مقدمة الكتاب وتعريف النسخ
بسم الله الرّحمن الرّحيم أخبرنا الفقيه العالم الكامل فخر الدين عبد الله بن حسن بن عطية الشغدري الشاوري رحمه الله إجازة في شوال سنة عشر وسبعمائة قال أنبأنا الفقيه أحمد بن علي السرددي عن الفقيه أبي السعود بن حسن الهمداني عن شيخه الامام داود بن سليمان (1) قال [قال أبو جعفر] أحمد بن محمد بن إسماعيل الصفار المصنف النحوي رحمة الله عليهم أجمعين قال نبتدئ في هذا الكتاب وهو كتاب «الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم» بحمد الله الواحد الجبار. العزيز القهار. المعبّد خلقه بما يكون لهم في الصلاح. وما يؤذنهم اذا عملوا به الى الفلاح. وصلى الله على رسوله محمد الأمين. وعلى آله الطيبين. وعلى جميع أنبيائه المرسلين. بالحكم والنصح للأمم. فمن مرسل بنسخ شريعة قد كانت وإثبات أخرى قد كتبت. ومن مرسل بتثبيت شريعة من كان قبله. ومرسل بأمر قد علم الله عزّ وجلّ انه الى وقت يعينه ثم ينسخه بما هو خير للعباد في العاجل وأنفع لهم في الآجل أو بما هو مثله ليمحنوا ويثابوا كما قال جل ثناؤه {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (2)
قال {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ وَاللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ قََالُوا إِنَّمََا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لََا يَعْلَمُونَ} (3) فتكلم العلماء من الصحابة والتابعين في الناسخ والمنسوخ ثم اختلف المتأخرون فيه فمنهم من جرى على سنن المتقدمين فوفق ومنهم من خالف ذلك فاجتنب. فمن المتأخرين من قال ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ وكابر العيان
__________
(1) هكذا وقع في صدر النسخة التي وقعت لنا بعد البسملة فقط وسنفرد الكلام عليهم مع الأدفوي راوية الكتاب وكذا كل من يذكر قبل الأدفوي مع ترجمة المؤلف وذكر مؤلفاته ونؤخر ذلك الى آخر الكتاب إن شاء الله تعالى وأما ما يذكره المصنف في حلقات إسناده فانا نذكر المجهولين منهم في كراسة على حدتها بلفظ وجيز يدل على حاله من جرح أو تعديل ونكون بذلك إن شاء الله أحسنا الخدمة في طبع هذا الكتاب والله ولي التوفيق.
(2) سورة: البقرة، الآية: 106
(3) سورة: النحل، الآية: 101(1/5)
واتبع غير سبيل المؤمنين ومنهم من قال النسخ يكون في الأخبار والأمر والنهي [قال أبو جعفر] وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأنّ قائلا لو قال قام فلان ثم قال لم يقم ثم قال نسخته لكان كاذبا وقد غلط بعض المتأخرين فقال إنما الكذب فيما مضى فأما المستقبل فهو خلف وقال في كتاب الله عز وجل غير ما قال. قال جل ثناؤه {فَقََالُوا يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ وَلََا نُكَذِّبَ بِآيََاتِ رَبِّنََا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقال جل ثناؤه {بَلْ بَدََا لَهُمْ مََا كََانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعََادُوا لِمََا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} (2) وقال آخرون بأنّ الناسخ والمنسوخ الى الامام ينسخ ما شاء وهذا القول أعظم لأن النسخ لم يكن الى النبي صلّى الله عليه وسلم الا بالوحي من الله إما بقرآن مثله على قول قوم وإما بوحي من غير القرآن فلما ارتفع هذان بموت النبي صلّى الله عليه وسلم ارتفع النسخ وقال قوم لا يكون النسخ في الأخبار الا فيما كان فيه حكم واذا كان فيه حكم جاز فيه النسخ وفي الأمر والنهي وقال قوم النسخ في الأمر والنهي خاصة وقول سادس عليه أئمة العلماء وهو ان النسخ إنما يكون في المتعبدات لانّ لله عز وجل أن يتعبد خلقه بما شاء الى أي وقت شاء ثم يتعبدهم بغير ذلك فيكون النسخ في الأمر والنهي وما كان في معناهما وهذا يمر بك مشروحا في مواضعه اذا ذكرناه (3) ونذكر اختلاف الناس في نسخ القرآن بالقرآن وفي نسخ القرآن بالقرآن والسنة وفي نسخ السنة بالقرآن ونذكر أصل النسخ في كلام العرب لنبني الفروع على الاصول ونذكر
__________
(1) قلت: القول الخامس من هذه الأقوال حكاه هبة الله بن سلامة عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة بن عمار قال قالوا ولا يدخل النسخ إلا على الأمر والنهي فقط افعلوا أو لا تفعلوا واحتجوا على ذلك بأشياء منها قولهم ان خبر الله تعالى على ما هو به وأما القول الأول فهو شبيه لما حكاه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي قال قالا قد يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى جميع الأخبار ولم يفصلا وتابعهما على هذا القول جماعة ولا حجة لهم في ذلك من الدراية وانما يعتمدون على الرواية وأما القول السادس فقد حكاه عن الضحاك بن مزاحم قال قال الضحاك يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى الاخبار التي معناها الأمر والنهي مثل قوله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ومعنى ذلك لا تنكحوا زانية ولا مشركة وعلى الأخبار التي معناها الأمر مثل قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام قال {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} ومعنى ذلك ازرعوا ومثل قوله {فَلَوْلََا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهََا} يعني الروح ومثل قوله {وَلََكِنْ رَسُولَ اللََّهِ} أي قولوا له يا رسول الله قال واذا كان هذا معنى الخبر كان كالأمر والنهي ثم حكى قولا آخر لم يذكره المصنف قال وقال آخرون كل جملة استثنى الله تعالى منها بإلا فإن الاستثناء ناسخ لها.
(2) سورة: الأنعام، الآية: 27
(3) سورة: الأنعام، الآية: 28(1/6)
اشتقاقه ونذكر على كم يأتي من ضرب ونذكر الفرق بين النسخ والبداء فإنّا لا نعلم أحدا ذكره في كتاب ناسخ ولا منسوخ وإنما يقع الغلط على من لم يفرق بين النسخ والبداء والتفريق بينهما مما يحتاج المسلمون الى الوقوف عليه لمعارضة اليهود والجهال فيه
ونذكر الناسخ والمنسوخ على ما في السور ليقرب حفظه على من أراد تعلمه فاذا كانت السورة فيها ناسخ ومنسوخ ذكرناها والا أضربنا عن ذكرها الا أنا نذكر إنزالها أكان بمكة أم بالمدينة وان كان فيه إطالة نضطر الى ذكرها أخرناها وبدأنا بما يقرب ليسهل حفظه ونبدأ بباب الترغيب في علم الناسخ والمنسوخ عن العلماء الراسخين والأئمة المتقدمين.
باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ
حدثنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن اسحاق المصري البزاز المعروف بالكسائي بمكة حرسها الله قال حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي النحوي قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي داود الأنباري بالأنبار قال حدثنا يحيى بن جعفر قال حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي اسحاق عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري قال دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد فاذا رجل يخوّف الناس فقال ما هذا قالوا رجل يذكّر الناس فقال ليس برجل يذكر الناس ولكنه يقول انا فلان ابن فلان فاعرفوني فارسل اليه أتعرف الناسخ والمنسوخ فقال لا قال فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه (1). وحدثنا محمد بن جعفر قال أنبأنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال انتهى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الى رجل يعظ الناس فقال أعلمت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت. وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسيم قال حدثنا سليمان قال حدثنا شعبة عن أبي حصين عن عبد الرحمن السلمي قال مر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برجل يعظ قال هل عرفت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت. وحدثنا بكر بن سهل الدمياطي قال حدثنا ابو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني
__________
(1) قلت: ذكر هذا الخبر ابن سلامة وسمي الرجل بعبد الرحمن بن داب وقال كان صاحبا لأبي موسى الاشعري وقد تحلق الناس عليه يسألونه وهو يخلط الأمر بالنهي والاباحة بالحظر فقال له أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت أبو من أنت؟ فقال له أبو يحيى فقال أنت أبو اعرفوني وأخذ أذنه ففتلها وقال لا تقص في مسجدنا بعد.(1/7)
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (1) قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحرامه وحلاله وأمثاله. حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال أنبأنا أبو نعيم عن سلمة بن نبيط عن الضحاك بن مزاحم قال مر ابن عباس بقاص يعظ فركله برجله وقال أتدري ما الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت. حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسيم عن موسى عن أبي هلال الراسبي قال سمعت محمدا وحدثت عنه قال قال حذيفة إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل تعلم منسوخ القرآن وذلك عمر رضي الله عنه ورجل قاض لا يجد من القضاء بدا ورجل متكلف فلست بالرجلين الأولين وأكره أن أكون الثالث. وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسيم عن موسى عن حماد بن سلمة عن عطاء عن أبي البحتري ان عليا رضي الله عنه دخل مسجد الكوفة فرأى قاصا يقص فقال ما هذا قالوا رجل محدث قال ان هذا يقول اعرفوني سلوه هل يعرف الناسخ من المنسوخ فسألوه فقال لا فقال لا تحدث.
باب اختلاف العلماء في الذي ينسخ القرآن والسنة
للعلماء في هذا خمسة أقوال منهم من يقول القرآن ينسخ القرآن والسنة وهذا قول الكوفيين ومنهم من يقول ينسخ القرآن القرآن ولا يجوز أن تنسخه السنة وهذا قول الشافعي في جماعة معه وقال قوم تنسخ السنة القرآن والسنة وقال قوم تنسخ السنة السنة ولا ينسخها القرآن والقول الخامس قاله محمد بن شجاع قال الاقوال قد تقابلت فلا أحكم على أحدها بالآخر [قال أبو جعفر] وحجة أصحاب القول الأول في ان القرآن ينسخ بالقرآن والسنة قول الله تعالى {وَمََا آتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وقال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} (3) وقال {فَلََا وَرَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ حَتََّى يُحَكِّمُوكَ فِيمََا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (4) الآية وقد أجمع الجميع على ان القرآن اذا نزل بلفظ مجمل ففسره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبينه كان بمنزلة القرآن المتلو فكذا سبيل
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 269
(2) سورة: الحشر، الآية: 7
(3) سورة: النور، الآية: 63
(4) سورة: النساء، الآية: 65(1/8)
النسخ واحتجوا بآيات من القرآن تأولوها على نسخ القرآن بالسنة ستمر في السور إن شاء الله تعالى واحتج من قال لا ينسخ القرآن إلا بقرآن بقوله عز وجل {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (1)
وبقوله {قُلْ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي} (2) وأصحاب القول الاول يقولون لم ينسخه من قبل نفسه ولكنه بوحي غير القرآن وهكذا سبيل الاحكام إنما تكون من قبل الله عز وجل وقد روى الضحاك عن ابن عباس نأت بخير منها أو مثلها نجعل مكانها أنفع لكم منها وأخف عليكم أو مثلها في المنفعة أو ننساها يقول أو نتركها كما هي فلا ننسخها
واحتج أصحاب القول الثالث في ان السنة لا ينسخها الا سنة لأن السنة هي المبيّنة للقرآن فلا ينسخها والحجة عليهم أن القرآن هو المبين نبوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأمر بطاعته فكيف لا ينسخ قوله وفي هذا أيضا أشياء قاطعة قال الله تبارك وتعالى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ} (3) فنسخ بهذا ما فارق النبي صلّى الله عليه وسلّم المشركين عليه ومن هذا أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود جاءوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا إن رجلا منا وامرأة زنيا فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم قالوا نجلدهم ويفضحون فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرجم فذهبوا فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل رجل منهم يده على آية الرجم ثم قرأ ما بعدها وما قبلها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفعها فاذا فيها آية الرجم قالوا صدق يا محمد إن فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجما قال عبد الله بن عمر فرأيته يجني على المرأة هنها الحجارة حكى أهل اللغة انه يقال جنى فلان على فلان اذا أكب عليه (4)
ومنه الحديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد موته وقبل بين عينيه وقال طبت حيا وميتا [قال أبو جعفر] وهذا من النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يكون إلا من قبل أن ينزل عليه في الزناة شيء ثم نسخ الله تعالى فعله هذا بقوله عز وجل {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} (5) وما بعده (6).
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 106
(2) سورة: يونس، الآية: 15
(3) سورة: الممتحنة، الآية: 10
(4) قلت: قال ابن الأثير في النهاية وقيل هو مهموز وقيل الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ اذا مال عليه وعطف ثم خفف وهو لغة في أجنأ ووجدت في هامش الأصل ما نصه يجنأ بالجيم مهموز.
(5) سورة: النساء، الآية: 15
(6) قوله وما بعده خبر قوله ونبدأ بباب الترغيب الخ وما بعده باب أصل النسخ واشتقاقه.(1/9)
باب أصل النسخ واشتقاقه
اشتقاق النسخ من شيئين احدهما يقال نسخت الشمس الظل اذا أزالته وحلّت محله ونظير هذا {فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ} (1) والآخر من نسخت الكتاب اذا أنقلته من نسخته وعلى هذا الناسخ والمنسوخ (2) وأصله أن يكون الشيء حلالا الى مدة ثم ينسخ فيجعل حراما أو يكون حراما فيجعل حلالا أو يكون محظورا فيجعل مباحا أو مباحا فيجعل محظورا يكون في الامر والنهي والحظر والاطلاق والاباحة والمنع.
باب النسخ على كم يكون من ضرب
أكثر النسخ في كتاب الله تعالى على ما تقدم في الباب الذي قبل هذا أن يزال الحكم بنقل العباد عنه مشتق من نسخت الكتاب ويبقى المنسوخ متلوا. كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد الصباح قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ما ننسخ من آية قال نزيل حكمها ونثبت خطها ونسخ ثان. كما حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن ديسم (3) قال حدثنا أبو عمرو الدوري عن الكسائي {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (4) قال في تلاوته فينسخ الله ما يلقي الشيطان فانه يزيله ولا يتلى ولا يثبت في المصحف [قال أبو جعفر] وهذا مشتق من نسخت الشمس الظل وقد زعم أبو عبيد ان هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم السورة فترفع فلا تتلى ولا تثبت واحتج أبو عبيد بأحاديث صحيحة السند وخولف أبو عبيد فيما قال والذين خالفوه على قولين منهم من قال لا يجوز ما قال ولا يسلب النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن بعد ما أنزل عليه واحتجوا بقوله تعالى {وَلَئِنْ شِئْنََا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ} (5) والقول الآخر ان أبا عبيد قد جاء بأحاديث إلا أنه غلط في تأويلها لأن تأويلها
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 52
(2) قلت الأول الذي حكاه يتناول معنى الرفع وبه قال ابن سلامة مقتصرا عليه قال النسخ في كلام العرب هو الرفع للشيء وجاء الشرع بما تعرف العرب اذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ فليتأمل.
(3) قلت هكذا ضبط بالاصل وقد تقدم في باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ بلفظ بن دسيم مكررا فلا أدري أهو هو أم هذا غيره وكلا الاسمين لم أقف له على ذكر فليحرر.
(4) سورة: الحج، الآية: 52
(5) سورة: الإسراء، الآية: 86(1/10)
على النسيان لا على النسخ وقد تأول مجاهد وقتادة أو ننسأها على هذا من النسيان وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص وفيه قولان آخران عن ابن عباس قال ما ننسخ من آية نرفع حكمها أو ننسأها نتركها فلا ننسخها وقيل ننسأها نبيح لكم تركها وعلى قراءة البصريين ننسأها أحسن ما قيل في معناه أو نتركها ونؤخرها فلا ننسخها ونسخ ثالث وهو من نسخت الكتاب لم يذكر أبو عبيد إلا هذه الثلاثة وذكر غيره رابعا قال تنزل الآية وتتلى في القرآن ثم تنسخ فلا تتلى في القرآن ولا تثبت في الخط ويكون حكمها ثابتا كما روى الزهري عن عبد الله بن عباس قال خطبنا عمر بن الخطاب قال كنا نقرأ الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة [قال أبو جعفر] وإسناد الحديث صحيح إلا أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة وقد يقول الإنسان كنت اقرأ كذا لغير القرآن والدليل على هذا أنه قال ولولا أني أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدته (1).
باب الفرق بين النسخ والبداء
(2)
الفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فحرم أو كان
__________
(1) قلت ساق هذا الحديث ابن سلامة وغيره ونص ابن سلامة وقد جعله ثاني الأضرب الثلاثة التي اقتصر عليها وحصر وجوه النسخ بها قال وأما ما نسخ خطه وبقي حكمه فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لولا أن أكره أن يقول الناس ان عمر زاد في القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرجم وأثبتها والله لقد قرأتها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا ترغبوا عن آبائكم فان ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم قلت والنسخ الأول الذي حكاه ابن سلامة هو النسخ الثاني الذي زعمه أبو عبيد قال وهو ما نسخ خطه وحكمه ومثل له بما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة نعدلها بسورة التوبة ما أحفظ منها غير آية واحدة وهي لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى اليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب الثالث ما نسخ حكمه وبقي خطه وهو النسخ الأول الذي أورده المؤلف انتهى.
(2) قلت قد أشار المصنف رحمة الله تعالى في مقدمة كتابه الى أنه سيذكر الفرق بين النسخ والبداء لمعارضة اليهود والجهال فيه وقد وفى فيما أتى به هنا ولكني وجدت في ذلك كلاما لابن حزم أذكره هنا قال وأنكر اليهود النسخ وقالوا أنه يؤذن بالغلط والبداء وهم قد غلطوا لأن النسخ رفع عبادة قد علم الأمر أن بها خيرا ثم أن للتكليف بها غاية ينتهي إليها ثم يرفع الإيجاب والبداء هو الانتقال عن المأمور به بأمر حادث لا بعلم سابق ولا يمتنع جواز النسخ عقلا لوجهين أحدهما أن للأمر أن يأمر بما شاء وثانيهما أن النفس اذا مرنت على أمر ألفته فاذا نقلت عنه الى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فيظهر منها إذعان الانقياد لطاعة الآمر انتهى بتصرف قليل.(1/11)
حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحا فيمنع أو ممنوعا فيباح إرادة الاصلاح للعباد وقد علم الله جل ثناؤه العاقبة في ذلك وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه الى ذلك الوقت فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور والصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت فصيرت الى الكعبة وكذا قوله {إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً} (1) قد علم عز وجل أنه إلى وقت بعينه ثم ينسخه في ذلك الوقت وكذا تحريم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم آخرون بإباحة العمل فيه وكان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء وكذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك فامض الى فلان ثم تقول لا تمض إليه فيبدو لك عن القول وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إن قلت ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت لا تفعل فهذا البداء وان قلت يا فلان ازرع فقد علم أنك تريد مرة واحدة وكذا النسخ اذا أمر الله عز وجل ثناؤه بشيء في وقت نبي أو في وقت يتوقع فيه نبي فقد علم أنه حكمة وصواب إلى أن ينسخ وقد نقل من الجماعة من لا يجوز عليهم الغلط نسخ شرائع الأنبياء عليهم السلام من لدن آدم عليه السلام إلى وقت نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم وهم الذين نقلوا علامات الأنبياء عليهم السلام وقد غلط جماعة في الفرق بين النسخ والبداء كما غلطوا في تأويل الأحاديث حملوها على النسخ أو على غير معناها.
باب ذكر بعض الاحاديث
فمن ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن فنسخت بخمس معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهن مما نقرأ من القرآن [قال أبو جعفر] فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من الاشكال فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس وهو راوي الحديث ولم يروه عن عبد الله سواه وقال رضعة واحدة تحرم وأخذ بظاهر القرآن قال الله تعالى {وَأَخَوََاتُكُمْ مِنَ الرَّضََاعَةِ} (2) وممن تركه أحمد بن حنبل
__________
(1) سورة: المجادلة، الآية: 12.
(2) سورة: النساء، الآية: 23(1/12)
وأبو ثور قالا يحرم ثلاث رضعات لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرّم المصة ولا المصتان»
[قال أبو جعفر] وفي الحديث لفظة شديدة الإشكال وهو قولها فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهن مما نقرأ في القرآن فقال بعض جلّة أصحاب الحديث قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر قلما يذكران هذا فيها وهما القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويحيى بن سعيد الأنصاري وممن قال بهذا الحديث وانه لا يحرم الا بخمس رضعات الشافعي وأما القول في تأويل وهن مما نقرأ في القرآن فقد ذكرنا رد من رده ومن صححه قال الذي نقرأ من القرآن واخواتكم من الرضاعة وأما قول من قال إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظيم لأنه لو كان مما يقرأ لكانت عائشة رضي الله عنها قد نبهت عليه ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط وقد قال الله تعالى {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (1) وقال {إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (2) ولو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل فيبطل العمل بما نقل ونعوذ بالله من هذا فإنه كفر ومما يشكل من هذا ما رواه الليث بن سعد عن يونس عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة والنجم إذا هوى فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى قال فإن شفاعتهم ترتجى فسها فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا فقال إنما ذلك من الشّيطان فأنزل الله عز وجل {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ} (3) الآية وقال قتادة قرئ فإن شفاعتهم ترتجى وإنهم لهم الغرانيق العلا [قال أبو جعفر] الحديثان منقطعان والكلام على التأويل فيهما قريب. فقال قوم هذا على التوبيخ ليتوهمون هذا وعندكم إن شفاعتهم ترتجى ومثله وتلك نعمة تمنها عليّ وقيل شفاعتهم ترتجى على قولكم ومثله فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي ومثله أين شركائي أي على قولكم وقيل المعنى والغرانيق العلا يعني الملائكة ترتجى شفاعتهم فسها بذلك عن هذا الجواب وقيل إنما قال الله تعالى ألقى الشيطان في أمنيته ولم يقل إنه قال كذا فيجوز أن يكون شيطان من الجن ألقى هذا ومن الإنس. ومما يشكل من هذا الحديث في أن قوله وإن تبدوا ما في أنفسكم أو
__________
(1) سورة: الحجر، الآية: 9
(2) سورة: القيامة، الآية: 17
(3) سورة: الحج، الآية: 52(1/13)
تخفوه يحاسبكم به الله نسخه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وهذا لا يجوز أن يقع فيه نسخ لأنه خبر ولكن التأويل في الحديث لأن فيه لما أنزل الله {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} (1) اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم فنسخ ذلك {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} (2) أي فنسخ ما وقع في قلوبكم أي أزاله ورفعه. ومن هذا المشكل قوله تعالى {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ وَلََا} (3) الى قوله {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً يُضََاعَفْ لَهُ الْعَذََابُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً إِلََّا مَنْ تََابَ وَآمَنَ} (4) ثم نسخه {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} (5) وهذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ولكن تأويله إن صح نزل بنسخته (6) والآيتان واحد يدلك على ذلك {وَإِنِّي لَغَفََّارٌ لِمَنْ تََابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً} (7) ومن هذا {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (8) قال عبد الله بن مسعود نسخهما {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (9) أي نزل بنسختهما وهما واحد والدليل على ذلك قول ابن مسعود حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى [قال أبو جعفر] هذا لا يجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه وهذه الاشياء تشرح بأكثر من هذا في موضعها من السور ان شاء الله تعالى.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 284
(2) سورة: البقرة، الآية: 286
(3) سورة: الفرقان، الآية: 68
(4) سورة: الفرقان، الآية: 6968
(5) سورة: النساء، الآية: 93
(6) قوله نزل بنسخته يريد والله أعلم كما قاله الراغب في مادة (نسخ) ما نوجده وننزله من قولهم نسخت الكتاب
وقد تقدم مثله للمصنف عن أبي عبيد وسماه النسخ الثالث.
(7) سورة: طه، الآية: 82
(8) سورة: آل عمران، الآية: 102
(9) سورة: التغابن، الآية: 16(1/14)
باب السور التي يذكر فيها الناسخ والمنسوخ (1)
فأول ذلك السورة التي يذكر فيها البقرة (2)
باب ذكر الآية الاولى
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال فكان أول ما نسخ الله عز وجل من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما هاجر الى المدينة وكان أكثرها اليهود أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعو الله وينظر الى السماء فأنزل الله تعالى {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} (3) الى قوله {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} (4) شطره يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولا هم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله تعالى {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (5) وقال تعالى {وَمََا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهََا إِلََّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى ََ عَقِبَيْهِ} (6)
قال ابن عباس ليتميز أهل اليقين من أهل الشرك، الشرك هنا الشك والريبة [قال أبو جعفر] وهذا يسهل في حفظ نسخ هذه الآية ونذكر ما فيها من الإطالة كما شرطنا. فمن ذلك ما قرأ عليّ أحمد بن عمر عن محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن حماد وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو
__________
(1) فائدة: لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى السور التي لم يدخلها الناسخ ولا المنسوخ أسوة بغيره ممن صنف في ذلك كابن سلامة وابن حزم فانهما أفردا باب لذلك وكذا أفردا بابا لذكر السور التي دخلها الناسخ ولم يدخلها المنسوخ وكذا التي دخلها المنسوخ ولم يدخلها الناسخ وسنأتي على ذكر ذلك في آخر الكتاب في أبواب أخر من متممات هذا العلم لتكون خدمتنا لكتاب الله عز وجل في نشر هذا الكتاب وتسهيله خدمة لا يحتاج المطالع معها الى كتاب آخر ان شاء الله.
(2) قال ابن سلامة وابن حزم ليس في أم الكتاب ناسخ ولا منسوخ وزاد ابن سلامة لأن أولها ثناء وآخرها دعاء
وحكيا ان سورة البقرة مدنية بلا خلاف وقال ابن سلامة تحتوي على ثلاثين آية منسوخة وقد وافق المصنف في العدد وخالفه في ذكر الآيات وخالفهما ابن حزم فقال ففيها ستة وعشرون موضعا ولم يتفقوا الا في بضع عشرة آية وسأذكر أثناء ذلك بعض ما خالفاه فيه وما اختلفا هما فيه.
(3) سورة: البقرة، الآية: 144
(4) سورة: البقرة، الآية: 144
(5) سورة: البقرة، الآية: 144
(6) سورة: البقرة، الآية: 115(1/15)
عوانة قال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة الى بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما هاجر الى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف الى الكعبة [قال أبو جعفر] قال وفي حديث البراء صلّى ستة عشر شهرا أو تسعة عشر شهرا. وروى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال صرف النبي صلّى الله عليه وسلّم الى الكعبة في جمادى الأخرى وقال ابن اسحاق في رجب وقال الواقدي في النصف من شعبان [قال أبو جعفر] أولاها بالصواب الأول لأن الذي قال به أجل ولأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة في شهر ربيع الاول فاذا صرف في آخر جمادى الأخرى الى الكعبة صار ذلك ستة عشر شهرا كما قال ابن عباس وأيضا فاذا صلّى الى الكعبة في جمادى الاخرى فقد صلّى اليها فيما بعدها فعلى قول ابن عباس إن الله عز وجل كان أمره بالصلاة الى بيت المقدس ثم نسخه
قال غيره بل نسخ فعله ولم يكن أمره بالصلاة الى بيت المقدس ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتبع آثار الأنبياء قبله حتى يؤمر بنسخ ذلك وقال قوم بل نسخ قوله فأينما تولوا فثم وجه الله بالأمر بالصلاة الى الكعبة [قال أبو جعفر] أولى الاقوال بالصواب الأول وهو صحيح والذي يطعن في إسناده يقول ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير من مجاهد وعكرمة [قال أبو جعفر] وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. وقد حدثني أحمد بن محمد الأزدي قال سمعت عليّ بن الحسين يقول سمعت الحسن بن عبد الرحمن بن فهم يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول بمصر كتاب التأويل عن معاوية بن صالح (1) لو أن رجلا رحل الى مصر فكتبه ثم انصرف به ما كانت رحلته عندي تذهب باطلا فأما أن تكون الآية ناسخة لقوله تعالى {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} فبعيد لأنها تحتمل أشياء سنبينها في ذكر الآية الثانية.
باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله تعالى {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ إِنَّ اللََّهَ وََاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) وللعلماء في هذه ستة أقوال قال قتادة هي منسوخة وذهب الى أن المعنى
__________
(1) قلت يتوجه ذكر هذا تعديلا من الإمام أحمد لابن أبي طلحة على أنه قال فيه له أشياء منكرات حكي ذلك عنه في الخلاصة والله أعلم.
(2) سورة: البقرة، الآية: 115(1/16)
صلوا كيف شئتم فإن المشرق والمغرب لله عز وجل فحيث استقبلتم فثم وجه الله لا يخلو منه مكان كما قال تعالى {مََا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ََ ثَلََاثَةٍ إِلََّا هُوَ رََابِعُهُمْ وَلََا خَمْسَةٍ إِلََّا هُوَ سََادِسُهُمْ} (1) قال ابن زيد كانوا ينحون أن يصلوا الى أي قبلة شاءوا لأن المشارق والمغارب لله جل ثناؤه فأنزل الله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله تعالى يعني بيت المقدس فصلوا إليه فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بضعة عشر شهرا فقالت اليهود ما اهتدى لقبلة حتى هديناه فكره النبي صلّى الله عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه الى السماء فأنزل الله تعالى {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ}» (2) [قال أبو جعفر] فهذا قول وقال مجاهد في قوله تعالى {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} معناه أينما تولوا من مشرق أو مغرب فثم جهة الله التي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعل الآية ناسخة وجعل قتادة وابن زيد الآية منسوخة وقال إبراهيم النخعي من صلّى في سفر ومطر وظلمة شديدة الى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه فأينما تولوا فثم وجه الله والقول الرابع أن قوما قالوا لما صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم على النجاشي صلّى عليه وكان يصلي الى غير قبلتنا فأنزل الله عز وجل {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} (3) والقول الخامس أن المعنى أدعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولوا فثم وجه الله يستجيب لكم والقول السادس من أجلها قولا وهو أن المصلي في السفر على راحلته النوافل جائز له أن يصلي الى قبلة والى غير قبلة [قال أبو جعفر] وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلك على صحته أنه قرأ على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى وعمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن عبد الملك قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي وهو مقبل من مكة الى المدينة على دابته وفي ذلك أنزل الله {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (3) قال أنبأنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الله بن دينار وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به [قال أبو جعفر] والصواب أن يقال إن الآية ليست بناسخة ولا منسوخة لأن العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملة لغير النسخ وما كان محتملا لغير النسخ لم يقل فيه ناسخ ولا منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها فأما ما كان يحتمل المجمل والمفسر والعموم
__________
(1) سورة: المجادلة، الآية: 7
(2) سورة: البقرة، الآية: 144
(3) سورة: البقرة، الآية: 115(1/17)
والخصوص فعن النسخ بمعزل ولا سيما مع هذا الاختلاف وقد اختلفوا أيضا في الآية الثالثة (1).
باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله جل من قائل {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} (1) الآية [قال أبو جعفر] أما ما ذكر في الحديث فالصلاة الوسطى صلاة العصر ويقال إن هذا نسخ أي رفع ويقال إن هذه قراءة على التفسير أي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر فأما {وَقُومُوا لِلََّهِ قََانِتِينَ} (2) فمن الناس من يقول القنوت القيام ومنهم من يقول القنوت بحديث عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «كل قنوت في القرآن فهو طاعة» وقال قوم وقوموا لله قانتين ناسخ للكلام في الصلاة [قال أبو جعفر] فهذا أحسن ما قيل فيه. كما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن اسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتكلم أحد منا بحاجته حتى نزلت {وَقُومُوا لِلََّهِ قََانِتِينَ} فنهينا حينئذ عن الكلام [قال أبو جعفر] وهذا اسناد صحيح وهو موافق للقول الاول ان القنوت الطاعة أي قوموا مطيعين فيما أمركم به من ترك الكلام في الصلاة فصح أن الآية ناسخة للكلام في الصلاة [قال أبو جعفر] فهذا ما في هذه السورة من الناسخ والمنسوخ في أمر الصلاة وهي ثلاث آيات والآية الرابعة في القصاص.
باب ذكر الآية الرابعة
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدََاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسََانٍ} (3) الى آخر
__________
(1) قال ابن حزم والآية الرابعة قوله تعالى {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} هذا محكم منسوخ منها قوله {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} الآية وناسخها قوله تعالى {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وكذا قال ابن سلامة وهي عنده الآية الخامسة وحكى ذلك أيضا الواحدي في أسباب النزول معتمدا على رواية ابن أبي طلحة.
(2) سورة: البقرة، الآية: 238
(3) سورة: البقرة، الآية: 178(1/18)
الآية في هذه الآية موضعان أحدهما الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فيه خمسة أقوال منها ما حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام السدوسي قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال نسختها وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كان الرجل لا يقتل بالمرأة ولكن يقتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فنزلت ان النفس بالنفس [قال أبو جعفر] فهذا قول وقال الشعبي نزلت في قوم تقاتلوا فقتل بينهم خلق فنزل هذا لأنهم قالوا لا يقتل بالعبد منا إلا الحر ولا بالأنثى إلا الذكر وقال السدي في الفريقين وقعت بينهم قتلى فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقاص بينهم ديات النساء بديات النساء وديات الرجال بديات الرجال والقول الرابع قول الحسن البصري رواه عنه قتادة وعوف وزعم أنه قول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال هذا على التراجع اذا قتل رجل امرأة كان أولياء المرأة بالخيار إن شاء واقتلوا الرجل وأدوا نصف الدية وان شاءوا أخذوا الدية كاملة واذا قتل رجل عبدا فإن شاء مولى العبد أن يقتل الرجل ويؤدي بقية الدية بعد ثمن العبد (1)
واذا قتل عبد رجلا فان شاء أولياء الرجل أن يقتلوا العبد ويأخذوا بقية الدية وان شاءوا أخذوا الدية والقول الخامس أن الآية معمول بها بقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى بهذه الآية وبقتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والحر بالعبد والعبد بالحر لقوله تعالى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنََا لِوَلِيِّهِ سُلْطََاناً} (2) وبقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الذي تقتله الجماعة المؤمنون تتكافأ دماؤهم» فهو صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. كما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس ابن عباد قال انطلقت أنا والاشتر الى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقلنا هل عهد اليك نبي الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يعهده إلى الناس قال لا إلا ما في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فاذا فيه المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على ما سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا
__________
(1) قلت: هذا على ان دية العبد على النصف من دية الحر والمحفوظ عن علي رضي الله عنه كما حكاه الامام أبو بكر أحمد بن عمرو النبيل وأبو عاصم الضحاك في كتاب الديات له بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يقولان الحر يقتل بالعبد وقال وروي عن علي وعبد الله (أي ابن عمر) انهما قالا اذا قتل الحر العبد فهو قود ثم قال وحدثنا عن عبد الرحيم عن ليث عن الحكم وسعيد بن المسيب وإبراهيم والشعبي مثله.
(2) سورة: الإسراء، الآية: 33(1/19)
يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين [قال أبو جعفر] فسوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمنين في الدنيا شريفهم ووضيعهم وحرهم وعبدهم وهذا قول الكوفيين في العبد خاصة فأما في الذكر والأنثى فلا اختلاف بينهم الا ما ذكرناه من التراجع والموضع الآخر {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (1) الآية قيل هي ناسخة لما كان عليه بنو اسرائيل من القصاص بغير دية. كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان القصاص في بني اسرائيل ولم تكن الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} قال عفوه أن يقبل الدية في العمد واتباع بالمعروف من الطالب ويؤدي اليه المطلوب باحسان {ذََلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (2) عما كتب على من كان قبلكم [قال أبو جعفر] يكون التقدير فمن صفح له عن الواجب عليه من الدم فأخذت منه الدية وقيل عفي بمعنى كثر من قوله عز وجل حتى عفوا وقيل كتب معنى فرض على التمثيل وقيل كتب عليكم في اللوح المحفوظ (3)
وكذا كتب في آية الوصية وهي الآية الخامسة.
باب ذكر الآية الخامسة
قال جل ثناؤه {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (4) في هذه الآية خمسة أقوال فمن قال ان
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 178
(2) قلت قوله حتى عفوا هكذا وقع لنا في الأصل وأما عفا بمعنى كثر فقد حكاه الراغب في مفرداته وابن الاثير في نهايته ومثلا له بحديث أمره صلّى الله عليه وسلّم باعفاء اللحى وهو أن يوفر شعرها فلا يقصه من عفا الشيء اذا كثر.
(3) قلت قال ابن حزم وابن سلامة قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} قالا الى هنا موضع النسخ وباقي الآية محكم قالا واللفظ لابن سلامة وأجمع المفسرون على نسخ ما فيها من المنسوخ واختلفوا في ناسخها فقال العراقيون وجماعة ناسخها الآية التي في المائدة وهي قوله تعالى {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية وقال الحجازيون وجماعة ناسخها الآية التي في بني اسرائيل {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنََا لِوَلِيِّهِ سُلْطََاناً فَلََا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} قالا وقتل الحر بالعبد اسراف وكذلك قتل المسلم بالكافر ثم حكى ابن سلامة قول العراقيين بجواز قتل المسلم.
(4) سورة: البقرة، الآية: 180(1/20)
القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة قال نسخها لا وصية لوارث ومن قال من الفقهاء لا يجوز أن ينسخ القرآن إلا قرآن قال نسخها الفرائض. كما حدثنا عليّ بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله {الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (1) فإن كان ولد الرجل يرثونه فللوالدين والأقربين الوصية فنسخها {لِلرِّجََالِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ} (2) وقال مجاهد نسخها {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (3) الآية والقول الثالث قاله الحسين قال نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وقال الشعبي والنخعي الوصية للوالدين والأقربين على الندب لا على الحتم
والقول الخامس أن الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص الكتاب إذ كانوا لا يرثون [قال أبو جعفر] وهذا قول الضحاك وطاوس (4). قال طاوس من أوصى لأجنبي وله أقرباء انتزعت الوصية فردت الى الأقرباء قال الضحاك من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات على معصية الله عز وجل وقال الحسن اذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء أعطي الغرباء ثلث الثلث ورد الباقي على الأقرباء [قال أبو جعفر] تنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوة فالواجب أن يقال أنها منسوخة لأن حكمها ليس ينافي حكم ما فرض الله من الفرائض فوجب أن يكون {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (5) الآية كقوله عز وجل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ} (6).
باب ذكر قوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون
وهي الآية السادسة [قال أبو جعفر] في هذه الآية خمسة أقوال قال جابر بن سمرة هي ناسخة لصوم يوم عاشوراء يذهب الى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بصوم يوم عاشوراء فلما فرض
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 180
(2) سورة: النساء، الآية: 7
(3) سورة: النساء، الآية: 11
(4) قلت وحكاه ابن سلامة عن الحسن البصري أيضا والعلاء بن زيد ومسلم بن يسار بعد حكايته مذهب من قال انها منسوخة وناسخها الكتاب والسنة وقال ابن حزم هي منسوخة وناسخها قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}
الآية.
(5) سورة: البقرة، الآية: 180
(6) سورة: البقرة، الآية: 183(1/21)
صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر وإن كان قد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من حديث أبي قتادة صوم عاشوراء يكفر سنة مستقبلة وقال عطاء {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) كتب عليكم صيام ثلاثة أيام من كل شهر [قال أبو جعفر] فهذان قولان على أن الآية ناسخة وقال أبو العالية والسدي هي منسوخة لأن الله تعالى كتب على من قبلنا اذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النساء ثم كتب ذلك علينا فقال تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ثم نسخه بقوله عز وجل {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} (2) وبما بعده والقول الرابع أن الله تعالى كتب علينا الصيام شهرا كما كتب على الذين من قبلنا وان نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الأكل والوطء بعد النوم ثم أباح الوطء بعد النوم الى طلوع الفجر والقول الخامس أنه كتب علينا الصيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا قال مجاهد كتب الله صوم شهر رمضان على كل أمة وقال قتادة كتب الله صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النصارى [قال أبو جعفر] وهذا أشبه ما في هذه الآية وفي حديث يدل على صحته قد مر قبل هذا غير مسند ثم كتبناه مسندا عن محمد بن محمد بن عبد الله. قال حدثنا الليث بن الفرج قال حدثنا معاذ بن هشام عن أبي عبد الله الدستوائي قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«قال كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض رجل منهم فقالوا لئن الله عز وجل شفاه لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن الله عز وجل شفاه لنزيدن سبعا ثم كان ملك آخر فقال لنتمن هذه السبعة الايام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين» [قال أبو جعفر] اما قول عطاء إنها ناسخة لصوم ثلاثة أيام فغير معروف وقول من قال نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النوم لا يمتنع وقد تكون الآية ينسخ منها الشيء (3)
كما قيل في الآية السابعة.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 183
(2) سورة: البقرة، الآية: 187
(3) قال ابن حزم وابن سلامة الآية منسوخة وقال ابن سلامة اختلف الناس في الإشارة (أي في قوله) {كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى من هي فقالت طائفة هي الأمم الخالية وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلا وفرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فكفرت الأمم كلها وآمنت به أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فيكون التنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة وقال الآخرون الإشارة إلى النصارى.(1/22)
باب باب ذكر الآية السابعة
قال الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) [قال أبو جعفر] في هذه الآية أقوال أصحها منسوخة شأو الآية يدل على ذلك والنظر والتوقف من رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن قتيبة بن سعيد. قال حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} كان من شاء منا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتى نسختها الآية التي بعدها [قال أبو جعفر] حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قول الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} قال كان الرجل يصبح صائما والمرأة في شهر رمضان ثم إن شاء أفطر وأطعم مسكينا فنسختها {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) [قال أبو جعفر] فهذا قول وقال السدي وعلى الذين يطيقونه كان الرجل يصوم من رمضان ثم يعرض له العطش فأطلق له الفطر وكذا الشيخ الكبير والمرضع ويطعمون عن كل يوم مسكينا فمن تطوع خيرا فأطعم مسكينين فهو خير له
وقال الزهري فمن تطوع خيرا صام وأطعم مسكينا فهو خير له وقيل المعنى الذي يطيقونه على جهد [قال أبو جعفر] الصواب أن يقال الآية منسوخة بقول الله عز وجل {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} لأن من لم يجعلها منسوخة جعلها مجازا قال المعنى يطيقونه على جهد أو قال كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغن عن هذا وقد اعترض قوم بقراءة من قرأ يطوّقونه ويطوقونه ولا يجوز لأحد أن يعترض بالشذوذ على ما نقلته جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرا مكشوفا وما نقل على هذه الصورة فهو الحق الذي لا يشك فيه أنه من عند الله ومحظور على المسلمين أن يعارضوا ما ثبتت به الحجة والعلماء قد احتجوا بهذه الآية وان كانت منسوخة لأنها ثابتة في الخط وهذا لا يمتنع وقد أجمع العلماء على أن قوله تعالى {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (3)
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 184
(2) سورة: البقرة، الآية: 185
(3) سورة: النساء، الآية: 15(1/23)
أنه منسوخ وتبينوا منها شهادة أربعة في الزنا فكذا وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فان كانت منسوخة ففيها حجة أنه قد أجمع العلماء على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة فلهم الإفطار وقال ربيعة ومالك لا شيء عليهم إذا أفطروا غير أن مالكا قال لو أطعموا عن كل يوم مسكينا مدا كان أحب اليّ وقال أنس بن مالك وابن عباس وقيس بن السائب وأبو هريرة عليهم الفدية وهو قول الشافعي اتباعا منه لقول الصحابة وهذا أصل من أصوله وحجة أخرى فيمن قال عليهم الفدية إن هذا ليس بمرض ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول الله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} (1) والحجة لمن قال لا شيء عليهم أنه من أفطر ممن أبيح له الفطر فإنما عليه القضاء اذا وصل اليه وهؤلاء لا يصلون الى القضاء وأموال الناس محظورة إلا بحجة يجب التسليم لها ولم يأت ذلك ومما وقع فيه الاختلاف الحبلى والمرضع اذا خافتا على ولديهما فأفطرتا فمن الناس من يقول عليهما القضاء بلا كفارة هذا قول الحسن وعطاء والضحاك وإبراهيم وهو قول أهل المدينة وقال ابن عمر ومجاهد عليهما القضاء والكفارة وهو قول الشافعي وقول ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة عليهم الفدية ولا قضاء عليهما والحجة لمن قال عليهما القضاء بلا كفارة أن من أفطر وهو مأذون له في الفطر فانما عليه يوم يصومه كاليوم الذي أفطره وحجة من قال عليهما القضاء والكفارة أنهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء لتكمل العدة وعليهما الكفارة لقول الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} وحجة من قال عليهما الفدية من غير قضاء الآية وليس في الآية قضاء واحتج العلماء بالآية وان كانت منسوخة وكان بعضهم يقول ليست بمنسوخة والصحيح أنها منسوخة (2) والآية الثامنة ناسخها باجماع.
باب ذكر الآية الثامنة
قال الله عز وجل {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} (3) الآية قال أبو
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 184
(2) قلت وكذا قال ابن حزم وابن سلامة ونص كلامهما الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} الآية.
(3) سورة: البقرة، الآية: 187(1/24)
العالية وعطاء هي ناسخة لقوله تعالى {كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) وقال غيرهما هي ناسخة لفعلهم الذي كانوا يفعلونه. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو اسحاق عن البراء أن الرجل منهم كان اذا نام قبل أن يتعشى في رمضان لم يحل له أن يأكل ليلته ومن الغد حتى يكون الليل حتى نزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (2) نزلت في أبي قيس (3) وهو ابن عمرو أتى أهله وهو صائم يعني بعد المغرب فقال هل عندكم من شيء فقالت له امرأته لا تنم حتى أخرج فألتمس شيئا فلما رجعت وجدته نائما فقالت لك الخيبة فبات وأصبح صائما الى ارتفاع النهار فغشي عليه فنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين وقال كعب بن مالك في رمضان اذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء فسمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة فأتى منزله فأراد امرأته فقالت اني قد نمت فقال ما نمت فوقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فأتى عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره فنزلت {عَلِمَ اللََّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتََانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتََابَ عَلَيْكُمْ وَعَفََا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مََا كَتَبَ اللََّهُ لَكُمْ} (4) الآية واتفقت الاقوال أنها ناسخة إما بفعلهم وإما بالآية فذلك غير متناقض وفي هذه الآية {وَلََا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عََاكِفُونَ فِي الْمَسََاجِدِ} (4) قال الضحاك كانوا يجامعوهن وهم معتكفون في المساجد فنزلت يعني هذه الآية وقال مجاهد كانت الأنصار تجامع يعني في الاعتكاف قال الشافعي فدل أن المباشرة قبل نزول الآية كانت مباحة في الاعتكاف حتى نسخت بالنهي عنه وقال الله أعلم واختلف العلماء في الآية التاسعة والصحيح أنه لا نسخ فيها.
باب ذكر الآية التاسعة
قال الله عز وجل {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} قال سعيد عن قتادة فنسختها آية السيف وقال عطاء (وقولوا للنّاس كلّهم حسنا) قال سفيان قولوا للناس حسنا مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وهذا أحسن ما قيل فيها لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 183
(2) سورة: البقرة، الآية: 187
(3) قلت: سماه ابن حزم صرمة وقال ابن سلامة صرمة بن قيس بن أنس من بني النجار.
(4) سورة: البقرة، الآية: 187(1/25)
من الله كما قال {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) فجميع المنكر النهي عنه فرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأطران عليه أطرا (2) أو ليعمنكم الله بعذاب فصح أن الآية غير منسوخة وان المعنى {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} (3)
أدعوهم الى الله كما قال الله جل ثناؤه {ادْعُ إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (4) والبيّن في الآية العاشرة أنها منسوخة والله أعلم.
باب ذكر الآية العاشرة
قال الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} (5) قرأ عليّ عبد الله بن الصفراء بن نصر عن زياد بن أيوب عن هاشم قال حدثنا عبد الملك عن عطاء {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} قال كانت لغة الأنصار في الجاهلية فنزلت هذه الآية [قال أبو جعفر] فنسخ هذا ما كان مباحا قوله وكان السبب في ذلك أن اليهود كانت هذه الكلمة فيهم سبا (6) فنسخها الله من كلام المسلمين لئلا يتخذ اليهود ذلك سببا الى سب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مجاهد كانت فيهم سبا فنسخها الله من كلام المسلمين لئلا يتخذ اليهود ذلك سببا الى سب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مجاهد راعنا خلافا وهذا ما لا يعرف في اللغة ومعنى راعنا عند العرب فرّغ لنا سمعك وتفهم عنا ومنه أرعني سمعك [قال أبو جعفر] ولراعنا موضع آخر يكون من الرعية وهي الرقبة وأما قراءة الحسن راعنا بالتنوين فشاذة ومحظور على المسلمين أن يقرءوا بالشواذ وأن يخرجوا عما قامت به الحجة مما أدته الجماعة والبيّن في الآية الإحدى عشرة أنه قد نسخ منها.
__________
(1) سورة: آل عمران، الآية: 104
(2) قال ابن الاثير في تفسيره لحديث حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أطرا قال أي تعطفوه عليه.
(3) سورة: البقرة، الآية: 83
(4) سورة: النحل، الآية: 125
(5) سورة: البقرة، الآية: 104
(6) قال الراغب لا تقولوا راعنا وراعنا ليا بألسنتهم. كان ذلك قولا يقولونه للنبي صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التهكم يقصدون رميه بالرعونة ويوهمون أنهم يقولون راعنا أي احفظنا.(1/26)
باب ذكر الآية الإحدى عشرة
قال الله عز وجل {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِكُمْ كُفََّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مََا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} (1) الآية.
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا حسين قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} قال هي منسوخة نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) [قال أبو جعفر] وانما قلنا إن البين أن منها منسوخا وهو {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} لأن المؤمنين كانوا بمكة يؤذون ويضربون فيقتلون على قتال المشركين فحظر عليهم وأمروا بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره ونسخ ذلك (3) والبين في الآية الثانية عشرة أنها غير منسوخة.
باب الآية الاثنتي عشرة (4)
قال الله عز وجل {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5) قال ابن زيد هي منسوخة نسخها {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (6) وعن ابن عباس أنها محكمة روى عنه ابن أبي طلحة {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ وَلََا تَعْتَدُوا} قال لا تقتلوا النساء والصبيان وهكذا ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى اليكم السلم وكف يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى [قال أبو جعفر] وهذا أصح القولين من السنة والنظر فأما السنة، فحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 109
(2) سورة: التوبة، الآية: 29
(3) قال ابن سلامة وكذا ابن حزم أخبار العفو منسوخة بآية السيف.
(4) قال ابن سلامة الآية جميعها محكم الا قوله {وَلََا تَعْتَدُوا} أي فتقاتلوا من لا يقاتلكم كان هذا في الابتداء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وبقوله عز اسمه {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
(5) سورة: البقرة، الآية: 190
(6) سورة: التوبة، الآية: 36(1/27)
مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان وهكذا يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب: لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الرهبان في دار الحرب فتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين والدليل على هذا من اللغة أن فاعلا يكون من اثنين فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك وهذا لا يكون في النساء ولا الصبيان ولهذا قال من قال من الفقهاء لا يؤخذ من الرهبان جزية لقول الله عز وجل {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1) الى {حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ} (1) وليس الرهبان ممن يقاتل والمعنى وقاتلوا في طريق الله وأمره الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النساء والصبيان والرهبان ومن أعطى الجزية فصح أن الآية غير منسوخة (2) وقد تكلم العلماء في الآية الثالثة عشرة.
باب ذكر الآية الثلاث عشرة
قال الله عز وجل {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قََاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذََلِكَ جَزََاءُ الْكََافِرِينَ} (3) هذه الآية من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ فزعم جماعة من العلماء أنها غير منسوخة واحتجوا بها وبأشياء من السنن وزعم جماعة أنها منسوخة واحتجوا بآيات غيرها وبأحاديث من السنن فمن قال أنها غير منسوخة مجاهد روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحل لأحد أن يقاتل أحدا في الحرم إلا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله وهذا قول طاوس أيضا والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث بما حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن رافع قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مفضل وعمر بن مهلهل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة: «ان هذا البلد حرام حرمه الله لم يحل فيه القتال لأحد قبلي وأحل لي ساعة وهو حرام بحرمة الله عز وجل» وأما من قال أنها منسوخة فمنهم قتادة كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 29
(2) قلت قال ابن حزم الآية منسوخة وناسخها قوله تعالى {فَإِنْ قََاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} وقال ابن سلامة الآية منسوخة بآية السيف.
(3) سورة: البقرة، الآية: 191(1/28)
روح عن سعيد عن قتادة ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله عز وجل {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (1) أي شرك {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلََّهِ} (2) أي لا إله الا الله عليها قاتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإليها دعا {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلََا عُدْوََانَ إِلََّا عَلَى الظََّالِمِينَ} (3) من أبى أن يقول لا إله إلا الله يقاتل حتى يقول لا إله إلا الله [قال أبو جعفر] وأكثر أهل النظر على هذا القول ان الآية منسوخة وان المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (4) وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنتين وقال {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (5) وأما السنة، فحدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا قتيبة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة وعليه المغفر فقيل إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه. قرأ عليّ محمد بن جعفر بن أعين عن الحسن بن بشر بن سلام الكوفي قال حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس قال أمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل مكة يوم الفتح إلا أربعة من الناس: عبد العزى بن خطل ومقيس بن ضبابة الكناني وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة فأما ابن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة وذكر الحديث وقرأ أكثر الكوفيين ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم وهذه قراءة بينة البعد وقد زعم قوم أنه لا يجوز القراءة بها لأن الله تعالى لم يفرض على أحد من المسلمين أن لا يقتل أحدا من المشركين حتى يقتلوا المسلمين وقال الأعمش العرب تقول قتلناهم أي قتلنا منهم وهذا أيضا المطالبة فيه قائمة غير أنه قد قرأ به جماعة والله أعلم بمخرج قراءتهم وقد تنازع العلماء أيضا في الآية الاربع عشرة.
باب ذكر الآية الاربع عشرة
قال جل ثناؤه {الشَّهْرُ الْحَرََامُ بِالشَّهْرِ الْحَرََامِ وَالْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} (5) [قال أبو جعفر] حدثنا محمد بن جعفر
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 193
(2) سورة: البقرة، الآية: 193
(3) سورة: التوبة، الآية: 5
(4) سورة: التوبة، الآية: 36
(5) سورة: البقرة، الآية: 194(1/29)
الأنباري قال حدثنا عبد الله بن أيوب وعبد الله بن يحيى قالا حدثنا حجاج عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله تعالى {الشَّهْرُ الْحَرََامُ بِالشَّهْرِ الْحَرََامِ وَالْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ} (1) قال هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البيت الحرام وكان معتمرا فدخل في السنة التي بعدها معتمرا مكة فعمرة في الشهر الحرام بعمرة في الشهر الحرام وقال مجاهد ردته قريش في ذي القعدة وفخرت بذلك فاعتمر في ذي القعدة من العام القابل [قال أبو جعفر] التقدير عمرة الشهر الحرام بعمرة الشهر الحرام والشهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلاف وسمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال. كان النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة فمنعوه من مكة قال ابن عباس فرجعه الله عز وجل في السنة الأخرى فأقصه منهم والحرمات قصاص وروي عن ابن عباس أنه قال والحرمات قصاص منسوخة كان الله تعالى قد أطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحد أن يقتصوا منه فنسخ الله ذلك وصيره إلى السلطان فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد إلا بأمر السلطان ولا تقطع يد سارق ولا غير ذلك وأما مجاهد فذهب إلى أنّ المعنى فمن اعتدى عليكم فيه أي في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والذي قاله مجاهد أشبه بسياق الكلام لأن قبله ذكر الحرم وهو متصل به إلا أنه منسوخ عند آخرين من أكبر العلماء وقد أجمع المسلمون أنّ المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتى يخرجوا منها فإن قيل فما معنى الحديث أحلت لي ساعة وهي حرام بحرمة الله تعالى فالجواب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخلها غير محرم يوم الفتح فلا يحل هذا لأحد بعده إذا لم يكن من أهل الحرم فأما والحرمات قصاص فإنها جمع والله أعلم لأنه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام وأما فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فسمي الثاني اعتداء وأما الاعتداء الأول ففيه جوابان أحدهما أنه مجاز على ازدواج الكلام فسمي الثاني باسم الأول مثل وجزاء سيئة سيئة مثلها والجواب الآخر حقيقة يكون من الشدّ والوثوب أي من شد عليكم ووثب بالظلم فشدوا عليه وثبوا بالحق وقد تكلم العلماء من الصحابة وغير هم بأجوبة مختلفة في الآية الخمس عشرة.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 194(1/30)
باب ذكر الآية الخمس عشرة
قال الله عز وجل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتََالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى ََ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} (1) الآية فقال قوم هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة وقال قوم هي منسوخة وكذا قالوا في قوله {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا} (2) والناسخ لها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذََا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (3) وقال قوم هي على الندب لا على الوجوب وقال قوم هي واجبة والجهاد فرض وقال عطاء هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بهذا الصحابة [قال أبو جعفر] هذه خمسة أقوال فأما القول الأول وانها ناسخة فبين صحيح
وأما قول من قال هي منسوخة فلا يصح لأنه ليس في قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال وأما قول من قال هي على الندب فغير صحيح لأن الأمر اذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو بدليل قاطع وأما قول عطاء إنها فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي في الرامة من قال وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة ولا يصلي صلاة الخوف بعده فعارضه بقول الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهََا} (4) فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال هي على الندب لأن الذي قال هي على الندب قال هي مثل قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (5) الآية [وقال أبو جعفر] وليس هذا على الندب وقد بيناه فيما تقدم وأما قول من قال إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهذا قول حذيفة وعبد الله بن عمرو وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج الى الجماعة نفروا فرضا واجبا لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام قال حذيفة: الاسلام ثمانية أسهم الاسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصيام سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 216
(2) سورة: التوبة، الآية: 41
(3) سورة: التوبة، الآية: 122
(4) سورة: التوبة، الآية: 103
(5) سورة: البقرة، الآية: 180(1/31)
والنهي عن المنكر سهم ونظير الجهاد في أنه فرض يقوم به بعض المسلمين عن بعض الصلاة على المسلمين اذا ماتوا ومواراتهم وقال أبو عبيد وعيادة المريض ورد السلام وتشميت العاطس وأما قول من قال الجهاد نافلة فيحتج بأشياء وهو قول ابن عمر بن شبرمة وسفيان الثوري ومن حجتهم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم رواه ابن عمر بني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والصلاة والزكاة وحج البيت [قال أبو جعفر] وهذا لا حجة فيه لأنه قد روي عن ابن عمر أنه قال استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحا لما كان فيه أيضا حجة لأنه يجوز أن يترك ذكر الجهاد هاهنا لأنه مذكور في القرآن أو لأن بعض الناس يحمله عن بعض فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة فسره العلماء أنه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرة كرهنا أن يطول الكتاب بها لأن فيما تقدم كفاية والصحيح في الآية الست عشرة أنها منسوخة.
باب ذكر الآية الست عشرة
قال الله عز وجل {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ قُلْ قِتََالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} (1) الآية
أجمع العلماء على أن هذه الآية منسوخة وان قتال المشركين في الشهر الحرام مباح غير عطاء فانه قال الآية محكمة ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم ويحتج بما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث عن أبي الأزهر عن جابر قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزا أو يغزو فاذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ [قال أبو جعفر] وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل النسخ للآية وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وقتادة والأوزاعي على أن الآية منسوخة فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله عز وجل {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} (1) أي في الشهر الحرام {قُلْ قِتََالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أي عظيم فكان القتال محظورا حتى نسخته آية السيف في براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأبيحوا القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 217(1/32)
عبيد الله قال حدثنا يزيد قال أنبأنا سعيد عن قتادة في قوله {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ قُلْ قِتََالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} فكان كذلك حتى نسخ هاتان الآيتان في براءة {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1) ثم قال عز وجل {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (2) والأشهر الحرام عهد كان بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين مشركي قريش انسلاخ أربعة أشهر بعد يوم النحر لمن كان له عهد ومن لم يكن له عهد فإلى انسلاخ المحرم فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم اذا انسلخت الأشهر الحرم الاربعة أن يقاتل المشركين في الحرم وغيره حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله [قال أبو جعفر] هذه الأشهر التي ذكرها قتادة وقال هي الحرم هي أشهر السياحة فسماها حرما لأنه حظر القتال فيها فأما الأشهر الحرم فهن أربعة والعلماء يختلفون باللفظ فيها فمن أهل المدينة من يقول أولها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ومنهم من بدأ برجب وأهل الكوفة يقولون أولها المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة وينكرون ما قاله المدنيون وقالوا قولنا أولى ليكون من سنة واحدة ومن قال من المدنيين أولها رجبا احتج بقوله صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة في شهر ربيع الأول فوجب أن يكون أولها رجبا على هذا [قال أبو جعفر] والأمر على هذا كله سهل لأن الواو لا تدل على الثاني بعد الأول عند أحد من النحويين علمته فإذا كان الأمر على هذا فالأولى أن يؤتى بالأشهر الحرم على ما لفظ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأدى عنه بالأسانيد الصحاح وهو قول المدنيين الأول وروى أبو بكرة وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب فقال ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والارض والسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان [قال أبو جعفر] وقد قامت الحجة بأن قوله عز وجل {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} منسوخ بما ذكرناه من نص القرآن وقول العلماء وأيضا فان النقل يبين ذلك لأنه نقل الينا أن هذه الآية نزلت في جمادى الآخرة أو في رجب في السنة الثانية من هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة وقد قاتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هوازن بخيبر وثقيفا بالطائف في شوال وذي القعدة وذو القعدة من الأشهر الحرم وذلك في سنة ثماني من الهجرة [قال أبو جعفر] فهذا ما في القتال والجهاد من الناسخ والمنسوخ في هذه السورة مجموعا بعضه الى بعض ثم نرجع الى ما فيها من ذكر الحج في الآية السبع عشرة.
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 5
(2) سورة: التوبة، الآية: 36(1/33)
باب ذكر الآية السبع عشرة
قال الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (1) الآية وقد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج ففسخوه وجعلوه عمرة واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحج بعد أن أهلوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوال فمنهم من قال أنه منسوخ كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في أتموا الحج والعمرة لله إتمامها أن لا يفسخهما وقد قيل وإتمامهما غير هذا كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله قال أن تحرم من دويرة أهلك وقال سفيان الثوري إتمام الحج والعمرة أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل فيهما كل ما أمر به وهذا قول جامع وذهب أبو عبيد الى أن فسخ الحج إلى العمرة أن فسخ الحج إلى العمرة منسوخ بما فعله الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر الصديق وعمر وعلي وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم لم يفسخوا حجهم ولم يحلوا إلى يوم النحر فهذا قول في فسخ الحج أنه منسوخ والقول الثاني أن فسخ الحج إنما كان لعلة وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك عظيم فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفسخ الحج وتحويله إلى العمرة ليعلموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة والدليل على أنهم كانوا يتحينون العمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة في قول ابن عمر وفي قول ابن عباس شوال وذو القعدة ومن ذي الحجة عشر والقولان صحيحان لأن العرب تقول جئتك رجبا ويوم الجمعة وإنما جئتك في بعضه فذو الحجة شهر الحج لأن الحج فيه لأن أحمد بن شعيب حدثنا قال حدثنا ابن عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا أبو أسامة عن وهيب بن خالد قال حدثنا عبد الأعلى بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الارض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون اذا برأ الدّبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال دخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي الحلّ نحلّ قال الحل كله فهذان قولان
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 196(1/34)
والقول الثالث أن ابن عباس كان يرى الفسخ جائزا ويقول من حج فطاف بالبيت فقد حل لا اختلاف في ذلك عنه قال ابن أبي مليكة قال له عروة يا ابن عباس أضللت الناس قال بم ذلك يا عروة؟ قال تفتي الناس بأنهم اذا طافوا بالبيت حلوا وقد حج أبو بكر وعمر فلم يحلا إلى يوم النحر فقال له ابن عباس قال الله عز وجل {ثُمَّ مَحِلُّهََا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1) فأقول لك قال الله ثم تقول لي قال أبو بكر وعمر وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفسخ [قال أبو جعفر] وهذا القول انفرد به ابن عباس كما انفرد بأشياء غيره فأما قوله {ثُمَّ مَحِلُّهََا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1) فليس فيه حجة لأن الضمير للبدن وليست للناس ومحل الناس يوم النحر على قول الجماعة وهذا سمي يوم النحر الحج الأكبر وذلك صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن عباس وإن كان قد روي عن ابن عباس أنه يوم عرفات فهذه ثلاثة أقوال في فسخ الحج والقول الرابع أصحها للتوقيف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو له مخصوص. حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد العزيز بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن بلال عن أبيه قال قلنا يا رسول أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال بل لنا خاصة وقال أبو ذر كان فسخ الحج لنا خاصة رخصة وان احتج محتج بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غير هذا الحديث ذلك لأبد الأبيد فلا حجة له فيه لأنه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحج فأما حديث عمر أنه قال في المتعة أن أنبئت بمن فعلها عاقبته وكذلك المتعة الاخرى فاحداهما المتعة المحرمة بالنساء التي هي بمنزلة الزنا والأخرى فسخ الحج فلا ينبغي لأحد أن يتأول عليه أنها المتعة في أشهر الحج لأن الله تعالى قد أباحها بقوله {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) واختلف العلماء في العمرة فقال بعضهم هي واجبة بفرض الله وقال بعضهم هي واجبة بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال بعضهم ليست بواجبة ولكنها سنة فمن يروى عنه أنه قال إنها واجبة عمر وابن عباس وابن عمر وهو قول الثوري والشافعي وأما السنة فحدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال سمعت النعمان بن سالم قال سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي ذر بن العقيلي أنه قال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال حج عن أبيك واعتمر واحتج قوم في وجوبها بظاهر قول الله عز وجل {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (3) والحج القصد فهو يقع للحج والعمرة وقال عزّ وجلّ {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} (4) والحج الأصغر العمرة الا أن أهل
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 33
(2) سورة: البقرة، الآية: 196
(3) سورة: آل عمران، الآية: 97
(4) سورة: التوبة، الآية: 3(1/35)
اللغة يقولون اشتقاق العمرة من غير اشتقاق الحج لأن العرب تقول اعتمرت فلانا أي زرته فمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عباس لا يرى العمرة لأهل مكة لأنهم بها فلا معنى لزيارتهم والحج في اللغة القصد وممن قال العمرة غير واجبة جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال من احتج لهم روى الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قيل يا رسول الله العمرة واجبة؟ قال لا وإن تعتمروا خير لكم [قال أبو جعفر] وهذا لا حجة فيه لأن الحجاج بن أرطاة يدلس عمن لقيه وعمن لم يلقه فلا تقوم بحديثة حجة إلا أن يقول حدثنا أو أنبأنا أو سمعت ولكن الحجة في ذلك قول من قال الفرائض لا تقع باختلاف وإنما تقع باتفاق ومما يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحج وهو أن يقول إذا لبّى بالحج إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني
فمن قال بالاشتراط بالحج عمر وعليّ وابن مسعود ومعاذ وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وابن سيرين وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقول الشافعي بالعراق ثم تركه بمصر وممن لم يقل به مالك وأبو حنيفة والشافعي بمصر وحجة الذين قالوا به ما خلا أحمد بن شعيب. قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على ضباعة فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا ساكتة فقال حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال إسحاق قلت لعبد الرزاق الزهري وهشام قالا عن عائشة قال نعم كلاهما قال أحمد بن شعيب لم يصله إلى عبد الرزاق عن معمر ولا أدري من أيهما ذلك. حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمر أن يزيد قال حدثنا شعيب وهو ابن إسحاق قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا وعكرمة يخبران عن ابن عباس قال جاءت ضباعة بنت الزبير الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أصنع؟ فقال أهلّي واشترطي أن محلي حيث حبستني [قال أبو جعفر] أهلي معناه لبي وأصله من رفع الصوت ومنه استهل المولود صارخا ومنه {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} (1) فقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الاشتراط في الحج فقال بهذا من ذكرنا واتبعوا ما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكرهه قوم واحتجوا بحديث الزهري عن سالم عن أبيه أنه كره الاشتراط في الحج وقال أما حسبكم بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام أنه لم يشترط واحتج بعض من كرهه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما قال لها اشترطي أن محلي حيث حبستني ولم يقل لها أنه ليس
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 173(1/36)
عليك حج إن حصرت وفي الآية {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1)
فكان هذا ناسخا لما كانوا يعتقدونه من أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج وجاز القران ولم يكونوا يستعملونه ثم اختلف العلماء في حجة الوداع فقال قوم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحج فيها وقال قوم بل تمتع بالعمرة الى الحج وقال قوم بل قرن وجمع بين الحج والعمرة وكل هذا مروي بأسانيد صحاح حتى طعن بعض أهل الاهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا هذه الحجة التي حجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهي أصل من أصول الدين فكيف يقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد وهذا طعن من أحد شيئين إما أن يكون الطاعن به جاهلا باللغة التي خوطب بها القوم وإما ان يكون حائرا عن الحق وسنذكر أصح ما روي من الاختلاف في هذا ونبين أنه غير متضاد وقد قال الشافعي رحمة الله هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وان كان قبيحا وهذا كلام صحيح لأن المسلمين قد أجمعوا انه يجوز الإفراد والتمتع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن خالد الترابي عن خلف بن هشام المقري قال سمعت مالك بن أنس يقول في الافراد في الحج أنه أحب إليه لا التمتع والقران قال وليس على المفرد هدي قال الترابي. وحدثنا عبد الله بن عون قال حدثنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحج
وهذا اسناد مستقيم لا مطعن فيه والحجة لمن اختار الإفراد أن المفرد أكبر تعبا من المتمتع لإقامته على الإحرام فرأى أن ذلك أعظم لثوابه والحجة في اتفاق الاحاديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أمر بالتمتع وبالقران جاز أن يقال تمتع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرن كما قال جل ثناؤه {وَنََادى ََ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} (2) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجمنا ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وانما أمرنا بالرجم. وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم وإنما أمر من قطع فلما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمر بالتمتع والقران جاز هذا ومن الدليل على أمره بذلك أن أحمد بن شعيب قال أنبأنا يحيى بن حبيب بن عردي قال حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مواقتين لهلال ذي الحجة فقال من شاء منكم أن يهل بحجة فليهل وإن من شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة [قال أبو جعفر] وهذا احتجاج لمن رأى إفراد الحج وسنذكر غيره فأما التمتع بالعمرة الى الحج فهذا موضع ذكره. قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 196
(2) سورة: الزخرف، الآية: 51(1/37)
بكير عن الليث بن سعد قال حدثني عقيل عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحج والهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهلّ بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة الى الحج وساق الحديث قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تمتعه بالعمرة الى الحج مثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم [قال أبو جعفر] فان قال قائل هذا متناقض رويتم عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحج ورويتم هاهنا عن الزهري عن عروة عن عائشة التمتع قيل له الحديثان متفقان وذلك بيّن ألا ترى أن في هذا الحديث نصا وبدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج أفلا ترى الحج مفردا من العمرة وهذا بين جدا. حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال
قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالبطحاء فقال بم أهللت؟ فقلت بإهلال النبي صلّى الله عليه وسلّم قال هل سقت من هدي؟ قلت لا قال طف بالبيت وبالصفا والمروة وحل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي فلم أزل أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر وأني لقائم بالموسم إذ أتاني رجل فقال إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك فقلت يا أيها الناس من أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم فأتموا به فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النسك؟ قال أن تأخذوا بكتاب الله فقد قال الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (1) وأن تأخذوا بسنة نبينا صلّى الله عليه وسلّم فإنه لم يحل حتى نحر الهدي [قال أبو جعفر] قوله فليتئد معناه فليتثبت مشتق من التؤدة وقوله لم يحل أي لم يحل من احرامه أي لم يستحل لبس الثياب والطيب وما أشبههما وفي هذا الحديث من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر أبا موسى بالتمتع وفيه ان أبا موسى توقف عن الفتيا بالتمتع وقد أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى أن وافى عمر رضي الله عنه فلما وافى منع من التمتع فلم يراده أبو موسى لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أجاز غيره فدل هذا على أن إمام المسلمين إذا اختار قولا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه ونظير هذا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف فرأى عثمان رضي الله عنه أن يزيل منها ستة وأن يجمع الناس على حرف واحد فلم يخالفه أكثر الصحابة حتى قال علي رضي الله عنه لو كنت موضعه لفعلت كما فعل وفي هذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي موسى طف بالبيت وبين الصفا والمروة وحل ولم يقل له أحلق ولا قصر فدل على أن الحلق والتقصير غير واجبين وفيه أهللت بإهلال النبي صلّى الله عليه وسلّم فدل
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 196(1/38)
قال الله عز وجل {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ
وَإِثْمُهُمََا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا} (1) قال جماعة من العلماء هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر وقال آخرون هي منسوخة بتحريم الخمر في قوله فاجتنبوه [قال أبو جعفر] وسنذكر حجج الجميع فمن قال إنها منسوخة احتج بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله عن محمد بن يزيد عن جوهر عن الضحاك في قوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ} (1) قال المنافع قبل التحريم. وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن هارون قال حدثنا صفوان عن عمر بن عبد العزيز عن عثمان بن عطاء عن أبيه {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآية قال نسختها آية {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (2) يعني المساجد ثم أنزل {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} (3) ثم أنزل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ} (4) الآيتين واحتج من قالها إنها ناسخة بالأحاديث المتواترة التي فيها علة نزول الخمر وبغير ذلك [قال أبو جعفر] فمن احتج. ما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج أن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص حدثهم سنة تسع وعشرين ومائتين قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر رضي الله عنه أنه قال اللهم بين لنا في الخمر فنزلت {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية فقرئت عليه فقال اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ حَتََّى تَعْلَمُوا مََا تَقُولُونَ} وكان منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدعا عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فانها تذهب العقل والمال فنزلت {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (4) الى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (5) فقال عمر انتهينا انتهينا قال أحمد بن محمد بن الحجاج وحدثنا عمر بن خالد سنة خمس وعشرين ومائتين قال حدثنا زهير قال حدثنا سماك قال حدثني مصعب بن سعد عن سعد قال مررت بنفر من المهاجرين والأنصار فقالوا لي تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 219
(2) سورة: النساء، الآية: 43
(3) سورة: النحل، الآية: 67
(4) سورة: المائدة، الآية: 90
(5) سورة: المائدة، الآية: 91(1/40)
فأتيتهم في حش قال والحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوي وزق خمر فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت المهاجرين خير من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحيي الرأس فجرح به أنفي فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فنزلت {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} (1) الآية [قال أبو جعفر] وفي حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس نزل تحريم الخمر في حيين من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم بعضا ووقعت بينهم الضغائن فنزلت {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى {مُنْتَهُونَ} (2) [قال أبو جعفر] فهذا يبين أن الآية ناسخة ومن الحجة لذلك أيضا ان جماعة من الفقهاء يقولون بتحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله تعالى {قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ} (3) وبقوله {قُلْ إِنَّمََا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَمََا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (4) فلما حرم الإثم وأخبر أن في الخمر الإثم وجب أن تكون محرمة فأما قول من قال إن الخمر يقال لها الاثم فغير معروف من حديث ولا لغة والقول الأول جائز وأبين منه أنها محرمة بقوله فاجتنبوه واذا نهى الله تعالى عن شيء محرم وفي الأحاديث التي ذكرناها ما يحتاج الى تفسير فمن ذلك ثملوا معناه سكروا وبعضهم يروي في حديث سعد ففرز به أنفي أي فلقه وشقه ومنه فرزت الثوب والفرز القطعة من الغنم وفي الاحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسباب يقول القائل كيف يتفق بعضها مع بعض وعمر يقول شيئا وسعد يقول غيره وابن عباس يقول بسواهما [قال أبو جعفر] فالجواب أن الأحاديث متفقة لأن عمر سأل بيانا شافيا في تحريم الخمر ولم يقل نزلت في ذلك لا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبي وقاص من الحيين الذين من قبائل الأنصار فيتفق الحديث ولا يتضاد وفيها من الفقه أن منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدل بهذا على أن القول ليس كما قال بعض الفقهاء إن السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى وأن رجلا لو قال له وأشار الى السماء ما هذه فقال الأرض لم يكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن يخاطب من لا يعرف الذكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له لا تقرب الصلاة وأنت سكران
فبيّن بهذا الحديث أن السكران هو الذي أكثر أمره التخليط وقد حكى أحمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سأل عن السكران فقال أنا أجد فيه ما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلى بن أمية عن أبيه قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حد السكران فقال هو الذي اذا استقرأته سورة من القرآن لم يقرأها واذا اختلط ثوبه مع ثياب الناس لم
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 90
(2) سورة: المائدة، الآية: 91
(3) سورة: البقرة، الآية: 219
(4) سورة: الأعراف، الآية: 33(1/41)
يخرجه وفي الحديث من الفقه أن قوله لا يقربن الصلاة سكران يدل على أن قول الله عز وجل {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (1) ليس من النوم وإنه من الشرب حين كان مباحا وقد بين أن الآية ناسخة على ما ذكرنا وبقي البيان على الخمر المحرمة وما هي لأن قوما قد أوقعوا في هذه شبهة فقالوا الخمر هي المجمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه فهذا ظلم من القوم يجب على قائله أن لا يحرّم شيئا اختلف فيه وهذا عظيم من القول واحتج أيضا بأن من قال الخمر التي لا اختلاف فيها محلها كافر وليس كذا غيرها وهذان الاحتجاجان أشد ما لهم وأما الأحاديث التي جاءوا بها فلا حجة فيها لضعف أسانيدها ولتأويلهم إياها على غير الحق وقد قال عبد الله بن المبارك ما صح تحليل النبيذ الذي يسكر كثيره عن أحد من الصحابة ولا التابعين الا عن إبراهيم النخعي [قال أبو جعفر] فأما الاحتجاجان الأولان اللذان يعتمدون عليهما فقد بينا الردّ في أحدهما وسنذكر الآخر
الخمر المحرمة تنقسم قسمين أحدهما المجمع عليها وهي عصير العنب اذا رغا وأزبد هذه الخمر التي من أحلها كافر والخمر الأخرى التي من أحلها ليس بكافر وهي التي جاء بها التوقف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنها الخمر وعن الاسانيد التي لا يدفعها إلا صاد عن الحق وجاهل إذ قد صح عنه عليه الصلاة والسلام تسميتها خمرا وتحريمها فمن ذلك، ما حدثنا به بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام فلو لم يكن في هذا الباب الا هذا الحديث لكفى لصحة إسناده واستقامة طريقه وقد أجمع الجميع أن الآخر لا يسكر إلا بالأول فقد حرم الجميع بتوقيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي هذا الباب من لا يدفع، ما قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام
قال أبو عبد الله هذا إسناد صحيح. قال أبو عبد الله حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال كل مسكر حرام وكل مسكر خمر قال أبو عبد الله. وحدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام قال أبو عبد الله حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال سمعت
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 43(1/42)
ما أسكر قليله فكثيره وقليله حرام قال أبو عبد الرحمن إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب اذا رواه عنه غير الثقات فأما اذا رواه الثقات فهو حجة وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي صلّى الله عليه وسلّم وحديثه من أصح الحديث قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الحكم يحدث قال قال ابن عباس من سره أن يحرّم إن كان محرما ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ وقال أبو عبد الرحمن وأنبأنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن عرنة عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من
حبشان وحبشان من اليمن قدم فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه من الذّرة بأرضهم يقال له المزر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمسكر هو؟ قال نعم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر حرام ان الله عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قال يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال عرق أهل النار أو قال عصارة أهل النار ومما يبين أن الخمر يكون من عصير العنب من لفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن اللغة ومن الاشتقاق فأما لفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم مما لا يدفع إسناده فانه قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن الاوزاعي قال حدثني أبو كبير اسمه يزيد عن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن الاوزاعي قال حدثنا أبو كبير قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخمر من العنب وقال سويد في هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فوقفنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن الخمر من النخلة فخالف ذلك قوم وقالوا لا يكون الا من العنبة ثم نقضوا قولهم نقيع التمر والزبيب خمر لأنه لم يطبخ وقرأ عليّ أحمد بن عمرو أبي بكر عن عليّ بن سعيد المسروقي قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا السري بن اسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر وقرأ عليّ أحمد بن شعيب عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال حدثنا أبو حيان قال حدثني الشعبي عن ابن عمر سمعت عمر يخطب على منبر المدينة قال يا أيها الناس ألا انه نزل بتحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والزبيب والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل فهذا توقيف في الخمر أنها من غير عنب وفيه بيان الاشتقاق وأنه ما خامر العقل مشتق من الخمر وهو كل ما وارى من نخل وغيره فقيل خمر لأنها تستر العقل ومنه فلان مخمور يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما الا ما يريد الشيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحد فهذا أصح ما قيل في اشتقاقها وأجل إسنادا قاله عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة وأما سعيد بن المسيب فروي عنه قال إنما سميت الخمر خمرا لأنه صعد صفوها ورسب كدرها [قال أبو جعفر] اشتقاق هذا أيضا على أن الصفو ستر الكدر وقال بعض المتأخرين سميت خمرا لأنها تخمر أي تعطي وسمي نبيذا لأنه ينبذ ولو صح هذا لكان النبيذ يخمر ومما يشبه فيما تقدم ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كنت اسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الانصاري وأبي بن كعب شراب فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال ابو
طلحة يا أنس قم الى تلك الجرار فاكسرها فقمت الى مهراس لنا فقذفتها بأسفله فكسرتها [قال أبو جعفر] ففي هذه الاحاديث تصحيح قول من قال إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن النبي صلى(1/44)
ما أسكر قليله فكثيره وقليله حرام قال أبو عبد الرحمن إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب اذا رواه عنه غير الثقات فأما اذا رواه الثقات فهو حجة وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي صلّى الله عليه وسلّم وحديثه من أصح الحديث قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الحكم يحدث قال قال ابن عباس من سره أن يحرّم إن كان محرما ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ وقال أبو عبد الرحمن وأنبأنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن عرنة عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من
حبشان وحبشان من اليمن قدم فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه من الذّرة بأرضهم يقال له المزر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمسكر هو؟ قال نعم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر حرام ان الله عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قال يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال عرق أهل النار أو قال عصارة أهل النار ومما يبين أن الخمر يكون من عصير العنب من لفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن اللغة ومن الاشتقاق فأما لفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم مما لا يدفع إسناده فانه قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن الاوزاعي قال حدثني أبو كبير اسمه يزيد عن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن الاوزاعي قال حدثنا أبو كبير قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخمر من العنب وقال سويد في هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فوقفنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن الخمر من النخلة فخالف ذلك قوم وقالوا لا يكون الا من العنبة ثم نقضوا قولهم نقيع التمر والزبيب خمر لأنه لم يطبخ وقرأ عليّ أحمد بن عمرو أبي بكر عن عليّ بن سعيد المسروقي قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا السري بن اسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر وقرأ عليّ أحمد بن شعيب عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال حدثنا أبو حيان قال حدثني الشعبي عن ابن عمر سمعت عمر يخطب على منبر المدينة قال يا أيها الناس ألا انه نزل بتحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والزبيب والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل فهذا توقيف في الخمر أنها من غير عنب وفيه بيان الاشتقاق وأنه ما خامر العقل مشتق من الخمر وهو كل ما وارى من نخل وغيره فقيل خمر لأنها تستر العقل ومنه فلان مخمور يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما الا ما يريد الشيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحد فهذا أصح ما قيل في اشتقاقها وأجل إسنادا قاله عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة وأما سعيد بن المسيب فروي عنه قال إنما سميت الخمر خمرا لأنه صعد صفوها ورسب كدرها [قال أبو جعفر] اشتقاق هذا أيضا على أن الصفو ستر الكدر وقال بعض المتأخرين سميت خمرا لأنها تخمر أي تعطي وسمي نبيذا لأنه ينبذ ولو صح هذا لكان النبيذ يخمر ومما يشبه فيما تقدم ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كنت اسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الانصاري وأبي بن كعب شراب فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال ابو
طلحة يا أنس قم الى تلك الجرار فاكسرها فقمت الى مهراس لنا فقذفتها بأسفله فكسرتها [قال أبو جعفر] ففي هذه الاحاديث تصحيح قول من قال إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن النبي صلى
الله عليه وسلّم وعن الصحابة ثم كان من الصحابة من هو على ذلك وبه يفتون اشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطبهم نصا بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام ثم ابن عمر لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ قال محمد بن سيرين فقال للسائل إني أنهاك عن قليل ما أسكر كثيره وإني أشهد الله عليك فان أهل خيبر يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وان أهل مصر يشربون شرابا من العسل يسمونه البتع وهي الخمر ثم عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن عصير العنب فقالت صدق الله ورسوله سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يشرب قوم الخمر يسمونها بغير اسمها فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرا بعد عصر حتى عارض فيها قوم فقالوا المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر وقالوا قد قال اهل اللغة الخبز المشبع والماء المروي [قال أبو جعفر] فان صح هذا في اللغة فهو عليهم لا لهم لأنه لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون معناه للجنس كله أي صفة الخبز أنه يشبع وصفة الماء انه يروي فيكون هذا قليل الخبز وكثيره لأنه جنس وكذا قليل ما يسكر أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله وكله مشبع فكذا قليل المسكر وكثيره وإن كان قد تأولوه على أن معناه المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء المروي فيقال له ما حدّ ذلك المروي والذي لا يروي فإن قالوا لا حدّ له فهو كله اذا مرو وإن حدوه قيل لهم ما البرهان على ذلك وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورا وما أشبهه فبطل الحد وصار القليل مما يسكر كثيره داخلا في التحريم وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرا حتى يسكر كما لا يسمى القاتل قاتلا حتى يقتل [قال أبو جعفر] وهذا لا يشبه من هذا شيئا لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب أن لا يسمى الكثير من المسكر مسكرا حتى يسكر وكان يجب أن يحلوه وهذا خارج عن قول الجميع وقالوا معنى كل مسكر حرام على القدح الذي يسكر وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب لأن كلما معناها العموم والقدح الذي يسكر مسكر وقد حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكل فلا يجوز الاختصاص الا بتوقيف وانما قولنا مسكر يقع للجنس للقليل والكثير كما يقال التمر بالتمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذا التمرة والتمرتان والقليل والكثير وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج الذي يحرم كثيره ويحل قليله وهذه التشبيه بعيد لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال كل مسكر خمر والمسكر هو الخمر وهو الجنس الذي قال الله تعالى فيه {إِنَّمََا يُرِيدُ الشَّيْطََانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدََاوَةَ وَالْبَغْضََاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (1) وليس هذا في الدواء والبنج وإنما هذا في كل شراب يكون هو كذا وعارضوا بأن قالوا فليس كل ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله [قال أبو جعفر] وهذا مغالطة وتمويه على السامع لأنه لا يجب من هذا إباحة وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلما غير نبي بمنزلة من قتل نبيا فليس يجب اذا لم يكن بمنزلة في جميع الأحوال أن يكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد ينش فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرما وشرب خمرا وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر(1/45)
الله عليه وسلّم وعن الصحابة ثم كان من الصحابة من هو على ذلك وبه يفتون اشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطبهم نصا بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام ثم ابن عمر لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ قال محمد بن سيرين فقال للسائل إني أنهاك عن قليل ما أسكر كثيره وإني أشهد الله عليك فان أهل خيبر يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وان أهل مصر يشربون شرابا من العسل يسمونه البتع وهي الخمر ثم عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن عصير العنب فقالت صدق الله ورسوله سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يشرب قوم الخمر يسمونها بغير اسمها فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرا بعد عصر حتى عارض فيها قوم فقالوا المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر وقالوا قد قال اهل اللغة الخبز المشبع والماء المروي [قال أبو جعفر] فان صح هذا في اللغة فهو عليهم لا لهم لأنه لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون معناه للجنس كله أي صفة الخبز أنه يشبع وصفة الماء انه يروي فيكون هذا قليل الخبز وكثيره لأنه جنس وكذا قليل ما يسكر أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله وكله مشبع فكذا قليل المسكر وكثيره وإن كان قد تأولوه على أن معناه المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء المروي فيقال له ما حدّ ذلك المروي والذي لا يروي فإن قالوا لا حدّ له فهو كله اذا مرو وإن حدوه قيل لهم ما البرهان على ذلك وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورا وما أشبهه فبطل الحد وصار القليل مما يسكر كثيره داخلا في التحريم وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرا حتى يسكر كما لا يسمى القاتل قاتلا حتى يقتل [قال أبو جعفر] وهذا لا يشبه من هذا شيئا لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب أن لا يسمى الكثير من المسكر مسكرا حتى يسكر وكان يجب أن يحلوه وهذا خارج عن قول الجميع وقالوا معنى كل مسكر حرام على القدح الذي يسكر وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب لأن كلما معناها العموم والقدح الذي يسكر مسكر وقد حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكل فلا يجوز الاختصاص الا بتوقيف وانما قولنا مسكر يقع للجنس للقليل والكثير كما يقال التمر بالتمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذا التمرة والتمرتان والقليل والكثير وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج الذي يحرم كثيره ويحل قليله وهذه التشبيه بعيد لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال كل مسكر خمر والمسكر هو الخمر وهو الجنس الذي قال الله تعالى فيه {إِنَّمََا يُرِيدُ الشَّيْطََانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدََاوَةَ وَالْبَغْضََاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (1) وليس هذا في الدواء والبنج وإنما هذا في كل شراب يكون هو كذا وعارضوا بأن قالوا فليس كل ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله [قال أبو جعفر] وهذا مغالطة وتمويه على السامع لأنه لا يجب من هذا إباحة وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلما غير نبي بمنزلة من قتل نبيا فليس يجب اذا لم يكن بمنزلة في جميع الأحوال أن يكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد ينش فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرما وشرب خمرا وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر
وهذا قول من لا يدفع قوله منهم عمر وعلي ومعنى كل مسكر خمر يجوز أن يكون بمنزلة الخمر في التحريم وأن يكون المسكر كله خمرا كما سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن ذكرناه من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة وقد عارض قوم بعض الأسانيد من غير ما ذكرناه فمن ذلك ما قرأ علي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن شيبان بن فروخ عن مهدي بن ميمون قال حدثنا أبو عثمان الأنصاري قال حدثنا القاسم بن محمد بن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام [قال أبو جعفر] الفرق بفتح الراء لا غير وهو ثلاثة أصول وكذا فرق الصبح وكذا الفرق من الجزع والفرق أيضا تباعد ما بين الشيئين فأما الفرق باسكان الراء ففرق السعر وكذا الفرق بين الحق والباطل قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي سعيد الاشج عن الوليد بن كثير قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره قال أبو القاسم وحدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا سليمان بن داود يعني الهاشمي قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا داود بن بكر يعني بن أبي القراب قال حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أسكر كثيره فقليله حرام [قال أبو جعفر] فمن عجيب ما عارضوا به أن قالوا أبو عثمان الانصاري مجهول والمجهول لا تقوم به حجة
قيل لهم ليس بمجهول والدليل على ذلك أنه قد روى عنه الربيع بن صبيح وليث بن أبي سليم ومهدي بن ميمون ومن روى عنه اثنان ليس بمجهول وقالوا الضحاك بن عثمان مجهول قيل لهم قد روى عنه عبد العزيز بن محمد وعبد العزيز بن أبي حازم ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وابن أبي فديك وقالوا داود بن بكر مجهول قيل لهم قد روى عنه
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 91(1/46)
إسماعيل بن جعفر وأنس بن عياض وإنما تعجب من معارضتهم بهذا لأنهم يقولون في دين الله جل ثناؤه بما روى أبو فزارة زعموا عن أبي زيد عن ابن مسعود انه كان مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجن وإنما توضأ بنبيذ التمر وأبو زيد لا يعرف ولا يدري من أين هو وقد روى إبراهيم عن علقمة قال سألت عبد الله هل كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجن؟ قال لا وبودي لو كنت معه ويحتجون بحديث رووه [قال أبو جعفر] سأذكره بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي ذي لعوة أن عمر رضي الله عنه حد رجلا شرب من أداوته وقال أحدك على السكر وقالوا هذا من عظيم ما جاءوا به وابن ذي لعوة لا يعرف وهذا قول أبي بكر بن عياش لعبد الله بن إدريس حدثنا أبو إسحاق عن أصحابه ان ابن مسعود كان يشرب الشريد فقال له عبد الله بن إدريس أأبيحت لك يا شيخ من أصحابه وأبو إسحاق اذا سمى من حدث عنه ولم يقل سمعت لم يكن حجة وما هذا الشريد هو خل أم نبيذ ولكن حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال كل شراب أسكر حرام فأقحم أبو بكر بن عياش وكان عبد الله بن ادريس في الكوفيين متشددا في تحريم قليل ما أسكر كثيره فقال الأوزاعي: قلت لسفيان الثوري إن الله لا يسألني يوم القيامة لم لم تشرب النبيذ ويسألني لم شربته وقال لا أفتي به أبدا وقال أبو يوسف في أنفسنا من الفتيا فيه أمثال الجبال ولكن عادة البلد ثم اجتمعوا جميعا على تحريم المعاقرة وتحريم النقيع قال أبو حنيفة هو بمنزلة الخمر فأما الأحاديث التي احتجوا بها فما علمت أنها تخلو من أحد جهتين إما أن تكون واهية الأسانيد وإما أن تكون لا حجة لهم فيها إلا التمويه فرأينا أن نذكرها ونذكر ما فيها ليكون الباب كامل المنفعة من ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا روح قال حدثنا عمرو قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال شهدت عمر رضي الله عنه حين طعن فجاءه الطبيب فقال أي الشراب أحب اليك قال النبيذ قال فأتي بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته وكان يقول إنما نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الابل قال وشرب من نبيذه فكان كأشد النبيذ [قال أبو جعفر] هذا الحديث لا تقوم به حجة لأن أبا إسحاق لم يقل حدثنا عمرو بن ميمون وهو مدلس لا يقوم بحديثه حجة حتى يقول حدثنا وما أشبهه ولو صححنا الحديث على قولهم لما كانت لهم فيه حجة لأن النبيذ غير محظور إذا لم يكن يسكر كثيره ومعنى النبيذ في اللغة منبوذ وإنما هو ما ينبذ فيه تمر أو زبيب أو نظيرهما مما يطيب الماء ويحليه لأن مياه المدينة كانت غليظة فما في هذا الحديث من الحجة
واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص بن عياش قال حدثني أبي عن الاعمش قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن نافع عن ابن علقمة
قال أمر عمر رضي الله عنه بنزل له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فجيء بطعام فطعم ثم أتي بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه ثم قال إن هذا الشريد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه [قال أبو جعفر] هذا الحديث فيه غير علة منها إن حبيب بن أبي ثابت على محله لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه وكان مذهبه أنه قال لو حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا ومن هذا انه روى عن عروة عن عائشة ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ فعتب بعض الناس لأنه رد بهذا على الشافعي لأنه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا يثبت بهذا حجة لانفراد حبيب به [قال أبو جعفر] وفيه من العلل ان نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرواية ولو صح الحديث عن عمر لما كانت فيه حجة لأن اشتداده قد تكون من حموضته وقد اعترض بعضهم فقال من أين لكم أن مزجه بالماء لحموضته أفتقولون هذا ظن فالظن لا يغني من الحق شيئا قال وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر يسكر كثيره أو يكون خلا وهذه المعارضة على من عارض بها لا له لأنه الذي قال بالظن لأنه قد ثبت بالرواية عمن قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته قال نافع كان لتخلله وهم قد رووا حديثا متصلا فيه أنه كان مزجه إياه لأنه كاد يكون خلا [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهبان بن عثمان قال حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال حدثنا اسماعيل بن خالد عن قيس قال حدثني عتبة بن فرقد قال أتي عمر رضي الله عنه بعس (1) فيه نبيذ قد كاد يكون خلا فقال لي اشرب فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه منه فشربه وذكر الحديث فزال الظن بالتوقيف ممن شاهد عمر رضي الله عنه وهو ممن ورائهم وأما قوله لا يخلو من أن يكون نبيذا يسكر كثيره أو يكون خلا أو بين ذينك لأن العرب تقول للنبيذ اذا دخلته حموضة نبيذ حامض فان زادت صار خلا فترك هذا القسم وهو لا يختلّ على من عرف اللغة ثم روى حديثا إن كانت فيه حجة فهي عليه حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا إبراهيم عن همام بن الحارث قال أتي عمر رضي الله عنه بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال ان نبيذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب فيه ثم شرب [قال أبو جعفر] وهذا لعمري إسناد مستقيم ولا حجة له فيه بل الحجة عليه لأنه إنما يقال قطب لشدة حموضة الشيء ومعنى قطب في كلام العرب خالطت بياضه حمرة مشتق من قطبت الشيء أقطبه وأقطبه اذا خلطته. وفي الحديث له عرام(1/47)
واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص بن عياش قال حدثني أبي عن الاعمش قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن نافع عن ابن علقمة
قال أمر عمر رضي الله عنه بنزل له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فجيء بطعام فطعم ثم أتي بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه ثم قال إن هذا الشريد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه [قال أبو جعفر] هذا الحديث فيه غير علة منها إن حبيب بن أبي ثابت على محله لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه وكان مذهبه أنه قال لو حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا ومن هذا انه روى عن عروة عن عائشة ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ فعتب بعض الناس لأنه رد بهذا على الشافعي لأنه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا يثبت بهذا حجة لانفراد حبيب به [قال أبو جعفر] وفيه من العلل ان نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرواية ولو صح الحديث عن عمر لما كانت فيه حجة لأن اشتداده قد تكون من حموضته وقد اعترض بعضهم فقال من أين لكم أن مزجه بالماء لحموضته أفتقولون هذا ظن فالظن لا يغني من الحق شيئا قال وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر يسكر كثيره أو يكون خلا وهذه المعارضة على من عارض بها لا له لأنه الذي قال بالظن لأنه قد ثبت بالرواية عمن قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته قال نافع كان لتخلله وهم قد رووا حديثا متصلا فيه أنه كان مزجه إياه لأنه كاد يكون خلا [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهبان بن عثمان قال حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال حدثنا اسماعيل بن خالد عن قيس قال حدثني عتبة بن فرقد قال أتي عمر رضي الله عنه بعس (1) فيه نبيذ قد كاد يكون خلا فقال لي اشرب فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه منه فشربه وذكر الحديث فزال الظن بالتوقيف ممن شاهد عمر رضي الله عنه وهو ممن ورائهم وأما قوله لا يخلو من أن يكون نبيذا يسكر كثيره أو يكون خلا أو بين ذينك لأن العرب تقول للنبيذ اذا دخلته حموضة نبيذ حامض فان زادت صار خلا فترك هذا القسم وهو لا يختلّ على من عرف اللغة ثم روى حديثا إن كانت فيه حجة فهي عليه حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا إبراهيم عن همام بن الحارث قال أتي عمر رضي الله عنه بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال ان نبيذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب فيه ثم شرب [قال أبو جعفر] وهذا لعمري إسناد مستقيم ولا حجة له فيه بل الحجة عليه لأنه إنما يقال قطب لشدة حموضة الشيء ومعنى قطب في كلام العرب خالطت بياضه حمرة مشتق من قطبت الشيء أقطبه وأقطبه اذا خلطته. وفي الحديث له عرام
__________
(1) العس بالضم واحد العساس ككتاب الاقداح مطلقا وقيل العظام منها أي الكبار.(1/48)
أي له خبث ورجل عارم أي خبيث قال حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي عن الأعمش قال حدثني أبو إسحاق عن سعيد بن ذي جدان (1) أو ابن ذي لعوة قال جاء رجل قد ظمئ الى خازن عمر رضي الله عنه فاستسقاه فلم يسقه فأتى بسطيحة لعمر فشرب منها فسكر فأتى به عمر فاعتذر اليه فقال إنما شربت من سطيحتك فقال عمر إنما أضربك على السكر فضربه عمر [قال أبو جعفر] هذا الحديث من أقبح ما روي في هذا الباب وعليه بينة لمن لم يتبع الهوى فمنها أن ابن ذي لعوة لا يعرف ولا يروى عنه إلا هذا الحديث ولم يرو عنه الا أبو إسحاق ولم يذكر أبو إسحاق فيه سماعا وهو مخالف لما نقله أهل العدالة عن عمر [قال أبو جعفر] حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب قد زعم أنه شرب الطلا وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته الحدّ ثمانين فهذا اسناد لا مطعن فيه والسائب بن يزيد رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فهل يعارض مثل هذا بابن ذي لعوة وعمر رضي الله عنه يخبر بحضرة الصحابة أنه يجلد في الرائحة من غير سكر لأنه لو كان سكران ما احتاج الى أن يسأل عما شرب فرووا عن عمر رضي الله عنه ما لا يحل لأحد أن يحكيه عنه من غير جهة لوهاء الحديث فإنه زعم أنه شرب من سطيحته وأنه يحد على السكر وذلك ظلم لأن السكر ليس من فعل الإنسان وانما هو شيء يحدث عن الشرب وانما الضرب على الشرب كما أن الحدّ في الزنا إنما هو على الفعل لا على اللذة ومن هذا قيل لهم تحريم السكر محال لأن الله عز وجل إنما يأمر وينهى بما في الطاقة وقد يشرب الإنسان يريد السكر فلا يسكر ويريد أن لا يسكر فيسكر
وقيل لهم كيف يحصل ما يسكر وطباع الناس مختلفة ثم تعلقوا بشيء روي عن ابن عباس حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال حرمت الخمرة بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب [قال أبو جعفر] وهذا الحديث قد رواه شعبة على إتقانه وحفظه على غير هذا كما قرأ عليّ
__________
(1) قوله سعيد بن ذي جدان هكذا في الأصل بالجيم والذي في الخلاصة سعيد بن ذي حدّان بضم المهملة الاولى وتشديد الثانية الكوفي روى عن علي وفي التهذيب وقيل عمن سمع من علي وعنه أبو اسحاق فقط وقوله أو ابن ذي لعوة قال الذهبي سعيد بن ذي لعوة الذي روى عن الشعبي ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة وقال ابن حبان دجال يزعم أنه رأى عمر بن الخطاب يشرب المسكر رواه وكيع عن سفيان عن أبي اسحاق عنه
ثم قال ووهم من قال فيه أنه سعيد بن ذي حدّان.(1/49)
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب وقد بينا أن السكر ليس من فعل الإنسان وإذا قد جاء حديث معارض لما قد بينت صحته وقد اختلف رواته فلا معنى للاحتجاج به وقد روى يحيى القطان عن عثمان السحام بصري مشهور عن عكرمة عن ابن عباس قال
نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ قال فهذا خلاف ذلك لأن الفضيخ بسر يفضخ جعله خمرا وأخبرنا التنزيل فيه وفي تحريمه. حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يونس السوسي قال حدثنا أسباط بن محمد القرشي الشيباني عن عبد الملك بن نافع قال سألت ابن عمر فقلت إن أهلنا ينبذون نبيذا في سقاء لو نهكته لا أجد فيّ فقال ابن عمر انما البغي على من أراد البغي شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند هذا الركن وأتاه رجل بقدح من نبيذ فأدناه الى فيه فقطب وردّه
فقال رجل يا رسول الله أحرام هو فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال اذا اغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متنها بالماء قال أحمد بن شعيب عبد الملك بن نافع لا يحتج بحديثه وليس بالمشهور وقد روى أهل العدالة سالم ونافع ومحمد بن سيرين عن ابن عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده جماعة من أشكاله [قال أبو جعفر] ثم رجعنا الى متن الحديث فقلنا لو صح ما كانت فيه حجة لمن احتج بل الحجة عليه به بينة وذلك أن قوله صلّى الله عليه وسلّم اذا اغتلمت عليكم وبعضهم يقول اذا رابكم من شرابكم ريب فاكسروا متنه بالماء والريب في الأصل الشك ثم تستعمل بمعنى المخافة والظن مجازا فاحتجوا بهذا وقالوا معناه اذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء [قال أبو جعفر] وهذا من قبيح الغلط لأنه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال المخوف وصار نفيا ولكن الحجة لمن خالفهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر أن لا يقرّ الشراب اذا خيف فيه أن ينتقل الى الحرام حتى يكسر بالماء الذي يزيل الخوف ومع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أن الشراب الذي بمكة لم يزل في الجاهلية والإسلام لا يطبخ بنار وإنما هو ما يجعل فيه زبيب أو تمر ليطيب لأن مياههم فيها ملوحة وغلظ ولم يتخذ للذة وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أيهما نقع ولم يطبخ بالنار وكان كثيره يسكر فهو خمرة والخمر إذا صب فيها الماء أو صب على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنه قد نجس الماء إذا كان قليلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر إذا أسكر كثيره فقليله حرام باجماع المسلمين فزالت الحجة بهذا الحديث لو صح [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد
الأصبهاني قال حدثنا يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود قال عطش النبي صلّى الله عليه وسلّم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أحرام هو قال لا [قال أبو جعفر] قد ذكرنا النبيذ الذي في السقاية بما فيه الكفاية على أن هذا الحديث لا يحل لأحد من أهل العلم أن يحتج به فإن كان من الجهل فينبغي أن يتعرف بما يحتج به من الحلال والحرام قبل أن يقطع به قال أحمد بن شعيب هذا الحديث لا يحتج به لأن يحيى بن اليمان انفرد به عن الثوري دون أصحابه ويحيى بن اليمان ليس بحجة لسوء حفظه وكثرة خطئه وقال غيره أبو عبد الرحمن أصل هذا الحديث أنه من رواية الكلبي فغلط يحيى بن اليمان فنقل من حديث الى حديث آخر وقد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبي فلم يحتجوا بشيء منه قال وحدثنا أحمد قال حدثنا عليّ بن معبد قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شريك عن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذ الى اليمن فقلنا يا رسول الله ان بها شرابين يصنعان من التمر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع فما نشرب؟ قال فاشربا ولا تسكرا [قال أبو جعفر] أتى هذا الحديث من شريك في حروف فيه يبين لك ذلك ما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أحمد بن عبد الله بن عليّ بن مسروق قال حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي هريرة عن أبي موسى قال بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذ الى اليمن فقال له معاذ يا رسول الله تبعثنا الى بلد كثير شراب أهله فما نشرب؟ قال اشرب ولا تشرب مسكرا(1/50)
فقال رجل يا رسول الله أحرام هو فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال اذا اغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متنها بالماء قال أحمد بن شعيب عبد الملك بن نافع لا يحتج بحديثه وليس بالمشهور وقد روى أهل العدالة سالم ونافع ومحمد بن سيرين عن ابن عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده جماعة من أشكاله [قال أبو جعفر] ثم رجعنا الى متن الحديث فقلنا لو صح ما كانت فيه حجة لمن احتج بل الحجة عليه به بينة وذلك أن قوله صلّى الله عليه وسلّم اذا اغتلمت عليكم وبعضهم يقول اذا رابكم من شرابكم ريب فاكسروا متنه بالماء والريب في الأصل الشك ثم تستعمل بمعنى المخافة والظن مجازا فاحتجوا بهذا وقالوا معناه اذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء [قال أبو جعفر] وهذا من قبيح الغلط لأنه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال المخوف وصار نفيا ولكن الحجة لمن خالفهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر أن لا يقرّ الشراب اذا خيف فيه أن ينتقل الى الحرام حتى يكسر بالماء الذي يزيل الخوف ومع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أن الشراب الذي بمكة لم يزل في الجاهلية والإسلام لا يطبخ بنار وإنما هو ما يجعل فيه زبيب أو تمر ليطيب لأن مياههم فيها ملوحة وغلظ ولم يتخذ للذة وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أيهما نقع ولم يطبخ بالنار وكان كثيره يسكر فهو خمرة والخمر إذا صب فيها الماء أو صب على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنه قد نجس الماء إذا كان قليلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر إذا أسكر كثيره فقليله حرام باجماع المسلمين فزالت الحجة بهذا الحديث لو صح [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد
الأصبهاني قال حدثنا يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود قال عطش النبي صلّى الله عليه وسلّم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أحرام هو قال لا [قال أبو جعفر] قد ذكرنا النبيذ الذي في السقاية بما فيه الكفاية على أن هذا الحديث لا يحل لأحد من أهل العلم أن يحتج به فإن كان من الجهل فينبغي أن يتعرف بما يحتج به من الحلال والحرام قبل أن يقطع به قال أحمد بن شعيب هذا الحديث لا يحتج به لأن يحيى بن اليمان انفرد به عن الثوري دون أصحابه ويحيى بن اليمان ليس بحجة لسوء حفظه وكثرة خطئه وقال غيره أبو عبد الرحمن أصل هذا الحديث أنه من رواية الكلبي فغلط يحيى بن اليمان فنقل من حديث الى حديث آخر وقد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبي فلم يحتجوا بشيء منه قال وحدثنا أحمد قال حدثنا عليّ بن معبد قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شريك عن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذ الى اليمن فقلنا يا رسول الله ان بها شرابين يصنعان من التمر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع فما نشرب؟ قال فاشربا ولا تسكرا [قال أبو جعفر] أتى هذا الحديث من شريك في حروف فيه يبين لك ذلك ما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أحمد بن عبد الله بن عليّ بن مسروق قال حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي هريرة عن أبي موسى قال بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذ الى اليمن فقال له معاذ يا رسول الله تبعثنا الى بلد كثير شراب أهله فما نشرب؟ قال اشرب ولا تشرب مسكرا
واحتجوا بحديثين عن ابن مسعود أحدهما من رواية الحجاج بن أرطاة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلة والحديث الآخر حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن لبيد بن شماس قال حدثنا عبد الله أن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم فما يزالون حتى يحرم عليهم [قال أبو جعفر] وهذا الحديث لا يحتج به لأن فيه لبيد بن شماس وشريك يقول شماس بن لبيد لا يعرف ولم يرو عنه أحد الا سعيد بن مسروق ولا يروى عنه إلا هذا الحديث والمجهول لا تقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أحد من أصحابه والحق في هذا ما قاله ابن المبارك قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحبته الا عن إبراهيم قال أبو اسامة وما رأيت أحدا أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك في الشأم ومصر والحجاز واليمن [قال أبو جعفر] وأما الميسر فهو القمار
كما حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (1) قال كان أحدهم يقامر بماله وأهله فاذا قمر أخذ ماله وأهله [قال أبو جعفر] حكى أهل العلم بكلام العرب أن الميسر كان القمار في الجزر خاصة قال أبو إسحاق فلما حرم حرّم جميع القمار كما انه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثيره وذكر الشعبي أن القمار كان حلالا ثم حرم ويدل على ما قال حديث ابن عباس قال لما أنزل الله عز وجل {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (1) وكانت قريش تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أجل [قال أبو جعفر] وقيل لا يقال كان هذا حلالا ولكن يقال مباحا ثم نسخ بتحريمه وتحريم الخمر وفي هذه الآية قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} (2) [قال أبو جعفر] وهذا آخر الآية في عدد المدني والجواب في أول الآية التسع عشرة.(1/51)
واحتجوا بحديثين عن ابن مسعود أحدهما من رواية الحجاج بن أرطاة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلة والحديث الآخر حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن لبيد بن شماس قال حدثنا عبد الله أن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم فما يزالون حتى يحرم عليهم [قال أبو جعفر] وهذا الحديث لا يحتج به لأن فيه لبيد بن شماس وشريك يقول شماس بن لبيد لا يعرف ولم يرو عنه أحد الا سعيد بن مسروق ولا يروى عنه إلا هذا الحديث والمجهول لا تقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أحد من أصحابه والحق في هذا ما قاله ابن المبارك قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحبته الا عن إبراهيم قال أبو اسامة وما رأيت أحدا أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك في الشأم ومصر والحجاز واليمن [قال أبو جعفر] وأما الميسر فهو القمار
كما حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (1) قال كان أحدهم يقامر بماله وأهله فاذا قمر أخذ ماله وأهله [قال أبو جعفر] حكى أهل العلم بكلام العرب أن الميسر كان القمار في الجزر خاصة قال أبو إسحاق فلما حرم حرّم جميع القمار كما انه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثيره وذكر الشعبي أن القمار كان حلالا ثم حرم ويدل على ما قال حديث ابن عباس قال لما أنزل الله عز وجل {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (1) وكانت قريش تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أجل [قال أبو جعفر] وقيل لا يقال كان هذا حلالا ولكن يقال مباحا ثم نسخ بتحريمه وتحريم الخمر وفي هذه الآية قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} (2) [قال أبو جعفر] وهذا آخر الآية في عدد المدني والجواب في أول الآية التسع عشرة.
باب ذكر الآية التسع عشرة
قال الله عز وجل {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (2) فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال انها منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي الزكاة ومنهم من قال هي شيء أمر به غير الزكاة لم تنسخ حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (2) قبل أن تفرض الصدقة [قال أبو جعفر] وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن فهذا قول من قال انها منسوخة وحدثنا عليّ بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} قال الصدقة المفروضة [قال أبو جعفر] والزكاة هي لعمري شيء يسير من كثير إلا أن هذا القول لا يعرف الا عن مجاهد والقول الذي قبله انها منسوخة بعيد لأنهم إنما سألوا عن شيء فأجيبوا عنه بأنهم سبيلهم أن ينفقوا ما سهل عليهم والقول الثالث عليه أكثر أهل التفسير كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا
__________
(1) سورة: الروم، الآية: 2
(2) سورة: البقرة، الآية: 219(1/52)
أبو معاوية. قال حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (1) قال ما فضل عن العيال فهذا القول بين وهو مشتق من عفا يعفو اذا كثر وفضل المعنى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قل ينفقون ما سهل عليهم وفضل عن حاجتهم وأكثر التابعين على هذا التفسير قال طاوس العفو اليسير من كل شيء وقال الحسن قل العفو أي لا تجهد مالك حتى تبقى تسأل الناس قال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما عن قول الله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (1) فقال هو فضل المال ما كان عن ظهر غنى [قال أبو جعفر] وهذا من أحسن العبارة في معنى الآية وهو موافق لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن سماعة بالكوفة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عمرو يعني بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» [قال أبو جعفر] فصار القول ويسألونك ماذا ينفقون قل ما سهل عليكم ونظيره {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (2) أي خذ ما سهل من أخلاق الناس وذلك لا ينغص عليهم فهذا العفو من أخلاق الناس وذلك العفو مما ينفقون كما قال عبد الله بن الزبير وقد تلا خذ العفو قال من أخلاق الناس وأيم الله لأستعملن ذلك فيهم وقال أخوه عروة وتلا خذ العفو ما ظهر من أعمالهم وأقوالهم [قال أبو جعفر] ومن هذه الآية في عدد المدني الأول {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ قُلْ إِصْلََاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (3) فزعم قوم أنها ناسخة لقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} (4) الآية روي هذا عن ابن عباس [قال أبو جعفر] وهذا مما لا يجوز فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ووعيد ونهي عن الظلم والتعدي فمحال نسخه فان صح ذلك عن ابن عباس فتأويله من اللغة أن هذه الآية على نسخة تلك الآية فهذا جواب اوضح ما عليه أهل التأويل قال سعيد بن جبير لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} (3)
اشتد على الناس وامتنعوا من مخالطة اليتامى حتى نزلت {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ قُلْ إِصْلََاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (4) الآية والمعنى على هذا القول انه لما وقع بقلوبهم أنه لا ينبغي أن تخالطوا اليتامى في شيء لئلا تحرجوا بذلك فنسخ الله ما وقع بقلوبهم منه أي أزاله بأن أباح لهم
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 219
(2) سورة: الاعراف، الآية: 199
(3) سورة: البقرة، الآية: 220
(4) سورة: النساء، الآية: 10(1/53)
مخالطة اليتامى وبيّن مجاهد ما هذه المخالطة فقال في الراعي والأدام ومعنى هذا أن يكون لليتيم تمرا وما أشبهه ولوليه مثله فيخلطه معه ويأكلان جميعا فتوقفوا عن هذا مخافة أن يأكل الولي أكثر مما يأكل اليتيم فأباح الله ذلك على جهة الإصلاح ولم يقصد الإفساد ودل على هذا {وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (1) قال مجاهد {وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} (1) أي حرم عليكم مخالطتهم [قال أبو جعفر] فهذا الظاهر في اللغة أن تكون المخالطة في الطعام لا في الشركة لأن مشاركة اليتيم إن وقع فيها استبدال شيء فهي خيانة وإن كانت الشركة قد يقال لها مخالطة فليس باسمها المعروف فبينت بهذا انه لا ناسخ في هذا ولا منسوخ إلا على ما ذكرناه وقد قال بعض الفقهاء ما أعرف أنه في الوعيد أشد ولا آكد على المسلمين من قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (2) والذين في اللغة عام فأوجب الله تعالى النار على العموم لكل من فعل هذا والآية التي هي تتمة العشرين قد أدخلها العلماء في الناسخ والمنسوخ وإن كان فيها اختلاف بين الصحابة.
باب ذكر الآية التي هي تتمة العشرين
قال الله عز وجل {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (3) فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هي محكمة لا ناسخة ولا منسوخة فمن قال أنها منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح الجهني عن معاوية بن صالح الجهني عن معاوية بن صالح الحضرمي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (3). قال ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال جل ثناؤه والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لكم اذا آتيتموهن أجورهن يعني مهور هن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان يقول عفيفات غير زواني [قال أبو جعفر] وهكذا في الحديث حل لكم وليس هو في التلاوة وهكذا قال محصنات غير مسافحات وفي التلاوة محصنين غير مسافحين فهذه قراءة على التفسير
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 220
(2) سورة: النساء، الآية: 10
(3) سورة: البقرة، الآية: 221(1/54)
وهكذا كل قراءة خالفت المصحف المجتمع عليه وممن قال إن الآية منسوخة أيضا مالك بن أنس وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فأما من قال أنها ناسخة فقوله شاذ حدثنا جعفر بن مجاشع قال سمعت إبراهيم بن اسحاق الحربي يقول فيه وجه ذهب اليه قوم جعلوا التي في البقرة هي الناسخة والتي في المائدة هي المنسوخة يعني فحرموا كل نكاح مشركة كتابية أو غير كتابية [قال أبو جعفر] ومن الحجة لقائل هذا مما صح سنده مما حدثناه محمد بن ريان قال حدثنا محمد بن رمح قال أنبأنا الليث عن نافع أن عبد الله بن عمر كان اذا سئل عن نكاح المسلّم النصرانية أو اليهودية قال حرم الله المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله والقول الثالث قال به جماعة من العلماء كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (1) قال المشركات من غير نساء أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان قال حدثنا حماد قال سألت سعيد بن جبير عن قول الله عز وجل {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (1) قال هم أهل الأوثان [قال أبو جعفر] وهذا أحد قولي الشافعي أن تكون الآية عامة يراد بها الخاصة فتكون المشركات هاهنا أهل الأوثان والمجوس فأما من قال انها ناسخة للتي في المائدة وزعم أنه لا يجوز نكاح نساء أهل الكتاب فقول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهم عثمان وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك وفقهاء الأمصار عليه وأيضا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة الآية التي في سورة المائدة لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل وإنما الآخر ينسخ الأول وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه لأن ابن عمر كان رجلا متوقفا فلما سمع الآيتين بواحدة التحليل وفي الأخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف ولم يوجد عنه ذكر النسخ وإنما تؤل عليه وليس يوجد الناسخ والمنسوخ بالتأويل وأبين ما في هذه الآية أن تكون منسوخة على قول من قال ذلك من العلماء وهو أحد قولي الشافعي وذلك أن الآية اذا كانت عامة لم تحمل على الخصوص الا بدليل قاطع فإن قال قائل فقد قال قوم من العلماء أنه لا يقال لأهل الكتاب مشركون وإنما المشرك من عبد وثنا مع الله تعالى الله عن ذلك فأشرك به [قال أبو
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 221(1/55)
جعفر] وممن يروى عنه هذا القول أبو حنيفة وزعم أن قول الله عز وجل {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} (1) يراد به أهل الأوثان وإن لليهود والنصارى أن يقربوا المسجد الحرام [قال أبو جعفر] وهذا قول خارج عن قول الجماعة من أهل العلم واللغة وأكبر من هذا ان في كتاب الله نصا تسميته لليهود والنصارى بالمشركين قال الله عز وجل {اتَّخَذُوا أَحْبََارَهُمْ وَرُهْبََانَهُمْ أَرْبََاباً مِنْ دُونِ اللََّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمََا أُمِرُوا إِلََّا لِيَعْبُدُوا إِلََهاً وََاحِداً لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ سُبْحََانَهُ عَمََّا يُشْرِكُونَ} (2) هذا نص القرآن فمن أشكل عليه إن قيل له اليهود والنصارى لم يشركوا أجيب عن هذا بجوابين
أحدهما أن يكون هذا اسما اسلاميا ولهذا نظائر قد بينها من يحسن الفقه واللغة ومن ذلك مؤمن أصله من آمن اذا صدق ثم صار لا يقال مؤمن الا لمن آمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ثم اتبع ذلك العمل ومن الأسماء الإسلامية المنافق ومنها على قول بعض العلماء سمي ما أسكر كثيره خمرا على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والجواب الآخر وهو عن أبي إسحاق إبراهيم بن السري قال من كفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فهو مشرك وهذا من اللغة لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد جاء من البراهين بما لا يجوز أن يأتي به بشر الا من عند الله عز وجل فاذا كفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فقد زعم إن ما لا يأتي به الا الله قد جاء به غير الله فجعل لله جل ثناؤه شريكا [قال أبو جعفر] وهذا من لطيف العلم وحسنه فأما نكاح إماء أهل الكتاب فحرام عند العلماء إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم اختاروه واحتج لهم من احتج بشيء قاسه قال لما أجمعوا على أن قوله عز وجل {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} يدخل فيه الاحرار والإماء وجب في القياس أن يكون قوله {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ} (3) داخل فيه الحرائر والإماء لتكون الناسخة من المنسوخة [قال أبو جعفر] فهذا الاحتجاج خطأ من غير جهة فمن ذلك أنه لم يجمع على أن الآية التي في البقرة منسوخة ومن ذلك أن القياسات والتمثيلات لا يؤخذ بها في الناسخ والمنسوخ وإنما يؤخذ الناسخ والمنسوخ باليقين والتوقيف وأيضا فقد قال الله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنََاتِ الْمُؤْمِنََاتِ فَمِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} (4) فكيف يقبل ممن قال فتياتكم الكافرات وأما نكاح الحربيات فروي عن ابن عباس وإبراهيم النخعي أنهما منعا من ذلك وغيرهما من العلماء يجيز ذلك ونص الآية
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 28
(2) سورة: التوبة، الآية: 31
(3) سورة: المائدة، الآية: 5
(4) سورة: النساء، الآية: 25(1/56)
يوجب جوازه وهو قول مالك والشافعي الا أنهما كرها ذلك مخافة تنصر الولد والفتنة وأما نكاح الإماء المجوسيات والوثنيات فالعلماء على تحريمه الا ما رواه يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار أنهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيات فقالا لا بأس بذلك وتأوّلا قول الله عز وجل {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} (1) هذا عندهما عقد النكاح لا على الأمة المشتراة واحتجا بسبي أوطاس وأن الصحابة نكحوا الإماء منهن بملك اليمين [قال أبو جعفر] وهذا قول شاذ أما سبي أوطاس فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهن وأما الاحتجاج بقوله {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} فغلط لأنهم حملوا النكاح على العقد والنكاح في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء فلما قال الله عزّ وجلّ {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} حرم كل نكاح يقع على المشركات من نكاح ووطء ومن هذا (2) فمن اللغة شيء بين حدثني من أثق به قال سمعت أحمد بن يحيى ثعلب يقول أصل النكاح في اللغة الوطء وإنما يقع على العقد مجازا قال والدليل على هذا أن العرب تقول أنكحت الارض البر اذا أدخلت البر في الارض [قال أبو جعفر] وهذا من حسن اللغة والاستخراج اللطيف ووجب من هذا أن يكون قوله عز وجل {فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (3) حتى يطأها وبذلك جاءت السنة أيضا وأدخلت الآية التي تلي هذه في الناسخ والمنسوخ وهي الآية الإحدى والعشرون.
باب ذكر الآية الاحدى والعشرين
قال الله عز وجل {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} (4) الآية [قال أبو جعفر] أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ لأنه معروف في شريعة بني اسرائيل أنهم لا يجتمعون مع الحائض في بيت ولا يأكلون معها ولا يشربون فنسخ الله ذلك من شريعتنا كما قرأ عليّ أحمد بن عمر بن عبد الخالق عن محمد بن أحمد بن الجنيد البغدادي عن عمرو بن عاصم الأحول عن ثابت عن أنس بن مالك قال كانت اليهود يعتزلون النساء في المحيض فأنزل الله عز وجل
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 221
(2) هكذا في الأصل وليحرر.
(3) سورة: البقرة، الآية: 230
(4) سورة: البقرة، الآية: 222(1/57)
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} الآية فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نواكلهن ونشاربهن ونصنع كل شيء إلا النكاح قالت اليهود وما يريد محمد أن يدع شيئا من أمرنا الا خالفنا فيه [قال أبو جعفر] فدل هذا الحديث على أنه لا يحرم من الحائض إلا النكاح في الفرج وهذا قول جماعة من العلماء أن الرجل له أن يباشر الحائض وينال منها ما دون الفرج من الوطء في الفرج وهذا قول عائشة وأم سلمة وابن عباس ومسروق والحسن وعطاء والشعبي وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن الحسن وهو الصحيح من قول الشافعي [قال أبو جعفر] وهذا الحديث المسند دال عليه قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن عبيد الله بن عمرو قال حدثنا أيوب السختياني عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال
سألت عائشة رضي الله عنها ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قالت كل شيء إلا الفرج [قال أبو جعفر] فهذا إسناد متصل والحديث الآخر أنها قالت كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يباشرني فوق الإزار ليس فيه دليل على حظر غير ذلك وقد يحتمل أن يكون المعنى فوق الإزار وهو مفروش فهذا قول قال أبو عبيدة اللحاف واجد والفراش مختلف وهذا قول شاذ يمنع منه ما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من مباشرة نسائه وهن حيّض وقول ثالث أن تعتزل الحائض فيما بين السرة والركبة وهو قول جماعة من العلماء منهم ميمونة ويروى عن ابن عباس ومنهم سعيد بن المسيب ومالك بن أنس وأبو حنيفة والحجة لهم ما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث يعني ابن سعيد عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض اذا كان إزارها الى نصف فخذها أو الى ركبتها محتجزة [قال أبو جعفر] الليث يقول (1) ندبة وغيره يقول بدنة وليس في هذا الحديث دليل على حظر ما تقدمت إباحته وقد زعم قوم أن حديث أنس الذي بدأنا به منسوخ لأنه كان في أول ما نزلت الآية وأن الناسخ له حديث أبي إسحاق عن عمير مولى عمر عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال له في الحائض لك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته [قال أبو جعفر] وهذا
__________
(1) قلت: عبارة التقريب ندبة بضم النون ويقال بفتحها وسكون الدال بعدها موحدة ويقال بموحدة أولها مع التصغير ويقال بدنة بموحدة مفتوحة ثم مهملة بعدها نون مفتوحة كذا ضبطه بالقلم في التهذيب قال الدارقطني هكذا يقول المحدثون ندبة بفتح الدال في الخلاصة ندبة بموحدة بعد مهملة ساكنة أو تحتانية مفتوحة مشددة انتهى.(1/58)
ادعاء في النسخ ولا يعجز أحدا ذلك والإسناد الأول أحسن استقامة من هذا وهذا القول قال به في موضع المحيض أي في الفرج فيكون المحيض اسما للموضع كما ان المجلس اسما للموضع الذي تجلس فيه وكذا ولا تقربوهن كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح
قال حدثنا معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس {فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ} (1) قال اعتزلوا نكاح فروجهن [قال أبو جعفر] ومن هذا قرئ حتى يطهرن فمعناه حتى يحل لهن أن يطهرن كما تقول حلت المرأة للأزواج أي حل لها ان تتزوج ومن قيد قرئ حتى تطهرن جعله بمعنى يغتسلن وقد قرأ الجماعة بالقراءتين فيهما بمنزلة اثنتين لا تحل له حتى تطهر ويطهر وأما قول من قال أنها تحل له إذا غسلت فرجها من الأذى بعد أن تخرج من الحيض فخارج عن الإجماع وعن ظاهر القرآن قال جل ثناؤه {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً} (2) فاطهروا وفي موضع آخر {وَلََا جُنُباً إِلََّا عََابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى ََ تَغْتَسِلُوا} (3) فجاء القرآن يتطهروا ويغتسلوا بمعنى واحد وكذا حتى يطهرن أي يتطهرن الطهور الذي يصلين به وأما قول من قال اذا طهرت من الحيض صلت وإن لم تغتسل إذا دخل عليها وقت صلاة أخرى فخارج أيضا عن الاجماع وليس يعرف من قول أحد وإنما قيس على شيء من قول أبي حنيفة أنه قال اذا طلق الرجل امرأته طلاقا تملك مع الرجعة كان له أن يراجعها من غير اذنها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إلا أن تطهر من الحيضة الثالثة فيدخل عليها وقت صلاة أخرى ولم تغتسل فقاسوا على هذا والدليل على ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو حنيفة قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} (3) قال من الدم {فَإِذََا تَطَهَّرْنَ} قال اغتسلن قال أحمد بن محمد ولا أعلم بين العلماء في هذا اختلافا [قال أبو جعفر] فأمّا {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ} ففي معناه اختلاف فعن ابن عباس ومجاهد قالا في الفرج وعن محمد بن علي بن الحنفية قال من قبل الحلال من قبل التزويج وعن ابي رزين قال من قبل الطهر لا من قبل الحيض [قال أبو جعفر] وهذا القول أشبه لسياق الكلام وأصح في اللغة لأنه لو كان المراد به الفرج كانت هاهنا أولى فإن قيل لم لا يكون معناه من قبل الفرج قيل لو كان كذا لم يجز أن يطأها من دبرها في فرجها والإجماع على غير ذلك {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ التَّوََّابِينَ} قال عطاء أي من الذنوب وهذا لا اختلاف فيه واختلفوا في معنى
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 222
(2) سورة: المائدة: الآية: 6
(3) سورة: النساء، الآية: 43(1/59)
{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1) فمن ذلك من أهل التفسير من قال المتطهرين من أدبار النساء وقيل من الذنوب قال عطاء المتطهرين بالماء وهذا أولى بسياق الآية والله أعلم فأما الآية الثانية والعشرون فقد أدخلها بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ وهو قتادة وذكرناها ليكون الكتاب مشتملا على ما ذكره العلماء.
باب ذكر الآية الثانية والعشرين
قال الله عز وجل {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (2) الآية [قال أبو جعفر] فممن يجعلها في الناسخ والمنسوخ الضحاك عن ابن عباس وقتادة إلا أن لفظ ابن عباس أن قال استثنى ولفظ قتادة نسخ قال قال الله جل ثناؤه {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} ثم نسخ من الثلاثة الحيض المطلقات اللواتي لم يدخل بهن في سورة الأحزاب فقال جل ثناؤه {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمََا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهََا} (3) ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جل ثناؤه {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (4) [قال أبو جعفر] وقال غيرهم من العلماء ليس هذا بنسخ ولكنه تبيين بين الله به تعالى بين الاثنين أنه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللواتي لم يدخل بهن ثم اختلف العلماء في الاقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوال كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمود بن حسان قال حدثنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا أبو زيد الأنصاري قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول العرب تسمي الطهر قرءوا وتسمي الحيض قرءوا وتسمي الطهر مع الحيض جميعا قرءوا وقال الاصمعي أصل القروء الوقت يقال قرأت النجوم اذا طلعت لوقتها [قال أبو جعفر] فلما صح في اللغة ان القرء الطهر والقرء الحيض وانه لهما وجب أن يطلب الدليل على المراد بقوله عز وجل {ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (2) من غير اللغة الا أن بعض العلماء يقول هي الاطهار ويرده الى اللغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكرنا في ذلك عن الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار فممن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلاف عنها كما قرأ عليّ إسحاق بن إبراهيم بن جابر عن
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 222
(2) سورة: البقرة، الآية: 228
(3) سورة: الأحزاب، الآية: 49
(4) سورة: الطلاق، الآية: 4(1/60)
سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت إنما الأقراء الاطهار
وقد رواه الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وممن روي عنه الأقراء الاطهار باختلاف ابن عمر وزيد بن ثابت [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول اذا طلق الرجل امرأته فرأت الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها وإنما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر لأن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض [قال أبو جعفر] والحديثان جميعا في الموطأ فأما حديث زيد ففيه روايتان أحدهما من حديث الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيضات والمخالف له حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا ليث عن نافع أن سليمان بن بشار حدثه أن الأحوص وهو ابن حكيم طلق امرأته بالشام فهلك وهو آخر حيضتها يعني الثالثة فكتب معاوية الى زيد بن ثابت يسأله فكتب اليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرىء منها قال نافع فقال عبد الله بن عمر مثل ذلك وقرأ عليّ بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وعن سليمان بن بشار عن زيد بن ثابت قالا ببينها من زوجها اذا طعنت في الحيضة الثالثة [قال أبو جعفر] فهؤلاء الصحابة الذين روي عنهم أن الأقراء الاطهار وهم ثلاثة فأما التابعون وفقهاء الأمصار فمنهم القاسم وسالم وسليمان بن بشار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان ومالك بن أنس والشافعي وأبو ثور وأما الذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلاف عنهم وزيادة اثنين باختلاف كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال وحدثنا خالد بن اسماعيل ووكيع بن الجراح قالا حدثنا عيسى بن عيسى عن الشعبي قال أحد عشر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير منهم عمر وزاد وكيع وأبو بكر قالا وعلي وابن مسعود وابن عباس اذا طلق الرجل امرأة تطليقة أو تطليقتين فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من القرء الثالث وقال وكيع في حديثه ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة [قال أبو جعفر] الأحد عشر أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، ومعاذ، وعباد، وأبو الدرداء، وابو موسى، وأنس، والاثنان باختلاف ابن عمر
وزيد قرأ علي بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين قال قال علي هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة قال سفيان حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عمر وابن مسعود أنهما قالا هو أحق بها ما لم تغتسل قال سفيان وحدثنا أيوب عن الحسن عن أبي موسى الاشعري مثل ذلك ومن التابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء والضحاك ومحمد بن سيرين والشعبي والحسن وقتادة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأبو عبيد وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه كان يقول الأقراء الاطهار ثم وقف وقال الأكابر من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا [قال أبو جعفر] فهذا ما جاء من العلماء بالروايات ونذكر ما في ذلك من النظر واللغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع فمن أحسن ما احتج به من قال الأقراء الاطهار قول الله عز وجل {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (1) فأخبر أن القروء هي العدد والعدد عقب الطلاق وإنما يكون الطلاق في الطهر فلو كانت الأقراء هي الحيض كان بين طلاق والعدة فصل واحتجوا بالحديث حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف(1/61)
وقد رواه الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وممن روي عنه الأقراء الاطهار باختلاف ابن عمر وزيد بن ثابت [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول اذا طلق الرجل امرأته فرأت الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها وإنما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر لأن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض [قال أبو جعفر] والحديثان جميعا في الموطأ فأما حديث زيد ففيه روايتان أحدهما من حديث الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيضات والمخالف له حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا ليث عن نافع أن سليمان بن بشار حدثه أن الأحوص وهو ابن حكيم طلق امرأته بالشام فهلك وهو آخر حيضتها يعني الثالثة فكتب معاوية الى زيد بن ثابت يسأله فكتب اليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرىء منها قال نافع فقال عبد الله بن عمر مثل ذلك وقرأ عليّ بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وعن سليمان بن بشار عن زيد بن ثابت قالا ببينها من زوجها اذا طعنت في الحيضة الثالثة [قال أبو جعفر] فهؤلاء الصحابة الذين روي عنهم أن الأقراء الاطهار وهم ثلاثة فأما التابعون وفقهاء الأمصار فمنهم القاسم وسالم وسليمان بن بشار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان ومالك بن أنس والشافعي وأبو ثور وأما الذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلاف عنهم وزيادة اثنين باختلاف كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال وحدثنا خالد بن اسماعيل ووكيع بن الجراح قالا حدثنا عيسى بن عيسى عن الشعبي قال أحد عشر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير منهم عمر وزاد وكيع وأبو بكر قالا وعلي وابن مسعود وابن عباس اذا طلق الرجل امرأة تطليقة أو تطليقتين فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من القرء الثالث وقال وكيع في حديثه ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة [قال أبو جعفر] الأحد عشر أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، ومعاذ، وعباد، وأبو الدرداء، وابو موسى، وأنس، والاثنان باختلاف ابن عمر
وزيد قرأ علي بكر بن سهل عن سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين قال قال علي هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة قال سفيان حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عمر وابن مسعود أنهما قالا هو أحق بها ما لم تغتسل قال سفيان وحدثنا أيوب عن الحسن عن أبي موسى الاشعري مثل ذلك ومن التابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء والضحاك ومحمد بن سيرين والشعبي والحسن وقتادة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأبو عبيد وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه كان يقول الأقراء الاطهار ثم وقف وقال الأكابر من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا [قال أبو جعفر] فهذا ما جاء من العلماء بالروايات ونذكر ما في ذلك من النظر واللغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع فمن أحسن ما احتج به من قال الأقراء الاطهار قول الله عز وجل {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (1) فأخبر أن القروء هي العدد والعدد عقب الطلاق وإنما يكون الطلاق في الطهر فلو كانت الأقراء هي الحيض كان بين طلاق والعدة فصل واحتجوا بالحديث حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف
قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء قال المحتج فتلك إشارة الى الطهر وقال في حديث أبي الزبير عن ابن عمر وتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فطلقوهن في قبل عدتهن» قال فقيل عدتهن هو الطهر [قال أبو جعفر] ومخالفه يحتج عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك واحتج بعضهم بأنه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء احتباس الحيض وهذا غلط بيّن لأن قريت الماء غير مهموز وهذا مهموز واللغة تمنع أخذ هذا من هذا واحتج بعضهم بأن الآية ثلاثة قروء بالهاء فوجب أن تكون للطهر لأن الطهر مذكر وعدد المذكر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاث [قال أبو جعفر] وهذا غلط في العربية لأن الشيء يكون له اسمان مذكر ومؤنث فاذا جئت بالمؤنث أنثته واذا جئت بالمذكر ذكرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤر ورأيت ثلاثة منازل لأن الدار مؤنثة والمنزل مذكر والمعنى واحد وأما احتجاج الذين قالوا الأقراء الحيض فبشيء من القرآن ومن الإجماع ومن السنة ومن القياس قالوا وقال الله تعالى
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 228(1/62)
{وَاللََّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسََائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلََاثَةُ أَشْهُرٍ} (1) فجعل المأيوس منه الحيض فدل على أنه هو العدة وجعل العوض منه الأشهر إذ كان معدوما وقال {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم ان المعنى فطلقوهن لعدتهن أن تطلق في طهر لم تجامع فيه ولا تخلو لعدتهن من أن يكون المعنى ليعتددن في المستقبل أو يكون في الحال أو الماضي ومحال أن تكون العدة قبل الطلاق وأن يطلقها في حال عدتها فوجب أن تكون للمستقبل [قال أبو جعفر] والطهر كله جائز أن تطلق فيه وليس بعد الطهر الا الحيض وقال تعالى {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (3) قالوا فاذا طلقها في الطهر ثم احتسب به قرأ فلم تعتد إلا قرءين وشيئا وليس كذا نص القرآن وقد احتج محتج في هذا وقال الثلاثة جمع واحتج بقول الله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} (4) وإنما ذلك شهران وأيام فهذا الاحتجاج غلط لأنه لم يقل ثلاثة أشهر فيكون مثل ثلاثة قروء وإنما هذا مثل قوله عز وجل {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (5) فلا يجوز أن يكون أقل منها وكذا {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ} (6) وأما من السنة فحدثنا الحسن بن علبث قال حدثني يحيى بن عبد الله قال أخبرني الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة ابنة أبي حبيش أخبرته أنها أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فشكت اليه الدم فقال: «إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك ولا تصلي واذا مر القرء فتطهري ثم صلي من القرء الى القرء» فهذا لفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمى الحيض قرءوا في أربعة مواضع وأما الاجماع فأجمع المسلمون على ان لا يستبرى بحيضة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة الأمة حيضتان نصف عدة الحرة ولو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنه لم ينكره عليه أحد من الصحابة وقالوا قد أجمع العلماء على أن المطلقة ثلاثا اذا ولدت فقد خرجت من العدة لا اختلاف في ذلك وإنما اختلفوا في المتوفى عنها زوجها قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد لأنهما جميعا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضا دليل قال الله تعالى {وَلََا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مََا خَلَقَ اللََّهُ فِي أَرْحََامِهِنَّ} (3)
وللعلماء في هذا قولان قال ابن عباس الحبل وقال الزهري الحيض وليس ثم دليل
__________
(1) سورة: الطلاق، الآية: 4
(2) سورة: الطلاق، الآية: 1
(73) سورة: البقرة، الآية: 228
(4) سورة: البقرة، الآية: 197
(5) سورة: البقرة، الآية: 234
(6) سورة: البقرة، الآية: 196(1/63)
يدل على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعا وإنما حظر عليهما كتمان الحيض والحبل لأن زوجها إذا طلقها طلاقا يملك معه الرجعة كان له ان يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثالثة أو قد ولدت لئلا يراجعها فتبين عند ذلك قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذََلِكَ} (1) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك قال هو أحق بردها في العدة [قال أبو جعفر] التقدير في العربية في ذلك الأجل وأما {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1) فقال فيه ابن زيد عليه أيضا ان يتقي الله فيها وأما {وَلِلرِّجََالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (1) ففيه أقوال فقال ابن زيد عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها قال الشعبي اذا قذفها لاعن ولم يحد وإذا قذفته حدت ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال ما أريد أن أستنطف حقوقي على زوجتي [قال أبو جعفر] ومعنى هذا ان الله تعالى ندب الرجال الى ان يتفضلوا على نسائهم وأن يكون لهم عليهن درجة في العفو والتفضل والاحتمال لأن معنى درجة في اللغة زيادة وارتفاع قال أبو العالية {وَاللََّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عزيز في انتقامه حكيم في تدبيره
[قال أبو جعفر] وهذا قول حسن أي عزيز في انتقامه ممن خالف أمره وحدوده في أمر الطلاق والعدة حكيم فيما دبر لخلقه واختلف العلماء في الآية التي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخة ومنهم من جعلها منسوخة ومنهم من جعلها محكمة وهي الآية الثالثة والعشرون.
باب ذكر الآية الثالثة والعشرين
قال الله عز وجل {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} (2) الآية فمن العلماء من يقول هي ناسخة لما كانوا عليه لأنهم كانوا في الجاهلية مدة وفي أول الإسلام برهة يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق فاذا كادت تحل من الطلاق راجعها ما شاء الله فنسخ الله ذلك بأنه اذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره واذا طلقها واحدة أو اثنتين كانت له الرجعة ما دامت في العدة فقال جل ثناؤه {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} أي الطلاق الذي تملك معه الرجعة وهذا معنى قول عروة قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 228
(2) سورة: البقرة، الآية: 229(1/64)
عبادة عن سعيد عن قتادة في قوله الطلاق مرتان فنسخ هذا ما كان قبل فجعل الله حد الطلاق ثلاثا وجعل له الرجعة ما لم تطلق ثلاثا فهذا قول والقول الثاني أنها منسوخة بقوله {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} والقول الثالث أنها محكمة وافترق قول من قال أنها محكمة على ثلاث جهات فمنهم من قال لا ينبغي للرجل إذا أراد أن يطلق امرأته أن يطلقها إلا اثنتين لقول الله عز وجل {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} ثم إن شاء طلق الثالثة بعد وهذا قول عكرمة والقول الثاني أنه يطلقها في طهر لم يجامعها فيه إن شاء واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا هذا قول الشافعي والقول الثالث الذي عليه أكثر العلماء أن يطلقها في كل طهر طلقة واحدة واحتج لصاحب هذا القول بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر رضي الله عنه مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يجامعها
[قال أبو جعفر] وقد ذكرناه بإسناده فكانت السنة أن يكون بين كل طلقتين حيضة فلو طلق رجل امرأته وهي حائض ثم راجعها ثم طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضة واحدة [قال أبو جعفر] وهذا خلاف السنة ولهذا أمر أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ومن الحجة أيضا {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} لأن مرتين تدل على التفريق كذا هو في اللغة قال سيبويه وقد يقول سير عليه مرتين يجعله للدهر أي طرقا فسيبويه يجعل مرتين طرقا فالتقدير أوقات الطلاق مرتان وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان الثوري قال حدثني اسماعيل بن سميع عن أبي رزين أن رجلا قال يا رسول الله أسمع الله يقول {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} فأين الثالثة؟ قال التسريح بإحسان وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلاف كثير وجعله بعضهم في المنسوخ بعد الاتفاق على أنه في مخالفة الرجل امرأته قال الله تعالى {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلََّا أَنْ يَخََافََا أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (1) الى آخر الآية قال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد امرأته أن تخالفه فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا قلت فأين قول الله في كتابه {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) قال نسخت قلت فأين جعلت؟ قال في سورة النساء {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدََالَ زَوْجٍ مَكََانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدََاهُنَّ قِنْطََاراً فَلََا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتََاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (2) والآية الأخرى [قال أبو جعفر] وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 229
(2) سورة: النساء، الآية: 20(1/65)
وليس احدى الآيتين رافعة للأخرى فيقع النسخ لأن قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ليس بمزال لأنهما إذا خافا هذا لم يدخل الزوج في وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج لأن هذا للرجال خاصة ومن الشذوذ في هذا ما روي عن سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن أنهم قالوا لا يجوز الخلع الا بأمر السلطان قال شعبة قلت لقتادة عمن أخذ الحسن الخلع الى السلطان قال عن زياد [قال أبو جعفر] وهو صحيح معروف عن زياد ولا معنى لهذا القول لأن الرجل اذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السلطان على ذلك ولا معنى لقول من قال هو إلى السلطان ومع هذا فقول الصحابة وأكثر التابعين ان الخلع جائز من غير إذن السلطان فممن قال ذلك عمر وعثمان وابن عمر رضي الله تعالى عنهم كما حدثنا محمد بن زيان قال حدثنا محمد بن رمح قال أخبرني الليث عن نافع أنه سمع الربيع ابنة معوّذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل فقال عثمان رضي الله عنه لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليهما ولكن لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل
فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا رضي الله عنهما [قال أبو جعفر] وفي حديث أيوب وعبد الله عن نافع عن ابن عمر عن عثمان أجاز الخلع على خلاف ما قال زياد وجعله طلاقا على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه ان الخلع لا يجوز بأكثر مما ساق إليها من الصداق وأجاز للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلقة ولم يجعل عليها عدة كالمطلقة وقال هذا القول اسحاق بن راهويه قال ليس على المختلعة عدة وإنما عليها الاستبراء بحيضة وهو قول ابن عباس بلا خلاف وعن ابن عمر فيه اختلاف فلما جاء عن ثلاثة من الصحابة لم يقل بغيره ولا سيما ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فأما عن غيرهم فكثير قال جماعة من العلماء عدة المختلعة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسليمان بن بشار وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والزهري والحسن وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والاوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل وفي حديث عثمان انه أوجب أن المختلعة أملك بنفسها لا تزوّج الا برضاها وإن كانت لم تطلق إلا واحدة وفيه انه لا نفقة لها ولا سكنى وأنهما لا يتوارثان وإن كان إنما طلقها واحدة وفيه انها لا تنكح حتى تحيض حيضة وفيه أن عبد الله بن عمر خبر أن عثمان خير وأعلم من كل من ولّي عليه
وأما حديث ابن عباس فحدثناه أحمد بن محمد الأزديّ قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن ليث عن طاوس أن ابن عباس جمع بين رجل
وامرأته بعد ان طلقها تطليقتين وخالعها وهذا شاذ وخارج عن الإجماع والمعقول وذلك أنه اذا قال لامرأته أنت طالق إذا كان كذا فوقعت الصفة طلقت بإجماع فكيف يكون إذا أخذ منها شيئا أو طلق نصفه لم يقع فهذا محال في المعقول وطاوس وإن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة ولا يعرف هذا عن ابن عباس إلا من روايته والصحيح عنه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها ثلاث كما قال الله عزّ وجلّ {فَإِنْ طَلَّقَهََا فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (1) أي الثالثة فأما العلة التي رويت عن ابن عباس في المختلعة فإنه روي عنه أنه قال وقع الخلع بين طلاقين قال جل ثناؤه {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} (2) ثم ذكر المختلعة فقال {فَإِنْ طَلَّقَهََا} (1) [قال أبو جعفر] الذي عليه أهل العلم أن قوله {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ فَإِمْسََاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسََانٍ} (2) كلام قائم بنفسه ثم قال {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} (2) فكان هذا حكما متشابها ثم قال جل ثناؤه {فَإِنْ طَلَّقَهََا} (1) فرجع الى الأول ولو كان على ما روي عن ابن عباس لم تكن المختلعة إلا من طلقت تطليقتين وهذا مما لا يقول به أحد ومثل هذا في التقديم والتأخير وامسحوا برءوسكم وأرجلكم [قال أبو جعفر] وهذا بين في النحو وفي الآية من اللغة وقد ذكره مالك أيضا فقال المختلعة التي اختلعت من كل مالها والمفتدية التي افتدت ببعض مالها والمبارئة التي أبرأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت قد أبرأتك فبارئني قال وكل هذا سواء وهذا صحيح في اللغة وقد يدخل بعضه في بعض فيقال مختلعة وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره إنما اختلعت نفسها من زوجها وكذلك المفتدية وإن افتدت بكل مالها فأما من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر مما يساق اليها من الصداق فشيء لا توجبه الآية لأن الله عز وجل قال {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) من ذلك ولا منه فيصح ما قالوا على أن سعيد بن المسيب يروى عنه انه قال لا يجوز الخلع الا بأقل من الصداق وقال ميمون بن مهران من أخذ الصداق كله فلم يسرح بإحسان وقد أدخلت الآية الرابعة والعشرون في الناسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنس.(1/66)
وأما حديث ابن عباس فحدثناه أحمد بن محمد الأزديّ قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن ليث عن طاوس أن ابن عباس جمع بين رجل
وامرأته بعد ان طلقها تطليقتين وخالعها وهذا شاذ وخارج عن الإجماع والمعقول وذلك أنه اذا قال لامرأته أنت طالق إذا كان كذا فوقعت الصفة طلقت بإجماع فكيف يكون إذا أخذ منها شيئا أو طلق نصفه لم يقع فهذا محال في المعقول وطاوس وإن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة ولا يعرف هذا عن ابن عباس إلا من روايته والصحيح عنه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها ثلاث كما قال الله عزّ وجلّ {فَإِنْ طَلَّقَهََا فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (1) أي الثالثة فأما العلة التي رويت عن ابن عباس في المختلعة فإنه روي عنه أنه قال وقع الخلع بين طلاقين قال جل ثناؤه {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} (2) ثم ذكر المختلعة فقال {فَإِنْ طَلَّقَهََا} (1) [قال أبو جعفر] الذي عليه أهل العلم أن قوله {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ فَإِمْسََاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسََانٍ} (2) كلام قائم بنفسه ثم قال {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} (2) فكان هذا حكما متشابها ثم قال جل ثناؤه {فَإِنْ طَلَّقَهََا} (1) فرجع الى الأول ولو كان على ما روي عن ابن عباس لم تكن المختلعة إلا من طلقت تطليقتين وهذا مما لا يقول به أحد ومثل هذا في التقديم والتأخير وامسحوا برءوسكم وأرجلكم [قال أبو جعفر] وهذا بين في النحو وفي الآية من اللغة وقد ذكره مالك أيضا فقال المختلعة التي اختلعت من كل مالها والمفتدية التي افتدت ببعض مالها والمبارئة التي أبرأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت قد أبرأتك فبارئني قال وكل هذا سواء وهذا صحيح في اللغة وقد يدخل بعضه في بعض فيقال مختلعة وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره إنما اختلعت نفسها من زوجها وكذلك المفتدية وإن افتدت بكل مالها فأما من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر مما يساق اليها من الصداق فشيء لا توجبه الآية لأن الله عز وجل قال {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) من ذلك ولا منه فيصح ما قالوا على أن سعيد بن المسيب يروى عنه انه قال لا يجوز الخلع الا بأقل من الصداق وقال ميمون بن مهران من أخذ الصداق كله فلم يسرح بإحسان وقد أدخلت الآية الرابعة والعشرون في الناسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنس.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 230
(2) سورة: البقرة، الآية: 229(1/67)
باب ذكر الآية الرابعة والعشرين
قال جل ثناؤه {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} (1) في هذه الآية للعلماء أقوال فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال انها محكمة والذين قالوا أنها محكمة لهم فيها ستة أقوال فمنهم من قال وعلى الوارث مثل ذلك انه الأنصار ومنهم من قال ان الوارث عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة ومنهم من قال الوارث أي الصبي نفسه ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين ومنهم من قال الوارث كل ذي رحم محرم [قال أبو جعفر] ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائلها من الصحابة والتابعين والفقهاء ونشرحها لنكمل الفائدة في ذلك حكى عبد الرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس أنه قال لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم محرم منه قال وقول الله جل ثناؤه {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} (1) منسوخ [قال أبو جعفر] هذا لفظ مالك ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبد الرحمن بن القاسم ومذهب ابن عباس ومجاهد والشعبي أن المعنى وعلى الوارث أنه الأنصار والذين قالوا على وارث الأب النفقة والكسوة عمر بن الخطاب والحسين بن أبي الحسن كما قرأ علي محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا قبيصة قال حدثني سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر أجبر بني عم على منفوس وفي رواية ابن عيينة الرجال دون النساء وقال الحسين اذا خلف أمه وعمه والأم موسرة والعم معسر فالنفقة على العم والذين قالوا على وارث المولود النفقة والكسوة زيد بن ثابت قال اذا خلف أما وعما فعلى كل واحد منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاء وقال قتادة على وارثي الصبي على قدر ميراثهم وقال قبيصة بن ذؤيب الوارث الصبي كما قرأ عليّ محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقري قال أنبأنا حيوة قال حدثنا جعفر بن ربيعة عن قبيصة بن ذؤيب {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} قال الوارث الصبي وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري قال اذا كان للصبي أم وعم أجبرت الأم على رضاعه ولم يطالب العم بشيء وأما الذين قالوا على كل ذي رحم محرم فهو أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد [قال أبو جعفر] فهذه جميع الأقوال التي وصفناها من أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء وأما قول مالك أنها منسوخة فلم يبينه ولا علمت أن أحدا من الصحابة بيّن ذلك والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم أنه
__________
(21) السورة: البقرة، الآية: 233(1/68)
لما أوجب الله سبحانه للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث وأما قول من قال وعلى الوارث مثل ذلك أنه الأنصار فقول حسن لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج منها شيء إلا بدليل قاطع وأما قول من قال على ورثة الأب والحجة له أن النفقة كانت على الأب فورثته لولي من ورثة الابن وأما حجة من قال على ورثة الابن فيقول كما يرثونه يقومون به [قال أبو جعفر] وكان محمد بن جرير يختار قول من قال الوارث هاهنا الابن وهو وإن كان قولا غريبا فالإسناد به صحيح والحجة به ظاهرة لأن ماله أولى به وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له طفل وللولد مال والأب موسر انه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع وان ذلك من مال الصبي فان قيل قد قال الله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (1) قيل هذا الضمير للمؤنث ومع هذا فإن الاجماع حد لأنه مبين بها لا يسمع مسلما الخروج عنه
وأما قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليه وعليها وأما قول من قال النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا [قال أبو جعفر] وقد عورض هذا القول بأنه لم يوجد من كتاب الله تعالى ولا من إجماع ولا من سنة صحيحة بل لا نعرف سوى قول من ذكرناه وأما القرآن فقال سبحانه {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} (2)
فتكلم الصحابة والتابعون فيه بما تقدم ذكره فان كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء فهذا مخالفة نص القرآن لأن الخال لا يرث مع ابن العم في قول أحد ولا يرث وحده في قول كثير من العلماء والذين احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم أكثر أهل العلم على خلافه وأما الآية الخامسة والعشرون فقد تكلم العلماء فيها أيضا فقال أكثرهم هي ناسخة وقال بعضهم فيها نسخ والله أعلم.
باب ذكر الآية الخامسة والعشرين
قال جل ثناؤه {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (2) الآية أكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 233
(2) سورة: البقرة، الآية: 234(1/69)
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ} (1) لأن الناس أقاموا برهة من الإسلام اذا توفي الرجل وخلف امرأة حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشرا وبالميراث واختلف الذين قالوا هذا القول قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر والعشر المتوفى عنها زوجها وهي حامل فانقضاء عدتها اذا ولدت وقال قوم آخر الأجلين وقال ابن هرمز هو عام بمعنى الخاص أي {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً} لسن حوامل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقال قوم ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول وقال قوم هما محكمتان واستدلوا بأنها منهية عن المبيت في غير منزل زوجها [قال أبو جعفر] ونحن نشرح هذه الأقوال ونذكر قائلي من نعرف منهم فممن قال إن الآية ناسخة فصح ذلك عنه عثمان بن عفان وعبد الله بن الزبير حتى قال عبد الله بن الزبير قلت لعثمان رضي الله عنه لم أثبت في المصحف والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن اربعة أشهر وعشرا فقال يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه فبين عثمان رضي الله عنه أنه إنما أثبت في المصحف ما أخذه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخذه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عليه السلام على ذلك التأليف لم يغير منه شيئا وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ} (1)
قال نسختها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (2)
قال متاعا الى الحول غير اخراج نسخها الربع والثمن ونسخ الحول العدة أربعة أشهر وعشرا [قال أبو جعفر] وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن ابن عباس قال وقوله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ} الآية كانت المرأة اذا مات زوجها وتركها أعتدت سنة وينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد ذلك {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} الا أن تكون حاملا فانقضاء عدتها أن تضع ما في بطنها ونزل {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمََّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كََانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمََّا تَرَكْتُمْ} (3) فبين الله جل ثناؤه الميراث وترك النفقة والوصية [قال أبو جعفر] وأما قول من قال انه عام بمعنى
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 240
(2) سورة: البقرة، الآية: 234
(3) سورة: النساء، الآية: 12(1/70)
الخاص فقول حسن لأنه قد بين ذلك بالقرآن والحديث وسنذكر ذلك وأما قول من قال نسخ منها الحوامل فيحتج بقول ابن مسعود من شاء لاعنته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى يعني أن قوله {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1) نزلت بعد التي في البقرة وهذا قول أعني وأولات الأحمال ناسخة للتي في البقرة أو مبينة لها قول أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء فمنهم عمر وابن عمر وابن مسعود وأبو مسعود البدري وأبو هريرة وسعيد بن المسيب والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور وأما قول من قال آخر الأجلين فحجته انه جمع بين الاثنين وممن قال به بلا اختلاف عنه علي بن أبي طالب وكان بينه وبين الصحابة فيه منازعة شديدة من أجل الخلاف فيه كما حدثنا أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو داود الطيالسي عن شعبة قال حدثنا عبيد بن الحسن قال حدثنا أبو معقل قال شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل عن رجل توفي وامرأته حامل فقال تعتد آخر الأجلين فقيل يا أمير المؤمنين ان أبا مسعود البدري يقول لتسع لنفسها فقال ان فروخا لا تعلم شيئا فبلغ ذلك أبا مسعود فقال بلى أنا أعلم وذكر الحديث وممن صح عنه أنه قال تعتد آخر الاجلين عبد الله بن العباس [قال أبو جعفر] وقد ذكرنا من قال بغير هذا من الصحابة حتى قال عمر إن وضعت حملها وزوجها على السرير حلت وعلى القول الآخر لا تحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاء التوقيف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنها تحل اذا توفي زوجها وهي حامل ثم ولدت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرا وصح ذلك عنه كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال ابن عباس آخر الأجلين وقال أبو سلمة اذا ولدت فقد حلت وقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعني مع أبي سلمة فأرسلوا كريبا مولى ابن عباس الى أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فجاء فأخبرهم ان أم سلمة قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال قد حللت وقال الحسن والشعبي لا تتزوج حتى تخرج من دم النفاس وكذا قال حماد بن أبي سليمان [قال أبو جعفر] واذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يلتفت الى قول غيره ولا سيما ونص القرآن {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم أن رجلا لو توفي وترك امرأته حاملا فانقضت أربعة أشهر وعشرا أنها لا تحل حتى تلد فعلم أن المقصود الولادة وأما قول من قال ليس
__________
(1) سورة: الطلاق، الآية: 4(1/71)
في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول حجته ان هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من أربعة إلى اثنين لم يكن هذا نسخا وهذا غلط بين لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج فإذا خرجت لم تمنع ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا فهذا هو النسخ وليست صلاة المسافر من هذا في شيء والدليل على ذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة المسافر على حالها وهكذا يقول جماعة من الفقهاء ان فرض المسافر ركعتان وقد عورضوا في هذا بأن عائشة رضي الله عنها كانت تتم في السفر فكيف تتم في السفر وهي تقول فرض المسافر ركعتان هذا متناقض فأجابوا عن ذلك إن هذا ليس بمتناقض لأنه قد صح عنها ما ذكرناه وهي أم المؤمنين عليها السلام فحيث حلت فهي مع أولادها فليست بمسافرة وحكمها حكم من كان حاضرا فلذلك كانت تتم الصلاة إن صح عنها الاتمام ومما يدلك على أن الآية منسوخة أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن نافع بن نافع عن زينب ابنة أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مسحت بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» قالت زينب وسمعت أم سلمة تقول وجاءت امرأة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله ان ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفأكحلها
فقال صلّى الله عليه وسلّم: لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت احداكن ترمى في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول» قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول قال حميد فقالت زينب كانت المرأة اذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تلبس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتي بدابة حمار أو شاة أو طائر فتنقض به فقلما تنقض بشيء الا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره وفي الحديث من الفقه والمعاني واللغة شيء كثير فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزينة والكحل على المتوفى عنها زوجها على خلاف ما روى اسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن انه كان لا يرى بأسا بالزينة للمتوفى عنها زوجها ولا يرى الإحداد شيئا وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج» فأوجب ذلك هذا
على كل امرأة بالغة كانت أو غير بالغة مدخولا بها أو غير مدخول أمة كانت تحت حرّ أو حرة تحت عبد أو مطلقة واحدة أو ثنتين لأنها بمنزلة من لم تطلق ودل على أنه لا إحداد على المبتوتة وإنما هو على المتوفى عنها زوجها ودل ظاهر الحديث على أنه لا إحداد على كافرة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم تؤمن بالله واليوم الآخر ودل أيضا ظاهره أنه لا إحداد على الحامل بذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أشهر وعشرا فأما معنى ترمى بالبعرة فقال فيه أهل اللغة والعلماء بمعاني العرب أنهن كن يفعلن ذلك ليرين أن مقامهن حولا أهون عليهن من تلك البعرة المرمية وفيه من اللغة قوله تنقض وقد رواه بعض الفقهاء الجلة تقبض وقيل معناه تجعل أصابعها على الطائر كما قرئ فقبضت قبضة فخالفه أصحاب مالك أجمعون(1/72)
فقال صلّى الله عليه وسلّم: لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت احداكن ترمى في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول» قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول قال حميد فقالت زينب كانت المرأة اذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تلبس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتي بدابة حمار أو شاة أو طائر فتنقض به فقلما تنقض بشيء الا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره وفي الحديث من الفقه والمعاني واللغة شيء كثير فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزينة والكحل على المتوفى عنها زوجها على خلاف ما روى اسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن انه كان لا يرى بأسا بالزينة للمتوفى عنها زوجها ولا يرى الإحداد شيئا وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج» فأوجب ذلك هذا
على كل امرأة بالغة كانت أو غير بالغة مدخولا بها أو غير مدخول أمة كانت تحت حرّ أو حرة تحت عبد أو مطلقة واحدة أو ثنتين لأنها بمنزلة من لم تطلق ودل على أنه لا إحداد على المبتوتة وإنما هو على المتوفى عنها زوجها ودل ظاهر الحديث على أنه لا إحداد على كافرة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم تؤمن بالله واليوم الآخر ودل أيضا ظاهره أنه لا إحداد على الحامل بذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أشهر وعشرا فأما معنى ترمى بالبعرة فقال فيه أهل اللغة والعلماء بمعاني العرب أنهن كن يفعلن ذلك ليرين أن مقامهن حولا أهون عليهن من تلك البعرة المرمية وفيه من اللغة قوله تنقض وقد رواه بعض الفقهاء الجلة تقبض وقيل معناه تجعل أصابعها على الطائر كما قرئ فقبضت قبضة فخالفه أصحاب مالك أجمعون
فقالوا تفيض وهو على تفسير مالك كذا يجب كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا وسئل ما تفيض به قال تمسح به جلدها [قال أبو جعفر] وهذا مشتق من أنفض القوم اذا تفرقوا وزال بعضهم عن بعض قال عزّ وجلّ {حَتََّى يَنْفَضُّوا} فمعنى تفيض به تزول به لأنها لا تزول عن مكانها إلا بهذا فقد صارت تفيض به وأما قول من قال الآيتان محكمتان فاحتج بأن المتوفى عنها زوجها لا تبيت الا في منزلها فليس بشيء لأنه لو كان كما قال لأوجب عليها أن تقيم سنة كاملة كما في الآية المنسوخة وأيضا فليس في مقامها في منزلها إجماع بل قد اختلف فيه الصدر الأول ومن بعدهم فممن قال ان عليها المقام عمر وعثمان وأم سلمة وابن مسعود وابن عمر وتابعهم على ذلك أكثر فقهاء الأمصار وقال مالك تزورهم بعد العشاء الى أن يهدأ الناس ولا تبيت إلا في منزلها وهذا قول الليث وسفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن لا تخرج المتوفى عنها زوجها والمبتوتة من منزلها البتة وممن قال غير هذا وقال لها أن تخرج وتحج إن شاءت ولا تقيم في منزلها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى هذا صح عنه أنه أخرج ابنته أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قتل عمر فضمها إلى منزله قبل أن تنقضي عدتها وصح عن ابن عباس مثل هذا روى الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ليس على المتوفى عنها زوجها ولا على المبتوتة اقامة في بيتها إنما قال الله عز وجل {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (1) إنما عليها العدة وليس عليها مقام ولا نفقة لهما وممن قال بهذا القول على أنه ليس على المتوفى عنها زوجها اقامة عائشة وجابر بن عبد الله فهؤلاء أربعة من الصحابة لم يوجبوا الإقامة ومنهم من يحتج بالآية والحجة لمخالفهم قوله عز وجل {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} فعليهن أن يحبسن
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 234(1/73)
انفسهن عن كل الاشياء الا ما خرج بدليل ومن الحجة أيضا توقيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله لفريعة حين توفي عنها زوجها: «أقيمي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله» وقد قال قوم ان قوله عز وجل {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ} (1) منسوخ بالحديث لا وصية لوارث وأكثر العلماء على أنها منسوخة بالآية التي ذكرناها ومما يبين أنها منسوخة اختلاف العلماء والنفقة على المتوفى عنها زوجها وهي حامل فأكثر العلماء يقول لا نفقة لها ولا سكنى فمن الصحابة عبد الله بن عباس وابن الزبير وجابر ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وممن دونهم مالك بن أنس وأبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد وهو الصحيح من قول الشافعي وممن قال للمتوفى عنها زوجها وهي حامل النفقة من رأس المال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن مسعود وابن عمر وهو قول شريح والجلاس بن عمرو والشعبي والنخعي وأيوب السختياني وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي عبيد وفيه قول ثالث عن قبيصة بن ذؤيب قال لو كنت فاعلا لجعلتها من مال ذي بطنها وحجة من قال لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إجماع المسلمين أنه لا نفقة لمن كانت تجب له النفقة على الرجل قبل موته من اطفاله وأزواجه وآبائه الذين عليه نفقتهم بإجماع اذا كانوا زمناء فقراء فكذلك أيضا لا تجب للحامل المتوفى عنها زوجها [قال أبو جعفر] واختلفوا أيضا في الآية السادسة والعشرين فمنهم من قال هي محكمة واجبة ومنهم من قال هي مندوب اليها ومنهم من قال قد أخرج منها شيء ومنهم من قال هي منسوخة.
باب ذكر الآية السادسة والعشرين
قال الله عز وجل {لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (2) فمن قال بظاهر الآية وأنه واجب على كل مسلّم مطلّق المتعة للمطلقة كما قال تعالى ومتعوهن من الصحابة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ومن التابعين الحسن قال الحسين وأبو العالية لكل مطلقة متعة مدخول بها أو غير مدخول بها مفروض لها أو غير مفروض لها وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك وهو قول أبي ثور وأنبأنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول لكل مطلقة
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 240
(2) سورة: البقرة، الآية: 236(1/74)
متعة وأما قول من قال قد أخرج منها شيء فعبد الله بن عمر كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لكل مطلقة متعة الا التي سمي لها صداقا ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها وأما قول من قال ومتعوهن على الندب لا على الحتم والإيجاب فهو قول شريح قال متع ان كنت من المحسنين ألا تحب أن تكون من المتقين فهذا قول مالك بن أنس أنه لا يجبر على المتعة لامرأة من المطلقات كلهن وأما قول أبي حنيفة وأصحابه وهو يروي عن الشافعي انه لا يجبر على المتعة إلا أن يتزوج امرأة ولا يسمي لها صداقا فيطلقها قبل أن يمسها فانه يجبر على تمتعها وأما قول من قال بالنسخ فيها وهو قول سعيد بن المسيب كما أنبأنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كانت المتعة واجبة لمن لم يدخل بها من النساء في سورة الأحزاب ثم نسختها الآية التي في البقرة [قال أبو جعفر] يجب أن تكون التي في سورة الأحزاب {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمََا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهََا فَمَتِّعُوهُنَّ} (1) وهذا ايجاب المتعة والناسخة لها عنده التي في البقرة {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مََا فَرَضْتُمْ} (2) الآية هذا لا يجب فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه ليس في الآية لا تمتعوهن ولكن القول الصحيح البين أنه أخبر بذكر المتعة ثم لم يذكرها هنا ولا سيما وبعده وللمطلقات متاع بالمعروف فهذا أوكد من متعوهن لأن متعوهن قد يقع على الندب فذكر التمتع في القرآن مؤكدا قال الله تعالى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا} (3) وكذا ظاهر القرآن وهو قول علي رضي الله عنه ومن ذكرناه فهذا أحد قولي الشافعي ان على كل مطلق متعة اذا كان الطلاق من قبله فاما تفرضوا لهن فريضة ففيه أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس قال الفريضة الصداق [قال أبو جعفر] الفرض في اللغة الإيجاب ومنه فرض الحاكم على فلان كذا كما كانت فريضة ما
تقول كما كان الزنا فريضته الرجم وقد احتج قوم في أن التمتع ليس بواجب بقول الله تعالى حقا على المحسنين فكذا حقا على المتقين وهذا لا يلزم لأنه اذا كان واجبا على
__________
(1) سورة: الاحزاب، الآية: 49
(2) سورة: البقرة، الآية: 237
(3) سورة: البقرة، الآية: 236(1/75)
المحسنين فهو على غيرهم أوجب وأيضا فإن الناس جميعا مأمورون بأن يكونوا محسنين متقين لأن معنى يجب أن يكون محسنا يجب أن تكون تحسن إلى نفسك بأن تؤدي فرائض الله تعالى وتجتنب معاصيه فتكون محسنا الى نفسك حتى لا تدخل النار أن تتقي الله بترك معاصيه والانتهاء الى ما كلفك من فرائضه فوجب على الخلق أن يكونوا محسنين متقين
واختلف العلماء في الآية السابعة والعشرين فقال بعضهم هي منسوخة وقال بعضهم هي مخصوصة.
باب ذكر الآية السابعة والعشرين
قال الله تعالى {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} (1) فمن العلماء من قال هي منسوخة ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم الا الإسلام فممن قال بذلك سليمان بن موسى وقال نسختها {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ جََاهِدِ الْكُفََّارَ وَالْمُنََافِقِينَ} (2)
قال زيد بن أسلّم أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة عشر سنين يدعو الناس الى الإسلام ولا يقاتل فأبى المشركون إلا قتاله فاستأذن الله في قتالهم فأذن له وقال بعض العلماء ليست بمنسوخة ولكن لا إكراه في الدين نزلت في أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام اذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان فهم الذين نزلت فيهم {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ جََاهِدِ الْكُفََّارَ} ومما يحتج به لهذا القول ما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أنبأنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلّم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية أسلمي أيتها العجوز تسلمي إن الله تعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق قالت أنا عجوز كبيرة والموت اليّ قريب قال عمر اللهم اشهد ثم تلا لا إكراه في الدين وممن قال أنها مخصوصة ابن عباس كما قرأ علي أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن ابن أبي عدي في حديثه عن شعبة عن ابن بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار قالت الأنصار لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قول ابن عباس في هذه الآية أولى الاقوال لصحة إسناده وان مثله لا يوجد بالرأي فلما أخبر أن الآية نزلت في هذا أوجب أن يكون أقوى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصة
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 256
(2) سورة: التوبة، الآية: 73(1/76)
نزلت في هذا وحكم أهل الكتاب كحكمهم فأما دخول الألف واللام فللتعريف لأن المعنى لا إكراه في الإسلام وفي ذلك قول آخر يكون التقدير لا إكراه في دين الإسلام والألف واللام عوض من المضاف إليه مثل قوله يصهر به ما في بطونهم والجلود أي وجلودهم
واختلف العلماء في الآية الثامنة والعشرين قال بعضهم هي ناسخة وقال بعضهم نزلت في شيء بعينه غير ناسخة وقال بعضهم هي عامة.
باب ذكر الآية الثامنة والعشرين
قال عز وجل {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} (1) فمن قال أنها ناسخة احتج بأن الإنسان في أول الإسلام كان اذا أعسر من دين عليه بيع حتى يستوفي المدين دينه منه فنسخ الله ذلك بقوله جل ثناؤه {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} ويدل على هذا القول ان أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا يحيى بن صالح الوجاطي قال حدثنا مسلّم بن خالد الربحي عن زيد بن أسلّم عن عبد الرحمن بن السلماني قال كنت بمصر فقال لي رجل ألا أدلك على رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت بلى وأشار الى رجل فجئته فقلت من أنت يرحمك الله فقال أنا سرق
فقلت سبحان الله ما ينبغي لك أن تسمى بهذا الاسم وأنت رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سماني سرقا فلن أدع ذلك أبدا قلت ولم سماك سرقا قال لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت له انطلق معي حتى أعطيك فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف خرج لي وقضيت بثمن البعيرين حاجة لي وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج فخرجت والأعرابي مقيم فأخذني فقدم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته الخبر فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ما حملك على ما صنعت؟ قلت قضيت بثمنهما حاجة يا رسول الله قال فاقضه قلت ليس عندي قال أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك» قال فجعل الناس يساومونه بي ويلتفت اليهم فيقول ما تريدون فيقولون نريد أن نبتاعه فقال فو الله ما منكم أحد أحوج اليه مني اذهب فقد أعتقتك قال أحمد بن محمد الأزدي ففي هذا الحديث بيع الحرّ في الدين وقد كان ذلك في أول الاسلام يباع من عليه دين فيما عليه من الدين إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله تعالى ذلك فقال
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 280(1/77)
تعالى {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} (1) فذهب قوم إلى أن هذه الآية في الربا وأنه إذا كان لرجل على رجل دين ولم يكن عنده ما يقتضيه إياه حبس أبدا فيه حتى يوفيه واحتجوا بقول الله تعالى {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا} (2) وهذا قول شريح وإبراهيم النخعي كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين في قوله تعالى {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} (1) قال خاصم رجل إلى شريح في دين له فقال آخر يعذر صاحبه أنه معسر وقد قال الله تعالى {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} فقال شريح كان هذا في الربا وإنما كان في الأنصار فإن الله قال {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا وَإِذََا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النََّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (2) ولا يأمر الله بشيء ثم نخالفه احبسوه الى جنب السارية حتى يوفيه وقال جماعة من أهل العلم فنظرة الى ميسرة عامة في جميع الناس وكان من أعسر أنظر فهذا قول أبي هريرة والحسن وجماعة من الفقهاء وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النظر والنحو واحتج بأنه وان كان لا يجوز أن يكون هذا في الربا قال لأن الربا قد أبطل فكيف يقال فيه {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (1) واحتج من النحو بأنه لو كان في الربا لكان وإن كان ذا عسرة لأنه قد تقدم ذكره فلما كان في الشواذ وإن كان ذو عسرة علم أنه منقطع من الأول عام لكل من كان ذا عسرة وكان بمعنى وقع وحدث كما قال:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
[قال أبو جعفر] هذا الاحتجاج ظاهره حسن فإذا فتشت عنه لم يلزم وذلك أن قوله الربا قد أبطله الله تعالى فالأمر في قوله قد أبطله الله صحيح ان كان يريد أن لا نعمل به وإلا فقد قال {فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوََالِكُمْ} فما الذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا وأما احتجاجه بالنحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التقدير وإن كان منهم ذو عسرة وقد حكى النحويون والمرء مقتول بما قتل به إن خنجر فخنجر وإن كان يجوز فيه غير هذا وأحسن ما قيل في الآية قول عطاء والضحاك قالا في الربا والدين كله فهذا كله يجمع الأقوال لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه لا سيما وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في الربا وهذا توقيف من ابن عباس
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 280
(2) سورة: النساء، الآية: 58(1/78)
بحقيقة الأمر مما لا يجوز أن يؤخذ بقياس والآراء لأنه أخبر أنها نزلت فيه {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فجعله قتادة على الموسر والمعسر وقال السدي على المعسر وهذا أولى لأنه يليه واختلفوا في الآية التاسعة والعشرين فجاء الاختلاف فيها عن الصدر الأوّل والثاني.
باب ذكر الآية التاسعة والعشرين
قال عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا تَدََايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1)
الآية وافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال فمنهم من قال لا يسع مؤمنا اذا باع بيعا الى أجل واشترى إلا أن يكتب ويشهد إذا وجد كاتبا ولا يسع مؤمنا اذا اشترى شيئا أو باعه إلا أن يشهد وإلا يكتب اذا لم يكن الى أجل واحتجوا بظاهر القرآن وقال بعضهم هذا على الندب والإرشاد لا على الحتم وقال بعضهم هو منسوخ فمن قال هو واجب من الصحابة ابن عمر وأبو موسى الاشعري ومن التابعين محمد بن سيرين وأبو قلابة والضحاك وجابر بن زيد ومجاهد ومن أشدهم في ذلك عطاء قال أشهد إذا بعت أو إذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم أو أقل من ذلك فان الله تعالى يقول {وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ} (1)
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا شجاع قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال أشهد اذا بعت واذا اشتريت ولو دستجة بقل وممن كان يذهب الى هذا محمد بن جرير وأنه لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن لا يشهد وإلا كان مخالفا كتاب الله وكذا إذا كان الى أجل فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبا واحتج بحجج سنذكرها في آخر الاقوال في الآية وممن قال انها منسوخة من الصحابة أبو سعيد الخدري كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري بالأنبار قال حدثنا إبراهيم بن دسيم الخراساني قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبد الملك بن أبي نصرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه تلا {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا تَدََايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمََانَتَهُ} (2) قال
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 282
(2) سورة: البقرة، الآية: 283(1/79)
نسخت هذه الآية ما قبلها [قال أبو جعفر] وهذا قول الحسن والحكم وعبد الرحمن بن زيد وممن قال إنها على الندب والارشاد لا على الحتم الشعبي ويحكى أن هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي واحتج محمد بن جرير في أنها أمر لازم وأنه واجب على كل من اشترى شيئا الى أجل أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجل أن يشهد بظاهر الآية وانه فرض لا يسع تضييعه لأن الله تعالى أمر به وأمر الله لازم لا يحمل على الندب والإرشاد الا بدليل ولا دليل يدل على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخا لأن معنى الناسخ أن يبقي حكم المنسوخ ولم تأت آية فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا نسخا ولأن قول من قال فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ناسخ للأول لا معنى له لأن هذا حكم غير دال وإنما هذا حكم من لم يجد كاتبا أو كتابا قال الله تعالى {وَلَمْ تَجِدُوا كََاتِباً فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} (1) أي فلم يطالبه برهن {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمََانَتَهُ} (1)
قال ولو جاز أن يكون هذا ناسخا للاول لجاز أن يكون قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ََ أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} (2) الآية ناسخة لقوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (2) الآية ولجاز أن يكون قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ شَهْرَيْنِ مُتَتََابِعَيْنِ} (3) ناسخا لقوله {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (3) [قال أبو جعفر] فهذا كلام بين غير أن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا وأكثر الناس على ان هذا ليس بواجب ومما يحتجون فيه أن المسلمين مجمعون على أن رجلا لو خاصم رجلا إلى الحاكم فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بيّنة ان الحاكم يستحلفه ويحتجون أيضا بحديث الزهري عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه وكان من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي ابتاع فرسا من أعرابي ثم استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النبي صلّى الله عليه وسلّم المشي فساوم قوم الأعرابي بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم أتبتاعه مني أم أبيعه قال أليس قد ابتعته منك قال لا والله وما ابتعته مني فأقبل الناس يقولون له ويحك ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلا حقا فقال هل من شاهد فقال خزيمة أنا أشهد فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وبم تشهد» قال أشهد بتصديقك فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين واحتجوا بهذا الحديث انه صلّى الله عليه وسلّم ابتاع بغير أشهاد واما ما احتج به محمد بن جرير فصحيح غير أن ثم وجها يخرج منه لم يذكره وهو
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 283
(2) سورة: المائدة، الآية: 6
(3) سورة: النساء، الآية: 92(1/80)
ان علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس في قوله تعالى {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} (1)
قال ننساها نتركها هكذا يقول المحدثون والصواب نتركها [قال أبو جعفر] في هذا معنى لطيف شرحه سهل بن محمد على مذهب ابن عباس وبين معنى ذلك قال ننسخ حكمها يريد بأنه غيرها وننسها نزيل حكمها بأن نطلق لكم تركها كما قال عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ يُبََايِعْنَكَ عَلى ََ أَنْ لََا يُشْرِكْنَ بِاللََّهِ شَيْئاً وَلََا يَسْرِقْنَ وَلََا يَزْنِينَ} (2) الآية ثم أطلق للمسلمين ترك ذلك من غير آية نسختها فكذا اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه وكذا وأشهدوا اذا تبايعتم [قال أبو جعفر] فأما النسخ فكما قال محمد بن جرير وأما الندب فلا يحمل عليه الأمر الا بدليل قاطع وأما قول مجاهد هذا لا يجوز الرهن إلا في السفر لأنه في الآية كذلك فقول شاذ الجماعة على خلافه وقرأ علي أحمد بن شعيب عن يوسف بن حماد قال حدثنا سفيان بن حبيب عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله [قال أبو جعفر] وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر غيره وأما إذا تداينتم بدين فالفائدة في تداين وقد تقدم تداينتم بدين فالجواب عنه أن العرب تقول تداينا أي تجارينا وتعاطينا الأخذ بيننا فأبان الله تعالى بقوله بدين المعنى الذي قصد له واختلف العلماء في الآية التي هي تتمة ثلاثين آية من هذه السورة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة خاصة.
باب ذكر الآية التي هي تتمة ثلاثين آية
قال عزّ وجلّ {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ} (3) فعن ابن عباس فيها ثلاثة أقوال أحدها انها منسوخة بقوله {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} (4) وسنذكره باسناده والثاني أنها غير منسوخة وإنما عامة يحاسب المؤمن والكافر والمنافق بما أبدى وأخفى فيغفر للمؤمنين ويعاقب الكافرين والمنافقين والثالث انها مخصوصة هي وإنما في كتمان الشهادة وإظهارها كذا
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 106
(2) سورة: الممتحنة، الآية: 12
(3) سورة: البقرة، الآية: 284
(4) سورة: البقرة، الآية: 286(1/81)
روى زيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس وأما الرواية عن عائشة رضي الله عنها فإنها قالت ما همّ به العبد من خطيئة عوقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا فهذه أربعة أقوال قرأ علي أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا اسماعيل بن علية قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} (1) قال هذا في الشك واليقين وهذه الأقوال الخمسة يقرب بعضها من بعض فقول مجاهد في الشك واليقين قريب من قول ابن عباس بأنها لم تنسخ وأنها عامة وقول ابن عباس الذي رواه عنه مقسم أنها في الشهادة يصح على أن غير الشهادة بمنزلتها وقول عائشة رضي الله عنها أنه ما يلحق الانسان في الدنيا على أن يكون خاصة أيضا فأما أن تكون منسوخة فتصح من جهة وتبطل من جهة فأما الجهة التي تبطل منها فإن الأخبار لا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ ومن زعم أن في الأخبار ناسخا أو منسوخا فقد ألحد أو جهل فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يحاسب من أبدى شيئا أو أخفاه فمحال أن يخبر بضده وأيضا فان الحكم اذا كان منسوخا فإنما ينسخ بنفيه بآخر ناسخ له ناف له من كل جهاته فلو كان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ناسخا لنسخ تكليف ما لا طاقة به وهذا منفي عن الله تعالى أن يتعبد به كما قال تعالى {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا مََا آتََاهََا} (2) وصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يلقن أصحابه إذا تابعوا فيما استطعتم به وأما الوجه الذي يصح منه وهو الذي ينبغي ان يبين ويوقف عليه لأن المعاند ربما عارض بقول الصحابة والتابعين في أشياء من الأخبار ناسخة ومنسوخة فالجاهل باللغة إما ان يجد فيها وإما أن يلحد فيقول وأخبار ناسخة ومنسوخة وهو يعلم ان الانسان إذا قال قام فلان ثم نسخ هذا فقال لم يقم فقد كذب وفي حديث ابن عباس تبين ما أراد كما حدثنا
محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا صالح بن زياد الرقي قال حدثنا يزيد قال أنبأنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر تلا {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} (1) فدمعت عيناه فبلغ صنعه ابن عباس فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن صنع كما صنع أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم حين أنزلت ونسختها الآية التي بعدها {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} (3) معنى نسختها نزلت بنسختها وليس هذا من الناسخ والمنسوخ في شيء قرأ علي عبد الله بن الصفر بن نصر عن زياد بن أيوب قال أنبأنا هشيم قال أنبأنا شيبان عن الشعبي قال لما نزلت
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 284
(2) سورة: الطلاق، الآية: 7
(3) سورة: البقرة، الآية: 286(1/82)
{وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} (1) لحقتهم منها شدة حتى نسختها ما بعدها وفي هذا معنى لطيف
وهو أن يكون معنى نسختها نسخت الشدة التي لحقتهم أزالتها كما يقال نسخت الشمس الظل أي أزالته ومن أحسن ما قيل في الآية وأشبه بالظاهر قول ابن عباس إنها عامة يدلك على ذلك ما حدثناه أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا زهير وهو ابن حرب قال أنبأنا إسماعيل وهو ابن علية عن هشام وهو الدستوائي عن قتادة عن صفوان بن محرز قال قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في النجوى؟. قال سمعته يقول له: «يدنى المؤمن من ربه عز وجل ويضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته وأما الكافر والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله» ففي هذا الحديث معنى حقيقة الآية وأنه لا نسخ فيها وإسناده لا يدخل القلب منه لبس وهو من أحاديث أهل السنة والجماعة.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 284.(1/83)
سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم [قال أبو جعفر] أحمد بن محمد بن اسماعيل الصفار النحوي لم نجد في هذه السورة بعد تقصّ شديد مما ذكروه في الناسخ والمنسوخ الا ثلاث آيات ولولا محبتنا أن يكون الكتاب مشتملا على كل ما ذكر منها لكان القول فيها أنها ليست بناسخة ولا منسوخة ونحن نبين ذلك إن شاء الله تعالى.
باب ذكر الآية الأولى من هذه السورة
قال الله تعالى {قََالَ آيَتُكَ أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ ثَلََاثَةَ أَيََّامٍ إِلََّا رَمْزاً} (1) فزعم بعض الناس أن هذا منسوخ وذلك أنها شريعة فذكرها الله تعالى فكان لنا أن نستعملها ما لم تنسخ ثم إنها نسخت على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على أحمد بن حماد عن سعيد بن أبي مريم قال أنبأنا عبد العزيز الدراوردي قال أنبأنا حزام بن عثمان عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صمت يوما إلى الليل» قال فنسخ إباحة الصمت وقد قال تعالى إخبارا عن مريم {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (2) ليس في هذا ناسخ ولا منسوخ لأن الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا صمت يوما أنه لا يحل لأحد أن يصمت يوما إلى الليل فلا يذكر الله عز وجل ولا يسبح وهذا محظور في كل شريعة والدليل على هذا أن بعد قوله {أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ ثَلََاثَةَ أَيََّامٍ إِلََّا رَمْزاً} الأمر بالتسبيح عشيا وبكرا وزعم بعض أهل العلم أن الآية الثانية منسوخة وقال بعضهم هي محكمة.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (3) فمن أجل ما روي في تفسيرها وأوضحه ما حدثناه علي بن الحسين قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا
__________
(1) سورة: آل عمران، الآية: 41
(2) سورة: مريم، الآية: 26
(3) سورة: آل عمران، الآية: 102(1/84)
عمرو بن الهيثم قال حدثنا المسعودي عن زيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود في قوله {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} قال أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر وحدثنا جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا موسى بن هارون الطوسي قال حدثنا الحسين وهو ابن محمد المروزي قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} قال أن يطاع فلا يعصى ثم أنزل التخفيف فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت هذه التي في آل عمران [قال أبو جعفر] محال أن يقع هذا ناسخ ولا منسوخ إلا على حيلة وتلك أن معنى نسخ الشيء إزالته والمجيء بضده فمحال أن يقال {اتَّقُوا اللََّهَ}
منسوخ ولا سيما مع قول النبي صلّى الله عليه وسلّم مما فيه بيان الآية [قال أبو جعفر] كما قرأ عليّ
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت الله ورسوله أعلم قال أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» أفلا ترى أنه محال أن يقع في هذا نسخ والذي قلناه قول ابن عباس [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} أن تجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذكم في الله لومة لائم وتقوموا بالقسط ولو أنفسكم وآبائكم وأبنائكم [قال أبو جعفر] فكل ما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ وهو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا» وكذا على المسلمين كما قال ابن مسعود أن تطيعوا الله فلا تعصوه وتذكروه فلا تنسوه وان تشكروه فلا تكفروه وأن تجاهدوا فيه حق جهاده وأما قول قتادة مع محله من العلم أنها نسخت فيجوز أن يكون معناه نزلت فاتقوا الله ما استطعتم ينسخه اتقوا الله حق تقاته وانها مثلها لأنه لا يكلف أحدا الا طاقته وزعم قوم من العلماء الكوفيين أن الآية الثالثة ناسخة وقال غيرهم هي محكمة وليست بناسخة.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظََالِمُونَ} (1)
فزعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعله بعد الركوع في
__________
(1) سورة: آل عمران، الآية: 128(1/85)
الركعة الآخرة من الصبح واحتج بحديث حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ان النبي صلّى الله عليه وسلّم لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الاخيرة فقال اللهم العن فلانا وفلانا ناسا من المنافقين فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}
الآية [قال أبو جعفر] فهذا إسناد مستقيم وليس فيه دليل على ناسخ ولا منسوخ وإنما نبهه الله على أن الأمر اليه ولو كان هذا ناسخا لما جاز أن يلعن المنافقون واحتج أيضا بما حدثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال أنبأنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف حتى أنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظََالِمُونَ} وهذا نظير الحديث الأول وفيه حجة على الكوفيين لأنهم يقولون لا يجوز أن يدخل في الصلاة إلا ما كان في القرآن وما أشبهه وليس في القرآن من هذا شيء ولذلك عارض هذا المحتج بأن جعله في الناسخ والمنسوخ بلا حجة واضحة ولا دليل واضح لما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الدعاء في الصلاة بغير ما في القرآن وعن الصحابة والتابعين وأيضا فإن العرب إنما كانت تعرف الصلاة في كلامها الدعاء كما قال الشاعر:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الاوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضطجعا
فسميت الصلاة صلاة لأن الدعاء فيها وهذا قول المدنيين لأن الإنسان يدعو في صلاته بما شاء من الدعاء والطاعة وعلى انه قد روي مما صح عنه سنده في نزول الآية غير هذا من ذلك ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال شج النبي صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وكسرت رباعيته ورمي رمية على كتفه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف تفلح أمة فعلوا بنبيهم هذا فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظََالِمُونَ} (1)
وهذا الحديث ليس بناقض لما تقدم لكون الأمرين جميعا واقعين فنزلت الآية قرأ عليّ
__________
(1) سورة: آل عمران، الآية: 128(1/86)
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني يعقوب بن عتبة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش الى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال إنك تنهى عن الشيء قد سنته العرب ثم تحول وحول قفاه الى النبي صلّى الله عليه وسلّم وكشف استه في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلعنه ودعا عليه فأنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظََالِمُونَ} فأسلّم الرجل وحسن إسلامه وهذا الحديث وإن كان منقطعا فإنما ذكرناه لأن سالما هو الذي وصله عن أبيه وفي هذا زيادة أن الرجل أسلّم فعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نبه على أنه لا يعلم من الغيب شيئا وأن الأمر كله بيد الله يتوب على من يشاء ويجعل العقوبة لمن يشاء والتقدير ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السموات وما في الارض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء ويعذب من يشاء فتبين بهذا كله أنه لا ناسخ ولا منسوخ في هذا وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري وعن عثمان الخدري عن مقسم قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عتبة بن أبي وقاص حين كسرت رباعيته ودمي وجهه فقال: اللهم لا يبلغ الحول حتى يموت كافرا قال فما بلغ الحول حتى مات كافرا الى النار.(1/87)
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني يعقوب بن عتبة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش الى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال إنك تنهى عن الشيء قد سنته العرب ثم تحول وحول قفاه الى النبي صلّى الله عليه وسلّم وكشف استه في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلعنه ودعا عليه فأنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظََالِمُونَ} فأسلّم الرجل وحسن إسلامه وهذا الحديث وإن كان منقطعا فإنما ذكرناه لأن سالما هو الذي وصله عن أبيه وفي هذا زيادة أن الرجل أسلّم فعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نبه على أنه لا يعلم من الغيب شيئا وأن الأمر كله بيد الله يتوب على من يشاء ويجعل العقوبة لمن يشاء والتقدير ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السموات وما في الارض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء ويعذب من يشاء فتبين بهذا كله أنه لا ناسخ ولا منسوخ في هذا وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري وعن عثمان الخدري عن مقسم قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عتبة بن أبي وقاص حين كسرت رباعيته ودمي وجهه فقال: اللهم لا يبلغ الحول حتى يموت كافرا قال فما بلغ الحول حتى مات كافرا الى النار.
سورة النساء
باب ذكر الآية الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتََامى ََ فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تَعْدِلُوا فَوََاحِدَةً أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (1) [قال أبو جعفر] في هذه الآية إشكال وتفسير ونحو وقد ذكرنا ما فيها إلا ما كان من النسخ فإنها على مذهب جماعة من الفقهاء ناسخة وذلك أن الناس كانوا في الجاهلية وبرهة من الاسلام يتزوّج الرجل ما شاء من الحرائر فنسخ الله ذلك من القرآن والسنة والعمل وأنه لا يحل لأحد أن يتزوّج فوق أربع ونسخ ما كانوا عليه قال الحسن والضحاك كان الرجل يسلّم وعنده عشر نسوة منهنّ من قد تزوجه في الجاهلية ومنهنّ من قد تزوجه في الإسلام أو أكثر أو أقل حتى سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اليتامى فنزلت {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتََامى ََ} أي لا تعدلوا {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} أي كما خفتم في اليتامى فخافوا من نكاح أكثر من أربع في نكاح النساء قال محمد بن الحسن في رجل أسلّم وعنده عشر نسوة قال يخلي منهنّ شيئا ويمسك أربعا من اللواتي تزوج بدءا فبدءا وليس له أن يختار منهنّ أربعا فإن احتج بالحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه خير غيلان فقال اختر أربعا قيل للمحتج بهذا إن غيلان تزوج عشرا وذلك مباح فكان العشر مباحات فلما رفع ذلك قيل له اختر [قال أبو جعفر] وهذا كلام لطيف حسن غير أن مالكا والشافعي وأبا حنيفة يخيرونه عن ظاهر الحديث ولم يزل المسلمون من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هذا الوقت يحرمون ما فوق الأربع بالقرآن والسنة قرأ علي أحمد بن شعيب عن الحسن بن حريب قال أنبأنا الفضل بن موسى قال أخبرني معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال أسلّم غيلان بن سلمة وعنده عشر نسوة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك أربعا وفارق سائرهن» قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن محمد بن السائب عن حميصة بن الشمر دل عن قيس بن الحارث قال أسلمت وكان تحتي في الجاهلية ثماني نسوة فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فقال: «اختر منهن أربعا وخل سائرهن» ففعلت
[قال أبو جعفر] ومعنى مثنى في اللغة اثنين اثنين وثلاث ثلاثا ثلاثا وهذا مذهب الخليل وسيبويه والكسائي وغيرهم ولهذا لم يصرف وقيل معدول وليس معناه اثنتين فقط فيعارض
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 3(1/88)
معارض بأن يقول اثنتان وثلاث ورباع تسع وأيضا فليس من كلام الفصحاء اثنتين اثنتين وثلاثا وأربعا فلو كان معناه تسعا لكان المعنى انكحوا تسعا وكان وما كان محظورا ما بيّن لك [قال أبو جعفر] وهذه احتجاجات قاطعة وإن كان في توقيف الرسول صلّى الله عليه وسلّم كفاية مع الإجماع من الذين لا يجتمعون على غلط ولا خطأ واختلف العلماء في الآية الثانية
فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله تعالى مخاطبا للأوصياء في أموال اليتامى {وَمَنْ كََانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (1) فمنع جماعة من أهل العلم الوصي من أخذ شيء من مال اليتيم فحكى بشر بن الوليد عن أبي يوسف فقال لا أدري لعل هذه الآية منسوخة بقوله {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ إِلََّا أَنْ تَكُونَ تِجََارَةً عَنْ تَرََاضٍ مِنْكُمْ} (2) وقال أبو يوسف لا يحل أن تأخذ من مال اليتيم شيئا اذا كان معه في المصر فإن احتاج أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئا وهو قول أبي حنيفة ومحمد وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراسانيّ عن ابن عباس {وَمَنْ كََانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قال نسخ الظلم والاعتداء ونسختها {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (3) ثم افترق الذين قالوا الآية محكمة فرقا فقال بعضهم إن احتاج الوصي فله أن يقترض من مال اليتيم فاذا أيسر قضاه وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبيدة وأبي العالية وسعيد بن جبير واستشهد عبيدة وأبو العالية بأن بعده {فَإِذََا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوََالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} (1) كما قرأ عليّ الحسين بن عليب بن سعيد عن يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن يرفأ مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا يرفأ إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم ان احتجت
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 6
(2) سورة: النساء، الآية: 29
(3) سورة: النساء، الآية: 10(1/89)
أخذت منه وإن أيسرت قضيته وإني إن استغنيت استعففت وإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا عظيما [قال أبو جعفر] هذا قول جماعة من التابعين وغيرهم منهم عبيدة قال فلا يحل للوصي أن يأخذ من مال اليتيم الا قرضا واستشهد بأن بعدها {فَإِذََا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوََالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} (1) وكذا قال أبو العالية ومجاهد كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا ابن عيينة قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يستسلف ولي اليتيم من ماله فاذا أيسر رده قال روح وحدثنا شعبة عن حماد عن سعيد {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قال قرضا وفقهاء الكوفيين على هذا القول وقال أبو قلابة فليأكل بالمعروف قال قرضا وفقهاء الكوفيين على هذا القول
وقال أبو قلابة وليأكل بالمعروف مما يجيء من الغلة فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ولا غيره وذهب جماعة من العلماء الى ظاهر الآية فقالوا له أن يأخذ منه مقدار قوته منهم الحسن كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح عن أشعب عن الحسين قال إذا احتاج وليّ اليتيم أكل بالمعروف وليس عليه إذا أيسر قضاؤه والمعروف قوته [قال أبو جعفر] وهذا قول قتادة والنخعي كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في قوله تعالى {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قال ما سد الجوعة ووارى العورة وليس يلبس الكتان ولا الحلل واختلف عن ابن عباس في تفسير الآية اختلافا كثيرا على أن الأسانيد عنه صحاح مع الاختلاف في المتون فمن ذلك انه قرأ علي أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة ومالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال جاء أعرابي الى ابن عباس فقال إن لي إبلا أقفر ظهورها وأحمل عليها ولي يتيم له إبل فما يحل لي منها قال إذا كنت تهنأ جرباها وتلط حوضها وتنشد ضالتها وتسقي وردها فأحلبها غير ناهك لها في الحلب ولا مضر بنسلها [قال أبو جعفر] وهذا إسناد صحيح غير أنه لو كان هذا على التأويل وإن الوصي إنما يأخذ مقدار عمله كان الغني والفقير في ذلك سواء وقد قرن الله بينهما في الآية بعينها وروي عن عكرمة عن ابن عباس {وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
قال إذا احتاج واضطر قال الشعبي كذلك إذا كان بمنزله الدم ولحم الخنزير أخذ فاذا أخذ أوفى [قال أبو جعفر] وهذا لا معنى له لأنه اذا اضطر هذا الاضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيمه أو غيره من قريب أو بعيد وعن ابن عباس رواية ثالثة كما قرأ عليّ محمد بن
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 6(1/90)
جعفر بن حفص عن يوسف عن ابن موسى قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قول الله تعالى {وَمَنْ كََانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كََانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (1) قال يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم [قال أبو جعفر] وهذا من أحسن ما روي في تفسير الآية لأن أموال الناس محظورة لا يطلق منها شيء الا بحجة قاطعة وقد تنازع العلماء معنى هذه الآية واحتملت غير تأويل فعدلنا إلى هذا لما قلنا وهو قول محكي معناه عن الشافعي وقد ذكرنا قول أهل الكوفة وأنهم يجعلونه على الفرض وأما مذهب أهل المدينة أو بعضهم فما ذكرناه من قول الحسن واحتج لهم محتج بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن البصري قال قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم إن في حجري يتيما أفأضربه قال مما تضرب منه ولدك قال أفأصيب من ماله قال غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري عن أبي الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال إني لا أجد شيئا وليس لي شيء وليتيمي مال قال كل منه غير مسرف ولا متأثل مالا قال واحسبه قال ولا تفد مالك بماله [قال أبو جعفر] والذين ذهبوا إلى هذا من أهل المدينة إنما يجيزون أخذ القوت وما لا يضر باليتيم والذي روي في ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو من أحاديث المشايخ وليس هو مما يقطع به في هذا واختلف العلماء أيضا في الآية الثالثة من هذه السورة فقال بعضهم هي منسوخة وقال بعضهم هي محكمة.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله عزّ وجلّ {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} (1) للعلماء فيها ثلاثة أقوال فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة واجبة ومنهم من قال هي محكمة على الندب والترغيب والحض فممن روي عنه أنه قال هي منسوخة ابن عباس وسعيد بن المسيب كما قرأ عليّ
محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا سلمة بن الفضل قال أنبأنا
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 8(1/91)
اسماعيل بن مسلّم عن حميد الاعرج عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} نسختها الميراث والوصية وممن قال إنها منسوخة أبو مالك وعكرمة والضحاك وممن قال أنها محكمة وتأويل قوله على الندب عبيدة وعروة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن والزهري والشعبي ويحيى بن يعمر وهو مروي عن ابن عباس [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ} قال أمر الله تعالى المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم ويتاماهم ومساكينهم من الوصية فإن لم يكن وصية وصل اليهم من الميراث [قال أبو جعفر] فهذا أحسن ما قيل في الآية أن تكون على الندب والترغيب في فعل الخير والشكر لله جل ثناؤه فأمر الله الذين فرض لهم الميراث إذا حضروا القسمة وحضر معهم من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أن يرزقوهم منه شكرا لله على ما فرض لهم وقد زعم بعض أهل النظر أنه لا يجوز أن يكون هاهنا نسخ لأن الذي يقول إنها منسوخة لا يخلو أمره من أحد وجهين إما أن يقول كانت قديما ثم نسخت وهذا محال لأن الندب إلى الخير لا ينسخ لأن نسخه لا يفعل الخير وهذا محال أو يقول كانت واجبة ثم نسخت وهذا أيضا لا يكون لأن قائله يقول إن كان اذا حضر أولوا القربى واليتامى والمساكين أعطوهم ولا تعطوا العصبة فنسخ ذلك بالفرض وهذا لم يعرف قط في جاهلية ولا إسلام وأيضا فالآية إذا ثبتت فلا يقال فيها منسوخة إلا أن ينفى حكمها على أنه قد روي عن ابن عباس رواه عن القاسم بن محمد انه قال هذا مخاطبة للموصي نفسه وكذا قال ابن زيد قيل للموصي أوص لذوي القربى واليتامى والمساكين واستدل على هذا بأن بعده وقولوا لهم قولا معروفا أي إن لم توصوا لهم فقولوا لهم خيرا وهذا القول اختيار محمد بن جرير
وأما القول الثالث وهو أن تكون محكمة واجبة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قال هي واجبة عند قسمة الميراث ما طابت به أنفسهم [قال أبو جعفر] فهذا مجاهد يقول بإيجابها بالإسناد الذي يدفع صحته وهذا خلاف ما روي عن ابن عباس غير أن هذا الإسناد أصح حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الحسن والزهري {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم عند أهل الميراث
وأكثر العلماء على هذا القول وقد بيّنا صحته والصحيح في الآية الرابعة والخامسة أنهما منسوختان.(1/92)
وأما القول الثالث وهو أن تكون محكمة واجبة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قال هي واجبة عند قسمة الميراث ما طابت به أنفسهم [قال أبو جعفر] فهذا مجاهد يقول بإيجابها بالإسناد الذي يدفع صحته وهذا خلاف ما روي عن ابن عباس غير أن هذا الإسناد أصح حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الحسن والزهري {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم عند أهل الميراث
وأكثر العلماء على هذا القول وقد بيّنا صحته والصحيح في الآية الرابعة والخامسة أنهما منسوختان.
باب ذكر الآية الرابعة والخامسة
قال الله تعالى {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللََّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا فَإِنْ تََابََا وَأَصْلَحََا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمََا} (1) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ} وفي قوله {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا} قال نسختهما الحدود [قال أبو جعفر] وفي الآيتين ثلاثة أقوال للعلماء الذين اتفقوا على نسختهما
فمنهم من قال كان حكم الزاني والزانية اذا زنيا وكانا ثيبين أو بكرين أن يحبس كل واحد منهما في بيت حتى يموت ثم نسخ هذا بالآية الاخرى وهي {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا} فصار حكمهما أن يؤذيا بالسب والتعيير ثم نسخ ذلك فصار حكم البكر من الرجال والنساء إذا زنا أن يجلد مائة جلدة وينفى عاما وحكم الثيب من الرجال والنساء أن يجلد مائة ويرجم حتى يموت وهذا القول مذهب عكرمة وهذا مروي عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت فهذا قول والقول الثاني أنه كان حكم الزاني والزانية الثيبين اذا زنيا أن يحبسا حتى يموتا وحكم البكرين يؤذيا وهذا قول قتادة وإليه كان يذهب محمد بن جابر واحتج بأن الآية الثانية {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ} فدل هذا أنه أراد الرجل والمرأة البكرين قال ولو كان لجميع الزناة لكان والذين كما أن الذي قبله {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ} قال ولأن العرب لا توعد اثنين الا أن يكونا شخصين مختلفين والقول الثالث أن يكون عز وجل قال {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} عاما لكل من زنت من ثيب أو بكر وأن يكون {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ} عاما لكل من زنى من الرجال ثيبا كان أو بكرا وهذا قول مجاهد وهو مروي عن ابن عباس وهو أصح الأقوال بحجج بينة سنذكرها فأما قول من قال إن الآية الثانية ناسخة للأولى وإن كان يحتمل ذلك فالحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم يدل على غير ذلك كما قرأ عليّ عليّ بن سعيد بن بشير عن عمرو بن رافع قال حدثنا هشيم قال حدثنا منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 15(1/93)
الصامت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» فتبين بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم قد جعل الله لهنّ سبيلا أن الآية لم تنسخ قبل هذا [قال أبو جعفر] وهذا الحديث أصل من أصول الفقه وان كان قد تؤول فيه شيء سنذكره في موضعه ومما يدل أيضا على ما قلنا أن أحمد بن محمد الأزدي حدثنا قال حدثنا أبو شريح محمد بن زكرياء وابن أبي مريم قالا حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا قيس بن الربيع قال حدثنا مسلّم عن مجاهد عن ابن عباس فى قوله تعالى {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (1) قال فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتى نزلت في سورة النور {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2) ونزلت سورة الحدود فكان من أرسل سواء جلد وأرسل (3) [قال أبو جعفر] ودل هذا على أن ابن عباس لم يكن يقول بنفي الزاني وأما القول الذي اختاره محمد بن جابر ففيه شيء وذلك أنه جعل واللذان يأتيانها منكم للرجل والمرأة وهذا إنما يجوز في العربية على مجاز ولا يحمل الشيء على المجاز ومعناه صحيح في الحقيقة والذي عارض به من قوله أن العرب لا تواعد اثنين الا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا وإن صح فهما شخصان مختلفان لأنه اذا كان واللذان للرجلين الثيبين والبكرين فهما مختلفان ومعارضته أنه لو كان هكذا لوجب أن يكون والذين لا يلزم لأن العرب تحمل اللفظ على المعنى كما قال جل ثناؤه {وَإِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمََا} (4) ومثل هذا كثير والقول الذي اخترناه قول ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله جل ثناؤه {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} فكانت المرأة اذا زنت تحبس في البيت حتى تموت ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فان كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [قال أبو جعفر] هذا نص هذا السبيل الذي جعل الله لهما قال وقوله تعالى {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا} قال كان الرجل اذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال فأنزل الله تعالى بعد هذا {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فان كانا
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 15
(2) سورة: النور، الآية: 2
(3) هكذا في الأصل وليحرر.
(4) سورة: الحجرات، الآية: 9(1/94)
محصنين رجما في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [قال أبو جعفر] هذا نص كلام ابن عباس فتبين أن قوله {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} عام لكل من زنا من النساء وان قوله تعالى {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ فَآذُوهُمََا} عام لكل من زنا من الرجال ونسخ الله الآيتين في كتابه وعلى لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحديث عبادة الذي ذكرناه فاستمر بعض العلماء على استعمال حديث عبادة أنه يجب على الزاني والزانية البكرين جلد مائة وتغريب عام وأنه يجب على الثيبين جلد مائة والرجم هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا اختلاف عنه في ذلك انه جلد سراحة مائة ورجمها بعد ذلك فقال جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال بهذا القول من الفقهاء الحسن بن صالح بن حي وهو قول الحسن بن الحسن واسحاق بن راهويه والحجة فيه قول الله تعالى {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فثبت الجلد بالقرآن والرجم بالسنة ومع هذا فقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» وقال جماعة من العلماء بل على الثيب الرجم بلا جلد وهذا يروى عن عمر رضي الله عنه وهو قول الزهري والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور ومنهم من احتج بأن الجلد منسوخ عن المحصن بالرجم ومنهم من قال آية الجلد مخصوصة ومنهم من قال حديث عبادة منسوخ منه الجلد الذي على الثيب واحتجوا بأحاديث سنذكرها منها ما فيها كفاية فمنها ما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى قال حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» وقرأ عليّ أحمد بن قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لماعز بن مالك: «أحقّ ما بلغني انك وقعت على جارية آل بني فلان» قال نعم فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم قالوا فليس في هذين الحديثين ذكر الجلد مع الرجم وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت بالزنا فارجمها» ولم يذكر الجلد فدل هذا على نسخه وقال المخالف لهم لا حجة لكم في هذه الأحاديث لأنه ليس في واحد منهما أنه لم يجلد وقد ثبت الجلد بكتاب الله عز وجل فليس يمتنع أن يسكت عنه لشهرته وقد تكلم العلماء منهم الشافعي في نظير هذا فقالوا قد يحفظ البعض ما لا يحفظ الكل وقد يروى بعض الحديث ويحفظ بعضه واختلفوا في موضع آخر من أحكام الزنا فقال قوم في البكر يجلد وينفى
وقال قوم يجلد ولا ينفى وقال قوم النفي الى الإمام على حسب ما يرى فممن قال يجلد وينفى الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو قول ابن عمر
وقول بعض الفقهاء عطاء وطاوس وسفيان الثوري ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد واسحاق وأبي ثور وقال بترك النفي حماد بن أبي سلمة وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن(1/95)
وقال قوم يجلد ولا ينفى وقال قوم النفي الى الإمام على حسب ما يرى فممن قال يجلد وينفى الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو قول ابن عمر
وقول بعض الفقهاء عطاء وطاوس وسفيان الثوري ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد واسحاق وأبي ثور وقال بترك النفي حماد بن أبي سلمة وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن
[قال أبو جعفر] وحجة من قال بالنفي الحديث المسند بدأ ثم كثرة من قال به وجلالتهم كما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن قتيبة قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل قالوا كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رجل فقال بالله ألا قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم كأنه أخبر أن على ابنه الرجم فافتدى منه بمائة شاة وخادم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما المائة الشاة والخادم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام فأغد يا أنيس على امرأة هذا فإذا اعترفت بالزنا فارجمها فغدا عليها فاعترفت بالزنا فرجمها» [قال أبو جعفر] فثبت التغريب بلفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمن ادعى نسخه فعليه أن يأتي بالتوقيف في ذلك فأما المعارضة بأن العبد لا ينفى بالزنا فغير لازمة وقد صح عن عبد الله بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا ونفاها ولو وجب أن لا تنف الأمة والعبد لما وجب ذلك في الأحرار وكأن هذا مخرّجا من الحديث وكذلك القول في النساء على أن المزني قد حكى ان الأولى بقول الشافعي أن تنفى الأمة نصف سنة بقول الله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مََا عَلَى الْمُحْصَنََاتِ مِنَ الْعَذََابِ} (1) وممن قال ان الأولى بقول الشافعي أن تنفى الأمة نصف سنة بقول الله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مََا عَلَى الْمُحْصَنََاتِ مِنَ الْعَذََابِ} عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلد وغرب وليس فيه كما ليس في حديث ابن عيينة وفي الآية السادسة موضعان قد أدخلا في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية السادسة
قال عزّ وجلّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} (2) لولا ما جاء فيه من النسخ لم يكن تحريم سوى ما في الآية وحرم الله على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من لم يذكر في الآية كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 25
(2) سورة: النساء، الآية: 24(1/96)
هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن إبراهيم بن الحسين قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها [قال أبو جعفر] ولهذا الحديث طرق غير هاتين اخترناهما لصحتهما واستقامة طريقهما حدثنا
أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبيد الله بن محمد المؤدب قال حدثنا عليّ بن معبد بن شداد العبدي قال حدثنا مروان بن شجاع عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يجمع بين العمة والخالة وبين الخالتين والعمتين [قال أبو جعفر] وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل العلم وتحيروا في معناه حتى حمله على ما يتعدى ولا يجوز قال معنى بين العمتين على المجاز أي بين العمة وبنت أخيها قيل لهما عمتان كما قيل سنة العمرين يعنون أبا بكر وعمر قال وبين الخالتين مثله على المجاز قال وفي الأول حذف أي بين العمة وبين بنت أخيها وهذا من التعسف الذي لا يكاد يسمع بمثله وفيه أيضا مع التعسف أنه يكون كلاما مكررا بغير فائدة وأيضا فلو كان كما قال وجب أن يكون وبين الخالة وليس كذا الحديث لأن الحديث نهى أن يجمع بين العمة والخالة فالواجب على لفظ الحديث أنه نهى أن يجمع بين امرأتين أحدهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى وهذا يخرج على معنى صحيح ويكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها تزوج الرجل البنت وتزوج الابن الأم فولد لكل واحد منهما ابنة من هاتين الزوجتين فابنة الأب عمة ابنة الابن وابنة الابن خالة ابنة الاب وأما الجمع بين الخالتين فهذا يوجب أن تكون امرأتان كل واحدة منهما خالة صاحبتها وذلك أن يكون رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما بنتا فابنة كل واحد منهما خالة صاحبتها وأما الجمع بين العمتين فيوجب أن لا يجمع بين امرأتين كل واحدة منهما عمة الأخرى وذلك أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الآخر أم الآخر فتولد لكل واحدة منهما ابنة فابنة كل واحدة منهما عمة الأخرى فهذا مما حرمه الله على لسان نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم مما ليس في القرآن وقد قال الله سبحانه وتعالى {وَاذْكُرْنَ مََا يُتْلى ََ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيََاتِ اللََّهِ وَالْحِكْمَةِ} (1) فقيل الحكمة السنة ثم قاس الفقهاء على هذا فقالوا كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز أن يتزوج الأخرى لا يجوز الجمع بينهما ثم حرم الله على لسان رسوله مما ليس في الآية ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن
__________
(1) سورة: الاحزاب، الآية: 34(1/97)
يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» [قال أبو جعفر] ولهذا الحديث طرق اخترنا هذا منها لأنه لا مطعن فيه وليس في القرآن إلا تحريم الأمهات والاخوات من الرضاعة فقط ثم اختلف العلماء في الرضاعة بعد الحولين فقال بعضهم لا رضاع بعد حولين ممن قال هذا أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا عائشة رضي الله عنها وهو أحد قولي مالك والقول الآخر عنه بعد الحولين بيسير نحو الشهر وقال أبو حنيفة بعد الحولين ستة أشهر وقال زفر بعد الحولين سنة وقالت طائفة أخرى الرضاع للصغير والكبير بمعنى واحد فممن صحح عنه هذا عائشة وأبو موسى الأشعري وقال به من الفقهاء الليث بن سعد وكان يفتي به قال عبد الله بن صالح سألته امرأة يزيد أتحج وليس لها ذو رحم محرم فقال امضي الى امرأة رجل فترضعك فيكون زوجها أباك فتحجي معه والحجة لهذا القول أنه قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن عيينة قال سمعناه من عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت سهلة ابنة سهيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت إني أرى في وجه أبي حذيفة علي اذا دخل علي سالم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأرضعيه» قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير قال: «ألست أعلم أنه رجل كبير» ثم جاءت بعد ثم قالت والله يا رسول الله ما أرى في وجه أبي حذيفة بعد شيئا أكرهه [قال أبو جعفر] واحتج من قال الرضاعة في الحولين لا غير بقول الله تعالى {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضََاعَةَ} (1) فعارضهم الآخرون فقالوا ليس في هذا دليل على نفي ما بعد الحولين واحتج الآخرون أيضا بأن الحديث المسند إنما فيه إزالة كراهية فعارضهم الآخرون فقالوا لم تزل عائشة تقول برضاع الكبير معروفا ذلك غير أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن كان يقول هذا الحديث مخصوص في سالم وحده وقال غيره هو منسوخ واستدل على ذلك بأن مسروقا روى عن عائشة كن عشر رضعات نزلت في الشيخ الكبير ثم نسخن وروى أيضا مسروق عن عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنما الرضاعة من المجاعة» قال أهل اللغة معنى هذا إنما الرضاعة للصبي الذي إذا جاع أشبعه اللبن ونفعه من الجوع فأما الكبير فلا رضاعة له قرأ علي أحمد بن شعيب عن قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن هشام ابن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «لا رضاع الا ما فتق الأمعاء في البداء وكان قبل الفطام» وأما قوله تعالى
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 233(1/98)
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) فقد اختلف العلماء في هذه بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقول الخلفاء الراشدين المهديين وتوقيف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله إنك رجل تائه وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد حرم المتعة ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه بروايته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحريم المتعة وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه ان شاء الله تعالى فقال قوم {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} هو النكاح بعينه وما أحل الله المتعة قط في كتابه فممن قال هذا من العلماء الحسن ومجاهد كما
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} قال النكاح وحدثنا
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الحسن {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} قال النكاح وكذا يروى عن ابن عباس [قال أبو جعفر] وسنذكره بإسناده وشرحه وقال جماعة من العلماء كانت المتعة حلالا ثم نسخ الله جل ثناؤه ذلك بالقرآن وممن قال هذا سعيد بن المسيب وهو يروي عن ابن عباس وعائشة وهو قول القاسم وسالم وعروة كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عليّ بن هشام عن عثمان عن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس في قوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} قال نسختها {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) يقول الطلاق للطهر الذي لم يجامعها فيه قرأ عليّ محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال نسخت المتعة آية الميراث يعني {وَلَكُمْ نِصْفُ مََا تَرَكَ أَزْوََاجُكُمْ} (3) [قال أبو جعفر] وذلك أن المتعة لا ميراث فيها فلهذا قال بالنسخ وإنما المتعة أن يقول لها أتزوجك يوما وما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بينهما ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك وهذا هو الزنا بعينه ولذلك قال عمر بن الخطاب لا أوتي برجل تزوج متعة الا غيبته تحت الحجارة قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال قال لي سالم بن
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 24
(2) سورة: الطلاق، الآية: 1
(3) سورة: النساء، الآية: 12(1/99)
عبد الله وهو يذاكرني يقولون بالمتعة هؤلاء فهل رأيت نكاحا لا طلاق فيه ولا عدة له ولا ميراث فيه وقال قال لي القاسم بن محمد بن أبي بكر كيف تجترئون على الفتيا بالمتعة وقد قال الله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى ََ وَرََاءَ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ العََادُونَ} (1) [قال أبو جعفر] وهذا قول بين لأنه إذا لم تكن تطلّق ولا تعتد ولا ترث فليست بزوجة وقال قوم من العلماء الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قرأ عليّ أحمد بن محمد الأزديّ عن إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس إنك رجل تائه يعني مائل إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المتعة [قال أبو جعفر] ولهذا الحديث طرق فاخترنا هذا لصحته ولجلالة جويرية من طريق أسماء ولأن ابن عباس لما خاطبه عليّ رضي الله عنه بهذا لم يحاججه فصار تحريم المتعة إجماعا لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس وقال قوم نسخت المتعة بالقرآن والسنة جميعا وهذا قول أبي عبيد وقد روى الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرم المتعة يوم الفتح وقد صح من الكتاب والسنة التحريم ولم يصح التحليل من الكتاب بما ذكرنا من قول من قال ان الاستمتاع النكاح على أن الربيع بن سبرة قد روى عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لهم:
«استمتعوا من هذه النساء قال والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج» حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. قال وقوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} يقول إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله والاستمتاع النكاح قال وهو قوله عز وجل {وَآتُوا النِّسََاءَ صَدُقََاتِهِنَّ نِحْلَةً} (2) فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان والتقدير في العربية فما استمتعتم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك فاعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه أو تهب منه وقيل التقدير فما استمتعتم به منهنّ وما بمعنى من وقيل فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف إن لم يدخل بها
فأما {وَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا تَرََاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (3) فتأوله قوم من الجهال
__________
(1) سورة: المعارج، الآيات: (3129)
(2) سورة: النساء، الآية: 4
(3) سورة: النساء، الآية: 24(1/100)
المجترئين على كتاب الله أن المتمتع إن أراد الزيادة بغير استبراء ورضيت بذلك زادته وزادها وهذا الكذب على الله [قال أبو جعفر] ومن أصح ما قيل فيه أن لا جناح على الزوج والمرأة أن يتراضيا بعد ما انقطع منهما الصداق أن تهبه له أو تنقصه منه أو يزيدها فيه واختلف العلماء في الآية السابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هي محكمة غير ناسخة ولا منسوخة.
باب ذكر الآية السابعة
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) فمن أصح ما روي في هذه الآية إسنادا وأجله قائلا ما حدثناه أحمد بن شعيب قال أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا أبو اسامة قال حدثني ادريس بن يزيد قال حدثنا طلحة عن مطرّف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فإنه كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرثون الأنصار دون رحم للأخوة التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهم حتى نزلت الآية {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ مِمََّا تَرَكَ} (1) قال نسختها {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال من النصر والنصح والرفادة ويوصي له وهو لا يرث قال أبو عبد الرحمن إسناده صحيح [قال أبو جعفر] فحمل هذا الحديث وأدخل في المسند على ان الآية ناسخة وليس الأمر عندي كذلك والذي يجب أن يحمل عليه الحديث أن يكون {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ} ناسخا لما كانوا يفعلونه وأن يكون {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ} غير ناسخ ولا منسوخ ولكن فسره ابن عباس وسنبين العلة في ذلك عند آخر هذا الباب ولكن ممن قال إن الآية منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا الوليد قال حدثنا مروان بن أبي الهذيل انه سمع الزهري يقول أخبرني سعيد في قول الله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ} قال الحلفاء في الجاهلية والذين كانوا يتبنون فكانوا يتوارثون على ذلك حتى نزلت {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فنزع الله ميراثهم وأثبت لهم الوصية
وقال الشعبي كانوا يتوارثون حتى أزيل ذلك وممن قال انها منسوخة الحسن وقتادة كما قرأ عليّ عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن أشعب عن
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 33(1/101)
الحسن {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما اذا مات أحدهما ورثه الآخر فنسختها آية المواريث وقال قتادة كان يقول ترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك فنسختها {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ} (1) وقال الضحاك كانوا يتحالفون فيتعاقدون على النصرة والوراثة فإذا مات أحدهم قبل صاحبه كان له مثل نصيب أبيه فنسخ ذلك بالمواريث ومثل هذا أيضا مروي عن ابن عباس مشروحا كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات قبل صاحبه ورثه الآخر فأنزل الله {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهََاجِرِينَ إِلََّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى ََ أَوْلِيََائِكُمْ مَعْرُوفاً} (2) قال هو أن يوصي له بوصية فهي جائزة من ثلث مال الميت فذلك المعروف وممن قال إنما محكمة مجاهد وسعيد بن جبير كما قرأ عليّ إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال من العقل والمشورة والرفد وقال سعيد بن جبير فآتوهم نصيبهم من العون والنصرة [قال أبو جعفر] وهذا أولى مما قيل في الآية إنها محكمة لعلتين إحداهما أنه إنما يجعل النسخ على ما لا يصح المعنى إلا به وما كان منافيا فأما ما صح معناه وهو متلو فبعيد من الناسخ والمنسوخ والعلة الأخرى الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحيح الإسناد كما حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال حدثنا إسحاق الأزرق عن زكرياء بن أبي زائدة عن سعيد بن إبراهيم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده الا شدة» فبين بهذا الحديث أن الحلف غير منسوخ وبين الحديث الأول وقول مجاهد وسعيد بن جبير أنه في النصر والنصيحة والعون والرفد ويكون ما في الحديث الأول من قول ابن عباس نسختها يعني {وَلِكُلٍّ جَعَلْنََا مَوََالِيَ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ} (3) لان الناس كانوا يتوارثون في الجاهلية بالتبني وتوارثوا في الإسلام بالإخاء ثم نسخ هذا كله فرائض الله بالمواريث.
__________
(1) سورة: الاحزاب، الآية: 6
(2) سورة: النساء، الآية: 33
(3) سورة: النساء، الآية: 33(1/102)
باب ذكر الآية الثامنة
قال الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ حَتََّى تَعْلَمُوا مََا تَقُولُونَ} (1) أكثر العلماء على أنها منسوخة غير أنهم يختلفون في الناسخ لها فمن ذلك ما قرأ عليّ أحمد بن شعيب عن إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا داود قال حدثنا علي بن نديمة عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله تعالى {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} قال نسختها {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} الآية [قال أبو جعفر] فيكون على هذا قد نسخت الآية على الحقيقة يكونون أمروا بأن لا يصلوا إذا سكروا ثم أمروا بالصلاة على كل حال فإن كانوا لا يعقلون ما يقرءون وما يفعلون فعليهم الإعادة وإن كانوا يفعلون ذلك فعليهم أن يصلوا وهذا قبل التحريم فأما بعد التحريم فينبغي أن لا يفعلوا ذلك أعني من الشرب فان فعلوا فقد أساءوا والحكم في الصلاة واحد إلا الزيادة في المضمضة من المسكر لأنه لما حرم صار نجسا فهذا قول وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} قال في المساجد وتقدير هذا في العربية لا تقربوا موضع الصلاة مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} قال تجتنبون السكر عند حضور الصلاة ثم نسخت في تحريم الخمر وقال مجاهد نسخت بتحريم الخمر وممن قال انها غير منسوخة الضحاك قال {وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} من النوم والقول الأول أولى لتواتر الآثار بصحته كما قرأ عليّ إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه قال دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت الصلاة فتقدم عبد الرحمن بن عوف فصلّى بنا المغرب فقرأ {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} (2) فلبس عليه فنزلت {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ حَتََّى تَعْلَمُوا مََا تَقُولُونَ} [قال أبو جعفر] فهذا ليس من النوم في شيء مع التوقيف في نزول الآية وقد عارض معارض فقال كيف يتعبد السكران بأن لا تقرب الصلاة في تلك الحال وهو لا يفهم وهذا لا يلزم وفيه جوابان أحدهما أنه تعبد أن
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 43
(2) سورة: الكافرون، الآية: 1(1/103)
لا يسكر عند حضور الصلاة والجواب الآخر وهو أصحهما أن السكران هاهنا هو الذي لم يزل فهمه وإنما خدر جسمه من الشرب وفهمه قائم ثم هو مأمور منهي فأما من لم يفهم فقد خرج الى الخبل وحال الى المجانين وهذا لم يزل مكروها في الجاهلية ثم زاده الإسلام توكيدا كما روي عن عثمان أنه قال ما سكرت في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيل له فالإسلام حجزك فما بال الجاهلية قال كرهت أن أكون لعنة لأهلي فيكون المنسوخ من الآية التحريم في أوقات الصلاة وغيرها والبين في الآية التاسعة أنها منسوخة.
باب ذكر الآية التاسعة
قال الله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقََاتِلُوكُمْ أَوْ يُقََاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقََاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقََاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمََا جَعَلَ اللََّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (1) أهل التأويل على ان هذه الآية منسوخة بالأمر بالقتال [قال أبو جعفر] كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} قال ثم نسخ بعد ذلك فنبذ إلى كل ذي عهد عهده ثم أمر الله تعالى أن يقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله فقال {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2) قال وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقََاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} قال نسختها براءة {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [قال أبو جعفر] هذا قول مجاهد وقال زيد نسختها الجهاد وزعم بعض أهل اللغة أن معنى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} أي ينتمون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق أي ينتسبون اليهم كما قال الاعشى:
إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل ... وبكر سبتها والأنوف رواغم
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 90
(2) سورة: التوبة، الآية: 5(1/104)
[قال أبو جعفر] وهذا غلط عظيم لأنه يذهب الى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب والمشركين قد كان بينهم وبين السابقين الأولين أنساب وأشد من هذا الجهل الاحتجاج بأن ذلك كان نسخ لأن أهل التأويل مجمعون أن الناسخ له براءة وإنما نزلت براءة بعد الفتح بعد أن انقطعت الحروب وإنما يؤتى هذا من الجهل بقول أهل التفسير والاجتراء على كتاب الله تعالى وحمله على المعقول من غير علم بأقاويل المتقدمين والتقدير على قول أهل التأويل {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلََا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلََا نَصِيراً إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} (1) أولئك خزاعة صالحهم النبي صلّى الله عليه وسلّم على أنهم لا يقاتلون وأعطاهم الزمام والأمان ومن وصل إليهم فدخل في الصلح معهم كان حكمه كحكمهم أو جاءوكم حصرت صدورهم أي وإلّا الّذين جاؤكم حصرت صدورهم وهم بنو مدلج وبنو خزيمة ضاقت صدورهم أن يقاتلوا المسلمين أو يقاتلوا قومهم بني مدلج وحصرت خبر بعد خبر وقيل حذفت منه قد فأما أن يكون دعاء فمخالف لقول أهل التأويل لأنه قد أمر أن لا يقاتلوا فكيف يدعي عليهم وقيل المعنى أو يصلون الى قوم جاءوكم حصرت صدورهم ثم قال الله تعالى {وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقََاتَلُوكُمْ} أي لسلط هؤلاء الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين جاءوكم حصرت صدورهم أي فاشكروا نعمة الله عليكم فاقبلوا أمره ولا تقاتلوهم {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقََاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}
أي الصلح {فَمََا جَعَلَ اللََّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} أي طريقا الى قتلهم وسبي ذراريهم ثم نسخ هذا كله كما قال أهل التأويل فنبذ إلى كل ذي عهد عهده فقيل لهم {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (2) ثم ليس بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل لغير أهل الكتاب واختلف العلماء في الآية العاشرة فقالوا فيها خمسة أقوال.
باب ذكر الآية العاشرة
قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا وَغَضِبَ اللََّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذََاباً عَظِيماً} (3) فمن العلماء من قال لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا
وبعض من قال هذا قال الآية التي في الفرقان منسوخة بالآية التي في النساء فهذا قول
__________
(1) سورة: النساء، الآيتان: (9089)
(2) سورة: التوبة، الآية: 2
(3) سورة: النساء، الآية: 93(1/105)
ومن العلماء من قال له توبة لأن هذا مما لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ووعيد ومن العلماء من قال الله متول عقابه تاب أو لم يتب إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وإن شاء أدخله النار وأخرجه منها ومن العلماء من قال المعنى فجزاؤه جهنم إن جازاه ومن العلماء من قال التقدير ومن يقتل مؤمنا متعمدا استحلالا له فهذا جزاؤه لأنه كافر [قال أبو جعفر] فهذه خمسة أقوال فالقول الأول لا توبة للقاتل مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس كما قرأ عليّ أحمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد قال أخبرني خالد وهو ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن جهم بن أبي الجهم أن أبا الزناد أخبره أن خارجة بن زيد أخبره عن أبيه زيد بن ثابت قال لما نزلت الآية التي في الفرقان {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ وَلََا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ وَلََا يَزْنُونَ} (1) عجبنا للينها فنزلت الآية التي في النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا وَغَضِبَ اللََّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} (2) حتى فرغ وقرئ على أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب عن عمرو بن عليّ قال حدثنا يحيى قال أنبأنا ابن جريج قال أخبرني القاسم بن أبي برة عن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال لا وقرأت عليه التي في الفرقان قال {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} قال هذه الآية مكية نسختها آية مدينة {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا} (1) الآية قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد أن ابن عباس سئل عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى فقال وأنى له بالتوبة وقد سمعت نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «يجيء المقتول متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما يقول أي رب سل هذا فيم قتلني» ثم قال ابن عباس والله لقد أنزلها الله ثم ما نسخها قال أبو عبد الرحمن وأخبرني يحيى بن حكم قال حدثنا ابن أبي عدي قال حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلّم» قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا أحمد بن فضالة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه أراد أن يقتل صاحبه» [قال أبو جعفر] فهذه الأحاديث
__________
(1) سورة: الفرقان، الآية: 68
(2) سورة: النساء، الآية: 93(1/106)
صحاح يحتج بها أصحاب هذا القول مع ما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «سباب المسلّم فسوق وقتاله كفر» وعنه صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ومن أعان على قتل مسلّم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه يئس من رحمة الله تعالى» [قال أبو جعفر] والقول الثاني أن له توبة قول جماعة من العلماء منهم عبد الله بن عمر وهو أيضا مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس كما قرأ علي بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بحت المكي عن نافع أو سالم أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في رجل قتل رجلا عمدا؟ قال أنت قتلته قال نعم قال تب إلى الله عز وجل يتب عليك وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن سعيد بن عبادة قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال لا إلا النار فلما ذهب قال له جلساؤه هكذا كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة قال اني لأحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا قال فبعثوا خلفه في أثره فوجدوه كذلك [قال أبو جعفر] وأصحاب هذا القول حجتهم ظاهرة منها قول الله تعالى {وَإِنِّي لَغَفََّارٌ لِمَنْ تََابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ََ} (1) {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ} (2) وقد بينا في أول هذا الباب أن الأخبار لا يقع فيها نسخ وقد اختلف عن ابن عباس فروي عنه قال نزلت في أهل الشرك يعني التي في الفرقان وعنه نسختها التي في النساء فقال بعض العلماء معنى نسختها نزلت بنسختها [قال أبو جعفر] وليس يخلو أن تكون الآية التي في النساء نزلت بعد التي في الفرقان كما روي عن زيد وابن عباس على أنه قد روي عن زيد أن التي نزلت في الفرقان نزلت بعدها أو يكونا نزلتا معا وليس ثم قسم رابع فإن كانت التي في النساء نزلت بعد التي في الفرقان فهي مثبتة عليها كما أن قوله تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللََّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} مبني على {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (3) وإن كانت التي في الفرقان نزلت بعد التي في النساء فهي مثبتة لها وإن كانتا أنزلتا معا فإحداهما محمولة على الأخرى وهذا باب من النظر اذا تدبرته علمت أنه لا مدفع له مع ما يقوي ذلك من المحكم الذي لا تنازع فيه وهو قوله عز
__________
(1) سورة: طه، الآية: 82
(2) سورة: التوبة، الآية: 104
(3) سورة: الأنفال، الآية: 38(1/107)
وجل {وَإِنِّي لَغَفََّارٌ لِمَنْ تََابَ} وأما القول الثالث أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب فعليه أبو حنيفة وأصحابه والشافعي أيضا يقول في كثير من هذا إلا أن يعفو عنه أو معنى هذا فأما القول الرابع وهو قول أبي مجاشع أن المعنى ان جازاه والغلط فيه بين وقد قال الله تعالى {ذََلِكَ جَزََاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمََا كَفَرُوا} (1) ولم يقل أحد معناه إن جازاهم وهو خطأ في العربية لأن بعده وغضب الله عليه وهو محمول على معنى جزاه وأما القول الخامس ان من يقتل مؤمنا متعمدا مستحلا لقتله فغلط لأن من عم لا يخص إلا بتوقيف أو دليل قاطع وهذا القول يقال إنه قول عكرمة لأنه ذكر أن الآية نزلت في رجل قتل رجلا متعمدا ثم ارتد [قال أبو جعفر] فهذه عشر آيات قد ذكرناها في سورة النساء ورأيت بعض المتأخرين قد ذكر أنه سوى هذه العشر وهي قوله تعالى {وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (2) [قال أبو جعفر] وإنما لم أفرد لها بابا لأنه لم يصح عندي أنها ناسخة ولا منسوخة ولا ذكرها أحد من المتقدمين بشيء من ذلك فيذكر وليس يخلو أمرها من إحدى ثلاث جهات ليس في واحدة منهن نسخ وذلك أن الذي قال هي منسوخة يحتج بأن الله عز وجل قال {وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال فكان في هذا منع من قصر الصلاة إلا في الخوف ثم صح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قصر في غير الخوف آمن ما كان في السفر فجعل فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ناسخا للآية وهذا غلط بين لأنه ليس في الآية منع في القصر للأمن وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط والجهات التي فيها عن العلماء المتقدمين منهن أن يكون معنى أن تقصروا من الصلاة أن تقصروا من حدودها في حال الخوف وذلك ترك اقامة ركوعها وسجودها وأداءها كيف أمكن مستقبل القبلة ومستدبرها وماشيا وراكبا في حال الخوف كما قال جل ثناؤه {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجََالًا أَوْ رُكْبََاناً} (3) وهكذا يروى عن ابن عباس فهذا قول وهو اختيار محمد بن جرير واستدل على صحته بأن بعده {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} (4) وإقامتها اتمام ركوعها وسجودها وسائر فرائضها وترك إقامتها في غير الطمأنينة وهو ترك إقامة هذه الأشياء ومن الجهات في
__________
(1) سورة: الكهف، الآية: 106
(2) سورة: النساء، الآية: 101
(3) سورة: البقرة، الآية: 239
(4) سورة: النساء، الآية: 103(1/108)
تأويل الآية أن جماعة من الصحابة والتابعين قالوا قصر صلاة الخوف أن يصلي ركعة واحدة لأن صلاة المسافر ركعتان ليست بقصر لأن فرضها ركعتان وممن صح عنه فرضت الصلاة ركعتين ثم أتمت صلاة المقيم وأقرت صلاة المسافر بحالها عائشة رضي الله عنها وممن قال صلاة الخوف ركعة حذيفة وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وهو قول ابن عباس كما قرأ عليّ محمد بن جعفر بن حفص عن خلف بن هشام المقري قال حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم:
«للمقيم أربعا وللمسافر ركعتين وفي الخوف ركعة» [قال أبو جعفر] وفي الآية قول ثالث عليه أكثر الفقهاء وذلك أن تكون صلاة الخوف ركعتين مقصورة من أربع في كتاب الله عز وجل وصلاة السفر في الأمر ركعتان مقصورة في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا بالقرآن ولا بنسخ القرآن ويدلك على ذلك ما قرأ عليّ يحيى بن أيوب قال أخبرني ابن جريج أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار حدثه عن عبد الله بن نابتة عن يعلى بن أمية أنه قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت أرأيت قول الله عز وجل {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) فقد زال الخوف فما بال القصر فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوها [قال أبو جعفر] فلم يقل صلّى الله عليه وسلّم قد نسخ ذلك وإنما نسبه الى الرخصة فصح قول من قال قصر صلاة السفر بالسنة وقصر صلاة الخوف بالقرآن ولا يقال منسوخ لما ثبت في التنزيل وصح في التأويل إلا بتوقيف أو بدليل قاطع.
__________
(1) سورة: النساء، الآية: 101(1/109)
سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم اختلف العلماء في هذه السورة فمنهم من قال لم ينسخ منها شيء ومنهم من احتج أنها آخر سورة نزلت فلا يجوز أن يكون فيها ناسخ [قال أبو جعفر] كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا التوّزي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال لم ينسخ من المائدة شيء وقرأ عليّ إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن الوليد بن شجاع قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت هل تقرأ سورة المائدة قلت نعم قالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حلالا فاستحلوه وما وجدتم فيها حراما فحرموه [قال أبو جعفر] ومما يحتج به في هذا حديث عمر رضي الله عنه حين قرأ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) فقال بعض اليهود لو نزلت علينا هذه في يوم لاتخذناه عيدا فقال عمر كان في اليوم الذي أنزلت فيه عيدان نزلت يوم الجمعة يوم عرفات يعني في حجة الوداع [قال أبو جعفر] وأما البراء فإنه في آخر سورة نزلت براءة وآخر سورة نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلََالَةِ} (2) وهذا ليس بمتناقض لأنهما جميعا من آخر ما نزل ولو لم يكن في المائدة منسوخ لاحتجنا الى ذكرها لأن فيها ناسخا وهذا الكتاب يشتمل على الناسخ والمنسوخ على أن كثيرا من العلماء قد ذكروا فيها آيات منسوخة وقال بعضهم فيها آية واحدة منسوخة كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني التوّزي عن مان (3) عن الشعبي قال ليس في المائدة منسوخ الا في قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} (4) الآية [قال أبو جعفر] وهذه الأولى مما نذكره منها.
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 3
(2) سورة: النساء، الآية: 176
(3) هكذا بالأصل ولم أقف على هذا الإسم فليحرر.
(4) سورة: المائدة، الآية: 2(1/110)
باب ذكر الآية الأولى من هذه السورة
قال الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (1) ذهب جماعة من العلماء الى أن هذه الأحكام الخمسة منسوخة وذهب بعضهم الى أن فيها منسوخا وذهب بعضهم الى أنها محكمة فممن ذهب إلى أنها منسوخة قتادة وروي ذلك عن ابن عباس حدثناه
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} قال منسوخ كان الرجل في الجاهلية اذا خرج يريد الحج تقلد من السّمر فلا يعرض له أحد واذا تقلد قلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصدّ عن البيت الحرام فأمر الله أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ثم نسختها قوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2) [قال أبو جعفر] وحدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} فكان المؤمنون والمشركون يحجون الى البيت جميعا فنهى أن يمنع أحد من الحج إلى البيت من مؤمن وكافر ثم أنزل الله بعد هذا {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} (3) وقال جل ذكره {إِنَّمََا يَعْمُرُ مَسََاجِدَ اللََّهِ} (4) فنفي المشركون من المسجد الحرام وبهذا الإسناد {لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} كان المشركون يعظمون أمر الحج ويهدون الهدايا إلى البيت ويعظمون حرمته فأراد المسلمون أن يغيروا ذلك فأنزل الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} فهذا على تأويل النسخ في الأحكام الخمسة بإباحة قتال المشركين على كل حال ومنعهم من المسجد الحرام فأما مجاهد فقال لم ينسخ منها إلا القلائد كان الرجل يتقلد بشيء من لحا الحرم فلا يقرب فنسخ ذلك [قال أبو جعفر] وهذا على مذهب أبي ميسرة إنها محكمة وأما عطاء فقال {لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} أي لا تتعرضوا لما يسخطه وابتغوا طاعته واجتنبوا
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 2
(2) سورة: التوبة، الآية: 5
(3) سورة: التوبة، الآية: 28
(4) سورة: التوبة، الآية: 18(1/111)
معاصيه فهذا لا نسخ فيه وهو قول حسن لأن واحدة الشعائر شعرة من شعرت به أي علمت به فيكون المعنى لا تحلوا معالم الله وهي أمره ونهيه وما أعلمه الناس فلا تخالفوه وقد روي عن ابن عباس الهدي ما لم يقلد وقد عزم صاحبه على أن يهديه والقلائد ما قلد فأما الربيع بن أنس فتأول معنى ولا القلائد انه لا يحل لهم أن يأخذوا من شجر الحرم فيتقلدوه وهذا قول شاذ بعيد وقول أهل التأويل إنهم نهوا أن يحلوا ما قلد فيأخذوه ويغصبوه
فمن قال هذا منسوخ فحجته بينة إن المشرك حلال الدم وان تقلد من شجر الحرم وهذا بين جيد وفي هذه الآية مما ذكر أنه منسوخ قوله عز وجل {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (1) قال عبد الرحمن بن زيد هذا كله منسوخ نسخه الجهاد [قال أبو جعفر] ذهب ابن زيد إلى أنه لما جاز قتالهم لأنهم كفار جاز أن يعتدى عليهم ويبدءوا بالقتال وأما غيره من أهل التأويل فذهب الى أنها ليست بمنسوخة
فممن قال ذلك مجاهد واحتج بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله من قتل بذحل في الجاهلية فأهل التأويل وأكثرهم متفقون على أن المعنى ولا يحملنكم إبغاض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام يوم الحديبية على أن تعتدوا لأن سورة المائدة نزلت بعد يوم الحديبية فالبين على هذا أن تقرأ أن صدوكم بفتح الهمزة لأنه شيء قد تقدم واختلف العلماء في الآية الثانية.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعََامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (2) فقالوا فيها ثلاثة أقوال فمنهم من قال أحل لنا طعام أهل الكتاب وإن ذكروا عليه غير اسم الله فكان هذا ناسخا لقوله تعالى {لََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} {وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} (3) وقال قوم ليس هذا نسخا ولكنه مستثنى من ذلك وقال آخرون ليس بنسخ ولا استثناء ولكن اذا ذكر أهل الكتاب غير اسم الله لم تؤكل ذبيحتهم فالقول الأول عن جماعة من العلماء كما قال عطاء كل ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح لأن
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 2
(2) سورة: المائدة، الآية: 5
(3) سورة: الأنعام، الآية: 121(1/112)
الله قد أحل ذبائحهم وقد علم ما يقولون وقال القاسم بن محيمرة كل من ذبيحته وإن قال باسم جرجس وهو قول ربيعة ويروى ذلك عن صحابيين أبي الدرداء وعبادة بن الصامت
وأصحاب القول الثاني يقولون هو استثناء وحلال أكله وأصحاب القول الثالث يقولون إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل وقال بهذا من الصحابة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعائشة وابن عمر وهو قول طاوس والحسن وقال مالك بن أنس أكره ذلك ولم يحرمه واختلفوا أيضا في ذبائح نصارى بني تغلب وأكثر العلماء يقولون هم بمنزلة النصارى تؤكل ذبائحهم وتتزوج المحصنات من نسائهم وممن قال هذا ابن عباس بلا اختلاف عنه وقال آخرون لا تؤكل ذبائحهم ولا يتزوج فيهم لأنهم عرب وإنما دخلوا في النصرانية فممن روي عنه هذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص بن غياث قال حدثنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال ما علمت أحدا من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم حرم ذبائح بني تغلب الا علي بن أبي طالب رضي الله عنه [قال أبو جعفر] وهذا قول الشافعي وعارض محمد بن جرير بأن الحديث المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصحيح أنه قال لا تأكلوا ذبائح بني تغلب ولا تتزوجوا فيهم فإنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر قال فدل هذا على أنهم لو كانوا على ملة النصارى في كل أمورهم لأكلت ذبائحهم وتزوج فيهم قال وقد قامت الحجة على أكل ذبائح النصارى والتزوج فيهم وهم من النصارى وقد احتج ابن عباس في ذلك فقال قال الله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (1) فلو لم يكن بنو تغلب من النصارى إلا بتوليهم إياهم لأكلت ذبائحهم فأما المجوس فالعلماء مجمعون إلا من شذ منهم ان ذبائحهم لا تؤكل ولا يتزوج فيهم لأنهم ليسوا أهل كتاب وقد بين ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتابه إلى كسرى فلم يخاطبهم بأنهم أهل كتاب وخاطب قيصر بغير ذلك فقال {يََا أَهْلَ الْكِتََابِ تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمْ} (2) الآية وقد عارض معارض بالحديث المروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في المجوس سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول أنزلوهم منزلة أهل الكتاب [قال أبو جعفر] وهذا الحديث لا حجة فيه من جهات إحداها أنه قد غلط في متنه وأن إسناده غير متصل ولا تقوم به حجة وهذا الحديث حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أدري كيف أصنع في أمر المجوس
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 51
(2) سورة: آل عمران، الآية: 64(1/113)
فشهد عنده عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب [قال أبو جعفر] والإسناد منقطع لأن محمد بن علي لم يولد في وقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما المتن فيقال أنه على غير هذا كما حدثنا محمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن بشر الكوفي قال سمعت سفيان بن عيينة يقول عمرو بن دينار سمع بجالة يقول ان عمر لم يكن أخذ من المجوس الجزية حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر فهذا إسناده متصل صحيح ولو صح الحديث الأول ما كان دليلا على أكل ذبائح المجوس ولا تزويج نسائهم لأن قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب يدل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب وأيضا فإنما نقل الحديث على أنه في الجزية خاصة وأيضا فسنوا بهم ليس من الذبائح في شيء لأنه لم يقل استنوا أنتم في أمرهم بشيء فأما الاحتجاج بأن حذيفة تزوج مجوسية فغلط والصحيح أنه تزوج يهودية وفي هذه الآية {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فقد ذكرناه في قوله {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} (1) وقول من قال إن هذه ناسخة لتلك واختلفوا في الآية فقال فيها سبعة أقوال.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} (2) الآية فيها سبعة أقوال فمن العلماء من قال هي ناسخة لقوله تعالى {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} (3) ومنهم من قال هي ناسخة لما كانوا عليه لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان اذا أحدث لم يكلم أحدا حتى يتوضأ وضوءه للصلاة فنسخ هذا وأمر بالطهارة عند القيام إلى الصلاة ومنهم من قال إنها منسوخة لأنه لو لم تنسخ لوجب على كل قائم إلى الصلاة الطهارة وإن كان متطهرا والناسخ لها فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وسنذكره بإسناده فمن العلماء من قال يجب على كل من قام الى الصلاة أن يتوضأ للصلاة بظاهر الآية وإن كان طاهرا هذا قول عكرمة وابن سيرين واحتج عكرمة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حدثنا أحمد بن
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 221
(2) سورة: المائدة، الآية: 6
(3) سورة: النساء، الآية: 43(1/114)
محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر وعبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي بن أبي طالب يتوضأ لكل صلاة ويتلو {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية ومن العلماء من يقول ينبغي لكل من قام إلى الصلاة أن يتوضأ لها طلبا للفضل وحمل الآية على الندب
ومنهم من قال الآية مخصوصة لكل من قام من النوم والقول السابع ان الآية يراد بها من لم يكن على طهارة فهذه سبعة أقوال فأما القول الاول انها ناسخة لقوله تعالى {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} فقد ذكرناه بإسناده في سورة النساء ولا يتبين في هذا نسخ يكون التقدير إذا قمتم الى الصلاة غير سكارى والقول الثاني يحتج من قاله بحديث علقمة بن القعوي عن أبيه أنه قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا بال لم يكلم أحدا حتى يتوضأ للصلاة حتى نزلت آية الرخصة {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} وقرأ عليّ أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن معاذ قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر ابي ساسان عن المهاجر بن قنفذ أنه سلّم على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ فلما توضأ رد عليه وهذا أيضا لا يتبين فيه نسخ لأنه مباح فعله ومن قال الآية منسوخة بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتج بما حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا سفيان عن علقمة بن منذر عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقد فعلت شيئا ما كنت تفعله فقال عمدا فعلته ومن منع نسخ القرآن بالسنة قال هذا تبيين وليس بنسخ ومن قال على كل قائم إلى الصلاة أن يتوضأ لها احتج بظاهر الآية وبما روي عن علي بن أبي طالب ومن قال هي على الندب احتج بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وان علي بن أبي طالب لم يقل هذا واجب فيتأول أنه يفعل هذا إرادة الفضل والدليل على هذا أنه قد صح عن علي بن أبي طالب أنه توضأ وضوءا خفيفا ثم قال هذا وضوء من لم يحدث وكذا عن ابن عمر أيضا ويحتج بحديث غطيف عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال من توضأ على طهارة كتب له عشر حسنات وأما من قال المعنى إذا قمتم من النوم فيحتج بأن في القرآن الوضوء على النائم وهذا قول أهل المدينة كما حدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن زيد بن أسلّم أن تفسير هذه الآية {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} الآية ان ذلك إذا قام من المضجع يعني النوم والقول السابع قول الشافعي قال لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم الى الصلاة الطهارة فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات بوضوء واحد بينها ومعنى هذا على هذا القول
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} وقد أحدثتم {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) وقد زعم قوم أن هذا ناسخ للمسح على الخفين وسنبين ما في ذلك وأنه ليس بناسخ له إن شاء الله تعالى وقال قوم في قراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض أنه منسوخ بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوله لأن الجماعة الذين تقوم بهم الحجة رووا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غسل قدميه وفي ألفاظه صلّى الله عليه وسلّم إذا غسل قدميه خرجت الخطايا من قدميه ولم يقل أحد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال فاذا مسح قدميه وصح عنه ويل للعراقيب من النار وويل للأعقاب من النار وأنه أمر بتخليل الأصابع فلو كان المسح جائزا ما كان لهذا معنى وقال قوم قد صح الغسل بنص كتاب الله تعالى في القراءة بالنص وبفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله ومن ادعى أن المسح جائز فقد تعلق بشذوذ وقال قوم الغسل والمسح جميعا واجبان بكتاب الله تعالى لأن القراءة بالنصب والخفض مستفيضة وقد قرأ بهما الجماعة فممن قال أن مسح الرجلين منسوخ الشعبي كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أنبأنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا يعقوب بن إسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي(1/115)
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن زيد بن أسلّم أن تفسير هذه الآية {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} الآية ان ذلك إذا قام من المضجع يعني النوم والقول السابع قول الشافعي قال لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم الى الصلاة الطهارة فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات بوضوء واحد بينها ومعنى هذا على هذا القول
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} وقد أحدثتم {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) وقد زعم قوم أن هذا ناسخ للمسح على الخفين وسنبين ما في ذلك وأنه ليس بناسخ له إن شاء الله تعالى وقال قوم في قراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض أنه منسوخ بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوله لأن الجماعة الذين تقوم بهم الحجة رووا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غسل قدميه وفي ألفاظه صلّى الله عليه وسلّم إذا غسل قدميه خرجت الخطايا من قدميه ولم يقل أحد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال فاذا مسح قدميه وصح عنه ويل للعراقيب من النار وويل للأعقاب من النار وأنه أمر بتخليل الأصابع فلو كان المسح جائزا ما كان لهذا معنى وقال قوم قد صح الغسل بنص كتاب الله تعالى في القراءة بالنص وبفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله ومن ادعى أن المسح جائز فقد تعلق بشذوذ وقال قوم الغسل والمسح جميعا واجبان بكتاب الله تعالى لأن القراءة بالنصب والخفض مستفيضة وقد قرأ بهما الجماعة فممن قال أن مسح الرجلين منسوخ الشعبي كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أنبأنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا يعقوب بن إسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي
قال نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل ومن قال قد صح الغسل بالكتاب والسنة احتج بالقراءة بالنصب وبما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن قال هما واجبان قال هما بمنزلة اثنين جاء صحة كل واحد منهما عن جماعة تقوم بهم الحجة كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قيس عن عاصم عن زر عن عبد الله انه قرأ وأرجلكم بالنصب وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا سعيد بن منصور قال سمعت هشيما يقول أنبأنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس انه قرأ وأرجلكم بالنصب وقال عاد الى الغسل [قال أبو جعفر] وهذه قراءة عروة بن الزبير ونافع والكسائي وقرأ أنس بن مالك وأرجلكم بالخفض وهي قراءة أبي جعفر وأبي عمرو بن العلاء وعاصم والأعمش وحمزة على أنه يقول تمسحت بمعنى تطهرت للصلاة فيكون على هذا الخفض كالنصب وسمعت علي بن سليمان يقول التقدير وأرجلكم غسلا ثم حذف هذا لعلم السامع وممن قال أن المسح على الخفين منسوخ بسورة المائدة ابن عباس وقال ما مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الخفين بعد نزول المائدة وممن رد المسح أيضا عائشة وأبو هريرة
[قال أبو جعفر] من نفى شيئا وأثبته غيره فلا حجة للنافي وهذا موجود في الأحكام والمعقول وقد أثبت المسح على الخفين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة كثيرة ومنهم من قال بعد المائدة فممن أثبت المسح علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص وبلال
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 6(1/116)
وعمرو بن أمية الضمري وصفوان بن غسان وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وأبو بكرة وسهل بن سعد وأسامة بن زيد وسليمان وجرير البجلي والمغيرة بن شعبة وعن عمر بن الخطاب غير مسند صحيح فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة بن شريح عن هانئ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ويوما وليلة للمقيم يعني في المسح قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت ائت عليا فانه أعلم مني بذلك فأتيت عليا فسألته عن المسح فقال أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نجعل للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام فقال أبو عبد الرحمن وأخبرناه قتيبة قال حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن همام أن جرير بن عبد الله البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتمسح قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير لأن إسلامه كان قبل موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيسير [قال أبو جعفر] وكذلك قال أحمد بن حنبل أنا أستحسن حديث جرير في المسح على الخفين لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة وقد عارض قوم الذين يمنعون المسح على الخفين بأن الواقدي روى عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن جرير البجلي أسلّم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفات قال فإسلام جرير على هذا قبل نزول المائدة [قال أبو جعفر] والذي احتج بهذا جاهل بمعرفة الحديث لأن هذا لا يقوم به حجة لوهائه وضعف إسناده وأيضا فإن قوله نزلت المائدة يوم عرفات في ذي الحجة جهل أيضا لأن الرواية انه نزل منها في ذلك اليوم آية واحدة وهي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ولو صح ما قال أن المسح كان قبل نزول المائدة وهل كان الوضوء للصلاة واجبا قبل نزول المائدة فإن قال كان واجبا صح أن المسح على الخف بدل من الغسل وإن كان غير واجب قيل له فما معنى المسح والغسل غير واجب وكذلك المسح وهذا بين في تثبيت المسح على الخفين وهو قول الفقهاء الذين تقوم بهم الحجة واختلفوا في الآية الرابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة.(1/117)
وعمرو بن أمية الضمري وصفوان بن غسان وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وأبو بكرة وسهل بن سعد وأسامة بن زيد وسليمان وجرير البجلي والمغيرة بن شعبة وعن عمر بن الخطاب غير مسند صحيح فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة بن شريح عن هانئ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ويوما وليلة للمقيم يعني في المسح قال أبو عبد الرحمن وأنبأنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت ائت عليا فانه أعلم مني بذلك فأتيت عليا فسألته عن المسح فقال أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نجعل للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام فقال أبو عبد الرحمن وأخبرناه قتيبة قال حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن همام أن جرير بن عبد الله البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتمسح قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير لأن إسلامه كان قبل موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيسير [قال أبو جعفر] وكذلك قال أحمد بن حنبل أنا أستحسن حديث جرير في المسح على الخفين لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة وقد عارض قوم الذين يمنعون المسح على الخفين بأن الواقدي روى عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن جرير البجلي أسلّم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفات قال فإسلام جرير على هذا قبل نزول المائدة [قال أبو جعفر] والذي احتج بهذا جاهل بمعرفة الحديث لأن هذا لا يقوم به حجة لوهائه وضعف إسناده وأيضا فإن قوله نزلت المائدة يوم عرفات في ذي الحجة جهل أيضا لأن الرواية انه نزل منها في ذلك اليوم آية واحدة وهي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ولو صح ما قال أن المسح كان قبل نزول المائدة وهل كان الوضوء للصلاة واجبا قبل نزول المائدة فإن قال كان واجبا صح أن المسح على الخف بدل من الغسل وإن كان غير واجب قيل له فما معنى المسح والغسل غير واجب وكذلك المسح وهذا بين في تثبيت المسح على الخفين وهو قول الفقهاء الذين تقوم بهم الحجة واختلفوا في الآية الرابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة.
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله عز وجل {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} (1) من العلماء من قال إنما كان العفو والصفح قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {وَلََا تَزََالُ تَطَّلِعُ عَلى ََ خََائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلََّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} (1) قال نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) الآية وقال غيره ليست بمنسوخة لأنها نزلت في يهود غدروا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم غدرة فأرادوا قتله فأمره الله بالصفح عنهم [قال أبو جعفر] وهذا لا يمتنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه
واختلفوا أيضا في الآية الخامسة فقال بعضهم هي ناسخة وقال بعضهم هي محكمة غير ناسخة.
باب ذكر الآية الخامسة
قال الله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسََاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلََافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (3) فقال قوم هذه ناسخة لما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعله في أمر العرنيين من التمثيل بهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا فممن قال هذا محمد بن سيرين قال لما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك وعظ ونسخ بهذا الحكم واستدل على ذلك بأحاديث صحاح فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن قال أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي قلابة عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم في طلبهم قافة فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ولم يحسمهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسََاداً} الآية قال أبو عبد الله وأنبأنا الفضل بن
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 13
(2) سورة: التوبة، الآية: 29
(3) سورة: المائدة، الآية: 33(1/118)
المحارب لله ولرسوله من المسلمين من فسق وشهر سلاحه وخرج على المسلمين فحاربهم وردوا على من قال لا يكون المحارب لله ورسوله إلا مشركا بحديث معاذ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من عادى وليا من أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا الحسن بن الحكم قال حدثنا أبو غسان مالك بن اسماعيل عن السدي عن سنيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أنا سلّم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم أفلا ترى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن ليس بكافر وتسميته إياه محاربا وقد رد أبو ثور وغيره على من قال ان الآية في المشرك إذا فعل هذه بأشياء بينة قال قد أجمع العلماء على أن المشرك إذا فعل هذه الأشياء ثم أسلّم قبل أن يتوب منها أنه لا يقام عليه شيء من حدودها لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (1) فهذا كلام بين حسن وقال غيره لو كانت الآية في المشرك لوجب في أسارى المشركين أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وهذا لا نقوله وقال بعض العلماء الآية عامة في المشركين والمسلمين فهذه أربعة أقوال والقول الخامس أن تكون الآية على ظاهرها إلا أن يدل دليل خارج فيخرج بالدليل فقد دل ما ذكرناه على أن أهل الحرب من المشركين خارجون منها فهذا أحسن ما قيل فيها وهو قول أكثر الفقهاء ثم اختلفوا فيمن لزمه اسم المحاربة أيكون الإمام مخيرا فيه أم تكون عقوبته على قدر جنايته فقال قوم الإمام مخير فيه على أنه يجتهد وينظر للمسلمين فممن قال هذا من الفقهاء مالك بن أنس وهو مروي عن ابن عباس وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومجاهد والضحاك وممن قال العقوبة على قدر الجناية وليس إلى الإمام في ذلك خيار علي والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وأبو مجلز وهو مروي أيضا عن ابن عباس الا أنه من رواية الحجاج بن أرطاة عن عطية عن ابن عباس وعطية والحجاج ليسا بذاك عند أهل الحديث وقال بهذا من الفقهاء الأوزاعي والشافعي وهو قول أصحاب الرأي سفيان وأبي حنيفة وأبي يوسف غير أنهم اختلفوا في الترتيب في أكثر الآية فما علمت أنهم اتفقوا إلا فيمن خرج فقتل فإن أصحاب الترتيب أجمعوا على قتله وسنذكر اختلافهم فأما أصحاب التخيير الذين قالوا ذلك إلى الإمام حجتهم ظاهر الآية وان أو في العربية كذا معناها اذا قلت خذ دينارا أو درهما ورأيت زيدا أو عمرا واحتجوا بقول الله تعالى
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 38(1/120)
{فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (1) وكذا {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيََامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2) انه لا اختلاف أن هذا على التخيير وكذا ما اختلفوا فيه مردود إلى ما أجمعوا عليه وإلى لغة الذين نزل القرآن بلغتهم فعارضهم من يقول بالترتيب بحديث عثمان وابن مسعود وعائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يحل دم امرئ مسلّم إلا باحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس فعارضهم الآخرون بأشياء منها أن المحارب مضموم إلى هذه الثلاثة كما ضممتم اليها أشياء ليست كفرا وكما قال تعالى {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (3) الآية فضممتم إليها تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير واحتج بعضهم بأن للمحاربة حكما آخر واستدل على ذلك بأن الأمر للمحارب ليس إلى الولي وإنما هو إلى الإمام واحتج بأن عائشة رضي الله عنها قد روت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر المحارب كما قرئ على أحمد بن شعيب عن العباس بن محمد قال حدثنا أبو عامر عن إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لا يحل دم امرئ مسلّم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يرجم ورجل قتل متعمدا فيقتل أو رجل خرج من الإسلام فيحارب فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض
واحتجوا أيضا بأن أكثر التابعين على أن الإمام مخير وكذا ظاهر الآية كما قرئ على إبراهيم بن موسى الجوزي بمدينة السلام عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم الأحول عن الحسن وعن ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسََاداً} الآية فالإمام مخير فيه وحدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال أنبأنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسََاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلََافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4) قال من شهر السلاح في فئة الإسلام وأفسد السبيل وظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخير فيه إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله قال أو ينفوا من الارض يهربوا يخرجوا من دار الإسلام الى دار الحرب فإن تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ثم
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 89
(2) سورة: البقرة، الآية: 196
(3) سورة: الأنعام، الآية: 145
(4) سورة: المائدة، الآية: 33(1/121)
قال بهذا من التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك وهو قول إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز فأما الرواية الأخرى عن ابن عباس فان ذلك على قدر جناياتهم فقد ذكرنا أنها من رواية الحجاج عن عطية عن ابن عباس في قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} الآية قال إذا خرج وأظهر السلاح وقتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وإن أخذ المال وقتل قتل ثم صلب وهذا قول قتادة وعطاء الخراساني وزعم اسماعيل بن إسحاق أنه لم يصح إلا عنهما يعني من المتقدمين لأن الرواية عن ابن عباس ضعيفة عنده وعند أهل الحديث قال الأوزاعي إذا خرج وقتل قتل وإن أخذ المال وقتل صلب وقتل مصلوبا وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وقال الليث بن سعد إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل بالحربة مصلوبا وقال أبو يوسف إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل على الخشبة وقال أبو حنيفة إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يده ورجله وقتله وإن شاء لم يقطع يده ورجله وقتله وصلبه قال أبو يوسف القتل يأتي على كل شيء وقال الشافعي إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي واذا قتل قتل وصلب وروي عنه أيضا قال يصلب ثلاثة أيام قال وان حصر وكبر وهيّب فكان ردأ للعدوّ عزر وحبس [قال أبو جعفر] اختلف الذين قالوا بالترتيب واختلف عن بعضهم حتى وقع في ذلك اضطراب كثير فممن اختلف عنه ابن عباس كما ذكرناه والحسن وروي عنه التخيير والترتيب وأنه قال إذا خرج وقتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ونفي وإن أخذ المال وقتل قتل وقال أحمد بن محمد بن حنبل إن قتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وقال قوم لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب وحكي عن الشافعي أكره أن يقتل مصلوبا لنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المثلة وقال أبو ثور الإمام مخير على ظاهر الآية واحتج غيره بأن الذين قالوا بالتخيير معهم ظاهر الآية وإن الذين قالوا بالترتيب وإن اختلفوا فانك تجد في أقوالهم إنهم مجمعون عليه في حدين فيقولون يقتل ويصلب ويقول بعضهم يصلب ويقتل ويقول بعضهم تقطع يده ورجله وينفى وليس كذا الآية وليس كذا مقتضى معنى أو في اللغة فأما المعنى أو ينفوا من الارض ففيه أقوال منها عن ابن عباس ما ذكرناه أنهم يهربون حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الشرك وهذا أيضا محكي معناه عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد الى بلد ويحاربون وكذا قال الزهري ومحمد بن مسلّم وقال سعيد بن جبير ينفوا من بلد الى بلد وكلما أقاموا في بلد نفوا عنه وقال الشعبي ينفيه السلطان الذي أحدث فيه في عمله عن
عمله وقال مالك بن أنس ينفى من البلد الذي أحدث فيه هذا إلى غيره ويحبس فيه ويحتج لمالك بأن الزاني كذا ينفى وقال الكوفيون لما قال الله جل ثناؤه {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}
وقد علم أنه لا بد أن يستقروا في الأرض لم يكن شيء أولى بهم من الحبس لأنه إذا حبس فقد نفي من الأرض إلا من موضع استقراره واختلف العلماء أيضا في الآية السادسة(1/122)
قال بهذا من التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك وهو قول إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز فأما الرواية الأخرى عن ابن عباس فان ذلك على قدر جناياتهم فقد ذكرنا أنها من رواية الحجاج عن عطية عن ابن عباس في قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} الآية قال إذا خرج وأظهر السلاح وقتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وإن أخذ المال وقتل قتل ثم صلب وهذا قول قتادة وعطاء الخراساني وزعم اسماعيل بن إسحاق أنه لم يصح إلا عنهما يعني من المتقدمين لأن الرواية عن ابن عباس ضعيفة عنده وعند أهل الحديث قال الأوزاعي إذا خرج وقتل قتل وإن أخذ المال وقتل صلب وقتل مصلوبا وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وقال الليث بن سعد إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل بالحربة مصلوبا وقال أبو يوسف إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل على الخشبة وقال أبو حنيفة إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يده ورجله وقتله وإن شاء لم يقطع يده ورجله وقتله وصلبه قال أبو يوسف القتل يأتي على كل شيء وقال الشافعي إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي واذا قتل قتل وصلب وروي عنه أيضا قال يصلب ثلاثة أيام قال وان حصر وكبر وهيّب فكان ردأ للعدوّ عزر وحبس [قال أبو جعفر] اختلف الذين قالوا بالترتيب واختلف عن بعضهم حتى وقع في ذلك اضطراب كثير فممن اختلف عنه ابن عباس كما ذكرناه والحسن وروي عنه التخيير والترتيب وأنه قال إذا خرج وقتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ونفي وإن أخذ المال وقتل قتل وقال أحمد بن محمد بن حنبل إن قتل قتل وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وقال قوم لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب وحكي عن الشافعي أكره أن يقتل مصلوبا لنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المثلة وقال أبو ثور الإمام مخير على ظاهر الآية واحتج غيره بأن الذين قالوا بالتخيير معهم ظاهر الآية وإن الذين قالوا بالترتيب وإن اختلفوا فانك تجد في أقوالهم إنهم مجمعون عليه في حدين فيقولون يقتل ويصلب ويقول بعضهم يصلب ويقتل ويقول بعضهم تقطع يده ورجله وينفى وليس كذا الآية وليس كذا مقتضى معنى أو في اللغة فأما المعنى أو ينفوا من الارض ففيه أقوال منها عن ابن عباس ما ذكرناه أنهم يهربون حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الشرك وهذا أيضا محكي معناه عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد الى بلد ويحاربون وكذا قال الزهري ومحمد بن مسلّم وقال سعيد بن جبير ينفوا من بلد الى بلد وكلما أقاموا في بلد نفوا عنه وقال الشعبي ينفيه السلطان الذي أحدث فيه في عمله عن
عمله وقال مالك بن أنس ينفى من البلد الذي أحدث فيه هذا إلى غيره ويحبس فيه ويحتج لمالك بأن الزاني كذا ينفى وقال الكوفيون لما قال الله جل ثناؤه {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}
وقد علم أنه لا بد أن يستقروا في الأرض لم يكن شيء أولى بهم من الحبس لأنه إذا حبس فقد نفي من الأرض إلا من موضع استقراره واختلف العلماء أيضا في الآية السادسة
فمنهم من قال أنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة.
باب ذكر الآية السادسة
قال الله تعالى {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (1) من العلماء من قال الآية محكمة والإمام مخير إذا تحاكم إليه أهل الكتاب إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى أحكامهم وهذا قول الشعبي وإبراهيم النخعي كما قرأ عليّ أحمد بن محمد بن حجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن المغيرة عن إبراهيم وعامر الشعبي في قول الله تعالى {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال إن شاء حكم وإن لم يشأ لم يحكم وقال بهذا من الفقهاء عطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس ومن العلماء من قال إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فعليه أن يحكم بينهم بكتاب الله تعالى وبسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم ولا يحل أن يردهم إلى أحكامهم وقائلو هذا القول يقولون الآية منسوخة لأنها إنما نزلت أول ما قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة واليهود فيها كثير فكان الأدعى لهم والأصلح أن يردوا إلى أحكامهم فلما قوي الإسلام أنزل الله {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (2) فممن قال بهذا القول من الصحابة ابن عباس وجماعة من التابعين والفقهاء
[قال أبو جعفر] كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن سفيان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال
نسخت من هذه السورة يعني المائدة آيتان آية القلائد وقوله {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخيرا إن شاء حكم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما في كتابنا وهذا إسناد مستقيم وأهل الحديث يدخلونه في المسند وهو مع هذا قول جماعة من العلماء كما قرأ عليّ عبد الله بن الصقر عن زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال حدثنا أصحابنا منصور وغيره عن الحكم عن مجاهد في قوله تعالى
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 42
(2) سورة: المائدة، الآية: 49(1/123)
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} (1)، قال نسخت هذه الآية التي قبلها {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (2)
فهذا أيضا إسناد صحيح والقول بأنها منسوخة قول عكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وهو الصحيح من قول الشافعي قال في كتاب الجزية ولا خيار له إذا تحاكموا إليه لقوله تعالى {حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ} (1) وهذا من أصلح الاحتجاجات لأنه إذا كان معنى وهم صاغرون أن تجري عليهم أحكام المسلمين وجب أن لا يردوا إلى أحكامهم فإذا وجب هذا فالآية منسوخة وهو أيضا قول الكوفيين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام انه ليس له أن يعرض عنهم غير أن أبا حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل فإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم وقال الباقون بل يحكم فثبت أن قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة مع ما صح فيها من توقيف ابن عباس ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة لأنهم قد أجمعوا جميعا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلى الإمام فله أن ينظر بينهم وأنه إذا نظر بينهم مصيب ثم اختلفوا في الإعراض عنهم على ما ذكرنا فالواجب ان ينظر بينهم لأنه مصيب عند الجماعة وأن لا يعرض عنهم فيكون عند بعض العلماء تاركا فرضا فاعلا ما لا يحل له ولا يسعه ولمن قال بأنها منسوخة من الكوفيين قول آخر منهم من يقول على الإمام إذا علم من أهل الكتاب حدا من حدود الله أن يقيمه وإن لم يتحاكموا إليه ويحتج بأن قول الله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} يحتمل أمرين أحدهما اذا تحاكموا اليك والآخر {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} وان لم يتحاكموا اليك اذا علمت ذلك منهم قالوا فوجدنا في كتاب الله وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يوجب إقامة الحق عليهم وان لم يتحاكموا الينا فأما ما في كتاب الله فقوله {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوََّامِينَ لِلََّهِ شُهَدََاءَ بِالْقِسْطِ} (1) وأما ما في السنة فحديث البراء [قال أبو جعفر] حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال مرّ على النبي صلّى الله عليه وسلّم بيهودي قد جلد وحمم فقال أهكذا حد الزاني فيكم قال لولا أنك سألتني بهذا ما أخبرتك كان الحد عندنا الرجم فكان الشريف إذا زنا تركناه وكان الوضيع إذا زنى رجمناه فقلنا تعالوا نجتمع على شيء يكون للشريف والوضيع فاجتمعنا على الجلد والتحميم فأنزل الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ لََا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسََارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} (2) الى {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هََذََا فَخُذُوهُ} (3) أي ائتوا محمدا فإن
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 29
(2) سورة: المائدة، الآية: 8
(3) سورة: المائدة، الآية: 41(1/124)
أفتاكم بالجلد والتحميم فاقبلوه وان لم تؤتوه فاحذروا أي إن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوا الى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} (1) وقال في اليهود {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْفََاسِقُونَ} (2) قال وقال في اليهود {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ} (3) قال في الكفار خاصة فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باليهودي فرجم وقال أنا أول من أحيى أمرك فاحتجوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حكم بينهم ولم يتحاكموا إليه في هذا الحديث فان قال قائل ففي حديث مالك أيضا أن اللذين زنيا رضيا بالحكم وقد رجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم
فأما ما في الحديث من أن معنى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} انه في اليهود ففي ذلك اختلاف قد ذكرناه وهذا أولى ما قيل فيه لأنه عن صحابي مشاهد للتنزيل يخبر أن بذلك السبب نزلت هذه الآية على أن غير الحسن بن محمد يقول فيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} قال اليهود غير أن حكم غيرهم كحكمهم فكل من حكم بغير ما أنزل الله جاحدا له كما جحدت اليهود فهو كافر ظالم فاسق واختلفوا في الآية السابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة وهي من أشكل ما في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية السابعة
قال الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (4) الآية للصحابة والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال منها أن شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية وقال قوم كان هذا كذا ثم نسخ ولا تجوز شهادة كافر بحال وقال قوم الآية كلها للمسلمين إذا شهدوا فهذه ثلاثة أقوال والقول الرابع أن هذا ليس في الشهادة التي تؤدى وأما الشهادة هاهنا بمعنى الحضور والقول الخامس أن الشهادة هاهنا بمعنى اليمين
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 44
(2) سورة: المائدة، الآية: 47
(3) سورة: المائدة، الآية: 45
(4) سورة: المائدة، الآية: 106(1/125)
فالقول الأول عن رجلين من الصحابة عبد الله بن قيس وعبد الله بن عباس كما حدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فهذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره جل ثناؤه أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال تعالى {أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصََابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} (1) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله عز وجل لم يشتريا بشهادتهما ثمنا قليلا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا حلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة وإنما لم يعتد بذلك لقوله تعالى {فَإِنْ عُثِرَ عَلى ََ أَنَّهُمَا اسْتَحَقََّا إِثْماً فَآخَرََانِ يَقُومََانِ مَقََامَهُمََا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيََانِ} (2) يقول ان اطلع على أنهما كذبا قام الأوليان فحلفا أنهما كذبا بقول الله تعالى {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهََادَةِ عَلى ََ وَجْهِهََا أَوْ يَخََافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمََانٌ بَعْدَ أَيْمََانِهِمْ} (3) فتزيل شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء فليس على شهود المسلمين إقسام انما الإقسام إذا كانا كافرين فهذا قول ابن عباس مشروحا مبينا لا يحتاج إلى زيادة شرح وقال به من التابعين جماعة منهم شريح قال تجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت وصية وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة ومحمد بن سيرين والشعبي ويحيى بن يعمر والسدي وقال به من الفقهاء سفيان الثوري ومال إليه أبو عبيد لكثرة من قال به والقول الثاني أن الآية منسوخة وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز شهادة فاسق قول زيد بن أسلّم ومالك بن أنس والشافعي وقول أبي حنيفة أيضا أنها منسوخة ولا تجوز عنده شهادة الكفار على المسلمين غير أنه خالف من تقدم ذكره بأنه أجاز شهادة الكفار بعضهم على بعض والقول الثالث أن الآية كلها في المسلمين لا منسوخ فيها قول الزهري والحسن كما قرأ عليّ عبد الله بن الصقر عن زياد بن أيوب عن هشيم قال أنبأنا منصور وغيره عن الحسن في قول الله تعالى {أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال من غير عشيرتكم والقول الرابع أن الشهادة هاهنا بمعنى الحضور يحتج قائله بما يعارض به تلك الأقوال مما سنذكره وكذا القول الخامس ان الشهادة بمعنى اليمين كما قال الله تعالى {فَشَهََادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهََادََاتٍ بِاللََّهِ} (4) فأما
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 106
(2) سورة: المائدة، الآية: 107
(3) سورة: المائدة، الآية: 108
(4) سورة: النور، الآية: 6(1/126)
المعارضة في القول الأول فنص كتاب الله قال الله تعالى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ} (1)
وقال تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2) ولا نرضى الكفار ولا يكونون ذوي عدل ويعارض بالإجماع لأنه قد أجمع المسلمون ان شهادة الفاسق لا تجوز والكفار فساق وأجمعوا أيضا أن شهادة الكفار لا تجوز على المسلمين في غير هذا الموضع الذي قد اختلف فيه فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه وهذه احتجاجات بينة واحتج من خالفنا بكثرة من قال ذلك القول وأنه قد قال صحابيان وليس ذلك في غيره ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر منها أهل العلم فيجعل هذا على الضرورة كما تقصر الصلاة في السفر وكما يكون التيمم فيه والإفطار في شهر رمضان قيل له هذه الضرورات إنما تكون في الحال وليس كذا الشهادة وعورض من قال بنسخ الآية أنه لم يأت هذا عن أحد ممن شهد التنزيل وأيضا فان في القولين جميعا شيئا من العربية غامضا وذلك أن معنى آخر في العربية آخر من جنس الأول يقول مررت بكريم وكريم آخر فقولك آخر يدل على أنه من جنس الأول ولا يجوز عند أهل العربية مررت بكريم وخسيس آخر ولا مررت برجل وحمار آخر فوجب من هذا أن يكون بمعنى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم من عشيرتكم من المسلمين على انه قد عورض لأن في أول الآية {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
فخوطب الجماعة من المؤمنين فيقال لمن عارض لهذا هذا موجود في اللغة كثير يستغني عن الاحتجاج والقول الرابع ان الشهادة بمعنى الحضور معروف في اللغة وقد احتج قائله بأن الشاهد لا يكون عليه يمين في شيء من الاحكام غير هذا المختلف فيه فيرد الاختلاف فيه الى ما أجمع عليه لأنه يقال شهدت وصية فلان أي حضرت والقول الخامس ان الشهادة بمعنى اليمين معروف يكون التقدير فيها شهادة أحدكم أي يمين أحدكم أن يحلف اثنان وحقيقته في العربية يمين اثنين مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (3) قرأ عليّ علي بن سعيد بن بشير الرازي عن صالح بن عبد الله الرمدي قال حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال كان تميم الداري وعدي بن بداء يختلفان الى مكة للتجارة فخرج معهم رجل من بني سهم فتوفي بأرض ليس فيها مسلّم فأوصى اليهما فدفعا تركته الى أهله وحبسا خاما من فضة مخوصا بالذهب فقده
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 282
(2) سورة: الطلاق، الآية: 2
(3) سورة: يوسف، الآية: 82(1/127)
أولياء السهمي من تركته فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستحلفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الخام بمكة فقالوا اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله تعالى ان هذا الخام للسهمي و {لَشَهََادَتُنََا أَحَقُّ مِنْ شَهََادَتِهِمََا وَمَا اعْتَدَيْنََا إِنََّا إِذاً لَمِنَ الظََّالِمِينَ} (1) فأخذ الخام وفيهم نزلت هذه الآية قرأ عليّ علي بن سعيد بن بشير عن أبي مسلّم الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن اسحاق عن أبي النضر عن زاذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب عن ابن عباس عن تميم الداري في قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
ترى الناس فيها غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان الى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له برير بن أبي مريم للتجارة ومعه خام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرض فأوصى اليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الخام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء فلما قدمنا الى أهله دفعنا اليهم ما كان معنا وفقدوا الخام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع الينا غيره قال فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت لهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا اليه فأتوا به النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألهم البينة فلم يجدوا وأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ} قرأ إلى قوله {تُرَدَّ أَيْمََانٌ بَعْدَ أَيْمََانِهِمْ} (2) فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة الدرهم من عدي بن بداء [قال أبو جعفر] فهذا ما في الآية وما بعدها من القصة من الآثار واختلاف العلماء والنظر ثم نبينهما على ما هو أصح من ذلك الذي ذكرناه والأبين في هذا أن يكون {شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} قسم بينكم {إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ} أن يقسم اثنان {ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (3)
وللعلماء في أو هنا قولان فمنهم من قال أو هاهنا للتعقيب وأنه اذا وجد اثنين ذوي عدل منكم من المسلمين لم يجز له أن يشهد كافرين وهذا القول يروى عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم وقتادة ومنهم من قال أو هاهنا للتخيير لأنها انما هي وصية وقد يكون الموصي يرى أن يسند وصيته الى كافرين أو أجنبيين وهذا القول ان أو
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 107
(2) سورة: المائدة، الآية: 108
(3) سورة: المائدة، الآية: 106(1/128)
للتخيير هو القول البين الظاهر ان أنتم ضربتم في الأرض قال ابن زيد أي سافرتم وكذا هو في اللغة وفي الكلام حذف مستدل عليه أي إن أنتم سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيتكم الى اثنين ذوي عدل منكم أو آخرين من غيركم فان ارتبتم تحبسونهما من بعد الصلاة واختلف العلماء في هذه الصلاة فقال أكثرهم هي العصر فممن قال هذا عبد الله بن قيس الأشعري واستعمله وقضى به وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة ومنهم من قال هي صلاة من صلاتهم في دينهم وهذا قول السدي وهو يروى عن ابن عباس والقول الأول أولى لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ الصَّلََاةِ} (1)
فجاءت معرفة بالألف واللام واذا كان بعد الصلاة من صلواتهم كانت نكرة وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لاعن بين العجلانيين بعد العصر فخصها بهذا ويقال ان أهل الكتاب أيضا يعظمون ذلك الوقت فيقسمان بالله وهما الوصيان لا نشتري به ثمنا أي لا نشتري بقسمنا شيئا نأخذه مما أوصى به ولا ندفعه في أحد ولو كان ذا قربى {وَلََا نَكْتُمُ شَهََادَةَ اللََّهِ} عندنا {إِنََّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} (2) أي ان فعلنا ذلك فان عثر على أنهما استحقا إثما أصله من عثرت بالشيء أي وقعت عليه أي فان وقع على أنهما استوجبا إثما بكذبهما في أيمانهما وأخذهما ما ليس لهما فآخران يقومان مقامهما أي في الأيمان من الذين استحق عليهم الأوليان تقدير هذا في العربية مختلف فيه عند جماعة من العلماء فمنهم من قال التقدير من الذين استحق منهم الأوليان وعليهم بمعنى منهم مثل اذا اكتالوا على الناس يستوفون ومنهم من قال عليهم بمعنى فيهم أي من الذين استحق فيهم إثم الأوليان ثم حذفا اثم مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (2) وهو قول محمد بن جرير وقال إبراهيم بن السري التقدير من الذين استحق عليهم الانصباء والأوليان بدل من قوله تعالى فآخران [قال أبو جعفر] وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنه لا يجعل حرفا بدلا من حرف وأيضا فان التفسير عليه لأن المعنى عند أهل التفسير من الذين استحقت عليهم الوصية والأوليان قراءة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في كثير من القراء وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة الأوليين وفيها من البعد ما لا خفاء به والأوليين بدل من الذين فيقسمان بالله {لَشَهََادَتُنََا أَحَقُّ مِنْ شَهََادَتِهِمََا} (3) أي لقسمنا فصح أن معنى الشهادة هاهنا القسم وما اعتدينا أي وما تجاوزنا الحق في قسمنا إنا اذا لمن الظالمين أي ان كنا حلفنا على باطل وأخذنا ما ليس لنا وصح من هذا كله أن الآية غير
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 106
(2) سورة: يوسف، الآية: 82
(3) سورة: المائدة، الآية: 107(1/129)
منسوخة ودل الحديث على ذلك لأنه اذا أوصى رجل الى آخر فاتهم الورثة الموصى اليه حلف الموصى اليه وترك فان اطلع على أن الموصى اليه خان وذلك أن يشهد شاهد أو يؤخذ بشيء يعلم أنه للميت فيقول الموصى اليه قد اشتريته منه فيحلف الوارث ويستحقه فقد بين الحديث ان المعنى على هذا وان كان العلماء قد تكلموا في استحلاف الشاهدين هاهنا لم وجب فمنهم من قال لانهما ادعيا وصية من الميت وهو قول يحيى بن يعمر وهذا لا يعرف في حكم الاسلام أن يدعي رجل وصية فيحلف ويأخذها ومنهم من قال انما يحلفان اذا شهدا ان الميت أوصى بما لا يجوز أو بماله كله أو لبعض الورثة وهذا أيضا لا يعرف في حكم الاسلام أن يحلف الشاهد اذا شهد أن الموصي أوصى بما لا يجوز ومنهم من قال انما يحلفان اذا اتهما ثم ينقل اليمين عنهما اذا اطلع على الخيانة كما ذكرنا ثم قال تعالى {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهََادَةِ} (1) أي أقرب أن يأتوا بالشهادة {عَلى ََ وَجْهِهََا} (1) وهو الموصى اليهما {أَوْ يَخََافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمََانٌ بَعْدَ أَيْمََانِهِمْ} وهي أيمان الأوليين باليمين لما ظهرت خيانة الموصى اليهما وقيل هما الأوليان بالميت {وَاتَّقُوا اللََّهَ وَاسْمَعُوا} (1) أي اسمعوا ما يقال لكم قابلين ومتبعين أمر الله فيه {وَاللََّهُ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفََاسِقِينَ} (1) أي الخارجين عن الطاعة لله تعالى وقال ابن زيد كل فاسق مذكور في القرآن معناه كاذب.
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 107(1/130)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام
باب ذكر الآية الاولى
[قال أبو جعفر] حدثني ابن المزارع قال حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيميّ قال حدثنا يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول سألت مجاهدا عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي فقال سألت ابن عباس عن ذلك فقال سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية الا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة فهنّ مدنيات {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (1) الى تمام الآيات الثلاث [قال أبو جعفر] واذا كانت سورة الأنعام مكية لم يصح قول من قال معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} (2) الزكاة المفروضة لأن الزكاة انما فرضت بالمدينة وهذا يشرح في موضعه واذا كانت السورة مكية فلا يكاد يكمل فيها آية ناسخة وما تقدم من السور فهنّ مدنيات أعني سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة حدثني يموت (3) بذلك الاسناد بعينه وفي سورة الانعام قد ذكرت في الناسخ والمنسوخ والآية الاولى منها قوله {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (4) أنبأنا أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام بن أبي حيوة قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (4) قال نسخ هذا آية السيف {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (5) [قال أبو جعفر] هذا خبر لا يجوز أن ينسخ ومعنى وكيل حفيظ ورقيب والنبي صلّى الله عليه وسلّم ليس عليهم حفيظ انما عليه أن ينذرهم وعقابهم على الله تعالى
والآية الثانية نظيرها.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله تعالى {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (6) أنبأنا أبو جعفر
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 151.
(2) سورة: الأنعام، الآية: 141
(3) قوله يموت هو ابن المزارع
(4) سورة: الأنعام، الآية: 66
(5) سورة: التوبة، الآية: 5
(6) سورة: الأنعام، الآية: 69(1/131)
قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلََكِنْ ذِكْرى ََ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (1) قال هذه مكية نسخت بالمدينة بقوله {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتََابِ أَنْ إِذََا سَمِعْتُمْ آيََاتِ اللََّهِ يُكْفَرُ بِهََا وَيُسْتَهْزَأُ بِهََا فَلََا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتََّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (2) فنسخ هذا ما قبله وأمر المؤمنين أن لا يقعدوا مع من يكفر بالقرآن ويستهزئ به [قال أبو جعفر] {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}
خبر ومحال نسخه والمعنى فيه بين ليس على من اتقى الله اذا نهى انسان عن منكر من حسابه شيئا الله مطالبه ومعاقبه وعليه أن ينهاه ولا يقعد معه راضيا بقوله وفعله والا كان مثله وهذان الحديثان وان كانا عن ابن عباس فانهما من حديث جويبر الآية الثالثة قريب منها.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} (3) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} قال نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (4) [قال أبو جعفر] هذا ليس بخبر وهو يحتمل النسخ غير أن البين فيه انه ليس بمنسوخ وأنه على معنى التهديد لمن فعل هذا أي ذره فان الله مطالبه ومعاقبه ومثله {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (5) والصحيح في الآية الرابعة انها منسوخة.
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنََّاتٍ مَعْرُوشََاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشََاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمََّانَ مُتَشََابِهاً وَغَيْرَ مُتَشََابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ وَلََا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لََا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (6) للصحابة والتابعين والفقهاء في هذه الآية
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 69
(2) سورة: النساء، الآية: 140
(3) سورة: الأنعام، الآية: 70
(4) سورة: التوبة، الآية: 5
(5) سورة: الأنعام، الآية: 91
(6) سورة: الأنعام، الآية: 141(1/132)
خمسة أقوال منهم من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي منسوخة بالسنة العشر ونصف العشر ومنهم من قال يعني بهذا الزكاة المفروضة ومنهم من قال هي محكمة واجبة يراد بها غير الزكاة ومنهم من قال هي على الندب فممن قال إنها منسوخة بالزكاة المفروضة سعيد بن جبير كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال أنبأنا الوليد بن صالح قال أنبأنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال كان هذا قبل أن تنزل الزكاة كان الرجل يبدأ بعلف الدابة وبالشيء وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي وعكرمة وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن وممن قال نسخت الآية بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعشر ونصف العشر ابن عباس فيما روي عنه كما حدثنا أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال نسختها العشر ونصف العشر وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح قال أنبأنا الثوري عن مغيرة عن سماك عن إبراهيم {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال نسختها العشر ونصف العشر وهذا قول محمد بن الحنفية والسدي وممن قال انها الزكاة المفروضة أنس بن مالك كما حدثنا
جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو حفص قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا يزيد بن درهم عن أنس بن مالك {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال نسخها العشر ونصف العشر وهذا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا شعبة عن أبي رجاء قال سألت الحسن عن قول الله عز وجل {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال الزكاة المفروضة [قال أبو جعفر] وهذا قول سعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وقتادة وزيد بن أسلّم وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك في قول الله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} أن ذلك الزكاة والله أعلم وقد سمعت من يقول ذلك [قال أبو جعفر] وقد قيل إن هذا قول الشافعي على التأويل لأنه يقول في معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} لا يخلو من أن يكون ذلك وقت الحصاد أو بعده وبينت السنة انه بعده وقد قيل بل يجب على قول الشافعي أن تكون منسوخة لأنه يقول ليس في الرمان زكاة ولا في شيء من الثمار الا في النخل والكرم وفي نص الآية ذكر الرمان والزيتون وقد قال بمصر ليس في الزيتون الزكاة لأنه أدم فهذه ثلاثة أقوال والقول الرابع أن في المال حقا سوى الزكاة وان معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} أن يعطي منه شيئا سوى الزكاة وأن يخلى بين المساكين وبين ما يسقط منه كما حدثنا جعفر بن محمد الأنباري
قال حدثنا الحسن بن عفان قال حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان قال يدع المساكين يتتبعون أثر الحصادين فما سقط عن المنخل أخذوه وهو قول جماعة من أهل العلم منهم جعفر بن محمد وقد روي وصح عن علي بن الحسين انه أنكر حصاد الليل من أجل هذا وقرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص قال أنبأنا شعيب عن نافع عن ابن عمر {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال كانوا يعطون من اعتراهم وهذا أيضا قول مجاهد ومحمد بن كعب وعطية وهو قول أبي عبيد واحتج بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن حصاد الليل والقول الخامس أن يكون معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} على الندب وهذا القول لا نعرف أحدا من المتقدمين قاله فإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها فخرج عن قولهم لم يلتفت الى قوله ولم يعد خلافا فبطل هذا وأما القول بأنها الصدقة المفروضة فيعارض بأشياء منها أن هذه السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة لا تنازع بين العلماء في ذلك ومنها أن قوله {يَوْمَ حَصََادِهِ} لو كان للزكاة المفروضة وجب أن يعطي وقت الحصاد وقد جاءت السنة وصحت أن الزكاة لا تعطى الا بعد الكيل وأيضا فإن في الآية ولا تسرفوا فكيف يكون هذا في الزكاة وهي معلومة وأيضا فلو كان هذا في الزكاة لوجب أن تكون الزكاة في الثمر وفي كل ما أنبتت الأرض وهذا لا يقوله أحد نعلمه من الصحابة ولا التابعين ولا في الفقهاء الا بعض المتأخرين ممن خرج عن الإجماع وأكثر ما قيل في هذا من قول من يحتج بقوله قول أبي حنيفة أن في كل هذا الزكاة الا في الحطب والحشيش والقصب وقد أخرج شيئا مما في الآية ولم تختلف العلماء في أن في أربعة أشياء منها الزكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب فهذا إجماع وجماعة من العلماء يقولون لا تجب الزكاة فيما أخرجت الأرض إلّا في أربعة أشياء الحنطة والشعير والتمر والزبيب وممن قال هذا الحسن ومحمد بن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك ويحيى بن آدم وأبو عبيد واحتج أبو عبيد بحديث الثوري عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة ان معاذا وأبا موسى لما بعثا يعلمان الناس أمر دينهم لم يأخذا الزكاة فيما أخرجت الأرض الا من هذه الأربعة ولم يحتج غيره أن أموال المسلمين محظورة فلما أجمع على هذه الأشياء وجبت في الاجماع ولما وقع الاختلاف في غيرها لم يجب فيها شيء وزاد ابن عباس(1/133)
جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو حفص قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا يزيد بن درهم عن أنس بن مالك {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال نسخها العشر ونصف العشر وهذا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر قال حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا شعبة عن أبي رجاء قال سألت الحسن عن قول الله عز وجل {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال الزكاة المفروضة [قال أبو جعفر] وهذا قول سعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وقتادة وزيد بن أسلّم وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك في قول الله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} أن ذلك الزكاة والله أعلم وقد سمعت من يقول ذلك [قال أبو جعفر] وقد قيل إن هذا قول الشافعي على التأويل لأنه يقول في معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} لا يخلو من أن يكون ذلك وقت الحصاد أو بعده وبينت السنة انه بعده وقد قيل بل يجب على قول الشافعي أن تكون منسوخة لأنه يقول ليس في الرمان زكاة ولا في شيء من الثمار الا في النخل والكرم وفي نص الآية ذكر الرمان والزيتون وقد قال بمصر ليس في الزيتون الزكاة لأنه أدم فهذه ثلاثة أقوال والقول الرابع أن في المال حقا سوى الزكاة وان معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} أن يعطي منه شيئا سوى الزكاة وأن يخلى بين المساكين وبين ما يسقط منه كما حدثنا جعفر بن محمد الأنباري
قال حدثنا الحسن بن عفان قال حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان قال يدع المساكين يتتبعون أثر الحصادين فما سقط عن المنخل أخذوه وهو قول جماعة من أهل العلم منهم جعفر بن محمد وقد روي وصح عن علي بن الحسين انه أنكر حصاد الليل من أجل هذا وقرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص قال أنبأنا شعيب عن نافع عن ابن عمر {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال كانوا يعطون من اعتراهم وهذا أيضا قول مجاهد ومحمد بن كعب وعطية وهو قول أبي عبيد واحتج بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن حصاد الليل والقول الخامس أن يكون معنى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} على الندب وهذا القول لا نعرف أحدا من المتقدمين قاله فإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها فخرج عن قولهم لم يلتفت الى قوله ولم يعد خلافا فبطل هذا وأما القول بأنها الصدقة المفروضة فيعارض بأشياء منها أن هذه السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة لا تنازع بين العلماء في ذلك ومنها أن قوله {يَوْمَ حَصََادِهِ} لو كان للزكاة المفروضة وجب أن يعطي وقت الحصاد وقد جاءت السنة وصحت أن الزكاة لا تعطى الا بعد الكيل وأيضا فإن في الآية ولا تسرفوا فكيف يكون هذا في الزكاة وهي معلومة وأيضا فلو كان هذا في الزكاة لوجب أن تكون الزكاة في الثمر وفي كل ما أنبتت الأرض وهذا لا يقوله أحد نعلمه من الصحابة ولا التابعين ولا في الفقهاء الا بعض المتأخرين ممن خرج عن الإجماع وأكثر ما قيل في هذا من قول من يحتج بقوله قول أبي حنيفة أن في كل هذا الزكاة الا في الحطب والحشيش والقصب وقد أخرج شيئا مما في الآية ولم تختلف العلماء في أن في أربعة أشياء منها الزكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب فهذا إجماع وجماعة من العلماء يقولون لا تجب الزكاة فيما أخرجت الأرض إلّا في أربعة أشياء الحنطة والشعير والتمر والزبيب وممن قال هذا الحسن ومحمد بن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك ويحيى بن آدم وأبو عبيد واحتج أبو عبيد بحديث الثوري عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة ان معاذا وأبا موسى لما بعثا يعلمان الناس أمر دينهم لم يأخذا الزكاة فيما أخرجت الأرض الا من هذه الأربعة ولم يحتج غيره أن أموال المسلمين محظورة فلما أجمع على هذه الأشياء وجبت في الاجماع ولما وقع الاختلاف في غيرها لم يجب فيها شيء وزاد ابن عباس
على هذه الأربعة الأشياء السلت والزيتون وزاد الزهري على هذه الأربعة الزيتون والحبوب كلها وهذا قول عطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول ومالك بن أنس وهو قول الأوزاعي والليث ان في الزيتون الزكاة [قال أبو جعفر] وهذا القول كان قول الشافعي ثم قال بمصر في الزيتون لا
أرى أنه تجب فيه الزكاة لأنه أدم لأنه لا يؤكل بنفسه قال يعقوب ومحمد فيما بعد الأربعة كلما يؤكل ويبقى ففيه الزكاة فهذه الاقوال كلها تدل على أن الآية منسوخة لأنه ليس أحد منهم أوجب الزكاة في كل ما ذكر في الآية كله وأكثرهم اعتماده على الاشياء الأربعة فمن ضم اليها الحبوب وما يقتات فانما قاسه عليها ومن ضم اليها الزيتون فانما قاسه على النخل والعنب هكذا قول الشافعي بالعراق [قال أبو جعفر] وقد احتج من يذهب الى أن الآية محكمة وان ذلك حق في المال سوى الزكاة بما حدثنا أبو علي الحسن بن عليب قال حدثنا عمران بن أبي عمران قال حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال ما سقط من السنبل [قال أبو جعفر] وهذا الحديث لو كان فيما تقوم به حجة لجاز ان يكون منسوخا كالآية وقد قامت الحجة بانه لا فرض في المال سوى الزكاة الا لمن تجب نفقته وثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن عمه أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع لصوته دويا ولا نفقه ما يقول حتى دنى فاذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها قال لا الا أن تطوع قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا الا ان تطوع وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا الا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفلح ان صدق فتبين بهذا الحديث مع صحة اسناده واستقامة طريقه انه لا فرض على المسلمين من الصلوات الا الخمس ولا من الصدقة الا الزكاة فلما ثبت انه لا يجب بالآية فرض سوى الزكاة وأنه ليس من الزكاة بد لم يبق الا أن تكون منسوخة فأما {وَلََا تُسْرِفُوا} (1) فقد تكلم العلماء في معناه فقال سعيد بن المسيب معنى {وَلََا تُسْرِفُوا} لا تمتنعوا من الزكاة الواجبة وقال أبو العالية كانوا إذا حصدوا أعطوا ثم تباروا في ذلك حتى أجحفوا فأنزل الله تعالى {وَلََا تُسْرِفُوا} (1) وقال السدي لا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس جذ نخلا له فحلف لا يأتيه أحد إلا أعطاه فأمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى {وَلََا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لََا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (1) وقال ابن زيد {وَلََا تُسْرِفُوا}
للولاة ولا تأخذوا ما لا يجب على الناس [قال أبو جعفر] وهذه الاقوال كلها غير متناقضة(1/134)
على هذه الأربعة الأشياء السلت والزيتون وزاد الزهري على هذه الأربعة الزيتون والحبوب كلها وهذا قول عطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول ومالك بن أنس وهو قول الأوزاعي والليث ان في الزيتون الزكاة [قال أبو جعفر] وهذا القول كان قول الشافعي ثم قال بمصر في الزيتون لا
أرى أنه تجب فيه الزكاة لأنه أدم لأنه لا يؤكل بنفسه قال يعقوب ومحمد فيما بعد الأربعة كلما يؤكل ويبقى ففيه الزكاة فهذه الاقوال كلها تدل على أن الآية منسوخة لأنه ليس أحد منهم أوجب الزكاة في كل ما ذكر في الآية كله وأكثرهم اعتماده على الاشياء الأربعة فمن ضم اليها الحبوب وما يقتات فانما قاسه عليها ومن ضم اليها الزيتون فانما قاسه على النخل والعنب هكذا قول الشافعي بالعراق [قال أبو جعفر] وقد احتج من يذهب الى أن الآية محكمة وان ذلك حق في المال سوى الزكاة بما حدثنا أبو علي الحسن بن عليب قال حدثنا عمران بن أبي عمران قال حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} قال ما سقط من السنبل [قال أبو جعفر] وهذا الحديث لو كان فيما تقوم به حجة لجاز ان يكون منسوخا كالآية وقد قامت الحجة بانه لا فرض في المال سوى الزكاة الا لمن تجب نفقته وثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن عمه أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع لصوته دويا ولا نفقه ما يقول حتى دنى فاذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها قال لا الا أن تطوع قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا الا ان تطوع وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا الا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفلح ان صدق فتبين بهذا الحديث مع صحة اسناده واستقامة طريقه انه لا فرض على المسلمين من الصلوات الا الخمس ولا من الصدقة الا الزكاة فلما ثبت انه لا يجب بالآية فرض سوى الزكاة وأنه ليس من الزكاة بد لم يبق الا أن تكون منسوخة فأما {وَلََا تُسْرِفُوا} (1) فقد تكلم العلماء في معناه فقال سعيد بن المسيب معنى {وَلََا تُسْرِفُوا} لا تمتنعوا من الزكاة الواجبة وقال أبو العالية كانوا إذا حصدوا أعطوا ثم تباروا في ذلك حتى أجحفوا فأنزل الله تعالى {وَلََا تُسْرِفُوا} (1) وقال السدي لا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس جذ نخلا له فحلف لا يأتيه أحد إلا أعطاه فأمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى {وَلََا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لََا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (1) وقال ابن زيد {وَلََا تُسْرِفُوا}
للولاة ولا تأخذوا ما لا يجب على الناس [قال أبو جعفر] وهذه الاقوال كلها غير متناقضة
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 141(1/135)
لأن الإسراف في اللغة فعل ما لا ينبغي فهذا كله داخل في أصل اللغة فواجب اجتنابه ومعنى {لََا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} لا يثيبهم ولا يقبل أعمالهم مجازا وتقدير {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمََّانَ}
وشجر الزيتون والرمان مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} قال قتادة {مُتَشََابِهاً وَغَيْرَ مُتَشََابِهٍ} متشابها ورقه ويختلف ثمره وقال غيره متشابه لونه ويختلف طعمه وقرأ يحيى بن وثاب انظروا الى ثمره وهي قراءة حسنة لأنه قد ذكرت أشياء كثيرة فثمر جمع ثمار وثمار جمع ثمرة قال محمد بن جرير أصل الاسراف في اللغة الاخطاء في إصابة غير الحق إما بزيادة أو بنقصان من الحد الواجب وأنشد:
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف
أي خطأ واختلفوا في الآية الخامسة اختلافا كثيرا.
باب ذكر الآية الخامسة
قال الله تعالى {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (1) الآية في هذه الآية خمسة أقوال قالت طائفة هي منسوخة لانه وجب منها أن لا محرم الا ما قبلها فلما حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم الحمر الاهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير نسخت هذه الاشياء منها وقالت طائفة الآية محكمة ولا حرام من الحيوان الا ما فيها وأحلوا ما ذكرنا وغيره من الحيوان وقالت طائفة هي محكمة وكل ما حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم داخل فيها وقالت طائفة هي محكمة وكلما حرمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضموم إليها داخل في الاستثناء والقول الخامس أن هذه الآية جواب لما سألوا عنه فأجيبوا عما سألوا وقد حرم الله ورسوله غير ما في الآية [قال أبو جعفر] القول الأول انها منسوخة غير جائز لأن الاخبار لا تنسخ والقول الثاني انها جامعة لكل ما حرم وإحلال الحمر الاهلية وغيرها قول جماعة من العلماء منهم سعيد بن جبير والشعبي ويقال انه قول عائشة وابن عباس وثم أحاديث مسندة نبدأ بها فمن ذلك ما حدثناه
أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شعبة عن عبيد بن حسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الله بن يسر عن رجال من مزينة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم من الطاهر عن الحر أو ابن الحرة انه قال يا رسول الله لم يبق لي شيء أستطيع أن
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 145(1/136)
أطعمه أهلي إلا حمر لي قال أطعم أهلك من سين مالك وإنما كرهت لكم حوال القرية فاحتجوا بهذا الحديث في احلال الحمر الاهلية وقالوا انما كرهها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانها كانت تأكل القذر كما كره الجلالة وحدثنا أحمد بن محمد الازدي يعني الصحارى قال وحدثنا اسماعيل بن يحيى المزني قال حدثنا الشافعي قال أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الحميد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه آت فقال أكلت الحمر ثم جاءه آخر فقال أكلت ثم جاءه آخر فقال فنيت الحمر فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الاهلية انها رجس فكفئت القدور وانها لتفور فهذا ما فيه من المسند وأما عن الصحابة حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال كانت عائشة رضي الله عنها اذا ذكر لها النهي عن كل ذي ناب من السبع قالت ان الله يقول {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [قال أبو جعفر] وهذا اسناد صحيح لا مطعن فيه وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار قال كان جابر بن عبد الله ينهى عن لحوم الحمر ويأمر بلحوم الخيل وأبى ذلك ابن عباس وتلا {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ} حكى ذلك عمرو عن طاوس عن ابن عباس وأما ما فيه عن التابعين حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أنبأنا سفيان عن أبي اسحاق قال ذكرت لسعيد بن جبير حديث ابن أبي أوفى في النهي عن لحوم الحمر فقال إنما كانت تلك الحمر تأكل القذر وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا يحيى بن عباد عن يونس قال قلت للشعبي ما تقول في لحم الفيل فقال قال الله تعالى {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [قال أبو جعفر] وهذه الأحاديث كلها تعارض سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثابتة عنه
فأما معارضتها فان الحديث المسند الذي فيه قول الرجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبق لي شيء أطعمه أهلي إلا حمر لي قد يجوز أن تكون الحمر وحشية فيكون أكلها جائزا وقد يجوز أن يكون أحلها له على الضرورة كالميتة وأما الحديث الثاني حديث أنس الذي فيه من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا ينادي بما نادى به ففيه دليل على تحريمها وهو قوله فانه رجس فالرجس بالحرام أشبه منه بالحلال وفيه فكفئت القدور والحلال لا ينبغي أن يقلب والذي تأوله سعيد بن جبير يخالف فيه والذي روي عن عائشة وابن عباس يقال إن ابن عباس رجع عنه لما قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه انك امرؤ تائه قد حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المتعة
ولحوم الحمر الأهلية فرجع عن قوله وقال بتحريم المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية ومع هذا فليس أحد له مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجة ومع هذا فان ابن عباس يقول لا يحل أكل لحوم الخيل فقد أخرج الخيل من الآية فالحمر أولى وقوله في الخيل قول مالك وأبي حنيفة والقول الثالث بأن الآية محكمة وأن المحرمات داخلة فيها قول نظري لأن التذكية انما توجد توقيفا فكلما لم توجد تذكيته بالتوقيف فهو ميتة داخل في الآية والقول الرابع يضم الى الآية ما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قول حسن فيكون داخلا في الاستثناء الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو كذا وكذا وهذا قول الزهري ومالك بن أنس ألا ترى أن الزهري كان يقول بتحليل كل ذي ناب من السباع حتى قدم الشام فلقي أبا ادريس الخولاني حدثه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يحرم كل ذي ناب من السباع فرجع إلى قوله وكذا قال مالك لما سئل عن كل ذي مخلب من الطير فقال ما أعلم فيه نهيا وهو عندي حلال وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تحريم كل ذي مخلب من الطير غير أن الحديث لم يقع إلى مالك فعذر لذلك(1/137)
فأما معارضتها فان الحديث المسند الذي فيه قول الرجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبق لي شيء أطعمه أهلي إلا حمر لي قد يجوز أن تكون الحمر وحشية فيكون أكلها جائزا وقد يجوز أن يكون أحلها له على الضرورة كالميتة وأما الحديث الثاني حديث أنس الذي فيه من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا ينادي بما نادى به ففيه دليل على تحريمها وهو قوله فانه رجس فالرجس بالحرام أشبه منه بالحلال وفيه فكفئت القدور والحلال لا ينبغي أن يقلب والذي تأوله سعيد بن جبير يخالف فيه والذي روي عن عائشة وابن عباس يقال إن ابن عباس رجع عنه لما قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه انك امرؤ تائه قد حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المتعة
ولحوم الحمر الأهلية فرجع عن قوله وقال بتحريم المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية ومع هذا فليس أحد له مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجة ومع هذا فان ابن عباس يقول لا يحل أكل لحوم الخيل فقد أخرج الخيل من الآية فالحمر أولى وقوله في الخيل قول مالك وأبي حنيفة والقول الثالث بأن الآية محكمة وأن المحرمات داخلة فيها قول نظري لأن التذكية انما توجد توقيفا فكلما لم توجد تذكيته بالتوقيف فهو ميتة داخل في الآية والقول الرابع يضم الى الآية ما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قول حسن فيكون داخلا في الاستثناء الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو كذا وكذا وهذا قول الزهري ومالك بن أنس ألا ترى أن الزهري كان يقول بتحليل كل ذي ناب من السباع حتى قدم الشام فلقي أبا ادريس الخولاني حدثه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يحرم كل ذي ناب من السباع فرجع إلى قوله وكذا قال مالك لما سئل عن كل ذي مخلب من الطير فقال ما أعلم فيه نهيا وهو عندي حلال وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تحريم كل ذي مخلب من الطير غير أن الحديث لم يقع إلى مالك فعذر لذلك
والقول الخامس أن الآية جواب قول حسن صحيح وهو قريب من القول الذي قبله لأنها اذا كانت جوابا فقد أجيبوا عما سألوا عنه وثم محرمات لم يسألوا عنها فهي محرمة بحالها والدليل على أنها جواب أن قبلها {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} (1) وما معه من الاحتجاج عليهم وهذا القول الخامس مذهب الشافعي وفي هذه السورة شيء قد ذكره قوم هو عن الناسخ والمنسوخ بمعزل ولكنا نذكره ليكون الكتاب عام الفائدة قال جل ثناؤه {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (2) ففي هذه أربعة أقوال فمن الناس من قال هي منسوخة بقوله {وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) وهم يذكرون غير اسم الله على ذبائحهم ومنهم من قال هي محكمة لا يحل أكل ذبيحته الا أن يذكر اسم الله عليها فان تركه تارك عامدا أو ناسيا لم تؤكل ذبيحته والقول الثالث أن تؤكل اذا نسي أن يسمي والقول الرابع أن تؤكل ذبيحة المسلّم وان ترك التسمية عامدا أو ناسيا فالقول الاول قول عكرمة قال في قوله تعالى {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} قال فنسخ واستثنى منه فقال {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعََامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (3) واحتج بعضهم لهذا القول بأن القاسم بن مخيمرة سئل عن ذبيحة النصارى هل تؤكل اذا سموا عليها بغير اسم الله فقال نعم ولو قالوا عليها باسم جرجس [قال أبو
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 143.
(2) سورة: الأنعام، الآية: 121.
(3) سورة: المائدة، الآية: 5.(1/138)
جعفر] وهو قول مكحول وعطاء قال قد علم الله ذلك منهم وأباح ذبائحهم وهو قول ربيعة وهو يروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وهذا القول لو كان إجماعا لما وجب أن يكون فيه دليل على نسخ الآية ولكان استثناء على انه قد صح عن جماعة من الصحابة كراهة ذلك منهم علي بن أبي طالب قال اذا سمعته يقول باسم المسيح فلا تأكل فانه {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} (1) واذا لم تسمع فكل لأنه قد أحل ذلك وهذا قول عائشة وابن عمر وكره مالك ذلك ولم يحرمه والقول الثاني انه لا يحل ممّا لم يذكر اسم الله عليه في العمد والنسيان قول الحسن وابن سيرين والشعبي وعارضه محمد بن جرير وقال لو لم يكن من فساده الا أن العلماء على غيره والجماعة لكان ذلك كافيا من فساده [قال أبو جعفر] وقد ذكرنا من قال به من العلماء حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن داود عن الشعبي قال {لََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} (2)
وهذا أيضا مذهب أبي ثور والقول الثالث انه اذا ذبح فنسي التسمية أكلت ذبيحته قول سعيد بن جبير والنخعي ومالك وأبي حنيفة ويعقوب ومحمد والحجة لهم ان ظاهر الآية يوجب أن لا تؤكل ذبيحة من ترك ذكر اسم الله عليه عامدا لا ناسيا لأن فيها وانه لفسق فخرج بهذا النسيان لأنه لا يقال لمن نسي فسق والقول الرابع انه تؤكل ذبيحة المسلّم وإن ترك التسمية عامدا غير متهاون قول ابن عباس كما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن عمرو بن علي قال حدثنا يحيى القطان قال حدثنا سفيان قال حدثنا هارون بن أبي وكيع عن أبيه عن ابن عباس في قوله {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} قال خاصمهم المشركون فقالوا ما نذبح لا تأكلونه وما ذبحتم أكلتموه فهذا من أصح ما مر وهو داخل في المسند وخبر ابن عباس بسبب نزول الآية فوجب أن يكون {مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ}
يعني به الميتة وما ذبحه المشركون غير أهل الكتاب وما ذبحه المسلمون وأهل الكتاب مأكول وان {لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} واحتج ابن عباس فقال اسم الله مع المسلّم وهذا القول هو الصحيح من قول الشافعي وقد حكى حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلّم قال يؤكل ما ذبحوا لكنائسهم لأنه من طعامهم الذي أحله الله لنا قال فقلت فقد قال الله جل ثناؤه {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} فقال انما ذلك ذبائح أهل الاوثان والمجوس. وفي هذه السورة {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (3) روي عن ابن عباس قال نسخ هذا {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ}
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 173
(2) سورة: الأنعام، الآية: 121
(3) سورة: الأنعام، الآية: 106(1/139)
{وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية وقال غيره ليس في هذا نسخ انما هذا من قولهم أعرضت عنه أي لم انبسط اليه واشتقاقه من أوليته عرض وجهي وهذا واجب أن يستعمل مع المشركين وأهل المعاصي قال جل ثناؤه {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكََافِرِينَ} (1). وفي هذه السورة {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (2) حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً} قال اليهود والنصارى تركوا الاسلام والدين الذي أمروا به {وَكََانُوا شِيَعاً} فرقا وأحزابا مختلفة {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} نزلت بمكة ثم نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3) الآية
[قال أبو جعفر] وقال غيره ليس في هذا نسخ لانه معروف في اللغة أن يقال لست من فلان ولا هو مني اذا كنت مخالفا له منكرا عليه ما هو فيه وحكى سيبويه أنت مني فرسخا ما دمنا أي ما دمنا نسير فرسخا على انه قد روى أبو غالب عن أبي امامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً} قال هم الخوارج وان بني اسرائيل افترقت على احدى وسبعين فرقة وتزيد هذه الامة واحدة كلها في النار الا فرقة واحدة وهي الجماعة والسواد الاعظم فتبين بهذا الحديث وبظاهر الآية {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً} هم أهل البدع لانهم اذا ابتدعوا تخاذلوا وتخاصموا وتفرقوا فليس النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا الفرقة الناجية وهي الجماعة الظاهرة منهم في شيء لانهم منكرون عليهم ما هم فيه مخالفون لهم فهذا من الناسخ والمنسوخ بمعزل.
__________
(1) سورة: المائدة، الآية: 54
(2) سورة: الأنعام، الآية: 159
(3) سورة: التوبة، الآية: 29(1/140)
سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بن المدرع قال حدثني أبو حاتم قال حدثني أبو عبيد حدثني يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال وسورة الأعراف نزلت بمكة فهي مكية [قال أبو جعفر] فلم نجد فيها مما يدخل في الناسخ والمنسوخ الا آية واحدة مختلف فيها قال الله عز وجل {خُذِ الْعَفْوَ} (1) فيها خمسة أقوال من العلماء من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالغلظة على الكفار ومنهم من قال خذ العفو أي الزكاة المفروضة ومنهم من قال هو أمر بالاحتمال وترك الغلظة والفظاظة غير منسوخة فممن روى انها منسوخة بالزكاة ابن عباس قال {خُذِ الْعَفْوَ} يقول خذ ما عفا وما أتوك به ثم قال وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرض الزكاة وتفصيلها وجعلها موضعها وقال الضحاك نزلت الزكاة فنسخت كل صدقة في القرآن وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا حسين بن الاسود عن عمرو عن أسباط عن السدي {خُذِ الْعَفْوَ} قال الفضل من المال نسخته الزكاة والقول الثاني أنها منسوخة بالغلظة قول زيد قال {خُذِ الْعَفْوَ} قال فأقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة عشر سنين لا يعرض عن أحد ولا يقاتله ثم أمره الله عز وجل أن يقعد لهم كل مرصد وأن لا يقبل لهم الا الاسلام وأنزل {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ جََاهِدِ الْكُفََّارَ وَالْمُنََافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (2) وقال {قََاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفََّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (3) فنسخ هذا العفو والقول الثالث أن العفو الزكاة قال مجاهد وكان إبراهيم بن محمد بن عرفة يميل الى هذا القول قال لأن الزكاة يسير من كثير والقول الرابع أن العفو شيء من المال سوى الزكاة قول القاسم وسالم قالا هو فضل المال ما كان عن ظهر غنى والقول الخامس قول عبد الله وعروة ابني الزبير كما قرئ على أحمد بن شعيب عن هارون بن اسحاق قال حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن الزبير قال انما أنزل الله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ} من اخلاق الناس وهذا أولى ما قيل في الآية لصحة اسناده وانه عن صحابي يخبر بنزول الآية واذا جاء الشيء هذا
__________
(1) سورة: الأعراف، الآية: 199
(2) سورة: التوبة، الآية: 73
(3) سورة: التوبة، الآية: 123(1/141)
المجيء لم يسع أحدا مخالفته والمعنى عليه {خُذِ الْعَفْوَ} (1) أي السهل من أخلاق الناس ولا تغلظ عليهم ولا تعنف بهم وكذا كانت أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم أنه ما لقي أحدا بمكروه في وجهه ولا ضرب أحدا بيده وقيل لعائشة رضي الله عنها ما كان خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي مدحه الله تعالى به فقال {وَإِنَّكَ لَعَلى ََ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (2) فقالت كان خلقه القرآن وزعم محمد بن جرير أن هذا أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الكفّار أمره بالرفق بهم واستدل على أنه في المشركين بان ما قبله وما بعده فيهم قال لأن قبله احتجاجا عليهم قال ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون وبعده واخوانهم يمدونهم في الغي وخالفه غيره فقال أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالاخلاق السهلة اللينة لجميع الناس بل هذا للمسلمين أولى وقد قال ابن الزبير وهو الذي فسر الآية والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت كما أمر الله في الآية {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (1) قال عروة والسدي العرف المعروف [قال أبو جعفر] والذي قالاه معروف في اللغة يقال أولاني فلان معروفا وعرفا وعارفة وفي الحديث العرف أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وهذا من كلام العرب ومن اختصار القرآن المعجز لأنه قد اجتمع في قوله {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} هذه الخصال الثلاث ويدخل فيه الأمر بالمعروف والقبول عن الله ما أمر به وما ندب اليه وهذا كله من العرف وفيها {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (1) زعم ابن زيد أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال وقال غيره ليست بمنسوخة وانما أمر باحتمال من ظلم وما بعده هذه الآية أيضا يدل على أن القول كما قال ابن الزبير وأنه صلّى الله عليه وسلّم أمر بالسهل من الأخلاق وترك الغلظة لأن بعدها {وَإِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ} (3) أي واما يغضبنك من الشيطان وسوسة تحمل على ترك الاحتمال {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ} (3) أي استجر به مما عرض لك انه سميع لاستجارتك وغيرها عليم بما يزيل عنك ما عرض لك وبعدها أيضا يدل على ما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} (4) أي اتقوا الله تعالى بأداء فرائضه وترك معاصيه {إِذََا مَسَّهُمْ طََائِفٌ مِنَ الشَّيْطََانِ} (4) أي عارض وسواس منه {تَذَكَّرُوا} (4) وعد الله ووعيده وعقابه {فَإِذََا هُمْ مُبْصِرُونَ} (4) الحق آخذون بما أمرهم الله تعالى به من التحامل عند الغضب والغلظة على ما قد نهوا عن الغلظة عليه.
__________
(1) سورة: الأعراف، الآية: 199.
(2) سورة: القلم، الآية: 4.
(3) سورة: الأعراف، الآية: 200.
(4) سورة: الأعراف، الآية: 199.(1/142)
سورة الأنفال
باب ذكر الآية الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بن المدرع باسناده عن ابن عباس قال ونزلت سورة الانفال بالمدينة فهي مدنية قال الله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} (1) الآية للعلماء في هذه الآية أقوال وأكثرهم على انها منسوخة بقوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (2) فاحتج بعضهم بأنها لما كانت من أول ما نزل في المدينة من قبل أن يؤمر بتخميس الغنائم وكان الامر في الغنائم كلها الى النبي صلّى الله عليه وسلّم وجب أن تكون منسوخة بجعل الغنائم حيث جعلها الله قائلو هذا القول يقولون الانفال هاهنا الغنائم ويجعل بعضهم اشتقاقه من النافلة وهي الزيادة قال والغنائم أنفال لان الله تعالى أنفلها أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم خصهم بذلك وقال بعضهم ليست بمنسوخة وهي محكمة والآية أن يعملوا بها فينفلوا من شاءوا اذا كان في ذلك صلاح للمسلمين واحتجوا ان هذه هي الانفال على الحقيقة لا الغنائم لانها زيادات يزاد الرجل بها على غنيمته أو يزيدها الامام من رأى والقول الثالث ان الانفال ما ند من العدو من عبد أو دابة فللامام ان ينفل ذلك من شاء اذا كان به صلاحا والقول الرابع ان الانفال للسرايا خاصة والقول الخامس ان الانفال الخمس خاصة سألوا لمن هو فأجيبوا بهذا [قال أبو جعفر] فممن روي عنه القول الاول ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة قال الانفال الغنائم التي كانت خالصة للنبي صلّى الله عليه وسلّم ليس لأحد فيها شيء ثم أنزل الله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية وهو قول مجاهد كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني سليم مولى ابي علي عن مجاهد قال نسخت نسختها {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} وهو قول عكرمة كما قرئ على إبراهيم بن موسى الحوري عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا اسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الانفال لله ولرسوله ثم نسخ ذلك قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ} وهذا قول الضحاك والشعبي والسدي وأكثر الفقهاء الا ان أكثرهم يقول لا يجوز للامام أن ينفل أحدا شيئا من الغنيمة الا من سهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لان الاسهم الاربعة قد صارت لمن شهد من
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 1
(2) سورة: الأنفال، الآية: 41(1/143)
الجيش الحرب وكذا قال الشافعي في السهم الخامس سهم النبي صلّى الله عليه وسلّم يكون للأئمة والمؤذنين أي لما فيه صلاح للمسلمين وكذا التنفيل منه فالقول على هذا ان الآية منسوخة اذا صارت الأنفال تقسم خمسة أقسام وكان بعضهم يقول انما ذكرت الاصناف التي يجب أن يقسم السهم فيها فان دفع الى بعضها جاز فهذا كله يوجب ان الآية منسوخة لانهم قد أجمعوا ان الاربعة الاسهم لمن شهد الحرب وانما الاختلاف في السهم الخامس ومما يحق أيضا نسخها حديث سعد بن أبي وقاص في سبب نزولها كما قرئ على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا سماك بن حرب قال حدثني مصعب بن سعد عن أبيه قال أنزل فيّ آيات وذكر الحديث فقال فيه وأصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غنيمة عظيمة فاذا فيها سيف فأخذته فأتيت به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت نفلنيه فانا من قد علمته قال رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن القيه في القبض لامتني نفسي فرجعت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت اعطينيه قال فشد صوته وقال رده من حيث أخذته فأنزل الله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} الآية وحكى أبو جعفر بن رشد عن عمرو بن جلد قال القبض الموضع الذي تجمع الغزاة فيه ما غنموا وقرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني أبو صخر عن الفرضي قال وحدثني أبو معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ان سعدا ورجلا من الانصار خرجا يتبقلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه جميعا فقال سعد هو لي وقال الانصاري هو لي قال لا أسلمه حتى أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقصا عليه القصة فقال صلّى الله عليه وسلّم ليس هو لك يا سعد ولا للانصاري ولكنه لي فنزلت {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللََّهَ وَأَصْلِحُوا ذََاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (1) يقول سلما السيف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم نسخت هذه الآية فقال تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ} (2) الى آخر الآية [قال أبو جعفر] هذه الزيادة حسنة وان كانت غير متصلة فانها عن سعد في سبب نزول الآية ثم ذكر نسخها وقد سمعت
أحمد بن محمد بن سلامة يقول قال لي أحمد بن شعيب يقول نظرت في حديث يحيى بن سليمان عن ابن وهب فما رأيت شيئا أنكره الا حديثا واحدا ثم رفع يحيى في الحديث
والقول الثاني انها غير منسوخة وان للامام ان يزيد من حضر الحرب على سهمه لبلاء أبلاه
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 1
(2) سورة: الأنفال، الآية: 41(1/144)
وأن له أن يرضخ لمن يقاتل اذا كان ذلك في صلاح للمسلمين يتأول قائل هذا ما صح عن ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن العباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل ثم عاد يسأله فقال ابن عباس ذلك أيضا ثم عاد فقال أما الأنفال التي قال الله تعالى في كتابه فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس أتدرون ما مثل هذا مثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرا فصارت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا
[قال أبو جعفر] ففي هذا التنفيل ولم ينفل فيه من الخمس واحتج قائل هذا أيضا باللغة وأن معنى التنفيل في اللغة الزيادة وكان محمد بن جرير يميل الى هذا القول والقول الثالث أن الأنفال ما ند من المشركين الى المسلمين بغير قتال قول عطاء والحسن كما قرئ
على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن أبي سليمان قال حدثنا ابن (1) أو أمة أو متاع أو دابة فهو النفل كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصنع به ما شاء قال حدثنا يحيى بن سليمان وحدثنا حفص بن غياث عن عاصم بن سليمان عن الحسن قال فذلك الى الامام يصنع به ما شاء
والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا قول علي بن صالح يرجى والقول الخامس أن الانفال الخمس قول مجاهد رواه عنه ابن أبي نجيح وقال المهاجرون لم يخرج منها هذا الخمس فقال الله تعالى {فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} فهذه خمسة أقوال وان كان بعضها يدخل في بعض لأن قول من قال هو ما ند من المشركين الى المسلمين يدخل في قول من قال للامام أن ينفل وكذا قول من قال هي أنفال السرايا وقول مجاهد هي الخمس يرجع الى قول من قال التنفيل من الخمس واختلفوا أيضا في الآية الثانية من هذه السورة.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله تعالى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ وَمَأْوََاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (2) للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال منهم
__________
(1) هكذا في الأصل وفيه سقط بين.
(2) سورة: الأنفال، الآية: 16(1/145)
من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي مخصوصة لأهل بدر لأنها فيهم نزلت ومنهم من قال هي محكمة وحكمها باق الى يوم القيامة فممن قال هي منسوخة عطاء بن أبي رباح قال نسختها {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتََالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (1) الى تمام الآيتين أي فنسخ التخفيف عنهم والاطلاق لهم أن يولوا ممن هو أكثر من هذا العدد والقول الثاني انها مخصوصة قول الحسن كما حدثنا
محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال ليس الفرار من الكبائر انما كان في أهل بدر خاصة هذه الآية {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ} وقرئ على أحمد بن شعيب عن أبي داود حدثنا أبو زيد الهروي قال حدثنا شعبة قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية في أهل بدر والقول الثالث أن حكمها باق الى يوم القيامة قول ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكر الكبائر قال الفرار من الزحف لأن الله قال {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ} [قال أبو جعفر] وهذا أولى ما قيل فيه ولا يجوز أن تكون منسوخة لأنه خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد فان قيل فحديث أبي سعيد الخدري متصل الاسناد وقد أخبر بنزول الآية في أهل بدر وحكمها باق الى يوم القيامة وأهل بدر كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم فكان لهم أن ينحازوا اليه فكذا كل امام والدليل على أن حكمها باق الى يوم القيامة ما حدثناه عليّ بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال كنت في غزوة مشايحا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلقينا العدوّ فحاص الناس حيصة ويقال جاض الناس جيضة وكنت فيمن جاض فرجعنا إلى أنفسنا فقلنا كيف يرانا المسلمون وقد بؤنا بالغضب قال ثم قرأ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ} فقلنا نأتي المدينة فنبيت بها ثم نخرج فلا يرانا أحد فلما أتينا المدينة قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرصدناه حين خرج الى صلاة الفجر فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون قلنا انا قد هممنا بكذا وكذا قال لا إنا فئة المسلمين {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ} (2) [قال أبو جعفر]
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 65
(2) هكذا في الأصل ولم يظهر لنا تطبيق معنى ما أراده على ما استشهد به فليحرر.(1/146)
وفي هذا الحديث بيان معنى الآية لمن كان من أهل العلم وذلك ان ابن عمر لم يقبله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحرب الا بعد يوم بدر فتبين بهذا ان حكم الآية باق وتبين ان لمن حارب العدوّ اذا خاف على نفسه أن ينحاز الى فئة يتقوى بها والعكارون الكرارون الراجعون يقال عكر وعكّر واعتكر إذا كر ورجع فلما رجع ابن عمر ومن معه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قابلين منه كانوا هم العكارين الراجعين الى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم الى الجهاد والقبول من الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما يأمرهم به واختلفوا أيضا في الآية الثالثة اختلافا كثيرا لأنها مشكلة.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (1) للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال قال الحسن نسخ {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قوله {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} (2) [قال أبو جعفر] النسخ هاهنا محال لأنه خبر خبّر الله به ولا نعلم أحدا روي عنه هذا الا الحسن وسائر العلماء على انها محكمة وقالوا فيها أربعة أقوال فمن ذلك ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} قال يقول سبحانه ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وفيهم من قد سبق له من الدخول في الايمان وهو الاستغفار {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} يوم بدر بالسيف [قال أبو جعفر] شرح هذا {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ} يعني الكفار جميعا وقد علم ان فيهم من يسلّم فيكون وهم يراد به البعض مثل قول العرب قتلنا بني فلان وانما قتلوا بعضهم {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} اذا أسلّم منهم من قد سبق في علمه أنه يسلّم فهذا القول يجوز الا أن فيه هذا التعسف وقال مجاهد {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي يسلمون وهذا كالأوّل وروى أبو رميل عن ابن عباس {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ} في الدنيا {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} كانوا يقولون غفرانك غفرانك {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} في الآخرة [قال أبو جعفر] وهذا القول ظاهره حسن الا أن فيه انهم انما استعجلوا بعذاب الدنيا لا بعذاب الآخرة أيضا فقد علم انهم يعذبون في
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 33
(2) سورة: الأنفال، الآية: 34(1/147)
الآخرة ان ماتوا على الكفر فهذان قولان لمن قال إنها محكمة والقول الثالث قول الضحاك كما قرئ على إبراهيم بن موسى الحوري عن يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا وكيع قال حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قول الله تعالى {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (1) قال المؤمن من أهل مكة [قال أبو جعفر] جعل الضميرين مختلفين وهو قول حسن وإن كان محمد بن جرير قد أنكره لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر فيكنى عنهم وهذا غلط لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة فإن قيل لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع فالجواب أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع وذلك ان من قال من الكفار اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء انما قال هذا مستهزئا ومتعنتا ولو قصد الحق لقال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من السماء أي اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهلك الجماعة من الكفار والمسلمين فهذا معنى ذكر المسلمين فيكون المعنى كيف يهلك الله المسلمين فهذا المعنى {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يعني المؤمنين {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} يعني الكافرين وقول ابن أبزى كقول الضحاك {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يعني الفئة المسلمة التي كانت بمكة فلما خرجوا قال الله عز وجل {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} يعني الكفار والقول الخامس قول قتادة والسدي وابن زيد قالوا {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي لو استغفروا [قال أبو جعفر] وهذا أبين ما قيل في الآية لا تعسف فيه كما يقول ما لي لا أسيء اليك وأنت تحسن الرأي لو أحسنت اليّ ما أسأت اليك فيكون المعنى {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ} وهذا حالهم أي لو استغفروا من الكفر وتابوا {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} أي وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم مصرون على الكفر والمعاصي فقد استحقوا العذاب واختلفوا في الآية الرابعة.
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله تعالى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا} (2) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 33
(2) سورة: الأنفال، الآية: 61(1/148)
قال أنبأنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} قال الصلح {فَاجْنَحْ لَهََا} قال نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1) وروي عن ابن عباس ان الناسخ لها {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} (2) [قال أبو جعفر] القول في أنها منسوخة لا يمتنع لأنه أمر بالاجابة الى الصلح والهدية بغير شرط فلما قال عز وجل {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} (2) حظر الصفح والهدية مع قوة اليد والاستعلاء على المشركين والبين في باب النظر أن تكون منسوخة وأن تكون الثانية مثبتة الأولى ومن العلماء من يقول في الآية الخامسة أنها منسوخة.
باب ذكر الآية الخامسة
قال الله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتََالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (3) في رواية ابن أبي نجيح وعثمان عن عطاء عن ابن عباس قال نسختها {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} (4) الآية وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا جرير بن حازم عن الزبير بن حريث عن ابن عباس قال
كان فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم العشرة من المشركين قال {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ} (3)
فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى التخفيف فجعل على الرجل أن يقاتل اثنين فخفف عنهم ونقصوا من الصبر بقدر ذلك [قال أبو جعفر] وهذا شرح بيّن حسن أن يكون هذا تخفيفا لا نسخا لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل فيه لم يقاتل الرجل عشرة بل ان قدر على ذلك فهو الاختيار له ونظير هذا افطار الصائم في السفر لا يقال انه نسخ للصوم وانما هو تخفيف رخصة والصيام له أفضل قال ابن شبرمة وكذا النهي عن المنكر لا يحل له أن يفرّ من اثنين اذا كانا على منكر وله أن يفرّ من أكثر منهما ومن العلماء من أدخل الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ.
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 5
(2) سورة: محمد، الآية: 35
(3) سورة: الأنفال، الآية: 65
(4) سورة: الأنفال، الآية: 66(1/149)
باب ذكر الآية السادسة
قال الله تعالى {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (1) حدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} كان ذلك والمسلمون قليل يومئذ فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله بعد هذا في الأسرى {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (2) فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا عذبوهم واستعبدوهم وان شاءوا فادوهم [قال أبو جعفر] وهذا كله من الناسخ والمنسوخ بمعزل لأنه قد قال الله تعالى {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}
فأخبر بهذا فلما أثخن في الأرض كان له أسرى واختلفوا في الحكم فيهم وسنذكر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية السابعة
قال الله تعالى {فَكُلُوا مِمََّا غَنِمْتُمْ حَلََالًا طَيِّباً} (3) حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح {فَكُلُوا مِمََّا غَنِمْتُمْ حَلََالًا طَيِّباً} فكان هذا ناسخا لما تقدم من حكم الله تعالى في حظر الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم وانما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها والدليل على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تحل الغنائم لأحد قبلنا وفي الحديث انهم لما أسرعوا الى أكلها أنزل الله تعالى {لَوْلََا كِتََابٌ مِنَ اللََّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَخَذْتُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ} (4) قيل المعنى لولا أن الله سبق منه أن لا يعذب أحدا الا بعد التقديم اليه لعاقبكم قيل وقيل لولا أنه سبق من الله أنه لا يعذب أحدا على صغيرة اذا اجتنب الكبائر لعاقبكم وفيه غير هذا وقد ذكرته وأكثر العلماء يقول في الآية الثامنة انها منسوخة.
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 67
(2) سورة: محمد، الآية: 4
(3) سورة: الأنفال، الآية: 69
(4) سورة: الأنفال، الآية: 68(1/150)
باب ذكر الآية الثامنة
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا} (1) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} قال كان المسلمون يتوارثون بالهجرة كان الرجل اذا أسلّم ولم يهاجر لم يرث أخاه ونسخ ذلك قوله تعالى {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهََاجِرِينَ} (2) وقرئ على علي بن سعيد بن بشير عن محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} فتوارثوا بالنسب [قال أبو جعفر] فتكلم العلماء على ان هذه الآية ناسخة للتي قبلها وان التوارث كان بالهجرة والمواخاة فنسخ ذلك قال عكرمة فأقام الناس برهة من الدهر لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي حتى أنزل الله {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهََاجِرِينَ} الآية وقال قتادة أي بالوصية.
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 72
(2) سورة: الأحزاب، الآية: 6(1/151)
سورة براءة
قال أبو بكر الأدفوي قرأت على أبي جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحوي لا أعلم اختلافا أنها من آخر ما نزل بالمدينة ولذلك قال لا منسوخ فيها ويدلك على ذلك ما حدثناه أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف الاعرابي عن يزيد الفارسي قال حدثنا ابن عباس قال قلنا لعثمان بن عفان رضي الله عنهما ما حملكم على أن عمدتم الى الانفال وهي من المثاني والى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما فلا تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على هذا؟ قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنزل عليه السورة ذات العدد فاذا نزلت الآية قال اجعلوها في سورة كذا وكذا فكانت الانفال أول ما نزل بالمدينة وكانت {بَرََاءَةٌ} (1) من آخر ما نزل وكانت قصتها تشبه قصتها ولم يبين لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك شيئا فلذلك قرنت بينهما ولم اكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو اسامة قال حدثنا عوف وذكر باسناده نحوه غير انه زاد فيه قال عثمان فظننت انها منها قال وكانتا تدعيان في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرينتين فلذلك جعلتهما في السبع الطوال [قال أبو جعفر] ففي هذا ظن عثمان ان الانفال من براءة وتحقيق ابن عباس انها ليست منها وفيه البيان ان تأليف القرآن عن الله تعالى وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا مدخل لأحد فيه ولو لم يكن في تلك إلا الأحاديث المتواترة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر البقرة وآل عمران وسائر السور وانه كان يقرأ في صلاة كذا بكذا وانه قرأ في ركعة بالبقرة وآل عمران وانه قال صلّى الله عليه وسلّم يأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان أو قال غيايتان وصح ان أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يحفظون القرآن في وقته ولا يجوز أن يحفظوا ما ليس مؤلفا كما حدثنا أبو علي محمد بن جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل قال قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي قال وهؤلاء الاربعة من الأنصار كانوا يقرءون وأبو زيد سعد بن عبيد من بني عمرو بن عوف من الأنصار قال
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 1(1/152)
الشعبي وأبو الدرداء حفظ القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومجمع بن حارثة بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء الا عثمان بن عفان وسالم مولى أبي حذيفة بقي عليه منه شيء فان قيل فقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليل على حفظه اياه كله ولكن فيه دليل على أمانته ومما يدل على أن القرآن كان مؤلفا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي بكر الهذلي عن أبي رافع قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الزبور وأعطيت المثاني مكان الانجيل وفضلت بالمفصل فهذا التأليف من لفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهذا أصل من أصول المسلمين لا يسعهم جهله لأن تأليف القرآن من إعجازه ولو كان التأليف عن غير الله ورسوله لسوعد بعض الملحدين على طعنهم وقد أشكل على بعض أصحاب الحديث ما طعن به بعض أهل الاهواء بالحديث ان عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وضم اليه جماعة فتوهم ان هذا هو التأليف وهذا غلط عظيم وقد تكلم العلماء في معنى هذا بأجوبة فمنهم من قال انما أمر بجمعه وان كان مجموعا لأنهم كانوا يقرءونه على سبعة أحرف فوقع بينهم الشر والخلاف وأراد عثمان رضي الله عنه أن يختار من السبعة حرفا واحدا هو أفصحها ويزيل الستة وهذا من أصح ما قيل فيه لأنه مروي عن زيد بن ثابت انه قال هذا ويدلك على صحته أن زيد بن ثابت كان يحفظ القرآن فلا معنى لجمعه اياه الا على هذا وما أشبهه وقد قيل انما جمعه وان كان يحفظه لتقوم حجته عند أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه انه يستبد برأيه وقد عارض بعض الناس في هذا فقال لم يخص زيد بن ثابت بهذا وفي الصحابة من هو أكبر منه منهم عبد الله بن مسعود وأبو موسى الاشعري وغيرهما واحتج بما حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا شعيب بن أيوب قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله ان أبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما بشراه بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد فالجواب عن هذا ان زيد بن ثابت قدّم لأشياء لم تجتمع لغيره منها انه كان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنها انه كان يحفظ القرآن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
ومنها ان قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليهما السلام وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول عبد الله بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض على غير تأويله وليس التأويل على ما ذهب اليه ولو كان على ما ذهب اليه ما وسع أحدا أن يقرأ إلا بحرف عبد الله بن مسعود والتأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن علي الجعفي أن عبد الله بن
مسعود كان يرتل القرآن فحض النبي صلّى الله عليه وسلّم على ترتيل مثل ترتيله لا غير ويدلك على ذلك الحديث انه سئل عن {طسم} فقال لا أحفظها سل حبانا عنها فان قيل فقد حضر عبد الله بن مسعود العرضة الآخرة قيل قد ذكرنا ما لزيد بن ثابت سوى هذا على ان حرف عبد الله الصحيح انه موافق لمصحفنا يدلك على ان أبا بكر بن عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على زر وقرأ زر على عبد الله. وقرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن يسار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول آخر آية نزلت آية الكلالة وآخر سورة نزلت {بَرََاءَةٌ} [قال أبو جعفر] وقد ذكرنا أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ لهذا فأما الناسخ فيها فكثير وقد اختلف في الآية الأولى منها.(1/153)
ومنها ان قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليهما السلام وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول عبد الله بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض على غير تأويله وليس التأويل على ما ذهب اليه ولو كان على ما ذهب اليه ما وسع أحدا أن يقرأ إلا بحرف عبد الله بن مسعود والتأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن علي الجعفي أن عبد الله بن
مسعود كان يرتل القرآن فحض النبي صلّى الله عليه وسلّم على ترتيل مثل ترتيله لا غير ويدلك على ذلك الحديث انه سئل عن {طسم} فقال لا أحفظها سل حبانا عنها فان قيل فقد حضر عبد الله بن مسعود العرضة الآخرة قيل قد ذكرنا ما لزيد بن ثابت سوى هذا على ان حرف عبد الله الصحيح انه موافق لمصحفنا يدلك على ان أبا بكر بن عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على زر وقرأ زر على عبد الله. وقرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن يسار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول آخر آية نزلت آية الكلالة وآخر سورة نزلت {بَرََاءَةٌ} [قال أبو جعفر] وقد ذكرنا أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ لهذا فأما الناسخ فيها فكثير وقد اختلف في الآية الأولى منها.
باب ذكر الآية الأولى منها
قال الله عز وجل {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)
للعلماء في هذه الآية سبعة أقوال منها ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال أنبأنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال كان لقوم عهود فأمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها ولا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين يوما عشرين من ذي الحجة والمحرم كله فذلك قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2) هذا قول والقول الثاني رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أجل من له عهد أربعة أشره ولم يقل فيه أكثر من هذه الرواية فيمن لا عهد لهم كالأولى والقول الثالث أنهم صنفان صنف عاهده النبي صلّى الله عليه وسلّم أقل من أربعة أشهر وصنف عاهده الى غير أجل فرد الجميع الى أربعة أشهر والقول الرابع انهم صنفان (3). أيضا صنف عوهد الى أقل من أربعة أشهر وصنف عاهده الى غير أجل وصنف عوهد الى أكثر من أربعة أشهر فأمر بالوفاء له قال تعالى {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى ََ مُدَّتِهِمْ} (4) والقول الخامس انه رد الجميع الى أربعة أشهر من عوهد الى أقل منها أو أكثر [قال أبو جعفر] وهذا قول مجاهد والسدي قالا وأول هذه
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 1
(2) سورة: التوبة، الآية: 5
(3) هكذا بالاصل على انهم ثلاثة أصناف كما عدهم فليحفظ.
(4) سورة: التوبة، الآية: 4(1/154)
الاشهر التي هي أشهر السياحة يوم الحج الاكبر الى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر وسميت الحرم لأن القتال كان فيها محرما [قال أبو جعفر] وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أنبأنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (1) قال شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم [قال أبو جعفر] ولا أعلم أحدا قال هذا الا الزهري والدليل على غير قوله صحة الرواية أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه انما قرأ عليهم هذا ونبذ العهد اليهم بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذي الحجة يوم الحج الأكبر فيجب أن يكون هذا أول الشهور ومن احتج للزهري انما حمل هذا على نزول براءة [قال أبو جعفر] وهذا غلط كيف ينبذ العهد اليهم وهم لا يعلمون وأيضا فان النبي صلّى الله عليه وسلّم وجه أبا بكر الصديق يحج بالناس سنة تسع ثم اتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الآيات ليقرأها في الموسم ودل هذا على انه قد نسخ بها ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أقر المشركين على حج البيت وطوافهم به عراة وسنذكر الحديث بهذا والقول السابع أن الذين نبذ اليهم العهد وأجلوا أربعة أشهر هم الذين نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمر بنبذ العهد اليهم وتأجيلهم أربعة أشهر فأما من لم ينقض العهد فكان مقيما على عهده قال الله عز وجل {فَمَا اسْتَقََامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (2) ومن لم يكن له عهد أجل خمسين يوما كما قال ابن عباس وهذا أحسن ما قيل في الآية وهو معنى قول قتادة
والدليل على صحته ما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أبي اسحاق الهمداني عن زيد بن تبيع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمرني النبي صلّى الله عليه وسلّم بأربع أن لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة وأن يتمّ لكل ذي عهد عهده [قال أبو جعفر] فان قيل فقد روي في الرابعة وأن ينبذ الى كل ذي عهد عهده فالجواب انه يجوز أن يكون هذا لمن نقض العهد على ان الرواية الأولى أولى وأكثر وأشبه والله أعلم [قال أبو جعفر] وقد حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال لم يعاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية أحدا قال السدي لم يعاهد عليه الصلاة والسلام بعد هذا الا من كان له عهد قبل [قال أبو جعفر] هذا وان كان قد روي فالصحيح غيره قد عاهد النبي صلّى الله عليه وسلّم جماعة منهم أهل نجران قال
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 2
(2) سورة: التوبة، الآية: 7(1/155)
الواقدي عاهدهم وكتب لهم سنة عشر قبل وفاته صلّى الله عليه وسلّم بيسير وقد اعترض قوم من أهل الأهواء فقالوا قد أجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل نجران الى الشام بعد ان أمنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكتب لهم كتابا أن لا يحسروا وأرادوا بهذا الطعن على عمر رضي الله عنه وهذا جهل ممن قاله أو عناد لأن عمر رضي الله عنه في رواية سالم بن أبي الجعد قال أمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل نجران وكتب لهم أن لا يحسروا ثم كتب لهم بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم كتب لهم بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكثروا حتى بلغوا أربعين ألف مقاتل فكره عمر رضي الله عنه أن يميلوا على المسلمين فيفرقوا بينهم وقالوا لعمر نريد أن نتفرق ونخرج الى الشام فاغتنم ذلك منهم فقال نعم ثم ندموا فلم يقلهم فلما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا كتابك بيمينك وشفاعتك بلسانك فقال ان عمر كان رشيدا وفي غير رواية سالم قال لهم علي اني ما قعدت هذا المقعد لأحل عقدا عقده عمر ان عمر كان رجلا موفقا وقرئ على عمران بن موسى يعرف بابن الطبيب عن أبي يعقوب اسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن ميمون قال أنبأنا أبو داود الحفري قال حدثنا سفيان الثوري عن الاعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله بن مسعود لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم أحياء العرب في كفة لرجح علم عمر ولقد كنا نقول ذهب عمر بتسعة أعشار العلم وقرئ على عمران بن موسى عن اسحاق قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعد بن أبي حسين عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس قال كنت فيمن يزدحم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع على سريره فجاء رجل من خلفي فوضع يده على منكبي وترحم عليه وقال ما من أحد ألقى الله بعلمه أحب اليّ من هذا ان كنت أظن ليجمعنه الله مع صاحبيه كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول كنت أنا وأبو بكر وعمر قلت أنا وأبو بكر وعمر وكنت أظن ليجمعنك الله معهما فالتفت فاذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهذا قول علي فيه الأسانيد الصحاح فلا مطعن فلو طعن على شيء لم يغيره من ينتحل محبته وقد قرئ على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه والروايات بمثل هذا كثيرة ولم نقصد جمعها وانما قصدنا بعضها لأن فيه كفاية وبيانا عما أردناه وقد اختلف في الآية الثانية من هذه السورة.(1/156)
سفيان على عجز بغلته في الليلة التي كان في صبيحتها ما كان من دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة قال العباس فكنت اذا مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا نظروا قالوا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى اذا مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من هذا وقام اليّ فرآه في عجز البغلة فقال أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله منك ومر يشتد الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدابة البطيء الرجل البطيء ثم اقتحمت فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم جاء عمر فدخل فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا ميثاق فدعني فأضرب عنقه فقلت يا رسول الله اني قد أمنته [قال أبو جعفر] فهذا عمر بن الخطاب أراد قتل أبي سفيان وهو أسير فلم يقل له النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يجوز قتل الأسير ولا أنكر عليه ما قاله من همه بقتله ففي هذا بيان أن الآية محكمة وقد أدخلت الآية الثالثة في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} (1) فكانت الآية ناسخة لما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحد وقد قال تعالى {لََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ} (2) ومعنى {فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} امنعوهم من دخوله فانهم اذا دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام هو الحرم كله كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عطاء قال قوله تعالى {فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ} يريد الحرم [قال أبو جعفر] {بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} يعني سنة تسع قال ابن عباس قالوا اذا لم تحج الكفار خفنا الفقر إذ قل من نبايعه واختلف العلماء في حكم هذه الآية وفي دخول المشركين الحرم وسائر المساجد فقال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كل المساجد وهو قول قتادة قال لأنهم {نَجَسٌ} قال وقيل لهم {نَجَسٌ} لأنهم لا يستحمون من الجنابة وكذا لا يدخل المسجد جنب فهذا قول وقال الشافعي يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ولا يمنعون من دخول سائر المساجد وقال أبو حنيفة ويعقوب ومحمد وزفر لا
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 28
(2) سورة: البقرة، الآية: 191(1/158)
يمنع اليهود ولا النصارى من دخول المسجد الحرام ولا من سائر المساجد لأن المشركين هم أهل الاوثان فجعلوا قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) مخصوصا به من لا كتاب له
[قال أبو جعفر] وهذا القول في كتاب الله نصا ما يدل على خلافه قال الله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلََا يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ وَرَسُولُهُ} (2) الى قوله {عَمََّا يُشْرِكُونَ} فهذا شيء قاطع فان أشكل على أحد أنهم لم يجعلوا لله شريكا فكيف يقال لهم مشركون قيل لهذا نظائر من أصول الدين يعرفها أهل اللغة ويحتاج الناس جميعا الى معرفتها وهي الأسماء الديانية وذلك أنه يقال آمن بكذا اذا صدق ثم قيل مؤمن لمن صدق محمدا صلّى الله عليه وسلّم وهو اسم دياني وكذا منافق اسم وقع بعد الاسلام وكذا لكل ما أسكر كثيره خمر اسم اسلامي كما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل مسكر خمر وكذا كل من كفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم مشرك وفي هذا قول آخر كان أبو اسحاق الزجاج يخرجه على أصول الاشتقاق المعروفة قال لما كان محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد جاء من البراهين بما لا يكون الا من عند الله تعالى وكان من كفر به قد ينسب ما لا يكون الا من عند الله الى غير الله كان مشركا وقد أدخلت الآية الرابعة في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية الرابعة
قال عز وجل {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) الآية من العلماء من يقول هذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين لأنه كان قتالهم ممنوعا منه فنسخ الله ذلك كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} فنسخ بهذا العفو عن المشركين وقيل هذا ناسخ لقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) وقيل بل هو تبيين لما قال الله تعالى {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} (4) وأمر في أهل الكتاب بأخذ الجزية علم انه يراد بالمشركين غير أهل الكتاب وقيل لما قال جل ثناؤه {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وجب قتل كل مشرك الا من نص عليه من أهل الكتاب ومن قامت
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 28
(2) سورة: التوبة، الآية: 29
(3) سورة: التوبة، الآية: 5
(4) سورة: التوبة، الآية: 36(1/159)
بترك قتله الحجة من النساء والصبيان ومن قامت بأخذ الجزية منه الحجة وهم المجوس وقائل هذا يقول بقتل الرهبان اذا لم يؤدوا الجزية لقول الله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ولم تقم الحجة بتركهم الا بعد اداء الجزية بالآية الاخرى ومن الفقهاء من يقول لا تقتل الرهبان وان لم يؤدوا الجزية ليس في نص القرآن ما يدل على ذلك يعرفه أهل اللسان الذي نزل القرآن بلغتهم قال الله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وقاتلوا في اللغة لا يكون الا من اثنين فخرج من هذا الرهبان والنساء والصبيان لأنهم ليست سبيلهم أن يقاتلوا ومعنى {لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ} لا يؤمنون بانه لا معبود الا الله قال سيبويه الاصل إله وقال الفراء الاصل الإله ثم القيت حركة الهمزة على اللام ثم أدغم فالتقدير قاتلوا الذين لا يؤمنون بالإله لانه لا تصلح الألوهة إلا له لانه ابتدع الاشياء ولا باليوم الآخر لأنهم لا يقرون بنعيم أهل الجنة ولا بالنار لمن أعدها الله له حتى يعطوا الجزية عن يد وهي فعلة من جزى فلان فلانا يجزيه أي قضاه أي لا يؤدون ما عليهم مما يحفظ رقابهم ويدينون به عن يد وقد تكلم العلماء في معناه فمما حفظ فيه عن صحابي ان معنى عن يد أي يؤديها وهو قائم والآخذ منه قاعد هذا عن المغيرة بن شعبة وهو قول عكرمة وقيل عن يد عن انعام عليهم وقيل عن يد أي يؤديها بيده ولا يوجه بها مع رسول [قال أبو جعفر] معنى عن يد من كلام العرب وهو دليل يقول ادّ أداءك عن يده وعن يد وحكى سيبويه بايعته يدا بيد وهم صاغرون قال عكرمة إعطاؤه اياها صغارا له وقال غيره وأحكام المسلمين جارية عليهم وقد أدخلت الآية الخامسة في ذكر الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية الخامسة
قال عز وجل {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} (1) حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} قال نسختها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (2) الآية وكذا قال الحسن وعكرمة وقال غيرهما الآيتان محكمتان لأن قوله تعالى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} معناه اذا احتيج اليكم واذا استنفرتم هذا مما لا ينسخ لأنه وعيد وخبر وقوله
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 39
(2) سورة: التوبة، الآية: 122(1/160)
تعالى {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} محكم لأنه لا بد أن يبقى بعض المؤمنين لئلا تخلو دار الاسلام من المؤمنين فيلحقهم مكيدة وهذا قول جماعة من الصحابة ومن التابعين
وقد أدخلت الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ.
باب ذكر الآية السادسة
حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكََاذِبِينَ لََا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجََاهِدُوا بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللََّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (1) الى قوله {يَتَرَدَّدُونَ} (2) نسخ هذه الآيات الثلاث {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} (3) وقال الحسن وعكرمة {لََا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} نسختها الآية التي في سورة النور {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [قال أبو جعفر] وحدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة {لََا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجََاهِدُوا بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ثم نزل في النور {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} ومن العلماء من يقول هذه الآيات كلها محكمات كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال وقوله {إِنَّمََا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فهذا يعتبر للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد لغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [قال أبو جعفر] وهذا من أحسن ما قيل في الآيات لأن قوله {إِنَّمََا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} صفات المنافقين لأنهم لا يؤمنون بوحدانية الله ولا بعقابه أهل معصيته ولا بثوابه أهل طاعته ثم قال {وَارْتََابَتْ قُلُوبُهُمْ} (4) أي شكوا على غير بصيرة من دينهم {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} متحيرين لا يعملون على حقيقة وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ.
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 43
(2) سورة: التوبة، الآية: 44
(3) سورة: النور، الآية: 62
(4) سورة: التوبة، الآيتان: 44، 45(1/161)
باب ذكر الآية السابعة
قال الله عز وجل {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} (1) أدخلت في الناسخ والمنسوخ لأنها نسخت كل صدقة في القرآن كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق الحربي قال حدثنا علي بن مسلّم قال حدثنا عبيد الله عن سفيان عن جابر عن عكرمة {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} قال نسخت هذه كل صدقة في القرآن [قال أبو جعفر] في هذه الآية الناسخة ما هو مختلف فيه وما هو مجتمع عليه
وما اختلف فيه منها الفرق بين الفقراء والمساكين اختلف في ذلك أهل التأويل والفقهاء وأهل اللغة وأهل النظر فقالوا في ذلك أحد عشر قولا فحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} قال الفقراء الذين لهم زمانة والمساكين الأصحاء المحتاجون فهذا قول في الفرق بين الفقراء والمساكين وقال الضحاك الفقراء فقراء المهاجرين والمساكين من لم يهاجروا وقال عكرمة الفقراء من اليهود والنصارى والمساكين من المسلمين وقال عبيد الله بن الحسن المساكين الذين عليهم الذلة والخضوع والفقراء الذين يتجملون ويأخذون في السر وقال محمد بن سلمة المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له المسكن والخادم وهذه خمسة أقوال وعن جماعة من الفقهاء قالوا المسكين الذي له شيء والفقير الذي لا شيء له قال الشافعي والفقراء والله أعلم من لا مال لهم ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا والمساكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تعينه سائلا كان أو غير سائل فهذه ستة أقوال وقال أبو ثور الفقير الذي له شيء والمسكين الذي لا يصيب من كسبه ما يقوته وقال أهل اللغة منهم يعقوب بن اسحاق بن السكيت في جماعة معه المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له شيء لا يكفيه قال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين وأنشد أهل اللغة:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
ومن أجل ما روي فيه ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال المساكين الطوافون والفقراء فقراء المسلمين وأكثر أهل التأويل على هذا القول قال مجاهد
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 60(1/162)
والحسن والزهري وجابر بن زيد وعكرمة والضحاك في اختلاف عنهما المسكين السائل والفقير الذي لا يسأل فهذه تسعة أقوال ومن أهل النظر من يقول الفقير هو الفقير الى الشيء وان كان يملك مالا فقد يكون غائبا عنه ويكون فقيرا الى أخذ الصدقة والمسكين الذي عليه الخضوع والذلة والقول الحادي عشر أن الفقير هو الذي يعطى لفقره فقط والمسكين الذي يكون عليه مع فقره خضوع وذلة السؤال وكان محمد بن جرير يذهب الى هذا القول وان كان لم يذكر كثيرا مما ذكرناه وهو قول حسن وهو مستخرج من قول ابن عباس والجماعة الذين ذكرناهم معه لأن المسكين مشتق من المسكنة وهي الخضوع والذلة قال الله تعالى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} (1) [قال أبو جعفر] وهذه الأقوال وان كثرت فاذا جمعت بعضها الى بعض ونظرت فيها قرب بعضها من بعض
وذلك ان قول من قال المسكين كذا والفقير كذا لم يقل إنه لا يقال لغيره مسكين ولا فقير
وقد قال الشافعي فيما روي عنه اذا أوصى رجل بشيء للفقراء جاز أن يدفع الى المساكين واذا أوصى بشيء الى المساكين جاز أن يدفع الى الفقراء واذا أوصى للفقراء والمساكين لم يجز أن يدفع الى أحدهما [قال أبو جعفر] فلما اجتمعت هذه الأقوال وقد قلنا إن بعضها يقرب من بعض وجب أن نرجع الى ما هو أجمعها وهو أن المسكين هو الذي يسأل الناس والفقير هو الذي لا يسأل ولا سيما وهذا قول ابن عباس ولا يعرف له مخالف من الصحابة فيه ثم تابعه على ذلك أهل التأويل الذين يرجع الى قولهم في تفسير كتاب الله وأيضا فان الاسماء انما ترجع الى التعارف والتعارف بين الناس اذا قيل ادفع هذا الى المساكين انهم الذين يسألون واذا قيل ادفع هذا الى الفقراء فهم الذين لا يسألون وقد دل على هذا كتاب الله تعالى قال الله تعالى {لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً} (2) وسمعت عليّ بن سليمان يقول محتجا لأهل اللغة لأنهم أعلم بالأسماء وبموضوعاتها وقد أجمعوا على أن المسكين الذي لا شيء له قال هو مشتق من السكون والسكون ذهاب الحركة حتى لا يبقى منها شيء وهذه صفة من لا يملك شيئا قال والدليل على أن الفقير هو الذي يملك شيئا انه مشتق من قولهم فقر الرجل أي كبرت فقاره فهذا قد بقي له شيء [قال أبو جعفر] فأما قول الله تعالى {فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (3) فاذا صح أن المسكين هو الذي لا شيء له
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 61
(2) سورة: البقرة، الآية: 273
(3) سورة: الكهف، الآية: 79(1/163)
فالكلام على هذا أسهل لأنه يجوز أن ينسب اليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما يقال قصدت فلانا في داره وان كان مكتريا لها وكما يقال سرج الدابة وقد يجوز أن يكون نسبوا الى المسكنة وهي الخضوع كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم يا مسكينة عليك السكينة وقد قال صلّى الله عليه وسلّم مسكين مسكين من لا امرأة له ومسكينة مسكينة من لا زوج لها فان قيل فما معنى حديث أبي هريرة كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا يا رسول الله فمن المسكين قال الذي لا يجد غناء يغنيه ولا يفطن له فيعطى ولا يقوم فيسأل الناس فقيل معنى هذا ان الذي يسأل يجيئه الشيء بعد الشيء وقيل المعنى ليس المسكين الذي في نهاية المسكنة على ان هذا الحديث يدل على القول الذي اخترناه من ان المسكين السائل ويكون المعني ليس المسكين الذي في نهاية المسكنة الذي تعدونه فيكم مسكينا هذا كما قال صلّى الله عليه وسلّم ليس الغنى عن كثرة العرض انما الغنى غنى النفس ولهذا نظائر منها قول النبي صلّى الله عليه وسلّم انما المحروب من حرب ذمة
المحروب على الحقيقة هو هذا وقال صلّى الله عليه وسلّم ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يعيش له ولد قال بل الرقوب الذي لم يمت له ولد هو أولى بهذا الاسم أي أولى بأن يكون لحقته المصيبة واختلفوا في هذه الآية في قسم الزكاة فمنهم من قال في أي صنف قسمتها من هذه الاصناف الثمانية أجزأ عنك ومنهم من قال تقسم في الاصناف الثمانية كما سماها الله ومنهم من قال تقسم على ستة تسقط منهم سهم المؤلفة قلوبهم لأنهم انما كانوا في وقت النبي صلّى الله عليه وسلّم ومنهم العاملين اذا فرق الانسان زكاته فالقول الأول يروى عن ثلاثة من الصحابة عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم ان الصدقات جائز أن تدفع الى بعض هذه الاصناف دون بعض ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافا لهذا وهو مع هذا قول سعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم وأبي العالية وميمون بن مهران ومالك بن أنس وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والقول بانها تقسم فيمن سمى الله تعالى قول الشافعي وحجته ظاهر الآية وان ذلك بمنزلة الوصية اذا أوصى رجل لجماعة لم يخرج منهم أحد وحجة غيره ان هذا مخالف الوصية لأن الوصية لا يجوز أن تقسم الا فيمن سميت له فان فقد بعضهم لم يرجع سهمه الى من بقي وقد أجمع الجميع على انه اذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه الى من بقي وأيضا فانه لا يجوز ولا يوصل الى أن يعم كل من ذكر في الآية لأن الفقراء والمساكين لا يحاط بهم واحتجوا بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال لسلمة بن صخر حين وطئ في شهر رمضان نهارا أطعم ستين مسكينا فقال ما بتنا ليلتنا الا وحينا لا
يصل الى شيء فقال امض الى بني زريق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق على ستين مسكينا وكل أنت وعيالك ما بقي فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلّم صدقة هذه القبيلة ولم يقسمها على ثمانية فلما احتمل قوله جل ثناؤه {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس ولا يخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنيين كان أولى مع حجة من ذكرناه فأما {وَالْعََامِلِينَ عَلَيْهََا} (1) فقال الزهري هم السعادة قال الحسن يعطون بقدر عملهم وقال مجاهد والضحاك لهم الثمن {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (1) فهم عند الشافعي على ضربين أحدهما انهم قوم أسلموا ولم يكن اسلامهم قويا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصدقات وان كانوا أغنياء والضرب الآخر قوم في ناحيتهم عدو قد كفوا المسلمين مؤنته فيعانون على ذلك وان كانوا أغنياء واما {وَفِي الرِّقََابِ} (1) فأكثر العلماء على انهم المكاتبون وهو قول أبي موسى الاشعري والحسن وابن زيد والشافعي ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزكاة لعموم الآية وهو قول مالك(1/164)
المحروب على الحقيقة هو هذا وقال صلّى الله عليه وسلّم ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يعيش له ولد قال بل الرقوب الذي لم يمت له ولد هو أولى بهذا الاسم أي أولى بأن يكون لحقته المصيبة واختلفوا في هذه الآية في قسم الزكاة فمنهم من قال في أي صنف قسمتها من هذه الاصناف الثمانية أجزأ عنك ومنهم من قال تقسم في الاصناف الثمانية كما سماها الله ومنهم من قال تقسم على ستة تسقط منهم سهم المؤلفة قلوبهم لأنهم انما كانوا في وقت النبي صلّى الله عليه وسلّم ومنهم العاملين اذا فرق الانسان زكاته فالقول الأول يروى عن ثلاثة من الصحابة عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم ان الصدقات جائز أن تدفع الى بعض هذه الاصناف دون بعض ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافا لهذا وهو مع هذا قول سعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم وأبي العالية وميمون بن مهران ومالك بن أنس وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والقول بانها تقسم فيمن سمى الله تعالى قول الشافعي وحجته ظاهر الآية وان ذلك بمنزلة الوصية اذا أوصى رجل لجماعة لم يخرج منهم أحد وحجة غيره ان هذا مخالف الوصية لأن الوصية لا يجوز أن تقسم الا فيمن سميت له فان فقد بعضهم لم يرجع سهمه الى من بقي وقد أجمع الجميع على انه اذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه الى من بقي وأيضا فانه لا يجوز ولا يوصل الى أن يعم كل من ذكر في الآية لأن الفقراء والمساكين لا يحاط بهم واحتجوا بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال لسلمة بن صخر حين وطئ في شهر رمضان نهارا أطعم ستين مسكينا فقال ما بتنا ليلتنا الا وحينا لا
يصل الى شيء فقال امض الى بني زريق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق على ستين مسكينا وكل أنت وعيالك ما بقي فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلّم صدقة هذه القبيلة ولم يقسمها على ثمانية فلما احتمل قوله جل ثناؤه {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس ولا يخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنيين كان أولى مع حجة من ذكرناه فأما {وَالْعََامِلِينَ عَلَيْهََا} (1) فقال الزهري هم السعادة قال الحسن يعطون بقدر عملهم وقال مجاهد والضحاك لهم الثمن {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (1) فهم عند الشافعي على ضربين أحدهما انهم قوم أسلموا ولم يكن اسلامهم قويا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصدقات وان كانوا أغنياء والضرب الآخر قوم في ناحيتهم عدو قد كفوا المسلمين مؤنته فيعانون على ذلك وان كانوا أغنياء واما {وَفِي الرِّقََابِ} (1) فأكثر العلماء على انهم المكاتبون وهو قول أبي موسى الاشعري والحسن وابن زيد والشافعي ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزكاة لعموم الآية وهو قول مالك
{وَالْغََارِمِينَ} فهم على ضربين عند الشافعي أحدهما أن يدان الرجل في مصلحة نفسه في غير معصية فيقضى دينه والآخر أن يدان الرجل في حمالات وفي معروف وفي ما فيه صلاح المسلمين فيقضى دينه {فِي سَبِيلِ اللََّهِ} (1) فأكثر الفقهاء يقول للغزاة ومنهم من يجيز أن يعطى في الحج وهو قول الكوفيين {وَابْنِ السَّبِيلِ} (2) فهو المنقطع به الذي ليس ببلده يعطى ما يحتمل به وان كان له ببلده مال ولا قضاء عليه وفي هذه الآية أيضا ما قد اختلفوا فيه وهو من سبيله أن يعطى الزكاة فمن ذلك ما حدثنا الحسن بن غليب (2) قال حدثنا مهدي بن جعفر قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري اذا كان للرجل خمسون درهما فلا يدفع اليه من الزكاة شيء ولا يدفع الى أحد أكثر من خمسين درهما
[قال أبو جعفر] هذا القول يروى عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وهو قول الحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وعبيد الله بن الحسن وأحمد بن محمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب الحديث لأن فيه حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على أحمد بن شعيب عن أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من سأل وله ما يغنيه جاءت يعني مسألته في وجهه يوم القيامة خموشا أو كدوحا قالوا
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 60
(2) غليب أوله معجمة وآخره موحدة وقد مر وضبطناه بالمهملة ولم نتنبه له فليحفظ.(1/165)
يا رسول الله وماذا يغنيه أو ماذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب قال
يحيى بن آدم قال سفيان وحدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن حكيم بن جبير ضعيف في الحديث وانما ذكرناه لقول سفيان حدثنا زبيد هذا قول وقال قوم لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا واحتجوا بحديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول من سأل وله أربعون درهما فقد سأل إلحافا وهذا قول الحسين لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام قال وهذان الحديثان أصلان فيمن يحل له أخذ الزكاة وقد روي عن مالك بن أنس القول بهذا الحديث غير ان الصحيح عنه انه لم يحد في ذلك حدا وقال على مقدار الحاجة ومذهب الشافعي قريب من هذا انه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم وعليه عيال وهو محتاج الى أكثر منها فله أن يأخذ من الزكاة ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارا أو مائتا درهم لم يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وحجتهم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ عرفهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتجعل في فقرائهم فقد صار من تجب عليه الزكاة أغنياء من المال على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي الحديث الذي ذكرنا فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره والخموش الخدوش واحدهما خمش وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه خمشا وخموشا والكدوح الآثار من الخدش والعض ومنه حمار مكدح أي معضض قال أبو عبد الرحمن لم يقل أحد عن سفيان حدثنا زبيد الا يحيى بن آدم وقال غيره لما قال سفيان حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن لم يصل الحديث فقال من يرد عليه لم يحتج أن يصله لأنه قد ذكره بدءا وقد عمر يحيى بن معين على يحيى بن آدم فقال قرأت على وكيع حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال ليس هذا ثورينا الذي نعرفه فأما غير يحيى بن معين فمقدم ليحيى بن آدم حتى قال سفيان بن عيينة بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من العلماء يقوّي الله به الدين قال يحيى بن آدم عندي منهم واختلفوا في الآية الثامنة فقالوا فيها قولان.(1/166)
يحيى بن آدم قال سفيان وحدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن حكيم بن جبير ضعيف في الحديث وانما ذكرناه لقول سفيان حدثنا زبيد هذا قول وقال قوم لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا واحتجوا بحديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول من سأل وله أربعون درهما فقد سأل إلحافا وهذا قول الحسين لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاة شيئا وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام قال وهذان الحديثان أصلان فيمن يحل له أخذ الزكاة وقد روي عن مالك بن أنس القول بهذا الحديث غير ان الصحيح عنه انه لم يحد في ذلك حدا وقال على مقدار الحاجة ومذهب الشافعي قريب من هذا انه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم وعليه عيال وهو محتاج الى أكثر منها فله أن يأخذ من الزكاة ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارا أو مائتا درهم لم يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وحجتهم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ عرفهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتجعل في فقرائهم فقد صار من تجب عليه الزكاة أغنياء من المال على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي الحديث الذي ذكرنا فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره والخموش الخدوش واحدهما خمش وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه خمشا وخموشا والكدوح الآثار من الخدش والعض ومنه حمار مكدح أي معضض قال أبو عبد الرحمن لم يقل أحد عن سفيان حدثنا زبيد الا يحيى بن آدم وقال غيره لما قال سفيان حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن لم يصل الحديث فقال من يرد عليه لم يحتج أن يصله لأنه قد ذكره بدءا وقد عمر يحيى بن معين على يحيى بن آدم فقال قرأت على وكيع حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال ليس هذا ثورينا الذي نعرفه فأما غير يحيى بن معين فمقدم ليحيى بن آدم حتى قال سفيان بن عيينة بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من العلماء يقوّي الله به الدين قال يحيى بن آدم عندي منهم واختلفوا في الآية الثامنة فقالوا فيها قولان.
باب ذكر الآية الثامنة
قال عز وجل {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (1) الآية من العلماء من قال هي منسوخة بقوله {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً} (2) الآية وفي رواية جبير عن الضحاك عن ابن عباس {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ} (1) فقال لأزيدن على السبعين فنسختها {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفََاسِقِينَ} (3) فهذا قول ومن العلماء من قال ليست بمنسوخة وانما هذا على التهديد لهم أي لو استغفر لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما غفر لهم وقال قائل هذا القول لا يجوز أن يستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمنافق لأن المنافق كافر بنص كتاب الله تعالى {إِذََا جََاءَكَ الْمُنََافِقُونَ قََالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللََّهِ} (4) الى قوله {ثُمَّ كَفَرُوا} (4) وقال من احتج بأنها منسوخة الآثار تدل على ذلك كما روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً} قال لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول أتى ابنه وقومه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلموه أن يصلي عليه ويقوم على قبره فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصلي عليه قال عمر فقمت بينه وبين الجنازة فقلت يا رسول الله أتصلي عليه وهو الفاعل كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو الراجع بثلث الناس يوم أحد وهو القائل يوم كذا وكذا كذا وهو الذي يقول {لََا تُنْفِقُوا عَلى ََ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللََّهِ حَتََّى يَنْفَضُّوا} (5) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول أخر عني يا عمر وجعل عمر يردد عليه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخر عني يا عمر فلو أني أعلم أني لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرة غفر لهم لاستغفرت لهم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووقف على قبره حتى
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 80
(2) سورة: التوبة، الآية: 84
(3) سورة: المنافقون، الآية: 6
(4) سورة: المنافقون، الآيات: 1، 3
(5) سورة: المنافقون، الآية: 7(1/167)
دفن فما لبثنا الا ليالي حتى نزلت هذه الآية {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً وَلََا تَقُمْ عَلى ََ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَمََاتُوا وَهُمْ فََاسِقُونَ وَلََا تُعْجِبْكَ أَمْوََالُهُمْ وَأَوْلََادُهُمْ إِنَّمََا يُرِيدُ اللََّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهََا فِي الدُّنْيََا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كََافِرُونَ} (1) قال فكان عمر رضي الله عنه يعجب من جراءته على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم وما نزل في ذلك من القرآن
[قال أبو جعفر] فقالوا في الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم بعّد كلام عمر اياه وان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما بعث الله نبيا قط الا وفي أمته محدّث فان يكن في أمتي محدّث فهو عمر فقيل معنى محدث ينطق عن لسانه الحق وفي حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر رضي الله عنه ذلك اليوم إن الله لم ينهني عن الصلاة عليهم وانما خيّرني [قال أبو جعفر] في هذا الحديث التوقيف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أو هاهنا للتخيير أعني في قوله {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (2) فإن قيل فكيف يجوز أن يستغفر صلّى الله عليه وسلّم لمنافق فالجواب على هذا أن يستغفر له على ظاهره على أنه مسلّم وباطنه الى الله عز وجل وقد قيل {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً} ناسخ لفعله صلّى الله عليه وسلّم لا للآية الأخرى قد توهم بعض الناس أن قوله {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً}
ناسخ ولهذا كره العلماء أن يجترئ أحد على تفسير كتاب الله تعالى حتى يكون عالما بأشياء منها الآثار ولا خلاف بين أهل الآثار أن قوله {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (3) ليس هم الذين قيل فيهم {وَلََا تُصَلِّ عَلى ََ أَحَدٍ مِنْهُمْ مََاتَ أَبَداً} ويدلّك على ذلك أن بعد {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ} (4) فكيف لا يصلي على من تاب وأهل التأويل يقولون نزلت {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} في أبي لبابة وجماعة منهم ربطوا أنفسهم في السواري لأنهم تخلفوا عن الغزوة غزوة تبوك الى أن تاب الله عليهم وقد ذكرت الآية التاسعة في الناسخ والمنسوخ.
__________
(1) سورة: التوبة، الآيتان: (8584)
(2) سورة: التوبة، الآية: 80
(3) سورة: التوبة، الآية: 103
(4) سورة: التوبة، الآية: 104(1/168)
باب ذكر الآية التاسعة
قال الله عز وجل {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللََّهِ وَلََا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (1) مذهب ابن زيد انه نسخها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (2) ومذهب غيره انه ليس هاهنا ناسخ ولا منسوخ وان الآية الأولى توجب اذا نفر النبي صلّى الله عليه وسلّم أو احتيج الى المسلمين واستنفروا لم يسع أحدا التخلف واذا بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية تخلفت طائفة وهذا مذهب ابن عباس والضحاك وقتادة.
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 120
(2) سورة: التوبة، الآية: 122(1/169)
سورة يونس عليه السّلام
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس عن ابن عمرو وعن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت سورة يونس بمكة فهي مكية [قال أبو جعفر] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب الا موضعا واحدا قال الله عز وجل {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحََاكِمِينَ} (1) أي اصبر على أذاهم ومكروههم حتى يقضي الله فيهم وهو خير القاضين وأعدل الفاصلين فمذهب ابن زيد انها منسوخة وانما نسخ منها الصبر عليهم قال أنزل الله بعد هذا الأمر بالجهاد والغلظة عليهم.
__________
(1) سورة: يونس، الآية: 109(1/170)
سورة هود عليه السّلام
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة هود بمكة فهي مكية [قال أبو جعفر] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب الا آية واحدة من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} (1) قال
أي ثواب الحياة الدنيا وزينتها مالها {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمََالَهُمْ} (1) قال نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في المال والأهل والولد {وَهُمْ فِيهََا لََا يُبْخَسُونَ} (1) قال
ينقصون قال ثم نسختها {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (2) [قال أبو جعفر] محال أن يكون هاهنا نسخ لأنه خبر والنسخ في الاخبار محال ولو جاز النسخ فيها ما عرف حق من باطل ولا صدق من كذب ولبطلت المعاني ولجاز لرجل أن يقول لقيت فلانا ثم يقول نسخته ما لقيته.
__________
(1) سورة: هود، الآية: 15
(2) سورة: الإسراء، الآية: 18(1/171)
سورة يوسف عليه السّلام
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة يوسف بمكة فهي مكية
[قال أبو جعفر] رأيت بعض المتأخرين قد ذكر ان فيها آية منسوخة وهي قوله اخبارا عن يوسف عليه السّلام {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ} (1) قال نسخه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به [قال أبو جعفر] وهذا قول لا معنى له ولولا أنا أردنا أن يكون كتابنا متقصيا لما ذكرناه لأنه ليس معنى {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} انه يريد في ذلك الوقت لما كان منسوخا لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم انما قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فاذا تمنى إنسان لغير ضرّ فليس بمخالف للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقد يجوز أن يتمنى الموت من له عمل صالح متخلصا من الكبائر وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استقامت أموره وفتح الله تعالى على يده الفتوح وأسلّم ببركته ما لا يحصى عدده تمنى الموت فقال اللهم كبر سني ودق عظمي وانتشرت رعيتي فاقبضني اليك غير مفرط ولا مضيع وعن مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فظاهر هذا الحديث ان السليم من الذنوب محب للقاء الله في كل الاحوال وقد قيل هذا عند الموت.
__________
(1) سورة: يوسف، الآية: 101(1/172)
سورة الرعد
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الرعد بمكة فهي مكية وروى حميد عن مجاهد قال سورة الرعد مكية ليس فيها ناسخ ولا منسوخ وروى سعيد عن قتادة قال سورة الرعد مدنية إلّا آية واحدة قوله {وَلََا يَزََالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمََا صَنَعُوا قََارِعَةٌ} (1) الآية والقول الأول أولى لأنه المتعارف كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا عوانة عن أبي يسر قال قلت لسعيد بن جبير {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ} (2) أهو عبد الله بن سلام قال وكيف يكون عبد الله بن سلام والسورة مكية قال وكان سعيد بن جبير يقرأ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ} (2) [قال أبو جعفر] أنكر هذا سعيد بن جبير لأن السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلّم بالمدينة.
__________
(1) سورة: الرعد، الآية: 31
(2) سورة: الرعد، الآية: 43(1/173)
سورة إبراهيم عليه السّلام
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال سورة إبراهيم مكية نزلت بمكة سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دََارَ الْبَوََارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهََا وَبِئْسَ الْقَرََارُ} (1) الى آخر الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين
وروى سعيد عن قتادة قال سورة إبراهيم مكية الا آيتين منها نزلتا بالمدينة قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً} الى قوله {وَبِئْسَ الْقَرََارُ} والذي قاله قتادة لا يمتنع قد تكون السورة مكية ثم ينزل الشيء بالمدينة فيأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعله فيها ولا يكون هذا لأحد غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما يأتيه من الوحي بذلك اذ كان تأليف القرآن معجزا لا يوجد الا عن الله تعالى وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن الجماعة الذين لا يلحقهم الغلط ولا يتواطئون على الباطل رحمهم الله تعالى.
__________
(1) سورة: إبراهيم، الآيتان: (2928)(1/174)
سورة الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجر بمكة فهي مكية
[قال أبو جعفر] لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب غير حرفين قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (1) قال سعيد عن قتادة نسخته {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (2)
والحرف الآخر {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (3) روي عن ابن عباس قال نسخته براءة والأمر بالقتل.
__________
(1) سورة: الحجر، الآية: 85
(2) سورة: البقرة، الآية: 191
(3) سورة: الحجر، الآية: 94(1/175)
سورة النحل
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال سورة النحل نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها في آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحد وذلك قبل قتل حمزة بن عبد المطلب وقد مثّل به المشركون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين منهم قال أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يا رسول الله لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم تمثيلا لم يمثل به أحد من العرب فأنزل الله تعالى بين مكة والمدينة ثلاث آيات وهن قوله تعالى {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا بِمِثْلِ مََا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (1) وما نزل بين مكة والمدينة فهو مدني [قال أبو جعفر] في هذه السورة موضعان يصلحان في هذا الكتاب أحدهما قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} (2) حدثنا
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوري عن الاسود بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} (2) قال السكر ما حرم من ثمراتها والرزق الحسن ما حل من ثمراتها قال حدثنا عبد الرزاق وأنبأنا معمر عن قتادة {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} قال خمور الأعاجم ونسخت في سورة المائدة قال والرزق الحسن ما ينبذون ويخللون ويأكلون [قال أبو جعفر] والقول في انها منسوخة يروى عن سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وإبراهيم وأبي رزين [قال أبو جعفر] الحق في هذا انه خبر لا يجوز فيه نسخ ولكن يتكلم العلماء في شيء ويتأول عليهم ما هو غلط لأن قول قتادة ونسخت يعني الخمر يعني نسخت إباحتها والدليل على هذا أن سعيدا روى عن قتادة قال نزلت هذه الآية {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً}
والخمر يومئذ حلال ثم أنزل الله تعالى بعد تحريمها سورة المائدة [قال أبو جعفر] وهذا قول حسن صحيح أخبر الله تعالى أنهم يفعلون هذا ونزل قبل تحريم الخمر على أن جماعة من أهل العلم والنظر قالوا غير ما تقدم منهم أبو عبيدة قال السكر الطعم وقال غيره السكر ما سدّ الجوع مشتق من قولهم سكرت النهر أي سددته {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} وعلى هذا
__________
(1) سورة: النحل، الآية: 126
(2) سورة: النحل، الآية: 67(1/176)
السكر ما كان من العجوة والرطب وهو معنى قول أبي عبيدة إذا سرح والموضع الآخر قوله تعالى {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) هي الانتهاء الى ما أمر الله به وهذا نسخ.
__________
(1) سورة: النحل، الآية: 125(1/177)
سورة بني اسرائيل
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة بني اسرائيل بمكة فهي مكية [قال أبو جعفر] فيها ثلاث آيات تصلح أن تكون في هذا الكتاب.
باب ذكر الآية الأولى منها
قال الله عز وجل {إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} (1) الآية في هذه الآية ثلاثة أقوال من العلماء من قال في قوله {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} (2) هو منسوخ لأن هذا مجمل ولا يجوز لمن كان أبواه مشركين أن يترحم عليهما ومنهم من قال يجوز هذا اذا كانا حيين فأما اذا ماتا فلم يجز ومنهم من قال لا يجوز أن يترحم على كل كافر ولا يستغفر له حيا كان أو ميتا والآية محكمة مستثنى منها الكفار حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} ولكن ليخفض لهما جناح الذل من الرحمة وليقل لهما قولا معروفا قال الله تعالى {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} (3) فنسخ هذا {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} والقول الثاني قول جماعة من أصحاب الحديث واحتجوا بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبيّن له أنه عدو لله فتبرأ منه واحتجوا بحديث الزهري عن سهل بن سعد ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون والقول الثالث يدل على صحة ظاهر القرآن قال الله تعالى {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} وأيضا فان النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يزل من أوّل أمره يدعو الى الله ويخبر ان الله لا يغفر الشرك ومع هذا فيقول عليه الصلاة والسلام في النصارى وهم أهل كتاب لا تبدءوهم بالسلام واذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم الى أضيقه فكيف يستغفر لمن هذا حاله أو يبجل أو يعظم بالدعاء له
__________
(1) سورة: اسرائيل، الآية: 23
(2) سورة: اسرائيل، الآية: 24
(3) سورة: التوبة، الآية: 113(1/178)
بالرحمة وأيضا فان الشرك أعظم الذنوب وأشدها وكيف يدعى لأهله بالمغفرة ولم يصح ان الله أباح الاستغفار للمشركين ولا فرضه ولا أبيح أو فرض فأما قول الله تعالى {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلََّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهََا إِيََّاهُ} (1) فقد قيل ان أباه وعده انه يظهر اسلامه فاستغفر له فلما لم يظهر اسلامه ترك الاستغفار له فان قيل فما معنى {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} فهل يكون هذا في العربية الا بعد استغفار لهم فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظنّ ان هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما مشركان فنزل هذا [قال أبو جعفر] هذا لا يحتاج أن يقول يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا المجيب حدثنا أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن أبي الخليل عن علي بن أبي طالب قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلََّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهََا إِيََّاهُ} وهذا من أحسن ما روي في الآية مع استقامة طريقه وصحة اسناده على ان الزهري قد روى عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال يا عم قل لا إله الا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأقبل النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرض عليه وهما يعارضانه فكان آخر كلمة قالها على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول لا إله الا الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فأنزل الله {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} وأنزل الله في أبي طالب {إِنَّكَ لََا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ} (2) وحديث مسروق عن عبد الله على غير هذا في نزول الآية قال كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر رضي الله عنه مم بكيت يا رسول الله قال على قبر آمنة ابنة وهب يعني أمه استأذنت ربي في الاستغفار لها فأنزل الله عز وجل {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه فبكيت [قال أبو جعفر] وليست هذه
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 114
(2) سورة: القصص، الآية: 56(1/179)
الاحاديث بمتناقضة لأنه يجوز أن تكون الآية نزلت بعد هذا كله وليس في شيء من الأحاديث ان النبي صلّى الله عليه وسلّم استغفر لمشرك.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله عز وجل {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتََّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (1)
حدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا عبد الله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) فكانوا من هذا في جهد حتى نزلت {وَإِنْ تُخََالِطُوهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ} (2) [قال أبو جعفر] قال مجاهد أي لا تقربوا مال اليتيم فتستقرضوا منه {إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} التجارة لهم قال ربيعة وزيد بن أسلّم ومالك الاشد الحلم وقيل هو بلوغ ثلاثين سنة وقد قال جماعة من أهل التفسير وبلغ أشده ثلاثا وثلاثين سنة وليس هذا بمتناقض يكون أول الأشد بلوغ الحلم فعلى هذا يصح القولان وقد ذكرنا أمر اليتامى في سورة البقرة بأكثر من هذا.
باب ذكر الآية الثالثة
قال عز وجل {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} (3) فيها ثلاثة أقوال في رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها الآية في سورة الأعراف {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصََالِ} (4) قال بالغداة والعشي {وَلََا تَكُنْ مِنَ الْغََافِلِينَ} (4) قال عن القراءة في الصلاة وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجهر بالقرآن فاذا جهر به سبّ المشركون القرآن ومن جاء به فخفض صوته حتى لا يسمعه أحد فنزلت {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} أي أسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك والقول الثالث أن المعني في الدعاء وان الصلاة هاهنا الدعاء وهو قول أبي هريرة وأبي موسى وعائشة كما أنبأنا أحمد بن
__________
(1) سورة: الإسراء، الآية: 34
(2) سورة: البقرة، الآية: 220
(3) سورة: الإسراء، الآية: 110
(4) سورة: الأعراف، الآية: 205(1/180)
سورة الكهف ومريم وطه والأنبياء عليهم السلام
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة ثم لم نجد فيهن مما يدخل في هذا الكتاب الا موضعا واحدا قال الله عز وجل {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنََّا لِحُكْمِهِمْ شََاهِدِينَ فَفَهَّمْنََاهََا سُلَيْمََانَ وَكُلًّا آتَيْنََا حُكْماً وَعِلْماً} (1) جماعة من الكوفيين يذهبون الى أن هذا الحكم منسوخ فان البهائم اذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء وان كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد حكم بغير هذا فخالفوا حكمه وزعموا انه منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام العجماء جبار ومنهم من يقول في الحديث العجماء جرحها جبار والعجماء البهيمة وأصله أنه يقال رجل أعجم وامرأة عجماء اذا كانا لا يفصحان في الكلام ويقال انه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول حتى قال بعض العلماء هذا الحكم أصله من كتاب الله تعالى وقد حكم به ثلاثة من الأنبياء فلا تجوز مخالفته بتأويل [قال أبو جعفر] وسنبيّن ذلك من الآية ومن حكم الأنبياء عليهم السلام قال الله عز وجل {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ} أي واذكر داود وسليمان {إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} قال قتادة كان نبتا وعن ابن مسعود كان الحرث كرما قد أنبت عناقيده {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} والنفش في كلام العرب لا يكون الا بالليل أي دخلت الغنم بالليل في حرث القوم الذين ليسوا أصحابها فأفسدت العنب وأكلته {وَكُنََّا لِحُكْمِهِمْ شََاهِدِينَ} أي لم يغب عنا ذلك {فَفَهَّمْنََاهََا سُلَيْمََانَ} أي القصة قال ابن عباس دخلت الغنم فأفسدت الكرم فاختصموا الى داود فقضى بالغنم لصاحب الكرم لأن ثمنها قريبا منه فمروا على سليمان فأخبروه فقال كان غيره أرفق بالجميع فدخل صاحب الغنم فأخبر داود فقال لسليمان كيف الحكم عندك؟ قال يا نبي الله تدفع الغنم الى صاحب الحرث فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها ويدفع الكرم الى صاحب الغنم يقوم به حتى ترجع الى حاله فاذا رجع الى حاله سلّم الكرم الى صاحبه والغنم الى صاحبها فقال الله تعالى {فَفَهَّمْنََاهََا سُلَيْمََانَ} [قال أبو جعفر] ثم رجعنا الى ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب عن القاسم بن زكرياء بن دينار قال حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن اسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء
__________
(1) سورة: الأنبياء، الآيتان: (7978).(1/182)
أن ناقة لآل البراء أفسدت نبتا فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن على أهل الثمار حفظها بالنهار وضمن أصحاب الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل قال أبو عبد الرحمن وأخبرني عمرو بن عثمان قال حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة أن البراء بن عازب أخبره أنه كانت له ناقة ضرّابة فدخلت حائطا فأفسدت فيه فتكلم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل وأن على أهل الماشية ما أصابت بالليل فهذا حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد حكم تبيين ما قبله بالتضمين وقال أبو حنيفة لا ضمان والحديث صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وان كان مالك قد رواه عن الزهري عن حرام بن محيصة أن ناقة لآل البراء فصار مقطوعا فقد رواه من تقوم به الحجة متصلا لأن اسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى نبيلان جليلا المقدار وقد تابعهما الأوزاعي فلا معنى لمعارضته الأيمة فيما رواه غيره وقد قال جل ثناؤه {إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} وعلى ذلك القول لا حكم فيه وقد أجمع من تقوم به الحجة من العلماء على أن راكب الدابة يضمن ما أصابت بيديها فقد صحّ أن المعنى العجماء جبار اذا لم يكن على صاحبها حفظها واذا كان عليه فليست بجبار وقد حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن على أهل الماشية حفظها بالليل فليس ما أفسدته بالليل إذا جبار والجبار الهدر الذي لا شيء فيه وقد حكم سليمان بن داود بما ذكرناه فمدحهما الله فقال تعالى {وَكُلًّا آتَيْنََا حُكْماً وَعِلْماً} (1) كما قرئ علي أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلّم في قول الله عز وجل {وَكُلًّا آتَيْنََا حُكْماً وَعِلْماً} قال قال زيد بن أسلّم الحكم والحكمة العقل قال مالك وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله تعالى [قال أبو جعفر] والذي ذكرناه من تضمين أصحاب الماشية ما أصابت بالليل مع ما صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قول أكثر الفقهاء منهم مالك والشافعي.
__________
(1) سورة: الأنبياء، الآية: 79(1/183)
سورة الحج
باب ذكر الآية الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال وسورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات فانهنّ نزلن بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون فأما المؤمنون منهم فهم عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله تعالى ثلاث آيات مدنيات وهن {هََذََانِ خَصْمََانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ} (1) الى تمام الآيات الثلاث [قال أبو جعفر] وجدنا في هذه السورة أربعة مواضع تصلح في هذا الكتاب منهن قول الله تعالى {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ} (2) وقال جل ثناؤه {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْقََانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (3)
فمن العلماء من قال ذبح الضحايا ناسخ لكل ذبح كان قبله حتى قال محمد بن الحسن في املائه كانت العقيقة تفعل في الجاهلية ثم فعلت في أول الاسلام ثم نسخت بذبح الضحية فمن شاء فعلها ومن شاء تركها واحتج بعض الكوفيين بقول محمد بن علي بن الحسين بنسخ ذبح الضحية لما قبله وقد خولف محمد بن علي بن الحسين في هذا واحتج عليه بفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله في العقيقة وسنذكر ذلك إن شاء الله وقال بعض العلماء {فَكُلُوا مِنْهََا} ناسخ لفعلهم لأنهم كانوا يحرمون لحوم الضحية على أنفسهم ولا يأكلون منها شيئا فنسخ ذلك بقوله {فَكُلُوا مِنْهََا} وبقول النبي صلّى الله عليه وسلّم من ضحّى فليأكل من أضحيته إلا أن العلماء على ان هذا الامر ندب لا إيجاب وان كانوا يستحبون الأكل منها كما قال مالك والليث يستحب أن يأكل من لحم أضحيته لقول الله تعالى {فَكُلُوا مِنْهََا} وقال الزهري من السنة أن تأكل أولا من الكبد وأكثر العلماء منهم ابن مسعود وابن عمر وعطاء والثوري يستحبون أن يتصدق بالثلث ويطعم الثلث ويأكل الثلث هو وأهله واختلف العلماء في الإدخار على ثلاثة أقوال فمنهم من قال لا يدخر منها بعد ثلاث ومنهم من قال يدخر منها الى أي وقت شاء ومنهم من قال ان كان بالناس حاجة اليها فلا يدخر بعد ثلاث فممن قال بالأول علي بن أبي طالب وابن عمر كما قرئ على أحمد بن محمد بن حجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى أبي أزهر قال شهدت علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه صلّى بنا العيد وعثمان محصور رضي الله عنه ثم خطبنا فقال لا تدخروا شيئا من لحم أضاحيكم بعد
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 19
(2) سورة: الحج، الآية: 28
(3) سورة: الحج، الآية: 36(1/184)
ثلاث فان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك [قال أبو جعفر] وحدثنا أبو اسحاق إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام [قال أبو جعفر] وهذان الحديثان صحيحان من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم الا أنه قد تؤول حديث ابن عمر انه منسوخ كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن أبي الزبير المكي ان جابر بن عبد الله أخبره ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزوّدوا وادخروا وهذا نسخ بيّن وبه قال أبو سعيد الخدري وبريدة الأسلمي قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ألا فكلوا وتزوّدوا
والقول الثالث أن نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أكل لحوم الضحايا إنما كان لعلة بينتها عائشة رضي الله عنها قالت دفت دافة من البادية بحضرة الأضحى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلوا وتصدقوا ولا تدخروا بعد ذلك ثم قال انما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا فهذا من أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الأحاديث ولا تتضاد ويكون قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعثمان محصورا لأن الناس كانوا في شدة محتاجين ففعل كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدمت الدافة والدليل على هذا ما حدثناه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد قال حدثنا الليث قال حدثني الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي زيد عن امرأته انها سألت عائشة رضي الله عنها عن لحوم الاضاحي فقالت قدم علينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه من سفر له فقدّمنا اليه فأبى أن يأكله حتى سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله فقال كل من ذي الحجة الى ذي الحجة [قال أبو جعفر] الدافة الجماعة بالدال غير معجمة ويقال ذففت على الجريح بالذال المعجمة اذا أجهزت عليه مشتق مما حكاه أبو زيد عن العرب ذف الامر واستذف اذا تهيأ ومنه يقال خفيف ذفيف وقول محمد بن الحسن ان الضحية نسخت العقيقة قول لا دليل معه فيه والذي روي عن محمد بن علي نسخت الضحية كل ذبح معناه كل ذبح مكروه وأما العقيقة فذبح مندوب كالضحية كما قرئ على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل وهو ابن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ان النبي صلّى الله عليه وسلّم عق عن الحسن والحسين وفي حديث ابن عباس بكبشين كبشين وقرئ على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن حبيبة ابنة ميسرة عن أم كرز ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة [قال أبو جعفر] فهذا فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقول الصحابة والتابعين
فمن الصحابة ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو وسمرة وفاطمة وعائشة رضي الله
عنهم ومن التابعين القاسم وعروة ويحيى الانصاري وعطاء وقال مالك هو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور الا ان مالكا يقول شاة عن الغلام وشاة عن الجارية والشافعي وأصحاب الحديث على حديث أمر كرز والحجة لمالك الحديث ان فاطمة عقت عن الحسن والحسين بكبشين وأما الحسن البصري فانه قال العقيقة واجبة على الرجل ان لم يعق عنه عق عن نفسه وهي عند غيره بمنزلة الضحية مندوب اليها الا ان أبا حنيفة قال الضحية واجبة على كل من وجد اليها سبيلا وعلى الرجل أن يضحي عن ولده وخالفه أكثر أهل العلم واحتجوا بأن الله تعالى لم يوجبها في كتابه ولا أوجبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن حديث أبي بردة بن نيار يتأول فيه انه أوجبها على نفسه وقد احتج الشافعي بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يحلق له شعرا ولا يقلم له ظفرا وقوله صلّى الله عليه وسلّم فأراد يدل على التخيير ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وفي الحديث ان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يضحيان مخافة ان تتوهم الناس ان ذلك واجب وكذا قال ابن مسعود وبلال وابن عمر خمسة من الصحابة لم يوجبوا الضحية قال زيد بن أسلّم مكافئتان مشتبهتان يذبحان جميعا وقال أحمد مكافئتان متساويتان قال الاصمعي أصل العقيقة الشعر الذي يولد المولود وهو على رأسه وكذلك هو في البهائم فقيل عقيقة لأنها اذا ذبحت حلق ذلك الشعر وأنكر أحمد هذا القول وقال الذبيحة العقيقة [قال أبو جعفر] والذي قال أحمد لا يمتنع في اللغة لأنه يقال عق اذا قطع ومنه عق فلان والديه.(1/185)
فمن الصحابة ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو وسمرة وفاطمة وعائشة رضي الله
عنهم ومن التابعين القاسم وعروة ويحيى الانصاري وعطاء وقال مالك هو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور الا ان مالكا يقول شاة عن الغلام وشاة عن الجارية والشافعي وأصحاب الحديث على حديث أمر كرز والحجة لمالك الحديث ان فاطمة عقت عن الحسن والحسين بكبشين وأما الحسن البصري فانه قال العقيقة واجبة على الرجل ان لم يعق عنه عق عن نفسه وهي عند غيره بمنزلة الضحية مندوب اليها الا ان أبا حنيفة قال الضحية واجبة على كل من وجد اليها سبيلا وعلى الرجل أن يضحي عن ولده وخالفه أكثر أهل العلم واحتجوا بأن الله تعالى لم يوجبها في كتابه ولا أوجبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن حديث أبي بردة بن نيار يتأول فيه انه أوجبها على نفسه وقد احتج الشافعي بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يحلق له شعرا ولا يقلم له ظفرا وقوله صلّى الله عليه وسلّم فأراد يدل على التخيير ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وفي الحديث ان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يضحيان مخافة ان تتوهم الناس ان ذلك واجب وكذا قال ابن مسعود وبلال وابن عمر خمسة من الصحابة لم يوجبوا الضحية قال زيد بن أسلّم مكافئتان مشتبهتان يذبحان جميعا وقال أحمد مكافئتان متساويتان قال الاصمعي أصل العقيقة الشعر الذي يولد المولود وهو على رأسه وكذلك هو في البهائم فقيل عقيقة لأنها اذا ذبحت حلق ذلك الشعر وأنكر أحمد هذا القول وقال الذبيحة العقيقة [قال أبو جعفر] والذي قال أحمد لا يمتنع في اللغة لأنه يقال عق اذا قطع ومنه عق فلان والديه.
باب ذكر الآية الثانية
قال الله عز وجل {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (1) حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان الثوري عن مسلّم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قرأ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قال وهي أول آية نزلت في القتال [قال أبو جعفر] فكانت هذه ناسخة للمنع من القتال وقال ابن زيد نسخ قوله {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} (2) الامر بالقتال وخالفه غيره فقال لا معنى هاهنا للناسخ والمنسوخ لأن قوله {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} تهديد لهم وهذا لا ينسخ.
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 39
(2) سورة: الأعراف، الآية: 180(1/186)
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله تعالى {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ} (1) قال يبطل ما ألقاه الشيطان {ثُمَّ يُحْكِمُ اللََّهُ آيََاتِهِ} (1) [قال أبو جعفر] هذا من قول العرب نسخت الشمس الظل اذا أزالته وروي في الذي نسخه الله تعالى مما ألقاه الشيطان أحاديث فمنها ما رواه الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنجم فلما بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللََّاتَ وَالْعُزََّى} (2) قال وان شفاعتهم لترتجى فسها فلقيه المشركون فسلموا عليه وفرحوا فأنزل الله تعالى {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية [قال أبو جعفر] وهذا حديث مفظع وفيه هذا الأمر العظيم وكذا حديث قتادة وزاد فيه وانهن لهن الغرانيق العلى ولو صح هذا لكان له تأويل قد ذكرناه في أول الكتاب وأفظع من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال فسجد المشركون كلهم الا الوليد بن المغيرة فانه أخذ ترابا من الارض فرفعه الى وجهه ويقال انه أبو أحيحة سعيد العاصي حتى نزل جبريل فقرأ عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا فقال له ما جئتك به وأنزل الله تعالى {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} (3) الآية [قال أبو جعفر] وهذا حديث منكر مفظع ولا سيما وهو من حديث الواقدي والدين والعقل يمنعان من هذا الا أنه ان كان قال معتمدا ومعاذ الله أن يكون ذلك ففيه مساعدة لهم على دينهم لأن هذا قولهم
ان كان ناسيا فكيف صبر ولم يتبين ذلك حتى أتاه الوحي من الله تعالى ثم رجعنا الى الآية فوجدنا فيها قول من لم يرجع الى قوله وعلمه [قال أبو جعفر] حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} قال إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه [قال أبو جعفر] فالتأويل على هذا ألقى الشيطان في سره وخاطره ما يوهمه به أنه الصواب ثم نبهه الله تعالى على ذلك وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال انه ليغان (4)
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 52
(2) سورة: النجم، الآية: 19
(3) سورة: الإسراء، الآية: 74
(4) غين على قلبه غينا غطي عليه وألبس.(1/187)
على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة وفي السير أن كبراء قريش جاءوه فقالوا يا محمد قد استوعبت ضعفاءنا وسفهاءنا وذلك حين أظهر دعوته وتثبتت براهينه فأمسك عنّا حتى ننظر في أمرك فإن تبين لنا اتبعناك وان لم يتبين لنا كنت على أمرك ونحن على أمرنا فوقع له صلّى الله عليه وسلّم أن هذا انصاف ثم نبهه الله تعالى بالخاطر والتذكر لما أمره الله من اظهار الدعوة وأن يصدع بما أمر به ثم نزل عليه الوحي {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} (1) وما بعد فيكون على هذا {أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي في سره والقول الآخر عليه أكثر التأويل قال سعيد بن جبير {فِي أُمْنِيَّتِهِ} في قراءته وقال مجاهد في قوله وقال الضحاك الأمنية التلاوة [قال أبو جعفر] هذا معروف في اللغة منه {لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ} (2)
فيكون التقدير على هذا {أَلْقَى الشَّيْطََانُ} في تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم إما شيطان من الإنس وإما شيطان من الجن ومتعارف في الآثار أن الشيطان كان يظهر في كثير وقت النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطََانُ أَعْمََالَهُمْ} (3) وقال {لََا غََالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النََّاسِ وَإِنِّي جََارٌ لَكُمْ فَلَمََّا تَرََاءَتِ الْفِئَتََانِ نَكَصَ عَلى ََ عَقِبَيْهِ} (4) فألقى الشيطان هذا في تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير أن ينطق به النبي صلّى الله عليه وسلّم والدليل على هذا أن ظاهر القرآن كذا وأن الثقات من أصحاب السير كذا يروون كما روى موسى بن عقبة عن الزهري {أَلْقَى الشَّيْطََانُ} في تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم فان شفاعتهم ترتجى فوقرت في مسامع المشركين فاتبعوه جميعا وسجدوا وأنكر ذلك المسلمون ولم يسمعوه واتصل الخبر بالمهاجرين في أرض الحبشة وأن الجماعة قد تبعت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقدموا وقد نسخ الله ما {أَلْقَى الشَّيْطََانُ} فلحقهم الأذى والعنت [قال أبو جعفر] وقد تبيّن معنى الآية بهذا وبغيره قال ابن جريج {لِيَجْعَلَ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقََاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} (5) قال القاسية قلوبهم المشركون [قال أبو جعفر] وهذا قول بيّن لأنهم لم تلن قلوبهم لاتباع الحق {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}
المنافقون.
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 52
(2) سورة: البقرة، الآية: 78
(3) سورة: الأنفال، الآية: 48
(4) سورة: الأنفال، الآية: 48
(5) سورة: الحج، الآية: 53(1/188)
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله عز وجل {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} (1) من جعلها منسوخة قال هي مثل قوله تعالى {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (2) فنسخها عنده {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) [قال أبو جعفر] وهذا لا نسخ فيه وقد بيّناه في سورة آل عمران.
__________
(1) سورة: الحج، الآية: 78
(2) سورة: آل عمران، الآية: 102
(3) سورة: التغابن، الآية: 16(1/189)
سورة المؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة المؤمنين نزلت بمكة فهي مكية في رواية المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ينظر الى السماء في الصلاة فأنزل الله هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} (1) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهه حيث يسجد وفي رواية قاسم كان المسلمون يلتفتون في الصلاة فينظرون فأنزل الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} (2) فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم وكانوا يستحبون ألّا يجاوز أحدهم بصره موضع سجوده [قال أبو جعفر] وأكثر العلماء على ان الخشوع في الصلاة أن ينظر الى موضع سجوده إن كان قائما ومنهم من قال الا بمكة فإنه يستحب أن ينظر الى البيت.
__________
(1) سورة: المؤمنون، الآية: 2
(2) سورة: المؤمنون، الآيتان: (21)(1/190)
سورة النور
باب ذكر الآية الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت باسناده عن ابن عباس قال وسورة النور نزلت بالمدينة فهي مدنية
[قال أبو جعفر] قد ذكرنا قوله {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي} (2) الآية وانه ناسخ لقوله {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} (2) الآيتين من سورة النساء ووجدنا في هذه السورة آيات سوى هذه فأولاهن قوله {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (1) للعلماء في هذه الآية أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال النكاح هاهنا الوطء ومنهم من قال الزاني هاهنا المجلود في الزنا لا ينكح الا زانية مجلودة في الزنا أو مشركة وكذلك الزانية ومنهم من قال هي الزانية التي تكتسب بزناها وتنفق على زوجها واحتجوا بأن الآية في ذلك أنزلت فممن قال هي منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا اسحاق بن إبراهيم القطان قال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكر قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب في قول الله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} قال يزعمون انها نسخت بالآية التي بعدها {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} (3) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وهذا القول الذي عليه أكثر العلماء وأهل الفتيا يقولون ان من زنى بامرأة فله أن يتزوّجها ولغيره أن يتزوّجها وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك بن أنس روى عنه ابن وهب انه سئل عن الرجل يزني بامرأة ثم يريد نكاحها قال ذلك له بعد أن يستبرئ من وطئها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب ان شاء الله تعالى انها منسوخة وممن قال بالقول الثاني ان النكاح هاهنا الوطء ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل الدمياطي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقوله {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية قال
__________
(1) سورة: النور، الآية: 1، 3
(2) سورة: النساء، الآية: 15
(3) سورة: النور، الآية: 32(1/191)
الزاني من أهل القبلة لا يزني الا بزانية مثله وهي من أهل القبلة أو مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني الا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك وحرم الزنا على المؤمنين واختار محمد بن جرير هذا القول وأومى الى أنه أولى الأقوال واحتج بأن الزانية من المسلمين لا يجوز لها أن تتزوّج مشركا بحال وان الزاني من المسلمين لا يجوز له أن يتزوّج مشركة بحال فقد تبين ان المعنى الزاني من المسلمين لا يزني الا بزانية لا تستحل الزنا من المسلمين أو مشركة تستحل الزنا والزانية لا تزني الا بزان من المسلمين لا يستحل الزنا أو مشرك يستحل الزنا قال {وَحُرِّمَ ذََلِكَ} الزنا وهو النكاح المذكور قبل هذا والقول الثالث ان الزاني المجلود {لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً} مجلودة أو مشركة وكذا الزانية قول الحسن كما قرئ على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال الزاني المجلود {لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً} مجلودة مثله أو مشركة والزانية المجلودة {لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ} مجلود مثلها أو مشرك حدثنا علي بن الحسين قال قال الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا عفان قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حبيب المعلم قال
جاء رجل من الكوفة الى عمرو بن شعيب فقال ألا تعجب من الحسن يزعم أن الزاني المجلود لا ينكح الا مثله ويتأول هذه الآية {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فقال وما تعجب من هذا حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الزاني المجلود لا ينكح الا مثله [قال أبو جعفر] وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخا كما نسخت الآية في قول سعيد بن المسيب والقول الرابع أن هذا في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما تكسبه من الزنا فحرم الله نكاحهن وهو قول مجاهد كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن القاسم بن أبي بردة عن مجاهد في قول الله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} قال كان نساء بغايا فكانت منهن امرأة تدعى أم مهزول (1) فكان الرجل يتزوج إحداهن لتنفق عليه من كسبها فنهاهم الله عز وجل عن ذلك أن يتزوج أحد من المسلمين قرئ على أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي قال حدثني المعتمر عن أبيه عن الحضرمي يعني ابن لاحق عن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عمرو قال كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت بأجياد وكانت تسافح فأراد رجل من المسلمين
__________
(1) في الاصل هنا هكذا رسمه (محرم) وفي الذي بعده أم مهزول بخط واضح فاتبعناه ولم نقف عليه في غير الاصل فليحرر.(1/192)
يتزوجها فأنزل الله تعالى {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذََلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [قال أبو جعفر] وهذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية ذكر فيه السبب الذي نزلت فيه فاذا صح جاز أن تكون الآية الناسخة بعده والله أعلم بحقيقة ذلك.
باب باب ذكر الآية الثانية
قال الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1) العلماء فيها قولان: فمنهم من قال لما قال {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} كان هذا عاما في جميع البيوت ثم نسخ من هذا واستثنى فقال تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} (2) ومنهم من قال الآيتان محكمتان لقوله تعالى {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا} قال تستأذنوا {وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} يعني به البيوت التي لها أرباب وسكان والآية الأخرى في البيوت التي ليس لها أرباب يعرفون ولا سكان
والقول الأول يروى عن ابن عباس وعكرمة [قال أبو جعفر] كما حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} قال فيه تقديم وتأخير حتّى تسلّموا على أهلها وتستأنسوا ثم استثنى البيوت التي على طرق الناس والتي ينزلها المسافرون فقال عزّ وجلّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} يقول ليس لها أهل ولا سكان بغير تسليم ولا استئذان {فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} قال متاع من الحر والبرد وروى يزيد بن عكرمة والحسن {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا} قالا ثم نسخ من ذلك واستثنى فقال تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} والقول الثاني أنهما محكمتان قول أكثر أهل التأويل فأما ما روي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير أنه قال أخطأ الكاتب إنما هو حتّى تستأذنوا فعظيم محظور القول به لأن الله تعالى قال {لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ} (3) ومعنى حتى تستأنسوا بيّن عند
__________
(1) سورة: النور، الآية: 27
(2) سورة: النور، الآية: 29
(3) سورة: فصلت، الآية: 42(1/193)
أهل التأويل وأهل العربية كما قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن عثمان بن غياث عن عكرمة حتى تستأنسوا قال حتى تستأذنوا وقال هو التنحنح والتنخم [قال أبو جعفر] وأهل العربية يشتقونه من جهتين احداهما حتى تستأنسوا حتى تستعلموا. قال جلّ ثناؤه {آنَسَ مِنْ جََانِبِ الطُّورِ نََاراً} (1) والجهة الأخرى حتى تأنسوا بأن الذي تريدون الدخول عليه قد رضي دخولكم والذي ذكرناه عن ابن عباس من التقديم والتأخير حسن أي {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} لها أرباب وفيها سكان حتى تسلموا أو تستأذنوا فتقولوا السلام عليكم ادخل وما كان في معنى هذا من التنحنح والتنخم والإذن {ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} من أن تدخلوا بغير اذن فتروا ما لا يجوز أن تروه وتعصوا الله {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ما يجب لله عليكم من طاعته فتلزمونه فهذه محكمة في حكم غير حكم الثانية والثانية قد تكلم في معناها العلماء كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن سالم المكي عن محمد بن علي بن الحنفية في قوله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} قال هي بيوت الخانات وبيوت الأسواق فأما قول عبد الرحمن بن زيد هي بيوت التجار والحوانيت في القيساريات والاسواق فقول مرغوب عنه لأن الحوانيت التي فيها متاع الناس لا يحل دخولها الا باذن صاحبها وان فتحها وجلس فيها لأن الناس احق بأملاكهم وأيضا فنص القرآن {فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} وليس متاع التجار بمتاع للمخاطبين: وقد قال مجاهد هي بيوت كانت في طريق المدينة تضع الناس فيها امتعتهم فأذن لهم في دخولها بغير اذن [قال أبو جعفر] فاذا كانت هذه البيوت انما بنيت لهذا فهي مباحات لا يحتاج فيها الى اذن. ومن أجمع ما قيل في الآية قول جابر بن زيد في قوله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} قال ليس يعني بالمتاع الجهاز ولكن سواه من الجادة. أما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار أو خربة يدخلها الرجل لقضاء حاجة أو دار ينزل اليها فهذا متاع وكل الدنيا متاع [قال أبو جعفر] وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين وهو موافق للغة والمتاع في كلام العرب المنفعة ومنه أمتع الله بك ومنه فمتعوهن فالمعنى على قوله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} أي فيها منفعة لكم من قضاء حاجة أو دخول رجل الى دار يطلبها لشراء أو اجارة وما تقدم من قول العلماء سوى ابن زيد داخل في هذا.
__________
(1) سورة: القصص، الآية: 29(1/194)
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلََاثَ مَرََّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلََاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيََابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلََاةِ الْعِشََاءِ} (1) للعلماء في هذه الآية ستة أقوال فمنهم من قال هي منسوخة
ومنهم من قال هي ندب غير واجبة ومنهم من قال هي في النساء دون الرجال ومنهم من قال كان العمل بها واجبا لأن القوم لم يكن لهم إغلاق ولا ستور فإن عاد الأمر إلى ذلك كان العمل بها واجبا ومنهم من قال هي محكمة واجب على المسلمين أن يعملوا بها كما أمر الله سبحانه لأن أمره حتم الا أن يقع دليل على ذلك فممن قال انها منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق الحربي قال بلغني عن داود عن سعيد بن المسيب {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} الآية قال هي منسوخة قال الحربي وحدثنا بندار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن أبي يسر عن سعيد بن جبير {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ}
قال لا يعمل بها اليوم [قال أبو جعفر] فهذا قول وروى أيوب عن أبي قلابة في قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} {وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ} (2) قال انما أمر بهذا نظرا لهم حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن في قوله {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} قال النساء عني بهذا فهذه ثلاثة أقوال هذا القول منها بين الخطأ لأن الذين لا يكون للنساء في كلام العرب انما يكون للنساء اللاتي واللائي وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا يحيى بن يمان قال حدثنا سفيان عن ليث عن نافع عن ابن عمر {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} قال هي في الرجال دون النساء وهذا القول الرابع يستحسنه أهل النظر لأن الذين في كلام العرب للرجال وان كان يجوز أن يدخل معهم النساء فانما يقع ذلك بدليل والكلام على ظاهره غير أن في اسناده ليث بن سليم وقرئ
على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد قال
__________
(1) سورة: النور، الآية: 58
(2) سورة: البقرة، الآية: 282(1/195)
حدثنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ان رجالا من أهل العراق سألوا ابن عباس كيف ترى في هذه الآية من كتاب الله عز وجل قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (1) لا يعمل بها أحد قال ابن عباس ان الله رفيق حليم رحيم بالمؤمنين يحب السترة عليهم وكان القوم ليس لهم ستور ولا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو اليتيمة وهو مع أهله في حال جماع فأمر الله بالاستئذان في هذه الحالات الثلاث [قال أبو جعفر] وحدثنا بهذا الحديث جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا ابن الصباح قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد فيه ثم جاء الله بالستر وبسط الرزق فاتخذ الناس الستور والحجال فرأى الناس ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به وهذا القول الخامس مشبه حسن وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على انها كانت على حال ثم زالت فان كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان والقول السادس انها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء قول أكثر أهل العلم كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال ثلاث آيات من القرآن قد ترك الناس العمل بهن قال عطاء حفظت اثنتين ونسيت واحدة في قول الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ}
حتى يختم الآية وفي الرجل يقول للآخر أنا أكرم منك وليس أحد أكرم من أحد الا بالتقوى وهو قول الله تعالى {يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنََّا خَلَقْنََاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ََ وَجَعَلْنََاكُمْ شُعُوباً وَقَبََائِلَ لِتَعََارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللََّهِ أَتْقََاكُمْ} (2) [قال أبو جعفر] وهذا القول بأن الآية محكمة عامة قول القاسم بن محمد وجابر بن زيد والشعبي كما قرئ على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن الشعبي {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} قال ليست منسوخة قلت ان الناس لا يعلمون بهذا قال الله المستعان.
__________
(1) سورة: النور، الآية: 58
(2) سورة: الحجرات، الآية: 13(1/196)
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله عز وجل {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (1) الآية للعلماء فيها ستة أقوال منهم من قال في قوله {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ} (1)
الى آخر الآية انه منسوخ ومنهم من قال في الآية انها لما قال تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} (2) فامتنع الناس أن يأكلوا طعاما لأحد اذا دعاهم اليه حتى أنزل الله تعالى {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ} الآية واختلف العلماء الذين قالوا هذا على أربعة أقوال فمنهم من يقول فأبيح للرجل أن يأكل من هذه البيوت بغير اذن صاحبها ومنهم من قال أبيح له اذا أذن له ومنهم من قال كان الأعمى والأعرج والمريض لا يأكلون مع الناس لئلا يكره الناس ذلك فأزيل هذا ومنهم من قال كان الانسان يتوقّى أن يأكل مع الأعمى لأنه يقصر في الاكل وكذا الأعرج والمريض فأزيل ذلك والقول السادس ان الآية محكمة وممن قال هذا القول انها منسوخة من قوله {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ} الى آخر الآية عبد الرحمن بن زيد قال هذا شيء قد انقطع كانوا في أول الأمر ليست على أبوابهم أغلاق على البيوت فلا يحل لأحد أن يفتحها فذهب هذا وانقطع [قال أبو جعفر] ومما يدل على حظر هذا ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه الا باذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينقل طعامه فانما تحرز لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحتلبن أحدكم ماشية أحد الا باذنه [قال أبو جعفر] فكأن في هذا الحديث حظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا والقول بانها ناسخة قول جماعة كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال لما أنزل الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} وان الطعام من أفضل الاموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله تعالى بعد ذلك {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}
الى {أَوْ مََا مَلَكْتُمْ مَفََاتِحَهُ} (1) قال هو الرجل يوكل الرجل بضيعته والذي رخص الله أن يأكل الطعام والتمر ويشرب اللبن فذهب أبو عبيد الى أن هذا انما هو بعد الاذن لأن الناس
__________
(1) سورة: النور، الآية: 61
(2) سورة: النساء، الآية: 29(1/197)
توقفوا أن يأكلوا لأحد شيئا اذا لم يكن ذلك على سبيل تجارة أو عوض وان أذن لهم صاحب الطعام فأباح الله ذلك ان أذن فيه صاحبه وتأوله غيره على أن الاذن فيه وان لم يطلق ذلك صاحبه اذا علم انه ليس ممن يمنعه واستدل على صحة هذا القول بانه ليس في الآية ذكر الاذن وانما قال جل ثناؤه و {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} لأن منزل الرجل قد يكون فيه ما ليس له وما يكون لأهله {أَوْ بُيُوتِ آبََائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهََاتِكُمْ} (1) الى آخر الآية ولم يذكر الابن فيها فتأول هذا بعض العلماء على ان منزله ومنزل ابنه واحد فلذلك لم يذكره وعارضه بعضهم فقال هذا تحكم على كتاب الله بل الأولى في الظاهر أن لا يكون الابن مخالفا لهؤلاء وليس الاحتجاج بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنت ومالك لأبيك يقوي هذا فان الحديث لو صح لم تكن فيه حجة إذ قد يجوز أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه وقد قيل ان معناه أنت لأبيك ومالك مبتدأ أي ومالك لك والقاطع لهذا التوارث من الاب والابن
وممن قال ان الآية ناسخة لما كان محظورا عليهم من الاكل مع الأعمى ومن ذكر معه مقسم كما روى سفيان عن قيس بن مسلّم عن مقسم قالوا كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج والمريض حتى أنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [قال أبو جعفر] فهذا القول غلط لأن الآية {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ} فكيف يكون هذا ناسخا للحظر عليهم الأكل معه ولو كان هذا يكون ليس على الأكل مع الأعمى حرج على ان بعض النحويين قد احتال لهذا القول فقال قد تكون على بمعنى في وفي بمعنى على ويكون التقدير على هذا (ليس في الأعمى حرج) وهذا القول بعيد لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله الا بحجة قاطعة وأما قول من قال كان الأعمى لا يأكل مع البصير وكذا الأعرج والمريض لئلا يلحقه منه أذى فقول يجوز ولكن أهل التأويل على غيره والقول السادس ان الآية محكمة وانها نزلت في شيء بعينه قول جماعة من أهل العلم ممن يقتدى بقوله منهم سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في جماعة من أهل العلم كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذه الآية ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم الآية نزلت في اناس كانوا اذا خرجوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند أهل العلل ممن يتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم اذا احتاجوا الى ذلك وكانوا يتّقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فأنزل الله
__________
(1) سورة: النور، الآية: 61(1/198)
تعالى في ذلك هذه الآية فأحله لهم وقال عبد الله ان الناس كانوا اذا خرجوا الى الغزو دفعوا مفاتيحهم الى الزمناء وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا يفعلون ذلك ويتوقّون ويقولون انما أطلقوا لنا هذا عن غير طيب نفس فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ}
حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد السمان الأنباري بالأنبار قال حدثنا زيد بن أخرم قال حدثنا بسر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم عن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانوا يدفعون مفاتيحهم الى ضمنائهم ويقولون ان احتجتم فكلوا فيقولون انما أحلوه لنا من غير طيب نفس فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً} الى آخر الآية [قال أبو جعفر] يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا خرجوا بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كلما جعل فيه والضمناء هم الزمناء واحدهم ضمن مثل زمن [قال أبو جعفر] وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف ان الآية نزلت في شيء بعينه فيكون التقدير على هذا ليس على الاعرج حرج ولا على الأعمى حرج ولا عليكم أن تأكلوا فأن تأكلوا خبر ليس ويكون هذا بعد الاذن وقال ابن زيد {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ} في الغزو واذا كان على هذا فليست أن خبر ليس فأما {مِنْ بُيُوتِكُمْ} فمعناه من بيوت أنفسكم كذا ظاهره وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم على انه بغير اذن كما ذكرنا وروى معمر عن قتادة لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وان لم يأذن لك وتأول هذا على انه انما يكون مباحا اذا علمت انه لا يمنعك وكان صديقا على الحقيقة الا أن الأحاديث التي ذكرناها تدل على الاذن والله أعلم.(1/199)
تعالى في ذلك هذه الآية فأحله لهم وقال عبد الله ان الناس كانوا اذا خرجوا الى الغزو دفعوا مفاتيحهم الى الزمناء وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا يفعلون ذلك ويتوقّون ويقولون انما أطلقوا لنا هذا عن غير طيب نفس فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ}
حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد السمان الأنباري بالأنبار قال حدثنا زيد بن أخرم قال حدثنا بسر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم عن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانوا يدفعون مفاتيحهم الى ضمنائهم ويقولون ان احتجتم فكلوا فيقولون انما أحلوه لنا من غير طيب نفس فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً} الى آخر الآية [قال أبو جعفر] يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا خرجوا بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كلما جعل فيه والضمناء هم الزمناء واحدهم ضمن مثل زمن [قال أبو جعفر] وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف ان الآية نزلت في شيء بعينه فيكون التقدير على هذا ليس على الاعرج حرج ولا على الأعمى حرج ولا عليكم أن تأكلوا فأن تأكلوا خبر ليس ويكون هذا بعد الاذن وقال ابن زيد {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ} في الغزو واذا كان على هذا فليست أن خبر ليس فأما {مِنْ بُيُوتِكُمْ} فمعناه من بيوت أنفسكم كذا ظاهره وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم على انه بغير اذن كما ذكرنا وروى معمر عن قتادة لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وان لم يأذن لك وتأول هذا على انه انما يكون مباحا اذا علمت انه لا يمنعك وكان صديقا على الحقيقة الا أن الأحاديث التي ذكرناها تدل على الاذن والله أعلم.
سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت عن ابن عباس قال وسورة الفرقان نزلت بمكة فهي مكية [قال أبو جعفر] قال عز وجل {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} (1) من العلماء من قال هذا منسوخ وانما كان هذا قبل أن يؤمر المسلمون بحرب المشركين وليس سلاما من التسليم انما هو من التسلم تقول العرب سلاما أي سلما منك وهو منصوب على أحد أمرين يجوز أن يكون منصوبا بقالوا ويجوز أن يكون مصدرا وهو قول سيبويه وكلامه يدل على أن الآية عنده منسوخة [قال أبو جعفر] ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ الا في هذه الآية قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله يعني مثل قولك الحمد لله مما ينتصب على المصدر قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك أي لا أتلبس بشيء من أمرك قال وزعم أن أبا ربيعة كان يقول اذا لقيت فلانا فقل سلاما فسأله ففسر له معنى براءة منك قال وزعم أن هذه الآية {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} بمنزلة ذلك لأن الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله لا خير بيننا ولا شر [قال أبو جعفر] وزعم محمد بن يزيد أن سيبويه أخطأ في هذا وأساء العبارة لأنه لا معنى لقوله ولم يؤمر المسلمون أن يسلموا على المشركين وانما كان ينبغي أن يقول ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا المشركين ثم أمروا بحربهم [قال أبو جعفر] كلام محمد بن يزيد يدل على أن الآية أيضا عنده منسوخة وانما جاز فيها أن تكون منسوخة لأن معناها معنى الأمر (إذا خاطبكم الجاهلون فقولوا سلاما) فعلى هذا يكون النسخ فيها فأما كلام سيبويه فيحتمل أن يكون معناه لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنهم أمروا أن يتسلموا منهم ويتبرءوا ثم نسخ ذلك بأمر الحرب وقد ذكرنا قوله عز وجل {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} (2) إلى قوله {إِلََّا مَنْ تََابَ} وقول من قال هو منسوخ بقوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا} (3) في سورة النساء.
__________
(1) سورة: الفرقان، الآية: 63
(2) سورة: الفرقان، الآية: 68
(3) سورة: النساء، الآية: 93(1/200)
سورة الشعراء
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد بن اسماعيل قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الشعراء نزلت بمكة فهي مكية سوى أربع آيات من آخرها أنزلن بالمدينة في ثلاثة نفر من الأنصار وهم شعراء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وهو قوله {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لََا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} (1) استثنى هؤلاء الثلاثة من جملة الشعراء الى آخر السورة وقد أدخل هذه الآيات بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} قال نسختها الآية التي بعدها يعني {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} قال هم الكفار يتبعهم ضلّال الجن والإنس قال ثم قال {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ} (1) يقول في كل لغو يخوضون {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لََا يَفْعَلُونَ} يقول أكثر قولهم يكذبون قال ثم استثنى المؤمنين منهم فقال {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَذَكَرُوا اللََّهَ كَثِيراً} في كلامهم {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا ظُلِمُوا} (1) ردّوا على الكفار الذي كانوا يهجون به المؤمنين وهذا أحسن ما قيل في الآية ويزيده بيانا قوله للكفار يدل على صحة الاستثناء الذي بعده وقولهم يتبعهم ضلّال الجن والإنس يدل على صحته أن الكلام عام وقد روى عكرمة عن ابن عباس {يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} قال الرواة والأول أولى لعموم الظاهر {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ} كما قال وهو تمثيل في كل وجه من الباطل يفتنون فيمدحون بالباطل والتزيد وكذا يهجون بالكذب والزور وقوله أكثر قولهم يكذبون تصحيحه في النحو أكثر قولهم الكذب ودل يكذبون على الكذب وقوله ثم استثنى المؤمنين منهم قول صحيح في العربية هذا الذي تسميه العرب استثناء لا نسخا يقول جاءني القوم الا عمرا لا يقال هذا نسخ والاستثناء عند سيبويه بمنزلة التأكيد لأنك تبين فيه كما تبين بالتوكيد وقوله تعالى
__________
(1) سورة: الشعراء، الآية: (225224)(1/201)
{وَذَكَرُوا اللََّهَ كَثِيراً} (1) في كلامهم قول حسن لعموم اللفظ وغيره يقول {وَذَكَرُوا اللََّهَ} في شعرهم والأول أولى لعموم {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا ظُلِمُوا} كما قال أي انتصروا من الكفار الذين ظلموا المؤمنين بهجائهم إياهم.
__________
(1) سورة: الشعراء، الآية: (227)(1/202)
سورة النمل والقصص والعنكبوت والروم
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة [قال أبو جعفر] لم نجد فيهن الا موضعين أحدهما في سورة القصص قوله تعالى {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقََالُوا لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ سَلََامٌ عَلَيْكُمْ لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} (1) للعلماء فيه أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة بالنهي عن السلام على الكفار ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالقتال ومنهم من تأولها فأباح السلام على الكفار والقول الرابع أن هذا قول جميل ومخاطبة حسنة وليس من جهة السلام ولا نسخ فيه والقول الأول يحتج قائله بما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكفار لا تبدءوهم بالسلام قال ففي هذا نسخ وهذا القول وان كان قد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكفار لا تبدءوهم بالسلام فهو غلط لأن الآية ليست من هذا في شيء وانما هي من المتاركة كما يقول الرجل للرجل دعني بسلام لم تستعمله العرب الا للمتاركة والقول الثاني انها منسوخة بالأمر بالقتال قول جماعة من العلماء وقد بينا ذلك في قوله {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} (2) والقول الثالث قول من أباح السلام على الكفار غلط لأن الآية ليست من السلام في شيء إنما هي من السلّم وبيّنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال عزّ وجلّ {وَالسَّلََامُ عَلى ََ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ََ} (3) وكذا كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قيصر {وَالسَّلََامُ عَلى ََ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ََ} والقول الرابع انها مخاطبة حسنة وقول حسن قال أبو زيد هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكانوا يمرون على قوم من أهل الكتاب يقرءون شيئا قد بدلوه من التوراة قد أوقفوهم على ذلك فيعرضون عنهم وقال مجاهد أسلّم قوم من أهل الكتاب فكان المشركون يؤذونهم وكانوا يصفحون عنهم ويقولون سلام عليكم أصل اللغو في اللغة الباطل وما يجب أن يلغى ويطرح ومعنى أعرضوا عنه لم يصغوا اليه ولم يستمعوا ويدلك على صحة قول مجاهد ان بعده {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ} أي قد رضينا بأعمالنا لأنفسنا ورضيتم بأعمالكم لأنفسكم {سَلََامٌ عَلَيْكُمْ} أي منّة لكم منّا انا لا نحاوركم
__________
(1) سورة: القصص، الآية: 55
(2) سورة: الفرقان، الآية: 63
(3) سورة: طه، الآية: 47(1/203)
ولا نسابّكم {لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} لا نطلب عمل أهل الجهل والموضع الآخر في سورة العنكبوت قوله تعالى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (1) فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال هو منسوخ ومنهم من قال هو محكم يراد به ذوو العهد منهم ومنهم من قال هو محكم يراد به من ليس منهم فمن قال هو منسوخ احتج بأن الآية مكية فنسخ هذا بالأمر بالقتال كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا حسين قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله تعالى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) والقول الثاني قول ابن زيد قال لا يجادل المؤمنون منهم اذا أسلموا لعلهم يحدثون بالشيء فيكون كما قالوا {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم من أقام على الكفر يجادل ويقال له الشر والقول الثالث قول مجاهد {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} من قاتل ولم يعط الجزية ومن قال هي منسوخة احتج بأنها مكية وقول مجاهد أحسن لأن أحكام الله تعالى لا ينبغي أن يقال فيها أنها منسوخة الا بدليل يقطع العذر أو حجة من معقول فيكون المعنى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ} الا بالقول الجميل أي بالدعاء الى الله والتنبيه على حججه واذا حدثوكم بحديث يحتمل أن يكون كما قالوا فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فهذا الذي هو أحسن ويدل على صحته انه قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن المثنى عن عثمان وهو ابن عمر قال حدثنا علي وهو ابن المبارك قال حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا {آمَنََّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنََا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلََهُنََا وَإِلََهُكُمْ وََاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1) ويكون الذين ظلموا كما قال مجاهد أهل الحرب وان كان الكفار كلهم ظالمين لأنفسهم وانما التقدير هاهنا {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم أهل الايمان وقولوا {آمَنََّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنََا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} من التوراة والانجيل والزبور {وَإِلََهُنََا وَإِلََهُكُمْ وََاحِدٌ} أي معبودنا واحد لا ما اتخذتموه إلها {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي خاضعون متذللون لما أمرنا به ونهانا عنه.
__________
(1) سورة: العنكبوت، الآية: 46
(2) سورة: التوبة، الآية: 29(1/204)
سورة لقمان والم السجدة
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة لقمان نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة وذلك لما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا يا محمد بلغنا أنك تقول {وَمََا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلََّا قَلِيلًا} (1) أفعنيتنا أم عنيت غيرنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنيت الجميع فقال له اليهود يا محمد أو ما تعلم أن الله أنزل التوراة على موسى وخلفها موسى فينا ومعنا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لليهود التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات وهي قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مََا نَفِدَتْ كَلِمََاتُ اللََّهِ} (2) الى تمام الآيات الثلاث قال وسورة الم السجدة نزلت بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في رجلين من قريش شجر بينهما كلام فقال أحدهما للآخر أنا أذرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأردّ للكتيبة فقال له الآخر اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى {أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لََا يَسْتَوُونَ} (3) الى تمام الثلاث الآيات [قال أبو جعفر] في سورة الم السجدة موضع واحد قال عز وجل {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (4) قال عن مشركي قريش {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} (4) حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال عن مشركي مكة {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} قال نسختها آية السيف في {بَرََاءَةٌ} (5) لقوله عز وجل {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (6) الى آخر الآية.
__________
(1) سورة: الإسراء، الآية: 85
(2) سورة: لقمان، الآية: 27
(3) سورة: السجدة، الآية: 18
(4) سورة: السجدة، الآية: 30
(5) سورة: التوبة، الآية: 1
(6) سورة: التوبة، الآية: 5(1/205)
سورة الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الاحزاب نزلت بالمدينة فهي مدنية.
باب ذكر الآية الأولى منها
قال عز وجل {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللََّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبََاءَهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوََالِيكُمْ} (1) فكان هذا ناسخا لما كانوا عليه من التبني وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد تبنى زيد بن حارثة فنسخ التبني وأمروا أن يدعوا من دعوا الى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه الى ولائه المعروف فإن لم يكن له ولاء معروف قال يا أخي يعني في الدين قال عزّ وجلّ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2) وهذا من نسخ السنة بالقرآن كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة أن سالم بن عبد الله حدثه عن عبد الله بن عمر عن زيد بن حارثة قال ما كنا ندعوه الا زيد بن محمد حتى نزلت {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ} [قال أبو جعفر] وقد ذكرنا {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهََاجِرِينَ} (3) وكذا {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمََا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهََا فَمَتِّعُوهُنَّ} (4).
__________
(1) سورة: الأحزاب، الآية: 5
(2) سورة: الحجرات، الآية: 10
(3) سورة: الأحزاب، الآية: 6
(4) سورة: الأحزاب، الآية: 49(1/206)
باب ذكر الآية الثانية
قال الله عز وجل {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوََاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلََّا مََا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} (1) للعلماء في هذه الآية ثمانية أقوال منهم من قال هي منسوخة بالسنة ومنهم من قال هي منسوخة بآية أخرى وكان الله تعالى قد حظر عليه التزويج بعد من كان عنده ثم أطلقه له وأباحه بقوله عز وجل {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشََاءُ} (2) ومن العلماء من قال الآية محكمة ولم يكن له صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوّج سوى من كان عنده ثوابا من الله لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ومنهم من قال هي محكمة ولكن لما حظر عليهن أن يتزوجن بعد موته حظر عليه أن يتزوّج غيرهن
ومنهم من قال المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القصة يعني {إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ اللََّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} (3) الآية ومنهم من قال {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ} بعد المسلمات ولا تتزوج يهودية ولا نصرانية ومنهم من قال المعنى لا تبدل واحدة من أزواجك بيهودية ولا نصرانية والقول الثامن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال الله عز وجل {مََا كََانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمََا فَرَضَ اللََّهُ لَهُ سُنَّةَ اللََّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكََانَ أَمْرُ اللََّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} (4) كان له أن يتزوج من النساء من شاء بغير عدد محظور كما كان للأنبياء قبله والقول الأول أن الآية منسوخة بالسنة يدل عليه حديث عائشة عليها السلام كما قرئ على علي بن سعيد بن بشير عن أبي كريب قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل له النساء فدل هذا الحديث على أن عائشة قد كان عندها أنه حظر عليه التزويج ثم أطلق له وأبيح وكان هذا على قول من أجاز أن ينسخ القرآن بالسنة والقول الثاني عن جماعة من أجلة الصحابة والتابعين كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا عمرو بن أبي بكر الموصلي قال حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن
__________
(1) سورة: الأحزاب، الآية: 52
(2) سورة: الأحزاب، الآية: 51
(3) سورة: الأحزاب، الآية: 50
(4) سورة: الأحزاب، الآية: 38(1/207)
عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت لم يمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل له أن يتزوج من النساء من شاء إلّا ذات محرم وذلك قوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشََاءُ} (1) وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك وقد عارض بعض الفقهاء الكوفيين فقال محال أن تنسخ هذه الآية يعني {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشََاءُ} {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ} (2) وهي قبلها في المصحف الذي أجمع المسلمون عليه وقوي قول من قال نسخت بالسنة لأنه مذهب الكوفيين [قال أبو جعفر] وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن نزل جملة واحدة الى السماء الدنيا في شهر رمضان وتبين لك أن اعتراض هذا لا يلزم قوله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرََاجٍ} (3) منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي قبلها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (4) والقول الثالث أن المعنى أنه عليه الصلاة والسلام حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فعوّضن هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ فإن قال كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا قيل يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب فيكون هذا نسخ وعوضن منه انهن أزواجه في الجنة وهذا أعظم خطرا وأجل قدرا كما قال حذيفة لامرأته لا تتزوجي فان آخر أزواج المرأة زوجها في الجنة فلذلك حظر على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوجن بعده والقول الرابع انه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف والقول الخامس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القضية قول أبي رزين وهو يروى عن أبيّ بن كعب وهو اختيار محمد بن جرير والقول السادس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد المسلمات قول مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة قال مجاهد لئلا تكون كافرة أمّا للمؤمنين وهذا القول يبعد
__________
(1) سورة: الأحزاب، الآية: 51
(2) سورة: الأحزاب، الآية: 52
(3) سورة: البقرة، الآية: 240
(4) سورة: البقرة، الآية: 234(1/208)
لأنه يقدره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر والقول السابع أنه محرم عليه أن يبدل بعض نسائه بيهودية أو نصرانية أبعد من ذلك لأن نص القرآن {وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوََاجٍ} (1) وليس في القرآن ولا ان تبادل وحكى ابن زيد عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها يقول أحدهم خذ زوجتي وأعطني زوجتك وهذا غير معروف عند الناقلين لأفعال العرب والقول الثامن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان له حلال أن يتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك قول محمد بن كعب القرظي قال وكذا كانت الأنبياء صلوات الله عليهم قبله تزوج سليمان عليه السلام سبعمائة امرأة حرة وكان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف وكان لداود مائة امرأة منهن أم سليمان امرأة أورياء بن حيان قال عمر بن عفرة لما قالت اليهود ما لمحمد شغل الا التزويج فحسدوه على ذلك فأنزل الله {أَمْ يَحْسُدُونَ النََّاسَ عَلى ََ مََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ الْكِتََابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنََاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} (2) كان لسليمان ألف امرأة منها سبعمائة حرة وكان لداود مائة امرأة.
__________
(1) سورة: الأحزاب، الآية: 52
(2) سورة: النساء، الآية: 54(1/209)
سورة سبإ وفاطر ويس والصافات
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة إلا آية واحدة في الصافات
قال تعالى {فَلَمََّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قََالَ يََا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ََ فِي الْمَنََامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (1) الى تمام القصة للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال فمنهم من قال هي منسوخة احتج بقوله {قََالَ يََا أَبَتِ افْعَلْ مََا تُؤْمَرُ} (1) وان بعده {وَفَدَيْنََاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (2) وأجاز قائل هذا أن ينسخ الشيء قبل أن يعمل به واحتج بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة ثم نقلت الى خمس واحتج بقوله {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً} (3) وان بعده {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} (4) الآية وبقوله تعالى {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} (5) واحتج بقول الشافعي إن الله اذا فرض شيئا استعمل عباده منه بما أحب ثم نقلهم اذا شاء فهذا قول والقول الثاني أن هذا ما لا يجوز فيه نسخ لأنه أمر بشيء ليس بممتد فلا يجوز النسخ في مثل هذا لو قال قائل لرجل قم ثم قال لا تقم لكان هذا بدءا ولا يجوز أن يكون هذا من صفات الله تعالى أن يقال اذبح ثم يقال لا تذبح فهذا عظيم من القول لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ وقال قائل هذا الذبح في اللغة القطع وقد فعل ذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام والقول الثالث إن هذا أيضا لا يكون فيه نسخ وانما أمر إبراهيم بالذبح والذبح فعله وقد فعل ما تهيأ له وليس منعه من ذلك المنسوب اليه انه لم يفعل ما أمر به هذا قول صحيح حسن عليه أهل التأويل قال مجاهد لما أمر الله عز وجل إبراهيم بذبح ابنه إسحاق قال يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي فلا أوذيك اذا وجدت حز السكين فلما وضع السكين على حلقه وفي بعض الأخبار فلما أمرّ السكين على حلقه انقلبت فقال له مالك يا أبت قال انقلبت قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم الله تعالى منه الصدق {وَفَدَيْنََاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} وقد فعل إبراهيم ما أمر به
__________
(1) سورة: الصافات، الآية: 102
(2) سورة: الصافات، الآية: 107
(3) سورة: المجادلة، الآية: 12
(4) سورة: البقرة، الآية: 24
(5) سورة: الأنفال، الآية: 66(1/210)
والدليل على هذا قوله {وَنََادَيْنََاهُ أَنْ يََا إِبْرََاهِيمُ} (1) {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيََا} (2) فهذا مما يجب أن يقف عليه المسلمون لئلا ينسب الى الله البداء وانما أشكل على قائل ذلك القول الأول قوله {وَفَدَيْنََاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} لأنه جهل معناه ولم يدر من المفدى على الحقيقة وانما المفدى ابن إبراهيم عليهما السلام قد فعل ما أمر به وأما القول الثاني فلو صح عن أهل التأويل لما امتنع القول به والقول الأول عظيم من القول واحتجاج صاحبه بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم انه أمر أن يأمر أمته بخمسين صلاة ثم نقل ذلك الى خمس لا حجة له فيه لأنه ليس فيه نسخ ولا يعلم ان أحدا من العلماء قال ينسخ الشيء من قبل أن ينزل من السماء الى الارض الا القاشاني فانه خرج عن قول الجماعة ليصح له قوله ان البيان لا يتأخر وإنما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أمته بخمسين صلاة فمن قبل أن يأمرهم راجع وانما مثل هذا أن يأمر الله جبريل بشيء فيراجع فيه فينقض منه أو يزاد فلا يقال له نسخ وأما الاحتجاج بقوله {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ} (3) فمن أين لقائل هذا أن الآية الأولى لم يعمل بها وأما احتجاجه بقوله {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} فمن أين له أيضا أن الآية الأولى لم يعمل بها وقد حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا إبراهيم عن موسى بن قيس عن سلمة بن نهيك {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً} (4) قال
أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نسخت وأما قوله {كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (5) ثم قال {عَلِمَ اللََّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتََانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (6) وانما فعل هذا واحد واحتجاجه بقول الشافعي لا معنى له لأن قول الشافعي اذا فرض الله شيئا استعمل عباده بما أحب منه لا دليل فيه على أن الشيء ينسخ قبل أن يستعمل أو يستعمل بعضه فكان أولى بالصواب والدليل على ان الشيء لا ينسخ قبل أن يستعمل أن احتجاج العلماء في النسخ ان معناه اذا قلت افعل كذا وكذا فمعناه الى وقت كذا أو يشترط بكذا فاذا نسخ فانما أظهر ذلك الذي كان مضمرا فاذا قيل صلّوا الى بيت المقدس فمعناه الى أن أزيل ذلك أو الى وقت كذا 4وعلى أن أزيل ذلك الى وقت كذا وقد علم الله حقيقة ذلك ولا يجوز أن يقال
__________
(1) سورة: الصافات، الآية: 104
(2) سورة: الصافات، الآية: 105
(3) سورة: البقرة، الآية: 24
(4) سورة: المجادلة، الآية: 12
(5) سورة: البقرة، الآية: 183
(6) سورة: البقرة، الآية: 187(1/211)
صلّ الظهر بعد الزوال على أن أزيلها عنك مع الزوال فهذا بين وأقوال العلماء ان البيان يجوز أن يتأخر وخالفهم قائل هذا وجعله نسخا ولو جاز أن يقال لهذا نسخ لجاز أن يقال في قوله تعالى {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (1) ثم يبين ما هي ولا يقول أحد من الأمة إن هذا نسخ واحتجاجه بقول الشافعي يخالف فيه لأن أصحاب الشافعي الحذق لا يعلم بينهم خلافا ان البيان يتأخر فممن احتج بتأخيره ابن شريح لقول الله تعالى {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (2) {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ} (3) ثم في اللغة يدل على أن الثاني بعد الأول وهذا دليل حسن والدليل على ان البيان خلاف النسخ أن البيان يكون في الاخبار وأيضا فان البيان يكون معه دليل يدل على الخصوص اذا كان اللفظ عاما أو كان خاصا يراد به العام كما قال تعالى {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (4) فلما قال {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (5) دل على ان الانسان بمعنى الناس وقال تعالى {وَالْمَلَكُ عَلى ََ أَرْجََائِهََا} (6) دل على ان الملك بمعنى الملائكة هذا على الخصوص والعموم وهكذا التخصيص في الأشياء لا يسمى نسخا وهذا الباب من اللغة يحتاج اليه كل من نظر في العلم وبالله التوفيق.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 67
(2) سورة: القيامة، الآية: 18
(3) سورة: القيامة، الآية: 19
(4) سورة: العصر، الآية: 2
(5) سورة: العصر، الآية: 3
(6) سورة: الحاقة، الآية: 17(1/212)
سورة ص والزمر
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس انهما نزلتا بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة فإنه أسلّم ودخل المدينة فكان يثقل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النظر اليه حتى ساء ظن وحشي وخاف ان الله لم يقبل إسلامه فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات وهن قوله تعالى {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ} (1) الى تمام الثلاث الآيات [قال أبو جعفر] في ص ثلاثة مواضع مما يصلح في هذا الكتاب.
فالموضع الأول قوله تعالى {اصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} (2) ثم أمر بعد ذلك بالمدينة بالقتال وقد يجوز أن يكون هذا غير منسوخ ويكون هذا تأديبا من الله له وأمر لأمته بالصبر على أذاهم لأن التقدير {اصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} (2) مما يؤذونك به والدليل على هذا ان قبله ما قد آذوه قال تعالى {وَقََالُوا رَبَّنََا عَجِّلْ لَنََا قِطَّنََا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسََابِ} (3) لأنهم قالوا هذا استهزاء وإنكارا لما جاء به كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَقََالُوا رَبَّنََا عَجِّلْ لَنََا قِطَّنََا}
قال العذاب وقال قتادة نصيبنا من العذاب قال ذلك أبو جهل اللهم ان كان ما جاء به محمد حقا {فَأَمْطِرْ عَلَيْنََا حِجََارَةً مِنَ السَّمََاءِ أَوِ ائْتِنََا بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} (4) وقال السدي قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم أرنا منازلنا من الجنة حتى نتبعك قال اسماعيل بن أبي خالد عجل لنا قطنا أي رزقنا [قال أبو جعفر] قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن جبير ما روي فيه وأصل القط في كلام العرب الكتاب بالجائزة وهو النصيب وهو مشتق من قولهم قط أي حسب أي يكفيك ويجوز أن يكون مشتقا من قططت أي قطعت وقد ذكرنا قول أهل التأويل فيه وأهل اللغة في اشتقاقه الا شيئا حكاه القتيبي انهم لما أنزل الله تعالى {فَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ} (5) الآية {قََالُوا رَبَّنََا عَجِّلْ لَنََا قِطَّنََا} كتبنا حتى ننظر أتقع في أيماننا أم في شمائلنا استهزاء فأنزل الله تعالى {وَقََالُوا رَبَّنََا عَجِّلْ لَنََا قِطَّنََا} وهذا القول أصله عن الكلبي وكثيرا ما
__________
(1) سورة: الزمر، الآية: 53
(2) سورة: ص، الآية: 17
(3) سورة: ص، الآية: 16
(4) سورة: الأنفال، الآية: 32
(5) سورة: الحاقة، الآية: 19(1/213)
يعتمد عليه القتيبي والقراء وأهل الدين من أصحاب الحديث يحظرون ذكر كل شيء عن الكلبي لا سيما في كتاب الله تعالى. والموضع الثاني قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} (1) فمن العلماء من قال أبيح هذا ثم نسخ وحظر علينا قال الحسن قطع سوقها وأعناقها فعوضه الله مكانها خيرا منها وسخر له الريح وأحسن من هذا القول ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال {فَطَفِقَ مَسْحاً} يمسح أعناقها وعراقيبها حبا لها وهذا الاولى لأنه لا يجوز أن ينسب الى نبي من الأنبياء انه عاقب خيلا ولا سيما بغير جناية منها انما اشتغل بالنظر اليها ففرط في صلاته فلا ذنب لها في ذلك وروي الحديث عن علي بن أبي طالب قال الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر. والموضع الثالث قوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} (2) فمن العلماء من قال هذا منسوخ في شريعتنا فاذا حلف رجل أن يضرب انسانا عشر مرات ثم لم يضربه عشر مرات حنث وقال قوم بل لا يحنث اذا ضربه بما فيه عشر بعد أن تصيبه العشرة وهذا قول الشافعي ومن قبله عطاء قال هي عامة وقال مجاهد هي خاصة وأهل المدينة الى هذا القول يميلون.
__________
(1) سورة: ص، الآية: 33
(2) سورة: ص، الآية: 44(1/214)
سورة آل حم
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة وانما نذكر ما نزل بمكة لأن فيه أعظم الفائدة في الناسخ والمنسوخ لأن الآية اذا كانت مكية وكان فيها حكم وكان في غيرها نزل بالمدينة حكم غيره علم أن المدنية نسخت المكية وجدنا في آل حم ثمانية مواضع منها في حم عسق خمسة مواضع.
باب ذكر الموضع الأول منها
قال الله تعالى {وَالْمَلََائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (1)
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن خالد قال حدثنا داود بن قيس الصنعاني قال دخلت على وهب بن منبه مع ذي حولان فسألته عن قوله تعالى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} قال نسختها الآية التي في الطوال {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (2) هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر من الله تعالى ولكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد هذه الآية على نسخة تلك الآية لا فرق بينهم وكذا يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم اذا كان لما قالوه وجه والدليل على ما قلنا ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} قال المؤمنين منهم.
باب ذكر الموضع الثاني
قال جلّ وعزّ إخبارا {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} (3) فيها قولان محتملان فمن ذلك حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله تعالى {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ}
__________
(1) سورة: الشورى، الآية: 5
(2) سورة: غافر، الآية: 7
(3) سورة: الشورى، الآية: 15(1/215)
مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم {لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} أي لا خصومة هذا لليهود ثم نسختها {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1) هذا قول والقول الثاني أن تكون غير منسوخة أي لا حجة بيننا وبينكم لأن البراهين قد ظهرت والحجة قد قامت والقول الأول يجوز لأن معنى لا حجة بيننا وبينكم على ذلك والقول الثاني لم نؤمر أن نحتج عليكم ونقاتلكم ثم نسخ كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة لا تصلّ الى الكعبة ثم حول الناس بعد لجاز أن يقال نسخ ذلك.
باب ذكر الموضع الثالث
قال الله عز وجل {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا وَمََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (2) فيه قولان من ذلك ما حدثناه
عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال في قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الآخرة {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي في حسناته {وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا} أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا نؤته منها ونسخ ذلك في سورة سبحان {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (3) والقول الآخر أنها غير منسوخة وهو الذي لا يجوز غيره لأن هذا خبر والأشياء كلها بارادة الله تعالى ألا ترى أنه قد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت إلا أنه يجوز أن يتأول الحديث الأول أن يكون معناه هذه على نسخة هذه فيصح ذلك وربما أغفل من لم ينعم النظر في مثل هذا فجعل في الإخبار ناسخا ومنسوخا فلحقه الغلط والدليل على أنها غير منسوخة أنه خبر وقد قال قتادة في الآية من آثر الدنيا على الآخرة وكدح لها لم يكن له في الآخرة الا النار ولم يزدد منها شيئا الا ما قسم الله له.
__________
(1) سورة: التوبة، الآية: 29
(2) سورة: الشورى، الآية: 20
(3) سورة: الإسراء، الآية: 18(1/216)
باب ذكر الموضع الرابع
قال الله تعالى {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} (1) في هذه الآية أربعة أقوال فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} قل لا أسألكم على الإيمان جعلا الا أن تودوني لقرابتي وتصدقوني وتمنعوا مني ففعل ذلك الأنصار رحمهم الله ومنعوا منه منعهم عن أنفسهم وأولادهم ثم نسختها {قُلْ مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ} (2) ومذهب عكرمة أنها ليست بمنسوخة قال كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم قطعوه فقال {لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} الا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني وفي رواية قيس عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما أنزل الله تعالى {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم قال علي وفاطمة وولديهما والقول الرابع من أجمعها وأبينها كما قرئ على عبد الله بن الصقر عن نصر عن زياد بن أيوب قال حدثنا هشام قال أنبأنا عوف ومنصور عن الحسن {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} قال التقرب الى الله والتودد اليه بطاعته وهذا قول حسن ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي يعني الطحاوي قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا قزعة وهو ابن سويد البصري قال حدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال قل لا أسألكم على ما أنبئكم به من البيان والهدى أجرا إلّا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته فهذا المبين عن الله قد قال هذا وكذا الأنبياء عليهم السلام قبله {إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ}.
باب ذكر الموضع الخامس
قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (3) زعم ابن زيد انها
__________
(1) سورة: الشورى، الآية: 23
(2) سورة: سبإ، الآية: 47
(3) سورة: الشورى، الآية: 39(1/217)
منسوخة قال المسلمون ينتصرون من المشركين ثم نسخها أمرهم بالجهاد وقال غيره هي محكمة والانتصار من الظالم بالحق محمود ممدوح صاحبه كان الظالم مسلما أو كافرا كما روى اسباط عن الزهري {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يتعدوا وهذا أولى من قول ابن زيد لأن الآية عامة {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} (1) أولى ما قيل فيه معاقبة للمسيء بما يجب عليه وسميت الثانية سيئة أنها مساءة للمقتص منه والنحويون يقولون هذا على الازدواج وأكثر العلماء على ان هذا في العقوبات والقصاص وأخذ المال لا في الكلام الا ابن أبي نجيح كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسين بن محمد بن علية عن ابن أبي نجيح {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} قال اذا قال له أخزاك الله قال له أخزاك الله قال ابن زيد هذا كله منسوخ بالجهاد وكذا عنده {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} (2) انما هو للمشركين خاصة وقال قتادة إنه عام وكذا يدل ظاهر الكلام والله أعلم.
باب ذكر الموضع الذي في الزخرف
قال الله عز وجل {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (3) جماعة من العلماء يقولون إنها منسوخة بالقتال فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ}
أي فأعرض عنهم {وَقُلْ سَلََامٌ} أي معروفا أي قل لمشركي أهل مكة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ثم نسخ هذا في سورة (بَرََاءَةٌ) بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (4) الآية [قال أبو جعفر] أي قل لمشركي أهل مكة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن نيزك عن الخفاف عن سعيد عن قتادة {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} قال ثم نسخ ذلك وأمر بالقتال.
__________
(1) سورة: الشورى، الآية: 40
(2) سورة: الشورى، الآية: 41
(3) سورة: الزخرف، الآية: 89
(4) سورة: التوبة، الآية: 5(1/218)
باب ذكر الموضع الذي في الجاثية
قال عزّ وجلّ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ} (1) قال جماعة من العلماء هي منسوخة فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة فأراد أن يبطش به فأنزل الله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} يعني عمر بن الخطاب {يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} يتجاوزوا للّذين {لََا يَخََافُونَ} مثل عقوبات الايام الخالية {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ} ثم نسخ هذا في (بَرََاءَةٌ) بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} (2) قال نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
باب ذكر الآية التي في الاحقاف
قال عزّ وجلّ {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} (3)
قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن سفيان {وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} قال يرون أنها نزلت قبل الفتح وفي رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} (4) محال أن يكون فيها ناسخ ولا منسوخ من جهتين أحدهما انه خبر
والآخر أن من أول السورة الى هذا الموضع خطابا للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين كما كان قبله وما بعده ومحال أن يقول صلّى الله عليه وسلّم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ولم يزل صلّى الله عليه وسلّم في أول مبعثه الى وفاته
__________
(1) سورة: الجاثية، الآية: 14
(2) سورة: التوبة، الآية: 5.
(3) سورة: الأحقاف، الآية: 9
(4) سورة: الفتح، الآيتان: (21)(1/219)
يخبر ان من مات على الكفر يخلد في النار ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة فقد درى صلّى الله عليه وسلّم ما يفعل به وبهم وليس يجوز أن يقول ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير الى خفض ودعة أو الى عذاب وعقاب
والصحيح في معنى الآية قول الحسن كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا وهذا أصح قول وأحسنه لا يدري صلّى الله عليه وسلّم ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة وغنى وفقر وغلاء ورخص ومثله {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمََا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (1).
__________
(1) سورة: الأعراف، الآية: 188(1/220)
سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم مدنية وجدنا فيها موضعين.
باب ذكر الموضع الأول
قال عز وجل {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ حَتََّى إِذََا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثََاقَ فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} (1) في هذه الآية خمسة أقوال من العلماء من قال هي منسوخة وهي في أهل الأوثان ولا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم والناسخ لها عندهم {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2) ومنهم من قال هي في الكفار جميعا وهي منسوخة ومنهم من قال هي ناسخة ولا يجوز أن يقتل الأسير ولكن يمنّ عليه أو يفادى به ومنهم من قال لا يجوز الأسر الا بعد الإثخان والقتل فاذا أسر العدو بعد ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما رأى من قتل أو من مفاداة والقول الخامس أنها محكمة غير ناسخة ولا منسوخة والإمام مخير أيضا فممن قال القول الأول ابن جريج وجماعة من ذلك ما حدثنا الحسن بن عليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} (1) قال نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}
[قال أبو جعفر] هذا معروف من قول ابن جريج أن الآية منسوخة وأنها في كفار العرب وهو قول السدي وكثير من الكوفيين والقول الثاني أنها في جميع الكفار وأنها منسوخة في قول جماعة من العلماء وأهل النظر وقالوا اذا أسر المشرك لم يجز أن يمنّ عليه ولا أن يفادى به فيرد الى المشركين ولا يجوز عندهم أن يفادى الا بالمرأة لأنها لا تقتل والناسخ لها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} اذ كانت (بَرََاءَةٌ) آخر ما نزلت بالتوقيف فوجب أن يقتل كل مشرك الا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن تؤخذ منه الجزية قالوا والحجة لنا قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم عقبة بن أبي معيط وأبا عزة الجمحي فإن هذين وغيرهما أهل أوثان
__________
(1) سورة: محمد، الآية: 4
(2) سورة: التوبة، الآية: 5(1/221)
و (بَرََاءَةٌ) نزلت بعد هذا لأن عقبة قتل يوم بدر وأبا عزة قتل يوم أحد قالوا فليس في هذا حجة فقيل فإن ثبت في هذا حجة فهو القتل كما هو فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضوان الله عليهم من المنّ فليس فيه حجة لأن أبا بكر الصديق إنما منّ على الأشعث لأنه مرتد فحكمه أن يستتاب وانما منّ عمر رضي الله عنه على الهرمزان لأنه احتال عليه بأن قال له اشرب فلا بأس عليك فقال له قد أمنتني وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما منّ على قوم مسلمين يشهدون شهادة الحق ويصلون ويصومون قال أبو أمامة كنت معه بصفين فكان اذا جيء بأسير استحلفه أن لا يكثّر عليه ودفع اليه أربعة دراهم وخلاه وكان هذا مذهبه ولا يقتل الأسير من المسلمين ولا يغنم ماله ولا يتبعه اذا ولّى ولا يجهز على جريح فكانت هذه سنته في قتال من بغى من أهل القبلة حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً}
قال نسختها {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} (1) وقال مجاهد نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [قال أبو جعفر] ومن ذلك ما حدثنا الحسن بن عليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} قال فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى اذا أسر كما قال الله عز وجل وقال الأشعث كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ويتلو {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} والقول الرابع ورواية شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لا يكون فداء ولا أسر الا بعد الإثخان والقتل بالسيف والقول الخامس قاله كثير من العلماء [قال أبو جعفر] كما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} قال فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوا بهم وإن شاءوا منوا عليهم وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما وهو قول حسن لأن النسخ إنما يكون بشيء قاطع فأما اذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى في القول بالنسخ إذ كان يجوز أن يقع التعبد اذا لقينا الذين كفروا قبل الأسر قتلناهم فاذا كان الأسر جاز القتل والمفاداة والمنّ على ما فيه الصلاح للمسلمين وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وبالله التوفيق.
__________
(1) سورة: الأنفال، الآية: 57(1/222)
باب ذكر الآية الثانية
قال جلّ وعزّ {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} (1) من قال هذه ناسخة لقوله {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا} (2) احتج بأن في هذه المنع من الميل الى الصلح اذا لم يكن بالمسلمين حاجة عامة.
__________
(1) سورة: محمد، الآية: 35
(2) سورة: الأنفال، الآية: 61(1/223)
سورة الفتح والحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة وقد ذكرنا قول من قال {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} (1) الآية ناسخة لقوله {وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} (2) وأن هذا لا يكون فيه نسخ ولم نذكر معنى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ} على استقصاء وهذا موضعه فمن الناس من يتوهم أنه يعني بهذا فتح مكة وهذا غلط والذي عليه الصحابة والتابعون وغيرهم حتى كأنه إجماع كما روى أبو اسحاق عن البراء {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال يعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية كنا أربع عشر مائة وكذا روى الاعمش عن أبي سفيان قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية وكذا قال أنس بن مالك وابن عباس وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة وقاله من التابعين الحسن ومجاهد والزهري وقتادة وفي تسمية فتح الحديبية فتحا أقوال للعلماء مثبتة لو لم يكن فيها الا ان الله عز وجل أنزل على نبيه صلّى الله عليه وسلّم {لَقَدْ رَضِيَ اللََّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبََايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (3) بعد أن عرفه المغفرة له ثم لم ينزل بعد ذلك سخطا على من رضي عنه وأيضا فان الحديبية ورد عليها المسلمون وقد غاض ماؤها فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فجاء الماء حتى عمهم ولم يكن بين المسلمين والكفار إلا ترام حتى كان الفتح وقد كان بعض العلماء يتأول أنه انما قيل ليوم الحديبية الفتح لأنه كان سببا لفتح مكة وجعله مجازا كما يقال قد دخلنا المدينة اذا قاربنا دخولها وأبين ما في هذا ما [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا الأجلح عن محمد بن اسحاق عن ابن شهاب بإسناده قال لم يكن في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحروب وقد حجزت بين الناس فلا يتكلم أحد وانما كان القتال فلما كانت الحديبية والصلح وضعت الحرب وأمن الناس فتلاقوا فلا يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه فلقد دخل في تلك السنين مثل من كان قبل ذلك وأكثر وهذا قول حسن بيّن وقال تعالى
__________
(1) سورة: الفتح، الآية: 21
(2) سورة: الأحقاف، الآية: 9
(3) سورة: الفتح، الآية: 18(1/224)
{لََا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقََاتَلَ أُولََئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقََاتَلُوا} (1) كان هذا في يوم الحديبية أيضا جاء بذلك التوقيف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بينكم وبين الناس وفي الحديث لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم ملء الأرض ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه فهذا مدّ أحدهم يعني الذي يكتال به ونصيفه يعني نصفه قاله الترمذي فهذا الذي أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا.
__________
(1) سورة: الحديد، الآية: 10(1/225)
سورة ق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة [قال أبو جعفر] وجدنا فيهن خمسة مواضع في سورة ق موضع قال عز وجل {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبََارَ السُّجُودِ} (1)
يجوز أن يكون {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} منسوخا بقوله {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) الآية ويجوز أن يكون محكما أي اصبر على أذاهم فإن الله لهم بالمرصاد
وهذا أنزل في اليهود جاء التوقيف بذلك لأنهم تكلموا بكلام لحق النّبي صلّى الله عليه وسلّم منه أذى كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن هناد بن السري قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد وهو سعيد بن المرزبان عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد قرأته على أبي بكر أن اليهود جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الارض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء بما فيها من منافع وخلق الشجر والماء والمدائن والخرابات والعمارات يوم الأربعاء قال عز وجل {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} (3) الى {سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ} (4) قال لمن سأل وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم والشمس والقمر والملائكة يوم الجمعة الى ثلاث ساعات بقين منه وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال حين يموت من مات وفي الثانية القى الآفة على كل شيء ينتفع به الناس وفي الثالثة خلق آدم صلّى الله عليه وسلّم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح فغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم غضبا شديدا ونزلت {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ وَمََا مَسَّنََا مِنْ لُغُوبٍ} (5) [قال أبو جعفر] ثم قال {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ} (1) فتأول هذا بعض العلماء على انه اذا أحزن انسانا أمر
__________
(1) سورة: ق، الآية: 39
(2) سورة: التوبة، الآية: 29
(3) سورة: فصلت، الآية: 9
(4) سورة: فصلت، الآية: 10
(5) سورة: ق، الآية: 38(1/226)
فينبغي أن يفزع إلى الصلاة قال حذيفة كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة وعن ابن عباس أنه عرّف وهو راحل بموت قثم أخيه فأمر بحط الراحلة ثم صلّى ركعتين وتلا {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ وَإِنَّهََا لَكَبِيرَةٌ إِلََّا عَلَى الْخََاشِعِينَ} (1) ثم قال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قال أبو صالح الصبح والعصر وقيل الصبح والظهر والعصر ويكون من الليل المغرب والعشاء فأما {وَأَدْبََارَ السُّجُودِ} فبين العلماء فيه اختلاف فأكثرهم يقول الركعتان بعد المغرب ومنهم من يقول بعد كل صلاة مكتوبة ركعتان والظاهر يدل على هذا إلّا أن الأولى اتباع الأكثر ولا سيما وهو صحيح عن علي بن أبي طالب وقد أمر بما قد أجمع المسلمون عليه نافلة فيجوز أن يكون ندبا لا حتما ويجوز أن يكون منسوخا بما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يجب على أحد الا خمس صلوات ونقل ذلك الجماعة وكان التأذين فيها والإقامة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين المهديين لا أحد منهم يوجب غيرها وفي سورة الذاريات موضعان فالموضع الأول قوله تعالى {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2) من العلماء من قال هي محكمة كما قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ليس في المال حق سوى الزكاة ومن قال هي منسوخة قال هي وان كانت خبرا ففي الكلام معنى الأمر أي اعطوا السائل والمحروم ويجعل هذا منسوخا بالزكاة المفروضة [قال أبو جعفر] كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا سلمة بن نبيط قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن [قال أبو جعفر] وللعلماء في المحروم ثمانية أقوال فقرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال حدثنا زكريا بن أبي زيد عن أبي اسحاق السبيعي عن قيس قال سألت ابن عباس عن قول الله تعالى {لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} فقال السائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يبقى له مال وفي رواية شعبة والثوري عن أبي اسحاق عن قيس عن ابن عباس قال المحروم المحارف وقال محمد بن الحنفية المحروم الذي لم يشهد الحرب أي فيكون له سهم في الغنيمة وقال زيد بن أسلّم المحروم الذي لحقته جائحة فأتلفت زرعه وقال الزهري المحروم الذي لا يسأل الناس وقال عكرمة المحروم الذي لا ينمّي له شيء عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قيل من
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 45
(2) سورة: الذاريات، الآية: 19(1/227)
المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يعينه ولا يفطن له فيعطى ولا يسأل الناس
والقول الثامن يروى عن عمر بن عبد العزيز قال المحروم الكلب وانما وقع الاختلاف في هذا لأنه صفة أقيم مقام الموصوف والمحروم هو الذي قد حرم الرزق واحتاج فهذه الأقوال كلها داخلة في هذا غير أنه ليس فيها أجلّ مما روي عن ابن عباس ولا أجمع من أنه المحارف. والموضع الآخر قوله {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (1) في رواية الضحاك أن التولي عنهم منسوخ بأنه قد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة قال عزّ وجلّ {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ} (2) فأمر أن يبلغ كما أنزل الله كما قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية قال مجاهد {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرض عنهم {فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} أي ليس يلومك ربك عز وجل على تقصير كان منك. وفي الطور {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (3) للعلماء فيه أقوال
فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى الجعفي قال حدثني ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد سمع محمد بن كعب القرظي يقول في هذه الآية {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} الآية قال حين تقوم الى الصلاة أي تكبر وتقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك وهذا قول إن الآية في افتتاح الصلاة وردّ هذا بعض العلماء وقد أجمع المسلمون أنه من لم يستفتح الصلاة بهذا فصلاته جائزة فلو كان هذا أمر من الله سبحانه لكان موجبا فإن قيل هو ندب قيل لو صح أنه واجب بما تقوم به الحجة لجاز أن يكون ندبا أو منسوخا قال أبو الجوزاء {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}
ومن النوم واختار هذا القول محمد بن جرير قال يكون هذا فرضا ويكون هذا النوم القائلة ويعني به صلاة الظهر لأن صلاة الصبح مذكورة في الآية والقول الثالث قول أبي الأحوص أن يكون كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك وهذا القول أولاها من جهات آكدها انه قد صح عن عبد الله بن مسعود واذا تكلم صحابي في آية ولم يعلم أحد من الصحابة خالفه لم يسع مخالفته لأنهم أعلم بالتنزيل والتأويل كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن
__________
(1) سورة: الذاريات، الآية: 54
(2) سورة: المائدة، الآية: 67
(3) سورة: الطور، الآية: 48(1/228)
أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (1) قال تقوم من المجلس تقول سبحان الله وبحمده [قال أبو جعفر] فيكون هذا ندبا لجميع الناس
وقد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك وكان يقول كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك وفي بعض الحديث يغفر له كلما كان في ذلك المجلس وقد يجوز أن هذا لما كان مخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم كان فرضا عليه وحده وندبا على قوم وحجة ثالثة أن الكلام عام ولا يخص به القيام من النوم الا بحجة ثم قال {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} (2) فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال يعني به المغرب والعشاء وقال ابن زيد يعني به المغرب حدثنا أبو جعفر قال حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد عن ابن علية قال حدثنا ابن جريج عن مجاهد قال قال ابن عباس {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ}
والتسبيح في ادبار الصلوات ثم قال تعالى {وَإِدْبََارَ النُّجُومِ} فيه قولان قال الضحاك وابن زيد {وَإِدْبََارَ النُّجُومِ} صلاة الصبح واختار محمد بن جرير هذا القول لأن صلاة الصبح فرض قالوا فالأولى أن تحمل الآية عليها وهذا القول أولى لأنه جاء عن صحابي لا نعلم له مخالفا كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا محمد بن فضل قال حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي اسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى {وَإِدْبََارَ النُّجُومِ} قال ركعتان بعد الفجر فان قيل فالركعتان غير واجبتين والأمر من الله تعالى على الحتم الا أن يكون حجة تدل على أنه على غير الحتم
فالجواب عن هذه أنه يجوز أن تكون حتما ثم نسخ بأنه لا فرض الا الصلوات الخمس ويجوز أن يكون ندبا ويدل على ذلك ما أجمع عليه العلماء أن ركعتي الفجر ليستا فرضا ولكنهما مندوب اليهما لا ينبغي تركهما وفي النجم قوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} (3) [قال أبو جعفر] للناس في هذا أقوال فمنهم من قال انها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة فلا ينفع أحدا أن يتصدق عنه أحد ولا أن يجعل له ثواب شيء عمله قال {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} كما قال الله وقال قوم قد جاءت أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بأسانيد صحاح وهي مضمومة الى الآية وقال قوم الأحاديث لها تأويل وليس للإنسان على الحقيقة الا ما سعى فممن تؤل عليه ان الآية منسوخة ابن عباس [قال أبو جعفر] كما
__________
(1) سورة: النصر، الآية: 11
(2) سورة: الطور، الآية: 49
(3) سورة: النجم، الآية: 39(1/229)
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ} الآية فأنزل الله تعالى بعد ذلك {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمََانٍ أَلْحَقْنََا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (1) فأدخل الله تعالى الآباء الجنة بصلاح الأبناء قال محمد بن جرير يذهب إلى أن الآية منسوخة [قال أبو جعفر] كذا عندي في الحديث وكان يجب أن يكون فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء الا انه يجوز أن يكون المعنى على ان الآباء يلحقون بالأبناء كما يلحق الأبناء بالآباء وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق وقال أنبأنا الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ان الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجة الجنة وان كانوا دونه في العمل {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمََانٍ أَلْحَقْنََا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمََا أَلَتْنََاهُمْ} (1) أي نقصانهم حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن داود قال حدثنا أحمد بن سكيت الكوفي قال حدثنا محمد بن بشر العبدي قال حدثنا سفيان الثوري عن سماعة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ان الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وان كان لم يبلغها بعمله لتقرّبهم عينه ثم قرأ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمََانٍ} الآية فصار الحديث مرفوعا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه إخبار عن الله تعالى بما يفعله وبمعنى انه أنزلها جل ثناؤه وأما قول من قال لا ينفع أحدا أن يتصدق عنه أحد ولم يتأول الأحاديث فقول مرغوب عنه الا بما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم نسمع أحدا رده قال عز وجل {وَمََا آتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وقد صحت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أحاديث سنذكر منها شيئا حدثنا بكر بن سهل الدمياطي قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل بن عباس ينظر اليها وتنظر اليه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر فقالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع وفي حديث ابن عيينة عن عمرو عن الزهري عن سليمان عن ابن عباس بزيادة وهي ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لها أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه قالت نعم فقال فدين الله أولى وقال قوم
__________
(1) سورة: الطور، الآية: 21
(2) سورة: الحشر، الآية: 7(1/230)
لا يحج أحد عن أحد واحتج له بعض الصحابة فقال في الحج صلاة لا بد منها وقد أجمع العلماء على أن لا يصلي أحد عن أحد قيل لهم الحج مخالف للصلاة مع بيان السنة [قال أبو جعفر] وسنذكر قول من تأول الحديث وقد روى شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا قال يا رسول الله ان أمي توفيت وعليها صيام قال فصم عنها وقد قال من يقتدى بقوله من العلماء لا يصوم أحد عن أحد فقال من احتج لهم بهذا الحديث وإن كان مستقيم الإسناد وسعيد بن جبير وإن كان له المحل الجليل فقد وقع في أحاديثه غلط وقد خالفه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبد الله من الإتقان على ما لا خفاء به كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي عن عبد الله بن عباس ان سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر قال فاقض عنها وروى الزهري عن أبي عبد الله الاغر عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يلحق المسلّم أو ينفع المسلّم ثلاثة ولد صالح يدعو له وعلم ينشره وصدقة جارية ونذكر قول من تأول هذه الاحاديث فإن فيها أقوال من العلماء من قال بالأحاديث كلها ولم يجز فيها الترك منهم أحمد بن محمد بن حنبل وكان هذا مذهبه فقال يحج الإنسان عن الإنسان ويتصدّق عنه كما قال صلّى الله عليه وسلّم قال ومن مات وعليه صيام شهر من رمضان أطعم عنه لكل يوم ومن مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه كما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال يحج الإنسان عن الإنسان ولا يصوم عنه ولا يصلي وهذا مذهب الشافعي ومنهم من قال لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحد عن أحد وهذا قول مالك بن أنس ومنهم من قال الأحاديث صحيحة ولكن هي محمولة على الآية وإنما يحج الإنسان عن الإنسان إذا أمره وأوصى بذلك أو كان له فيه سعي حتى يكون موافقا لقوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} ومنهم من قال لا يعمل أحد عن أحد شيئا فإن عمل فهو لنفسه كما قال عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء عليهم السلام أن لا يمنعوا أحدا من فعل الخير [قال أبو جعفر] وقول أحمد في هذا بيّن حسن وهو أصل مذهب الشافعي فإن قال قائل فكيف يرد هذا الى الآية ففي ذلك جوابان أحدهما ان ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصح عنه فهو مضموم الى القرآن كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر وأبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أو غيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول
لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه [قال أبو جعفر] وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث الى القرآن كما قال جل ثناؤه {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} (1) ثم حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما الى الآية وكان أحمد من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم فقد أفطر هو وجماعته كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله إنما قال {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} ولام الخفض معناها في العربية الملك والايجاب فليس {لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}
فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال نعم [قال أبو جعفر] في هذا الحديث ما ذكرنا من التأويلات وفيه من الغريب قوله افتلتت ماتت فجأة ومنه قول عمر رضي الله عنه كانت بيعة أبي بكر فلتة فوقى الله شرها أي فجاءة وفي ذلك المعنى ان عمر تواعد من فعل ذلك وذلك ان أبا بكر صار له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اياه على الصلاة فجاء ممدود مهموز قال عروة بن حزام:(1/231)
ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال يحج الإنسان عن الإنسان ولا يصوم عنه ولا يصلي وهذا مذهب الشافعي ومنهم من قال لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحد عن أحد وهذا قول مالك بن أنس ومنهم من قال الأحاديث صحيحة ولكن هي محمولة على الآية وإنما يحج الإنسان عن الإنسان إذا أمره وأوصى بذلك أو كان له فيه سعي حتى يكون موافقا لقوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} ومنهم من قال لا يعمل أحد عن أحد شيئا فإن عمل فهو لنفسه كما قال عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء عليهم السلام أن لا يمنعوا أحدا من فعل الخير [قال أبو جعفر] وقول أحمد في هذا بيّن حسن وهو أصل مذهب الشافعي فإن قال قائل فكيف يرد هذا الى الآية ففي ذلك جوابان أحدهما ان ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصح عنه فهو مضموم الى القرآن كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر وأبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أو غيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول
لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه [قال أبو جعفر] وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث الى القرآن كما قال جل ثناؤه {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} (1) ثم حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما الى الآية وكان أحمد من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم فقد أفطر هو وجماعته كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله إنما قال {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} ولام الخفض معناها في العربية الملك والايجاب فليس {لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}
فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفأتصدق عنها؟ قال نعم [قال أبو جعفر] في هذا الحديث ما ذكرنا من التأويلات وفيه من الغريب قوله افتلتت ماتت فجأة ومنه قول عمر رضي الله عنه كانت بيعة أبي بكر فلتة فوقى الله شرها أي فجاءة وفي ذلك المعنى ان عمر تواعد من فعل ذلك وذلك ان أبا بكر صار له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اياه على الصلاة فجاء ممدود مهموز قال عروة بن حزام:
وما هو الا أن أرادها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
قال محمد بن جرير استخلافه إياه على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين والنظر في أمورهم لأنه استخلفه على الصلاة التي لا يقيمها الا الأئمة من الجمع والأعياد وروجع في ذلك فقال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر وقال غير محمد بن جرير روى شعبة والثوري عن الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال استقيموا ولا تخطوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الصلاة الا مؤمن فلما استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على خير أعمالنا ما كان دونه تابعا له.
__________
(1) سورة: الأنعام، الآية: 145(1/232)
سورة الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها مدنية لم نجد فيها إلا موضعا واحدا
قال عز وجل {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ََ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (1) في هذه الآية ستة أقوال العلماء منهم من قال هي منسوخة وقال الفيء والغنيمة واحد وكان في بدوّ الاسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون لمن قاتل عليها شيء الا أن يكون من هذه الأصناف ثم نسخ الله ذلك في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس وجعل الأربعة الأخماس لمن حارب قال الله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (2) وهذا قول قتادة ورواه عنه سعيد ومنهم من قال الفيء خلاف الغنيمة فالغنيمة ما أخذ عنوة بالغلبة والحرب ويكون خمسه في هذه الأصناف وأربعة أخماس للذين قاتلوا عليه والفيء ما صولح أهل الحرب عليه فيكون مقسوما في هذه الاربعة الأصناف ولا يخمس هذا قول سفيان الثوري رواه عنه وكيع وقال غيره من الفقهاء الفيء أيضا غير الغنيمة وهو ما صولحوا عليه أيضا الا أنه يخرج خمسه في هذه الأصناف ويكون أربعة أخماسه خارجة في صلاح المسلمين ومنهم من قال هذه الآية يتبين ما قبلها من قوله {وَمََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمََا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلََا رِكََابٍ} (3) قال يزيد بن رومان الفيء ما قوتل عليه وأوجف عليه بالخيل والركاب والقول السادس حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر في قول الله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} قال بلغني أنه الجزية والخراج خراج القرى يعني القرى التي تؤدي الخراج [قال أبو جعفر] أما القول أنها منسوخة فلا معنى له لأنه ليست إحداهما تنافي الأخرى فيكون النسخ والقول الثاني أن الفيء خلاف الغنيمة قول مستقيم صحيح وذلك أن الفيء مشتق من فاء يفيء اذا رجع فأموال المحاربين حلال للمسلمين فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع الى المسلمين ما صولحوا عليه وقول معمر أنها الجزية والخراج داخل في هذه الآية مما صالحوا عليه وأما قول
__________
(1) سورة: الحشر، الآية: 7
(2) سورة: الأنفال، الآية: 41
(3) سورة: الحشر، الآية: 6(1/234)
من قال ان الآية الثانية مبينة للأولى فغلط لأن الآية الأولى جاء التوقيف أنها نزلت في بني النضير حين أجلوا عن بلادهم بغير حرب وفيهم نزلت سورة الحشر {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مِنْ دِيََارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} (1) فجعل الله أموالهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يستأثرها وفرقها في المجاهدين ولم يعط الأنصار منها شيئا الا لرجلين سهل بن حنيف وأبي دجانة سماك بن حرشة ولم يأخذ منها صلّى الله عليه وسلّم الا ما يكفيه ويكفي أهله ففي هذا نزلت الآية الأولى والآية الثانية لأصناف بعينهم خلاف ما كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم وحده ويبين لك هذا الحديث حين تخاصم علي والعباس الى عمر بن الخطاب في هذا بعينه كما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن عمرو بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدسان قال أرسل اليّ عمر حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله فقال حين دخلت يا مالك إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت برضخ فخذه فأقسمه بينهم قلت لو أمرت غيري بذلك قال فخذه فجاء يرفأ فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص قال نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي قال نعم فأذن لهما فدخلا فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني عليا فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهما وارحمهما فقال مالك بن أوس خيّل اليّ انهما قدما أولئك النفر لذلك فقال عمر أنشدكم ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» قالا نعم قال فإن الله عز وجل خص نبيه صلّى الله عليه وسلّم بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس فقال {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمََا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلََا رِكََابٍ وَلََكِنَّ اللََّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى ََ مَنْ يَشََاءُ وَاللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) وكان الله أفاء على رسوله بني النضير فو الله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأخذ منها نفقة سنة ويجعل ما بقي أسوة المال ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمان ذلك قالا نعم فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال أبو بكر الصديق أنا ولي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئت
__________
(1) سورة: الحشر، الآية: 6(1/235)
أنت وهذا الى أبي بكر الصديق فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر الصديق قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» فوليها أبو بكر فما توفّي أبو بكر قلت أنا وليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووليّ أبو بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت إن أدفعها اليكما على أنّ عليكما عهد الله لتليانها بالذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يليها به وأخذتماها على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك فو الله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنها فردّاها اليّ أكفكماها فقد تبين بهذا الحديث ان قوله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ} (1) الأوّل خلاف الثاني وانه جعل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصة وان الثاني خلافه لأنه لا جناس جماعة وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» فأصحاب هذا الحديث يعرفون هذا الحديث فيجعلونه من حديث عمر ثم يجعلونه من حديث عثمان ومن حديث علي ومن حديث الزبير ومن حديث سعد ومن حديث عبد الرحمن بن عوف ومن حديث العباس لأنهم جميعا قد أجمعوا عليه وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث» قولان أحدهما أنه يخبر عنه وحده كما يقول الرئيس فعلنا وصنعنا وسمعنا والقول الآخر أن يكون لا نورث لجميع الأنبياء عليهم السلام وأكثر أهل العلم على هذا القول فان أشكل على أحد قوله عز وجل {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوََالِيَ مِنْ وَرََائِي} (2) وما بعده فقد بين هذا أهل العلم فقالوا انما قال زكرياء عليه السلام {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوََالِيَ مِنْ وَرََائِي} لأنه خاف أن لا يكون في مواليه مطيع لله يرث النبوة من بعده والشريعة فقال {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (3) ثم قال {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (3) وكذلك قوله {وَوَرِثَ سُلَيْمََانُ دََاوُدَ} (4) فإن أشكل على أحد فقال ان سليمان قد كان نبيا في وقت أبيه قيل انه قد كان ذلك الا أن الشرائع كانت الى داود وكان سليمان معينا له فيها وكذلك كانت سبيل الأنبياء عليهم السلام اذا اجتمعوا أن تكون الشريعة الى واحد منهم فورث سليمان ذلك وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تركنا صدقة» فللعلماء فيه ثلاثة أقوال منهم من قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد تصدق به ومنهم من قال هو بمنزلة الصدقة أي لا نورث وانما هو في مصالح المسلمين والقول الثالث أن تكون الرواية «لا نورث ما تركنا صدقة» بالنصب ويكون ما بمعنى الذي ويكون في موضع نصب أيضا والمعاني في هذا متقاربة لأن المقصود أنه صلّى الله عليه وسلّم لا يورث.
__________
(1) سورة: الحشر، الآية: 6
(2) سورة: مريم، الآية: 5
(3) سورة: مريم، الآية: 6
(4) سورة: النمل، الآية: 16(1/236)
سورة الممتحنة
باب ذكر الآية الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة فيها أربع آيات أولاهن قوله تعالى {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (1) لأهل العلم فيها أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة
ومنهم من قال هي مخصوصة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا} (2) ومنهم من قال هي في حلفاء النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه ومنهم من قال هي عامة محكمة فممن قال هي منسوخة قتادة كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} قال نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (3) والقول الثاني قول مجاهد قال الذين لم يقاتلوكم في الدين الذي آمنوا وأقاموا بمكة ولم يهاجروا والقول الثالث قول أبي صالح قال هم خزاعة وقال الحسن هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} قال توفوا لهم بالعهد الذي بينكم وبينهم والقول الرابع أنها عامة محكمة قول حسن بيّن وفيه أربع حجج منها أن ظاهر الآية يدل على العموم ومنها أن الأقوال الثلاثة مطعون فيها لأن قول قتادة أنها منسوخة قد ردّ عليه لأن مثل هذا ليس محظور وأن قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) ليس بعام لجميع المشركين ولا هو على ظاهره فيكون كما قال قتادة وانما هو مثل قوله {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (4) الآية ثم ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم القطع في ربع دينار فصاعدا فصارت الآية لبعض السراق لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم المبين عن الله تعالى فكذا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قد خرج أهل الكتاب إن أدوا الجزية وخرج منه الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما قال أبو وائل عن عبد الله بن مسعود كنت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين وافاه رسولان من مسيلمة فقال لهما تشهدان أني رسول الله فقالا اشهد أنت أن مسيلمة رسول الله فقال آمنت بالله وبرسله لولا أن الرسول لا يقتل لقتلتكما ونهى صلّى الله عليه وسلّم عن قتل العسيف فهذا كله
__________
(1) سورة: الممتحنة، الآية: 8
(2) سورة: الأنفال، الآية: 72
(3) سورة: التوبة، الآية: 5
(4) سورة: المائدة، الآية: 38(1/237)
خارج عن الآية وقد علم أن المعنى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} على ما أمرتم فلا يمتنع أن يكون ما أمرنا به من الإقساط اليهم وهو العدل فيهم ومن برهم أي الاحسان اليهم بوعظهم أو غير ذلك من الإحسان ثانيا فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء على أن العدوّ اذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعا ويعرض عليه الإسلام فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا غزا قوما الى بلاد أمرهم أن لا يقاتلوا حتى يدعوا من عزموا على قتاله الى الإسلام وهذا قول مالك بن أنس في كل من عزم على قتاله وهو مروي عن حذيفة وقول الحسن والنخعي وربيعة والزهري والليث بن سعد انه لا يدعى من بلغته الدعوة وهو قول الشافعي وأحمد واسحاق والقول الثاني انها مخصوصة للمؤمنين الذين لم يهاجروا مطعون فيه لأن أول السورة {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ} (1) والكلام متصل فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله وللمؤمنين والقول الثالث يرد بهذا فصح القول الرابع وفيه من الحجة أيضا ان بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا محرم لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح ولا كراع ولا فيه إظهار عورة للمسلمين والحجة الرابعة أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابي لم يسع أحدا مخالفته ولا سيما اذا كان مع قوله توقيف سبب نزول الآية [قال أبو جعفر] وقد وجدنا هذا حدثنا أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي قال حدثنا اسماعيل بن يحيى قال حدثنا محمد بن ادريس عن أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر قالت قدمت عليّ أمي وهي في عهد قريش اذ عاهدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستفتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت عليّ وهي مشركة أفأصلها قال نعم صلي أمك وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة ابنة العزى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا سمن وتمر وقرظ فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فنزلت {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} (2) [قال أبو جعفر] فقد بان ما قلنا بهذين الحديثين وبما ذكرنا من الحجج.
__________
(1) سورة: الممتحنة، الآية: 1
(2) سورة: الممتحنة، الآية: 8(1/238)
باب ذكر الآية الثانية
قال عز وجل {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ مُهََاجِرََاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللََّهُ أَعْلَمُ بِإِيمََانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ} (1) فنسخ الله بهذا على قول جماعة من العلماء ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عاهد عليه قريشا أنه اذا جاءه أحد منهم مسلما رده اليهم فنقض الله هذا في النساء ونسخه وأمر المؤمنين اذا جاءتهم امرأة مسلمة مهاجرة أن يمتحنوها فان كانت مؤمنة على الحقيقة لم يردوها اليهم واحتج من قال بهذا بأن القرآن ينسخ السنة ومنهم من قال هذا كله منسوخ في الرجال والنساء ولا يجوز للإمام أن يهادن الكفار على أنه من جاءه منهم مسلما رده اليهم لأنه لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقيم مسلّم بأرض الشرك تجري عليه أحكام الشرك واختلفوا في التجارة الى أهل الشرك وسنذكر ذلك بعد ذكر الحديث الذي فيه خبر صلح النبي صلّى الله عليه وسلّم وما في ذلك من النسخ والأحكام والفوائد فمن ذلك ما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي بن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان عن الزهري قال ونبأني معمر بعد عن الزهري عن عروة بن الزبير ان مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد احدهما على صاحبه قالا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها ثم بعث عينا له من خزاعة وسار النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى اذا كان وذكر كلمة [قال أبو جعفر] الصواب حتى اذا كان بعد برّ الاشطاط أتى عينه فقال ان قريشا أجمعوا لك جموعا وجمعوا لك الأحابيش وأنهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم أشيروا عليّ أترون ان نميل على ذراري هؤلاء القوم الذين أعانوا علينا فان يحينوا يكن الله قد قطع عنقا من الكفار والا تركتهم محروبين موتورين فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله انما خرجت بهذا الوجه عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم امضوا على اسم الله [قال أبو جعفر] احسب ان أبا عبد الرحمن اختصر هذا الحديث بما فيه والذي فيه يحتاج الى تفسيره والحكمة فيه أو يكون جاء بما يقدر انه يحتاج اليه منه لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بتمامه فذكروا نحو هذا قال فراحوا يعني إذ كانوا ببعض الطريق قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بغبرة الجيش وانطلق يركض
__________
(1) سورة: الممتحنة، الآية: 10(1/239)
وقال أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرفع عروة رأسه وقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر أو لست أسعى في غدرتك وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه
في شيء ثم أن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعينيه فقال والله ما يتنخم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة الا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر اليه تعظيما له قال فرجع عروة الى أصحابه فقال أيّ قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن يتنخم نخامة الا وقعت في كف رجل فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه فقال رجل من بني كنانة دعوني آته قالوا ائته قال فلما أشرف على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء ان يصدوا عن البيت فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلّى الله عليه وسلّم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال هات أكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا الكاتب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو ولكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكتب باسمك اللهم» ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال سهيل بن عمرو والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب من محمد بن عبد الله فقال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم اياها فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به» فقال سهيل بن عمرو والله لا تتحدث العرب أنّا أخذنا ضغطة ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى انه لا يأتيك منا رجل وان كان على دينك الا رددته الينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما نقاضيك عليه أن ترده اليّ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» قال فإذا والله لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فاجزه لي» قال ما أنا بمجيزه لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل فقال مكرز بلى قد أجزناه لك فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله ما شككت منذ
أسلمت كشكي يومئذ فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت ألست نبي الله قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت وعدتنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به قال فأخبرتك أنك تأتيه العام قال فأتيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على(1/241)
والرحم ألا أرسل اليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (1) الى قوله {حَمِيَّةَ الْجََاهِلِيَّةِ} (2) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم والأحكام وحالوا بينه وبين البيت [قال أبو جعفر] في هذا الحديث من الناسخ والمنسوخ والآداب والأحكام من الحج والجهاد وغيرهما ومن تفسير وغيره نيف وثلاثون موضعا نذكرها موضعا موضعا ان شاء الله تعالى فمن ذلك الوقوف على أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذين كانوا بالحديبية بضع عشرة مائة وهم الذين قد أنزل الله فيهم {لَقَدْ رَضِيَ اللََّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} (3) وان البضع يقع لأربع قال جابر بن عبد الله كنا ألفا وأربعمائة وان المائة بعد عدد الواحد وفيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أراد العمرة من المدينة أهلّ من ذي الحليفة سنة ست ثم أقام الأمر على ذلك كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وذكر الحديث وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من الإحرام من بلد الرجل لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه أحرم بعمرة في هذا الوقت وفيه أيضا أنه ليس معنى قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (4) ان يحرم الإنسان من دويرة أهله ولو كان كذا لكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى الناس بالعمل به فإن قيل فقد قال علي بن أبي طالب اتمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك قيل هذا يتأول على أنه خاص لمن كان بين الميقات ومكة كما روى ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من كان أهله دون الميقات فمهلّه من حيث كان أهله كما يهلّ أهل مكة من مكة وفيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشعر البدن فكانت هذه سنة على خلاف ما يقوله الكوفيون أنه لا يجوز إشعار البدن قرئ على أحمد بن شعيب عن العباس بن عبد العظيم قال أنبأنا عثمان بن عمر قال أنبأنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديه بيده وأشعره ثم لم يحرّم شيئا كان الله أحلّه له وبعث بالهدي مع أبي [قال أبو جعفر] فدل هذا الحديث على خلاف ما يقوله الكوفيون لأنهم زعموا ان الإشعار منسوخ بنهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن المثلة ونهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن المثلة إنما كان في وقعة أحد وقيل في وقعة خيبر وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس بعد ذلك فكان الإشعار بعد فمحال أن ينسخ الأول الآخر وقد كان
__________
(1) سورة: الفتح، الآية: 24
(2) سورة: الفتح، الآية: 26
(3) سورة: الفتح، الآية: 18
(4) سورة: البقرة، الآية: 196(1/243)
الإشعار أيضا في حجة الوداع وفيه أيضا سنّة التقليد وفيه أن الإشعار والتقليد قبل الإحرام وفيه السنّة في التوجيه بعين الى العدو وفيه التوجيه برجل واحد فدل هذا على أنه يجوز ان يسافر وحده في حال الضرورة وفيه أنه يجوز للواحد في حال الضرورة أن يهجم على الجماعة كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب من يعرف لنا خبر القوم فقال الزبير أنا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لكل نبي حواري وحواريّ الزبير رضي الله عنه وفيه الدليل على صحة خبر الواحد ولولا أنه مقبول ما وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم بواحد ليخبره بخبر القوم وفيه مشاورة النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه وقال الحسن فعل ذلك لتستن به أمته وما شاور قوم الّا هدوا لأرشد الأمور وقال سفيان الثوري بلغني أن المشورة نصف العقل حدثني أحمد بن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن الحكم بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قول الله تعالى {وَشََاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (1) قال أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما
وفيه مشورة أم سلمة على النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخرج الى الناس فينحر ويحلق لأنها رأت أنهم لا يخالفون فعله فدل هذا على أن الحديث في أمر النساء ليس في المشورة وإنما هو في الولاية وفيه السنة على أن النحر قبل الحلق بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم انحروا ثم احلقوا وفيه أن من قلّد وأشعر لم يحرم على خلاف ما يقول بعض الفقهاء وفي إباحة سبي ذراري المشركين اذا خرج المشركون فأعانوا مشركين آخرين لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوا فنصيبهم وفيه إجازة قتال المحرم من صده عن البيت ومنعه من نسكه لقوله عليه الصلاة والسلام أو ترون أن نؤم هذا البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى الا أعطيتهم إياها ولم يقل إن شاء الله [قال أبو جعفر] ففي هذا الحديث أجوبة منها أن يكون هذا شيئا قد علم أنه كذا فلا يحتاج أن يستثنى فيه لأن الإنسان إنما أمر بالاستثناء لما يخاف أن يمنع منه ويجوز أن يكون الاستثناء حذف لعلم السامع ولم يذكره المحدث أو جرى على جهة النسيان وفيه اعطاء النبي صلّى الله عليه وسلّم السهم لأصحابه حتى جعلوه في الماء فكان ذلك من علامة نبوته صلّى الله عليه وسلّم وازديادهم بصيرة وفيه إجازة مهادنة المشركين بلا مال يؤخذ منهم إذا كان ثمّ ضعف وفيه أن محمد بن اسحاق قال هادنهم عشر سنين فعمل بذلك جماعة من الفقهاء قالوا لا تجوز المهادنة أكثر من عشر سنين اذا كان ثمّ خوف ومنهم من قال ذلك وأن الإمام يفعل ما فيه صلاح المسلمين وفيه إجازة مهادنة المشركين على ما فيه ضعف على
__________
(1) سورة: آل عمران، الآية: 159(1/244)
المسلمين مما ليس فيه معصية لله اذا احتيج الى ذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم امتنعوا من ذلك وأبوا أن يكتبوا الا باسمك اللهم فأجابهم الى ذلك لأن هذا كله لله عز وجل وكذا لما قالوا لا نكتب الا هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فأجابهم لأنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محمد بن عبد الله وفيه من المشكل على أنه قاضاه على انه من جاءه منهم مسلما رده اليهم حتى نفر جماعة من الصحابة من هذا منهم عمر بن الخطاب حتى ثبته أبو بكر رضي الله عنهما وتكلم العلماء في هذا الفعل فمنهم من قال فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لقلة أصحابه وكثرة المشركين وأنه أراد أن يشتغل بغير قريش حتى يفرغ لهم وأن يقوّي أصحابه ومن أصح ما قيل فيه وهو مذهب محمد بن اسحاق أنه كثر الإسلام بعد ذلك حتى أنه كان لا يخاطب أحدا بفعل الإسلام إلا أسلّم فمعنى هذا أن الله تعالى علم أن منهم من سيسلّم وأن في هذا الصلاح ولم يكن في رد من أسلّم إليهم إلا أحد أمرين إما أن يفتن فيقول بلسانه ما ليس في قلبه فالوزر ساقط عنه وإما أن يعذب في الله فيثاب على انهم انما كان يجيء أهاليهم وأقرباؤهم فهم مشفقون عليهم والدليل على ان الله تعالى علم ان في ذلك الصلاح احمادهم العاقبة بأن سأل الكفار المسلمين أن يحوزوا اليهم كل من أسلّم وفيه قوله عليه الصلاة والسلام اني رسول الله ولا أعصيه فدلّ على ان هذا كان عن أمر الله سبحانه وتعالى وفيه تبيين فضل أبي بكر رضي الله عنه وانه أعلم الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأحكام الله وشرائع نبيه صلّى الله عليه وسلّم لأنه أجاب عمر رضي الله عنه بمثل جواب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبيّنه وانما كان ذلك من عمر كراهية لإعطاء الدنيّة في الإسلام وفيه هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فكان في هذا الرد على من زعم من الفقهاء انه لا يجوز هذا ما شهد عليه الشهود قال لأن هذا يكون نفيا [قال أبو جعفر] وهذا اغفال قال الله تعالى {هََذََا مََا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسََابِ} (1) وفيه إجازة صلح الإمام لواحد من المشركين عن جميعهم لأن سهيل بن عمرو هو الذي صالح وفيه استحباب الفال بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاء سهيل قد سهل لكم من أمركم (2) وفيه إجازة قيام الناس على رأس الإمام بالسيوف اذا كان ترهيبا للعدو ومخافة للغدر لأن في الحديث ان المغيرة بن شعبة كان قائما على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقلدا سيفه فكلما أهوى عروة بيده الى
__________
(1) سورة: ص، الآية: 53
(2) هذا وارد في جملة أحاديث صلح الحديبية والمؤلف لم ينص عليه في صدر كلامه لأنه محفوظ من أحاديث أخبار الصلح فليحفظ.(1/245)
لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضربه المغيرة بنصل سيفه وقال أخّر عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيه خبر المغيرة لما خرج مع قوم من المشركين فقتلهم وأخذ مالهم ثم جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلما فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما الإسلام فنقبل وأما المال فلست منه في شيء» لأن المشركين وان كانت أموالهم مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن واذا كان الإنسان مصاحبا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء وأخذ المال عند ذلك غدر والغدر محظور وأموال الأبرار والفجار لهم يستوون في ذلك لا يؤخذ منها شيء الا بالحق وفيه طهارة النخامة لأن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان اذا تنخم منهم من يأخذ النخامة فيحكّ بها جلده على خلاف ما قال إبراهيم النخعي أن النخامة اذا سقطت في ماء أهريق وفيه من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنك تأتيه فدل هذا على أنه من حلف على فعل ولم يوجب وقتا ان وقته فيه أيام حياته وفيه أنه من أحرم بحج أو عمرة فحصره عدوّ حل من إحرامه ونحر هديه مكانه لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كذا فعل لما حضر يوم الحديبية حل ونحر في الحل وأمر أصحابه بذلك وفيه أن أبا بصير لما سلّمه النبي صلّى الله عليه وسلّم الى الرجلين قتل أحدهما وهو ممن دخل في الصلح فلم يطالبه النبي صلّى الله عليه وسلّم به لما لم يطالب به أولياؤه فكان الحكم هكذا في نظير هذا وفيه أنه وقع الصلح على أنه يردّ إليهم من جاء منهم فلما اعتزل أبو بصير بسيف البحر اجتمع اليه كل من أسلّم لم يأمر بردهم فدل بهذا على أنه ليس على الإمام أن يصالح الى مثل هذا في قول من يقول ليس بمنسوخ ليس عليه أن يرد من لم يكن عنده وفيه لا يأتيكم منا رجل وإن كان على دينك الا رددته إلينا فكان هذا ليس فيه ذكر النساء ولا نسخ على هذه الرواية وفي رواية عقيل لا يأتيك منا أحد وان كان على دينك الا رددته الينا وأحد محيط بالرجال والنساء ثم أنزل الله تعالى نسخ هذا في النساء فكان فيه دليل انه من شرط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل كما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وفيه أن المسلمين لما التجئوا بسيف البحر فضيقوا على قريش سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يضمهم اليه {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (1) كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك ان ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعتقهم فأنزل الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}
__________
(1) سورة: الفتح، الآية: 24(1/246)
وهذا إسناد مستقيم وهو أولى من الأول من غير جهة وذلك ان في الحديث هبطوا من التنعيم والتنعيم من بطن مكة وأبو بصير كان بسيف البحر وسيف البحر كان ليس من بطن مكة وأيضا فان في الحديث الظفر بهم وليس في ذلك ظفر وفي الحديث الأول ما دل على أنه من جالس إماما أو عالما فرأى انسانا قد ألحقه مكروها فينبغي أن يغيره ويصوب الإمام والعالم عن الكلام فيه لأن عروة بن مسعود لما أخذ بلحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب المغيرة بن شعبة يده بنصل السيف وقال أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيه استعمال الحكم من أدب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أمره الله عز وجل في كتابه فقال تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدََاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمََا يُلَقََّاهََا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمََا يُلَقََّاهََا إِلََّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1)
ومن أحسن ما قيل في هذه الآية ما قاله ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال أنبأنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال أمر الله المؤمنين بالصبر عند الجزع والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فاذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمََا يُلَقََّاهََا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمََا يُلَقََّاهََا إِلََّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} قال الذين أعد الله لهم الجنة وفي الآية التي قصدت لذكرها {وَآتُوهُمْ مََا أَنْفَقُوا} (2) فللشافعي فيها قولان أحدهما ان هذا منسوخ قال الشافعي واذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من أهل الحرب إلى الإمام في دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض واذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالته ففيه قولان أحدهما يعطي العوض والقول ما قال الله عز وجل وفيه قول ثان وهو ان لا يعطي الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض وإن شرط الإمام رد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال ان شرط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل الحديبية فيه أن يرد من جاء منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ورد العوض فلما قضى الله عز وجل ثم رسوله صلّى الله عليه وسلّم ان لا يرد النساء كان شرطا من شرط رد النساء منسوخا وليس عليه ان يعوض لأن شرطه المنسوخ باطل ولا عوض للباطل [قال أبو جعفر] وهذا القول عنده أشبه القولين ان لا يعطي عوضا وقد تكلم على ان النبي صلّى الله عليه وسلّم صالحهم على رد النساء ثم نسخ الله عز وجل ذلك فكان في هذا نسخ السنة بالقرآن ومذهبه غير هذا لأن مذهبه أن لا ينسخ القرآن الا قرآن ولا ينسخ السنّة الا السنّة فقال بعض أصحابه
__________
(1) سورة: فصلت، الآية: 34
(2) سورة: الممتحنة، الآية: 10(1/247)
لما أنزل الله عز وجل الآية لم يرد النبي صلّى الله عليه وسلّم النساء فنسخت السنّة السنّة وبينت انه لا يجوز أن يشترط الامام رد النساء بحكم الله ثم بحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واختلف العلماء في صلح الإمام المشركين على أن يرد اليهم من جاء منهم مسلما فقال قوم لا يجوز هذا وهذا منسوخ واحتجوا بحديث اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثه الى قوم من خثعم فاعتصموا بالسجود فقتلهم فودّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنصف الدية وقال انا بريء من كل مسلّم أقام مع مشرك في دار الحرب (1) لا تتراءى نارهما قالوا فهذا ناسخ لرد المسلمين الى المشركين اذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد برئ ممن أقام معهم في دار الحرب [قال أبو جعفر] وهذا قول الكوفيين ومذهب مالك والشافعي ان هذا الحكم غير منسوخ قال الشافعي وليس لأحد هذا العقد الا الخليفة أو رجل يأمره لأنه يلي الأموال كلها فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود [قال أبو جعفر] في هذه الآية {وَلََا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوََافِرِ} (2) ففي هذا قولان أحدهما انه منسوخ منه كما قال عز وجل {وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الْمُؤْمِنََاتِ وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ} (3) فلو كان على ظاهر الآية لم تحل كافرة بوجه وقال قوم هي محكمة الا انها مخصوصة لمن كان من غير أهل الكتاب فاذا أسلّم وثني أو مجوسي ولم تسلّم امرأته فرق بينهما [قال أبو جعفر] فهذا بعض قول أهل العلم ومنهم من قال ينتظر بها تمام العدّة فممن قال يفرق بينهما ولا ينتظر تمام العدة مالك بن أنس وهو قول الحسن وطاوس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والحكم وقال الزهري ينتظر بها العدة وهو قول الشافعي وأحمد وقال أصحاب الرأي ينتظر بها ثلاث حينئذ اذا كانا جميعا في دار الحرب أو في دار الإسلام فان كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما وحجته {وَلََا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوََافِرِ} وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح ومذهب الشافعي وأحمد انه ينتظر بها تمام العدة وان كان الزوجان نصرانيين وأسلمت الزوجة ففيه أيضا اختلاف فمذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول مجاهد الوقوف الى تمام العدة ومن العلماء من قال انفسخ بينهما النكاح قال يزيد بن علقمة أسلّم جدي ولم تسلم جدتي ففرق بينهما عمر رضي الله عنه وهو قول طاوس وجماعة غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة قال لا سبيل عليها الا بخطبة واحتج بعضهم بقوله {وَلََا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوََافِرِ} وهذا الاحتجاج غلط لأن
__________
(1) هكذا في الأصل ولعل هنا سقطا فليحرر.
(2) سورة: الممتحنة، الآية: 10
(3) سورة: المائدة، الآية: 5(1/248)
الكوافر لا يكون الا للنساء ولا يجمع كافر على كوافر والحجة فيه {وَلََا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتََّى يُؤْمِنُوا} (1) ومن العلماء من قال يستتاب فإن تاب والا وقعت الفرقة
ومنهم من قال لا يزول النكاح اذا كانا في دار الهجرة وهذا قول النخعي ومنهم من قال يزول النكاح باختلاف الدارين ومنهم من قال تخير فإن شاءت أقامت معه وإن شاءت امتنعت فإن أسلّم الزوج فهي امرأته بحالها لأنها كتابية فإن أسلما جميعا فهما على نكاحهما لا اختلاف في ذلك.
باب ذكر الآية الثالثة
قال الله عز وجل {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ فَعََاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوََاجُهُمْ مِثْلَ مََا أَنْفَقُوا} (2) وأكثر العلماء على أنها منسوخة قال قتادة {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ} الذين ليس بينكم وبينهم عهد {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوََاجُهُمْ مِثْلَ مََا أَنْفَقُوا} ثم نسخ هذا في سورة براءة وقال الزهري انقطع هذا يوم الفتح وقال سفيان الثوري لا يعمل به اليوم وقال مجاهد وإن فاتكم شيء من أزواجكم الى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد أو ليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم أي فاقتصصتم {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوََاجُهُمْ مِثْلَ مََا أَنْفَقُوا} أي الصدقات فصار قول مجاهد أنها في جميع الكفار وقول قتادة أنها فيمن لم يكن له عهد وقول ثالث أنها نزلت في قريش حين كان بينهم وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد فقال {وَسْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مََا أَنْفَقُوا} (3) وكتب اليهم المسلمون قد حكم الله بأنه إن جاءتكم امرأة منّا أن توجهوا الينا بصداقها وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها
فكتبوا إليهم أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئا وإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به فأنزل الله {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ فَعََاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوََاجُهُمْ مِثْلَ مََا أَنْفَقُوا}.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 221
(2) سورة: الممتحنة، الآية: 11
(3) سورة: الممتحنة، الآية: 10(1/249)
باب ذكر الآية الرابعة
قال الله عز وجل {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ يُبََايِعْنَكَ عَلى ََ أَنْ لََا يُشْرِكْنَ بِاللََّهِ شَيْئاً} (1) الآية فمن العلماء من قال هي منسوخة بالإجماع أجمع العلماء على أنه ليس على الإمام أن يشترط عليهم هذا عند المبايعة إلا ان أبا حاتم فرق بين هذا وبين النسخ فقال هذا هو اطلاق الترك من غير أن ينسخ بابه واحتج بقوله {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} (2)
قال ننساها نطلق لكم تركها وهو قول حسن وأصله عن ابن عباس وهو الذي فرق بين ننسأ وننسخ وننسى وقال بعض أهل العلم الآية محكمة فاذا تباعدت الدار واحتيج الى المحنة كان على إمام المؤمنين اقامة المحنة.
__________
(1) سورة: الممتحنة، الآية: 12
(2) سورة: البقرة، الآية: 106(1/250)
سورة الصف، والجمعة، والمنافقين، والتغابن، والطلاق، والتحريم
بسم الله الرحمن الرحيم قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أحمد بن بشير عن سعيد عن قتادة أن هذه السور مدنيات نزلت بالمدينة وحدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أن سورة الصف نزلت بمكة وأن سورة الجمعة والمنافقين نزلتا بالمدينة وأن سورة التغابن نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الاشجعي شكى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم جفاء أهله وولده فأنزل الله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ وَأَوْلََادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} (1) الى آخر السورة وأن سورة الطلاق والتحريم مدنيتان
والقول الأول مروي عن مجاهد وعن كريب عن ابن عباس في هذه السورة قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) قد ذكرناه في سورة آل عمران وذكرنا قول من قال أنه ناسخ لقوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (3). وفيهن {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (4) وقد ذكرنا في سورة البقرة وقول من قال هو ناسخ لحكم المتوفى عنها زوجها وهي حامل فأما المطلقة فلا اختلاف في حكمها أنها إذا ولدت فقد انقضت عدتها منهم عبد الله بن مسعود قال نزلت هذه بعد ذلك [قال أبو جعفر] وظاهر القرآن يدل على ما قال ابن مسعود قال جل ثناؤه {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
ولم يفرق بين المطلقة والمتوفى عنها زوجها وكذا السنة.
__________
(1) سورة: التغابن، الآية: 14
(2) سورة: التغابن، الآية: 16
(3) سورة: آل عمران، الآية: 102
(4) سورة: الطلاق، الآية: 4(1/251)
سورة الملك، ونون، والحاقة، وسأل، ونوح، والجن
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة فهن مكيات. فيهنّ قوله جل ثناؤه {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} (1) مذهب ابن زيد ان هذا منسوخ وانه كان قبل الأمر بالقتال فلما أمر بالقتال أمر بالغلظة والشدة على الكفار والمنافقين ورد عليه هذا بعض أهل العلم قال لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يزل صابرا عليهم صبرا جميلا ولم يكن في وقت خلاف وقت فيكون كما قال ابن زيد. وفيهنّ {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2) وقد ذكرنا هذا في سورة والذاريات بما لا يحتاج معه الى الزيادة.
__________
(1) سورة: المعارج، الآية: 5
(2) سورة: الذاريات، الآية: 19(1/252)
سورة المزمل
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بمكة فهي مكية سوى آيتين منها فانهما نزلتا بالمدينة وهما قوله عز وجل {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} (1) الآية فجاز أن يكون هذا ندبا وحضا وأن يكون حتما وفرضا غير أن بابه أن يكون حتما وفرضا الا أن يدل دليل على غير ذلك والدليل أنه كان حتما وفرضا وذلك ان الندب والحض لا يقعان الا على بعض الليل دون بعض لأن قيامه ليس مخصوصا به وقت دون وقت وأيضا فقد جاء التوقيف بما سنذكره ان شاء الله وجاز أن يكون هذا حتما وفرضا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده وجاز أن يكون هذا عليه وعلى أمته فجاء التوقيف بأنه كان عليه وعلى المؤمنين ثم نسخ كما قرئ على أحمد بن شعيب عن اسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد بن أبي الحارث قال حدثنا سعيد قال حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال انطلقت الى عائشة رضي الله عنها فاستأذنت عليها فقلت لها أنبئيني بقيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت ألست تقرأ هذه السورة {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (2) قلت بلى قالت ان الله افترض القيام في أول {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد أن كان فريضة قال أبو عبد الرحمن مختصر [قال أبو جعفر] فتبين بهذا الحديث أنه كان فرضا عليه وعلى أصحابه ثم نسخ وقول عائشة رضي الله عنها حولا يبين لك ما في الناسخ والمنسوخ مما يشكل على قوم وذلك أنه اذا قيل لهم صلّوا كذا الى حول كذا وقيل لهم صلّوا كذا الى حول ثم نسخ بعد فقد كان في معنى قوله صلوا كذا أنه الى وقت كذا وإن لم يذكر فعلى هذا يكون النسخ وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع ويعلى قالا حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول لما نزلت أول {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزلت آخرها وكان بين آخرها وأولها نحو من سنة وحدثني جعفر بن محمد بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا
__________
(1) سورة: المزمل، الآيات: (31)
(2) سورة: المزمل، الآية: 1(1/253)
حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس نزلت {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة نسختها هذه الآية {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطََائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللََّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ} (1) الى آخرها وحدثنا محمد بن رمضان بن شاكر قال حدثنا الربيع بن سليمان المدني قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال وفيما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله تعالى أنزل فرض الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (2) ثم نسخ هذا في السورة معه فقال {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطََائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} (1) الى قوله تعالى {وَآتُوا الزَّكََاةَ} (1) ولما ذكر الله تعالى بعد أمره بقيام الليل نصفه إلّا قليلا أو الزيادة عليه قال {أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطََائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} فخفف فقال {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} الى قوله {فَاقْرَؤُا مََا تَيَسَّرَ مِنْهُ} كان بينا في كتاب الله ثم نسخ قيام الليل ونصفه وثلثه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول الله تعالى {فَاقْرَؤُا مََا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ثم احتمل قول الله عز وجل {فَاقْرَؤُا مََا تَيَسَّرَ مِنْهُ} معنيين أحدهما أن يكون فرضا ثانيا لأنه أزيل بعده كما أزيل به غيره وذلك لقول الله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نََافِلَةً لَكَ عَسى ََ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقََاماً مَحْمُوداً} (3) واحتمل قوله عز وجل {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نََافِلَةً لَكَ} أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه قال الشافعي فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تدل على ان لا واجب من الصلاة الا الخمس [قال أبو جعفر] وأما الموضع الثاني فقوله عز وجل {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} (4) قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني محمد بن بكر البصري قال حدثنا همام عن يحيى عن قتادة في قوله {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} قال كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال وقتلهم فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك.
__________
(1) سورة: المزمل، الآية: 20
(2) سورة: المزمل، الآيات: (41)
(3) سورة: الإسراء، الآية: 79
(4) سورة: المزمل، الآية: 10(1/254)
سورة المدثر الى آخر اقرأ باسم ربك
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة وجدنا فيهن أربعة مواضع.
باب ذكر الموضع الأول
قال عز وجل {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (1) قال ابن زيد كان هذا أول شيء فريضة ثم حققها الله تعالى فقال {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نََافِلَةً لَكَ} (2).
باب ذكر الموضع الثاني
قال عز وجل {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} (3) تكلم العلماء في هذه الآية بأجوبة فروي عن ابن عباس أنه قال من تزكى من الشك وروي عنه أنه قال أخرجوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد وعن أبي مالك من تزكى من آمن وعن عكرمة من تزكى من قال لا إله الا الله وعن قتادة تزكى بالعمل الصالح والورع وعن ابن جريج من تزكى بماله وعمله وعن عطاء الصدقات كلها وعن عبيد الله اذا خرجت الى الصلاة فتصدق بشيء ان استطعت فان الله عز وجل يقول {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} (3) وهذه الأقوال متقاربة لأن التزكي في اللغة التطهر وهذا كله تطهر لأنه انتهاء الى ما يكفر الذنوب وقيل زكاة من هذا لأنها تطهير لنا في المال وقيل هي من الزكاء أي الزيادة والنماء وإنما أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ لأن جماعة من العلماء تأولوها على أنها في زكاة الفطر
منهم عمر بن عبد العزيز من قبل أن تصلوا صلاة العيد فان الله تعالى يقول {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} وهو قول سعيد بن المسيب وأبي العالية وموسى بن وردان وقد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر وفرضها قبل أن تفرض الزكاة فجاز أن تكون الزكاة
__________
(1) سورة: الإنسان، الآية: 26
(2) سورة: الإسراء، الآية: 79
(3) سورة: الأعلى، الآية: 14(1/255)
ناسخة لها لأنها بعدها وجاز أن تكونا واجبتين وقد ثبت وجوبهما وان كان حديث قيس بن سعد بن عبادة ربما أشكل فتوهم سامعه النسخ في ذلك كما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله
[قال أبو جعفر] وهذا الحديث لا يدل على النسخ لأنه قد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمرهم بها والأمر مرة واحدة يكفي ولا يزول الا بشيء ينسخه والقول بأنها واجبة على الغني والفقير قول أبي هريرة وابن عمر وأبي العالية والزهري وابن سيرين والشعبي ومالك والشافعي وابن المبارك غير ان الشافعي وابن المبارك قالا إن كان عنده فضل عن قوته وقوت من يقوته كانت واجبة عليه وأهل الرأي يقولون لا تجب زكاة الفطر على من تحل له الصدقة وقال اسحاق بن راهويه أوجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر وعمل به الخلفاء الراشدون المهديون وهذا يدل على أنه اجماع وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر قال فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر في رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد وذكر وأنثى من المسلمين [قال أبو جعفر] وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل النظر فقال ليس على الرجال أن يخرجوا عن عبيدهم لأن العبد فرض عليه ولم يفرض على مولاه والحديث أن يخرج عنه فذلك على العبد أن يخرج عن نفسه اذا أعتق وهذا قول بالظاهر وقد بين ذلك الحديث الآخر الثابت الذي لا تدفع صحته روى عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو عبد بصاع من شعير أو صاع من تمر فقد بين هذا الحديث وذلك فيجوز أن يكون المعنى على كل حر وعبد يخرج عنه الحر ويجوز أن يكون على بمعنى عن وذلك معروف في اللغة موجود قال الله تعالى {أَفَتُمََارُونَهُ عَلى ََ مََا يَرى ََ} (1) لا نعلم اختلافا على ما يرى وأنشد النحويون:
اذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر أبيك أعجبني رضاها
قال محمد بن جرير أجمع أهل العلم على أن زكاة الفطر فرضت ثم اختلفوا في نسخها [قال أبو جعفر] فلما ثبتت بالإجماع وبالأسانيد الصحاح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجز أن تزال الا بالإجماع أو حديث يزيلها ويبين نسخها ولم يأت من ذلك شيء وصح عن الصحابة
__________
(1) سورة: النجم، الآية: 12(1/256)
والتابعين إيجابها واختلفوا في مقدار ما يخرج منها من البر والزبيب وأجمعوا على أنه لا يجوز من الشعير والتمر الا صاع فممن قال لا يجزي من البر الا صاع الحسن ومالك والشافعي وأحمد ويروى هذا القول عن علي بن أبي طالب وابن عباس واختلف عنهما
وممن قال يجزي نصف صاع من الصحابة أبو بكر الصديق وعثمان وعبد الله بن مسعود وأسماء وجابر وابن الزبير وأبو هريرة ومعاوية فهؤلاء ثمانية من الصحابة ومن التابعين سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة وأبو سلمة وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو قلابة وعبد الله بن شداد ومصعب بن سعد فهؤلاء أحد عشر من التابعين وممن دونهم الليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة وصاحباه والحجة للقول الأول أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما فرض صاعا من شعير أو صاعا من تمر وكان قوتهم وجب أن يكون كل قوت كذلك والحجة للقول الثاني ان الصحابة والتابعين هم الذين قدروا نصف صاع بر وهم أعلم الناس بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا تجوز مخالفتهم الا الى قول بعضهم فإن قيل فقد خالفهم علي بن أبي طالب وابن عباس فالجواب انه قد اختلف عنهما وليس أحد القولين أولى من الآخر الا بالاحتجاج بغيرهما قرئ على أحمد بن شعيب عن عمران بن موسى عن عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع عن عمر قال فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد وذكر وأنثى فعدل الناس به نصف صاع بر فهذا ابن عمر خبر ان الناس فعلوا هذا والناس الجماعة فأما الزبيب فأهل العلم مجمعون على انه لا يجزي منه في زكاة الفطر الا صاع خلا أبي حنيفة فإن أبا يوسف روى عنه انه يخرج منه نصف صاع كما يخرجه من البر وأما الاختيار فيما يخرج فأهل العلم مختلفون في ذلك فروي عن ابن عمر (1) وقال غيره لأن التمر منفعته عاجلة وقال الشافعي البر أحب اليّ وقال أبو يوسف أعجلها منفعة الدقيق يخرج نصف صاع من دقيق بر أو صاعا من دقيق الشعير فأما إخراج القيمة فمختلف فيه أيضا فممن اجاز ذلك عمر بن عبد العزيز والحسن وأهل الرأي ولم يجز مالك والشافعي وأحمد الا اخراج المكيلة كما جاءت به السنة وقال اسحاق يجوز ذلك للضرورة فأما دفع زكاة الفطر لإنسان واحد وان كانت عن جماعة فمما اختلف فيه أيضا وأجازه أهل المدينة فقال الشافعي يقسم كما تقسم الزكاة وأما إعطاء أهل الذمة منها فمختلف فيه أيضا فأكثر أهل العلم لا يجيزونه ومنهم من أجازه مرة الهمذاني وهو قول أهل الرأي وفرقوا بينها وبين الزكاة فلم يجيزوا في الزكاة الا المسلمين
__________
(1) هكذا في الأصل ولعل ابن عمر كان يفضل التمر للتعليل الذي بعده.(1/257)
وأجازوا في زكاة الفطر أن تدفع إلى أهل الذمة وأما دفع الرجل عن زوجته فمختلف فيه أيضا فأكثر أهل العلم يوجبون عليه ذلك وقال الثوري وأهل الرأي لا يجب ذلك عليه واختلفوا أيضا في أهل البادية فقال عطاء والزهري وربيعة لا تجب عليهم زكاة الفطر وقال سعيد بن المسيب هي واجبة عليهم لقوله {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} (1) وهو قول أكثر أهل المدينة وأهل الكوفة وأما العبد المأذون له في التجارة فمختلف فيه لأداء زكاة الفطر عنه أيضا فقال الحسن وعطاء لا يجب على مولاه أن يؤديها عنه وهو قول أهل الرأي وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي عليه أن يؤديها عنه واختلفوا أيضا في المكاتب فقال مالك عليه أن يؤديها عنه وقال أهل الرأي والشافعي ليس ذلك عليه وكذا روي عن ابن عمر وبهذا الاختلاف قال بعض العلماء ليس على الرجل أن يؤدي الا عن نفسه كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كل حر وعبد» فالحر يؤدي عن نفسه والعبد يؤدي عن نفسه كما روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال ليس على العبد في ماله شيء الا صدقة الفطر الا أن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا يقولون عليه أن يخرج عن عبده فأما تقدير الصاع فقد قدره جماعة من أهل العلم على أنه خمس ويبة والمد ربعه لا نعلم اختلافا في الكيل
فمن قال يخرج الإنسان صاعا من بر قال يخرج الويبة عن عشرة ومن قال يخرج نصف صاع من بر قال الويبة عن عشرة وهذا قول الليث والمتفقهون من أهل الرأي يقولون عن ثمانية
واختلفوا في مقدار الصاع من الوزن فقول الشافعي وأبي يوسف أنه خمسة أرطال وثلث وعن أهل المدينة أخذوا هذا وهم أعلم الناس به وقال أبو حنيفة ومحمد هو ثمانية أرطال. وأما الموضع الثالث فقوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمََا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (2) قال ابن زيد أي لست تكرههم على الإيمان ثم جاء بعد ذلك {جََاهِدِ الْكُفََّارَ وَالْمُنََافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (3) {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (4) فنسخ هذا {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} فجاء قتله أو يسلّم والتذكرة كما هي لم تنسخ وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي بجبار فهذا معروف في اللغة يقال تسيطر على القوم اذا تسلط عليهم أي لست مجبرهم على الإسلام انما عليك ان تدعوهم اليه ثم تكلمهم الى الله عز وجل وأما الموضع الرابع فقوله تعالى {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى ََ رَبِّكَ فَارْغَبْ} (5) [قال أبو جعفر]
__________
(1) سورة: الأعلى، الآية: 24
(2) سورة: الغاشية، الآيتان: (2221)
(3) سورة: التوبة، الآية: 5
(4) سورة: التوبة، الآية: 73
(5) سورة: الانشراح، الآية: 7(1/258)
اختلف العلماء في معناه فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال فإذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء وقال الحسن إذا فرغت من غزوك وجهادك فتعبد الله عز وجل وقال مجاهد إذا فرغت من شغلك بأمور الدنيا فصلّ واجعل رغبتك إلى الله تعالى وإنما أدخل هذا في الناسخ والمنسوخ لأن عبد الله بن مسعود قال في معنى فانصب لقيام الليل وفرض قيام الليل منسوخ على أن هذا غير واجب والمعاني في الآية متقاربة أي إذا فرغت من شغلك بما يجوز أن تشتغل به من أمور الدنيا والآخرة فانصب أي انتصب لله تعالى واشتغل بذكره ودعائه والصلاة له ولا تشتغل باللهو وما يؤثم وقد بين ابن مسعود ما أراد بقوله فإذا فرغت من الفرائض فانصب لقيام الليل.(1/259)
اختلف العلماء في معناه فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال فإذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء وقال الحسن إذا فرغت من غزوك وجهادك فتعبد الله عز وجل وقال مجاهد إذا فرغت من شغلك بأمور الدنيا فصلّ واجعل رغبتك إلى الله تعالى وإنما أدخل هذا في الناسخ والمنسوخ لأن عبد الله بن مسعود قال في معنى فانصب لقيام الليل وفرض قيام الليل منسوخ على أن هذا غير واجب والمعاني في الآية متقاربة أي إذا فرغت من شغلك بما يجوز أن تشتغل به من أمور الدنيا والآخرة فانصب أي انتصب لله تعالى واشتغل بذكره ودعائه والصلاة له ولا تشتغل باللهو وما يؤثم وقد بين ابن مسعود ما أراد بقوله فإذا فرغت من الفرائض فانصب لقيام الليل.
سورة القدر الى آخر القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس ان سورة القدر ولم يكن مدنيتان و {إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} (1) الى آخر {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} (2) مكية وان {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ} (3)
الى آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} (4) مدنية وقال كريب وجدنا في كتاب ابن عباس أن من سورة القدر الى آخر القرآن مكية الا {إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} و {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ} و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (5) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (6) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} فإنهن مدنيات لم نجد فيهن ناسخا ولا منسوخا واذا تدبرت ذلك وجدت أكثرهن ليس فيه ناسخ ولا منسوخ إنما هو فيما لا يجوز أن يقع فيه نسخ لأنه لا يجوز أن يقع نسخ في توحيد الله تعالى ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في إخباره وانما كان ويكون والعلماء يقولون ولا في أخباره ومعنى ولا في أخباره بما كان أو بما يكون وانما هو بكسر الهمزة والحكمة في هذا أن النسخ انما يكون في أحكام الشرائع من الصلاة والصيام والحظر والإباحة وقد يجوز أن ينقل الشيء من الأمر الى النهي ومن النهي الى الأمر لأنك اذا قلت افعل كذا محرم عليك سنة جاز أن تبيحه بعد سنة واذا قلت افعل كذا وكذا محرم عليك وأنت تريد وقتا أو شرطا فكذا أيضا وسواء عليك ذكرته أم لم تذكره وهذا محال في توحيد الله وأسمائه وصفاته وإخباره بما كان ويكون ألا ترى أنه محال أن يقول قام فلان ثم يقول بعد وقت لم يقم لأنه لا يقع في الأول اشتراط ولا زمان فالنسخ في الإخبار بما كان وبما يكون كذب ومن الأمر والنهي أيضا ما لا يقع فيه نسخ وذلك الأمر بتوحيد الله عز وجل واتباع رسله عليهم الصلاة والسلام أجمعين وأخص محمدا صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة بالصلاة والتسليم وأهله الطيبين الطاهرين وحسبي الله ونعم الوكيل.
__________
(1) سورة: الزلزال، الآية: 1
(2) سورة: الكافرون، الآية: 1
(3) سورة: الفتح، الآية: 1
(4) سورة: الناس، الآية: 1
(5) سورة: الإخلاص، الآية: 1
(6) سورة: الفلق، الآية: 1(1/260)
تم الكتاب بحمد الله ومنّه وحسن توفيقه فله الحمد كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى وكما هو أهله وكان الفراغ من نساخته في شهر المحرم أول شهور سنة أربع وعشرين وسبعمائة والحمد لله وحده ويليه إن شاء الله كتاب المؤجز في الناسخ والمنسوخ لابن خزيمة رحمهما الله تعالى(1/261)
تم الكتاب بحمد الله ومنّه وحسن توفيقه فله الحمد كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى وكما هو أهله وكان الفراغ من نساخته في شهر المحرم أول شهور سنة أربع وعشرين وسبعمائة والحمد لله وحده ويليه إن شاء الله كتاب المؤجز في الناسخ والمنسوخ لابن خزيمة رحمهما الله تعالى
مقدمة كتاب المؤجز في الناسخ والمنسوخ لابن خزيمة
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام الأجل الحافظ المظفر بن الحسين بن زيد بن علي بن خزيمة الفارسي رحمة الله عليه.
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد، فهذا كتاب جمعت فيه جميع ما في القرآن من الآيات الناسخة والمنسوخة موجزة على حسب آيات القرآن ألف آية أمر وألف آية نهي وألف آية وعد وألف آية وعيد وألف عبر وأمثال وألف قصص وإخبار وخمسمائة حلال وحرام ومائة دعاء وتسبيح وست وستون آية منسوخ الجملة ستة آلاف وستمائة وست وستون آية غاية الإيجاز وبينت فيه عدد سور الناسخ والمنسوخ وعدد السور التي فيها الناسخ دون المنسوخ وعدد السور التي فيها المنسوخ دون الناسخ وأوضحت فيه معنى الناسخ دون المنسوخ ورتبته ترتيبا ليسهل حفظه على من أراده.
ويقرب مأخذه على من استفاده. راجيا بذلك ثواب الله عز وجل ومنه أسأل التوفيق، وحسن الهداية إلى سواء الطريق. وهو وليّ الإجابة. وإليه الإنابة.
باب بيان الناسخ والمنسوخ
اعلم أنه لا يجوز لأحد يقرأ كتاب الله عز وجل إلا بعد أن يعرف الناسخ منه والمنسوخ لأنه إن جهل ذلك أحل الحرام وحرم الحلال وأباح المحظور وحظر المباح وهو معنى قول عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه لعبد الرحمن بن داب هلكت وأهلكت وكذلك قال لكعب الاحبار وذلك ما حدثني محمد بن مرثد قال أنبأنا محمد بن اسماعيل قال أنبأنا محمد بن حامد قال حدثنا يحيى بن خالد قال حدثنا منصور عن قتادة عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه مر بكعب الأحبار وهو يقص فقال له يا أبا اسحاق أما إنه لا يقعد هذا المقعد إلا أمير أو مأمور فمكث أياما ثم رجع فوجد كعب يقص على جماعة فمنهم مغشيا عليه ومنهم باكيا قال عليّ يا أبا اسحاق ألم أنهك عن هذا المقعد أتعرف الناسخ والمنسوخ قال الله أعلم قال هلكت وأهلكت وبلغني ان حذيفة بن اليمان قال لا يقص على الناس الا أمير أو مأمور أو رجل عرف الناسخ من المنسوخ والرابع متكلف أحمق.
والنسخ في لغة العرب رفع الشيء وفي القرآن على وجهين أحدهما نقل الكتابة من موضع الى موضع وذلك قوله تعالى {إِنََّا كُنََّا نَسْتَنْسِخُ مََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) والوجه الثاني هو رفع حكم ثابت بخطاب ثابت لولاه لكان محكما ثابتا بالخطاب الأول ومعنى الناسخ هو أنه رفع الحكم ومعنى المنسوخ المرفوع المكتوب المتروك حكمه والعمل به وهو على ثلاثة أوجه أحدها ما نسخ خطه وحكمه وبلغني أن عبد الله بن مسعود قال أقرأني النبي صلّى الله عليه وسلّم آية وسورة فحفظتها وأثبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت الى حفظي فلم أجد منها شيئا وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال لي يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة والوجه الثاني ما رفع خطه وبقي حكمه وذلك ما أخبرني سعيد بن أحمد بن محمد النيسابوري قال أخبرني محمد بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الحسين عن داود عن محمد بن عبيدة قال قال عمر رضي الله عنه لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبت بيدي آية الرجم فقد قرأناها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والوجه الثالث ما نسخ حكمه ولم يرفع خطه وذلك يأتي بيّنا فيما بعد والنسخ على ثلاثة أوجه لا خلاف لهم فيه والوجه الرابع ما بقي خطه وفيه خلاف والثلاثة التي لا خلاف فيها أحدها نسخ الكتاب بالكتاب والدليل قوله عز وجل {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (2) وقال الله تعالى {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ وَاللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ} (3) والوجه الثاني نسخ السنة بالكتاب والدليل عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم نحن أحقّ بصيامه من اليهود فلما نزل قوله تعالى {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (4) الآية صار صوم عاشوراء منسوخا فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن يوم عاشوراء لم يفرضه الله عليكم فمن شاء صامه ومن شاء أفطر ونظائرها كثيرة كالمتعة وغيرها» والثالث نسخ السنة بالسنة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اني نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاث ألا فادخروها ما بدا لكم» ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» ولقوله: «الا اني كنت أحللت لكم الأطعمة الا قد حرمتها عليكم فليبلّغ الشاهد الغائب»(1/262)
اعلم أنه لا يجوز لأحد يقرأ كتاب الله عز وجل إلا بعد أن يعرف الناسخ منه والمنسوخ لأنه إن جهل ذلك أحل الحرام وحرم الحلال وأباح المحظور وحظر المباح وهو معنى قول عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه لعبد الرحمن بن داب هلكت وأهلكت وكذلك قال لكعب الاحبار وذلك ما حدثني محمد بن مرثد قال أنبأنا محمد بن اسماعيل قال أنبأنا محمد بن حامد قال حدثنا يحيى بن خالد قال حدثنا منصور عن قتادة عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه مر بكعب الأحبار وهو يقص فقال له يا أبا اسحاق أما إنه لا يقعد هذا المقعد إلا أمير أو مأمور فمكث أياما ثم رجع فوجد كعب يقص على جماعة فمنهم مغشيا عليه ومنهم باكيا قال عليّ يا أبا اسحاق ألم أنهك عن هذا المقعد أتعرف الناسخ والمنسوخ قال الله أعلم قال هلكت وأهلكت وبلغني ان حذيفة بن اليمان قال لا يقص على الناس الا أمير أو مأمور أو رجل عرف الناسخ من المنسوخ والرابع متكلف أحمق.
والنسخ في لغة العرب رفع الشيء وفي القرآن على وجهين أحدهما نقل الكتابة من موضع الى موضع وذلك قوله تعالى {إِنََّا كُنََّا نَسْتَنْسِخُ مََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) والوجه الثاني هو رفع حكم ثابت بخطاب ثابت لولاه لكان محكما ثابتا بالخطاب الأول ومعنى الناسخ هو أنه رفع الحكم ومعنى المنسوخ المرفوع المكتوب المتروك حكمه والعمل به وهو على ثلاثة أوجه أحدها ما نسخ خطه وحكمه وبلغني أن عبد الله بن مسعود قال أقرأني النبي صلّى الله عليه وسلّم آية وسورة فحفظتها وأثبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت الى حفظي فلم أجد منها شيئا وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال لي يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة والوجه الثاني ما رفع خطه وبقي حكمه وذلك ما أخبرني سعيد بن أحمد بن محمد النيسابوري قال أخبرني محمد بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الحسين عن داود عن محمد بن عبيدة قال قال عمر رضي الله عنه لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبت بيدي آية الرجم فقد قرأناها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والوجه الثالث ما نسخ حكمه ولم يرفع خطه وذلك يأتي بيّنا فيما بعد والنسخ على ثلاثة أوجه لا خلاف لهم فيه والوجه الرابع ما بقي خطه وفيه خلاف والثلاثة التي لا خلاف فيها أحدها نسخ الكتاب بالكتاب والدليل قوله عز وجل {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (2) وقال الله تعالى {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ وَاللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ} (3) والوجه الثاني نسخ السنة بالكتاب والدليل عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم نحن أحقّ بصيامه من اليهود فلما نزل قوله تعالى {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (4) الآية صار صوم عاشوراء منسوخا فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن يوم عاشوراء لم يفرضه الله عليكم فمن شاء صامه ومن شاء أفطر ونظائرها كثيرة كالمتعة وغيرها» والثالث نسخ السنة بالسنة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اني نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاث ألا فادخروها ما بدا لكم» ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» ولقوله: «الا اني كنت أحللت لكم الأطعمة الا قد حرمتها عليكم فليبلّغ الشاهد الغائب»
__________
(1) سورة: الجاثية، الآية: 29
(2) سورة: البقرة، الآية: 106
(3) سورة: النحل، الآية: 101
(4) سورة: البقرة، الآية: 185(1/263)
والوجه الرابع المختلف فيه هو نسخ الكتاب بالسنة قال بعض العلماء يجوز وقال بعضهم لا يجوز فممن جوز ذلك أبو حنيفة رحمة الله عليه وقال لي قائل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا وصية لوارث فهل تجوز الوصية للوارث قلت لا قال فهل لك دليل رفع الحكم من قوله {وَصِيَّةً لِأَزْوََاجِهِمْ} (1) وقوله تعالى {الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (2)
غير قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا وصية لوارث» قلت نعم قال وما هو قلت قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (3) الآية وقوله {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} (4) قال لي فما تقول في قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (5) أهو على العموم أم لا قلت على العموم قال فهل يجوز أكل السمك والجراد قلت جائز أكلهما قال افهما من الميتة أم لا قلت من الميتة قال فما تقول في الكبد والطحال قلت مباح أكلهما قال أفهما من جملة الدماء قلت نعم قال اذا كانت الآية على العموم فلم جوزت أكل السمك والجراد وهما من الميتة والكبد والطحال وهما من جملة الدماء قلت لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أحلت لنا ميتتان ودمان» وهما السمك والجراد والكبد والطحال فهذا على نسخ الكتاب بالسنة قال ليس هذا كما زعمت لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال أحلت لنا ولم يقل أحللت لكم فالتحليل من جهة الله لا من جهته فإذا كان التحليل من جهته بطل ما ذكرت فليس قوله تعالى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتََّى يَتَوَفََّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللََّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (6) منسوخا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الثيب بالثيب الرجم والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» قال لا قلت فبما نسخ قال بقوله تعالى {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.
__________
(1) سورة: البقرة، الآية: 240
(2) سورة: البقرة، الآية: 180
(3) سورة: النساء، الآية: 11
(4) سورة: النساء، الآية: 176
(5) سورة: المائدة، الآية: 3
(6) سورة: النساء، الآية: 15(1/264)
فصل
اختلف العلماء فيما يقع عليه النسخ على الأمر وعلى النهي وعلى الإخبار التي معناها الأمر والنهي وقال عبد الرحمن بن زيد النسخ على الأمر والنهي وعلى الإخبار ولم يفصل وتابعه على هذا القول جماعة ولا حجة لهم في ذلك من الدراية وانما يعتمدون على الرواية وقال جماعة يقع النسخ على الأمر والنهي وعلى ما قبل الاستثناء وقالت الملحدة ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء قوم وافقوا اليهود وجميعا عن الحق صدوا وبإفكهم على الله ردوا والكتاب ناطق بإثبات ما جحدوا.
وأول ما نسخ الصلاة الأولى ثم القبلة الأولى ثم الصوم الأول ثم الزكاة الأولى ثم الإعراض عن المشركين ثم الموارثة ثم العفو والصفح عن أهل الكتاب ثم المخاطبة في الحج ثم العهد الذي كان بينه وبين المشركين.
باب بيان السور التي فيها الناسخ والمنسوخ
وهي اثنان وثلاثون (1) سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأعراف، والأنفال، والتوبة، والنحل، وبنو اسرائيل، ومريم، وطه، والأنبياء، والمؤمن، والشورى، وسورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والذاريات، والطور، والواقعة، والمجادلة، والممتحنة، والمزمل، والمدثر، وعبس، والتكوير، والعصر.
باب بيان السور التي لم يدخلها الناسخ ولا المنسوخ
وهي ثلاث وأربعون (2) سورة فاتحة الكتاب، وسورة يوسف، والحجرات، وسورة
__________
(1) هكذا وقع في الأصل وهو غلط لأن السور التي عددهن خمس وعشرون وكذا ذكر أبو القاسم هبة الله بن سلامة المفسر في كتابه الناسخ والمنسوخ ان السور التي دخلها الناسخ والمنسوخ هي خمس وعشرون فوافقه في العدد وخالفه في بعض المعدود وتبعهما أبو عبد الله محمد بن حزم أيضا في كتابه الناسخ والمنسوخ موافقا لهما في العدد وخالفهما في المعدود.
(2) المعدود هنا اثنان وأربعون والذي ذكره ابن سلامة ثلاث وأربعون بزيادة سورة يس والجمعة ولم يذكر سورة(1/265)
الرحمن، والحديد، والصف، والتحريم، والملك، والحاقة، ونوح، والجن، والمرسلات، والنبإ، والنازعات، والانفطار، والمطففين، والانشقاق، والبروج، والفجر، والبلد، والشمس، والليل، والضحى، وأ لم نشرح، والتين، والعلق، والقدر، والبيّنة، والزلزلة، والعاديات، والقارعة، والتكاثر، والهمزة، والفيل، وقريش، والماعون، والكوثر، والنصر، والمسد، والإخلاص، والفلق، والناس.
باب بيان السور التي فيها المنسوخ دون الناسخ
(1)
وهي ست سور: سورة الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والأعلى.
باب بيان السور التي فيها الناسخ دون المنسوخ
وهي ثلاث وثلاثون (2) سورة الأنعام، ويونس، وهود، والرعد، وإبراهيم، والحجر، والكهف، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والم السجدة، وفاطر، ويس، والصافات، وص، والزمر، وحم السجدة، والزخرف، والدخان، والجاثية، والاحقاف، وق، والنجم، ون، والمعارج، والقيامة، والإنسان، والطارق، والغاشية، والكافرون.
__________
والتين ووافقهما ابن حزم في أنهن ثلاث وأربعون وأدخل فيهن سورة والتين ولم يذكر سورة البينة وسورة يس أدخلها المصنف في السور التي فيها المنسوخ دون الناسخ فكان الساقط في العدد هنا مقتضى ما عليه المصنف سورة الجمعة فليحرر.
(1) هكذا في الاصل وهو غلط ولعله وقع ذلك للكاتب لأن ترجمة هذا الباب من حقها أن تكون ترجمة الباب الذي يليه وهكذا بالعكس في الباب الذي يليه فإن حقه ان تكون ترجمته لهذا الباب وما ذكرته هو الذي عليه ابن سلامة وابن حزم فتأمله.
(2) قوله: ثلاث وثلاثون هكذا في الأصل على أن المعدود اثنان وثلاثون فقط وفي كتابي ابن سلامة وابن حزم أربعون أربعون وباعتباره يكون عدد السور مائة وأربع عشرة سورة وذلك عدد سور القرآن واذا نظر المتأمل العدد الذي ترجم له المصنف غير ملتفت للمعدود يجد قسمته أيضا صحيحة ويكون الساقط ذكره ثماني سور فلعل ذلك مذهب المصنف وقد اجتهدت لاستخراج الساقط ذكره فلم تبين لي لأن كثيرا من السور ما يعتبرها المصنف من باب الناسخ فأجد ابن سلامة يعتبرها في باب المنسوخ وهكذا الحال بينهما وبين ابن حزم ولم أجدهم اتفقوا(1/266)
باب بيان المنسوخ في القرآن بآية السيف
(1)
اعلم بأن الله تعالى أنزل آية السيف وهي قوله عز وجل في سورة التوبة {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (1) فنسخ بهذه الآية مائة وثلاثة عشر موضعا في القرآن وهي:
في البقرة: رقم الآية {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} 83 {وَلَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ} 139 {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 190 {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} 191 {قُلْ قِتََالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} 217 {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} 256 وفي آل عمران:
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} 20 {إِلََّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقََاةً} 28 وفي النساء:
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} 63 {وَمَنْ تَوَلََّى فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} 80 {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} 63 {لََا تُكَلَّفُ إِلََّا نَفْسَكَ} 84 {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} 91
__________
في العدد والمعدود إلا في بيان السور التي فيها الناسخ دون المنسوخ على أن الترجمة حسب النسخة التي بيدي قد وقع فيها الاختلاف وأشرت إلى انه غلط وحملته على الكاتب كما تقدم ذلك ولم تكن ثم نسخة أخرى لنرجع اليها فليحرر.
(1) قوله بيان المنسوخ في القرآن بآية السيف هكذا وقع في الأصل ومن صنف في الناسخ والمنسوخ ترجم له بباب الاعراض عن المشركين وقوله فنسخ بهذه الآية مائة وثلاثة عشر موضعا الذي في كتاب أبو عبد الله محمد بن حزم مائة وأربع عشرة آية هن في ثمان وأربعين سورة فتأمل:(1/267)
{فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} 20 {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ} 41 {وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} 46 {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ حَتََّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} 99 {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلََّا مِثْلَ أَيََّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} 102 {فَمَنِ اهْتَدى ََ فَإِنَّمََا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} 108 {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ} 109
وفي هود:
{إِنَّمََا أَنْتَ نَذِيرٌ} 12 {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} حكمها لا لفظها {وَقُلْ لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى ََ مَكََانَتِكُمْ} 121 {إِنََّا عََامِلُونَ} 121 {وَانْتَظِرُوا إِنََّا مُنْتَظِرُونَ} 122 وفي الرعد:
{فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} 40 وفي الحجر:
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} 3 {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 85 {إِنَّ رَبَّكَ} 86 {وَلََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ََ مََا مَتَّعْنََا بِهِ أَزْوََاجاً مِنْهُمْ} 88 {وَلََا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} 88 {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 94 {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} حكمها لا لفظها 89 وفي النحل:
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} 82 {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 125 {وَاصْبِرْ وَمََا صَبْرُكَ إِلََّا بِاللََّهِ} 127 وفي بني اسرائيل:
{وَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} 54 وفي مريم:
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} 39 {فَلََا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} 84 {قُلْ مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} 75
وفي طه:(1/269)
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} 39 {فَلََا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} 84 {قُلْ مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} 75
وفي طه:
{فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} 130 {وَلََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ََ مََا مَتَّعْنََا بِهِ أَزْوََاجاً مِنْهُمْ} 131 {زَهْرَةَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} 131 {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا} 135 وفي الحج:
{قُلْ يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنَّمََا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} 49 {وَإِنْ جََادَلُوكَ فَقُلِ اللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا تَعْمَلُونَ} 68 وفي المؤمنون:
{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتََّى حِينٍ} 54 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 96 وفي النور:
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْهِ مََا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مََا حُمِّلْتُمْ} 54 وفي الفرقان:
{وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} 63 وفي النمل:
{فَمَنِ اهْتَدى ََ فَإِنَّمََا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} 92 {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمََا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} 92 وفي القصص:
{وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقََالُوا لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ} الآية 55 وفي العنكبوت:
{وَإِنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} حكمها لا لفظها 50 وفي الروم:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ} 60 {وَلََا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لََا يُوقِنُونَ} 60 وفي الم السجدة:
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} 30
وفي الأحزاب:(1/270)
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} 30
وفي الأحزاب:
{وَدَعْ أَذََاهُمْ} 48 {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَكِيلًا} 48 وفي سبإ:
{قُلْ لََا تُسْئَلُونَ عَمََّا أَجْرَمْنََا وَلََا نُسْئَلُ عَمََّا تَعْمَلُونَ} 25 وفي فاطر:
{إِنْ أَنْتَ إِلََّا نَذِيرٌ} حكمها لا لفظها 23 وفي يس:
{فَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} 76 وفي الصافات:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتََّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ} 174 وفي ص:
{إِلََّا أَنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} حكمها لا لفظها 70 {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} 88 وفي الزمر:
{فَاعْبُدُوا مََا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} 15 {قُلْ يََا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى ََ مَكََانَتِكُمْ} 39 {فَمَنِ اهْتَدى ََ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمََا يَضِلُّ عَلَيْهََا} 41 وفي المؤمنين:
{فَاصْبِرْ} في موضعين 87 وفي حم السجدة:
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 96 وفي الشورى:
{وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} 6 {فَمَنْ عَفََا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ} 40 {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} 43 {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} 48
وفي الزخرف:(1/271)
{وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} 6 {فَمَنْ عَفََا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ} 40 {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} 43 {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمََا أَرْسَلْنََاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} 48
وفي الزخرف:
{فَإِمََّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنََّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} 41 {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ} 89 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} 83 وفي الدخان:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمََاءُ بِدُخََانٍ مُبِينٍ} 10 {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} 59 وفي الجاثية:
{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} 14 وفي الأحقاف:
{فَاصْبِرْ كَمََا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلََا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} 35 وفي ق:
{فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} 39 {وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبََّارٍ} 45 وفي الذاريات:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} 54 وفي الطور:
{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} 31 {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنََا} 48 {فَذَرْهُمْ حَتََّى يُلََاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} 45 وفي النجم:
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلََّى عَنْ ذِكْرِنََا} 29 وفي القمر:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} 6 وفي الممتحنة:
{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} 8
وفي ن:(1/272)
{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} 8
وفي ن:
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ} 44 {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} 48 وفي المعارج:
{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} 5 وفي المزمل:
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} 11 {فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ إِلى ََ رَبِّهِ سَبِيلًا} 19 وفي المدثر:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 11 وفي الإنسان:
{فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ إِلى ََ رَبِّهِ سَبِيلًا} 29 وفي الطارق:
{فَمَهِّلِ الْكََافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} 17 وفي الغاشية:
{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 22 وفي الكافرون:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 6 فهذه جملة ما نسخ بآية السيف ثم ان الله تعالى أنزل آية فنسخ بها بعض حكم آية السيف في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} التوبة، الآية: 6فصار بعض حكم آية السيف منسوخا والمنسوخ بها على النسخ ولم يغير والله أعلم.(1/273)
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 6 فهذه جملة ما نسخ بآية السيف ثم ان الله تعالى أنزل آية فنسخ بها بعض حكم آية السيف في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} التوبة، الآية: 6فصار بعض حكم آية السيف منسوخا والمنسوخ بها على النسخ ولم يغير والله أعلم.
باب ما نسخ من القرآن بآية القتال
وهي قوله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} التوبة، الآية: 29 فنسخ بها تسعة مواضع أحدها:
في البقرة:
{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} 109 وفي آل عمران:
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلََّا أَذىً} 111 وفيها {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} 120 وفي المائدة:
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} 13 وفي الأنعام:
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} 70 وفي الأعراف:
{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً} 51 وفي الأنفال:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا} 61 وفي العنكبوت:
{وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 46 وفي الشورى:
{لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} 15 فهذه جملة ما نسخ بآية القتال.(1/274)
{لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} 15 فهذه جملة ما نسخ بآية القتال.
باب بيان الآيات المنسوخة بالاستثناء بعدها
وهي ثلاث وعشرون موضعا أحدها:
في البقرة:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مََا أَنْزَلْنََا مِنَ الْبَيِّنََاتِ} الآية 159 {إِنَّمََا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} 173 فهذه منسوخة بالاستثناء كلها لأن الله تعالى حرم جميع ذلك ثم أباحها للمضطر بقوله {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} 173 يعني في أكلها فصار حكم من اضطر منسوخا وفي غير المضطر محكما كذلك الكلام في نظائر هذه الآية {وَلََا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتََّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 196 {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} 229 {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضََاعَةَ} 233 وفي آل عمران ثلاث آيات متواليات أولها قوله تعالى {كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} 86 الى {وَلََا هُمْ يُنْظَرُونَ} 88 وفي النساء:
{إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ} 145 {وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} 145 {لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مََا آتَيْتُمُوهُنَّ} 19 وفي المائدة:
{إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} 33 وفي النحل:
{مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ} 106 وفي مريم:
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضََاعُوا الصَّلََاةَ} 59 الى قوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} الآية 71
وفي النور:(1/275)
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضََاعُوا الصَّلََاةَ} 59 الى قوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} الآية 71
وفي النور:
{وَلََا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهََادَةً أَبَداً وَأُولََئِكَ هُمُ الْفََاسِقُونَ} 4 وفي الفرقان ثلاث آيات أولها:
{وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ} 68 الى قوله {مُهََاناً} 69 وفي الشعراء:
{وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} 224 وفي العصر:
{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} 2 فهذه جملتها.(1/276)
{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} 2 فهذه جملتها.
باب بيان ما في الآيات المنسوخة على النظم
وهي مائة موضع وموضعين من ذلك في سورة البقرة في اثنين وعشرين موضعا منسوخا منها:
في سورة البقرة:
{وَمِمََّا رَزَقْنََاهُمْ يُنْفِقُونَ} 3 قال حتى ما فضل عن هذه {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ} 180 والزكاة ناسخة لقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً} التوبة 103 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا} 62 نسخه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} آل عمران 85 وقال مجاهد والضحاك هي محكمة فعلى قولهما معنى الآية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا} 62 {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} 115 نسخه {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} 144 الآية الى قوله {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 144 {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} 158 نسخه {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرََاهِيمَ إِلََّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 130 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى ََ بِالْأُنْثى ََ} 178 نسخ منه بالسنة بقوله عليه الصلاة والسلام لا يقتل الوالد بولده فعند عكرمة وعطية نسخ بقوله تعالى {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} المائدة 45 وعند الآخرين نسخ بقوله:
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنََا لِوَلِيِّهِ سُلْطََاناً} الإسراء 33 وعند الحسن وطاوس وقتادة والعلاء ومسلّم بن يسار أنها محكمة.
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 183
نسخ بآيتين:(1/277)
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 183
نسخ بآيتين:
{شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنََّاسِ} الآية 185 {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} الآية 187 {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ} 184 الى قوله:
{فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} 184 نسخه {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 185 {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 190 نسخه {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} 194 {يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلْ مََا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتََامى ََ وَالْمَسََاكِينِ} 215 نسخه {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} النساء 11 {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمََا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنََافِعُ لِلنََّاسِ} 219 نسخه {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ فَاجْتَنِبُوهُ} المائدة 90 الى قوله:
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} المائدة 91 ونسخه أيضا:
{قُلْ إِنَّمََا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَمََا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ} الأعراف 33 والإثم هاهنا الخمر، قال الشاعر:
شربت الخمر حتى ضل عقلي ... كذاك الإثم يذهب بالعقول
وقال آخر:
نشرب الإثم بالصواع جهارا ... فترى المسك بيننا مستعارا
{وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} البقرة 219 ومعنى العفو هاهنا العقل {خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ} التوبة 103 فكان هذه الزكاة الأولى ثم نسخها قوله تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً} التوبة 103 {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} البقرة 221
نسخ بعض حكمها قوله تعالى:(1/278)
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ وَلََا تَمُوتُنَّ إِلََّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 102 نسخه {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن 16
{وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 97 نسخ العموم {مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 97 {وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا} 145 نسخه {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ} الإسراء 18 وفي النساء في ثلاثة عشر موضعا للرجال وفي النساء:
{نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ} 7 {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} 5 وهي ثلاث آيات نسخها آية المواريث {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} 11 {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ} 9 نسخها {فَمَنْ خََافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ} البقرة 182 {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} 15 نسخها {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} النور 2 {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللََّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهََالَةٍ} النساء 17 الآية المنسوخ منها هو الحكم في أهل الشرك لا غير {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} النساء 24 نسخها آية الطلاق والمواريث والعدة وان هذه المتعة التي حرمت نسخها {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ} المؤمنون 5 {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} النساء 33 نسخه {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} الأنفال 75 ونسخه أيضا آية المواريث
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} النساء 64 الآية نسخها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} التوبة 122 {فَإِنْ كََانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} النساء 92 نسخها {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} التوبة 1 {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ} النساء 93 نسخها {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ} النساء 48 والله أعلم وعند ابن عباس وابن عمر انها محكمة. وفي المائدة في خمسة مواضع:(1/280)
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} 49 وبه قال الأكثرون وقال الحسن والشعبي والنخعي التخيير محكم {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} 105 نسخ بقوله {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 105 وذلك قول من قال إنما الهدي هاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} 106 دلت الآية على جواز شهادة أهل الذمة في السفر وكذلك الآية التي بعدها نسخها {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق 2 {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهََادَةِ عَلى ََ وَجْهِهََا} المائدة 108 الى قوله {بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} آل عمران 86 نسخه شهادة أهل الإسلام. وفي الأنعام وفي المؤمنين آيتان
{إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الأنعام 15 نسخه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} الفتح 2 {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الأنعام 121 نسخه {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ} المائدة 5 من الذبائح. وفي الأنفال في خمسة مواضع {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} الأنفال 1 نسخه آيتان احداهما {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الأنفال 41 الآية والثانية {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} الحشر 7 {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الأنفال 33 نسخه {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} الأنفال 34 {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} الأنفال 38 نسخه {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} البقرة 193 {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الأنفال 65 نسخها {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} الأنفال 66 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا} الأنفال 72 فكانوا يتوارثون بالهجرة دون النسب نسخه {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} الأنفال 75 وفي التوبة في ستة مواضع {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} 34 الآية نسخها الزكاة الواجبة {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} 39
نسخها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 122 ونسخه أيضا {فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ} 122 {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} 43 نسخها {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} النور 62 {الْأَعْرََابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفََاقاً} 97 الى قوله {عَلِيمٌ} 98 وهما آيتان نسختهما الآية التي بينهما وهي قوله تعالى {وَمِنَ الْأَعْرََابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 99 وفي هود:(1/282)
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} 49 وبه قال الأكثرون وقال الحسن والشعبي والنخعي التخيير محكم {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} 105 نسخ بقوله {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 105 وذلك قول من قال إنما الهدي هاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} 106 دلت الآية على جواز شهادة أهل الذمة في السفر وكذلك الآية التي بعدها نسخها {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق 2 {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهََادَةِ عَلى ََ وَجْهِهََا} المائدة 108 الى قوله {بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} آل عمران 86 نسخه شهادة أهل الإسلام. وفي الأنعام وفي المؤمنين آيتان
{إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذََابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الأنعام 15 نسخه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} الفتح 2 {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الأنعام 121 نسخه {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ} المائدة 5 من الذبائح. وفي الأنفال في خمسة مواضع {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} الأنفال 1 نسخه آيتان احداهما {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الأنفال 41 الآية والثانية {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} الحشر 7 {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الأنفال 33 نسخه {وَمََا لَهُمْ أَلََّا يُعَذِّبَهُمُ اللََّهُ} الأنفال 34 {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} الأنفال 38 نسخه {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} البقرة 193 {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الأنفال 65 نسخها {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} الأنفال 66 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا} الأنفال 72 فكانوا يتوارثون بالهجرة دون النسب نسخه {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ} الأنفال 75 وفي التوبة في ستة مواضع {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} 34 الآية نسخها الزكاة الواجبة {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} 39
نسخها {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 122 ونسخه أيضا {فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ} 122 {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} 43 نسخها {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} النور 62 {الْأَعْرََابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفََاقاً} 97 الى قوله {عَلِيمٌ} 98 وهما آيتان نسختهما الآية التي بينهما وهي قوله تعالى {وَمِنَ الْأَعْرََابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 99 وفي هود:
{مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا} 15 الآية نسختها {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الإسراء 18 وفي الرعد:
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنََّاسِ عَلى ََ ظُلْمِهِمْ} 6 نسخه {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} النساء 48 وذلك على قول من قال إن الظلم هاهنا الشرك.
وفي إبراهيم:
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَظَلُومٌ كَفََّارٌ} 34 وهو قول عبد الرحمن بن أسلّم وقال غيره هو محكم.
وفي النحل:
{وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} 67 نسخه {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ} المائدة 90 وفي سبحان في موضعين {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} الإسراء 24 نسخ بعض حكمها في المشركين قوله تعالى {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} 113
{وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} الإسراء 110 نسخه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} الأعراف 205 الآية وهو قول ابن عباس وفي الكهف:(1/283)
{وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} 67 نسخه {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ} المائدة 90 وفي سبحان في موضعين {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمََا كَمََا رَبَّيََانِي صَغِيراً} الإسراء 24 نسخ بعض حكمها في المشركين قوله تعالى {مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كََانُوا أُولِي قُرْبى ََ} 113
{وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} الإسراء 110 نسخه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} الأعراف 205 الآية وهو قول ابن عباس وفي الكهف:
{فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} 29 نسخه {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} الإنسان 30 وهو قول السدي وقتادة وقال غيرهما هو محكم.
وفى طه:
{وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} 114 نسخه {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} الأعلى 6 وفي الأنبياء ثلاث آيات متواليات أولها:
{إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ} 98 الى آخر الثلاث نسخها الآيات المتواليات المتصلات بها أولها {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ} 101 الى قوله {تُوعَدُونَ} 103 والمنسوخ منها العموم فقط وفي الحج:
{وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} 78 نسخه {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن 16 وفي النور في ستة مواضع:
{الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} 3 وهذا خبر معناه النهي يعني لا تنكحوا زانية ولا مشركة نسخه {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} 32 {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ} 4 نسخ بعض حكمها آية اللعان وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ} 6
الى قوله {وَالْخََامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللََّهِ عَلَيْهََا إِنْ كََانَ مِنَ الصََّادِقِينَ} 9 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا} 27 نسخ بعض حكمها {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} 29 {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ} 31 نسخ بعض حكمها {وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ اللََّاتِي لََا يَرْجُونَ نِكََاحاً} 60 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} 58 نسخها {وَإِذََا بَلَغَ الْأَطْفََالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 59 وفي الأحزاب:(1/284)
{الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} 3 وهذا خبر معناه النهي يعني لا تنكحوا زانية ولا مشركة نسخه {وَأَنْكِحُوا الْأَيََامى ََ مِنْكُمْ} 32 {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ} 4 نسخ بعض حكمها آية اللعان وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ} 6
الى قوله {وَالْخََامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللََّهِ عَلَيْهََا إِنْ كََانَ مِنَ الصََّادِقِينَ} 9 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا} 27 نسخ بعض حكمها {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} 29 {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ} 31 نسخ بعض حكمها {وَالْقَوََاعِدُ مِنَ النِّسََاءِ اللََّاتِي لََا يَرْجُونَ نِكََاحاً} 60 {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} 58 نسخها {وَإِذََا بَلَغَ الْأَطْفََالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 59 وفي الأحزاب:
{لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ} 52 {إِلََّا مََا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} 52 نسخته الآية التي قبلها وهي قوله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ اللََّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} 50 وفي حم عسق في سبعة مواضع:
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} 5 نسخه {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} غافر 7 {وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا} 20 نسخه {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الإسراء 18 {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} 39 الى قوله {الظََّالِمِينَ} 40 نسخه {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} 41 والتي يليها الى {أَلِيمٌ} 42 {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} 23 نسخه {قُلْ مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} سبإ 47 الآية وفي نسخه اختلاف.
وفي الأحقاف:(1/285)
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} 5 نسخه {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} غافر 7 {وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا} 20 نسخه {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الإسراء 18 {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} 39 الى قوله {الظََّالِمِينَ} 40 نسخه {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} 41 والتي يليها الى {أَلِيمٌ} 42 {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} 23 نسخه {قُلْ مََا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} سبإ 47 الآية وفي نسخه اختلاف.
وفي الأحقاف:
{وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} 9 نسخه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} الفتح 2 وفي سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم:
{فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} 4 نسخه {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلََائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} الأنفال 12 {وَلََا يَسْئَلْكُمْ أَمْوََالَكُمْ} 36 نسخه {إِنْ يَسْئَلْكُمُوهََا} 37 وفي الذاريات:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ}: 54 نسخه {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} 55 {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} 19 الآية وآية السيف أشبه بنسخها.
وفي النجم:
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} 39 نسخه {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} الطور 21 وفي الواقعة:
{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} 13 نسخه {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} 40 وفي نسخه اختلاف وفي المجادلة:
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً} 12 وفي الممتحنة:
{لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} 8 نسخها {إِنَّمََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ قََاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} 9 {وَسْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ} 10 نسخه {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} التوبة 1
وفي المزمل في ستة مواضع {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا نِصْفَهُ} 2 نسخه {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} 3 {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ} 4 نسخه {مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ََ} طه 2 {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 4 الى قوله {قِيلًا} 6 وهي ثلاث آيات متواليات نسخها {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ} 20 وفي المدثر:(1/286)
{لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} 8 نسخها {إِنَّمََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ قََاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} 9 {وَسْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ} 10 نسخه {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} التوبة 1
وفي المزمل في ستة مواضع {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا نِصْفَهُ} 2 نسخه {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} 3 {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ} 4 نسخه {مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ََ} طه 2 {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 4 الى قوله {قِيلًا} 6 وهي ثلاث آيات متواليات نسخها {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ََ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ} 20 وفي المدثر:
{فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ} 55 نسخه {وَمََا يَذْكُرُونَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} 56 وفي القيامة:
{لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} 16 نسخه {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ} الأعلى 6 وفي عبس:
{فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ} 12 نسخه {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} الإنسان 30 وفي التكوير:
{لِمَنْ شََاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} 28 نسخه {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ رَبُّ الْعََالَمِينَ} 29 فهذه جملة المواضع المنسوخة مائتان وستة وأربعون موضعا والله أعلم وجملة المواضع النواسخ سبعة وسبعون موضعا والله أعلم.(1/287)
{لِمَنْ شََاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} 28 نسخه {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ رَبُّ الْعََالَمِينَ} 29 فهذه جملة المواضع المنسوخة مائتان وستة وأربعون موضعا والله أعلم وجملة المواضع النواسخ سبعة وسبعون موضعا والله أعلم.
باب بيان السور على النظم
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب / محكمة البقرة / فيها سبعة عشر موضعا / فيها أربعة وثلاثون موضعا آل عمران / فيها موضعان / فيها عشرة مواضع النساء / فيها ثمانية مواضع / فيها اثنان وعشرون موضعا المائدة / فيها سبعة مواضع / فيها تسعة مواضع الأنعام / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة عشر موضعا الأعراف / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنفال / فيها خمسة مواضع / فيها ستة مواضع التوبة / فيها تسعة مواضع / النسوخ فيها يونس / لا ناسخ فيها / فيها سبعة مواضع هود / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع يوسف / محكمة الرعد / لا ناسخ فيها / فيها موضعان إبراهيم / لا ناسخ فيها / فيها موضع الحجر / لا ناسخ فيها / فيها خمسة مواضع النخل / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع بني إسرائيل / فيها موضعان / فيها ثلاثة مواضع الكهف / لا ناسخ فيها / فيها موضع مريم / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع طه / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنبياء / فيها ثلاثة مواضع / فيها ثلاثة مواضع الحج / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع المؤمنون / فيها موضع / فيها ثمانية مواضع
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النور / فيها أحد عشر موضعا / فيها ثمانية مواضع الفرقان / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الشعراء / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع النمل / لا ناسخ فيها / فيها موضع القصص العنكبوت / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الروم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان لقمان / لا ناسخ فيها / فيها موضع الم السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحزاب / فيها موضع / فيها موضعان سبإ / فيها موضع / فيها موضع فاطر / لا ناسخ فيها / فيها موضع يس / لا ناسخ فيها / فيها موضع الصافات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ص / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الزمر / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع المؤمن / فيها موضع / فيها موضعان السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع حم عسق / فيها موضع / فيها اثني عشر موضعا الزخرف / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة مواضع الدخان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الجاثية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحقاف / لا ناسخ فيها / فيها موضعان محمد صلّى الله عليه وسلّم / فيها موضع / لا منسوخ فيها الفتح / فيها موضع / لا منسوخ فيها الحجرات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ق
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ الذاريات / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الطور النجم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القمر / لا ناسخ فيها / فيها موضع سورة الرحمن / محكمة / الواقعة / فيها موضع / فيها موضع الحديد / محكمة / المجادلة / فيها موضع / فيها موضع الحشر / فيها موضع / لا منسوخ فيها الممتحنة / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الصف / محكمة / الجمعة / محكمة / المنافقون / فيها موضع / لا منسوخ فيها التغابن / فيها موضع / لا منسوخ فيها الطلاق / فيها موضع / لا منسوخ فيها التحريم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الملك / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القلم الحاقة / محكمة / المعارج / لا ناسخ فيها / فيها موضعان نوح / محكمة / الجن / محكمة / المزمل / فيها موضعان / فيها تسعة مواضع المدثر / فيها موضع / فيها موضعان القيامة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الإنسان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان المرسلات / محكمة /
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النبإ / محكمة / النازعات / محكمة / عبس / فيها موضع / فيها موضع التكوير / فيها موضع / فيها موضع الانفطار / محكمة / المطففون / محكمة / الانشقاق / محكمة / البروج / محكمة / الطارق / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأعلى / فيها موضع / لا منسوخ فيها الغاشية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الفجر / محكمة البلد / محكمة الشمس / محكمة الليل / محكمة الضحى / محكمة ألم نشرح / محكمة التين / محكمة العلق / محكمة القدر / محكمة البينة / محكمة الزلزلة / محكمة العاديات / محكمة القارعة / محكمة التكاثر / محكمة العصر / فيها موضع / فيها موضع الهمزة / محكمة
السورة / مواضع الناسخ / مواضع الناسخ الفيل / محكمة قريش / محكمة الماعون / محكمة الكوثر / محكمة الكافرون / لا ناسخ فيها / فيها موضع النصر / محكمة اللهب / محكمة الإخلاص / محكمة الفلق / محكمة الناس / محكمة(1/288)
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب / محكمة البقرة / فيها سبعة عشر موضعا / فيها أربعة وثلاثون موضعا آل عمران / فيها موضعان / فيها عشرة مواضع النساء / فيها ثمانية مواضع / فيها اثنان وعشرون موضعا المائدة / فيها سبعة مواضع / فيها تسعة مواضع الأنعام / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة عشر موضعا الأعراف / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنفال / فيها خمسة مواضع / فيها ستة مواضع التوبة / فيها تسعة مواضع / النسوخ فيها يونس / لا ناسخ فيها / فيها سبعة مواضع هود / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع يوسف / محكمة الرعد / لا ناسخ فيها / فيها موضعان إبراهيم / لا ناسخ فيها / فيها موضع الحجر / لا ناسخ فيها / فيها خمسة مواضع النخل / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع بني إسرائيل / فيها موضعان / فيها ثلاثة مواضع الكهف / لا ناسخ فيها / فيها موضع مريم / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع طه / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنبياء / فيها ثلاثة مواضع / فيها ثلاثة مواضع الحج / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع المؤمنون / فيها موضع / فيها ثمانية مواضع
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النور / فيها أحد عشر موضعا / فيها ثمانية مواضع الفرقان / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الشعراء / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع النمل / لا ناسخ فيها / فيها موضع القصص العنكبوت / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الروم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان لقمان / لا ناسخ فيها / فيها موضع الم السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحزاب / فيها موضع / فيها موضعان سبإ / فيها موضع / فيها موضع فاطر / لا ناسخ فيها / فيها موضع يس / لا ناسخ فيها / فيها موضع الصافات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ص / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الزمر / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع المؤمن / فيها موضع / فيها موضعان السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع حم عسق / فيها موضع / فيها اثني عشر موضعا الزخرف / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة مواضع الدخان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الجاثية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحقاف / لا ناسخ فيها / فيها موضعان محمد صلّى الله عليه وسلّم / فيها موضع / لا منسوخ فيها الفتح / فيها موضع / لا منسوخ فيها الحجرات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ق
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ الذاريات / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الطور النجم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القمر / لا ناسخ فيها / فيها موضع سورة الرحمن / محكمة / الواقعة / فيها موضع / فيها موضع الحديد / محكمة / المجادلة / فيها موضع / فيها موضع الحشر / فيها موضع / لا منسوخ فيها الممتحنة / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الصف / محكمة / الجمعة / محكمة / المنافقون / فيها موضع / لا منسوخ فيها التغابن / فيها موضع / لا منسوخ فيها الطلاق / فيها موضع / لا منسوخ فيها التحريم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الملك / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القلم الحاقة / محكمة / المعارج / لا ناسخ فيها / فيها موضعان نوح / محكمة / الجن / محكمة / المزمل / فيها موضعان / فيها تسعة مواضع المدثر / فيها موضع / فيها موضعان القيامة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الإنسان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان المرسلات / محكمة /
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النبإ / محكمة / النازعات / محكمة / عبس / فيها موضع / فيها موضع التكوير / فيها موضع / فيها موضع الانفطار / محكمة / المطففون / محكمة / الانشقاق / محكمة / البروج / محكمة / الطارق / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأعلى / فيها موضع / لا منسوخ فيها الغاشية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الفجر / محكمة البلد / محكمة الشمس / محكمة الليل / محكمة الضحى / محكمة ألم نشرح / محكمة التين / محكمة العلق / محكمة القدر / محكمة البينة / محكمة الزلزلة / محكمة العاديات / محكمة القارعة / محكمة التكاثر / محكمة العصر / فيها موضع / فيها موضع الهمزة / محكمة
السورة / مواضع الناسخ / مواضع الناسخ الفيل / محكمة قريش / محكمة الماعون / محكمة الكوثر / محكمة الكافرون / لا ناسخ فيها / فيها موضع النصر / محكمة اللهب / محكمة الإخلاص / محكمة الفلق / محكمة الناس / محكمة(1/289)
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب / محكمة البقرة / فيها سبعة عشر موضعا / فيها أربعة وثلاثون موضعا آل عمران / فيها موضعان / فيها عشرة مواضع النساء / فيها ثمانية مواضع / فيها اثنان وعشرون موضعا المائدة / فيها سبعة مواضع / فيها تسعة مواضع الأنعام / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة عشر موضعا الأعراف / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنفال / فيها خمسة مواضع / فيها ستة مواضع التوبة / فيها تسعة مواضع / النسوخ فيها يونس / لا ناسخ فيها / فيها سبعة مواضع هود / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع يوسف / محكمة الرعد / لا ناسخ فيها / فيها موضعان إبراهيم / لا ناسخ فيها / فيها موضع الحجر / لا ناسخ فيها / فيها خمسة مواضع النخل / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع بني إسرائيل / فيها موضعان / فيها ثلاثة مواضع الكهف / لا ناسخ فيها / فيها موضع مريم / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع طه / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنبياء / فيها ثلاثة مواضع / فيها ثلاثة مواضع الحج / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع المؤمنون / فيها موضع / فيها ثمانية مواضع
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النور / فيها أحد عشر موضعا / فيها ثمانية مواضع الفرقان / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الشعراء / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع النمل / لا ناسخ فيها / فيها موضع القصص العنكبوت / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الروم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان لقمان / لا ناسخ فيها / فيها موضع الم السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحزاب / فيها موضع / فيها موضعان سبإ / فيها موضع / فيها موضع فاطر / لا ناسخ فيها / فيها موضع يس / لا ناسخ فيها / فيها موضع الصافات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ص / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الزمر / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع المؤمن / فيها موضع / فيها موضعان السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع حم عسق / فيها موضع / فيها اثني عشر موضعا الزخرف / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة مواضع الدخان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الجاثية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحقاف / لا ناسخ فيها / فيها موضعان محمد صلّى الله عليه وسلّم / فيها موضع / لا منسوخ فيها الفتح / فيها موضع / لا منسوخ فيها الحجرات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ق
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ الذاريات / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الطور النجم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القمر / لا ناسخ فيها / فيها موضع سورة الرحمن / محكمة / الواقعة / فيها موضع / فيها موضع الحديد / محكمة / المجادلة / فيها موضع / فيها موضع الحشر / فيها موضع / لا منسوخ فيها الممتحنة / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الصف / محكمة / الجمعة / محكمة / المنافقون / فيها موضع / لا منسوخ فيها التغابن / فيها موضع / لا منسوخ فيها الطلاق / فيها موضع / لا منسوخ فيها التحريم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الملك / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القلم الحاقة / محكمة / المعارج / لا ناسخ فيها / فيها موضعان نوح / محكمة / الجن / محكمة / المزمل / فيها موضعان / فيها تسعة مواضع المدثر / فيها موضع / فيها موضعان القيامة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الإنسان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان المرسلات / محكمة /
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النبإ / محكمة / النازعات / محكمة / عبس / فيها موضع / فيها موضع التكوير / فيها موضع / فيها موضع الانفطار / محكمة / المطففون / محكمة / الانشقاق / محكمة / البروج / محكمة / الطارق / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأعلى / فيها موضع / لا منسوخ فيها الغاشية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الفجر / محكمة البلد / محكمة الشمس / محكمة الليل / محكمة الضحى / محكمة ألم نشرح / محكمة التين / محكمة العلق / محكمة القدر / محكمة البينة / محكمة الزلزلة / محكمة العاديات / محكمة القارعة / محكمة التكاثر / محكمة العصر / فيها موضع / فيها موضع الهمزة / محكمة
السورة / مواضع الناسخ / مواضع الناسخ الفيل / محكمة قريش / محكمة الماعون / محكمة الكوثر / محكمة الكافرون / لا ناسخ فيها / فيها موضع النصر / محكمة اللهب / محكمة الإخلاص / محكمة الفلق / محكمة الناس / محكمة(1/290)
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب / محكمة البقرة / فيها سبعة عشر موضعا / فيها أربعة وثلاثون موضعا آل عمران / فيها موضعان / فيها عشرة مواضع النساء / فيها ثمانية مواضع / فيها اثنان وعشرون موضعا المائدة / فيها سبعة مواضع / فيها تسعة مواضع الأنعام / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة عشر موضعا الأعراف / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنفال / فيها خمسة مواضع / فيها ستة مواضع التوبة / فيها تسعة مواضع / النسوخ فيها يونس / لا ناسخ فيها / فيها سبعة مواضع هود / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع يوسف / محكمة الرعد / لا ناسخ فيها / فيها موضعان إبراهيم / لا ناسخ فيها / فيها موضع الحجر / لا ناسخ فيها / فيها خمسة مواضع النخل / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع بني إسرائيل / فيها موضعان / فيها ثلاثة مواضع الكهف / لا ناسخ فيها / فيها موضع مريم / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع طه / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنبياء / فيها ثلاثة مواضع / فيها ثلاثة مواضع الحج / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع المؤمنون / فيها موضع / فيها ثمانية مواضع
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النور / فيها أحد عشر موضعا / فيها ثمانية مواضع الفرقان / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الشعراء / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع النمل / لا ناسخ فيها / فيها موضع القصص العنكبوت / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الروم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان لقمان / لا ناسخ فيها / فيها موضع الم السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحزاب / فيها موضع / فيها موضعان سبإ / فيها موضع / فيها موضع فاطر / لا ناسخ فيها / فيها موضع يس / لا ناسخ فيها / فيها موضع الصافات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ص / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الزمر / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع المؤمن / فيها موضع / فيها موضعان السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع حم عسق / فيها موضع / فيها اثني عشر موضعا الزخرف / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة مواضع الدخان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الجاثية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحقاف / لا ناسخ فيها / فيها موضعان محمد صلّى الله عليه وسلّم / فيها موضع / لا منسوخ فيها الفتح / فيها موضع / لا منسوخ فيها الحجرات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ق
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ الذاريات / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الطور النجم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القمر / لا ناسخ فيها / فيها موضع سورة الرحمن / محكمة / الواقعة / فيها موضع / فيها موضع الحديد / محكمة / المجادلة / فيها موضع / فيها موضع الحشر / فيها موضع / لا منسوخ فيها الممتحنة / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الصف / محكمة / الجمعة / محكمة / المنافقون / فيها موضع / لا منسوخ فيها التغابن / فيها موضع / لا منسوخ فيها الطلاق / فيها موضع / لا منسوخ فيها التحريم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الملك / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القلم الحاقة / محكمة / المعارج / لا ناسخ فيها / فيها موضعان نوح / محكمة / الجن / محكمة / المزمل / فيها موضعان / فيها تسعة مواضع المدثر / فيها موضع / فيها موضعان القيامة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الإنسان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان المرسلات / محكمة /
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النبإ / محكمة / النازعات / محكمة / عبس / فيها موضع / فيها موضع التكوير / فيها موضع / فيها موضع الانفطار / محكمة / المطففون / محكمة / الانشقاق / محكمة / البروج / محكمة / الطارق / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأعلى / فيها موضع / لا منسوخ فيها الغاشية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الفجر / محكمة البلد / محكمة الشمس / محكمة الليل / محكمة الضحى / محكمة ألم نشرح / محكمة التين / محكمة العلق / محكمة القدر / محكمة البينة / محكمة الزلزلة / محكمة العاديات / محكمة القارعة / محكمة التكاثر / محكمة العصر / فيها موضع / فيها موضع الهمزة / محكمة
السورة / مواضع الناسخ / مواضع الناسخ الفيل / محكمة قريش / محكمة الماعون / محكمة الكوثر / محكمة الكافرون / لا ناسخ فيها / فيها موضع النصر / محكمة اللهب / محكمة الإخلاص / محكمة الفلق / محكمة الناس / محكمة(1/291)
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب / محكمة البقرة / فيها سبعة عشر موضعا / فيها أربعة وثلاثون موضعا آل عمران / فيها موضعان / فيها عشرة مواضع النساء / فيها ثمانية مواضع / فيها اثنان وعشرون موضعا المائدة / فيها سبعة مواضع / فيها تسعة مواضع الأنعام / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة عشر موضعا الأعراف / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنفال / فيها خمسة مواضع / فيها ستة مواضع التوبة / فيها تسعة مواضع / النسوخ فيها يونس / لا ناسخ فيها / فيها سبعة مواضع هود / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع يوسف / محكمة الرعد / لا ناسخ فيها / فيها موضعان إبراهيم / لا ناسخ فيها / فيها موضع الحجر / لا ناسخ فيها / فيها خمسة مواضع النخل / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع بني إسرائيل / فيها موضعان / فيها ثلاثة مواضع الكهف / لا ناسخ فيها / فيها موضع مريم / فيها موضعان / فيها خمسة مواضع طه / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الأنبياء / فيها ثلاثة مواضع / فيها ثلاثة مواضع الحج / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع المؤمنون / فيها موضع / فيها ثمانية مواضع
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النور / فيها أحد عشر موضعا / فيها ثمانية مواضع الفرقان / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الشعراء / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع النمل / لا ناسخ فيها / فيها موضع القصص العنكبوت / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الروم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان لقمان / لا ناسخ فيها / فيها موضع الم السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحزاب / فيها موضع / فيها موضعان سبإ / فيها موضع / فيها موضع فاطر / لا ناسخ فيها / فيها موضع يس / لا ناسخ فيها / فيها موضع الصافات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ص / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الزمر / لا ناسخ فيها / فيها أربعة مواضع المؤمن / فيها موضع / فيها موضعان السجدة / لا ناسخ فيها / فيها موضع حم عسق / فيها موضع / فيها اثني عشر موضعا الزخرف / لا ناسخ فيها / فيها ثلاثة مواضع الدخان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الجاثية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأحقاف / لا ناسخ فيها / فيها موضعان محمد صلّى الله عليه وسلّم / فيها موضع / لا منسوخ فيها الفتح / فيها موضع / لا منسوخ فيها الحجرات / لا ناسخ فيها / فيها موضعان ق
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ الذاريات / فيها موضع / فيها أربعة مواضع الطور النجم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القمر / لا ناسخ فيها / فيها موضع سورة الرحمن / محكمة / الواقعة / فيها موضع / فيها موضع الحديد / محكمة / المجادلة / فيها موضع / فيها موضع الحشر / فيها موضع / لا منسوخ فيها الممتحنة / فيها موضع / فيها ثلاثة مواضع الصف / محكمة / الجمعة / محكمة / المنافقون / فيها موضع / لا منسوخ فيها التغابن / فيها موضع / لا منسوخ فيها الطلاق / فيها موضع / لا منسوخ فيها التحريم / لا ناسخ فيها / فيها موضعان الملك / لا ناسخ فيها / فيها موضعان القلم الحاقة / محكمة / المعارج / لا ناسخ فيها / فيها موضعان نوح / محكمة / الجن / محكمة / المزمل / فيها موضعان / فيها تسعة مواضع المدثر / فيها موضع / فيها موضعان القيامة / لا ناسخ فيها / فيها موضع الإنسان / لا ناسخ فيها / فيها موضعان المرسلات / محكمة /
السورة / مواضع الناسخ / مواضع المنسوخ النبإ / محكمة / النازعات / محكمة / عبس / فيها موضع / فيها موضع التكوير / فيها موضع / فيها موضع الانفطار / محكمة / المطففون / محكمة / الانشقاق / محكمة / البروج / محكمة / الطارق / لا ناسخ فيها / فيها موضع الأعلى / فيها موضع / لا منسوخ فيها الغاشية / لا ناسخ فيها / فيها موضع الفجر / محكمة البلد / محكمة الشمس / محكمة الليل / محكمة الضحى / محكمة ألم نشرح / محكمة التين / محكمة العلق / محكمة القدر / محكمة البينة / محكمة الزلزلة / محكمة العاديات / محكمة القارعة / محكمة التكاثر / محكمة العصر / فيها موضع / فيها موضع الهمزة / محكمة
السورة / مواضع الناسخ / مواضع الناسخ الفيل / محكمة قريش / محكمة الماعون / محكمة الكوثر / محكمة الكافرون / لا ناسخ فيها / فيها موضع النصر / محكمة اللهب / محكمة الإخلاص / محكمة الفلق / محكمة الناس / محكمة(1/292)
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 5/ مقدمة الكتاب وتعريف النسخ 7/ باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ 8/ باب اختلاف العلماء في الذي ينسخ القرآن والسنة 10/ باب أصل النسخ واشتقاقه 10/ باب النسخ على كم يكون من ضرب 11/ باب الفرق بين النسخ والبداء 12/ باب ذكر بعض الأحاديث في الناسخ والمنسوخ 15/ باب السور التي يذكر فيها الناسخ والمنسوخ 16/ قوله تعالى {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا} / (115) / البقرة 17/ قوله تعالى {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} / (114) / البقرة 18/ قوله تعالى {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ} / (238) / البقرة 18/ قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ} / (178) / البقرة 20/ قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} / (180) / البقرة 21/ قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ} / (183) / البقرة 23/ قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} / (184) / البقرة 24/ قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ} / (187) / البقرة 25/ قوله تعالى {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} / (083) / البقرة 26/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقُولُوا رََاعِنََا} / (104) / البقرة 27/ قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} / (109) / البقرة 27/ قوله تعالى {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَكُمْ} / (190) / البقرة 28/ قوله تعالى {وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} / (191) / البقرة 29/ قوله تعالى {الشَّهْرُ الْحَرََامُ بِالشَّهْرِ الْحَرََامِ} / (194) / البقرة
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 31/ قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتََالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} / (216) / البقرة 32/ قوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ} / (217) / البقرة 34/ قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} / (196) / البقرة 39/ قوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} / (219) / البقرة 52/ قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} / (219) / البقرة 54/ قوله تعالى {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ حَتََّى يُؤْمِنَّ} / (221) / البقرة 57/ قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} / (222) / البقرة 60/ قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} / (228) / البقرة 64/ قوله تعالى {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} / (229) / البقرة 68/ قوله تعالى {وَعَلَى الْوََارِثِ مِثْلُ ذََلِكَ} / (233) / البقرة 69/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً} / (240) / البقرة 74/ قوله تعالى {لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} / (236) / البقرة 76/ قوله تعالى {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} / (256) / البقرة 77/ قوله تعالى {وَإِنْ كََانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى ََ مَيْسَرَةٍ} / (280) / البقرة 79/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا تَدََايَنْتُمْ} / (282) / البقرة 81/ قوله تعالى {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} / (284) / البقرة 84/ قوله تعالى {قََالَ آيَتُكَ أَلََّا تُكَلِّمَ النََّاسَ} / (041) / آل عمران 84/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} / (102) / آل عمران 85/ قوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} / (128) / آل عمران 88/ قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتََامى ََ} / (003) / النساء 89/ قوله تعالى {وَمَنْ كََانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} / (006) / النساء 91/ قوله تعالى {وَإِذََا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ََ} / (008) / النساء 93/ قوله تعالى {وَاللََّاتِي يَأْتِينَ الْفََاحِشَةَ مِنْ نِسََائِكُمْ} / (015) / النساء 96/ قوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} / (024) / النساء 101/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمََانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} / (033) / النساء 103/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} / (043) / النساء 104/ قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثََاقٌ} / (090) / النساء
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 105/ قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ} / (093) / النساء 108/ قوله تعالى {وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ} / (101) / النساء 111/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ} / (002) / المائدة 112/ قوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا} / (005) / المائدة 114/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} / (006) / المائدة 118/ قوله تعالى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} / (013) / المائدة 118/ قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} / (033) / المائدة 123/ قوله تعالى {فَإِنْ جََاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} / (042) / المائدة 125/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ} / (106) / المائدة 131/ قوله تعالى {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} / (066) / الأنعام 131/ قوله تعالى {وَمََا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} / (069) / الأنعام 132/ قوله تعالى {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} / (070) / الأنعام 132/ قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنََّاتٍ مَعْرُوشََاتٍ} / (141) / الأنعام 136/ قوله تعالى {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ} / (145) / الأنعام 142/ قوله تعالى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} / (106) / الأنعام 142/ قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً} / (159) / الأنعام 142/ قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} / (199) / الأعراف 143/ قوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} / (001) / الأنفال 145/ قوله تعالى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ} / (016) / الأنفال 147/ قوله تعالى {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} / (033) / الأنفال 148/ قوله تعالى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهََا} / (061) / الأنفال 149/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتََالِ} / (065) / الأنفال (150) / قوله تعالى {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى} / (067) / الأنفال 150/ قوله تعالى {فَكُلُوا مِمََّا غَنِمْتُمْ حَلََالًا طَيِّباً} / (069) / الأنفال 151/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ} / (072) / الأنفال 154/ قوله تعالى {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} / (001) / براءة(1/294)
157/ قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} / (005) / براءة
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 158/ قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ} / (028) / براءة 159/ قوله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} / (029) / براءة 160/ قوله تعالى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} / (039) / براءة 161/ قوله تعالى {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} / (043) / براءة 162/ قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} / (060) / براءة 167/ قوله تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} / (080) / براءة 169/ قوله تعالى {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا} / (120) / براءة 170/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحََاكِمِينَ} / (109) / يونس 171/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} / (015) / هود 172/ قوله تعالى {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ} / (101) / يوسف 173/ قوله تعالى {وَلََا يَزََالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمََا صَنَعُوا} / (031) / الرعد 174/ قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً} / (028) / إبراهيم 175/ قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} / (085) / الحجر 176/ قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ} / (067) / النحل 177/ قوله تعالى {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (125) / النحل 178/ قوله تعالى {إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا} / (023) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (034) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} / (110) / بني إسرائيل 182/ قوله تعالى {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} / (078) / الأنبياء 184/ قوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ} / (028) / الحج 186/ قوله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} / (039) / الحج 187/ قوله تعالى {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى} / (052) / الحج 189/ قوله تعالى {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} / (078) / الحج 190/ قوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} / (002) / المؤمنين 191/ قوله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} / (003) / النور 193/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً} / (027) / النور
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 195/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} / (058) / النور 197/ قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} / (061) / النور 200/ قوله تعالى {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} / (063) / الفرقان 201/ قوله تعالى {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ} / (224) / الشعراء 203/ قوله تعالى {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} / (055) / القصص 204/ قوله تعالى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (046) / العنكبوت 205/ قوله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} / (030) / الم السجدة 206/ قوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللََّهِ} / (005) / الأحزاب 207/ قوله تعالى {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ} / (052) / الأحزاب 210/ قوله تعالى {يََا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ََ فِي الْمَنََامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} / (102) / الصافات 213/ قوله تعالى {اصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} / (017) / ص 214/ قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} / (033) / ص 214/ قوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} / (044) / ص 215/ قوله تعالى {وَالْمَلََائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ} / (005) / حم عسق 215/ قوله تعالى {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} / (015) / حم عسق 216/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} / (020) / حم عسق 217/ قوله تعالى {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} / (023) / حم عسق 218/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} / (39) / حم عسق 218/ قوله تعالى {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} / (89) / الزخرف 219/ قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ} / (14) / الجاثية 219/ قوله تعالى {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي} / (09) / الأحقاف 221/ قوله تعالى {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} / (04) / محمد 223/ قوله تعالى {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} / (35) / محمد 224/ قوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ} / (01) / الفتح 226/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} / (39) / ق 227/ قوله تعالى {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} / (19) / الذاريات 228/ قوله تعالى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} / (54) / الذاريات
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 228/ قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} / (48) / الطور 229/ قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} / (39) / النجم 233/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظََاهِرُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ} / (03) / المجادلة 233قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} / (12) / المجادلة 234/ قوله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} / (07) / الحشر 237/ قوله تعالى {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} / (08) / الممتحنة 239/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ مُهََاجِرََاتٍ} / (10) / الممتحنة 249/ قوله تعالى {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ فَعََاقَبْتُمْ} / (11) / الممتحنة 250/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ يُبََايِعْنَكَ} / (12) / الممتحنة 251/ قوله تعالى {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} / (04) / الطلاق 252/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} / (05) / المعارج 253/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} / (01) / المزمل 254/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} / (10) / المزمل(1/296)
157/ قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} / (005) / براءة
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 158/ قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ} / (028) / براءة 159/ قوله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} / (029) / براءة 160/ قوله تعالى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} / (039) / براءة 161/ قوله تعالى {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} / (043) / براءة 162/ قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} / (060) / براءة 167/ قوله تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} / (080) / براءة 169/ قوله تعالى {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا} / (120) / براءة 170/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحََاكِمِينَ} / (109) / يونس 171/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} / (015) / هود 172/ قوله تعالى {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ} / (101) / يوسف 173/ قوله تعالى {وَلََا يَزََالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمََا صَنَعُوا} / (031) / الرعد 174/ قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً} / (028) / إبراهيم 175/ قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} / (085) / الحجر 176/ قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ} / (067) / النحل 177/ قوله تعالى {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (125) / النحل 178/ قوله تعالى {إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا} / (023) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (034) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} / (110) / بني إسرائيل 182/ قوله تعالى {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} / (078) / الأنبياء 184/ قوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ} / (028) / الحج 186/ قوله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} / (039) / الحج 187/ قوله تعالى {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى} / (052) / الحج 189/ قوله تعالى {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} / (078) / الحج 190/ قوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} / (002) / المؤمنين 191/ قوله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} / (003) / النور 193/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً} / (027) / النور
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 195/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} / (058) / النور 197/ قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} / (061) / النور 200/ قوله تعالى {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} / (063) / الفرقان 201/ قوله تعالى {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ} / (224) / الشعراء 203/ قوله تعالى {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} / (055) / القصص 204/ قوله تعالى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (046) / العنكبوت 205/ قوله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} / (030) / الم السجدة 206/ قوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللََّهِ} / (005) / الأحزاب 207/ قوله تعالى {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ} / (052) / الأحزاب 210/ قوله تعالى {يََا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ََ فِي الْمَنََامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} / (102) / الصافات 213/ قوله تعالى {اصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} / (017) / ص 214/ قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} / (033) / ص 214/ قوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} / (044) / ص 215/ قوله تعالى {وَالْمَلََائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ} / (005) / حم عسق 215/ قوله تعالى {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} / (015) / حم عسق 216/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} / (020) / حم عسق 217/ قوله تعالى {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} / (023) / حم عسق 218/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} / (39) / حم عسق 218/ قوله تعالى {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} / (89) / الزخرف 219/ قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ} / (14) / الجاثية 219/ قوله تعالى {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي} / (09) / الأحقاف 221/ قوله تعالى {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} / (04) / محمد 223/ قوله تعالى {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} / (35) / محمد 224/ قوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ} / (01) / الفتح 226/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} / (39) / ق 227/ قوله تعالى {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} / (19) / الذاريات 228/ قوله تعالى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} / (54) / الذاريات
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 228/ قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} / (48) / الطور 229/ قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} / (39) / النجم 233/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظََاهِرُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ} / (03) / المجادلة 233قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} / (12) / المجادلة 234/ قوله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} / (07) / الحشر 237/ قوله تعالى {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} / (08) / الممتحنة 239/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ مُهََاجِرََاتٍ} / (10) / الممتحنة 249/ قوله تعالى {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ فَعََاقَبْتُمْ} / (11) / الممتحنة 250/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ يُبََايِعْنَكَ} / (12) / الممتحنة 251/ قوله تعالى {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} / (04) / الطلاق 252/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} / (05) / المعارج 253/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} / (01) / المزمل 254/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} / (10) / المزمل(1/297)
157/ قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} / (005) / براءة
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 158/ قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ} / (028) / براءة 159/ قوله تعالى {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} / (029) / براءة 160/ قوله تعالى {إِلََّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذََاباً أَلِيماً} / (039) / براءة 161/ قوله تعالى {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} / (043) / براءة 162/ قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} / (060) / براءة 167/ قوله تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} / (080) / براءة 169/ قوله تعالى {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا} / (120) / براءة 170/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ حَتََّى يَحْكُمَ اللََّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحََاكِمِينَ} / (109) / يونس 171/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا وَزِينَتَهََا} / (015) / هود 172/ قوله تعالى {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ} / (101) / يوسف 173/ قوله تعالى {وَلََا يَزََالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمََا صَنَعُوا} / (031) / الرعد 174/ قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً} / (028) / إبراهيم 175/ قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} / (085) / الحجر 176/ قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرََاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنََابِ تَتَّخِذُونَ} / (067) / النحل 177/ قوله تعالى {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (125) / النحل 178/ قوله تعالى {إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا} / (023) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (034) / بني إسرائيل 180/ قوله تعالى {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا} / (110) / بني إسرائيل 182/ قوله تعالى {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} / (078) / الأنبياء 184/ قوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ} / (028) / الحج 186/ قوله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} / (039) / الحج 187/ قوله تعالى {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلََا نَبِيٍّ إِلََّا إِذََا تَمَنََّى} / (052) / الحج 189/ قوله تعالى {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} / (078) / الحج 190/ قوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} / (002) / المؤمنين 191/ قوله تعالى {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} / (003) / النور 193/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً} / (027) / النور
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 195/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} / (058) / النور 197/ قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} / (061) / النور 200/ قوله تعالى {وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} / (063) / الفرقان 201/ قوله تعالى {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ} / (224) / الشعراء 203/ قوله تعالى {وَإِذََا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} / (055) / القصص 204/ قوله تعالى {وَلََا تُجََادِلُوا أَهْلَ الْكِتََابِ إِلََّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} / (046) / العنكبوت 205/ قوله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} / (030) / الم السجدة 206/ قوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللََّهِ} / (005) / الأحزاب 207/ قوله تعالى {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ} / (052) / الأحزاب 210/ قوله تعالى {يََا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ََ فِي الْمَنََامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} / (102) / الصافات 213/ قوله تعالى {اصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ} / (017) / ص 214/ قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} / (033) / ص 214/ قوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلََا تَحْنَثْ} / (044) / ص 215/ قوله تعالى {وَالْمَلََائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ} / (005) / حم عسق 215/ قوله تعالى {لَنََا أَعْمََالُنََا وَلَكُمْ أَعْمََالُكُمْ لََا حُجَّةَ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمُ} / (015) / حم عسق 216/ قوله تعالى {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} / (020) / حم عسق 217/ قوله تعالى {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} / (023) / حم عسق 218/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذََا أَصََابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} / (39) / حم عسق 218/ قوله تعالى {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} / (89) / الزخرف 219/ قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ} / (14) / الجاثية 219/ قوله تعالى {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي} / (09) / الأحقاف 221/ قوله تعالى {فَإِذََا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقََابِ} / (04) / محمد 223/ قوله تعالى {فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} / (35) / محمد 224/ قوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ} / (01) / الفتح 226/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} / (39) / ق 227/ قوله تعالى {وَفِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} / (19) / الذاريات 228/ قوله تعالى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} / (54) / الذاريات
صحيفة / الباب / رقم الآية / السورة 228/ قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} / (48) / الطور 229/ قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ} / (39) / النجم 233/ قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظََاهِرُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ} / (03) / المجادلة 233قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} / (12) / المجادلة 234/ قوله تعالى {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} / (07) / الحشر 237/ قوله تعالى {لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} / (08) / الممتحنة 239/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ مُهََاجِرََاتٍ} / (10) / الممتحنة 249/ قوله تعالى {وَإِنْ فََاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ إِلَى الْكُفََّارِ فَعََاقَبْتُمْ} / (11) / الممتحنة 250/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا جََاءَكَ الْمُؤْمِنََاتُ يُبََايِعْنَكَ} / (12) / الممتحنة 251/ قوله تعالى {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} / (04) / الطلاق 252/ قوله تعالى {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا} / (05) / المعارج 253/ قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا} / (01) / المزمل 254/ قوله تعالى {وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} / (10) / المزمل
255/ قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} / (26) / الدهر 255/ قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} / (14) / الأعلى 258/ قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمََا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} / (21) / الغاشية 259/ قوله تعالى {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى ََ رَبِّكَ فَارْغَبْ} / (07) / الانشراح تم الفهرس الأول لكتاب الناسخ والمنسوخ (ويليه فهرس المطالب المهمة منه)(1/298)
255/ قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} / (26) / الدهر 255/ قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكََّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلََّى} / (14) / الأعلى 258/ قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمََا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} / (21) / الغاشية 259/ قوله تعالى {فَإِذََا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى ََ رَبِّكَ فَارْغَبْ} / (07) / الانشراح تم الفهرس الأول لكتاب الناسخ والمنسوخ (ويليه فهرس المطالب المهمة منه)
فهرس المطالب المهمة من كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس
المطلب صفحة مطلب في الصلاة إلى البيت المقدس ومتى نسخت 15 مطلب في الصلاة الوسطى ومعنى القنوت 17 مطلب في سبب نزول آية القصاص 18 مطلب في الرجل يقتل امرأة ومذهب عليّ رضي الله عنه في ذلك 19 مطلب في صوم النصارى 22 مطلب إجماع العلماء على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام لهم الإفطار 23 مطلب اختلاف العلماء في الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما 24 مطلب في سبب نزول قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود 25 مطلب أن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره 29 مطلب أن القصاص لا يكون إلا للسلطان 30 مطلب الإسلام ثمانية أسهم ومنه الجهاد 31 مطلب في تعيين الأشهر الحرم 32 مطلب في اعتمار العرب في الجاهلية 35 مطلب الضمير في قوله تعالى {ثُمَّ مَحِلُّهََا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} للبدن لا للناس 35 مطلب اختلاف العلماء في العمرة 36 مطلب اختلاف العلماء في الاشتراط بالحج 37 مطلب اختلاف العلماء في حجه صلّى الله عليه وسلّم حجة الوداع 38 مطلب في أن الإمام إذا اختار قولا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف 39 مطلب الخلاف الوارد عن الصحابة في أسباب تحريم الخمر 41 مطلب في التوفيق بين هذا الخلاف ورده لسبب واحد 42 مطلب في حد السكران 43 مطلب في بيان الخمر المحرمة وما هي 43
المطلب صفحة مطلب في الرد على من قال بتحليل النبيذ وبيان النبيذ الذي كانوا يشربونه 44 مطلب في أن كل مسكر حرام وكل مسكر خمر 44 مطلب فيما قال إن الخمر لا يكون إلا من العنبة ورده 47 مطلب فيمن قال إن المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر ورده 48 مطلب معارضة المعارضين لبعض الأحاديث والرد عليهم 50 مطلب إجماعهم على تحريم قليل ما أسكر كثيره 50 مطلب في شرب عمر رضي الله عنه النبيذ حين طعن وتبين ذلك النبيذ 50 مطلب في أنه رضي الله عنه كان يجلد على الرائحة 52 مطلب في تفسير قوله صلّى الله عليه وسلّم إذا رابكم من شرابكم ريب والرد على المحتج به 52 مطلب في تبين حديث السقاية وأنه لا يجوز الاحتجاج به 52 مطلب في تفسير الميسر 53 مطلب استطراد لتفسير قوله تعالى {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ} الآية 53 مطلب مذهب ابن عمر في تحريمه نكاح الكتابيات ورد ذلك 56 مطلب مذهب أبو حنيفة في قوله تعالى:(1/299)
لا يجوز أن يخلع الرجل امرأته إلا بإذن السلطان والرد عليه 67
المطلب صفحة مطلب في المنقول عن ابن عباس أنه جمع بين رجل وامرأته بعد أن طلقها تطليقتين وخالعها وأنه من الشواذ 68 مطلب في تبيين مذاهب الأئمة فيمن تجب عليه نفقة الصغير 70 مطلب اختلاف الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها 73 مطلب في عدة المتوفى عنها زوجها في الجاهلية 74 مطلب مذهب الأئمة في خروج المعتدة أيام عدتها 75 مطلب في بيع الحر بما عليه من الدّين قبل الإسلام 79 مطلب مذهب ابن جرير في وجوب من اشترى شيئا لأجل أن يكتب ويشهد 80 مطلب شهادة خزيمة بشهادة رجلين 82 مطلب في أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد الدعاء على أحد أو لأحد قلت 86 مطلب مذهب الصحابة في مال اليتيم عند احتياج الوليّ إليه 89 مطلب مذهب الصحابة في الزاني البكر واختلافهم في ذلك 94 مطلب في تفسير حديث النهي في أن يجمع بين الخالتين والعمتين 97 مطلب اختلاف العلماء في الرضاعة بعد الحولين 98 مطلب في قوله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} والإجماع على تحريم المتعة 99 مطلب في أن الاستمتاع يطلق على التزويج والنكاح 100 مطلب كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر 102 مطلب زعم بعض أهل اللغة أن معنى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} أي ينتمون والرد عليه 105 مطلب اختلاف الأئمة في معنى قصر الصلاة حالة الخوف 108 مطلب اختلاف الصحابة في آخر ما نزل من القرآن 110 مطلب في ذبائح أهل الكتاب والمجوس 113 مطلب فيمن قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض وأن المراد به المسح ولكنه نسخ بفعله صلّى الله عليه وسلّم 116 مطلب في سبب نزول قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} 118 مطلب اختلافهم في تعيين المحارب لله ورسوله والحكم فيه 119 مطلب في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} وانها وأخواتها نزلت في اليهود 125 مطلب سبب نزول قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 128 مطلب اختلاف الأئمة في كيفية استحلاف شاهدي الوصية 129
المطلب صفحة مطلب في تفسير قوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} واختلاف العلماء فيه 131 مطلب اختلاف العلماء في لحوم الحمر 136 مطلب في تفسير {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} واختلاف أئمة في ذلك 138 مطلب في اختلافهم في قسمة السهم الخامس من الأنفال 143 مطلب في سبب نزول آية الأنفال 143 مطلب في أن تأليف القرآن عن الله تعالى وعن رسوله وأنه لا مدخل لأحد في ذلك 152 مطلب في بيان الأشهر الحرم 154 مطلب في إجلاء عمر رضي الله عنه أهل نجران وطعن أهل الأهواء عليه في ذلك والرد عليهم 155 مطلب في حكم الأسارى من المشركين 157 مطلب حكم دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وسائر المساجد 158 مطلب الفرق بين الفقراء وبين المساكين وفيه أحد عشر قولا 162 مطلب في تعريف المسكين 163 مطلب اختلاف العلماء في قسم الزكاة 164 مطلب تفسير باقي الأصناف الثمانية المذكورون في آية إنما الصدقات 165 مطلب مراجعة عمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة على عبد الله بن أبيّ بن سلول 168 مطلب سبب نزول قوله تعالى {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ} 179 مطلب في الحكم في الحرث الذي نفشت به غنم القوم والرد على أبي حنيفة لقوله لا ضمان في ذلك 182 مطلب حكم الأضحية والأكل منها 184 مطلب اختلاف العلماء في الإدخار من الأضحية 185 مطلب في العقيقة وأنه ذبح مندوب كالضحية 186 مطلب إنكار المؤلف حديث الغرانيق العلى 188 مطلب قول أهل الفتيا من زنا بامرأة فله أن يتزوجها 191 مطلب السبب في نزول قوله تعالى {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ} الآية 191 مطلب تفسير الاستئناس من آية الاستئذان والرد على من قال غلط كاتب الوحي في ذلك 193 مطلب في تفسير قوله تعالى {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} 198
المطلب صفحة مطلب سبب نزول هذه الآية 199 مطلب في العرب تقول سلاما أي سلما منك وتخطئة سيبويه في هذا 200 مطلب في جواز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب 207 مطلب في أن البيان خلاف النسخ 210 مطلب مذهب عليّ رضي الله عنه في أسارى الخارجين عليه 221 مطلب في أن الفتح المعني بقوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} هو فتح الحديبية 224 مطلب في خلق الله السموات والأرض 226 مطلب أن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كانت لم تبلغها بعملها لتقربهم عينه 230 مطلب في أن مذهب الإمام أحمد يحج الإنسان عن غيره ويتصدق عنه 231 مطلب استخلاف النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين 232 مطلب(1/301)
لا يجوز أن يخلع الرجل امرأته إلا بإذن السلطان والرد عليه 67
المطلب صفحة مطلب في المنقول عن ابن عباس أنه جمع بين رجل وامرأته بعد أن طلقها تطليقتين وخالعها وأنه من الشواذ 68 مطلب في تبيين مذاهب الأئمة فيمن تجب عليه نفقة الصغير 70 مطلب اختلاف الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها 73 مطلب في عدة المتوفى عنها زوجها في الجاهلية 74 مطلب مذهب الأئمة في خروج المعتدة أيام عدتها 75 مطلب في بيع الحر بما عليه من الدّين قبل الإسلام 79 مطلب مذهب ابن جرير في وجوب من اشترى شيئا لأجل أن يكتب ويشهد 80 مطلب شهادة خزيمة بشهادة رجلين 82 مطلب في أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد الدعاء على أحد أو لأحد قلت 86 مطلب مذهب الصحابة في مال اليتيم عند احتياج الوليّ إليه 89 مطلب مذهب الصحابة في الزاني البكر واختلافهم في ذلك 94 مطلب في تفسير حديث النهي في أن يجمع بين الخالتين والعمتين 97 مطلب اختلاف العلماء في الرضاعة بعد الحولين 98 مطلب في قوله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} والإجماع على تحريم المتعة 99 مطلب في أن الاستمتاع يطلق على التزويج والنكاح 100 مطلب كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر 102 مطلب زعم بعض أهل اللغة أن معنى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} أي ينتمون والرد عليه 105 مطلب اختلاف الأئمة في معنى قصر الصلاة حالة الخوف 108 مطلب اختلاف الصحابة في آخر ما نزل من القرآن 110 مطلب في ذبائح أهل الكتاب والمجوس 113 مطلب فيمن قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض وأن المراد به المسح ولكنه نسخ بفعله صلّى الله عليه وسلّم 116 مطلب في سبب نزول قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} 118 مطلب اختلافهم في تعيين المحارب لله ورسوله والحكم فيه 119 مطلب في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} وانها وأخواتها نزلت في اليهود 125 مطلب سبب نزول قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 128 مطلب اختلاف الأئمة في كيفية استحلاف شاهدي الوصية 129
المطلب صفحة مطلب في تفسير قوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} واختلاف العلماء فيه 131 مطلب اختلاف العلماء في لحوم الحمر 136 مطلب في تفسير {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} واختلاف أئمة في ذلك 138 مطلب في اختلافهم في قسمة السهم الخامس من الأنفال 143 مطلب في سبب نزول آية الأنفال 143 مطلب في أن تأليف القرآن عن الله تعالى وعن رسوله وأنه لا مدخل لأحد في ذلك 152 مطلب في بيان الأشهر الحرم 154 مطلب في إجلاء عمر رضي الله عنه أهل نجران وطعن أهل الأهواء عليه في ذلك والرد عليهم 155 مطلب في حكم الأسارى من المشركين 157 مطلب حكم دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وسائر المساجد 158 مطلب الفرق بين الفقراء وبين المساكين وفيه أحد عشر قولا 162 مطلب في تعريف المسكين 163 مطلب اختلاف العلماء في قسم الزكاة 164 مطلب تفسير باقي الأصناف الثمانية المذكورون في آية إنما الصدقات 165 مطلب مراجعة عمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة على عبد الله بن أبيّ بن سلول 168 مطلب سبب نزول قوله تعالى {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ} 179 مطلب في الحكم في الحرث الذي نفشت به غنم القوم والرد على أبي حنيفة لقوله لا ضمان في ذلك 182 مطلب حكم الأضحية والأكل منها 184 مطلب اختلاف العلماء في الإدخار من الأضحية 185 مطلب في العقيقة وأنه ذبح مندوب كالضحية 186 مطلب إنكار المؤلف حديث الغرانيق العلى 188 مطلب قول أهل الفتيا من زنا بامرأة فله أن يتزوجها 191 مطلب السبب في نزول قوله تعالى {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ} الآية 191 مطلب تفسير الاستئناس من آية الاستئذان والرد على من قال غلط كاتب الوحي في ذلك 193 مطلب في تفسير قوله تعالى {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} 198
المطلب صفحة مطلب سبب نزول هذه الآية 199 مطلب في العرب تقول سلاما أي سلما منك وتخطئة سيبويه في هذا 200 مطلب في جواز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب 207 مطلب في أن البيان خلاف النسخ 210 مطلب مذهب عليّ رضي الله عنه في أسارى الخارجين عليه 221 مطلب في أن الفتح المعني بقوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} هو فتح الحديبية 224 مطلب في خلق الله السموات والأرض 226 مطلب أن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كانت لم تبلغها بعملها لتقربهم عينه 230 مطلب في أن مذهب الإمام أحمد يحج الإنسان عن غيره ويتصدق عنه 231 مطلب استخلاف النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين 232 مطلب(1/302)
لا يجوز أن يخلع الرجل امرأته إلا بإذن السلطان والرد عليه 67
المطلب صفحة مطلب في المنقول عن ابن عباس أنه جمع بين رجل وامرأته بعد أن طلقها تطليقتين وخالعها وأنه من الشواذ 68 مطلب في تبيين مذاهب الأئمة فيمن تجب عليه نفقة الصغير 70 مطلب اختلاف الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها 73 مطلب في عدة المتوفى عنها زوجها في الجاهلية 74 مطلب مذهب الأئمة في خروج المعتدة أيام عدتها 75 مطلب في بيع الحر بما عليه من الدّين قبل الإسلام 79 مطلب مذهب ابن جرير في وجوب من اشترى شيئا لأجل أن يكتب ويشهد 80 مطلب شهادة خزيمة بشهادة رجلين 82 مطلب في أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد الدعاء على أحد أو لأحد قلت 86 مطلب مذهب الصحابة في مال اليتيم عند احتياج الوليّ إليه 89 مطلب مذهب الصحابة في الزاني البكر واختلافهم في ذلك 94 مطلب في تفسير حديث النهي في أن يجمع بين الخالتين والعمتين 97 مطلب اختلاف العلماء في الرضاعة بعد الحولين 98 مطلب في قوله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} والإجماع على تحريم المتعة 99 مطلب في أن الاستمتاع يطلق على التزويج والنكاح 100 مطلب كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر 102 مطلب زعم بعض أهل اللغة أن معنى {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} أي ينتمون والرد عليه 105 مطلب اختلاف الأئمة في معنى قصر الصلاة حالة الخوف 108 مطلب اختلاف الصحابة في آخر ما نزل من القرآن 110 مطلب في ذبائح أهل الكتاب والمجوس 113 مطلب فيمن قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض وأن المراد به المسح ولكنه نسخ بفعله صلّى الله عليه وسلّم 116 مطلب في سبب نزول قوله تعالى {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} 118 مطلب اختلافهم في تعيين المحارب لله ورسوله والحكم فيه 119 مطلب في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ} وانها وأخواتها نزلت في اليهود 125 مطلب سبب نزول قوله تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 128 مطلب اختلاف الأئمة في كيفية استحلاف شاهدي الوصية 129
المطلب صفحة مطلب في تفسير قوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} واختلاف العلماء فيه 131 مطلب اختلاف العلماء في لحوم الحمر 136 مطلب في تفسير {وَلََا تَأْكُلُوا مِمََّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ} واختلاف أئمة في ذلك 138 مطلب في اختلافهم في قسمة السهم الخامس من الأنفال 143 مطلب في سبب نزول آية الأنفال 143 مطلب في أن تأليف القرآن عن الله تعالى وعن رسوله وأنه لا مدخل لأحد في ذلك 152 مطلب في بيان الأشهر الحرم 154 مطلب في إجلاء عمر رضي الله عنه أهل نجران وطعن أهل الأهواء عليه في ذلك والرد عليهم 155 مطلب في حكم الأسارى من المشركين 157 مطلب حكم دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وسائر المساجد 158 مطلب الفرق بين الفقراء وبين المساكين وفيه أحد عشر قولا 162 مطلب في تعريف المسكين 163 مطلب اختلاف العلماء في قسم الزكاة 164 مطلب تفسير باقي الأصناف الثمانية المذكورون في آية إنما الصدقات 165 مطلب مراجعة عمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة على عبد الله بن أبيّ بن سلول 168 مطلب سبب نزول قوله تعالى {وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ} 179 مطلب في الحكم في الحرث الذي نفشت به غنم القوم والرد على أبي حنيفة لقوله لا ضمان في ذلك 182 مطلب حكم الأضحية والأكل منها 184 مطلب اختلاف العلماء في الإدخار من الأضحية 185 مطلب في العقيقة وأنه ذبح مندوب كالضحية 186 مطلب إنكار المؤلف حديث الغرانيق العلى 188 مطلب قول أهل الفتيا من زنا بامرأة فله أن يتزوجها 191 مطلب السبب في نزول قوله تعالى {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ} الآية 191 مطلب تفسير الاستئناس من آية الاستئذان والرد على من قال غلط كاتب الوحي في ذلك 193 مطلب في تفسير قوله تعالى {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} 198
المطلب صفحة مطلب سبب نزول هذه الآية 199 مطلب في العرب تقول سلاما أي سلما منك وتخطئة سيبويه في هذا 200 مطلب في جواز أن ينسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب 207 مطلب في أن البيان خلاف النسخ 210 مطلب مذهب عليّ رضي الله عنه في أسارى الخارجين عليه 221 مطلب في أن الفتح المعني بقوله تعالى {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} هو فتح الحديبية 224 مطلب في خلق الله السموات والأرض 226 مطلب أن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كانت لم تبلغها بعملها لتقربهم عينه 230 مطلب في أن مذهب الإمام أحمد يحج الإنسان عن غيره ويتصدق عنه 231 مطلب استخلاف النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة بمعنى استخلافه على إمامة المسلمين 232 مطلب
اختلاف الأئمة في الفيء هل هو الغنيمة أو غيره 234 مطلب تخاصم عليّ والعباس إلى عمر رضي الله عنهم في أرض بني النضير 235 مطلب في أن العدو إذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعى 237 مطلب صلح الحديبية وكتابه صلّى الله عليه وسلّم الصلح 238 مطلب ما تضمنه حديث صلح الحديبية من الآداب والأحكام في نيف وثلاثين موضعا 242 مطلب في حكم المرأة المسلمة تأتي مهاجرة من دار الحرب مدة الهدنة 246 مطلب في حكم زكاة الفطر 255 مطلب اختلاف الصحابة والأئمة في مقدار ما يخرج من البر والزبيب 257 مطلب في اختلافهم في إعطائها لأهل الذمة 258 مطلب اختلافهم في إخراجها عن الزوجة والمكاتب وغيرهما 258 مطلب في تقديرهم الصاع واختلافهم فيه 258 مطلب للمصنف في لفظ الأخبار والإخبار وهو آخر الكتاب 262(1/303)
اختلاف الأئمة في الفيء هل هو الغنيمة أو غيره 234 مطلب تخاصم عليّ والعباس إلى عمر رضي الله عنهم في أرض بني النضير 235 مطلب في أن العدو إذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعى 237 مطلب صلح الحديبية وكتابه صلّى الله عليه وسلّم الصلح 238 مطلب ما تضمنه حديث صلح الحديبية من الآداب والأحكام في نيف وثلاثين موضعا 242 مطلب في حكم المرأة المسلمة تأتي مهاجرة من دار الحرب مدة الهدنة 246 مطلب في حكم زكاة الفطر 255 مطلب اختلاف الصحابة والأئمة في مقدار ما يخرج من البر والزبيب 257 مطلب في اختلافهم في إعطائها لأهل الذمة 258 مطلب اختلافهم في إخراجها عن الزوجة والمكاتب وغيرهما 258 مطلب في تقديرهم الصاع واختلافهم فيه 258 مطلب للمصنف في لفظ الأخبار والإخبار وهو آخر الكتاب 262
فهرس كتاب الناسخ والمنسوخ لابن خزيمة الفارسي
الباب صفحة مقدمة الكتاب وتعداد آيات القرآن وتقسيمهما 262 باب بيان الناسخ والمنسوخ 262 مطلب النسخ في لغة العرب 263 فصل اختلاف العلماء فيما يقع عليه النسخ 265 باب بيان السور التي فيها الناسخ والمنسوخ 265 باب بيان السور التي لم يدخلها الناسخ ولا المنسوخ 265 باب بيان السور التي فيها المنسوخ دون الناسخ 266 باب بيان السور التي فيها الناسخ دون المنسوخ 266 باب بيان المنسوخ في القرآن بآية السيف 267 باب بيان ما نسخ في القرآن بآية القتال 274 باب بيان الآيات المنسوخة بالاستثناء بعدها 275 باب بيان ما في الآيات المنسوخة على النظم 277 باب بيان السور على النظم وما فيها من الناسخ والمنسوخ 288(1/304)