الهمزة وتشديد النون على الاستئناف، و «هذه» اسمها، و «أمتكم» خبرها، و «أمة» حال، و «واحدة» صفة الى «أمة».
وقرأ «ابن عامر» «وأن» بفتح الهمزة، وتخفيف النون، على أنها مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و «هذه» مبتدأ و «أمتكم» خبر، والجملة خبر «أن».
وقرأ الباقون وهم: «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو وأبو جعفر، ويعقوب» «وأن» بفتح الهمزة، وتشديد النون، على تقدير حرف الجر قبلها، أي «ولأن هذه أمتكم» و «هذه» اسم «أن» و «أمتكم» خبرها (1).
وأما ورود «أن» مفتوحة الهمزة: بتشديد النون وتخفيفها في أسلوب واحد فانه يتمثل في القراءات الكلمات الآتية:
«وأن» من قوله تعالى: {وَأَنَّ هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} (2).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وأبو جعفر» «وأن» بتشديد النون، وذلك على تقدير اللام، أي ولأن هذا الخ.
و «هذا» اسم «أن» و «صراطي» خبرها، و «مستقيما» صفة وقرأ «ابن عامر، ويعقوب» «وأن» بفتح الهمزة وتخفيف النون، وذلك على أن «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف.
وقبل «أن» لام مقدرة، و «هذا» مبتدأ، و «صراطي» خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ أو الخبر خبر «أن» المخففة.
__________
(1) قال ابن الجزري: وأن اكسر كفى خفف كرى انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 205. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 61. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 129.
(2) سورة الانعام آية 153.(2/180)
وقرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «وان» بكسر الهمزة وتشديد النون، فكسر الهمزة على الاستئناف و «هذا» اسم «ان» و «صراطي» خبرها، و «مستقيما» صفة (1).
واعلم أن «أن» مفتوحة الهمزة، مشددة النون معناها التوكيد.
وتعمل عكس عمل «كان» الناقصة، فتنصب الاسم، وترفع الخبر.
قال «ابن مالك»:
لأن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل
كان زيدا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن
والأصل أن يتقدم اسمها، ويتأخر خبرها الا اذا كان الخبر ظرفا، أو جارا ومجرورا فانه حينئذ يجوز أن يتقدم الخبر على الاسم فتقول:
«علمت» أن عندك محمدا، وعلمت أن في المسجد زيدا».
قال ابن مالك:
وراع ذا الترتيب الا في الذي ... كليت فيها أو هنا غير البذي
وتارة يجب تقديم الخبر على الاسم وذلك اذا كان يلزم من تأخيره عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة نحو: «علمت أن في الدار صاحبها».
أما اذا كان مفعول الخبر غير ظرف، ولا جار ومجرور، فانه لا يجوز تقديمه على الاسم. الا اذا كان المعمول ظرفا، أو جارا ومجرورا
__________
(1) قال ابن الجزري: وأن كم ظن واكسرها شفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 69. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 457. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 231.(2/181)
فقد منع تقديمه قوم وأجاره آخرون وحينئذ يصح أن تقول: «علمت أن عندك زيدا جالس» «وعلمت أن بك زيدا واثق».
واذا خففت «أن» مفتوحة الهمزة بقيت على ما كان لها من العمل من نصب اسمها، ورفع خبرها، وقد اختلف النحاة في اسم «أن» المخففة:
فذهب جمهور النحاة الى أن اسمها يجب أن يكون محذوفا.
وذهب بعضهم الى أن اسمها يكون محذوفا بشرط أن يكون ضمير الشأن.
وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، كقول الشاعر:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق
المعنى: يقول رجل لزوجه: لو أنك سألتني إخلاء سبيلك قبل أحكام عقد النكاح بيننا لم أمتنع من ذلك، ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لي وخص يوم الرخاء لأن الانسان قد يعز عليه أن يفارق أحبابه في يوم الكرب والشدة.
ومحل الشاهد في هذا البيت قول الشاعر: «أنك» حيث خفف «أن» المفتوحة الهمزة، وبرز اسمها وهو «الكاف» وذلك قليل.
واعلم أن الاسم اذا كان محذوفا سواء أكان ضمير شأن أم كان غيره فان الخبر يجب أن يكون جملة يشير الى ذلك قول ابن مالك:
وان تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن
وأما اذا كان الاسم مذكورا (1) ... كما في الشاهد المتقدم، فانه لا
__________
(1) يذكر اسم «أن» المخففة شذوذا(2/182)
يجب في الخبر أن يكون جملة بل قد يكون جملة كما في البيت المتقدم، وقد يكون مفردا وقد اجتمع مع ذكر الاسم كون الخبر مفردا، وكونه جملة، في قول «جنوب بنت العجلان» ترثي أخاها «عمرو بن العجلان»:
لقد علم الضيف والمرسلون ... اذا أغبر أفق وهبت شمالا
بأنك ربيع وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الشمالا
حيث خففت «أن» وذكر اسمها مرتين، وخبرها في المرة الأولى مفرد وذلك قولها «بأنك ربيع» وخبرها في المرة الثانية جملة، وذلك قولها «وأنك تكون الثمالا» (1).
«أن لعنة» من قوله تعالى: {أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (2).
قرأ «نافع، وأبو عمرو، وعاصم، ويعقوب، وقنبل، في أحد وجهيه»، «أن» باسكان النون مخففة، ورفع «لعنة» على أن «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، «ولعنة» مبتدأ، ولفظ الجلالة مضاف اليه، «وعلى الظالمين» متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره خبر «أن» المخففة.
وقرأ الباقون «أن» بتشديد النون، ونصب «لعنة» وهو الوجه الثاني «لقنبل».
ووجه هذه القراءة أن «لعنة» اسم «أن» المشددة، ولفظ الجلالة مضاف اليه «وعلى الظالمين» متعلق بمحذوف في محل رفع خبر «أن» المشددة (3).
__________
(1) انظر: شرح ابن عقيل على الألفية ج 1ص 383فما بعدها.
(2) الأعراف آية 44.
(3) قال ابن الجزري:
أن خف نل حما زهر ... خلف اتل لعنة لهم
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 74. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 463. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 239.(2/183)
«أن لعنة اللََّه عليه» من قوله تعالى: والخامسة أن لعنت الله عليه (1).
قرأ «نافع، ويعقوب» «أن» باسكان النون، مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و «لعنة» بالرفع مبتدأ، والجار والمجرور بعده خبر، والجملة خبر «أن» المخففة.
وقرأ الباقون «أن» بتشديد النون، و «لعنة» بالنصب على أنها اسم «أن» والجار والمجرور بعده خبر «أن» المشددة (2).
«أن غضب اللََّه» من قوله تعالى: {وَالْخََامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللََّهِ عَلَيْهََا} (3).
قرأ «نافع» «أن» بتخفيف النون، على أنها مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، و «غضب» بكسر الضاد، وفتح الباء، على أنه فعل ماض، و «اللََّه» بالرفع فاعل «غضب» والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر «أن» المخففة.
وقرأ «يعقوب» «أن» بتخفيف النون أيضا، واسمها ضمير الشأن، و «غضب» بفتح الضاد، ورفع الباء من «غضب» على أنه مبتدأ، و «اللََّه» بالخفض مضاف اليه و «عليها» في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر «أن» المخففة.
وقرأ الباقون «أن» بتشديد النون، و «غضب» بفتح الضاد، ونصب
__________
(1) سورة النور آية 7.
(2) قال ابن الجزري: أن خفف معا لعنة ظن اذ انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 210. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 69. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 134.
(3) سورة النور آية 9(2/184)
الباء اسم «أن» المشددة و «اللََّه» بالخفض مضاف اليه، و «عليها» في محل رفع خبر «أن» المشددة (1).
* وأما ورود «لكن» بتشديد النون وتخفيفها في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمات الآتية:
«ولكن» من قوله تعالى: {وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} (2).
ومن قوله تعالى: {وَلََكِنَّ اللََّهَ قَتَلَهُمْ وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} (3).
قرأ «ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «ولكن» بتخفيف النون وإسكانها ثم كسرها تخلصا من التقاء الساكنين ورفع الاسم الذي بعدها، وذلك على أن «لكن» مخففة لا عمل لها، وهي حرف ابتداء.
ونقل عن «يونس بن حبيب» ت 182هـ. و «سعيد بن مسعدة» المعروف بالأخفش الأوسط ت 215هـ جواز أعمال «لكن» اذا خففت، والصحيح المنع (4).
وقرأ الباقون «ولكن» بتشديد النون وفتحها، ونصب الاسم الذي
__________
(1) قال ابن الجزري:
أن خفف معا لعنة ظن ... اذ غضب الحضرمي والضاد اكسرن
واللََّه رفع الخفض أصل انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 210. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 70.
(2) سورة البقرة آية 102.
(3) سورة الأنفال آية 17.
(4) انظر: مغني اللبيب لابن هشام ص 385.(2/185)
بعدها، وذلك على إعمالها عمل «أن» مشددة النون فتنصب الاسم وترفع الخبر (1).
واعلم أن «لكن» مشددة النون حرف ينصب الاسم، ويرفع الخبر.
قال «ابن مالك» ت 672. هـ:
لأن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل
وفي معنى «لكن» ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو المشهور: «الاستدراك».
وفسر بأن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها، نحو: «ما هذا ساكن لكنه متحرك».
أو ضد له، نحو: «ما هذا أبيض لكنه أسود».
والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك، وتارة للتوكيد، قاله جماعة منهم «ضياء الدين الإشبيلي» صاحب البسيط.
وفسروا الاستدراك: برفع ما يتوهم ثبوته نحو قولك: «ما زيد شجاع لكنه كريم» لأن الشجاعة، والكرم لا يكادان يفترقان، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر.
ومثلوا للتوكيد بنحو: «لو جاءني زيد أكرمته لكنه لم يجيء» فأكدت ما أفادته «لو» من الامتناع.
__________
(1) قال ابن الجزري:
ولكن الخف وبعد ارفعه مع ... أولى الأنفال كم فتى رفع
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 413. والمستنير في تخريج القراءات.
والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 256. وتفسير البحر المحيط ج 1ص 327.(2/186)
والثالث: أنها للتوكيد دائما مثل «ان» مشددة النون.
ويصحب التوكيد معنى الاستدراك وهو قول «ابن عصفور» ت 663هـ (1).
حيث قال في «المقرب»: «ان، وأن ولكن» معناها التوكيد ثم قال في الشرح: معنى «لكن» التوكيد، وتعطي مع ذلك «الاستدراك». أهـ. وقال «البصريون»: ان «لكن» بسيطة.
وقال جمهور الكوفيين: هي مركبة من: «لا»، «وان» «والكاف» الزائدة، لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفا» أهـ (2).
«ولكن البر» من قوله تعالى: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3).
ومن قوله تعالى: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ََ} (4).
قرأ «نافع، وابن عامر» «ولكن البر» في الموضعين بتخفيف النون وإسكانها، وكسرها، تخلصا من التقاء الساكنين، ورفع الراء من «البر» وذلك على أن «ولكن» مخففة لا عمل لها.
__________
(1) هو: علي بن مؤمن بن محمد الحضرمي، الاشبيلي، وعرف بابن عصفور، فقيه، نحوي، صرفي لغوي، مؤرخ، شاعر له عدة مصنفات منها: الممتع في التصريف، وشرح المقدمة الجزولية في النحو لم يكمل، وشرح ديوان المتنبي، وشرح المعرب في النحو لم يتم، وشرح الجمل في النحو للزجاجي، توفي بتونس عام 663هـ 1265م.
انظر: ترجمته في معجم المؤلفين ج 7ص 251.
(2) انظر: مغنى اللبيب ص 384383.
(3) سورة البقرة آية 177.
(4) سورة البقرة آية 189.(2/187)
وقرأ الباقون «ولكن» بتشديد النون وفتحها ونصب الراء من «البر» وذلك على إعمالها عمل «ان» فتنصب الاسم وترفع الخبر (1).
«تنبيه» تقدم الكلام على «لكن» المشددة والمخففة أثناء توجيه قوله تعالى: {وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} (2).
«لكن» من قوله تعالى: {لََكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنََّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} (3).
ومن قوله تعالى: {لََكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهََا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} (4).
قرأ «أبو جعفر» «لكن» في الموضعين بنون مفتوحة مشددة على أن «لكن» عاملة عمل «ان» «والذين» اسمها.
وقرأ الباقون «لكن» في الموضعين أيضا بنون ساكنة مخففة مع تحريكها وصلا بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين على أن «لكن» مخففة مهملة لا عمل لها، والذين مبتدأ (5).
__________
(1) قال ابن الجزري: والبر من كم أم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 413. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 82. واتحاف فضلاء البشر ص 144. والمستنير في تخريج القراءات ج 1ص 7
(2) سورة البقرة آية 102.
(3) سورة آل عمران آية 197.
(4) سورة الزمر آية 20.
(5) قال ابن الجزري: وثمر شدد لكن الذين كالزمر.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 24. والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 149. واتحاف فضلاء البشر ص 184.(2/188)
«ولكن الناس» من قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ النََّاسَ شَيْئاً وَلََكِنَّ النََّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (1).
قرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «ولكن» بتخفيف النون واسكانها ثم كسرها تخلصا من التقاء الساكنين وذلك على أن «ولكن» مهمل لا عمل لها و «الناس» بالرفع مبتدأ، و «يظلمون» خبر و «أنفسهم» مفعول «يظلمون».
وقرأ الباقون «ولكن» بتشديد النون، و «الناس» بالنصب اسم «ولكن» و «يظلمون» خبرها (2).
* وأما ورود «اللام» على أنها لام كي ولام الأمر في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمات الآتية:
«وليحكم» من قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فِيهِ} (3).
قرأ «حمزة» «وليحكم» بكسر اللام، ونصب الميم، وذلك على أن «اللام» لام «كي» و «يحكم» فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي.
وقرأ الباقون «وليحكم» بسكون اللام وجزم الميم، على أن «اللام» لام الأمر، وسكنت تخفيفا حيث أصلها الكسر (4).
__________
(1) سورة يونس آية 44.
(2) قال ابن الجزري:
ولكن الخف وبعد ارفعه مع ... أولى الأنفال كم فتى دفع
ولكن الناس شفا انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 413. والمستنير في تخريج القراءات ج 1ص 292. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 298.
(3) سورة المائدة آية 47.
(4) قال ابن الجزري: وليحكم اكسر وانصبا محركا ف ق.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 41. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 410. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 188.(2/189)
«ولتصنع» من قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} (1).
قرأ «أبو جعفر» «ولتصنع» بسكون اللام وجزم العين على أن اللام للأمر، والفعل مجزوم بها، وحينئذ يجب ادغام عين «ولتصنع» في عين «على» لأن أول المثلين ساكن والثانية متحرك.
وقرأ الباقون «ولتصنع» بكسر اللام ونصب العين، على أن اللام لام كي، والفعل منصوب بأن مضمرة.
ومعنى «ولتصنع على عيني» أي «لتربي يا موسى على رعايتي وحفظي لك» (2).
«وليتمتعوا» من قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمََا آتَيْنََاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا} (3).
قرأ «قالون، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «وليتمتعوا» باسكان اللام، على أنها لام الأمر، وفي الكلام معنى التهديد والوعيد.
وقرأ الباقون بكسر اللام، على أنها لام كي (4).
* وأما ورود «اللام» على أنها الفارقة ولام الجحود في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمة الآتية فقط:
__________
(1) سورة طه آية 39.
(2) قال ابن الجزري:
ولتصنع سكنا ... كسرا ونصبا ثق
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 181. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 16.
(3) سورة العنكبوت آية 66.
(4) قال ابن الجزري: وسكن كسرول شفا بلى دم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 240. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 125. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 181.(2/190)
«لتزول» من قوله تعالى: {وَإِنْ كََانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبََالُ} (1).
قرأ «الكسائي» «لتزول» بفتح اللام الأولى، ورفع الثانية، على أن «ان» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، أي «وانه» واللام الأولى هي الفارقة بين «ان» المخففة، والنافية، والفعل مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، و «منه» متعلق ب «لتزول» و «الجبال» فاعل، وجملة «لتزول منه الجبال» في محل نصب خبر «كان» والجملة من «كان» واسمها وخبرها في محل رفع خبر «ان» المخففة من الثقيلة.
وقرأ الباقون «لتزول» بكسر اللام الأولى، ونصب الثانية، على أن «ان» نافية بمعنى «ما» واللام لام الجحود، والفعل منصوب بعدها «بأن» مضمرة (2).
يقال: زال الشيء يزول، زوالا: فارق طريقته جانحا عنه.
والزوال، يقال في شيء قد كان ثابتا قبل (3).
وأما ورود «اللام» على أنها للجر وللابتداء في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمة الآتية فقط:
«لما» من قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ النَّبِيِّينَ لَمََا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتََابٍ وَحِكْمَةٍ} (4).
__________
(1) سورة إبراهيم آية 46.
(2) قال ابن الجزري: وافتح لتزول ارفع رما انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 137. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 2827. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 359.
(3) انظر: المفردات في غريب القرآن مادة «زال» ص 217.
(4) سورة آل عمران آية 81.(2/191)
قرأ «حمزة» «لما» بكسر اللام، على أنها لام الجر متعلقة «بأخذ» وما مصدرية، والتقدير: اذكر يا محمد وقت أن أخذ اللََّه الميثاق على الأنبياء السابقين، لايتائه إياهم الكتاب والحكمة الخ.
وقرأ الباقون «لما» بفتح اللام، على أنها لام الابتداء وما موصولة والعائد محذوف، والتقدير: اذكر يا محمد وقت أن أخذ اللََّه الميثاق على الأنبياء السابقين للذي آتاهم من كتاب وحكمة الخ (1).
* وأما ورود «الفاء» على أنها للسببية ولمجرد العطف في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمات الآتية:
«فيكون» اختلف القراء في لفظ «فيكون» الذي قبله «كن» المسبوقة «بانما» حيث وقع في القرآن الكريم، وهو في ستة مواضع:
الأول: {وَإِذََا قَضى ََ أَمْراً فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2).
والثاني: {إِذََا قَضى ََ أَمْراً فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3).
والثالث: {إِنَّمََا قَوْلُنََا لِشَيْءٍ إِذََا أَرَدْنََاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (4).
والرابع: {فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللََّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} (5).
والخامس: {إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (6).
__________
(1) قال ابن الجزري: لما فاكسر فدا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 10. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 351. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 129. وحجة القراءات ص 168.
(2) سورة البقرة آية 117.
(3) سورة آل عمران آية 47.
(4) سورة النحل آية 40.
(5) سورة مريم آية 3635.
(6) سورة يس آية 82.(2/192)
والسادس: {فَإِذََا قَضى ََ أَمْراً فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (1).
قرأ «ابن عامر» بنصب نون «فيكون» في المواضع الستة.
وواقفه «الكسائي» على نصب النون في موضعي: النحل ويس.
ووجه النصب أنه على تقدير اضمار «أن» بعد الفاء الواقعة بعد حصر «بانما».
قال «الأشموني»: قد تضمر «أن» بعد الفاء الواقعة بعد حصر بانما اختيارا نحو: «اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون» في قراءة من نصب» أهـ (2).
فان قيل: لماذا لا يكون وجه النصب على تقدير إضمار «أن» بعد الفاء المسبوقة بلفظ الأمر وهو «كن»؟
أقول: لأن «كن» ليس بأمر، انما معناه الخبر، اذ ليس ثم مأمور يكون «كن» أمرا له.
والمعنى: فانما يقول: كن فيكون فهو يكون، ويدل على أن «فيكون» ليس بجواب «لكن» أن الجواب بالقاء مضارع به الشرط، والى معناه يؤول في التقدير، فاذا قلت: اذهب فأكرمك، فمعناه:
ان تذهب فأكرمك.
ولا يجوز أن تقول: اذهب فتذهب، لأن المعنى يصير: «ان تذهب تذهب وهذا لا معنى له وكذلك «كن فيكون» يؤول معناه اذا جعلت «فيكون» جوابا أن تقول له: «أن يكون فيكون» ولا معنى لهذا، لأنه قد اتفق فيه الفاعلان، لأن الضمير الذي في «كن» وفي «يكون» «الشيء» ولو اختلفا لجاز، كقولك: «اخرج فأحسن اليك»، أي
__________
(1) سورة غافر آية 68.
(2) انظر: شرح الأشموني على الألفية ج 3ص 229.(2/193)
ان تخرج أحسنت اليك، ولو قلت: «قم فتقوم» لم يحسن، اذ لا فائدة فيه، لأن الفاعلين واحد، ويصير التقدير: «ان تقم تقم» فالنصب في هذا على الجواب بعيد عن المعنى.
وقال «الصبان»: «انما لم يجعل منصوبا في جواب «كن» لأنه ليس هناك قول «كن» حقيقة، بل هو كناية عن تعلق القدرة تنجيزا بوجود الشيء، ولما سيأتي عن «ابن هشام» من أنه لا يجوز توافق الجواب والمجاب في الفعل والفاعل، بل لا بد من اختلافهما فيهما أو في أحدهما، فلا يقال: «قم تقم».
وبعضهم جعله منصوبا في جوابه نظرا الى وجود الصيغة في هذه الصورة، ويرده ما ذكرناه عن «ابن هشام» أهـ (1).
وقرأ الباقون بالرفع في «فيكون» في المواضع الست، وذلك على الاستئناف، والتقدير: «فهو يكون» (2).
تنبيه: «فيكون» من قوله تعالى: {ثُمَّ قََالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (3).
ومن قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} (4).
__________
(1) انظر: حاشية الصبان على الأشموني ج 3ص 229.
(2) قال ابن الجزري:
كن فيكون فانصبا ... رفعا سوى الحق وقوله كبا
والنحل مع يس رد كم انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 415. والحجة في القراءات السبع ص 88. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 261. وتفسير البحر المحيط ج 1 ص 366.
(3) سورة آل عمران آية 6059.
(4) سورة الانعام آية 73.(2/194)
اتفق القراء العشرة على رفع النون من «فيكون» في هذين الموضعين، وذلك لأنه لم يسبق «بانما».
واعلم أن الفعل المضارع ينصب «بأن» المضمرة وجوبا بعد «فاء» السببية، اذا كانت مسبوقة بنفي، وطلب محضين.
قال «ابن مالك» ت 672هـ (1).
وبعد فالجواب نفي أو طلب ... محضين أن وسترها حتم نصب
فمثال النفي المحض قوله تعالى: {لََا يُقْضى ََ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (2).
ومعنى كون النفي محضا: أن يكون خالصا من معنى الاثبات فان لم يكن خالصا منه وجب رفع الفعل الذي بعد «الفاء» نحو قولك: «ما أنت الا تأتينا فتحدثنا» وذلك لانتقاض النفي «بالا».
واعلم ان الطلب المحض يشمل: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتمني:
فمثال الأمر قول «أبي النجم الفضل بن قدامة العجلي» ت 130هـ:
يا ناق سيري عنقا فسيحا ... الى سليمان فنستريحا
الشاهد في قوله: «فنستريحا» حيث نصب الفعل المضارع «بأن» مضمرة وجوبا بعد فاء السببية في جواب الأمر.
__________
(1) هو: محمد بن عبد اللََّه بن مالك الطائي، الأندلسي «جمال الدين» نحوي، لغوي، مقرئ، مشارك في الفقه، والأصول، والحديث، وغيرها، رحل الى المشرق فأقام بحلب مدة، ثم بدمشق، له عدة مصنفات منها: اكمال الاعلام بمثلث الكلام، الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، في النحو، توفي بدمشق عام 672هـ 1274م:
انظر: ترجمته في معجم المؤلفين ج 10ص 234.
(2) سورة فاطر آية 36.(2/195)
ومثال النهي قوله تعالى: {وَلََا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (1).
ومثال الاستفهام قوله تعالى: {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ فَيَشْفَعُوا لَنََا} (2).
وبقية الأمثلة لا تخفى.
ومعنى أن يكون الطلب محضا: أن لا يكون مدلولا عليه باسم فعل، ولا بلفظ الخبر، فان كان مدلولا عليه بأحد هذين المذكورين، وجب رفع ما بعد الفاء، نحو قولك: «صه فأحسن اليك» برفع النون من «فأحسن» ونحو قولك: «وحسبك الحديث فينام الناس» برفع الميم من «فينام» (3).
واعلم ان «الفاء» المفردة، حرف مهمل، خلافا لبعض الكوفيين في قولهم: انها تنصب المضارع في نحو: «ما تأتينا فتحدثنا» (4).
وترد على وجهين:
الوجه الأول: أن تكون عاطفة، وتفيد ثلاثة أمور: أحدها: الترتيب، نحو قوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى ََ أَكْبَرَ مِنْ ذََلِكَ فَقََالُوا أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً} (5).
والثاني: التعقيب، وهو في كل شيء بحسبه، نحو قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} (6)
__________
(1) سورة طه آية 81.
(2) سورة الأعراف آية 53.
(3) انظر: شرح ابن عقيل على الألفية ج 4ص 14.
(4) انظر: مغني اللبيب ص 213.
(5) سورة النساء آية 153.
(6) سورة الحج آية 63.(2/196)
وقيل: «الفاء» في هذه الآية للسببية وفاء السببية لا تستلزم التعقيب.
والثالث: السببية، وذلك غالب في العاطفة جملة، أو صفة، فالأول:
نحو قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ} (1).
«وأما الصفة فنحو قوله تعالى: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمََالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشََارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} (2).
والوجه الثاني من أوجه الفاء: أن تكون رابطة للجواب، وذلك حيث لا يصلح لأن يكون شرطا، وهو منحصر في عدة مسائل:
إحداها: أن يكون الجواب جملة اسمية، نحو قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبََادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3).
والثانية: أن يكون الجواب جملة فعلية فعلها جامد، نحو قوله تعالى:
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً * فَعَسى ََ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ} (4).
والثالثة: أن يكون فعلها انشائيا، نحو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} (5).
والرابعة: أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى، نحو قوله تعالى:
{قََالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (6).
__________
(1) سورة القصص آية 15.
(2) سورة الواقعة آية 5452.
(3) سورة المائدة آية 118.
(4) سورة الكهف آية 4039.
(5) سورة آل عمران آية 31.
(6) سورة يوسف آية 77.(2/197)
والخامسة: أن تقترن بحرف استقبال، نحو قوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (1).
«فأطلع» من قوله تعالى: {فَأَطَّلِعَ إِلى ََ إِلََهِ مُوسى ََ} (2).
قرأ «حفص» «فأطلع» بالنصب، على أنه منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية، لأنها مسبوقة بالترجي وهو «لعلي» في قوله تعالى:
{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ} (3).
والمعنى: اذا بلغت الأسباب اطلعت، كما تقول: «لا تقع في الماء فتسبح» معناه على النصب: ان وقعت في الماء سبحت، ومعناه على الرفع: لا تقع في الماء، ولا تسبح.
وقرأ الباقون «فاطلع» بالرفع، عطفا على «أبلغ».
والتقدير: لعلي أبلغ الأسباب، ولعلي أطلع الى اله موسى كأنه توقع الأمرين على ظنه (4).
«فيضاعفه» من قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضََاعِفَهُ لَهُ أَضْعََافاً كَثِيرَةً} (5).
ومن قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضََاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (6).
__________
(1) سورة المائدة آية 55.
(2) سورة غافر آية 37.
(3) سورة غافر آية 36.
(4) قال ابن الجزري: أطلع ارفع غير حفص.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 285. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 198. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 244.
(5) سورة البقرة آية 245.
(6) سورة الحديد آية 11.(2/198)
قرأ «نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «فيضاعفه» بتخفيف العين، والف قبلها مع رفع الفاء، على الاستئناف، أي فهو يضاعفه.
وقرأ «ابن كثير، وأبو جعفر» «فيضعفه» بتشديد العين، وحذف الألف مع رفع الفاء، على الاستئناف أيضا.
وقرأ «ابن عامر، ويعقوب» «فيضعفه» بتشديد العين وحذف الألف مع نصب الفاء.
وقرأ «عاصم» «فيضاعفه» بتخفيف العين وألف قبلها مع نصب الفاء.
وتوجيه قراءات النصب أن الفعل منصوب بأن مضمرة بعد الفاء لوقوعها بعد الاستفهام.
ووجه التشديد في العين أنه مضارع «ضعف» ووجه التخفيف أنه مضارع «ضاعف» (1).
«فتنفعه» من قوله تعالى: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ََ} (2).
قرأ «عاصم» «فتنفعه» بنصب العين، وهو منصوب بأن مضمرة بعد الفاء، لوقوعها في جواب الترجي، من قوله تعالى: {وَمََا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكََّى} (3).
__________
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 433. والمستنير في تخريج القراءات ج 1ص 70. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 300. وحجة القراءات ص 138. واتحاف فضلاء البشر ص 159. قال ابن الجزري:
وارفع شفا حرم حلا يضاعفه معا ... ونقله وبابه ثوى كس دن
(2) سورة عبس آية
(3) سورة عبس آية 3.(2/199)
وقرأ الباقون «فتنفعه» برفع العين، عطفا على «يزكى، أو يذكر» (1).
* وأما ورود «حتى» ناصبة ومهملة في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمة الآتية فقط:
«يقول» من قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ} (2).
قرأ «نافع» «يقول» برفع اللام على أنه فعل ماض بالنسبة الى زمن الاخبار أو حال باعتبار الحال الماضية التي كان عليها الرسول صلى اللََّه عليه وآله وسلم فلم نعمل فيه حتى.
وقرأ الباقون «يقول» بنصب اللام، والتقدير: الى أن يقول الرسول، فهو غاية، والفعل هنا مستقبل حكيت به حالهم (3).
قال «ابن مالك» ت 276هـ:
وتلو حتى حالا أو مؤولا ... به ارفعن
وقال «ابن هشام» ت 761هـ (4):
__________
(1) قال ابن الجزري: فتنفع انصب الرفع نوى.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 358. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 323. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 362.
(2) سورة البقرة آية 214.
(3) قال ابن الجزري يقول ارفع ألا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 429. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 89.
(4) هو: عبد اللََّه بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري، النحوي، مشارك في المعاني، والبيان، والعروض، والفقه، وغير ذلك، له عدة مصنفات منها: شرح الشافية، وشرح الجامع الصغير، ومغني اللبيب، وقطر الندى وشرحه، توفي بمصر عام 761هـ 1360م:
انظر: ترجمته في معجم المؤلفين ج 6ص 164.(2/200)
وأما رفع الفعل بعد حتى فله ثلاثة شروط:
الأول: كونه مسببا عما قبلها، ولهذا امتنع الرفع في نحو: «سرت حتى تطلع الشمس» لأن السير لا يكون سببا لطلوعها.
الثاني: أن زمن الفعل الحال لا الاستقبال، على العكس من شرط النصب، الا أن الحال تارة يكون تحقيقا، وتارة يكون تقديرا:
فالأول: كقولك: «سرت حتى أدخلها» برفع اللام، اذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول.
والثاني: كالمثال المذكور اذا كان السير والدخول قد مضيا، ولكنك أردت حكاية الحال، وعلى هذا جاء الرفع في قوله تعالى: {حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (1).
لأن الزلزال، والقول قد مضيا.
والثالث: أن يكون ما قبلها تاما، ولهذا امتنع الرفع في نحو:
«كان سيري حتى أدخلها» اذا حملت «كان» على النقصان دون التمام» أهـ (2).
وقال «ابن مالك»:
وبعد حتى هكذا اضمار أن ... حتم كجد حتى تسر ذا حزن
فأما نصب الفعل بعد حتى فشرطه كون الفعل مستقبلا بالنسبة الى ما قبلها، سواء كان مستقبلا بالنسبة الى زمن التكلم أو لا:
فالأول: كقوله تعالى:
__________
(1) سورة البقرة آية 214.
(2) انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 68(2/201)
{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عََاكِفِينَ حَتََّى يَرْجِعَ إِلَيْنََا مُوسى ََ} (1) فان رجوع «موسى» عليه السلام مستقبل بالنسبة الى الأمرين جميعا.
والثاني: كقوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ} (2).
لأن قول الرسول وان كان ماضيا بالنسبة الى زمن الإخبار، الا أنه مستقبل بالنسبة الى زلزالهم.
ثم قال:
«ولحتى» التي ينتصب بها الفعل معنيان:
1 - فتارة تكون بمعنى «كي» وذلك اذا كان ما قبلها علة لما بعدها، نحو: «أسلم حتى تدخل الجنة».
2 - وتارة تكون بمعنى «الى» وذلك اذا كان ما بعدها غاية لما قبلها كقوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عََاكِفِينَ حَتََّى يَرْجِعَ إِلَيْنََا مُوسى ََ} (3).
ثم قال: والنصب في هذه المواضع وما أشبهها بان مضمرة بعد «حتى» حتما لا بحتى نفسها، خلافا للكوفيين، لأنها قد عملت في الأسماء الجر، كقوله تعالى: {حَتََّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (4) فلو عملت في الأفعال النصب لزم أن يكون لنا عامل واحد، يعمل تارة في الأسماء، وتارة في الأفعال، وهذا لا نظير له في العربية» أهـ (5).
__________
(1) سورة طه آية 91.
(2) سورة البقرة آية 214.
(3) سورة طه آية 91.
(4) سورة القدر آية 5.
(5) انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 6867.(2/202)
وأما ورود «لا» النافية للجنس وللوحدة في أسلوب واحد، فانه يتمثل فيما يلي:
{فَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} {لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} حيث وقعا في القرآن.
وكذا: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} (1).
وكذا: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خُلَّةٌ وَلََا شَفََاعَةٌ} (2).
وكذا: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ} (3).
وكذا: {لََا لَغْوٌ فِيهََا وَلََا تَأْثِيمٌ} (4).
قرأ «يعقوب» «لا خوف عليهم»، وكذا «خوف عليكم» حيث وقعا في القرآن بفتح الفاء، وحذف التنوين، على أن «لا» نافية للجنس تعمل عمل «ان» تنصب الاسم وترفع الخبر.
وقرأ باقي القراء العشرة بالرفع، والتنوين، على أن «لا» نافية للوحدة، لا عمل لها.
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو وأبو جعفر، ويعقوب» «فلا رفث ولا فسوق» بالرفع، والتنوين، وكذلك قرأ «أبو جعفر» «ولا جدال».
وقرأ الباقون الألفاظ الثلاثة بالفتح من غير تنوين.
وكذا قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب» «لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة» وكذا «لا بيع فيه ولا خلال» وكذا «لا لغو فيها ولا تأثيم».
__________
(1) سورة البقرة آية 97.
(2) سورة البقرة آية 254.
(3) سورة إبراهيم آية 31.
(4) سورة الطور آية 23.(2/203)
وقرأ الباقون بالرفع، والتنوين في الكلمات السبع (1).
واعلم أن «لا» تأتي على عدة أوجه أذكر منها ما يلي:
الوجه الأول: تكون عاملة عمل «ان» مكسورة الهمزة، مشددة النون، فتنصب الاسم وترفع الخبر، وذلك اذا أريد بها نفي الجنس، على سبيل التنصيص، وتسمى حينئذ «لا» النافية للجنس.
وانما يظهر نصب اسمها اذا كان خافضا لما بعده، نحو قول «أبي الطيب المتنبي» ت 354هـ (2).
فلا ثوب مجد غير ثوب ابن أحمد ... على أحد الا بلؤم مرفع
أو رافعا لما بعده، نحو قولك: «لا حسنا فعله مذموم» أو ناصبا لما بعده، نحو قول «أبي الطيب المتنبي»:
قفا قليلا بها علي فلا ... أقل من نظرة أزودها (3)
وذلك على رواية «أقل» بالنصب.
قال «ابن مالك» ت 672هـ:
__________
(1) قال ابن الحزري:
رفث لا نسوق ثق حق ولا ... جدال ثبت بيع
خلة ولا شفاعة لا بيع ولا خلال لا ... تأثيم لا لغو مدا كنز
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 399. واتحاف فضلاء البشر ص 134.
(2) هو أحمد بن الحسين بن الحسن «الكوفي» المعروف بالمتنبي «أبو الطيب» شاعر، حكيم، ولد بالكوفة، ونشأ بالشام، فأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب، وعلم العربية، وفاق أهل عصره في الشعر، واتصل «بسيف الدولة» ثم مضى الى مصر، فمدح بها «كافور الإخشيدي» من آثاره: ديوان شعره، قتل بالقرب من النعمانية في رمضان عام 354هـ: انظر ترجمته في: معجم المؤلفين ح 1ص 201.
(3) «أزورها» بالتاء للمجهول.(2/204)
عمل أن اجعل للا في نكره ... مفردة جاءتك أو مركبة فانصب بها
مضافا أو مضارعه ... وبعد ذاك اذكر رافعه
الوجه الثاني: تجزم فعلا واحدا، سواء كانت دالة على النهي نحو قوله تعالى: {وَلََا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحََابِ الْجَحِيمِ} (1).
على قراءة جزم اللام.
أو دالة على الدعاء، نحو قوله تعالى: {رَبَّنََا لََا تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْ أَخْطَأْنََا} (2).
قال «ابن مالك»:
بلا ولام طالبا ضع جزما ... في الفعل هكذا بلم ولما
الوجه الثالث: تكون عاملة عمل «ليس» فترفع الاسم وتنصب الخبر، وذلك عند «الحجازيين» دون «التميميين» ولكنها لا تعمل عند الحجازيين الا بشروط:
الشرط الأول: أن يكون الاسم والخبر نكرتين، نحو قول الشاعر:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا
الشرط الثاني: ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم، فان تقدم نحو:
«لا عندك رجل مقيم ولا امرأة» أهملت.
الشرط الثالث: ألا يتقدم خبرها على اسمها، فلا يصح نحو «لا قائما رجل».
__________
(1) سورة البقرة آية 119.
(2) سورة البقرة آية 286.(2/205)
الشرط الرابع: ألا ينتقض النفي «بالا» فلا يصح نحو: «لا رجل الا أفضل من زيد» بنصب «أفضل» بل يجب رفعه.
قال «ابن مالك»:
في النكرات أعملت كليس لا.
الوجه الرابع: من أوجه «لا»: تكون عاطفة، وذلك بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يتقدمها اثبات، نحو «جاء زيد لا عمرو».
الشرط الثاني: ألا تقترن بعاطف، فاذا قيل: «جاء زيد لا بل عمرو» فالعطف «بل» و «لا» رد لما قبلها، وليست عاطفة.
واذا قلت: «ما جاءني زيد ولا عمرو» فالعاطف «الواو» و «لا» توكيد النفي.
الشرط الثالث: أن يتعاند متعاطفاها، فلا يجوز «جاءني رجل لا زيد» لأنه يصدق على «زيد» اسم الرجل، بخلاف «جاءني» رجل لا امرأة» (1).
* وأما ورود «لا» ناهية ونافية في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمات الآتية:
«ولا تسأل» من قوله تعالى: {وَلََا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحََابِ الْجَحِيمِ} (2)
قرأ «نافع، ويعقوب» «ولا تسأل» بفتح التاء، وجزم اللام، وذلك على النهي، وظاهره أنه نهي حقيقة، حيث نهى الله سبحانه وتعالى نبيه «محمدا» صلى الله عليه وآله وسلم أن يسأل عن أحوال الكفار، لأن سياق الكلام يدل على أن ذلك قائد على اليهود، والنصارى، ومشركي العرب، الذين جحدوا نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وكفروا عنادا، وأصروا على كفرهم وكذلك
__________
(1) انظر: مغني اللبيب ص 313. فما بعدها.
(2) سورة البقرة آية 119.(2/206)
جاء بعده قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضى ََ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصََارى ََ حَتََّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (1)
وقيل: يحتمل أن لا يكون نهيا حقيقة، بل جاء ذلك على سبيل تعظيم ما وقع فيه أهل الكفر من العذاب، كما تقول: «كيف حال فلان» اذا كان قد وقع في «بلية» والعياذ بالله تعالى فيقال لك «لا تسأل عنه».
ووجه التعظيم أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما ذلك الشخص فيه لفظاعته، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره.
أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره، لإيحاشه السامع، واضجاره، فلا تسأل.
فيكون معنى التعظيم إما بالنسبة الى المجيب، وإما بالنسبة الى المجاب، ولا يراد بذلك حقيقة النهي.
وقرأ الباقون «ولا تسأل» بضم التاء، ورفع اللام، وذلك على الاستئناف، والمعنى على ذلك: أنك لا تسأل عن الكفار ما لهم لم يؤمنوا، لأن ذلك ليس اليك، إن عليك الا البلاغ، انك لا تهدي من أحببت، انما أنت منذر، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وآله وسلم وتخفيف ما كان يجده من عنادهم فكأنه قيل: لست مسئولا عنهم فلا يحزنك كفرهم، وفي ذلك دليل على أن أحدا لا يسأل عن ذنب أحد، ولا تزر وازرة وزر أخرى (2).
__________
(1) سورة البقرة آية 120.
(2) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 416.
والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 262. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 71. وحجة القراءات لابن زنجلة ص 111. والحجة في القراءات لابن خالويه ص 87. وتفسير البحر المحيط ج 1ص 367.(2/207)
قال ابن الجزري: تسأل للضم فافتح واجزم ان ظللوا.
«السؤال»: استدعاء معرفة، أو ما يؤدي الى المال:
واستدعاء مال، أو ما يؤدي الى المال:
فاستدعاء المعرفة: جوابه على اللسان، واليد خليفة له بالكناية، أو الاشارة.
واستدعاء المال: جوابه على اليد، واللسان خليفة لها، اما بوعد، أو برد.
فان قيل: كيف يصح أن يقال: السؤال يكون للمعرفة، ومعلوم أن الله تعالى يسأل عبادة، نحو قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ مِنْ دُونِ اللََّهِ} (1).
قيل: ان ذلك سؤال لتعريف القوم وتبكيتهم لا لتعريف الله تعالى، فانه علام الغيوب.
والسؤال للمعرفة يكون تارة للاستعلام وتارة للتبكيت نحو قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (2).
والسؤال اذا كان للتعريف تعدى الى المفعول الثاني تارة بنفسه، نحو قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللََّهُ} (3).
وتارة بالجار، نحو قوله تعالى: {وَإِذََا سَأَلَكَ عِبََادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} (4).
__________
(1) سورة المائدة آية 116.
(2) سورة التكوير آية 98.
(3) سورة العنكبوت آية 29.
(4) سورة البقرة آية 186.(2/208)
واذ كان السؤال لاستدعاء مال فانه يتعدى بنفسه نحو قوله تعالى: {وَسْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مََا أَنْفَقُوا} (1)
قال «ابن بري» ت 582هـ: (2)
«سألته الشيء بمعنى استعطيته إياه وسألته عن الشيء استخبرته» أهـ (3)
«لا تضار» من قوله تعالى: {لََا تُضَارَّ وََالِدَةٌ بِوَلَدِهََا} (4)
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب» «لا تضار» برفع الراء مشددة، على أنه فعل مضارع من «ضار» مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، ولا نافية ومعناها النهي للمشاكلة.
وقرأ «أبو جعفر» بخلف عنه بسكون الراء مخففة، على أنه مضار من «ضار يضير» ولا ناهية والفعل مجزوم بها.
وقرأ الباقون بفتح الراء مشددة، وهو الوجه الثاني لأبي جعفر، على أنه فعل مضارع من «ضار» ولا ناهية والفعل مجزوم بها ثم تحركت الراء الأخيرة تخليصا من التقاء الساكنين على غير قياس، لأن الأصل
__________
(1) سورة الممتحنة آية 10.
(2) هو عبد الله بن بري عبد الجبار بن بري المقدسي، المصري، الشافعي «أبو محمد» نحوي، لغوي، ولد بمصر، في رجب، وبها نشأ، وقرأ الأدب، وانتفع به خلق كثير، له عدة مصنفات منها:
النبيه والايضاح عما وقع في كتاب الصحاح، وغلط الضعفاء من أهل الفقه، وحواش على درة الغواص في أوهام الخواص للحريري، وحاشية على المعرب للجواليقي. وتوفي بمصر عام 582هـ 1186م: انظر: معجم المؤلفين ح 6ص 37.
(3) انظر: تاج العروس ح 7ص 365.
(4) سورة البقرة آية 233(2/209)
في التخلص من الساكنين أن يكون للحرف الأول وكانت فتحة لحفظها (1)
«ولا يشرك» من قوله تعالى: {وَلََا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} (2)
قرأ «ابن عامر» «ولا تشرك» بتاء الخطاب وجزم الكاف على أن «لا» ناهية والنهي موجه الى كل مكلف شرعا، والمنهي عنه:
الاشراك بالله تعالى.
والمعنى: قل يا «محمد»: الله أعلم بالمدة التي لبثها أهل الكهف في نومهم وقل: لا تشرك أيها الانسان المكلف في حكم ربك أحدا لأن الشرك من أكبر الكبائر.
وفي الكلام التفات من الغيبة الى الخطاب لأن سياق الكلام للغيبة.
وقرأ الباقون «ولا يشرك» بياء الغيب ورفع الكاف، على أن «لا» نافية، وفاعل «يشرك» ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على الله تعالى المتقدم ذكره في قوله تعالى: {قُلِ اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا لَبِثُوا}.
وجاء الكلام على نسق الغيبة التي قبله في قوله تعالى: {مََا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} وأفاد نفي الشريك عن الله تعالى (3).
__________
(1) قال ابن الجزري: تضار حق رفع وسكن خفف الخلف ثدق.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 431. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 94. واتحاف فضلاء البشر ص 158.
(2) سورة الكهف آية 26.
(3) قال ابن الجزري: ولا يشرك خطاب مع جزم كملا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 160. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 58. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 397.(2/210)
«فلا تسألني» من قوله تعالى: {قََالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلََا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتََّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} (1).
قرأ «ابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر» «تسألني» بفتح اللام، وتشديد النون، على ان الفعل مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. وكسرت نون التوكيد وحقها الفتح لمجانسة الياء، وحذفت نون الوقاية لاجتماع الأمثال، واللام نافية.
وقرأ الباقون «تسألني» باسكان اللام، وتخفيف النون، على أن الفعل مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون، والنون للوقاية، والياء مفعول (2).
واتفق القراء العشرة على اثبات الياء بعد النون في الحالين، الا «ابن ذكوان» فله الاثبات والحذف في الوصل، والوقف (3).
قال «ابن الجزري»: «والحذف، والاثبات، كلاهما صحيح عن «ابن ذكوان» نصا، وأداء، ووجه الحذف حمل الرسم على الزيادة تجاوزا في حرف المد، كما قرئ «وتودا» بغير تنوين، ووقف عليه بغير ألف، وكذلك «السبيلا، والظنونا»، وغيرهما من كتب رسما وقرئ بحذفه، وليس ذلك معدودا من مخالفة الرسم» أهـ (4)
«لا تخاف» من قوله تعالى: {لََا تَخََافُ دَرَكاً وَلََا تَخْشى ََ} (5).
__________
(1) سورة الكهف آية 70
(2) قال ابن الجزري: تسألن فتح النون دم الخلف واشدد كما حرم وعم الكهف انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 165. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 67. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 405.
(3) قال ابن الجزري: وثبت تسألن في الكهف وخلف الحذف مت.
(4) انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 166.
(5) سورة طه آية 77.(2/211)
قرأ «حمزة» «لا تخف» بحذف الألف، وجزم الفاء، على أنه مجزوم في جواب الأمر وهو قوله تعالى قبل: {أَنْ أَسْرِ بِعِبََادِي}
أو {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً}.
ويجوز أن تكون «لا» ناهية، والفعل مجزوم بها، والجملة حينئذ مستأنفة.
وقرأ الباقون «لا تخاف» باثبات الألف، ورفع الفاء، على أن الجملة مستأنفة، أو حال من فاعل «اضرب» أي: فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا حالة كونك غير خائف، وحينئذ تكون «لا» نافية (1).
«فلا يخاف» من قوله تعالى: {فَلََا يَخََافُ ظُلْماً وَلََا هَضْماً} (2).
قرأ «ابن كثير» «فلا تخف» بحذف الألف التي بعد الخاء، وجزم الفاء، على أن «لا» ناهية، والفعل بعدها مجزوم بها، والجملة في محل جزم جواب الشرط وهو «من» من قوله تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ}.
وقرأ الباقون «فلا يخاف» باثبات الألف، ورفع الفاء، على أن «لا» نافية، والفعل بعدها مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، والجملة في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: فهو لا يخاف ظلما، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط (3).
__________
(1) قال ابن الجزري: ولا تخف جزما فشا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 194. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 102. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 23.
(2) سورة طه آية 112.
(3) قال ابن الجزري: يخاف فاجزم دم.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 188. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 107. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 28.(2/212)
وأما ورود «ان» شرطية و «أن» مصدرية في أسلوب واحد فانه يتمثل في قراءات الكلمتين الآتيتين فقط:
«أن تضل» من قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا} (1).
قرأ «حمزة» «ان تضل» بكسر الهمزة، على أن «ان» شرطية، و «تضل» مجزوم بها، وهي فعل الشرط، وفتحت اللام للادغام تخفيفا (2).
وقرأ الباقون «أن تضل» بفتح الهمزة، على ان «أن» مصدرية.
جاء في «المفردات»: «الضلال»: «العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده «الهداية» قال تعالى: {فَمَنِ اهْتَدى ََ فَإِنَّمََا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمََا يَضِلُّ عَلَيْهََا} (3).
ويقال: الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا (4).
واذا كان الضلال ترك الطريق المستقيم عمدا كان أو سهوا، قليلا كان أو كثيرا، صح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما، وقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا}.
أي تنسى، وذلك من النسيان الموضوع عن الانسان» أهـ (5).
وجاء في «تاج العروس»: قال «ابن الكمال» ت 702:
__________
(1) سورة البقرة آية 282.
(2) قال ابن الجزري: وكسر أن تضل فز.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 446. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 320. وحجة القراءات ص 150. والحجة في القراءات السبع ص 104.
(3) سورة يونس آية 108.
(4) انظر: المفردات في غريب القرآن مادة «ضل» ص 297.
(5) انظر: المفردات مادة «ضل» ص 298.(2/213)
«الضلال»: فقد ما يوصل الى المطلوب، وقيل: سلوك طريق لا يوصل الى المطلوب» أهـ (1).
ويقال: «ضللت» «كزللت» «تضل» «كنزل» أي بفتح العين في الماضي، وكسرها في المضارع، وهذه هي اللغة الفصيحة، لغة «نجد».
ويقال: «ضللت تضل» مثل «مللت تمل» أي بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع، وهي لغة «الحجاز، والعالية».
وروى «كراع» ت 307هـ (2) عن «بني تميم» «كسر الضاد في الأخيرة أيضا» أهـ (3).
«أن صدوكم» من قوله تعالى: {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (4).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو» «أن صدوكم» بكسر همزة «ان» على أن «أن» شرطية والصد منتظر في المستقبل، وعليه يكون المعنى:
ان وقع صد لكم عن المسجد الحرام مثل الذي فعل بكم أو لا عام الحديبية سنة ست من الهجرة فلا يحملكم بغض من صدكم على العدوان.
وقرأ الباقون بفتح همزة «أن» على أنها مصدرية، وأن وما دخلت عليه مفعول لأجله.
وعليه يكون المعنى: لا يحملنكم بغض قوم على العدول لأجل
__________
(1) انظر: تاج العروس مادة «ضل» ج 7ص 410.
(2) هو: علي بن الحسن، المعروف بكراع النمل، ويعرف بالدوسي «أبو الحسن» لغوي، من أهل مصر أخذ عن البصريين، وكان كونيا، من تصانيفه: المنضة المنضد، توفي عام 307هـ الموافق 919م: انظر ترجمته في معجم المؤلفين ح 7ص 71.
(3) انظر: تاج العروس مادة «ضل» ج 7ص 411.
(4) سورة المائدة آية 2.(2/214)
صدهم اياكم عن المسجد الحرام في الزمن الماضي لأنه وقع عام الحديبية سنة ست من الهجرة، والآية نزلت سنة ثمان من الهجرة عام الفتح (1).
جاء في «المفردات»: «الصدود، والصد» قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا، نحو قوله تعالى: {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} (2).
وقد يكون صرفا، ومنعا، نحو قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ} (3).
وقيل: «صد يصد صدودا» «وصد يصد صدا» والصد من الجبل: «ما يحول» أهـ (4).
وجاء في «تاج العروس»: «يقال: صد فلان فلانا عن كذا صدا»:
اذا منعه وصرفه عنه، قال الله تعالى: {وَصَدَّهََا مََا كََانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللََّهِ} (5) أي صدها كونها من قوم كافرين عن الايمان.
ويقال: «صد يصد ويصد» بضم الصاد وكسرها في المضارع، «صدا وصديدا»: «عج وضج» وفي التنزيل: {وَلَمََّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذََا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (6) أي يضجون ويعجون.
__________
(1) قال ابن الجزري: أن صدوكم اكسر حز دفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 39. والمهذب في القراءات العشر ح 1 179. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 405.
(2) سورة النساء آية 61.
(3) سورة «محمد» صلى الله عليه وآله وسلم آية 1.
(4) انظر: المفردات في غريب القرآن مادة «صدد» ص 27.
(5) سورة النمل آية 43.
(6) سورة الزخرف آية 57.(2/215)
وقال «الأزهري» «محمد بن حامد أبو منصور» ت 370. هـ:
يقال: صددت فلانا عن أمره أصده، صدا، تصديا، يستوي فيه لفظا الواقع، والكلام: فاذا كان المعنى: «يضج ويعج» فالوجه الجيد «صد يصد» مثل: «ضج يضج» أهـ (1).
* وأما ورود «أن» مخففة ومصدرية في أسلوب واحد فانه يتحقق في قراءات الكلمة الآتية فقط:
«تكون» من قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا} (2).
قرأ «أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «تكون» برفع النون على أن «أن» مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، أي أنه، و «لا» نافية و «تكون» تامة، و «فتنة» فاعلها، والجملة خبر «أن» وهي مفسرة لضمير الشأن، و «حسب» حينئذ لليقين لا للشك، لأن «أن» المخففة من الثقيلة لا تقع الا بعد تيقن.
والمعنى: لقد بالغ بنو اسرائيل في كفرهم وعنادهم بألوان شتى مختلفة، منها أنهم تيقنوا أن لا تحدث، ولا تقع فتنة فعموا عن رؤية الحقيقة، وصمت آذانهم عن قبول نصيحة أنبيائهم.
وقرأ الباقون «تكون» بنصب النون، على أن «أن» حرف مصدري ونصب، دخلت على فعل منفي بلا، و «حسب» حينئذ على بابها للظن، لأن «أن» الناصبة لا تقع الا بعد الظن، و «تكون» تامة أيضا،
__________
(1) انظر: تاج العروس مادة «صدد» ص 394.
(2) سورة المائدة آية 71(2/216)
و «فتنة» فاعلها، والمعنى: شك هؤلاء اليهود ألا تحدث فتنة فعموا وصموا (1).
* وأما ورود «الا» الاستثنائية عاملة وملغاة في أسلوب واحد فانه يتحقق في قراءات الكلمتين الآتيتين فقط:
«قليل» من قوله تعالى: {مََا فَعَلُوهُ إِلََّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (2).
قرأ «ابن عامر» «قليلا» بالنصب على الاستثناء، وهذه القراءة موافقة لرسم مصحف أهل الشام (3).
وقرأ الباقون «قليل» برفع اللام على أنه بدل من الواو في فعلوه، وهذه القراءة موافقة لرسم بقية المصاحف (4).
تنبيه: اذا وقع المستثنى بعد الا وكان الكلام مسبوقا بنفي، أو نهي، أو استفهام، وكان المستثنى من جنس المستثنى منه جاز في المستثنى منه النصب على الاستثناء، وجاز اتباعه لما قبله في الاعراب (5).
«الا امرأتك» من قوله تعالى: {وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} (6).
__________
(1) قال ابن الجزري: تكون أرفع حما فتى رسا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 44. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 416. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 193.
(2) سورة النساء آية 66.
(3) قال ابن عاشر: والشام ينصب قليلا منهم.
(4) قال ابن الجزري: الا قليلا نصب كر في الرفع.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 30. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 392. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 163.
(5) قال ابن مالك: وبعد نفي أو كنفي انتخب اتباع ما انصل.
(6) سورة هود آية 81.(2/217)
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو» «امرأتك» برفع التاء، على أنها بدل من «أحد» ولتشكل ذلك بأنه يلزم منه انهم نهوا عن الالتفات الا «المرأة» فانها لم تنه عنه، وهذا لا يجوز.
ولذا قيل: «امرأتك» مرفوع بالابتداء، والجملة بعده وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مُصِيبُهََا مََا أَصََابَهُمْ} خبر.
وقيل: النهي بمعنى النفي لأنه بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد الا امرأتك فانها ستلتفت، فقوله: «امرأتك» بدل من قوله «أحد» كقولك: «ما قام أحد الا زيد، وما رأيت أحدا الا أخاك».
وقال «ابن زنجلة»: «كان أبو عمرو» يتأول أن «لوطا» سار بها في أهله، وحجته ما روي عن «ابن عباس» رضي الله عنهما أنه قال: «أنها سمعت الوجبة أي السقوط مع الهدة فالتفتت فأصابها العذاب» أهـ (1).
وقرأ الباقون «امرأتك» بنصب التاء، على أنه مستثنى من «أهلك» في قوله تعالى قبل: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فهو استثناء من الايجاب واجب النصب، وحجتهم ما روي عن «عبد الله بن مسعود» رضي الله عنه أنه قال: «فأسر بأهلك بقطع من الليل الا امرأتك» والمعنى على هذه القراءة: انه لم يخرج امرأته مع أهله، وفي القراءة الأولى أنه خرج بها فالتفتت فأصابتها الحجارة (2).
* وأما ورود «من» جارة وموصولة في أسلوب واحد فانه يتحقق في قراءات الكلمة الآتية فقط:
__________
(1) انظر: حجة القراءات لابن زنجلة ص 348.
(2) قال ابن الجزري: وامرأتك حير.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 118. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 536. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 224.(2/218)
«من تحتها» من قوله تعالى: {فَنََادََاهََا مِنْ تَحْتِهََا أَلََّا تَحْزَنِي} (1).
قرأ «نافع، وحفص، والكسائي، وأبو جعفر، وروح، وخلف العاشر» بكسر ميم «من» وجر تاء «تحتها» على أن «من» حرف جر، وما بعدها مجرور، وفاعل ناداها ضمير يعود على «عيسى» عليه السلام المعلوم من المقام، أو الملك، والمراد به «جبريل» عليه السلام، والجار والمجرور متعلق بناداها، ومعنى كون «جبريل» تحتها أي في مكان أسفل من مكانها أي دونها، كما تقول: داري تحت دارك، وبلدي تحت بلدك، أي دونها، وعلى هذا معنى قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} أي: دونك نهرا تستمتعين به، فليس المعنى اذا جعلنا الفاعل «جبريل» أنه تحت ثيابها.
وكون الضمير «لعيسى» عليه السلام، أبين، وأعظم في زوال وحشتها لتسكين نفسها.
فالمعنى: فكلمها «جبريل» من الجهة المحاذية لها، أو فكلمها «عيسى» من موضع ولادتها، وذلك تحت ثيابها.
وقرأ الباقون بفتح ميم «من» ونصب تاء «تحتها» على أن «من» اسم موصول فاعل «نادى» وتحت ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة.
والمراد بمن «عيسى» عليه السلام أو الملك وهو «جبريل» عليه السلام، فاذا كان «لعيسى» كان معنى «تحتها» تحت ثيابها، من موضع ولادته، واذا كان «لجبريل» كان معنى «تحتها» دونها، أسفل منها (2).
__________
(1) سورة مريم آية 24.
(2) قال ابن الجزري: من تحتها أكسر جر صحب شد مدا.
النشر في القراءات العشر ح 3ص 175. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 86. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 6.(2/219)
* وأما ورود «الى» جارة و «الا» الاستثنائية في أسلوب واحد فانه يتحقق في قراءات الكلمة الآتية فقط:
«الا ان» من قوله تعالى: {لََا يَزََالُ بُنْيََانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلََّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} (1).
قرأ «يعقوب» «الى» بتخفيف اللام، على انها حرف جر.
وقرأ الباقون «الا» بتشديد اللام، على أنها حرف استثناء، والمستثنى منه محذوف، أي: لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت من الأوقات الا وقت تقطيع قلوبهم بحيث لا يبقى لها قابلية الادراك (2).
__________
(1) سورة التوبة آية 110.
(2) قال ابن الجزري: الا الى ان ظفر.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 101. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 285. وشرح طيبة النشر ص 309(2/220)
الباب الحادي عشر «صنعة الاعراب»(2/221)
«صنعة الاعراب» لقد تتبعت قراءات القرآن، وخرجتها، وصنفتها، وجعلت كل نوع على حدة، واستخلصت الكلمات التي يرجع توجيه وتخريج الاختلاف فيها الى الموقع الاعرابي، وجعلتها في هذا الباب.
وقبل الدخول في تخريج كلمات هذا الباب، أجد من تمام المنفعة أن القي الضوء على اهتمام العلماء بقضية اعراب القرآن فأقول:
اعراب «القرآن» من الظواهر اللغوية التي اهتم بها العلماء قديما وحديثا، وقد استعان به الكثيرون من المفسرين في مصنفاتهم من أجل توضيح معاني الآيات فقديما قيل: الاعراب فرع المعنى اذ بمعرفة حقائق الاعراب، والوقوف على تصرف حركاته وسكناته يسلم اللسان، ويصح الكلام، وتعرف أكثر المعاني، ويحصل المراد، لذلك كان على المعرب أن يفهم معنى ما يريد اعرابه مفردا كان، أو مركبا، قبل الاعراب، حتى يتسنى له اعرابه اعرابا سليما لأنه بمعرفة المعنى يحسن التوجيه ويصح الاعراب واذا استغل المعنى، واستبهم المراد منه صعب فهمه، واشكل اعرابه.
واذا تجاذب الاعراب والمعنى شيئا واحدا بأن دعا اليه المعنى، وأباه الاعراب، فالمعول عليه هو المعنى، ويؤول الاعراب لصحته، واستقامته، مثال ذلك: قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلى ََ رَجْعِهِ لَقََادِرٌ * يَوْمَ
تُبْلَى السَّرََائِرُ} (1) حيث ان المعنى يقتضي أن يتعلق الظرف: «يوم» بالمصدر وهو «رجع» على أن يكون المعنى: انه على رجعه في ذلك اليوم لقادر.(2/223)
واذا تجاذب الاعراب والمعنى شيئا واحدا بأن دعا اليه المعنى، وأباه الاعراب، فالمعول عليه هو المعنى، ويؤول الاعراب لصحته، واستقامته، مثال ذلك: قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلى ََ رَجْعِهِ لَقََادِرٌ * يَوْمَ
تُبْلَى السَّرََائِرُ} (1) حيث ان المعنى يقتضي أن يتعلق الظرف: «يوم» بالمصدر وهو «رجع» على أن يكون المعنى: انه على رجعه في ذلك اليوم لقادر.
ولكن الاعراب يمنعه لعدم جواز الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي وهو «لقادر» لذلك أول الاعراب مراعاة للمعنى، فجعل العامل في الظرف فعلا مقدرا دل عليه المصدر، وتقديره: يرجعه يوم تبلى السرائر (2).
والعلماء الذين اشتغلوا بالكشف عن وجوه «إعراب القرآن» كانت لهم اتجاهات مختلفة:
فبعضهم اقتصر على اعراب شكله، مثل: «مكي بن أبي طالب» ت 437هـ.
ومنهم من عرض لاعراب غريبه مثل: «ابن الأنباري» ت 577هـ.
ومنهم من عرض أشكال الاعراب، وجعل لكل شكل بابا على نحو ما فعل «الزجاج» ت 311هـ.
ومنهم من جمع بين أوجه القراءات، والاعراب مثل: «ابن جني» ت 392هـ.
وممن صنف في اعراب القرآن تأليفا خالصا فيما أعلم:
أبو علي محمد بن المستنير المشهور بقطرب ت 206هـ أبو مروان عبد الملك بن حبيب القرطبي ت 239هـ أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ت 248هـ أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ت 291هـ
__________
(1) سورة الطارق آية 98.
(2) انظر: مباحث نحوية في نصوص قرآنية ص 15.(2/224)
أبو اسحاق إبراهيم بن السري الزجاج ت 311هـ أبو جعفر محمد بن أحمد بن النحاس ت 338هـ أبو عبد الله حسين بن أحمد بن خالويه ت 370هـ مكي بن أبي طالب القيسي ت 437هـ أبو طاهر اسماعيل بن خلف الصقلي ت 455هـ أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ت 502هـ أبو القاسم اسماعيل بن محمد الأصفهاني ت 535هـ أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي ت 562هـ أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري ت 577هـ أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ت 616هـ منتخب الدين حسين الهمداني ت 643هـ أبو اسحاق إبراهيم بن محمد السفاقسي ت 742هـ أبو أحمد بن مالك بن يوسف الرعيني ت 777هـ بعد ذلك أنتقل الى توجيه الكلمات وتخريجها فأقول وبالله التوفيق:
«آدم» من قوله تعالى:
{فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ فَتََابَ عَلَيْهِ} (1).
قرأ «ابن كثير» بنصب ميم «آدم» ورفع تاء «كلمات» على اسناد الفعل الى «كلمات» وايقاعه على «آدم» فكأنه قال:
«فجاءت آدم كلمات» ولم يؤنث الفعل لكون الفاعل مؤنثا غير حقيقي.
وقرأ الباقون برفع ميم «آدم» ونصب تاء «كلمات» بالكسرة، وذلك على اسناد الفعل الى «آدم» وايقاعه على «كلمات» أي أخذ
__________
(1) سورة البقرة آية 37.(2/225)
آدم كلمات من ربه بالقبول ودعا بها، وهي قوله تعالى: {قََالََا رَبَّنََا ظَلَمْنََا أَنْفُسَنََا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنََا وَتَرْحَمْنََا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخََاسِرِينَ} (1).
«حسنا» من قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} (2).
قرأ «حمزة، الكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «حسنا» بفتح الحاء والسين، على أنه صفة لمصدر محذوف، تقديره:
«وقولوا للناس قولا حسنا».
وقرأ الباقون «حسنا» بضم الحاء واسكان السين، على أنها لغة في «الحسن» مثل «البخل والبخل» «والرشد والرشد» فهو كالأول، وتقدير:
«وقولوا للناس قولا حسنا».
ويجوز أن يكون «حسنا» مصدرا مثل: «الشكر والكفر» فيلزم تقدير حذف مضاف تقديره: «وقولوا للناس قولا ذا حسن» ويؤول في المعنى الى القراءة الأولى (3).
«ليس البر» في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (4).
__________
(1) انظر النشر ح 2ص 398. والمهذب ح 1ص 53. واتحاف فضلاء البشر ص 134. قال ابن الجزري: وآدم انتصاب أرفع دل وكلمات رفع كسر درهم
(2) سورة البقرة آية 83.
(3) انظر: النشر ح 1ص 410.
والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 250. والمستنير في تخريج القراءات ح 1 ص 35. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 62. قال ابن الجزري: حسنا فضم اسكن نهى حز عم دل.
(4) سورة البقرة آية 177.(2/226)
قرأ «حفص، وحمزة» «البر» بنصب الراء، على أنه خبر «ليس» مقدم، «وأن تولوا وجوهكم» الخ في تأويل مصدر اسم «ليس» مؤخرا والتقدير: ليس تولية وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر.
واعلم أن تقديم خبر ليس على الاسم جائز، وذلك اذا لم يجب تقديمه على الاسم أو يجب تأخيره عنه.
وقد أشار الى ذلك «ابن مالك» بقوله:
وفي جميعها توسط الخبر ... اجز وكل سبقه دام حظر.
وقرأ الباقون «البر» بالرفع، على أنه اسم ليس جاء على الأصل في أن يلي الفعل، «وأن تولوا وجوهكم» الخ في تأويل مصدر خبر ليس، والتقدير: ليس البر تولية وجوهكم قبل المشرق والمغرب (1).
تنبيه: «البر» من قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا} (2).
اتفق القراء العشرة على قراءة «البر» هنا برفع الراء، وذلك لأن قوله تعالى: {بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا} بتعيين أن يكون خبر «ليس» لدخول الباء عليه، وأن القراءة سنة متبعة، ومن شروط القراءة الصحيحة أن تكون موافقة لقواعد اللغة العربية.
أعلم أن «ليس» كلمة دالة على نفي الحال، وتنفي غيره بالقرينة،
__________
(1) قال ابن الجزري: النشر في القراءات العشر ح 2ص 426.
انظر: والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 280. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 85. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 47.
(2) سورة البقرة آية 189.(2/227)
نحو قول «الأعشى»، ميمون بن قيس ت 7هـ: (1) في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
له نافلات ما يغيب نوالها ... وليس عطاء الله مانعه غدا
وهي فعل جامد لا يتصرف، ووزنه «فعل» بفتح الفاء، وكسر العين، ثم التزم تخفيفه بتسكين العين.
وزعم «ابن السراج، أبو بكر بن محمد بن السري» ت 316هـ أن «ليس» حرف بمكانة «ما» وتابعه «الفارسي» أبو علي في «الحلبيات» (2)، «وابن شقير» أبو بكر بن أحمد بن الحسن ت 317 هـ وجماعة.
والصواب القول الأول، بدليل أنها تلحقها الضمائر، مثل «لست، ولستما، ولستن» (3).
ولقد رأيت من تمام المنفعة أن أبين أقوال النحاة في تأخير خبر ليس، وتقديمه، فقلت وبالله التوفيق:
قال «ابن مالك»:
وفي جميعها توسط ... أجز وكل سبقه دام حظر
وقال: ومنع سبق خبر ليس اصطفى.
__________
(1) هو: ميمون بن قيس بن جندل بن شراحبيل، المعروف «بأعشى قيس» «أبو بصير» من شعراء الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات، ولد في قرية «منفوخة» باليمامة قرب مدينة «الرياض» ووفد على كثير من الملوك ولا سيما ملوك فارس، وعاش عمرا طويلا، وأدرك الاسلام ولم يسلم، وكف بصره في آخر عمره، له ديوان شعر، توفي في بلدته «منفوخة» عام 7هـ انظر ترجمته في معجم المؤلفين ح 13ص 65.
(2) «الحلبيات» مسائل نحوية سئل عنها في حلب فدونها وذكر أجوبتها
(3) انظر: مغني اللبيب ص 387386.(2/228)
واعلم أن «ليس» من النواسخ (1) وهي فعل على رأي جمهور النحاة، لقبولها علامات الفعل، فتدخل عليها تاء التأنيث الساكنة وتاء الفاعل، فتقول: «ليست هند مريضة» وتقول: لست، ولست، ولستما، ولستم، ولستن».
وذهب «أبو علي الفارسي» في أحد قوليه، و «أبو بكر بن شقير» في أحد قوليه أيضا الى أنها حرف.
ولكن الصواب ما عليه جمهور النحاة.
وهي ترفع المبتدأ ويسمي اسما لها وتنصب الخبر، ويسمى خبرا لها.
والأصل أن يتقدم اسمها، ويتأخر خبرها، نحو قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (2).
على قراءة من رفع الراء من «البر».
ويجوز أن يتوسط خبرها بين الفعل، واسمه، نحو قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} على قراءة من نصب الراء من «البر».
ومثل قول «السموأل بن عادياء» أحد شعراء الجاهلية:
سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول
أما تقدم خبرها على الفعل واسمه، فقد اختلف فيه النحاة:
1 - فذهب «الكوفيون، والمبرد، وابن السراج» الى امتناع ذلك،
__________
(1) النواسخ: جمع ناسخ، وهو في اللغة من النسخ بمعنى الازالة، يقال: نسخت الشمس الظل: اذا أزالته.
(2) سورة البقرة آية 177.(2/229)
لأنها فعل جامد مثل «عسى» وخبر «عسى» لا يتقدم عليها باتفاق.
2 - وذهب «الفارسي، وابن جني» الى الجواز، مستدلين بقوله تعالى: {أَلََا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} (1).
وذلك لأن «يوم» متعلق «بمصروفا» وقد تقدم على «ليس» وتقدم المعمول يؤذن بجواز تقدم العامل.
والجواب على ذلك أنه يتوسع في الظروف ما لم يتوسع في غيرها.
3 - ونقل عن «سيبويه» ت 180هـ.
القول بالجواز، والقول بالمنع.
ولكن المختار لدى الكثيرين من النحاة المنع.
ولذا قال «ابن مالك»: ومنع سبق خبر ليس اصطفى (2).
«ولا يضار» من قوله تعالى: {وَلََا يُضَارَّ كََاتِبٌ وَلََا شَهِيدٌ} (3).
قرأ «أبو جعفر» بخلف عنه «ولا يضار» بسكون الراء مخففة، على أنه مضارع، من «ضار يضير» اللا ناهية، والفعل مجزوم بها.
وقرأ الباقون «ولا يضار» بفتح الراء مشددة، على أن «لا» ناهية، والفعل مجزوم بها، والأصل «ولا يضارر» براءين، فأدغمت الراء الأولى
__________
(1) سورة هود آية 8.
(2) انظر الكلام على تقدم خبر ليس في المراجع الآتية:
1 - شرح ابن عقيل على الألفية ح 1ص 272فيما بعدها.
2 - شرح ابن الناظم على الألفية ص 52فما بعدها.
3 - أوضح المسالك ح 1ص 163فما بعدها.
4 - شرح الأشموني على الإقبال ح 1ص 243فما بعدها.
5 - شرح قطر الندى ص 127فما بعدها.
(3) سورة البقرة آية 282.(2/230)
ثم الثانية، ثم تحركت الراء الثانية بأن فتح تخلصا من التقاء الساكنين على غير قياس لأن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر، وكان فتحة لخفتها، وهي القراءة الثانية «لأبي جعفر» (1).
قال «الطبري» ت 310هـ (2).
«اختلف أهل التأويل» في تأويل قوله تعالى: {وَلََا يُضَارَّ كََاتِبٌ وَلََا شَهِيدٌ}:
فقال بعضهم: «ذلك نهي من الله لكتاب الكتاب بين أهل الحقوق، والشهيد أن يضار أهله، فيكتب هذه ما لم يمله المملي، ويشهد هذا بما لم يستشهده الشهيد» أهـ (3).
وقال آخرون: معنى ذلك: «ولا يضار كاتب ولا شهيد بالامتناع عمن دعاهما الى أداء ما عندهما من العلم أو الشهادة» أهـ (4).
وأصل الكلمة على هذين المعنى: «ولا يضارر» بكسر الراء الأولى، وسكون الثانية، ثم أدغمت الراء الأولى في الثانية لتماثلهما، وحركت الراء الثانية الى الفتح وموضعها الجزم، لأن الفتح أخف الحركات.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: «ولا يضار المستكتب والمستشهد
__________
(1) قال ابن الجزري: وسكن خفف الخلف ثدق مع لا يضار.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 431. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 64. واتحاف فضلاء البشر ص 158.
(2) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري «أبو جعفر» مفسر، مقرئ، محدث، مؤرخ، فقيه، أصولي، مجتهد، ولد بآمل طبرستان سنة 224هـ واستوطن بغداد، واختار لنفسه مذهبا في الفقه، من آثاره: تفسير القرآن، وتاريخ الأمم والملوك، وتهذيب الآثار، واختلاف الفقهاء، وآداب القضاة والمحاضرة عام 310هـ 923م:
انظر: ترجمته في معجم المؤلفين ح 9ص 147.
(3) انظر: تفسير الطبري ح 3ص 134.
(4) انظر: تفسير الطبري ح 3ص 135.(2/231)
الكاتب والشهيد، بمعنى أن يدعو الرجل للكاتب، أو الشاهد، وهما على حاجة مهمة، فيقولان:
أنا على حاجة مهمة، فاطلب غيرنا، فيقول الرجل. «الله أمركما أن تجيبا، فأمره الله أن يطلب غيرهما ولا يضارهما، يعني لا يشغلهما عن حاجتهما المهمة، وهو يجد غيرهما» أهـ (1).
وأصل الكلمة على هذا المعنى: «ولا يضار» بفتح الراء الأولى، وسكون الثانية، على وجه ما لم يسم فاعله، ثم ادغمت الراء الأولى في الثانية.
ثم قال «الطبري»:
«والقول الأخير هو الأولى بالصواب، لأن الخطاب من الله عز وجل في هذه الآية من مبتدئها الى انقضائها على وجه ما فعلوا أو لا تفعلوا» انما هو خطاب لأهل الحقوق، والمكتوب بينهم الكتاب، والمشهود لهم، أو عليهم بالذي تداينوه بينهم من الديون، فأما ما كان من أمر أو نهي فيها لغيرهم، فانما هو على وجه الأمر والنهي للغائب غير المخاطب، كقوله: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كََاتِبٌ} وكقوله تعالى: {وَلََا يَأْبَ الشُّهَدََاءُ إِذََا مََا دُعُوا} وما أشبه ذلك، فالواجب اذا كان المأمورون فيها مخاطبين بقوله:
{وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أشبه منه بأن يكون مردودا على الكاتب والشهيد، ومع ذلك ان الكاتب والشهيد لو كانا هما المنهيين عن «الضرار» لقيل: «وان يفعلا فانه فسوق بهما» لأنهما اثنان، وانهما غير مخاطبين بقوله: «ولا يضار» بل النهي بقوله: «ولا يضار» نهي للغائب غير المخاطبين فتوجه الكلام الى ما كان نظيرا
__________
(1) انظر: تفسير الطبري ح 3ص 136.(2/232)
لما في سياق الآية أولى من توجيه الى ما كان منعدلا عنه» (1)
«فدية طعام مسكين» من قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} (2).
قرأ «نافع، وابن ذكوان، وأبو جعفر» «فدية» بحذف التنوين، و «طعام» بجر الميم على الاضافة، و «مساكين» بالجمع وفتح النون بلا تنوين، لأنه اسم لا ينصرف.
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «فدية» بالتنوين مع الرفع مبتدأ مؤخر، خبره متعلق الجار والمجرور قبله، و «طعام» بالرفع بدل من «فدية» و «مسكين».
بالتوحيد وكسر النون منونة.
وقرأ «هشام» بالتنوين مع الرفع، و «طعام» بالرفع بدل من «فدية»، و «مساكين» بالجمع وفتح النون بلا تنوين (3).
«والملائكة» من قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلََّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللََّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمََامِ وَالْمَلََائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (4).
قرأ «أبو جعفر» «والملائكة» بخفض التاء، عطفا على «ظلل».
وقرأ الباقون برفع التاء، عطفا على لفظ الجلالة: «الله» (5).
__________
(1) انظر: تفسير الطبري ح 3ص 137.
(2) سورة البقرة آية 184.
(3) قال ابن الجزري: لا تنوين فدية طعام خفض الرفع مل اذ ثبتوا مسكين أجمع لا تنون وافتحا عم.
(4) سورة البقرة آية 210.
(5) قال ابن الجزري: وخفض رفع والملائكة ثر.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 1ص 428. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 88. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 57.(2/233)
«العفو» من قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمُ الْآيََاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (1).
قرأ «أبو عمر» «العفو» برفع الواو، على ان «ما» استفهامية، و «ذا» موصولة، فوقع جوابها مرفوعا، وهو خبر لمبتدإ محذوف، أي الذي ينفقونه «العفو».
وقرأ الباقون بنصب الواو، على أن «ماذا» مفعول مقدم، والتقدير:
أي شيء ينفقونه، فوقع الجواب منصوبا بفعل مقدر أي انفقوا العفو (2).
المعنى: تضمن هذا الجزء من الآية الاجابة عن سؤال مضمونه ما الذي ينفقونه أو أي شيء ينفقونه، فأجابهم الله بقوله «العفو» أي أنفقوا العفو وهو ما فضل عن حاجة الانسان وحاجة من يعولهم.
اعلم أن «ذا» تستعمل موصولة، وتكون مثل «ما» في أنها تستعمل بلفظ واحد: للمذكر، والمؤنث، مفردا كان، أو مثنى، أو مجموعا.
وشرط استعمالها موصولة أمران.
الأول: أن تكون مسبوقة ب «ما» أو «من» الاستفهاميتين، نحو:
«من ذا جاءك»،وماذا فعلت.
والثاني: اذا لم تلغ في الكلام، بمعنى: اذا لم تجعل «ما» مع «ذا» أو «من» مع «ذا» كلمة واحدة للاستفهام (3).
__________
(1) سورة البقرة آية 219.
(2) انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 429.
والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 91. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 292. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 61. وحجة القراءات ص 133. واتحاف فضلاء البشر ص 157. قال ابن الجزري: يقول ارفع ألا العفو حنا.
(3) انظر: شرح ابن عقيل على الألفية ح 1ص 152.(2/234)
والى ذلك أشار ابن مالك بقوله:
ومثل ماذا بعد ما استفهام ... أو من اذا لم تلغ في الكلام
«وصية» من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ} (1).
قرأ «نافع، وابن كثير، وشعبة والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف العاشر» «وصية» برفع التاء، على أنها خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: عليهم وصية، أو فاعل الفعل محذوف، والتقدير: تلزمهم وصية.
وقرأ الباقون «وصية» بالنصب، على أنها مفعول مطلق، أي يوصون وصية (2).
«ويكفر» من قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقََاتِ فَنِعِمََّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهََا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرََاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئََاتِكُمْ} (3).
قرأ «نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «ونكفر» بنون العظمة وجزم الراء لأن الفعل معطوف على محل «فهو خير لكم».
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة، ويعقوب» «ونكفر» بنون العظمة، ورفع الراء، على أنها جملة مستأنفة، والواو لعطف جملة على أخرى.
__________
(1) سورة البقرة آية 240.
(2) قال ابن الجزري: وصية حرم صفا ظلا رفة.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 433. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 68. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 299.
(3) سورة البقرة آية 271.(2/235)
وقرأ «ابن عامر، وحفص» «ويكفر» بالياء، ورفع الراء، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى المتقدم ذكره في قوله تعالى: {وَمََا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللََّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة 270].
وهي جملة على أخرى مستأنفة، والواو لعطف جملة أخرى (1).
جاء في «أساس البلاغة»: «كفر الشيء» بتخفيف الفاء، «وكفره» بتشديد الفاء: «غطاه».
يقال: «كفر السحاب السماء، وكفر الليل بظلامه، وكفر الفلاح الحب» ومنه قيل للزارع: الكفار (2).
ويقال: «كفر الله عنك خطاياك».
كما يقال: «اكفره، وكفره»: نسبه الى الكفر» أهـ (3).
«فتذكر» من قوله تعالى:
{أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا} (4).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب» «فتذكر» باسكان الذال، وتخفيف الكاف مع نصب الراء عطفا على «تضل» وهو مضارع «ذكر» مخففا نحو «نصر».
وقرأ «حمزة» «فتذكر» بفتح الذال وتشديد الكاف ورفع الراء، على انه مضارع «ذكر» مشددا نحو: «كرم» لم يدخل عليه ناصب ولا جازم.
__________
(1) فقال ابن الجزري: ويا يكفر شامهم وحفصنا وجزمه مدا شفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 444. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 316.
(2) انظر: اساس البلاغة ح 2ص 213.
(3) انظر: اساس البلاغة ح 2ص 214.
(4) سورة البقرة آية 282.(2/236)
وقرأ الباقون «فتذكر» بفتح الذال، وتشديد الكاف، ونصب الراء، عطفا على «تضل» وهو مضارع «ذكر» مشددا ايضا (1).
جاء في «المفردات»: «التذكرة»: ما يتذكر به الشيء، وهو أعم من الدلالة، والأمارة، قال تعالى: {كَلََّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (2).
وقوله تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} (3).
قيل معناه: تعيد ذكره، وقد قيل: تجعلها ذكرا: في «الحكم» أهـ (4).
وجاء في «تاج العروس»: يقال: «اذكره اياه، وذكره تذكيرا» والاسم «الذكرى» بالكسر، تقول: «ذكرته تذكرة» و «الذكرى»:
اسم للتذكير، أي أقيم مقامه.
قال «الفراء» ت 207هـ:
«يكون الذكرى بمعنى الذكر، ويكون بمعنى التذكر» في قوله تعالى:
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (5). أهـ (6).
__________
(1) قال ابن الجزري: تذكر حقا خففا والرفع فد انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 446. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 230. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 205والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 109. وحجة القراءات ص 150. واتحاف فضلاء البشر ص 166.
والحجة في القراءات السبع ص 104.
(2) سورة المدثر آية 54.
(3) سورة البقرة آية 282.
(4) انظر: المفردات مادة «ذكر» ص 180.
(5) سورة الذاريات آية 55.
(6) انظر: تاج العروس مادة «ذكر» ح 3ص 227.(2/237)
«فيغفر، ويعذب» من قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} (1).
قرأ «ابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب» «فيغفر ويعذب» برفع الراء من «فيغفر» ورفع الباء من «يعذب» وذلك على الاستئناف، والتقدير: فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقرأ الباقون «فيغفر، ويعذب» بجزمهما، وذلك عطفا على قوله تعالى قبل: {يُحََاسِبْكُمْ} الواقع جوابا بالشرط (2).
«ولا يأمركم» من قوله تعالى: {وَلََا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلََائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبََاباً} (3).
قرأ «نافع، وابن كثير، والكسائي، وأبو جعفر» «ولا يأمركم» برفع الراء وذلك على الاستئناف، والفعل مرفوع لتجرده من الناصب والجازم.
وقرأ «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، ويعقوب، وخلف العاشر» «ولا يأمركم» بنصب الراء، وذلك على أنه معطوف على قوله تعالى قبل: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنََّاسِ} والتقدير:
ليس للنبي أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا من دون الله (4).
__________
(1) سورة البقرة آية 284.
(2) قال ابن الجزري: يغفر يعذب رفع جزم كم ثوى نص.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 2ص 447. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 323. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 111. وحجة القراءات ص 152.
(3) سورة آل عمران آية 80.
(4) قال ابن الجزري: وارفعوا الا يأمرا حرم حلا رحبا(2/238)
وقرأ «السوسي» باسكان الراء وباختلاس ضمتها.
وقرأ «دوري أبي عمرو» باسكان الراء، وباختلاس ضمتها، وبالضمة الخالصة (1).
قال «الراغب» في مادة «أمر»: «الأمر» الشأن وجمعه «أمور»
وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلََّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مََا لََا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كََانَ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مََا قُتِلْنََا هََاهُنََا} (2).
ويقال للابداع «أمر» قال تعالى: {أَلََا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (3).
«ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق» أهـ (4).
وقال «الزبيدي»: في مادة «أمر»: «الأمر»: معروف، وهو ضد النهي الى ان قال: «والأمر»: مصدر «أمر» أهـ (5).
«لا يضركم» من قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (6).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب» «لا يضركم» بكسر الضاد، وجزم الراء، على أنها جواب الشرط.
__________
(1) قال ابن الجزري: بارئكم يأمركم ينصركم سكن أو اختلس حلا والخلف طب.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 9. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 350. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 128.
(2) سورة آل عمران آية 154.
(3) سورة الأعراف آية 54.
(4) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 24.
(5) انظر: تاج العروس ح 3ص 17.
(6) سورة آل عمران آية 120.(2/239)
وقرأ الباقون «لا يضركم» بضم الضاد، ورفع الراء مشددة على أن الفعل مرفوع لتجرده من الناصب والجازم والجملة في محل جزم جواب الشرط (1).
قال «الراغب» في مادة «ضير»: «الضير سوء الحال إما في نفسه لقلة العلم، والفضل، والعفة.
وإما في حالة ظاهرة من قلة مال، وجاه.
يقال: «ضيره ضيرا» أي جلب اليه ضيرا.
والاضرار: حمل الانسان على ضيره أهـ (2).
وقال «الزبيدي»: في مادة «ضرر»: «الضر» بفتح الضاد، ويضم لغتان:
ضد النفع.
وقيل: «الضر» بالفتح: «مصدر» وبالضم «اسم».
وقيل: هما لغتان كالشهد، والشهد، فاذا جمعت بين الضرر والنفع، فتحت الضاد، واذا أفردت «الضر» ضممت اذا لم تستعمله مصدرا كقولك «ضررت ضرا» هكذا تستعمله العرب، كذا في لحن العامة «للزيتون» (3).
والضرر: الضيق، يقال مكان ذو ضرر، أي ذو ضيق (4).
«كله» من قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلََّهِ} (5).
__________
(1) قال ابن الجزري: يضركم اكسرا جزم او صلا حق.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 10. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 355. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 112.
(2) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 294293.
(3) انظر: تاج العروس ح 3ص 348.
(4) انظر: تاج العروس ح 1ص 349.
(5) سورة آل عمران آية 154.(2/240)
قرأ «أبو عمرو، ويعقوب» «كله» برفع اللام، وذلك على أنها مبتدأ، ومتعلق «لله» خبر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر «ان».
وقرأ الباقون «كله» بالنصب، وذلك على أنها تأكيد لكلمة «الأمر» التي هي اسم «إنّ» ومتعلق «لله» خبر «ان» (1).
اعلم ان لفظ «كل» موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ} (2).
ولاستغراق أفراد المعرف، نحو قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} (3).
ولاستغراق اجزاء المفرد المعرف نحو قولك: «كل زيد حسن» (4).
واعلم ان «كل» ترد باعتبار ما قبلها على ثلاثة أوجه:
الأول: تكون نعتا لنكرة، أو معرفة، فتدل على كماله، وتجب اضافتها الى اسم ظاهر يماثله لفظا ومعنى، نحو قولك:
«أطعمنا شاة كل شاة».
ونحو قول «أشهب بن رميلة»:
والذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم القوم يا أم خالد
والثاني: أن تكون توكيد المعرفة، نحو قوله تعالى:
__________
(1) قال ابن الجزري: وكله حما انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 14. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 361. والمستنير في تخريج القراءات ح 1ص 119. وحجة القراءات ص 177. والحجة في القراءات السبع ص 115.
(2) سورة آل عمران آية 185.
(3) سورة مريم آية 95.
(4) انظر: مغني اللبيب ص 255.(2/241)
{فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلََّهِ} (2).
والثالث: ألا تكون تابعة، بل تالية للعوامل، فتقع مضافة الى الظاهر، نحو قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمََا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3) وتقع غير مضافة، نحو قوله تعالى: {وَكُلًّا ضَرَبْنََا لَهُ الْأَمْثََالَ} (4) وترد باعتبار ما بعدها على وجهين:
الأول: تضاف الى ظاهر، وحكمها أن يعمل فيها جميع العوامل، نحو قولك: «أكرمت كل المجتهدين».
والثاني: أن تضاف الى ضمير ملفوظ به، وحكمها ألا يعمل فيها سوى الابتداء، نحو قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} (5).
وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلََّهِ} (6). على قراءة من رفع الكلام (7).
واعلم أن لفظ «كل» حكمة الإفراد والتذكير.
وأن معناها بحسب ما تضاف اليه، فان كانت مضافة الى منكر وجب مراعاة معناها:
ولذلك جاء الضمير مفردا في نحو قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} (8) وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسََانٍ أَلْزَمْنََاهُ طََائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (9).
__________
(1) سورة الحجر آية 30.
(2) سورة آل عمران آية 154.
(3) سورة المدثر آية 38.
(4) سورة الفرقان آية 39.
(5) سورة مريم آية 95.
(6) سورة آل عمران آية 154.
(7) انظر مغني اللبيب ص 158.
(8) سورة القمر آية 52.
(9) سورة الاسراء آية 13.(2/242)
وجاء الضمير مفردا مؤنثا في نحو قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمََا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (1) وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ} (2).
«وجاء الضمير مجموعا ومذكرا في نحو قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمََا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (3) ومجموعا مؤنثا في نحو قول «قيس بن ذريح»:
وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب (4)
«مهمة» قال علماء البيان: اذا وقعت «كل» في حيز النفي كان النفي موجها الى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومة ثبوت الفعل لبعض الأفراد، نحو قولك: «ما جاء كل القوم» «ولم آخذ كل العلم».
وان وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد نحو قوله عليه الصلاة والسلام لما قال له «ذو اليدين» (5).
أنسيت أم قصرت الصلاة: «كل ذلك لم يكن» (6).
«قاتلوا، قتلوا، يقتلون» من قوله تعالى: {فَالَّذِينَ هََاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئََاتِهِمْ} (7).
{إِنَّ اللََّهَ اشْتَرى ََ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (8).
__________
(1) سورة المدثر آية 38.
(2) سورة آل عمران آية 185.
(3) سورة المؤمنون آية 53.
(4) انظر: مغني اللبيب ص 261258.
(5) ذو اليدين، هو: «الخرباق السلمي» صحابي جليل.
(6) انظر: مغني اللبيب ص 265.
(7) سورة آل عمران آية 195.
(8) سورة التوبة آية 111.(2/243)
قرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» بتقديم «قتلوا» وتقديم «يقتلون» الفعل المبني للمجهول فيهما، وتوجيه ذلك ان الواو لا تفيد ترتيبا، أو على التوزيع لأن منهم من قتل ومنهم من قتل.
وقرأ الباقون بتقديم الفعل المسمي للفاعل فيهما، وذلك لأن الفاعل يكون عادة قبل الفعل (1).
وقرأ «ابن كثير، وابن عامر» «وقتلوا» بتشديد التاء، لارادة التكثير.
وقرأ الباقون بتخفيف التاء، على الأصل (2).
«لا يغرنك» ومن قوله تعالى: {لََا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلََادِ} (3).
«لا يحطمنكم» من قوله تعالى: {لََا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لََا يَشْعُرُونَ} (4).
«ولا يستخفنك» من قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} (5).
«نذهبن» من قوله تعالى: {فَإِمََّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنََّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} (6).
__________
(1) قال ابن الجزري: قتلوا قدم وفي التوبة اخر يقتلوا شفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 23. والمستنير في تخريج القراءات ح 1 ص 134. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 148. وحجة القراءات ص 187.
واتحاف فضلاء البشر ص 184.
(2) قال ابن الجزري: ما قتلوا شد لدى خلف وبعد كفلوا كالحج والأخر والأنعام دم كم.
(3) سورة آل عمران آية 196.
(4) سورة النمل آية 18.
(5) سورة الروم آية 60.
(6) سورة الزخرف آية 41.(2/244)
«أو نرينك» من قوله تعالى: {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنََاهُمْ} (1).
قرأ «رويس» «لا يغرنك، لا يحطمنكم، ولا يستخفنك، فأما نذهبن، أو نرينك» بتخفيف النون مع سكونها في الكلمات الخمس، على أنها نون التوكيد الخفيفة واذا وقف على «نذهبن» وقف بالألف، وذلك على اصل في الوقف في نون التوكيد الخفيفة.
وقرأ الباقون بتشديد النون في الكلمات الخمس، على أنها نون التوكيد الثقيلة (2).
قال «الراغب» في مادة «غرر»: «الغرة بكسر الغين: غفلة في اليقظة، والغرار: غفلة مع غفوة» وأصل ذلك من «الغرة».
بضم الغين: وهو الأثر الظاهر من الشيء ومنه غرة الفرس الى أن قال: «غره كذا غرورا كأنما على غرة بفتح الغين قال تعالى:
{لََا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلََادِ} أهـ (3).
وقال في مادة «حطم»: «حطم: كسر الشيء مثل الهشم، ونحوه، ثم استعمل كل كسر معناه، قال الله تعالى:
{لََا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لََا يَشْعُرُونَ} وحطمته فانحطم حطما! أهـ (4).
وقال في مادة «خف»: «الخفيف بإزاء الثقيل، ويقال ذلك تارة باعتبار المضايقة بالوزن، وقياس شيئين احدهما بالآخر، نحو: درهم
__________
(1) سورة الزخرف آية 42.
(2) قال ابن الجزري: يغرنك الخفيف يحطمن أو نرين يستخفن نذهبن وقف بذا بألف غص انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 23. واتحاف فضلاء البشر ص 184.
(3) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 358.
(4) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 123.(2/245)
ثقيل الى أن قال: يقال: خف يخف خفا وخفة، وخففته تخفيفا، وتخفف تخففا، واستخففته.
وقوله تعالى: {وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} أي لا يزعجنك ويزيلنك عن اعتقادك بما يوقنون الشبه»! أهـ (1).
وقال في مادة «ذهب»: «الذهاب: المضي، يقال: ذهب بالشيء، واذهبه، ويستعمل ذلك في الأعيان، والمعاني، قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} (2).
وقال تعالى: {إِنَّمََا يُرِيدُ اللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (3).
وقال «الزبيدي» في التاج مادة «ذهب»: «ذهب به: أزاله كاذهبه غيره، واذهبه به، قال «أبو اسحاق» وهو قليل الى ان قال:
«وقال بعض ائمة اللغة، والصرف»: ان عدي الذهاب الياء فمعناه الإذهاب، أو بعلى فمعناه النسيان، أو بعن فالترك، أو بالى فالترك، وقد أورد «أبو العباس ثعلب» ذهب، وأذهب في الفصيح وصحح التفرقة» أهـ (4).
«والأرحام» من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللََّهَ الَّذِي تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ} (5)! قرأ «حمزة» «والأرحام» بخفض الميم، عطفا على الضمير المقرون في «به».
__________
(1) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 152.
(2) سورة إبراهيم آية 19.
(3) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 181. سورة الأحزاب آية 33
(4) انظر: تاج العروس شرح القاموس ح 1ص 257.
(5) سورة النساء آية 1.(2/246)
قال «مكي بن أبي طالب»: «وهو قبيح عند البصريين، قليل في الاستعمال، بعيد في القياس، لأن المضمر في «به» عوض عن التنوين، ولأن المضمر المخفوض لا ينفصل عن الحرف، ولا يقع بعد حرف العطف، ولأن المعطوف والمعطوف عليه شريكان يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر، ويقبح في أحدهما ما يقبح في الآخر، فكما لا يجوز:
واتقوا الله الذي تساءلون بالأرحام، فكذلك لا يحسن: تساءلون به والأرحام، فإن أعدت الخافض حسن» أهـ (1).
ولقد عجبت من كلام «مكي بن أبي طالب» وهو القارئ اللغوي أشد العجب، كيف لا يرد على البصريين كلامهم، اذا الواجب أن يكون ما جاء به «القرآن الكريم» هو الصواب، لا القواعد التي قعدها علماء البصرة.
كما يجب أن تكون القراءات القرآنية من المراجع الأصلية التي تبنى عليها القواعد النحوية.
وقرأ الباقون الباقون «والأرحام» بنصب الميم، عطفا على لفظ الجلالة، على معنى: واتقوا الأرحام ان تقطعوها.
ويجوز أن يكون معطوفا على محل الجار والمجرور، لأنه في موضع نصب، كما تقول: مررت بزيد وعمرا، لأن معنى «مررت بزيد» جاوزت زيدا، فهو في موضع نصب فحمل «والأرحام» على المعنى فنصب (2).
وقضية العطف على الضمير المخفوض بدون اعادة الخافض، من
__________
(1) انظر: الكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 375.
(2) قال ابن الجزري: واجررا الأرحام ف ق.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 24. والمستنير في تخريج القراءات ح 1 ص 136.(2/247)
القضايا النحوية التي اختلف فيها نحاة الكوفة، والبصرة قديما: (1) وهذه إشارة الى مذهب كل منهما ودليله:
أولا: ذهب الكوفيون الى أنه يجوز العطف على الضمير المخفوض بدون اعادة الخافض. واحتجوا لرأيهم بأنه قد جاء ذلك في القرآن الكريم، وكلام العرب.
فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللََّهَ الَّذِي تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ} (2).
فقد قرأ «حمزة بن حبيب الزيات» ت 156هـ أحد القراء السبعة بخفض ميم «والأرحام» عطفا على الضمير المجرور في «به» وقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسََاءِ قُلِ اللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ} (3).
«فما» اسم موصول في موضع خفض عطفا على الضمير المجرور في فيهن.
ومن كلام العرب قول الشاعر (4).
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
ومحل الشاهد قوله: «فما بك والأيام» حيث عطف «والأيام» على الكاف من «بك» من غير إعادة حرف الجر، والتقدير: فما بك وبالأيام.
__________
(1) انظر هذه القضية في: الانصاف في مسائل الخلاف ح 2ص 463فما بعدها.
(2) سورة النساء آية 1.
(3) سورة النساء آية 127.
(4) قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى: «هذا البيت من شواهد سيبويه ح 1ص 392.
وشرحه البغدادي في خزانة الأدب ح 2ص 338، وابن عقيل رقم 298. ولم ينسبه واحد من هؤلاء الى قائل معين، انظر: هامش الانصاف ح 2ص 464.(2/248)
وقال الآخر:
أكر على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها
ومحل الشاهد قول الشاعر: «أم سواها» حيث عطف «سواها» على الضمير المجرور في «فيها» دون إعادة الخافض، والتقدير: أفي هذه الكتيبة كان هلاكه أم في كتيبة أخرى.
ثانيا: ذهب البصريون الى أنه لا يجوز العطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض، واحتجوا لرأيهم بأن قالوا:
«انما قلنا: انه لا يجوز، وذلك لأن الجار مع المجرور بمنزلة شيء واحد، فاذا عطفت على الضمير المجرور، والضمير اذا كان مجرورا اتصل بالجار، ولم ينفصل منه، ولهذا لا يكون الا متصلا، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب، فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجار، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز ومنهم من تمسك بأن قال: انما قلنا ذلك لأن الضمير قد صار عوضا عن التنوين، فينبغي أن لا يجوز العطف عليه، كما لا يجوز العطف على التنوين.
والدليل على استوائهما أنهم يقولون: «يا غلام» فيحذفون الياء كما يحذفون التنوين وانما اشتبها لانهما على حرف واحد، وإنما يكملان الاسم، وأنهما لا يفصل بينهما وبينه بالظرف، وليس كذلك الاسم المظهر.
ومنهم من تمسك بأن قال: «أجمعنا على أنه لا يجوز عطف المضمر المجرور على المظهر المجرور»، فلا يجوز أن يقال: «مررت بزيدوك» فكذلك ينبغي أن لا يجوز عطف المظهر المجرور، على المضمر المجرور، فلا يقال: «مررت بك وزيد» لأن الأسماء مشتركة في العطف، فكما لا يجوز أن يكون معطوفا، فلا يجوز أن يكون معطوفا عليه» أهـ (1).
__________
(1) انظر: الانصاف في مسائل الخلاف ح 2ص 467466.(2/249)
رأي وترجيح: ونحن اذا ما أمعنا النظر في أدلة كل من:
الكوفيين، والبصريين حكمنا بدون تردد بأن رأى «الكوفيين» هو الصواب، والذي لا يجب العدول عنه، وذلك لمجيء «القرآن» به.
وعلى «البصريين» أن يعدلوا قواعدهم بحيث تتمشى مع لغة «القرآن» الذي يعتبر في قمة المصادر التي يعتمد عليها عند التقنيين.
وقد رجح «ابن مالك» ت 672هـ رأى «الكوفيين» حيث قال:
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلتا
وليس عندي لازما اذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا
«فواحدة» من قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تَعْدِلُوا فَوََاحِدَةً أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (1).
قرأ «أبو جعفر» «فواحدة» برفع التاء، على أنها خبر لمبتدإ محذوف، أي:
فالمقنع واحدة، أو فاعل لفعل محذوف، أي: فيكفي واحدة.
وقرأ الباقون «فواحدة» بنصب التاء على أنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: فانكحوا واحدة (2).
«الله» من قوله تعالى: {فَالصََّالِحََاتُ قََانِتََاتٌ حََافِظََاتٌ لِلْغَيْبِ بِمََا حَفِظَ اللََّهُ} (3).
قرأ «أبو جعفر» «الله» بفتح الهاء، و «ما» موصولة، أي بالذي حفظ حق الله، أو أوامر الله، أو دين الله، وتقدير المضاف هنا متعين، لأن
__________
(1) سورة النساء آية 3
(2) قال ابن الجزري: واحدة رفع ثرا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 25. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 150.
(3) سورة النساء آية 34.(2/250)
الذات المقدسة لا ينسب حفظها الى أحد، وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» والتقدير: احفظ حدود الله، أو أوامر الله.
وقرأ الباقون «الله» بالرفع، و «ما» مصدرية، أي يحفظ الله إياهن (1)
وحينئذ يكون من اضافة المصدر الى فاعله.
«غير» من قوله تعالى: {لََا يَسْتَوِي الْقََاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (2).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، ويعقوب» «غير» برفع الراء، على ان «غير أولي الضرر» صفة «القاعدون»، أو بدل من «القاعدون» بدل بعض من كل.
وقرأ الباقون «غير» بنصب الراء، على الاستثناء من «القاعدون» (3).
تنبيه: فقال ابن مالك:
واستثن مجرورا بغير معربا ... بما المستثنى بالا نصبا
المعنى: هناك الفاظ استعملت بمعنى «الا» في الدلالة على الاستثناء من هذه الألفاظ «غير» وحكم المستثنى بها الجر لاضافتها اليه، «أما غير» فانها تعرب بما كان يعرب به المستثنى مع «الا» فتقول: «قام القوم غير زيد» بنصب «غير» كما نقول «قام القوم الا زيدا» بنصب «زيد» وهذا اذا كان الكلام تاما موجبا.
__________
(1) قال ابن الجزري: ونصب رفع حفظ الله ثرا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 29. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 157.
(2) سورة النساء آية 95.
(3) قال ابن الجزري: غير رفعوا في حق نل.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 34. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 396. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 167.(2/251)
وتقول: «ما قام أحد غير زيد» برفع «غير» على الاتباع، ونصب «غير» على الاستثناء، كما تقول: «ما قام أحد الا زيد، والا زيدا» وهذا اذا كان الكلام تاما غير موجب، مثل ذلك الآية التي نحن بصدد توجيه القراءات التي فيها، فالكلام تام غير موجب، لهذا أجاز في «غير» الرفع، والنصب.
«حصرت» من قوله تعالى: {أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (1).
قرأ «يعقوب» «حصرت» بنصب التاء منونة، والنصب على الحال، ومعنى «حصرت» ضيقة، اذا فيكون المعنى: أو جاءكم حالة كون صدورهم ضيقة من الجبن مبغضين قتالكم ولا يهون عليهم ايضا قتال قومهم معكم، اذا فهم لا لكم ولا عليكم.
قرأ الباقون «حصرت» بسكون التاء، على انها فعل ماض، والجملة في موضع نصب على الحال (2).
«لا تعدوا» من قوله تعالى: {وَقُلْنََا لَهُمْ لََا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} (3).
قرأ «ورش» «لا تعدوا» بفتح العين، وتشديد الدال، وذلك لأن أصلها «تعتدوا» مضارع «اعتدى يعتدي اعتداء» فنقلت حركة التاء الى العين، ثم أدغمت التاء في الدال، لوجود التجانس بينهما حيث انهما متفقان في المخرج، وفي كثير من الصفات، وبيان ذلك أن التاء والدال يخرجان من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، كما أنهما متفقان في الصفات الآتية: الشدة، والاستفال، والانفتاح والاصمات.
__________
(1) سورة النساء آية 90.
(2) قال ابن الجزري: وحصرت حرك ونون ظلعا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 33. والمهذب في القراءات العشر ح 1 ص 166.
(3) سورة النساء آية 154.(2/252)
والاعتداء: مجاوزة الحق، ومنه قوله تعالى: {وَلََا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرََاراً لِتَعْتَدُوا} (1).
وقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللََّهِ فَلََا تَعْتَدُوهََا} (2).
وقرأ «أبو جعفر، وقالون» في أحد وجهيه «تعدوا» باسكان العين، وتشديد الدال، وذلك لأن أصلها «تعتدوا» فأدغمت التاء في الدال، لوجود التجانس بينهما.
والوجه الثاني «لقالون» هو اختلاس فتحة العين مع تشديد الدال.
وقرأ الباقون «تعدوا» باسكان العين، وضم الدال مخففة، على أنه مضارع «عدا يعدو عدوا وعدوانا» (3).
ومنه قوله تعالى: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} (4).
قال «الراغب الاصفهاني» في مادة «عدا»:
«العدو: التجاوز، ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلب فيقال له العداوة، والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الاخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان، والعدو، قال تعالى: {فَيَسُبُّوا اللََّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام 108] (5).
«وأرجلكم» من قوله تعالى:
__________
(1) سورة البقرة آية 231.
(2) سورة البقرة آية 229.
(3) قال ابن الجزري: تعدوا فحرك جد وقالون اختلس بخلف واشددن له ثم أنس.
(4) سورة الأعراف آية 163.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 38. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 401. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 175.
(5) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 326.(2/253)
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1).
فقرأ «نافع، وابن عامر، وحفص، والكسائي، ويعقوب» «وأرجلكم» بنصب اللام، وذلك عطفا على الأيدي، والوجوه، وعليه يكون المعنى:
فاغسلوا وجوهكم، وأيديكم الى المرافق، وأرجلكم الى الكعبين، وامسحوا برءوسكم، وحينئذ يكون هناك تقديم وتأخير في الآية، وذلك جائز في اللغة العربية، لأن الواو لمطلق الجمع فلا تقتضي الترتيب.
وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {يََا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرََّاكِعِينَ} (2).
والمعنى: واركعي، واسجدي، لأن الركوع قبل السجود.
والسنة المطهرة جاءت بغسل الرجلين، يؤيد ذلك الحديث التالي:
فعن «عبد الله الصنابحي» رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«اذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر (3) خرجت الخطايا من أنفه، فاذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه (4) فاذا غسل يديه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج تخرج من أظفار يديه، فاذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فاذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه الى المسجد وصلاته نافلة» (5).
__________
(1) سورة المائدة رقم 6.
(2) سورة آل عمران آية 43.
(3) الاستنثار: اخراج الماء من الأنف.
(4) أشفار: جمع شفر، وشفر الجفن: حرفه الذي ينبت عليه الهدب: بضم الهاء، وسكون الدال، انظر المعجم الوسيط ح 1ص 489.
(5) رواه مالك، والنسائي، وابن ماجة وقال صحيح، انظر: الترغيب والترهيب ح 1 ص 189.(2/254)
وقرأ باقي القراء «وأرجلكم» بخفض السلام، وذلك عطفا على «برءوسكم» لفظا ومعنى، ثم نسخ المسح بوجوب الغسل وفقا لما جاءت به السنة المطهرة: العملية، والقولية، كما أجمع المسلمون على غسل الرجلين.
أو بحمل المسح على بعض الأحوال وهو للسن الخف (1).
«والعين، والأنف، والأذن، والسن، الجروح» من قوله تعالى:
{وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصََاصٌ} (2).
قرأ «الكسائي» والعين، والأنف، والأذن، والسن، والجروح» هذه الأسماء الخمسة بالرفع، وذلك على الاستئناف، والواو لعطف جملة اسمية على اخرى، على تقدير أن «أن» وما في حيزها من قوله تعالى:
{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} في محل رفع باعتبار المعنى، كأنه تعالى قال:
وكتبنا على بني اسرائيل في التوراة: النفس تقتل بالنفس، والعين تفقا بالعين، والأنف يجدع بالأنف، والأذن تقطع بالأذن، والسن تقلع بالسن، والجروح قصاص، أي يقتص فيها اذا امكن كاليد، والرجل، ونحو ذلك.
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر» بنصب الأربعة الأول، عطفا على اسم «أن» ورفع «والجروح» قطعا لها عما قبلها على أنها مبتدأ و «قصاص» خبر.
__________
(1) قال ابن الجزري: أرجلكم بنصب ظبا عن كم أضارد.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 40. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 406. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 180.
(2) سورة المائدة آية 45.(2/255)
وقرأ الباقون بنصب الكلمات الخمس، عطفا على اسم «أن» لفظا، والجار والمجرور بعد خبر، و «قصاص» خبر أيضا، وهو من عطف الجمل على الجمل.
والتقدير: وكتبنا على بني اسرائيل في التوراة ان النفس تقتل بالنفس، وأن العين تفقأ بالعين، وأن الأنف يجدع بالأنف، وأن الأذن تقطع بالأذن، وأن السن تقطع بالسن، وأن الجروح قصاص (1).
«والكفار» من قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفََّارَ أَوْلِيََاءَ} (2).
قرأ «أبو عمرو، والكسائي، ويعقوب» «والكفار» بخفض الراء، وذلك عطفا على «الذين» المجرور بمن، وهو قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
وقرأ الباقون «والكفار» بنصب الراء، وذلك عطفا على «الذين» الأول الواقع مفعول، وهو قوله تعالى: {لََا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ} الخ (3).
«وعبد الطاغوت» من قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذََلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللََّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللََّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنََازِيرَ وَعَبَدَ الطََّاغُوتَ} (4).
__________
(1) قال ابن الجزري: والعين والعطف ارفع الخمس رنا ... وفي الجروح ثبت حبركم ركا
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 41. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 409. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 187.
(2) سورة المائدة آية 57.
(3) قال ابن الجزري: وخفض والكفار رم حما.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 43. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 413. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 191.
(4) سورة المائدة آية 60.(2/256)
قرأ «حمزة» «وعبد» بضم الباء، وفتح الدال، و «الطاغوت» بجر التاء، «عبد» مثل «كرم» فهو بتاء للمبالغة والكثرة، والمراد به واحد، وليس بجمع «عبد» و «الطاغوت» مجرور بالاضافة، والمعنى: وجعلنا منهم عبد الطاغوت، والمراد بالطاغوت: الشيطان.
وقرأ الباقون «وعبد» بفتح الباء، والدال، على أنه فعل ماض و «الطاغوت» بنصب التاء، مفعول به للعبد، والمعنى: وجعل منهم من عبد الطاغوت (1).
«فجزاء مثل» من قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2).
قرأ «عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» بتنوين همزة «جزاء» ورفع لام «مثل» على أن «مثل» صفة «الجزاء» و «جزاء» مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: فعلى القاتل جزاء مماثل للمقتول من الصيد في القيمة، أو في الخلقة.
أو على أن «جزاء» خبر لمبتدإ محذوف، اي فالواجب جزاء، أو فاعل لفعل محذوف، أي فلزمه جزاء.
وبعدت الاضافة في المعنى، لأنه في الحقيقة ليس على قاتل الصيد جزاء ما قتل، بل عليه جزاء المقتول بعينه، لا جزاء مثله، لأن مثل المقتول من الصيد لم يقتله.
وقرأ الباقون بحذف «جزاء» وخفض لام «مثل» وذلك على اضافة «جزاء» الى «مثل» وذلك لأن العرب تستعمل في إرادة الشيء مثله
__________
(1) قال ابن الجزري: عبد بضم بائه وطاغوت اجرر فوزا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 43. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 414. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 191.
(2) سورة المائدة آية 95.(2/257)
يقولون: «اني اكرم مثلك» أي أكرمك، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} (1) أي بما آمنتم به لا بمثله، لأنهم اذا آمنوا بمثله لم يؤمنوا، فالمراد بالمثل الشيء بعينه.
وحينئذ يكون المعنى على الاضافة: فجزاء المقتول من الصيد يحكم به ذوا عدل منكم (2).
«كفارة طعام» من قوله تعالى: {أَوْ كَفََّارَةٌ طَعََامُ مَسََاكِينَ} (3)
كفارة «نافع، وابن عامر وابو جعفر» «قرأ» بغير تنوين، و «طعام» بالخفض على الاضافة، وذلك على أن «كفارة» خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: أو عليه كفارة طعام مساكين.
وقرأ الباقون «كفارة» بالتنوين، و «طعام» بالرفع، وذلك على أن «كفارة» خبر لمبتدإ محذوف، و «طعام» عطف بيان على «كفارة» لأن الكفارة هي الطعام، والتقدير: أو عليه كفارة هي طعام مساكين (4).
تنبيه: اتفق القراء العشرة على قراءة «مساكين» هذا بالجمع، لأن قتل الصيد لا يجزئ فيه إطعام مسكين واحد، بل جماعة مساكين.
__________
(1) سورة البقرة آية 137.
(2) قال ابن الجزري: جزاء تنوين كفى ظهر أو مثل رفع خفضهم سم.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 44. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 418. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 195.
(3) سورة المائدة آية 95.
(4) قال ابن الجزري: جزاء تنوين عفا ... ظهراء مثل رفع خفضهم وسم
والعكس في كفارة طعام عم انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 45. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 418.(2/258)
«يستطيع ربك» من قوله تعالى: {إِذْ قََالَ الْحَوََارِيُّونَ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنََا مََائِدَةً مِنَ السَّمََاءِ} (1).
قرأ «الكسائي» «تستطيع» بتاء الخطاب مع إدغام لام «هل» في تاء «تستطيع» والمخاطب سيدنا «عيسى» عليه السلام، «ربك» بالنصب على التعظيم، والمعنى: هل تستطيع سؤال ربك، وهو استفهام فيه معنى الطلب، أي: اسأل لنا ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء.
وقرأ الباقون «يستطيع» والمعنى: هل يطيعك ربك ويجيبك على مسألتك، واستطاع حينئذ تكون بمعنى أطاع.
ويجوز أن يكونوا سألوه سؤال مختبر هل ينزل أو لا، وذلك لأن الحواريين مؤمنون ولا يشكون في قدرة الله تعالى (2).
جاء في «المفردات»: «الاستطاعة» من الطوع، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتيا.
وهي عند المحققين اسم للمعاني التي بها يتمكن الانسان مما يريده، من إحداث الفعل أهـ (3).
وجاء في «التاج»: «الاستطاعة»: القدرة على الشيء.
وقيل: هي «استفعال» من «الطاعة».
وفي البصائر للمصنف: الاستطاعة، اصله «الاستطواع» فلما اسقطت الواو جعلت «الهاء» بدلا عنها أهـ (4).
__________
(1) سورة المائدة آية 112.
(2) قال ابن الجزري: ويستطيع ربك سوي عليهم.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 46. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 432. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 199.
(3) انظر: المفردات مادة «طوع» ص 310.
(4) انظر: تاج العروس مادة «طوع» ح 5ص 444.(2/259)
«يوم» من قوله تعالى: {قََالَ اللََّهُ هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (1).
قرأ «نافع» «يوم» بالنصب على الظرفية، وهذا مبتدأ، والخبر متعلق الظرف، والتقدير: هذا القول واقع يوم ينفع الصادقين صدقهم.
وقرأ الباقون «يوم» بالرفع، على أنه خبر، و «هذا» مبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول (2).
«ربنا» من قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} (3).
قرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «ربنا» بنصب الباء، وذلك على النداء، أو على المدح، وفصل به بين القسم وجوابه، وذلك حسن، لأن فيه معنى الخضوع والتضرع حين لا ينفع ذلك.
وقرأ الباقون «ربنا» بجر الباء، على أنها بدل من لفظ الجلالة «الله» أو نعت، أو عطف بيان (4).
«الرب» في الأصل: «التربية» وهو إنشاء الشيء حالا فحالا الى حد التمام.
__________
(1) سورة المائدة آية 119.
(2) قال ابن الجزري: يوم انصب الرفع أوى.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 47. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 423. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 200.
(3) سورة الانعام آية 23.
(4) قال ابن الجزري: ربنا النصب شفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 48. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 427. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 204.(2/260)
يقال «ربه ورباه، ورببه» وقيل: «لأن يربيني رجل من قريش أحب إلي من أن يربيني رجل من «هوازن».
والرب: مصدر مستعار للفاعل.
ولا يقال «الرب» مطلقا الا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات (1).
والرب: جمعه «أربة» بكسر الراء، وتشديد الباء، وأرباب، «وربوب» بضم الراء، والباء.
قال الشاعر:
كانت أربتهم حفر وغرهم ... عقد الجوار وكانوا معشرا غدرا (2)
وقال آخر:
وكنت أمرا افضت اليك ربابتي (3) ... وقبلك ربني فضعت ربوب (4)
واختص «الرابّ» بتشديد الباء، «والرابّة» بتشديد الباء أيضا بأحد الزوجين اذا تولى تربية الولد من زوج كان قبله.
والربيب، والربيبة بذلك الولد (5).
وجاء في «تاج العروس»: «الرب»: هو الله عز وجل، وهو رب لكل شيء، أي مالكه وله الربوبية على جميع الخلق لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الملوك والأملاك.
قال «أبو منصور الأزهري» ت 370هـ:
__________
(1) انظر: المفردات مادة «ربب» ص 184.
(2) غدرا: بضم الغين، والدال.
(3) ربابتي: بكسر الراء.
(4) ربوب: بضم الراء، والباء.
(5) انظر: المفردات مادة «ربب» ص 185.(2/261)
الرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والمتمم» أهـ (1).
«ولا نكذب ونكون» من قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النََّارِ فَقََالُوا يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ وَلََا نُكَذِّبَ بِآيََاتِ رَبِّنََا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
قرأ «حفص، وحمزة، ويعقوب» بنصب الباء في «ولا نكذب» ونصب النون في «ونكون» على أن «ولا نكذب» منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية في جواب التمني، «ونكون» معطوف عليه.
وقرأ «ابن عامر» برفع الباء في «ولا نكذب» وذلك عطفا على «نرد» ونصب النون في «ونكون» بأن مضمرة بعد واو المعية.
وقرأ الباقون برفع الفعلين، وذلك عطفا على «نرد» والتقدير: يا ليتنا نرد الى الدنيا مرة ثانية ونوفق للتصديق والايمان (3).
«وللدار الآخرة» من قوله تعالى: {وَلَلدََّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} (4).
قرأ «ابن عامر» «ولدار» بلام واحدة، كما هي مرسومة في المصحف الشامي (5) وهي لام الابتداء، وقرأ كذلك بتخفيف الدال، وخفض تاء «الآخرة» على الاضافة مع حذف الموصوف، والتقدير: ولدار الحياة الآخرة الخير للذين يتقون.
__________
(1) انظر: تاج العروس مادة «ربب» ح 1ص 260.
(2) سورة الأنعام آية 27.
(3) قال ابن الجزري: نكذب بنصب رفع فوز ظلم عجب كذا نكون معهم شام والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 204. انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 48. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 427.
(4) سورة الأنعام آية 32.
(5) قال ابن عائر: للدار للشام بلام.(2/262)
وقرأ الباقون «وللدار» بلامين: لام الابتداء، ولام التعريف، مع تشديد الدال بسبب ادغام لام التعريف في الدال، لوجود التقارب بينهما في المخرج، اذ اللام تخرج من ادنى حافتي اللسان بعد مخرج الضاد الى منتهى طرفه مع ما يليها من أصول الثنايا العليا والدال تخرج من طرف اللسان مع ما فوقه من الحنك الأعلى كما أنهما متفقتان في الصفات التالية الجهر، والاستفال، والانفتاح (1).
كما قرءوا برفع تاء «الآخرة» على انها صفة «للدار» و «خير» خبرها وهذه القراءة موافقة لرسم باقي المصاحف (2).
«ولتستبين سبيل» من قوله تعالى: {وَكَذََلِكَ نُفَصِّلُ الْآيََاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (3).
قرأ «نافع، وأبو جعفر» «ولتستبين» بتاء الخطاب، ونصب لام «سبيل» على أن «تستبين» فعل مضارع من «استبنت الشيء» المعدي، و «سبيل» مفعول به والمعنى:
ولتستوضح يا «محمد» سبيل أي طريق المجرمين.
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، ويعقوب» «ولتستبين» بتاء التأنيث، ورفع لام «سبيل» على أن «تستبين» فعل مضارع من «استبان» اللازم نحو «استبان الصبح» بمعنى: ظهر، وبناء عليه يكون «تستبين» فعل مضارع و «سبيل» فاعل، وجاز تأنيث الفعل
__________
(1) انظر: الرائد في تجويد القرآن ص 4838.
(2) قال ابن الجزري: وخف للدار الآخرة خفض الرفع كف انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 49. والكشف عن وجوه القراءات ح 1 ص 429. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 204.
(3) سورة الأنعام آية 55.(2/263)
لأن الفاعل مؤنث مجازيا، وعليه قول الله تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللََّهِ} (1).
وقرأ «شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «وليستبين» بياء التذكير، ورفع لام «سبيل» وتوجيهها كتوجيه قراءة «ابن كثير» ومن معه، لكن على تذكير الفعل، وعليه قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} (2).
«درجات» من قوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجََاتٍ مَنْ نَشََاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (3).
ومن قوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجََاتٍ مَنْ نَشََاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (4).
قرأ «عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «درجات» في السورتين بتنوين التاء، وذلك على أن الفعل مسلط على «من» المرفوع في الحقيقة هو صاحب الدرجات، لا الدرجات، كقوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجََاتٍ} (5).
وبناء عليه يكون «درجات» منصوبا على الظرفية، و «من» مفعول «نرفع» والتقدير: نرفع من نشاء مراتب ومنازل.
وقرأ «يعقوب» بتنوين التاء في موضع الانعام فقط.
__________
(1) قال ابن الجزري: ويستبين صون فن روى سبيل لا المديني انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 52. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 433. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 209. سورة يوسف آية 108.
(2) سورة الأعراف آية 146.
(3) سورة الأنعام آية 83.
(4) سورة يوسف آية 76.
(5) سورة البقرة آية 253.(2/264)
وقرأ الباقون «درجات» بغير تنوين، وذلك على أن الفعل مسلط على «درجات» فتكون مفعول «نرفع» ودرجات مضافا و «من» مضافا اليه، لأن الدرجات اذا رفعت فصاحبها مرفوع اليها، كما في قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجََاتِ} [غافر 15] فأضاف الرفع الى «درجات».
فالقراءتان متقاربتان في المعنى، لأن من رفعت درجاته فقد رفع، ومن رفع فقد رفعت درجاته.
وقرأ «يعقوب» بغير تنوين في موضع يوسف فقط (1).
«الدرجة» نحو المنزلة درجة اذا اعتبرت بالصعود، دون الامتداد على البسيط كدرجة السلم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة.
قال تعالى: {وَلِلرِّجََالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (1) تنبيها لرفعه منزلة الرجال على النساء في العقل، والسياسة ونحو ذلك (3).
وجاء في «التاج»: «ومن المجاز» يقال: «درج الرجل» كسمع: اذا صعد في المراتب، لأن «الدرجة» بمعنى المنزلة، والمرتبة (4).
«ولتنذر» من قوله تعالى: {وَهََذََا كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ مُبََارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ََ وَمَنْ حَوْلَهََا} (5).
قرأ «شعبة» «ولينذر» بياء الغيبة، على أن الفعل مسند الى ضمير
__________
(1) قال ابن الجزري: ودرجات نونوا كفا معا يعقوب معهم هنا انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 55. والمهذب في القراءات العشر ح 1 ص 215، 342. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 437.
(3) انظر: المفردات مادة «درج» ص 167.
(4) تاج العروس مادة «درج» ح 2ص 40.
(5) سورة الأنعام آية 92.(2/265)
«الكتاب» والمراد به «القرآن الكريم» كما قال تعالى في سورة إبراهيم عليه السلام: {هََذََا بَلََاغٌ لِلنََّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (1).
وكما قال تعالى في سورة الأنبياء: {قُلْ إِنَّمََا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (2).
وقرأ الباقون «ولتنذر» بتاء الخطاب، والمخاطب الرسول «محمد» صلى الله عليه وآله وسلم فهو فاعل الانذار، كما قال تعالى في سورة النازعات: {إِنَّمََا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشََاهََا} [الآية 45] (3).
«والانذار»: أخبار فيه تخويف، قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نََاراً تَلَظََّى} (4).
«بينكم» من قوله تعالى: {وَمََا نَرى ََ مَعَكُمْ شُفَعََاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكََاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (5).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وشعبة، وحمزة، ويعقوب وخلف العاشر» «بينكم» برفع النون، على أن «بين» اسم غير ظرف معناه «الوصل» فأسند الفعل اليه، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، واذا تقطع وصلهم افترقوا، وهو المعنى المراد من الآية.
وانما استعملت بمعنى «الوصل» لأنها تستعمل كثيرا مع السببين المتلابسين بمعنى الوصل، تقول: بيني وبينه رحم وصداقة، أي بيني وبينه صلة، فلما استعملت بمعنى الوصل جاز استعمالها في الآية كذلك.
__________
(1) آية 52.
(2) آية 45.
(3) قال ابن الجزري: ينذر صف.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 56. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 440. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 216.
(4) سورة الليل آية 14.
(5) سورة الأنعام آية 94.(2/266)
ويجوز أن نكون «بين» ظرف، وجاء اسناد الفعل اليه لأنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها، فأسند الفعل اليه مجازا كما أضيف اليه في قوله تعالى: {شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} (1).
وقرأ الباقون «بينكم» بنصب النون، على أنها ظرف «لتقطع» والفاعل ضمير والمراد به «الوصل» لتقدم ما يدل عليه وهو لفظ «شركاء» والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم، ودل على حذف «الوصل» قوله تعالى: {وَمََا نَرى ََ مَعَكُمْ شُفَعََاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكََاءُ} فدل هذا على التقاطع، والتهاجر بينهم وبين شركائهم اذ تبرءوا منهم ولم يكونوا معهم، وتقاطعهم لهم هو ترك وصلهم لهم، فحسن اضمار «الوصل» بعد «تقطع» لدلالة الكلام عليه (2).
جاء في «المفردات»: «بين» موضوع للخلالة (3) بين الشيئين ووسطهما، قال تعالى: {وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمََا زَرْعاً} (4).
«وبين» يستعمل تارة اسما، وتارة ظرفا:
فمن قرأ «بينكم» برفع النون جعله اسما.
ومن قرأ «بينكم» بنصب النون جعله ظرفا غير متمكن.
فمن الظرف قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (5).
__________
(1) سورة المائدة آية 106.
(2) قال ابن الجزري: بينكم ارفع في كلا حق صفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 1ص 56. والكشف عن وجوه القراءات ح 1ص 440. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 217.
(3) الخلالة بكسر الخاء: الفرجة بين الشيئين، قال تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ}
سورة التوبة آية 47.
(4) سورة الكهف آية 32.
(5) سورة الحجرات آية 1.(2/267)
ولا يستعمل «بين» الا فيما كان له مسافة، نحو: «بين البلدين».
أوله عدد ما: اثنان فصاعدا، نحو: «بين الرجلين وبين القوم».
ولا يضاف الى ما يقتضي معنى الوحدة الا اذا كرر، نحو قوله تعالى:
{فَاجْعَلْ بَيْنَنََا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} (1).
«وبين» يزاد فيه «ما» أو «الالف» فيجعل بمنزلة «حين» نحو:
«بينما زيد يفعل كذا» «وبينا يفعل كذا» أهـ (2).
جاء في «التاج»: قال «ابن سيده» ت 458هـ (3).
«ويكون» «البين» اسما وظرفا متمكنا، وفي التنزيل العزيز، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مََا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام 94].
قرئ «بينكم» بالرفع، والنصب.
فالرفع على الفعل، أي تقطع وصلكم.
والنصب على الحذف، يريد ما بينكم (4).
وقال «ابن الأعرابي» ت 231هـ: (5).
__________
(1) سورة طه آية 58.
(2) انظر: المفردات مادة «بين» ص 6867.
(3) هو: علي بن اسماعيل الأندلسي «أبو الحسن» الضرير، عالم بالنحو، واللغة، والأشعار، وأيام العرب، ولد «بمرسية» من تصانيفه: المحكم والمحيط الأعظم في لغة العرب رتبه على حروف المعجم في اثني عشر مجلدا، والمخصص في اللغة، وشرح الحماسة لأبي تمام في عشرة أسفار، والوافي في علم القوافي ت عام 458هـ 1066م:
انظر ترجمته في: معجم المؤلفين ح 9ص 36.
(4) انظر: تاج العروس مادة «بين» ج 9ص 148.
(5) هو: محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، الكوفي «أبو عبد الله» ولد بالكوفة، وسمع من «المفضل الضبي» الدواوين، وصححها، وأخذ عن «الكسائي».
من آثاره: النوادر، تاريخ القبائل، معاني الشعر، تفسير الأمثال، صفة الزرع، توفي(2/268)
«قراءة النصب معناها: لقد تقطع الذي كان بينكم» أهـ.
وقال «الزجاج»: إبراهيم بن السري ت 311هـ:
«قراءة النصب معناها: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم» أهـ (1). {وَكَذََلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} (2).
قرأ «ابن عامر» «زين» بضم الزاي، وكسر الياء بالبناء للمفعول، قرأ «قنبل» برفع اللام نائب فاعل «زين» و «أولادهم» بالنصب، مفعول بالمصدر وهو «قتل» و «شركائهم» بالخفض، وذلك على اضافة قتل اليه، وهي من اضافة المصدر الى فاعله.
وقرأ الباقون «زين» بفتح الزاي والياء مبينا للفاعل، و «قتل» بنصب اللام مفعول به، و «أولادهم» بالخفض على الاضافة الى المصدر، و «شركاؤهم» بالرفع فاعل «زين».
والمعنى: زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم تقربا لآلهتهم، أو بالوأد خوف العار، أو الفقر (3).
تنبيه: طعن بعض القاصرين من قراءة «ابن عامر» بحجة أنه لا يجوز الفصل بين المتضايفين الا بالظرف وفي الشعر خاصة، لأنهما كالكلمة الواحدة.
__________
«بسر من رأى» عام 231هـ 846م.
انظر ترجمته في معجم المؤلفين ح 10ص 11.
(1) انظر: تاج العروس مادة «بين» ج 9ص 148.
(2) سورة الأنعام الآية 137.
(3) قال ابن الجزري:
زين ضم اكسر وقتل الرفع كسر ... أولاد نصب شركائهم بجر رفع كدا
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 64. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 453. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 326.(2/269)
واقول لهؤلاء الجاحدين هذا الكلام يعتبر لا قيمة له، واعتراض لا وجه له لأنه ورد من لسان العرب ما يشهد لصحة قراءة «ابن عامر» نثرا ونظما، فقد نقل بعض الأئمة الفصل بالجملة فضلا عن المفرد في قولهم: «غلام ان شاء الله اخيك» وقال عليه الصلاة والسلام، وهو أفصح العرب على الاطلاق: «فهل أنتم تاركو إلي صاحبي» ففصل بالجار والمجرور.
ومن الشعر قول «الأخفش»: سعيد بن مسعدة: «فزججتها بمزجة زجّ القلوص أبي مزادة» أي زجّ أبي مزادة القلوص، فالقلوص مفعول به للمصدر، وفصل به بين المضافين وهو غير ظرف.
اذا فقراءة «ابن عامر» صحيحة وثابتة بطريق التواتر حتى وصلت الينا وقد تلقيتها والحمد لله عن مشايخي بطريق صحيح.
وهي أيضا موافقة لرسم المصحف الشامي، ولقواعد اللغة العربية نثرا ونظما والله اعلم «عشر أمثالها» من قوله تعالى: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (1).
قرأ «يعقوب» «عشر» بالتنوين، «وأمثالها» بالرفع، وذلك على أن «عشر» مبتدأ مؤخر، خبره الجار والمجرور قبله، و «أمثالها» صفة لعشر.
وقرأ الباقون «عشر» بدون تنوين، و «أمثالها» بخفض اللام، وذلك على أن «عشر» مبتدأ مؤخر، خبره الجار والمجرور قبله، وعشر مضاف وأمثال مضاف اليه، وأمثال مضاف والهاء مضاف اليه (2).
__________
(1) سورة الانعام آية 160.
(2) قال ابن الجزري:
وعشر نون بعد ارفعا ... خفضا ليعقوب(2/270)
«ولباس» من قوله تعالى: {وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ ذََلِكَ خَيْرٌ} (1).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، ويعقوب، وخلف العاشر».
«ولباس» برفع السين، على أن «ولباس» مبتدأ.
«والتقوى» مضاف اليه، كما أضيف الى الجوع في قوله تعالى: {فَأَذََاقَهَا اللََّهُ لِبََاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمََا كََانُوا يَصْنَعُونَ} (2).
«وذلك» مبتدأ ثان، «وخير» خبر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر «ولباس» والرابط اسم الاشارة.
والمعنى: ولباس التقوى ذلك خير لصاحبه عند الله تعالى: مما خلق له من لباس الثياب، والرياش، ما يتجمل به في الدنيا.
وقرأ الباقون «ولباس» بنصب السين، عطفا على «لباس» في قوله تعالى: {أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً}.
والمعنى: أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا وأنزلنا لباس التقوى (3).
تنبيه: اعلم أن خبر المبتدأ يأتي مفردا، ويأتي جملة: فإن كان مفردا فإما أن يكون جامدا، أو مشتقا.
__________
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 70. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 233.
(1) سورة الأعراف آية 26.
(2) سورة النحل آية 112.
(3) قال ابن الجزري: لباس الرفع نل حقا فتى.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 73. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 460. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 236.(2/271)
فان كان جامدا فإنه يكون مجردا من الضمير نحو: «زيد اخوك» وذهب «الكسائي» ت 180هـ. والرماني، علي بن عيسى ت 384هـ وجماعة من النحاة الى أنه يتحمل الضمير، والتقدير عندهم: «زيد أخوك هو».
أما البصريون فقالوا: اما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق أو لا:
فان تضمن معنى المشتق نحو: «زيد أسد» أي شجاع تحمل الضمير.
وان لم يتضمن معنى المشتق لم يتحمل الضمير.
وهذا الحكم انما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل: كاسم الفاعل.
واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا، وذلك كأسماء «الآلة» نحو «مفتاح» فانه مشتق من «الفتح» ولا يتحمل ضميرا، فإن قلت:
«هذا مفتاح» لم يكن فيه ضمير.
وانما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير اذا لم يرفع ظاهرا، فان رفعه لم يتحمل ضميرا، وذلك نحو: «زيد قائم غلاماه» فغلاماه:
مرفوع بقائم فلا يتحمل الضمير (1).
قال ابن مالك:
والمفرد الجامد فارغ وان ... يشتق فهو ذو ضمير مستكن
واذا كان خبر المبتدأ جملة فإما ان تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا: فان كانت هي المبتدأ في المعنى لم تحتج الى رابط يربطها
__________
(1) انظر: شرح ابن عقيل ج 1ص 206205(2/272)
بالمبتدإ، كقولك: «نطقي الله حسبي» «فنطقي» مبتدأ أول، «والله» مبتدأ ثان، «وحسبي» خبر المبتدأ الثاني.
والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، واستغني عن الرابط، لأن قولك: «الله حسبي» هو معنى «نطقي».
وان لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد من رابط يربطها بالمبتدإ:
والرابط واحد من أربعة:
الأول: ضمير يرجع الى المبتدأ، نحو: «زيد قائم أبوه».
والثاني: إشارة الى المبتدأ، كقوله تعالى: {وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ ذََلِكَ خَيْرٌ} على قراءة من رفع سين «ولباس».
والثالث: تكرار المبتدأ بلفظه، كقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ}.
والرابع: عموم يدخل تحته المبتدأ، نحو: «زيد نعم الرجل» (1).
قال ابن مالك:
ومفردا يتى ويأتي جملة ... حاوية معنى الذي سيقت له
وان يكن اياه اكتفى ... بها كنطقي الله حسبي وكفى
يقال: «لبست الثوب» بكسر الباء: أي استترت به من باب «تعب» «لبسا» بضم اللام.
«واللبس» بكسر اللام، «واللباس»: ما يلبس.
وجمع «اللباس» «لبس» بضم اللام، والباء، مثل «كتاب وكتب».
ويعدّى بالهمزة الى مفعول ثان، فيقال: «ألبسته الثوب» (2).
__________
(1) انظر: شرح ابن عقيل ج 1ص 204202.
(2) انظر: القاموس المحيط ج 2ص 257. والمصباح المنير ج 2ص 548.(2/273)
وجعل اللباس لكل ما يغطي من الانسان عن قبيح، فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث أنه يمنعها، ويصدها عن تعاطي القبيح، قال تعالى: {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ} (1).
وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه، قال تعالى: {وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ ذََلِكَ خَيْرٌ} (2).
«خالصة» من قوله تعالى: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا خََالِصَةً يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (3).
قرأ «نافع» «خالصة» برفع التاء، على أنها خبر «هي» «وللذين آمنوا» متعلق «بخالصة».
ويجوز أن يكون «خالصة» خبرا ثانيا «لهي» «وللذين آمنوا» الخ الخبر الأول.
والمعنى: قل هي للذين آمنوا في الحياة مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة.
وقرأ الباقون «خالصة» بالنصب على الحال من المضمر في «للذين» والعامل في الحال «الاستقرار، والثبات» الذي قام «للذين آمنوا» مقامه.
فالظروف، وحروف الجر والمجرور، تعمل في الأحوال اذا كانت أخبارا عن المبتدأ، لأن فيها ضميرا يعود على المبتدأ، ولأنها قامت مقام محذوف جار على الفعل، هو العامل في الحقيقة وهو الذي فيه الضمير فعلى الحقيقة.
__________
(1) سورة البقرة آية 187.
(2) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 447سورة الأعراف آية 26.
(3) سورة الأعراف آية 32.(2/274)
قال ابن مالك:
وأخبروا بظرف أو بحرف جر ... ناوين معنى كائن او استقر
والمعنى على هذه القراءة: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة. حال كونها خالصة لهم يوم القيامة (1).
يقال: «خلص» الشيء من التلف بفتح الخاء، واللام «خلوصا» من باب «قعد قعودا».
«وخالصة، وخلاصا، ومخلصا»: سلم، ونجا.
«والصافي» قد يقال لما لا شوب فيه (2).
والخالص كالصافي. الا أن «الخالص» هو ما زال عنه شوبه بعد ان كان فيه.
وخلص الماء من الكدر: «صفا» (3).
«والشمس والقمر والنجوم مسخرات» من قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللََّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ ثُمَّ اسْتَوى ََ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهََارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرََاتٍ بِأَمْرِهِ} (4).
قرأ «ابن عامر» برفع الأسماء الأربعة: «والشمس والقمر والنجوم مسخرات» على ان «والشمس» مبتدأ، «والقمر، والنجوم» معطوفان عليه، «ومسخرات» خبر المبتدأ.
__________
(1) قال ابن الجزري: خالصة اذ.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 73. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 461. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 237.
(2) انظر: القاموس المحيط ج 2ص 312.
والمصباح المنير ج 1ص 177.
(3) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 154.
(4) سورة الأعراف آية 54.(2/275)
وقرأ الباقون بنصب الأسماء الأربعة، على أن «الشمس والقمر، والنجوم» معطوفة على «السموات» الواقعة مفعولا الى «خلق» «ومسخرات» حال من هذه المفاعيل منصوبة بالكسرة (1).
«نكدا» من قوله تعالى: {وَالَّذِي خَبُثَ لََا يَخْرُجُ إِلََّا نَكِداً} (2).
قرأ «ابو جعفر» «نكدا» بفتح الكاف، على أنه مصدر بمعنى ذا نكد.
وقرأ الباقون «نكدا» بكسر الكاف، على الحال (3).
«والنكد»: كل شيء خرج الى طلبه بتعسير (4).
ويقال: «نكد» عيشه «كفرح»: اشتد، وعسر (5).
ويقال: ايضا: «نكد» «نكدا» من باب «تعب» فهو «نكد» «تعسر» و «نكد» العيش «نكدا»: اشتد (5).
«من اله غيره» من قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (7).
__________
(1) قال ابن الجزري: والشمس ارفعا كالنحل مع عطف الثلاث كم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 75. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 465. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 241.
(2) قال ابن الجزري: نكدا فتح ثما انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 76. والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص. واعراب القرآن لابن النحاس ج 1ص 620. واعراب القرآن للعكبري ج 1 ص 277. سورة الأعراف آية 58.
(3) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 505.
(4) انظر: القاموس المحيط ج 1ص 355.
(5) انظر: المصباح المنير ج 2ص 625.
(7) سورة الأعراف آية 59.(2/276)
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (1).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (2).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (3).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (4).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (5).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (6).
ومن قوله تعالى: {فَقََالَ يََا قَوْمِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (7).
ومن قوله تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (8).
قرأ «الكسائي، وأبو جعفر» «غيره» في المواضع المتقدمة بخفض الراء، وكسر الهاء بعدها، وذلك على النعت، أو البدل من «اله» لفظا.
وقرأ الباقون «غيره» برفع الراء، وضم الهاء، وذلك على النعت، أو البدل من «اله» محلا، لأن «من» زائدة، «واله» مبتدأ (9).
__________
(1) سورة الأعراف آية 65.
(2) سورة الأعراف آية 73.
(3) سورة الأعراف آية 85.
(4) سورة هود آية 50.
(5) سورة هود آية 61.
(6) سورة هود آية 84.
(7) سورة المؤمنون آية 23.
(8) سورة المؤمنون آية 32.
(9) قال ابن الجزري:
ورا اله غيره اخفض حيث جا ... رفعا شفا رد
النشر في القراءات العشر ج 3ص 76. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 467. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 242.(2/277)
قال «ابن هشام» ت 761هـ.
«غير»: اسم ملازم للاضافة في المعنى، ويجوز أن يقطع عنها لفظا ان فهم المعنى، وتقدمت عليها كلمة «ليس».
وقولهم: «لا غير» لحن، ويقال: «قبضت عشرة ليس غيرها» برفع «غير» على حذف الخبر، أي «مقبوضا».
وبنصبها على اضمار «الاسم» أي ليس المقبوض غيرها (1).
ثم قال: «ولا تتعرف» «غير» بالاضافة لشدة ابهامها.
وتستعمل «غير» المضافة لفظا على وجهين:
أحدهما: وهو الأصل: أن تكون صفة للنكرة، نحو قوله تعالى:
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهََا رَبَّنََا أَخْرِجْنََا نَعْمَلْ صََالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنََّا نَعْمَلُ} (2).
أو صفة لمعرفة قريبة من النكرة، نحو قوله تعالى: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (3).
والثاني: أن تكون استثناء فتعرب باعراب الاسم التالي «الا» في ذلك الكلام، فتقول: «جاء القوم غير زيد» بالنصب، و «ما جاءني أحد غير زيد» بالنصب والرفع.
قال «ابن مالك»:
واستثن مجرورا بغير معربا ... بما لمستثنى بالا نسبا
وقرئ «ما لكم من اله غيره» بالجر على اللفظ.
__________
(1) انظر: مغني اللبيب ص 209.
(2) سورة فاطر آية 37.
(3) سورة الفاتحة آية 7.(2/278)
وبالرفع على الموضع» أهـ (1).
«أو أمن» من قوله تعالى {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنََا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2).
قرأ «نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر» «أو أمن» بسكون الواو من «أو» غير أن «ورشا» ينقل حركة الهمزة من «أمن» على الواو من «أو» على أصله.
ووجه من أسكن الواو أنه جعلها «أو» التي للعطف، على معنى الاباحة، مثل قوله تعالى: {وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (3).
أي لا تطع هذا الجنس.
فالمعنى: أفأمنوا هذه الضروب من العقوبات، أي: إن أمنتم ضربا منها لم تأمنوا الضرب الآخر.
ويجوز أن تكون «أو» لأحد الشيئين، كقولك: «ضربت زيدا أو عمرا» أي: ضربت احدهما، ولم ترد أن تبين المضروب منهما، وأنت عالم به من هو منهما، وليست هي «أو» التي للشك في هذا، إنما هي «أو» التي لأحد الشيئين غير معين، فيكون معنى الآية: أفأمنوا احدى هذه العقوبات.
وقرأ الباقون «أو أمن» بفتح الواو من «أو» على أن «واو» العطف دخلت عليها همزة الاستفهام، كما تدخل على «ثم» في نحو قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذََا مََا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} (4).
__________
(1) انظر: مغني اللبيب ص 210.
(2) سورة الأعراف آية 98.
(3) سورة الانسان آية 24.
(4) سورة يونس آية 51.(2/279)
ومثله قوله تعالى: {أَوَكُلَّمََا عََاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (1).
ويقوّى ذلك أن الحرف الذي قبله، والذي بعده، وهو «الفاء» دخلت عليه همزة الاستفهام:
فما قبله قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنََا بَيََاتاً وَهُمْ نََائِمُونَ} (2).
وما بعده قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللََّهِ} (3).
فحمل وسط الكلام على ما قبله، وما بعده، للمشاكلة، والمطابقة، في اتفاق اللفظ في دخول همزة الاستفهام (4).
«معذرة» من قوله تعالى: {قََالُوا مَعْذِرَةً إِلى ََ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (5).
قرأ «حفص» «معذرة» بنصب التاء، على المصدر، كأنهم لما قيل لهم: «لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا» قالوا:
نعتذر من فعلهم اعتذارا الى ربكم، فكأنه خبر مستأنف وقوله منهم.
وقرأ الباقون «معذرة» برفع التاء، على أنه خبر لمبتدإ محذوف دل عليه الكلام، والتقدير: موعظتنا معذرة، كأنهم لما قيل لهم: لم تعظون قوما الله مهلكهم الخ قالوا: موعظتنا معذرة لهم (6).
__________
(1) سورة البقرة آية 100.
(2) سورة الأعراف آية 97.
(3) سورة الأعراف آية 99.
(4) قال ابن الجزري: أو من الا سكان كم حرم انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 77. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 468. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 246.
(5) سورة الأعراف آية 164.
(6) قال ابن الجزري: وارفع نصب حفص معذرة.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 82. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 481. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 256.(2/280)
واعلم أنه يجوز حذف كل من المبتدأ والخبر اذا دل عليه دليل.
قال ابن مالك:
وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول زيد بعد من عندكما
وفي جواب كيف زيد قل دنف ... فزيد استغنى عنه اذ عرف
يقال: «عذرته» فيما صنع «عذرا» بفتح العين من باب «ضرب»: رفعت عنه اللوم، فهو «معذور» أي غير ملوم.
والاسم «العذر» بسكون الذال، ويجوز ضمها للاتباع.
والجمع «أعذار».
و «المعذرة» و «العذرى» بمعنى «العذر».
و «اعذرته» بالألف لغة.
و «اعتذر الى»: طلب قبول «معذرته».
و «اعتذر عن فعله»: أظهر «عذره» (1).
قال «بعضهم»: أصل «العذر» من «العذرة» بفتح العين، وكسر الذال: وهو الشيء النجس، ومنه قيل: «عذرت فلانا»: أي أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك: «غفرت له» أي سترت ذنبه (2).
وقيل: «العذر»: تحرّي الانسان ما يمحو به ذنوبه، وهو على ثلاثة أضرب:
1 - إمّا أن يقول لم افعل.
__________
(1) انظر: المصباح المنير ج 2ص 398.
(2) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 328.(2/281)
2 - أو يقول فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا.
3 - أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك من المقال.
وهذا الثالث هو التوبة، فكل توبة عذر، وليس كل عذر توبة.
«والمعذر» بكسر الذال: من يرى أن له عذرا، ولا عذر له، قال تعالى: {وَجََاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرََابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} (1).
قرأ «يعقوب» «المعذرون» بسكون العين، وكسر الذال مخففة.
وقرأ الباقون بفتح العين، وكسر الذال مشددة (2).
«يغشيكم النعاس» من قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعََاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} (3).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو» «يغشاكم» بفتح الياء، وسكون الغين وفتح الشين، وألف بعدها، على أنه مضارع «غشي يغشى» نحو:
«رضي يرضى»، و «النعاس» بالرفع، فاعل «يغشاكم».
وقرأ «نافع، وأبو جعفر» «يغشيكم» بضم الياء، وسكون الغين، وكسر الشين، وياء بعدها، مضارع «أغشى يغشي» نحو: «أهدى يهدي» و «النعاس» بالنصب مفعول به، وفاعل «يغشيكم» ضمير مستتر يعود على اللََّه تعالى المتقدم ذكره في قوله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلََّا مِنْ عِنْدِ اللََّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (4).
__________
(1) انظر: المفردات في غريب القرآن ص 327. سورة التوبة آية 89.
(2) انظر: المهذب في القراءات العشر ج 1ص 283.
(3) سورة الأنفال آية 11.
(4) سورة الأنفال آية 10.(2/282)
وقرأ الباقون «يغشيكم» بضم الياء، وفتح الغين، وكسر الشين مشددة، وياء بعدها، مضارع «غشّى يغشّي» بالتشديد، و «النعاس» بالنصب مفعول به، والفاعل ضمير يعود على اللََّه تعالى.
وأعلم أن التخفيف، والتشديد في «يغشى» لغتان بمعنى، فمن التخفيف قوله تعالى: {فَأَغْشَيْنََاهُمْ فَهُمْ لََا يُبْصِرُونَ} (1).
وقوله تعالى: {كَأَنَّمََا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} (2).
ومن التشديد قوله تعالى: {فَغَشََّاهََا مََا غَشََّى} (3).
ويقال: «غشى» عليه بالبناء للمفعول «غشيا» بفتح الغين، وسكون الشين، وضم الغين لغة.
و «الغشية، بفتح الغين: المرة، فهو «مغشى» عليه.
ويقال: ان «الغشي» يعطل القوى المحركة، والأوردة الحساسة، لضعف القلب بسبب وجع شديد، أو برد، أو جوع مفرط.
وقبل: «الغشي» هو الاغماء.
و «غشيته إغشاء» من باب «تعب»: «أتيته» والاسم «الغشيان» بالكسر، وكني به عن الجماع فقيل: «غشيها وتغشّاها».
و «الغشاء»: «الغطاء» وزنا ومعنى، وهو اسم من «غشيت» الشيء بالتثقيل: اذا غطيته.
__________
(1) سورة يس آية 9.
(2) سورة يونس آية 27.
(3) قال ابن الجزري: رفع النعاس حبر يغشي فاضمم واكسر لباق واشددا مع موهن ... خفف ظبا كنز
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 88. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 489. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 263. وحجة القراءات لابن زنجلة ص 308. سورة النجم آية 54.(2/283)
و «الغشاوة» بالكسر: الغطاء أيضا أهـ (1).
ويقال: «نعس ينعس» من باب «قتل يقتل» والاسم «النعاس» فهو «ناعس» والجمع «نعس» مثل: «راكع وركع» والمرأة «ناعسة» والجمع «نواعس».
وربما قيل: «نعسان ونعسى» حملوه على «وسنان ووسنى».
وأول النوم «النعاس» وهو أن يحتاج الانسان الى النوم، ثم «الوسن» وهو ثقل النعاس، ثم «الترنيق» وهو مخالطة النعاس للعين، ثم «الكرى» وهو «الغمض» وهو أن يكون الانسان بين النائم واليقظان، ثم «العفق» وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم، ثم «الهجود» و «الهجوع» أهـ (2).
«وكلمة اللََّه» من قوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ََ وَكَلِمَةُ اللََّهِ هِيَ الْعُلْيََا} (3).
قرأ «يعقوب» «وكلمة اللََّه» بنصب التاء، عطفا على «كلمة» الأولى الواقعة مفعولا «لجعل»، وجملة «هي العليا» في محل نصب مفعول ثان.
وقرأ الباقون «وكلمة اللََّه» برفع التاء، على الابتداء، وجملة «هي العليا» في محل رفع خبر المبتدأ، أو «هي» ضمير فصل، «والعليا» مفعول ثان (4).
__________
(1) انظر: المصباح المنير ج 2ص 448447.
(2) انظر: المصباح المنير ج 2ص 613.
(3) سورة التوبة آية 40.
(4) قال ابن الجزري: كلمة انصب ثانيا رفعا الى قوله: ظلم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 96. والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 277.(2/284)
«ورحمة» من قوله تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} (1).
قرأ «حمزة» «ورحمة» خفض التاء على أنه معطوف على «خير» أي «هو أذن خير، وأذن رحمة، لأن الخير هو الرحمة، والرحمة هي الخير».
وقرأ الباقون «ورحمة» برفع التاء، على أنه معطوف على «أذن» والمعنى: قل «محمد» صلى اللََّه عليه وآله وسلم أذن خير لكم ورحمة، أي هو رحمة، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام رحمة، لكثرة وقوعها على يديه، كما قال تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا رَحْمَةً لِلْعََالَمِينَ} (2) ويجوز أن يكون «ورحمة» خبر المبتدأ محذوف أي هو رحمة (3).
«والأنصار» من قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهََاجِرِينَ وَالْأَنْصََارِ} (4).
قرأ «يعقوب» «والأنصار» بضم الراء، على أنه مبتدأ، خبره قوله تعالى: {رَضِيَ اللََّهُ عَنْهُمْ}.
وقرأ الباقون «والأنصار» بخفض الراء، عطفا على «المهاجرين» (5).
__________
(1) سورة التوبة آية 61.
(2) سورة الأنبياء آية 107.
(3) قال ابن الجزري: ورحمة رفع فاخفض فشا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 91. والكشف عن وجوه القراءات ج 1 ص 503. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 380. وشرح طيبة النشر ص 308.
(4) سورة التوبة آية 100.
(5) قال ابن الجزري: الأنصار ظما برفع خفض.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 99. والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 284. وشرح طيبة النشر ص 308.(2/285)
«متاع» من قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنَّمََا بَغْيُكُمْ عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ مَتََاعَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (1).
قرأ «حفص» «متاع» بنصب العين، على أنه مصدر مؤكد لعاملة، أي تتمتعون متاع الحيوة الدنيا.
وقرأ الباقون «متاع» بالرفع، على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك هو متاع الحيوة الدنيا (2).
«ولا أصغر، ولا أكبر» من قوله تعالى: {وَلََا أَصْغَرَ مِنْ ذََلِكَ وَلََا أَكْبَرَ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} (3).
قرأ «حمزة، ويعقوب، وخلف العاشر» «ولا أصغر، ولا أكبر» برفع الراء فيهما، عطفا على محل «مثقال» من قوله تعالى: {وَمََا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقََالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلََا فِي السَّمََاءِ} لأن «مثقال» مرفوع محلا، لأنه فاعل «يعزب» و «من» مزيدة فيه مثل زيادة الباء في قوله تعالى: {وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَلِيًّا وَكَفى ََ بِاللََّهِ نَصِيراً} (4).
ويمنع صرفهما للوصفية، ووزن الفعل.
وقرأ الباقون «ولا أصغر، ولا أكبر» بفتح الراء فيهما، عطفا على لفظ «مثقال» أو «ذرة» فهما مجروران بالفتحة نيابة عن الكسرة لمنعهما من الصرف (5).
__________
(1) سورة يونس آية 22.
(2) قال ابن الجزري: متاع لا حفص.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 105. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 516. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 294.
(3) سورة يونس آية 61.
(4) سورة النساء آية 45.
(5) قال ابن الجزري: اصغر رفع أكبرا ... ظل فتى
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 109. والكشف عن وجوه القراءات(2/286)
تنبيه: اتفق القراء العشرة على رفع الراء من: {وَلََا أَصْغَرُ مِنْ ذََلِكَ وَلََا أَكْبَرُ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} (1).
وذلك لرفع «مثقال» وهما معطوفان عليه.
«وشركاءكم» من قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكََاءَكُمْ} (2).
قرأ «يعقوب» «وشركاؤكم» برفع الهمزة، عطفا على الضمير المرفوع المتصل في «فأجمعوا».
ويجوز أن يكون مبتدأ حذف خبره، والتقدير: وشركاؤكم كذلك.
وقرأ الباقون «وشركاءكم» بنصب الهمزة، عطف نسق على «أمركم» (3).
«ولا تتبعان» من قوله تعالى: {وَلََا تَتَّبِعََانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (4).
قرأ «ابن ذكوان، وهشام» بخلف عنه «ولا تتبعان» بتخفيف النون مكسورة، على أن «لا» نافية، ومعناها النهي كقوله تعالى: {لََا تُضَارَّ وََالِدَةٌ بِوَلَدِهََا} (5).
على قراءة رفع الراء.
__________
ج 1ص 521. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 304. وحجة القراءات ص 334
(1) سورة سبأ آية 3.
(2) سورة يونس آية 71.
(3) قال ابن الجزري: وظن شركاؤكم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 11. والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 305. وشرح طيبة النشر ص 313.
(4) سورة يونس آية 89.
(5) سورة البقرة آية 223.(2/287)
أو يجعل حالا من الضمير في «فاستقيما» أي فاستقيما غير متبعين سبيل الذين لا يعلمون.
وقيل: هي نون التوكيد الخفيفة وكسرت كما كسرت الثقيلة.
ويحتمل أن تكون النون هي الثقيلة فخففت كما خففت «رب» وحذفت النون الأولى، ولم تحذف الثانية، لأنها لو حذفت لحذفت نون محركة، واحتج الى تحريك الساكنة، وحذف الساكنة أقل تغييرا.
وقرأ الباقون «ولا تتبعان» بتشديد النون مكسورة أيضا، وهو الوجه الثاني «لهشام».
وذلك على الأصل في نون التوكيد الثقيلة التي تدخل الأفعال للتأكيد (1).
«فلا تسألن» من قوله تعالى: {فَلََا تَسْئَلْنِ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (2).
القراء فيها على سبع مراتب:
الأولى: «لقالون، والأصبهاني، وابن ذكوان» «تسألن» بكسر النون مشددة، وحذف الياء في الحالين، وفتح اللام.
الثانية: «للأزرق، وأبي جعفر» «تسألن» بكسر النون مشددة، واثبات الياء وصلا، ولا وقفا، مع فتح اللام.
الثالثة: «لابن كثير» «تسألن» بفتح النون مشددة، وحذف الياء في الحالين، مع فتح اللام.
__________
(1) قال ابن الجزري: وخف تتبعان النون من له اختلف.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 110. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 522. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 307.
(2) سورة هود آية 46.(2/288)
الرابعة: «لأبي عمرو» «تسألن» بكسر النون مخففة، واثبات الياء وصلا، لا وقفا مع اسكان اللام.
السادسة: «لهشام» «تسألن، تسألن» بفتح اللام، وتشديد النون مع فتحها، وكسرها.
السابعة: للباقين «تسألن» بكسر النون مخففة، وحذف الياء في الحالين مع اسكان اللام (1).
وجه من قرأ بتشديد النون، وفتحها، وفتح اللام، أن النون هي نون التوكيد الثقيلة التي تدخل فعل الأمر للتأكيد، وفتحت اللام التي قبلها، لئلا يلتقي ساكنان، ولأن الفعل المسند الى الواحد مبني على الفتح دائما مع النون الثقيلة، والخفيفة.
وعدّى الفعل الى مفعول واحد وهو «ما».
وكذلك العلة لمن قرأ بتشديد النون وكسرها، مع فتح اللام، غير أنه عدى الفعل الى مفعولين وهما: «الياء» و «ما» فحذفت الياء لدلالة الكسرة عليها.
وكان أصله ثلاث نونات: نون التوكيد المشددة بنونين، ونون الوقاية، ثم حذفت نون الوقاية لاجتماع الامثال تخفيفا.
ووجه من أسكن اللام وخفف النون، أن الفعل لم تدخله نون التوكيد، ووصل الفعل بضمير المتكلم، وهو المفعول الأول، و «ما» المفعول
__________
(1) قال ابن الجزري:
تسألن فتح النون دم لي الخلف ... واشدد كما حرم
وقال تسألن ثق حما جنا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 116. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 532. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 318.(2/289)
الثاني، وأسكن اللام للنهي، وحذفت الياء لدلالة الكسرة عليها، والفعل على هذه القراءة معرب، وجزم للنهي.
ووجه حذف الياء انها لغة «هذيل».
ووجه اثباتها أنها لغة «الحجازيين».
«يعقوب» من قوله تعالى: {فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} (1).
قرأ «ابن عامر، وحفص، وحمزة» «يعقوب» بالنصب، على أنه مفعول لفعل محذوف دل عليه الكلام، والتقدير:
وهبنا لها يعقوب من وراء اسحاق.
فإن قيل: الا يجوز أن يكون «يعقوب» معطوفا على محل «باسحاق» لأن «اسحاق» في موضع نصب لأنه مفعول به في المعنى) أقول: يجوز ولكن فيه بعدا، وذلك للفصل بين الناصب والمنصوب بالظرف وهو: «ومن وراء اسحاق» ألا ترى أنك لو قلت: «رأيت زيدا وفي الدار عمرا» قبح للتفرقة بالظرف.
وقرأ الباقون «يعقوب» بالرفع، على أنه مبتدأ مؤخر، خبره الظرف الذي قبله وهو: «ومن وراء اسحاق».
ويجوز رفعه بالفعل الذي يعمل في قوله «من وراء» كأنه قال:
«ويثبت لها من وراء اسحاق يعقوب» (2).
__________
(1) سورة هود آية 71.
(2) قال ابن الجزري: يعقوب نصب الرفع عن فوز كبا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 118. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 534. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 223. وشرح طيبة النشر ص 316. وحجة القراءات ص 347.(2/290)
«وزرع ونخيل صنوان وغير» من قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجََاوِرََاتٌ وَجَنََّاتٌ مِنْ أَعْنََابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوََانٌ وَغَيْرُ صِنْوََانٍ} (1).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، ويعقوب» برفع «وزرع، ونخيل» وذلك عطفا على «قطع» ورفع «صنوان» لكونه نعتا الى «نخيل» ورفع «غير» لعطفه على «صنوان».
وقرأ الباقون بخفض الأربعة: «وزرع ونخيل صنوان وغير» وذلك عطفا على «أعناب» (2).
«اللََّه الذي» من قوله تعالى: {اللََّهِ الَّذِي لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} (3).
قرأ «نافع، وابن عامر، وأبو جعفر» «اللََّه» برفع الهاء وصلا، وابتداء، على أنه مبتدأ، خبره {الَّذِي لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ}.
أو خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: هو اللََّه، وجملة «الذي له ما في السموات» الخ صفة للفظ الجلالة.
وقرأ «رويس» «اللََّه» برفع الهاء في حالة الابتداء بها، وقد سبق توجيه ذلك.
أما حالة وصل «اللََّه» بما قبله وهو: {إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
فان «رويسا» يقرأ «اللََّه» بالخفض، على أنه بدل مما قبله.
__________
(1) سورة الرعد آية 4.
(2) قال ابن الجزري:
زرع وبعدد الثلاث الخفض عن ... حق ارفعوا
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 131. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 19. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 349.
(3) سورة إبراهيم آية 2.(2/291)
وقرأ الباقون «اللََّه» وصلا، وابتداء بالجر، على أنه بدل مما قبله (1).
«على» من قوله تعالى: {قََالَ هََذََا صِرََاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} (2).
قرأ «يعقوب» «على» بكسر اللام، وضم الياء منونة، من علو الشرف، وهو نعت «الصراط» كقولك: «هذا صراط مرتفع مستقيم» والمراد بالصراط: «الدين».
وقرأ الباقون «على» بفتح اللام، وبالياء المشددة المفتوحة من غير تنوين، قيل: «علي» بمعنى «اليّ» فيتعلق بمستقيم، أو يكون نعتا الى «صراط».
ويجوز أن يكون «علي» خبر المبتدأ محذوف، والتقدير: «استقامته علي» (3).
«تبشرون» من قوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (4).
قرأ «نافع» «تبشرون» بكسر النون مخففة، والأصل «تبشرونني» النون الأولى للرفع، والثانية للوقاية، ثم حذفت نون الوقاية بعد نقل كسرتها الى نون الرفع، ثم حذف الياء حملا على نظائرها في رءوس الآي ولدلالة الكسرة التي قبلها عليها.
وقرأ «ابن كثير» «تبشرون» بكسر النون مشددة مع المد المشبع،
__________
(1) قال ابن الجزري:
وعم رفع الخفض في اللََّه الذي ... والابتداء غير
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 133. والكشف عن وجوه القراءات ج 3ص 25. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 354.
(2) سورة الحجر آية 41.
(3) قال ابن الجزري: ولا ما على فاكسر نون ارفع ظاما.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 139. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 362. وشرح طيبة النشر ص 325. والتبيان في اعراب القرآن ج 2 ص 781.
(4) سورة الحجر آية 54.(2/292)
والأصل «تبشرونني» ايضا، فأدغمت نون الرفع في نون الوقاية، ثم حذفت ياء الاضافة لدلالة الكسرة عليها.
وقرأ الباقون «تبشرون» بنون مفتوحة مخففة، على أن أصل الفعل «تبشرون» فالنون هي نون الرفع (1).
«والشمس والقمر والنجوم مسخرات» من قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرََاتٌ بِأَمْرِهِ} (2).
قرأ «ابن عامر» برفع الأسماء الأربعة: «والشمس والقمر والنجوم مسخرات» على أن «والشمس» مبتدأ، «والقمر والنجوم» معطوفان على «والشمس» و «مسخرات» «خبر».
وقرأ «حفص» بنصب الاسمين الأولين: «والشمس، والقمر» ورفع الاسمين الأخيرين: «والنجوم، مسخرات» فنصب الاسمين على انهما معطوفان على «الليل» لأنه محل نصب مفعول لسخر.
ورفع «والنجوم» على الابتداء، و «مسخرات» خبر.
وقرأ الباقون بنصب الأسماء الأربعة، وذلك على أن الثلاثة الأولى معطوفة على «الليل» و «مسخرات» حال مؤكدة لعاملها (3).
«يبلغن» من قوله تعالى: {يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا} [الإسراء 23].
__________
(1) قال ابن الجزري: تبشرون ثقل النون دف وكسرها اعلم دم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 139. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 30. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 364363.
(2) سورة النحل آية 12.
(3) قال ابن الجزري:
والشمس ارفعا ... كالنحل مع عطف الثلاث كم وثم
معه في الأخيرين عد انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 142.
والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 35. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 367.(2/293)
قرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «يبلغان باثبات ألف بعد الغين مع المد، وكسر النون مشددة، على أن الفعل مسند الى الف الاثنين، وهي الفاعل، وكسرت نون التوكيد بعدها تشبيها لها بنون الرفع، بعد حذف النون للجازم، و «أحدهما» بدل من الف المثنى بدل بعض من كل، و «كلاهما» معطوف عليه.
وقرأ الباقون «يبلغن» بحذف الألف، وفتح النون مشددة، على أنه فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، و «أحدهما» فاعل، و «كلاهما» معطوف عليه (1).
«سيئة» من قوله تعالى: {كُلُّ ذََلِكَ كََانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [الاسراء 38] قرأ «ابن عامر، عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «سيئه» بضم الهمزة، وبعدها هاء مضمومة موصولة، على أنها اسم.
كل ما ذكر مما أمرتم به، ونهيتم عنه من قوله تعالى: {كََانَ}
و {مَكْرُوهاً} خبرها، والمعنى: «وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه» الى هنا، كان سيئه وهو: ما نهيتم عنه خاصة مكروها.
وذكر «مكروها» على لفظ «كل».
وقرأ الباقون «سيئة» بفتح الهمزة، وبعدها تاء تأنيث منصوبة منونة، على التوحيد، خبر «كان» وأنث حملا على معنى «كل» واسمها ضمير يعود على «كل» واسم الاشارة: «ذلك» عائد على ما ذكر من النواهي السابقة، و «عند ربك» متعلق «بمكروها» و «مكروها»
__________
(1) قال ابن الجزري: ويبلغان مد وكسر شفا.
النشر في القراءات العشر ح 3ص 150.
والكشف عن وجوم القراءات ح 2ص 4443.
والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 382.(2/294)
خبر بعد خبر، وقال «مكروها» ولم يقل «مكرهة» لأنه عائد على لفظ «كل».
والمعنى: كل ما سبق من النواهي المتقدمة كان سيئة مكروها عند ربك (1).
«الحق» من قوله تعالى: {هُنََالِكَ الْوَلََايَةُ لِلََّهِ الْحَقِّ} (2).
قرأ «أبو عمر، والكسائي» «الحق» برفع القاف، على أنه صفة «الولاية» لأن ولاية الله سبحانه وتعالى لا يشوبها نقص، ولا ضلال.
ويجوز أن يكون «الحق» خبرا لمبتدإ محذوف، أي هو الحق. أو مبتدأ، والخبر محذوف والتقدير: «الحق ذلك» أي ما قلناه.
وقرأ الباقون «الحق» بخفض القاف، على أنه صفة للفظ الجلالة «لله» والحق مصدر وصف به كما وصف بالعدل، والسلام، وهما مصدران، والمعنى: والحق، وذو العدل، وذو السلام.
ويقوّي كونه صفة لله عز وجل قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللََّهِ مَوْلََاهُمُ الْحَقِّ.} (3) [الأنعام 62] «جزاء الحسنى» من قوله تعالى: {وَأَمََّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً فَلَهُ جَزََاءً الْحُسْنى ََ} (4).
__________
(1) قال ابن الجزري: ضم ذكر ... سيئة ولا تنون كم كفى.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 152. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 46. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 383.
(2) سورة الكهف آية 44.
(3) قال ابن الجزري: ورفع خفض الحق رم حط انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 162. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 63والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 401.
(4) سورة الكهف آية 88(2/295)
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «جزاء» بفتح الهمزة منونة منصوبة مع كسر التنوين وصلا للساكنين، على أنه مصدر في موضع الحال نحو: «في الدار قائما زيد» وبناء عليه يكون «فله» خبر مقدم، و «الحسنى» مبتدأ مؤخر، و «جزاء» حال، والتقدير: فله الحسنى حالة كونها جزاء من اللََّه تعالى.
وقرأ الباقون «جزاء» بالرفع من غير تنوين، على أنه مبتدأ مؤخر، خبره الجار والمجرور قبله، و «الحسنى» مضاف اليه. والتقدير: فله جزاء الحسنى من اللََّه تعالى.
ويجوز أن تكون «الحسنى» بدلا من «جزاء» على أن «الحسنى» المراد بها «الجنة» ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين، فيكون المعنى: فله الجنة (1).
«يرثني ويرث» من قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (2).
قرأ «أبو عمرو، والكسائي» «يرثني ويرث» بجزم الفعلين، على أن الأول مجزوم في جواب الدعاء، وهو قوله تعالى قبل: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} لقصد، وجعل الكلام متصلا بعضه ببعض، وأن «الولي» بمعنى «الوارث» تقديره: فهب لي من لدنك وليا وارثا يرثني، ويقوي الجزم أن «وليا» رأس آية مستغن عن أن يكون ما بعده صفة له، فحمله على الجواب دون الصفة، والثاني وهو «ويرث» معطوف على «يرثني».
__________
(1) قال ابن الجزري: والرفع انصبن نون جزا صحب ظبي.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 169. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 74. والمهذب في القراءات العشر ح 1ص 409.
(2) سورة مريم آية 6.(2/296)
وقرأ «يرثني ويرث» بالرفع فيهما، على أن الأول صفة «لولي» لأن «زكريا» عليه السلام سأل اللََّه تعالى وليا وارثا علمه، ونبوته، فليس المعنى على الجواب والثاني معطوف عليه، والمعنى: فهب لي من لدنك وليا وارثا لي، ووارثا من آل يعقوب (1).
«قول الحق» من قوله تعالى: {ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} (2).
قرأ «ابن عامر، وعاصم، ويعقوب» «قول» بنصب اللام، على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله، وعامله محذوف تقديره: اقول قول الحق، هذا إن أريد بالحق معنى الصدق، وإن أريد به أنه اسم من أسماء اللََّه تعالى فنصبه على أنه مفعول محذوف تقديره: أمدح قول الحق، أي قول اللََّه وكلمته الذي هو «عيسى» عليه السلام.
وقرأ الباقون «قول» برفع اللام، على أنه خبر بعد خبر، والحق يحتمل أن يكون معناه الصدق، أو اسم من اسمائه تعالى (3).
«وأنا اخترتك» من قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمََا يُوحى ََ} (4).
قرأ «حمزة» «وأنا» بفتح الهمزة، وتشديد النون، على أنها «أن» المشددة وهي المؤكدة، و «أنا» اسمها، و «اخترتك» بنون بعد الراء
__________
(1) قال ابن الجزري: واجزم يرث حزرد معا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 173. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 84. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 43.
(2) سورة مريم آية 34.
(3) قال ابن الجزري: وفي قول نصب الرفع نهي ظل كفي.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 176. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 88. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 7.
(4) سورة طه آية 13.(2/297)
مفتوحة، وبعدها ضمير المتكلم المعظم نفسه، والجملة خبر «أنا».
وقرأ الباقون «وأنا» بفتح الهمزة، وتخفيف النون، على أنها ضمير منفصل مبتدأ، و «اخترتك» بتاء مضمومة على أن الفعل مسند الى ضمير المتكلم، والجملة خبر المبتدأ (1).
«لا نخلفه» من قوله تعالى: {لََا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلََا أَنْتَ} (2).
قرأ «أبو جعفر» «لا نخلفه» باسكان الفاء، ويلزم منه حذف صلة الهاء، وذلك على أنه مضارع مجزوم في جواب الأمر قبله وهو قوله تعالى: {فَاجْعَلْ بَيْنَنََا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً}.
وقرأ الباقون «لا نخلفه» برفع الفاء مع صلة هاء الضمير، على أنه مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، والجملة في محل نصب صفة «الموعد» (3).
«أولم ير» من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا} (4).
قرأ «ابن كثير» «ألم» تحذف الواو التي بعد الهمزة، على أنه كلام مستأنف، والهمزة للاستفهام التوبيخي على تقصيرهم في عظم عبادة اللََّه وحده بعد قيام الأدلة الواضحة على وحدانيته تعالى، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف المكي (5).
__________
(1) قال ابن الجزري: وأنا شدد وفي اخترت قل اخترنا فنا انظر النشر في القراءات العشر ح 3ص 180. والكشف عن وجوه القراءات ح 2 ص 97. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 14.
(2) سورة طه آية 58.
(3) قال ابن الجزري: واجزم نخلفه ثب.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 182. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 19.
(4) سورة الأنبياء آية 30.
(5) قال الخراز: لا واو للمكي في ألم ير.(2/298)
قال صاحب المقنع: وفي مصاحف أهل مكة «ألم ير الذين كفروا» بغير واو الهمزة واللام، وفي سائر المصاحف «أولم ير الذين» بالواو (1).
وقرأ الباقون «أولم» باثبات الواو، على أنها عاطفة، والمعطوف عليه مقدر بعد همزة الاستفهام الانكاري، يدل عليه الكلام السابق وهو قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} (2).
وتقدير الكلام: أأشركوا باللََّه ولم يتدبروا في خلق السموات والأرض ليستدلوا بهما على وحدانيته تعالى (3).
«ولؤلؤا» من قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} (4).
قرأ «نافع، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب» «لؤلؤا» بنصب الهمزة الثانية، على أنه معطوف على محل «من أساور» لأن محله النصب، أي يحلون أساور ولؤلؤا، ويجوز أن يكون مفعولا لفعل محذوف يدل عليه المقام، أي ويؤتون لؤلؤا.
وقرأ الباقون «ولؤلؤا» برفع الهمزة الثانية، على أنه معطوف على «ذهب» أي يحلون أساور من ذهب، وأساور من لؤلؤ (5).
__________
(1) انظر: المقنع لأبي عمرو الداني ص 104. ودليل الحيران ص 466.
(2) سورة الأنبياء آية 12.
(3) انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 191.
والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 110. والمهذب في القراءات العشر ح 2 ص 34.
(4) سورة الحج آية 23.
(5) قال ابن الجزري: انصب لؤلؤا ... نل اذ ثوى.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 197. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 117. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 46.(2/299)
«سواء» من قوله تعالى: {سَوََاءً الْعََاكِفُ فِيهِ وَالْبََادِ} (1).
قرأ «حفص» «سواء» بنصب الهمزة، على أنه مصدر عمل فيه معنى «جعلنا» المتقدم ذكره في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلْنََاهُ لِلنََّاسِ سَوََاءً}
كأنه قال سويناه للناس سواء، في معنى تسوية، ويرفع «العاكف» به، أي مستويا فيه العاكف، والمصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل «سواء» وان كان مضمرا، فهو بمعنى «مستو» كما قالوا: رجل عدل، بمعنى:
عادل، وعلى ذلك اجاز «سيبويه» وغيره: مررت برجل سواء درهمه، وبرجل سواء هو العدم، اي مستو.
ويجوز نصبه على أنه مفعول ثان «لجعلنا» و «للناس» متعلق بجعل، و «العاكف» فاعل «سواء» لأنه مصدر بمعنى اسم الفاعل، والمعنى:
جعلناه مستويا فيه العاكف والباد.
وقرأ الباقون «سواء» بالرفع، على أنه خبر مقدم، والعاكف مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مفعول ثان لجعل (2).
«سيقولون للََّه» الأخيرين أي الثاني، والثالث، من قوله تعالى:
(سيقولون الله قل أفلا تتقون) (3).
(سيقولون الله قل فأنى تسحرون) (4).
قرأ «أبو عمرو، يعقوب» «اللََّه» باثبات همزة الوصل، وفتح اللام
__________
(1) سورة الحج آية 25.
(2) قال ابن الجزري: سواءً نصب رفع علم.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 198. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 118. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 47. ومشكل اعراب القرآن ح 2ص 95.
(3) سورة المؤمنون آية 87.
(4) سورة المؤمنون آية 89.(2/300)
وتفخيمها، ورفع الهاء من لفظ الجلالة فيهما، والابتداء بهمزة مفتوحة، على أنه مبتدأ والخبر محذوف، تقديره: اللََّه ربها في الأول، لأن قبله قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمََاوََاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (1).
واللََّه بيده ملكوت كل شيء في الثاني، لأن قبله قوله تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (2).
والجواب على هذا مطابق للسؤال لفظا ومعنى:
وقرأ الباقون «للََّه» بحذف همزة الوصل، وبلامين: الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة مرققة، وخفض الهاء من لفظ الجلالة، على أنه جار ومجرور خبر لمبتدإ محذوف، والجواب على هذا مطابق للسؤال بحسب المعنى، فالعرب تجيز عن قولك: من رب هذه الدار؟
يقال: هي لزيد، فإن اللام تفيد الملك، فمعنى «من رب السموات» لمن السموات؟ والجواب «سيقولون هي للََّه».
ولا خلاف بينهم في قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ لِلََّهِ قُلْ أَفَلََا تَذَكَّرُونَ}
[الآية 85] الأول أنه بلامين: الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة مرققة (3).
تنبيه:
قال صاحب المقنع: «وفي المؤمنون في مصاحف أهل البصرة» (سيقولون الله قل أفلا تتقون) [الآية 87].
و (سيقولون الله قل فأنى تسحرون) [الآية 89].
__________
(1) سورة المؤمنون آية 86.
(2) سورة المؤمنون آية 88.
(3) قال ابن الجزري: والأخيرين معا ... اللََّه في للََّه والخفض ارفعا بصر
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 206. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 64. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 130.(2/301)
بالألف في الاسمين الأخيرين، وفي سائر المصاحف «للََّه» «للََّه» فيهما.
قال «أبو عبيد القاسم بن سلام» ت 224هـ:
«وكذلك رأيت ذلك في الامام» أهـ.
ثم يقول صاحب المقنع: على أن الحرف الأول «سيقولون للََّه» بغير ألف قبل اللام أهـ (1).
«عالم الغيب» من قوله تعالى: {عََالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهََادَةِ} (2).
قرأ «نافع، وشعبة، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «عالم» برفع الميم، على القطع وهو خبر لمبتدإ محذوف، أي هو عالم الغيب والشهادة.
وقرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، وروح» «عالم» بخفض الميم، على أنه بدل من لفظ الجلالة، في قوله تعالى: {سُبْحََانَ اللََّهِ عَمََّا يَصِفُونَ} أو صفة له.
وقرأ «رويس» «عالم» بالخفض وصلا، وله حالة البدء وجهان:
الرفع، والخفض (3).
«أربع» من قوله تعالى: {فَشَهََادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهََادََاتٍ بِاللََّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصََّادِقِينَ} (4).
__________
(1) انظر: المقنع لأبي عمرو الداني ص 105.
ودليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 466.
(2) سورة المؤمنون آية 92.
(3) قال ابن الجزري: اللََّه في للََّه ارفعا بصر كذا عالم صبة مدا ... وابتد غوث الخلف
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 206. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 65. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 131.
(4) سورة النور آية 6.(2/302)
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «أربع» الأول برفع العين، على أنه خبر المبتدأ وهو: «فشهادة» أي فشهادة أحدهم المعتبرة لدرء الحد عنه أربع شهادات باللََّه أنه لمن الصادقين.
وقرأ الباقون «أربع» بنصب العين، وذلك على أن «شهادة» بمعنى:
أن يشهد، فأعمل «يشهد» في «أربع» فنصبه، ويجوز أن تنصب «أربع» على المصدر، والعامل فيها شهادة، و «شهادة» مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: فشهادة أحدهم أربع شهادات باللََّه بأنه لمن الصادقين واجبة ويجوز أن تكون «شهادة» خبر المبتدأ محذوف، والتقدير:
فالواجب شهادة أحدهم الخ (1).
«والخامسة» من قوله تعالى: {وَالْخََامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللََّهِ عَلَيْهََا} (2).
قرأ «حفص» «والخامسة» هذا الموضع بنصب التاء، على أنها صفة لمفعول مطلق محذوف، والمفعول المطلق منسوب لفعل محذوف دل عليه الكلام، والتقدير: ويشهد الشهادة الخامسة.
وقرأ الباقون برفع التاء، على أنها مبتدأ وما بعدها خبر (3).
تنبيه:
«والخامسة» من قوله تعالى: {وَالْخََامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَيْهِ}
وهو الموضع الأول، اتفق القراء العشرة على قراءته برفع التاء، على أنها مبتدأ، وما بعدها خبر. وذلك من سورة النور الآية 7.
__________
(1) قال ابن الجزري: وأولى أربع صحب.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 209. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 69. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 134.
(2) سورة النور آية 9.
(3) قال ابن الجزري: وخامسة أخرى فارفعوا لا حفص.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 10. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 70. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 135.(2/303)
«غير أولي» من قوله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجََالِ} (1).
قرأ «ابن عامر، وشعبة، وأبو جعفر» «غير» بنصب الراء، على الاستثناء، والمعنى: لا يبدين زينتهن الا للتابعين، الا ذا الاربعة منهم، والاربة في هذا الموضع: الحاجة الى النساء، «والتابعين» هم من لا حاجة لهم في النساء كالخصي، والعنين.
وقرأ الباقون «غير» بجر الراء، على أنه صفة «للتابعين» وحسن أن يكون «غير» صفة للتابعين، لأنهم غير مقصود بهم قوم بأعيانهم انما هم جنس، فهم نكرة في المعنى، فحسن أن تكون «غير» صفة لهم (2).
«سحاب ظلمات» من قوله تعالى: {مِنْ فَوْقِهِ سَحََابٌ ظُلُمََاتٌ بَعْضُهََا فَوْقَ بَعْضٍ} (3).
قرأ «البزي» بترك تنوين «سحاب» مع جر «ظلمات» على الاضافة، وهي إما إضافة بيانية، أو من إضافة السبب الى المسبب، و «سحاب» مبتدأ خبره «من فوقه».
قرأ «قنبل» بترك تنوين «سحاب» مع جر «ظلمات» على أن «سحاب» مبتدأ مؤخر، و «من فوقه» خبر مقدم و «ظلمات» بدل من «ظلمات» الأولى من الآية نفسها: {أَوْ كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}.
__________
(1) سورة النور آية 31.
(2) قال ابن الجزري: غير نصب سباكم ثاب.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 212. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 73. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 136.
(3) سورة النور آية 40.(2/304)
وقرأ الباقون بتنوين «سحاب» ورفع «ظلمات» على أن «سحاب» مبتدأ خبره «من فوقه» و «ظلمات» خبر لمبتدإ محذوف تقديره:
هذه، أو تلك ظلمات (1).
«ثلاث عورات» من قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ صَلََاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيََابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلََاةِ الْعِشََاءِ ثَلََاثُ عَوْرََاتٍ لَكُمْ} (2).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، وأبو جعفر، ويعقوب» «ثلاث عورات» وهو الموضع الثاني بنصب الثاء من «ثلاث» على أنه بدل من «ثلاث مرات» المنصوب على الظرفية، والمتقدم في قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلََاثَ مَرََّاتٍ}.
وقرأ الباقون وهم: «شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «ثلاث» بالرفع، على أنه خبر لمبتدإ محذوف تقديره: «هذه» أي الأوقات المتقدم ذكرها ثلاث عورات لكم، أي تظهر فيها العورات، فجعل الأوقات عورات لظهور العورات فيها اتساعا، ومثله قوله تعالى:
{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} (3).
أضاف المكر الى الليل والنهار، لأنه فيهما يكون، وكل هذا اتساع في الكلام، اذ المعنى لا يشكل (4).
__________
(1) قال ابن الجزري: سحاب لنون هلا ... وخفض رفع بعد دم
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 213. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 76. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 139.
(2) سورة النور آية 58.
(3) سورة سبأ آية 33.
(4) قال ابن الجزري: ثاني ثلاث كم سما عد.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 215. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 79. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 143.(2/305)
وقد اتفق القراء العشرة على النصب في قوله تعالى: {ثَلََاثَ مَرََّاتٍ} وهو المتقدم في صدر الآية، لوقوعه ظرفا.
«ويجعل لك» من قوله تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} (1).
قرأ «نافع، وأبو عمرو، وحفص، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف العاشر» «ويجعل» بجزم اللام، عطفا على حمل قوله تعالى قبل: «جعل» من قوله تعالى: {تَبََارَكَ الَّذِي إِنْ شََاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذََلِكَ} لأنه جواب الشرط، ويلزم من الجزم وجوب ادغام اللام في اللام.
وقرأ الباقون «يجعل» بالرفع، على الاستئناف، أي وهو يجعل، أو وهو سيجعل لك قصورا (2).
«يضاعف، ويخلد» من قوله تعالى: {يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً} (3).
قرأ «ابن عامر، وشعبة» «يضاعف» برفع الفاء، و «يخلد» برفع الدال، وذلك على الاستئناف أو الحال من فاعل «يلق» من قوله تعالى:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً} (4).
وقرأ الباقون بجزم الفعلين، على أن «يضاعف» بدل من «يلق أثاما» لأن لقبه جزاء الآثام تضعيف لعذابه فلما كان إياه ابدله منه، «ويخلد» معطوف على «يضاعف».
__________
(1) سورة الفرقان آية 20.
(2) قال ابن الجزري: ويجعل ما جزم حما صحب مدا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 216. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 81. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 144.
(3) سورة الفرقان آية 69.
(4) سورة الفرقان آية 68(2/306)
وقرأ «ابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب» «يضعف» بتشديد العين، وحذف الألف التي قبلها، على أنه مضارع «ضعف» مضعف العين.
وقرأ الباقون بتخفيف العين، وإثبات الألف، على أنه مضارع «ضاعف» على وزن «فاعل» (1).
«ويضيق، ولا ينطلق» من قوله تعالى: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلََا يَنْطَلِقُ لِسََانِي} (2).
قرأ «يعقوب» و «ويضيق، ولا ينطلق» نصب القاف فيهما، عطف على «يكذبون» المنصوب بأن، من قوله تعالى: {قََالَ رَبِّ إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} (3).
وقرأ الباقون برفع القاف فيهما، على الاستئناف (4).
«نزل» من قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (5).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، وأبو جعفر» «نزل» بتخفيف الزاي، و «الروح» برفع الحاء، و «الأمين» برفع النون، على
__________
(1) قال ابن الجزري: ويخلد ويضاعف ما جزم كم صف.
وقال: وثقله وبابه ثوى كس دن.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 220. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 87. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 147.
(2) سورة الشعراء آية 13.
(3) سورة الشعراء آية 12.
(4) قال ابن الجزري: يضيق ينطلق نصب الرفع ظن.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 221. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 90.
(5) سورة الشعراء آية 193.(2/307)
أن «نزل» فعل ماض، و «الروح» فاعل، و «الأمين» صفة له، والروح الأمين: جبريل عليه السلام.
وقرأ الباقون «نزل» بتشديد الزاي، و «الروح» بنصب الحاء، و «الأمين» بنصب النون، على أن «نزل» فعل ماض مضعف العين، وفاعله ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على «رب العالمين» في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1).
و «الروح» لم ينزل بالقرآن حتى نزله اللََّه به، ودليله قوله تعالى:
{قُلْ مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى ََ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللََّهِ} (2).
«وتوكل» من قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} (3).
قرأ «نافع، وابن عامر، وأبو جعفر» «فتوكل» بالفاء، على أنها واقعة في جواب شرط مقدر يفهم من السياق، والتقدير: فاذا انذرت عشيرتك فعصتك فتوكل على العزيز الرحيم، ولا تخشى عصيانهم.
وقرأ الباقون «وتوكل» بالواو، على أنه معطوف على قوله تعالى:
{فَلََا تَدْعُ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} (4).
تنبيه:
قال صاحب المقنع: «في مصاحف أهل المدينة والشام» «فتوكل
__________
(1) سورة الشعراء آية 192.
(2) قال ابن الجزري: يزل خفف والأمين الروح عن حرم حلا انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 223. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 97. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 151. سورة البقرة آية 97.
(3) سورة الشعراء آية 217.
(4) قال ابن الجزري: وتوكل عم فا انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 224. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 97. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 153.(2/308)
على العزيز الرحيم» بالفاء، وفي سائر المصاحف «وتوكل» «بالواو» أهـ (1).
«ألا يسجدوا» من قوله تعالى: {أَلََّا يَسْجُدُوا لِلََّهِ} (2).
قرأ «الكسائي، وأبو جعفر، ورويس» «ألا يسجدوا» بتخفيف اللام، على أن «الا» للاستفتاح، و «يا» حرف نداء، والمنادى محذوف، أي يا هؤلاء، أو يا قوم و «اسجدوا» فعل أمر، ولهم الوقف ابتلاء اي اضطرارا على «ألا يا» معا، ويبتدئون «يا سجدوا» بهمزة وصل مضمونة لضم ثالث الفعل، ولهم الوقف اختيارا على «ألا» وحدها، و «يا» وحدها، والابتداء أيضا باسجدوا بهمزة مضمومة.
أما في حالة الاختيار فلا يصح الوقف على «ألا» ولا على «يا» بل يتعين وصلهما باسجدوا.
وقرأ الباقون «ألا» بتشديد اللام على أن أصلها «أن لا» فأدغمت النون في اللام، و «يسجدوا» فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر بدل من «أعمالهم» والتقدير: وزين لهم الشيطان عدم السجود لله تعالى (3).
«يصدقني» من قوله تعالى: فأرسله معي ردءا يصدقني (4)
قرأ «عاصم، وحمزة» «يصدقني» برفع القاف، على أنه صفة «لرداء» والتقدير: فأرسله معي رداء مصدقا لي، والردء: المعين.
__________
(1) انظر: المقنع في مرسوم المصاحف ص 106.
(2) سورة النمل آية 25.
(3) قال ابن الجزري: ألا ألا ومبتلي قف يا ألا وابدأ بضم اسجدوا دم ثب غلا انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 226. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 100. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 156.
(4) سورة القصص آية 34.(2/309)
ويصح أن يكون حالا من الضمير في «فأرسله» والمعنى: فأرسله معي ردءا حاله كونه مصدقا لي.
وقرأ الباقون «يصدقني» بالجزم، في جواب الطلب وهو «فأرسله» فكأنه قال: ان ترسله معي يصدقني (1).
«مودة بينكم» من قوله تعالى: {وَقََالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ أَوْثََاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (2).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ورويس» «برفع تاء مودة» بلا تنوين، على أن «ما» بمعنى الذي، وهم اسم «ان» والهاء العائدة على «الذي» مضمرة، والتقدير: ان الذي اتخذتموه، و «أوثانا» مفعول ثان «اتخذتم» والهاء المحذوفة ها المفعول الأول ل «اتخذتم» و «مودة» خبر «أن» وبينكم بالخفض على الاضافة في «مودة».
وقيل أن «مودة» خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: هي مودة بينكم، والجملة خبر «أن».
وقرأ «نافع، وابن عامر، وشعبة، وأبو جعفر، وخلف العاشر» بنصب ثاء «مودة» وتنوينه، ونصب «بينكم» ووجه ذلك أن «ما» كافة لعمل «ان» و «أوثانا» مفعول ل «اتخذتم» لأنه تعدى الى مفعول واحد، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنََالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (3).
وتكون «مودة» مفعولا لأجله، و «بينكم» منصوب على الظرفية.
__________
(1) قال ابن الجزري: يصدق رفع جزم نل فنا.
انظر: النشر في القراءات العشر ح 3ص 234. والمهذب في القراءات العشر ح 2ص 114. والكشف عن وجوه القراءات ح 2ص 173.
(2) سورة العنكبوت آية 25.
(3) سورة الأعراف آية 152.(2/310)
والمعنى: إنما اتخذتم الاوثان من دون اللََّه للمودة فيما بينكم، لا لأن عند الأوثان نفعا، أو ضرا.
وقرأ الباقون وهم «حفص، وحمزة، وروح» بنصب تاء «مودة» بلا تنوين، مفعولا لأجله، و «بينكم» بالخفض على الاضافة (1).
«ثم كان عاقبة الذين» من قوله تعالى: {ثُمَّ كََانَ عََاقِبَةَ الَّذِينَ أَسََاؤُا السُّواى ََ} (2).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب» «عاقبة» برفع التاء، على أنها اسم «كان» وخبرها «السوأى».
في «السوأى» المراد بها جهنم والعياذ باللََّه تعالى.
والمعنى: ثم كان مصير المسيئين دخول جهنم من أجل تكذيبهم بآيات اللََّه، واستهزائهم بها.
وذكر الفعل وهو «كان» حملا على المعنى، لأن العاقبة، والمصير بمعنى واحد، وأيضا فإن تأنيث «العاقبة» غير حقيقي، لأنه مصدر.
وقرأ الباقون «عاقبة» بنصب التاء، على أنها خبر «كان» مقدم على اسمها، واسمها «السوأى».
والتقدير: ثم كانت السوأى عاقبة الذين أساءوا، وذلك بدخولهم
__________
(1) قال ابن الجزري:
مودة رفع غنا حبر دنا ... ونون انصب بينكم عم صفا
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 228. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 121. وكمثل اعراب القرآن ج 2ص 78. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 178.
(2) سورة الروم آية 10.(2/311)
جهنم من أجل تكذيبهم بآيات اللََّه، واستهزائهم بها، وذكر الفعل وهو «كان» لتذكير الدخول الذي هو اسم كان على الحقيقة (1).
تنبيه: «عاقبة» الذي فيه الخلاف هو الموضع الثاني فقط، أما الأول وهو قوله تعالى: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الآية 9] والثالث وهو قوله تعالى: {فَانْظُرُوا كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} (2)
فقد اتفق القراء العشرة على قراءتهما بالرفع.
«ورحمة» من قوله تعالى: {هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} (3).
قرأ «حمزة» «ورحمة» برفع التاء، على أن «هدى» خبر لمبتدإ محذوف، و «رحمة» معطوف على «هدى» والتقدير: «هو هدى ورحمة».
وقرأ الباقون «ورحمة» بنصب التاء، على أن «هدى» حال من الكتاب» المتقدم في قوله تعالى: {تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ الْحَكِيمِ} (4).
و «رحمة» معطوف على «هدى» والمعنى: تلك آيات الكتاب الحكيم حالة كونه هاديا وراحما للمؤمنين (5).
«ويتخذها» من قوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهََا هُزُواً} (6).
__________
(1) قال ابن الجزري: ثان عاقبة رفعها سما انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 241. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 127. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 182.
(2) سورة الروم آية 42.
(3) سورة لقمان آية 3.
(4) سورة لقمان آية 2.
(5) قال ابن الجزري: ورحمة فوز.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 245. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 134. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 187.
(6) سورة لقمان آية 6.(2/312)
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «ويتخذها» بنصب الذال عطفا على «ليضل».
وقرأ الباقون، برفع الذال، عطفا على «يشتري» (1).
«والبحر» من قوله تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} (2).
قرأ «أبو عمرو، ويعقوب» «والبحر» بالنصب، عطفا على اسم «أن» من قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ}
والخبر «أقلام».
وقرأ الباقون بالرفع، على أنه مبتدأ، و «يمده» الخبر (3).
«لما صبروا» من قوله تعالى: {وَجَعَلْنََا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنََا لَمََّا صَبَرُوا} (4).
قرأ «حمزة، والكسائي، ورويس» «لما» بكسر اللام، وتخفيف الميم، على أن اللام حرف جر، و «ما» مصدرية مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق «بجعل» والتقدير: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لصبرهم.
وقرأ الباقون «لما» بفتح اللام، وتشديد الميم، على أن «لما» بمعنى
__________
(1) قال ابن الجزري: ورفع يتخذ فانصب ظبا صحب.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 245. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 134. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 187.
(2) سورة لقمان آية 27.
(3) قال ابن الجزري: والبحر لا البصري وسم انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 246. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 136. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 189.
(4) سورة السجدة آية 24.(2/313)
الظرف، أي بمعنى حين، والمعنى: وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا حين صبرهم (1).
«أليم» من قوله تعالى: {أُولََئِكَ لَهُمْ عَذََابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} (2).
ومن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيََاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذََابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} (3).
قرأ «ابن كثير، وحفص، ويعقوب» «اليم» في الموضعين، برفع الميم، على أنه صفة «لعذاب».
وقرأ الباقون «أليم» في الموضعين بخفض الميم، على أنه صفة «لرجز» (4).
«الريح» من قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمََانَ الرِّيحَ غُدُوُّهََا شَهْرٌ وَرَوََاحُهََا شَهْرٌ} (5).
قرأ «شعبة» «الريح» برفع الحاء، على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله وهو «ولسليمان» وحسن ذلك لأن «الريح» لما سخرت له صارت كأنها في قبضته، اذ عن أمره تسير، فأخبر عنها أنها في ملكه، اذ هو مالك أمرها لأن سيرها به.
__________
(1) قال ابن الجزري: لما اكسر ففا غيث رضي انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 248. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 140. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 192.
(2) سورة سبأ آية 5.
(3) سورة الجاثية آية 11.
(4) قال ابن الجزري:
وارفع الخفض غنا عم كذا اليم ... الحرفان شم دن عن غذا
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 253. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 150، 229. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 201.
(5) سورة سبأ آية 12.(2/314)
وقرأ الباقون «الريح» بالنصب، على أنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: وسخرنا لسليمان الريح، لأنها سخرت له، وليس بمالكها على الحقيقة، ويقوي قراءة النصب اجماع القراء على النصب في قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمََانَ الرِّيحَ عََاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى ََ الْأَرْضِ الَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا} (1)
فهذا يدل على تسخيرها له في حال عصوفها (2).
وكل القراء يقرءون «الريح» بالافراد، الا «أبا جعفر» فانه يقرأ بالجمع (3).
«أكل خمط» من قوله تعالى: {وَبَدَّلْنََاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوََاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} (4).
قرأ «أبو عمرو، ويعقوب» «أكل خمط» بضم الكاف، وترك التنوين، على اضافة «أكل» الى «خمط» من اضافة الشيء الى جنسه.
نحو «ثوب خز» أي من خز، والأكل: الجنى وهو «الثمر» «والخمط» في قول «أبي عبيد القاسم بن سلام» كل شجرة مرة الثمرة، ذات الشوك، ولما لم يحسن أن يكون «الخمط» بدلا من «أكل» لأنه ليس الأول، ولا هو بعضه، ولم يحسن أن يكون نعتا، لأن «الخمط» اسم شجر، فهو لا ينعت به، وكان الجني من الشجر أضيف على تقدير «من» نحو: «ثوب خز، وباب ساج».
وقرأ «نافع، وابن كثير» «أكل خمط» باسكان الكاف وتنوين اللام
__________
(1) سورة الأنبياء آية 81.
(2) قال ابن الجزري: والريح صف.
(3) وقال: وصاد الأسرى الأبنيا سباثنا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 254. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 151. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 202.
(4) سورة سبأ آية 16.(2/315)
على أنه مقطوع عن الاضافة، وذلك على أن «خمط» عطف بيان على «أكل» فبين أن «الأكل» وهو «الثمر» من هذا الشجر، وهو «الخمط» اذ لم يجز أن يكون «الخمط» بدلا ولا نعتا للأكل، على ما سبق ذكره، ولما عدل به عن الاضافة لم يكن فيه غير عطف البيان، لأنه بيان لما قبله.
وقرأ الباقون وهم: «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «أكل خمط» بضم الكاف مع التنوين (1).
«ربنا باعد» من قوله تعالى: {فَقََالُوا رَبَّنََا بََاعِدْ بَيْنَ أَسْفََارِنََا} (2).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وهشام» «ربنا» بالنصب على النداء و «باعد» بكسر العين المشددة بلا ألف فعل طلب من «بعد» مضعف العين.
وقرأ «يعقوب» «ربنا» بضم الياء، على الابتداء، و «باعد» بالألف.
وفتح العين والدال، فعل ماض والجملة خبر المبتدأ.
وقرأ الباقون «ربنا» بالنصب على النداء و «باعد» بالألف وكسر العين، وسكون الدال فعل طلب.
والمعنى: طلب بعض أهل سبأ، وهم أهل الثراء من اللََّه تعالى ان يباعد بين اسفارهم ويجعل الطريق بين اليمن والشام صحاري مقفرة، ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل، وحمل الزاد والماء في جمع حاشد من الحراب والعبيد، وذلك ليتفاخروا بمظاهرهم على الفقراء (3).
__________
(1) قال ابن الجزري: أكل أضف حما.
وقال: والأكل أكل اذ دنا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 256. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 152. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 205.
(2) سورة سبأ آية 19.
(3) قال ابن الجزري: وربنا ارفع ظلمنا وباعدا فافتح وحرك عنه واقصر شددا حبر لوى(2/316)
«جزاء الضعف» من قوله تعالى: {وَمََا أَمْوََالُكُمْ وَلََا أَوْلََادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنََا زُلْفى ََ إِلََّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً فَأُولََئِكَ لَهُمْ جَزََاءُ الضِّعْفِ بِمََا عَمِلُوا}. [سبأ 37].
قرأ «رويس» «جزاء» بالنصب مع التنوين وكسره وصلا للساكنين، والنصب على الحال من الضمير المستقر في الخبر المتقدم وهو «لهم» و «الضعف» بالرفع مبتدأ مؤخر.
وقرأ الباقون «جزاء» بالرفع من غير تنوين، مبتدأ مؤخر، خبره الجار والمجرور قبله وهو «لهم» و «الضعف» بالجر على الاضافة.
والمعنى: وما أموالكم ولا أولادكم أيها المعاندون بالتي تقربكم عند اللََّه تعالى، لكن القربى من اللََّه لمن آمن وعمل صالحا، فأولئك يقربهم من اللََّه ايمانهم، وعملهم الصالح، ولهم عند اللََّه جزاء حسن مضاعف، لأن الحسنة بعشر امثالها، واللََّه يضاعف لمن يشاء (1).
«غير اللََّه» من قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ} (2).
قرأ «حمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «غير» بالجر، نعتا «لخالق» على اللفظ، لأن «هل» حرف استفهام، و «من» حرف جر زائد، و «خالق» مبتدأ، والخبر جملة «يرزقكم».
وقرأ الباقون «غير» بالرفع، صفة «لخالق» على المحل، «في من» زائدة للتأكيد، و «خالق» مبتدأ، والخبر جملة «يرزقكم».
__________
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 256. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 153. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 207. ومثكل اعراب القرآن ج 2ص 207.
(1) قال ابن الجزري: نون جزا لا ترفع الضعف ارفع الخفض غزا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 257. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 155.
(2) سورة فاطر آية 3.(2/317)
والمعنى: يا اهل مكة اذكروا نعمة اللََّه عليكم حيث بوأكم حرما آمنا، والناس يتخطفون من حولكم، وهل ثمة خالق وموجد للنعم غير اللََّه الواحد القهار؟
فهو الذي يرزقكم من السماء بالمطر، ومن الأرض بسائر أنواع النبات، إذا فلا ينبغي أن يعبد الا هو سبحانه لا شريك له (1).
«ولؤلؤا» من قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} (2).
قرأ «نافع، وعاصم، وأبو جعفر» «ولؤلؤا» بنصب الهمزة الأخيرة.
على أنه معطوف على محل الجار والمجرور وهو «من أساور» لأن محله النصب والتقدير: يحلون في الجنة أساور من ذهب ولؤلؤا.
وقرأ الباقون «ولؤلؤا» بخفض الهمزة الأخيرة على أنه معطوف على «ذهب» والمعنى: يحلون في الجنة أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ (3).
«تنزيل» من قوله تعالى {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} (4).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة، وأبو جعفر، ويعقوب» «تنزيل» برفع اللام على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي هو أو ذلك أو القرآن.
__________
(1) قال ابن الجزري: غير اخفض الرفع شبا شلقا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 259. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 157. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 210.
(2) سورة فاطر آية 33.
(3) قال ابن الجزري: انصب لؤلؤ انه اذ ثوى وفاطرا مدى نأى انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 197. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 160. والكشف عن وجوه القراءات العشر ج 2ص 117.
(4) سورة يس آية 5.(2/318)
وقرأ الباقون «تنزيل» بنصب اللام، على المعدى بفعله من لفظه (1).
«لما» من قوله تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمََّا جَمِيعٌ لَدَيْنََا مُحْضَرُونَ} (2).
قرأ «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وابن جماز» «لما» بتشديد الميم على أنها بمعنى الا، و «ان» نافية، و «كل» مبتدأ، وخبره ما بعده.
وقرأ الباقون «لما» بتخفيف الميم، على أن «أن» مخففة من الثقيلة و «ما» مزيدة للتأكيد واللام هي القارنة (3).
«والقمر» من قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ حَتََّى عََادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (4).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وروح» «والقمر» برفع الراء، على أنه مبتدأ، وجملة قدرناه الخ خبر.
وقرأ الباقون «والقمر» بالنصب، وذلك على اضمار فعل على الاشتغال، والتقدير: وقدرنا القمر (5).
المعنى: وقدرنا لمسير القمر منازل لا يتخطاها، ولا يحيد عنها،
__________
(1) قال ابن الجزري: تنزيل صن سما انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 261. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 163. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 214.
(2) سورة يس آية 32.
(3) قال ابن الجزري:
وشد لما كطارق فهي كن في ... تمد يس في ذا كم نوى
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 120. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 166.
(4) سورة يس آية 39.
(5) قال ابن الجزري:
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 263. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 167. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 216.(2/319)
والمنازل هي المسافة التي يقطعها القمر في كل يوم وليلة، وفاذا كان آخر منازله صار دقيقا مقوسا كالعرجون القديم. وهو عذق النخلة الذي عليه الشماريخ.
«بزينة الكواكب» من قوله تعالى: {إِنََّا زَيَّنَّا السَّمََاءَ الدُّنْيََا بِزِينَةٍ الْكَوََاكِبِ} (1).
قرأ «شعبة» «بزينة» بالتنوين و «الكواكب» بالنصب على أن «الزينة» مصدر، و «الكواكب» مفعول به كقوله تعالى: {أَوْ إِطْعََامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً} (2) والفاعل محذوف، اي بأن زين اللََّه الكواكب في كونها مضيئة حسنة في نفسها.
وقرأ «حفص، وحمزة» «بزينة» بالتنوين، و «الكواكب» بالخفض على أن المراد بالزينة ما يتزين به، وهي مقطوعة عن الاضافة، والكواكب عطف بيان، أو بدل بعض من كل، لأنها هي الزينة للسماء، فكأنه قال: انا زينا السماء الدنيا بالكواكب فالدنيا نعت للسماء، أي زينا السماء القريبة منكم بالكواكب.
وقرأ الباقون «بزينة» بحذف التنوين، و «الكواكب» بالخفض، على اضافة «زينة» الى «الكواكب» وهي من اضافة المصدر الى المفعول به، كقوله تعالى: {لََا يَسْأَمُ الْإِنْسََانُ مِنْ دُعََاءِ الْخَيْرِ} (3).
«أو آباؤنا» من قوله تعالى: {أَوَآبََاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (4) {أَوَآبََاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (5).
__________
(1) سورة الصافات آية 6.
(2) سورة البلد آية 1514.
(3) قال ابن الجزري: بزينة نون قد اغلى بعد صف فانصب.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 269. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 171. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 221. سورة فصلت آية 49.
(4) سورة الصافات آية 17.
(5) سورة الواقعة آية 48.(2/320)
قرأ «قالون، وابن عامر، وأبو جعفر»، «أو» باسكان الواو، في الموضعين، و «أو» حرف عطف، يفيد الاباحة في الانكار، أي انكروا بعثهم وبعث آبائهم بعد الموت.
قال «ابن هشام» و «أو» تأتي لعدة معان، منها:
الاباحة، وهي الواقعة بعد الطلب، وقيل: ما يجوز فيه الجمع نحو:
«جالس العلماء أو الزهاد» و «تعلم الفقه أو النحو» أهـ (1).
وقرأ «الاصبهاني» «أو» باسكان الواو ايضا، الا انه ينقل حركة الهمزة التي بعد الواو اليها على قاعدته.
وقرأ الباقون «أو» بفتح الواو، على أن العطف بالواو، دخلت عليها همزة الاستفهام التي تفيد الانكار للبعث بعد الموت (2).
«اللََّه ربكم ورب» من قوله تعالى: {اللََّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبََائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (3).
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «اللََّه ربكم ورب» بنصب الاسماء الثلاثة، فلفظ الجلالة: «اللََّه» بدل من «أحسن» من قوله تعالى قبل: {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ} [الآية 25].
و «ربكم» صفة للفظ الجلالة، و «رب» عطف على «ربكم».
وقرأ الباقون «اللََّه ربكم ورب» برفع الاسماء الثلاثة، على أن لفظ الجلالة مبتدأ، و «ربكم» خبره، و «رب» معطوف عليه (4).
__________
(1) انظر: مغني اللبيب لابن هشام ص 8887.
(2) قال ابن الجزري: اسكن أو عم لا أزرق معا انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 269. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 270172.
(3) سورة الصافات آية 26.
(4) قال ابن الجزري: اللََّه رب غير صحب ظعن.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 274. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 177. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 288(2/321)
«غساق» من قوله تعالى: {هََذََا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسََّاقٌ} (1).
«وغساقا» من قوله تعالى: {إِلََّا حَمِيماً وَغَسََّاقاً} (2).
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «غساق، وغساقا» بتشديد السين في الموضعين. على أنه صفة لموصوف محذوف، والتقدير: «وشراب حميم وشراب غساق» هذا في (ص) وفي «النبأ» «الا شرابا حميما وشرابا غساقا» ولحميم الذي بلغ في حره غايته، والغساق ما يجتمع من صديد أهل النار، وهو مشتق من «غسقت عينه» اذا سالت، والتشديد للمبالغة.
وقرأ الباقون «غساق، وغساقا» بتخفيف السين فيهما، وهو اسم للصديد (3).
«اتّخذناهم» من قوله تعالى: {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زََاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصََارُ} (4).
قرأ «نافع، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر» «اتخذناهم» بهمزة قطع وصلا، وابتداء على الاستفهام الذي معناه التقرير، والتوبيخ وليس هو على جهة الاستخبار عن أمر لم يعلم، بل علموا أنهم فعلوا ذلك في الدنيا، فمعناه أنه يوبخ بعضهم بعضا على ما فعلوه في الدنيا من استهزائهم بالمؤمنين، و «أم» هي المعادلة لهمزة الاستفهام.
وقرأ الباقون «اتخذناهم» بهمزة وصل تحذف وصلا، وتثبت بدءا
__________
(1) سورة ص آية 57.
(2) سورة النبأ آية 25.
(3) قال ابن الجزري: غساق الثقل معا صحب.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 277. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 320184.
(4) سورة ص آية 63.(2/322)
مكسورة على الخبر، لأنهم قد علموا أنهم اتخذوا المؤمنين في الدنيا سخريا، فأخبروا عما فعلوه في الدنيا ولم يستخبروا عن أمر لم يعلموه.
ودل على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتََّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} (1).
ويكون «اتخذناهم» وما بعده صفة «لرجال» من قوله تعالى:
{وَقََالُوا مََا لَنََا لََا نَرى ََ رِجََالًا} [ص 62].
وتكون «أم» معادلة لمضمر محذوف، تقديره: أمنقذون هم أم زاغت عنهم الأبصار (2).
«فالحق» من قوله تعالى: {قََالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} (3).
قرأ «عاصم، وحمزة، وخلف العاشر» «فالحق» بالرفع، على أنه خبر لمبتدإ محذوف، تقديره: قال لنا الحق، أو قولي الحق.
ويجوز أن يكون «فالحق» مبتدأ، وجملة «لأملأن جهنم» الخ خبرا لمبتدإ.
وقرأ الباقون «فالحق» بالنصب، على أنه مفعول لفعل محذوف، تقديره: قال فأحق الحق، كما قال تعالى في موضع آخر: {وَيُحِقُّ اللََّهُ الْحَقَّ} (4).
__________
(1) سورة المؤمنون آية 110.
(2) قال ابن الجزري: قطع اتخذنا عم نل دم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 278. والمهذب في القراءات العشر ج 1ص 184. والكشف عن وجوه القراءات ج 1ص 233.
(3) سورة ص آية 84.
(4) قال ابن الجزري: فالحق نل فتى انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 278. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 85ف. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 234. سورة يونس آية 83.(2/323)
«أمن» من قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ}.
قرأ «نافع، وابن كثير، وحمزة» «أمن» بتخفيف الميم، على أن «من» موصولة دخلت عليها همزة الاستفهام، وأضمر معادل للهمزة، والتقدير: «أمن هو قانت يفعل كذا كمن هو بخلاف ذلك، ودل على المحذوف قوله تعالى: بعد {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (1).
وقرأ الباقون «أمن» بتشديد الميم، على أن «من» موصولة، دخلت عليها «أم» ثم أدغمت الميم في الميم، وأضمر لأم معادل قبلها، والتقدير: العاصون ربهم خيرا أم من هو قانت آناء الليل، ودل على هذا الحذف حاجة «أم» الى المعادلة، ودل على هذا المحذوف قوله تعالى:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (2).
«كاشفات ضره، ممسكات رحمته» من قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مََا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ إِنْ أَرََادَنِيَ اللََّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كََاشِفََاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرََادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكََاتُ رَحْمَتِهِ} (3).
قرأ «أبو عمرو، ويعقوب» بتنوين «كاشفات» ونصب «ضره» وتنوين «ممسكات» ونصب «رحمته» على أن كلا من «كاشفات» و «ممسكات» اسم فاعل، وما بعده مفعوله به، لأن اسم الفاعل اذا كان بمعنى الحال، والاستقبال، يعمل عمل الفعل.
__________
(1) سورة الزمر آية 9.
(2) قال ابن الجزري: أمن حف انل فز دم انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 280. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 187. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 237.
(3) سورة الزمر آية 38.(2/324)
وقرأ الباقون «كاشفات، ممسكات» بترك التنوين فيهما، وجر «ضره» وجر «رحمته» على أن كلا من «كاشفات، وممسكات» مضاف لما بعده اضافة لفظية (1).
«يا حسرتى» من قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} (2).
قرأ «ابن جماز» «يا حسرتاي» بزيادة ياء مفتوحة بعد الالف.
وقرأ «ابن وردان» بوجهين: أحدهما «كابن حجاز» والثاني بزيادة ياء ساكنة بعد الألف هكذا «يا حسرتاي» وعلى هذا الوجه لا بد من المد المشبع للساكنين.
وقرأ الباقون «يا حسرتي» بالتاء المفتوحة، وبعدها الف بدل من ياء الاضافة، لأن الأصل «يا حسرتي» أي يا ندامتي، فأبدل من الياء الفا لانها اخف (3).
«أو أن، يظهر، الفساد» من قوله تعالى {إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسََادَ} (4).
قرأ «نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر» «وأن» بالواو المفتوحة بدلا من «أو» على أنها واو العطف، على معنى: أني أخاف عليكم هذين
__________
(1) قال ابن الجزري: وكاشفات ممسكات نونا ... وبعد فيهما انصبن حما
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 281. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 190. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 190.
(2) سورة الزمر آية 56.
(3) قال ابن الجزري: يا حسرتاي زد ثنا سكن خفا خلف.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 281. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 192.
(4) سورة غافر آية 26.(2/325)
الأمرين، و «يظهر» بضم الياء، وكسر الهاء، مضارع «أظهر» والفاعل ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على نبي اللََّه «موسى» عليه السلام، المتقدم ذكره في صدر الآية في قوله تعالى: {وَقََالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ََ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} و «الفساد» بالنصب مفعول به.
وقرأ «ابن كثير، وابن عامر» «وأن» بالواو المفتوحة بدلا من «أو» و «يظهر» بفتح الياء، والهاء، مضارع «ظهر» اللازم، و «الفساد» بالرفع فاعل.
وقرأ «حفص، ويعقوب» «أو أن» بزيادة همزة مفتوحة قبل الواو مع سكون الواو، على أنها «أو» التي لأحد الشيئين، و «يظهر» بضم الياء، وكسر الهاء، و «الفساد» بالنصب وتوجيهها كتوجيه قراءة «نافع» ومن معه.
وقرأ الباقون وهم: «شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «أو أن» و «يظهر» بفتح الياء، والهاء، و «الفساد» بالرفع، وتوجيهها كتوجيه قراءة «ابن كثير» ومن معه (1).
تنبيه: قال «ابو عمرو الداني»: «وفي مصاحف أهل الكوفة» أو أن يظهر في الأرض الفساد بزيادة ألف قبل الواو.
وروى «هارون» عن «صخر بن جورية» و «بشار» الناقط، عن «أسيد» أن ذلك كذلك في الامام، مصحف «عثمان بن عفان» رضي اللََّه عنه.
وفي سائر المصاحف «وأن يظهر» بغير ألف أهـ (2).
__________
(1) قال ابن الجزري:
أو أن وأن * كن حول حرم يظهروا ضمم واكسرن والرفع في الفساد فانصب عن مدا حما
(2) انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 284. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 197. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 243.(2/326)
«قلب متكبر» من قوله تعالى: {كَذََلِكَ يَطْبَعُ اللََّهُ عَلى ََ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبََّارٍ} (1).
قرأ «أبو عمرو، وابن عامر» بخلف عنه «قلب» بالتنوين، على أنه مقطوع عن الاضافة، وجعل «التكبر، والجبروت» صفة له، اذ هو منبعهما، لأن القلب مدبر الجسد، واذا تكبر القلب تكبر صاحب القلب، واذا تكبر صاحب القلب، تكبر القلب، فالمعاني متداخلة، غير متغايرة.
وقرأ الباقون «قلب» بترك التنوين، على اضافة «قلب» الى ما بعده، وجعل التكبر، والجبروت صفة لموصوف محذوف، والتقدير: على كل قلب شخص متكبر جبار، وهو الوجه الثاني «لابن عامر».
والمعنى على ما تقدم في القراءة الأولى، غير أنه في هذه القراءة أضيف التكبر الى صاحب القلب، وفي القراءة الأولى اضيف التكبر الى القلب (2).
«سواء» من قوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ} (3).
قرأ «أبو جعفر» «سواء» برفع الهمزة مع التنوين، على أنها خبر لمبتدإ محذوف، أي هي سواء.
وقرأ «يعقوب» بالخفض، صفة «لأربعة أيام».
وقرأ الباقون: بالنصب، على الحال من «أقواتها» (4).
__________
(1) سورة غافر آية 35.
(2) قال ابن الجزري: ونون قلب كم خلف حدا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 285. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 197. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 243.
(3) سورة فصلت آية 10.
(4) قال ابن الجزري: سواء ارفع ثقب وخفضه ظما.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 288. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 203.(2/327)
«ويعلم» من قوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجََادِلُونَ فِي آيََاتِنََا مََا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} (1).
قرأ «نافع، وابن عامر، وابو جعفر» «ويعلم» برفع الميم، على الاستئناف.
وقرأ الباقون بالنصب، وهو منصوب «بأن» مضمرة (2).
«أو يرسل رسولا فيوحي» من قوله تعالى: {وَمََا كََانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللََّهُ إِلََّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرََاءِ حِجََابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مََا يَشََاءُ} (3).
قرأ «نافع، وابن ذكوان» بخلف عنه، برفع اللام من «يرسل» واسكان الياء من «فيوحي» على أن «يرسل» جملة مستأنفة، أو خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: أو هو يرسل رسولا، و «فيوحي» مرفوع بضمة مقدرة معطوف على «يرسل».
وقرأ الباقون، بنصب اللام، والياء، وهما منصوبان «بأن» مضمرة، و «أن» وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على «وحيا» وهو الوجه الثاني «لابن ذكوان» (4).
«أن كنتم» من قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} (5).
__________
(1) سورة الشورى آية 35.
(2) قال ابن الجزري: بما في فبما مع يعلما بالرفع عم انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 291. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 214. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 251.
(3) سورة الشوري آية 51.
(4) قال ابن الجزري: ويرسل رفعا يوحي فسكن ما زخلفا أنصفا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 291. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 215. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 253.
(5) سورة الزخرف آية 5.(2/328)
قرأ «نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «ان كنتم» بكسر الهمزة، على أن «أن» حرف شرط، وجواب الشرط يفسره ما قبله وهو: «أفنضرب عنكم الذكر صفحا» والمعنى: ان كنتم قوما مسرفين نترككم، ونضرب عنكم الذكر صفحا.
وقرأ الباقون: «أن كنتم» بفتح الهمزة، على أنه مفعول من أجله، والمعنى: أفنضرب عنك الذكر صفحا من أجل أن كنتم قوما مسرفين (1)، «لما متاع» من قوله تعالى: {وَإِنْ كُلُّ ذََلِكَ لَمََّا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (2).
قرأ «عاصم، وحمزة، وابن جماز، وهشام» بخلف عنه «لما» بتشديد الميم على أن «لما» بمعنى «الا» و «ان» نافية.
وقرأ الباقون: «لما» بتخفيف الميم، وهو الوجه الثاني «لهشام» على أن «أن» مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، و «ما» زائدة للتأكيد (3).
«وقيله» من قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يََا رَبِّ إِنَّ هََؤُلََاءِ قَوْمٌ لََا يُؤْمِنُونَ} (4).
قرأ «عاصم، وحمزة» «وقيله» بخفض اللام، وكسر الهاء مع الصلة
__________
(1) قال ابن الجزري: ان كنتم بكسرة مدا شقا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 292. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 216. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 255.
(2) سورة الزخرف آية 35.
(3) قال ابن الجزري: ولما اشدد لدى خلف نبا في ذا انظر: شرح طيبة النشر لابن الناظم ص 391. والمهذب في القراءات العشر ج 2 ص 219.
(4) سورة الزخرف آية 88.(2/329)
بباء، عطفا على «الساعة» من قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السََّاعَةِ}
[الآية 85].
والمعنى: وعنده علم الساعة، وعلم قيله يا رب الخ أي يعلم وقت قيام الساعة، ويعلم قوله وتضرعه.
وقرأ الباقون «وقيله» بنصب اللام، وضم الهاء مع الصلة بواو، وجه النصب أنه معطوف على مفعول «يكتبون» من قوله تعالى: {وَرُسُلُنََا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الآية 80].
أي يكتبون ذلك، وقيله يا رب.
ويجوز أن يكون معطوفا على «سرهم ونجواهم» من قوله تعالى:
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ} [الآية 80].
أي نسمع سرهم ونجواهم، ونسمع قيله يا رب.
ويجوز أن يكون معطوفا على محل «الساعة» من قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السََّاعَةِ}
أي يعلم الساعة، ويعلم قيله يا رب (1).
«رب السموات» من قوله تعالى: {رَبِّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَمََا بَيْنَهُمََا} (2).
__________
(1) قال ابن الجزري: وقيله أخفض في نموا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 297. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 224. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 262.
(2) سورة الدخان آية 7.(2/330)
قرأ «عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «رب» بالخفض بدلا من «ربك» المتقدم في قوله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الآية 6].
وقرأ الباقون «رب» بالرفع، على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي هو رب (1).
«آيات» من قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمََا يَبُثُّ مِنْ دََابَّةٍ آيََاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2).
ومن قوله تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيََاحِ آيََاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (3).
قرأ «حمزة، والكسائي، ويعقوب» «آيات» في الموضعين بنصب التاء بالكسرة، عطفا على اسم «أن» من قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ لَآيََاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} (4).
والتقدير: ان في خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يؤمنون.
وأن في اختلاف الليل والنهار آيات لقوم يعقلون.
وقرأ الباقون «آيات» في الموضعين أيضا بالرفع، على الابتداء، وما قبله خبر مقدم (5).
__________
(1) قال ابن الجزري:
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 298. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 225. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 264.
(2) سورة الجاثية آية 4.
(3) سورة الجاثية آية 5.
(4) سورة الجاثية آية 3.
(5) قال ابن الجزري: ومعا آيات نكسر ضم ناء في ظبار رضى انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 300. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 228. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 267.(2/331)
«سواء» من قوله تعالى: {سَوََاءً مَحْيََاهُمْ وَمَمََاتُهُمْ} (1).
قرأ «حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «سواء» بالنصب، على أنه حال من الضمير في «نجعلهم» المتقدم نجعلهم كالذين {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} [الآية 21].
و «محياهم» فاعل «سواء» و «مماتهم» معطوف على «محياهم»، والمفعول الثاني «لنجعل» «الكاف» في قوله:
«كالذين» فهي بمعنى «مثل».
وقرأ الباقون «سواء» بالرفع، على أنه خبر مقدم، و «محياهم» مبتدأ مؤخر، و «مماتهم» معطوف عليه.
والتقدير: محياهم، ومماتهم سواء في البعد من رحمة اللََّه، والضمير في «محياهم ومماتهم» للذين اقترفوا السيئات (2).
«كل أمة تدعى» من قوله تعالى: {وَتَرى ََ كُلَّ أُمَّةٍ جََاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى ََ إِلى ََ كِتََابِهَا} (3).
قرأ «يعقوب» «كل» بالنصب، على أنها بدل من «كل» الأولى.
وقرأ الباقون، بالرفع، على أنها مبتدأ، وجملة «تدعى الى كتابها» الخبر (4)!
__________
(1) سورة الجاثية آية 21.
(2) قال ابن الجزري: سواءً نصب رفع علم الجاثية صحب.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 301. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 230. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 268.
(3) سورة الجاثية آية 28.
(4) قال ابن الجزري: ونصب رفع ثان كل أمة ظل انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 302. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 231.(2/332)
«والساعة» من قوله تعالى: {وَإِذََا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ وَالسََّاعَةُ لََا رَيْبَ فِيهََا} (1).
قرأ «حمزة» «والساعة» بالنصب، عطفا على اسم «ان» وهو «وعد اللََّه»، وجملة «لا ريب فيها» حال من «الساعة».
وقرأ الباقون «والساعة» بالرفع، على أنها مبتدأ، وجملة «لا ريب فيها» خبر (2).
«مثل» من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (3).
قرأ «شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «مثل» برفع اللام، على أنه صفة ل «حق».
وقرأ الباقون «مثل» بالنصب، على أنها حال من الضمير المستكن في «الحق» (4).
«وقوم نوح» من قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} (5).
قرأ «أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «وقوم» بخفض الميم، عطفا على «ثمود» من قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتََّى حِينٍ} (6)!
__________
(1) سورة الجاثية آية 32.
(2) قال ابن الجزري: والساعة غير حمزة انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 302. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 231.
(3) سورة الذاريات آية 23.
(4) قال ابن الجزري: مثل رفعوا شفا صدر.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 313. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 253. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 287.
(5) سورة الذاريات آية 46.
(6) سورة الذاريات آية 43.(2/333)
وقرأ الباقون «وقوم» بالنصب، على أنه مفعول لفعل محذوف والتقدير: «وأهلكنا» قوم نوح من قبل، ودل على ذلك الآيات المتقدمة التي تفيد اهلاك الأمم المذكورين، ابتداء من قوله تعالى: {وَفِي عََادٍ إِذْ أَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} الى آخر الآيات الدالات على اهلاك الامم المكذبة رسلها (1).
«واتّبعتهم ذريتهم» من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} (2).
قرأ «أبو عمرو» «واتبعناهم» بهمزة قطع مفتوحة بعد الواو، واسكان التاء العين ونون مفتوحة بعدها الف على أن «أتبع» فعل ماض و «نا» فاعل والهاء مفعول اول، و «ذرياتهم» بالجمع مع كسر التاء مفعول ثان، والقول على هذه القراءة مسند الى ضمير العظمة، وهو إخبار من اللََّه عز وجل عن نفسه، لمناسبة قوله تعالى قيل: {وَزَوَّجْنََاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (3).
فجرى الكلام على نسق واحد.
وقرأ «ابن عامر، ويعقوب» «واتبعتهم» بوصل الهمزة، وتشديد التاء، مع فتح العين، وتاء فوقية ساكنة، على أن «اتبع» فعل ماض، والتاء للتأنيث، والهاء مفعول به، و «ذرياتهم» بالجمع مع رفع التاء فاعل.
وقرأ الباقون «واتبعتهم» مثل قراءة «ابن عامر ويعقوب» و «ذريتهم» بالتوحيد وضم التاء، فاعل (4)!
__________
(1) قال ابن الجزري: قوم اخفضن حسب فتى راض انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 314. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 254. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 286.
(2) سورة الطور آية 21.
(3) سورة الطور آية 20.
(4) قال ابن الجزري: وأتبعنا حسن باتبعت ذرية أمددكم حما(2/334)
تنبيه: «فاكهين» من قوله تعالى: {فََاكِهِينَ بِمََا آتََاهُمْ رَبُّهُمْ} (1).
تقدم في اثناء توجيه: {إِنَّ أَصْحََابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فََاكِهُونَ} (2).
«مستقر» من قوله تعالى: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} (3).
قرأ «أبو جعفر، «مستقر» بخفض الراء، على أنه صفة «لأمر» وخبر «كل» محذوف، تقديره: «بالغوه».
المعنى: وكل أمر من الأمور منته الى غاية، فالخير يستقر بأهل الخير والشر يستقر بأهل الشر.
قال «الفراء» ت 217هـ. يستقر قراءة تكذيبهم، وقرار قول المصدقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب» أهـ (4).
وقرأ الباقون «مستقر» برفع الراء على أنه خبر «كل» (5).
«والحب ذو العصف والريحان» من قوله تعالى:
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحََانُ} (6).
قرأ «ابن عامر» «والحب ذو العصف والريحان» بنصب الأسماء الثلاثة، عطفا على «والأرض» من قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهََا لِلْأَنََامِ} (7).
__________
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 314. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 255. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 290.
(1) سورة الطور آية 18.
(2) سورة يس آية 55.
(3) سورة القمر آية 3.
(4) انظر: تفسير الشوكاني ج 5ص 121.
(5) قال ابن الجزري: مستقر خفض رفعه ثمد.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 319. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 263.
(6) سورة الرحمن آية 12.
(7) سورة الرحمن آية 10.(2/335)
لأن لفظ «وضعها» يدل على خلقها، فكأنه تعالى قال: وخلق الأرض خلقها، وفي الكلام اشتغال، ثم قال: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحََانُ} [الآية 12].
أو أن «والحب» مفعول لفعل محذوف، تقديره: وخلق «الحب» قال «الشوكاني»: «الحب»: هو جميع ما يقتات من الحبوب.
و «العصف» قال «السدي، والفراء»: هو بقل الزرع، وهو أول ما ينبت به.
قال «ابن كيسان»: يبدو أولا ودقا، وهو العصف، ثم يبدو له ساق، ثم يحدث اللََّه فيه اكماما، ثم يحدث في الأكمام الحب.
وقال «الحسن»: «العصف»: التبن، وقال «مجاهد»: هو ورق الشجر والزرع، وقيل: هو الزرع الكثير، يقال: قد أعصف الزرع، ومكان معصف: أي كثير الزرع.
و «الريحان»: الورق في قول الأكثر، وقال «الحسن والضحاك»:
انه الريحان الذي يشم، وقال «سعيد بن جبير»: هو ما قام على الساق، الحب المأكول، وقيل: «العصف رزق البهائم» و «الريحان»:
«رزق الناس» أهـ (1).
وقرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» برفع الأولين، عطفا على «فاكهة» من قوله تعالى: {فِيهََا فََاكِهَةٌ} [الآية 11].
وجر «والريحان» عطفا على «العصف»، والتقدير: «والحب ذو العصف، وذو الريحان».
والمعنى: والحب ذو الورق، وذو الرزق، فالورق رزق البهائم،
__________
(1) انظر: تفسير الشوكاني ج 5ص 133132.(2/336)
و «الريحان» الرزق لبني آدم، كما قال تعالى: {وَفََاكِهَةً وَأَبًّا} (1).
فالفاكهة: رزق لبني آدم، والأب: ما ترعاه البهائم.
وقرأ الباقون، بالرفع في الثلاثة، عطفا على «فاكهة» (2).
تنبيه: قال «أبو عمرو الداني»: «وفي الرحمن في مصاحف أهل الشام» «والحب ذا العصف والريحان» بالألف والنصب، وفي سائر المصاحف «ذو العصف» بالواو والرفع.
قال «أبو عبيد» وكذا رأيتها في الذي يقال له الامام مصحف «عثمان» رضي اللََّه عنه، أهـ (3).
«ونحاس» من قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمََا شُوََاظٌ مِنْ نََارٍ وَنُحََاسٌ} (4).
قرأ: «ابن كثير، وأبو عمرو، وروح» «ونحاس» بخفض السين عطفا على «من نار».
وقرأ الباقون، برفع السين، عطفا على «شواظ» (5).
قال «سعيد بن جبير» ت 95هـ: «هو الدخان الذي لا لهب له».
__________
(1) سورة عبس آية 31
(2) قال ابن الجزري: والحب ذو الريحان نصب الرفع كم وخفض نونها شفا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 320. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 233. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 299.
(3) انظر: المقنع في مرسوم المصاحف ص 110109.
(4) سورة الرحمن آية 25.
(5) قال ابن الجزري: نحاس جر لرفع شم حبر انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 322. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 267. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 302.(2/337)
وقال «الضحاك بن مزاحم»: «هو دردي الزيت المغلي».
وقال «الكسائي»: «هو النار التي لها ريح شديدة» (1).
«ذي الجلال» من قوله تعالى: {تَبََارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} (2).
قرأ «ابن عامر» «ذو» بالواو، على أنه صفة «اسم» وهذه القراءة موافقة رسم المصحف «الشامي».
واعلم أن جميع القراء اتفقوا على قراءة الموضع الأول، وهو قوله تعالى: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} بالواو، ولأنه نعت «لوجه» وذلك في الآية 27.
كما أن المصاحف اتفقت على كتابة هذا الموضع بالواو (3).
قال «أبو عمرو الداني»: «وفي مصاحف اهل الشام» ذو الجلال والاكرام» آخر السورة بالواو، وفي سائر المصاحف «ذي الجلال والاكرام» بالياء.
والحرف الأول [الآية 27] في كل المصاحف بالواو، أهـ (4).
«وحور عين» في قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} (5).
قرأ «حمزة، والكسائي، وأبو جعفر» «وحور عين» بالجر فيهما عطفا على: {فِي جَنََّاتِ النَّعِيمِ} [الآية 12].
__________
(1) انظر: تفسير الشوكاني ج 5ص 137.
(2) سورة الرحمن آية 78.
(3) قال ابن الجزري: ويا ذي آخرا واو كرم انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 268. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 268. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 303.
(4) انظر: المقنع في مرسوم المصاحف ص 108.
(5) سورة الواقعة آية 22.(2/338)
والتقدير: أولئك المقربون في جنات النعيم، وفي حور عين، أي:
وفي مقاربة حور عين، ثم حذف المضاف.
وقرأ الباقون «وحور عين»، عطفا على «ولدان» من قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ} (1).
والمعنى: يطوف عليهم ولدان مخلدون، ويطوف عليهم حور عين.
ويجوز أن يكون «وحور» مبتدأ، و «عين» صفة، والخبر محذوف، والتقدير: ولهم حور عين (2).
«وكلا» من قوله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} (3).
قرأ «ابن عامر» برفع اللام، على الابتداء، وجملة «وعد الله الحسنى» خبر، والعائد محذوف، والتقدير: وكل وعده الله الحسنى، أي الجنة.
وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف الشامي.
وقرأ الباقون «وكلا» بالنصب، مفعولا مقدما «لوعد» و «الحسنى» المفعول الثاني.
وهذه القراءة موافقة لرسم المصاحف غير المصحف الشامي (4).
قال «أبو عمرو الداني»: «وفي الحديد» في مصاحف «أهل الشام» «وكل وعد الله الحسنى» بالرفع.
__________
(1) سورة الواقعة آية 17.
(2) قال ابن الجزري: حور عين خفض رفع ثب رضا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 324. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 269. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 304.
(3) سورة الحديد آية 10.
(4) قال ابن الجزري: وكل كثرا.(2/339)
وفي سائر المصاحف «كلا» بالنصب، أهـ (1).
«ولا أكثر» من قوله تعالى: {وَلََا أَدْنى ََ مِنْ ذََلِكَ وَلََا أَكْثَرَ إِلََّا هُوَ مَعَهُمْ} (2).
قرأ «يعقوب» «ولا اكثر» بالرفع، وهو معطوف على محل «نجوى» لانها فاعل «يكون» و «من» زائدة.
وقرأ الباقون «ولا أكثر» بالفتح، وهو معطوف على لفظ «نجوى».
وهو مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل.
«متم نوره» من قوله تعالى: {وَاللََّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} (3).
قرأ «ابن كثير، وحفص، والكسائي، وخلف العاشر» «متم» بغير تنوين، و «نوره» بالخفض، على الاضافة، من اضافة اسم الفاعل الى مفعوله، وفاعل «متم» ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على «الله».
وقرأ الباقون «متم» بالتنوين، و «نوره» بالنصب، على أنه مفعول «متم» وهذا هو الأصل في اسم الفاعل اذا كان للحال، أو الاستقبال (4).
__________
(1) قال ابن الجزري: وأكثرا رفعا ظلا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 326. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 273. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 307انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 329. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 278.
(2) سورة المجادلة آية 7.
(3) سورة الصف آية 8.
(4) قال ابن الجزري: متم لا تنون اخفض نوره صحب ددي.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 334. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 286. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 320.(2/340)
«أنصار الله» من قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصََارَ اللََّهِ} (1).
قرأ «نافع، وابن كثير، وابو عمرو، وأبو جعفر» «انصارا» بالتنوين، و «الله» بلام الجر، واللام يجوز ان تكون مزيدة في المفعول للتقوية، أو غير مزيدة والجار والمجرور متعلق بأنصار.
وقرأ الباقون «أنصار» بدون تنوين، و «الله» بدون لام جر، وحينئذ يكون «أنصار» مضافا الى لفظ الجلالة (2).
«وأكن» من قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصََّالِحِينَ} (3).
قرأ «أبو عمرو» «وأكون» بزيادة واو بين الكاف، والنون، مع نصب «النون» عطفا على «فأصدق» لان «فأصدق» منصوب بأن مضمرة، لأنه جواب التحضيض أو العرض.
وقرأ الباقون «وأكن» بدون واو، واسكان النون للجازم، وهو معطوف على محل «فأصدق» لأن موضعه قبل دخول الفاء فيه جزم، لأنه جواب التحضيض اذا كان بغير «فاء» ولا «واو» مجزوم، لأنه غير واجب، ففيه مضارعة للشرط وجوابه، فلذلك كان مجزوما، كما يجزم جواب الشرط، لأنه غير واجب، اذ يجوز أن يقع، ويجوز أن لا يقع، وكأنه قال: «ان أخرتني أتصدق وأكن» (4).
__________
(1) سورة الصف آية 14.
(2) قال ابن الجزري: أنصار نون لام زد حرم حلا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 334. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 287. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 320.
(3) سورة المنافقون آية 10.
(4) قال ابن الجزري: أكن للجزم فانصب حزأ انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 335. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 289. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 322.(2/341)
وقال «سيبويه» حاكيا عن «الخليل بن أحمد»:
«أنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني» أهـ (1).
تنبيه: اتفقت المصاحف على رسم «وأكن» بدون واو، لذلك فلا أدري كيف تتفق قراءة «أبي عمرو» مع الرسم العثماني الذي هو شرط في صحة القراءة، علما بأن قراءة «أبي عمرو» متواترة، وقد تلقيتها عن شيوخي.
وبعد البحث المستمر وجدت ما بدد شبهتي: قال «الحلواني أحمد» عن «خالد» قال: رأيت في المصحف الامام «وأكون» بالواو، ورأيته ممتلئا دما، أهـ (2).
«بالغ أمره» من قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ بََالِغُ أَمْرِهِ} (3).
قرأ «حفص» «بالغ» بغير تنوين، و «أمره» بالجر، مضافا اليه، من اضافة اسم الفاعل الى مفعوله.
وقرأ الباقون «بالغ» بالتنوين، و «أمره» بالنصب، على الاصل في إعمال اسم الفاعل (4).
«نزاعة» من قوله تعالى: {نَزََّاعَةً لِلشَّوى ََ} (5).
قرأ «حفص» «نزاعة» بالنصب، على الحال من «لظى» وهي حال
__________
(1) انظر: تفسير الشوكاني ج ص 233.
(2) انظر: اتحاف فضلاء البشر ص 417.
(3) سورة الطلاق آية 3.
(4) قال ابن الجزري: بالغ لا تنونوا وأمره اخفضوا علا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 331. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 291. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 324.
(5) سورة المعارج آية 16.(2/342)
مؤكدة، لأن «لظي» وهي النار الشديدة اللهب، لا تكون الا نزاعة «للشوى» الذي هو «جلدة الرأس».
والعامل في «نزاعة» ما دل عليه الكلام من معنى «التلظي».
وقيل: ان «نزاعة» منصوب على الاختصاص.
وقال «قتادة بن دعامة السدوسي» ت 118هـ:
معنى «نزاعة للشوى»: أنها تبري اللحم، والجلد عن العظم حتى لا تترك فيه شيئا» أهـ.
وقرأ الباقون «نزاعة» بالرفع، خبر ثان «لأن» من قوله تعالى:
{كَلََّا إِنَّهََا لَظى ََ} [الآية 15].
أو خبر لمبتدإ محذوف، أي وهي نزاعة للشوى (1).
«رب المشرق» من قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (2).
قرأ «ابن عامر، وشعبة، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر» «رب» بالخفض، بدلا من «ربك» من قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الآية 8].
وقرأ الباقون «رب» بالرفع، على الابتداء، والخبر الجملة التي بعده من قوله تعالى: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [الآية 9].
__________
(1) قال ابن الجزري: ونزاعة نصب الرفع عل انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 342. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 303. وتفسير الشوكاني ج 5ص 290.
(2) سورة المزمل آية 9.(2/343)
أو خبر لمبتدإ محذوف، أي «هو رب» (1)! «ونصفه وثلثه» من قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} (2).
قرأ «ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «ونصفه وثلثه» بنصب الفاء، والثاء، وضم الهاء فيهما، وهما معطوفان على «ادنى» المنصوب بتقوم، ومعنى «أدنى»: «أقل».
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يعلم أن رسوله «محمد» صلى الله عليه وآله وسلم يقوم اقل من ثلثي الليل، ويقوم نصفه، ويقوم ثلثه.
وقرأ الباقون «ونصفه وثلثه» بخفض الفاء، والثاء، وكسر الهاء فيهما، وهما معطوفان على «ثلثي الليل» المجرور بمن.
وقيد المصنف «نصفه» الملاصق «لثلثه» ليخرج «نصفه» الواقع أو السورة في قوله تعالى: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [الآية 3] فقد اتفق القراء على قراءته بالنصب (3).
«أقسم» من قوله تعالى: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ} (4).
قرأ «ابن كثير» بخلف عن «البزي» «أقسم» بهمزة بعد اللام من
__________
(1) قال ابن الجزري: ورب الرفع فاخفض ظمرا صحبة.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 346. والمهذب في القراءات العشر ج 3ص 310. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 345.
(2) سورة المزمل آية 20.
(3) قال ابن الجزري: نصفه ثلثه انصبا دهرا كفا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 347. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 310. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 345.
(4) سورة القيامة آية 1.(2/344)
غير الف، على أن «اللام» لام قسم، دخلت على «أقسم» وجعل «أقسم» حالا، واذا كان حالا لم تلزمه النون، لأن النون المشددة أي نون التوكيد الثقيلة انما تدخل لتأكيد القسم، ولتؤذن بالاستقبال، فاذا لم يكن الفعل للاستقبال، وجب ترك دخول النون فيه.
ويجوز أن يكون الفعل للاستقبال، لكن جاز حذف النون وابقاء اللام، وابقاء النون.
وقيل: ان «اللام» لام الابتداء للتأكيد.
وقرأ الباقون «لا أقسم» بألف بعد اللام، وبهمزة قبل القاف، وهو الوجه الثاني «للبزي».
قال: «أبو عبيدة»: ان «لا» زائدة، والتقدير: اقسم.
وزيادتها جارية في كلام العرب، كما في قوله تعالى: {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (1).
يعني: «ان تسجد» فالمعنى: اقسم بيوم القيامة.
وقال «الفراء»: هي رد لكلامهم حيث انكروا البعث، كأنه قال:
ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة، وذلك كقولك القائل، «لا والله» فلا رد لكلام قد تقدمها (2).
«عاليهم» من قوله تعالى: {عََالِيَهُمْ ثِيََابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} (3).
__________
(1) سورة الأعراف آية 12.
(2) قال ابن الجزري: واقصر ولا أدري ولا أقسم الأولى زن هلا خلفا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 348. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 312. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 349. وتفسير الشوكاني ج 5ص 335.
(3) سورة الانسان آية 21.(2/345)
قرأ «نافع، وحمزة، وأبو جعفر» «عاليهم» بسكون الياء، وكسر الهاء، على أن «عاليهم» خبر مقدم، «ثياب» مبتدأ مؤخر.
وقال «الفراء»: «عاليهم» مبتدأ، وخبره «ثياب سندس».
وجوز على مذهب «الأخفش الأوسط» أن يكون «عاليهم» مبتدأ، و «ثياب» فاعل سد مسد الخبر، وأن لم يعتمد على نفي او استفهام.
وقرأ الباقون «عاليهم» بفتح الياء، وضم الهاء، على ان «عاليهم» ظرف، خبر مقدم، و «ثياب» مبتدأ مؤخر، أي فوقهم ثياب سندس (1).
«خضر واستبرق» من قوله تعالى: {عََالِيَهُمْ ثِيََابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} (2).
قرأ «نافع، وحفص». «خضر واستبرق» بالرفع فيهما على ان «خضر» صفة لثياب، و «استبرق» عطف نسق على «ثياب» على حذف مضاف، أي وثياب استبرق.
وقرأ «ابن كثير، وشعبة» بخفض «خضر» ورفع «واستبرق» على أن «خضر» صفة «لسندس» وجاز وصف المفرد بالجمع على رأي «الأخفش» الأوسط.
وقيل: ان «سندس» اسم جنس، واسم الجنس يوصف بالجمع، وان «استبرق» عطف نسق على «ثياب» الخ.
__________
(1) قال ابن الجزري: عليهم اسكن في مدا انظر: النشر في القراءات العشر ج 2ص 316. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 316. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 354. وتفسير الشوكاني ج 5ص 351.
(2) سورة الانسان آية 21.(2/346)
وقرأ «أبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب» برفع «خضر» وخفض «واستبرق» فخضر صفة «لثياب» و «استبرق» عطف نسق على «سندس» أي ثياب خضر من سندس، ومن «استبرق».
وقرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» بخفضهما معا، فخضر نعت «لسندس» و «استبرق» عطف نسق على «سندس» (1).
«رب السموات، الرحمن» من قوله تعالى: {رَبِّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَمََا بَيْنَهُمَا الرَّحْمََنِ} (2).
قرأ «ابن عامر، وعاصم، ويعقوب» بخفض باء «رب» ونون «الرحمن» على أنهما بدل من «ربك» من قوله تعالى: {جَزََاءً مِنْ رَبِّكَ} [الآية 26].
وقرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» بخفض باء «رب» على أنه بدل من «ربك» ورفع نون «الرحمن» على أنه مبتدأ، والجملة التي بعده خبر، أو خبر لمبتدإ محذوف، أي هو الرحمن.
وقرأ «نافع، وابن كثير، وابو عمرو، وابو جعفر» برفعهما، على انهما خبر لمبتدإ محذوف، أي هو رب، وهو الرحمن (3).
«منذر» من قوله تعالى: {إِنَّمََا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشََاهََا} (4).
__________
(1) قال ابن الجزري: خضر عرف عم حما استبرق دم اذنبا واخفض لباق فيهما انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 352. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 316. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 355.
(2) سورة النبأ آية 37.
(3) قال ابن الجزري: رب اخفض الرفع كلا ظبا كفا الرحمن نل ظل كرا انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 356. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 320. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 359.
(4) سورة النازعات آية 45.(2/347)
قرأ «أبو جعفر» «منذر» بالتنوين، على الاصل في إعمال اسم الفاعل و «من» اسم موصول مفعول به.
وقرأ الباقون «منذر» بدون تنوين، عن اضافة اسم الفاعل الى مفعوله (1).
«لما» من قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} (2).
قرأ «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وأبو جعفر» «لما» بتشديد الميم، وهي بمعنى «الا» و «ان» نافية، أي ما كل نفس الا عليها حافظ، فكل مبتدأ، وجملة «عليها حافظ» خبر.
وقرأ الباقون «لما» بتخفيف الميم، على أن «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، واللام هي الفارقة، «وما» زائدة، و «كل» مبتدأ، وجملة «عليها حافظ» خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر «ان» المخففة (3).
«يوم لا تملك» من قوله تعالى: {يَوْمَ لََا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} (4).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب» «يوم» برفع الميم، على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أي هو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، أي نفعا ولا ضرا.
__________
(1) قال ابن الجزري: منذر ثبا نون انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 358. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 322.
(2) سورة الطارق آية 4.
(3) قال ابن الجزري: وشد لما كطارق نهى كن في ثمد.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 120119. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 330.
(4) سورة الانفطار آية 19.(2/348)
ويجوز أن يكون بدلا من «يوم» في قوله تعالى: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ} (1).
أي يوم الدين، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا.
وقرأ الباقون يوم بنصب الميم، على الظرفية.
ويجوز أن يكون بدلا من «يوم الدين» في قوله تعالى:
{يَصْلَوْنَهََا يَوْمَ الدِّينِ} (2)! «المجيد» من قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (3).
قرأ «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «المجيد» بخفض الدال صفة «للعرش» وقرأ الباقون برفع الدال، صفة «لذو العرش» أو خبر بعد خبر (4).
والمجيد: هو النهاية في الكرم والفضل، وهو مشتق من «المجد» وهو «العطية» (5).
«محفوظ» من قوله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (6).
__________
(1) سورة الانفطار آية 15.
(2) سورة آية 15.
(3) سورة البروج آية 15.
(4) قال ابن الجزري: وحق يوم لا.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 361. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 326. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 364.
(5) قال ابن الجزري: محفوظ ارفع خفضه أعلم وشفا عكس المجيد.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 362. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 329. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 369.
(6) سورة البروج آية 22.(2/349)
قرأ نافع «محفوظ» بالرفع، صفة «القرآن» من قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (1).
وقد اخبر سبحانه بحفظ القرآن في قوله: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (2).
وقرأ الباقون «محفوظ» بالخفض، صفة «لوح» (3).
«ولا يخاف» من قوله تعالى: {وَلََا يَخََافُ عُقْبََاهََا} (4).
قرأ «نافع، وابن عامر، وأبو جعفر» «فلا يخاف» بالفاء، للمساواة بينه وبين ما قبله من قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهََا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوََّاهََا} (5).
وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف المدني، والشامي.
وقرأ الباقون «ولا يخاف» بالواو، إما للحال، أو لاستئناف الإخبار.
وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف المكي، والبصري، والكوفي (6).
قال: «أبو عمرو الداني»: «وفي والشمس في مصاحف أهل
__________
(1) سورة البروج آية 21.
(2) سورة الحجر آية 9.
(3) قال ابن الجزري: محفوظ ارفع خفضه أعلم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 363. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 329. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 369.
(4) سورة الشمس آية 15.
(5) سورة الشمس آية 14.
(6) قال ابن الجزري: ولا يخاف الفاء عم انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 367. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 336. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 382. واتحاف فضلاء البشر ص 440.(2/350)
المدينة، والشام، «فلا يخاف عقباها» بالفاء، وفي سائر المصاحف «ولا يخاف» «بالواو» أهـ (1)! «حمالة» من قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} (2).
قرأ «عاصم» «حمالة» بنصب التاء، على الذم، أي أذم حمالة الحطب.
وقرأ الباقون «حمالة» بالرفع، على أنها خبر «امرأته» أو خبر لمبتدإ محذوف، أي هي حمالة الحطب (3).
تم ولله الحمد والشكر.
«القراءات وأثرها في علوم العربية» الجزء الثاني
__________
(1) انظر: المقنع في مرسوم المصاحف ص 108.
(2) سورة المسد آية 4.
(3) قال ابن الجزري: وحمالة نصب الرفع نم.
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3ص 372. والمهذب في القراءات العشر ج 2ص 343. والكشف عن وجوه القراءات ج 2ص 390. واتحاف فضلاء البشر ص 445.(2/351)
بسم الله الرحمن الرحيم
«الخاتمة»
لقد تم بعون الله، وتوفيقه تصنيف بحث:
«القراءات وآثرها في علوم العربية» في المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة وأتم التحية يوم الاثنين غرة شهر رجب سنة 1404هـ الموافق 2شهر آبريل سنة 1984م بعد عمل متواصل لعدة سنوات.
ولقد كان اليوم الذي انتهيت فيه من اللمسات الأخيرة لهذا البحث من اسعد ايام حياتي، فقد شعرت بأنني بهذا العمل قد أضفت بحثا جديدا الى المكتبة القرآنية، واللغوية.
وهذا العمل لولا عناية الله تعالى وتوفيقه، ما استطعت اليه سبيلا.
ولا يسعني في هذه اللحظة المباركة السعيدة الا أن أرفع أكف الضراعة والابتهال الى الله تعالى، وأشكره بقلب مخلص على هذا التوفيق.
وختاما الجأ الى الله وأسأله ان يغفر لي خطئي وتقصيري، وأن يوفقني دائما الى خدمة كتابه، وأن يغفر لي ولوالدي يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.
وصل اللهم على نبينا «محمد» وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المؤلف خادم العلم والقرآن د / محمد محمد محمد سالم محيسن(2/352)