15/ 58.(2/113)
وقوله (1): (تام البسيط)
إذا تحدثت في قوم لتونسهم ... بما تحدّث عن ماض وعن آت
فلا تعيدن حديثا إنّ طبعهم ... موكّل بمعاداة المعادات
وقوله (2): (تام الوافر)
أراني الله وجهك كلّ يوم ... لأسعد بالأمان وبالأماني
فوجهك حين ألحظه بعيني ... يريني البشر في وجه الزمان
وقوله (3): (تام الكامل)
لا يستخفّنّ الفتى بعدوّه ... أبدا وإن كان العدوّ ضئيلا
إنّ القذى يؤذي العيون أقلّه ... ولربّما جرح البعوض الفيلا
وقوله (4): (تام السريع)
قلت له لما مضى وانقضى ... لاردّك الرّحمان من هالك
أما وقد فارقتنا فانتقل ... من ملك الموت إلى مالك
وقوله (5): (تام البسيط)
يا أحسن النّاس إحسانا إلى النّاس ... وأكرم النّاس إغضاء عن النّاسي
نسيت وعدك والنّسيان مغتفر ... فاعذر فأوّل ناس أوّل النّاس
__________
(1) البيتان في ديوانه 236واليتيمة 4/ 333وخاص الخاص 198والإعجاز 203والوفيات 3/ 377والبداية والنهاية 11/ 345وإدراك الأماني 15/ 58.
(2) البيتان في ديوانه 309وخاص الخاص 198والإعجاز 203وإدراك الأماني 15/ 58.
(3) ج: تستخفن، وهو غلط.
والبيتان في ديوانه 361واليتيمة 4/ 333وخاص الخاص 198والإعجاز 204وإدراك الأماني 15/ 58.
(4) البيتان في ديوانه 287واليتيمة 4/ 329وخاص الخاص 198والإعجاز 204وإدراك الأماني 15/ 58.
(5) البيتان في ديوانه 268والاقتباس من القرآن 39وإدراك الأماني 15/ 59.(2/114)
وقوله (1): (الطويل)
وقالوا رض النّفس الحرون وكفّها ... تعدّل وألزمها أداء الفرائض
وإن لم ترضها أنت وحدك مصلحا ... وجدت لها من دهرها ألف رائض
وقوله (2): (تام السريع)
يا ناقها من مرض مسّه ... يفديك من عاداك من ناقه
كم قلت إذ قيل به فترة ... يا ربّنا بالرّوح منّا قه
وقوله (3):
عجبت لوغد قد جذبت بضبعه ... فأصبح يلقاني بتيه وبيسما
يروم مساماتي ومن دونها السّهى ... فكيف يباريني سموّا وبي سما
وقوله (4): (تام الوافر)
سل الله الغنى تسأل جوادا ... أمنت على خزائنه النّفادا
وإن حاباك سلطان بقرب ... فلا تغفل ترقّبك البعادا
__________
(1) ج: لم ترضب، وهو غلط.
والبيتان في ديوانه 352وإدراك الأماني 15/ 59.
(2) البيتان ليسا في ديوانه ولا في فائته، وهما في إدراك الأماني 15/ 59منسوبان إليه.
(3) البيتان في ديوانه 302وإدراك الأماني 15/ 59.
الضّبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها، وهما ضبعان. التّيه: الكبر. السّهى: كوكب صغير خفي الضوء (المعجم الوسيط: تيه، سها ضبع) بيسما: بئس ما: أي بئس، وهي للذم ضد نعم.
(4) أب ج ش هـ و: المعادا، وهو غلط، والتصحيح من الديوان واليتيمة وخاص الخاص.
والأبيات في ديوانه 244واليتيمة 4/ 315وخاص الخاص 8079ومعاهد التنصيص 3/ 219وإدراك الأماني 15/ 59 التثليث في اصطلاح المنجمين هو سقوط النجم إلى البرج الرابع من النجم الآخر. كشاف الإصطلاحات 247وجاء في موسوعة اصطلاحات العلوم الإسلامية 13861385 «إذا اجتمع الكوكبان غير الشمس والقمر في جزء واحد من أجزاء فلك البروج يسمى قرانا ومقارنة وإن لم يجتمع الكوكبان في جزء واحد فإن كان البعد بينهما ربع الفلك أي تسعين درجة يسمى نظر التربيع وإن كان البعد بينهما ثلث الفلك أي مائة وعشرين درجة يسمى نظر التثليث».
ولم أعثر على ما يوضح المقصود بإعطاء المريخ في التثليث وسلبه في التربيع.(2/115)
فقد تدني الملوك لدى رضاها ... وتبعد حين تحتقد احتقادا
كما المرّيخ في التثليث يعطي ... وفي التّربيع يسلب ما أفادا
وقوله (1): (تام الخفيف)
لا يغرّنك أنّني ليّن اللّم ... س فعزمي إذا انتضيت حسام
أنا كالورد فيه راحة قوم ... ثم فيه لآخرين زكام
وقوله (2): (تام البسيط)
أفد الغزال الذي في النّحو كلّمني ... مناظرا فاجتنيت الشّهد من شفته
ثم افترقنا على رأي رضيت به ... فالرّفع صفتي والنّصب من صفته
ومحاسن أبي الفتح كثيرة. وكانت وفاته سنة إحدى وأربعمائة يرحمنا الله وإياه.
79 - أبو منصور الثعالبي (3)
هو عبد الملك بن محمد (4)، إمام جليل متقدم في علوم العربية من اللغة والأخبار وأيام الناس وغيرها، ريّان من الآداب (5)، وله من التواليف كتاب يتيمة الدهر، وكتاب خاص الخاص، وكتاب غاية الإيجاز في نهاية الإعجاز (6) وغير ذلك.
وكان شاعرا مطبوعا سريع البديهة رقيق حاشية البيان مجيدا في فنون الشعر كلها.
__________
(1) البيتان في ديوانه 307واليتيمة 4/ 313وخاص الخاص 78ومعاهد التنصيص 3/ 218وإدراك الأماني 15/ 59.
وقد وهم محقق الديوات فأدمج البيتين آخرين في الخمر من قافية مكسورة الروي من بحر الكامل!
(2) أول مقطعة في ثلاثة أبيات في ديوانه 337واليتيمة 4/ 313وخاص الخاص 68وأحسن ما سمعت 118117والبيتان في إدراك الأماني 15/ 59. ونسب البيتان في شرح المقامات 2/ 15والذخيرة 4/ 2/ 607للميكالي وهو عبيد الله بن أحمد الآتية ترجمته برقم 88.
(3) ج: الثعالبي هو أبو منصور.
(429هـ) ترجمته في خاص الخاص 246229ودمية القصر 2/ 970966والذخيرة 4/ 2/ 583560ونزهة الألباء 365والوفيات 3/ 180178وعبر الذهبي 3/ 172والبداية والنهاية 12/ 44ومعاهد التنصيص 3/ 271266 والشذرات 3/ 247246وإدراك الأماني 22/ 186184والأعلام 4/ 164163.
(4) أب ج ش هـ و: محمد بن عبد الملك، وهو غلط والتصحيح من المصادر السابقة ما عدا إدراك الأماني.
(5) ج: الأدب.
(6) طبع باسم الإعجاز والإيجاز. وقد ذكر في الصفحة 160باسم (غاية الإيجاز ونهاية الإعجاز).(2/116)
فمن بدائع شعره، وفوائد درّه (1)، وروائع بنات فكره، قوله يمدح السلطان الأجلّ مسعود بن محمود بن سبكتكين الغزنري (2) إلا أن فيه بعض غلو (3):
(تام البسيط)
دع الأساطير والأنباء ناحية ... وعاين الملك المنصور مسعودا
تر الأكابر طرّا والملوك معا ... ورستما وسليمان بن داودا
وقوله (فيه) (4): (تام الكامل)
نثرت عيك سعودها الأفلاك ... وعنت لعزّة وجهك الأملاك
زوّجت بالدّنيا لأنّك كفؤها ... فاسعد بها وليهنك الإملاك
والأرض دارك والورى لك أعبد ... والبدر نعلك والسّماء شراك
وقوله في الأمير أبي الفضل الميكالي (5) وقد أهدى له فرسا: (تام الكامل)
يا مهدي الطّرف الجواد كأنّما ... قد أنعلوه بالرياح الأربع
لا شعر أسير منه إلّا الشّعر في ... شكري لنائلك الجليل الموقع
__________
(1) ج: بديع شعره وفرائد قلائد درّه.
(2) أب ج ش هـ و: مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي، وهو غلط. والصحيح أنه مسعود بن محمود بن سبكتكين وهو من ملوك الدولة الغزنوية، نشأ في بيت سلطنة وجهاد وعدل (432هـ) الكامل لابن الأثير 9/ 488484 والوفيات 5/ 6665، 181وعبر الذهبي 3/ 180وشعر الثعالبي 140، 157.
وأما مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي فهو أحد ملوك السلجوقية المشاهير (547502هـ) ولا يعقل أن يمدح الثعالبي المتوفي سنة 429هـ ملكا ولد بعد وفاته. انظر الكامل لابن الأثير 11/ 163160والوفيات 5/ 202200والشذرات 4/ 145.
(3) البيتان في شعره 157وخاص الخاص 237وإدراك الأماني 22/ 184.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
ج: نشرت.
والأبيات في شعره 176وتتمة اليتيمة 133وخاص الخاص 237وإدراك الأماني 22/ 184.
(5) سترد ترجمته برقم 88.
والأبيات من قصيدة ورد 13بيتا منها في الوفيات 3/ 179178. وقد وهم محقق شعر الثعالبي 172فجعلها مقطوعة في ستة أبيات وهي في خاص الخاص 238وزهر الآداب 1/ 138137ودمية القصر 2/ 969ومعاهد التنصيص 3/ 270.
الطّرف: الكريم من الخيل. أقضمت الدابة الشعير: علفته إياها. حبّ الفؤاد: سويداؤه أو مهجته أو ثمرته. الجلّ والجلّ:
ما تلبسه الدابة لتصان به. البرقع يكون للنساء والدواب. (اللسان والقاموس: برقع، جل، حبب، طرف، قضم).(2/117)
ولو انّني أنصفت في إجلاله ... لجلال مهديه الهمام الأروع
أقضمته حبّ الفؤاد لحبّه ... وجعلت مربطه سواد المدمع
وخلعت ثم قطعت غير مضيّق ... برد الشّباب لجلّه والبرقع
وقوله في دعاء العيد (1): (تام المتقارب)
أطال الإله بقاء الأمير ... وتوفيقه ثم تأييده
ففي كلّ يوم بإقباله ... يرى عبده عنده عيده
وقوله في التهنئة بالفطر (2): (الطويل)
أخوك هلال العيد عادت سعوده ... يحاكيك منه نوره وصعوده
فأفطر على دهر بعينك ناظر ... وأبشر بعيد مورق لك عوده
وعيّدت يا من للمعالي قيامه ... وللفضل والإفضال فينا قعوده
بأيمن إهلال وأسعد طالع ... وأكمل إقبال يليه خلوده
وقوله في صديق له منجم (3): (تام المتقارب)
صديق لنا عالم بالنّجوم ... يحدّثنا بلسان الملك
ويكتم أسرار إخوانه ... ولكن نموم بسرّ الفلك
وقوله في غلام شاعر (4): (الطويل)
فديت غزالا راقني درّ شعره ... كما شاقني في نطقه درّ ثغره
إذا ما غدا للشّعر يغرى بنظمه ... غدوت لعقد الدّمع أغرى بنثره
وو الله ما أدري أسحر جفونه ... تملّك قلب الصّبّ أم سحر شعره
__________
(1) البيتان في التهنئة بعيد الفطر في شعره 157وخاص الخاص 240وإدراك الأماني 22/ 185.
(2) الأبيات في شعره 156وخاص الخاص 240وإدراك الأماني 22/ 185.
(3) البيتان في شعره 177وخاص الخاص 242وأحسن ما سمعت 161، 162وإدراك الأماني 22/ 185.
(4) الأبيات في شعره 166وخاص الخاص 243242.(2/118)
وقوله في وصف يوم صالح من أيام طالحة (1): (تام السريع)
ويوم سعد حسن البشر ... عذب السّجايا طيّب النّشر
شبّهته منتزعا من يد ال ... أحداث ذات الضّرّ والشّرّ
باللّبن السّائغ ذاك الذي ... من بين فرث ودم يجري
وقوله (2): (المجتث)
يا ليلة هي طولا ... كمثل شوقي ووجدي
مدّت سرادق وشي ... على الورى أيّ مدّ
نجومها الزّهر تحكي ... من حسنها نثر عقد
والأنجم الحمر منها ... كالورد في اللّازورد
وقوله (3): (تام الخفيف)
هذه ليلة لها بهجة الطا ... ووس حسنا ولونها للغداف
رقد الدّهر فانتبهنا وسارق ... ناه حظّا من السّرور الشّافي
بمدام صاف وخلّ مصاف ... وحبيب واف وسعد مواف
__________
(1) ج: صالحة، وهو غلط.
والأبيات أول مقطعة في خمسة أبيات في شعره 162ومعاهد التنصيص 3/ 268والأبيات في خاص الخاص 235 وإدراك الأماني 22/ 185وهي غير معزوة في دمية القصر 2/ 964.
قوله: من بين فرث مأخوذ من قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خََالِصاً سََائِغاً لِلشََّارِبِينَ} سورة النحل 16/ 66.
(2) ج: وليلة.
والأبيات في وصف ليلة طويلة وهي في شعره 158وخاص الخاص 236وإدراك الأماني 22/ 186185.
السّرادق: صحن الدار، وكل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء. (تاج العروس: سرق). واللازورد معدن مشهور أجوده الصافي الشفّاف الأزرق الضارب إلى حمرة وخضرة. (محيط المحيط: اللازورد) ويقصد به هنا لونه الأزرق الضارب إلى الحمرة والخضرة.
(3) الأبيات في شعره 173وخاص الخاص 236وأحسن ما سمعت 86ومعاهد التنصيص 3/ 268وإدراك الأماني 22/ 185ونسبت في دمية القصر 2/ 964963لأبي عبد الرحمن محمد عبد العزيز النّيلي
الغداف: الغراب. (القاموس: الغداف).(2/119)
وقوله (1): (الطويل)
وليل كعين الظّبي غيّر لونه ... براح كعين الدّيك بل هو ألمع
فلما مزجت الرّوح منّي براحها ... ترحّل عنّي الهمّ والغمّ أجمع
وبدائعه ومخترعاته رحمه الله أكثر من أن نأتي عليها، وفيما ذكرناه منها مقنع إن شاء الله تعالى.
80 - بكر بن علي الصابوني (2)
كان (3) هجّاء خبيث اللّسان، وكان مولعا بهجو أبي بكر ابن الوسطاني (4). فمن هجائه له قوله فيه (5): (تام السريع)
أمرض بالوعظ القلوب الصّحاح ... ما قاله الهاتف عند الصّباح
أيقظني من نومتي في الدّجى ... شخص سمعت القول منه كفاح (6)
يقول: كم ترقد يا غافلا ... والدّهر إن لم يغد بالموت راح
تركن للدّنيا كأن لا براح ... منها وتغدو لاهيا في مزاح
ما الدّهر والأيّام في مرّها ... إلّا كبرق خاطف حين لاح
__________
(1) البيتان في شعره 170وخاص الخاص 236وثمار القلوب 410وإدراك الأماني 22/ 186ونسبا لأحمد بن فارس المترجم له برقم 71في إدراك الأماني 10/ 83.
كعين الظبي: أي في السواد.
(2) شاعر مطبوع، ومن أقدر الناس على بديهة اشتهر بكثرة هجائه، فرّ من القيروان إلى مصر بسبب العداوة التي جرّها عليه لسانه (409هـ) ترجمته في شعراء القيروان 6461والفوات 1/ 223221والوافي بالوفيات 10/ 211208وإدراك الأماني 15/ 9593.
(3) الخبر في شعراء القيروان 6461والفوات 1/ 223221والوافي بالوفيات 10/ 211208.
(4) هو أحد عمال الفاطميين على القيروان (379هـ) تاريخ ابن خلدون 6/ 321320.
(5) الأبيات في شعراء القيروان 61والفوات 1/ 222والوافي بالوفيات 10/ 209وإدراك الأماني 15/ 93.
(6) أب ج ش: فيه كفاح (فيه) غلط، والتصحيح من شعراء القيروان 61والفوات 1/ 222والوافي بالوفيات 10/ 209(2/120)
وهي طويلة مدح فيها عبد الله بن محمد الكاتب (1) بعد مواعظ كثيرة، وهجا ابن الوسطاني أقبح هجاء، وأنشده إياها بحضرة أشياخ الدولة، وكان الرائي الشاعر (2) حاضرا، وله عناية بابن الوسطاني فقال: أتيت بشعر غيرك تسفّه به على أهل الرّتب بين أيدي الملوك، والله إنك مستحقّ للعقوبة. فقال: أما قولك:
(تسفّه) فسفه منك وسوء أدب لأنّي جئت محتشما (3) فيما يعلمه الله والقاضي وجماعة المسلمين، وأما قولك: أهل الرّتب، فتلك الرّتبة هي التي اشتكينا بما سمعت لأنها رتبة مصحّفة. وأما قولك: شعر غيرك، فإن أذن لي أبو محمد (4)
عرّفتك، أنه شعري. فقال عبد الله للرائي: ما ترى؟ فقال: ايذن له، فقال: شأنك.
فقال كأنّما يملي شيئا من حفظه (5): (تام المتقارب)
سألتك بالقمر الأزهر ... وبالعين والحاجب الأنور
وبالسّيّد الماجد المرتضى ... لدفع المظالم والمنكر (6)
حسام الخلافة وابن الحسام ... ومنصورنا جوهر الجوهر
أجرني من النّاقص الأعور ... فلولاك في النّاس لم يذكر
هو النّحس حلّ به نحسه ... فلا خلق النّحس من أعور
إذا رام خيرا، وما رامه ... أبته له شيمة البربر
__________
(1) لم أعثر له على تعريف، ويبدو أنه أحد حكام افريقية فقد جاء في الوفيات 1/ 302 «وكان قد وصل إلى عبد الله بن محمد الكاتب بيتان قيلا في وصف النيل فجمع شعراء افريقية وأمرهم أن يقولوا في معناهما» ولعله أبو نصر عبد الله بن محمد الحسين القيرواني كاتب الإنشاء للعزيز بالله الآتي ذكره في الحاشية 4. (أنظر الكامل لابن الأثير 9/ 117).
(2) كذا في أب ج د ش وجاء في شعراء القيروان: السراي، وفي الفوات: الراي وفي الوافي بالوفيات: الرائي. ولم أعثر له على تعريف.
(3) ج: متجشما. شعراء القيروان 61والفوات 1/ 222والوافي بالوفيات 10/ 209: محتشما.
(4) هو أبو عبد الله بن محمد الكاتب السابق الذكر في الحاشية 1.
(5) الأبيات في شعراء القيروان 6362والفوات 1/ 222والوافي بالوفيات 10/ 210209وإدراك الأماني 15/ 94.
(6) أب ج ش هـ و: المرتضى، ولعل الأولى ما في شعراء القيروان والفوات والوافي بالوفيات: المرتجى.(2/121)
فقال له الرائي: قد انتقصت سيّدنا العزيز بالله (1) لأنه من البربر فقال له بكر، كأنه يخاصمه (2): (تام المتقارب)
لحا الله ناقصه بيننا ... وإن كنت ذاك ولم تشعر
وفي أيّ شيء تنقّصته ... وقد حلّ في البيت من حمير
فكأنما ألقمه حجرا.
ودخل إلى صاحب قيان، فوجد جماعة من إخوانه يشربون، منهم ابن أبي حفص الكاتب (3) ورأى برذونه قائما في السقيفة، فقال: كم لكم ها هنا؟ فقالوا:
كذا وكذا يوما، فشرب نهاره أجمع وليلته، وأراد الانصراف من الغد، فافتقد رداءه ودراهم كانت معه، وسأل القوم، فما وقف على عين ولا أثر، فقال لابن أبي حفص:
سألتك بالله إلا ما نزلت إلى هذا العبد الصالح، فاستوهبت لنا منه دعوة بأن يفضح الله سارقنا أو يجمع علينا ما راح منا، فإنه صائم النّهار قائم الليل. قال، وأي عبد يكون هذا؟ قال: برذونك يا سيدي! فضحك الجماعة وخرج وهو يقول: (4):
(تام السريع)
ذو غرفة نقّش أعلاها ... للفسق والعصيان أنشاها
__________
(1) هو نزار بن معد العبيدي الفاطمي صاحب مصر والمغرب (386هـ) الكامل لابن الأثير 8/ 663، 665، 9/ 118116والوفيات 1/ 179، 407، 2/ 450.
(2) ج: كنت أنت.
والبيتان في شعراء القيروان 63والفوات 1/ 223والوافي بالوفيات 10/ 210وإدراك الأماني 15/ 94.
(3) لم أعثر له على تعريف في المظان، وجاء في تاريخ ابن خلدون 1/ 293: «ابن أبي حفص صاحب افريقية» ولعله أبو محمد ابن أبي حفص الذي كان في عهد الموحدين انظر تاريخ ابن خلدون 6/ 70.
(4) الأبيات في شعراء القيروان 64والفوات 1/ 223والوافي بالوفيات 10/ 210وإدراك الأماني 15/ 9594(2/122)
قد وضع الميدان في وسطها ... فكنت من أوّل قتلاها
من يعرف الله فلا ياتها ... فما بها من يعرف الله
ومن هجائه (1): (تام المنسرح)
أذاب وال بسوسة مخّي ... يعرف بين الأنام بالفخّ
يزعم عبد العزيز والده ... وأير عبد العزيز مسترخ
توفي سنة تسع وأربعمائة. رحمنا الله وإياه.
81 - القاضي البحاثي (2)
(3) هو أبو جعفر محمد بن إسحاق الزوزني البحاثي، كان شاعرا مفلقا، قيل إن شعره يزيد على عشرين ألف بيت، وله تصانيف عجيبة جيّدة هزلا وجدّا.
وكان هجّاء خبيث اللسان، ما وقع بصره على أحد من الكبار إلا هجاه: رزق من الهجاء طريقا لم يسبق إليه. فمن بديع شعره قوله (4): (الطويل)
بليت بطفل قلّ طائل نفعه ... سوى قبل يزري بها طول منعه
ويمسحها من عارضيه بكمّه ... ويغسلها عن وجنتيه بدمعه
يكاشفني إن لاح شخصي لعينه ... ويغتابني إن مرّ ذكري بسمعه
__________
(1) البيتان في شعراء القيروان 64والفوات 1/ 223والوافي بالوفيات 10/ 211وإدراك الأماني 15/ 95.
(2) (463هـ) ترجمته في تتمة اليتيمة 212ودمية القصر 2/ 13861374ومعجم الأدباء 18/ 2918والمحمدون 135134وإنباه الرواة 3/ 6866والوافي بالوفيات 2/ 199197والأعلام 6/ 29.
(3) من الوافي بالوفيات 2/ 197بتصرف.
(4) الأبيات في معجم الأدباء 18/ 27والوافي بالوفيات 2/ 199.(2/123)
(1) (وقوله: (تام الوافر)
يتوب عن الذّنوب أخو الخطايا ... وإن لذّت له تلك الذّنوب
وذائق فقحة التّركي نيكا ... يصرّ على الذّنوب فلا يتوب)
وقوله يهجو (2): (مجزوء الرمل)
سألونا عن قراه ... فاختصرنا في الجواب
كان فيه كلّ شيء ... باردا غير الشّراب
وهو القائل (3): (تام الخفيف)
ليت شعري إذا خرجت من الدّن ... يا وأصبحت ساكن الأجداث
هل يقولنّ إخوتي بعد موتي ... رحم الله ذلك البحّاثي؟
وقد اقتدى به أبو مسعود أحمد بن عثمان الخشنامي (4) فقال: (تام الخفيف)
ليت شعري إذا تصرّم عمري ... ودنا الموت وانقضت أيّامي
هل يقولنّ إخوتي بعد موتي ... رحم الله ذلك الخشنامي
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من د.
والبيتان في الوافي بالوفيات 2/ 199.
الفقحة: حلقة الدّبر أو واسعها. (القاموس: التفقح).
(2) البيتان في معجم الأدباء 18/ 25والوافي بالوفيات 2/ 198.
(3) البيتان في دمية القصر 2/ 991والوافي بالوفيات 2/ 198.
(4) من شعراء نيسابور وفضلائها وظرفائها انظر تتمة اليتيمة 198ودمية القصر 2/ 1078والوافي بالوفيات 7/ 182180.
والبيتان في دمية القصر 2/ 991ومعجم الأدباء 18/ 26والوافي بالوفيات 2/ 181.(2/124)
قال (1) أبو يوسف يعقوب بن أحمد النيسابوري (2) لمّا لحقا باللطيف الخبير، قلت محقّقا ظنونهما ومصدّقا تخمينهما (3): (تام الخفيف)
يا ابن عثمان كنت خلا ودودا ... ناصح الجيب ذا سجايا كرام
فطوتك المنون دوني طيّا ... وكذاك المنون قصر الأنام
فأنا اليوم قائل كلّ وقت ... رحم الله ذلك الخشنامي
قال، وقلت في البحاثي (4): (تام الخفيف)
يا أبا جعفر ابن إسحاق إنّي ... خانني فيك نازل الأحداث
وهوى عن مصاعد العزّ نسر ... لك تحت الرّجام في الأجداث
فلك اليوم من قواف حسان ... سرن في المدح سيرها في المراثي
مع كتب جمّعت في كلّ فنّ ... حين يروين ألف باك وراث
قائل كلّها بغير لسان ... رحم الله ذلك البحّاثي
كذا وقع للصفدي في ترجمة الخشنامي المذكور (5)، وأن أبا يوسف النيسابوري هو القائل: يا أبا جعفر بن إسحاق إلى آخر الأبيات. ووقع له في ترجمة البحاثي (6)
نسبتها لأبي سعيد ابن دوست (7) وهو أشبه. والله تعالى أعلم.
__________
(1) من الوافي بالوفيات 7/ 182181إلى الأبيات الخمسة الآتية.
(2) هو أديب لغوي له نظم وتصانيف وفوائد ونكت (474هـ) دمية القصر 2/ 993979 (ت. التونجي) وبغية الوعاة 2/ 347والأعلام 8/ 194.
(3) الأبيات في دمية القصر 2/ 992991والوافي بالوفيات 7/ 182181.
فلان ناصح الجيب: يعنى بذلك قلبه وصدره أي أنه أمين نقيّ الصّدر ناصح القلب لا غشّ فيه. القصر: الغاية والنهاية (اللسان: جيب، قصر، نصح).
(4) الأبيات في دمية القصر 2/ 992والوافي بالوفيات 7/ 182لأبي يوسف يعقوب بن أحمد النيسابوري، ونسبت في معجم الأدباء 18/ 26والوافي بالوفيات 2/ 198إلى أبي سعد ابن دوست الآتي تعريفه في الحاشية 7.
(5) الوافي بالوفيات 7/ 182.
(6) الوافي بالوفيات 2/ 198.
(7) هو الحاكم عبد الرحمن بن محمد، أحد الأعيان الأئمة بخراسان في العربية سمع الدواوين وحصّلها وعنه أخذ الواحدي اللغة (431هـ) اليتيمة 4/ 428425ودمية القصر 2/ 972970 (ت. التونجي) (وهو فيهما أبو سعد) وإنباه الرواة 2/ 167والفوات 2/ 298297وبغية الوعاة 2/ 89.(2/125)
82 - البديهي (1)
هو أبو منصور ناشب، بالنون والشين المعجمة والباء الموحدة. ابن هلال الحرّاني، ويعرف بالبديهي، كان أوحد عصره أدبا وظرفا. وقال (2): قصدت ديار بكر متكسّبا بالوعظ، فنزلت قلعة ماردين (3) فدعاني بها تمرتاش بن إيلغازي ابن رائق (4)، للإفطار عنده في شهر رمضان، فحضرت عنده، فلم يرفع مجلسي ولا أكرمني، وقال بعد الإفطار لغلام عنده: إيتنا بكتاب، فجاءه به، فقال: ادفعه إلى الشيخ ليقرأ فيه، فازداد غيظي لذلك، وفتحت الكتاب، فإذا هو ديوان امرئ القيس وإذا أوله (5): (الطويل)
ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
قال، فقلت في نفسي: أنا ضيف وغريب وأستفتح ما أقرؤه على سلطان كبير، وقد مضى جزء من الليل: ألا عم صباحا، فقلت: (الطويل)
ألا عم مساءا أيها الملك العالي ... ولا زلت في عزّ يدوم وإقبال
ثم أتممت القصيدة، فتهلّل وجه السلطان لذلك، ورفع مجلسي وأدناني إليه، وكان ذلك سبب حظوتي عنده.
__________
(1) (591ترجمته في الفوات 4/ 182181وإدراك الأماني 10/ 4342
(2) من الفوات 4/ 182181.
(3) وهي قلعة مشهورة على قنّة جبل الجزيرة مشرفة على نصيبين. (معجم البلدان 5/ 39).
(4) الفوات 4/ 181والشذرات 4/ 48: تمرتاش بن رائق. أب ج ش هـ و: تمرداش بن ارتق. والأول أرجح.
وتمرتاش هو أحد أمراء الشام ولي ماردين أنظر الشذرات: 4/ 48
(5) هذا مطلع قصيدة طويلة لامرئ القيس في ديوانه 3927.(2/126)
ومن شعره (1): (تام البسيط)
لا تحقرنّي وإن أبصرتني حدثا ... فالشّبل يصغر حينا ثم يأتسد
إنّي وإن صغرت سنّي فقد فقهت ... خواطري غررا ما نالها أحد
ومن ملحه قوله (2): (مخلع البسيط)
يحسدني كلّ من رآني ... أركب في موكب الأمير
والناس لا يعلمون أنّي ... تبيت خيلي بلا شعير
(3) (وترجمته أوسع من هذا)، يرحمنا (4) الله وإياه.
83 - محمد بن عبد الواحد صريع الغواشي (5)
(6) بالشين العجمة، ويقال له صريع الدّلاء أيضا: كان شاعرا مطبوعا ماجنا يغلب على شعره المجون والهزل. فمن مجونه قوله يعارض مقصورة ابن دريد (7) بمقصورة منها (8): (تام الرجز)
من لم يرد أن تنتقب نعاله ... يحملها في كفّه إذا مشى
__________
(1) البيتان في الفوات 4/ 181وإدراك الأماني 10/ 43.
(2) البيتان في الفوات 4/ 181وإدراك الأماني: 10/ 43
(3) ما بين القوسين ساقط من ج.
(4) ج: رحمنا.
(5) (412هـ) ترجمته في تتمة اليتيمة 2422والوفيات 3/ 384383 (وهو فيه علي بن عبد الواحد) وفوات الوفيات 3/ 426424والوافي بالوفيات 4/ 6361وحسن المحاضرة 1/ 269268 (وهو فيه علي بن عبد الواحد) وإدراك الأماني 10/ 8079والأعلام 6/ 254.
(6) من الوافي بالوفيات 4/ 6261بتصرف إلى قوله: «حكمة بالغة» والخبر في الفوات 3/ 424.
(7) سبقت ترجمته برقم 47وانظر عن مقصورته الصفحة 310الحاشية 1.
(8) الأبيات في الفوات 3/ 425424والوافي بالوفيات 4/ 62وإدراك الأماني 10/ 79والبيت الرابع في تتمة اليتيمة 23مع أبيات أخرى والبيت الأخير مع أبيات أخرى في حسن المحاضرة 1/ 269. والبيت الأخير في الوفيات 3/ 384 وحياة الحيوان 2/ 494.
انتقب النعل: ثقب. المسلّة بالكسر واحدة المسالّ وهي الإبر العظام. (اللسان: سلل، نقب).(2/127)
من دخلت في عينه مسلّة ... فاسأله من ساعته عن العمى
من أكل الفحم تسوّد وجهه ... وراح صحن خدّه مثل الدّجى
من صفع النّاس ولم يدعهم ... أن يصفعوه فعليهم اعتدى
من طبخ الكرش ولا يغسله ... سال على شاربه منه الخرا
من فاته العلم وأخطاه الغنى ... فذاك والكلب على حدّ سوا
قال بعضهم: إنّ هذا البيت خير من مقصورة ابن دريد كلّها، فإنّه (1) حكمة بالغة.
ومن صالح شعر ابن عبد الواحد قوله يمدح الوزير فخر الملك (2) ويهنيه بعيد: (تام الخفيف)
كيف نلقى بوسا ودولة فخر ال ... ملك فينا تعمّ بالأنعام
هكذا ما بقى الجديدات تبقى ... للتّهاني مملّكا كلّ عام
كلّ يوم لنا بنعماك عيد ... لا خلت منه سائر الأيّام
فله الأنعم الجسام اللّواتي ... هي مثل الحياة في الأجسام
لم يزل يطلب المحامد والعل ... ياء بين السّيوف والأقلام
فلقد نال بالعزائم مجدا ... لم ينل مثله بحدّ الحسام
أدرك النّجم قاعدا وسواه ... عاجز أن يناله من قيام
لم يزل جوده يغطغط بالأف ... ضال مذ كان في فنا الإعدام (3)
__________
(1) ج: فإنها.
(2) هو محمد بن علي وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، وهو من أعظم وزراء آل بويه بعد ابن العميد والصاحب ابن عباد، كان واسع النّعمة فقصده الشعراء (407هـ) الوفيات 5/ 127124والشذرات 3/ 186185والأعلام 6/ 274.
والأبيات في الفوات 3/ 426425والوافي بالوفيات 4/ 6362وإدراك الأماني 10/ 8079.
(3) أج: يغطغط، ب هـ و، الفوات والوافي بالوفيات: يعطعط، وهو غلط. ش: يعطيك بالافضال.
الغطغطة: حكاية صوت القدر في الغليان وما أشبهها وغطغط البحر: علت أمواجه. (اللسان: غطط). والمعنى أن جوده فطريّ وجد قبل أن يولد أو قبل أن يتخلّق.(2/128)
فهو من حبّه المكارم والجو ... د يرى الآملين في الأحلام
قد كفتنا غيوث كفّيه أن نب ... سط كفّا إلى سؤال الغمام
ووضعنا لديه درّ الأماني ... ونظمنا لديه درّ الكلام
(1) [وبالله سبحانه التوفيق].
84 - أبو نصر ابن نباتة السعدي (2)
من غرر أحاسنه قوله من قصيدة (3): (تام المتقارب)
فلا تحقرنّ عدوّا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر
فإنّ السيوف تحزّ الرّقاب ... وتعجز عمّ تنال الإبر
وقوله في وصف فرس أغرّ (4) محجّل أهدي له: (تام الكامل)
قد جاءنا الطّرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه
وكأنّما لطم الصّباح جبينه ... فاقتصّ منه فخاض في أحشائه
__________
(1) زيادة في ج ش.
(2) هو عبد العزيز بن عمر بن محمد، من شعراء سيف الدولة الحمداني. (405هـ) ترجمته في اليتيمة 2/ 395379 (وهو فيها عبد العزيز بن محمد) وخاص الخاص 170169والإعجاز 236235وتاريخ بغداد 10/ 467466 والوفيات 3/ 193190والشذرات 3/ 176175وإدراك الأماني 1/ 198197والأعلام 4/ 2423.
(3) من قصيدة في مدح الملك شرف الدولة أبي الفوارس عند وروده بغداد واستيلائه على الملك في نيروز سنة 379هـ ومطلعها:
أيا بانة القاع بين السّمر ... قضيت ولم أقض منك الوطر
وهي في ديوانه 2/ 7369والبيتان مع أبيات أخرى في اليتيمة 2/ 395وهما في خاص الخاص 169والإعجاز 135
(4) ج: الغر وهو غلط.
والبيتان من قصيدة في مدح سيف الدولة الذي حمله على فرس أغرّ، مطلعها:
يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رائه
وهي في ديوانه 1/ 275273والبيتان مع أبيات أخرى في اليتيمة 2/ 392391والشذرات 3/ 175وهما في خاص الخاص 169والإعجاز 235والأول في المنتحل 38وهو مع أبيات أخرى في الوفيات 3/ 190
من رائه: يريد من رأيه أو من عقله. الطّرف من الخيل: الكريم العتيق. والهادي: العنق لتقدّمه. (اللسان: طرف، هدي).(2/129)
وقوله من قصيدة مرثية (1): (تام الوافر)
نعلّل بالدّواء إذا مرضنا ... وهل يشفي من الموت الدّواء؟
ونختار الطبيب وهل طبيب ... يؤخّر ما يقدّمه القضاء؟
وما أنفاسنا إلّا حساب ... ولا حركاتنا إلّا فناء
وقوله من قصيدة (2): (الطويل)
وكنت إذا ما حاجة حال دونها ... نهار وليل ليس يعتذران
حملت على حكم القضاء ملامها ... ولم ألزم الإخوان ذنب زماني
وقوله من قصيدة (3): (مجزوء الكامل)
ونبت بنا أرض العرا ... ق فما محنّاها بمحنه
غير الرّحيل، كفى البلا ... د برحلة الفضلاء هجنه
وقوله يمدح الوزير فخر الملك (4): (تام الوافر)
لكلّ فتى قرين حين يسخو ... وفخر الملك ليس له قرين
أنخ بجنابه وانزل عليه ... على حكم الرّجا وأنا الضّمين
__________
(1) من قصيدة يرثي فيها ابن عمّه أبا الحسن علي بن محمد المعروف بابن حفلان، وقد قتله حمدان بن ناصر الدولة مطلعها:
تكدّرت المودّة والإخاء ... ومات الوصل واعتلّ الصفاء
وهي في ديوانه 1/ 610606والأبيات في اليتيمة 2/ 394وخاص الخاص 169.
(2) من قصيدة في مدح أبي سعيد وهب بن إبراهيم الكاتب (400هـ) مطلعها:
خليليّ لا تعجلا ودعاني ... وحلّا بدار الحزم وانتظراني
وهي في ديوانه 1/ 434427والبيتان في اليتيمة 2/ 393وخاص الخاص 170169وأحسن ما سمعت 36والمنتحل 228.
(3) من قصيدة قالها، وقد سار من مدينة السلام متوجّها إلى الشام، مطلعها:
كيف السبيل إلى الغنى ... والبخل عند النّاس فطنه
وهي في ديوانه 1/ 226225والبيتان مع آخرين في اليتيمة 2/ 384383وهما في خاص الخاص 170والإعجاز 236235.
(4) سبق التعريف به في الصفحة 431الحاشية 2.
والبيتان من قصيدة مطلعها:
محلّ الحيّ مالك لا تبين ... متى دفع الظعائن والقطين؟
وهي في ديوانه 2/ 492486والبيتان في الوفيات 5/ 124والشذرات 3/ 185.(2/130)
(1) يحكي أنّ رجلا وقف يوما بفخر الملك هذا وسأله أن يعطيه شيئا فلم يعطه، فذهب إلى القاضي واستدعى ابن نباتة، فلمّا جاءه رسول القاضي ومعه الرّجل، قال له: أجب القاضي، فقال له ابن نباتة: لماذا؟ والله ما عليّ دين لأحد ولا بيني وبين أحد خصومة، فمن خصمني حتى أراضيه؟ فقال له الرسول: هذا خصمك، فنظر إليه ابن نباتة، فلم يعرفه، فقال له: ما حقّك حتى أراضيك، فإنّي والله ما أعرفك، فقال له الرجل: صدقت ليست بيننا معرفة، ولكن أنت القائل في فخر الملك، وأنشده البيتين، فأنت قد ضمنت وأنا قد نزلت عليه، فردّني خائبا، والضمين غارم، فقال له ابن نباتة: أمهلني حتى أصل إليه. ثم ذهب ابن نباتة إلى الوزير وأخبره بقصته مع الرجل، فأمر بإحضاره، فلمّا حضر بين يديه قال له: كم أمّلت منّا أيها الرجل؟ قال: مائة دينار أيها الوزير، فأمر له بألف دينار فقبضها، ثم قال الوزير لابن نباتة: لا تعد تضمن عنّي شيئا (2) [وبالله سبحانه التوفيق].
__________
(1) الخبر في الشذرات 3/ 186185وإدراك الأماني 1/ 198197.
(2) زيادة في ج ش.
ش: وبالله تعالى التوفيق(2/131)
85 - ابن الخياط (1)
هو شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله الخياط الدمشقيّ الحنفيّ كان شاعرا مطبوعا، وكان مقتّرا عليه من الدنيا، كما يفصح عن ذلك بعض شعره. من محاسنه قوله (2): (تام الكامل)
يا أيها البحر الذي في ورده ... ريّ لقلب الحائم المتعطّش
أشكو إليك هوان شعر لم يقم ... لي رخصه بغلوّ سعر المشمش
وقوله (3): (تام السريع)
يا من به أدرأ عن مهجتي ... من حادث الأيّام ما أختشي
قد أقبل الصيف وما في يدي ... دراهم للتّوت والمشمش
وقال في المشمش اللوزي (4): (تام الخفيف)
حبّذا مشمش يروق لطرفي ... حسن فضل حديثه مشهور
قد بلاني بحبّه وهو مثلي ... أصفر الجسم، قلبه مكسور
وقال فيما يكتب على باب (5): (تام السريع)
من ذا الذي ينكر فضلي وقد ... فزت من الحسن بمعنى غريب
__________
(1) (756هـ) ترجمته في الوافي بالوفيات 5/ 383والدرر الكامنة 4/ 302300 (ط. دار الجيل) والنجوم الزاهرة 10/ 320وإدراك الأماني 15/ 8988والبدر الطالع 2/ 288286والاعلام 7/ 153.
وهناك شخص آخر يخلط به اسمه ابن الخياط احمد بن محمد الدمشقي (517هـ) له ديوان حققه خليل مردم بك.
(2) ج أشكو عليك. (عليك) غلط.
والبيتان في الوافي بالوفيات 5/ 286وإدراك الأماني 15/ 88.
الحائم: هو الذي يحوم حول الماء أي يطوف فلا يجد ماء يرده (اللسان: حوم).
(3) البيتان في الوافي بالوفيات 5/ 286وإدراك الأماني: 15/ 88.
(4) البيتان في الوافي بالوفيات 5/ 286285وإدراك الأماني 15/ 88.
(5) البيتان في الوافي 5/ 286وإدراك الأماني 15/ 89.(2/132)
عندي لمن يخذ له دهره ... {«نَصْرٌ مِنَ اللََّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ»} (1)
وقال يهجو عوّادا: (2) (تام الكامل)
عوّادنا هذا الذي من ثقله ... يبدي لنا وجها قبيحا عابسا
وإذا تربّع لا تربّع بعدها ... وغدا يحرّك عوده متقاعسا
فكأنّ فيران المدينة كلّها ... في عوده يقرضن خبزا يابسا
وقال في ابن نباتة الشاعر (3)، وقد كتب صداقا فخلعت عليه خلعة فمشى بها في البلد (4): (تام الرجز)
ما خلعة العقد على شاعرنا ... يوم الهنا إلّا شقاء وعنا
رأيته فيها وقد أرخى له ... ذؤابة تبدي عليه الحزنا
فقلت من هذا الذي سواده ... بين الورى سوّده؟ قال: أنا
نباتة كان أبي، فقلت: ما ... أنبتك الله نباتا حسنا
وقال فيه أيضا من أبيات (5): (تام الكامل)
ما خلعة ابن نباتة إلّا كمن ... ألقى الرّياض على الكنيف المنتن
واختصّ عمّته بفضل ذؤابة ... هي في القلوب قبيحة والأعين
فكأنّها ذنب لكلب نابح ... تحت الدّجى من فرط داء مزمن
__________
(1) سورة الصف 61/ 13.
(2) الأبيات في إدراك الأماني 15/ 89.
(3) هو محمد بن محمد الجذامي الفارقي المصري شاعر عصره وأحد الكتاب المترسلين العلماء بالأدب له «سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون» (768هـ) البداية والنهاية 14/ 322والدرر الكامنة 4/ 223216والنجوم الزاهرة 11/ 9795والوافي بالوفيات 1/ 331311والأعلام 7/ 38.
(4) الأبيات في الوافي بالوفيات 5/ 287وإدراك الأماني 15/ 89.
الخلعة: ما يخلع عليه من ثياب. (اللسان: خلع). العقد يقصد عقد الصداق. أنبتك الله من قوله تعالى {«وَأَنْبَتَهََا نَبََاتاً حَسَناً»} سورة آل عمران 3/ 37.
(5) الأبيات في الوافي بالوفيات 5/ 287وإدراك الأماني 15/ 89.
العمّة: التّعمّم والاعتمام، وهو وضع العمامة على الرأس. (اللسان: والقاموس: عمم).(2/133)
فالله يجعلها له كفن البلى ... وتكون غاية كلّ سوء مفتن
حتى يقول مسيّر في هجوه ... هذا لعمر أبيك شرّ مكفّن
وبالله تعالى التوفيق.
86 - ابن صيفي (1)
هو شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي ويعرف بحيص بيص، شاعر فصيح، (2) كان يلبس زيّ العرب، ويتقلّد سيفين، ويحمل خلفه الرّمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، وكان (3) يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي (4)، حكيم العرب. ولقب (5) الحيص بيص لأنه رأى العامة يوما في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فبقى ذلك لقبا له. والعرب تقول (6): وقع الناس في حيص بيص، إذا كانوا في شدّة واختلاط. وسمّوا ابنه هرج مرج، وسمّوا ابنته دخل خرج. ولم يترك عقبا. وكان فيه (7) تيه كبير وتعاظم شديد، ولا يخاطب الناس إلّا بالكلام العربي، ويتبادى في كلامه، فقال فيه،
__________
(1) (574هـ) ترجمته في خريدة القصر 366202 (قسم العراق) ومعجم الأدباء 11/ 208199ومرآة الجنان 8/ 352والوفيات 2/ 365362، 6/ 5853وحياة الحيوان 1/ 220219وإدراك الأماني 1/ 7977والأعلام 3/ 87.
(2) الخبر في الوفيات 2/ 363.
(3) الخبر في الوفيات 2/ 365.
(4) من تميم، حكيم العرب في الجاهلية وأحد المعمّرين المشهورين وقد أدرك الإسلام (9هـ) جمهرة الأنساب 210والوافي بالوفيات 9/ 344342والإصابة 1/ 212209والأعلام 2/ 6.
(5) الخبر في معجم الأدباء 11/ 201والوفيات 2/ 365.
(6) مجمع الأمثال 1/ 167.
(7) الخبر في الوفيات 2/ 363.(2/134)
أبو القاسم ابن الفضل (1) وقيل الرئيس علي بن الأعرابي (2): (تام الخفيف)
كم تبادى وكم تطوّل طرطو ... رك، ما فيك شعرة من تميم
فكل الضّبّ واقرض الحنظل الأخ ... ضر واشرب ما شئت بول الظّليم
ليس ذا وجه من يضيف ولا يق ... ري ولا يدفع الأذى عن حريم
فلما بلغته الأبيات قال (3): (تام الخفيف)
لا تضع من عظيم قدر وإن كن ... ت مشارا إليه بالتّعظيم
فالشريف الكريم ينقص قدرا ... بالتجرّي على الشريف الكريم
ولع الخمر بالعقول رمى الخم ... ر بتنجيسها وبالتّحريم
ومن عيون شعره، ووسائط قلائد درّه قوله (4): (تام الوافر)
إذا شوركت في حال بدون ... فلا يغشاك عار أو نفور
تشارك في الحياة بغير خلف ... أرسطاليس والكلب العقور
__________
(1) هو هبة الله بن الفضل بن القطّان البغدادي، شاعر هجّاء يعدّ غاية في الخلاعة والمجون، كثير المزاح والمداعبات، مغرى بالولوع بالمتعجرفين وهجائهم (558هـ) الوفيات 6/ 6153ولسان الميزان 6/ 189والأعلام 8/ 75.
(2) من شعراء الموصل، شعر على كبر، وتقع له أبيات نوادر في الهجو والشيب (547هـ) خريدة القصر 2/ 300299 (قسم الشام) والوفيات 2/ 364.
والأبيات في خريدة القصر 2/ 300 (الشام) والوفيات 2/ 364.
تبادى أي تتبادى، وتبادى: تشبّه بأهل البادية. والطّرطور: قلنسوّة الأعراب، طويلة الرأس. الظّليم: ذكر النّعام (اللسان والقاموس): طرر، ظلم). والشاعر هنا يعرّض بمآكل العرب وشظف عيشهم.
(3) الأبيات في ديوانه 2/ 332وخريدة القصر 1/ 320 (الشام) والوفيات 2/ 364.
(4) البيتان في ديوانه 2/ 346وخريدة القصر 1/ 259 (الشام).
الدّون: الحقير الخسيس. والكلب العقور هو الكلب الجارح (اللسان: دون، عقر).(2/135)
وقوله (1): (تام الخفيف)
منّة الدّون في الرّقاب حبال ... محصدات كأحبل الخنّاق
غير أنّ التّخنيق مرد وهذا ... ألم دائم مع الدّهر باق
فإذا أخفق، الرّجاء من الدّو ... ن، فأكرم بذاك من إخفاق!
سورة السّمّ في التّعزّز أولى ... من شفاء بالذّلّ في الدّرياق
قوله: محصدات أي شديدة الفتل محكمة الصّنعة. القاموس (2): والحصد محرّكة كذا وكذا إلى أن قال: واشتداد الفتل واستحكام الصّناعة في الأوتاد والحبال والدّروع، حبل أحصد ومحصد ودرع حصداء، ضيّقة الحلق محكمة إلخ.
وقوله (3): تام الخفيف:
اضطرار الحرّ الكريم إلى الدّو ... ن، وإن جاز غاية الإسراف
لا يشين المجد المنيف ولا ين ... قص قدر الشريف في الأشراف
هل يعاب العطّار يوما إذا أص ... بح ذا حاجة إلى الكنّاف؟
وحكى القاضي شمس الدين ابن خلكان (4) رحمه الله عمن وثق به من أهل السنة، قال (5): رأيت في المنام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فقلت له:
__________
(1) ج: التحقيف، وهو غلط.
والأبيات في ديوانه 2/ 346وخريدة القصر 1/ 287 (الشام).
الخنّاق: الرجل الذي يخنق الناس بحبل. سورة الخمر وغيرها وسوارها: حدّتها. الدّرياق والدّراق والدّرياقة كله التّرياق، معرّب، وهو ما يستعمل لدفع السّمّ من الأدوية والمعاجين (اللسان: ترق، خنق، سور).
(2) القاموس (حصد).
(3) المقطعة في ديوانه 2/ 347وخريدة القصر 1/ 279 (العراق).
(4) سيترجم له المؤلف برقم 120.
(5) الوفيات 2/ 364والخبر في معجم الأدباء 11/ 207206وحياة الحيوان 1/ 219.(2/136)
يا أمير المومنين تفتحون مكّة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتمّ على ولدك الحسين يوم الطّفّ (1) ما تمّ؟ فقال لي: أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا؟ فقلت: لا، فقال: اسمعها منه. ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إليّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله: إن كانت خرجت من فمي أو خطي إلى أحد، وإن كنت نظمتها، إلّا في ليلتي هذه، ثم إنّه أنشدني: (2) (الطويل)
ملكنا فكان العفو منّا سجيّة ... ولمّا ملكتم سال بالدّم أبطح
وحللتم قتل الأسارى، وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ ونصفح
وحسبكم هذا التّفاوت بيننا ... وكلّ إناء بالذي فيه ينضح
رحمنا الله وإياه.
87 - المطوعي (3)
هو أبو حفص عمر بن علي المطوّعي. من محاسن شعره ونتائج فكره قوله في الأمير أبي الفضل الميكالي (4): (الطويل)
كلام ابن ميكال الأمير بلفظه ... ينوب عن الماء الزّلال لمن يظما
__________
(1) الطّفّ مكان على الفرات بالقرب من الكوفة قتل فيه الحسين بن علي، قتله جيش يزيد بن معاوية. معجم البلدان 36 4/ 35، 6/ 353.
(2) ليست هذه الأبيات في ديوانه، وهي في معجم الأدباء 11/ 207والوفيات 2/ 365وحياة الحيوان 1/ 219. قوله:
«كل إناء بما فيه ينضح» مثل عربي مشهور أنظر مجمع الأمثال 2/ 162.
(3) أديب من أهل نيسابور كان في شبابه من المقرّبين للأمير أبي الفضل عبيد الله الميكالي المترجم له برقم 88. وترجمة المطوّعي (نحو 440هـ) في اليتيمة 4/ 437433وتتمتها 164191 (وهو فيهما عمرو) وخاص الخاص 218217ودمية القصر 2/ 979973 (ت. التونجي) وإدراك الأماني 17/ 8179والأعلام 5/ 55والمورد 13/ 2/ 2822 (مجلة).
(4) ترجمته هي التالية برقم 88.
والبيتان في تتمة اليتيمة 194وجاء فيهما أنهما قيلا في مؤلف تتمة اليتيمة أبي منصور الثعالبي. وهما في دمية القصر 2/ 978وإدراك الأماني 17/ 80. ويبدو أن المطوعي مدح بهما أحد الممدوحين ثم حوّرهما ومدح بهما الآخر.
نروى من الرّيّ وهو إطفاء العطش بالماء. ونروي من رواية الأشعار و «نظما» الأولى من الظّمأ والثانية يقصد بها الشّعر.(2/137)
فنروى متى نروي بدائع نظمه ... ونظما إذا لم نرو يوما له نظما
وقوله فيه (1): (تام الوافر)
أيا سيدا لنا خلقت يداه ... لثروة معدم أو يسر عان
مضى العسر الذي قاسيت فاعدل ... إلى يسرين نحوك يسرعان
ولما (2) أنشده هذين البيتين أخذ القلم وكتب مرتجلا: (مجزوء الكامل)
يا من يعدّ لسانه ... أهل القريض لهم مسنّا
لك خاطر لبدائع الأ ... لفاظ والمعنى مسنّى
حاشى لدهرك أن يعو ... د فتيّه أبدا مسنّا
ومن بديع (3) شعره قوله في أبي القاسم الداودي الهروي (4): (الطويل)
حططنا على بعد المسير رحالنا ... إلى روض مجد لامع الزّهرات
لدى سيّد أضحى مبينا لفضله ... على كور الإسلام عزّ هراة
وقوله في ليلة أسهره فيها البعوض (5): (المجتث)
يا ليلة حطّ رحلي ... فيها بشرّ محلّ
فأذهب الحرّ بردي ... وأذهب البعض كلّي
__________
(1) البيتان في دمية القصر 2/ 977وإدراك الأماني 17/ 80.
عان أي أسير. (اللسان: عنا).
(2) من دمية القصر 2/ 978.
ج: البدائع، وهو غلط، ب: ببدائع، ج: بدهرك وهو غلط.
والأبيات في دمية القصر 2/ 978وإدراك الأماني 17/ 80.
المسنّ والسّنان: الحجر الذي يسنّ به أو يسنّ عليه، وفي الصحاح حجر يحدّد به. مسنّى: ميسّر من سنّيت الشيء إذا سهّلته. مسنّ من أسنّ الرجل إذا كبرت سنّه. (اللسان: سنن، سنا).
(3) و: بدائع.
(4) أبو القاسم هو القاضي عبيد الله بن علي بن الحسن الداودي، كان فقيه الداوودية في عصره بخراسان توفي ببخاري سنة 376هـ دمية القصر 2/ 978، 1310واللباب في الأنساب 1/ 487.
(5) البيتان في دمية القصر 2/ 979وإدراك الأماني 17/ 80.(2/138)
جمع بين الحرّ والبرد وبين الكلّ والبعض، ومراده من البرد النوم، ومن البعض لسع البعوض.
ومن عجيب شعره قوله (1): (مجزوء الكامل)
يا ربّ ليل لو تجسّم ... لم يكن غير الغداف
بتنا به وشرابنا ... صرف كعين الدّيك صاف
يسعى بذاك مهفهف ... بمحاسن الطّاووس واف
ولنا مغنّ لحنه ... كالعندليب بلا خلاف
حتّى سمعت تجاوب ال ... عصفور من قضب الخلاف
ورأيت باز الصّبح من ... شور القوادم والخوافي
وقوله في نور الخلاف (2): (تام الكامل)
أو ما ترى نور الخلاف كأنّه ... لمّا بدا للعين نور وفاق
كأكفّ سنّور ولكن نشره ... يسعى بفار المسك في الآفاق
وقوله فيه (3): (مجزوء الكامل)
قم هات دهقانيّة ... وعليك بالكأس الدّهاق
أو ما ترى نور الخلا ... ف كأنّه نور الوفاق
ومحاسنه كثيرة رحمه الله وأرضاه.
__________
(1) الأبيات في تتمة اليتيمة 193وخاص الخاص 217وإدراك الأماني 17/ 80.
الغداف: الغراب، وخصّ بعضهم به غراب القيظ الضخم الوافر الجناحين وكذلك الشعر الأسود الطويل والجناح الأسود وقيل كلّ أسود حالك غداف. جارية مهفهفة ومهفّفة: خميصة البطن، دقيقة الخصر ورجل هفهاف ومهفهف كذلك. قضب الخلاف: الخلاف الصّفصاف ويسمى السّوجر وهو شجر عظام (اللسان: خلف، غدف، هفف).
(2) البيتان في تتمة اليتيمة 193192وخاص الخاص 218والغيث المسجم 1/ 348 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 17/ 8180.
نور الخلاف أزهار الخلاف أنظر الحاشية السابقة. النّشر: الريح الطيّبة. فار المسك: نافجته وهي وعاؤه (اللسان والقاموس: فأر، نشر، نفج).
(3) البيتان في تتمة اليتيمة 192وخاص الخاص 217والغيث المسجم 1/ 348 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 17/ 81.
دهقانية نسبة إلى الدّهقان بالكسر والضم وهو التاجر، فارسي معرّب. وأصل التاجر الخمّار. كأس دهاق: مترعة ممتلئة. الخلاف: انظر الحاشية 1 (اللسان: تجر، دهق).(2/139)
88 - الميكالي (1)
هو أديب الأمراء، وأمير الأدباء أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي، من عجيب شعره قوله (2): (تام الخفيف)
ما سبى عقلي المدام الرّحيق ... بل جفون نشوانها لا يفيق
حين غصن الشباب غضّ وريق ... ومزاج الشّراب عضّ وريق
ثمّ بان الصّبا وعفّ التّصابي ... وتجافى الهوى وخفّ الحريق
وقوله يهجو (3): (مجزوء الرجز)
لنا صديق، إن رأى ... مهفهفا لاطفه
إن لم يكن في دهرنا ... ذو أبنة لاط فهو (4)
وقوله يتغزل (5): (تام الوافر)
أقول لشادن في الحسن فرد ... يصيد بلحظه قلب الكميّ:
__________
(1) أمير من الكتّاب الشعراء من أهل خراسان (436هـ) ترجمته في اليتيمة 4/ 381354وخاص الخاص 226والإعجاز 270ودمية القصر 2/ 719715والفوات 2/ 433428وإدراك الأماني 15/ 10099والأعلام 4/ 191.
(2) الأبيات في خاص الخاص 227وإدراك الأماني 15/ 99.
الرّحيق: الصافي. الوريق: المورق، كثير الورق. والرّيق: ماء الفم ولعابه. عفّ يعفّ عفّة: كفّ عمّا لا يحلّ ويجمل.
(اللسان: رحق، ريق، عفف، ورق).
(3) البيتان في درج الغرر 135134والفوات 2/ 433وإدراك الأماني 15/ 99.
مهفهف: خميص البطن، دقيق الخصر، (اللسان: هفف).
(4) ج: لاطفه، وهو غلط.
الأبنة بالضم وسكون الموحدة عند الأطباء علّة يشتهي صاحبها أن يؤتى في دبره ويجد في ذلك لذة. كشاف الاصطلاحات 134133.
(5) الأبيات في خاص الخاص 72ودرج الغرر 106والغيث المسجم 1/ 31 (ط. العلمية) وإدراك الأماني: 15/ 10099 الشادن من أولاد الظّباء الذي قد قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمّه. والكميّ: الشجاع المتكمّي في سلاحه لأنه كمى نفسه أي سترها بالدّرع والبيضة ج كماة. (اللسان: شدن، كمى). ويقصد بالشادن هنا الغلام الذي وصفه.(2/140)
ملكت الحسن أجمع في نظام ... فأدّ زكاة منظرك البهيّ
فقال: أبو حنيفة لي إمام ... وعندي لا زكاة على الصّبيّ (1)
وقوله في التفاؤل بالبنفسج (2): (تام المنسرح)
يا مهديا له بنفسجا أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح
بشّرني عاجلا مصحّفه ... بأنّ ضيق الأمور ينفسح
وقد ناقض ذلك في قوله (3): (تام المنسرح)
يا مهديا لي بنفسجا سمجا ... وددت لو أنّ أرضه سبخ
أنذرني عاجلا مصحّفه ... بأنّ وصل الحبيب ينفسخ
[(4) وبالله سبحانه وتعالى التوفيق]
89 - مهيار الديلمي (5)
(6) كان مجوسيا فأسلم، قيل إنّ إسلامه كان على يدي الشريف الرّضي وهو شيخه عنه أخذ وبه تخرّج، وكان يتشيّع. فمن (7) جيد شعره قوله
__________
(1) أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت إمام الحنفية. والإمام أبو حنيفة يقول لا زكاة على الصبي في الماشية والناضّ (الدراهم والدنانير) والعروض وغير ذلك، ولكن عليه زكاة ما تخرج الأرض فقط. انظر بداية المجتهد 1/ 245.
(2) البيتان في اليتيمة 4/ 373وخاص الخاص 227ودرج الغرر 115والفوات 2/ 433وإدراك الأماني 15/ 100.
الأرج الذي يفوح بريح طيّبة (اللسان: أرج).
(3) ج: وناقض ذلك فقال.
والبيتان في اليتيمة 4/ 373وخاص الخاص 227ودرج الغرر 116والفوات 2/ 433وإدراك الأماني 15/ 100.
سمج: قبيح، لا ملاحة فيه. السّبخ: المكان يسبخ فينبت الملح، وتسوخ فيه الأقدام، وقد سبخ سبخا. (اللسان سبخ، سمج).
(4) زيادة في ج.
(5) هو مهيار بن مرزويه أبو الحسن الدّيلمي الشاعر المشهور (428هـ) وترجمته في تاريخ بغداد 13/ 276 ودمية القصر 1/ 309303والمنتظم 8/ 9594والكامل لابن الأثير 9/ 456والوفيات 5/ 363359والبداية والنهاية 12/ 4241والشذرات 3/ 243242والوافي بالوفيات ج 26ميكروفيلم وإدراك الأماني 15/ 113112والأعلام 7/ 317.
(6) الخبر في الوافي بالوفيا ج 26ميكروفيلم.
(7) ج: من.(2/141)
في القناعة (1): (تام الكامل)
يلحى على البخل الشحيح بماله ... أفلا تكون بماء وجهك أبخلا؟
أكرم يديك عن السّؤال فإنّما ... قدر الحياة أقلّ من أن تسألا
ولقد أضمّ إليّ فضل قناعتي ... وأبيت مشتملا بها متذيّلا
وأري العدوّ على الخصاصة شارة ... تصف الغنى فيخالني متموّلا
وإذا امرؤ أفنى اللّيالي حسرة ... وأمانيا أفنيتهنّ توكّلا
وقوله (2): (تام البسيط)
لا تحسب الهمّة العلياء موجبة ... رزقا على قسمة الأقدار لم يجب
لو كان أفضل من في الناس أسعدهم ... ما انحطّت الشّمس عن عال من الشّهب
أو كان أسير ما في الأفق أسلمه ... دام الهلال فلم يمحق ولم يغب
__________
(1) ج: بمال وجهك. (بمال) غلط.
والأبيات من قصيدة كتب بها إلى بعض الرؤساء الكتّاب يهنّئه بالمهرجان مطلعهما:
وجد الجميم فعافه وتبقّلا ... وجرى له الوادي فصدّ وأوشلا
وهي في ديوانه 3/ 141137والأبيات في الوفيات 5/ 362والوافي بالوفيات ج 26ميكروفيلم.
الجميم: النبت الكثير، تبقّل: رعي البقل. والبقل من النبات ما ليس بشجر دقّ ولا جلّ، أوشل من وشل يشل: سال وقطر. يلحى: يلام. الخصاصة. والخصاص: الفقر وسوء الحال. المتموّل هو الذي اتّخذ مالا، أو كثر ماله. (اللسان:
بقل، جمم، خصص، لحا، مول، وشل).
(2) من قصيدة في مدح الأمير سند الدولة أبي الحسن بن مزيد مطلعها:
هب من زمانك بعض الجدّ للّعب ... واهجر إلى راحة شيئا من التّعب
وهي في ديوانه 1/ 2118، والأبيات في الوافي بالوفيات ج 26ميكروفيلم.
محق الهلال: لم ير وامتحاق القمر أن يطلع قبل طلوع الشمس فلا يرى، ويكون ذلك في آخر الشهر. (اللسان:
محق).(2/142)
وقوله (1): (الطويل)
أجيرتنا بالغور والرّكب متهم ... أيعلم سال (كيف) بات متيّم؟
رحلتم وعمر اللّيل فينا وفيكم ... سواء ولكن ساهرون ونوّم
بنا أنتم من ظاعنين وخلّفوا ... قلوبا أبت أن تعرف الصّبر عنهم
يقون الوجوه الشمس والشمس فيهم ... ويسترشدون النّجم والنّجم منهم
ولمّا دنا التّوديع ممّن أحبّه ... ولا زاد إلّا نظرة تتغنّم
بكيت على الوادي فحرّمت ماءه ... وكيف يحلّ الماء أكثره دم
وقوله من أبيات (2): (تام البسيط)
ما كنت أعلم ما مقدار وصلكم ... حتّى هجرتم وبعض الهجر تأديب
توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة رحمنا الله وإياه (3).
__________
(1) ج: والراكب منهم. (منهم) غلط. وما بين القوسين ساقط من ج.
ج: وجعلوا قلوبا. (وجعلوا) غلط. ج: ولما دعا التوديع. (دعا) غلط.
والأبيات أول قصيدة كتب بها إلى الكافي الأوحد يعاتبه، وقد أخّر عنه رسومه، وهي في ديوانه 3/ 347344 والأبيات ما عدا الرابع في البداية والنهاية 12/ 41ومنها خمسة أبيات في المنتظم 8/ 9594والوفيات 5/ 363.
الغور: غور تهامة. المتهم: المتوجّه إلى تهامة. (اللسان: تهم، غور).
(2) من قصيدة كتب بها إلى الرئيس أبي الحسن الهماني في عيد النّحر يهنئه، مطلعها:
أستنجد الصّبر فيكم وهو مغلوب ... وأسأل النّوم عنكم وهو مسلوب
وهي في ديوانه 1/ 2624. والبيت في المنتظم 8/ 94.
(3) ج: عفا الله عنا وعنه.(2/143)
90 - المعري (1)
(2) هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخيّ المعريّ، كان من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه علماء وقضاة وشعراء مثل سليمان (3) بن أحمد بن سليمان جدّه قاضي معرّة النعمان، ووالده عبد الله (4) بن سليمان كان شاعرا وأخوه محمد بن عبد الله (5)، وكان أسنّ من أبي العلاء، شاعر، وأخوه أبو الهيثم شاعر. وجاء من بعده جماعة من أهل بيته ولوا القضاء، وقالوا الشّعر ورأسوا، ساقهم (6) (كمال الدين ابن العديم، على الترتيب، وذكر أشعارهم وأخبارهم في مصنّف سمّاه: دفع التّجرّي (7)، عن (8) أبي العلاء المعري.
__________
(1) (449هـ) ترجمته في تتمة اليتيمة 16ودمية القصر 1/ 165157والمنتظم 8/ 188184ومعجم الأدباء 3/ 218107وإنباه الرواة 1/ 8346والوفيات 1/ 116113والوافي بالوفيات 7/ 11194ونكت الهميان 110101ولسان الميزان 1/ 208203وبغية الوعاة 1/ 317315ومعاهد التنصيص 1/ 145136وإدراك الأماني 15/ 156149وتاريخ حلب 4/ 18077.
(2) من معجم الأدباء 3/ 110107والوافي بالوفيات 7/ 9794بتصرف.
(3) أنظر ترجمته في خريدة القصر 2/ 2 (قسم الشام).
(4) أب ج ش هـ و: ووالد سليمان، وهو غلط، والتصويب من معجم الأدباء 3/ 109والوافي بالوفيات 7/ 96ونكت الهميات 109.
(5) انظر ترجمته في خريدة القصر 2/ 5 (قسم الشام) والوافي بالوفيات 3/ 334333.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج (إلى قوله: قال فيه القاضي أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي الزوزني).
(7) نشر هذا الكتاب باسم (الإنصاف والتحرّي، في دفع الظلم والتّجرّي عن أبي العلاء المعري) ضمن تاريخ حلب الجزء الرابع من صفحة 78إلى 154سنة 1343هـ 1925م بالمطبعة العلمية بحلب. ثم طبع ضمن كتاب (تعريف القدماء بأبي العلاء) من صفحة 481إلى 578طبعة دار الكتب المصرية 1363هـ 1944م القاهرة ثم صوّر عنها ونشر في الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة 1385هـ 1965م. وقد خصص العماد الأصفهاني في خريدة القصر 2/ 492 (الشام) قسما هامّا للحديث عن شعراء بيت المعري.
(8) أب: علي، وهو غلط.(2/144)
دخل (1) أبو العلاء بغداد، وقصد أبا الحسن عليّ بن عيسى الرّبعيّ (2)
ليقرأ عليه النّحو، فلما دخل عليه قال: ليدخل الإصطبل، فخرج مغضبا، ولم يعد إليه. والإصطبل في لغة أهل الشام الأعمى، قيل، ولعلّها لفظة معربة.
ودخل على المرتضى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي النقيب (3) فعثر برجل (4) فقال: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما (5). فسمعه المرتضى فأدناه واختبره فوجده عالما شبعان الفطنة والذّكاء، فأقبل عليه إقبالا كثيرا. وكان المعريّ يتعصّب لأبي الطيب المتنبي ويفضّله على بشار وأبي نواس وأبي تمام. وكان المرتضى يبغضه ويتعصّب عليه فجرى يوما ذكره فتنقّصه المرتضى وجعل يتتبّع عيوبه، فقال المعريّ: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلّا قوله (6): (تام الكامل)
لك يا منازل في القلوب منازل ...
لكفاه فضلا، فغضب المرتضى وأمر به فسحب برجله وأخرج من مجلسه.
وقال لمن بحضرته: أتدرون أيّ شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة مع أن لأبي
__________
(1) من معجم الأدباء 3/ 124123والخبر في الوافي بالوفيات 7/ 9897ونكت الهميان 103وحياة الحيوان 2/ 501500.
(2) عالم بالعربية أصله من شيراز له تصانيف في النحو (420هـ) نزهة الألباء 342341ومعجم الأدباء 14/ 8578 وإنباه الرواة 2/ 297، وبغية الوعاة 182181والأعلام 4/ 218.
(3) سبقت ترجمته برقم 77.
(4) أب ج ش هـ و: برجله، وهو غلط والتصويب من معجم الأدباء 3/ 123والوافي بالوفيات 7/ 97وحياة الحيوان 2/ 500.
(5) كتب السيوطي أرجوزة سماها (التبرّي من معرّة المعريّ) تتبع فيها كتب اللغة محاولا حصر عدد أسماء الكلب فوجد عددا كثيرا قارب السبعين فنظمه في الأرجوزة انظر التّبري من معرّة المعري ضمن تعريف القدماء 436429.
(6) صدر مطلع قصيدة يمدح فيها القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله الأنطاكي وهي في ديوانه 3/ 261249، وعجز البيت هو:
أقفرت أنت وهنّ منك أواهل.(2/145)
الطيب ما هو أجود منها؟ فقيل: النقيب السيد أعرف، فقال: أراد قوله في هذه القصيدة:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّي كامل
وقال (1) الثعالبيّ عن أبي الحسن الدّلفي المصيصي (2) الشاعر: لقيت بمعرّة النّعمان عجبا من العجب: رأيت أعمى شاعرا ظريفا يكنى أبا العلاء وسمعته يقول: أنا أحمد الله تعالى على العمى كما يحمده غيري على البصر.
ولما (3) رجع من بغداد لزم بيته وسمّى نفسه: رهين الحبسين، يعني حبس نفسه في المنزل وحبس بصره بالعمى.
واجتاز باللاذقية ونزل ديرا، كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة فسمع كلامه، فحصل له بذلك شكوك. والناس مختلفون في أمره والأكثرون على إكفاره وإلحاده (4). قال ياقوت في معجم الأدباء: (5) كان أبو العلاء متّهما في دينه يرى
__________
(1) تتمة اليتيمة 16، والخبر في معجم الأدباء 3/ 130129، والوافي بالوفيات 7/ 96ونكت الهميان 103.
(2) هو علي بن مامون الدّلفي المصّيصي، وهو ممّن روى عنهم الثعالبي ولقيه «قديما وحديثا في مدة ثلاثين سنة» حسب تعبير الثعالبي وهو ينتسب إلى مصّيصة، وهي مدينة على شاطئ جيهان من ثغور الشام. تتمة اليتيمة 16ومعجم البلدان 5/ 145144.
وقد يكون هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن حمدان الدّلفي العجلي النحوي وهو من أصحاب أبي الحسن علي الرّماني، كان فاضلا بارعا شرح ديوان المتنبي في عشر مجلدات توفي بمصر سنة 460هـ، معجم الأدباء 18/ 207 (وهو فيه محمد بن حمدان) والوافي بالوفيات 3/ 330329وبغية الوعاة 1/ 128وكشف الظنون 1/ 812وأبو العلاء وما إليه 55، 220والأعلام 6/ 228.
(3) من الوافي بالوفيات 7/ 98إلى قوله «وذكر له فيها قبائح» والخبر في معجم الأدباء 3/ 126124.
(4) القول في دمية القصر 1/ 157وإنباه الرواة 1/ 74، 81وصيد الخاطر 2/ 375، 3/ 554.
(5) معجم الأدباء 3/ 125.(2/146)
رأي البراهمة (1)، لا يرى إفساد الصورة (2)، ولا يأكل لحما ولا يومن بالرسل ولا النشور (3). وقال (4) القاضي عبد السلام القزويني (5)، قال لي المعري: لم أهج أحدا قطّ، فقلت: صدقت إلّا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فتغيّر لونه أو قال وجهه ودخل عليه القاضي المنازيّ (6) فذكر ما يسمعه من الطّعن فيه ثم قال: مالي وللنّاس وقد تركت دنياهم، فقال القاضي. وأخراهم، فقال: يا قاضي وأخراهم، وجعل يكرّرها. وقال ابن الجوزي (7): حدّثنا عن تلميذه أبي زكرياء التبريزيّ أنه قال، قال لي المعريّ: ما الذي تعتقد؟ قال، فقلت في نفسي:
__________
(1) هم قوم من الهند ينتسبون إلى رجل منهم اسمه برهما، وقيل إنهم يزعمون أنهم أولاد إبراهيم عليه السلام، وهم ينفون النبوات أصلا ويرون أنها مستحيلة في العقول، ولا يرون ذبح الحيوان انظر مفتاح العلوم 25والملل والنحل 2/ 250 (ت. كيلان) والمنتظم 8/ 184وتعريف القدماء 19وكشاف الاصطلاحات 215ودائرة المعارف للبستاني 5/ 377376.
(2) يرى البراهمة أنه «ليس هناك خلق بمعنى التكوين بعد العدم، إنما هو كون يعقبه فساد أبد الدّهر، هو نماء يعقبه ذبول، دورة بعد دورة والذي يحفظ مراحل المسيرة فلا تقف دورتها هو براهما [وهكذا] تحولت بلايين الأنفس من نوع إلى نوع، ومن جسم إلى جسم، ومن حياة إلى حياة في دورات من التناسخ فكل صورة من صور الأحياء مصيرها التّغيّر والأبدان الكثيرة التي تحل فيها النفس واحدا بعد واحد شبيهة بالأعوام أو الأيام في حياة الفرد الواحد. قصة الحضارة 3/ 214213ومعنى هذا عندهم أن الأجسام والصور لا تفنى وإنما هي تتغير عن طريق التناسخ.
(3) أنظر أمثلة من أشعاره الدالة على رفض أكل اللحم وإنكار الرسل والبعث في اللزوميات 1/ 198، 2/ 151 (ط. دار الكتب العلمية) وتاريخ الفكر العربي 459، 448، 450، 151بالتتابع.
(4) القول في نكتب الهميان 104.
(5) هو أبو يوسف عبد السلام بن محمد شيخ المعتزلة وداعيتهم، له تفسير كبير، رحل إلى مصر وأقام بها سبعين سنة (488هـ) الكامل لابن الأثير 10/ 253والبداية والنهاية 12/ 150والنجوم الزاهرة 5/ 156ولسان الميزان 4/ 1211والأعلام 4/ 7.
(6) أب ش هـ و: المناوي، وهو غلط، والتصحيح من إنباه الرواة 1/ 80والوفيات 1/ 143والوافي بالوفيات 7/ 98ونكت الهميان 104والغيث المسجم 2/ 61 (ط. العلمية).
والمنازيّ هو أبو نصر أحمد بن يوسف الكاتب الشاعر، وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ميافارقين وديار بكر، اجتمع بالمعري بمعرة النعمان (437هـ) إنباه الرواة 1/ 8180والوفيات 1/ 145143والوافي بالوفيات 8/ 288285والأعلام 1/ 273.
(7) المنتظم 8/ 184.(2/147)
اليوم يتبين لي اعتقاده، فقلت له: ما أنا إلّا شاكّ، فقال: وهكذا شيخك. وممّن حكم بزندقته الشيخ شمس الدين الذّهبيّ، وطوّل ترجمته (1) وذكر له فيها قبائح.
قال الصفدي (2): وأظن الحافظ السلفيّ قال إنه تاب وأناب. وقال (3) ابن العديم في مصنفه المذكور في أمر المعري (4): قرأت بخطّ أبي اليسر شاكر بن عبد الله (5) [بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله] بن سليمان المعري أن المستنصر صاحب مصر (6) بذل لأبي العلاء ما ببيت المال بالمعرّة من الحلال (7)، فلم يقبل منه شيئا وقال (8): (مجزوء الكامل)
لا أطلب الأرزاق وال ... مولى يفيض عليّ رزقي
إن أعط بعض القوت أع ... لم أنّ ذلك فوق حقّي
قال: وقرأت بخط أبي اليسر المعريّ في ذكره: وكان رضي الله عنه يرمى
__________
(1) تاريخ الإسلام ضمن تعريف القدماء 205189.
(2) الوافي بالوفيات 7/ 98.
(3) الخبر في الوافي بالوفيات 7/ 10099ونكت الهميان 105إلى آخر الأبيات الثلاثة.
(4) لم يرد هذا الخبر في الإنصاف والتحري لابن العديم وهو في المصادر السابقة في الحاشية السابقة وفي تعريف القدماء 269، 289، 290وبعضه في معجم الأدباء 3/ 143142.
(5) زيادة من خريدة القصر 2/ 33، 35 (قسم الشام) ومعجم الأدباء 3/ 116والإنصاف والتحري 504وتعريف القدماء 72.
وأبو اليسر من أسرة المعري، وقد كان كاتبا وشاعرا أديبا تولى كتابة الإنشاء لأتابك زنكي بن آق سنقر، ثم لولده نور الدين ثم استعفى وقعد في بيته (581هـ) خريدة القصر 2/ 3735ومعجم الأدباء 3/ 118116والإنصاف والتحري 505504وتعريف القدماء 7372.
(6) هو أبو تميم معد بن علي العبيدي الفاطميّ (487هـ) والوفيات 5/ 231229والأعلام 7/ 266.
(7) كذا في أب ش هـ و، ومعجم الأدباء 3/ 142والوافي بالوفيات 7/ 99وتعريف القدماء ولعل الصواب: المال.
(8) البيتان ليسا في اللزوميات وشروح سقط الزند، وهما في فائت شعره 8ومعجم الأدباء 3/ 143والوافي بالوفيات 7/ 99ونكت الهميان 105وبغية الوعاة 1/ 317وتعريف القدماء 100، 269، 290، 333.(2/148)
من أهل الحسد له بالتّعطيل (1) ويعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار يضمّنونها أقاويل الملحدة قصدا لهلاكه وإيثارا لإتلاف نفسه، فقال رضي الله عنه (2): (تام السريع)
حاول إهواني قوم فما ... واجهتهم إلّا بإهوان
يحرّشوني بسعاياتهم ... فغيّروا نيّة إخواني
لو استطاعوا لوشوا بي إلى ال ... مرّيخ في الشّهب وكيوان
انتهى.
قال الصفدي (3): أما الموضوع على لسانه فلعلّه لا يخفى على من له لبّ، وأما الأشياء التي دوّنها وقال بها في (لزوم ما لا يلزم) وفي (استغفر واستغفري) فما فيه حيلة، وهو كثير، فيه ما فيه من القول بالتعطيل والاستخفاف بالنبوءات.
قال: ويحتمل أنه ارعوى وتاب بعد ذلك كله.
قال: وحكي لي عن الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني (4) أنه قال في حقه:
__________
(1) يقصد بالتعطيل هنا نفي الصفات الإلهية وإنكار قيامها بذاته تعالى، وهذا من رأي المعتزلة، فقد قالوا بأنه ليس لله علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا صفة أزلية فهو عالم بذاته قادر بذاته، حيّ بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة. انظر الفرق بين الفرق 93والملل والنحل 1/ 44وشرح العقيدة الواسطية 16.
(2) لم ترد هذه الأبيات في شروح سقط الزند واللزوميات وهي في فائت شعره 14ومعجم الأدباء 3/ 144والوافي بالوفيات 7/ 100ونكت الهميان 105ومعاهد التنصيص 1/ 141وتعريف القدماء 100، 270، 290، 340، 355.
(3) الوافي بالوفيات 7/ 100إلى آخر قول ابن الزملكاني، والقول في نكت الهميان 106105ومعاهد التنصيص 1/ 142141.
(4) هو محمد بن علي الدمشقي المعروف بابن الزملكاني، فقيه وقاضي القضاة، انتهت إليه رياسة الشافعية في عصره، له مصنفات كثيرة (727هـ) الفوات 4/ 117والوافي بالوفيات 4/ 221214والنجوم الزاهرة 9/ 271270 والأعلام 6/ 284.(2/149)
هو جوهرة جاءت إلى الوجود وذهبت. وقال الباخرزي في حقه (1): ضرير ما له في أنواع الأدب نظير، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف ومحجوب، خصمه الألدّ محجوج، قد طال في ظلال الإسلام آناؤه، ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله تعالى أعلم ببصيرته، والمطّلع على سريرته. وإنّما تحدّثت الألسن بأشياء ككتابه الذي زعموا أنّه عارض به القرآن، وعنونه (2) (بالفصول والغايات في محاذات السور والآيات) وأظهر من نفسه تلك الخيانة، وجذّ تلك الهوسات كما (3) يجذّ العير الصّليانة حتى قال فيه القاضي أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي الزوزني (4) قصيدة أولها): (5): (تام الكامل)
كلب عوى بمعرّة النّعمان ... لمّا خلا من ربقة الإيمان
أمعرّة النعمان ما أنجبت إذ ... أخرجت منك نبوءة العميان
__________
(1) دمية القصر 1/ 157إلى آخر البيتين التاليين، والقول في إنباه الرواة 1/ 7372والوافي بالوفيات 7/ 99ونكت الهميان 104.
(2) طبع تحت عنوان «الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ» والمرجح أن عبارتي «في محاذاة السور والأبيات» و «في تمجيد الله والمواعظ» ليستا من العنوان وإنما أضيفتا إليه، فقد جاء في دمية القصر 1/ 157في الحديث عن هذا الكتاب «زعموا أنه عارض به القرآن، وعنونه ب «الفصول والغايات» محاذاة للسور والايات. ونقل ذلك صاحب الوافي بالوفيات 7/ 99وجاء في المنتظم 8/ 185: «وقد رأيت للمعري كتابا سمّاه «الفصول والغايات» يعارض به السور والآيات» وجاء في تاريخ الإسلام للذهبي ضمن تعريف القدماء 195 «هذا إلى ما يحكى عنه في كتاب «الفصول والغايات» وكأنه معارضة منه للسور والآيات» ومثل ذلك في تعريف القدماء 21، 195وقد وهم بعض القدماء فظنوا أنه عارض به القرآن، بينما كان غرضه تقليد أسلوب القرآن الكريم. والله أعلم.
(3) أ: وخد يخد. ب: وخد تخد، وهو غلط، والتصحيح من دمية القصر 1/ 157وإنباه الرواة 1/ 73والوافي بالوفيات 7/ 99واللسان (صلا).
الجدّ: القطع. الهوس بالفتح: طرف من الجنون. العير: الحمار الوحشي. الصّليانة: بقل ربما اقتلعه العير من أصله إذا ارتعاه. ومن أمثال العرب في اليمين إذا أقدم عليها الرجل ليقتطع بها مال الرّجل: جذّها جذّ العير الصّليانة. مجمع الأمثال 1/ 159واللسان جذذ، صلا، عير، هوس).
(4) سبقت ترجمته برقم 81.
(5) البيتان في دمية القصر 1/ 158وإنباه الرواة 1/ 73والوافي بالوفيات 7/ 99ونكت الهميان 105ومعاهد التنصيص 1/ 144وإدراك الأماني 15/ 152وتعريف القدماء 8، 55، 269، 289، 344، 426.(2/150)
وسئل (1) فتح الدين ابن سيّد الناس (2): ما كان رأي الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد (3) فيه؟ فقال: كان يقول هو في حيرة. قال الصفدي (4):
وهذا أحسن ما يقال في أمره لأنّه قال في داليته التي في سقط الزند (5): (تام الخفيف)
خلق الناس للبقاء فضلّت ... أمّة يحسبونهم للنّفاد
إنّما ينقلون من دار أعما ... ل إلى دار شقوة أو رشاد
ثم قال في (لزوم ما لا يلزم) (6): (الطويل)
ضحكنا وكان الضّحك منّا سفاهة ... وحقّ لسكّان البسيطة أن يبكوا
تحطّمنا الأيام حتى كأنّنا ... زجاج ولكن لا يعاودنا سبك
وهذه الأشياء كثيرة في كلامه، وهو تناقض (7) منه. {«وَإِلَى اللََّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»} (8).
__________
(1) من الوافي بالوفيات 7/ 102100بتصرف والخبر في الغيث المسجم 2/ 420 (ط. العلمية) وحياة الحيوان 2/ 500
(2) هو محمد بن محمد اليعمري، المشهور بابن سيّد الناس، كان أحد الأعلام الحفاظ إماما في الحديث عالما بالأدب والتاريخ، وقد لازم شيخه تقيّ الدين ابن دقيق العيد وتخرّج عليه (734هـ) فوات الوفيات 3/ 292287وذيل تذكرة الحفاظ 1816، 351350والأعلام 7/ 3534.
(3) سترد ترجمته برقم 122.
(4) الوافي بالوفيات 7/ 100.
(5) من قصيدة في رثاء أحد أقاربه وهو أبو حمزة الحسن بن عبد الله التنوخيّ الفقيه قاضي منبج مطلعها:
غير مجد في ملّتي واعتقادي ... نوح باك ولا ترنّم شادي
وهي في شروح السقط 3/ 1005971وقسم منها في تاريخ بغداد 4/ 241240. والبيتان في الوافي بالوفيات 7/ 100ونكت الهميان 100ومعاهد التنصيص 1/ 140وتعريف القدماء 271.
(6) أب ج ش هـ و: وكل الضحك. و (كل) غلط. والتصحيح من المصادر التالية، والبيتان في القول بالفناء وهما في اللزوميات 3/ 231 (ط. صادر). والمنتظم 8/ 187ومعجم الأدباء 3/ 127، 169وإنباه الرواة 1/ 76ومرآة الزمان 8/ 75والوافي بالوفيات 7/ 101ونكت الهميان 106ومعاهد التنصيص 1/ 140وتعريف القدماء 23، 58، 115، 147، 193
(7) لأنه اعترف في البيتين الأوّلين بالمعاد وأنكره في البيتين التاليين لهما.
(8) سورة آل عمران 3/ 109.(2/151)
ومكث (1) مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تديّنا، وما تولّد من الحيوان رحمة للحيوان وخوفا من إزهاق النفوس.
قال ابن الجوزي (2): وكان يمكنه أن لا يذبح رحمة، فأمّا ما ذبحه غيره، فأي رحمة بقيت؟ ولقيه (3) رجل، فقال له: لم لا تأكل اللحم؟ فقال: أرحم الحيوان، قال: فما تقول في السّباع التي لا طعام لها إلا لحوم (4) الحيوان، فإن كان لذلك خالق، فما أنت أرأف منه، وإن كانت الطّباع المحدثة لذلك، فما أنت بأحذق منها ولا أفطن. فسكت.
وكان (5) أكله العدس، وحلاوته التين ولباسه القطن وفراشه اللباد وحصيره برديّة. وشعره كثير إلى الغاية، وأحسنه (سقط الزند)
(6) وممّن روى عنه القاضي أبو القاسم التنوخي (7)، وهو من أقرانه، والخطيب التبريزيّ (8) وأبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهري (9)، وأبو تمام غالب بن عيسى الأنصاري (10)، والخليل بن عبد الجبار القزويني (11).
__________
(1) من الوافي بالوفيات 7/ 101إلى قوله: «فسكت».
(2) المنتظم 8/ 184والقول في الوافي بالوفيات 7/ 101وتعريف القدماء 19.
(3) الخبر في معجم الأدباء 3/ 126125وإنباه الرواة 1/ 81ولسان الميزان 1/ 206.
(4) ج: لحم.
(5) من الوافي بالوفيات 7/ 102إلى قوله (الأنباري وغيرهم) بتصرف والخبر في لسان الميزان 1/ 206.
(6) الخبر في تعريف القدماء 205نقلا عن تاريخ الإسلام للذهبي 8/ 188184.
(7) سبقت ترجمته برقم 48.
(8) سترد ترجمته برقم 91.
(9) هو رئيس أبهر، وهي بلدة قرب زنجان وقزوين، وكان أديبا فاضلا تلمذ للمعريّ وروى شعره، وقرأ عليه الأدب، وكان مالكيا ثقة. أنظر دمية القصر 1/ 480477والأنساب للسمعاني 1/ 124، 126ولسان الميزان 1/ 205وتعريف القدماء 193، 198، 200وأبو العلاء وما إليه 213212.
(10) هو غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأندلسي وهو فقيه جاور بمكة، روى عن أبي العلاء المعري وغيره. التكملة لابن الأبار (ترجمة 1957ط. مجريط)، وانظر الإنصاف والتحري 518وأبو العلاء وما إليه 214.
(11) هو أبو إبراهيم القرائي التميمي القزويني من بيت معروف من أهل قزوين، سكنوا بغداد واشتهروا بقراءة القرآن والزهد، وقد سافر أبو إبراهيم وسمع بالعراق وخراسان ومصر والشام وكان ثقة، توفي بعد سنة 483هـ اللباب في الأنساب 3/ 20، 23والإنصاف والتحري 519، 521وأبو العلاء وما إليه 216(2/152)
ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري (1) وغيرهم.
ومن شعره في حيرته وضلاله قوله (2): (الطويل)
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله ... وتزويجه لابنيه بنتيه في الخنا
علمنا بأنّ الخلق من نسل فاجر ... وأن جميع الخلق من عنصر الزّنا
فأجابه (3) القاضي أبو محمد الحسن بن أبي عقامة (4) من أهل اليمن بقوله (5): (الطويل)
لعمرك أمّا فيك فالقول صادق ... وتكذب في الباقين من شطّ أودنا
كذلك إقرار الفتى لازم له ... وفي غيره لغو كذا جاء شرعنا
وقوله (6): (تام البسيط)
يد بخمس ميء من عسجد فديت ... ما بالها قطّعت في ربع دينار
تحكّم مالنا إلّا السّكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
__________
(1) هو أبو طاهر ويعرف بابن أبي الصقر، طاف البلاد ورحل إلى مصر والشام والحجاز وسمع وجمع الكتب ورجع إلى الأنبار، قرأ على المعري بالمعرة وهو فقيه خطيب له مشيخة، حدّث وانتشرت عنه الرواية وكان ثقة صالحا فاضلا عابدا، سمع منه الخطيب البغداديّ وروى عنه مصنفاته وهو شاعر له شعر كثير (476هـ) المنتظم 9/ 9والوافي بالوفيات 2/ 86والبداية والنهاية 12/ 125وأبو العلاء وما إليه 215.
(2) البيتان ليسا في شروح سقط الزند ولا في اللزوميات وهما في فائت شعره 1413ومعجم الأدباء 3/ 165والوافي بالوفيات 7/ 110ونكت الهميان 106ومعاهد التنصيص 1/ 143142وتعريف القدماء 113، 179، 282، 292، 342، 418. وهذا الشعر ليس من نمط شعر أبي العلاء ولا نستبعد أن يكون مما قيل على لسانه ونسب إليه باطلا.
(3) من نكت الهميان 107إلى آخر بيت السخاوي والخبر في الوافي بالوفيات 7/ 110ومعاهد التنصيص 1/ 143.
(4) هو الحسن بن محمد بن أبي عقامة الخطيب، اشتهر بنظمه الخطبة على المنبر، وإليه تنسب الخطب العقامية. انظر طبقات فقهاء اليمن 241.
(5) البيتان في الوافي بالوفيات 7/ 110ونكت الهميات 107ومعاهد التنصيص 1/ 143وتعريف القدماء 179، 283
(6) البيتان في الاحتجاج ضدّ قطع اليد في السرقة وهما في لزوم ما لا يلزم 2/ 240والمنتظم 8/ 186ومعجم الأدباء 3/ 169وإنباه الرواة 1/ 75والوافي بالوفيات 7/ 110ونكت الهميان 107ولسان الميزان 1/ 205ومعاهد التنصيص 1/ 143وتعريف القدماء 195.(2/153)
فأجابه الإمام علم الدين السّخاوي بقوله (1): (تام البسيط)
صيّانة العرض أغلاها وأرخصها ... صيانة المال فافهم حكمة الباري
وقال ياقوت (2): «كان المعريّ حمارا، لا يفقه شيئا وإلّا فالمراد بهذا بيّن إذ لو كانت اليد لا تقطع إلّا في سرقة خمس مائة دينار فأكثر، لكثر سرقة ما دونها طمعا في النجاة ولو كانت اليد تفدى بربع دينار، لكثر من يقطعها ويؤدي ربع دينار دية. نعوذ بالله من الضّلال» انتهى.
وممّا (3) قذفه بحر شعره من فرائد درّه، قوله (4): (تام البسيط)
هزّت إليك من القدّ ابن ذي يزن ... ولا حظتك بهاروت على عجل
أرتك عمّ رسول الله منتقبا ... أبا حذيفة يحكي أو أبا حمل
ابن ذي يزن هو سيف (5). وهارون معروف بالسّحر. وعم رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو العباس (6) رضي الله عنه. وأبو حذيفة أو حمل هو بدر (7). ومثله (8)
(أيضا) قوله (9): (تام الوافر)
نهارهم ابن يعفر في ضحاه ... وليلة جارهم بنت المحلّق
__________
(1) البيت في الوافي بالوفيات 7/ 110ونكت الهميان 107ومعاهد التنصيص 1/ 143وتعريف القدماء 391، 406، 418، 596.
(2) معجم الأدباء 3/ 169والقول في الوافي بالوفيات 7/ 110.
(3) من الوافي بالوفيات 7/ 107بتصرف إلى قوله: «ذكرا حميدا».
(4) البيتان ليسا في شروح سقط الزند ولا في اللزوميات وهما في فائت شعره 1211والوافي بالوفيات 7/ 107والغيث المسجم 2/ 372 (ط. العلمية) وتعريف القدماء 279.
(5) سبق التعريف بسيف بن ذي يزن في الصفحة 74الحاشية 11
(6) هو العباس بن عبد المطلب عم الرسول يكنى أبا الفضل، كان في الجاهلية رئيسا في قريش وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية، أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه ويبعث بأخبار المشركين إلى رسول الله، وكان يحبّ أن يقدم على الرسول فكتب إليه الرسول: إن مقامك بمكة خير. ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك (32هـ) طبقات ابن سعد 4/ 335والاستيعاب 2/ 817810وصفة الصفوة 1/ 511506والإصابة 3/ 632631والأعلام 3/ 262.
(7) حذيفة وحمل هما ابنا بدر بن عمرو من بني فزارة، وحذيفة من الأشخاص الذين أوقدوا حرب داحس والغبراء في الجاهلية انظر السيرة 1/ 287286وجمهرة الأنساب 256.
(8) ما بين القوسين ساقط من ج.
(9) ليس هذا البيت في شروح سقط الزند ولا في اللزوميات ولا في فائت شعره، وهو في الوافي بالوفيات 7/ 107والغيث المسجم 2/ 372 (ط. العلمية) وتعريف القدماء 280.(2/154)
أراد بقوله: (1) ابن يعفر أسود، وأراد ببنت المحلق (2) ليلى لأنها إحدى بنات المحلّق يعني مظلمة، يقول: ليلة ليلاء.
وقوله، وفيه الاستخدام (3)، وهو أشرف من التورية (4) عند أهل هذه الصناعة (5): (تام الخفيف)
وفقيها أفكاره شدن للنّع ... مان ما لم يشده شعر زياد
استخدم لفظ النعام في معنيبه: فالنّعمان هو الإمام أبو حنيفة، وضميره هو النّعمان بن المنذر يعني أن النابغة كان يمدحه، فأورثه ذكرا حميدا.
وقال (6) الغزالي: حدثني عليّ بن أحمد بن يوسف بأرض
__________
(1) ج: ان، وهو غلط.
والأسود بن يعفر النّهشليّ شاعر جاهليّ من أهل العراق من الطبقة الخامسة عند ابن سلام انظر طبقات ابن سلام 1/ 149147والشعر والشعراء 1/ 261والاشتقاق 244243 (ط. المثنى بغداد) والأغاني 13/ 2814وجمهرة الأنساب 230والأعلام 1/ 330.
(2) المحلّق بن حنتم ويسمى عبد العزيز بن بني كلاب، وهو ممدوح الأعشى انظر المعارف 89وجمهرة الأنساب 283وشرح أدب الكاتب 298والأعلام 5/ 292.
(3) الاستخدام هو أن يكون للكلمة معنيان، فيؤتى بعدها بكلمتين فيستخدم في كلّ واحدة منها معنى من ذينك المعنيين أو بتعبير آخر هو إطلاق لفظ مشترك بين معنيين مراد به أحدهما، ثم يعاد عليه ضمير مراد به المعنى الآخر. الإيضاح 502والغيث المسجم 2/ 28 (ط. العلمية) وشرح الأرجوزة 103.
(4) التورية أن يذكر لفظ له معنيان أحدهما قريب ظاهر، والآخر بعيد، ويقصد البعيد ويورّى عنه بالقريب فيتوهّمه السامع من أول وهلة ولذلك سمّيت أيضا الإيهام. الإيضاح 499وشرح الأرجوزة 99.
(5) البيت من القصيدة التي خرجناها في الصفحة 454الحاشية 5. ويقول البطليوسي في شرح البيت: «يعني بالنّعمان أبا حنيفة، وكان المرثيّ بهذه القصيدة يتفقه على مذهب أبي حنيفة ويحتجّ له على الشافعية والمالكية ويعني بزياد النابغة الذبياني، وكان يمدح النّعمان بن المنذر، فأراد أن هذا المرثيّ شاد للنعمام الذي هو أبو حنيفة من الذّكر والشّرف ما لم يشده النابغة للنعمام بن المنذر «شروح سقط الزند 3/ 986».
(6) الخبر من الوافي بالوفيات 7/ 107ونكت الهميان 108107وتعريف القدماء 154152، 327326، 357356وأصل الخبر في سر العالمين وكشف ما في الدارين 38 (ط. بومباي) المنحول للغزالي وهو مخالف لما هنا.(2/155)
الهكّار (1)، قال: دخلت معرّة النّعمان، وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب حلب إليه بأنّ المعريّ زنديق لا يرى إفساد الصّور، ويزعم أنّ الرسالة تحصل بصفاء العقل، فأمر محمود بحمله إليه من المعرّة، وبعث خمسين فارسا ليحملوه فأنزلهم أبو العلاء دار الضيافة، فدخل عليه عمّه مسلم بن سليمان، وقال: يا ابن أخي قد نزلت بنا هذه الحادثة، الملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا، وإن أسلمناك كان عارا علينا عند ذوي الذّمام، ويركب تنوخا الذّلّ والعار، فقال: هوّن عليك يا عمّ، فلا بأس علينا، فلي (2) سلطان يذبّ عنّي. ثم قام فاغتسل وصلّى إلى نصف اللّيل ثم قال: لغلامه: أنظر إلى المريخ أين هو؟ فقال: في منزله كذا وكذا، فقال: زنه واضرب تحته وتدا وشدّ في رجلي خيطا واربطه إلى الوتد، ففعل غلامه ذلك فسمعه وهو يقول: يا قديم الأزل، يا علّة العلل، يا صانع المخلوقات، وموجد الموجودات، أنا في عزّك الذي لا يرام، وكنفك الذي لا يضام الضيوف الضيوف، الوزير الوزير. ثم ذكر كلمات لا تفهم، وإذا بهدّة عظيمة، فسأل عنها فقيل:
وقعت الدار على الضيوف الذين كانوا بها، فقتلت الخمسين، وعند طلوع الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح طائر: لا تزعجوا الشيخ، فقد وقع الحمّام على الوزير.
__________
(1) أب ج ش هـ و: يوسف بن علي بأرض الهركار، وهو غلط، والتصحيح من المصادر التالية.
وعلي بن أحمد هو شيخ الإسلام أبو الحسن، محدّث كثير الحديث، طاف البلاد واجتمع بالعلماء وأخذ عنهم الحديث ولقي أبا العلاء المعريّ وسمع منه، ورجع إلى وطنه وانقطع به، وابتنى أربطة في مواضع للفقراء، كثير العبادة والزهد (486هـ) (المنتظم 9/ 79والكامل لابن الأثير 10/ 227226واللباب في الأنساب 3/ 390ولسان الميزان 4/ 195والشذرات 3/ 379378وأبو العلاء وما إليه 218216.
والهكّار قبيلة من الأكراد لهم معاقل وحصون وقرى من بلاد الموصل من جهتها الشرقية في بلد جزيرة ابن عمر، وتسمى هذه القرى الهكارية انظر معجم البلدان 5/ 408واللباب في الأنساب 3/ 390والوفيات 3/ 345والقاموس (هكر).
(2) ج: فلهم، وهو غلط.(2/156)
قال علي بن أحمد بن يوسف (1): فلما شاهدت ذلك دخلت على المعريّ، فقال:
(2) (من) أين أنت؟ فقلت: من أرض الهكّار (3)، فقال: زعموا أني زنديق (2)
(ثم) قال: اكتب. وأملى عليّ أبياتا من قصيدة أولها (4): (تام البسيط)
أستغفر الله في أمني وأوجالي ... من غفلتي (وتوالي سوء أعمالي) (5)
قالوا: هرمت ولم تطرق تهامة في ... مشاة ركب ولا ركبان أجمال
فقلت: إني ضرير والذين لهم ... رأي رأوا غير فرض الحجّ أمثالي
ما حجّ جدّي ولم يحجج أبي وأخي ... ولا ابن عمّي ولم يعرف منى خالي (6)
وحجّ عنهم قضاء بعد ما ارتحلوا ... قوم سيقضو (ن عنّي) (5) بعد ترحالي
فإن يفوزوا بغفران أفز معهم ... أولا فإنّي بنار مثلهم صالي
ولا أروم نعيما لا يكون لهم ... فيه نصيب وهم رهطي وأشكالي
إلى آخرها. وهذا القدر منها كاف.
ومن بديع شعره قوله من قصيدة (7): (تام الكامل)
لاقاك في العام الذي ولّى ولم ... يسألك إلّا قبلة في القابل
__________
(1) أب ج ش هـ و: يوسف بن علي، وهو غلط، والتصحيح من المصادر المذكورة في الصفحة السابقة الحاشية 1.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) أب ج ش هـ و: الهركار، وهو غلط والتصحيح من المصادر المذكورة في الصفحة السابقة الحاشية 1.
(4) الأبيات ليست في شروح سقط الزند ولا في اللزوميات وهي في فائت شعره 11وإنباه الرواة 1/ 7776والوافي بالوفيات 7/ 108ونكت الهميان 108وتعريف القدماء 148147.
(5) ما بين القوسين بياض في ج.
(6) ج: يحج، وهو غلط.
(7) من قصيدة في مدح أولاد سيف الدولة مطلعها:
ليت الجياد خرسن يوم جلاجل ... ورزقن عقلا في تنائف عاقل
وهي في شروح سقط الزند 2/ 737729والبيتان في الوافي بالوفيات 7/ 106وتعريف القدماء 278.(2/157)
إنّ البخيل إذا تمدّ له المدى ... في الوعد هان بذل النائل (1)
وقوله (2): (الطويل)
فيا وطني إن فاتني بك سابق ... من الدّهر فلينعم لساكنك البال
وإن أستطع في الحشر آتك زائرا ... وهيهات، لي يوم القيامة أشغال
وقوله (3): (الطويل)
إلى الله أشكو أنّني كلّ ليلة ... إذا نمت لم أعدم خواطر أوهام
فإن كان شرّا فهو لا بدّ واقع ... وإن كان خيرا فهو أضغاث أحلام
وممّا لا غاية لحسنه قوله (4): (تام البسيط)
منك الصّدود ومنّي بالصّدود رضا ... من ذا عليّ بهذا في هواك قضى
بي منك ما لو غدا بالشّمس ما طلعت ... من الكآبة أو بالبرق ما ومضا
جرّبت دهري وأهليه فما تركت ... لي التّجارب في ودّ امرئ غرضا (5)
وقد تعوّضت في كلّ بمشبهه ... فما وجدت لأيّام الصّبا عوضا
__________
(1) ج: تمدى، وهو غلط.
(2) أب ج ش هـ و: بساكنك، وأثبتنا ما في شروح سقط الزند 3/ 1258والوافي بالوفيات 7/ 106وتعريف القدماء 215.
والبيتان من قصيدة في بغداد مطلعها:
مغاني اللّوى من شخصك اليوم أطلال ... وفي النوم مغنى من خيالك محلال
وهي في شروح سقط الزند 3/ 12631211والبيتان في الوافي بالوفيات 7/ 106وتعريف القدماء 215، 278.
(3) البيتان في الشكوى والتشاؤم وهما في شروح سقط الزند 5/ 2030والوافي بالوفيات 7/ 106وتعريف القدماء 279، 341.
(4) الأبيات أول قصيدة في وصف ليلة وهي في شروح سقط الزند 2/ 662654ومنها ستة أبيات في إنباه الرواة 1/ 68وخمسة في معجم الأدباء 3/ 139138وفي الوافي بالوفيات 7/ 104وتعريف القدماء 50، 9897، 197، 276والبيت الأخير مع آخر في مرآة الزمان 8/ 512.
(5) ج: جربت وأهليه دهري، وهو غلط.(2/158)
ومن غرر قصائده، ووسائط قلائده، قوله (1): (الطويل)
تعدّ ذنوبي عند قوم كثيرة ... ولا ذنب لي إلّا العلى والفواضل
كأنّي إذ طلت الزمان وأهله ... رجعت وعندي للأنام طوائل (2)
وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم ... بإخفاء شمس ضوءها متكامل
يهمّ الليالي بعض ما أنا مضمر ... ويثقل رضوى بعض ما أنا حامل
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
وإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السّيف إلّا غمده والحمائل
ولمّا رأيت الجهل في النّاس فاشيا ... تجاهلت حتّى قيل إنّي جاهل
فوا عجبا كم يدّعي الفضل ناقص ... ووا أسفا كم يظهر النّقص فاضل
وكيف تنام الطّير في وكناتها ... وقد نصبت للفررقدين الحبائل
ينافس يومي فيّ أمسي تشرّفا ... وتحسد أسحاري عليّ الأصائل
وطال اعترافي للزّمان وأهله ... فلست أبالي من تغول الغوائل (3)
فلو بان عضدي ما تأسّف منكبي ... ولو مات زندي ما رثته الأنامل
إذا وصف الطّائيّ بالبخل مادر ... وعيّر قسّا بالفهاهة باقل (4)
__________
(1) من قصيدة في الفخر مطلعها:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل
وهي في شروح السقط 2/ 552519والأبيات في الوافي بالوفيات 7/ 106105وتعريف القدماء 278277، 232231. ومنها ستة أبيات في الغيث المسجم 2/ 217 (ط. العلمية).
(2) ج: طئت، وهو غلط.
(3) غاله يغوله إذا أهلكه، والغوائل جمع غائلة المهالك. شروح سقط الزند 2/ 531.
(4) «الطائي يعني حاتما الطائي، ومادر: رجل من بني هلال يضرب به المثل في البخل وقسّ بن ساعدة الإيادي، كان رجلا حكيما من حكماء العرب اشتهر بالخطابة. والفهاهة: العيّ وباقل رجل من العرب معروف بالعيّ يضرب به المثل في العيّ» شروح سقط الزند 2/ 535533ومجمع الأمثال 1/ 111، 2/ 43.(2/159)
وقال السّها للشمس: أنت خفيّة ... وقال الدّجى: يا صبح لونك حائل (1)
وطاولت الأرض السماء سفاهة ... وفاخرت الشّهب الحصا والجنادل
فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة ... ويا نفس جدّي إنّ دهرك هازل
منها:
إذا أنت أعطيت السّعادة لم تبل ... ولو نظرت شزرا إليك القبائل (2)
تقتك على أكتاف أبطالها القنا ... وهابتك في أغمادهنّ المناصل
منها وهما آخراها:
وإن كنت تهوى العيش فابغ توسّطا ... فعند التّناهي يقصر المتطاول
توقّى البدور النّقص وهي أهلّة ... ويدركها النّقصان وهي كوامل
وكانت (3) ولادة المعري يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاث مائة، وذلك بالمعرّة، وتوفي ليلة الجمعة ثالث، وقيل ثاني شهر ربيع الأول، وقيل ثالث عشرة، سنة تسع وأربعين وأربع مائة. فقال أبو الرضى عبد الواحد بن نوت المعري (4) يرثيه: (تام البسيط)
سمر الرّماح وبيض الهند تشتور ... في أخذ ثأرك والأقدار تعتذر
والدّهر فاقد أهل العلم قاطبة ... كأنهم بك في ذا القبر قد قبروا
__________
(1) «والسّها: كوكب خفيّ، والناس يمتحنون به أبصارهم» شروح سقط الزند 2/ 536.
(2) لم تبل أي لم تبال تقتك أي اتّقتك يقال تقاه يتقيه كما يقال اتّقاه يتّقيه. شروح سقط الزند 2/ 549548.
(3) الخبر في الوفيات 1/ 113ونكت الهميان 109.
(4) هو عبد الواحد بن الفرج بن نوت المعري، شاعر اشتهر بسرعة بديهته وارتجال شعره (480هـ) خريدة القصر 2/ 7068 (قسم الشام).
والأبيات في خريدة القصر 2/ 70 (قسم الشام) والوافي بالوفيات 7/ 111ونكت الهميان 110وتعريف القدماء 284، 296.(2/160)
فهل ترى بك دار العلم عالمة ... أن قد تزعزع منها الرّكن والحجر
العلم بعدك غمد فات منصله ... والفهم بعدك قوس مالها وتر (1)
(2) (إلى آخرها وبالله تعالى التوفيق).
91 - الخطيب التبريزي (3)
هو أبو زكرياء يحيى بن علي بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام الخطيب الشيبانيّ التبريزيّ النحوي اللغوي، قرأ على الشيخ عبد القاهر الجرجاني وغيره ولازم أبا العلاء المعري وقرأ عليه كثيرا من مصنفاته، وسمع الحديث من أبي بكر الخطيب (4) وغيره وصنف تفسير القرآن وشرح اللّمع لابن جنى، وشرح الحماسة وشرح ديوان المتنبي ثلاثة شروح، وديوان أبي تمام، وسقط الزند للمعري، ومقصورة ابن دريد، وهذّب (5) الغريب المصنف، وغريب الحديث لأبي عبيد (6). وروى عنه أبو بكر الخطيب، وهو من شيوخه، وأبو منصور ابن الجواليقي (7) وغيرهما. سكن
__________
(1) أب ج ش هـ هش و: علم فات. (علم) غلط والتصحيح من خريدة القصر القصر 2/ 70 (قسم الشام) والوافي بالوفيات 7/ 111ونكت الهميان 110وتعريف القدما 284، 296.
(2) ما بين القوسين ساقط من ج.
(3) (502هـ) ترجمته في دمية القصر 1/ 262261ونزهة الألباء 374373ومعجم الأدباء 20/ 2825والوفيات 6/ 196191وبغية الوعاة 2/ 338وإدراك الأماني 10/ 132والأعلام 8/ 158157.
(4) هو أحمد بن علي البغدادي أحد الحفاظ المؤرخين المقدمين صاحب تاريخ بغداد (463هـ) معجم الأدباء 4/ 4513 والوفيات 1/ 9392، 6/ 191.
(5) ج: وهذه، وهو غلط. أب ج ش هـ و: غريب المصنف (غريب) غلط.
(6) هو القاسم بن سلام الهروي الأزدي اشتغل بالحديث والأدب والفقه (224هـ) مراتب النحويين 149148والوفيات 4/ 6360والأعلام 5/ 176.
(7) أ: وأبو بكر ابن الجواليقي وهو غلط.
وأبو منصور هو موهوب بن أحمد ابن الجواليقي عالم بالأدب واللغة. كان يصلي إماما بالمقتفي بالله، الخليفة العباسي له مصنفات منها (شرح أدب الكاتب) (539هـ) نزهة الألباب 398396والوفيات 5/ 342وبغية الوعاة 2/ 308والأعلام 7/ 335.(2/161)
بغداد إلى أن توفي (1) (بها) فجأة في لحظة، سنة اثنتين وخمس مائة، كان قد توجّه على قدميه إلى بعض العلويين يهنيه بالنّقابة (2)، وعاد فاشتهى أن تعمل له دجاجة، فعملت (3) وأكل منها ثم نام فانتبه في بعض الليل فاستسقى غلامه فأتاه (4) بالماء فوجده قد مات.
ومن شعره (5): (تام الوافر)
ومن يسأم من الأسفار يوما ... فإنّي قد سئمت من المقام
أقمنا بالعراق على أناس ... لئام ينتمون إلى لئام
قال ياقوت في معجم الأدباء (6): وكان يدمن شرب الخمر لا يكاد يرى صاحيا، ويقرأ النّاس عليه تصانيفه وهو سكران، فلذلك ترى فيها الغلط الظاهر، قال: وكان يلبس الحرير والعمائم المذهّبة وكان أكولا نهما شرها. قال: بلغني والله أعلم أنّه كان يأكل في مجلس واحد عشرة أرطال خبزا وما يتبعها من الأدم.
قلت (7): وممّن عرف بهذا المعنى واشتهر به هلال بن الأسعر بن خالد (8)
أحد بني مازن من (9) (بني) تميم، فإنّه كان معدودا في الأكّالين المفرطين في الأكل، ويحكى عنه في ذلك غرائب. فمن أعجب ما يحكى عنه في ذلك أنه
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من أ.
(2) ج: بالقنابة، وهو غلط.
(3) ج: فعلمت، وهو غلط.
(4) ج: فأتى.
(5) البيتان في معجم الأدباء 20/ 28والوفيات 6/ 194وإدراك الأماني 10/ 132.
(6) معجم الأدباء 20/ 27بتصرف.
(7) أي مؤلف الكوكب الثاقب.
(8) ترجمته في الأغاني 3/ 7252وشرح المقامات 1/ 182والوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم وإدراك الأماني 21/ 110.
(9) ما بين القوسين ساقط من ج.(2/162)
قال: (1) جعت مرّة ومعي بعيري فنحرته وأكلته إلّا ما بقي حملته على ظهري ثم أردت المجامعة فلم أقدر، فقالت امرأتي: كيف تصل إليّ وبيننا بعير!؟. قيل له:
وكم تكفيك هذه الأكلة؟ قال: أربعة أيّام.
وقال (2) شيخ من (3) [بني] مازن: أتانا هلال، فأكل (4) (جميع)، ما في بيتنا، فبعثنا إلى الجيران نقترض الخبز، فلمّا رأى اختلاف الخبز عليه، قال: هل عندكم سويق (5)؟ قلنا: نعم، قال: فجئته بجراب طويل فيه سويق، وبين يديه نبيذ، فصبّ السويق كلّه وصبّ عليه النبيذ فشربه حتّى أتى عليه.
وقال (6) المدائنيّ (7): مرّ هلال على رجل من بني مازن بالبصرة قد حمل من بستانه رطبا في زوارق، فجلس على زورق منها، وقد غطى الرّطب، فقال: يا ابن عمّ آكل من رطبك؟ قال: نعم، قال: ما يكفيني؟ قال: ما يكفيك. فجلس على صدر الزّورق وجعل ياكل إلى أن اكتفى، ثم قام وانصرف، فكشف الزّورق وإذا هو مملوء نوى وليس فيه رطب.
__________
(1) الخبر في الأغاني 3/ 68وشرح المقامات 1/ 182والوافي بالوفيات ج 27 (ميكروفيلم) وإدراك الأماني 21/ 110.
(2) الخبر في الأغاني 3/ 69وشرح المقامات 1/ 182والوافي بالوفيات ج (ميكروفيلم).
(3) زيادة من الأغاني وشرح المقامات.
(4) ما بين القوسين ساقط من ج.
(5) السّويق هو الناعم من دقيق الحنطة والشعير (تاج العروس: سوق).
(6) الخبر في الأغاني 3/ 69وشرح المقامات 1/ 182والوافي بالوفيات ج 27 (ميكروفيلم) وإدراك الأماني 21/ 111110.
(7) هو عليّ بن محمد الراوية المؤرخ له تصانيف كثيرة بقي منها (المردفات من قريش) و (التعازي) (225هـ).
الفهرست 153147 (ط. المعرفة) وتاريخ بغداد 12/ 5554والأعلام 4/ 323.(2/163)
وقال (1) صدقة بن عبيد المازني (2): أولم أبي عليّ لمّا تزوجت. فعملنا عشر جفان ثريدا، وكان أوّل من جاءنا هلال، فقدّمنا له جفنة، فأكلها، ثم أخرى ثم أخرى حتى أتى على العشر ثم استسقى فأتي بقربة من نبيذ فوضع طرفها على فمه ففرّغها في جوفه، ثم قام، فاستأنفنا عمل الطّعام.
وعن (3) كنيف بن عبد الله المازنيّ، قال: كنت يوما مع هلال، ونحن نبغي إبلا لنا، فدفعنا (4) إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا (4) وعطشنا، وإذا نحن بفتية عند ركيّة (4)، وقد وردت إبلهم، فلمّا رأوا هلالا استهزلوه، فقام رجلان منهم إليه، فقال له أحدهما: يا عبد الله، هل لك في الصّراع؟ فقال: أنا إلى غير ذلك أحوج. قال: وما هو، قال: إلى لبن وماء فإنّي لغب ظمآن. قال: ما أنت بذائق من ذلك شيئا حتى تعطينا عهدا لتجيبنا إلى الصّراع إذا رويت، فقال: إني لكما ضيف، والضيف لا يصارع أهله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم:
اعمدوا إلى أشدّ فحل من إبلكم شدّة، وأهيبه صولة، وإلى أشدّ رجل منكم ذراعا، فإنّي أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير، حتى أدخل يد الرجل في فم البعير، فإن لم أفعل فقد صرعتموني. فأحضروا فحلا من إبلهم هائجا صائلا قطما (5)، فأتاه هلال ومعه نفر من أولئك القوم، وشيخ
__________
(1) الخبر في الأغاني 3/ 70وشرح المقامات 1/ 182والوافي بالوفيات ج 27 (ميكروفيلم) وإدراك الأماني 21/ 111.
(2) ج: الحارث أو لم أني تزوجت فعندي. (الحارث، أني، فعندي) غلط. ولم أعثر لراوي الخبر (صدقة بن عبيد المازني) على تعريف في المظان.
(3) من الأغاني 3/ 55والخبر في الوافي بالوفيات ج 27ميكروفيلم وإدراك الأماني 21/ 102.
(4) دفع فلان إلى فلان أي انتهى إليه. لغب يلغب: أعيا أشدّ الإعياء، تعب. الرّكيّة: البئر. (اللسان: دفع، ركا، لغب).
(5) قطما: هائجا يريد الضّراب (اللسان: قطم).(2/164)
لهم، فأخذ بهامة الفحل ممّا فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر لها الفحل ورغا وقال: ليعطيني من أحببتم يده حتى أولجها في فم هذا الفحل، فقال الشيخ: تنكّبوا هذا الشيطان والله ما سمعت هذا الفحل جرجر منذ بزل (1) قبل اليوم، لا تعرضوا لهذا الشيطان. وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى أعضائه حتى جازهم.
وهلال هذا شاعر إسلاميّ أدرك الدولة الأموية. قال صاحب الأغاني (2):
أظنه أدرك الدولة العباسية. وذكر له أخبارا في القوة، وبالله تعالى الاستعانة والقوة (3).
92 - ابن حيوس (4)
هو الأمير مصطفى الدولة أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس الغنويّ الدمشقيّ، كان شاعرا مفلقا. من بدائعه قوله (5) من قصيدة يرثي بها محمود بن نصر (6) بن صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب، وقد قام
__________
(1) أب ج ش هـ و: برك برك، وهو غلط والتصحيح من الأغاني 3/ 56
ويزل أي فطر نابه وطلع وذلك في السنة التاسعة. (اللسان: بزل).
(2) الأغاني: 3/ 52.
(3) ج: وبالله تعالى التوفيق.
(4) (473هـ) ترجمته في المحمدون 364363وزبدة الحلب 1/ 258، 2/ 4240، 4645، 49، 53، 7574 والوفيات 4/ 438وذيل مرآة الزمان 1/ 199198، 240والوافي بالوفيات 3/ 119118ومرآة الجنان 3/ 102101ومعاهد التنصيص 2/ 282278والشذرات 3/ 344343وإدراك الأماني 17/ 147145وتاريخ حلب 4/ 210205.
وهو غير ابن حبوس بالباء محمد بن الحسين بن عبد الله الفاسي الشاعر (570هـ) انظر زاد المسافر 4843.
والمعجب 313311والذيل والتكملة 1/ 1/ 163160، 8/ 1/ 298293والوافي بالوفيات 3/ 1716 والأعلام 6/ 101وذكريات مشاهير رجال المغرب العدد 39صفحة 65.
(5) من الوافي بالوفيات 3/ 119118بتصرف إلى قوله «لأعطيتهم مثله» والخبر في الوفيات 439438.
(6) ج: ناصر، وهو غلط.(2/165)
ولده نصر بن محمود (1) مقامه (2): (الطويل)
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت مذ ذبّ عن ناظر شفر (3)
يقينك والتّقوى وجودك والغنى ... ولفظك والمعنى وسيفك والنّصر
منها:
وطال مقامي في إسار جميلكم ... فدامت معاليكم ودام لي الأسر (4)
وأنجز لي ربّ السموات وعده ال ... كريم فإنّ العسر يتبعه اليسر (5)
فجاد ابن نصر لي بألف تصرّمت ... وإنّي عليم أن سيخلفها نصر
وقد كنت مأمورا ترجّى لمثلها ... فكيف وطوعا أمرك النّهي والأمر
وما بي إلى الإلحاح والحرص حاجة ... وقد عرف المبتاع وانقطع السّعر
فقال له الأمير نصر: والله لو قال عوض قوله: «سيخلفها نصر»، «سيضعفها نصر لأعطيته (6) (ألفي دينار. فأمر له بألف دينار في طبق فضة. وكان على
__________
(1) أمير اشتهر بسخائه، ملك حلب بعد وفاة أبيه محمود في سنة 467هـ وقتل سنة 468هـ الوفيات 4/ 440.
(2) من قصيدة مطلعها:
كفى الدّين عزّا ما قضاه لك الدّهر ... فمن كان ذا نذر فقد وجب النّذر
وهي في ديوانه 1/ 249242والأبيات في الوفيات 4/ 439438والوافي بالوفيات 3/ 19وإدراك الأماني 17/ 146145وتاريخ حلب 4/ 206205والأبيات الخمسة الأخيرة في معاهد التنصيص 2/ 279والبيتان الأولان مع آخر في الكامل لابن الأثير 10/ 105والبيتان الأولان في خريدة القصر 2/ 200 (ق. العراق) ومرآة الجنان 3/ 101.
(3) حاشية ج: «خ ما ذب».
(4) ج: اتساق جميلكم، وهو غلط. ب: جمالكم.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: {«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».} سورة الشرح 94/ 5، 6.
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.(2/166)
باب نصر جماعة) من الشعراء قد مدحوه، وتأخرت صلاتهم وفيهم أبو الحسين أحمد ابن الدّويدة الشاعر (1) فكتب إلى الأمير نصر ورقة فيها (2): (الطويل)
على بابك المحروس منّا جماعة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس
وقد قنعت منك الجماعة كلّهم ... بعشر الّذي أعطيته لابن حيّوس
وما بيننا هذا التفاوت كلّه ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فأمر لهم بمائة دينار، وقال: والله لو قالوا: «بمثل الذي أعطيته لابن حيّوس» لأعطيتهم مثله.
ومن شعر ابن حيّوس (3): (تام الخفيف)
إن ترد علم حالهم عن يقين ... فالقهم يوم نائل أو نزال
تلق بيض الوجوه سود مثار النّ ... قع خضر الأكناف حمر النّصال
وقوله (4): (تام المتقارب)
رأى الله عدلك في خلقه ... فأجرى على ما تشاء القدر
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن الدّويدة المعريّ الشاعر المعروف. انظر دمية القصر 1/ 181180وخريدة القصر 2/ 53 (ق.
الشام) وزبدة الحلب 2/ 41وذيل مرآة الزمان 1/ 201200وتاريخ حلب 4/ 206.
(2) الأبيات في الكامل لابن الأثير 10/ 105وزبدة الحلب 2/ 41والوفيات 4/ 440والوافي بالوفيات 3/ 119ومعاهد التنصيص 2/ 280وإدراك الأماني 17/ 146وتاريخ حلب 4/ 206. ونسبت هذه الأبيات في خريدة القصر 2/ 54 (الشام) لأبي سالم عبد الله ابن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الدويدة المعروف بالقاق، وانظر ذلك أيضا في الوفيات 4/ 440وتاريخ حلب 4/ 207.
(3) من قصيدة في مدح سابق بن محمود بن نصر الكلابي مطلعها:
ضلّ من يستزير طيف الخيال ... هل تداوى حقيقة بالمحال
وهي في ديوانه 2/ 464456والبيتان في الوفيات 4/ 441والوافي بالوفيات 3/ 120والغيث المسجم (ط.
العلمية) 1/ 372وإدراك الأماني 17/ 146.
(4) من قصيدة في مدح الوزير الفاطمي أبي محمد الحسن بن علي اليازوري مطلعها:
سبقت ففز بعظيم الخطر ... ودع لعداك المنى والخطر
وهي في ديوانه 1/ 241234والأبيات في الوافي بالوفيات 3/ 120وإدراك الأماني 17/ 146.(2/167)
وإنّك من معشر جاوزت ... مدى الحسن أفعالهم والصّور
وجوه تلوح فتخفي البدود ... وأيد تسحّ فتبدي البدر
(1) (مساع لقومك ما غادرت ... لمفتخر بعدهم مفتخر) (1)
تغضّ ربيعة منها الجفون ... ولولا النبيّ لغضّت مضر
قال الصلاح الصفدي رحمه الله (2): أحسن ابن حيّوس في هذا ما شاء، كما أحسن في قوله حيث جمع في كل بيت بين الرثاء والمديح (3): (الطويل)
فلله ملك زيّن الدّست ملكه ... وجاد الحيا ملكا تضمّنه القبر
وكنّا نظّنّ الأرض تظلم بعده ... فقمت مقام الشّمس إذ أفل البدر
صبرنا على حكم الزّمان الذي سطا ... على أنّه لولاك لم يكن الصّبر (4)
غزانا ببؤسى لا يفارقها الأسى ... تقارن نعمى لا يقوم بها شكر (5)
وكاد شعار الخوف يثبت في العدى ... فنادى شعار الأمن يا نصر يا نصر (6)
ومن شعره (7): (الطويل)
أبى الله إلا أن يكون لك السّعد ... فليس لما تبغيه منع ولا ردّ
قضت حلب ميعادها بعد مطلها ... وأطيب وصل ما مضى قبله صدّ
يهزّ لواء النّصر حولك عصبة ... إذا طلبوا نالوا وإن عقدوا شدّوا (8)
وله ديوان شعر ضمّنه من المحاسن كلّ معنى عجيب، وأسلوب غريب، رحمه الله وأرضاه (9) (وتداركنا بعفوه وإياه).
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من ب.
(2) الوافي بالوفيات 3/ 121120بتصرف، والقول في إدراك الأماني 17/ 146.
(3) من القصيدة التي خرّجناها في الصفحة 469الحاشية 2والأبيات في إدراك الأماني 17/ 147146.
الدّست: الديوان ومجلس الوزارة والرئاسة انظر الوزراء للصابي 452وتاج العروس (دست).
(4) حاشية أب: «خ يحسن»، هـ: يحسن.
(5) ب هـ و: غرانا وهو غلط، ج و: يقارن، ج و: يقارن (بالياء والتاء معا)، ب هـ و: الشكر
(6) نصر هو ابن المرثي محمود بن نصر الذي عرّف به في أول هذه الترجمة.
(7) ليست هذه الأبيات في ديوانه وهي في إدراك الأماني 17/ 147.
(8) ج: تهز.
(9) ما بين القوسين ساقط من ج.(2/168)
93 - ابن صافي (1)
هو أبو نزار الحسن (2) بن صافي بن عبد الله، كان يلقّب ملك النحاة، وكان يقول (3): هل سيبويه إلّا من رعيّتي، ولو عاش ابن جنّيّ لم يسعه إلّا حمل غاشيتي (4). وكان (5) إذا ذكر أحد من النحاة يقول: كلب من الكلاب، فقال له رجل يوما: فأنت ملك الكلاب، لست ملك النحاة! فاشتاط غضبا، وقال أخرجوا عنّي هذا الفضوليّ. وعضّت (6) يده يوما سنّورة فربطها بمنديل فقال فيه فتيان بن علي بن فتيان الأسديّ النحويّ (7): (تام المتقارب)
عتبت على قطّ ملك النّحاة ... وقلت: أتيت بغير الصّواب
عضضت يدا خلقت للنّدى ... وبثّ العلوم وضرب الرّقاب
فأعرض عنّي وقال: اتّئد ... أليس القطاط أعادي الكلاب!؟
فبلغته الأبيات فاستحيا فتيان وانقطع عنه، فكتب إليه ملك النحاة (8):
(تام الخفيف)
يا خليليّ نلتما النّعماء ... أو تسنّمتما العلى والعلاء
__________
(1) (568هـ) ترجمته في التاريخ الكبير 4/ 170166وخريدة القصر 1/ 3/ 13789 (العراق) ومعجم الأدباء 8/ 139122وإنباه الرواة 1/ 310305ومرآة الزمان 8/ 297295والوفيات 2/ 9492والنجوم الزاهرة 6/ 68 وبغية الوعاة 1/ 505504والشذرات 4/ 228227وإدراك الأماني 2/ 5251والأعلام 2/ 193.
(2) أب ج: الحسين وهو غلط والتصحيح من خريدة القصر 1/ 3/ 89ومعجم الأدباء 8/ 122وإنباه الرواة 1/ 305 والوفيات 2/ 92وبغية الوعاة 1/ 504.
(3) من معجم الأدباء 8/ 130والقول في بغية الوعاة 1/ 505.
(4) الغاشية: غطاء السرج (اللسان: غشا)، والمراد بها أن يكون من اتباعه وخدمه.
(5) من معجم الأدباء 8/ 132بتصرف والخبر في بغية الوعاة 1/ 505.
(6) من معجم الأدباء 8/ 138136بتصرف.
(7) يعرف بالشاغوري المعلم، من أهل دمشق، كان شاعرا ماهرا، مدح الملوك وأدب أبناءهم (615هـ) خريدة القصر 1/ 259247 (الشام) ومعجم البلدان 3/ 310، 370والوفيات 4/ 2624والنجوم الزاهرة 6/ 274والشذرات 5/ 6463والأعلام 5/ 137.
والأبيات في ديوانه 30ومعجم الأدباء 8/ 136وإدراك الأماني 2/ 51.
(8) الأبيات في معجم الأدباء 8/ 138137وإدراك الأماني 2/ 51.(2/169)
ألمما بالشّاغور بالمسجد المه ... جور واستمطرا له الأنواء (1)
امنحا صاحبي الذي كان فيه ... كلّ يوم تحيّة وثناء
ثم قولا له اعتبرنا الذي فه ... ت به مادحا فكان هجاء (2)
وقبلنا فيه اعتذارك عمّا ... قاله الجاهلون عنك افتراء
وخلع (3) عليه نور الدين محمود بن نصر صاحب حلب يوما خلعة سنيّة فمضى بها إلى منزله فرأى في طريقه حلقة مجموعة على تيس يخرج الخبايا، فلما وقف عليه للفرجة، قال معلم التيس: قد وقف في حلقتي رجل عظيم القدر شائع الذّكر، ملك في زيّ سوقة، أعلم الناس وأكرمهم وأجملهم، فأرني إيّاه، فشقّ ذلك التّيس الناس، وخرج حتى وضع يده على ملك النّحاة، فلم يتمالك أن ألقى عليه الخلعة، فبلغ ذلك نور الدين، فعاتبه، وقال: استخفافا فعلت هذا بخلعتنا؟ فقال:
عذري في ذلك واضح لأن في هذه المدينة زيادة على مائة ألف تيس، فما فيهم من عرفني إلّا هذا التّيس فجازيته على ذلك. فضحك منه نور الدين وسكت.
ومن شعر ملك النحاة قوله (4): (تام الكامل)
يا ابن الذين ترفّعوا في مجدهم ... وعلت أخامصهم فروع شمام
أنا عالم ملك بكسر اللام في ... ما أدّعيه لا بفتح اللام
__________
(1) ج: بالمنزل.
(2) أب ج ش: سماءا، وهو غلط، والتصحيح من معجم الأدباء 8/ 137.
(3) من معجم الأدباء 8/ 132131بتصرف إلى آخر الحكاية وهي في إدراك الأماني 2/ 5251.
(4) البيتان في خريدة القصر 1/ 3/ 114وإدراك الأماني 2/ 52.
الأخامص ج: أخمص وهو باطن القدم. شمام: جبل له رأسان يسمّيان ابني شمام. (اللسان خمص، شمم).(2/170)
ولمّا (1) توفي رآه فتيان بن علي (2) في المنام، قال: فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: أنشدته قصيدة ما في الجنة مثلها. فتعلّق بحفظي منها (3): (تام المنسرح)
يا هذه أقصري عن العذل ... فلست في الحلّ ويك من قبلي
يا ربّ ها قد أتيت معترفا ... بما جنته يداي من زلل
ملآن كفّ بكلّ مأثمة ... صفر يد من محاسن العمل
فكيف أخشى نارا مسعّرة ... وأنت يا ربّ في القيامة لي
يرحمنا الله وإياه بمنه وكرمه.
94 - ابن رشيق القيرواني (4)
هو (5) أبو علي الحسن بن رشيق، له التصانيف المليحة منها كتاب العمدة، في معرفة صناعة الشعر، وعيوبه ونقده، وكتاب الأنموذج، والشذوذ في اللغة، ذكر فيه كلّ كلمة جاءت شاذة في بابها، وكتاب قراضة الذهب، وهو كتاب لطيف الجرم كثير الفائدة. قال ياقوت (6): كان نحويا لغويّا أديبا حاذقا عروضيا، كثير التصنيف، حسن التأليف، تأدبّ على محمد بن جعفر القزاز النحوي القيرواني (7)، وغيره، وكان أبوه روميا: قال (8) ابن بسام في الذخيرة
__________
(1) من معجم الأدباء 8/ 139138بتصرف والخبر في إدراك الأماني 2/ 52.
(2) فتيان بن علي هو الذي سبق التعريق به في الصفحة 472الحاشية 7.
(3) الأبيات في خريدة القصر 1/ 3/ 137ومعجم الأدباء 8/ 139138وبغية الوعاة 1/ 505وإدراك الأماني 2/ 52 والأبيات الثلاثة الأخيرة في مرآة الزمان 8/ 297.
(4) (456هـ) ترجمته في الذخيرة 4/ 2/ 612597وخريدة القصر 2/ 233230 (قسم الأندلس والمغرب) والمطرب 5957وإنباه الرواة 1/ 304298والوفيات 2/ 8985وبغية الوعاة 1/ 504وإدراك الأماني 2/ 7068وعنوان الأريب 1/ 5452والأعلام 2/ 191.
(5) من الوفيات 2/ 8885بتصرف إلى قوله: «كثير الفائدة».
(6) معجم الأدباء 8/ 110/ 111بتصرف.
(7) هو أحد علماء اللغة والنحو، وله تآليف فيهما، خدم العزيز بالله الفاطمي صاحب مصر، وتصدّر للتدريس بالقيروان (412هـ) معجم الأدباء 18/ 109105وإنباه الرواة 3/ 8784والوفيات 4/ 376374والوافي بالوفيات 2/ 305304وبغية الوعاة 1/ 71والأعلام 6/ 7371.
(8) من الوفيات 2/ 8685إلى قوله: «سنة ست وخمسين وأربع مائة»(2/171)
(1): بلغني أنه ولد بالمسيلة وتأدّب بها قليلا ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربع مائة. وقال غيره: ولد بالمهدية سنة تسعين وثلاث مائة، وأبوه مملوك رومي، من موالي الأزد، وتوفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة. وكانت صناعة أبيه بالمهدية الصياغة فعلّمه صنعته. ثم قرأ الأدب، وارتحل إلى القيروان، فمدح صاحبها (2)
واتّصل به، ولم يزل بها إلى أن هجم العرب على القيروان، وقتلوا أهلها وخرّبوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية وأقام بها إلى أن مات، وقيل إنه مات بالقيروان سن ست وخمسين وأربع مائة. فالله أعلم.
وهناك ابن رشيق آخر (3)، (4) (ذكره ابن فرحون في الديباج وابن القاضي (5) في جذوة الإقتباس) (4) سيأتي (6) (ذكره) في محله من هذا الباب إن شاء الله (6) (تعالى).
فمن محاسن صاحب الترجمة ابن رشيق وشعره الأنيق قوله (7):
(تام الوافر)
أحبّ أخي وإن أعرضت عنه ... وقلّ على مسامعه كلامي
ولي في وجهه تقطيب راض ... كما قطّبت في وجه المدام
وربّ تقطّب من غير بغض ... وبغض كامن تحت ابتسام
__________
(1) الذخيرة 4/ 2/ 597.
(2) معجم الأدباء 8/ 112: يعني المعزّ بن باديس بن منصور، ومثل ذلك في الذخيرة 4/ 2/ 598.
(3) هو ابن رشيق السبتي، وسترد ترجمته برقم 128.
(4) ما بين القوسين ساقط من هـ و.
(5) الصحيح أن من ذكره ابن فرحون في الديباج المذهب 105غير من ذكره ابن القاضي في جذوة الإقتباس 1/ 182180 انظر بداية الترجمة رقم 128 (ابن رشيق السبتي).
(6) ما بين القوسين ساقط من ج.
(7) تنسب الأبيات لابن رشيق وغيره، وهي في ديوانه 172171والنتف 68وخريدة القصر 2/ 232 (ق. الأندلس والمغرب) ومعجم الأدباء 8/ 118والوفيات 2/ 87والغيث المسجم 1/ 440 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 2/ 69 وعنوان الأريب 1/ 52.(2/172)
وقوله (1): (الطويل)
ومن حسنات الدّهر عندي ليلة ... من العمر لم تترك لأيامها ذنبا
خلونا بها ننفي القذى عن عيوننا ... بلؤلؤة مملوءة ذهبا سكبا
وملنا لتقبيل الثّغور ولثمها ... كمثل فراخ الطّير تلتقط الحيا
وقوله (2): (تام السريع)
في النّاس من لا يرتجى نفعه ... إلّا إذا مسّ بأضرار
كالعود لا يطمع في طيبه ... إلّا إذا أحرق بالنّار
وقوله في أحدب (3): (تام الكامل)
قصرت أخادعه وغاب قذاله ... فكأنّه متوهّم أن يصفعا
وكأنّه قد ذاق أوّل صفعة ... وأحسّ ثانية لها فتجمّعا
وقوله (4): (الطويل)
خليليّ هل للمزن مقلة عاشق ... أم النار في أحشائه وهو لا يدري
سحاب حكت ثكلى أصيبت بواحد ... فعاجت له نحو الرّياض على قبر
ترقرق دمعا في خدود توشّحت ... مطارفها بالبرق طرزا من التّبر
فوشي بلا رقم ونسج بلا يد ... ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر
__________
(1) الأبيات قيلت في مجلس لهو، وهي في ديوانه 3332والنتف 8ومعجم الأدباء 8/ 115والمطرب 59والوفيات 2/ 87وبغية الوعاة 1/ 504وإدراك الأماني 2/ 69.
(2) البيتان في ديوانه 78والنتف 34ومعجم الأدباء 8/ 117وبغية الوعاة 1/ 504وإدراك الأماني 2/ 69ونسبا في نكت الهميان 227للفضل بن محمد القصباني الآتي ذكره وتعريفه في ترجمة الحريري رقم 97.
(3) ليس هذان البيتان في ديوانه ولا في النتف من شعره، وليسا له، وهما لعبد الله ابن الطباخ، وهو من شعراء المئة الخامسة كما في عنوان المرقصات 66، ونسبا لابن رشيق في إدراك الأماني 2/ 69. وينسب البيتان عادة لابن الرومي انظر مثلا مجلة العربي العدد 143الصفحة 79، وليسا في ديوانه.
(4) الأبيات في ديوانه 79والنتف 35وإدراك الأماني 2/ 69ونسبت في زهر الآداب 1/ 195إلى العباس الناشيء.(2/173)
وقوله فيمن وعده بالزيارة يوم عيد وأخلف لمطر (1): (تام البسيط)
تجهّم العيد وانهلّت مدامعه ... وكنت أعهد منه البشر والضّحكا
كأنّما جاء يطوي الأرض من بعد ... شوقا إليك فلمّا لم يجدك بكا
ومحاسنه رحمه الله كثيرة وفيما ذكرناه منها كفاية، وبالله تعالى التوفيق.
95 - ابن شرف القيرواني (2)
هو (3) أبو عبد الله، ويقال أبو الفضل محمد بن سعيد بن أحمد بن شرف القيرواني الجذامي، وشرف اسم أمّه فهو غير منصرف، وقيل اسم أبيه فينصرف.
قال صلاح الدين الصفدي (4): وهذا الخلاف جار في محمد بن حبيب النسّابة (5)
وفي يونس بن حبيب النحوي (6) شيخ سيبويه، فقيل إن حبيب اسم أمّه ولا يعرف أبوه، وقيل إنه ابن ملاعنة وقيل بل هو اسم أبيه، فالله أعلم. (7) [وهو مولى ضبة، وقيل مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل مولى بلال بن هرمة، رجل من ضبيعة، وكنيته أبو عبد الرحمن].
__________
(1) البيتان في ديوانه 79والنتف 56والذخيرة 4/ 2/ 604وعنوان المرقصات 62.
(2) (460هـ) ترجمته في قلائد العقيان 299290والذخيرة 4/ 1/ 238169وخريدة القصر 2/ 230224 (ق. الأندلس والمغرب) والمطرب 7166ومعجم الأدباء 19/ 4337 والفوات 3/ 361359والوافي بالوفيات 3/ 10197وإدراك الأماني 17/ 174171وعنوان الأريب 1/ 5756.
(3) من الوافي بالوفيات 3/ 97بتصرف.
(4) لم أعثر على هذا القول عند الصفدي في ترجمته لمحمد بن حبيب في الوافي بالوفيات 2/ 327325وقد ورد هذا القول في الوفيات 7/ 248وإدراك الأماني 17/ 172171
(5) هو أبو جعفر البغدادي علامة بالأنساب والأخبار واللغة والشعر (245هـ) تحفة الأبية 108وبغية الوعاة 1/ 7473والأعلام 6/ 78.
(6) سبق التعريف به في الصفحة 89. الحاشية 7.
(7) زيادة في ب. ج. ش. هـ. و.(2/174)
كان ابن شرف شاعرا مفلقا متصرّفا في فنون الشعر من مدح وهجاء وتغزل وغير ذلك مجيدا في جميعها، وكان معاصرا لابن رشيق المتقدّم الذكر. من غرر شعره ونتائج فكره قوله (1): (تام الكامل)
ولقد نعمت بليلة جمد الحيا ... بالأرض فيها والسّماء تذوب
جمع العشاءين المصلّي وانزوى ... فيها الرّقيب كأنّه مرقوب
والكأس كاسية القميص كأنّها ... لونا وقدرا معصم مخضوب
هي وردة في خدّه وبكأسها ... تحت القنائن عسجد مصبوب
منّي إليه ومن يديه إلى يدي ... فالشمس تطلع مرّة وتغيب
وقوله (2): (تام الكامل)
احذر محاسن أوجه فقدت محا ... سن أنفس ولو انّها أقمار
سرج تلوح إذا نظرت فإنّها ... نور يضيء وإن مسست فنار
وقوله (3): (تام الكامل)
لو كان خلقك للّيالى لم يزل ... جسم الثّرى وعليه ثوب ربيع
سلك الورى آثار فضلك فانثنى ... متكلّف عن مسلك مطبوع
أبناء جنسك في الحلى لا في العلى ... وأقول قولا ليس بالمدفوع
أبدا أرى البيتين يختلفان في ال ... معنى ويتّفقان في التّقطيع
وقوله في الخيار مضمّنا (4): (الطويل)
خيار يحيّينا خيار الورى به ... كأيدي المها في أخضر الحبرات
__________
(1) الأبيات في معجم الأدباء 19/ 4039والوافي بالوفيات 3/ 98والفوات 3/ 360والنتف 9291وإدراك الأماني 17/ 172والأبيات: الأول والثالث والخامس في خريدة القصر 2/ 228 (ق. المغرب والأندلس).
(2) البيتان في الوافي بالوفيات 3/ 100والفوات 3/ 360والنتف 99وإدراك الأماني 17/ 172.
(3) الأبيات في الوافي بالوفيات 3/ 99والنتف 105104وإدراك الأماني 17/ 172.
(4) الأبيات في الوافي بالوفيات 3/ 100وإدراك الأماني 17/ 172
الاعتجار: لبسة كالالتحاف. (اللسان: عجر).(2/175)
لففن على الأيدي الأكمّة سترة ... فأذكرننا ما قيل في الخفرات
يخبّين أطراف البنان من التّقى ... ويظعنّ شطر الليل معتجرات
وقوله في مليح اسمه عمر (1): (تام البسيط)
يا أعدل الأمّة اسما كم تجور على ... فؤاد مضناك بالهجران والبين
أظنّهم سرقوك القاف من قمر ... وأبدلوها بعين خيفة العين
وقوله (2): (تام الوافر)
إذا صحب الفتى جدّ وسعد ... تحامته المكاره والخطوب
ووافاه الحبيب بغير وعد ... طفيليّا وقاد له الرّقيب
وعدّ النّاس ضرطته غناء ... وقالوا إن فسا قد فاح طيب
ومن غرره، ونفائس درره، قصيدته اللامية التي نظمها في الأمثال المشتملة على مائة بيت (3)، قال في كتابه أبكار الأفكار (4): إنّا اخترنا مائة بيت مثلا ممّا يستعمله النّاس في أثناء كلامهم ومحاضرتهم، منها خمسون للعرب والمخضرمين ولبعض المولّدين، ومنها خمسون لأبي الطيب المتنبي خاصة، لما منح من ذلك وتمكّن له. قال: وهذه المائة على شتّى أعاريض وشتّى قواف فنظمناها جميعا على أصحّ معنى ومشابهة في قصيدة واحدة فيها مائة بيت لكلّ بيت بيت مثله وكلّ بيت منها لما يحاذيه بعد الأبيات الأربعة التي في أولها.
__________
(1) البيتان في الوافي بالوفيات 3/ 100والفوات 3/ 361والنتف 114وإدراك الأماني 17/ 173.
(2) الأبيات في الوافي بالوفيات 3/ 100والغيث المسجم 2/ 129 (ط. العلمية) والفوات 3/ 361ومعاهد التنصيص 1/ 152والنتف 91وإدراك الأماني 17/ 173.
قاد له الرقيب أي أصبح يقود النّساء له.
(3) الصحيح أنها تضم مائة وثلاثة أبيات له، مضافا إليها 99بيتا من اختياراته، انظر ذلك في مجموع مخطوط في الخزانة العامة 1714بالرباط.
(4) أبكار الأفكار 205.(2/176)
قال: وهذا الذي حاولناه لا تخفى المعذرة فيه وصعوبة المحاولة على من معه أقلّ سبب، من فهم وأدب، وأول القصيدة (1): (تام البسيط)
يا حاملي الأدب الغرّ البهاليلا ... حيّيتم حاملي فضل ومحمولا
ويا محبّ فصيح القول يعمله ... نظما ونثرا وتمثيلا وترسيلا
خذ ما عهدت من الأمثال مفترقا ... مجمّعا لك في يمناك معقولا
شتّى قواف غدت أبياتها مائة ... حيزت بقافية في مثلها طولا
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... وياتيك بالأخبار من لم تزوّد (2)
(الطويل) لا تسأل النّاس والأيام عن خبر ... هما يبثّانك الأخبار تطفيلا (3)
(تام البسيط) ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب (4)
(الطويل) ولا تعاتب على نقص الطّباع أخا ... فإنّ بدر الدّجى لم يعط تكميلا (5)
(تام البسيط) ربّ علم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطّى عليه النّعيم (6)
(تام الخفيف)
__________
(1) القصيدة في أبكار الأفكار 222205ومجموع مخطوط الخزانة العامة 1714الذي نقل من خط العلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن المسناوي شيخ عبد القادر بن عبد الرحمن السلوي مؤلف (الكوكب الثاقب). والأبيات في إدراك الأماني 17/ 174173.
(2) البيت لطرفه، وقد سبق تخريجه في الصفحة: 37الحاشية 5، وهو في إدراك الأماني 17/ 173.
(3) ج: الأشياء تطفيلا.
والبيت لابن شرف في النتف 106وعنوان المرقصات 5والوافي بالوفيات 3/ 99والفوات 3/ 360ومجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 173
(4) البيت للنابغة وقد خرجناه في الصفحة 38الحاشية 11.
(5) البيت لابن شرف في النتف 106والوافي بالوفيات 3/ 99والفوات 3/ 360ومجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 173.
(6) البيت لحسان بن ثابت وهو من قصيدة في يوم أحد مطلعها:
منع النّوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النّجوم
وهي في ديوانه 9281والبيت في معجم مقاييس اللغة 4/ 248ورسالة الغفران 575وبهجة المجالس 1/ 202ومعجم الأدباء 20/ 10ونهاية الأرب 3/ 71وإدراك الأماني 17/ 173.(2/177)
والمال يستر جهل الجاهلين به ... والفقر يورث أهل العقل تجهيلا (1)
(تام البسيط) أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرّشد إلّا ضحى الغد (2)
(الطويل) يرى البليد الرّزايا بعد ما نزلت ... وذو الذكاء يرى الأشياء تخييلا (3)
(تام البسيط) ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشّتم يشتم (4)
(الطويل) وبذلك المال للأعراض واقية ... وصونك المال يبقي العرض مبذولا (5)
(تام البسيط) ومن لم يذذ عن حوضه بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم النّاس يظلم (4)
(الطويل) والمرء إن لم يذد عن حوضه بيد ... منّاعة بات لحم الدّود مأكولا (3)
(تام البسيط) ومن لم يزل يستحمل النّاس نفسه ... ولم يغنها يوما من الدّهر يسأم (4)
(الطويل) ومن يكرّر زيارات المحبّ له ... يغد المحبّ ملولا وهو مملولا (7)
(تام البسيط) قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا (8)
(تام البسيط) ومن تعرّض للقول القبيح فقد ... جرّ الظّنون وإن كانت أباطيلا (7)
(تام البسيط)
__________
(1) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 173.
(2) البيت لدريد بن الصمة وهو من قصيدة في رثاء أخيه عبد الله، مطلعها:
أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد ... بعاقبة وأخلفت كلّ موعد
وهي في ديوانه 5245والأصمعيات 110106وجمهرة الأشعار 591581والبيت في العقد الفريد 5/ 169والأغاني 10/ 8وزهر الآداب 1/ 253وإدراك الأماني 17/ 174.
(3) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(4) البيت لزهير من القصيدة التي سبق أن خرّجناها في الصفحة 38الحاشية 10. وهو في مجموع الخزانة العامة 14 وإدراك الأماني 17/ 174
(5) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(6) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(7) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(8) البيت في العقد الفريد 2/ 445ومغني اللبيب 1/ 61ومجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174 غير منسوب، ونسب للنعمان بن المنذر في شواهد المغني 1/ 61وفصل المقال 92.(2/178)
العبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامه (1)
(مجزوء الكامل) لا يصلح العبد إلّا قرع هامته ... والحرّ يكفيه أن تلقاه معذولا (2)
(تام البسيط) ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب (3)
(تام الكامل) كم خانني الدّهر في أوفى الورى فمضى ... به وخلّف مرذولا فمرذولا (2)
(تام البسيط) جرت الرّياح على محلّ ديارهم ... فكأنّهم كانوا على ميعاد (4)
(تام الكامل) بادوا كأنّهم للفرقة اتّعدوا ... فلم يكن ذلك الميعاد ممطولا (5)
(تام البسيط) وما النّاس إلّا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق (6)
(الطويل) والنّاس أقوات هذا الموت يأكلهم ... جيلا فجيلا إلى أن لا ترى جيلا (2)
(تام البسيط) إلى آخرها وهي كلّها على هذا النّمط البديع، والصّنيع الرّفيع (7) [فرحم الله ناظمها] والله سبحانه (7) [هو] الموفق لا ربّ غيره ولا مأمول إلّا خيره.
__________
(1) البيت ليزيد بن مفرغ من قصيدة مطلعها:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيّام برامه
وهي في ديوانه 215207والبيت في البيان 3/ 37والشعر والشعراء 1/ 362والوساطة 196ومجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(2) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(3) البيت للبيد من قصيدة في رثاء أربد أخيه لأمه وهو ابن عمّه كما في شرح ديوانه 158، مطلعها:
قضّ اللّبانة لا أبالك واذهب ... والحق بأسرتك الكرام الغيّب
وهي في شرح ديوانه 157153والأغاني 17/ 6564والبيت في إصلاح المنطق 13، 66والبيان 1/ 227، 2/ 170والكامل 4/ 33وأمالي القالي 1/ 158والاستيعاب 3/ 1337وعنوان المرقصات 19 ونهاية الأرب 3/ 70والغيث المسجم 2/ 221، 340 (ط. العلمية) وإدراك الأماني 17/ 174.
وجاء في الكامل 4/ 33: = يقال: هو خلف فلان لمن يخلفه من رهطه، وهؤلاد خلف فلان إذا قاموا مقامه من غير أهله = والمعنى = إنهم يشينون من صحبوا كما يشين الجرب الجلد = شرح ديوان لبيد 153.
(4) لم أهتد إلى صاحب هذا البيت وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(5) البيت لابن شرف وهو في مجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
اتّعدوا: تواعدوا، والاتّعاد قبول الوعد. (اللسان: وعد)
(6) البيت لأبي نواس من المقطوعة التي خرجناها في الصفحة 173الحاشية 3. وهو في الوفيات 2/ 97ومجموع الخزانة العامة 14وإدراك الأماني 17/ 174.
(7) ما بين المعقوفتين زيادة في ج.(2/179)
96 - ابن القيسراني (1)
هو مهذّب (2) الدين أبو عبد الله محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني، كان شاعرا مطبوعا فصيح العبارة لطيف الإشارة. من بديع شعره قوله (3):
(تام البسيط)
هذا الذي سلب العشاق نومهم ... أما ترى عينه ملأى من الوسن
وقوله وكان كثير الإعجاب به (4): (الطويل)
وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر التّرب
(5) وقوله، وقد حضر سماعا، وكان في القوم مغنّ، حسن الصوت، فلمّا أطرب الجماعة قال (6): (تام البسيط)
والله لو أنصف العشاق أنفسهم ... أعطوك ما ادّخروا منها وما صانوا
ما أنت حين تغنّي في مجالسهم ... إلّا نسيم الصّبا والقوم أغصان
__________
(1) (548هـ) ترجمته في الأنساب للسمعاني 10/ 290، 291وذيل تاريخ دمشق 322وخريدة القصر 1/ 16096 (شعراء الشام) ومعجم الأدباء 19/ 8164ومعجم البلدان 2/ 504ومرآة الزمان 8/ 214213وزبدة الحلب 2/ 293، 300299والوفيات 4/ 461458وعنوان المرقصات 49 وتاريخ ابن الوردي 2/ 8584والوافي بالوفيات 5/ 121112والبداية والنهاية 12/ 231، والنجوم الزاهرة 5/ 285284، 302، 6/ 347، والدارس 2/ 388، والشذرات 4/ 151150، وإدراك الأماني 13/ 5649وتاريخ حلب 2/ 108، 13/ 16، 23، 4/ 239237ومحمد بن نصر القيسراني لفاروق أنيس.
(2) ج: مذهب، وهو غلط.
(3) من قصيدة في المدح حسب ما في خريدة القصر 1/ 128127 (ش. الشام) والبيت في الوفيات 4/ 460 وتاريخ ابن الوردي 2/ 85والوافي بالوفيات 5/ 121وإدراك الأماني 13/ 49وتاريخ حلب 4/ 238.
(4) من قصيدة غزلية حسب ما في خريدة القصر 1/ 124 (ش. الشام) والبيت في خريدة القصر 1/ 97 (ش. الشام) والوفيات 4/ 460وعنوان المرقصات 49والوافي بالوفيات 5/ 121وإدراك الأماني 13/ 49وتاريخ حلب 4/ 238.
(5) الخبر في الوفيات 4/ 460والوافي بالوفيات 5/ 121.
(6) البيتان في خريدة القصر 1/ 119 (الشام) ومرآة الزمان 8/ 214والوفيات 4/ 460والوافي بالوفيات 5/ 121، والنجوم الزاهرة 5/ 302وإدراك الأماني 13/ 49وتاريخ حلب 4/ 239والثاني في عنوان المرقصات 49.(2/180)
وقوله في قصب السّكر (1): (تام المتقارب)
نزلنا على القصب السّكّري ... نزول رجال يريدون نهبه
بحزّ كحزّ رقاب العدى ... ومصّ كمصّ شفاه الأحبّه
وله رسالة لطيفة أبدع فيها ما شاء (2)، صنعها في حقّ واعظ من أهل الموصل (3)، كان يعظ النّاس بأشعار أبي تمام الطائي، وتعرف بظلامة الخالدي (4)، وهي:
إنّي مخبركم عن سرى سريتها ومنام حضرته وكلام حفظته فحصرته (5)، طال به الليل عن تجانف قصره (6)، ومال به القول عن مواقف حصره، فبتّ في غماره عائما (7):
وقد تعتري الأحلام من كان نائما (8) ...
(الطويل) ومن حقّ تأويله أن يقا ... ل خيرا رأيت وحقّا يكون (9)
(تام المتقارب)
وهو أنّي رأيت فيما يراه (10) الحالم الرّائي، أبا تمام حبيب بن أوس الطائيّ، في صورة رجل كهل كاس من الفضل، عار من الجهل، العربية تعرب عن شمائله، والألمعيّة تلمع في مخايله، فجعل يرمقني في اعتراض، ويستنطقني في غير اعتراض، ثم سعى إليّ بأقدام الإقدام عليّ، فعرّفني بنفسه، بعد أن عرفني بثاقب حدسه:
فقمت للزّور مرتاعا وأرّقني ... حقّا أرى شخصه أم عادني حلم (11).
__________
(1) البيتان في الوافي بالوفيات 5/ 121وإدراك الأماني 13/ 49.
(2) من الوافي بالوفيات 5/ 121114إلى آخر الرسالة.
(3) لم أهتد إلى اسم هذا الواعظ.
(4) نسبة إلى خالد بن الوليد المخزوميّ، فقد كان آبن القيسراني ينسب إليه. الوفيات 4/ 461.
(5) ج: حضرته فحفظته.
(6) التّجانف: الميل. (اللسان: جنف) والمعنى أن ليلهم كان طويلا شقّقوا فيه الكلام فلم يميلوا إلى إيجازه.
(7) ح: هائما.
(8) شطر في الوافي بالوفيات 5/ 115وإدراك الأماني 13/ 49.
(9) بيت في الوافي بالوفيات 5/ 115وإدراك الأماني 13/ 49.
(10) ج: يرى.
(11) أب ج ش هـ و: فقلت، وهو غلط. والتصحيح من شرح ديوان الحماسة 3/ 1396ومغني اللبيب 1/ 41.
والبيت من قصيدة لزياد بن منقذ حسب ما في شرح ديوان الحماسة 3/ 1396وهو غير منسوب في مغني البيب 1/ 41وإدراك الأماني 13/ 50.
الزّور: الذي يزورك (اللسان: زور) وجاء في شرح ديوان الحماسة 3/ 1396في شرح البيت: الزّور: الطّيف الزّائر.(2/181)
فلما سلم عليّ وحيّا، حاورت منه كريم المحيّا، فقال: ألست ابن نصر، شاعر العصر؟ فقلت: نعم، فغار ماء وجهه ونضب، وأثار كامن حقده عليّ الغضب، وقال: يا معشر الأدباء، والفضلاء الألباء، متى أهملت بينكم الحقوق؟ وحدث فيكم هذا العقوق، وأضيعت عندكم حرمة السّلف، وخلف فيكم هذا الخلف، أأنهب وتغضون؟ ويغار عليّ وترتضون؟ الست أوّل من شرع لكم البديع، وأنبع لكم عيون التّقسيم والتّرصيع (1)، وعلّمكم شنّ الغارات، على ما سنّ من عجائب الاستعارات، وأراكم دون الناس، غرائب أنواع الجناس، فكلّ شاعر بعدي (2)، وإن أغرب، وزيّن أبكار أفكاره فأعرب، فلا بدّ من الاعتراف بأساليبي، والاغتراف من منابع قليبي، وهذا حقّ لي، على من بعدي، لا يسقطه موتي ولا بعدي (3):
تام الكامل
ومن الحزامة لو تكون حزامة ... أن لا تؤخّر من به تتقدّم
__________
(1) التقسيم هو استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به مثل قول بشار:
فراحوا فريق في الإسار، ومثله ... قتيل، ومثل لاذ بالبحر هاربه
نقد الشعر 152149والوساطة 4746والعمدة 2/ 21والمنزع البديع 359355والإيضاح 512506.
والتّرصيع هو نوع من السجع تكون فيه الفاصلة الأولى مقابلة لما في الثانية وزنا وقافية ويكون في النثر والشعر كقوله تعالى: {= إِنَّ إِلَيْنََا إِيََابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا حِسََابَهُمْ =} سورة الغاشية 88/ 2625وقول الحريري = فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه =. وقول الخنساء:
حامي الحقيقة محمود الخليقة مه ... ديّ الطريقة نفّاع وضرّار
وقول العباس بن الأحنف:
وصالكم هجر وحبّكم قلى ... وعطفكم صدّ، وسلمكم حرب
نقد الشعر 5138والعمدة 2/ 2926والإيضاح 547والمنزع البديع 514509وشرح الأرجوزة 133.
(2) أب ح ش هـ و: عندي، وهو غلط والتصحيح من الوافي بالوفيات 5/ 115.
(3) البيت من قصيدة لأبي تمام في مدح مالك بن طوق التّغلبي حين عزل عن الجزيرة، ومطلعها:
أرض مصرّدة وأخرى تثجم ... منها التي رزقت وأخرى تحرم
وهي في ديوانه 3/ 202195والبيت في زهر الآداب 1/ 74والوافي بالوفيات 5/ 115وإدراك الأماني 13/ 50.(2/182)
فلمّا ملكتني سورة دعواه، وحرّكتني ثورة شكواه، قلت: أيّها الشيخ الأجلّ، سلبت المهل، وألبست الخجل، فما ذاك؟ ومن آذاك؟ قال: كنت بحضرة القدس، ومستقرّ الأنس، إذ جاءني عبدان، لم يكن لي بهما يدان، فأزلفاني إلى محلّ الخلفاء، ووقّفاني بين يدي الأئمة الأكفاء، وإذا لديهم جماعة الوزراء والقضاة، ومن كنت أمدحهم أيّام الحياة، فأومؤوا بالدّعوى عليّ إلى ابن أبي دؤاد (1)، وكان عليّ شديد الاتّقاد، سديد سهام الأحقاد، فحكم عليّ بردّ صلاتي، والفدية بجميع صومي وصلاتي، فقلت قول المدلّ الواثق، عائذا بالمامون والمعتصم والواثق: يا أمير المومنين، ما هذه المؤاخذة بعد الرّضى، وقد مضى لي من خدمتكم ما مضى؟ فقال المامون، وسكت الباقون: يا ابن أوس (2)، إنّك قد مدحتنا والناس بأشعار منحولة، وقصائد مقولة منقولة، وكلام مختلق، سرقته من قائله قبل أن يخلق، فلمّا آن أوانه، واتّسق زمانه، استردّ ودائعه منك، وهو غير راض عنك، فقلت: ومن ذا الذي أعدمني بعد الوجود، وأعاضني المعدوم بالموجود، وملك عليّ فنّي، وأصبح أحقّ به منّي؟ فقال: كأنّك لا تعرف الواعظ الموصليّ الولاد، الحويصيل (3)
البلاد، الغريب العمّة، القريب الهمّة، البعبعيّ الإيراد، الودعيّ الإنشاد:
(تام السريع)
كأنّما بين خياشيمه ... مفكّر يضرب بالطّبل (4)
__________
(1) هو أحمد بن أبي دواد قاضي قضاة المعتصم والواثق اشتهر بقسوته على من لم يؤمن بقضية خلق القرآن (240هـ) ثمار القلوب 206 (ت. محمد أبو الفضل) والوفيات 1/ 9181.
(2) هو أبو تمام الشاعر حبيب بن أوس.
(3) الحويصيل تصغير الحوصل، وهو من الطائر بمنزلة المعدة من الإنسان، والعمّة التّعمّم أي لبس العمامة. البعبعي: نسبة إلى البعبعة وهي تتابع الكلام في عجلة. الودعيّ: نسبة إلى الودع وهو خرز أبيض يخرج من البحر يعلّق في عنق الصبيان (اللسان: بعع، حصل، عمم، ودع) ولعله يريد بالحويصيل البلاد أن هذا الواعظ مرتزق يتكسّب في البلاد فهي بالنسبة إليه بمثابة الحوصل للطائر. ويقصد بالبعبعي الإيراد أنه يكثر من اللّغط ويتابع الكلام في عجلة عند إتيانه ومجيئه. ويريد بالودعي الإنشاد أن صوته يشبه ما يصدر عن الودع من صوت حين تحريكه في إناء أو غيره.
(4) البيت غير منسوب في الوافي بالوفيات 5/ 116وإدراك الأماني 13/ 51.(2/183)
الذي انتزعك مدائحه، وارتجعك منائحه (1)، واستلبك قلائده، واختلبك قصائده، بعد ما كنت تغيّر أسماءها وتجلّي بغير نجومها سماءها، فأصبح يتقرّب إلى ملوك عصره، بما كنت تدّعيه، ويعي (2) منه ما لم تكن تعيه، نازعا عن وجوهها سواتر النّقب (3) قد جعل إليه عقدها وحلّها، وكان أحقّ بها وأهلها، فقلت: خاب السّاعون، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، قد كان عهدى بهذا الرّجل فارضا (4)، فمتى صار قارضا، وأعرفه يتستّر بالحشوية (5)، فما باله ارتبك بين البديهة والرّويّة، وقد كان ذا طبع جاف عن التعرّض لنظم القوافي، وقد كان أخرج من الموصل، وليس معه قرى (6) يوصّل، فاشتغل بترّهات القصّاص، نصبا على ذوات الأعين من وراء الخصاص (7).
وعاش يظنّ نثر الإفك وعظا ... وينصب تحت ما نثر الشّباكا (8)
__________
(1) المنائح جمع منحة وهي العطيّة. (اللسان: منح).
(2) أب ح: تعي، وهو غلط.
(3) النّقب جمع نقاب، وهو الثوب الذي تضعه المرأة على وجهها (اللسان: نقب).
(4) الفارض: من فرضت للميت: ضرحت. (اللسان: فرض) ولعله يقصد بالفارض أنه كان حفّارا للقبور. والفارض أيضا:
الواهب من الفرض هو الهبة المرسومة، يقال: ما أعطاني فرضا ولا قرضا. (اللسان: فرض). ولعله يقصد بذلك أن هذا الواعظ كان يهب الناس الكلام (يعظهم) فأصبح الآن يقترض الكلام، يريد أنه أصبح يسرق شعره (أبي تمام).
(5) الحشويّة نسبة إلى الحشو، وهو من الكلام الفضل الذي لا يعتمد عليه وكذلك هو من الناس. (اللسان: حشا). ولعله يقصد أن هذا الواعظ كان كثير الحشو في كلامه رذل القول فأصبح الآن يجرّب القول بديهة وروية. والحشوية أيضا طائفة من المبتدعة من فرق المعتزلة سمّوا بذلك نسبة إلى الحشو أي اللغو وذلك لأنّ الحشوية أو أهل الحشو أخذوا بظواهر القرآن دون تبصّر حتى وقعوا في الاعتقاد بالتجسيم وأثبتوا الجهة لله تعالى، وهم في بحثهم أصول الدين يتكلمون بالعقول ويتصرفون في المنقول حسب تعبير السبكي انظر طبقات الشافعية للسبكي 5/ 183182وتاج العروس (حشو) والقاموس الإسلامي 3/ 102، وعلم الكلام 111109، 158157وجاء في الحور العين 258: = وسميت الحشويّة حشوية، لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشويّة يقولون بالجبر والتشبيه =.
(6) القرى: الطعام. (اللسان: قرا)
(7) الخصاص: شبه كوّة في قبّة أو نحوها. (اللسان: خصص).
(8) البيت غير معزوّ في الوافي بالوفيات 5/ 117وإدراك الأماني 13/ 51.(2/184)