الجزء الاول
مقدمة الطبعة الأولى
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
الحمد الله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله، رحمة الله المهداة، ونعمته المسداة، وسراجه المنير، وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فقد أراد الله سبحانه وتعالى لهذا السّفر أن يرى النور بعد أن ظل فى رحم الزمن ما يقرب من خمسة عشر عاما، كانت كلها جهادا فى سبيل الكلمة، وكان فى هذه السنين ما يشبه حالات الحب بين المحبين، ففيها صد وهجر وبعد، ثم رضا وقرب ومودة، ولم تكن أوقات الصد إلا نوعا من إشعال نار الحب فى القلب، فهل رأيت أبا يكره ابنه حتى وإن ابتعد عنه، وأمره بالابتعاد؟!
ولا يظن ظان أن هذه السنوات كانت متصلة العمل فى الكتاب، ولكنها كانت متصلة التفكير فيه، وكان يشغلنى فى أثنائها ما يشغل كل قائم بعمل التدريس فى الجامعة من تحضير للدروس، ومن إعداد الأبحاث والكتب للترقية، وما أقسى هذه الفترة على النفس البشرية، وبخاصة إذا كان هناك تهديد من بعض من لا يخافون الله باضطهاد هذا أو ذاك!! إن العمل فى هذه الحالة يكون بمثابة عمل الجندى فى ميدان الحرب، فإما أن يصطاد عدوّه أو يصطاده عدوّه، اضطراب دائم، وزفرات متواصلة، وخوف من كل شىء، ومن لا شىء!!
كنت أنصرف عن العمدة إلى غيره من الكتب، ولم يكن انصرافى عنه كرها فيه، وإنما يكون بسبب ظهور بعض العقبات التى توقف المسيرة بعض الشىء، ولكنها تدفع بعد ذلك إلى الطريق الصحيح، وأستطيع أن أشبه هذه الحالة بالجنادل التى تقف فى وجه ماء النيل، فإنها لا تقطع الماء ولا تمنعه، ولكنها تحوّله من مساره إلى مسار آخر أشد قوة،
ثم أعود إليه بشوق المحب الذى قضى فترة بعيدا عن محبوبه، فيقبل عليه بكلّيته، فيتحول الإنسان فى مثل هذه الحالة إلى كيان يقطر بالحب والشوق.(1/5)
كنت أنصرف عن العمدة إلى غيره من الكتب، ولم يكن انصرافى عنه كرها فيه، وإنما يكون بسبب ظهور بعض العقبات التى توقف المسيرة بعض الشىء، ولكنها تدفع بعد ذلك إلى الطريق الصحيح، وأستطيع أن أشبه هذه الحالة بالجنادل التى تقف فى وجه ماء النيل، فإنها لا تقطع الماء ولا تمنعه، ولكنها تحوّله من مساره إلى مسار آخر أشد قوة،
ثم أعود إليه بشوق المحب الذى قضى فترة بعيدا عن محبوبه، فيقبل عليه بكلّيته، فيتحول الإنسان فى مثل هذه الحالة إلى كيان يقطر بالحب والشوق.
وكنت كلما قطعت شوطا فى تحقيق الكتاب تمنيت أن يوفقنى الله، وأن يطيل فى عمرى حتى أنجزه، وكنت أخاف خوفا شديدا من أن أموت قبل أن يظهر الكتاب إلى الوجود بالصورة التى رسمتها، وصممت على تنفيذها، ومشكلتى مع كل كتاب هى إننى حتى الآن لا أستطيع أن أحصر نفسى فى عمل واحد أبدا، فإن كل من يعرفوننى يرون أننى أعمل دائما فى ثلاثة كتب فى وقت واحد، فإذا ضقت من عملى فى كتاب انصرفت إلى العمل فى الآخر، كى تتجدد النفس وتقبل على العمل بتجدد الموضوع.
وقد صرحت بذلك فى يوم الأحد 23من جمادى الآخرة 1404هـ الموافق 25 من مارس 1984م وكنت فى زيارة لأستاذى العلامة محمود شاكر رحمة الله عليه، وكان عنده الأستاذ عامر العقاد رحمه الله وكان هذا أول لقاء لى به وآخر لقاء، وكنت قد ذهبت إلى أستاذى لأريه نماذج من عملى فى الكتاب، وقلت له: إننى أخاف أن أموت قبل أن ينتهى الكتاب بهذه الطريقة، فإذا به يرد علىّ: بل إننى أخاف أن أموت قبل أن أرى هذا العمل كاملا بهذه الطريقة، فدعوت له بطول العمر، وفى هذا اليوم أهدانى كتاب دلائل الإعجاز وكتب عليه إهداء لى بخطه الجميل المميز:
إلى أخى الدكتور النبوى عبد الواحد شعلان هدية مودة وتقدير، ثم كتب التاريخ الذى ذكرته سابقا وهنا قال الأستاذ عامر: إن حب الأستاذ لك جعلنى أحبك، فخذ عنوانى ورقم هاتفى، وكتبه لى بخطه فى ورقة ما تزال موضوعة فى كتاب دلائل الإعجاز، والإهداء الذى كتبته فى أول الكتاب كان وليد هذا اليوم وذلك اللقاء.
وتمر الأيام بطيئة، ويوفقنى الله فى درجاتى العلمية بالجامعة، وأواصل العمل فى الكتاب، ولكن العائق الذى كان يقف أمامى هو عدم وجود بعض دواوين الشعراء الذين استشهد ابن رشيق بأشعارهم، فكنت أبحث عن البيت أو الأبيات فى مظانها حتى أستوفيها أو أقارب، ثم شاءت إرادة الله أن أسافر إلى الرياض فى عام 1990م للعمل فى كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولما انتقلت الكلية إلى مبنى الجامعة الجديد بعد عام من سفرى وجدت أن المكتبة المركزية قريبة من الكلية، فكنت أقضى فراغ وقتى فيها، وهذه المكتبة عامرة بأنواع الكتب وأنواع المكتبات التى
باعها ورثة أصحابها، فوجدت الكثير من الدواوين التى كانت تنقصنى، واشتريت الكثير أيضا من المعارض فى الرياض والقاهرة فى طبعاتها الجديدة، وسوف يرى القارىء أننى أذكر الديوان بعد التخريج ضنّامنى بحذف ما قمت به من عمل أرى أنه مثمر إن شاء الله.(1/6)
وتمر الأيام بطيئة، ويوفقنى الله فى درجاتى العلمية بالجامعة، وأواصل العمل فى الكتاب، ولكن العائق الذى كان يقف أمامى هو عدم وجود بعض دواوين الشعراء الذين استشهد ابن رشيق بأشعارهم، فكنت أبحث عن البيت أو الأبيات فى مظانها حتى أستوفيها أو أقارب، ثم شاءت إرادة الله أن أسافر إلى الرياض فى عام 1990م للعمل فى كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولما انتقلت الكلية إلى مبنى الجامعة الجديد بعد عام من سفرى وجدت أن المكتبة المركزية قريبة من الكلية، فكنت أقضى فراغ وقتى فيها، وهذه المكتبة عامرة بأنواع الكتب وأنواع المكتبات التى
باعها ورثة أصحابها، فوجدت الكثير من الدواوين التى كانت تنقصنى، واشتريت الكثير أيضا من المعارض فى الرياض والقاهرة فى طبعاتها الجديدة، وسوف يرى القارىء أننى أذكر الديوان بعد التخريج ضنّامنى بحذف ما قمت به من عمل أرى أنه مثمر إن شاء الله.
وعلى الرغم من ذلك فإننى لم أنقطع عن طريقتى فى العمل والتى ذكرتها سابقا وهى أن أعمل فى أكثر من عمل، فقد كنت فى الرياض أعمل فى كتاب العمدة وكتاب سر الفصاحة بعد أن عثرت على نسخة مخطوطة عتيقة له، وسيأتى الحديث عن ذلك فى سر الفصاحة إن شاء الله، وكانت السنوات الخمس التى قضيتها فى الرياض إكمالا لهذا العمل فى هذا السفر الجليل الذى سماه صاحبه العمدة، وأستميح القارئ الأديب المحب أن أسمى عملى فى هذا الكتاب العمدة فى تحقيق العمدة، وسوف يرى القارئ المحب أننى محق فى هذه التسمية، هذا وإننى أهمس فى أذن القارئ الأديب أن يقرأ ما كتبته بعد هذه المقدمة لأن هذه المقدمة مفتاح يفتح غرفة مليئة بالمفاجآت والمفارقات التى لابد أن يعرفها القارئ العزيز.
وعلى الرغم من طول مدة العمل فى هذا الكتاب فإنه لن ينال رضا كل الناس وإن كان العلماء منهم سيرضون ويفرحون، أما الآخرون فلن يرضيهم شىء، وسيحولون ضوء الشمس إلى ظلام دامس لأن الشمس تعشى عيونهم، وقد قال ابن رشيق: إن كل من بحث عن شىء وجده.
من أجل ذلك فإننى أرجو أن يسامحنى العلماء الأفاضل إذا رأوا تقصيرا فى مكان، وأرجو أن ينبهونى إلى ذلك مشكورين.
وقبل أن أختم كلامى لابد أن أذكر بالشكر والتقدير مشاركة أخى الأستاذ محمد الخانجى لى فى كل المتاعب التى لقيتها فى أثناء الطباعة، فقد كان يقرأ ويراجع معى، وإننى أجد من اهتمامه بالتراث والعناية به ما يفوق كلّ وصف أو مدح لأن التراث بالنسبة له حياة، فإذا ذكر التراث ذكر محمد الخانجى، وإذا ذكر محمد الخانجى ارتبط اسمه بخدمة التراث، فبينهما وشيجة لا تنفصم، وليس هذا بغريب على أسرة الخانجى، وإننى أرجو أن يكون خير خلف لخير سلف من أبيه وجده، وقد أثبتت الأيام أنه جدير بخدمة التراث والعناية به، وكانت جائزة التراث خير شاهد على ذلك.
هذا وإننى أرجو أن أكون قد وفقت فيما أردته، والله حسبى ونعم الوكيل {رَبَّنََا
لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنََا وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهََّابُ}
[آل عمران: 8] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/7)
هذا وإننى أرجو أن أكون قد وفقت فيما أردته، والله حسبى ونعم الوكيل {رَبَّنََا
لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنََا وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهََّابُ}
[آل عمران: 8] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المحقق الدكتور النبوى عبد الواحد شعلان القاهرة فى مدينة نصر 26من جمادى الآخر 1420هـ 6من أكتوبر 1999م
العنوان: القاهرة مدينة نصر 34شارع حمودة محمود المنطقة الثامنة(1/8)
رحلة فى كتاب وكتاب فى رحلة
* * *أول معرفتى بالكتاب:
كنت فى حداثتى أروم قراءة كتب الأدب وبخاصة القصص والروايات، وكان شراء هذه الروايات يثقل كاهلى الذى لم يكن يستطيع أن يحمل شيئا على الإطلاق، فقد كانت الحياة جافة، والنواحى المادية معدومة أو شبه معدومة، وكان الذى يساعدنى فى تلبية حاجاتى فى القراءة أنه كان هناك رجل كتبى فى مدينة منوف نشترى منه الكتب والمجلات القديمة لنقرأها ثمّ نعيدها إليه بنصف الثمن.
وفى يوم وجدت أحد زملائى (عبد الغنى. ج) يعرض علىّ مجموعة كبيرة من روايات وقصص يوسف السباعى، فاشتريتها منه بثمن زهيد جدا بحسابات اليوم، ولكنه كان مضنيا فى ذلك الزمان، فقد اشتريت منه عشرة كتب بخمسين قرشا!!
ولما وجدت أننى لا أستطيع متابعة الشراء توجهت إلى مكتبة المعهد الدينى بمنوف وكنت طالبا فيه ظنا منى أننى سأجد فيها من القصص والروايات الشىء الكثير، وكان منظر المكتبة يغرى بالدخول والتفتيش فى محتوياتها، ولكننى صدمت عندما وجدتنى أقرأ أسماء كتب لم أسمع عنها شيئا، ولا أعرف عن محتوياتها شيئا، فأحسست أن الأرض تميد بى، لا لجهلى بهذه الكتب وما فيها، ولكن لأن ما كنت أمنّى به نفسى من توفير ثمن الروايات التى أشتريها قد ذهب أدراج الرياح، وفى لحظة الضياع وفقد التوازن النفسى هذه وقعت عينى على كلمة (العمدة) مكتوبة على تجليدة الكتاب بماء الذهب، فظننت وهنا بعض الظن جهل أن الكتاب رواية تدور أحداثها فى الريف فطلبت من أمين المكتبة أن يعيرنى هذا الكتاب، فقال لى بالحرف: يظهر إن المسألة أصبحت لعب عيال!! فسألته: لماذا؟ قال: هذه الكتب لا تخرج إلا للمشايخ أو بضمان من أحدهم، وهنا توجهت إلى الشيخ محمود أحمد هاشم رحمه الله ورجوته أن يضمننى فى استعارة الكتاب، فلم يمتنع، ولم يعترض، وذهب إلى أمين المكتبة وكان فى الأصل عاملا ولكنهم وضعوه فى المكتبة لأنه يقرأ ويكتب وكتب المطلوب منه فى مثل هذه الحالة، وأوصى الرجل بى.
أخذت الكتاب وذهبت إلى بيتى فى قرية الحامول منوفية، واختفيت عن العيون لأقرأ هذا الكتاب الذى ظننته رواية بعنوان (العمدة)، وكم كانت صدمتى أشد من صدمتى عند ما دخلت المكتبة ولم أر فيها كتابا أعرفه، فقد فتحت الكتاب وقلبت الصفحات دون أن أعرف إلا الشىء اليسير الذى يناسب طالبا فى السنة الأولى الثانوية بالأزهر.(1/9)
وتحرجت أن أعيد الكتاب فى اليوم التالى، ولكننى أبقيته مدة الأسبوع التى شرطها أمين المكتبة، حتى لا أظهر أمامه بمظهر غير لائق، وفى خلال هذا الأسبوع لم أمتنع عن تقليب صفحات الكتاب فشدنى ما فيه من دفاع عن الشعر، كما جذبتنى أشعار الخلفاء والولاة والفقهاء.
مناقشة مع أحد المشايخ
وفى السنة الأولى الثانوية بالأزهر كنا ندرس مادة العروض والقوافى، وكان يدرسها لنا رجل من أفاضل علماء الأزهر علما وخلقا هو الشيخ عبد الظاهر معاذ رحمه الله فقد كان عند ما يريد أن يقطّع لنا بيتا من الشعر يدق بيديه على المكتب الذى أمامه دقات تتناسب مع الوزن الذى ينطقه بفمه، وكان قبل ذلك قد عرّفنا أن الخليل بن أحمد عرف الأوزان من دقات النحاسين الذين يصنعون أوانى النحاس.
وعند ما أخذ يشرح لنا بحر الوافر ذكر لنا الزحافات والعلل العروضية التى تدخله، وذكر منها القطف، وهنا تذكرت أن الموجود فى كتاب العمدة 1/ 181هو القطع، فاستأذنت من الشيخ وقلت له: إن كتاب العمدة يذكر القطع، ولم أذكر ذلك إلا لأتباهى بأننى أقرأ كتابا أكبر من سنى، فقال لى الشيخ بأدب: إن القطع يا بنى لا يدخل بحر الوافر، ولكننى أحببت أن أعرفه أننى صادق فيما قلته حتى لا يغضب منى، فأحضرت له الكتاب فى اليوم التالى، فنظر فيه، ونظر إلىّ، ولم يعلق، وأحسست أن الشيخ عرف غرضى، ولكننى لم أفهم معنى سكوته إلا بعد زمن طويل!!
ولم تنقطع علاقتى بالعمدة فى فترة المرحلة الثانوية، وإنما كنت أقرأ فيه على فترات متباعدة، ولكن زادت صلتى بالعمدة عندما التحقت بكلية اللغة العربية.
كانت الفترة التى التحقنا فيها بالكليات فترة اضطراب من جميع النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان الإنسان فى تلك المدة 19641959 لا يستطيع أن ينظر إلى الحياة إلا بمنظار أسود قاتم السواد، وقد أراد الله لى أن لا أنخرط فى أى اتجاه سياسى، لأننى لا أحب السياسية من جميع جوانبها، ومن هنا وجدت قدماى تجريان إلى دار الكتب المصرية فى باب الخلق، وكانت قريبة من مسكنى من ناحية، ولن تكلفنى مالا وهو الأهم من ناحية أخرى.
وقد بهرنى فى دار الكتب مجموعة من كتب التراث على رأسها كتاب الأغانى، وكتاب الأمالى، ونهاية الأرب وغيرها مما كان موجودا فى قاعة القراءة الكبيرة الهادئة، فكنت أقرأ فى هذه الكتب وآكل ما أقرأ، وكنت لا أخرج من الدار إلا عند ما ينادى المنادى أن الوقت قد انتهى، وكان زملائى فى المسكن يظنون أننى أدخل السينما فى كل
ليلة لأنهم يعرفون أننى كنت أدخلها كل يوم خميس ونحن فى المرحلة الثانوية وكنا فى الريف، فما بالنا إذا كنا فى القاهرة!!(1/10)
وقد بهرنى فى دار الكتب مجموعة من كتب التراث على رأسها كتاب الأغانى، وكتاب الأمالى، ونهاية الأرب وغيرها مما كان موجودا فى قاعة القراءة الكبيرة الهادئة، فكنت أقرأ فى هذه الكتب وآكل ما أقرأ، وكنت لا أخرج من الدار إلا عند ما ينادى المنادى أن الوقت قد انتهى، وكان زملائى فى المسكن يظنون أننى أدخل السينما فى كل
ليلة لأنهم يعرفون أننى كنت أدخلها كل يوم خميس ونحن فى المرحلة الثانوية وكنا فى الريف، فما بالنا إذا كنا فى القاهرة!!
وفى أثناء دراستنا فى الكلية فوجئنا بقانون تطوير الأزهر، فكان هذا بمثابة قتل لنا نحن الأزهريين جميعا، الفقراء والأغنياء على السواء وذلك لأننا تجمّدنا سنة كاملة سمّيت سنة التطوير، وكنا لا نستطيع أن نسمى هذه السنة التسميات المعروفة لدينا وهى السنة الأولى أو الثانية إلى آخره، ولذلك قال أحد الزملاء الظرفاء: إن هذه السنة كالبغل لا هى حمار ولا هى حصان، وانتهت هذه السنة بحلوها ومرها، ولم نستفد منها إلا دراسة بعض مواد لم نكن درسناها فى السنتين السابقتين، وكان من نصيبى أن أدرس اللغة العبرية.
ولما انتظمنا فى دراستنا فى العام التالى وهى السنة الثالثة فوجئنا بمجموعة من أساتذة كلية دار العلوم يدرسون لنا، كان على رأسهم أستاذى الدكتور محمد غنيمى هلال رحمه الله الذى كان يدرس لنا كتابه من قضايا النقد الأدبى، الذى سماه فيما بعد قضايا النقد الأدبى، ولهذا التغيير قصة ليس هنا مجال ذكرها.
وفى أثناء شرحه لنا ذكر أن بندتو كروتشيه يقول: إن العلم المجرد إذا سيطر على القصيدة فإنه يحولها من شعر إلى نظم، وكان رحمه الله يذكر هذا القول ويمجد صاحبه الذى كشف عن شىء خبىء لم ينتبه إليه الآخرون.
وبعد المحاضرة سرت مع أستاذى وذكرت له أن ابن رشيق القيروانى قال فى العمدة شيئا مثل هذا، وهو قبل هذا الناقد الخواجة، فضحك رحمه الله وقال لى: هات لى كتاب العمدة، فكان هذا سببا فى أن أشترى كتاب العمدة، وأقتطع جزءا من المال الذى آكل منه، وللأسف ضاعت هذه النسخة، واشتريت غيرها بعد سنوات، فلما أريته ما قاله ابن رشيق 1/ 128: والفلسفة وجر الأخبار شىء آخر غير الشعر فرح فرحا كبيرا وقال لى بأدب وتواضع العلماء: إننى قرأت هذا الكتاب ولم أنتبه لهذا القول، وكان ذلك سببا فى صداقة كبيرة جرّت علىّ متاعب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها (1).
وانتهت مرحلة الدراسة بحلوها ومرها، ولم تنته علاقتى بالعمدة فأخذت أقرأ ما فيه بتأنّ بعد أن فتحت لى الدراسة الجامعية كثيرا من مغاليق هذا الكتاب، وكنت أظن أن حصولى على الدكتوراه هو آخر المطاف فى مجال البحث العلمى، ولكننى فوجئت
__________
(1) سأذكر ذلك إن شاء الله فى كتابى: أكثر من نصف قرن تحت العمامة وبين أصحابها.(1/11)
بعد أن عينت مدرسا فى كلية اللغة العربية بالمنصورة بأنه لابد لنا من أن نقوم بكتابة أبحاث للترقية من مدرس إلى أستاذ مساعد، ومن أستاذ مساعد إلى أستاذ، وعرفت أن هناك من أعضاء لجان الترقية من ينطبق عليه القول المصرى المشهور: لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، وكثير ما هم، ولا تغرنّك بعض العمائم الظاهرة أو الخفية ومظاهر الصلاح المرسومة على الوجوه، فإن تحت الضلوع داء دويا.
ولما انتقلت من كلية اللغة العربية فى المنصورة إلى كلية البنات بالقاهرة شمرت عن ساعد الجد لكتابة أبحاث الترقية بعد أن توعدنى أحدهم، وفى الحق إننى أشكر هذا المتوعد وذلك لأنه دفعنى دفعا للقراءة بفهم والكتابة بفهم أيضا، حتى إننى أصبحت الآن لا أرى نفسى إلا قارئا فى كتاب، أو كاتبا فى أمر من أمور الأدب، فرب ضارة نافعة.
فى فترة البحث عن موضوعات لكتابة أبحاث الترقية وجدتنى أذهب لأول مرة إلى مكتبة الجامع الأزهر فى عام 1982، وجلست أفتش فى فهارس المكتبة، ويسّر لى القائمون على أمر المكتبة آنذاك كل الأمور، فجزاهم الله عن العلم وأهله خير الجزاء، وقد ذكرتهم وشكرتهم فى مقدمة تحقيقى لكتاب «من غاب عنه المطرب»، الذى كان بمثابة شهادة ميلاد لى وذلك لأننى عرضت الكتاب بعد تحقيقه على الأستاذ محمد الخانجى فقال لى: لن أستطيع نشره حتى آخذ رأى الأستاذ محمود شاكر، فرجوته أن يأخذنى معه فى ذلك اليوم الذى سيعرض فيه عملى عليه، وذهبت إلى منزل الأستاذ فى الموعد المضروب، ولا أستطيع أن أصف مشاعرى فى ذلك اليوم، وكل ما أستطيع أن أقوله: هو أننى كنت أسير ولا أدرى من أنا ولا أين أنا.
جلست فى معية الرجل الذى كنت أتمنى أن أراه من يوم أن قرأت له مقالاته التى نشرت فى مجلة الرسالة الجديدة، ثم جمعت فى كتاب «أباطيل وأسمار»، وطالت الجلسة إلى ما يقرب من ساعة ونصف، والأستاذ لم يرفع رأسه من الكتاب، وكانت نظراتى مثبتة عليه وهو يقلب الصفحات، ولم أستطع أن أتبين علامات الرضا أو السخط فى وجهه، فقد كان يقرأ وكأنه يجلس وحده.
ورفع الأستاذ رأسه من الكتاب، وهنا لم أستطع أن أجد ريقى، فقد جف حلقى وأنا أنتظر حكم القاضى العادل، وتوجه الأستاذ بالحديث إلى أخى محمد الخانجى قائلا:
اطبع هذا الكتاب. ألم أقل إن هذا الكتاب شهادة ميلاد لى؟ ومن هذا اليوم لم أفكر فى تحقيق كتاب إلا وقد استشرت فيه أستاذى، وأخذت رأيه.
أعود إلى مكتبة الأزهر فأذكر أننى حصلت على مجموعة كبيرة من صور لكتب
كثيرة كان منها نسخة كتاب العمدة من المكتبة الأباظية، ومن وقتها أخذت أقابل هذه النسخة على النسخة التى عندى من تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد رحمه الله وهى الطبعة الثالثة التى صدر الجزء الأول منها فى صفر الخير 1383هـ يونية 1963م والجزء الثانى فى رمضان 1383هـ 1964م ومن منشورات المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة.(1/12)
أعود إلى مكتبة الأزهر فأذكر أننى حصلت على مجموعة كبيرة من صور لكتب
كثيرة كان منها نسخة كتاب العمدة من المكتبة الأباظية، ومن وقتها أخذت أقابل هذه النسخة على النسخة التى عندى من تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد رحمه الله وهى الطبعة الثالثة التى صدر الجزء الأول منها فى صفر الخير 1383هـ يونية 1963م والجزء الثانى فى رمضان 1383هـ 1964م ومن منشورات المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة.
وقد صححت لى هذه النسخة الكثير جدا من الأخطاء التى توجد فى المطبوعة سواء أكانت أخطاء فى الآيات القرآنية، أم فى الحديث الشريف، أم فى الشعر، واطمأن قلبى إلى أننى بفضل الله أستطيع أن أعمل شيئا فى تحقيق هذا الكتاب تحقيقا علميا مفيدا، وسوف أذكر فى أثناء الحديث عن نسخ الكتاب الأخطاء التى جاءت فى المطبوعة، وهى أخطاء فاضحة وفادحة، فقد غيّرت هذه المخطوطة كثيرا من رؤيتى لعمل الشيخ المحقق. وقد رمزت لنسخة الأزهر بالرمز [ف]
منذ ذلك العام 1982م أخذت أنقل الكتاب بخط يدى من المخطوطة إلى أوراقى، ولكننى لم أتفرغ له تفرغا كاملا لأن أمور التدريس مع أبحاث الترقية كانت تشدنى وتمنعنى من مواصلة العمل فى العمدة حتى لا أتأخر عن زملائى فى هذا الشىء الذى يسمى الترقية.
وبعد أن حصلت على درجة أستاذ سافرت إلى الجزائر، وكنت أعتقد أننى سأجد فى مكتباتها بعض نسخ من كتاب العمدة، وجلست عامين دون أن أجد بارقة أمل فى العثور على شىء من الكتاب.
منهج التحقيق
منذ بدأت العمل فى هذا الكتاب عام 1982م وضعت خطتى على أساس من قول ابن رشيق فى مقدمته، فقد قال ص 5 «ووجدت الناس مختلفين فيه [يقصد الشعر الذى كان يتحدث عنه قبل هذا القول] متخلفين عن كثير منه، يقدمون ويؤخرون، ويقلون ويكثرون، قد بوّبوه أبوابا مبهمة، ولقبوه ألقابا متهمة، وكل واحد منهم قد ضرب فى جهة، وانتحل مذهبا هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعت أحسن ما قاله كل واحد منهم فى كتابه ليكون العمدة فى محاسن الشعر وآدابه إن شاء الله.
وعوّلت فيه على قريحة نفسى، ومعين خاطرى خوف التكرار، ورجاء الاختصار، إلا ما تعلق بالخبر، وضبطته الرواية فإنه لا سبيل إلى تغيير شىء من لفظه ولا معناه ليؤتى بالأمر على جهته.(1/13)
فكل ما لم أسنده إلى رجل معروف باسمه، ولا أحلت فيه على كتاب بعينه فهو من جنسه، إلا أن يكون متداولا بين العلماء، لا يختص به واحد منهم دون الآخر، وربما نحلته أحد العرب، وبعض أهل الأدب تستّرا بينهم، ووقوعا دونهم، بعد أن قرنت كل شكل بشكله، ورددت كل فرع إلى أصله، وبينت للناشىء المبتدئ وجه الصواب فيه، وكشفت عنه لبس الارتياب به».
من هذا القول لابن رشيق حددت منهجى فى تحقيق الكتاب، فقد صممت على تحقيق النص من خلال المخطوط مع المطبوع، وأن أرجع كل نص فيه إلى مصدره وصاحبه، وقمت بتوضيح أماكن الآيات من سور القرآن، ولم أكتف بذلك بل أشرت إلى الكتب التى استشهدت بالآيات فى ذات المجال الذى ذكرت فيه فى العمدة، ثم ذكرت تخريج الحديث، وذكرت الكتب التى استشهدت بالأحاديث فى الموضوع نفسه، فجعلت هناك ربطا بين العمدة وبين الكتب التى كانت من مصادر ابن رشيق، وإن لم يذكر ذلك، وفعلت شيئا جديدا بالنسبة لأبيات الشعر المستشهد بها، فلم أكتف بذكر أن يكون البيت فى ديوان صاحبه صفحة كذا كما يفعل الجميع، ولكننى تتبعت كتب النقد التى تحدثت عن البيت، سواء كان الحديث مدحا أو ذما، وسيلاحظ القارئ الفاضل فى بعض الأحيان أننى أذكر فى نهاية تخريج بعض الأبيات قولى: وقد عثرت على الديوان بآخرة فوجدت البيت فيه، أو قولى: والبيت فى ديوانه. والسر فى ذلك هو أن بعض الدواوين فى أول عملى فى الكتاب لم تكن موجودة لدىّ، فقمت بتخريج الأبيات من مصادرها، ولما ذهبت إلى الرياض وجدت الكثير من الدواوين، فلم أحذف التخريج الذى تعبت فيه كثيرا، وبخلت بضياعه ومن هنا تكون الفائدة للقارئ الفاضل أن يعرف الأماكن التى تحدثت عن البيت.
لكن الشىء الأصعب جدا هو تخريج الأقوال النثرية من مصادرها، وبخاصة على حسب قول ابن رشيق إذا لم يذكر القائل، أو حتى لم يذكر أن هذا القول النثرى من قول قائل، وسأضرب لذلك مثلا بما جاء فى ص 889: «كانت قيس تفتخر على تميم لأن شعراء تميم تضرب المثل بقبائل قيس ورجالها، فأقامت تميم دهرا لا ترفع رؤوسها» فهذا القول بهذه الصورة يوحى بأن القول من تأليف ابن رشيق، لكنه فى الحقيقة من قول الجاحظ فى الحيوان 5/ 173، وهذا يكون فى ذهنى من قراءتى السابقة قديما فى الحيوان، وهناك مثل آخر يقول ابن رشيق فى ص 1128: «وغناء العرب قديما على ثلاثة أوجه: النصب والسناد والهزج، فأما النصب فغناء الركبان والفتيان»
فالقول بهذه الصورة يوحى بأنه من تأليف ابن رشيق، لكننى عثرت عليه فى العقد الفريد 6/ 27وغير ذلك كثير مما سيراه القارىء الفاضل فى الهوامش.(1/14)
وسيرى القارىء الفاضل أننى عملت فهرسا للأقوال وذلك لأن الكتاب ملىء بالأقوال، وعدم عمل لفهارس الأقوال ينقص من قدر الكتاب ومن قدر العمل فيه.
وقد يرى القارىء الأديب أننى شققت على نفسى، وهو فى هذا يوافق ما قاله لى أستاذى العلامة محمود محمد شاكر رحمه الله: أخاف أن أموت قبل أن أرى هذا العمل مطبوعا، وأخاف أن تموت قبل أن تنتهى منه، وكانت هذه المقولة تجلجل فى أذنى وتشدنى شدا للانتهاء من الكتاب، ولكن أمور الحياة التى سبق ذكرها من سفر وترحال، وتجهيز أبحاث الترقيات تجذبنى إلى الناحية الأخرى بعيدا عن العمدة، ولكننى كنت دائما أضعه على المكتب، ولا أرفعه من أمامى، وشاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يطبع نصف الجزء الأول ثمّ يفارقنا الأستاذ إلى دار البقاء، رحمه الله رحمة واسعة.
لما سافرت إلى الرياض عام 1990م للعمل فى كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كنت قد عزمت على أن أنجز الكتاب وأنتهى من الناقص فيه، وبخاصة لأننى علمت أن هناك مكتبة عامرة، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد قامت الحرب لتحرير الكويت، فضاع العام الأول دون أن أذهب إلى المكتبة المركزية إلا مرة واحدة.
وفى أول العام التالى انتقلت كليات الجامعة من أماكنها المتفرقة فى الرياض إلى مكانها الحالى، الذى يعتبر صرحا علميا وهندسيا من الطراز الأول، وأصبحت المكتبة المركزية على بعد خطوات من كلية اللغة العربية، فذهبت وتحدثت مع عميد شئون المكتبات فى ذلك الوقت صاحب السعادة الأخ الأستاذ الدكتور محمد بن حسن الزير، الذى يشغل الآن منصب المستشار الثقافى السعودى فى مصر، وعن طريقه عرفت مجموعة من أفاضل أمناء المكتبة، ولما ذكرت لأحدهم وهو الأستاذ وجدى سليمان أننى أقوم بتحقيق العمدة وأننى أبحث عن نسخة تكون مكتوبة بالخط المغربى أخبرنى بارك الله فيه أن عندهم هذه النسخة، فطلبت منهم مصورة لها (ميكرو فيلم)، ولكنهم قالوا نصورها لك على ورق فاستحييت لأن الدكتور محمد الزير صمم على إهدائها لى، ولما أخذت المصورة وجلست لأقرأها على جهاز القراءة () وجدت أن عينى تتألمان من الضوء والتركيز، وبخاصة لأن هذه كانت أول مرة أقرأ فيها الخط المغربى، فلما شكوت أمرى إلى بعض الأحباب أشار علىّ بأن أذهب إلى مكتبة الملك فيصل رحمه الله لأصورها على ورق، فذهبت إلى هذا الصرح العلمى الكبير وأخبرت الأحباب هناك عما أريد فقالوا: على الرحب والسعة، لكننا سنأخذ نسخة من المصورة (الميكرو فيلم) لنحتفظ بها، فتشكرتهم على حسن صنيعهم، وهذه النسخة هى
التى اعتبرتها أصلا، ورمزت لها بالرمز [ص] على الرغم من أن بها سقطا فى أماكن متفرقة يصل إلى ما يقرب من ثلاثين صفحة، وقد ذكرت ذلك فى الهوامش.(1/15)
وفى أول العام التالى انتقلت كليات الجامعة من أماكنها المتفرقة فى الرياض إلى مكانها الحالى، الذى يعتبر صرحا علميا وهندسيا من الطراز الأول، وأصبحت المكتبة المركزية على بعد خطوات من كلية اللغة العربية، فذهبت وتحدثت مع عميد شئون المكتبات فى ذلك الوقت صاحب السعادة الأخ الأستاذ الدكتور محمد بن حسن الزير، الذى يشغل الآن منصب المستشار الثقافى السعودى فى مصر، وعن طريقه عرفت مجموعة من أفاضل أمناء المكتبة، ولما ذكرت لأحدهم وهو الأستاذ وجدى سليمان أننى أقوم بتحقيق العمدة وأننى أبحث عن نسخة تكون مكتوبة بالخط المغربى أخبرنى بارك الله فيه أن عندهم هذه النسخة، فطلبت منهم مصورة لها (ميكرو فيلم)، ولكنهم قالوا نصورها لك على ورق فاستحييت لأن الدكتور محمد الزير صمم على إهدائها لى، ولما أخذت المصورة وجلست لأقرأها على جهاز القراءة () وجدت أن عينى تتألمان من الضوء والتركيز، وبخاصة لأن هذه كانت أول مرة أقرأ فيها الخط المغربى، فلما شكوت أمرى إلى بعض الأحباب أشار علىّ بأن أذهب إلى مكتبة الملك فيصل رحمه الله لأصورها على ورق، فذهبت إلى هذا الصرح العلمى الكبير وأخبرت الأحباب هناك عما أريد فقالوا: على الرحب والسعة، لكننا سنأخذ نسخة من المصورة (الميكرو فيلم) لنحتفظ بها، فتشكرتهم على حسن صنيعهم، وهذه النسخة هى
التى اعتبرتها أصلا، ورمزت لها بالرمز [ص] على الرغم من أن بها سقطا فى أماكن متفرقة يصل إلى ما يقرب من ثلاثين صفحة، وقد ذكرت ذلك فى الهوامش.
ومن مميزات هذه النسخة أنها أصلحت لى كل الأخطاء التى لم تقم بها نسخة الأزهر، كما أن من مميزاتها وهو الأهم أنها تتفق فى النقول من الكتب مع هذه الكتب التى نقلت منها، وسيرى القارىء الفاضل ذلك من تعليقاتى فى الهوامش، وسأذكر مثالين من ذلك ليتأكد القارىء الأديب من قولى، ولن أستطيع أن أذكر كل شىء هنا، حتى لا أحرم القارىء من متابعة ما ذكرته فى الهوامش، ولكن ينبغى أن نكتفى بالإشارة واللمحة.
المثال الأول: هو ما سبق أن ذكرته من أن المطبوعة ذكرت فى 1/ 181أن القطع يدخل الوافر، وذكرت أن ذلك خطأ، وإنما القطف هو الذى يدخل الوافر، ورأيت أن نسخة الأزهر توافق المطبوعة فى هذا الخطأ، وكنت وقتها ذكرت فى الهامش أن القطع لا يدخل الوافر، وأنه لابد أن يكون هناك خطأ فى المطبوعة والمخطوطة، فلما رأيت الصواب فى هذه النسخة غيّرت المتن وغيرت التعليق فى الهامش.
المثال الثانى: جاء فى المطبوعة فى 1/ 249قال الجاحظ: العربى يعاف البذاء ويهجو به غيره وجاء هذا القول فى النسخة ص: العربى يعاف الشىء، ويهجو به غيره، وهو يوافق ما جاء فى الحيوان 5/ 174ويوافق نسخة الأزهر [ف].
وأكتفى بذلك لأننى سأذكر الكثير عند ما أعرض للنسخ الأخرى.
حين بدأت أقابل مخطوطة الأزهر [ف] على المطبوعة التى تحت يدى حاولت كثيرا أن أصل إلى النسخة التى طبعها الأستاذ محمد أمين الخانجى رحمه الله وأشرف على تصحيحها محمد بدر الدين النعسانى، والتى صدرت سنة 1325هـ 1907م، ولكن جهودى باءت بالفشل، وبخاصة لأن الأستاذ محمد الخانجى أخبرنى أنه ليس عنده نسخة منها، فيئست من ذلك، وركزت جهدى على النسخة التى كتب عليها: حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محيى الدين عبد الحميد، وكنت قبل سفرى إلى الرياض قد انتهيت من مقابلة المخطوطة [ف] مع المطبوعة التى رمزت إليها بالرمز [م]، وركزت جهودى قبل حصولى على النسخة [ص] أن أرجع إلى الدواوين التى ليست عندى، ولكن عند ما يأتى الخير فإنه يأتى دفعة واحدة، فعندما عدنا من الرياض بعد نشوب حرب تحرير الكويت أخبرنى الأستاذ محمد الخانجى أنه وجد لى النسخة التى أصدرها جده رحمه الله، فكانت سعادتى كبيرة بهذه النسخة، ولكنها غيّرت
عندى مفاهيم علمية كثيرة، ثم أخبرنى أخى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح لاشين أن عنده نسخة أمين هندية التى صدرت سنة 1344هـ 1925م، فاستعرتها منه لمدة يومين وتأكدت أنها نسخة مكررة من نسخة الخانجى، فأهملتها، وكل ما سأقوله عن النسخة [م] ينطبق على نسخة الخانجى ونسخة أمين هندية وقد رمزت لنسخة الخانجى بالرمز [خ].(1/16)
حين بدأت أقابل مخطوطة الأزهر [ف] على المطبوعة التى تحت يدى حاولت كثيرا أن أصل إلى النسخة التى طبعها الأستاذ محمد أمين الخانجى رحمه الله وأشرف على تصحيحها محمد بدر الدين النعسانى، والتى صدرت سنة 1325هـ 1907م، ولكن جهودى باءت بالفشل، وبخاصة لأن الأستاذ محمد الخانجى أخبرنى أنه ليس عنده نسخة منها، فيئست من ذلك، وركزت جهدى على النسخة التى كتب عليها: حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محيى الدين عبد الحميد، وكنت قبل سفرى إلى الرياض قد انتهيت من مقابلة المخطوطة [ف] مع المطبوعة التى رمزت إليها بالرمز [م]، وركزت جهودى قبل حصولى على النسخة [ص] أن أرجع إلى الدواوين التى ليست عندى، ولكن عند ما يأتى الخير فإنه يأتى دفعة واحدة، فعندما عدنا من الرياض بعد نشوب حرب تحرير الكويت أخبرنى الأستاذ محمد الخانجى أنه وجد لى النسخة التى أصدرها جده رحمه الله، فكانت سعادتى كبيرة بهذه النسخة، ولكنها غيّرت
عندى مفاهيم علمية كثيرة، ثم أخبرنى أخى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح لاشين أن عنده نسخة أمين هندية التى صدرت سنة 1344هـ 1925م، فاستعرتها منه لمدة يومين وتأكدت أنها نسخة مكررة من نسخة الخانجى، فأهملتها، وكل ما سأقوله عن النسخة [م] ينطبق على نسخة الخانجى ونسخة أمين هندية وقد رمزت لنسخة الخانجى بالرمز [خ].
قلت منذ عدة أسطر: إن وجود نسخة الخانجى غيّرت عندى مفاهيم علمية كثيرة، وأحب أن أوضح هذه المقولة توضيحا لا يشوبه غموض، وسوف يغير هذا التوضيح مفاهيم كثيرة عند كثير من القراء الأفاضل، وليس غرضى من التوضيح يشهد الله إلا أن أذكر الحقيقة العلمية مجردة دون أى اعتبار آخر، وقد تعلمنا فى مادة مصطلح الحديث أن العلماء قاموا بغربلة الرواة كى يصلوا إلى الأحاديث الصحيحة، وقد أدى هذا النظام العلمى الدقيق إلى ما يسمى بقضية الجرح والتعديل، وقد علمنا وتعلمنا أن العلماء كانوا يتركون الحديث إذا وجدوا أحد الرواة يتصف بصفة ما لا تنسجم مع أمانة العلم والرواية.
ويشهد الله أننى عند ما قمت بمقابلة المخطوطة [ف] مع المطبوعة [م] كنت أصحح ما فى المطبوعة على أنه خطأ مطبعى، وكنت فى نسخة تعليقاتى الأولى أذكر أن هنا خطأ مطبعيا وتصحيحه يتأتى من النسخة [ف]، ثم مضيت فى عملى على هذه الطريقة حتى النهاية، ولكن نسخة الخانجى غيّرت كل خطتى، وجعلتنى أغير كل تعليقاتى من أول الكتاب حتى آخره، والسر فى ذلك أن المسألة لم تكن أخطاء مطبعية فى النسخة [م] بقدر ما كانت نقلا كاملا لنسخة الخانجى بكل ما فيها، وإذا صح أن نقول إن هناك خطأ مطبعيا فإنه يكون فى نسخة الخانجى لأنها النسخة الأولى والرائدة، فلا عيب أن يكون فيها خطأ، ثم نقل إلى نسخة أمين هندية، ثم نقل إلى النسخة [م].
وسأورد للقارىء مجموعة من الأدلة الدامغة التى تؤكد نظريتى فى الجرح والتعديل، وقبل أن أسرد الأدلة أحب أن أذكر نقطة مهمة جدا، ويجب أن يضع القارىء تحت هذه النقطة ألف خط، هذه النقطة هى: إننى لا أشك لحظة واحدة فى علم الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، بل إننى أقول: إنه أحد العلماء الأفاضل فى علوم النحو والصرف، يشهد بذلك القاصى والدانى، ولكن الشيخ عند ما أراد أن يطبع كتاب العمدة أخذ نسخة الخانجى، ونظر فيها بطريقة مدرسى
اللغة العربية عند ما يصححون كراسات مادة الإنشاء أو التعبير، فإن هؤلاء المدرسين ينظرون فى السطر الأول من الصفحة والسطر الأوسط والسطر الأخير، ولن يعدموا خطأ هنا أو هناك، وبالتأكيد تكون هناك أخطاء فى السطور الأخرى التى لم ينظر فيها المدرس، وكنت أعتقد اعتقادا جازما أن الشيخ فعل مثل ذلك، ولما جاء هذا الخاطر فى ذهنى عرضته على أحد أعلام الأدب فى عصرنا الحالى، وكان تلميذا للشيخ فى يوم من الأيام، وهو الدكتور [م. ر. ا] فقال لى: إن الشيخ كان يعطى طلاب الدراسات العليا بعض الكتب ذات الورق الأصفر ليعلقوا عليها، ثم يأخذها بتعليقات الطلاب ليدفعها إلى المطبعة فتتحول من كتب فى ورق أصفر إلى كتب فى ورق أبيض، وهذا سر الكثرة الكاثرة من الكتب التى صدرت باسمه وتحقيقه، فمن كتب فى النحو إلى كتب فى الأدب إلى أخرى فى التاريخ وغير ذلك، ولو وزّعنا الكتب التى أخرجها على سنوات عمره لكانت أكثر من عمره فقلت له: إننى كنت أسمع من الطلاب المخضرمين فى كلية اللغة العربية مقولة:(1/17)
وسأورد للقارىء مجموعة من الأدلة الدامغة التى تؤكد نظريتى فى الجرح والتعديل، وقبل أن أسرد الأدلة أحب أن أذكر نقطة مهمة جدا، ويجب أن يضع القارىء تحت هذه النقطة ألف خط، هذه النقطة هى: إننى لا أشك لحظة واحدة فى علم الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، بل إننى أقول: إنه أحد العلماء الأفاضل فى علوم النحو والصرف، يشهد بذلك القاصى والدانى، ولكن الشيخ عند ما أراد أن يطبع كتاب العمدة أخذ نسخة الخانجى، ونظر فيها بطريقة مدرسى
اللغة العربية عند ما يصححون كراسات مادة الإنشاء أو التعبير، فإن هؤلاء المدرسين ينظرون فى السطر الأول من الصفحة والسطر الأوسط والسطر الأخير، ولن يعدموا خطأ هنا أو هناك، وبالتأكيد تكون هناك أخطاء فى السطور الأخرى التى لم ينظر فيها المدرس، وكنت أعتقد اعتقادا جازما أن الشيخ فعل مثل ذلك، ولما جاء هذا الخاطر فى ذهنى عرضته على أحد أعلام الأدب فى عصرنا الحالى، وكان تلميذا للشيخ فى يوم من الأيام، وهو الدكتور [م. ر. ا] فقال لى: إن الشيخ كان يعطى طلاب الدراسات العليا بعض الكتب ذات الورق الأصفر ليعلقوا عليها، ثم يأخذها بتعليقات الطلاب ليدفعها إلى المطبعة فتتحول من كتب فى ورق أصفر إلى كتب فى ورق أبيض، وهذا سر الكثرة الكاثرة من الكتب التى صدرت باسمه وتحقيقه، فمن كتب فى النحو إلى كتب فى الأدب إلى أخرى فى التاريخ وغير ذلك، ولو وزّعنا الكتب التى أخرجها على سنوات عمره لكانت أكثر من عمره فقلت له: إننى كنت أسمع من الطلاب المخضرمين فى كلية اللغة العربية مقولة:
«الشيخ ورق أبيض» ولم أكن أفهم المقصود منها، وكنت أخاف أن أسأل حتى لا أتهم بالجهل من هؤلاء المخضرمين، والآن يا أستاذى فسرت لى لغز هذه المقولة (1).
أعود إلى موضوع الأدلة فأقول:
الدليل الأول: من المعروف أن الشيخ رحمه الله من حفظة القرآن الكريم، فإذا وقع خطأ فى آية فى نسخة الخانجى فإنه لا يصح أن يقع فى نسخته، ولا اعتذار عن ذلك بحال من الأحوال، وبخاصة أنه يدعى فى مقدمته أنه عارض النسخة على بعض المخطوطات، ولينظر معى القارىء ثمّ يحكم: فى نسخة الخانجى 1/ 185فى باب الاستعارة جاءت الآية الكريمة 154من سورة الأعراف هكذا (فلما [كذا] سكت عن موسى الغضب)، وفى نسخة الشيخ محمد محيى الدين جاءت الآية بذات الصورة فى 1/ 275، والصحيح: (ولما سكت).
فإذا افترضنا أن مصحح نسخة الخانجى لا يحفظ القرآن فإننا نعلم علم اليقين أن الشيخ محيى الدين يحفظ القرآن. فبم نفسر هذا؟!
__________
(1) انظر مقدمة الشيخ لكتاب العمدة 1/ 7ففيها يتحسر على طبع التراث على ورق أصفر وخط صغير!!!.(1/18)
الدليل الثانى: من القرآن الكريم أيضا، جاءت الآية الكريمة 73من سورة القصص فى نسخة الخانجى 2/ 15فى باب المقابلة هكذا: (ومن رحمته جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ولتبتغوا من فضله) [كذا]، وجاءت الآية بذات الخطأ فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 17، والصواب: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. فبم نفسر هذا أيضا؟!.
الدليل الثالث: من القرآن الكريم أيضا: فى نسخة الخانجى 2/ 31فى باب التفسير جاءت الآية 12من سورة الرعد هكذا (وهو [كذا] {الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً})، وجاءت الآية بذات الخطأ فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 38. والصواب (هو) بدون واو، فبم نفسر هذا؟!
الدليل الرابع: من الحديث الشريف: جاء فى نسخة الخانجى 1/ 169فى باب الإيجاز: «فأما قوله عليه الصلاة والسلام: «كفى بالسيف شا» يريد شاهدا، فقد حكاه قوم من أصحاب الكتب أحدهم عبد الكريم، والذى أرى أن هذا ليس مما ذكروا فى شىء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قطع الكلمة وأمسك عن تمامها لئلا تصير حكما، ودليل ذلك أنه قال: لولا أن يتتابع [كذا بموحدة قبل العين] فيه الغيران والسكران»، وجاءت الكلمة بالخطأ نفسه فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 253.
فبم نفسر هذا أيضا؟!
الدليل الخامس: من الناحية العلمية: سبق أن ذكرت أننى ناقشت الشيخ الذى كان يدرس لنا مادة العروض حين ذكر القطف فى الوافر، وقلت له: إن العمدة جاء فيه القطع، فقال الشيخ: إن القطع لا يدخل الوافر، فقد جاء فى نسخة الخانجى 1/ 120 فى باب التقفيه والتصريع بعد أبيات: «سقى طللا بحزوى» قول المؤلف: هذا وزن ملتبس يجوز أن يكون مقطوعا من مربع الوافر، وجاء الخطأ ذاته فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 181، والشيخ كما هو معروف علامة فى علوم العربية. فبم نفسر هذا؟!!
الدليل السادس: من الناحية العلمية أيضا، وسأجمع فيه عدة أخطاء: جاء فى نسخة الخانجى 2/ 212فى باب الرخص فى الشعر: «والجزم [كذا] بحرف وحرفين وأكثر من ذلك وقد مضى فيما تقدم من هذا الكتاب» وجاء بذات الخطأ فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 276، والصواب «والخزم» بخاء فزاى.
وجاء فى نسخة الخانجى 2/ 235فى باب الشطور وبقية الزحاف: «وإن كان الخرم فى مفاعلتن فهو أعصب [كذا بالصاد المهملة] وإن كان فيه مع الخرم قبض [كذا] فهو أعقص» وجاء الخطأ نفسه فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 305،
وصحة الكلام: «وإن كان الخرم فى مفاعلتن فهو أعضب [بالضاد المعجمة] وإن كان فيه مع الخرم نقص فهو أعقص» وذلك لأن العضب [بالضاد المعجمة] الذى يتحدث عنه هو إسقاط حرف من أول مفاعلتن، وأما العصب [بالصاد المهملة] فهو إسكان الخامس المتحرك فى مفاعلتن. وفى الجزء الثانى من القول: الأعقص هو الذى يجتمع فيه الخرم والنقص، وليس القبض، ويمكن للقارىء الأديب أن يرجع إلى جميع كتب العروض.(1/19)
وجاء فى نسخة الخانجى 2/ 235فى باب الشطور وبقية الزحاف: «وإن كان الخرم فى مفاعلتن فهو أعصب [كذا بالصاد المهملة] وإن كان فيه مع الخرم قبض [كذا] فهو أعقص» وجاء الخطأ نفسه فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 305،
وصحة الكلام: «وإن كان الخرم فى مفاعلتن فهو أعضب [بالضاد المعجمة] وإن كان فيه مع الخرم نقص فهو أعقص» وذلك لأن العضب [بالضاد المعجمة] الذى يتحدث عنه هو إسقاط حرف من أول مفاعلتن، وأما العصب [بالصاد المهملة] فهو إسكان الخامس المتحرك فى مفاعلتن. وفى الجزء الثانى من القول: الأعقص هو الذى يجتمع فيه الخرم والنقص، وليس القبض، ويمكن للقارىء الأديب أن يرجع إلى جميع كتب العروض.
الدليل السابع: من الناحية العلمية أيضا: جاء فى نسخة الخانجى 2/ 226فى باب الوصف: «وقال بعض المتأخرين: أبلغ الوصف ما قلب السمع بصرا، وأصل الوصف الكشف والإظهار، يقال: قد وصف الثوب الجسم إذا نمّ عليه، ولم يستره، ومنه قول ابن الرومى:
إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها
غلائلها ردت شهادتها الأزر»
[كذا] بإسناد البيت إلى ابن الرومى، وجاء الخطأ ذاته فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 295، ولو أنه رجع إلى أية مخطوطة كما يدعى فى مقدمة الكتاب لوجد أن المخطوطات ذكرت أن البيت لأشجع السلمى. فبم نفسر هذا؟!!
وانظر ما قلته أنا فى نسختنا ص 1097.
الدليل الثامن: من الشعر: جاء فى نسخة الخانجى 1/ 228فى باب التجنيس قول دعبل هكذا:
أحبك حبّا لو تضمنه سلمى ... سميك ذاك الشاهق الراس
والبيت بهذه الصورة خطأ فادح بل خطيئة لا تغتفر، وجاء بذات الصورة الفاضحة فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 332، وكان يمكن أن نقول: إنه لم يره، ولكن المصيبة هى أنه وضع رقما فوق كلمة «سلمى» ثم ذكر فى الهامش: يريد به «سلمى» أحد جبلى طىء، ثم ضبط كلمة «الراس» هكذ «الرّأس»!! وصحة البيت:
إنى أحبك حبا لو تضمّنه ... سلمى سميك ذلّ الشاهق الراسى
والبيت كما يعرف القارىء الأديب من بحر البسيط، أما فى الصورة الأولى فليس إلا من بحر ميت. فبم نفسر هذا؟!!
الدليل التاسع: من الشعر أيضا: جاء فى نسخة الخانجى 2/ 109فى باب فى المديح قول الحطيئة هكذا:(1/20)
تزور فتى يعطى على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المحامد يحمد
تزورفتى يعطى على الحمد ماله ... ويعلم أن المرء غير مخلد
يرى البخل لا يبقى على المرء ماله ... ويعلم أن المرء غير مخلد
وجاء الخطأ نفسه فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 137، إذ من السهل على أى إنسان متوسط الثقافة أن يعرف أن البيت الثانى هنا مقحم، ولا قيمة له. فبم نفسر هذا؟!
الدليل العاشر من الشعر أيضا: فى نسخة الخانجى 2/ 38فى باب الالتفات جاء بيتان للعباس بن الأحنف، وكان الثانى منهما هكذا [وهو من المنسرح]
إن تم ذا الهجر يا ظلوم فلا ... تم فما فى من العيش من أرب
وجاء البيت فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 47هكذا:
إن تم ذا الهجر يا ظلوم فلا ... تم فما فى العيش من أرب
فهل يعقل أن الشيخ لا يعرف أن البيت قد انكسر وجاء أعلاه أسفله؟!!
الدليل الحادى عشر: هو شىء مضحك، ولكنه ضحك كالبكا، فى نسخة الخانجى 2/ 85فى باب فى أشعار الكتاب جاءت أبيات لابن المدبر فى مدح الفضل بن سهل هكذا:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل
فباطنها للندى ... وظاهرها للقبل
* ونائلها للغنى ... وسطوتها للأجل
وتلاحظ أيها القارئ الأديب النجمة التى فى أول البيت الثالث، وهى لا فائدة منها، ولكنها جاءت بوضعها هذا فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 106أليس هذا مضحكا؟!!
وسأكتفى من الشعر بهذا القدر لئلا يطول بنا القول.
الدليل الثانى عشر: فى نسخة الخانجى 1/ 222فى باب التجنيس قال ابن رشيق:
«وقال أبو تمام فأحكم المجانسة بالاشتقاق:
بحوافر حفر وصلب صلّب ... وأشاعر شعر وخلق أخلق
فجنس بثلاث لفظات» [كذا](1/21)
فما كان من الشيخ رحمه الله إلا أن كتب رقما بعد «ثلاث لفظات»، وكتب فى الهامش: «بل بأربع لفظات، كما هو ظاهر» انظر نسخته 1/ 324
وهذا الخطأ من الشيخ سببه أن هناك سقطا فى نسخة الخانجى، والصواب هو ما جاء فى خمسة مخطوطات وهو بعد البيت المذكور: «وأما ما ليس راجعا إلى أصل فقوله:
سلم على الربع من سلمى بذى سلم
فجنس بثلاث لفظات»، فلو أن الشيخ رجع إلى النسخة المخطوطة فى الأزهر، أو إلى أية مخطوطة كما يدعى فى مقدمته لكفى أمر هذا الخطأ، ولم يذكر تعليقه!!
الدليل الثالث عشر: فى نسخة الخانجى 1/ 221فى باب التجنيس عند الحديث على قول الراجز
عود على عود على عود خلق
قال ابن رشيق: «وقال: الأول: الشيخ، والثانى: الجمل المسنّ، والثالث:
الطريق القويم [كذا] قد ذلل بكثرة الوطء عليه».
وجاء القول ذاته فى نسخة الشيخ 1/ 322ولو كان قرأ الكتاب كاملا لرجع إلى المعاجم ورأى أن الصواب: وهو الطريق القديم وكذلك لو رجع لمخطوطة الأزهر أو غيرها لكفى مؤونة هذا الخطأ.
الدليل الرابع عشر: فى نسخة الخانجى 2/ 176فى باب فى معرفة ملوك العرب جاء فى السطر العشرين وما بعده: «وتبّع هو الذى عقد الحلف بين ربيعة واليمن، وهو الذى أدخل فى اليمن دين اليهود ثمانية وسبعين سنة» [كذا]، وجاء القول ذاته فى نسخة الشيخ محيى الدين 2/ 226، ولو كان رجع إلى مخطوطة الأزهر أو غيرها لوجد فيها: «وتبّع هذا الذى عقد الحلف بين ربيعة واليمن، وهو الذى أدخل اليمن دين اليهود، وكان ملكه ثمانيا وسبعين سنة» انظر نسختنا ص 959
الدليل الخامس عشر: فى نسخة الخانجى 2/ 81فى السطر 16: «وكتب بذلك إلى على [كذا] ابن مقلة» والخطأ ذاته فى نسخة الشيخ 2/ 102، وهذا لا يمكن أن يقع إلا إذا كان الشيخ سلّم نسخة الخانجى للمطبعة كما هى، ولا بد أن نعرف أن الشيخ كان قد حقق وفيات الأعيان وفيه ترجمة ابن مقلة!!!
الدليل السادس عشر: فى نسخة الخانجى 1/ 168فى السطرين 8و 9فى باب الإيجاز: «وروى أبو عبيدة [كذا]» والخطأ ذاته فى نسخة الشيخ 1/ 252فى السطر
الثانى، ولو أن الشيخ رحمه الله كان قد رجع إلى أية مخطوطة كما يدعى لوجد أن المقصود هو أبو عبيد بدون تاء فى آخره، فبم نفسر كل هذا؟!!(1/22)
الدليل السادس عشر: فى نسخة الخانجى 1/ 168فى السطرين 8و 9فى باب الإيجاز: «وروى أبو عبيدة [كذا]» والخطأ ذاته فى نسخة الشيخ 1/ 252فى السطر
الثانى، ولو أن الشيخ رحمه الله كان قد رجع إلى أية مخطوطة كما يدعى لوجد أن المقصود هو أبو عبيد بدون تاء فى آخره، فبم نفسر كل هذا؟!!
وهذا غيض من فيض وسيأتى ذكر بعض الأمثلة الأخرى عند ما أعرض النسخة التى يدّعى أنها محققة، ولكن النتيجة المؤكدة هى أن نسخة الشيخ محيى الدين هى بنصها نسخة الخانجى على أن الخانجى يكون أكثر توفيقا، لأنه السابق فى إخراج الكتاب، فله فضل الريادة، وأمر الخطأ وارد، ولأنه كما قال أستاذنا العلامة محمود شاكر فى مقدمة طبقات فحول الشعراء ص 9: «كان رجلا برّا نبيل النفس، فوجدت من عطفه وكرمه، ومن تأييده وحثّه ما أعاننى على أن أتزوّد من العلم ما شاء الله أن أتزوّد، لم يكن عالما، ولكنه كان يجمع للعلماء أصول علمهم، وينشرها بين أيديهم، ويغريهم بالحرص عليها، فقلّ أن تجد عالما أو أديبا فى زمنه لم يكن لهذا الرجل النحيف الضئيل الخافت فضل عليه، يذكره الذاكر محسنا فى ذكره، وينساه الناسى مسيئا فى نسيانه، ذلك هو أمين الخانجى، الكتبى، الذى أحبّ الكتاب العربىّ كأنه تراث أبيه وأمه».
فهو عالم بالفطرة والممارسة لا بالشهادة والاختبارات، وهو فى رأيى مثل الوراقين القدماء الذين كانوا يأخذون العلم بعامة من الكتب، ويمكن للقارىء أن يقرأ ما كتبته عن الوراقين فى دراستى فى مقدمة كتاب من غاب عنه المطرب، ويكفى السيد محمد أمين الخانجى شهادة الأستاذ محمود شاكر من ناحية، وما أخرجه للمكتبة العربية الإسلامية من كتب كثيرة تدل على علمه الغزير وإحساسه بقيمة الكتب التراثية التى يطبعها من ناحية أخرى، فنرجو من الله أن يجعل هذا فى ميزان حسناته.
والذى لا يصح أن ننساه أن نسخة الشيخ محيى الدين لا تزيد عن نسخة الخانجى إلا فى شيئين: الأول أنها وضعت ترقيما لأبواب الكتاب. والثانى: أنها وضعت عنوانات جانبية فى هامش الكتاب، وأقول هذا شهادة ألقى بها ربى.
بعد قراءة نسخة الخانجى قمت بتغيير كل الهوامش التى كتبتها، ولك أن تتصور أيها القارىء الفاضل مقدار هذه المعاناة عند ما تعرف أننى فى هذه الحالة كنت كمن يبدأ فى العمل من أوله.
وبعد أن انتهيت من هذه المقابلة وإعادة التعليقات، وكنت قد أفدت إفادة كبيرة من مصادر المكتبة المركزية بجامعة الإمام فى الرياض، وبخاصة فى جانب الدواوين أقول بعد كل ذلك جاءت عطلة نهاية عام 1994م، وقد شرفنى بالزيارة فى بيتى الزملاء الأفاضل الأستاذ الدكتور محمود محمد الطناحى رحمه الله والأستاذ الدكتور محمد الربيع أطال الله عمره الذى يعمل الآن وكيلا لجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية لشئون الدراسات العليا، والأستاذ الدكتور عبد الشافى عبد اللطيف أطال الله عمره أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وجلسنا نتباحث فى أشياء كثيرة، ويطوف بنا أخونا الطناحى فى كل الاتجاهات بأسلوبه الساحر وفكاهاته الطريفة، فكانت الجلسة تجمع بين الثقافة العلمية الجادة، والطرفة والنكتة التى تخفف عن النفس الكثير من أحمالها، ثم أخذت مفتاح الكلام عن العمدة والمتاعب التى واجهتها فى سبيل تحقيقه، فما كان من أخى المرحوم محمود الطناحى إلا أن قال: لقد أنسيت أن أذكر لك أنه وقعت فى يدى نسخة محققة، وأن أذكر لك أن هناك نسخة مخطوطة من الجزء الثانى من كتاب العمدة فى المكتبة المركزية بجامعة الإمام، ولكنها غير مدرجة فى فهارس المكتبة، وقد كتبت عنها، وسأعطيك نسخة من كتيب صنعته عن بعض المخطوطات التى لم تذكر فى الفهارس.(1/23)
وبعد أن انتهيت من هذه المقابلة وإعادة التعليقات، وكنت قد أفدت إفادة كبيرة من مصادر المكتبة المركزية بجامعة الإمام فى الرياض، وبخاصة فى جانب الدواوين أقول بعد كل ذلك جاءت عطلة نهاية عام 1994م، وقد شرفنى بالزيارة فى بيتى الزملاء الأفاضل الأستاذ الدكتور محمود محمد الطناحى رحمه الله والأستاذ الدكتور محمد الربيع أطال الله عمره الذى يعمل الآن وكيلا لجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية لشئون الدراسات العليا، والأستاذ الدكتور عبد الشافى عبد اللطيف أطال الله عمره أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وجلسنا نتباحث فى أشياء كثيرة، ويطوف بنا أخونا الطناحى فى كل الاتجاهات بأسلوبه الساحر وفكاهاته الطريفة، فكانت الجلسة تجمع بين الثقافة العلمية الجادة، والطرفة والنكتة التى تخفف عن النفس الكثير من أحمالها، ثم أخذت مفتاح الكلام عن العمدة والمتاعب التى واجهتها فى سبيل تحقيقه، فما كان من أخى المرحوم محمود الطناحى إلا أن قال: لقد أنسيت أن أذكر لك أنه وقعت فى يدى نسخة محققة، وأن أذكر لك أن هناك نسخة مخطوطة من الجزء الثانى من كتاب العمدة فى المكتبة المركزية بجامعة الإمام، ولكنها غير مدرجة فى فهارس المكتبة، وقد كتبت عنها، وسأعطيك نسخة من كتيب صنعته عن بعض المخطوطات التى لم تذكر فى الفهارس.
عند ما سمعت هذا الكلام مادت الأرض بى، وأسقط فى يدى، ومرّ بخاطرى فى لحظات شريط ذكرياتى مع متاعب الكتاب، وانعقد لسانى لفترة، وقلت للزملاء الأفاضل: فى هذه الحالة يجب أن أتوقف عن مواصلة العمل فى الكتاب مادام قد صدر فى طبعة محققة، لكن الدكتور الطناحى قال بنبرة جادة وآمرة: لا يجب أن تتسرع فى الحكم بالمقاطعة، وإنما يجب أن تقرأ الكتاب المحقق، ثم تنظر فى أمر عملك، وتسأل نفسك: هل قام العمل المحقق الذى ظهر بما كنت تريده أو لا؟ فإن وجدت أنه يفى بالغرض فإنه يجب فى هذه الحالة أن تتوقف، وإن وجدت غير ذلك فسر فى طريقك إلى نهاية عملك وخطتك، وأيد الجميع هذه المقولة، لكننى كنت مترددا فى قبولها، وبعد عدة أيام تكلمت هاتفيا مع الدكتور محمود الطناحى أشكو إليه بثى وحزنى على الأيام التى ضاعت هباء فى تحقيق العمدة، لكنه رحمه الله سرّى عنى وأزال بعض همى، وقال لى: إنك على بعد أيام من السفر إلى الرياض، وبالقطع ستجد هذا الكتاب هناك، وأؤكد لك أنه لو كان عندى لأعطيتكه.
وسافرت إلى الرياض، وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة كنت فى مكتبة الرشد، بعد أن أخبرنى أخى الأستاذ الدكتور محمد الصامل وكيل كلية اللغة العربية الآن بالرياض بأن الكتاب فيها، وكنت أذهب إليها كثيرا، واشتريت منها مجموعة من الدواوين والكتب التى لم تكن فى مكتبتى الخاصة، ووجدت الكتاب المذكور، وقد كتب على غلافه الخارجى تحقيق الدكتور محمد قرقزان، ومن منشورات دار المعرفة ببيروت، ويشهد الله أننى أخذت الكتاب وجسمى كله يرتعش ارتعاشا شديدا، كأننى أصبت بالحمى، ولم تكن ارتعاشاتى الداخلية بأقل مما يظهر على جسدى.(1/24)
صممت على أن أقرأ الكتاب كله، مع التركيز على بعض النقاط التى كانت فى ذهنى، والتى أتعبتنى فى البحث عنها وذلك حتى يكون قرارى بالتوقف عن العمل فى الكتاب أو الاستمرار فيه قاطعا وشافيا ومقنعا.
أمضيت مع الكتاب الفصل الدراسى الأول والثانى للعام الجامعى 1994/ 1995، وقد خرجت بعد ذلك بنتيجة يدركها القارىء الفاضل من وجود عملى الآن بين يديه، وكان قرارى بالاستمرار فى العمل قاطعا وشافيا ومقنعا، بل وزاد تصميمى على مواصلة العمل بمنهجى الذى ارتضيته لهذا العمل، وسأورد على القارىء بعض النقاط التى جعلتنى أواصل المسيرة، وبداية أحب أن أقول للقارىء الأديب: إن نسخة قرقزان ماهى إلا تعليقات، أو ما يطلق عليه قديما كلمة «الحاشية»، على نسخة الشيخ محيى الدين وذلك لأن الأغلب الأعم من أخطاء نسخة الشيخ موجود فى نسخة قرقزان على الرغم من أنه يدعى أنه حصل على عدد من المخطوطات للكتاب، ومنها مخطوطة الأزهر التى كانت النسخة الأولى عندى والتى رمزت إليها بالرمز [ف]، والتى على أساسها سأناقش عمل الدكتور قرقزان الذى حصل على الدكتوراه بهذا العمل تحت إشراف الدكتور أمجد الطرابلسى، الذى كان يعمل فى جامعة محمد الخامس بالرباط، ويشهد الله أننى قلت فى نفسى بعد الانتهاء من قراءة الكتاب: إن الدكتور أمجد الطرابلسى جامل الطالب المغربى فى هذا العمل بمنحه درجة الدكتوراه، وقد قلت ذلك فى إحدى جلسات لجنة إحياء التراث فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف، والتى أتشرف بعضويتها، فما كان من أخى الدكتور أيمن فؤاد سيد إلا أن قال لى:
أرجو أن تصحح معلوماتك، فالمدعو الدكتور محمد قرقزان سورى يعمل فى المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم إدارة الثقافة، وهنا قلت: إن المجاملة لم تخرج بعيدا عن العصبية!!
وحتى لا يكون كلامى مجردا فإننى سأذكر مجموعة من الأمثلة التى تؤكد كل ما قلته، وتبين السر فى قرارى بالاستمرار فى العمل حتى الانتهاء منه:
عند ما يفتح القارىء الفاضل 1/ 71فى نسخة قرقزان سيجد بيتين هما:
إن قصّرت عن غرض رمية ... أوزل فكر أو نبا خاطر
فإننى فيه على نية ... يخبر عن باطنها الظاهر
وقد أورد ابن رشيق هذين البيتين للاعتذار عن التقصير فى مدح على بن أبى الرجال بما يستحقه، وهذه طريقة معروفة عن المؤلفين فى مثل هذا الأمر، فلو قرأت مثلا مقدمة الحصرى فى زهر الآداب لوجدته فى أثنائها يستشهد بأبيات يسند بعضها إلى نفسه وبعضها إلى غيره، وبعضها يسكت عنه، فهل المسكوت عنه يكون من صنعه؟! ويشهد الله أننى كنت وضعت هذين البيتين فى مقدمة النقاط التى لو تحدث عنها المحقق الهمام لانصرفت عن عملى، بل وأحرقت عملى الذى يمثل جزءا كبيرا من عمرى الذى أنفقته عن رضا واقتناع مع هذا الكتاب.(1/25)
إن قصّرت عن غرض رمية ... أوزل فكر أو نبا خاطر
فإننى فيه على نية ... يخبر عن باطنها الظاهر
وقد أورد ابن رشيق هذين البيتين للاعتذار عن التقصير فى مدح على بن أبى الرجال بما يستحقه، وهذه طريقة معروفة عن المؤلفين فى مثل هذا الأمر، فلو قرأت مثلا مقدمة الحصرى فى زهر الآداب لوجدته فى أثنائها يستشهد بأبيات يسند بعضها إلى نفسه وبعضها إلى غيره، وبعضها يسكت عنه، فهل المسكوت عنه يكون من صنعه؟! ويشهد الله أننى كنت وضعت هذين البيتين فى مقدمة النقاط التى لو تحدث عنها المحقق الهمام لانصرفت عن عملى، بل وأحرقت عملى الذى يمثل جزءا كبيرا من عمرى الذى أنفقته عن رضا واقتناع مع هذا الكتاب.
المهم إن المحقق الهمام كتب فى الهامش مانصه: «ليس البيتان فى النتف للميمنى، ولا فى ديوان ابن رشيق لياغى».
ومعنى هذا القول من المحقق أنه اكتشف شيئا خطيرا، وهو أن الميمنى الذى جمع شعر ابن رشيق وابن شرف لم ير هذين البيتين، وأن الياغى الذى تفرغ لجمع شعر ابن رشيق فى ديوان مستقل لم ير هذين البيتين، وأن المحقق وحده هو الذى استدرك عليهما هذا التقصير!!
وفى الحق إننى صدمت من هذا القول مرتين: الأولى: من جرأة المحقق فى هذا القول، الذى يقطع فيه بتقصير عالمين كبيرين أولهما معروف بأنه راهب فى محراب الثقافة العربية الإسلامية، وهو من هو فى عالم التحقيق. والثانية: لأن المشرف على هذا العمل وهو الدكتور أمجد الطرابلسى يشترك فى تحمل هذا الجرم وذلك لأنه لم يقرأ هذا القول، ولو كان قرأه لكان له رأى آخر لأن الدكتور أمجد هو من هو فى عالم الأدب والثقافة والتحقيق، ولكن شأنه شأن الغالبية العظمى من المشرفين على الرسائل الذين لا يكلفون أنفسهم بقراءة العمل الذى يشرفون عليه.
وعلى الرغم من جرأة المحقق فى قوله فإننى قلت: اجتهد فأخطأ، وإن حماسة الباحثين لأعمالهم تجعلهم يرتكبون أخطاء تصل إلى درجة الخطيئة.
لكن الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى عند ما يقرأ القارىء فى 1/ 72البيت الآتى، ولم يذكر ابن رشيق قائله:
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثمّ ينسكب
ثم يقرأ تعليق محقق آخر الزمان فى الهامش، وهو بنصه: «ليس البيت فى النتف للميمنى، ولا بديوان ابن رشيق لياغى» [كذا كذا كذا].
وإذا كنا تجاوزنا فى البيتين السابقين وقلنا: إنه اجتهد فأخطأ وأن المشرف قصّر فى عمله فماذا نقول فى أمر هذا البيت وهو معروف لدى الأطفال الصغار الذى يحبون
الأدب ويقرأون روائع شعر العصر العباسى، ويعرفون أن هذا البيت للبحترى، وفى ديوانه 1/ 171، إننى لا أشك فى علم الدكتور أمجد الطرابلسى ولا فى إحساسه الشعرى، ولكننى أشك فى إشرافه وتوجيههه للطالب الذى هو من بلده، إن صح ذلك.(1/26)
وإذا كنا تجاوزنا فى البيتين السابقين وقلنا: إنه اجتهد فأخطأ وأن المشرف قصّر فى عمله فماذا نقول فى أمر هذا البيت وهو معروف لدى الأطفال الصغار الذى يحبون
الأدب ويقرأون روائع شعر العصر العباسى، ويعرفون أن هذا البيت للبحترى، وفى ديوانه 1/ 171، إننى لا أشك فى علم الدكتور أمجد الطرابلسى ولا فى إحساسه الشعرى، ولكننى أشك فى إشرافه وتوجيههه للطالب الذى هو من بلده، إن صح ذلك.
وقد ردّدت بعد قراءتى تعليق المحقق الهمام مقولة أبى على الفارسى «تزببت وأنت حصرم» التى قالها لتلميذه الأخفش عند ما تعالم، وادعى أن أبا على أخطأ فى مسألة من المسائل، وكان أبو على فى المجلس دون أن يعرفه الأخفش، فلم يكن قد قابله قبل ذلك، فلما انتهى المجلس سأله أبو على عدة أسئلة وقف فيها الأخفش، فما كان من أبى على إلا أن كشف له عن شخصيته، وقد لزمه الأخفش بعد ذلك ليتعلم منه، ولكن مقولتى الأخيرة لهذا المحقق الهمام سأقولها بعد أن أعرض بعض أمثله من مهزلة هذا الكتاب فى جميع النواحى.
ولا أنسى هنا أن أذكر أن المحقق الهمام أخطأ فيما لا يصح بحال من الأحوال أن يخطىء فيه دارس مبتدئ، فى حين هناك طرق كثيرة لعدم الوقوع فى هذا الخطأ أو الخطيئة، هذا الخطأ أو الخطيئة يتمثل فى أنه فى 1/ 555ذكر ابن رشيق قوله تعالى:
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} من الآية 26من سورة الأنعام، فكتب محقق الكتاب فى الهامش ما نصه: «سورة الأنعام من الآية 26: (وهم ينهون عنه وينأون عنه إن يهلكوا [كذا] إلا أنفسهم وما يشعرون) والصواب {وَإِنْ يُهْلِكُونَ}، فلو كانت {إِنْ يُهْلِكُونَ} بإثبات النون لقلت: إن خطأ مطبعيا حدث فى إسقاط الواو، ولكن أن يسقط الواو ثمّ يسقط النون اعتقادا منه أن الفعل مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون فهذا من العجب العجاب!!
سبق أن قلت إن هذا العمل عبارة عن حاشية على نسخة الشيخ محيى الدين، وأنه يسير على ذات الأخطاء حذوك النعل بالنعل، وسأذكر أمثلة لذلك بالإضافة إلى ما ذكرته تؤكد مقولتى، ولن أستطيع أن أسرد كل الأمثلة، وإلا فإننى سأنفق وقتا وأضيع ورقا فيما لا طائل من ورائه.
من هذه الأمثلة جاء فى 1/ 381فى باب فى عمل الشعر وشحذ القريحة له:
«وقالوا: الحيلة لكلال القريحة انتظار الحمّام [كذا]» وفى الصفحة التى بعدها 1/ 382: «وقال بكر بن عبد الله المزنى: لا تكدوا القلوب، ولا تهملوها، وخير الفكر ما كان عقيب الحمّام [كذا]» وهذا الخطأ موجود فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 212، ولو أن المحقق الهمام له دراية بكتب الجاحظ لوجد أن قول بكر بن عبد الله
المزنى فى البيان والتبيين 1/ 274ولو كان يعرف قراءة الحصرى لوجد القول ذاته فى جمع الجواهر ص 2وبتصحيح هذا القول كان يصحح القول السابق، وصحته «الجمام» وهو الراحة، انظر نسختنا 1/ 340، ولكن المحقق لم تعجبه إلا كلمة «الحمّام» ولا أدرى السر فى اختياره الحمام دون غيره!!(1/27)
«وقالوا: الحيلة لكلال القريحة انتظار الحمّام [كذا]» وفى الصفحة التى بعدها 1/ 382: «وقال بكر بن عبد الله المزنى: لا تكدوا القلوب، ولا تهملوها، وخير الفكر ما كان عقيب الحمّام [كذا]» وهذا الخطأ موجود فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 212، ولو أن المحقق الهمام له دراية بكتب الجاحظ لوجد أن قول بكر بن عبد الله
المزنى فى البيان والتبيين 1/ 274ولو كان يعرف قراءة الحصرى لوجد القول ذاته فى جمع الجواهر ص 2وبتصحيح هذا القول كان يصحح القول السابق، وصحته «الجمام» وهو الراحة، انظر نسختنا 1/ 340، ولكن المحقق لم تعجبه إلا كلمة «الحمّام» ولا أدرى السر فى اختياره الحمام دون غيره!!
ومن هذه الأمثلة جاء فى 1/ 401فى باب المبدأ والخروج والنهاية: «وكانت الخيل البربرية [كذا] تهلب أذنابها كالبغال»، وهذا الخطأ ذاته فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 227، ولو كان المحقق يقظا لتذكّر أنه جاء فى الصفحة السابقة 1/ 400: «ألا ترى أن امرأ القيس لما كان ملكا كيف ذكر خيل البريد والفرانق» فالحديث عن خيل البريد، وليس الخيل البربرية، هذا من ناحية إذا افترضنا أن يكون يقظا، أما من الناحية الأخرى فإننا نحاسبه بنسخة الأزهر التى تحت يده، فلو أنه قرأ المخطوطة ولم يسر معصوب العينين مسلوب التفكير خلف نسخة الشيخ محيى الدين لوجد فيها: «الخيل البريدية»، وانظر نسختنا 363
وجاء فى 1/ 433فى باب الإيجاز: «ومن الحذف قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} أى فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم» [كذا]، واتبع فى هذا ما جاء فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 251، وحسابنا له أن تحت يده مخطوطة الأزهر، وفيها: «أى فيقال لهم: أكفرتم؟» ولو زدنا فى حسابه لقلنا له: إنك لو كنت تعرف أن ابن رشيق أخذ كتابه من جهات متعددة لعرفت أنه أخذ هذا من تأويل مشكل القرآن 216، وانظر نسختنا 402
جاء فى 1/ 433فى باب الإيجاز فى آخر سطر فى المتن: «وروى أبو عبيدة [كذا]» ولن نحاسبه على جهله بكتب أبى عبيد القاسم بن سلام، وإنما نحاسبه على أن عنده نسخة الأزهر المخطوطة، وهو لم يتبعها، ولم يشر إليها، وإنما هو يسير معصوب العينين وراء نسخة الشيخ حذوك النعل بالنعل.
جاء فى 1/ 436فى باب الإيجاز: «فأما قوله عليه الصلاة والسلام: «كفى بالسيف شا» ثم جاء بعد سطرين تكملة الحديث هكذا: «لولا أن يتتابع [كذا بموحدة تحتية قبل العين] فيه الغيران والسكران»، وهذا الخطأ ذاته فى نسخة الشيخ محيى الدين 1/ 253، ولا معنى لهذا إلا متابعته لنسخة الشيخ، ونحاسبه على اعتبار أن مخطوطة الأزهر تحت يده وفيها «يتتايع» بمثناة تحتية قبل العين، انظر ما قلناه فى نسختنا 405و 406
جاء فى 1/ 474فى باب التمثيل، بعد بيتين فى أول الصفحة: «وإنما عيرّه
بالكبر» [كذا]، وهذا مثل ما جاء فى نسخة الشيخ 1/ 278، وحسابنا للمحقق الهمام شديد لأن تحت يده مخطوطة الأزهر، وفيها: «وإنما عيره الكبر». انظر تعليقنا فى نسختنا 451(1/28)
جاء فى 1/ 474فى باب التمثيل، بعد بيتين فى أول الصفحة: «وإنما عيرّه
بالكبر» [كذا]، وهذا مثل ما جاء فى نسخة الشيخ 1/ 278، وحسابنا للمحقق الهمام شديد لأن تحت يده مخطوطة الأزهر، وفيها: «وإنما عيره الكبر». انظر تعليقنا فى نسختنا 451
ومن هذه الأمثلة: جاء فى 1/ 488فى باب التشبيه: «وخضرة كمائمه» [كذا] مثل ما جاء فى نسخة الشيخ 1/ 286ومخطوطة الأزهر، وحسابنا معه يأتى مما جاء فى الهامش فقد قال بالنص: «الكمائم جمع كمّ، وهو الغلاف الذى يحيط بالوردة والزهرة فيسترها، ثم ينشق عنها»، ونقول للمحقق الهمام: إن كمائم جمع كمامة وهو ما يوضع على أنف الدابة، أما الصواب وهو ما ذكرناه فى نسختنا 468عن المخطوطة [ص] فهو «وخضرة كمامه» وذلك لأن الكمام جمع كمّ بكسر الكاف وضمها، وكمامة وهو وعاء الطلع وغطاء النور، وهو يكون جمعه كمام، وأكمّة، وأكمام، ولينظر اللسان حتى ينصلح لسانه وما فى رأسه.
جاء فى 1/ 506فى باب التشبيه بيت للطرماح فى صفة الظليم: «مجتاب شملة» وذكر فى الشطر الثانى كلمة «قدرا»، وهى صحيحة، ولكنه لما أراد أن يشرح فى الهامش لم يشرح كلمة «قدرا»، وإنما شرح كلمة «قددا» التى ذكرها الشيخ محيى الدين وذكر تفسيرها فى الهامش، واقرأ معى قول محققنا الهمام فى الهامش:
«والقدد الفرق. يقول: هذا الظليم قد لبس شملة على قدر [كذا] ظهره»
فمرة القدد ومرة القدر، أليس هذا الأمر عجيبا فى الشرح؟!!
جاء فى 1/ 531فى باب الإشارة بعد بيت لعنترة: «وإنما ذكر امرأة أبيه [كذا بالهاء]، وكان يهواها»، ونحاسبه على أنه اتبع ما جاء فى نسخة الشيخ 1/ 312، والصواب ما ذكرناه فى نسختنا 1/ 541
جاء فى 1/ 628فى باب الاستطراد: «وأوضح [كذا] الاستطراد» مثل نسخة الشيخ 2/ 39دون أن ينظر أو يشير إلى ما جاء فى مخطوطة الأزهر، انظر نسختنا 629
جاء فى 1/ 662فى باب الغلو: «وقال الجرجانى فى كتاب الوساطة:
والإفراط [كذا بزيادة الواو] مذهب عام» وهذه الزيادة مثل نسخة الشيخ 2/ 61 دون أن يشير إلى ما جاء فى مخطوطة الأزهر، انظر ما فى نسختنا 673
فى 1/ 680فى باب الحشو وفضول الكلام فى السطر الرابع: «فليس لذكر الرأس معه [كذا] معنى»، وهذا مثل نسخة الشيخ 2/ 72، دون أن يشير إلى ما جاء فى مخطوطة الأزهر، انظر نسختنا 693(1/29)
فى ذات الصفحة السابقة فى السطر الثامن: «وسيرد إن شاء الله فى بابه» مثل نسخة الشيخ 2/ 72، دون أن يشير إلى ما جاء فى مخطوطة الأزهر. انظر نسختنا 693
جاء فى 2/ 688فى باب التكرار: «ويقع أيضا على سبيل الازدراء والتهكم والتنقيص» [كذا] مثل نسخة الشيخ 2/ 76، دون أن يذكر ما جاء فى مخطوطة الأزهر. انظر نسختنا 705
جاء فى 2/ 731فى باب التغاير بيت للفرزدق فى آخر صفحة المتن، وقد وضع المحقق الهمام رقما أمام البيت، وكتب فى الهامش يقول لافض فوه: «لم أجد البيت فى ديوان الفرزدق»، وهذا قول يصيب القارىء الضعيف بالجهل، أما القارىء المتمكن فإنه سيعرف شيئا جهله المحقق الهمام، هذا الشىء هو أنه اتبع نسخة الشيخ محيى الدين فى نهاية البيت «تجيزها» بالزاى قبل الهاء، ولو أنه قرأ مخطوطة الأزهر كما يدعى لوجد ما ينقذه من هذا، فالكلمة «تجيرها» بالراء، والبيت فى ديوان الفرزدق 2/ 457طبعة الصاوى، و 1/ 365طبعة دار صادر، وأذكر لمحقق آخر الزمان أن البيت فى النقائض 1/ 522وتحرير التحبير 287. انظر نسختنا 750
جاء فى 2/ 736فى باب فى التصرف ونقد الشعر: «وقال الجاحظ: طلبت علم الشعر فوجدته لا يتقن إلا إعرابه فوجدته لا ينقل إلا فيما اتصل» وهذا مثل نسخة الشيخ 2/ 105، مع أنه ذكر أنه مصدره الكشف عن مساوىء شعر المتنبى، وهذا المصدر ذكر ما يتطابق مع مخطوطة الأزهر، وكان يجب عليه أن يسير على حسب المخطوطة التى توافق مصدره، انظر نسختنا 755
جاء فى 2/ 742فى باب فى أشعار الكتاب فى السطر الثانى: «وهذا هو الكلام الكتّابى السهل المرسل» [كذا]، وهذا مثل نسخة الشيخ 2/ 109، دون أن يذكر ما جاء فى مخطوطة الأزهر. انظر نسختنا 762
جاء فى 2/ 767فى باب النسيب فى أثناء الحديث عن طرد الخيال: «فقال طرفة وهو أول من طرقه» [كذا]، وهذا مثل نسخة الشيخ 2/ 125، دون أن يشير إلى ما جاء فى مخطوطة الأزهر. انظر التوضيح فى نسختنا 791
جاء فى 2/ 956فى باب من النسبة: وقال أبو عبيدة: أجود السهام التى صنعتها العرب فى الجاهلية سهام بلاد وسهام يثرب [كذا] وهما بلدان قريبان من حجر اليمامة، وأنشد للأعشى:
بسهام يثرب [كذا] أو سهام بلاد
مثل نسخة الشيخ 2/ 232فى المرتين فى «يثرب» بالمثلثة الفوقية، دون أن يذكر ما جاء فى مخطوطة الأزهر من ناحية، ودون أن ينتبه إلى قول المؤلف: «وهما بلدان قريبان من حجر اليمامة» من ناحية أخرى، فهل يثرب التى هى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قريبة من حجر اليمامة؟!، والذى يجعلنى أقول له هذا هو أنه ذكر فى الهامش عن يثرب الأولى ما نصه: «يثرب: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وقد نسبوا إليها السهام. معجم البلدان / يثرب 5/ 431» وفى الحق أن فى معجم البلدان هذا الكلام، لكن مؤلف العمدة لا يريد إلا «يثرب» بالمثناة الفوقية بعد المثناة التحتية، وهى القريبة من حجر اليمامة، ثم يذكر فى الهامش عن يثرب فى المرة الثانية بيت الأعشى من ديوانه وفيه «يثرب» بالمثلثة، وأتحداه أن يكون هذا فى الديوان، ولو كان محققا يقظا، أو قارئا فطنا لفطن إلى ما كتبه هنا ابن رشيق وما كتبه محقق الديوان فى الهامش. انظر نسختنا 969(1/30)
بسهام يثرب [كذا] أو سهام بلاد
مثل نسخة الشيخ 2/ 232فى المرتين فى «يثرب» بالمثلثة الفوقية، دون أن يذكر ما جاء فى مخطوطة الأزهر من ناحية، ودون أن ينتبه إلى قول المؤلف: «وهما بلدان قريبان من حجر اليمامة» من ناحية أخرى، فهل يثرب التى هى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قريبة من حجر اليمامة؟!، والذى يجعلنى أقول له هذا هو أنه ذكر فى الهامش عن يثرب الأولى ما نصه: «يثرب: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وقد نسبوا إليها السهام. معجم البلدان / يثرب 5/ 431» وفى الحق أن فى معجم البلدان هذا الكلام، لكن مؤلف العمدة لا يريد إلا «يثرب» بالمثناة الفوقية بعد المثناة التحتية، وهى القريبة من حجر اليمامة، ثم يذكر فى الهامش عن يثرب فى المرة الثانية بيت الأعشى من ديوانه وفيه «يثرب» بالمثلثة، وأتحداه أن يكون هذا فى الديوان، ولو كان محققا يقظا، أو قارئا فطنا لفطن إلى ما كتبه هنا ابن رشيق وما كتبه محقق الديوان فى الهامش. انظر نسختنا 969
جاء فى 2/ 958فى باب من النسبة أيضا: «والإبل العسجدية والعبدية» [كذا بالموحدة التحتية بعد العين وقبل الدال]، وهو فى هذا يتبع ما جاء فى نسخة الشيخ 2/ 233ومخطوطة الأزهر، ولكنه غير معذور لأن كتاب الحيوان من مصادره.
انظر نسختنا 972
جاء فى 2/ 995فى باب فى ذكر منازل القمر: «والنجوم [كذا] كلها لا تظهر فى ليلة واحدة» [كذا]، وهذا مثل نسخة الشيخ 2/ 252مع أنه ذكر فى الهامش أن مخطوطة الأزهر ذكرت «والمنازل» بدل «والنجوم»، وذكر أيضا أن كلمة «واحدة» غير موجودة فى مخطوطة الأزهر. انظر نسختنا 1015و 1016
وفى ذات الصفحة وقبل هذا الاستشهاد الدليل الأكيد على أنه يتبع نسخة الشيخ دون تفكير، وهذا الدليل هو عمله فى قول المؤلف: «واستوفى جميع المنازل مخطئا لا شك (فى خلافه)» وذكر فى الهامش أن (فى خلافه) غير مذكور فى نسخة الأزهر.
جاء فى 2/ 1015فى باب الوحشى المتكلف والركيك المستضعف: «ويقال للوحشى أيضا حوشى، كأنه منسوب إلى الحوش، وهى بقايا إبل وبار بأرض قد غلبت عليها الجن فعمرتها، ونفت عنها الإنس، لا يطؤها [كذا] إنسى إلا خبلوه» وهو مثل نسخة الشيخ 2/ 265، دون أن يشير إلى مخطوطة الأزهر، وفيها «لا يطورها». انظر التوضيح فى نسختنا 1042
جاء فى 2/ 1035فى باب الرخص فى الشعر: «وإنما يخاطب مالكا [كذا] خازن النار» مثل نسخة الشيخ 2/ 279، دون أن يشير إلى مخطوطة الأزهر، ولو
كان يعرف مصادر قول ابن رشيق لعرف الحقيقة. انظر التوضيح فى نسختنا 1069.(1/31)
جاء فى 2/ 1035فى باب الرخص فى الشعر: «وإنما يخاطب مالكا [كذا] خازن النار» مثل نسخة الشيخ 2/ 279، دون أن يشير إلى مخطوطة الأزهر، ولو
كان يعرف مصادر قول ابن رشيق لعرف الحقيقة. انظر التوضيح فى نسختنا 1069.
جاء فى 2/ 1060فى باب الوصف: «ومنه قول أشجع السلمى:
إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها ... غلائلها ردت شهادتها الأزر»
ثم يضع المحقق الهمام رقما أمام «أشجع السلمى» ويقول فى الهامش: «ا، د:
قول ابن الرومى» ثم يضع رقما أمام البيت ويقول فى الهامش: «البيت مفرد فى ديوان ابن الرومى 3/ 1149»، وهذا شىء مضحك ولكنه ضحك كالبكا، كيف يقول:
ومنه قول أشجع السلمى ثمّ يذكر أن البيت لابن الرومى فى ديوانه؟!
السر أعرفه أنا وهو أن نسخة الشيخ 2/ 295قالت: «ومنه قول ابن الرومى» ثم ذكرت البيت، لكن المخطوطات تذكر، «ومنه قول أشجع السلمى» فجاء محقق آخر الزمان وفعل فعلته. انظر التوضيح فى نسختنا 1097
ولهذا البيت قصة طريفة مع أخوى الكريمين الأستاذ الدكتور محمود الطناحى رحمه الله والأستاذ الدكتور محمد الربيع أطال الله عمره، فقد كنا فى منزل الأول، وشرّق بنا الحديث وغرّب، ثم قال لى الدكتور الطناحى: هل هناك شىء طريف فى مجال عملك فى العمدة؟ قلت له: إن عندى أطرف شىء يدلك على أن الشيخ محمد محيى الدين نقل نسخة الخانجى بنصها، وبما فيها من أخطاء، فقال لى وكان من المحبين للشيخ محيى الدين مثلنا، ولكنه كان يزيد فى هذا الحب ليصل به إلى درجة العصبية، وكنت أقصد بهذه الملاحظة أن أستثير مخزونه العلمى لأفيد منه، ويشهد الله أننى ما لقيته مرة من المرات إلا وخرجت بفائدة لم أكن أعرفها: لا تلق الكلام على عواهنه دون دليل، قلت له: هات نسخة الشيخ، وافتح 2/ 295ففعل، فقلت له: اقرأ: ومنه قول ابن الرومى ثمّ اقرأ البيت، فقرأ، فقلت له: هات ديوان ابن الرومى 3/ 1149فقرأ البيت فيه نقلا عن العمدة، والبيت فى الديوان دون سابق أولا حق، فقلت له: ما رأيك؟ فسكت، فقلت له: هات جمع الجواهر، وافتح صفحة 137، فوجد البيت فيه، ويسبقه بيت آخر، وينسبان فيه إلى أشجع السلمى، فقلت له: لكن الدليل الأكبر أن تقرأ كتاب أخبار الشعراء المحدثين ص 99 [ضمن كتاب الأوراق]، فإنك ستجد البيت فيه ضمن قصيدة من سبعة وثلاثين بيتا، فما كان منه رحمه الله إلا أن قبّل رأسى، وقال: خفف حملتك على الشيخ، ثم رأيته يضع علامة فى جمع الجواهر، ثم أفادنى فى هذا اليوم فائدة جليلة لم أكن أعرفها، وهى أن أبا همام الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم كتب بحثا عن تحقيق ديوان ابن الرومى، وأنا أحاول حتى الآن أن أعثر عليه.(1/32)
ذكرت الآن أمثلة متنوعة من متابعة المحقق الهمام لنسخة الشيخ محمد محيى الدين، ويستطيع القارئ الأديب الذى ابتلى بشراء نسخة الدكتور محمد قرقزان أن يقابل جميع الصفحات والهوامش ليتأكد من أن ما ذكرته مجرد أمثلة فقط، وإنما الكتاب جله على هذه الطريقة من المتابعة، حتى إن المحقق الهمام وضع أرقاما أمام الأبواب كما فعل الشيخ، وهذا غير موجود فى أية مخطوطة، مما يدلك أيها القارىء الفاضل على أنها نسخة مكررة من نسخة الشيخ، وعليها حواش من صنع هذا المحقق!!
وبعد أن انتهيت من توضيح أن النسخة المذكورة عبارة عن مجموعة من الحواشى حول نسخة الشيخ محمد محيى الدين أذكر أمثلة متنوعة، ويشهد الله أنها أمثلة، وليست حصرا، ولذلك ألح فى طلبى بأن يمسك من معه هذه النسخة مع نسختنا ويقابلهما كلمة كلمة ليعرف طريقة محقق آخر الزمان.
جاء فى 1/ 391فى باب المبدأ والخروج والنهاية بيت لديك الجن، وقد أردت أن أعرف كيف وضعه فى الفهارس لأنه لم يحدد فى تحقيقه فى الكتاب تسمية البحر الشعرى، فوجدت فارس التحقيق يذكر أن البيت من البسيط، مما جعلنى أقول: إن علمه بالعروض بسيط. انظر نسختنا 353
جاء فى 1/ 497فى باب التشبيه بيتان لابن المعتز، فرجعت إلى فهارسه التى تصيب الدارسين بالجهل فوجدته كتب أن البيتين من مجزوء المنسرح [كذا]، وليس هناك شىء اسمه مجزوء المنسرح، وإنما هناك المنسرح الصحيح والمنسرح المنهوك، والبيت من المجتث، أليس يحق لى والحالة هذه أن أقول: إن عمل هذا الرجل يجب أن يجتث من عالم التحقيق، ويجب على المحقق أن يرجع إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية ليدرس مادة العروض؟! انظر نسختنا 478
جاء فى 1/ 613فى باب التقسيم بيتان لأبى العميثل الأعرابى، وكتب فى الفهارس إنهما من البسيط!! والقارئ الجاد والدارس المجتهد يعرف أنهما من الكامل.
انظر نسختنا 611
وجاء فى 2/ 700و 701فى باب الاطراد ثلاثة أبيات لأبى تمام، وكتب المحقق الهمام أن الأبيات من المتقارب، فأى جهل يصل إلى الطلاب إذا كان هذا يقوم بالتدريس حاليا؟ وأى جهل يصل إلى القارىء المتسرع؟ أما القارىء العالم فإنه يعلم أن هذا من بحر السريع. انظر نسختنا 717
جاء فى 1/ 622فى باب التفسير ثلاثة أبيات لحاتم الطائى أو عتيبة بن مرداس، وثالث الأبيات كتبه المحقق الهمام هكذا:(1/33)
وأسمر خطيّا كأن كعوبه نوى القس ... ب قد أربى ذراعا على العشر
ولا أدرى بم أصف هذا المحقق أو أصف عمله، ولو فعل ذلك طالب فى تمهيدى الماجستير لفصلته وطردته من الدراسات العليا لأنه يجب أن يعمل نجارا أو حدادا أو غير ذلك مما يمكن أن يفلح فيه، وصحة كتابة البيت:
وأسمر خطيا كأن كعوبه
نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر
وجاء فى 2/ 700فى باب الاطراد بيتان كتب الأول منهما هكذا:
من يكن رام حاجة بعدت عنه ... وأعيت عليه كل العياء
وأى مبتدىء درس العروض يعرف أن كتابته الصحيحة تجعل الهاء من «عنه» فى الشطر الثانى، وإذا ادعى مدع أى عذر فإننى أستطيع أن ألقمه حجرا وأقول له: انظر البيت الذى يليه فقد كتبت كلمة «بن» الباء فى الشطر الأول والنون فى الشطر الثانى.
هذه أمثلة مجرد أمثلة من جهل صاحبنا بالعروض، وأكرر رجائى بأن يقرأ كلّ من ابتلى بشراء نسخة هذا المحقق الهمام الفهارس بدقة ليرى العجب العجاب لأننى لا أستطيع أن أذكر كل ما جاء فى هذا الشأن.
وأعرّج على شىء آخر فى تحقيق المحقق الهمام وهو عدم الأمانة وعدم الدقة فى الإحالة والتخريج، فمثلا:
جاء فى 2/ 787فى باب فى المديح قول للمبرد ثمّ بيتان للحطيئة، وقد أحال المحقق الهمام إلى الكامل 1/ 398وأتحداه أن يبين ذلك فى الكامل، فالبيتان لم يذكرا أبدا فى الكامل!! وانظر التوجيه فى نسختنا 809و 810
جاء فى 1/ 636فى باب الالتفات ثلاثة أبيات لابن الرومى، فلا يهتم المحقق الهمام بالرجوع إلى المصدر وهو الديوان، وإنما ينقل عمن نقل عنه وهو كفاية الطالب، على الرغم من أن الديوان من مصادره، وقد رجع إليه فى أماكن أخرى.
وجاء فى 1/ 434فى باب الإيجاز رجز لأعرابى «أطلس يخفى»، ثم يأتى المحقق الهمام فيسرق الشرح الذى ذكره الأستاذ عبد السلام محمد هارون رحمه الله فى البيان والتبيين 1/ 50دون أن ينسبه إلى صاحبه، وانظر معى قول هذا المحقق بالنص: «والأطلس: مالونه الطلسة، وهى غبرة إلى سواد (القاموس: طلس) [كذا].
وأراد أنه يسرع العدو فيثير من الغبار ما يخفى شخصه»، وكل هذا من هامش البيان والتبيين ما عدا (القاموس: طلس) فقد أراد المحقق أن يخدعنا بأن الشرح من عنده ويحيلنا إلى القاموس، فى حين أن المذكور فى القاموس بالنص: «والأطلس الثوب
الخلق، والذئب الأمعط فى لونه غبرة إلى السواد». فبم تسمى هذا أيها القارىء الفاضل؟!!(1/34)
وأراد أنه يسرع العدو فيثير من الغبار ما يخفى شخصه»، وكل هذا من هامش البيان والتبيين ما عدا (القاموس: طلس) فقد أراد المحقق أن يخدعنا بأن الشرح من عنده ويحيلنا إلى القاموس، فى حين أن المذكور فى القاموس بالنص: «والأطلس الثوب
الخلق، والذئب الأمعط فى لونه غبرة إلى السواد». فبم تسمى هذا أيها القارىء الفاضل؟!!
وقد فعل هذا كثيرا فى كلام للشيخ محمد محيى الدين والأستاذ محمود محمد شاكر، ولن أحيلك أيها القارىء إلى الصفحات لأدفعك دفعا إلى قراءة الكتاب كله، ثم إلقائه فى قمامة المطبوعات، ولكننى سأذكرك أن تقرأ بيت ابن رواحة «فخبرونى أثمان العباء» فقد نقل الشرح من هامش طبقات فحول الشعراء دون أن يذكر ذلك!!. وعند ما تقرأ الكتاب كله سيكون حكمك مطابقا لحكمى الذى سأقوله فى نهاية عرض رؤيتى فى الكتاب.
جاء فى 1/ 317فى باب القوافى قول الفضل بن العباس اللهبى:
فاملئى وجهك الجميل خموشا
ثم قال:
وبناسميت قريش قريشا
ويذكر المحقق الهمام فى الهامش أن هذا القول فى المزهر 1/ 344والخزانة 1/ 204.
ولن أذكر المهزلة العلمية هذه، وإنما سأحيلك أيها القارىء إلى نسختنا 267و 268
أما فى الأعلام فحدث ولا حرج، فهو لا يتثبت من شىء، انظر ما قاله فى سليمان بن قته، وأبو بكر بن حزم، وكرز بن حفص، وغيرهم كثير كثير، ولا يعرف ألقاب الشعراء، وإنما يخلط هذا بذلك، فتجده فى الفهارس مثلا يقول: «مسلم بن الوليد، صريع الغوانى، الخليع» [كذا] ثم تجده يذكر الخليع وحده، ثم يكتب بجوار الحسين بن الضحاك الخليع، فأى نوع من المحققين هذا النوع؟!!
وسأذكر لك أيها القارئ الفاضل مثالا صارخا: جاء فى 2/ 918فى باب فى ذكر الوقائع والأيام، فى ذكر يوم الغبيط: «وزعم سعدان عن أبى عيينة» فيأتى المحقق الهمام فيكتب رقما ثمّ يقول فى الهامش ما نصه: «لعل سعدان هذا هو محمد بن سعدان».
وهذه فضيحة علمية ما بعدها فضيحة وذلك لأنه لو قرأ قراءة متأنية فى النقائض لوجد أن هذا الاسم يتردد كثيرا فى النقائض 1/ 372و 2/ 811و 901وغير ذلك كثير فى النقائض، وأن سعدان هذا هو أبو عثمان سعدان بن المبارك، ولا أستطيع أن أقول عن هذا المحقق إلا أنه تلميذ مبتدئ فى روضة التحقيق، ويحتاج إلى من يأخذ بيده أو برجله إلى الطهارة من هذه الأنجاس العلمية.(1/35)
وبعد، فإن هذه أمثلة من عمل يجب على صاحبه أن يستره ستر العورة، وأن يتبرأ منه لأنه ابن غير شرعى، ولو كانت القوانين تسمح بسحب الدرجات العلمية لطلبت من المملكة المغربية أن تحرمه من هذا اللقب الذى يصدّر به اسمه، وأن تسترد منه كل ما أنفقته عليه فى الدراسات العليا، ولو كان الأمر ممكنا أيضا لطلبت من كل الذين اشتروا هذا الكتاب أن يردوه له وأن يستردوا ثمنه، وإذا لم يستطيعوا فإن على كل واحد أن يدعو عليه بأن ينصرف عن العلم إلى شىء آخر من أمور الحياة.
ولما لم يكن الأمر بهذه السهولة فإننى أقترح على القائمين على الأمر فى المملكة المغربية أن يفعلوا معه ما كان يفعله أحمد بن المدبر فى الشعراء الذين لا يعجبه شعرهم، فقد كان هذا الرجل يأمر غلامه بأن يأخذ الشاعر غير المبدع إلى المسجد، ويجعله يتوضأ ثم يصلى عن كل بيت من أبيات قصيدته مائة ركعة، فكان لا يأتيه من الشعراء إلا من يثق فى شعره، ولذا فإننى أطالب بأن يجبر هذا المحقق على أن يصلى عن كل صفحة مائة ركعة، إننا لو فعلنا مثل ذلك لطهرنا الساحة من أمثال هذا الغثاء، ثم لطهرناه من أدرانه!!
وبعد هذا العرض أعتقد أن القارىء الأديب عرف نتيجة قراءة هذا الشىء الذى يسمى تحقيقا، ويرى أننى أصررت على أن أنتهى من عملى بطريقتى وخطتى التى بدأت بهما، ولذلك عند ما قابلنى أخى الأستاذ الدكتور محمود الطناحى رحمه الله قال لى: ما نتيجة قراءة التحقيق الذى أخبرتك به؟ قلت له على الفور: إننى بعد القراءة قلت: فليمدد أبو حنيفة رجليه، فما كان منه رحمه الله إلا أن فحص الأرض برجليه من شدة الضحك، وكان رحمه الله من المتذوقين للنكتة والطرفة.
عدت من الرياض فى نهاية العام الجامعى 1994/ 1995بعد أن أمضيت هناك خمسة أعوام، ولم أكن قد انتهيت من النسخة الخطية التى دلنى عليها أخى الأستاذ الدكتور محمود الطناحى رحمه الله والسبب فى ذلك هو أننى قضيت الجزء الأكبر من هذا العام فى قراءة نسخة قرقزان، وبدأت بعد العودة رحلة عذابات المرض واستئصال المرارة.
بفضل من الله انتشلت نفسى من كل الآلام النفسية التى أعقبت الجراحة، وبدأت أعود إلى أوراقى، وفى كل مرة أعود فيها إلى العمدة كنت أحس بحالة عاشق كان قد افتقد محبوبته، ثم فجأة يراها فى الطريق فيذكر كل شىء، ويعود إليه حماسه، وتتحرك فيه دماء العشق، وتدفعه دفعا إلى احتضان المحبوبة، لكننى لم أنس طريقتى التى سبق أن تحدثت عنها، وهى أننى لا أستطيع أن أجلس للعمل فى كتاب واحد، فقد
كنت فى أثناء بحثى فى الرياض عن نسخ من العمدة عثرت على نسخة خطية نادرة من كتاب سر الفصاحة، فكنت أعمل فيها بجوار عملى فى العمدة حتى لا أملّ.(1/36)
بفضل من الله انتشلت نفسى من كل الآلام النفسية التى أعقبت الجراحة، وبدأت أعود إلى أوراقى، وفى كل مرة أعود فيها إلى العمدة كنت أحس بحالة عاشق كان قد افتقد محبوبته، ثم فجأة يراها فى الطريق فيذكر كل شىء، ويعود إليه حماسه، وتتحرك فيه دماء العشق، وتدفعه دفعا إلى احتضان المحبوبة، لكننى لم أنس طريقتى التى سبق أن تحدثت عنها، وهى أننى لا أستطيع أن أجلس للعمل فى كتاب واحد، فقد
كنت فى أثناء بحثى فى الرياض عن نسخ من العمدة عثرت على نسخة خطية نادرة من كتاب سر الفصاحة، فكنت أعمل فيها بجوار عملى فى العمدة حتى لا أملّ.
ولكن أخى الأستاذ محمد الخانجى لم يصبر حتى أنتهى من عملى فى مقابلة النسخة التى دلنى عليها الدكتور محمود الطناحى، فقد بدأ فى جمع العمدة فى النصف الثانى من عام 1996، ويبدو أنه كان يدفعنى للانتهاء منه دفعا، كما كان يخاف من جملة كنت أقولها دائما وهى: إننى أخاف أن أموت قبل أن ينتهى العمدة بالطريقة التى ارتضيتها، فقد كنت أقوم بعمل مزدوج يتمثل فى تصحيح التجارب مع مقابلة النسخة التى دلنى عليها الدكتور الطناحى، وكان فى هذا العمل مخالفة تامة لكل أوامر الأطباء الذين نصحونى بعدم الإجهاد، وبخاصة لأن عينىّ أصبحتا فى حالة لا تسمح بأن أقرأ أكثر من ساعتين طوال اليوم.
إن تصحيح التجارب فى هذه الأيام بالنسبة لى على الأقل قسوة ما بعدها قسوة، وبخاصة لأنك تصحح الجزء الذى يأتيك فيعود إليك بأخطاء لم تكن موجودة، ولذلك فإننى أزعم أننى صححت تجارب هذا الكتاب أكثر من سبع مرات، وفى كل مرة أقرأ الكتاب كله!! وفى كل مرة أجد شيئا جديدا من الخطأ لم يكن موجودا، ومن هنا فإننى من الآن أطلب المعذرة من القارىء الفاضل عما يمكن أن يكون قد بقى من أخطاء يدركها الأديب اللبيب.
فوجئت فى شهر سبتمبر 1997باتصال هاتفى من أخى العالم المحقق الأستاذ الدكتور أحمد عبد المجيد هريدى، والمفاجأة ليست فى الاتصال، فنحن على اتصال دائم ومستمر إن شاء الله، ولكن كانت المفاجأة فى الغرض من الاتصال، فقد أخبرنى أنه وجد نسختين مغربيتين من كتاب العمدة فى معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وأعطانى رقميهما، وقد أخبرته أننى كنت قد ذهبت إلى المعهد فى أول رحلتى مع الكتاب لأبحث عن أية مخطوطة، فأخبرنى المسئولون وقتها بعدم وجود مخطوطة للكتاب عندهم، وقد علمت من أخى أن هاتين المخطوطتين مع غيرهما لم يكن قد تم إدراجهما فى قائمة المخطوطات، وبخاصة فى فترة توقف المعهد أو كمونه فى أيام المقاطعة العربية لمصر، فقلت له: إن هذا الأمر صحيح لأننى عند ما ذهبت إلى المعهد للحصول على نسخة من كتاب كفاية الطالب عرفت أنه ضمن الكتب التى لم تدرج فى القائمة، وقد ذكرت ذلك فى تحقيقى للكتاب.
أخبرت أخى الأستاذ محمد الخانجى بهذا الخبر الطيب، ورجوته أن يعمل على إحضارهما لأن ظروفى الصحية والنفسية لا تسمح لى بالتحرك كثيرا، فتفضل
مشكورا بإحضارهما، النسخة الأولى تحمل رقم 2024أدب والثانية تحمل رقم 2025أدب.(1/37)
أخبرت أخى الأستاذ محمد الخانجى بهذا الخبر الطيب، ورجوته أن يعمل على إحضارهما لأن ظروفى الصحية والنفسية لا تسمح لى بالتحرك كثيرا، فتفضل
مشكورا بإحضارهما، النسخة الأولى تحمل رقم 2024أدب والثانية تحمل رقم 2025أدب.
وبدأت رحلة جديدة مع الكتاب وهى مقابلة مخطوطتين دفعة واحدة مع الكتاب الذى كان قد جمع جمعا كاملا، ولم يبق إلا أن أتفرغ لعمل الفهارس، ولكنها إرادة الله عز وجل التى تجعل كل شىء يسير فى نظام محدد ويظهر فى وقت معلوم، ولم نكن نستطيع بعد الجمع النهائى للكتاب أن نضع إشارات وأرقاما فى الهوامش لأنه ربما أدى ذلك إلى أخطاء جديدة تمنعنى من الاستمرار فى الكتاب، وكثيرا ما كانت تنتابنى حالات ضيق شديد تصور لى أن أبتعد عن الكتاب ابتعادا كاملا، ولكننى بعد أن تهدأ نفسى أجدنى أندفع نحوه اندفاعا بحماسى الأول، وبخاصة عند ما أتذكر أفراحى التى كنت أشعر بها عند ما أجد قولا ذكره المؤلف فى مصدر من المصادر، كنت أجدنى فى كل مرة أعود إليه أردد «ما أحلى الرجوع إليه».
بعد انتهاء العام الجامعى 1997/ 1998كنت قد انتهيت من مقابلة نسختى معهد المخطوطات، وقد اضطررت إلى السفر إلى المملكة العربية السعودية فى العام الجامعى 1998/ 1999، وفى أثناء هذا العام قمت بعمل الفهارس الكاملة للكتاب، وإذا كانت عملية تصحيح التجارب صعبة فإن عمل الفهارس أشد صعوبة، ولا يعرف ذلك إلا من خبر هذا العمل ودخل إلى دروبه ودهاليزه، وبخاصة لأننى قمت بعمل أنواع عدة من الفهارس تتمثل فى: فهرس آيات القرآن الكريم، فهرس الأحاديث النبوية، فهرس الأمثال العربية، فهرس الأقوال [وهذا كان صعبا جدا]، فهرس الأشعار، وفى هذا الفهرس كنت أذكر الأبيات كلها إذا كانت النماذج تشتمل على أكثر من بيت، وفهرس أنصاف الأبيات، وفهرس الأعلام، وفهرس المصادر والمراجع، ثم فهرس تفصيلى لموضوعات الكتاب.
هذه رحلتى مع هذا السفر الجليل، وهى رحلة شاقة وصعبة، وبمقدار ما فيها من مشقة وصعوبة فإنها كانت تملأ نفسى بالفرح والسرور الذى ينسى معهما كل ألم وتعب فإن المولود عند ما يستهل تنسى أمه كل متاعبها، وتنقلب صرخاتها إلى ابتسامات وضحكات ونظرات حانية إلى الوجه البرىء الذى أطل على الوجود!!
وأرجو من القارىء الفاضل أن يسامحنى فى ذكر هذه المراحل التى مررت بها فقد أحببت أن يعيش معى فى ذات الظروف التى عشتها، وأذكر له بيتين قلتهما فى هذا الشأن:
لكلّ كتاب فى حياتى قصة ... توضّح أبوابا من الجهد خافيه
فما كنت تدريها بدون مقولتى ... وتجمع آثارا من العلم عاليه(1/38)
لكلّ كتاب فى حياتى قصة ... توضّح أبوابا من الجهد خافيه
فما كنت تدريها بدون مقولتى ... وتجمع آثارا من العلم عاليه
وصف المخطوطات
قد يتصور القارىء الفاضل أن هناك خطأ ما فى ترتيب هذه المخطوطات وذلك لأنه قديرى أن ترتيبها كان يجب أن يكون على حسب أقدميتها فى النسخ أو الكتابة، وله بعض الحق فيما يرى، ولكن عند ما يعرف أن المسألة بالنسبة لى لا تقاس بهذه الطريقة فسوف يرتضى ما ذهبت إليه، بل وسيؤيده، ويتنازل عن رؤيته السابقة.
والسبب فيما ذهبت إليه هو أننى أرى أن النسخة الأحدث فى النسخ كانت أولى النسخ التى وقعت فى يدى، كما كانت السبب فى بدء هذا العمل الجليل، من ناحية أنها أجابت عن الكثير من الأسئلة التى كانت تدور فى رأسى قبل حصولى عليها، ولم أكن أجد لهذه الأسئلة جوابا، فقد سبق أن بينت بعض الأخطاء التى وجدتها فى نسخة الشيخ محمد محيى الدين، وكنت فى أول الأمر أرى أن هذه النسخة قد حققها الشيخ، وكنت أتصور أن الأخطاء التى فيها لا تعدو أن تكون أخطاء مطبعية أو أخطاء فى التصحيح، وقد قامت نسخة الأزهر بتصحيح الطريق أمامى، وصوبت الكثير من الأخطاء التى كنت أجدها فى نسخة الشيخ، وقد لازمتنى هذه النسخة ما يقرب من ثمانية أعوام من عام 19901982كنت أقوم فيها بعمل تصحيح نص الكتاب من خلالها، ثم تخريج ما فيه من نصوص، وكنت قد وضعت فى برنامجى أننى لن أدفع هذا الكتاب إلى المطبعة إلا بعد أن أجد نسخا أخرى أو نسخة على الأقل وتكون مكتوبة بخط مغربى، ومن هنا أرى ويرى معى القارىء الفاضل أن هذه النسخة الأزهرية هى الأقدم فى ملازمتى وخدمة الكتاب، وإن كانت أحدث فى تاريخ النسخ.
وقد شاءت إرادة الله أن أحصل على بغيتى وهى النسخة المغربية الموجودة فى المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فى أول العام الجامعى 1991/ 1992م، ثم تأتى النسخة التى دلنى عليها أخى المرحوم الأستاذ الدكتور محمود الطناحى، فى عام 1994/ 1995وهى الجزء الثانى فقط من الكتاب، ثم تأتى النسختان المغربيتان بعد الانتهاء من جمع الكتاب، ومن هنا فإننى أرى أن هذا الترتيب يوافق المعايشة معى ولن يقلل من قيمة السرد.
أولا: مخطوطة الأزهر:
هذه المخطوطة عثرت عليها فى عام 1982حين كنت أبحث فى مكتبة الأزهر عن أشياء تنفعنى فى الترقية لدرجة أستاذ، وقد خرجت من هذه المكتبة فى ذلك العام بمجموعة نفيسة من المخطوطات كان منها كتاب «من غاب عنه المطرب» للثعالبى الذى ظهر عام 1984م، وهذه المخطوطة من العمدة موجودة فى المكتبة الأباظية الملحقة
بمكتبة الجامع الأزهر، وهى تحمل رقم 6844عمومية، ورقم 239خصوصية، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوطة هو: العمدة فى محاسن الشعر وآدابه وصناعته، وتقع فى جزءين: الجزء الأول يقع فى 150ورقة، وفى نهايته كتب: تم الجزء الأول من كتاب العمدة فى محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيروانى، وكان الفراغ منه يوم السبت الموافق 14رجب سنة 1306على يد كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الله الزمرانى غفر الله له ولوالديه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.(1/39)
هذه المخطوطة عثرت عليها فى عام 1982حين كنت أبحث فى مكتبة الأزهر عن أشياء تنفعنى فى الترقية لدرجة أستاذ، وقد خرجت من هذه المكتبة فى ذلك العام بمجموعة نفيسة من المخطوطات كان منها كتاب «من غاب عنه المطرب» للثعالبى الذى ظهر عام 1984م، وهذه المخطوطة من العمدة موجودة فى المكتبة الأباظية الملحقة
بمكتبة الجامع الأزهر، وهى تحمل رقم 6844عمومية، ورقم 239خصوصية، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوطة هو: العمدة فى محاسن الشعر وآدابه وصناعته، وتقع فى جزءين: الجزء الأول يقع فى 150ورقة، وفى نهايته كتب: تم الجزء الأول من كتاب العمدة فى محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيروانى، وكان الفراغ منه يوم السبت الموافق 14رجب سنة 1306على يد كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الله الزمرانى غفر الله له ولوالديه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
والجزء الثانى يقع فى 150ورقة أيضا، وفى نهايته كتب: تم كتاب العمدة فى محاسن الشعر وآدابه تأليف أبى على حسن بن رشيق القيروانى الأزدى، وكان الفراغ منه فى شهر جمادى الأولى سنة اثنين [كذا] ومائة بعد الألف، وكان الفراغ من نقل هذه النسخة يوم الأربع [كذا] المبارك السادس من شهر ذى القعدة سنة ألف وثلاثمائة وستة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية، وعلى آله وصحبه ذى [كذا] النفوس الزكية، على يد أفقر العباد إلى ربه فى الدنيا ويوم التناد محمد بن عبد الله بن الزمرانى، غفر الله له ولوالديه آمين آمين.
وقد رمزت لهذه المخطوطة بالرمز [ف]، وهذه المخطوطة هى التى كتبت أرقام صفحاتها فى المتن بالأرقام العربية التى نستعملها نحن أهل المشرق العربى.
وعلى الرغم من أن هذه المخطوطة ساعدتنى فى تصحيح كثير من الأخطاء التى جاءت فى نسخة الشيخ محمد محيى الدين إلا أنها مليئة بالأخطاء الإملائية، وهذه الأخطاء لم أشأ أن أشير إليها فى الهامش لأن هذا سيستغرق جهدا وأوراقا، ثم لن تقدم الإشارات فائدة للقارئ، فمثلا: تكتب كلمة «قالوا» فيه هكذا: «قالو» بدون ألف، وتكتب كلمة «دعا» هكذا «دعى»، و «سعى» تكتب «سعا» فكنت أتجاوز عن ذلك كله لأن المهم هو النص فى ذاته.
ثانيا: مخطوطة مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض:
كان لتوصية أخى الفاضل الدكتور محمد بن حسن الزير أثر كبير فى اهتمام الإخوة القائمين على أمر المكتبة بالبحث عن مخطوطة للعمدة، ولم يمض وقت طويل فى بداية العام الجامعى 1991/ 1992إلا وكان معى مصورة (ميكرو فيلم) من نسخة مكتوبة بالخط المغربى، وقد أسعدتنى هذه النسخة سعادة كبيرة لأنها صححت مع النسخة [ف] السابقة كل الأخطاء التى جاءت فى نسخة الشيخ محيى الدين، إلا أن
هذه النسخة تمتاز بشىء خاص وهو أنها عند ما تذكر نصا من كتاب ما فإنها تتطابق مع هذا الكتاب فى نصه، بخلاف باقى النسخ التى تختلف فيما بينها.(1/40)
كان لتوصية أخى الفاضل الدكتور محمد بن حسن الزير أثر كبير فى اهتمام الإخوة القائمين على أمر المكتبة بالبحث عن مخطوطة للعمدة، ولم يمض وقت طويل فى بداية العام الجامعى 1991/ 1992إلا وكان معى مصورة (ميكرو فيلم) من نسخة مكتوبة بالخط المغربى، وقد أسعدتنى هذه النسخة سعادة كبيرة لأنها صححت مع النسخة [ف] السابقة كل الأخطاء التى جاءت فى نسخة الشيخ محيى الدين، إلا أن
هذه النسخة تمتاز بشىء خاص وهو أنها عند ما تذكر نصا من كتاب ما فإنها تتطابق مع هذا الكتاب فى نصه، بخلاف باقى النسخ التى تختلف فيما بينها.
ومن أجل ذلك فقد اعتبرت هذه النسخة أصلا فى تحقيق الكتاب ورمزت لها بالرمز [ص]، على الرغم من أن بها سقطا قد يصل إلى ثلاثين صفحة فى أماكن متفرقة سيرى القارىء الإشارة إليها فى الهوامش، وتقع هذه النسخة فى جزءين يشتملان على 200ورقة إلا أنهما متتابعان فى الترقيم.
وفى نهاية الجزء الأول كتب: تم الجزء الأول من كتاب العمدة بحمد الله وحسن عونه ويتلوه الثانى إن شاء الله تعالى، نسأله التوفيق بمنّه وكرمه وجوده وفضله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.
وفى نهاية الجزء الثانى كتب: تم كتاب العمدة فى محاسن الشعر وآدابه والحمد لله حق حمده، والصلاة التامة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وذريته ومحبه وسلم تسليما، وذلك بتاريخ ذى الحجة المحرم عام ثمانية وتسعين وتسعمائة جزانا الله خيره، وكفانا شره بجاه محمد وآله، والحمد لله رب العالمين على يد عبد الله بن عمر بن عثمان الترعى غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، إنك جواد كريم، يا نعم المولى، يا نعم النصير، وصلى الله على سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.
وسوف أنشر لوحة التعريف بهذه المخطوطة وذلك نظرا لأن هذه النسخة غير مسجلة فى قائمة مخطوطات المكتبة المركزية بجامعة الإمام، وهذه المخطوطة هى التى كتبت أرقام صفحاتها فى المتن بالأرقام الإفرنجية.
ثالثا: مخطوطة الجزء الثانى من كتاب العمدة وهى فى المكتبة المركزية بجامعة الإمام:
لم توضع هذه النسخة فى قائمة المخطوطات الرئيسية، ولكنها وضعت فى كتاب ألفه الدكتور محمود الطناحى رحمه الله تحت عنوان «الفهرس الوصفى لبعض نوادر المخطوطات بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية»، وطبع هذا الكتاب سنة 1413هـ 1993م، ولما دلّنى أخى على هذه المخطوطة ولم يكن قد أعطانى نسخة الكتاب ذهبت إلى المكتبة المركزية فوجدت الكتاب لم يصوّر بعد على مصورة (ميكرو فيلم)، وقد قام الأساتذة الأفاضل المسئولون فى المكتبة بتصوير نسخة من الأصل الذى كان من ممتلكات الشيخ على الليثى، ثم آل إلى الأستاذ خير الدين الزركلى بالشراء، ثم آل إلى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود.(1/41)
وهذه النسخة تقع فى 170ورقة بالخط النسخى العتيق، وجاءت تحت عنوان العمدة فى محاسن الشعر وآدابه وصناعته، وهى تبدأ بباب التجنيس، ولم تذكر سنة نسخها، ويقول الدكتور الطناحى رحمه الله: لعلها من خطوط القرن السادس.
وسوف أنشر لوحة التعريف بها مع لوحات من متن الكتاب، وهذه المخطوطة هى التى وضعت أرقام صفحاتها فى المتن بين دائرة.
رابعا: مخطوطة معهد المخطوطات التى تحمل رقم 2024أدب:
هى إحدى النسختين اللتين دلنى عليهما أخى العالم المحقق الأستاذ الدكتور أحمد عبد المجيد هريدى، وهى مكتوبة بالخط المغربى المعتاد وتقع فى 260ورقة، ولم تذكر فيها سنة النسخ وإن كنت أرى أنها من القرن العاشر الهجرى، وبهامشها بعض المقابلات، وكتب فى لوحة التعريف بها أنها من الخزانة الملكية بالرباط (الزيدانية) 1749، وجاء اسم الكتاب فيها: «العمدة فى صناعة الشعر ونقده».
خامسا: مخطوطة معهد المخطوطات التى تحمل رقم 2025أدب:
وهى النسخة الثانية التى دلنى عليهما أخى الدكتور أحمد عبد المجيد هريدى، وهى مكتوبة بخط مغربى، ولم تذكر سنة الكتابة أو النسخ، وأرى أنها هى الأخرى من مخطوطات القرن العاشر الهجرى. وهى مأخوذه من الخزانة العامة بالرباط 465وبها سقط فى أولها من المقدمة، وتقع فى 191ورقة.
وفيها جاء اسم الكتاب «العمدة فى صناعة الشعر ونقده».
المطبوعتان المعتمدتان عندى:
أولا المطبوعة المنشورة فى مكتبة محمد أمين الخانجى سنة 1325هـ 1907م، وقد عنى بتصحيحها السيد محمد بدر الدين النعسانى الحلبى، وطبعت على نفقة السيد محمد كامل النعسانى ومحمد عبد العزيز، وجاء اسم الكتاب فيها «العمدة فى صناعة الشعر ونقده».
ثانيا: المطبوعة المنشورة فى المكتبة التجارية الكبرى بأول شارع محمد على بمصر، وهى الطبعة الثالثة وطبع الجزء الأول فى صفر الخير 1383هـ يونية 1963م، وطبع الجزء الثانى فى رمضان 1383هـ يناير 1964م، وكتب عليها: حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محيى الدين عبد الحميد. وجاء اسم الكتاب فيها: «العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده».(1/42)
وقد أسقطت من اهتمامى نسخة أمين هندية التى طبعت سنة 1344هـ 1925م وذلك لأنها مثل نسخة الشيخ محيى الدين صورة طبق الأصل فى كل شىء من نسخة الخانجى، فتعتبر المقابلة عليها مهزلة من ناحية، وتضييعا للوقت من ناحية أخرى.
اسم الكتاب:
يلاحظ أن بعض المخطوطات والمطبوعات ذكرت اسم الكتاب هكذا: العمدة فى صناعة الشعر ونقده، وذلك مثل المخطوطتين المغربيتين والنسخة المطبوعة عند الخانجى ونسخة أمين هندية، وبعض المخطوطات تذكر اسم الكتاب هكذا: العمدة فى محاسن الشعر وآدابه، مثل النسخة [ص] و [ف]، وفى النسخة [ع] جاء الاسم هكذا:
العمدة فى محاسن الشعر وآدابه وصناعته، ولكن الشيخ محيى الدين فى الطبعة التى اعتمدتها تذكر اسم الكتاب هكذا: العمدة فى محاسن الشعراء وآدابه ونقده.
وقد اعتمدت اسم «العمدة فى صناعة الشعر ونقده» للآتى:
1 - جاءت التسمية باسم «العمدة» فقط فى الذخيرة 4/ 2/ 599، ومعجم الأدباء 2/ 865 [ط إحسان] وجاءت هذه التسمية نفسها خمس مرات فى مقدمة ابن خلدون فى الصفحات 764و 1067و 1106و 1108و 1120
ولكننى لاحظت أن ابن خلدون كان يتحدث فى مرتين منها عن الشعر فقال فى الأولى 1106: «ذكر ذلك ابن رشيق فى كتاب العمدة، وهو الكتاب الذى انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها»، ثم قال فى الثانية وهو يتحدث عن الشعر أيضا 1108: «وبالجملة فهذه الصناعة وتعلمها مستوفى فى كتاب العمدة لابن رشيق».
فهل هذا الكلام من ابن خلدون يوحى بأن الكتاب اسمه العمدة فى صناعة الشعر ونقده وكان هو يختصره عند ما يتحدث عنه كما نفعل ذلك نحن أيضا؟ سؤال يحتاج إلى إجابة.
2 - جاءت التسمية باسم «العمدة فى صناعة الشعر» فقط فى كل من سير أعلام النبلاء 18/ 325وإنباه الرواة 1/ 298و 304وبغية الوعاة 1/ 504
3 - جاءت التسمية باسم «العمدة فى صنعة الشعر» فى إنباه الرواة 1/ 303
4 - جاءت التسمية باسم «العمدة فى صناعة الشعر ونقده وعيوبه» فى شذرات الذهب 3/ 297(1/43)
5 - جاءت التسمية باسم «العمدة فى معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه» فى وفيات الأعيان 2/ 85ونقل عنه هذه التسمية صاحب الحلل السندسية 1/ 265والوافى بالوفيات 12/ 13
ومن هذا العرض يبدو لى أن اسم الكتاب كان «العمدة» فقط، ويؤيد هذا ما جاء فى صفحة الفهارس فى النسخة [ص]، وإن كانت لوحة الإعلان التى كتبها مصور النسخة تذكر ما جاء فى نهايتها، وقد سبق توضيح ذلك.
ثم جاء من سماه «العمدة فى محاسن الشعر وآدابه» بسبب ما كتبه ابن رشيق فى المقدمة من أنه جمع مادته العلمية من التراث الذى سبقه ليكون هذا العمدة فى محاسن الشعراء وآدابه، وإن كان لم يصرح بأن هذه هى التسمية التى ارتضاها.
ولكن الشيخ محمد محيى الدين أطلق عليه «العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده»، وكأنه بتغييره عنوان الكتاب يبعد نظر القارىء عن نسخة الخانجى.
من العرض السابق يتضح للقارىء الفاضل أن القاسم المشترك بين المصادر التى تحدثت عن العمدة هو: «العمدة فى صناعة الشعر ونقده» ومن أجل ذلك اخترت هذه التسمية، وهى التى جاءت فى نسخة الخانجى وفى المخطوطتين المغربيتين.
هذا وإننى أرجو من الله أن أكون قد وفقت فيما قمت به من عمل فى هذا الكتاب، وإننى لأرجو أن يكون عملى خالصا لله، وأن يقبله، وأن يثيبنى عليه، كما أرجو من أساتذتى الأفاضل وإخوانى العلماء والأدباء أن يغفروا زلتى، فسبحان المتفرد بالكمال، وسبحان من كانت كلمته صدقا وعدلا، ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، {رَبَّنََا لََا تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْ أَخْطَأْنََا رَبَّنََا وَلََا تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً كَمََا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنََا رَبَّنََا وَلََا تُحَمِّلْنََا مََا لََا طََاقَةَ لَنََا بِهِ وَاعْفُ عَنََّا وَاغْفِرْ لَنََا وَارْحَمْنََا أَنْتَ مَوْلََانََا فَانْصُرْنََا عَلَى الْقَوْمِ الْكََافِرِينَ} [البقرة: 286] {رَبَّنََا لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنََا وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهََّابُ} [آل عمران: 8]، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المحقق الدكتور النبوى عبد الواحد شعلان(1/44)
الورقة 1/ ظ من المخطوطة المغربية بجامعة الإمام(1/45)
الورقة 201/ ومن المخطوطة المغربية بجامعة الإمام وهى نهاية الكتاب(1/46)
صفحة عنوان الكتاب فى الجزء الثانى من مخطوطة جامعة الإمام
الصفحة الأخيرة من الجزء الثانى من مخطوطة جامعة الإمام(1/47)
صفحة عنوان الجزء الأول فى نسخة الأزهر
الصفحة الأخيرة من نسخة الأزهر(1/48)
صفحة العنوان فى النسخة 2024فى معهد المخطوطات(1/49)
الصفحة الأخيرة من النسخة 2024فى معهد المخطوطات(1/50)
صفحة العنوان فى النسخة 2025فى معهد المخطوطات(1/51)
الصفحة الأخيرة من النسخة 2025فى معهد المخطوطات(1/52)
تتمة الجزء الأول
مقدمة المؤلف
العمدة فى صناعة الشعر ونقده تأليف أبى على الحسن بن رشيق القيروانى المتوفى سنة 456هـ أو سنة 463هـ(1/53)
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
صلى (2) الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، وصلى الله على صفوته من خلقه (3):
محمد خيرته، وعلى أبرار عترته (4)، وسلم تسليما.
أما بعد، فإن أحقّ من جنى ثمر الألباب، واقتطف زهر الآداب، متنزّها فى عقول الحكماء، متفقها فى أقاويل العلماء، بالغا بهمته أعلى المراتب، خاطبا لنفسه أسنى المطالب، مستقرّا فى أرفع ذروة، مستمسكا (5) بأوثق عروة من عرف للعلم حقّه وفضله، وسلك به طرقه وسبله، وأكرم فى الله مثواه ونزله، وخصّ بالقرب ذويه وأهله، فاستوجب من جميل الذكر، وجزيل الذخر ما هو أزين فى الدنيا، وأبقى للآخرة (6)، كالسيد الأمجد، والفذّ الأوحد، حسنة الدنيا، وعلم العليا، وبانى المكارم، وآبى المظالم، رجل الخطب، وفارس الكتب: أبى الحسن
__________
(1) فى ف جاء بعد البسملة قوله: «وبه نستعين. قال أبو على حسن بن رشيق القيروانى المغربى رحمه الله تعالى»
(2) فى المطبوعتين: «وصلى»، وبدون الواو طريقة أهل المغرب، انظر إحكام صنعة الكلام 56
(3) فى المطبوعتين: «وصلاته على صفوته من خلقه».
(4) فى ص: «عشيرته»، واعتمدت ما فى ف ومغربية والمطبوعتين 4لأن عترة الرجل أقرباؤه من ولد غيره، أو قومه، أو رهطه وعشيرته الأدنون، أما عشيرة الرجل فهم بنو أبيه الأدنون، فالعترة أعم. انظر أدب الكاتب 28واللسان [ع ت ر] و [ع ش ر]. وسقطت الورقة الأولى من المغربية الأخرى.
(5) فى ف والمطبوعتين: «متمسكا».
(6) فى ف والمطبوعتين: «فى الآخرة».(1/55)
على بن أبى الرّجال الكاتب (1)، زعيم الكرم، وواحد الفهم، الذى نال الرياسة، وحاز السياسة، وانفرد بالبسط والقبض، واتحد فى الإبرام والنقض، عن سعى مشكور، وفضل مشهور، وعلم بالموارد والمصادر، ونظر فى الأوائل والأواخر، وتتبّع لآثار من سلف من أهل القدر والشرف، وتقلّب فى مجالس الحكم، بين ذوى الأخطار (2) والهمم، إلى أن صار نسيج وحده، وقريع دهره، غير مدافع عن ذلك، ولا منازع فيه.
فالحمد لله الذى اختصه بالجلالة، واستخلصه لشرف الحالة، وقدّمه على المتقدمين فى الرتب، وأقام به سوق / العلم والأدب، وجعل ذكره باقيا، وجدّه ساميا (3)، وأيده من النصر والتوفيق، بما فيه رضا (4) الخالق والمخلوق فضلا من الله ونعمة، والله عليم حكيم.
وأنا أطال الله بقاء السيد محروس النعمة، مرهوب النقمة، موقّى فى دنياه ودينه، منتفعا بظنه ويقينه، قليل الأنداد، كثير الحساد وإن لم أعلق من العلم إلا بحاشية، (5) ولا أخذت منه إلا فى جهة وناحية (5) لسوء المكان، وقلة الإمكان، وزمانة (6) الزمان، وحدوث الحدثان، قبل أن أعلق بحبل عنايته، (7) وأحفظ بعين رعايته، وأصير فى حرم حمايته (7)، فقد وجدت الشعر أكبر علم (8)
__________
(1) هو على بن أبى الرجال الشيبانى، يكنى أبا الحسن، عالم شاعر، كان راعى الأدب والأدباء فى القيروان، أيام المعز بن باديس، وكان عالما بالنجوم، ويقال عنه: إنه كان هو وأبوه وأهل بيته برامكة إفريقية. هامش الذخيرة 4/ 1/ 222.
(2) فى المطبوعتين: «الأقدار»، وفى هامش م كتب المحقق: «فى نسخة الأخطار».
والأخطار جمع خطر وهو ارتفاع القدر، والمال والشرف والمنزلة. انظر اللسان فى [خطر].
(3) فى ص بياض فى مكانها.
(4) فى ص وف وخ: «رضى»، وكلاهما صحيح، واعتمدت ما فى م.
(55) فى ف والمطبوعتين: «ولا أخذت منه إلا فى ناحية».
(6) الزّمانة: الآفة والعاهة انظر اللسان فى [زمن].
(77) فى المطبوعتين: «وأحفظ وأصير فى حرم حمايته».
(8) فى المطبوعتين: «علوم».(1/56)
العرب، وأوفر حظوظ الأدب، وأحرى أن تقبل شهادته، وتمتثل إرادته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن من الشعر لحكما» وروى: «لحكمة»، (1) وقول عمر بن الخطاب / رضى الله عنه: «نعم ما تعلمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل أمام حاجته فيستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم» (2). مع ما للشعر من عظيم المزية، وشرف الأبية، وعزّ الأنفة، وسلطان القدرة.
ووجدت الناس مختلفين فيه، متخلفين عن كثير منه، يقدمون ويؤخرون، ويقلّون ويكثرون، قد بوّبوه أبوابا مبهمة، ولقّبوه ألقابا متّهمة، وكل واحد منهم قد ضرب فى جهة، وانتحل مذهبا هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعت أحسن ما قاله كلّ واحد منهم فى كتابه ليكون العمدة فى محاسن الشعر وآدابه إن شاء الله (3).
وعوّلت فى أكثره على قريحة نفسى، ومعين خاطرى (4) خوف التكرار،
__________
(1) قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فى تخريج هذا الحديث فى لباب الآداب 333:
«إن من الشعر لحكما وإن من البيان لسحرا»، الحكم: العلم والفقه، والقضاء والعدل، وهو مصدر حكم يحكم، والمعنى: إن من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه، ويروى «لحكمة»، وهى بمعنى الحكم. قال فى النهاية: والحديث رواه أحمد فى المسند رقم 2424ح 1/ 269، وفى مواضع أخرى، ورواه أبو داود أيضا ح 4ص 461، وجاء عن غيره من الصحابة. ثم قال فى ص 355من ذات الكتاب: وقد روى القسم الأول منه الترمذى 2/ 38، وابن ماجه 2/ 214، وأحمد 5/ 125، والبخارى 8/ 34، وفتح البارى 10/ 446». ثم ذكر بعد ذلك سبب قول هذا الحديث فليرجع إليه من يشاء، وانظره فى زهر الآداب 1/ 5و 6. وانظر هامش ص 20الآتى.
(2) جاء هذا القول فى البيان والتبيين 2/ 101، هكذا: «خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدى حاجته، يستميل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم»، ثم جاء فى 2/ 320، هكذا:
«من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرجل بين يدى حاجته يستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم»، وجاء فى محاضرات الأدباء 1/ 80، هكذا: «نعم الهدية للرجل الشريف الأبيات يقدمها بين يدى الحاجة، يستعطف بها الكريم، ويستنزل بها اللئيم». وجاء فى الممتع 22هكذا: «نعم ما تعلمته العرب الأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته، فيستنزل بها اللئيم، ويستعطف بها الكريم».
(3) فى المطبوعتين: «إن شاء الله تعالى» وهكذا تكون دائما.
(4) فى ف والمطبوعتين: «ونتيجة خاطرى».(1/57)
ورجاء / الاختصار، إلا ما تعلق بالخبر، وضبطته الرواية (1)، فإنه لا سبيل إلى تغيير شىء من لفظه ولا معناه ليؤتى بالأمر على وجهه.
فكل ما لم أسنده إلى رجل معروف باسمه، ولا أحلت فيه على كتاب بعينه فهو من جنسه (2)، إلا أن يكون متداولا بين العلماء، لا يختص به واحد منهم دون الآخر، وربما نحلته أحد العرب، وبعض أهل الأدب تستّرا بينهم، ووقوعا دونهم، بعد أن قرنت كلّ شكل بشكله، ورددت كلّ فرع إلى أصله، وبينت للناشىء المبتدئ وجه الصواب فيه، وكشفت عنه لبس الارتياب به، (3)
حتى عرف باطله من حقه، وميّز كذبه من صدقه (3).
ولم أسم كتابى هذا باسم السيد زاده الله سموا (4) لأكون كجالب التمر إلى هجر، ومهدى الوشى إلى عدن، لكن تزينا باسمه الشريف، وذكره الطيب، واستسلاما بين يدى علمه الطائل، وأدبه الكامل: [السريع]
إن قصّرت عن غرض رمية ... أو زلّ فكر أو نبا خاطر (5)
فإنّنى فيه على نيّة ... يخبر عن باطنها الظّاهر
ولما عدلت بى الحال عن حضور مجلسه الباهر، ومنعنى الإجلال من مناسمة خلقه الزاهر، وطال اشتياقى إلى تلك الطلعة الكريمة، واشتد حرصى على تلك المشاهد العظيمة، وعلمت أن لا بد لى منه، ولا غنى بى (6) عنه، إلا ما حجز دونه آنفا من خدمة مولانا خلّد الله ملكه لما غمرنى من فضله،
__________
(1) فى ف: «وضبطه الرواة».
(2) فى ف والمطبوعتين: «فهو من ذلك».
(33) فى المطبوعتين: «حتى أعرف باطله من حقه، وأميز كذبه من صدقه».
(4) فى المطبوعتين: «زاده الله تعالى سموا».
(5) لم أعثر على البيتين فيما تحت يدى من المصادر، ولم أعرف قائلهما.
(6) فى المطبوعتين: «ولا غنى لى».(1/58)
وقيّدنى من إحسانه:
[الطويل]
ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا (1)
نفضت جراب صدرى، وانتقدت كنز معرفتى، وأيقنت أن صورة الإنسان فضلة عن القلب واللسان، وأن استحقاقه الفضل (2) إنما هو من / جهة النطق والعقل، فمثّلت له نفسى، وأهديتها إليه، ومثلت بها حقيقة بين يديه، إذ كانت الأنفاس منوطة بالأنفس، والمرء لو لاهما موات ملقى لا خير فيه، ولا نفع عنده، وأيضا فإن النفس تفوت الحس، فإنما (3) تدرك بالبصائر لا بالأبصار، والسيد أدام الله عزه أعلم بمعذرتى، / وأقوم بحجتى من أن أعرض خزفى على جوهره، أو أقيس وشلى (4) بأبحره، بل أستقيله (5)، وأسترشده، وأستعفيه، وأستنجده، ثم إنى لا أظهر حرفا من كتابى هذا إلا عن أمره، ومن بعد إذنه لأكون به أقوى ثقة، وله أشدّ مقة (6)، فإن وقع منه بموقع، وحلّ من قبوله فى موضع، (7) بلغت الإرادة، ورجوت الزيادة (7):
[البسيط]
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأوّل الغيث قطر ثمّ ينسكب (8)
__________
(1) هذا عجز بيت للمتنبى فى ديوانه 1/ 292، وصدره: «وقيدت نفسى فى ذراك محبة».
(2) فى ف والمطبوعتين: «للفضل»، وكلاهما صحيح وما فى ص أصح.
(3) فى ف والمطبوعتين: «وإنما».
(4) الوشل: «يطلق على الكثير والقليل، فهو من ألفاظ الأضداد، والمقصود هنا: القليل.
[انظر اللسان فى وشل].
(5) أى: يصفح عن تقصيرى، ومثله أستعفيه.
(6) المقة: ضرب من ضروب الحب، ودرجة من درجاته. انظر المصون فى سر الهوى المكنون بتحقيقنا ص 77وما بعدها، وانظر اللسان فى [ومق].
(77) فى المطبوعتين: «بلغت الإرادات، ورجوت الزيادات».
(8) البيت للبحترى، وهو فى ديوانه 1/ 171، ضمن قصيدة يمدح بها أبا أيوب سليمان بن وهب، وفيه: «يأتى قبل أبيضه».(1/59)
وإلا سترته ستر العورة، (1) وطرحته طرح القلامة (1)، {لَعَلَّ اللََّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذََلِكَ أَمْراً} [سورة الطلاق: 1] (2)، أسأله حسن التوفيق والهداية، وأرغب إليه فى العصمة والكفاية، بمنّه وقدرته، ولطفه ورحمته.
__________
(11) ما بين الرقين جاء فى ف هكذا: «واطرحته اطراح القلامة».
(2) هذا العمل فى وضع قول الله بين كلامه يطلق عليه «الاقتباس»، سواء كان من القرآن أو الحديث، فى الشعر أو النثر، أما إذا كان المأخوذ من الشعر فإنه يطلق عليه «التضمين». انظر معاهد التنصيص 4/ 182109(1/60)
باب فى فضل الشعر (8)
العرب أفضل الأمم، وحكمتها أشرف الحكم، لفضل (1) اللسان على اليد، والبعد من (2) امتهان الجسد، وخروج (3) الحكمة عن الذات بمشاركة الآلات إذ لا بد للإنسان من أن يكون تولى ذلك بنفسه، أو احتاج فيه إلى آلة أو معين من جنسه.
وكلام العرب نوعان: منظوم، ومنثور، ولكل نوع منهما ثلاث طبقات:
جيدة، ومتوسطة، ورديئة.
/ فإذا اتفق الطبقتان فى القدر، وتساويا (4) فى القيمة، ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى، كان الحكم للشعر ظاهرا فى التسمية لأن كلّ منظوم أحسن من كل منثور من جنسه فى معترف العادة. ألا ترى أن الدّرّ وهو أخو اللفظ ونسيبه، وإليه يقاس، وبه يشبّه إذا كان منثورا لم يؤمن عليه، ولم ينتفع به فى الباب الذى له كسب، ومن أجله انتخب، وإن كان أعلى قدرا، وأغلى ثمنا، فإذا نظم كان أصون له مع الابتذال (5)، وأظهر لحسنه مع كثرة الاستعمال!.
وكذلك اللفظ إذا كان منثورا تبدّد فى الأسماع، وتدحرج عن الطباع، ولم يستقر (6) منه إلا المفرطة فى اللفظ، وإن كانت أجمله، والواحدة من الألف، وعسى أن لا تكون أفضله، فإن كانت هى اليتيمة المعروفة، والفريدة الموصوفة، فكم فى سقط الشعر من أمثالها ونظائرها، ولا (7) يعبأ به مثلا، ولا ينظر إليه!
__________
(8) انظر دلائل الإعجاز 287
(1) فى ف وخ: «كفضل».
(2) فى المطبوعتين: «عن امتهان».
(3) فى ف والمطبوعتين: «إذ خروج».
(4) فى المطبوعتين: «وتساوتا».
(5) فى ف والمطبوعتين: «من الابتذال»، وما فى ص والمغربية أوفق للسياق.
(6) فى المطبوعتين: «تستقر».
(7) فى ف والمطبوعتين: «لا يعبأ» بإسقاط الواو.(1/61)
فإذا أخذه سلك الوزن، وعقدة (1) القافية تألفت أشتاته، وازدوجت فرائده وبناته، واتخذه الّلابس جمالا، والمدّخر مالا، فصار قرطة الآذان، وقلائد الأعناق، وأمانىّ النفوس، وأكاليل الرؤوس، يقلّب بالألسن، ويخبأ فى القلوب، مصونا باللب، ممنوعا من السرقة والغصب.
وقد اجتمع الناس على أن المنثور فى كلامهم أكثر، وأقل جيدا محفوظا، / وأن الشعر أقل، وأكثر جيّدا محفوظا لأن فى أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.
وكان (2) الكلام كله منثورا فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد (3)، وسمحائها الأجواد لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها / على حسن الشّيم (4)، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعرا لأنهم قد (5) شعروا به، أى فطنوا.
وقيل (6): ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره.
ولعل بعض الكتّاب المنتصرين للنثر، الطاعنين على الشعر، يحتج بأن القرآن كلام الله تعالى منثور، وأن النبىّ صلى الله عليه وسلّم غير شاعر لقول (7) الله عز وجل:
__________
(1) فى المطبوعتين: «وعقد». والعقدة: قلادة. انظر اللسان فى [عقد].
(2) انظر كلاما جيدا ومشابها لهذا فى تأويل مشكل القرآن 17و 18.
(3) فى م: «الأمجاد».
(4) الشيم: جمع شيمة: وهى الخلق والطبيعة. انظر اللسان فى [شيم].
(5) سقطت «قد» من المطبوعتين.
(6) هذا جزء من كلام لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشى، وقد أورده الجاحظ فى البيان والتبيين 1/ 287، وفيه: «وما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره».
(7) فى ف والمطبوعتين: «لقول الله تعالى».(1/62)
{وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ وَمََا يَنْبَغِي لَهُ} [سورة يس: 69]، ويرى أنه قد أبلغ فى الحجة، وبلغ الحاجة.
والذى عليه فى ذلك أكثر مما له لأن الله عز وجل (1) إنما بعث رسوله أمّيّا غير شاعر إلى قوم يعلمون منه حقيقة ذلك، حين استوت الفصاحة، واشتهرت البلاغة، آية للنبوة، وحجة على الخلق، وإعجازا بالقرآن (2)
للمتعاطين، وجعله منثورا ليكون أظهر برهانا بفضله (3) على الشعر الذى من عادة صاحبه أن يكون قادرا على ما يحبه من الكلام، وتحدّى جميع الناس من شاعر وغيره بعمل مثله، فأعجزهم ذلك، كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [سورة الإسراء: 88]
فكما أن القرآن أعجز الشعراء، وليس بشعر، كذلك أعجز الخطباء، وليس بخطبة، (4) والمرسّلين، وليس بترسيل (4)، وإعجازه الشعراء أشدّ برهانا، ألا ترى العرب (5) كيف نسبوا النبى صلى الله عليه وسلّم إلى الشعر لما غلبوا، وتبين عجزهم، فقالوا: هو شاعر لما فى قلوبهم من هيبة الشعر ومخافته (6)، وأنه يقع منه ما لا يلحق، والمنثور ليس كذلك، فمن هاهنا قال الله تعالى: {وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ وَمََا يَنْبَغِي لَهُ}
[سورة يس: 69]، أى لتقوم عليكم الحجة، ويصحّ قبلكم الدليل، ويشد (7) ذلك رواية
__________
(1) فى المطبوعتين: «لأن الله تعالى».
(2) قوله: «بالقرآن» ساقط من المطبوعتين.
(3) فى المطبوعتين: «لفضله».
(44) فى م: «والمترسلين وليس بترسل».
الرّسل والرّسلة: الرفق والتؤدة، والترسّل من الرّسل فى الأمور والمنطق كالتمهل والتوقّر والتثبّت، والترسل كالرّسل، والترسل فى القراءة والترسيل واحد، وهو التحقيق بلا عجلة، وقيل: بعضه على إثر بعض، وترسل فى قراءته اتأد فيها، وفى الحديث: كان فى كلامه ترسيل، أى ترتيل، يقال: ترسل الرجل فى كلامه ومشيه إذا لم يعجل، وهو والترسل سواء، وفى حديث عمر رضى الله عنه: إذا أذنت فترسل، أى تأن ولا تعجل. انظر اللسان فى [رسل] فى أماكن متفرقة.
(5) سقطت كلمة «العرب» من المطبوعتين.
(6) فى ف والمطبوعتين: «وفخامته».
(7) فى المطبوعتين: «ويشهد لذلك».(1/63)
يونس (1) عن الزهرى (2) أنه قال: معناه: ما الذى علمناه شعرا، وما ينبغى له أن يبلّغ عنا شعرا، وقال غيره: أراد: وما ينبغى له أن يبلّغ عنا ما لم نعلّمه، أى ليس يفعل ذلك (3) لأمانته ومشهور صدقه.
ولو أن كون النبى صلى الله عليه وسلّم غير شاعر غضّ من الشعر، لكانت أمّيّته غضّا من الكتابة، وهذا أظهر من أن يخفى عن (4) أحد.
واحتج بعضهم بأن الشعراء أبدا يخدمون الكتّاب، ولا نجد (5) كاتبا يخدم شاعرا، وقد عميت عليهم الأنباء إنما (6) ذلك لأن الشاعر واثق بنفسه، مدلّ بما عنده على الكاتب والملك، فهو يطلب ما فى أيديهما، فيأخذه (7)، والكاتب بأى آلة يقصد (8) الشاعر فيرجو ما فى يديه؟! وإنما صناعته فضلة عن صناعته، على أن يكون كاتب بلاغة، فأما كاتب الخدمة فى القانون وما شاكله فصانع مستأجر، مع ما (9) أنه قد كان لأبى تمام والبحترى قهارمة (10) وكتّاب،
__________
(1) هو يونس بن حبيب الضبى، وقيل: الليثى بالولاء يكنى أبا عبد الرحمن، إمام نحاة البصرة فى عصره، سمع من العرب، وأخذ الأدب عن أبى عمرو بن العلاء، وأخذ عنه سيبويه، والكسائى، والفراء، وأبو عبيدة. ت 182هـ.
المعارف 544، والفهرست 47، ونزهة الألباء 47، ومعجم الأدباء 20/ 64، والشذرات 1/ 301، وطبقات الزبيدى 51، ووفيات الأعيان 7/ 244، وبغية الوعاة 2/ 365، والمصون فى الأدب 117وسير أعلام النبلاء 8/ 191وما فيه من مصادر.
(2) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرى القرشى، يكنى أبا بكر، وهو أحد الفقهاء المحدّثين فى المدينة. ت 124هـ.
المعارف 472، ومعجم الشعراء 345، وسير أعلام النبلاء 5/ 326، ووفيات الأعيان 4/ 177، والوافى بالوفيات 5/ 24والشذرات 1/ 162، والنجوم الزاهرة 1/ 294
(3) فى ف والمطبوعتين: «أى ليس هو ممن يفعل»، وانظر تفسير الآية فى الطبرى والقرطبى والألوسى ففى هذه الكتب كلام جيد يحسن الرجوع إليه.
(4) فى المطبوعتين: «على».
(5) فى ف: «يجد» بالمثناة التحتية، وفى المطبوعتين: «تجد» بالمثناة الفوقية، وأشير فى هامشهما إلى أنه فى نسخة «يجدون».
(6) فى ف والمطبوعتين: «وإنما».
(7) فى المطبوعتين: «ويأخذه».
(8) فى المطبوعتين: «يفضل»، وفى الهامش أشير إلى أنه فى نسخة «يقصد».
(9) فى ف والمطبوعتين: «مع أنه» وما فى ص يوافق المغربيتين.
(10) القهارمة: جمع قهرمان على مثال ترجمان بضم التاء وفتحها وهو المسيطر على من تحت يده كالخازن والوكيل، فارسى معرب، انظر اللسان فى [قهرم].(1/64)
وكان من عميان الشعراء كتّاب أزمّة (1)، كبشار (2) وأبى على البصير (3)، وكان ابن الرومى (4) من أكبر كتّاب الدواوين، فغلب عليه الشعر لأنه غلّاب، وكما نجد (5) من يمدح السوقة من الشعراء، (6) فكذلك نجد للسوقة كتّابا، وللتجار الباعة فى وقتنا هذا وقبله (6).
ولم أهجم بهذا الرد، وأردّ (7) هذه الحجة، لولا أن السيد أبقاه الله قد جمع النوعين، وحاز الفضيلتين، فهما نقطتان من بحره، ونوّارتان من زهره، وسيرد فى أضعاف هذا الكتاب من / أشعاره ما يكون دليلا على صدق ما قلته إن شاء الله.
__________
(1) الأزمّة: جمع زمام، وهو مازمّ به، أى شدّ من حبل، وخشب، وخيط، ويقصد منه حفظ الشئ.
انظر اللسان فى [زمم].
(2) هو بشار بن برد بن يرجوخ، العقيلى بالولاء، يكنى أبا معاذ، ويلقب بالمرعث، وقد ولد أعمى، فما نظر إلى الدنيا قط، وكان يشبه الأشياء بعضها ببعض، فيأتى بما لا يقدر عليه البصراء، قتل عام 168هـ.
الشعر والشعراء 2/ 757، والأغانى 3/ 135، وطبقات ابن المعتز 21، والموشح 384، والفهرست 181، ومعاهد التنصيص 1/ 289، وتاريخ بغداد 7/ 112ونكت الهميان 125، ونوادر المخطوطات 2/ 296، ومسائل الانتقاد 130، ووفيات الأعيان 1/ 271والشذرات 1/ 264وخزانة الأدب 3/ 230، وسير أعلام النبلاء 7/ 24
(3) هو الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس، يكنى أبا على، كان أعمى، وكان يتشيع تشيعا فيه غلو، ولقب بالبصير على العادة فى التفاؤل، عاش إلى أيام المعتز، وقيل توفى سنة الفتنة، وقيل بعد الصلح، أى بعد سنة 251هـ.
تاريخ بغداد 5/ 237، ومعجم الشعراء 185، وطبقات ابن المعتز 397، ونكت الهميان 225
(4) هو على بن العباس بن جريج، يكنى أبا الحسن، وهو أشعر أهل زمانه بعد البحترى، وكان مقدما فى الهجاء، وكان كثير الطيرة، مات مسموما عن طريق وزير المعتضد سنة 283هـ.
الفهرست 190، وتاريخ بغداد 12/ 23، ومعجم الشعراء 145، ومروج الذهب 4/ 283، والموشح 545ورسالة الغفران 476، وسمط اللآلى 1/ 160، ومعاهد التنصيص 1/ 108، ومسائل الانتقاد 145، وسير أعلام النبلاء 13/ 495
(5) فى ف «يجد» بالمثناة التحتية، وفى المطبوعتين: «تجد» بالمثناة الفوقية.
(66) فى ف: «فكذلك يجد للسوق كتابا وللتجار ولاعة فى فرقتنا هذا وقبله» [كذا] وفى المطبوعتين: «فكذلك تجد فى زمننا».
(7) فى ف والمطبوعتين: «وأورد».(1/65)
(1) ومن فضل الشعر أن الشاعر يخاطب الملك بالكاف، كما يخاطب أقل السوقة، ويدعوه باسمه، وينسبه إلى أمه (1)، فلا ينكر ذلك عليه، بل يراه أوكد فى المدح، وأعظم اشتهارا للممدوح، كل ذلك حرص على الشعر، ورغبة فيه لبقائه (2) على مرّ الدهور، واختلاف العصور، والكاتب لا يفعل ذلك إلا أن يفعله منظوما غير منثور، وهذه مزيّة ظاهرة، وفضل بيّن.
ومن فضائله أن الكذب الذى أجمع (3) الناس على قبحه حسن فيه، وحسبك ما حسّن الكذب، واغتفر له قبحه، فقد أوعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كعب بن زهير (4) لما أرسل إلى أخيه بجير (5) ينهاه عن الإسلام، وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلّم بما أحفظه، فأرسل إليه أخوه بجير (6): ويحك، إن النبى صلى الله عليه وسلّم قد (7) أوعدك لما بلغه عنك، وقد كان أوعد رجالا بمكة ممن كان يهجوه، ويؤذيه، فقتلهم يعنى ابن خطل (8)، وابن صبابة (9) وإن من بقى من شعراء قريش كابن
__________
(11) فى المطبوعتين والمغربيتين جاء هذا القول هكذا: «ومن فضل الشعر أن الشاعر يخاطب الملك باسمه، وينسبه إلى أمه، ويخاطبه بالكاف، كما يخاطب أقل السوقة» وما فى ص وف هو الأوفق.
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «ولبقائه».
(3) فى المطبوعتين: «اجتمع».
(4) هو كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى، يكنى أبا عقبة، أو أبا المضرب، وأمه كبشه بنت عمار بن عدى بن سحيم، وهى أم سائر أولاد زهير، وكعب من فحول الشعراء، حيث إنه تربى فى بيت اشتهر أهله بالشعر، وكان راوية أبيه.
طبقات ابن سلام 1/ 97و 99، والشعر والشعراء 1/ 154، والأغانى 17/ 82، ومعجم الشعراء 230، والاستيعاب 3/ 1313، وسمط اللآلى 1/ 421، والسيرة 43/ 501
(5) هو بجير بن زهير بن أبى سلمى، أسلم قبل أخيه كعب، وشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلّم فتح مكة.
طبقات ابن سلام 1/ 99، والاستيعاب 1/ 148، والسيرة 43/ 501
(6) فى المطبوعتين: «فأرسل إليه أخوه» بإسقاط «بجير».
(7) سقطت «قد» من المطبوعتين والمغربيتين.
(8) هو عبد الله بن خطل، كان كثير الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلّم، فأهدر دمه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء الرسول صلى الله عليه وسلّم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقتلهما معه، فقتلت إحداهما، وأمّن الثانية رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
السيرة 43/ 409، وما بعدها، وتاريخ الطبرى 3/ 59و 60
(9) هو مقيس بن صبابة بالمهملة أو ابن ضبابة بالمعجمة أو ابن حبابة بالحاء المهملة ابن حزن بن سيار، أظهر الإسلام وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلّم دية أخيه هشام الذى قتل خطأ، فأخذها، ثم عدا على الأنصارى قاتل أخيه فقتله، ثم فر إلى مكة مرتدا، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلّم بقتله، وكان(1/66)
الزّبعرى (1)، وهبيرة بن أبى وهب (2)، قد هربوا فى كل وجه، فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا (3)، وإلا فانج إلى نجائك، فهو (4) والله قاتلك، فضاقت به الأرض، حتى أتى رسول (5)
الله صلى الله عليه وسلّم متنكّرا، فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلّم صلاة الفجر (6) وضع كعب يده فى يده حتى (6) قال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد أتى مستأمنا / تائبا، أفتؤمنه فآتيك به؟
قال: هو آمن، فحسر كعب عن وجهه، وقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، مكان (7)
العائذ بك، أنا كعب بن زهير، فأمّنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنشد كعب قصيدته التى أولها:
[البسيط]
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ... متيّم عندها لم يجز مكبول (8)
/ يقول فيها بعد تغزّله، وذكر شدّة خوفه ووجله:
__________
قد حرم الخمر على نفسه بعد أن أخبر أنه فى سكره جعل يخط فى بوله ويقول: ناقة أو بعير.
السيرة 43/ 410، ومعجم الشعراء 434، وتاريخ الطبرى 3/ 59، ونهاية الأرب 4/ 89، والمختار من قطب السرور 456، وأدب النديم 62، والاستيعاب 4/ 1533، فى ترجمة نميلة بن عبد الله.
(1) هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمى القرشى، كان شديد الهجاء للرسول صلى الله عليه وسلّم، والمسلمين، هرب بعد فتح مكة، بعد أن أهدر الرسول صلى الله عليه وسلّم دمه، ثم عاد فأسلم، واعتذر عما كان منه، وشهد ما بعد الفتح من مشاهد.
طبقات ابن سلام 1/ 235وما بعدها، والسيرة 43/ 418، والاستيعاب 3/ 901، والوافى بالوفيات 17/ 170، والاشتقاق 122، والأغانى 15/ 179
(2) هو هبيرة بن أبى وهب بن عامر، أحد شعراء مكة الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلّم، والمسلمين، ومات كافرا.
طبقات ابن سلام 1/ 257، والسيرة 43/ 420، والاشتقاق 152.
(33) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فإنه لا يقتل من جاء تائبا» وما فى ص وف يوافق السيرة.
(4) فى المطبوعتين: «فإنه والله».
(5) فى ف «حتى أتى إلى رسول الله». وفى خ ومغربية: «فأتى إلى رسول الله».
وفى م ومغربية: «فأتى رسول الله».
(66) فى ف وم: «وضع كعب يده فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم قال». وفى خ:
«فى يده صلى الله عليه وسلّم، ثم قال».
(7) فى م: [هذا] مكان»، و «هذا» زيادة من المحقق لا داعى لها.
(8) فى ف والمطبوعتين: «متيم إثرها لم يفد»، ومثل ذلك فى شرح قصيدة كعب بن زهير لابن هشام الأنصارى ص 49، وهو الذى نحفظه، وفى الأغانى 17/ 81و 87 «متيم عندها لم يجز مكبول» مثل ص والمغربيتين، وفى ديوانه 26 «متيم إثرها لم يجز مكبول».(1/67)
نبّئت أنّ رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول (1)
مهلا هداك الّذى أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ وتفصيل (2)
لا تأخذنّى بأقوال الوشاة فلم ... أذنب ولو كثرت فىّ الأقاويل (3)
فلم ينكر عليه النبى صلى الله عليه وسلّم قوله، وما كان ليوعده عن (4) باطل، بل تجاوز عنه، ووهب له بردته، فاشتراها منه معاوية بثلاثين ألف درهم، وقال (5) القتبى (6):
بعشرين ألفا (7)، وهى التى يتوارثها الخلفاء، يلبسونها فى الجمع والأعياد تبركا بها، وذكر جماعة منهم عبد الكريم بن إبراهيم النهشلى الشاعر (8): أنه أعطاه مع البردة مائة من الإبل، قال: وقال الأحوص (9) يذكّر عمر بن عبد العزيز عطيّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم كعبا وقد توقف فى عطاء الشعراء (10):
__________
(1) فى المطبوعتين: «أنبئت»، وكذلك فى شرح قصيدة كعب بن زهير ص 27، وما فى ص والمغربيتين وف يوافق ما جاء فى السيرة 43/ 501ومعجم الشعراء 531.
(2) فى شرح قصيدة كعب بن زهير 272والديوان 38: «فيها مواعيظ».
(3) فى شرح قصيدة كعب بن زهير 275والديوان: «ولم أذنب وإن كثرت».
(4) فى المطبوعتين: «على».
(5) فى المطبوعتين: «العتبى»، وفى هامش المطبوعتين أشير إلى أنه فى نسخة «القتبى» والصحيح ما اعتمدته لأن المقصود هو ابن قتيبة.
(6) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة، يكنى أبا محمد، وهو الذى ذكر قصة البردة، وكان موسوعة فى علوم عصره، وله تآليف كثيرة. ت 276هـ
الفهرست 85وطبقات الزبيدى 183، وسير أعلام النبلاء 13/ 296، وتاريخ بغداد 10/ 170، والشذرات 2/ 169، وبغية الوعاة 2/ 63، وإنباه الرواة 2/ 143، ووفيات الأعيان 3/ 42، والوافى بالوفيات 17/ 607
(7) انظر هذه القصة فى الشعر والشعراء 1/ 156
(8) هو عبد الكريم بن ابراهيم النهشلى، كان شاعرا مقدما، عارفا باللغة، خبيرا بأيام العرب وأشعارها، بصيرا بوقائعها وآثارها، وكانت فيه غفلة شديدة عما سوى ذلك. ت 405هـ.
أنموذج الزمان 170، وفيه ثبت كبير بالمصادر، والذخيرة 3/ 2/ 853، وبدائع البدائه 307
(9) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله أو عبيد الله كما فى سير أعلام النبلاء بن عاصم بن ثابت الأنصارى، يكنى أبا عاصم، أو أبا عثمان، وأطلق عليه الأحوص لضيق فى عينيه، كان جده عاصم صحابى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقال له: «حمىّ الدبر» لأن الله حماه بالنحل حتى لا يمثل المشركون بجثته، وقد نفى الأحوص إلى جزيرة دهلك لكثرة هجائه، أو لبعض غزله. ت سنة 105وقيل 110هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 655، والشعر والشعراء 1/ 518، والأغانى 4/ 224، وسمط اللآلى 1/ 73، وسير أعلام النبلاء 4/ 593، وفوات الوفيات 2/ 217، والوافى بالوفيات 17/ 436،، خزانة الأدب 2/ 16
(10) البيتان فى شعر الأحوص 230، وفى الشعر والشعراء فى أثناء ترجمة كثير 1/ 507، والأغانى 9/ 260، فى أثناء ترجمة عمر بن عبد العزيز.(1/68)
[الطويل]
وقبلك ما أعطى هنيدة جلّة ... على الشعر كعبا من سديس وبازل (1)
رسول الإله المستضاء بنوره ... عليه السّلام بالضّحى والأصائل (2)
واعتذر حسان بن ثابت (3) من قوله فى الإفك، بقوله لعائشة رضى الله عنها فى أبيات مدحها بها (4): [الطويل]
حصان رزان لا تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (5)
يقول فيها:
فإن كنت قد قلت الّذى قد زعمتم ... فلا رفعت سوطى إلىّ أناملى (6)
ثم يقول:
فإنّ الّذى قد قيل ليس بلائط ... ولكنّه قول امرىء بى ماحل (7)
__________
(1) ما هنا يوافق ما جاء فى الشعر والشعراء، وفى شعر الأحوص والأغانى: «فقبلك ما أعطى الهنيدة» والهنيدة: اسم للمائة من الإبل خاصة، وقيل لها ولغيرها، والسديس من الإبل: ما دخل فى السنة الثامنة، والبازل: الذى فطر نابه، أى انشق، وذلك فى السنة التاسعة. انظر: اللسان. فى [هند وسدس وبزل].
(2) فى ف: «رسول الله»، وفى شعر الأحوص والأغانى: «رسول الإله المصطفى بنبوة عليه سلام» وفى الشعر والشعراء: «عليه سلام»، وفى م: «للضحى».
(3) هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصارى، يكنى أبا الوليد، وأبا الحسام، وأبا عبد الرحمن، وهو جاهلى إسلامى، ولم يشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلّم مشهدا، ولكنه دافع عن الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام خير دفاع. ت 54هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 215، والشعر والشعراء 1/ 305، والأغانى 4/ 134، الموشح 82، والاستيعاب 1/ 341، وخزانة الأدب 1/ 227، وجمهرة أشعار العرب 492، ونوادر المخطوطات 2/ 289و 322، وثمار القلوب 219، ومسائل الانتقاد 104، وسير أعلام النبلاء 2/ 512، ومعاهد التنصيص 1/ 309
(4) الأبيات فى ديوانه 228، والأغانى 4/ 162، والأول فقط فى سير أعلام النبلاء 2/ 517، والأول والثانى فى الاستيعاب 1/ 348، ومعاهد التنصيص 1/ 213
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين والديوان والأغانى والاستيعاب وسير أعلام النبلاء والمعاهد:
«ما تزن».
وحصان: عفيفة. ورزان: ذات وقار. وغرثى: جائعة، انظر اللسان فى [حصن ورزن وغرث].
(6) فى الديوان: «فإن كنت أهجوكم كما قد زعمتم»، وفى الاستيعاب والمعاهد: «فإن كان ما قد قيل عنى قلته».
(7) فى الديوان: «بك الدهر بل سعى امرىء بى ما حل».
واللائط: اللاصق. والماحل: الواشى انظر اللسان فى [لوط ومحل].(1/69)
فاعتذر، كما تراه، مغالطا فى شىء نفّذ فيه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحد، وادعى أن ذلك قول امرىء ماحل به (1)، أى مكايد، فلم يعاقب لما ترون (2)
من استخفاف كذب الشاعر، وأنه (3) يحتج به، ولا يحتج عليه (3).
وسئل أحد المتقدمين عن الشعراء فقال: ما ظنك بقوم، الاقتصاد محمود إلا منهم، والكذب مذموم إلا فيهم (4).
حكى أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابورى (5) أن كعب الأحبار (6) قال له عمر بن الخطاب وقد ذكر الشعر: يا كعب، هل تجد للشعراء ذكرا فى التوراة؟ فقال كعب (7): أجد فى التوراة قوما من ولد إسماعيل، أناجيلهم فى صدورهم، ينطقون بالحكمة، ويضربون الأمثال، لا نعلمهم إلا العرب.
وقيل: ليس لأحد من الناس أن يطرى نفسه، ويمدحها فى غير منافرة، إلا أن يكون شاعرا، فإن ذلك جائز له فى الشعر، غير معيب عليه.
__________
(1) سقطت «به» من المطبوعتين.
(2) فى ف: «لما يوزن»، وفى المطبوعتين: «لما يرون» بالمثناة التحتية.
(33) ما بين الرقمين جاء فى م هكذا: «وأنه يحتج عليه».
(4) أورد الثعالبى هذا القول فى التمثيل والمحاضرة 186، مع بعض اختلاف، وجاء فى يواقيت المواقيت [22ظ و 23وتحت الطبع] للخوارزمى، وجاء فى زهر الآداب 2/ 640، باختلاف يسير، وفى التمثيل والمحاضرة 33ذكر الشعراء عند الأحنف فقال: ما ظنك يقوم الصدق محمود إلا منهم.
(5) هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدى، السلمى الأم، يكنى أبا عبد الرحمن، إمام حافظ محدث، شيخ خراسان، وكبير الصوفية، وصاحب تصانيف. ت 412هـ.
تاريخ بغداد 2/ 247، وسير أعلام النبلاء 17/ 247، وشذرات الذهب 3/ 196، وطبقات الشافعية 4/ 143والنجوم الزاهرة 4/ 256والوافى بالوفيات 2/ 380
(6) هو كعب بن ماتع الحميرى اليمانى، يكنى أبا إسحاق، كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلّم، وقدم المدينة فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كان يحدث عن الكتب الإسرائيلية، خرج إلى الشام، وسكن حمص حتى توفى بها سنة 32هـ.
المعارف 430، وسير أعلام النبلاء 3/ 489، وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 40، وفيه يحدد وفاته فى سنة 35والنجوم الزاهرة 1/ 90
(7) هذا القول تجده فى العقد الفريد 5/ 274مع بعض اختلاف.(1/70)
وقال بعضهم وأظنه أبا / العباس الناشىء (1): العلم عند الفلاسفة ثلاث طبقات: أعلى: وهو علم ما غاب عن الحواس، فأدرك بالعقل أو القياس.
وأوسط: وهو علم الآداب النفيسة التى أظهرها العقل من الأشياء الطبيعية، كالأعداد، والمساحات، وصناعة التنجيم (2)، وصناعة اللحون. وأسفل: وهو العلم بالأشياء الجزئية، والأشخاص / الجسمية.
فوجب إذا كانت العلوم أفضلها، ما لم تشارك فيه الجسوم أن يكون أفضل الصناعات، ما لم تشارك فيه الآلات، وإذا كانت اللحون عند الفلاسفة أعظم أركان العمل الذى هو أحد قسمى الفلسفة، وجدنا الشعر أقدم من لحنه لا محالة، فكان أعظم من الذى هو أعظم أركان الفلسفة، والفلسفة عندهم علم وعمل.
هذا معنى كلام (3) المنقول عنه مختصرا، وليس نصا.
فإن قيل فى الشعر: إنه سبب التكفّف، وأخذ الأعراض، وما أشبه ذلك، لم يلحقه من هذا (4) إلا ما يلحق المنثور.
ومن فضائله أن اليونانيين إنما كانت أشعارهم (5) تقييدا لعلم الأشياء النفسيّة والطبعيّة (5) التى يخشى ذهابها، فكيف ظنك بالعرب الذى هو فخرها العظيم، وقسطاسها المستقيم؟!
وزعم صاحب الموسيقى أن ألذّ الملاذّ كلها اللحن، ونحن نعلم أن الأوزان قواعد الألحان (6) والأشعار معايير الأوتار لا محالة، مع أن مهنة صاحب الألحان (6)
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن شرشير الأنبارى، يكنى أبا العباس، ويلقب بالناشئ الأكبر أو الكبير، من كبار المتكلمين، وأعيان الشعراء، وكان قوى العربية والعروض، أدخل على قواعد الخليل شبها، سكن مصر، وبها مات سنة 293هـ.
تاريخ بغداد 10/ 92، وإنباه الرواة 2/ 128، وشذرات الذهب 2/ 214، وسير أعلام النبلاء 14/ 40وما فيه من مصادر، والنجوم الزاهرة 3/ 158، ووفيات الأعيان 3/ 91، وحسن المحاضرة 1/ 559، والوافى بالوفيات 17/ 522
(2) سقط قوله: «وصناعة التنجيم» من ص، وسقطت «صناعة» من ف، وما اعتمدته من المطبوعتين يوافق المغربيتين.
(3) فى ف والمطبوعتين: «الكلام»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى المطبوعتين: «ذلك».
(55) فى المطبوعتين: «تقييد العلوم والأشياء النفيسة والطبيعية»، وفى ف: «النفيسة والطبيعية».
(66) ما بين الرقمين ساقط من ص، والزيادة من ف والمغربيتين والمطبوعتين، وفى المطبوعتين:
«مع أن صنعة» بدل: «مهنة» واعتمدت ما فى ف.(1/71)
واضعة من قدره، مستخدمة له، نازلة به، مسقطة لمروءته، ورتبة الشاعر لا مهانة فيها عليه، بل تكسبه مهابة العلم، وتكسوه جلالة (1) الحكمة.
فأما قيامه وجلوس صاحب اللحون فلأن هذا متشوّف إليه، يحبّ إسماع من بحضرته أجمعين بغير آلة ولا معين، ولا يمكنه ذلك إلا قائما أو مشرفا ليدل (2) على نفسه، ويعلم أنه المتكلم دون غيره، وكذلك الخطيب، وصاحب اللحون لا يمكنه القيام لما فى حجره، ليس كرما منه على القوم (3)، (4) على أن منهم من كان يقوم بالدف والمزهر (4)
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلّم /: «إنّ من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما (5)، وقيل: «لحكمة» فقرن البيان بالسحر فصاحة منه صلى الله عليه وسلّم، وجعل من الشعر حكما لأن السّحر يخيّل للإنسان ما لم يكن للطافته، وحيلة صاحبه، وكذلك البيان يتصوّر فيه الحقّ بصورة الباطل، والباطل بصورة الحق لرقة معناه، ولطف موقعه، وأبلغ البيانين عند العلماء الشعر بلا مدافعة، وقال رؤبة (6):
__________
(1) فى ص: «جلال».
(2) فى المطبوعتين: «وليدل».
(3) فى ف وخ: «لما فى حجره كرامة منه على القوم» [كذا] وهذا يناقض ما يقصده المؤلف.
وفى م: «لا كرامة منه» وفى الهامش كتب: «فى كل الأصول «كرامة منه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(44) ما بين الرقمين ساقط من ص، وفى ف: «من يقوم»، وما فى المطبوعتين يوافق المغربيتين.
(5) جاء هذا الحديث فى لباب الآداب لأسامة مرتين فى ص 333، وفى ص 355بصيغة:
«إن من الشعر لحكما، وإن من البيان لسحرا»، وقد قال محقق الكتاب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فى تحقيقه فى المرة الأولى: قال فى النهاية: والحديث رواه أحمد فى المسند رقم 2424ج 1/ 269، وفى مواضع أخرى، ورواه أبو داود أيضا 4/ 461، وجاء عن غيره من الصحابة.
وقال المحقق فى المرة الثانية: وقد روى القسم الأول منه الترمذى 2/ 138، وابن ماجة 2/ 214، وأحمد 5/ 125، والبخارى 8/ 34، وفتح البارى 10/ 446، وذكر سبب الحديث، فليرجع إليه من يريد.
أقول: وانظر قصة الحديث فى البيان والتبيين 1/ 53و 349والأمثال لأبى عبيد القاسم بن سلام 37وجمهرة الأمثال 1/ 13ومجمع الأمثال 1/ 9وفصل المقال 16وديوان المعانى 1/ 150وزهر الآداب 1/ 5و 6وكفاية الطالب 34و 35وانظر الحديث فى نصيحة الملوك 308و 309
(6) هو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمى، يكنى أبا الجحاف، وأبا محمد، عاش فى الدولتين الأموية والعباسية، وكان راجزا فصيحا، أخذ عنه علماء اللغة، وكانوا يحتجون بقوله، ويثقون فيه. ت 145هـ.(1/72)
[الرجز]
لقد خشيت أن تكون ساحرا ... راوية مرّا ومرّا شاعرا (1)
فقرن الشعر أيضا بالسّحر لتلك العلّة، ويروى (2): «حسنت» بسين مضمومة غير معجمة، ونون، والتاء مفتوحة.
* * * __________
الشعر والشعراء 2/ 594، والأغانى 20/ 345والمؤتلف والمختلف 175، ومعجم الأدباء 11/ 149، وخزانة الأدب 1/ 89، ووفيات الأعيان 2/ 303وشذرات الذهب 1/ 223وسير أعلام النبلاء 6/ 162وما فيه من مصادر.
(1) الرجز بنسبته إلى رؤية فى البيان والتبيين 1/ 319، وكفاية الطالب 38، والممتع 22، وجاء دون نسبة فى العقد الفريد 2/ 123، و 5/ 274
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ويروى أيضا: لقد حسنت».(1/73)
باب فى الرد على من يكره الشعر (6)
روى عن النبى صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «(1) إنما الشعر كلام مؤلّف فما وافق الحقّ منه فهو حسن، وما لم يوافق الحقّ منه فلا خير فيه»، وقال عليه الصلاة والسلام:
«إنما الشعر كلام، فمن الكلام خبيث وطيب».
وقالت عائشة رضى الله عنها: «الشعر كلام فيه حسن وقبيح، فخذ الحسن، ودع (2) القبيح».
ويروى عن هشام بن عروة (3) عن أبيه عن عائشة، / رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلّم بنى لحسان بن ثابت فى المسجد منبرا ينشد عليه الشعر (4).
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: «الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أعلم منه» (5).
__________
(6) انظر: دلائل الإعجاز 2811
(1) انظر الحديث وتخريجه فى دلائل الإعجاز 24، والهامش.
(2) فى المطبوعتين: «واترك القبيح» وانظر دلائل الإعجاز 24، وانظر تفسير القرطبى 13/ 150
(3) هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشى الأسدى، يكنى أبا المنذر، كانت أمّه أمة يقال لها سارة، وكان فقيها محدثا، ومن المعدودين من أكابر العلماء، وجلة التابعين، قدم الكوفة أيام أبى جعفر، فسمع منه الكوفيون، ومات بها عام 146هـ،
تاريخ بغداد 14/ 47، والمعارف 222و 223وغيرهما، وسير أعلام النبلاء 6/ 34، وما فيه من مصادر ووفيات الأعيان 6/ 80وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 1/ 218
(4) روى البخارى فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو ينافح، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم». انظر باب الشعر فى صحيح البخارى.
وجاء فى ص بعد حديث عائشة قوله: «ليس فى نسخة خط المؤلف هذا الحديث الذى أوله:
وروى عيسى بن طلحة أن النبى صلى الله عليه وسلّم قال: الشعر الحسن مما يزين الله به الرجل المسلم».
(5) أورد ابن سلام كلام عمر فى الطبقات مرتين 1/ 24و 524، بالصيغة الآتية: «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه».(1/74)
وقال علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه: «الشعر ميزان القول» (1).
وروى ابن عائشة (2)، يرفعه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلّم (3): «الشعر كلام من كلام العرب جزل، تتكلم به فى نواديها (4)، وتسلّ به الضغائن بينها» (5).
وأنشد ابن عائشة قول أعشى بنى قيس بن ثعلبة (6):
[المنسرح]
قلّدتك الشعر يا سلامة ذا ... فايش والشىء حيثما جعلا (7)
والشعر يستنزل الكريم كما ... ينزل رعد السّحابة السّبلا (8)
ويروى عن أسماء بنت أبى بكر الصديق (9) رضى الله عنهما قالت (10): مرّ الزبير بن العوام بمجلس لأصحاب رسول (11) الله صلى الله عليه وسلّم، وحسان ينشدهم، وهم غير
__________
(1) فى ف: «العقول» بدل «القول»، وفى المطبوعتين: «ورواه بعضهم: «الشعر ميزان القوم».
(2) هو عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر، يكنى أبا عبد الرحمن، ويعرف بابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة، وهو عالم بالحديث والسير، وأديب من أهل البصرة، قصد بغداد وحدث بها، وكان كريما متلافا، ت 228هـ
وابنه عبد الرحمن يعرف بابن عائشة أيضا لأن أمه عائشة بنت عبد الله بن عبيد الله.
المعارف 523، وتاريخ بغداد 10/ 314، والبيان والتبيين 1/ 102، وما فيه من مراجع والمصون فى الأدب 182وسير أعلام النبلاء 1/ 564وما فيه من مصادر وطبقات الزبيدى 51هامش، وفيه اسمه عبد الله ومن غاب عنه المطرب 178، بتحقيقنا، والشذرات 2/ 64.
(3) فى المطبوعتين: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم». وانظر القول دون نسبة فى يواقيت المواقيت مخطوط 21/ ظ وقمت بتحقيقه.
(4) فى المطبوعتين: «بواديها» بالموحدة التحتية.
(5) فى المطبوعتين: «من بينها».
(6) هو ميمون بن قيس، يكنى أبا بصير، ويلقب بالصناجة، أدرك الإسلام، ولكنه لم يوفق إلى الدخول فيه، وأمه أخت المسيب بن علس، وكان أبوه قيس يدعى قتيل الجوع، ولد ومات بمنفوحة باليمامة.
طبقات ابن سلام 1/ 65، والشعر والشعراء 1/ 257، ومعجم الشعراء 325، والأغانى 9/ 108، والموشح 63، والخزانة 1/ 175، ومعاهد التنصيص 1/ 196، وجمهرة أشعار العرب 80و 202، ومسائل الانتقاد 99
(7) ديوان الأعشى 271، مع اختلاف فى بعض الألفاظ. وانظر الحلية 1/ 290
(8) السّبل: المطر.
(9) سقطت كلمة «الصديق» من المطبوعتين.
(10) انظر الحكاية فى الأغانى 4/ 144
(11) فى المغربيتين وف والمطبوعتين: «لأصحاب النبى» وما فى ص يوافق الأغانى.(1/75)
آذنين (1) لما يسمعون من شعره، فقال: مالى أراكم غير آذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة (2)، لقد كان ينشد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فيحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل (3) عنه إذا أنشده.
وروى (4) أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ بحسان بن ثابت (5)، وهو ينشد الشعر فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخذ بيده (6)، ثم قال: أرغاء كرغاء البكر؟! فقال حسان: دعنى عنك يا عمر، فو الله إنك لتعلم لقد كنت أنشد فى هذا المسجد من هو خير منك، فما يغيّر ذلك علىّ (7)، فقال عمر:
صدقت (8)
وكتب عمر (9) رضى الله عنه إلى أبى موسى الأشعرى (10): مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالى الأخلاق، وصواب الرأى، ومعرفة الأنساب.
وقال معاوية رضى الله عنه (11): يجب على الرجل تأديب ولده، والشعر أعلى مراتب الأدب، وقال: اجعلوا الشعر أكبر همّكم، وأكثر آدابكم (12) فلقد
__________
(1) غير آذنين: غير منصتين باهتمام. انظر اللسان [أذن].
(2) الفريعة: هى أم حسان.
(3) فى ص وف «يشغل» وما اعتمدته من المطبوعتين والمغربيتين يوافق الأغانى.
(4) فى ف والمطبوعتين: «ويروى»، وفى ف: «ويروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه مر».
(5) فى المطبوعتين: «بحسان وهو ينشد» بإسقاط «ابن ثابت».
(6) سقط قوله: «فأخذ بيده» من المطبوعتين.
(7) فى المطبوعتين: «فما يغير علىّ ذلك».
(8) انظر هذا الخبر بصورة أخرى فى طبقات النحويين واللغويين 15وله روايات فى الأغانى 4/ 143و 144وإحداها تقرب مما هنا.
(9) فى المطبوعتين «وكتب عمر بن الخطاب». انظر بهجة المجالس 1/ 766و 767
(10) هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعرى اليمنى، يكنى أبا موسى، كان فقيها مقرئا، وكان من السابقين فى الإسلام، استعمله النبى صلى الله عليه وسلّم على عدن، واستعمله عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الكوفة والبصرة. ت 42أو 43أو 52أو 53هـ
المعارف 266، وسير أعلام النبلاء 2/ 380، وما فيه من مصادر والاستيعاب 2/ 979، وشذرات الذهب 1/ 53
(11) فى ف سقط قوله: «رضى الله عنه»، وفى المطبوعتين: «رحمه الله».
(12) فى ف والمطبوعتين: «دأبكم»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/76)
رأيتنى ليلة الهرير بصفّين وقد أتيت بفرس أغرّ محجّل بعيد البطن من الأرض، وأنا أريد الهرب لشدة البلوى، فما حملنى على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة (1):
[الوافر]
أبت لى همّتى وأبى بلائى ... وأخذى الحمد بالثّمن الرّبيح (2)
وإقحامى على المكروه نفسى ... وضربى هامة البطل المشيح (3)
وقولى كلّما جشأت وجاشت: ... مكانك تحمدى أو تستريحى (4)
لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمى بعد عن عرض صحيح
ويروى أن أعرابيا وقف على علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه فقال: إن لى إليك حاجة، رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله تعالى، وشكرتك، وإن لم تقضها حمدت الله (5) وعذرتك، فقال له علىّ: خطّ حاجتك فى الأرض، فإنى أرى الضّرّ عليك، فكتب الأعرابىّ على الأرض: إنى فقير، فقال علىّ:
يا قنبر، ادفع إليه حلّتى الفلانية، فلما أخذها مثل بين يديه، وقال (6): [البسيط]
كسوتنى حلّة تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثّنا حللا
إنّ الثّناء ليحيى ذكر صاحبه ... كالغيث يحيى نداه السّهل والجبلا
لا تزهد الدّهر فى عرف بدأت به ... فكلّ عبد سيجزى بالّذى فعلا
__________
(1) هو عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر الخزرجى، شاعر جاهلى، ينسب إلى أمه الإطنابة بنت شهاب من بنى القين، كان أشرف الخزرج، وهو شاعر فارس معروف.
المعارف 598، ومعجم الشعراء 8، ومن اسمه عمرو من الشعراء 67والأغانى 11/ 121، وسمط اللآلى 1/ 575
(2) انظر القصة والأبيات فى عيون الأخبار 1/ 126ضمن خمسة أبيات، وكذلك فى ديوان المعانى 1/ 114، وفى المصون 133، وفى وقعة صفين 404، وجاءت الأبيات الأربعة فى الأمالى 1/ 258، ومعجم الشعراء 9، ومن اسمه عمرو 68والعقد الفريد 1/ 104، ومجالس ثعلب 1/ 67، وجمع الجواهر 97، وحماسة البحترى، وجاءت الثلاثة الأولى فى وقعة صفين 395، وجاء الثانى منفردا فى الكامل 1/ 89، ثم جاءت الثلاثة الأولى فى الكامل 4/ 68، وشرح نهج البلاغة 2/ 323و 324، وجاء البيتان الأولان فى سمط اللآلى 1/ 574، وجاءت الثلاثة الأولى فى الزهرة 2/ 681والثالث فى الحلية 1/ 280 و 298و 299و 352والمجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 1/ 384مع بعض اختلاف.
(3) الهامة: رأس كل شىء، وتطلق على الجثة. المشيح: الطويل، والغيور الحازم.
(4) جشأت: هاجت. جاشت: اضطربت.
(5) فى المطبوعتين: «حمدت الله تعالى».
(6) انظر الحكاية والأبيات فى المستطرف 1/ 355(1/77)
فقال علىّ: يا قنبر، أعطه خمسين دينارا، أما الحلّة فلمسألتك، وأما الدنانير فلأدبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم».
وقيل لسعيد بن المسيّب (1): إن قوما بالعراق يكرهون الشعر، فقال:
نسكوا نسكا أعجميا (2).
وقال ابن سيرين (3): الشعر كلام عقد / بالقوافى، فما حسن فى الكلام حسن فى الشعر، وكذلك ما قبح منه.
وسئل وهو (4) بالمسجد عن رواية الشعر فى شهر رمضان، وقد قال قوم: إنها تنقض الوضوء، فقال: [البسيط]
نبّئت أنّ فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصّوم فى الطول
ثم قام فأمّ الناس، وقيل: بل أنشد: [الطويل]
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت (5)
__________
(1) هو سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبى وهب القرشى المدنى، يكنى أبا محمد، كان أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وسيد التابعين فى زمانه، جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع، واختلف فى سنة وفاته فقيل 91أو 92أو 93أو 94أو 95أو 105هـ
المعارف 437، وسير أعلام النبلاء 4/ 217، وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 1/ 102، ووفيات الأعيان 2/ 375، والنجوم الزاهرة 1/ 228
(2) انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 202، وزهر الآداب 1/ 165، وطبقات الزبيدى 16.
(3) هو محمد بن سيرين البصرى، يكنى أبا بكر، كان أبوه عبدا لأنس بن مالك، كاتبه على ألوف من المال، وأدى المكاتبة، وكانت أمه صفية مولاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج النبى صلى الله عليه وسلّم، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا، فيهم أبى بن كعب، يدعو ويؤمنون، وكانت لابن سيرين اليد الطولى فى تعبير الأحلام. ت 110هـ
المعارف 442، وتاريخ بغداد 5/ 331، وسير أعلام النبلاء 4/ 606، والشذرات 1/ 138، ووفيات الأعيان 4/ 181، والوافى 3/ 146
(4) سقطت «وهو» من المطبوعتين.
(5) ذكر البيت الثانى فى هذا الخبر مرتين فى طبقات ابن سلام: الأولى فى 1/ 334، وفيه استشهد ابن الزبير بالبيت فى قصة تنظر فيه، وكذلك جاء الخبر فى الأغانى 9/ 329و 330، و 21/ 294وفيهما ينسب البيت إلى جعفر بن الزبير، والأخرى فى 1/ 337، مع خبر ابن سيرين،(1/78)
وقال الزبير بن بكار (1): سمعت العمرىّ (2) يقول: روّوا أولادكم الشعر فإنه يحلّ عقدة اللسان، ويشجع قلب الجبان، ويطلق يد البخيل، ويحضّ على الخلق الجميل.
وسئل ابن عباس: هل الشعر من رفث القول؟ فأنشد (3):
[الرجز]
وهنّ يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا
وقال: إنما الرفث عند النساء، ثم أحرم للصلاة.
وكان ابن عباس يقول: إذا قرأتم شيئا من كتاب الله فلم تعرفوه فاطلبوه فى أشعار العرب فإن الشعر ديوان العرب (4)، وكان إذا سئل عن شىء من القرآن أنشد فيه شعرا.
وكانت عائشة رضى الله عنها كثيرة الرواية للشعر، ويقال (5): إنها كانت تروى جميع شعر لبيد (6).
__________
والبيتان فى عيون الأخبار 1/ 317و 318مع خبر ابن سيرين، وكذلك جاء الخبر والبيتان فى زهر الآداب 1/ 165، مع وجود اختلاف فى الجميع بين بعض الألفاظ، وجاء البيت الثانى أيضا فى الأغانى 21/ 305مع القصة، والبيتان فى شرح نهج البلاغة 6/ 333
(1) هو الزبير بن بكار، ابن عبد الله بن الزبير، يكنى أبا عبد الله، كان من أعيان العلماء، وتولى القضاء بمكة المكرمة، وله مصنفات تدل على فضله واطلاعه. ت 256هـ.
تاريخ بغداد 8/ 467، والفهرست 123، ومعجم الأدباء 11/ 161، والشذرات 2/ 133، وسير أعلام النبلاء 12/ 311، وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 2/ 311
(2) هناك ثلاثة يطلق على كل منهم «العمرى»: الأول: عبد الله بن عبد العزيز ابن عمر ابن الخطاب، المتوفى 184هـ والثانى: ابنه عبد الرحمن المتوفى 194هـ. والأخير عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله المتوفى 259هـ ويبدو لى أن الأخير أقرب إلى عصر الزبير بن بكار.
انظر سير أعلام النبلاء 8/ 373فى الأولين والأعلام 3/ 287فى الأخير.
(3) انظر الخبر والبيت فى الحيوان 3/ 40، ومعانى القرآن 2/ 192، والعقد الفريد 4/ 357 وجمهرة اللغة 1/ 422وفى عيون الأخبار 1/ 321، وفيه «ننل لميسا»، والشطر الثانى فقط فى محاضرات الأدباء 1/ 79، وفيه «إن يصدق» بالمثناة التحتية، وكذلك فى ف.
(4) قوله: «الشعر ديوان العرب» ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم فى نصيحة الملوك 309
(5) فى المطبوعتين: «يقال» بإسقاط الواو.
(6) انظر ما قالته عن روايتها شعر لبيد فى العقد الفريد 5/ 275(1/79)
ويروى (1) عن النبى صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تدع / العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين».
وكان أبو السائب المخزومى (2) على شرفه وجلالته وفضله فى الدين والعلم يقول: أما والله لو كان الشعر محرّما لوردنا الرحبة فى كل يوم (3)
مرارا.
والرحبة: الموضع الذى تقام فيه الحدود / يريد أنه لا يستطيع الصبر عنه، فيحدّ فى كل يوم مرارا، ولا يتركه.
فأما احتجاج من لا يفهم وجه الكلام بقول (4) الله عز وجل:
{وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لََا يَفْعَلُونَ} [سورة الشعراء: 226224] (5) فهو غلط، وسوء تأويل لأن المقصودين بهذا النصّ شعراء المشركين الذين تولّوا (6) رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالهجاء، ومسّوه بالأذى، فأما من سواهم من المؤمنين فغير داخل فى شىء من ذلك، ألا تسمع كيف استثناهم الله عز وجل، ونبّه عليهم فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَذَكَرُوا اللََّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا ظُلِمُوا}، [سورة الشعراء: 227] يريد شعراء النبى صلى الله عليه وسلّم الذين كانوا (7) ينتصرون له، ويجيبون المشركين عنه، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وقد قال فيهم النبى
__________
(1) فى ف: «وتروى» بالمثناة الفوقية، وفى المطبوعتين: «وروى».
(2) لم أعثر له على اسم صريح، ولكن قال عنه الحصرى فى زهر الآداب 1/ 167وجمع الجواهر 45: كان أبو السائب غزير الأدب، كثير الطرب، وله فكاهات مذكورة، وأخبار مشهورة، وكان جده يكنى أبا السائب أيضا، وكان خليطا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، واسم أبى السائب عبد الله، وكان أشراف مكة يستظرفونه، ويقدمونه لشرف منصبه، وحلاوة ظرفه.
وانظر أيضا الأغانى 18/ 330، والمصون فى سر الهوى المكنون 36، ولن تجد فيهما إلا الكنية فقط.
(3) فى المطبوعتين: «لوردنا الرحبة كل يوم» بإسقاط «فى».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بقوله تعالى»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(5) انظر ما قيل عن الآيات فى تفسير القرطبى 13/ 154145.
(6) فى المطبوعتين: «تناولوا». وتولوا رسول الله بالهجاء: لزموه به. انظر اللسان فى [ولى].
(7) سقطت «كانوا» من المطبوعتين.(1/80)
صلى الله عليه وسلّم: «هؤلاء النفر أشدّ على قريش من نضح النبل» (1)، وقال لحسان بن ثابت: «اهجهم (2) يعنى قريشا فو الله لهجاؤك أشدّ عليهم من وقع السهام فى غلس الظلام، اهجهم (2)، ومعك جبريل روح القدس، والق أبا بكر يعلمك تلك الهنات» (3).
فلو أن الشعر حرام، أو مكروه، ما اتّخذ النبىّ صلى الله عليه وسلّم شعراء يثيبهم على الشعر، ويأمرهم بعمله، ويسمعه منهم.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه (4) خير له من أن يمتلىء شعرا» (5) فإنما هو فى من غلب (6) الشعر على قلبه، وملك نفسه، حتى شغله عن دينه، وإقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن (7)، والشعر وغيره مما جرى هذا المجرى من شطرنج
__________
(1) هذا جزء من حديث طويل عن ابن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان. انظره فى البخارى ومسلم.
(22) ما بين الرقمين سقط سهوا من ناسخ ص، والزيادة من ف والمغربيتين والمطبوعتين، وفى المطبوعتين: «لهجاؤك عليهم أشد».
(3) سبق أن أشرت إلى الحديث الوارد فى هذا الشأن، ولا بأس من إعادته، فقد روى البخارى فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو ينافح، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وانظره مع اختلاف فى بعض الألفاظ فى الترمذى 8/ 63، وأبى داود 5015، وانظر الأغانى 4/ 137، وزهر الآداب 1/ 2625
(4) فى ف: «حتى يراه»، ويبدو أن هذا من «الرئة». وفى تفسير القرطبى 13/ 150وفى غريب الحديث 1/ 35: يريه من الورى وهو أن يروى جوفه أى يأكل القيح جوفه.
(5) انظر هذا الحديث فى البخارى 8/ 45، وأبى داود 4/ 302، فى كتاب الأدب، وفى مسلم 4/ 1769فى كتاب الشعر، وجميعها تتفق فى المعنى وإن اختلفت فيها بعض الألفاظ، وانظر ما قيل عنه فى غريب الحديث لأبى عبيد القاسم ابن سلام 1/ 3634، والمسند لأحمد بن حنبل 2/ 39 و 96و 3/ 3و 8/ 41، وانظر دلائل الإعجاز 16وتفسير القرطبى 13/ 150.
(6) فى م: «فإنما هو من غلب».
(7) قال القرطبى كلاما فى هذا يبدو أن ابن رشيق اقتبسه منه، فقد قال القرطبى فى الجامع لأحكام القرآن 13/ 151: «إن هذا الحديث ينصب على من غلب عليه الشعر، وامتلأ صدره منه، واشتغل به عن العلم، وأعرض بسببه عن الذكر، وخاض به فى الباطل».
وكان السهيلى ممن تأولوا فى هذا الحديث مستندا إلى ما ذهبت إليه السيدة عائشة رضى الله عنها من أن المقصود بالشعر الوارد فى هذا الحديث إنما هو الشعر الذى هجى به الرسول صلى الله عليه وسلّم لا الشعر(1/81)
وغيرها (1) / سواء، وأما غير ذلك ممن يتخذ الشعر أدبا وفكاهة وإقامة مروءة فلا جناح عليه.
وقد قال الشعر كثير من الخلفاء الراشدين، والجلّة من الصحابة والتابعين، والفقهاء المشهورين، وسأذكر من ذلك طرفا يقتدى به فى هذا الباب.
إن شاء الله تعالى.
* * * __________
كله. انظر الروض الأنف 5/ 7473، وانظر تعليق ابن رشيق السابق حول الآية:
{وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} فإنك ستجد هذا الرأى.
واستند بعضهم على الحديث الذى رواه جابر وهو «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا أو دما خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به». انظر فتح البارى 22/ 39و 357
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وغيره» بالنظر إلى اللفظ، وما فى ص وف بالنظر إلى «اللعبة».(1/82)
باب فى أشعار الخلفاء والقضاة والفقهاء
من ذلك قول أبى بكر الصديق رضى الله عنه وقالوا (1): واسمه عبد الله بن عثمان، ويقال: عتيق، وقيل: عتيق لقب له قال فى غزوة عبيدة ابن الحارث، رواه ابن إسحاق وغيره (2): [الطويل]
أمن طيف سلمى بالبطاح الدّمائث ... أرقت وأمر فى العشيرة حادث؟ (3)
ترى من لؤىّ فرقة لا يصدّها ... عن الكفر تذكير ولا بعث باعث
رسول أتاهم صادق فتكذّبوا ... عليه وقالوا: لست فينا بما كث
/ إذا ما دعوناهم إلى الحقّ أدبروا ... وهرّوا هرير المجحرات اللواهث (4)
فكم قد متتنا فيهم بقرابة ... وترك التّقى شىء لهم غير كارث (5)
فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم ... فما طيّبات الحلّ مثل الخبائث (6)
وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم ... فليس عذاب الله عنهم بلابث (7)
ونحن أناس من ذؤابة غالب ... لنا العزّ منها فى الفروع الأثائث (8)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «قالوا» بحذف الواو من أوله.
(2) انظر الشعر فى السيرة النبوية لابن هشام 21/ 592، وفيه قال ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لأبى بكر رضى الله عنه، وقال السهيلى فى الروض الأنف 2/ 55:
«ويشهد لصحة من أنكر أن تكون له ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر قال بيت شعر فى الإسلام»، والقصيدة فى ديوانه 2421
(3) فى المطبوعتين: «أو آمر»، وما فى ص وف ومغربية يوافق السيرة. والدمائث: الأرض السهلة اللينة، انظر اللسان فى [دمث].
(4) فى ص وف وخ: «المحجرات» بتقديم المهملة على المعجمة، وهو تصحيف واعتمدت ما فى م والسيرة وذلك لأن المجحرات هى الكلاب التى ألجئت إلى جحورها. انظر اللسان فى [جحر]. وهرّوا: وثبوا كما تثب الكلاب انظر اللسان فى [هرر].
(5) فى ف: «قد مثلثا» وفى خ «مثلنا». ومتتنا من متّ إليه بصلة بمعنى توسل إليه. وغير كارث: أى غير محزن أو غير مقلق انظر: اللسان فى [متت] وأساس البلاغة وجمهرة اللغة فى [كرث].
(6) فى ص: «فإن رجعوا»، واعتمدت ما فى السيرة ومغربية وف والمطبوعتين ويجوز فى «مثل» الرفع والنصب.
(7) لابث: مبطئ.
(8) فى ف وخ: «اللثائث». والأثائث جمع أثيث وهو الكثير. انظر اللسان فى [أثّ].(1/83)
فأولى بربّ الرّاقصات عشيّة ... حراجيج تخدى فى السّريح الرّثائث (1)
كأدم ظباء حول مكّة عكّف ... يردن حياض البئر ذات النبائث (2)
لئن لم يفيقوا عاجلا من ضلالهم ... ولست إذا آليت قولا بحانث
لتبتدرنهم غارة ذات مصدق ... تحرّم أطهار النساء الطوامث
تغادر قتلى تعصب الطير حولهم ... ولا ترأف الكفّار رأف ابن حارث (3)
فأبلغ بنى سهم لديك رسالة ... وكلّ كفور يبتغى الشرّ باحث (4)
/ فإن تشعثوا عرضى على سوء رأيكم ... فإنّى من أعراضكم غير شاعث (5)
ومن شعر عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان من أنقد أهل زمانه بالشّعر، وأنفذهم فيه معرفة وتروى للأعور الشنّىّ (6): [المتقارب]
هوّن عليك فإنّ الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها (7)
__________
(1) أولى: أقسم وأحلف، والراقصات: الإبل، والرقص: ضرب من المشى. والحراجيج:
النوق الطوال، وتخدى: تسرع فى المشى. والسريح: قطع جلد تربط فى أخفاف الإبل حتى لا تصيبها الحجارة. والرثائث البالية القديمة.
(2) الأدم والأدمة: السمرة، والظباء الأدم: هى السمر الظهور، البيض البطون. وعكّف: مقيمة.
والنبائث جمع نبيثة: وهى الأتربة التى تخرج من البئر عند تنقيتها.
(3) فى ص والمطبوعتين «ولا يرأف» واعتمدت ما فى ف لموافقته السيرة. وابن حارث هو عبيدة ابن الحارث.
(4) فى ف وخ: «يبتغى الشر ماجث» [كذا].
(5) فى مغربية والمطبوعتين: «فإن شعثوا عرضى على سوء رأيهم»، وما فى ص وف يوافق السيرة، وتشعثوا: تغيروا وتفرقوا.
(6) هو بشر بن منقذ، أحد بنى شن من عبد القيس، يكنى أبا منقذ، شاعر خبيث، وكان مع على يوم الجمل.
الشعر والشعراء 2/ 639، والمؤتلف والمختلف 45و 77، وسمط اللآلى 2/ 827
(7) البيت صحيح، وقد دخله الخرم، وهو إسقاط أول الوتد المجموع من أول البيت، والبيت الأول جاء دون نسبة فى أسرار البلاغة 314والبيتان فى كتاب سيبويه 1/ 64، وشرح أبيات مغنى اللبيب 3/ 269و 270، والحماسة البصرية 2/ 228، بنصهما وينسبان إلى الأعور، وجاءا فى العقد الفريد 3/ 207، وفيه «فلا تحرصنّ»، ونسبهما إلى ابن أبى حازم، وفى شرح أبيات مغنى اللبيب 3/ 271: «خفض عليك»، وفيه أن عمر كان يتمثل بهما وفيه يقول المؤلف: «والبيتان رأيتهما فى ديوان أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه». وجاء البيت الأول غير منسوب فى خزانة الأدب 10/ 148، ونسبهما المحقق فى الهامش إلى عمر أو الأعور أو ابن أبى حازم. وجاءا دون نسبة فى المقتضب 4/ 196وكتاب الأمثال 193ونسبا فى هامشهما إلى الأعور الشنى.(1/84)
فليس بآتيك منهيّها ... ولا قاصر عنك مأمورها
ومن شعره أيضا وقد لبس بردا جديدا، فنظر الناس إليه وتروى (1)
لورقة بن نوفل فى أبيات (2): [البسيط]
لا شىء ممّا ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجرى الرّياح له ... والجنّ والإنس فيما بينها ترد
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لابدّ من ورده يوما كما وردوا
ومن شعره (3): [الطويل]
توعّدنى كعب ثلاثا يعدّها ... ولا شكّ أنّ القول ما قال لى كعب (4)
/ وما بى خوف الموت إنّى لميّت ... ولكنّ خوف الذّنب يتبعه الذّنب
ومن شعر عثمان بن عفان رضى الله عنه (5): [الطويل] غنى النفس يغنى النفس حتّى يكفّها ... وإن عضّها حتّى يضرّ بها الفقر
وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلّا سيتبعها يسر
__________
(1) فى ف: «وقد يروى»، وفى المطبوعتين: «وقد روى».
(2) الأبيات فى بهجة المجالس وأنس المجالس 2/ 340و 341تحت عنوان «كان عمر بن الخطاب يتمثل»، وجاءت ثلاثة أبيات مما هنا آخر سبعة أبيات تنسب إلى ورقة بن نوفل فى الأغانى 3/ 121 وجاءت آخر ثمانية أبيات منسوبة إلى ورقة بن نوفل مع اختلاف فى الترتيب فى كتاب نسب قريش 208وجاءت الأبيات فى تاريخ الطبرى 4/ 219و 220وزهر الآداب 1/ 36وشرح نهج البلاغة 12/ 64مصدرة بما يفيد أن عمر كان يتمثل بها، وفيها بعض اختلاف
(3) فى ف: «ومن شعره أيضا»، وفى المطبوعتين: «ومن شعره أيضا رضى الله عنه».
(4) البيتان له فى تاريخ الطبرى 4/ 192و 193باختلاف يسير.
(5) البيتان فى زهر الآداب 1/ 39، مع بعض اختلاف فى البيت الثانى. وقد صدّرا بقول المؤلف: «وقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يعرف لعثمان شعر، وأنشد له بعضهم»، وهذا يجعلنا نشك فى نسبة هذا الشعر إليه.(1/85)
ومن شعر علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه وكان مجوّدا ما قاله يوم صفّين يذكر همدان ونصرهم إياه (1): [الطويل]
ولمّا رأيت الخيل ترجم بالقنا ... نواصيّها حمر النحور دوامى
وأعرض نقع فى السّماء كأنّه ... عجاجة دجن ملبس بقتام (2)
/ ونادى ابن هند فى الكلاع وحمير ... وكندة فى لخم وحىّ جذام
تيمّمت همدان الّذين هم هم ... إذا ناب دهر جنّتى وسهامى
فجاوبنى من خيل همدان عصبة ... فوارس من همدان غير لئام (3)
فخاضوا لظاها واستطاروا شرارها ... وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام
فلو كنت بوّابا على باب جنّة ... لقلت لهمدان ادخلى بسلام (4)
وهو القائل يوم صفّين أيضا: (5) [الطويل]
لمن راية سوداء يخفق ظلّها ... إذا قلت قدّمها حضين تقدّما (6)
__________
(1) فى كتاب وقعة صفين 274ثمانية أبيات، فيها البيتان الخامس والسابع، وفيه: «دعوت فلبانى من القوم عصبة» فى الخامس. والسابع فى العقد الفريد 2/ 104، وفى 3/ 390، و 4/ 339، جاء مسبوقا ببيت ليس هنا. والأبيات فى ديوان على بن أبى طالب 88و 89مع بعض اختلاف.
(2) العجاجة: الصوت: والدّجن: المقصود به هنا المطر الكثير، ومن معانيه ظل الغيم فى اليوم المطير. انظر اللسان فى [عجج ودجن].
(3) البيت ساقط من ص ومغربية.
(4) فى المطبوعتين: «ادخلوا». وهو على تأويل القوم، وما اعتمدته على تأويل القبيلة.
(5) فى ف: «وهو القائل عليه السلام يوم صفين»، وفى المطبوعتين: «وهو القائل بصفين أيضا».
والبيتان فى زهر الآداب 1/ 45، ضمن أربعة أبيات، والبيتان فى كتاب وقعة صفين 289، أول ثلاثة عشر بيتا مع بعض اختلاف وهما فى تاريخ الطبرى 5/ 37وهما فى المؤتلف والمختلف 121، دون نسبة، وهما بنسبتهما إليه مع ثالث فى العقد الفريد 4/ 39، و 339و 5/ 283، والأول وحده فيه 3/ 362 والأول وحده فى جمهرة أنساب العرب 317والبيتان فى ديوان على بن أبى طالب 87مع بعض اختلاف.
(6) فى ف والمطبوعتين: «راية حمراء»، وفى هامش المطبوعتين ذكر أنه فى نسخة «سوداء»، وفى ف وخ والمغربيتين: «حصين» بالصاد المهملة، وفى زهر الآداب: «حضين الذى ذكره هو أبو ساسان الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشى وكان صاحب رايته يوم صفين»، ومثله فى الأوائل 120، وانظر وقعة صفين 287، والمؤتلف والمختلف 120، والعقد الفريد 3/ 362وجمهرة أنساب العرب 317(1/86)
فيوردها فى الصّفّ حتّى تردّها ... حياض المنايا تقطر الموت والدّما (1)
فهؤلاء الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم ما منهم إلا من قال الشعر، وخامسهم الحسن بن على رحمه الله هو (2) القائل وقد خرج على أصحابه مختضبا رواه المبرّد: (3) [الطويل]
نسوّد أعلاها وتأبى أصولها ... فليت الّذى يسودّ منها هو الأصل
ومن شعر معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه ما رواه ابن الكلبى عن عبد الرحمن المدنى قال: لما حضرت معاوية الوفاة جعل يقول (4): [الخفيف]
إن تناقش يكن نقاشك يا رب ... ب عذابا لا طوق لى بالعذاب
أو تجاوز فأنت ربّ رءوف ... عن مسىء ذنوبه كالتّراب
/ وروى له فى غير موضع واحد (5): [الوافر]
نبذت سفاهتى فأرحت حلمى ... وفىّ على تحلّمى اعتراض (6)
على أنّى أجيب إذا دعتنى ... إلى حاجاتها الحدق المراض (7)
ومن قوله أيضا، وهو لائق به، ودالّ (8) على صحة ناقله (9):
__________
(1) فى ف: «حتى يردها يقطر» بالمثناة التحتية فيهما، وفى المطبوعتين: «حتى يرد بها».
[كذا]
(2) فى ف والمطبوعتين: «وهو».
(3) البيت فى عيون الأخبار 4/ 51، وجاء مصدرا بقول المؤلف: «كان سعد بن أبى وقاص يخضب بالسواد ويقول»، وفيه «أسوّد»، وجاء فى بهجة المجالس 2/ 216و 217مصدرا بقول المؤلف: «كان عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخضب بالسواد ويتمثل»
(4) البيتان جاءا منسوبين إلى معاوية فى بهجة المجالس 2/ 369وقالهما حين حضرته الوفاة.
(5) البيتان فى زهر الآداب 1/ 54، وقد صدرا بقول الحصرى: «وكان معاوية رحمه الله قد ترك قول الشعر فى آخر عمره، فنظر يوما إلى جارية فى داره ذات خلق رائع، فدعاها فوجدها بكرا فافترعها، وأنشأ يقول»!! وهما فى كتاب الزهرة 2/ 563، ومحاضرات الأدباء 2/ 3/ 128و 129 مع بعض اختلاف ودون تعليق.
(6) فى ف: «نبذت حلمى»، وفى المطبوعتين: «فقدت سفاهتى وأزحت غيى».
(7) فى زهر الآداب «إذا دعتنى ذوات الدل والحدق المراض».
(8) فى ف والمطبوعتين: «دال»، بإسقاط الواو.
(9) البيتان فى العقد الفريد 2/ 114، فى قصة دار ميّة الحجونية مع معاوية، وفيه: «جزاك على حرب» فى البيت الثانى.(1/87)
[الطويل]
إذا لم أجد بالحلم منّى عليكم ... فمن ذا الّذى بعدى يؤمّل للحلم؟!
/ خذيها هنيئا واذكرى فعل ماجد ... حباك على حرب العداوة بالسّلم
وأما يزيد بن معاوية فمن بعده فكثير شعرهم مشهور.
ومن شعر الحسين بن علىّ رضى الله عنه، وقد عاتبه أخوه الحسن رحمه الله فى امرأته: (1) [الوافر]
لعمرك إنّنى لأحبّ دارا ... تحلّ بها سكينة والرّباب
أحبّهما وأبذل جلّ مالى ... وليس للائمى عندى عتاب
وليس من بنى عبد المطلب رجالا ونساء من لم يقل الشعر حاشا النبى صلى الله عليه وسلّم.
فمن ذلك قول حمزة بن عبد المطلب رحمة الله عليه (2) يذكر لقاءه أبا جهل وأصحابه فى قصيدة طويلة، تركت أكثرها اختصارا (3): [الطويل]
عشيّة ساروا حاشدين وكلّنا ... مراجله من غيظ أصحابه تغلى (4)
فلمّا تراءينا أناخوا وعقّلوا ... مطايا وعقّلنا مدى غرض النبل
وقلنا لهم حبل الإله نصيرنا ... وما لكم إلّا الضّلالة من حبل
فثار أبو جهل هنالك باغيا ... فخاب وردّ الله كيد أبى جهل
وما نحن إلّا فى ثلاثين راكبا ... وهم مئتان بعد واحدة فضل
__________
(1) البيتان له فى الأغانى 16/ 136و 139، والبيت الأول وحده فى 140، والبيتان له فى زهر الآداب 1/ 63والتذكرة الفخرية 46مع اختلاف يسير فى بعضها والأول وحده له فى المحبر 397 والمعارف 213.
(2) فى المطبوعتين: «رحمه الله».
(3) الأبيات فى السيرة لابن هشام 21/ 596، فى قصيدة طويلة، وقال ابن هشام قبلها:
«وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لحمزة رضى الله عنه». وهناك اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.
(4) فى م والمغربيتين: «عشية صاروا».(1/88)
وأما العباس فكان شاعرا مفلقا حسن التهدّى، من ذلك قوله رحمه الله يوم حنين، يفتخر بثبوته مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم (1): [الطويل]
ألا هل أتى عرسى مكرّى وموقفى ... بوادى حنين والأسنّة تشرع
/ وقولى إذا ما النفس جاشت لها قرى ... وهام تدهدى والسّواعد تقطع (2)
وكيف رددت الخيل وهى مغيرة ... بزوراء تعطى باليدين وتمنع
/ نصرنا رسول الله فى الحرب سبعة ... وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشعوا
ومن شعر عبد الله بن عباس رضى الله عنه (3) [الطويل]
إذا طارقات الهمّ ضاجعت الفتى ... وأعمل فكر الليل والليل عاكر
وباكرنى فى حاجة لم يجد لها ... سواى ولا من نكبة الدّهر ناصر (4)
فرجت بمالى همّه من مقامه ... وزايله همّ طروق مسامر
وكان له فضل علىّ بظنّه ... بى الخير إنّى للذى ظنّ شاكر
ومن شعر جعفر بن أبى طالب ذى الجناحين (5) قوله يوم مؤتة، وفيه قتل رحمة الله عليه (6): [الرجز]
يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وبارد شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها ... علىّ إذ لاقيتها ضرابها
وشعر أبى سفيان بن الحارث مشهور فى الجاهلية والإسلام.
وأما (7) أبو طالب ومن شاكله فلم أذكر لهم شيئا، ما خلا بيتين لعبد
__________
(1) لم أعثر إلا على البيت الأخير فى المعارف 164، وقد جاء أول بيتين، وليس الثانى هنا، وفيه: «وقد فر من قد فر منهم».
(2) فى المطبوعتين: «جاشت لها قدى». وتدهدى: تتدحرج.
(3) الأبيات فى العقد الفريد 1/ 230، مع بعض اختلاف.
(4) فى المطبوعتين: «لم يجد بها».
(5) فى المطبوعتين: «رضى الله عنه».
(6) الرجز فى السيرة لابن هشام 43/ 378، باختلاف يسير. وفى ف: «وفيه قتل رضى الله عنه».
(7) فى ف والمطبوعتين: «فأما».(1/89)
الله بن عبد المطلب أنشدهما القاضى أبو الفضل (1) وهما (2): [الطويل]
وأحور مخضوب البنان محجّب ... دعانى فلم أعرف إلى ما دعا وجها
بخلت بنفسى عن مقام يشينها ... فلست مريدا ذاك طوعا ولا كرها
وكانت فاطمة رضى الله عنها تقول الشعر، ورويت لها أشياء كثيرة (3).
ثم نرجع إلى الخلفاء المرضيين، قال عمر بن العزيز، رواه الأوزاعى (4)
عن محمد بن كعب (5): [الطويل]
أيقظان أنت اليوم؟ أم أنت حالم؟ ... وكيف يطيق النوم حيران هائم؟ (6)
فلو كنت يقظان الغداة لحرّقت ... جفونا لعينيك الدّموع السّواجم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والرّدى لك لازم
__________
(1) مشكلة كثير من كتب التراث أن المؤلفين قد يذكرون الشخص بلقبه أو كنيته، وهذا يوقعنا فى كثير من التعب، وقد ذكر ابن رشيق صاحب الكنية أربع مرات: الأولى فى باب القدماء والمحدثين باسم القاضى أبو الفضل جعفر بن أحمد النحوى، وثلاث مرات فى باب القوافى الأولى باسم القاضى أبو الفضل جعفر بن محمد، والأخريان بكنيته القاضى أبو الفضل، وقال محققا كتاب «أنموذج الزمان» لابن رشيق ص 430، عند ذكر أبى الفضل جعفر كاتب المعز، أنهما لم يعثرا على من اسمه جعفر ويكنى أبا الفضل غير شخص واحد هو القاضى أبو الفضل جعفر بن أحمد النحوى، ورجعا فى ذلك إلى العمدة فى موضعين فقط هما فى باب القدماء والمحدثين، ومرة فى باب القوافى بذكر كنيته، ولم يريا المرتين الأخريين.
(2) لم أعثر على البيتين فى مصادرى.
(3) انظر الزهرة 2/ 838وص 841من هذا الكتاب.
(4) هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، من الأوزاع، وهم بطن من همدان، يكنى أبا عمرو، كان يسكن بمحلة الأوزاع بدمشق، ثم تحول إلى بيروت مرابطا بها إلى أن مات سنة 157هـ.
المعارف 496، والفهرست 284، وفيه توفى 159هـ، وسير أعلام النبلاء 7/ 107، وما فيه من مصادر والشذرات 1/ 241، ووفيات الأعيان 3/ 127
(5) هو محمد بن كعب بن سليم القرظى، يكنى أبا حمزة، وكان أبوه من سبى بنى قريظة، سكن الكوفة، ثم المدينة، ولما كتب عن نفسه أنه قرظى قيل له: أو الأنصارى، فقال: أكره أن أمنّ على الله بما لم أفعل، وكان يقص فسقط عليه ومن معه المسجد فمات سنة 108هـ.
المعارف 458، وفيه مات سنة 108أو 117أو 118، وسير أعلام النبلاء 5/ 65، وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 136، والاستيعاب 3/ 1377
(6) الأبيات جاءت ضمن خمسة أبيات فى بهجة المجالس 2/ 324و 325مصدرة بأنه كان يتمثل بها، وهى له ضمن خمسة أبيات فى سير أعلام النبلاء 5/ 138(1/90)
وتشغل فيما سوف تكره غبّه ... كذلك فى الدّنيا تعيش البهائم
وممّا أثبته حمّاد الراوية (1) من شعره (2): [مجزوء الكامل]
انه الفؤاد عن الصّبا ... وعن انقياد للهوى (3)
فلعمر ربّك إنّ فى ... شيب المفارق والجلا (4)
لك واعظا لو كنت تت ... تعظ اتّعاظ ذوى النهى
حتّى متى لا ترعوى ... وإلى متى وإلى متى؟
بلى الشباب وأنت إن ... عمّرت رهن للبلى
وكفى بذلك زاجرا ... للمرء عن غىّ كفى
ومن شعره أيضا، أنشده ابن داود القياسىّ (5) فى كتابه (6):
__________
(1) هو حماد بن سابور أو ميسرة بن المبارك، يكنى أبا القاسم، وكان أول من لقب بالراوية، كما كان من أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها، وهو الذى جمع المعلقات. ت 155هـ.
المعارف 541، والفهرست 104، والأغانى 6/ 70، ومعجم الأدباء 10/ 258، ونزهة الألباء 39، ووفيات الأعيان 2/ 206، وخزانة الأدب 9/ 446، وأمالى المرتضى 1/ 131، وسير أعلام النبلاء 7/ 157، وما فيه من مصادر.
(2) الأبيات فى الأمالى 2/ 45ضمن سبعة أبيات دون تغيير.
(3) فى خ: «وعن انقياده للهوى» [كذا]، وفى م «وعن انقيادك للهوى»، وفى هامشها كتب المحقق: «فى المطبوعتين «وعن انقياده» ويلزمه سكون الهاء أو كسرها باختلاس وهى ضمير الغائب فى غير وقف، وليس بشىء، والأفضل ما أثبتناه».
وأقول: وهذا التعليق ليس بشىء أيضا، ويتضح أن المحققين لجميع النسخ لم يطلعوا على نسختى ص وف والمغربيتين ولم يرجعوا إلى الأمالى ولم يرجع محقق م إلى أية مخطوطة، وإنما قام بإصلاح البيت من عنده، فى حين لم تكن نسخة الأزهر بعيدة عنه!!!.
(4) الجلا بالقصر: انحسار مقدم الشعر كتابته بالألف وقيل: هو دون الصلع، وقيل: هو أن يبلغ انحسار الشعر نصف الرأس: [انظر اللسان فى جلا].
(5) هو محمد بن داود بن على بن خلف القياسى الأصبهانى الظاهرى، يكنى أبا بكر، كان فقيها على مذهب أبيه، وهو أحد أذكياء زمانه، وصاحب كتاب الزهرة، تصدر للاشتغال بالفتوى فى بغداد بعد أبيه، وكان يناظر ابن سريج، وله شعر رائق، وهو ممن قتله الهوى. ت 297هـ.
تاريخ بغداد 5/ 256، والفهرست 272، وسير أعلام النبلاء 13/ 109، والشذرات 2/ 226، ووفيات الأعيان 4/ 259، والوافى بالوفيات 3/ 58
(6) البيتان فى سير أعلام النبلاء 5/ 127، وقبلهما: إنه لما انصرف عمر عن قبر سليمان قدموا له مراكبه فقال، وهما له فى ربيع الأبرار 1/ 433وفيهما اختلاف يسير، ولم أجدهما فى الزهرة.(1/91)
[الطويل]
ولولا النهى ثمّ التّقى خشية الرّدى ... لعاصيت فى حبّ الصّبا كلّ زاجر
صبا ما صبا فيما مضى ثمّ لا ترى ... له صبوة أخرى الليالى الغوابر
ومن قول عبد الله بن الزّبير (1) قبله (2) وقد ولى الحرمين مدة، ودعى بأمير المؤمنين ما شاء الله، حتى قتل رحمة الله عليه، وقد روى لعبد الله ابن الزّبير (3) بفتح الزّاى، وكسر الباء: [البسيط]
لا أحسب الشرّ جارا لا يفارقنى ... ولا أحذّ على ما فاتنى الودجا (4)
وما لقيت من المكروه منزلة ... إلّا وثقت بأن ألقى لها فرجا
ومن قوله المشهور عنه أيضا، رحمة الله عليه (5): [الطويل]
وكم من عدوّ قد أراد مساءتى ... بغيب ولو لاقيته لتندّما (6)
كثير الخنا حتّى إذا ما لقيته ... أصرّ على إثم وإن كان أقسما
__________
(1) هو عبد الله بن الزّبير بن العوام القرشى الأسدى، المكى، ثم المدنى، يكنى أبا بكر، وأبا خبيب، وأمه أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنه وهو أول مولود ولد بالمدينة من المسلمين بعد الهجرة، وبنى الكعبة، وجعل لها بابين، وطلب الخلافة فظفر بالحجاز والعراق واليمن ومصر، ومكث كذلك تسع سنين، ثم حاصره الحجاج بمكة فأصابه سهم فمات سنة 73هـ.
المعارف 224و 225، وسير أعلام النبلاء 3/ 363، وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 79، ووفيات الأعيان 3/ 71ولطائف المعارف 12
(2) فى المطبوعتين: «قوله».
(3) هو عبد الله بن الزّبير بن الأشيم أو الأشم الأسدى، يكنى أبا كثير، كان من المتعصبين للدولة الأموية، وكان هجاء يخاف الناس من لسانه، وجىء به إلى مصعب بن الزبير أسيرا بعد استيلائه على الكوفة، فأطلقه، فمدحه وانقطع إليه، ومات فى عهد عبد الملك عام 75هـ
الأغانى 14/ 217، وخزانة الأدب 2/ 264ومعاهد التنصيص 3/ 310، وشرح ديوان الحماسة 2/ 941، وسير أعلام النبلاء 3/ 383
(4) البيتان فى الحماسة 1/ 597، وشرح ديوان الحماسة 3/ 1170، وكتاب الآداب لابن شمس الخلافة 85، مع اختلاف يسير، وينسبان فيها إلى ابن الزّبير الأسدى.
(5) سقط من ف والمطبوعتين قوله: «رحمة الله عليه».
(6) البيت الأول جاء ضمن قصيدة لعبد الله بن الزّبير فى الأغانى 14/ 220، وليس فيها البيت الثانى، وهما فى شعر عبد الله بن الزّبير 122(1/92)
وحسبك من القضاة شريح بن الحارث (1)، كان شاعرا مجوّدا، وقد استقضاه عمر بن الخطاب، ثم عثمان، ثم علىّ (2)، رضى الله عنهم / كتب إلى مؤدّب ولده، وقد وجده وقت الصلاة يلعب بجرو (3)، وأودع الأبيات رقعة وأنفذها مع ولده، مختومة إلى المؤدب: (4) [الكامل]
ترك الصّلاة لأكلب يسعى بها ... طلب الهراش مع الغواة الرّجّس
فليأتينّك غدوة بصحيفة ... كتبت له كصحيفة المتلمّس (5)
فإذا هممت بضربه فبدرّة ... وإذا بلغت بها ثلاثا فاحبس (6)
واعلم بأنّك ما أتيت فنفسه ... مع ما يجرّعنى أعزّ الأنفس
فهذا شريح، وهلمّ جرّا إلى حيث شئت.
ومن الفقهاء عبيد الله بن عبد الله (7) بن عتبة بن مسعود (8) قال فى امرأة
__________
(1) هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندى، يكنى أبا أمية، وفى نسبه اختلاف كبير، كان أعلم الناس بالقضاء، ولى قضاء الكوفة لعمر، ومن بعده خمسا وسبعين سنة، وكان شاعرا محسنا، وهو أحد السادات الطلس أى الذى لا شعر فى وجهه واستعفى الحجاج من القضاء، فأعفاه، وكان صاحب مزح حتى فى القضاء. واختلف فى سنة وفاته على أقوال كثيرة أصحها سنة 78هـ.
المعارف 433، وسير أعلام النبلاء 4/ 100، وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 85، ووفيات الأعيان 2/ 460
(2) فى المطبوعتين: «استقضاه عمر بن الخطاب رضى الله عنه»، وسقط «ثم عثمان، ثم على».
(3) فى ف: «وقد وجده ترك الصلاة ولعب بجرو»، وفى المطبوعتين: «بجرو كلب».
(4) الأبيات الأول والثالث والرابع فى عيون الأخبار 2/ 167ضمن أربعة أبيات، والأبيات الأربعة فى العقد الفريد 2/ 435و 436، وثمار القلوب 217ضمن خمسة أبيات، والأول والثانى والرابع فى المحاسن والمساوى 2/ 408، وهناك اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ.
(5) انظر ما قيل عن صحيفة المتلمس فى ثمار القلوب 216
(6) فى ف والمطبوعتين: «وإذا بلغت به» وما فى ص يوافق المصادر السابقة.
(7) فى خ: «عبيد الله بن عبيد الله» [كذا].
(8) هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلى، يكنى أبا عبد الله، كان مؤدب عمر بن عبد العزيز، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين انتهى إليهم علم المدينة، وقد ذكرهم فى الأبيات، وكان عالما ناسكا، فقيها ثقة، كثير الحديث، واسع العلم بالشعر، وقد ذهب بصره. ت 98أو 99أو 102هـ.
المعارف 250و 588، وسير أعلام النبلاء 4/ 475، وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 114، وزهر الآداب 1/ 170، وسمط اللآلى 2/ 781، والأغانى 9/ 139، ونكت الهميان 197، ووفيات الأعيان 3/ 115(1/93)
من هذيل، قدمت المدينة، ففتن الناس بها (1)، ورغبوا فيها خاطبين (2):
[الطويل]
أحبّك حبّا لو علمت ببعضه ... لجدت ولم يصعب عليك شديد
أحبّك حبّا لا يحبّك مثله ... قريب ولا فى العالمين بعيد (3)
وحبّك يا أمّ الوليد مولّهى ... شهيدى أبو بكر فنعم شهيد
ويعلم وجدى قاسم بن محمّد ... وعروة ما أخفى بكم وسعيد
ويعلم ما ألقى سليمان علمه ... وخارجة يبدى بنا ويعيد
متى تسألى عمّا أقول وتخبرى ... فللحبّ عندى طارف وتليد (4)
هؤلاء الستة الذين ذكرهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه (5)، وعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله صاحب هذا الشعر هو سابعهم، وهم فقهاء المدينة، وأصحاب الرأى الذين عليهم المدار (6)، وهم القدوة.
وكان (7) جماعة من أصحاب مالك بن أنس يرون الغناء بغير آلة جائزا، وهو مذهب جماعة / من جلّة أهل مكة والمدينة (8)، والغناء حلّة الشعر إن لم يلبسها طويت، ومحال أن يحرّم الشعر من يحلّ الغناء به.
__________
(1) فى المطبوعتين: «ففتن بها الناس».
(2) الأبيات فى الأغانى 9/ 148، وزهر الآداب 1/ 169، والمصون فى سر الهوى المكنون 40، وشذرات الذهب 1/ 114، وذم الهوى 166، مع اختلاف فى بعض الألفاظ، وفى التقديم والتأخير.
(3) هذا البيت ساقط من ف والمطبوعتين.
(4) فى ف والمطبوعتين: «تخبرى فلله عندى»، وهو يوافق ما جاء فى ذم الهوى.
(5) سقط قوله: «رضى الله عنه» من المطبوعتين.
(6) فى المطبوعتين: «الذين هم عليهم المدار».
(7) فى المطبوعتين: «وقد كان».
(8) انظر ما قيل عن هذا فى الاستقامة 1/ 272(1/94)
وأما محمد بن إدريس الشافعى (1)، فكان من أحسن الناس افتنانا فى الشعر، وهو القائل (2): [البسيط]
ومتعب العيس مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه فى ذلك البلد (3)
وضاحك والمنايا فوق هامته ... لو كان يعلم غيبا مات من كمد
من كان لم يؤت علما فى بقاء غد ... ماذا تفكّره فى رزق بعد غد؟
ومن قوله أيضا فى غير هذا الفنّ (4): [الكامل]
الجدّ يدنى كلّ شىء شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق (5)
فإذا سمعت بأنّ مجدودا حوى ... عودا فأورق فى يديه فصدّق
وإذا سمعت بأنّ محروما أتى ... ماء ليشربه فجفّ فحقّق
وأحقّ خلق الله بالهمّ امرؤ ... ذو همّة يبلى برزق ضيّق
/ ولربّما عرضت لنفسى فكرة ... فأودّ منها أنّنى لم أخلق
ومن الدّليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق (6)
وهذا باب لو تقصّيته لاحتمل كتابا مفردا، ولكنى طبّقت المفصل، وذكرت بعض المشاهير من الناس.
* * * __________
(1) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمى المطلبى، يكنى أبا عبد الله، وهو كثير المناقب، جم المفاخر، منقطع النظير، اجتمعت فيه علوم الفقه والحديث واللغة والشعر، حتى إن الأصمعى وهو من هو قرأ عليه أشعار الهذليين. ت 104هـ
تاريخ بغداد 2/ 56، والفهرست 263، وسير أعلام النبلاء 10/ 5، وما فيه من مصادر كثيرة، وشذرات الذهب 2/ 9، وطبقات الشافعية الجزء الأول، ومعجم الأدباء 17/ 281، ووفيات الأعيان 4/ 163، والوافى 2/ 171، وحسن المحاضرة 1/ 303، والنجوم الزاهرة 2/ 176، وغير ذلك كثير.
(2) البيتان الثانى والثالث فى ديوان الشافعى 38، مع اختلاف يسير.
(3) فى المطبوعتين: «مرتاحا».
(4) فى ف: «وهو القائل أيضا فى هذا الفن»، وفى المطبوعتين: «فى غير هذا المعنى».
(5) الأبيات ما عدا الخامس فى ديوان الشافعى 64، والأول والثانى والثالث والسادس فى وفيات الأعيان 4/ 166، مع بعض الاختلاف.
(6) ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.(1/95)
باب من رفعه الشعر ومن وضعه
إنما قيل فى الشعر: «إنه يرفع من قدر الوضيع الخامل (1)، مثل ما يضع من قدر الشريف الكامل، وإنه أسرى مروءة الدنى، وأدنى مروءة السرى (2)» لأمر ظاهر غاب عن بعض الناس، فتأوله شرّ (3) التأويل، فظنه مثلبة، وهو منقبة وذلك أن الشعر لجلالته يرفع من قدر الخامل إذا مدح به، مثل ما يضع من قدر الشريف إذا اتخذه / مكسبا، كالذى يؤثر من سقوط النابغة الذبيانى بامتداحه النعمان بن المنذر (4)، وتكسّبه عنده بالشعر، وقد كان أشرف بنى ذبيان. هذا، وإنما مدح النعمان قاهر العرب، وصاحب البؤس والنعيم (5)، وكاشتهار عرابة الأوسى (6) بشعر الشمّاخ بن ضرار (7)، وقد
__________
(1) فى المطبوعتين: «الوضيع الجاهل».
(2) هذا الجزء الأخير من استشهاد أبى عمرو بن العلاء، جاء بعد حديثه عن مكانة الخطيب والشاعر، ولما بين أن الشاعر لما تكسب بالشعر تسرع إلى أعراض الناس قال: ولذلك قال الأول: «الشعر أدنى مروءة السرى، وأسرى مروءة الدنى». انظر البيان والتبيين 1/ 241وانظره فى التمثيل والمحاضرة 184
(3) فى ف: «فأوله»، وفى خ: «فتأوله أشد» بالدال المهملة، وفى م: «فتأوله أشذ» بالذال المعجمة.
(4) يقول أبو عمرو بن العلاء فى مجال حديثه عن التكسب بالشعر: «فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر»، ثم يقول: «ولقد وضع قول الشعر من قدر النابغة الذبيانى، ولو كان فى الدهر الأول ما زاده ذلك إلا رفعة». البيان والتبيين 1/ 241
(5) فى هامش م قال المحقق: «فى ظاهر العبارة أن المؤلف يعتبر ممدوح النابغة هو صاحب يومى البؤس والنعيم، وهذا باطل فإن ممدوح النابغة هو النعمان بن المنذر، وصاحب اليومين هو المندر بن ماء السماء»
وهذا التعليق حق، ولكن المحقق لم يذكر السبب فى وقوع المؤلف فى هذا الخطأ، والسبب يبدو واضحا حين نقرأ فى كتابى ابن قتيبة «الشعر والشعراء 1/ 267» و «المعارف 649وما بعدها» فقد وقع ابن قتيبة فى ذات الخطأ، مما يجعلنى أعتقد أن خطأ ابن رشيق مرتب على خطأ ابن قتيبة، وانظر تعليق محقق الشعر والشعراء.
(6) هو عرابة بن أوس بن قيظى، شهد يوم أحد، فاستصغر، فرد، وشهد غزوة الخندق، كان أبوه من كبار المنافقين، ولكن عرابة كان سيدا من سادات قومه كريما.
المعارف 330، والاشتقاق 445، والاستيعاب 3/ 1238
(7) هو الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازنى الذبيانى الغطفانى، شاعر مخضرم، ويقول صاحب الخزانة: اسمه معقل بن ضرار، والشماخ لقبه، شهد القادسية، وتوفى فى موقعة موقان سنة 22هـ(1/96)
ترك (1) له فى سنة شديدة وسق بعير تمرا، فقال (2): [الوافر]
رأيت عرابة الأوسىّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
حتى صار ذلك مثلا سائرا، وأثرا باقيا، لا تبلى جدّته، ولا تتغيّر بهجته، وقدح ذلك فى مروءة الشماخ، وحط من قدره (3) لسقوط همّته عن درجة مثله من أهل البيوتات، وذوى الأقدار.
فأما من صنع الشعر فصاحة ولسنا، وافتخارا بنفسه وحسبه، وتخليدا لمآثر قومه، ولم يصنعه رغبة ولا رهبة، ولا مدحا ولا هجاء، كما قال واحد دهرنا، وسيد كتّاب عصرنا أبو الحسن، أحسن الله إليه وإلينا فيه (4):
[الطويل]
وجدت طريق اليأس أسهل مسلكا ... وأحرى بنجح من طريق المطامع
فلست بمطر ما حييت أخا ندى ... ولا أنا فى عرض البخيل بواقع
فلا نقص عليه فى ذلك، بل هو زيادة فى أدبه، وشهادة بفضله، كما أنه نباهة فى ذكر الخامل، ورفع لقدر السّاقط.
وإنما فضّل امرؤ القيس وهو (5) من هو لما صنع بطبعه وعلى سجيّته (6) من غير طمع ولا جزع.
__________
طبقات ابن سلام 1/ 132، والشعر والشعراء 1/ 315، والأغانى 9/ 158، والمؤتلف والمختلف 203، وخزانة الأدب 3/ 196، وسمط اللآلى 1/ 58
(1) فى المطبوعتين: «وقد بذل له».
(2) ديوان الشماخ 335، وانظر ما قيل عنهما فى الشعر والشعراء 1/ 319، والمعارف 330 والعقد الفريد 2/ 288، والاستيعاب 3/ 1238، وحلية المحاضرة 1/ 341، وكفاية الطالب 73وفى الأغانى 9/ 167البيت الأول، وفى 168البيت الثانى. وسيأتى البيتان فى ص 810
(3) فى خ والمغربيتين: «وحط فى قدره».
(4) لم أعثر على البيتين فى المصادر التى تحت يدى.
(5) فى ص: «وهو هو»، والزيادة من المطبوعتين والمغربيتين، وفى ف: «وهو لما صنع».
(6) فى المطبوعتين: «وعلا بسجيته».(1/97)
حكى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه (1) أنه قال: لو أنّ الشعراء المتقدمين ضمهم زمان / واحد، ونصبت / لهم راية، فجروا معا علمنا من السابق منهم، وإن لم يكن (2) فالذى لم يقل لرغبة ولا لرهبة، فقيل: ومن هو؟
قال (3): الكندى، قيل: ولم؟ قال: لأنى رأيته أحسنهم نادرة، وأسبقهم بادرة (4).
وقال علىّ بن الجهم (5) فى مدح المتوكل (6): [الطويل]
وما الشعر ممّا أستظلّ بظلّه ... ولا زادنى قدرا ولا حطّ من قدرى
ثم قال:
ولكنّ إحسان الخليفة جعفر ... دعانى إلى ما قلت فيه من الشعر
فذكر أنه لا يستظل بظل الشعر، أى لا يتكسب به، وأنه لم يزده قدرا، لأنه كان نابه الذّكر قبل عمل الشعر، ثم قال: «ولا حطّ من قدرى» فأحسن الاعتذار لنفسه وللشعر، يقول: ليس الشعر ضعة فى نفسه، ولا صنعته من دون الخليفة، وما كفاه ذلك حتى جعل نفسه بإزاء الخليفة، بل مكافئا له بشعره عن إحسان بدأه الخليفة به، ولم يرض أن يجعل نفسه راغبا ولا مجتديا.
__________
(1) فى ف: «حكى عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه رحمة الله»، وفى المطبوعتين:
«كرم الله وجهه».
(2) فى المطبوعتين: «وإذا لم يكن».
(3) فى ف: «فقيل: من هو؟ قال»، وفى المطبوعتين: «فقيل: ومن هو؟ فقال».
(4) انظر هذا الخبر فى الأغانى 16/ 376، ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء 376و 377
(5) هو على بن الجهم بن بدر بن الجهم بن مسعود القرشى، يكنى أبا الحسن، كان شاعرا مطبوعا، وخص بالمتوكل، فصار من جلسائه، ثم غضب عليه ونفاه إلى خراسان، فحبس فى شاذياخ ثم صلب مجردا نهارا كاملا.
الأغانى 10/ 203، ومعجم الشعراء 140، وتاريخ بغداد 11/ 367، وطبقات ابن المعتز 319، والموشح 527، وسمط اللآلى 1/ 526، ووفيات الأعيان 3/ 355، ومسائل الانتقاد 139، وديوانه.
(6) ديوان على بن الجهم 146، وما بعدها.(1/98)
وقال الطائى (1) فى مثل هذا النحو (2) لمحمد بن عبد الملك الزيات على ما كان فيه من الكبر والإعجاب، وهو حينئذ الوزير الأكبر (3):
[الطويل]
لقد زدت أوضاحى امتدادا ولم أكن ... بهيما ولا أرضى من الأرض مجهلا
ولكن أياد صادفتنى جسامها ... أغرّ فوافت بى أغرّ محجّلا (4)
فطمح بنفسه إلى حيث ترى، فجعل (5) الغرّة من كسبه وهى فى الوجه مشهورة والتحجيل من زيادة (6) الممدوح، وهو فى القوائم.
وقد سبق إلى هذا المعنى أبو نخيلة (7) السعدى، فقال يمدح مسلمة بن عبد الملك:
__________
(1) هو حبيب بن أوس الطائى، يكنى أبا تمام، واشتهر بكنيته، ولد بجاسم من أعمال دمشق، ونشأ بمصر، وهو شاعر صاحب صنعة، دقيق المعانى، غواص على ما يستصعب منها، ويعسر متناوله على غيره، ت 228أو 231أو 232هـ.
الأغانى 16/ 383، والفهرست 160، وتاريخ بغداد 8/ 248، ومروج الذهب 4/ 68، والشذرات 2/ 72، وطبقات ابن المعتز 282، وسمط اللآلى 1/ 425، وخزانة الأدب 1/ 356، ووفيات الأعيان 2/ 11، والوافى 11/ 292، ومسائل الانتقاد 140، ومعاهد التنصيص 1/ 38وغير ذلك كثير.
(2) فى ف والمغربيتين: «فى هذا النحو»، وفى المطبوعتين: «فى هذا المعنى».
(3) ديوان أبى تمام 3/ 99، وما بعدها، مع بعض اختلاف. وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 1/ 100
(4) فى خ: «فوفت فى» وفى هامش م كتب المحقق: «فى الأصل «فوفت فى» وهو خطأ، وفى الديوان: «فألقت بى»، ويبدو من هذا أن الديوان الذى رجع إليه غير الذى معنا الآن، وفيه:
«فأوفت بى».
(5) فى ف والمطبوعتين: «وجعل».
(6) فى ف والمطبوعتين: «زيادات»، وهو خطأ من النساخ الذين لا يعرفون قراءة الخط المغربى، فالتاء (ة) بالخط المغربى لها رأس من فوق يوهم بأنها ألف!!!.
(7) هو يعمر بن حزن أو حزم بن زائدة، وهو من بنى حمّان بن كعب بن سعد، وما مدح أبو نخيلة إلا خليفة أو وزيرا، وكان من أفصح الناس وأشعرهم، وكان مطبوعا مقتدرا، كثير البدائع والمعانى، غزيرا جدا، وكان الغالب عليه الرجز، ومع ذلك لا يقصر فى الشعر، وسمى أبا نخيلة لأن أمه وضعته فى أصل نخلة، ويكنى أبا الجنيد.
الشعر والشعراء 2/ 602، والمؤتلف والمختلف 296، والأغانى 20/ 390، وطبقات ابن المعتز 63، وسمط اللآلى 1/ 135، وخزانة الأدب 1/ 165(1/99)
[الطويل]
/ وأحييت لى ذكرى وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض (1)
وقد حكى أنّ امرأ القيس نفاه أبوه لما قال الشعر، وغفل أكثر الناس عن السبب وذلك أنه كان خليعا متهتّكا، نسب (2) بنساء أبيه، وبدأ بهذا الشر العظيم، واشتغل بالخمر والزنا عن الملك والرياسة، فكان إليه من أبيه ما كان، ليس من جهة الشعر، لكن من جهة الغىّ والبطالة، فهذه العلة، وقد جازت كثيرا من الناس، ومرّت عليهم صفحا (3).
وأما تفسير القول الآخر فى السّرىّ والدّنىّ فإنه إذا بلغت بالدنى نفسه، وطمحت به همّته إلى أن يصنع الشعر الذى هو آخر (4) الأدب، وتجارة العرب (5) يكافىء به عن الأيادى، ويحلّه صدر النادى (5)، ويرفع صوته على من فوقه، ويزيده فى القدر على ما استحقّه، فقد صار سريّا، على أنه القائل، فإن كان المقول له فذلك أعظم مزيّة، وأشرف خطّة ومنزلة.
وإذا انحطّت بالسرىّ همّته، وقصرت مروءته إلى أن يصنع الشعر ليتكسّب به المال، / أو يكافىء به عن الأيادى (6) دون غيره، وهو يعلم أنه أبقى من المال، وأنفس ذخائر الرجال، وأنه إن خاطب به من فوقه فقد رضى بالضّراعة، وإن خاطب
__________
(1) البيت آخر أربعة أبيات فى الأمالى 1/ 30، وطبقات ابن المعتز 64وزهر الآداب 2/ 925 والأغانى 20/ 392، وجاء آخر ثلاثة أبيات فى المؤتلف والمختلف 297وسير أعلام النبلاء 5/ 241 و 242وجاء ثانى بيتين فى عيون الأخبار 3/ 165والزهرة 2/ 611وبهجة المجالس 1/ 313وجاء مفردا فى الموازنة 1/ 99والشطر الأول فى السمط 135وبين الجميع اختلاف يسير.
وفى ف: «وأحييت لى ذكرى وما كنت»، وفى المطبوعتين: «وأحييت من ذكرى».
(2) فى ف والمطبوعتين: «شبب» وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) فى خ ومغربية «صلحا»، وفى هامش م كتب المحقق: «فى المطبوعتين: صلحا، وهو خطأ كما ترى»، ولا ندرى من أى مكان أتى المحقق بما اعتمده فى المتن، حيث لم يشر إلى ذلك، ويبدو لى أنه استعملها من محفوظه.
(4) فى ف والمطبوعتين: «أخو الأدب» وما فى ص يوافق المغربيتين.
(55) ما بين الرقمين جاء فى المطبوعتين هكذا: «تكافأ به الأيادى، ويحل به صدر النادى»، وفى خ «يكافأ» بالمثناة التحتية، وفى م بالمثناة الفوقية، وفى ف: «ويحل صدر النادى».
(6) فى ف: «ويكافئ»، وفى خ: «ويكافأ به الأيادى»، وفى م: «ويكافئ به الأيادى».(1/100)
به كفأه ونظيره فقد نزل عن المساواة، وإن خاطب به من دونه فقد سقط جملة (1)
ذلك على أن يكون شعره مدحا (2) أو عتابا، فأما إن كان (3) هجاء فأبقى لخزيه، وأضلّ لسعيه.
وسأذكر ممن رفعه أو (4) وضعه ما قال أو قيل فيه من الشعر بعض من ذكر الناس لئلا أخلى الكتاب من ذلك، وإن كنت حريصا على الإيجاز، راغبا فى الاختصار (5).
فممّن رفعه ما قال من القدماء / الحارث بن حلّزة اليشكرى (6)، وكان أبرص، فأنشد الملك عمرو بن هند قصيدته: [الخفيف]
آذنتنا ببينها أسماء (7)
__________
(1) فى ف: «فقد حمله ذلك على» فتداخل الكلام على الناسخ، وفى المطبوعتين سقطت «فقد».
(2) فى المطبوعتين: «مزحا» بالزاى بدل الدال، وفى هامش م كتب المحقق: «ربما قرئت هذه الكلمة «مدحا» ولعلها أدق».
والسبب فى هذا الخطأ كما سبق أن ذكرت هو الخطأ فى قراءة الحروف المغربية، فالدال عندهم شبيهة بالراء عندنا، ثم إن السكون فوق الدال المغربية يشبه النقطة فوقع الخطأ فى قراءة الدال زايا.
(3) فى ف والمطبوعتين: «وأما أن يكون».
(4) وفى المطبوعتين: «أو ممن وضعه».
(5) فى المطبوعتين: «وإن كنت حريصا على الإيجاز والاختصار».
(6) هو الحارث بن حلزة اليشكرى، وهو من بنى يشكر من بكر بن وائل، ويقال: إنه ارتجل قصيدته المشار إليها بين يدى عمرو بن هند، وكان ينشده من وراء ستار لما به من البرص، فلما سمع عمرو القصيدة أعجب بها، وأمر برفع الستار.
طبقات ابن سلام 1/ 151، والبرصان والعرجان 34، والشعر والشعراء 1/ 197، والمعارف 582، والأغانى 11/ 42، والاشتقاق 340، والخزانة 1/ 325، ومعاهد التنصيص 1/ 310، والمفضليات 132، وشرح القصائد السبع الطوال 431، ولطائف المعارف 106، ومسائل الانتقاد 95
(7) هذا مطلع معلقته، وتكملة البيت: «ربّ ثاو يملّ منه الثّواء». انظر طبقات ابن سلام، والشعر والشعراء، والأغانى، وشرح القصائد السبع الطوال، وغيرها مما سبق ذكره فى التعريف بالشاعر.(1/101)
وبينه وبينه سبعة حجب، فما زال يرفعها حجابا حجابا (1) لحسن ما يسمع من شعره، حتى لم يبق بينهما حجاب، ثم أدناه وقرّبه، وأمثاله كثير.
ومن المخضرمين حسان بن ثابت رحمه الله لم تكن له ماتّة (2)
ولا سابقة فى الجاهلية والإسلام إلا شعره، وقد بلغ به (3) من رضا الله عز وجل ورضا نبيه عليه السلام (4) ما أورثه الجنة.
ومن الفحول المتأخرين الأخطل (5) واسمه غياث بن غوث وكان نصرانيا من بنى تغلب (6)، بلغت به الحال فى الشعر إلى أن نادم عبد الملك بن مروان، وأركبه ظهر جرير بن عطية بن الخطفى، وهو تقىّ مسلم، وقيل: أمره بذلك بسبب شعر خايره (7) فيه بين يديه، وطوّل لسانه، حتى قال مجاهرا لعنة الله عليه لا يستتر فى الطعن على الدين، والاستخفاف بالمسلمين (8):
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حجابا فحجابا».
(2) الماتة: الحرمة والوسيلة، وجمعها: مواتّ، يقال: فلان يمت إليك بقرابة. [انظر اللسان فى متت].
(3) سقطت «به» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(4) فى ف: «ورضى رسوله ص»، وفى المطبوعتين: «ورضا نبيه عليه الصلاة والسلام».
(5) هو غياث بن غوث بن الصلت من نصارى بنى تغلب، يكنى أبا مالك، كان مقدما عند خلفاء بنى أمية، وكان له دالة عليهم، ووصل به الأمر بسبب تقديمهم له إلى أن تهكم ببعض أمور الدين. ت 90هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 451، والشعر والشعراء 1/ 483، والأغانى 8/ 280، وجمهرة أشعار العرب 720، والاشتقاق 338، ونوادر المخطوطات 2/ 317، والموشح 311، وسمط اللآلى 1/ 44، ونهاية الأرب 3/ 73، ومسائل الانتقاد 113، وأدب النديم 128، وغير ذلك.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من تغلب».
(7) فى م: «فاخره»، وفى الهامش كتب المحقق: «فى المطبوعتين «خايره» وهو غير مؤد إلى معنى» [كذا].
وهذا يوضح أن المحقق رحمه الله وضع كلمة «فاخره» من عند نفسه، فى حين أن «خايره» تؤدى المعنى الذى يقصده المؤلف، وهو التفضيل، وفى اللسان: وخايره فخاره خيرا: كان خيرا منه. انظره فى [خير].
(8) ديوان الأخطل 2/ 755، مع بعض اختلاف، وفيه تخريج للأبيات.(1/102)
[الوافر]
ولست بصائم رمضان طوعا ... ولست بآكل لحم الأضاحى
ولست بزاجر عنسا بكورا ... إلى بطحاء مكّة للنجاح
ولست مناديا أبدا بليل ... كمثل العير حىّ على الفلاح
ولكنّى شأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصّباح
وهذه غاية عظيمة، ومنزلة قريبة (1) حملت من المسامحة فى الدين على مثل ما تسمع (2)، والملوك ملوك بزعمهم، وهجاء (3) الأنصار ليزيد بن معاوية لما شبب عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصارى بعمته فاطمة بنت أبى سفيان، وقيل:
بل بأخته هند بنت معاوية، ولولا شعره لقتل دون أقل من ذلك، وقد ردّ على جرير أقبح ردّ / وتناول من أعراض المسلمين وقبائل العرب (4) وأشرافهم ما لا ينجو مع مثله علوىّ، فضلا عن نصرانى.
ومن المحدثين أبو نواس، كان نديما للأمين محمد ابن زبيدة طول خلافته، ومسلم بن الوليد صريع الغوانى، / اتصل بذى الرياستين، ومات عاملا على جرجان (5)، وكان تولاها على يديه (6). والبحترى كان نديما للمتوكل، لا يكاد يفارقه، وبمحضره قتل المتوكل، وكثير ممّن أكتفى بهؤلاء عن ذكره.
وقد خطب أبو الطيب (7) هذه الرتبة إلى كافور
__________
(1) فى م: «غريبة».
(2) فى ف: «ما يسمع» بالمثناة التحتية، وفى م: «ما نسمع» بالموحدة الفوقية.
(3) فى المطبوعتين: «وهجا» بحذف الهمزة، والمعنى على وجود الهمزة «حملت من المسامحة فى الدين وهجاء». انظر أدب النديم 128طبعة التقدم، و 119طبعة الخانجى.
(4) سقط قوله: «وقبائل العرب» من المطبوعتين والمغربيتين.
(5) فى ف: «ومات عامله على جرجان»، وفى المطبوعتين: «ومات على جرجان».
(6) فى ف فقط: «وأبو تمام ولى ديوان البريد بالموصل»، وهو قول مقحم هنا.
(7) هو أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفى الكندى الكوفى، يكنى أبا الطيب، ويعرف بالمتنبى، مدح سيف الدولة عدة سنوات، ثم رحل إلى مصر، فمدح كافورا، ثم هرب منه إلى(1/103)
الأستاذ (1)، فوعده بها، وأجابه إليها، ثم خافه لما رأى من تحامله وكبره، واقتضاه أبو الطيب مرارا، وعاتبه، فما وجد عنده راحة، فمن ذلك قوله يقتضيه (2): [الطويل]
وهبت على مقدار كفّى زماننا ... ونفسى على مقدار كفّيك تطلب
إذا لم تنط بى ضيعة أو ولاية ... فجودك يكسونى وفعلك يسلب (3)
وقوله يقتضيه أيضا، ويعاتبه من قصيدة له مشهورة (4): [الطويل]
لنا عند الدّهر حقّ يلطه ... وقد قلّ إعتاب وطال عتاب (5)
ثم قال بعد أبيات:
أرى لى بقربى منك عينا قريرة ... وإن كان قربا بالبعاد يشاب
وهل نافعى أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الّذى أمّلت منك حجاب؟
أقلّ سلامى حبّ ما خفّ عنكم ... وأسكت كيما لا يكون جواب
وفى النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتى بيان عندها وخطاب
وما أنا بالباغى على الحبّ رشوة ... ضعيف هوى يبغى عليه ثواب (6)
وما شئت إلّا أن أدلّ عواذلى ... على أنّ رأيى فى هواك صواب (7)
__________
فارس فمدح عضد الدولة البويهى، وفى أثناء عودته إلى بغداد قتله فاتك الأسدى عام 354هـ.
اليتيمة 1/ 126، وتاريخ بغداد 4/ 102، ووفيات الأعيان 1/ 120، ونزهة الألباء 219، والخزانة 2/ 347، ومعاهد التنصيص 1/ 27، والوافى بالوفيات 6/ 336، والنجوم الزاهرة 3/ 340، ومسائل الانتقاد 152. وهناك دراسات حديثة عن المتنبى أجدرها بالذكر كتاب (المتنبى) للأستاذ محمود شاكر أطال الله بقاءه.
(1) فى المطبوعتين: «كافور الإخشيدى».
(2) ديوان المتنبى 1/ 182، فى قصيدته التى يمدح بها كافورا، والتى أولها: «أغالب فيك الشوق والشوق أغلب».
(3) فى الديوان: «وشغلك يسلب».
(4) ديوان المتنبى 1/ 197، ضمن قصيدة يمدح بها كافورا، أولها: «منى كنّ لى أن البياض خضاب».
(5) يلطه: يجحده ويمطله. انظر اللسان فى [لطط].
(6) يجوز فى «رشوة» ضم الراء وفتحها وكسرها.
(7) فى ديوان المتنبى شرح العكبرى «أذل»، وما هنا يوافق شرح البرقوقى وهو الأوفق.(1/104)
وأعلم قوما خالفونى فشرّقوا ... وغرّبت أنّى قد ظفرت وخابوا
/ فهؤلاء رفعهم ما قالوا (1) من الشعر، فنالوا الرّتب، واتصلوا بالملوك، وليس ذلك ببدع للشاعر، ولا عجيب منه.
وقد كنت صنعت بين يدى سيدنا، عن أمره العالى، زاده الله علوّا: (2) [مجزوء الرجز]
الشّعر شىء حسن ... ليس به من حرج
أقلّ ما فيه ذها ... ب الهمّ عن قلب الشجى
يحكم فى لطافة ... حلّ عقود الحجج
كم نظرة حسّنها ... فى وجه عذر سمج!!
وحرقة برّدها ... عن قلب صبّ منضج
ورحمة أوقعها ... فى نفس قاس حرج (3)
وحاجة يسّرها ... عند غزال غنج (4)
وشاعر مطّرح ... مغلق باب الفرج
/ قرّبه لسانه ... من ملك متوّج
فعلّموا أولادكم ... عقّار طبّ المهج
وطائفة أخرى نطقوا فى الشعر بألفاظ صارت لهم شهرة يلبسونها، وألقابا يدعون بها فلا ينكرونها (5): منهم عائد الكلب واسمه عبد الله بن مصعب (6)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «ما قالوه» وكلاهما صحيح.
(2) ديوان ابن رشيق 50، وما بعدها.
(3) فى المطبوعتين والديوان: «فى قلب قاس».
(4) الغنج: الدلال. [انظر اللسان فى غنج].
(5) يحسن الرجوع فى هذا إلى البيان والتبيين 1/ 374، و 375، وعيون الأخبار 3/ 52، ولطائف المعارف 3424، وزهر الآداب 1/ 38، والمزهر 2/ 443434، ونوادر المخطوطات المجلد الثانى من 328281
(6) هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، يكنى أبا بكر، استعمله الرشيد على المدينة، وأفاد منه مالا جليلا، وكان عبد الله شاعرا فصيحا، جميلا، سريا، محتشما، مفوها، وافر الجلالة، محمود الولاية، وكان المهدى يحبه ويحترمه، وأطلق عليه «عائد الكلب» للبيت المذكور، وأصبح ولده يسمون «بنى عائد الكلب» ت 184هـ(1/105)
كان واليا على المدينة للرشيد، لقّب بذلك لقوله (1): [الكامل]
ما لى مرضت فلم يعدنى عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود!
والممزّق واسمه شأس بن نهار (2) لقّب بقوله لعمرو بن هند (3): [الطويل]
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركنى ولمّا أمزّق (4)
وقد تمثّل بهذا البيت عثمان بن عفان رضى الله عنه فى رسالة بعثها (5) إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه.
ولقّب مسكين الدّارمى واسمه ربيعة من ولد عمرو بن عمرو بن
__________
تاريخ بغداد 10/ 173، وعيون الأخبار 3/ 52، والأغانى 24/ 237، ولطائف المعارف 32وسير أعلام النبلاء 8/ 517، وسمط اللآلى 1/ 570، والوافى بالوفيات 17/ 618
(1) البيت فى عيون الأخبار 3/ 52، والأغانى 24/ 241، ولطائف المعارف 32، وسمط اللآلى 1/ 570، وهامش الكامل 2/ 138وجاء دون نسبة فى المنتحل 274وفيه: «ويمرض عبدكم»
(2) هو شأس بن نهار بن الأسود وقيل يزيد بن نهار، أو يزيد بن خذاق من عبد القيس، وهو صاحب القصيدة القافية التى قالها لعمرو بن المنذر بن عمرو بن النعمان، وكان همّ بغزو عبد القيس، فلما بلغته القصيدة انصرف عن عزمه.
طبقات ابن سلام 1/ 274، والشعر والشعراء 1/ 399، والبيان والتبيين 1/ 375، ومعجم الشعراء 481، والمؤتلف والمختلف 283، ولطائف المعارف 24، ولباب الآداب 2/ 26وزهر الآداب 1/ 38، والاشتقاق 330، والمزهر 435و 442
(3) البيت بنسبته إليه فى طبقات ابن سلام 1/ 274، والشعر والشعراء 1/ 399، و 400، وجاء فى عيون الأخبار 1/ 34، ومحاضرات الأدباء 1/ 267، دون نسبة، وهو بنسبته فى الكامل 1/ 17، والاشتقاق 330، والمؤتلف والمختلف 283، ولطائف المعارف 25، وزهر الآداب 1/ 38، والمزهر 2/ 436و 443، وجمهرة أنساب العرب 299، والحلية 1/ 300ولباب الآداب 2/ 26 وشرح نهج البلاغة 9/ 23و 24وجاء فى العقد الفريد 3/ 357و 4/ 310، والمنتحل 183دون نسبة وجاء فى الزهرة 2/ 803، دون نسبة، ولكن ذكر المحقق فى الهامش قائله وجاء آخر اثنى عشر بيتا فى الحماسة البصرية 1/ 397، ونوادر المخطوطات 2/ 316، مع اختلاف يسير فى بعضها.
(4) فى المطبوعتين ومغربية: «فكن أنت آكلى»، وكذلك فى بعض المصادر المذكورة قبل.
(5) فى المطبوعتين: «فى رسالة كتب بها» وانظر الرسالة والبيت فى بعض المصادر المذكورة قبل، وانظر ص 410(1/106)
عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم (1) بقوله (2): [الرمل]
أنا مسكين لمن أبصرنى ... ولمن حاورنى جدّ نطق
فلما سمى مسكينا قال (3): [الطويل]
/ وسمّيت مسكينا وكانت لجاجة ... وإنّى لمسكين إلى الله راغب
وإنّى امرؤ لا أسأل الناس مالهم ... بشعرى ولا تعيا علىّ المكاسب (4)
وإنما هذا لمكان الشعر من قلوب العرب، وسرعة ولوجه فى آذانهم، وتعلّقه بنفوسهم (5).
ومنهم من سمّى بلفظة من شعره لشناعتها (6)، مثل النابغة الذبيانى
__________
(1) هو ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح، من بنى دارم، ومسكين لقب غلب عليه ببيت قاله، وكان مسكين شاعرا مجيدا، سيدا شريفا، وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاة، فدخل بينهما شيوخ بنى عبد الله وبنى مجاشع فتكافا، واتقاه الفرزدق خشية أن يستعين عليه بجرير، واتقى مسكين الفرزدق خوفا من أن يعينه عليه عبد الرحمن بن حسان. ت 89هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 311309، والشعر والشعراء 1/ 544، والأغانى 20/ 205، ومعجم الأدباء 11/ 126، وسمط اللآلى 1/ 186، وخزانة الأدب 3/ 69و 70، وأمالى المرتضى 1/ 472 و 473
(2) البيت فى الأغانى 20/ 205، ومعجم الأدباء 11/ 127، وخزانة الأدب 3/ 69، وفى هذه المصادر جاء البيت هكذا:
أنا مسكين لمن أنكرنى ... ولمن يعرفنى جد نطق
وجاء فى كتاب تعليق من أمالى ابن دريد 104، وفيه: «لمن يعرفنى ولمن ينكرنى».
(3) البيت الأول جاء فى الشعر والشعراء 1/ 544، والأغانى 20/ 205، وفيه «سميت» بحذف الواو، وهو صحيح عروضيا، ويكون فيه الخرم، وفى معجم الأدباء 11/ 127، وأمالى المرتضى 1/ 473، وخزانة الأدب 3/ 69، ونوادر المخطوطات 2/ 305
(4) فى ف: «ولا يغنى عن المكاسب» [كذا]، وفى المطبوعتين: «ولا تعمى علىّ»، وفى ص رسمت الكلمة هكذا: «ولا تعيى»، ولم أعثر على البيت فى المصادر التى تحت يدى.
(5) فى المطبوعتين ومغربية: «بأنفسهم».
(6) فى اللسان: المشنوع: المشهور، والشناعة: القبح.(1/107)
واسمه زياد ابن عمرو (1) سمّى نابغة لقوله (2):
[الوافر]
فقد نبغت لنا منهم شئون
وأما الجعدىّ واسمه قيس بن عبد الله (3) فإنما نبغ بالشعر بعد أربعين سنة، فسمّى نابغة لذلك.
وجران العود (4) وسمّى بذلك لقوله (5): [الطويل]
عمدت لعود فانتحيت جرانه ... وللكيس خير فى الأمور وأنجح (6)
__________
(1) هو زياد بن معاوية، يكنى أبا أمامة، ولقب بالنابغة، كان مقدما عند النعمان ومن ندمائه، وقد استطاع حساده أن يوغروا صدر النعمان عليه، وإليه كانت تنتهى حكومة سوق عكاظ بين الشعراء.
طبقات ابن سلام 1/ 56، والشعر والشعراء 1/ 157، والأغانى 11/ 3، وجمهرة أشعار العرب 71و 183، والاشتقاق 287، وثمار القلوب 634، والموشح 45، وخزانة الأدب 2/ 135، ومسائل الانتقاد 98
(2) ديوان النابغة الذبيانى 218، والموجود عجز بيت صدره: «وحلّت فى بنى القين بن جسر»، وانظر لطائف المعارف 26، والسمط 1/ 58، والمزهر 2/ 436
(3) هو عبد الله بن قيس أو غير ذلك، ففى اسمه خلاف كبير من جعدة بن كعب بن ربيعة، يكنى أبا ليلى، كان شاعرا مفلقا، طويل البقاء فى الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من النابغة الذبيانى، وعمر بعده عمرا طويلا، مات بأصبهان سنة 50هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 123، والشعر والشعراء 1/ 289، والأغانى 5/ 1، ومعجم الشعراء 195، والموشح 89، والاستيعاب 4/ 1514، والمؤتلف والمختلف 293، وجمهرة أشعار العرب 618، وسمط اللآلى 1/ 47، والخزانة 3/ 167، ومسائل الانتقاد 101
(4) هو عامر بن الحارث بن كلفة وقيل: كلدة وهو من بنى ضبة بن نمير بن عامر بن صعصعة. وغلب عليه «جران العود» لما جاء فى البيتين المذكورين.
الشعر والشعراء 2/ 718، ولطائف المعارف 30وانظر هامشه، ونوادر المخطوطات 2/ 314، والمزهر 2/ 441، وخزانة الأدب 10/ 18.
(5) البيت الثانى فى الشعر والشعراء 2/ 718، وهما معا فى هامشه، والثانى وحده فى لطائف المعارف 30، والأول فى هامشه، والأول وحده فى المزهر 2/ 441، ومعانى القرآن 1/ 334وهما معا فى نوادر المخطوطات 2/ 314، وخزانة الأدب 10/ 18، مع اختلاف يسير، وبخاصة فى كلمة «يا ضرتى» فى الثانى، و «فانتحيت» فى الأول.
وقد حصلت بآخرة على ديوان جران العود، والبيتان فيه 45مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(6) فى م: «فالتحيت»، وما فى ص يوافق المزهر، وهامش لطائف المعارف والديوان.(1/108)
خذا حذرا يا ضرّتىّ فإنّنى ... رأيت جران العود قد كان يصلح (1)
يخاطب امرأتيه، وقد فركتاه (2)، ونشزتا عليه، فلزمه هذا الاسم، وذهب اسمه كرّة (3).
وكذلك أبو العيال (4) لا يعرف له اسم غير هذا لقوله: (5)
[الطويل]
ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كلّ مطرح
ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح (6)
/ وأمثالهم ممن ذكره المؤلفون لا يحصون كثرة، وليسوا من هذا الباب فى شىء لأنّ غلبة هذه الأسماء عليهم ليست شرفا لهم ولا ضعة، وإنما هى من جهة الشناعة فقط، ولكنّ الكلام شجون.
__________
والعود بفتح العين المهملة وسكون الواو وآخره دال مهملة: المسن من الإبل، والجران: باطن العنق الذى يضعه البعير على الأرض إذا مدّ عنقه لينام، وكان يعمل منه الأسواط، فهو يهددهما [عن الخزانة، وهامش لطائف المعارف].
(1) فى ص: «خذى حذار»، والتصحيح من ف والمطبوعتين ومغربية وباقى المصادر والديوان، وفى المطبوعتين: «يا خلتى» وفى هامشهما كتب ما يوضح أنه فى نسخة «يا جارتى» تثنية جارة.
وفيهما: «قد كاد» وكذلك فى الديوان.
(2) فى م: «تركتاه»، ولا أدرى من أين أتى المحقق بذلك!!.
والفرك: الكره، والنشوز: إساءة العشرة والاستعصاء. انظر اللسان [فى فرك ونشز]
(3) فى المطبوعتين: «كرها». كرّة: مرّة. انظر اللسان فى [كرر]
(4) هو أبو العيال بن أبى عنترة وقيل: ابن أبى عنبر وهو أحد بنى خناعة بن سعد بن هذيل، شاعر فصيح مقدم، من شعراء هذيل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، ثم أسلم فيمن أسلم من هذيل، وعمّر إلى خلافة معاوية.
الشعر والشعراء 2/ 669، والأغانى 24/ 197، ونوادر المخطوطات 2/ 283
(5) لم أجد البيتين فى مصادر الترجمة، ولكنى وجدت البيتين معا فى عيون الأخبار 1/ 238، والمعانى الكبير 1/ 498وينسبان فيهما إلى أوس بن حجر، وليسا فى ديوانه وجاء البيت الثانى وحده فى عيون الأخبار 2/ 194منسوبا إلى عروة بن الورد، وهما فى ديوان عروة بن الورد 26ط دار الكتاب العربى، وشعر عروة بن الورد 52ط الخانجى، ولعروة بن الورد فى لباب الآداب 2/ 28ولم أجدهما فى ديوان الهذليين.
(6) فى عيون الأخبار 1/ 238: «ليبلى عذر أو ليبلغ حاجة» وفى عيون الأخبار 2/ 194:
«لتبلغ عذرا أو تفيد غنيمة» وفى الهامش: «أو تصيب رغيبة». وفى المطبوعتين وديوان عروة بطبعتيه «أو يصيب رغيبة».(1/109)
ومن هاهنا عظم الشعر، وتهيّب أهله خوفا من بيت سائر تحدى به الإبل، أو لفظة شاردة يضرب بها المثل، ورجاء فى مثل ذلك، فقد رفع كثيرا من الناس ما قيل فيهم من الشعر بعد الخمول والاطراح / حتى افتخروا بما كانوا يعيّرون به، ووضع جماعة من أهل السّوابق والأقدار الشريفة، حتى عيّروا بما كانوا يفتخرون به.
فممّن رفعه ما قيل فيه من الشعر بعد الخمول: المحلّق (1) وذلك أن الأعشى قدم مكة، وتسامع الناس به، وكانت للمحلّق امرأة عاقلة وقيل: بل أمّ فقالت له: إن الأعشى قد (2) قدم، وهو رجل مفوّه مجدود (3) الشعر، ما مدح أحدا إلا رفعه، ولا هجا أحدا إلا وضعه، وأنت رجل كما علمت فقير، خامل الذّكر ذو بنات، وعندنا لقحة (4) نعيش بها، فلو سبقت الناس إليه، ودعوته إلى الضيافة، ونحرت له، واحتلت لك فيما تشترى به شرابا يتعاطاه لرجوت لك حسن العائدة (5)، فسبق إليه المحلّق، وأنزله (6)، ونحر له، ووجد المرأة قد خبزت خبزا، وأخرجت نحيا (7) فيه سمن، وجاءت بوطب (8) لبن، فلما أكل الأعشى وأصحابه، وكان فى عصابة قيسيّة، قدّم إليه الشراب، واشتوى له من كبد الناقة، وأطعمه من أطايبها، فلما جرى فيه الشراب، وأخذت منه الكأس سأله عن حاله وعياله، فعرف البؤس فى كلامه، وذكر البنات، فقال الأعشى: كفيت أمرهنّ، وأصبح بعكاظ ينشد قصيدته (10):
__________
(1) هو عبد العزى بن حنتم بن شداد، من بنى عامر بن صعصعة، وإنما سمى محلّقا لأن حصانا له عضّه فى وجنته، فحلق فيه حلقة. وانظر خبر اتصال المحلق بالأعشى فى الأغانى.
المعارف 89والأغانى 9/ 115
(2) سقطت «قد» من ف والمطبوعتين.
(3) فى المطبوعتين: «مجدود فى الشعر».
(4) اللقحة: الناقة ذات اللبن. انظر اللسان فى لقح [لقح].
(5) فى ف: «لرجوت حسن»، وفى المطبوعتين: «حسن العاقبة».
(6) فى ف والمطبوعتين: «فأنزله».
(7) النحى: إناء للسّمن خاصة. انظر اللسان فى [نحا].
(8) الوطب: سقاء اللبن. انظر اللسان فى [وطب].
(10) ديوان الأعشى 261253، مع اختلاف فى بعض الألفاظ والترتيب.(1/110)
[الطويل]
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بى من سقم وما بى معشق!
ورأى المحلّق اجتماع الناس، فوقف يستمع، وهو لا يدرى أين يريد الأعشى بقوله، إلى أن سمع:
نفى الذّمّ عن آل المحلّق جفنة ... كجابية الشيخ العراقىّ تفهق (1)
ترى القوم فيها شارعين وبينهم ... مع القوم ولدان من النسل دردق (2)
لعمرى لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرّق
تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلّق
رضيعى لبان ثدى أمّ تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرّق (3)
/ ترى الجود يجرى ظاهرا فوق وجهه ... كما زان متن الهندوانىّ رونق
فما أتم القصيدة إلا والناس ينسلون إلى المحلّق يهنئونه، والأشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه جريا يخطبون / بناته لمكان شعر الأعشى، ولم (4) تمس منهن واحدة إلا فى عصمة رجل أفضل من أبيها ألف ضعف.
__________
(1) فى الأمالى ذكر القالى البيت فى أثناء حديثه عن «المتفيهق»، ثم قال: وكان أبو محرز خلف يروى: «كجابية السيح»، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء الذى يسيح على وجه الأرض، أى يذهب ويجرى. والجابية: الحوض الذى يجبى فيه الماء أى يجمع، وجمعها جواب، قال الله عز وجل: {وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ} [سورة سبأ: 13]. انظر الأمالى 2/ 296
وفى الكامل 1/ 6، ذكر المبرد البيت فى أثناء حديثه عن «المتفيهقين»، ثم قال: كذا ينشده أهل البصرة، وتأويله عندهم: أن العراقى إذا تمكن من الماء ملأ جابيته لأنه حضرى، فلا يعرف مواقع الماء ولا محاله. قال أبو العباس: وسمعت أعرابية تنشد قال أبو الحسن: هى أم الهيثم الكلابية من ولد المحلق، وهى راوية أهل الكوفة: «كجابية السيح» تريد النهر الذى يجرى على جابيته، فماؤها لا ينقطع لأن النهر يمده. وفى الديوان 261: «كجابية السيح».
(2) فى ف: «ترى الناس من القوم من الفضل دردق»، وفى ص: «زردق» والتصحيح من ف والمطبوعتين والديوان.
والدردق: الأطفال، والصغير من كل شىء [من الديوان 261]
(3) أسحم داج يحتمل أن يكون المقصود هو الليل أو أن يكون المقصود حلمة الثدى وقيل:
الرحم. وعوض: أى أبد الدهر.
(4) فى المطبوعتين: «فلم».(1/111)
وكذلك بنو أنف الناقة، كانوا يفرقون من هذا الاسم، حتى إن الرجل منهم كان (1) يسأل: ممّن هو؟ فيقول: من بنى قريع، فيتجاوز «جعفرا» أنف الناقة بن قريع بن عوف بن مالك، ويلغى ذكره فرارا من هذا اللقب (2)، إلى أن نقل الحطيئة (3) واسمه جرول بن أوس أحدهم، وهو بغيض بن عامر بن لأى ابن شمّاس بن جعفر أنف الناقة من ضيافة الزّبرقان بن بدر إلى ضيافته، وأحسن إليه فقال (4): [البسيط]
سيرى أمام فإنّ الأكثرين حصى ... والأكرمين إذا ما ينسبون أبا
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يساوى بأنف الناقة الذّنبا؟
فصاروا يتطاولون بهذا النسب، ويمدون به أصواتهم فى جهارة.
وإنما سمّى جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا (5) قسم ناقة جزورا، ونسيه، فبعثته أمه إليه (6)، ولم يبق إلا رأس الناقة وعنقها (7)، فقال له أبوه:
شأنك بهذا، فأدخل أصابعه فى أنف الناقة، وأقبل يجرّه، فسمّى بهذا.
ومثل هاتين القصتين قصة عرابة الأوسى مع الشماخ، وقد تقدم ذكرها (8).
وممّن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر (9) نسبه، وسقط عن رتبته،
__________
(1) سقطت «كان» من المطبوعتين.
(2) اقرأ هذا الخبر فى زهر الآداب 1/ 18و 19
(3) هو جرول بن أوس بن مالك، يكنى أبا مليكة، ولقب بالحطيئة لقربه من الأرض، وقيل غير ذلك، وهو من فحول الشعراء وفصحائهم، كان راوية لزهير، وكانت نفسه مليئة بالشر على الناس جميعا ت 59هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 104، والشعر والشعراء 1/ 322، والأغانى 2/ 157، والاشتقاق 279، وجمهرة أشعار العرب 657، ونوادر المخطوطات 2/ 290، ولطائف المعارف 113، وسمط اللآلى 2/ 80، ووفيات الأعيان 1/ 276، ومسائل الانتقاد 110، وديوانه.
(4) ديوان الحطيئة 14و 15، وفيه: «ومن يسوّى» فى البيت الثانى.
(5) سقط قوله: «قريعا» من المطبوعتين ومغربية.
(6) فى ف: «فبعثته إليه أمه»، وفى المطبوعتين: «فبعثته أمه».
(7) سقط قوله: «وعنقها» من المطبوعتين.
(8) انظر أول باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 44و 45.
(9) فى ف والمطبوعتين: «انكسر» وهو خطأ من الناسخ الذى لم يستطع القراءة المغربية، فتبعه المحققان!!!.(1/112)
وعيب بفضيلته بنو نمير، كانوا (1) جمرة من جمرات العرب (2)، إذا سئل أحدهم / ممّن الرجل؟ فخّم لفظه، ومدّ صوته وقال: من بنى نمير، إلى أن صنع جرير قصيدته (3) التى هجا بها عبيد بن حصين الراعى، فسهر لها، وطالت ليلته إلى أن قال (4): [الوافر]
فغضّ الطرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فأطفأ سراجه ونام، وقال: قد والله أخزيتهم آخر الدّهر، فلم يرفعوا رأسا بعدها إلا نكّس بهذا البيت، حتى إن مولى لباهلة كان يرد سوق البصرة ممتارا فيصيح به بنو نمير: يا جوذاب (5) باهلة، فقصّ الخبر على مواليه، وقد ضجر من ذلك، فقالوا له: إذا نبزوك (6) فقل لهم:
فغضّ الطرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ومرّ بهم بعد ذلك فنبزوه، وأراد البيت فنسيه، فقال: غمّض وإلا جاءك ما تكره، فكفّوا عنه، ولم يعرضوا له بعدها.
ومرت امرأة ببعض مجالس بنى نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت:
قبّحكم الله يا بنى نمير! ما قبلتم قول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} [سورة النور: 30]، ولا قول الشاعر:
__________
(1) فى المطبوعتين: «وكانوا».
(2) ذكر المؤلف معنى جمرات العرب فى آخر باب ما يتعلق بالأنساب، وانظره فى كتاب الديباج 77والمحبر 234والكامل 2/ 233وزهر الآداب 1/ 20وجمهره أنساب العرب 486وخزانة الأدب 1/ 74وانظر ص 912
(3) انظر ما قيل عن هذا الشأن فى البيان والتبيين 4/ 35، وزهر الآداب 1/ 20
(4) ديوان جرير 2/ 821وانظر ما قيل عن ذلك فى البيان والتبيين 4/ 35، 2/ 821وسيأتى البيت فى ص 867
(5) الجوذاب: طعام يصنع بسكر وأرز ولحم، وقال أبو عمرو: يقال ما أغنى عنى جذبّانا، وهو زمام النعل، ولا ضمنا وهو الشسع. [انظر اللسان فى جذب].
وفى م: «يا جوذب» وكتب المحقق فى الهامش: الجوذاب: شسع النعل.
(6) نبزوك: من نبزه ينبزه نبزا، أى لقّبه، والتنابز: التداعى بالألقاب، وهو يكثر فيما كان ذما.
[انظر: اللسان فى نبز].(1/113)
فغضّ الطرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا (1)
وهذه القصيدة تسميها العرب الفاضحة، وقيل: سماها جرير الدّمّاغة، تركت بنى نمير ينتسبون بالبصرة إلى عامر بن صعصعة، ويتجاوزون أباهم نميرا إلى عامر أبيه هربا من ذكر نمير، وفرارا مما وسم به من الفضيحة والوصمة (2).
والربيع بن زياد (3) كان من ندماء النعمان / بن المنذر، وكان فحّاشا عيّابا، وبذيّا سبّابا، لا يسلم منه أحد ممّن يفد على النعمان، فرمى بلبيد، وهو غلام مراهق، فناقشه (4)، وقد وضع الطعام بين يدى النعمان، وتقدم الربيع وحده ليأكل معه على عادته، فقام لبيد (5)، فقال مرتجلا (6):
__________
(1) انظر القصة فى البيان والتبيين 4/ 36، وقد علق الجاحظ بعدها بقوله: «وأخلق بهذا الحديث أن يكون مولّدا، ولقد أحسن من ولّده». وانظرها فى عيون الأخبار 4/ 85، وزهر الآداب 1/ 21، وربيع الأبرار 1/ 399، والأجوبة المسكتة 231
(2) اقرأ فى التنبيه على أوهام أبى على القالى فى أماليه 122، ما ذكر فيه هذا البيت من المعاريض، واقرأ موضوع «الشرف والخمول فى قبائل العرب» فى الحيوان 1/ 367357، واقرأ المعاريض أيضا فى عيون الأخبار 2/ 202و 203
(3) هو الربيع بن زياد العبسى، وأمه فاطمة بنت الخرشب، وكان الربيع نديما للنعمان مع رجل من تجار الشام يقال له زرجون بن توفيل، وكان أديبا حسن الحديث والندام، فاستخفه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسى وإلى الربيع بن زياد فخلابهم، فلما جاء النعمان وفد بنى عامر ومعهم الجعفريون خرجوا من عند النعمان بأسوأ حال لما فعله الربيع من الطعن عليهم، والزراية بهم، فلما علم لبيد وكان قد تركه قومه فى رحالهم تصدى له.
المعارف 581، والأغانى 15/ 363، وديوان لبيد 340، والخزانة 4/ 1311و 9/ 559548
(4) فى المطبوعتين: «فنافسه».
(5) هو لبيد بن ربيعة العامرى، يكنى أبا عقيل، وكان يقال لأبيه: ربيع المغتربين لسخائه، وأدرك لبيد الإسلام فأسلم، ثم انقطع عن قول الشعر، ولما سئل فى ذلك قال: ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمنى الله سورة البقرة وكان كريما متلافا.
طبقات ابن سلام 1/ 135، والشعر والشعراء 1/ 274، والأغانى 15/ 361، والاستيعاب 3/ 1335، والمعارف 332، وجمهرة أشعار العرب 82و 237، ونوادر المخطوطات 2/ 288، والموشح 100، والخزانة 2/ 246، ومسائل الانتقاد 91
(6) ديوان لبيد 340(1/114)
[الرجز]
/ يا ربّ هيجا هى خير من دعه ... نحن بنو أمّ البنين الأربعه (1)
ونحن خير عامر بن صعصعه ... المطعمون الجفنة المدعدعه (2)
والضّاربون الهام تحت الخيضعه ... مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه (3)
فقال النعمان: ولمه؟ فقال:
إنّ استه من برص ملمّعه (4)
فقال النعمان: وما علينا من ذلك؟ فقال:
وإنّه يولج فيها إصبعه ... يولجها حتّى يوارى أشجعه (5)
كأنّما يطلب شيئا أودعه (6)
ويروى: «أطمعه»
فرفع النعمان يده عن الطعام، وقال: ما تقول يا ربيع؟ فقال: أبيت اللعن، كذب الغلام، فقال لبيد: مره فليجبّه (7)، فقال النعمان: جبّ يا ربيع، فقال:
والله لما تسومنى أنت من الخسف أشدّ علىّ مما عضهنى الغلام (8) به، فحجبه
__________
(1) فى المطبوعتين: «نحن بنى أم» وكذلك فى الخزانة 9/ 551، والأغانى 15/ 364، وما فى ص وف يوافق الديوان 341، والخزانة 9/ 548، وانظر ما قيل عن الرفع والنصب فى الديوان والخزانة.
(2) المدعدعة: المملوءة. انظر الديوان 342
(3) الخيضعة: قيل: هى أصوات وقع السيوف، وقيل: البيضة التى تلبس على الرأس، وقيل:
الغبار. انظر الديوان 342
(4) انظر ما قيل حول هذا فى الحيوان 5/ 173و 174وعيون الأخبار 4/ 65، والأغانى 15/ 365، وأمالى المرتضى 1/ 192189، والخزانة 9/ 551
(5) الأشجع: أصول الأصابع التى تتصل بعصب ظاهر الكف. انظر الديوان 343
(6) فى الديوان والأغانى والخزانة: «ضيّعه».
(7) فى المطبوعتين: «فليجب أجبه» وفى ف: «أحب». وجبّه: قطعه واستأصله. انظر اللسان فى [جبب].
(8) فى ف والمطبوعتين: «عضهنى به الغلام». وعضهه: اتهمه وقذفه وقال فيه ما لم يكن.
انظر اللسان فى [عضه].(1/115)
بعد ذلك وسقطت منزلته، وأراد الاعتذار، فقال النعمان: [البسيط]
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا (1)
وبنو العجلان، كانوا يفخرون بهذا الاسم لقصّة كانت لصاحبه فى تعجيل قرى لأضيافه (2)، إلى أن هجاهم النجاشىّ (3)، فضجروا منه، وسبّوا به، واستعدوا (4) عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هجانا، فقال: وما قال؟، فأنشدوه (5): [الطويل]
إذا الله عادى أهل لؤم ودقّة ... فعادى بنى العجلان رهط ابن مقبل (6)
فقال عمر (7): إنما دعا عليكم، ولعلّه لا يجاب، قالوا (8): فإنه قال:
__________
(1) البيت جاء ضمن خمسة أبيات فى الأغانى 15/ 366، والخزانة 4/ 10، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 8، وجاء ثانى بيتين فى الخزانة 9/ 552، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 11، وجاء منفردا فى الكتاب 1/ 260، وطبقات ابن المعتز 204، وفيهم: «قد قيل ذلك»، وجاء فى محاضرات الأدباء 2/ 3/ 293، والفاخر 172، ومعه قصة المنافرة. وفيهما «إن حقا وإن كذبا».
(2) فى المطبوعتين: «قرى الأضياف».
(3) هو قيس بن عمرو بن مالك من بنى الحارث بن كعب، أصله من نجران، وانتقل إلى الحجاز، واستقر فى الكوفة، وهجا أهلها، فهدده عمر بقطع لسانه، وحدّه علىّ حدّ السكر فى رمضان، وسبب إطلاق «النجاشى» عليه أن أمه كانت حبشية. ت 40هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 150والشعر والشعراء 1/ 329، والاشتقاق 400، وسمط اللآلى 2/ 890، وخزانة الأدب 10/ 420
(4) فى ف: «واستعدوا عليه»، وفى م كتب المحقق كلمة «عليه» بين معقوفين مما يشير إلى أنها كتبت من عنده.
(5) الأبيات الثلاثة الأولى فى البيان والتبيين 4/ 37، والأبيات الخمسة فى الشعر والشعراء 1/ 330و 331، والأبيات فى ديوان المعانى 1/ 176، وزهر الآداب 1/ 19و 20، ومنها أربعة أبيات فى شرح نهج البلاغة 2/ 29والخامس وحده فى سمط اللآلى 2/ 789دون نسبة.
(6) فى ف والمطبوعتين والشعر والشعراء وزهر الآداب: «ورقة» بالراء بدل الدال المهملة.
وفى م: «بنى عجلان».
(7) فى ف: «عمر بن الخطاب رضى الله عنه»، وفى المطبوعتين: «عمر بن الخطاب».
(8) فى المطبوعتين ومغربية: «فقالوا».(1/116)
قبيّلة لا يغدرون بذمّة ... ولا يظلمون الناس حبّة خردل
/ فقال عمر (1): ليتنى من هؤلاء، أو قال: ليت آل الخطاب كذلك، أو كلاما يشبه هذا، قالوا: فإنه قال:
ولا يردون الماء إلّا عشيّة ... إذا صدر الورّاد عن كلّ منهل
فقال عمر: ذلك أقل للكاك (2)، يعنى الزحام، قالوا: فإنه قال:
تعاف الكلاب الضّاريات لحومهم ... وتأكل من كعب بن عوف ونهشل
فقال عمر: كفى ضياعا من تأكل الكلاب لحمه، قالوا: فإنه قال:
/ وما سمّى العجلان إلّا بقوله ... خذ القعب فاحلب أيّها العبد واعجل (3)
فقال عمر: كلّنا عبد، وخير القوم خادمهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هجانا، فقال: ما أسمع ذلك، فقالوا: فسل (4) حسان بن ثابت، فسأله، فقال:
ما هجاهم، ولكنه (5) سلح (6) عليهم.
وكان عمر رضى الله عنه أبصر الناس بما قال النجاشىّ، ولكن أراد أن يدرأ الحدّ بالشّبهة (7)، فلما قال حسان ما قال سجن النجاشىّ، وقيل: إنه جلده.
وهذه جملة كافية، ونبذة مقنعة فيما قصدت إليه من هذا الباب. إن شاء الله عز وجل (8).
* * * __________
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «رضى الله عنه».
(2) فى ص: «للزّكاك»، واعتمدت ما فى الشعر والشعراء وديوان المعانى ومغربية لأن الزكاك هو المشى القريب الخطو من ضعف، وفى ف: «للركال» وفى المطبوعتين: «للسكاك». واللكاك:
هو الزحام. انظر: اللسان فى [ل ك ك] وقد جاء فى زهر الآداب: «وأقل للزحام».
(3) فى ف والمطبوعتين: «لقولهم»، وفى زهر الآداب «لقوله»، وما فى زهر الآداب وص هو الأنسب للرواية التى تقول فى أولها: «كانوا يفخرون بهذا الاسم لقصة كانت لصاحبه» وفى الشعر والشعراء «لقيلهم».
(4) فى ف والمطبوعتين: «فاسأل».
(5) فى المطبوعتين: «ولكن».
(6) سلح: بال وتغوّط. انظر اللسان فى [سلح].
(7) فى المطبوعتين ومغربية: «بالشبهات».
(8) فى ف والمطبوعتين ومغربية سقط قوله: «إن شاء الله عز وجل».(1/117)
باب من قضى له الشعر ومن قضى عليه
أنشد النابغة الجعدى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قصيدة يقول فيها: (1)
[الطويل]
علونا السّماء عفّة وتكرّما ... وإنّا لنبغى فوق ذلك مظهرا
فغضب النبىّ صلى الله عليه وسلّم، وقال: أين المظهر / يا أبا ليلى؟ فقال: الجنة بك يا رسول الله، فقال له النبى صلى الله عليه وسلّم: أجل، إن شاء الله، فقضت له دعوة النبى صلى الله عليه وسلّم بالجنة، وسبب ذلك شعره (2).
وأنشده حسان بن ثابت حين جاوب عنه أبا سفيان بن الحارث:
[الوافر]
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء (3)
فقال له: جزاؤك عند الله الجنة يا حسان، فلما قال:
فإنّ أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمّد منكم وقاء
فقال له: وقاك الله حرّ النار، فقضى له بالجنة مرتين فى ساعة واحدة وسبب ذلك شعره (4).
ولما تنافر (5) علقمة بن علاثة (6) وعامر بن الطفيل أقاما عند هرم بن
__________
(1) ديوان النابغة الجعدى 73، وفيه: «بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو» وفى الأغانى 5/ 8: «بلغنا السماء مجدنا وجدودنا» وكذلك فى معجم الشعراء 195، وفيه كذلك «وإنا لنرجو» ومثله الشعر والشعراء 1/ 289، والاستيعاب 4/ 1516، والعقد الفريد 1/ 256، وفى الجمهرة 629: «بلغنا السماء مجدا وجودا وسؤددا وإنا لنرجو» وجاء فى الخزانة 3/ 169 مرتين: الأولى كما فى الديوان والأخرى: «علونا على طر العباد تكرما وإنا لنرجو».
(2) انظر الرواية فى الشعر والشعراء 1/ 289، ونقد النثر المنسوب لقدامة بن جعفر 7977 و 9998، وزهر الآداب 1/ 561
(3) ديوان حسان 76
(4) انظر هذا فى زهر الآداب 2/ 1089و 1090، وفى م: «قال له».
(5) فى المطبوعتين: «ولما تنافر عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة». وانظر القصة فى ديوان المعانى 1/ 171و 172وحلية المحاضرة 1/ 393و 394، والأغانى 16/ 283
(6) هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص الكندى العامرى، من المؤلفة قلوبهم،(1/118)
قطبة بن سنان (1) سنة، لا يقضى لأحدهما على الآخر، إلى أن قدم الأعشى وكانت لعامر عنده يد فقال شعره (2): [السريع]
علقم لا لست إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر (3)
إن تسد الحوص فلم تعدهم ... وعامر ساد بنى عامر
حكّمتموه فقضى بينكم ... أزهر مثل القمر الباهر
لا يقبل الرّشوة فى حكمه ... ولا يبالى غبن الخاسر
فرواه الناس وافترقوا، وقد نفّر (4) عامر على علقمة، فحكم الأعشى فى شعره، وكان رأى هرم على قول أكثر الناس خلاف ذلك.
وإلى هذا وأشباهه أشار أبو تمام الطائى بقوله فى صفة الشعر: (5)
[الطويل]
/ يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... ويقضى بما يقضى به وهو ظالم
__________
كان قد أسلم، ثم ارتد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلّم، ولحق بالشام، ثم عاد إلى الإسلام فى عهد أبى بكر رضى الله عنه، ثم ولاه عمر رضى الله عنه حوران، فظل بها إلى أن مات.
المعارف 331، والاستيعاب 3/ 1088، والأغانى 16/ 297283، وخزانة الأدب 1/ 183و 3/ 403398
(1) هو هرم بن قطبة بن سنان وقيل سيّار بن عمرو الفزارى، كان من حكماء العرب، وهو الذى تحاكم إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، ولكنه لم يفضل واحدا على الآخر لئلا يجلب بذلك عداوة، ويوقع بين الحيين شرا، وقد أدرك هرم الإسلام.
البيان والتبيين 1/ 109، والمعارف 83، والأغانى 16/ 287، وما بعدها، وخزانة الأدب 1/ 184 و 4/ 398
(2) فى ف وم: «فقال» بإسقاط كلمة: «شعره».
(3) ديوان الأعشى 177، مع بعض اختلاف فى بعض الأبيات، والبيت الأول فى المعارف 331، والأبيات فى الحلية 1/ 394، والأول والثالث والرابع فى ديوان المعانى 1/ 172، والأول والثانى فى الأغانى 16/ 281، 295، والأول وحده فى 293، والثانى والثالث والرابع فى خزانة الأدب 3/ 400، والأول وحده فى 401مع اختلاف فى بعض الألفاظ فى الجميع، واختلاف فى الترتيب فى البعض، والثانى وحده فى الشعر والشعراء 1/ 335وانظر حديثا عن الأول فى دلائل الإعجاز 19وفى المطبوعتين: «ما أنت إلى عامر»، وما فى ص وف ومغربية يوافق الديوان.
(4) أى: فضّل وغلّب. انظر اللسان فى [نفر].
(5) ديوان أبى تمام 3/ 179، ضمن قصيدة يمدح بها أحمد بن أبى دؤاد.(1/119)
/ وكانت لرجل شهادة عند أبى دلامة (1)، فدعاه إلى تبليغها عند القاضى ابن أبى ليلى، فقال له: إن شهادتى لا تنفعك عنده، فقال الرجل: لا بد من شهادتك، فشهد عند القاضى، وانصرف وهو يقول: [الطويل]
إذا الناس غطّونى تغطّيت دونهم ... وإن بحثوا عنّى ففيهم مباحث (2)
فقطع (3) القاضى على الخصم بشهادة أبى دلامة، وقبض المشهود له المال، وغرمه القاضى للمشهود عليه تحرّجا من ظلمه.
ويقال: إنه (4) إنما شهد لطبيب عالج ولده من علّة، وأمره أن يدعى على من شاء بألف درهم، ففعل الطبيب، وشهد أبو دلامة. وهذا أشبه بمجونه من الأول (5).
__________
(1) هو زند بن الجون، يكنى أبا دلامة، وكان أسود من الموالى، كما كان مطبوعا مفلقا، ظريفا كثير النوادر فى الشعر، وكان صاحب بديهة، يداخل الشعراء ويزاحمهم فى جميع فنونهم، ونبغ فى أيام بنى العباس الذين كانوا يقدمونه، ويصلونه، ويستطيبون مجالسته ونوادره. ت 161هـ
عيون الأخبار 1/ 69، والشعر والشعراء 2/ 776، وطبقات ابن المعتز 54، والأغانى 10/ 235، ومعجم الأدباء 11/ 165، وتاريخ بغداد 8/ 488، وسير أعلام النبلاء 7/ 374وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 2/ 320، والشذرات 1/ 249، والمؤتلف والمختلف 192، ونهاية الأرب 4/ 36، والوافى 14/ 216، ومعاهد التنصيص 2/ 211
(2) انظر البيت وقصته فى عيون الأخبار 1/ 69، وفيه: «إن القوم» والأغانى 10/ 239، والكامل 2/ 45و 46، وشذرات الذهب 1/ 249و 250، ووفيات الأعيان 2/ 325، وتاريخ بغداد 8/ 490، ومعاهد التنصيص 2/ 213، والوافى 14/ 219، وهو دون القصة فى الأغانى 10/ 234، وديوان المعانى 2/ 245و 246واللسان فى [نبث] وكنايات الجرجانى 101و 102وفيه أن القصة مع ابن شبرمة وفى الجميع جاء مع البيت المذكور بيت آخر هو:
وإن حفروا بئرى حفرت بئارهم ... فسوف ترى ماذا تثير النبائث
مع اختلاف بين الجميع فى روايته. ووجدتهما بآخرة فى ديوان أبى دلامة 37نقلا عن الأغانى والوفيات والكامل، وانظره فى شرح نهج البلاغة 17/ 63و 64
والنبائث: جمع نبيثة، وهى تراب البئر، انظر اللسان فى [نبث].
(3) فى م: «فقضى» وهذا تغيير من المحقق، وهو غير جائز بحال من الأحوال.
(4) فى ف والمطبوعتين سقط قوله: «إنه».
(5) هذا هو الموجود فى الكامل، والشذرات، ووفيات الأعيان.(1/120)
وذكر العتبى (1) أن رجلا (2) من أهل المدينة ادّعى حقّا على رجل، فدعاه إلى ابن حنطب (3)، قاضى المدينة، فقال: من يشهد لك بما تقول (4)؟
فقال: زنقطة، فلما ولّى، قال القاضى: ما شهادته له إلا كشهادته عليه، فلما جاء زنقطة، أقبل على القاضى (5)، وقال له: فداك أبى وأمى، أحسن والله الشّاعر حيث يقول:
__________
(1) هو على ما أرى محمد بن عبيد الله بن عمرو من ولد عتبة بن أبى سفيان، يكنى أبا عبد الرحمن، كان أديبا فاضلا، شاعرا مجيدا، وكان من أعيان الشعراء بالبصرة، سمع أباه، وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث، والأخبار أغلب عليه، وقدم بغداد، وحدث بها، وأخذ عنه أهلها، وكان مستهترا بالشراب، ويقول الشعر فى عتبة. ت 228هـ.
وهناك عتبيان آخران: الأول هو عبيد الله بن أحمد العتبى ت 390هـ، والآخر: محمد بن عبد الجبار العتبى ت 427هـ.
انظر فى الذى ذكرت ترجمته والذى هو المقصود فى رأيى المعارف 538، وطبقات ابن المعتز 314، ومعجم الشعراء 356، وتاريخ بغداد 2/ 324، وسير أعلام النبلاء 11/ 96، وشذرات الذهب 1/ 65، ووفيات الأعيان 4/ 398، والوافى 4/ 3، والنجوم الزاهرة 2/ 253، وانظر فى الأخيرين الأعلام 6/ 258و 7/ 191
(2) القصة بتمامها فى اللسان [فى مادة حنطب] ويبدو أن صاحب اللسان نقلها عن العمدة.
انظر التعليق التالى.
(3) فى ص: «ابن حنظب» بالظاء المعجمة، وهو تصحيف، والتصحيح من المطبوعتين ومغربية والاشتقاق واللسان، وفى ف: «فدعاه إلى خطب» [كذا].
قال صاحب الاشتقاق 120: «وحنطب، وحنطب: حنش من أحناش الأرض، والحنظب بالظاء المعجمة: الذكر من الجراد» وقال صاحب اللسان فى مادة [حنطب]:
«أبو عمرو: الحنطبة الشجاعة، وقال ابن برى: أهمل الجوهرى أن يذكر حنطب، قال: وهى لفظة قد يصحفها بعض المحدّثين فيقول: حنظب، وهو غلط، قال: وقال أبو على بن رشيق: حنطب هذا، بحاء مهملة وطاء غير معجمة، من مخزوم، وليس فى العرب حنطب غيره» وانظر ترجمة المطلب بن عبد الله بن حنطب فى سير أعلام النبلاء 5/ 317، وقد ورد ذكره فى اللسان.
(4) فى ف والمطبوعتين واللسان: «من يشهد بما تقول؟».
(5) فى المطبوعتين ومغربية: «فلما جاء ز نقطة القاضى»، وفى ف: «ربقطة» براء فموحدة تحتية، وهو تصحيف، وفى اللسان: «من يشهد بما تقول؟ فقال: نقطة فلما جاء نقطة أقبل على القاضى» وعلى كل حال لم أجد ترجمة ل «زنقطة» أو ل «نقطة»، ويقول العلامة الأستاذ محمود شاكر فى طبقات فحول الشعراء 1/ 44، تعليقا على اسم «نقطة»: «نقطة»، اسم من أسمائهم وفى الأغانى والموشح. «زنقطة» ولم أدر ما صوابه هنا». وانظر الموشح 181(1/121)
[الطويل]
من الحنطبيّين الّذين وجوهم ... دنانير ممّا شيف فى أرض قيصرا (1)
فأقبل القاضى على الكاتب، وقال: كيّس (2) ورب السماء، وما أحسبه شهد إلا بالحق، فأجز شهادته.
وخاصم جرير بن الخطفى (3) الحمّانىّ (4) الشاعر إلى قاضى اليمامة، فقال فى أبيات رجز بها: [الرجز]
أعوذ بالله العلىّ القهّار ... من ظلم حمّان وتحويل الدّار (5)
فقال الحمانى مجيبا له (6):
__________
(1) البيت فى اللسان مع القصة. اقرأ التعليقات السابقة. وشيف: جلى.
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «كبير» [كذا]، وما فى ص وف يناسب اللسان.
(3) هو جرير بن عطية بن حذيفة، يكنى أبا حزرة، وهو من بنى كلب بن يربوع، وضعه ابن سلام مع الفرزدق والأخطل فى الطبقة الأولى من شعراء الإسلام، وكان أكثر فنون شعر، وأسهل ألفاظا، وأقل تكلفا وأرق نسيبا من صاحبيه. ت 110هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 374، والشعر والشعراء 1/ 464، والأغانى 8/ 3، والاشتقاق 231، وجمهرة أشعار العرب 712، ونوادر المخطوطات 2/ 290، وسمط اللآلى 1/ 293، والموشح 187، وخزانة الأدب 1/ 75، ومعاهد التنصيص 2/ 262، ووفيات الأعيان 1/ 321، ومسائل الانتقاد 115
(4) لم أعثر على من يطلق عليه «الحمانى» على الرغم من أن هناك فى معجم الشعراء 381، من أطلق عليه المحقق فى الهامش نسبة «الحمانى» واسمه محمد بن جعفر ويكنى أبا على، ولم أعثر له على ترجمة.
ولكن الأستاذ محمود شاكر أطال الله بقاءه قال فى طبقات ابن سلام 1/ 421، فى الهامش: «بنو حمان بن عبد العزى بن كعب بن زيد مناة بن تميم» وأعاد ذلك فى الصفحة التالية، وقد فهمت أن كلمة «الحمانى» تطلق على أى رجل من بنى حمان، وليس على شخص بعينه ولذلك نجد فى ديوان جرير: «فقال عبد لبنى حمان يجيبه» ولكن فى طبقات ابن سلام والأغانى: «فقال الحمانى». انظر التعليقين الآتيين.
(5) ديوان جرير 1/ 445، وطبقات ابن سلام 1/ 421، والأغانى 8/ 63، مع اختلاف فى بعض الألفاظ والترتيب.
(6) ديوان جرير 1/ 447، وفيه: «فقال عبد لبنى حمان يجيبه» وطبقات ابن سلام 1/ 422، والأغانى 8/ 63، وفيهما: «فقال الحمانى»، مع اختلاف فى الشطر الثالث فقط.(1/122)
/ ما لكليب من حمى ولا دار ... غير مقام أتن وأعيار
قبّ البطون داميات الأظفار (1)
ويروى:
قعس البطون داميات الأثفار (2)
فقال جرير: مقام أتنى وأعيارى لا أريد غيره، وقد اعترف به، فقال القاضى: هى لجرير، وقضى على الحمانى بشعره الذى قال.
وكان الفرزدق يجلس إلى الحسن البصرى، فجاءه رجل، فقال:
يا أبا سعيد، إنا نكون فى هذه البعوث والسرايا، فنصيب المرأة من العدوّ، وهى ذات زوج، أفتحلّ لنا من قبل أن يطلّقها زوجها؟ فقال الفرزدق (3): قد قلت أنا مثل هذا فى شعرى، قال الحسن (4): وما قلت؟ قال: قلت (5):
__________
(1) قبّ جمع أقب: وهو الضامر. انظر اللسان فى [قبب].
(2) فى ف: «فغص الظهور راميات الأنقار» [كذا]، وفى المطبوعتين: «قعس الظهور داميات الأظفار»، وفى الديوان: «قعس الظهور وارمات الأثفار»، وفى الطبقات والأغانى: «قعس الظهور داميات الأثفار»، وفى المغربية: «قعس الظهور ذائبات الأظفار». والقعس جمع أقعس وقعساء. خروج الصدر ودخول الظهر خلقة والأثفار جمع ثفر بالضم والفتح لجميع ضروب السباع ولكل ذات مخلب كالحياء للناقة. من هامش الأغانى ومثله فى هامش الطبقات.
(3) هو همام بن غالب بن صعصعة، يكنى أبا فراس، وإنما سمى الفرزدق، لأنه شبه وجهه وكان مدورا جهما بالفرزدقة، وهى الخبزة، وكان هاشمى الرأى فى عهد بنى أمية، وقد وقعت بينه وبين جرير مهاجاة كبيرة. ت 110هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 299، والشعر والشعراء 1/ 471، والأغانى 9/ 324و 21/ 276، والاشتقاق 240، ومعجم الشعراء 465، والموشح 156، وجمهرة أشعار العرب 694، ونوادر المخطوطات 2/ 290، وأمالى المرتضى 1/ 58، وسمط اللآلى 1/ 44، ومعجم الأدباء 19/ 297، وشذرات الذهب 1/ 141، ومسائل الانتقاد 114
(4) هو الحسن بن أبى الحسن يسار، يكنى أبا سعيد، مولى الأنصار، واسم أمه «خيرة» مولاة لأم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلّم، ويروى أن أمه ربما غابت فى حاجة أم سلمة، فيبكى الحسن، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به، إلى أن تجىء أمه، فيدر ثديها فيشربه، فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة أتته من بركة ذلك. ت 110هـ.
المعارف 440، الفهرست 202، وسير أعلام النبلاء 4/ 563، وشذرات الذهب 1/ 136، ووفيات الأعيان 2/ 69، والنجوم الزاهرة 1/ 267
(5) ديوان الفرزدق 2/ 576، وانظر القصة والبيت فى العقد الفريد 5/ 383، وفيهما(1/123)
[الطويل]
وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالا لمن يبنى بها لم تطلّق
فقال الحسن: صدقت (1)، فحكم بظاهر قوله.
وما أظنّ الفرزدق والله أعلم أراد الجهاد فى العدوّ المخالف للشريعة، لكن أراد مذهب الجاهلية فى السّبايا، كأنه يشير إلى العزّة، وشدّة البأس.
وقيل (2): إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يتعجب من قول زهير (3): [الوافر]
فإنّ الحقّ مقطعه ثلاث ... أداء أو نفار أو جلاء (4)
/ وسمّى زهير قاضى الشعراء بهذا البيت، يقول: لا يقطع الحقّ إلّا الأداء، أو النفار، وهو الحكومة، أو الجلاء، وهو العذر الواضح.
ويروى: «يمين أو نفار»، وهذه الثلاث على الحقيقة هى مقاطع الحق كما قال، على أنه جاهلىّ، وقد وكّدها الإسلام.
__________
«أنكحتها» والقصة والبيت فى طبقات ابن سلام 1/ 336، والأغانى 21/ 304، وفيهما موافقة لما فى العمدة.
(1) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «صدق».
(2) انظر البيان والتبيين 1/ 239و 240، وعيون الأخبار 1/ 67
(3) هو زهير بن أبى سلمى، واسم أبى سلمى: ربيعة بن رباح المزنى، وهو شاعر جاهلى، لم يدرك الإسلام، وقد أسلم ابناه بجير وكعب فى قصة مشهورة، وكان عمر يفضله لأنه لا يعاظل فى القول، ويتجنب وحشى الكلام، ولا يمدح أحدا إلا بما هو فيه.
طبقات ابن سلام 1/ 63، والشعر والشعراء 1/ 137، والأغانى 10/ 288، والموشح 56، وشرح القصائد السبع الطوال 235، وجمهرة أشعار العرب 67و 153، ومعاهد التنصيص 1/ 327، وخزانة الأدب 2/ 332، ومسائل الانتقاد 94، وديوانه.
(4) ديوان زهير 75، والعقد الفريد 5/ 281، وفيهما: «يمين أو نفار» كما فى الرواية الأخرى التى ذكرها المؤلف.(1/124)
باب شفاعات الشعراء وتحريضهم
قال عبد الكريم /: عرضت قتيلة (1) بنت النضر بن الحارث للنبىّ صلى الله عليه وسلّم، وهو يطوف، فاستوقفته، وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه، وقد كان قتل أباها بالصّفراء (2) فأنشدته (3): [الكامل]
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح خامسة وأنت موفّق (4)
أبلغ به ميتا بأنّ قصيدة ... ما إن تزال بها الرّكائب تخفق (5)
منّى إليه وعبرة مسفوحة ... جادت لمائحها وأخرى تخنق
فليسمعنّ النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميّت لا ينطق؟
ظلّت سيوف بنى أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق (6)
قسرا يقاد إلى المنيّة متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق (7)
أمحمّد ها أنت ضنء نجيبة ... فى قومها والفحل فحل معرق (8)
__________
(1) انفرد الجاحظ بأن اسمها «ليلى»، انظر التعليق الآتى وما بعده.
(2) فى المطبوعتين سقط قوله «بالصفراء»، وفى ف «فى الصفراء».
والصفراء: من ناحية المدينة، وهو واد كثير النخل والزرع والخير، وبينه وبين بدر مرحلة. «انظر معجم البلدان» وكان النضر أول من ضرب عنقه فى الإسلام.
(3) انظر القصة فى السيرة 43/ 42و 43وكتاب نسب قريس 255والبيان والتبيين 4/ 44، والأغانى 1/ 19، والزهرة 2/ 538وشرح ديوان الحماسة 2/ 963والأوائل 123، والعقد الفريد 3/ 365 و 5/ 279وزهر الآداب 1/ 28، وأنساب الأشراف 144ومعجم البلدان 1/ 94وشرح نهج البلاغة 14/ 171فى [الأثيل]، والممتع 14. مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ والتقديم والتأخير والحذف.
(4) الأثيل، بالتصغير: عين ماء بين بدر ووادى الصفراء، ويقال له أيضا: «ذو أثيل». عن البيان.
(5) فى ف: «أبلغ به بيتا».
(6) تنوشه: تتناوله وتأخذه.
(7) رسف المقيد: ثقيل المشى بسبب القيد، والعانى: الأسير.
(8) الضنء بفتح الضاد وكسرها: الولد، والمعرق: الأصيل.
وفى ف: «صفو نجيبة»، وفى المطبوعتين: «نجل نجيبة من قومها».(1/125)
ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
والنضر أقرب من قتلت وسيلة ... وأحقّهم إن كان عتق يعتق
فقال النبىّ صلى الله عليه وسلّم: «لو كنت سمعت شعرها هذا ما قتلته».
ولما قتل الحارث بن أبى شمر الغسّانىّ المنذر بن ماء السماء وهو المنذر الأكبر، وماء السماء أمّه أسر جماعة من أصحابه، وكان فيمن أسر شأس بن عبدة فى تسعين رجلا من بنى تميم، وبلغ ذلك أخاه علقمة بن عبدة الشاعر، صاحب امرىء القيس، وهو المعروف (1) بعلقمة الفحل (2)، فقصد الحارث ممتدحا بقصيدته المشهورة التى أولها (3): [الطويل]
طحا بك قلب فى الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
(4) فأنشده إياها حتى إذا بلغ إلى قوله (4):
/ إلى الحارث الوهّاب أعملت ناقتى ... لكلكلها والقصريين وجيب (5)
إليك أبيت اللعن كان وجيفها ... بمشتبهات هولهنّ مهيب (6)
/ هدانى إليك الفرقدان ولا حب ... له فوق أعلام المتان علوب (7)
__________
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «معروف».
(2) هو علقمة بن عبدة بالتحريك بن النعمان بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة الجوع بن مالك بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا الوضاح. ويقال له: علقمة الفحل سمى بذلك لأنه خلف على امرأة امرئ القيس، لما حكمت له على امرئ القيس بأنه أشعر منه فى صفة فرسه، فخالفه عليها، وما زالت العرب تسميه بذلك.
طبقات ابن سلام 1/ 139، والشعر والشعراء 1/ 218، والأغانى 21/ 200، والمفضليات 390، وسمط اللآلى 1/ 433، وخزانة الأدب 3/ 282، والاشتقاق 218، والمؤتلف والمختلف 227، وشرح أبيات مغنى اللبيب 1/ 140و 7/ 115، والمعاهد 1/ 175.
(3) ديوان علقمة 23، دون اختلاف، وانظر المفضليات 390، مع بعض اختلاف.
(44) ما بين الرقمين ساقط من ص، وفى ف: «أنشده حتى بلغ».
(5) الكلكل: الصدر، والقصريان: الضلعان الصغيران أسفل الأضلاع، والوجيب: الخفقان من شدة السير. [من المفضليات بتصرف].
(6) الوجيف: السير السريع، والمشتبهات: الطرق التى يشبه بعضها بعضا.
(7) الفرقدان: نجمان فى السماء، لاحب: طريق واضح، المتان: جمع مفرده متن، وهو الأرض المرتفعة الغليظة، وعلوب: آثار، والمفرد: علب بمعنى أثر [من المفضليات بتصرف]، وفى المفضليات: «أصواء المتان».(1/126)
فلا تحرمنّى نائلا عن جنابة ... فإنّى امرؤ وسط القباب غريب (1)
وفى كلّ حىّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب (2)
فقال الحارث: نعم، وأذنبة، وأطلق له شأسا أخاه، وجماعة أسرى بنى تميم، ومن سأل فيه، أو عرفه من غيرهم (3).
وكان لأميّة بن حرثان (4) ولد اسمه كلاب، هاجر إلى البصرة فى خلافة عمر رضى الله عنه، فقال أمية (5): [الوافر]
سأستأدى على الفاروق ربّا ... له عمد الحجيج إلى بساق (6)
إن الفاروق لم يردد كلابا ... على شيخين هامهما زواقى (7)
فكتب عمر إلى أبى موسى الأشعرى بإشخاص كلاب، فما شعر أمية إلا به يقرع الباب.
وما زالت الشعراء قديما تشفع عند الملوك والأمراء لأبنائها وذوى قرابتها، فينتفعون (8) بشفاعتهم، وينالون الرّتب بهم.
__________
(1) فى المطبوعتين: «عن جناية» بالياء المثناة التحتية قبل التاء. والجنابة: الغربة.
(2) خبط بالنعمة: أعطى عن غير معرفة، والذنوب: النصيب، وفى أصلها اللغوى معناها:
الدلو. [من المفضليات والشعر والشعراء بتصرف].
(3) انظر هذا فى الشعر والشعراء 1/ 222، والكامل 1/ 194، وسمط اللآلى 1/ 433
(4) هو أمية بن حرثان بن الأسكر، شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من سادات قومه وفرسانهم، وابنه كلاب أدرك النبى صلى الله عليه وسلّم فأسلم مع أبيه، ثم خرج فى بعث إلى العراق فى خلافة عمر، وكان أبوه قد كبر، فبكاه بشعره.
طبقات ابن سلام 1/ 190، والأغانى 21/ 9، وخزانة الأدب 6/ 18، والمعمرون 85، وما بعدها.
(5) البيتان فى المصادر المذكورة فى الترجمة مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(6) فى المطبوعتين: «سأستعدى على»، وأستأدى بمعنى أستعدى. وبساق وبصاق:
موضع قريب من مكة.
(7) يقال: زقت هامته: أى دنت منيته وهلاكه.
(8) فى المطبوعتين: «فيشفعون».(1/127)
دخل (1) العمانى الشاعر وهو أبو العباس محمد بن ذؤيب الفقيمى (2) على الرشيد فأنشده أرجوزة يقول فيها (3): [الرجز]
قل للإمام المقتدى بأمّه ... ما قاسم دون مدى ابن أمّه (4)
فقد رضيناه فقم فسمّه (5)
فقال الرشيد: ما رضيت أن أسميه وأنا قاعد، حتى أقوم على رجلىّ، فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أردت قيام جسم، لكن قيام عزم، فأمر الرشيد بإحضار القاسم ولده، ومرّ العمانى فى إنشاده يهدر، فلما فرغ، قال الرشيد / للقاسم: أمّا جائزة هذا الشيخ فعليك، وقد سألنا أن نولّيك العهد، وقد أجبناه (6).
__________
(1) فى المطبوعتين: «ودخل».
(2) هو محمد بن ذؤيب الفقيمى، وقيل له العمانى، وهو بصرى، ولم يكن من أهل عمان، وذلك لأن دكينا الراجز نظر إليه وهو يسقى الإبل ويرتجز فقال: من هذا العمانى؟ وذلك لأنه كان مصفرّا مطحولا، وكذلك أهل عمان وأهل البحرين.
الشعر والشعراء 2/ 755، والأغانى 18/ 311، وخزانة الأدب 10/ 240، واللسان فى [طسم] 4/ 2672.
(3) الرجز فى الأغانى 18/ 315، ومجالس العلماء 38، وربيع الأبرار 1/ 409والمحمدون من الشعراء 443، واللسان فى [قوم]، وفى حلية المحاضرة 2/ 15جاء الشطران الأولان وإن كان الشرح يدل على الشطر الثالث الذى حذف منه، وفى اللسان فى [طسم] جاء الشطران الثانى والثالث ضمن أربعة أشطار، وجاءت القصة فى الجميع.
(4) أمّه بفتح الهمزة وتشديد الميم المكسورة يقال: أمّ القوم وبهم: تقدمهم [عن الأغانى].
(5) فى الأغانى: «وقد».
(6) فى العقد الفريد 4/ 423، قصة تشبه هذه، ولكن حدوثها كان مع الوليد بن عبد الملك عند ما أراد أن يولى ابنه عبد العزيز، فدعا الأقيبل القينى ليرتجز، فقال:
إن ولى العهد لابن أمه ... ثم ابنه ولى عهد عمه
قد رضى الناس به فسمه ... يا ليتها قد خرجت من فمّه
ويبدو من هذا أن هناك اتفاقا مسبقا على هذا القول.
وفى اللسان فى [طسم] جاء: «وقال ابن خالويه: الرجز لجرير قاله فى سليمان بن عبد الملك وعبد العزيز وهو:
إن الإمام بعده ابن أمّه ... ثم ابنه ولى عهد عمّه
قد رضى الناس به فسمّه ... يا ليتها قد خرجت من فمّه
حتى يعود الملك فى اسطمّه ... أبرز لنا يمينه من كمّه(1/128)
وشفع الطائىّ للواثق عند أبيه المعتصم فى أن يولّيه العهد فقال (1):
[الكامل]
فاشدد بهارون الخلافة إنّه ... سكن لوحشتها ودار قرار
بفتى بنى العبّاس والقمر الّذى ... حفّته أنجم يعرب ونزار
كرم العمومة والخؤولة مجّه ... سلفا قريش فيه والأنصار
هو نوء يمن منكم وسعادة ... وسراج ليل فيكم ونهار (2)
فاقمع شياطين النفاق بمهتد ... ترضى البريّة هديه والبارى
ليسير فى الآفاق سيرة رأفة ... ويسوسها بسكينة ووقار
فالصّين منظوم بأندلس إلى ... حيطان رومية فملك ذمار
/ ولقد علمت بأنّ ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
واستعطف مالك بن طوق (3) لقومه من (4) بنى تغلب، وكانوا أفسدوا فى عمله، وأكلوا (5) الطرق، فخافوه، واستشفعوا بأبى تمام، فقال فى قصيدة له مشهورة يخاطب مالكا (6): [الكامل]
ورأيت قومك والإساءة منهم ... جرحى بظفر للزّمان وناب
__________
وقد رجعت إلى ديوان جرير فوجدت فيه الرجز فى الملحقات 2/ 1038فإن كان جرير سبق إليه فإن اللاحقين له يكونون قد أخذوه وأضافوا وبدّلوا بعض الكلمات.
(1) ديوان أبى تمام 2/ 208و 209
(2) ساقط من ص، وفى الديوان: «فيهم وسعادة فيهم ونهار». والنوء: المطر.
(3) هو مالك بن طوق بن عتاب التغلبى، صاحب الرحبة التى تسمى باسمه، وهو أحد الأشراف والفرسان الأجواد، ولى إمرة دمشق للمتوكل، كان ينادى على باب داره بالخضراء وكانت دار الإمارة بعد المغرب: الإفطار يرحمكم الله، والأبواب مفتحة يدخلها الناس، وانظر قصة بناء الرحبة فى المصدرين المذكورين. ت 259هـ
فوات الوفيات 3/ 231، ومعجم البلدان 3/ 34 [رحبة مالك بن طوق]، وسير أعلام النبلاء 12/ 265
(4) سقطت «من» من المطبوعتين ومغربية.
(5) سقط قوله: «وأكلوا» من المطبوعتين.
(6) ديوان أبى تمام 1/ 8580وانظر الموازنة 3/ 1/ 370(1/129)
هم صيّروا تلك البروق صواعقا ... فيهم وذاك العفو سوط عذاب
فأقل إساءة جرمها واصفح لها ... عنه وهب ما كان للوهّاب (1)
رفدوك فى يوم الكلاب وشقّقوا ... فيه المزاد بجحفل كالّلاب (2)
وهم بعين أباغ راشوا للوغى ... سهميك عند الحارث الحرّاب
وليالى الثّرثار والحشّاك قد ... جلبوا الجياد لواحق الأقراب (3)
فمضت كهولهم ودبّر أمرهم ... أحداثهم تدبير غير صواب
/ لارقّة الحضر اللطيف غذتهم ... وتباعدوا عن فطنة الأعراب
فإذا كشفتهم وجدت لديهم ... كرم النفوس وقلّة الآداب
أسبل عليهم ستر عفوك منعما ... وانفح لهم من نائل بذناب (4)
لك فى رسول الله أعظم أسوة ... وأجلّها فى سنّة وكتاب
أعطى المؤلّفة القلوب رضاهم ... كرما وردّ أخائذ الأحزاب (5)
فذكر أصحاب الأخبار أن هذه القصيدة وقعت من مالك أجلّ موقع، فأجزل ثوابه عليها، وقبل شفاعته، وردّ القوم إلى رتبهم ومنازلهم (6) من بعد اليأس المستحكم، والعداوة الشديدة.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «أسامة» وكذا الديوان، ولكن المحقق أشار فى الهامش إلى أنه يروى:
إساءة جرمها، وفى ف «واسمح لها».
(2) فى ص: «فجحفل» [كذا]، وفى ف: «بجحفل غلاب» وكذا الديوان، وفيه:
«ويروى كاللاب» كما فى ص، وفى هامشه: «ويروى كلاب وهو جيد» وهو ما جاء فى المطبوعتين. وسيأتى هذا البيت فى باب التجنيس ص 543
(3) الأقراب: الخواصر. ولواحق: ضوامر. والحشاك والثرثار: موضعان كانت بهما وقعتان لبنى تغلب مع قيس عيلان، وقيل: الحشاك واد، وقيل: بل نهر، فأما الثرثار فنهر معروف، وقد يجوز أن يسمى البلد الذى هو فيه الثرثار [من الديوان ص 83]
(4) سقط البيت كله من المطبوعتين ومغربية، وفى ف: «من نائل بدثاب» [كذا].
(5) فى الديوان: «كملا» بدل «كرما» وفى الهامش ذكر المحقق أنها فى عدة نسخ: «كرما».
(6) فى المطبوعتين ومغربية: «رتبتهم ومنزلتهم».(1/130)
وكان أبو قابوس الشاعر (1) رجلا نصرانيّا من أهل الحيرة منقطعا إلى البرامكة، فلما أوقع الرشيد بجعفر، صنع أبو قابوس قصيدته، وأنشدها الرشيد يشفع عنده للفضل بن يحيى: [الوافر]
أمين الله هب فضل بن يحيى ... لنفسك أيّها الملك الهمام (2)
وما طلبى إليك العفو عنه ... وقد قعد الوشاة به وقاموا
/ أرى سبب الرّضا عنه قويّا ... على الله الزّيادة والتّمام
نذرت علىّ فيه صيام شهر ... فإن تمّ الرّضا وجب الصّيام
وهذا جعفر بالجسر تمحو ... محاسن وجهه ريح قتام
أما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
وما أبصرت قبلك يا ابن يحيى ... حساما قدّه السّيف الحسام
عقاب خليفة الرّحمن فخر ... لمن بالسّيف غافصه الحمام (3)
(4) ويروى: أقعصه الحمام (4).
__________
(1) هو عمرو بن سليمان وقيل: عمرو بن سليم يكنى أبا قابوس، وهو من نصارى بنى الحارث بن كعب، وهو لبنى العباس مثل الأخطل لبنى أمية، إذ كان لا يمدح سواهم وسوى كتابهم، وأكثر قوله فى البرامكة.
من اسمه عمرو من الشعراء 227، ومعجم الشعراء 31، وتاريخ بغداد 7/ 157.
(2) الأبيات حتى السابع له فى من اسمه عمرو من الشعراء 227و 228ومنها ثمانية أبيات فى تاريخ بغداد 7/ 157و 158والأبيات السادس والسابع والثامن فى الأغانى 16/ 249، ونهاية الأرب 22/ 141، والوزراء والكتاب 236ضمن أربعة أبيات منسوبة إلى الرقاشى، والأبيات السادس والسابع والثامن ضمن ثمانية أبيات غير التى هنا فى وفيات الأعيان 1/ 340، منسوبة إلى الرقاشى مع اختلاف فى الترتيب، والبيتان السادس والسابع ضمن ثلاثة أبيات فى تاريخ الطبرى 8/ 301منسوبة إلى العطوى أبى عبد الرحمن.
(3) فى ف والمطبوعتين: «عاقبه الحمام». وغافصه: فاجأه وأخذه على غرة انظر اللسان فى [غفص].
(44) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين والمغربية. وفى ف: «أقضعه» وهو تصحيف، فيبدو أنه يقصد «أقصعه» بالصاد المهملة، وهو بمعنى «أقعصه» وأقعص: قتل، وكذلك «أقصع» انظر اللسان فيهما.(1/131)
وقد اختلط هذا الشعر بشعرين فى وزنه ورويّه / ومعناه: أحدهما: لأشجع السلمى، والآخر: لسليمان أخى صريع، فالناس فيه مختلفون، وهذه صحّته، فانظر إلى تجاسره على مثل هذا الأمر العظيم من الشفاعة والرثاء.
واستعطف أبو الطيب سيف الدولة لبنى كلاب، وقد أغار عليهم فغنم الأموال، وسبى الحريم، فأتى بعضهم أبا الطيب يسأله أن يذكرهم له فى شعره، ويشفع فيهم، فقال فى قصيدة له مشهورة (1): [الوافر]
ترفّق أيّها المولى عليهم ... فإنّ الرّفق بالجانى عتاب
فإنّهم عبيدك حيث كانوا ... إذا تدعو لحادثة أجابوا
وعين المخطئين هم وليسوا ... بأوّل معشر خطئوا فتابوا
وأنت حياتهم غضبت عليهم ... وهجر حياتهم لهم عقاب
وما جهلت أياديك البوادى ... ولكن ربّما خفى الصّواب
وكم ذنب مولّده دلال ... وكم بعد مولّده اقتراب!!
وجرم جرّه سفهاء قوم ... وحلّ بغير جارمه العذاب
وهذا من أفعال الشعراء قديم مشهور، وقد افتخر به البحترى (2)، فقال فى قصيدة له طويلة (3):
__________
(1) ديوان المتنبى 8179، مع اختلاف واحد فى قوله: «وإنهم عبيدك» فى البيت الثانى هنا.
(2) هو الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد البحترى الطائى، يكنى أبا عبادة، واسمه فى الأغانى ومعجم الأدباء: الوليد بن عبيد الله، تتلمذ على أبى تمام، وكان يعترف بفضل أستاذه عليه، إلا أن طريقته تخالف عن طريقة أستاذه، وقد اختلف الناس وما يزالون حول شاعرية كل منهما. ت 284هـ.
الفهرست 190، وتاريخ بغداد 12/ 446، والأغانى 21/ 37، وطبقات ابن المعتز 393، والموشح 505، ومعجم الأدباء 19/ 248، ومعاهد التنصيص 1/ 234، وسمط اللآلى 1/ 279 و 427، ووفيات الأعيان 6/ 21، والموازنة، ومسائل الانتقاد 142، وسير أعلام النبلاء 13/ 486، وما فيه من مصادر، والشذرات 2/ 186
(3) ديوان البحترى 1/ 365، مع اختلاف واحد فى قوله: «ملأت صدور أصادقى».
وانظر الموازنة 3/ 2/ 438(1/132)
[الكامل]
إن أبق أو أهلك فقد نلت الّتى ... ملأت صدور أقاربى وعداتى
/ وغنيت ندمان الخلائف نابها ... ذكرى وناعمة بهم نشواتى
وشفعت فى الأمر الجليل إليهم ... بعد الجليل فأنجحوا طلباتى
وصنعت فى العرب الصّنائع عندهم ... من رفد طلّاب وفكّ عناة
وكان أبو عزّة (1) كثيرا ما يستنفر المشركين، ويحرض قريشا على قتال النبى صلى الله عليه وسلّم، فأسر يوم بدر، وجىء به النبى صلى الله عليه وسلّم، فشكا إليه الفقر والعيال، فرقّ له، / وخلّى سبيله بعد أن عاهده أن لا يعين عليه يريد بشعره (2) فأمسك عنه مدة، ثم عاد إلى حاله الأولى، فأسر يوم أحد، فخاطب النبى صلى الله عليه وسلّم مثل (3) الخطاب الأول (4)، فقال النبى صلى الله عليه وسلّم: «لا تمسح عارضيك بمكة تقول: خدعت محمدا مرتين»، ثم قتله صبرا (5)، فقال (6): «لا يلسع المؤمن من جحر مرتين» (7).
__________
(1) هو عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح، يكنى أبا عزة، كان يحضض على النبى صلى الله عليه وسلّم، فلما أسر يوم بدر، وشكا الفاقة، أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلّم، بعد أن أخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدا، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلّم، ثم عاد إلى الهجاء فأسر يوم أحد، فقتل صبرا.
سيرة ابن هشام 21/ 660و 43/ 128، وطبقات ابن سلام 1/ 253، والاشتقاق 131 ومن اسمه عمرو من الشعراء 111والمحبر 300وتاريخ الطبرى 2/ 500
(2) فى ف والمغربية: «ألا يعين عليه بشعر»، وفى المطبوعتين: «ألا يعين عليه بشعره»، وما فى ص يوافق الطبقات.
(3) فى ف والمطبوعتين: «بمثل».
(4) فى المطبوعتين: «خطابه الأولى».
(5) القتل الصبر: هو أن يحبس الشخص على ذمة القتل حتى يقتل، وقد اختلف فى قتله صبرا، انظر طبقات ابن سلام 1/ 255و 256وانظر هامش من اسمه عمرو من الشعراء 112و 133.
(6) فى ف والمطبوعتين: «وقال».
(7) رجاله ثقات، وأخرجه ابن حبان فى صحيحه من طريق سعيد بن عبد العزيز فيما ذكره الحافظ فى الفتح 10/ 439وأخرجه البخارى 10/ 439فى الأدب باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ومسلم 2998فى الزهد والرقائق، وأبو داود 4862فى الأدب: باب فى الحذر من الناس، وابن ماجه 3982كلهم من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». قال الخطابى: هذا خبر، ومعناه أمر، أى:
ليكن المؤمن حازما حذرا، ولا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك فى أمر الدين كما يكون فى أمر الدنيا، وهو أولاهما بالحذر. [من هامش سير أعلام النبلاء 14/ 428].
وأقول: انظر الحديث فى الأمثال 38وجمهرة الأمثال 2/ 386(1/133)
وقال أوس بن حجر (1) يغرى النعمان بن المنذر ببنى حنيفة لأن شمر ابن عمرو السحيمى قتل المنذر، وهو حينئذ مع الحارث بن أبى شمر الغسانى وقال ابن جنى: إنما قتل ابن النعمان: [الكامل]
نبّئت أنّ بنى حنيفة أدخلوا ... أبياتهم تامور قلب المنذر (2)
ويروى «أن بنى سحيم أدخلوا» (3)، فغزاهم النعمان، وقتل فيهم وسبى، وأحرق نخلهم، ويقال: إنما أغرى بهم عمرو بن هند.
ودخل سديف بن ميمون (4) على أبى العباس السفاح، وعنده سليمان ابن هشام بن عبد الملك (5) وابناه، وفى رواية أخرى سليمان بن محمد بن مروان وولدان له، وفى رواية ثالثة إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك بن مروان (5) فأنشده سديف (6) بن ميمون (7):
__________
(1) هو أوس بن حجر بن مالك التميمى، يكنى أبا شريح، وهو زوج أم زهير بن أبى سلمى، شاعر جاهلى، عمر طويلا، ولم يدرك الإسلام، وكان غزلا مغرما بالنساء، وكان فى شعره رقة وحكمة.
طبقات ابن سلام 1/ 97، والشعر والشعراء 1/ 202، والأغانى 11/ 70، وسمط اللآلى 1/ 290، وخزانة الأدب 4/ 379، ومعاهد التنصيص 1/ 132
(2) انظر الخبر والبيت فى الممتع 265، وفيه: «تامور نفس»، والبيت فى اللسان وفيه: «أن بنى سحيم أولجوا تامور نفس.» والتامور: دم القلب، وعم بعضهم به كل دم [انظر اللسان فى ت م ر].
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربية سقط قوله: «أدخلوا»، وهذه الرواية فى ديوانه 47
(4) هو سديف بن ميمون، مولى خزاعة، وهو شاعر مقل، من مخضرمى الدولتين، وكان شديد التعصب لبنى هاشم، مظهرا لذلك فى أيام بنى أمية، فلما يفع، وقال الشعر، وعرف بالبيان وحسن العارضة، ادعى الولاء فى موالى أبيه، فغلبوا عليه.
الشعر والشعراء 2/ 761، والأغانى 4/ 348و 16/ 135، وطبقات ابن المعتز 37، والمحبر 486
(55) ما بين الرقمين ساقط من ص، وفى ف سقطت كلمة «أخرى» وكلمة «ثالثة» التى بعد كلمة: «وفى رواية»، وفى المطبوعتين: «سليمان بن مروان».
(6) سقط قوله: «سديف بن ميمون» من ص، وفى المطبوعتين: «فأنشده سديف».
(7) انظر الخبر والبيتين فى الشعر والشعراء 2/ 761، وطبقات ابن المعتز 40، والكامل 4/ 8، وانظر البيتين فى عيون الأخبار 1/ 208، وقد صدرا بقول المؤلف: «وأتى المهدى برجل من بنى أمية كان يطلبه، فتمثل بقول سديف شاعرهم» ثم ذكر البيتين مقدما الثانى على الأول، والبيتان فى(1/134)
[الخفيف]
لا يغرّنك ما ترى من أناس ... إنّ تحت الضّلوع داء دويّا
فضع السّيف وارفع السّوط حتّى ... لا ترى فوق ظهرها أمويّا
فقال سليمان: قتلتنى يا شيخ قاتلك الله، ونهض أبو العباس، فوضع المنديل فى عنق سليمان، وقتل من ساعته.
ودخل شبل بن عبد الله (1) على عبد الله بن على فأنشده قصيدة (2)، يقول فيها محرضا على بنى أمية، وعنده منهم ثمانون رجلا (3):
[الخفيف]
/ أقصهم أيّها الخليفة واقطع ... عنك بالسّيف شأفة الأرجاس
ذلّها أظهر التّودّد منها ... وهم منك مثل حزّ المواسى (4)
__________
الأغانى 4/ 348، فى ذكر من قتل أبو العباس السفاح من بنى أمية، وهما فى محاضرات الأدباء 1/ 245وشرح نهج البلاغة 7/ 128بنسبتهما إلى سديف، والبيت الثانى وحده فى المنصف 370بنسبته إلى سديف، وتجد اختلافا بين الجميع فى بعض الالفاظ، وفى المطبوعتين: «إن بين الضلوع».
(1) لم أعثر فى كتب التراجم جميعها على من اسمه شبل بن عبد الله، ويبدو لى أن هذه النسبة من ابن رشيق تابعة لما قاله المبرد فى نسبة الشعر لهذا الشاعر، مع أن المصادر نسبتها إلى سديف، والخبر بنصه فى الكامل 4/ 8، وفيه قال المبرد: «ودخل شبل بن عبد الله مولى بنى هاشم» وانظر تخريج الأبيات فى التعليق بعد الآتى.
(2) فى المطبوعتين والمغربية: «قصيدة له».
(3) الأبيات الثالث والرابع والخامس فى عيون الأخبار 1/ 206و 207ضمن أربعة أبيات دون نسبة، وقد تمثل بها أبو جعفر المنصور فى قصة مقتل الأمويين، وذكرت الأبيات جميعها ضمن سبعة أبيات فى العقد الفريد 4/ 486منسوبة إلى شبل دون ذكر اسم أبيه، وذكر الخبر بروايتين: إحداهما مع عبد الله بن على، والأخرى مع أبى العباس السفاح، فى حين ذكر البيت الرابع فى العقد 4/ 33 و 5/ 90منسوبا إلى سديف، والخبر والأبيات الثانى والثالث والرابع والخامس فى الكامل 4/ 8و 9 ضمن تسعة أبيات منسوبة إلى شبل بن عبد الله، والأبيات جميعها ضمن اثنى عشر بيتا فى الأغانى 4/ 345وشرح نهج البلاغة 7/ 125و 126و 127منسوبة إلى سديف، والأبيات من الثانى حتى الأخير فى طبقات ابن المعتز 39منسوبة إلى سديف، والبيتان الثانى والرابع فى محاضرات الأدباء 1/ 245بنسبتهما إلى سديف، وتجد اختلافا بين الجميع فى بعض الألفاظ والترتيب.
(4) فى ص: «أظهر التردد»، وفى ف: «ذلّهم منى وبهم منكم كحز».، وفى المطبوعتين: «ولها منكم كحز»، وفى المغربية: «وبها منكم كحز».(1/135)
ولقد غاظنى وغاظ سوائى ... قربها من منابر وكراسى (1)
أنزلوها بحيث أنزلها الل ... هـ بدار الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس
/ والقتيل الّذى بحرّان أمسى ... ثاويا بين غربة وتناس
فلما سمع ذلك تنكّر (2)، وأمر بهم فقتل (3) من حضر منهم، وألقى عليهم البسط (4)، وجلس للغداء، وإن بعضهم ليسمع (5) أنينه، لم يمت بعد.
حكى ذلك جماعة من المؤلفين، واختلفوا فى رواية الشعر وحده، فأكثر الروايات موضع البيت الأول (6):
لا تقيلنّ عبد شمس عثارا ... واقطعوا كلّ رقلة وأواس (7)
ويروى: «وغراس»، وبعضها على ما فى النسخة، ولا أدرى كيف صحة ذلك، وعبد الله لم يكن يدعى بالخلافة، اللهم إلا أن يكون ذلك حين أراد خلع المنصور (8)، وأكثر الناس يرون هذه الأبيات لسديف بن ميمون يخاطب أبا العباس السفاح، غير أن فى الرواية الأولى:
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس (9)
وهو يشدّ ماروى (8).
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «قربها من نمارق»، وما فى ص يوافق المغربية.
(2) فى ف: «تنمر»، وفى المطبوعتين: «فلما سمع بذلك».
(3) فى المطبوعتين: «وأمر بهم فقتلوا».
(4) فى المطبوعتين: «البساط».
(5) فى المطبوعتين والمغربية: «يسمع».
(6) البيت فى عيون الأخبار 1/ 207، وفيه: «واقطعوا كل نخلة وغراس»، والأغانى 4/ 345، وطبقات ابن المعتز 39، وفيهما «واقطعن كل رقلة وغراس» والبيت فى الكامل 4/ 8، وفيه فى الصفحة التالية تفسير لكلمتى الرقلة والأواسى. فالرقلة: النخلة الطويلة، والأواسى جمع آسية وهى أصل البناء بمنزلة الأساس.
(7) فى ف والمطبوعتين والكامل: «واقطعن»، وما فى ص يوافق عيون الأخبار والمغربية.
(88) ما بين الرقمين ساقط من ص والمغربية، ويبدو لى أنه زيادة من النساخ ولكننى اعتمدته لما سبق وفى ف فى البيت: «مولاك شب» [كذا]، وفى م «وهو يشهد لما روى [أولا]» [كذا].
(9) هكذا جاء البيت فى الكامل 4/ 9، والعقد الفريد 4/ 486، ولكنه جاء فى الأغانى 4/ 345هكذا «نعم كلب الهراش مولاك لولا أود».(1/136)
وحكى غيرهم قال: دخل العبدىّ الشاعر على عبد الله بن على بفلسطين، وقد دعا به (1)، وعنده من بنى أمية اثنان وثمانون رجلا، والغمر بن يزيد بن عبد الملك جالس معه على مصلّاه، قال العبدى (2): فاستنشدنى عبد الله ابن على، فأنشدته قولى (3): [الكامل]
/ وقف المتيّم فى رسوم ديار
وهو مصغ مطرق حتى انتهيت إلى قولى (4):
أمّا الدّعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أميّة من دعاة النار (5)
وبنو أميّة دوحة ملعونة ... ولهاشم فى العود عود نضار
أأمىّ مالك من قرار فالحقى ... بالجنّ صاغرة بأرض وبار
ولئن رحلت لترحلنّ ذميمة ... وكذا المقام بذلّة وصغار
قال: فرفع الغمر رأسه إلىّ وقال: يا ابن الزانية، ما دعاك إلى هذا القول (6)؟، وضرب عبد الله بقلنسوة كانت على رأسه الأرض، وكانت العلامة بينه وبين أهل خراسان، فوضعوا عليهم العمد حتى ماتوا، وأمر بالغمر فضربت عنقه صبرا.
وكان ابن حزم (7) أميرا على المدينة، فتحامل على الأحوص الشاعر
__________
(1) فى المطبوعتين: «وقد دعى به».
(2) هو يحيى بن بلال العبدى، يكنى أبا محمد البحرانى، كوفى، نزل همذان، وهو شاعر محسن يتشيع، وله فى الرشيد مدائح حسنة.
معجم الشعراء 488، ولم أعثر له على ترجمة فى مصادر أخرى.
(3) القصة فى عيون الأخبار 1/ 206و 207، والعقد الفريد 4/ 483و 484وانظر المحبر 485.
(4) الأبيات ما عدا الثانى فى معجم الشعراء 488، ودون ذكر القصة، مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(5) هذا البيت وحده فى عيون الأخبار 1/ 207، وجاء أول بيتين فى العقد الفريد 4/ 484
(6) فى ف والمطبوعتين سقطت كلمة «القول».
(7) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصارى الخزرجى النجارى المدنى، وكنيته اسمه، وهو أمير المدينة، ثم قاضى المدينة، أحد الأئمة الأثبات، قيل: كان أعلم أهل زمانه بالقضاء، وقال مالك: لم يكن على المدينة أمير أنصارى سواه ت 135هـ، وفى سير أعلام النبلاء 117، أو 120هـ.(1/137)
تحاملا شديدا، فشخص إلى الوليد بن عبد الملك، فأنشده قصيدة يمدحه فيها، فلما بلغ إلى قوله كالذى يشتكى ابن حزم ويظلّمه (1): [البسيط]
لا ترثينّ لحزمىّ ظفرت به ... يوما ولو ألقى الحزمىّ فى النار (2)
الناخسين بمروان بذى خشب ... والدّاخلين على عثمان فى الدّار (3)
قال (4) له الوليد: صدقت والله، لقد أغفلنا (5) عن حزم وآل حزم، ثم كتب عهدا لعثمان بن حيّان المرّىّ (6) على المدينة، وعزل ابن حزم، وأمر باستئصال أموالهم، وإسقاطهم جميعا من الديوان (7).
ولما وثب إبراهيم بن المهدى (8) / على المأمون اقترض من التجار مالا
__________
المعارف 466، وسير أعلام النبلاء 5/ 313، وما فيه من مصادر، وتاريخ الطبرى ج 6و 7، فى صفحات كثيرة.
(1) فى ف والمطبوعتين: «وظلمه»، وما فى ص يوافق المغربية.
(2) شعر الأحوص 167، والأغانى 4/ 238، وفيهما: «لا تأوين لحزمى رأيت به ضرا ولو طرح» والأغانى 1/ 26، وفيه: «رأيت به ضرا ولو سقط» والعقد الفريد 4/ 290، وفيه جاء الشطر الثانى هكذا: «طرا ولو طرح الحزمى فى النار».
(3) البيت فى المصادر السابقة، وفى شعر الأحوص والأغانى فى المرتين: «والمقحمين على عثمان فى الدار»، وفى العقد الفريد: «والمدخلين على».
وفى هذا البيت يشير إلى ما كان حين طرد أهل المدينة مروان بن الحكم وبنى أمية، وكانوا ينخسون بمروان حتى كاد يسقط عن دابته، كما يشير إلى ما كان من قتلة عثمان حين دخلوا إلى داره من فتحة بدار محمد بن عمرو بن حزم والد أبى بكر. انظر الأغانى 1/ 2523والعقد الفريد 4/ 286وذو خشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة.
وفى ص: «الناجشين» وهو تصحيف، والتصحيح من المغربية وف والمطبوعتين والمصادر المذكورة قبل، وفى المطبوعتين: «الناخسين لمروان».
(4) فى ف والمطبوعتين: «فقال له».
(5) فى ف: «لقد شغلنا عن آل حزم»، وفى المطبوعتين: «غفلنا» وفى هامشهما كتب ما يفيد أنه فى نسخة «شغلنا»، وما فى ص يوافق المغربية.
(6) هو عثمان بن حيان المرى، ويكنى أبا المغراء، ولى إمرة المدينة فى ظروف يحسن الرجوع إليها فى تاريخ الطبرى ج 6و 7، فى صفحات كثيرة منهما وقد رفض عقيل بن علّفة أن يزوجه إحدى بناته وهو أمير على المدينة، فطرده شر طردة. انظر جمهرة أنساب العرب 253.
(7) وانظر القصة بالتفصيل فى العقد الفريد 4/ 292286، وفى الأغانى باختصار 4/ 240238
(8) هو إبراهيم بن محمد المهدى بن عبد الله المنصور، يكنى أبا إسحاق، ويعرف بالتنين(1/138)
كثيرا (1)، فكان فيه لعبد الملك الزيات عشرة آلاف دينار، فلما لم يتم أمره لوى (2) التجار أموالهم، فصنع محمد بن عبد الملك (3) قصيدة يخاطب فيها المأمون، منها قوله (4): [الطويل]
تذكّر أمير المؤمنين قيامه ... بأيمانه فى الهزل منه وفى الجدّ
/ إذا هزّ أعواد المنابر باسته ... تغنّى بليلى أو بميّة أو هند
وو الله ما من توبة نزعت به ... إليك ولا ميل إليك ولا ودّ
فكيف بمن قد بايع الناس والتقت ... ببيعته الرّكبان غورا إلى نجد؟ (5)
ومن صكّ تسليم الخلافة سمعه ... ينادى به بين السّماطين عن بعد
وأىّ امرىء سمّى بها قطّ نفسه ... ففارقها حتّى يغيّب فى اللحد؟
__________
للونه وضخامته، ويقال له: «ابن شكلة»، وهو أخو هارون الرشيد، تولى إمرة دمشق فى عهد الرشيد، ولما آلت الخلافة إلى المأمون انتهز فرصة الخلاف على الحكم ودعا لنفسه بالخلافة، وبايعه كثيرون، فطلبه المأمون فاستتر، ثم جاء المأمون مستسلما، فسجنه ثمّ عفا عنه، وليس فى أولاد الخلفاء قبله من هو أفصح لسانا، ولا أجود شعرا، وكان سخيا. ت 224هـ.
تاريخ بغداد 6/ 142، والأغانى 10/ 96، وأشعار أولاد الخلفاء 17، ووفيات الأعيان 1/ 39، والورقة 20، والأمالى 1/ 199، وزهر الآداب 1/ 569، وكتاب العفو والاعتذار 1/ 218213، وسير أعلام النبلاء 10/ 557
(1) سقط قوله: «مالا كثيرا» من ص، وفى ف: «اقترض أموالا من التجار»، واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربية.
(2) لوى: جحد وأنكر [انظر اللسان].
(3) هو محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن الزيات، نشأ فى بيت تجارة فى الدسكرة قرب بغداد، وما زال يترقى حتى وزر للمعتصم والواثق العباسيين، ولما ولى المتوكل نكبه وعذبه حتى مات سنة 233هـ.
تاريخ بغداد 2/ 342، ومعجم الشعراء 365، والأغانى 23/ 46، ووفيات الأعيان 5/ 94، وخزانة الأدب 1/ 449، وسير أعلام النبلاء 11/ 172وما فيه من مصادر، والوافى 4/ 32، وشذرات الذهب 2/ 78، والنجوم الزاهرة 2/ 271
(4) القصة والأبيات ضمن قصيدة طويلة فى الأغانى 23/ 48، وما بعدها، وأشعار أولاد الخلفاء 26وما بعدها [ضمن كتاب الأوراق] وديوان الوزير محمد بن عبد الملك الزيات 22، مع اختلاف فى بعض الألفاظ فيهما.
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربية: «وكيف»، وما فى ص يوافق المصادر السابقة.(1/139)
وعرضها على إبراهيم وهو حينئذ خامل الذكر لم يتعلق بعد بالخدمة تعلّقا ينفع فسأله ابراهيم كتمانها، واستحلفه على ذلك، وأدّى مال أبيه دون سائر التجار، ومثل ذلك كثير لو تقصّى لطال به الكتاب.
* * *
باب احتماء القبائل بشعرائها(1/140)
* * *
باب احتماء القبائل بشعرائها
كانت القبيلة (1) من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنّأتها بذلك، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعن (2) فى الأعراس، وتباشر (3) الرجال والولدان لأنه حماية لأعراضهم، وذبّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو فرس تنتج، أو شاعر ينبغ فيهم (4).
فممّن حمى قبيلته زياد الأعجم (5) وذلك أن الفرزدق همّ بهجاء عبد القيس، فبلغ ذلك زيادا وهو منهم فبعث إليه: لا تعجل، وأنا مهد إليك هدية، فانتظر الفرزدق الهدية، فجاءه من عنده (6): [الطويل]
وما ترك الهاجون لى إن هجوته ... مصحّا أراه فى أديم الفرزدق (7)
ولا تركوا عظما يرى تحت لحمه ... لكاسره أبقوه للمتعرّق
__________
(1) انظر هذا فى كتاب الممتع 20، مع اختلاف يسير.
(2) فى المطبوعتين: «يصنعون».
(3) فى ف: «وتباشروا به لأنه»، وفى المطبوعتين: «ويتباشر».
(4) فى ف: «أو فرس ينتج»، وفى المطبوعتين: «أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج».
(5) هو زياد بن سليمان أو سليم أو سلمى الأعجم، يكنى أبا أمامة، وهو من عبد القيس أحد بنى عامر بن الحارث، كانت فى لسانه عجمة، فلقب بالأعجم، وهو من شعراء الدولة الأموية، وكان هجاء يتحاشاه الناس. ت 100هـ.
طبقات ابن سلام 2/ 693، والشعر والشعراء 1/ 430، والأغانى 15/ 380، ومعجم الأدباء 11/ 168، وخزانة الأدب 10/ 7، والمؤتلف والمختلف 193، والممتع 156، وفوات الوفيات 2/ 29، والمعاهد 2/ 173والوافى 14/ 244.
(6) الأبيات فى مصادر الترجمة السابقة، وفى المصادر المذكورة ما عدا الشعر والشعراء «فما ترك»، أو «ما ترك»، وما فى ص وف يوافق الشعر والشعراء الذى هو فى رأيي مصدر القصة عند ابن رشيق. وفى المطبوعتين: «فما ترك»، وفى ف «إن هجوتهم»، وهناك اختلاف بين المصادر فى بعض الألفاظ. وتجدر الإشارة إلى أن قوله: «ما ترك» بحذف الواو، أو الفاء صحيح عروضيا، إلا أن فيه الحزم الذى يدخل التفعيلة الأولى من الطويل.
(7) مصحّا: أى مكانا سليما لم تصبه سهام الهجاء. والأديم: الجلد. انظر اللسان فى [صحح وأدم](1/141)
سأكسر ما أبقوا له من عظامه ... وأنكت مخّ السّاق منه وأنتقى (1)
/ فإنّا وما تهدى لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق فى البحر يغرق (2)
فلما بلغته الأبيات كفّ عما أراده (3)، وقال: لا سبيل إلى هجاء هؤلاء ما عاش هذا العبد (4).
وهجا عبد الله بن الزّبعرى السّهمىّ بنى قصىّ، فرفعوه برمّته إلى عتبة بن ربيعة خوفا من هجاء الزبير بن عبد المطلب / وكان شاعرا مفلقا، شديد العارضة، قذع الهجاء، فلما وصل عبد الله إليهم أطلقه حمزة بن عبد المطلب، وكساه، فقال (5): [الطويل]
لعمرك ما جاءت بنكر عشيرتى ... وإن صالحت إخوانها لا ألومها
فودّ جناة الشرّ أنّ سيوفنا ... بأيماننا مسلولة لا نشيمها (6)
وإنّ قصيّا أهل مجد وعزّة ... وأهل فعال لا يرام قديمها (7)
هم منعوا يومى عكاظ نساءنا ... كما منع الشول الهجان قرومها (8)
وكان الزبير (9) غائبا بالطائف، فلما وصل إلى مكة، وبلغه الخبر
__________
(1) النكت: قرعك الأرض بعود أو بإصبع. ويقال للعظم المطبوخ فيه المخ، فيضرب بطرفه رغيف أو شئ ليخرج مخه: قد نكت، فهو منكوت. انظر اللسان فى [نكت].
(2) فى المطبوعتين: «مهما يلق».
(3) فى المطبوعتين: «أراد».
(4) فى ف سقطت كلمة: «العبد»، وفى ف والمطبوعتين: «ما عاش هذا العبد فيهم»، ولم أعتمد هذا لأن القصة خالية منها فى الشعر والشعراء ومعجم الأدباء والمغربية.
(5) انظر القصة والبيتين الأولين فى طبقات ابن سلام 1/ 237، مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(6) فى المطبوعتين: «فرد» بالراء المهملة، وفى ف: «ما نشيمها».
وشام السيف: سله، ولا نشيمه: لا نغمده. انظر اللسان فى [شوم].
(7) فى ف: «فإن قضايا أهل عز ونجدة»، وفى المطبوعتين: «فإن»، وفى ص: «وإن قصى».
(8) الشول من النوق ما أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف ضرعها، والهجان: الكريمة من النوق، والقروم: الفحول إذا تركت فلم تركب انظر اللسان فى [شول، هجن، قرم].
(9) هو الزبير بن عبد المطلب، كان من رجالات قريش، وكان يقول الشعر، وهو الذى اتفق مع عبد الله بن جدعان على الدعوة إلى التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، وأجمع الناس على أنه شاعر، والحاصل من شعره قليل.
طبقات ابن سلام 1/ 245، والمعارف 120و 604(1/142)
قال (1): [الوافر]
فلولا نحن لم يلبس رجال ... ثياب أعزّة حتّى يموتوا
ثيابهم سمال أو طمار ... بها ودك كما دسم الحميت (2)
ولكنّا خلقنا إذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت (3)
وهجا رجل من بنى حرام الفرزدق، فجاء به قومه يقودونه إليه، فقال الفرزدق (4): [الوافر]
ومن يك خائفا لأذاة شعرى ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
وهجا الأحوص بن محمد الأنصارى رجلا من الأنصار، يقال له: ابن بشير وكان مكثرا فاشترى هدية، ووفد بها على الفرزدق مستجيرا / به، فأجاره، ثم قال له (5): أين أنت من الأحوص بن محمد؟ فقال: هو الذى أشكو، فأطرق الفرزدق ساعة، ثم قال: أليس الذى يقول (6):
[الطويل]
ألا قف برسم الدّار فاستنطق الرّسما ... فقد هاج أحزانى وذكّرنى نعمى
قال: بلى، قال: والله لا أهجو شاعرا هذا شعره، فاشترى ابن بشير أنفس
__________
(1) البيت الأول فى طبقات ابن سلام وفيه: «ولولا الحبش لم تلبس» والمعارف 120، وفيه: «ولولا الحمس لم تلبس» والأبيات الثلاثة فى البخلاء 232، مع اختلاف فى الترتيب وبعض الالفاظ. والأبيات ضمن سبعة أبيات فى شرح نهج البلاغة 15/ 204و 205.
(2) السمال والطمار: الثوب البالى، والودك: دسم اللحم، والحميت: وعاء السمن.
(3) فى ص: «ولكننا إذا». والحبرات جمع حبرة أو حبرة ضرب من برود اليمن منمّر. انظر: اللسان فى [حبر].
(4) البيتان ليسا فى ديوانه طبعة الصاوى ولا فى طبعة دار صادر، وهما فى طبقات ابن سلام 1/ 325، والأغانى 21/ 397، وفيهما «فمن يك» والممتع 157.
(5) سقطت «له» من ف والمطبوعتين.
(6) شعر الأحوص 244، وفيه: «واستنطق»، وفى الهامش فى التخريج «فاستنطق»، وانظر التخريج هناك.(1/143)
من الهدية الأولى، وقدم بها على جرير، فاستجاره، فأجاره، ثم قال له: ما فعل ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو صاحبى الذى هجانى، قال: أليس القائل (1): [الطويل]
تمشّى بشتمى فى أكاريس مالك ... بسبّى به كالكلب إذ ينبح النجما (2)
قال: بلى، قال: والله لا أهجو شاعرا هذا شعره، فاشترى أفضل (3) من الهديتين، وأهداها إلى الأحوص، وصالحه.
ولهذا وأمثاله قال جرير لقومه يعاتبهم فى قصيدة طويلة (4)، وخاطب فيها (5) أباه وجده، ممتنّا عليهم بنفسه (6): [الطويل]
بأىّ نجاد تحمل السّيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا؟
/ بأىّ سنان تطعن القوم بعد ما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا؟ (7)
ألا لا تخافا نبوتى فى ملمّة ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا
فقد كنت نارا يصطليها عدوّكم ... وحرزا لما ألجأتم من ورائيا
وباسط خير فيكم بيمينه ... وقابض شرّ عنكم بشماليا
وإنّى لعفّ الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض دارى انتقاليا (8)
جرىء الجنان لا أهال من الرّدى ... إذا ما جعلت السّيف من عن شماليا (9)
__________
(1) شعر الأحوص 242، وفيه: «وكنت وشتمى فى أرومة مالك» وفى التخريج كما هنا مع الاختلاف فى «تشيد به» بدل «بسبى به».
(2) فى ص: «تسنى به» واعتمدت ما فى شعر الأحوص، وفى المطبوعتين: «يشيد به».
والأكاريس جمع أكراس التى هى جمع كرس بفتح الكاف وسكون الراء: الجماعة من أى شىء كان.
(3) فى ف والمطبوعتين: «أكثر».
(4) سقطت كلمة «طويلة» من ف والمطبوعتين.
(5) فى ف: «خاطب فيها جده»، وفى المطبوعتين: «خاطب».
(6) ديوان جرير 1/ 80
(7) فى ف والمطبوعتين: «القرن»، وما فى ص والمغربية يوافق الديوان.
(8) فى المطبوعتين: «إذا لم أرض جارى».
(9) فى ف والمطبوعتين: «لا أهاب».
وأهال: أخاف وأفزع.(1/144)
وليست لسيفى فى العظام بقيّة ... وللسّيف أشوى وقعة من لسانيا (1)
وهذا الباب أكثر من أن يستقصى، ورغبتى فى الاختصار، وإنما جئت منه ومن سواه بلمحة تدل على المراد، وتبلغ فى ذلك حد الاجتهاد، إن (2) شاء الله تعالى.
* * * __________
(1) فى ف: «وليس»، وفى المطبوعتين والمغربية: «ولا السيف» [كذا].
(2) سقط من ف والمطبوعتين والمغربية قوله: «إن شاء الله تعالى».(1/145)
باب من فأل الشعر وطيرته
تفاءل حسان بن ثابت للنبى صلى الله عليه وسلّم بفتح مكة، فقال فى كلمته المشهورة يخاطب بذلك مشركى أهل مكة، ويتوعدهم (1): [الوافر]
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
/ ينازعن الأعنّة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظّماء
تظلّ جيادنا متمطّرات ... يلطمهنّ بالخمر النساء
(2) ورأيت من يستحسن «يطلّمهنّ» من طلمت الخبزة إذا نفضت عنها الرماد (2)، فلما كان يوم الفتح أقبل النساء يمسحن وجوه الخيل، وينفضن عنها الغبار بخمرهن، فقال قائل: لله درّ حسان إذ يقول، وأنشد الأبيات، وروى قوم أن الناس أمروا بالمسير (3) إلى كداء تفاؤلا بهذا البيت، ليصح، فكان الأمر كما قال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتفاءل، ولا يتطيّر، ويحب الاسم الحسن، وقال: «ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظّنّ، والحسد» قيل له: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: «إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ» (4).
ومن مليح ما وقع فى التفاؤل ما حكى محمد بن الجراح (5)، وذلك أن
__________
(1) ديوان حسان 74، مع اختلاف يسير. وكداء: موضع الثنية التى فى أصلها مقبرة مكة.
(22) ما بين الرقمين ساقط من ص والمغربية، وفى م: «يلطمهن من لطمت الخبزة»
[كذا]. وانظر هامش الديوان.
(3) فى ص: «بالمصير»، وفى م: «بالسير».
(4) انظر الحديث فى محاضرات الأدباء 1/ 144، وانظر الجزء الأول من الفقرة فى غريب الحديث 1/ 183وفيه: «وفى الحديث من الفقه استحباب الفأل والتيمن بالاسم الحسن، «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب الفأل، ويكره التطير» وفى الهامش قيل: «أخرجه الإمام أحمد فى مسنده 2/ 332بلفظ الطيرة». والحديث فى نثر الدر 1/ 185، وأدب الدنيا والدين 265
وانظر الفقرة كلها فى اللسان 4/ 2737فى [طير].
(5) هو محمد بن داود بن الجراح، يكنى أبا عبد الله، كان من علماء الكتاب، فاضلا عارفا بأيام الناس، وأخبار الخلفاء والوزراء، وله فى ذلك مصنفات، وزر لعبد الله بن المعتز فى يومى(1/146)
أبا الشمقمق (1) شخص مع خالد بن يزيد بن مزيد، وقد تقلد الموصل، فلما مر ببعض الدروب اندقّ اللواء، فاغتم خالد لذلك، وتطير منه، فقال أبو الشمقمق (2): [الكامل]
ما كان مندقّ اللواء لطيرة ... تخشى ولا سوء يكون معجّلا (3)
/ لكنّ هذا العود أضعف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا (4)
فسرّى عن خالد، وكتب صاحب البريد بخبر ذلك إلى المأمون، فزاده ديار ربيعة، فأعطى (5) خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.
وبغى جماعة من الكتّاب على موسى بن عبد الملك، فأمر المتوكل بحبسه، قال: فرأيت فى النوم قائلا يقول (6):
__________
خلافته، ثم قتل عام 296هـ.
تاريخ بغداد 5/ 255، والفهرست 142، وفوات الوفيات 3/ 353، والوافى بالوفيات 3/ 61، وتاريخ الطبرى 10/ 140، والورقة 16
(1) هو مروان بن محمد، يكنى أبا محمد، ولقب بالشمقمق بمعنى الطويل وبه اشتهر، كان غير جيد الشعر على إكثاره فيه بسبب هزله، فإذا جد كثر صوابه، وقد هجا كثيرا من متقدمى شعراء زمانه مثل بشار، وأبى العتاهية، وأبى نواس وغيرهم.
الحيوان 1/ 225و 7/ 147، والبخلاء 345، ورسائل الجاحظ 2/ 366، والكامل 3/ 6، وتاريخ بغداد 13/ 146، ومعجم الشعراء 319، وطبقات ابن المعتز 125، ووفيات الأعيان 6/ 335، فى أثناء ترجمة يزيد بن مزيد، وفوات الوفيات 4/ 129، وخزانة الأدب 6/ 297، وله شعر كثير فى هجاء معاصريه فى السمط والمعاهد.
(2) جاءت القصة والبيتان فى طبقات ابن المعتز 129، ومحاضرات الأدباء 1/ 147، ووفيات الأعيان 6/ 341، وفوات الوفيات 4/ 130
(3) فى طبقات ابن المعتز ووفيات الأعيان: «لربية تخشى»، وفى الطبقات: «ولا سبب يكون معجلا»، وفى فوات الوفيات: «ولا شر يكون معجلا».
(4) فى طبقات ابن المعتز جاء البيت هكذا:
لكن رأى صغر الولاية فانثنى ... متقصدا لما استقل الموصلا
وفى وفيات الأعيان: «لكن هذا الرمح»، والبيت بنصه فى فوات الوفيات.
(5) فى ف والمطبوعتين: «وأعطى».
(6) لم أعثر على البيتين فيما تحت يدى من مصادر.(1/147)
[مخلع البسيط]
/ أبشر فقد جاءت السّعود ... أباد أعداءك المبيد
لم يظفروا بالّذى أرادوا ... بل يفعل الله ما يريد
ووقف المتوكل منهم على أمر أوجب إيقاعه بهم، وأمر بإطلاقى، وإعادتى إلى أشرف رتبة.
ولا بد من ذكر ما يتطير منه فى باب غير هذا.
وقال المجنون (1): [الطويل]
قضاها لغيرى وابتلانى بحبّها ... فهلّا بشىء غير ليلى ابتلانيا (2)
فما مات حتى برص، وأرى (3) فى منامه قائلا يقول له: هذا ما تمنيت.
ويقال: إن المؤمّل بن أميل (4) لما قال: [البسيط]
شفّ المؤمّل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمّل لم يخلق له بصر (5)
__________
(1) هو قيس بن الملوح وقيل: قيس بن معاذ ولقب بالمجنون لذهاب عقله لشدة وجده وعشقه، كان يهوى امرأة من قومه يقال لها «ليلى»، وكانا يرعيان غنم أهلهما وهما صبيان، فلما كبرا حجبت عنه فزاد هيامه بها.
الشعر والشعراء 1/ 563، والأغانى 2/ 1، ومعجم الشعراء 292وفيها معاذ بن كليب و 448، وفيها مهدى بن الملوح، والأمالى 2/ 62و 207و 3/ 63، وسمط اللآلى 1/ 349، والموشح 324، وخزانة الأدب 4/ 229، وفوات الوفيات 3/ 208
(2) ديوان مجنون ليلى 293و 298وسيأتى البيت فى باب الترديد 553، 554
(3) فى ف: «ورأى قائلا»، وفى المطبوعتين: «ورأى»، وما فى ص يوافق المغربيتين وانظر قصة برصه فى المنصف 334و 335.
(4) هو المؤمل بن أميل بن أسيد المحاربى، ويقال له: البارد، وهو شاعر كوفى من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية، ولكن شهرته فى العباسية أكثر لأنه كان من الجند المرتزقة معهم، وانقطع إلى المهدى فى حياة أبيه وبعده، وشهر بقصيدته التى أولها البيت المذكور هنا.
تاريخ بغداد 13/ 177، ومعجم الشعراء 298، والأغانى 22/ 245، ونكت الهميان 299، ومعجم الأدباء 19/ 201، وسمط اللآلى 1/ 524، وخزانة الأدب 8/ 333
(5) البيت فى الأغانى 22/ 245و 250و 251، ومعجم الشعراء 298، وتاريخ بغداد 13/ 180، ونكت الهميان 299، وأدب الدنيا والدين 305والزهرة 1/ 199دون اختلاف.(1/148)
نام ذات ليلة صحيحا، فأصبح مكفوف البصر.
وتطيّر أبو الهول (1) على جعفر بن يحيى البرمكى فقال:
[السريع]
أصبحت محتاجا إلى ضرب ... فى طلب العرف إلى كلب (2)
إذا شكا صبّ إليه الهوى ... قال له: مالى وللصّبّ؟
أعنى فتى يطعن فى ديننا ... تشبّ معه خشب الصّلب
فكان من أمر جعفر ما كان.
وكان ابن الرومى كثير الطيرة، وربما (3) أقام المدة الطويلة لا يتصرف تطيرا بسوء ما يراه ويسمعه، حتى إن بعض إخوانه من الأمراء افتقده، فعرّف (4)
بحاله فى الطيرة، فبعث إليه خادما اسمه «إقبال» ليتفاءل به، فلما أخذ أهبة (5)
ركوبه قال للخادم: انصرف إلى مولاك، فأنت ناقص، ومنكوس اسمك لا بقاء.
وابن الرومى القائل: الفأل لسان الزمان، والطيرة عنوان الحدثان، وله فيه احتجاجات / وشعر كثير.
* * * __________
(1) هو عامر بن عبد الرحمن الحميرى، يكنى أبا الهول، واشتهر بكنيته، كان شاعرا مقلا، قال ابن النديم: له شعر يبلغ خمسين ورقة، وله مدائح فى المهدى، والهادى، والرشيد، والأمين، وكان خبيث الهجاء غاية فيه.
الفهرست 186، وتاريخ بغداد 12/ 237، وطبقات ابن المعتز 153، والبيان والتبيين هامش 3/ 351، والحيوان 1/ 260هامش، وخزانة الأدب 6/ 298
(2) الأبيات فى البيان والتبيين 3/ 351، والحيوان 1/ 260، ضمن أربعة أبيات، والأول مع آخر فى طبقات ابن المعتز 154، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ فى الجميع.
وفى ف والمطبوعتين: «من الكلب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ربما».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فأعلم».
(5) فى ف: «أهبته لركوبه»، وفى المطبوعتين: «أهبته للركوب».(1/149)
باب فى منافع الشعر ومضاره
قد أكثر الناس فى هذا الفن، ولا بد مع ذلك أن آتى منه بنبذ يقتضيها ترسيم الكتاب، وحق التأليف، وليست علىّ مطالبة، ولا قبلى حجة فى ذكر مضارّه بعد منافعه، أو معها إذ كانت الرغبة فى تحسين الحسن ليتزيّد منه، وتقبيح القبيح لينتهى عنه.
وقد فرط فى أول الكتاب من قول عائشة رضى الله عنها، وقول سواها من الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم ورضوانه / فى الشعر ما فيه الكفاية (1) من أنه كلام يحسن فيه ما يحسن فى الكلام، ويقبح منه ما يقبح من الكلام، وبقدر حسنه وقبحه يكون نفعه وضرّه (2)، والله المستعان (3).
حكى أبو العباس المبرد (4) أن المأمون سمع منشدا ينشد قول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (5):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «كفاية».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وضرره».
(3) فى المطبوعتين: «والله المتعال»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(4) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى، يكنى أبا العباس، ويعرف بالمبرد، كان شيخ علماء النحو بعد أبى عمرو الجرمى، وأبى عثمان المازنى، كان حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر. ت 285أو 286هـ.
تاريخ بغداد 3/ 380، والفهرست 64، وطبقات الزبيدى 101، ومعجم الشعراء 405، وإنباه الرواة 3/ 241، وبغية الوعاة 1/ 269، ومعجم الأدباء 19/ 111، والشذرات 2/ 110، وسير أعلام النبلاء 13/ 576وما فيه من مصادر، ونزهة الألباء 164، والنجوم الزاهرة 3/ 117
(5) هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية بن الخطفى، يكنى أبا عقيل، شاعر مقدم فصيح، وكان يسكن بادية البصرة، ويزور الخلفاء فى الدولة العباسية فيجزلون صلته، ويمدح قوادهم وكتابهم، وكان النحويون بالبصرة يأخذون عنه اللغة.
طبقات ابن المعتز 316، ومعجم الشعراء 78، وتاريخ بغداد 12/ 282، والأغانى 24/ 245(1/150)
[الطويل]
أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته؟ إنّى إذا للئيم (1)
فقال: أو قلّت دراهم خالد؟ احملوا إليه مائتى ألف درهم، فدعا (2) خالد بعمارة فقال: هذا مطر من سحابك، ودفع إليه عشرين ألفا.
ووجد أبو جعفر المنصور على بعض (3) الكتّاب، فأمر (4) به ليضرب، فقال: (5) [الوافر]
ونحن الكاتبون وقد أسأنا ... فهبنا للكرام الكاتبينا
فخلّى سبيله إعجابا ببديهته.
وحمل بعض العمال إلى يزيد بن معاوية مالا جليلا، فقطع عليه قسيم الغنوى فأخذه، وأمر يزيد بطلبه، فلما حصل بين يديه قال: ما حملك على الخروج / علينا وأخذ مال حمل (6) إلينا؟ قال: إذنك يا أمير المؤمنين (7)، قال:
ومتى أذنت لك؟ قال: حين قلت، وأنا أسمعك (8):
__________
(1) البيت أول خمسة أبيات فى الكامل 1/ 313، فى مدح خالد بن يزيد بن مزيد الشيبانى، وهجاء تميم بن خزيمة النهشلى، والبيت أول أربعة أبيات فى الأغانى 24/ 255فى الغرض ذاته، ودلائل الإعجاز 117والبيت ومعه آخر فى الموازنة 3/ 1/ 221، وانظر قصة الأبيات فى الأغانى. وقد وجدت البيت فى ديوان عمارة 75أول خمسة أبيات.
(2) فى خ: «فدعى» [كذا].
(3) فى المطبوعتين: «على أحد».
(4) فى ف والمطبوعتين: «وأمر».
(5) العقد الفريد 4/ 179، وانظر القصة فيه، وجاء البيت ثالث ثلاثة أبيات فى كتاب الوزراء والكتاب 136، والبيت فى أدب الكتاب 24، وخاص الخاص 75مع قصة مشابهة، والبيت دون القصة فى البرهان فى علوم القرآن 1/ 314
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يحمل».
(7) فى المطبوعتين: «أعزك الله».
(8) الأبيات ضمن قصيدة طويلة فى الأصمعيات 54و 55وتنسب فيه إلى رجل من غنى، ثم قيل هو سهم بن حنظلة الغنوى، والبيتان الأول والثالث فى معجم الشعراء 229، وحلية المحاضرة 1/ 282، وكتاب الآداب لابن شمس الخلافة 99وينسبان فيها إلى كعب بن سعد الغنوى، وفى كتاب الآداب: ويروى ليزيد بن معاوية، وفى الوساطة 202وينسبان فيه إلى سهم بن حنظلة، والثالث جاء ثانى بيتين فى المؤتلف والمختلف 201، والخزانة 9/ 436، وينسبان فيه إلى سهم بن حنظلة، سهم الغنوى. وفى الجميع اختلاف فى بعض الألفاظ، وقال المرزبانى بعدهما: «وهذان البيتان قد غرّا خلقا كثيرا، يتمثل بهما الرجل، ثم يمضى على وجهه» وقال الحاتمى بعدهما كلاما يشبه كلام المرزبانى وفيه: «وهذان البيتان قتلا خلقا كثيرا».(1/151)
[البسيط]
اعص العواذل وارم الليل عن عرض ... بذى سبيب يقاسى ليلة خببا (1)
كالسّيد لم ينقر البيطار سرّته ... ولم يدجه ولم يقطع له لببا (2)
حتّى تصادف مالا أو يقال فتى ... لاقى الّتى تشعب الفتيان فانشعبا (3)
فعصيت عواذلى، وأسهرت ليلى، وأعملت جوادى، فأصبت مالا، قال:
قد سوّغناكه فلا تعد.
وكان جميل بن محفوظ وأبو دهمان من عمال يحيى بن خالد، فوفد عليهما مرة أبو الشمقمق واسمه مروان بن محمد فأكرمه أبو دهمان، وأساء إليه جميل، فقال (4): [الطويل]
رأيت جميل الأزد قد عقّ أمّه ... فناك أبو دهمان أمّ جميل
وتناظرا بعد ذلك فى مال بين يدى يحيى بن خالد، فاستعلى جميل على أبى دهمان فى الخطاب، فقال له أبو دهمان: احفظ الصّهر الذى جعله بيننا أبو الشمقمق، فضحك يحيى بن خالد حتى فحص الأرض برجليه، وترك المال الذى تشاجرا فيه.
وأتى مصعب بن الزبير بأسارى من أصحاب المختار، فأمر بقتلهم بين يديه، فقام إليه أسير منهم، فقال (5): أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا المليح الذى يستضاء به، فأتعلق بك، وأقول: أى رب (6)، سل مصعبا فيم قتلنى؟ فاستحيا مصعب، وأمر بإطلاقه،
__________
(1) رماه عن عرض: أى عن شق وناحية لا يباليه. بذى سبيب: يعنى فرسا، والسبيب: شعر الناصية. الخبب: ضرب من العدو. [من هامش الأصمعيات]
(2) فى ف والمطبوعتين: «لم ينقب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
والسّيد: الذئب. ولم يدجه: لم يقطع الودج الذى فى العنق وهما ودجان. واللبب: النحر.
(3) فى ف: «حتى تمول»، وهو يوافق ما فى معجم الشعراء، وفى ف: «أو حتى يقال».
(4) البيت مع القصة فى الورقة 67، والمحاسن والمساوىء 2/ 447، وفيه: «قد حكّ أمّه».
(5) انظر القصة فى عيون الأخبار 1/ 103، وربيع الأبرار 1/ 427
(6) فى ف والمطبوعتين: «يا رب» وما فى ص والمغربيتين يوافق عيون الأخبار.(1/152)
/ فقال: أيها الأمير، اجعل ما وهبت لى (1) من حياتى فى خفض ودعة من العيش، قال: قد أمرت لك بثلاثين ألف درهم، قال أشهدك / أيها الأمير أن شطر هذا المال لعبد الله بن قيس الرقيات (2)، قال: ولم ذلك؟ قال: لقوله فيك (3): [الخفيف]
إنّما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلّت عن وجهه الظّلماء (4)
فضحك مصعب، وقال: اقبض ما أمرنا لك به، ولابن قيس عندنا مثله، فما شعر عبد الله بن قيس إلا وقد وافاه المال.
وحكى عن ابن شهاب الزهرى قال: دعانى يزيد بن عبد الملك، وقد مضى شطر الليل، فأتيته فزعا، وهو على سطح، فقال: لا بأس عليك، اجلس، فجلست، واندفعت جاريته حبابة تغنّى: [الطويل]
إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحبّ ميعاد السّلوّ المقابر (5)
ستبقى لها فى مضمر القلب والحشا ... سريرة حبّ يوم تبلى السّرائر
فقال: لمن هذا الشعر؟ قلت (6): للأحوص، قال: ما صنع الله به؟ قلت:
__________
(1) سقطت «لى» من المطبوعتين والمغربيتين، وما فى ص وف يوافق عيون الأخبار.
(2) هو عبيد الله بن قيس بن شريح أحد بنى عمرو بن عامر بن لؤى، يكنى أبا هاشم، وأبا هشام، ويعرف بابن قيس الرقيات وذلك لأنه تزوج أو شبب بنسوة كل واحدة منهن تسمى رقية، وقيل: لأن جدات له توالين، يسمين رقية، وكان منقطعا إلى آل الزبير، فمدح مصعبا، وهجا عبد الملك بن مروان، وكان أشد قريش أسر شعر فى الإسلام.
طبقات ابن سلام 2/ 647و 655648، وفيه اسمه عبد الله، وفى الهامش ذكر المحقق أن الإجماع على أنه «عبيد الله»، والشعر والشعراء 1/ 539، والأغانى 5/ 73، والاشتقاق 114، وسمط اللآلى 1/ 294، وخزانة الأدب 7/ 289278، وفيه اسمه «عبد الله» و «عبيد الله»، وشرح أبيات مغنى اللبيب 1/ 192
(3) سقطت كلمة «فيك» من ف والمطبوعتين والمغربيتين، وما فى ص يوافق عيون الأخبار.
(4) ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات 91.
(5) شعر الأحوص 145، وذكرا فى الأمالى 2/ 164، منفصلين كأنهما لقائلين مختلفين، وهناك اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.
(6) فى المطبوعتين ومغربية: «فقلت».(1/153)
هو (1) محبوس بدهلك (2)، فكتب من ساعته بإطلاقه، وأمر له بأربعمائة دينار، وقدم إليه، فأحسن جائزته.
وممن ضرّه الشعر وكلّ من عند الله عز وجل وبمشيئته ومقدوره علىّ ابن العباس بن جريج الرومى، كان ملازما لأبى الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، مخصوصا به، فاتصل ذلك بعبيد الله، وسمع هجاءه، فقال لولده أبى الحسين: أحب أن أرى ابن روميك هذا، فجمع بينهما، فرأى رجلا لسانه أطول من عقله، فأشار عليه بإبعاده، فقال: أخافه، قال: لم أرد إقصاءه، ولكن بيت أبى حيّة النميرى (3): [الطويل]
فقلن لها فى السّرّ: نفديك لا يرح ... صحيحا وإلّا تقتليه فألممى (4)
فحدّث القاسم (5) ابن فراس بما كان من أبيه، وكان ابن فراس / أشدّ (6)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «قلت محبوس»، وفى ص: «محروص» [كذا]، والتصحيح من ف والمطبوعتين.
(2) هى جزيرة فى بحر اليمن، وكان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. انظر معجم البلدان فى [دهلك].
(3) هو الهيثم بن الربيع بن زرارة النميرى، يكنى أبا حية، وهو شاعر مجيد مقدم، من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية، وقد مدح الخلفاء فيهما جميعا، وكان أهوج جبانا بخيلا كذابا، معروفا بذلك أجمع.
الشعر والشعراء 2/ 774، والأغانى 16/ 307، والمؤتلف والمختلف 145، وطبقات ابن المعتز 143، والسمط 1/ 244، والخزانة 10/ 217، وشرح أبيات مغنى اللبيب 3/ 150
(4) البيت بنصه فى زهر الآداب 1/ 218، ضمن خمسة أبيات، وجاء فى شرح ديوان الحماسة 3/ 1369، ضمن خمسة أبيات وفيه: «فقلن لها سرا فديناك وإن لم تقتليه»، وجاء فى عيون الأخبار 4/ 142، أول ثلاثة أبيات مصدرة بقول المؤلف: «وقال أعرابى»، وفيه جاء البيت هكذا:
وقلن لها سرّا وقيناك لا يقم ... صحيحا فإن لم تقتليه فألممى
وفى ف والمطبوعتين ومغربية: «فقلنا»، وفى ف: فقلنا لها سرا فديناك»، وفى هامش المطبوعتين كتب ما يفيد أنه فى نسخة «سرا فديناك».
(5) فى ص وف: «أبا القاسم»، وفى خ: «فحدث أبو القاسم» وفى هامش م كتب المحقق:
«فى المطبوعات: «فحدث أبو القاسم»، والتصحيح من أول الرواية، ومصادر ترجمة ابن الرومى.
(6) فى ف: «أشد عداوة»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «من أشد الناس».(1/154)
الناس عداوة لابن الرومى، فقال له: أنا أكفيكه، فسمّ له لوزينجة (1) وقيل خشكنانجة (1)، فمات، وسبب ذلك كثرة هجائه وبذاءته.
ودعبل بن على الخزاعى (2) كان هجّاء للملوك، جسورا على أمراء (3)
المؤمنين، متجاهلا (4) لا يبالى ما صنع، حتى عرف بذلك، وطار اسمه فيه، فصنع على لسانه بكر بن حماد (5) التاهرتى، وقيل: غيره ممن كان دعبل يؤذيه ويهاجيه:
[الطويل]
ملوك بنى العبّاس فى الكتب سبعة ... ولم تأتنا عن ثامن منهم كتب (6)
__________
(11) ما بين الرقمين زيادة من ف وسقط من ص والمطبوعتين والمغربية، وهو موجود فى مروج الذهب 4/ 283ومعاهد التنصيص 1/ 118.
واللوزينج: من الحلواء شبه القطايف تؤدم بدهن اللوز. [انظر اللسان] وفى هامش المعاهد:
«الخشكنان: دقيق الحنطة يعجن بالشيرج، ويبسط ويملأ بالسكر واللوز أو الفستق وماء الورد، ثم يضم ويخبز، وأهل الشام يسمونه المكفن، قاله داود فى التذكرة، وقد تكلمت به العرب، قال الراجز:
يا حبذا الكعك بلحم مثرود ... وخشكنان وسويق مقنود»
(2) هو دعبل بن على بن رزين الخزاعى، يكنى أبا على، وفى اسمه وكنيته خلاف ذكرته المصادر، كان شاعرا مجيدا، إلا أنه كان بذىء اللسان، مولعا بالهجاء والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء ومن دونهم ولم يسلم من لسانه أحد ويقال: إنه هجا مالك بن طوق، فدسّ عليه من طعنه فى قدمه بحربة مسمومة فمات من الغد. ت 246هـ
الشعر والشعراء 2/ 849، والأغانى 20/ 120، وطبقات ابن المعتز 264، والموشح 458، وسمط اللآلى 1/ 333، ومعجم الأدباء 11/ 99، ومعاهد التنصيص 2/ 190، ووفيات الأعيان 2/ 266، ومسائل الانتقاد 138، وشذرات الذهب 2/ 111، وتاريخ بغداد 8/ 382والفهرست 183، وسير أعلام النبلاء 11/ 519والنجوم الزاهرة 2/ 322
(3) فى ف والمطبوعتين: «أمير».
(4) فى ف والمطبوعتين: «متحاملا».
(5) فى ص: «بكر بن محمد»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين، وجاء ذكر بكر بن حماد فى معجم البلدان [انظر: تاهرت].
وكذلك فى تحقيق القصيدة التى فيها البيتان فى شعر دعبل.
(6) شعر دعبل 51و 52، وفيه تخريج واف للبيتين، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.(1/155)
كذلك أهل الكهف فى الكهف سبعة ... كرام إذا عدّوا وثامنهم كلب
وقال قوم: بل صنعه دعبل نفسه، وكان المعتصم يعرف بالثامن وبالمثمن أيضا، فبلغه ذلك، فأمر بطلبه / ففرّ منه إلى زويلة (1) بلد السودان (2) بناحية المغرب، وهى التى تعرف الآن بزويلة بنى خطاب (3)، فمات بها، وهناك (4)
قبره، وإلى جانبه قبر عبد الله ابن شيخنا أبى عبد الله محمد بن جعفر النحوى (5)
رحمه الله هكذا يروى أصحابنا.
وأما شعر البحترى فيشهد بخلاف هذا وذلك أنه رثى دعبلا وحبيبا (6)
الطائى، فقال فى أبيات هجا فيها الخثعمى الشاعر: [الكامل]
جدث على الأهواز يبعد دونه ... مسرى النعىّ ورمّة بالموصل (7)
فالذى بالموصل حبيب (8) لا شك فيه لأنه مات بها، وهو يتولى البريد
__________
(1) زويلة بفتح أوله وكسر ثانية بلدان: أحدهما: زويلة السودان مقابل إجدابية فى البرّ بين بلاد السودان وإفريقية. وبزويلة قبر دعبل، وذكر المؤلف بيت شعر فى هذا لبكر بن حماد، والذى عليه المؤرخون أن دعبلا قتل فى طوس، وزويلة الأخرى هى زويلة المهدية وهى مدينة بإفريقية بناها المهدى عبيد الله إلى جانب المهدية. [انظر معجم البلدان فى زويلة والمهدية] وانظر: [الأنموذج 81، فى ترجمة إسماعيل بن إبراهيم]، ومن كل ذلك لم أجد ما يطلق عليه «زويلة بنى خطاب».
(2) فى المطبوعتين: «ففر إلى بلد بالسودان»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(3) فى المطبوعتين: «بزويلة بنى الخطاب»، ولم أجد فى معجم البلدان هذه التسمية. انظر التعليق قبل السابق.
(4) فى ف والمطبوعتين: «وهنالك»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) هو محمد بن جعفر التميمى النحوى المعروف بالقزاز، يكنى أبا عبد الله، وابن رشيق لم يذكر لقب القزاز رغم تعدد ذكره أستاذه، وكان القزاز عالما بالنحو واللغة والأدب، وكان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس وعامتهم. ت 412هـ
إنباه الرواة 3/ 84، والمحمدون من الشعراء 261، ومعجم الأدباء 18/ 105، ووفيات الأعيان 4/ 374، والوافى 2/ 304، وأنموذج الزمان 365، وبغية الوعاة 1/ 71
(6) فى ف: «دعبلا وأبو تمام» [كذا]، وفى المطبوعتين فقط: «وأبا تمام حبيبا».
(7) ديوان البحترى 3/ 1791، آخر خمسة أبيات فى رثاء أبى تمام، ودعبل، وهجاء الخثعمى، وفيه تخريج واف للأبيات.
(8) فى ف: «أبو تمام»، وفى المطبوعتين فقط: «أبو تمام حبيب».(1/156)
للحسن بن وهب، وكان يعتنى (1) به كثيرا، والآخر دعبل، ورأيت من يرويه:
شلو بأعلى عقرقوف تلفّه ... هوج الرّياح ورمّة بالموصل (2)
والأول أعرف، وأشبه بالصواب.
ووالبة بن الحباب (3)، ذكر أن الرشيد أو غيره (4) سأل: من القائل؟: [مجزوء الكامل]
/ ولها ولا ذنب لها ... حبّ كأطراف الرّماح (5)
فى القلب يجرح دائبا ... فالقلب مكلوم النواحى
فقال له بعض من حضر من العلماء: ذلك والبة بن الحباب يا أمير المؤمنين، وأين تذهب عن معرفته؟ والله ما رأيت أرقّ منه شعرا، ولا أطيب نادرة، ولا أكثر رواية، ولا أجزل معرفة بأيام العرب (6)، فقال: لم يمنعنى منه إلا بيتا شعر قالهما، وهما (7): [السريع]
قلت لساقينا على خلوة ... أدن كذا رأسك من راسيا
ونم على وجهك لى ساعة ... إنّى امرؤ أنكح جلّاسيا
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «يعنى».
(2) انظر ما قيل عنه فى الموازنة 1/ 52و 53
(3) هو والبة بن الحباب الأسدى، يكنى أبا أسامة، شاعر كوفى من شعراء الدولة العباسية، وهو أستاذ أبى نواس، وكان ظريفا غزلا، وصّافا للشراب والغلمان المرد، وقد هاجى بشارا وأبا العتاهية، فلم يصنع شيئا، وفضحاه، فعاد إلى الكوفة كالهارب، وخمل ذكره.
تاريخ بغداد 13/ 487، والأغانى 18/ 100، وطبقات ابن المعتز 86، وفوات الوفيات 4/ 247
(4) القصة وردت فى الأغانى، وطبقات ابن المعتز، ومحاضرات الأدباء 1/ 2/ 968والفوات على أنها مع المهدى.
(5) البيتان فى الأغانى 18/ 99و 100، وفوات الوفيات 4/ 247، وليس فيهما اختلاف فى البيت الأول، والبيت الثانى جاء فى الأغانى فى المرة الأولى: «فى القلب يجرح والحشا فالقلب مجروح».
وفى المرة الأخرى فى الأغانى وفى الفوات هكذا: «فى القلب يقدح والحشا فالقلب مجروح».
(6) فى المطبوعتين فقط: «بأيام العرب منه».
(7) البيتان فى الأغانى 18/ 100، وطبقات ابن المعتز 89، ومحاضرات الأدباء 1/ 2/ 698 وفوات الوفيات 4/ 247، وكنايات الجرجانى 4، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.(1/157)
أتحب أن ينكحنا لا أم لك؟، قال فغسلت أثوابى عرقا من شدة الحياء.
ويزيد ابن أم الحكم الثقفى (1)، عهد له الحجاج بن يوسف (2) على فارس، فأتاه يودعه، فقال له: أنشدنى، وقدّر أنه يمدحه، فأنشده:
[الكامل]
وأبى الّذى سلب ابن كسرى راية ... بيضاء تخفق كالعقاب الطائر (3)
فاستردّ العهد منه، وقال لحاجبه: إذا ردّه عليك فقل له: أورّثك أبوك مثل هذا؟ فقال له الحاجب كذلك (4)، فقال يزيد: قل للحجاج:
[الكامل]
ورثت جدّى مجده وفعاله ... وورثت جدّك أعنزا بالطائف (5)
وبمثل هذا السبب غضب سليمان بن عبد الملك على الفرزدق وذلك أنه استنشده، لينشده فيه أو فى أبيه، فأنشده مفتخرا عليه (6):
__________
(1) هو يزيد بن الحكم بن عثمان وقيل: عثمان عمه ابن أبى العاص الثقفى، يكنى أبا خالد، وعثمان جده أو عم أبيه أحد من أسلم من ثقيف، فهو صحابى روى الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، وكان يزيد شاعرا شريفا
الأغانى 12/ 286، وسمط اللآلى 1/ 238، وخزانة الأدب 1/ 113، وسير أعلام النبلاء 4/ 519
(2) قوله: «ابن يوسف» سقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(3) البيت بنصه فى الأغانى 12/ 287، وفى الخزانة 1/ 114، وفيه: «فى الملك تخفق».
(4) فى ف والمطبوعتين: «ذلك»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) البيت بنصه فى الأغانى 12/ 287، وفى ف والمطبوعتين فقط: «وورثت» فى أول البيت، وما هنا صحيح أيضا لأن (متفاعلن) إذا دخلها الوقص وهو حذف الثانى المتحرك صارت (مفاعلن)، وهو جائز فى حشو الكامل، وفى الخزانة 1/ 114جاء قول بمعنى البيت هكذا: أورثنى أبى مجده وفعاله، وأورثك أبوك أعنزا ترعاها.
(6) ديوان الفرزدق 1/ 30و 31، وانظر ما قيل عن الأبيات فى الشعر الشعراء 1/ 411، والأغانى 1/ 336، وأمالى المرتضى 1/ 58وسر الفصاحة 60والأوائل 119، 120وانظرها فيما يأتى عن أبيات نصيب. مع اختلاف يسير بين الجميع.(1/158)
[الطويل]
وركب كأنّ الرّيح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب
سروا يخبطون الرّيح وهى تلفّهم ... إلى شعب الأكوار من كلّ جانب
إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
/ فتبين غضب سليمان، وكان نصيب (1) حاضرا فأنشده (2):
[الطويل]
/ أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب
قفوا خبّرونى عن سليمان إنّنى ... لمعروفه من أهل ودّان طالب
فعاجوا فأثنوا بالّذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
فقال: يا غلام، أعط نصيبا خمسمائة دينار، وألحق الفرزدق بنار أبيه، فخرج الفرزدق مغضبا يقول (3): [الوافر]
وخير الشعر أشرفه رجالا ... وشرّ الشعر ما قال العبيد (4)
__________
(1) هو نصيب بن رباح، مولى عبد العزيز بن مروان، وقيل هو من أهل ودّان، وكان عبدا لرجل من بنى كنانة هو وأهل بيته، يكنى أبا محجن، وضعه ابن سلام فى الطبقة السادسة من فحول الإسلام، ويقال عنه: إنه كان فصيحا، مقدما فى النسيب والمديح، مترفعا عن الهجاء، كبير النفس عفيفا، ولم ينسب قط إلا بامرأته. ت 108هـ.
طبقات ابن سلام 2/ 675، والشعر والشعراء 1/ 410، والأغانى 1/ 324، ومعجم الأدباء 19/ 228، والموشح 298، وسمط اللآلى 1/ 201، ونوادر المخطوطات 2/ 290، وفوات الوفيات 4/ 197، وزهر الآداب 1/ 335، وسير أعلام النبلاء 5/ 266
(2) انظر الأبيات وما قيل عنها فى البيان والتبيين 1/ 83، والشعر والشعراء 1/ 411، والأمالى 1/ 94، والأغانى 1/ 337، والكامل 1/ 184، ونقد الشعر 82و 83، وزهر الآداب 1/ 335، والثانى والثالث فى الوساطة 191، والثالث فقط فى عيون الأخبار 1/ 299، والصناعتين 214، والأوائل 120، وسر الفصاحة 206وإعجاز القرآن 77وعيار الشعر 142، مع اختلاف فى بعض الألفاظ بين الجميع. وقفا ذات أوشال: وراءها. والأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل. والقارب:
طالب الماء ليلا، ولا يقال لطالب الماء نهارا [من هامش الأغانى].
(3) البيت فى الكامل 1/ 185، والشعر والشعراء 1/ 411، والأغانى 1/ 338، وزهر الآداب 1/ 336، ولم أجده فى الديوان بطبعتيه.
(4) فى المطبوعتين: «أكرمه رجالا»، وهو يوافق زهر الآداب والشعر والشعراء والأغانى، وما فى ص وف يوافق الكامل.(1/159)
وممن ضرّه الشعر وأهلكه، سديف، فإنه طعن فى دولة بنى العباس بقوله لمّا خرج محمد بن (1) الحسن بالمدينة، على أبى جعفر المنصور فى أبيات له (2):
[البسيط]
إنّا لنأمل أن ترتدّ ألفتنا ... بعد التّباعد والشحناء والإحن
وتنقضى دولة أحكام قادتها ... فينا كأحكام قوم عابدى وثن
فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا ... إنّ الخلافة فيكم يا بنى حسن
فكتب المنصور إلى عبد الصمد بن علىّ بأن يدفنه حيّا، ففعل، ويقال: إن الأبيات لعبد الله بن مصعب (3)، نسبت إلى سديف، وحملت عليه، فقتل بسببها، وذلك أشد.
وأحمق الشعراء عندى من أدخل نفسه فى هذا الباب، أو تعرض له، وما للشاعر والتعرض للحتوف؟ وإنما هو طالب فضل، فلم يضيّع رأس ماله؟
لا سيما وإنما هو رأسه!! وكل شىء يحتمل إلا الطعن فى الدول، فإن دعت إلى ذلك ضرورة مجحفة فتعصّب المرء لمن هو ملكه وتحت سلطانه أصوب، وأعذر له من كل جهة، وعلى كل حال لا كما فعل سديف.
وأبو الطيب لما فرّ ورأى الغلبة، قال له غلامه: لا يتحدث الناس / عنك بالفرار أبدا، وأنت القائل (4): [البسيط]
فالخيل والليل والبيداء تعرفنى ... والحرب والضّرب والقرطاس والقلم (5)
__________
(1) فى ف: «محمد بن عبيد بن الحسن». وفى العقد الفريد: «محمد بن عبد الله بن الحسن».
(2) الأبيات مع القصة فى العقد الفريد 5/ 87، ضمن سبعة أبيات، وفيه أن الأبيات لسديف، وفى ص 88منه أن القائل هو عبد الله بن مصعب، ونسبها إلى سديف.
(3) سبقت ترجمته فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 53، ولم أعثر على الأبيات فى المصادر التى تحدثت عنه، وانظر التعليق السابق.
(4) ديوان المتنبى 3/ 369
(5) فى ف والمطبوعتين: «الخيل والطعن والضرب»، والذى فى الديوان:
فالخيل والليل والبيداء تعرفنى ... والضرب والطعن والقرطاس والقلم(1/160)
فكرّ راجعا، فقتل، وكان سبب ذلك هذا البيت.
وكان كافور الإخشيدى قد وعد أبا الطيب بولاية بعض أعماله، فلما رأى تعاطيه (1) فى شعره، وسموّه بنفسه خافه، وعوتب فيه، فقال: يا قوم، من ادّعى النبوّة بعد (2) النبى صلى الله عليه وسلّم لا يدّعى المملكة مع كافور؟ حسبكم.
وزعم أبو محمد عبد الكريم بن إبراهيم / النهشلى: أن أبا الطيب إنما سمّى متنبّئا لفطنته، وقال غيره: بل قال: أنا أول من تنبّأ بالشعر، وادّعى النبوة من بنى الفصيص.
والأخبار فى هذا النوع كثيرة جدا، وإنما جئت بأقربها عهدا، وأشهرها فى كتب المؤلفين مما يليق بالموضع ذكره.
* * * __________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «تعاظمه».
ومن معانى التعاطى: تناول ما لا يحق ولا يجوز تناوله، ومنه: الجرأة، ومنه: التناول والجراءة على الشىء، من عطا الشىء يعطوه إذا أخذه وتناوله، وعطوت الشىء: تناولته باليد، وفى المثل:
عاط بغير أنواط، أى يتناول ما لا مطمع فيه ولا متناول، وقيل: يضرب مثلا لمن ينتحل علما لا يقوم به.
انظر اللسان فى [عطا].
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مع محمد صلى الله عليه وسلّم».(1/161)
باب تعرّض الشعراء
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه عالما بالشعر، قليل التعرّض لأهله، استعداه رهط تميم بن أبىّ بن مقبل (1) على النجاشى لمّا هجاهم، فأسلم النظر فى أمرهم إلى حسان بن ثابت فرارا من التعرض لأحدهما، فلما حكم حسان بن ثابت أنفذ عمر حكمه على النجاشى كالمقلّد من جهة الصناعة، ولم يكن حسان على علمه بالشعر بأبصر من عمر رضى الله عنه بوجه الحكم، وإن اعتلّ فيه بما اعتل، وقد مضت الحكاية (2).
وكذلك صنع فى هجاء الحطيئة الزّبرقان بن بدر: سأل حسّان، ثم قضى على الحطيئة بالسجن، وقيل: بل سجنه لمواقفته إياه (3)، وقوله: إن لكلّ مقام مقالا (4)، فقال له: وتهددنى (5)؟ امضوا به إلى السجن، فسجنه فى حفرة فى الأرض (6).
وسئل أبو عبيدة (7): أى الرجلين أشعر: أبو نواس، أم ابن أبى عيينة؟
__________
(1) فى ف وخ: «أبى مقبل»، وفى م زاد المحقق «بن» بين معقوفين، وأشار فى الهامش إلى أن هذا هو الصواب وما اعتمدته من ص والمغربيتين هو الأصح.
(2) انظرها فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 64و 65
(3) المواقفة: من واقفه مواقفة ووقافا، بمعنى وقف معه فى حرب أو خصومة. انظر اللسان فى [وقف].
(4) هذا مثل من قول لطرفة. انظر الفاخر 314
(5) فى ف: «أو تهددنى؟»، وفى المطبوعتين: «أتهددنى؟»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) انظر قصة الخطيئة بالتفصيل فى الأغانى 2/ 179وما بعدها، وهى باختصار شديد فى طبقات ابن سلام 1/ 114وما بعدها.
(7) هو معمر بن المثنى التيمى، مولى لتيم قريش، يكنى أبا عبيدة، كان الغريب أغلب عليه، وكان عالما بأخبار العرب وأيامهم، وكان مع معرفته ربما لم يقم البيت إذا أنشده حتى يكسره، ويخطىء إذا قرأ القرآن نظرا، وكان يبغض العرب، وألف فى مثالبها كتابا، وكان يرى رأى الخوارج ت 209أو 210أو 211هـ.
المعارف 543، والفهرست 58، وتاريخ بغداد 13/ 252، وطبقات الزبيدى 175، ومعجم الأدباء 19/ 154، وإنباء الرواة 3/ 276، وبغية الوعاة 2/ 294، ووفيات الأعيان 5/ 235، وسير أعلام النبلاء 9/ 445، وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 2/ 24(1/162)
فقال: أنا لا أحكم بين الشعراء الأحياء، فقيل له: سبحان الله، كأن هذا ما تبيّن لك!! قال: أنا ممن لم يتبين له هذا (1)؟!!
وقيل: إن أول من لقّب قريشا على شرفها، وبعد ذكرها فى العرب سخينة لحساء كانت تتخذه فى الجاهلية عند اشتداد الزمان خداش بن زهير (2) حيث يقول (3): [البسيط]
يا شدّة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم
فذهب ذلك على أفواه الناس حتى كان من التمازح به ما كان بين معاوية بن أبى سفيان وبين الأحنف بن قيس التميمى، حين قال له: ما الشىء الملفّف فى البجاد؟ فقال: السخينة يا أمير المؤمنين، أراد معاوية قول الشاعر (4):
__________
(1) انظر هذا فى الممتع 200، مع اختلاف فى بعض الألفاظ، وسقط اسم الإشارة «هذا» من ف.
(2) هو خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو فارس الضحياء ابن عامر، يكنى أبا زهير، وهو من شعراء قيس المجيدين، وقال عنه أبو عمرو بن العلاء: هو أشعر فى قريحة الشعر من لبيد، وأبى الناس إلا تقدمة لبيد، وقد شهد خداش حرب حنين مع المشركين، ثم أسلم بعد ذلك.
طبقات ابن سلام 1/ 143و 144، والشعر والشعراء 2/ 645، والمعارف 87، والمؤتلف والمختلف 153، والاشتقاق 295، وسمط اللآلى 2/ 701، وخزانة الأدب 7/ 196، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 91
(3) البيت مع آخر فى طبقات ابن سلام 1/ 145، وكنايات الجرجانى 73، وشرح نهج البلاغة 18/ 294وجاء وحده فى البيان والتبيين 3/ 19، وجاء أول أربعة أبيات فى الأغانى 22/ 60، وجاء أول خمسة أبيات فى العقد الفريد 5/ 255، وفيه: «لولا البيت والحرم»، وجاء وحده فى الممتع 203، وفيه: «يا كرة ما كررنا»، وجاء وحده فى الخزانة 7/ 196، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 92والمجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 2/ 69
شد على القوم فى القتال: حمل عليهم فقتلهم، والشدة: الحملة الشديدة. وقوله: «لولا الليل والحرم» وذلك أن قريشا فى هذه الحرب ظلت تقاتل حتى دخلت الحرم وجن عليهم الليل، فكفوا عن القتال. [من هامش الطبقات وانظر مثله فى هامش الأغانى].
(4) البيت الأول فى طبقات ابن سلام 1/ 167، وينسب فيه إلى يزيد بن الصعق، والبيتان ضمن ثلاثة أبيات فى البيان والتبيين 1/ 190، وأدب الكاتب 12، ونسبهما المحقق فى الهامش إلى يزيد بن الصعق الكلابى، وجاءا ضمن ثلاثة أبيات فى معجم الشعراء 480، فى ترجمة يزيد بن الصعق الكلابى، وفى الكامل 1/ 171، وجاءا ضمن ثلاثة أبيات، وذكر المحقق فى الهامش أنه فى بعض النسخ(1/163)
[الوافر]
إذا ما مات ميت من تميم ... فسرّك أن يعيش فجئ بزاد
بخبز أو بلحم أو بتمر ... أو الشئ الملفّف فى البجاد (1)
يريد وطب اللبن، وأراد الأحنف قول خداش بن زهير: يا شدة ما شددنا
البيت، وحتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكعب بن مالك الأنصارى (2): أترى الله نسى قولك؟ يعنى: [الكامل]
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها ... وليغلبنّ مغالب الغلّاب (3)
ولسير الشعر على الأفواه هذا المسير تجنّب الأشراف ممازحة الشاعر خوف لفظة تسمع منه مزحا، فتعود جدّا، كما قال دعبل بن الخزاعى: (4)
__________
ينسب إلى أبى المهوش الفقعسى، أو لأبى المهوش الأسدى، أو ليزيد بن عمرو بن الصعق الكلابى، وهما ليزيد بن الصعق ضمن ثلاثة أبيات فى كنايات الجرجانى 73وفيه الحوار، وانظر حوار معاوية والأحنف مع البيتين فى عيون الأخبار 2/ 203، دون نسبة، والحوار مع البيتين ضمن خمسة أبيات فى العقد الفريد 2/ 462، دون نسبة، والبيتان ضمن ثلاثة أبيات دون نسبة فى الممتع 203وشرح نهج البلاغة 5/ 15و 16
(1) فى ف: «بخبز أو بتمر أو بسمن»، وكذلك جاء فى بعض المصادر السابقة.
(2) هو كعب بن مالك بن أبى كعب وهو أحد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلّم الذين كانوا يردون الأذى عنه، وهو بدرى عقبى، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك، ثم تاب الله عليهم، وقد كف بصره فى آخر عمره، وفى سنة وفاته خلاف.
طبقات ابن سلام 1/ 220، والمعارف 588، والأغانى 16/ 226، وسير أعلام النبلاء 2/ 523 وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 1/ 56، ونكت الهميان 231، وخزانة الأدب 1/ 417، وشرح أبيات مغنى اللبيب 1/ 377و 2/ 379
(3) البيت فى طبقات ابن سلام 1/ 222دون اختلاف، والأغانى 16/ 231، وفيه: «همت سخينة أن تغالب» والعقد الفريد 2/ 462بنصه، وينسب فيه إلى حسان بن ثابت، وسير أعلام النبلاء 2/ 526بنصه، وشذرات الذهب 1/ 56، وفيه: «جاءت سخينة كى تغالب فليغلبن»،
وكذلك فى الخزانة 1/ 417، وفى شرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 380، وفيه: «جاءت سخينة كى تغالب»، وفى سمط اللآلى 2/ 864بنصه، وفى نكت الهميان 232، وفيه «فليغلبن»، وانظره فى معجم الشعراء 230وشرح نهج البلاغة 5/ 16وهو فى ديوانه 182ببعض اختلاف.
(4) شعر دعبل 79، وما بعدها، دون اختلاف إلا فى قوله: «لم يرد إنماؤها» فى البيت الثانى، وانظر التعليق التالى، وفى الديوان تخريج الأبيات، والأبيات فى الممتع 201، والأول والثانى فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 281مع اختلاف يسير.(1/164)
[البسيط]
لا تعرضنّ بمزح لامرىء طبن ... ما راضه قلبه أجراه فى الشفة (1)
/ فربّ قافية بالمزح جارية ... مشئومة لم يرد إنماؤها نمت (2)
إنّى إذا قلت بيتا مات قائله ... ومن يقال له والبيت لم يمت
وقال رجل لابن الرومى يمازحه: ما أنت والشعر؟ / لقد نلت منه حظّا جزيلا (3)، وأنت من العجم، أراك عربيّا فى الأصل، أؤ مدّعيا فى الشعر! قال:
بل أنت دعىّ إذ (4) كنت تنتسب عربيّا، ولم تحسن من ذلك شيئا، وله يقول فى (5) أبيات (6): [المجتث]
إيّاك يا ابن بويب ... أن يستثار بويب (7)
قد تحسن الرّوم شعرا ... ما أحسنته العريب
وهذا مثل قول الصينى (8) الشاعر لبعض الأعراب، وقد أنشد عبد الله ابن طاهر بحضرته شعرا، فقال له الأعرابى: ممّن الرجل؟ قال: (9) من العجم، فقال: ما للعجم والشعر؟ أظن أعرابيا (10) نزا على أمّك، قال: فمن لم يقل منكم
__________
(1) طبن هنا بمعنى لسن، ومن معانيها الفطن الحاذق العالم بكل شئ. انظر اللسان فى [طبن]
(2) فى المطبوعتين: «فى محفل لم يرد» وذكر فى هامشهما ما يفيد أنه فى نسخة «مشئومة» بدل «فى محفل».
(3) فى ف والمطبوعتين: «جسيما».
(4) فى ف وخ: «إذا».
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «من».
(6) ديوان ابن الرومى 1/ 204، وانظر فيه ما كان يحدث بين ابن بويب وبين ابن الرومى.
(7) فى ف والمطبوعتين: «أن يستشار»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الديوان.
(8) فى ص: «الصيدى»، ولم يتضح لى المقصود منه، واعتمدت ما فى باقى النسخ، وفى هامش م كتب المحقق: «كذا»، ولم يستقم لنا المراد منه، وفى العلماء والأدباء عدد بهذه النسبة».
وأقول: يبدو لى أن المقصود هو على بن محمد الصينى الذى ذكر فى معجم الشعراء 358، وطبقات ابن المعتز 303، وقد ذكر فى الوافى 4/ 120، باسم محمد بن على الضبى، وفيه الأبيات ذاتها التى فى معجم الشعراء فى مدح طاهر بن الحسين، وفيهما أنه «راوية العتابى، شاعر طاهر بن الحسين وابنه عبد الله»، وذكر فى جمع الجواهر 120والمغربيتين بلفظ «الضبى»، وقال عنه ابن المعتز فى طبقاته: «وأخباره قليلة جدا، وكان لا يوجد إلا فى مدينة السلام».
(9) فى ف والمطبوعتين: «فقال».
(10) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عربيا»، وما فى ص وف أوفق للقصة.(1/165)
الشعر معشر العرب فإنما نزا على أمّه أعجمىّ، فسكت الأعرابى (1).
وأنشد أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (2): [الوافر]
وللشّعراء ألسنة حداد ... على العورات موفية دليله (3)
ومن عقل الكريم إذا اتّقاهم ... وداراهم مدارة جميله
إذا وضعوا مكاويهم عليه ... وإن كذبوا فليس لهنّ حيله
والأبيات لأبى الدلهات (4).
ولأمر ما قال طرفة بن العبد (5):
__________
(1) اقرأ هذه القصة بنصها تقريبا فى جمع الجواهر فى الملح والنوادر 120وجاءت دون ذكر اسم الصينى فى زهر الآداب 2/ 633
(2) هو عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى الليثى، يكنى أبا عثمان، واشتهر بالجاحظ لجحوظ عينيه، كان من أئمة المعتزلة، كما أنه من أئمة اللغة والأدب، وكان فكها خفيف الروح حتى فى تآليفه. ت 255هـ.
تاريخ بغداد 12/ 212، ونزهة الألباء 148، وبغية الوعاة 2/ 228، ومروج الذهب 4/ 195، وأمالى المرتضى 1/ 138، ومعجم الأدباء 16/ 74، ووفيات الأعيان 3/ 470، والفهرست 208، وسير أعلام النبلاء 11/ 526، وشذرات الذهب 2/ 121
(3) الأبيات فى البيان والتبيين 1/ 159، ضمن خمسة أبيات، وتنسب لبعض المولدين، وهى فى المحاضرات 1/ 1/ 379والأول والثالث فى كفاية الطالب 98والأول فى التمثيل والمحاضرة 188وفى هامشه قال المحقق: بعد هذا البيت فى هامش ج بيتان من زيادات الناسخ، وهما بخط صغير ردئ لم أستطع قراءته.
(4) كذا فى ص وف والمغربيتين وفى خ: «الدلهان» وفى م: «الدهمان» وذكر فى الهامش أنه فى الأصول «لأبى الدلهان»، فالتغيير من المحقق دون سند.
وأقول: وعلى الحالتين: «أبو الدلهات» أو «أبو الدلهان» لم أجد تعريفا لصاحب الكنية.
(5) هو عمرو أو عبيد بن عبد بن سفيان ولقب طرفة ببيت شعر قاله، وكان هو والمتلمس ينادمان عمرو بن هند، ثم هجياه، فلما علم بذلك أرسل مع كل منهما كتابا إلى عامله على هجر يأمره بقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء، وقد علم المتلمس بما فى الكتاب بعد أن قرأه له أحد الغلمان، وطلب من طرفة أن يفعل مثله، فى عدم الذهاب إلى هجر فرفض، وأصر على السفر إلى هجر، فقتله عاملها، ولم يجاوز العشرين، أو السادسة والعشرين.
طبقات ابن سلام 1/ 138، والشعر والشعراء 1/ 185، ومن اسمه عمرو من الشعراء 37، والأغانى 29/ 9774ط الشعب، ضمن أخبار المتلمس، وشرح القصائد السبع الطوال 115، ومعجم الشعراء 5، والموشح 77، وجمهرة أشعار العرب 89و 304، ونوادر المخطوطات 2/ 112، وثمار القلوب 216، وخزانة الأدب 2/ 419، ومعاهد التنصيص 1/ 364، ومجمع الأمثال 2/ 224، والقاموس المحيط [مادة طرف] ومسائل الانتقاد 89(1/166)
[الطويل]
رأيت القوافى يتّلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولّجها الإبر (1)
وقال امرؤ القيس (2): [المتقارب]
وجرح اللسان كجرح اليد (3)
ومع ذلك كله فلا ينبغى للشاعر أن يكون شرسا شرّيرا، ولا حرجا (4)
عرّيضا لما يدلّ به من طول لسانه، وتوقّف الناس عن مخاشنته.
فهذا الفرزدق وكان (5) شاعر زمانه، ورئيس قومه، ولم (6) يكن فى جيله أطرف منه نادرة، ولا أغرب مزحا (7)، ولا أسرع جوابا اجتاز بنسوة، وهو / على بغلة، فهمزها، فحبقت (8)، فتضاحكن، وكان عرّيضا (9)، فقال:
__________
(1) ديوان طرفة 161
(2) هو امرؤ القيس بن حجر الكندى، كان أبوه ملك بنى أسد، فعسفهم عسفا شديدا، فاجتمعوا على قتله، فلما علم بقتل أبيه وكان يشرب الخمر قال: ضيعنى صغيرا، وحملنى دمه كبيرا، اليوم خمر، وغدا أمر، ولما وصل إلى قيصر طالبا عونه أجابه فى أول الأمر، ثم وشى به أحد العرب عند قيصر فى شأن ابنته، فألبسه قيصر حلة مسمومة، مات بسببها، ودفن فى أنقرة، ويطلق عليه الملك الضليل، أو ذو القروح.
طبقات ابن سلام 1/ 52و 9681، والشعر والشعراء 1/ 105، والأغانى 9/ 77، والموشح 26، والمؤتلف والمختلف 9، وشرح القصائد السبع الطوال 3، وجمهرة أشعار العرب 65و 113، وإعجاز القرآن 159، وثمار القلوب 214، وخزانة الأدب 1/ 329، ومعاهد التنصيص 1/ 9، وما بعدها، ومسائل الانتقاد 86.
(3) ديوان امرئ القيس 185، والمذكور عجز بيت صدره: «ولو عن نثا غيره جاءنى». والنثا:
يكون فى الخير والشر.
(4) الحرج: بفتح الراء وكسرها الضيّق الصدر فلم ينشرح لخير. وعرّيض: يتعرض الناس بالشر. انظر اللسان فى [حرج وعرض].
(5) فى المطبوعتين: «كان».
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «لم يكن».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مدحا» وهو غير مناسب للقصة.
(8) أى: ضرطت. انظر اللسان فى [حبق].
(9) أى يتعرض للناس بالسوء.(1/167)
ما يضحككنّ؟ وما حملتنى أنثى قط إلا وصنعت (1) مثل هذا، قالت إحداهن:
فما صنعت التى حملتك تسعة أشهر؟ فانصرف خجلا (2).
ومرّ به رجل فيه لين، فقال له: من أين أقبلت عمّتنا؟ قال: نفاها الأغرّ ابن عبد العزيز، فكأن الفرزدق صبّ عليه الماء لأنه عرّض له بقول جرير فيه حين نفاه عمر بن عبد العزيز من المدينة (3): [المتقارب]
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقّك تنفى من المسجد
وكان مرة (4) ينشد، والكميت صبىّ، فأجاد الاستماع إليه، فقال له:
يسرّك (5) يا بنى أنى أبوك؟ قال: أمّا أبى / فلا أبغى (6) به بدلا، ولكن يسرنى أنك أمّى، فأفحمه حتى غصّ بريقه. وزعم قوم أن هذه الحكاية إنما وقعت له (7) مع كثيّر.
ومرّ يوما بمضرّس الفقعسى، وهو غلام حديث السّنّ، ينشد الناس شعره، فحسده على ما سمع (8) منه، فقال له بعد كلام طويل فيه تعريض وتصريح: أدخلت أمّك البصرة؟ وفهم عنه مضرّس ما أراد، فقال: كلا، ولكن أبى! ورجع إلى إنشاده، فاستحيا الفرزدق. حكى ذلك شيخنا أبو عبد الله (9)، وإنما أراد الفرزدق أنها إن دخلت البصرة فقد وقعت عليها فأنت ابنى، قال الخبيث (10): بل أبى وقع على أمّك (11).
ومثل هذا بعينه عرض للفرزدق مع الحطيئة، فإن الحطيئة قال له وقد
__________
(1) فى ف: «صنعت» بحذف الواو، وفى خ: «وفعلت»، وفى م: «فعلت».
(2) انظر القصة فى الأغانى 21/ 356، وانظر الممتع 215
(3) ديوان جرير 2/ 842، وفيه: «بحقك تنفى». وانظر الحكاية والبيت فى الأغانى 21/ 323، وكنايات الجرجانى 78وشرح نهج البلاغة 5/ 30و 31
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «وكان الفرزدق».
(5) فى ف: «أيسرك أنى أبوك»، وفى المطبوعتين: «يا بنى أيسرك».
(6) فى المطبوعتين: «فلا أرى».
(7) سقطت «له» من المطبوعتين.
(8) فى المطبوعتين: «ما سمعه».
(9) يقصد: محمد بن جعفر التميمى القزاز.
(10) فى المطبوعتين فقط: «قال مضرس».
(11) انظر القصة بصورة أخرى فى الأمالى 3/ 120وشرح نهج البلاغة 5/ 25(1/168)
سمعه ينشد شعرا أعجبه: أأنجدت (1) أمّك؟ قال: بل أنجد أبى!! ونظم ذلك جرير، ونعاه عليه، وادعى أنه صحيح، فقال (2): [الكامل]
كان الحطيئة جار أمّك مرّة ... والله يعلم شأن ذاك الجار
/ من ثمّ أنت إلى الزّناء بعلّة ... بأشرّ شيخ فى جميع نزار
لا تفخرنّ بغالب ومحمّد ... وافخر بعبس كلّ يوم فخار
وكان يزعم أن الحطيئة جاور لينة بنت قرظة، فأعجبته، فراودها، فوقع عليها، وزوّجها أخوها العلاء غالبا أبا الفرزدق، وقد تبيّن حملها، فولدت الفرزدق على فراشه.
واحتذى هذا الحذو سواء (3) أبو السمط مروان الأصغر بن أبى الجنوب ابن مروان بن أبى حفصة (4)، فقال يهجو علىّ بن الجهم بن بدر:
[الطويل]
لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر ... وهذا علىّ بعده يصنع الشعرا (5)
ولكن أبى قد كان جارا لأمّه ... فلمّا تعاطى الشعر أوهمنى أمرا
والشاعر أولى من كفّ منطقه، وأقال عثرات اللسان لما رزق من
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «أنجدت».
(2) الأبيات غير موجودة فى ديوان جرير، ولم أعثر عليها فى المصادر التى تحت يدى.
(3) فى ص: «سوءا» وسقطت الكلمة من ف، واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين.
(4) هو مروان بن أبى الجنوب بن مروان الأكبر بن أبى حفصة، يكنى أبا السمط، ويلقب غبار العسكر ببيت قاله، ويعرف بمروان الأصغر، وكان يتشبه بجده فى شعره، ويمدح المتوكل، ويتقرب إليه بهجاء آل على بن أبى طالب، فلما أفضت الخلافة إلى المنتصر طرده، وحلف ألا يدخل إليه أبدا لما كان يسمعه منه فى أمير المؤمنين على بن أبى طالب.
معجم الشعراء 321، وطبقات ابن المعتز 391، والأغانى 23/ 206، والورقة 47، ووفيات الأعيان 5/ 193، وسير أعلام النبلاء 8/ 481.
(5) البيتان فى طبقات ابن المعتز 392، وجمع الجواهر فى الملح والنوادر 119، وبدائع البدائه 293والأغانى 12/ 83، والكناية والتعريض 16والمحاضرات 1/ 1/ 352، مع اختلاف يسير فيها.(1/169)
القدرة على الكلام، والعفو من القادر أحسن، وبه أليق، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولََئِكَ مََا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النََّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولََئِكَ لَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذََلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
[سورة الشورى الآيات 41، 42، 43]
* * *
باب التكسب بالشعر والأنفة منه(1/170)
* * *
باب التكسب بالشعر والأنفة منه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنهاكم (1) عن قيل وقال، وعن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وعقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات».
وكانت العرب لا تتكسب بالشعر، وإنما يصنع أحدهم ما يصنع منه مكافأة (2) عن يد لا يستطيع (3) أداء حقها إلا بالشكر إعظاما لها، كما قال امرؤ القيس / بن حجر يمدح بنى تيم رهط المعلّى: [الوافر]
أقرّ حشا امرىء القيس بن حجر ... بنو تيم مصابيح الظّلام (4)
لأن المعلّى أحسن إليه، وأجاره حين طلبه المنذر بن ماء السماء لقتله بنى أبيه الذين قتل بدير مرينا، فقيل / لبنى تيم مصابيح الظلام من ذلك اليوم، لبيت امرئ القيس.
وقال لسعد بن الضّباب: [الوافر]
سأجزيك الّذى دافعت عنّى ... وما يجزيك عنّى غير شكرى (5)
فأخبره أن شكره هو الغاية فى مجازاته كما قدّمت.
حتى نشأ النابغة الذبيانى، فمدح الملوك، وقبل الصّلة على الشعر، وخضع للنعمان بن المنذر، وكان قادرا على الامتناع منه بمن حوله من عشيرته، أو بمن (6) صار إليه من ملوك غسّان، فسقطت منزلته، وتكسّب مالا جسيما، حتى كان أكله وشرابه (7) فى صحاف الذهب والفضة وأوانيها (8) من عطاء الملوك.
__________
(1) انظر الحديث بتمامه فى موارد الظمآن 370و 371ومجمع الزوائد 5/ 220، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهى عن قتالهم، وانظره باختصار فى معانى القرآن 1/ 486ونثر الدر 1/ 152 و 249و 250
(2) فى ف: «ما يصنع فكاهة أو مكافأة»، وفى المطبوعتين: «ما يصنعه فكاهة أو مكافأة».
(3) فى ص وف: «لا يستطيع على أداء» [كذا]، واعتمدت ما فى المطبوعتين.
(4) ديوان امرئ القيس 141
(5) ديوان امرئ القيس 260وفيه: «سأشكرك الذى».
(6) فى ف والمطبوعتين: «أو من سار إليه»، وفى المغربيتين: «أو من صار»
(7) فى ف والمطبوعتين: «وشربه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) فى ف: «وأوانيهما»، وفى المطبوعتين: «وأوانيه» وأشير فى هامشهما إلى أنه فى نسخة «وأوانيها»، وفى المغربيتين: «وأوانيه».(1/171)
وتكسّب زهير بن أبى سلمى بالشعر يسيرا مع هرم بن سنان.
فلما جاء الأعشى جعل الشعر متجرا يتجهز (1) به نحو البلدان، وقصد حتى ملك العجم فأثابه، وأجزل عطيته علما بقدر ما يقول عند العرب، واقتداء بهم فيه، على أنّ شعره لم يحسن عنده حين فسّر له، بل استهجنه، واستخف به، لكن احتذى فعل ملوك (2) العرب.
وأكثر العلماء يقولون: إنه أول من سأل بشعره، وقد علمنا أن النابغة أسنّ منه، وأقدم شعرا، وقد ذكر عنه من التكسب بالشعر مع النعمان بن المنذر ما فيه قبح (3): من مجاعلة (4) الحاجب، ودسّ الندماء على ذكره بين يديه، وما أشبه ذلك.
وذكر أن أبا عمرو بن العلاء (5) سئل: لم خضع النابغة للنعمان؟ فقال:
رغب فى عطائه وعصافيره (6).
وأما زهير فما بلغه الطائىّ قط معرفة باجتداء / من يمدحه، ويدلك على ذلك ما قاله عمر بن الخطاب رضى الله عنه لابنة زهير حين سألها: ما فعلت حلل
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يتّجربه».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فعل الملوك، ملوك العرب».
(3) فى خ «مع ما فيه قبح»، وفى م: «مع ما فيه [من] قبح»، ولا ندرى السر فى زيادة «من» والأسلوب الصحيح ما جاء فى ص وف والمغربيتين.
(4) المجاعلة: مفاعلة من تجاعلوا الشىء: جعلوه بينهم، وجعل له كذا على كذا: شارطه عليه، وعلى هذا يكون الجعل: ما تجعله للإنسان على عمله. والجاعل: المعطى، والمجتعل: الآخذ. انظر اللسان فى [جعل].
(5) هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان التميمى، واختلف فى اسمه على واحد وعشرين رأيا، منها: أبو العلاء، وزبان، والعريان، ويحيى، كان أعلم الناس بالقراءات والعربية، والشعر، وأيام العرب، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسّك فأحرقها. ت 154هـ.
المعارف 531، والاشتقاق 119و 205وطبقات الزبيدى 35ونزهة الألباء 30ووفيات الأعيان 3/ 466، وفوات الوفيات 2/ 28ومعجم الأدباء 11/ 156، وبغية الوعاة 2/ 231، وسير أعلام النبلاء 6/ 407وما فيه، وشذرات الذهب 1/ 237
(6) العصافير: من أجود أنواع النوق. انظر ما قيل عنها فى اللسان.(1/172)
هرم بن سنان التى كساها أباك؟ قالت: أبلاها الدهر، قال: لكن ما كساه أبوك هرما لم يبله الدهر.
وقال (1) لبعض ولد هرم بن سنان رواه القتبى (2): أنشدنى ما قال فيكم زهير، فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن، قال: يا أمير المؤمنين، إنا كنا نعطيه فنجزل، قال عمر: ذهب ما أعطيتموه، وبقى ما أعطاكم.
ثم إن الحطيئة كثّر (3) من السؤال بالشعر، وانحطاط الهمّة فيه، والإلحاف حتى مقت، وذلّ أهله، وهلم جرا، إلى أن حرم السائل وعدم المسئول: [الرجز]
إلّا بقايا من أناس بهم ... إلى سبيل المكرمات يهتدى (4)
كالسيد أبى الحسن حسّن (5) الله الدنيا ببقائه.
وأمّا أكثر من تقدم فالغالب على طباعهم الأنفة من السؤال / بالشعر، وقلّة التعرض به لما فى أيدى الناس، إلا فيما لا يزرى بقدر ولا مروءة، كالفلتة (6)
النادرة، والمهمّة العظيمة. ولهذا قال عمر (7) بن الخطاب رضى الله عنه: نعم ما تعلّمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل أمام حاجته.
ألا ترى أن لبيد بن ربيعة لما بعث إليه الوليد بن عقبة مائة من الإبل ينحرها لعادته (8) عند هبوب الصّبا، وقد أسنّ وأقلّ، وكان يطعم الناس ما هبّت الصّبا، قال لابنته: اشكرى هذا الرجل، فإنى لا أجد نفسى تجيبنى،
__________
(1) فى ف: «وقال لبعض ولد هرم بن سنان عمر»، وفى خ: «وقال عمر»، وفى م:
«وقال [عمر رضى الله عنه]». [كذا] وفى المغربيتين: «وقيل» وفى هامش إحداهما:
«وقال».
(2) انظر الشعر والشعراء 1/ 144، والأغانى 10/ 304و 305، والعقد الفريد 5/ 292، وسقط قوله: «رواه القتبى» من ف والمطبوعتين.
(3) فى المطبوعتين فقط: «أكثر».
(4) شرح مقصورة ابن دريد وإعرابها للمهلبى 119، وديوان ابن دريد 237
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «أحسن الله إلى الدنيا».
(6) فى ف: «مثل الفلته والنادرة»، وفى خ: «كالفلته والنادرة».
(7) فى ف والمطبوعتين: «عمر رضى»، وانظر هذا القول وتخريجه ص 5
(8) فى م: «كعادته».(1/173)
ولقد أرانى لا أعيا بجواب شاعر، فقالت هذه الأبيات: [الوافر]
إذا هبّت رياح أبى عقيل ... دعونا عند هبّتها الوليدا (1)
/ أغرّ الوجه أبيض عبشميّا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأنّ ركبا ... عليها من بنى حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثّريدا
فعد إنّ الكريم له معاد ... وظنّى بابن أروى أن يعودا (2)
وعرضتها عليه، فقال لها: أجدت، لولا أنك استعدت كراهية فى قولها:
«فعد إن الكريم له معاد»، ويروى: لولا أنك استزدت.
وقالوا (3): كان الشاعر فى أول (4) الأمر أرفع منزلة من الخطيب لحاجتهم إلى الشعر فى تخليد المآثر، وشدة العارضة، وحماية العشيرة، وتهيبهم عند شاعر غيرهم من القبائل، فلا يقدم عليهم خوفا من شاعرهم على نفسه وقبيلته، فلما تكسبوا به، وجعلوه طعمة، وتولّوا به الأعراض، وتناولوها، صارت الخطابة فوقه، وعلى هذا المنهاج كانوا حتى فشت فيهم الضراعة، وتطعّموا أموال الناس، وجشعوا فخشعوا، واطمأنّت بهم دار الذّلّة، إلا من وقّر نفسه وقارها، وعرف لها مقدارها، حتى قبض نقىّ العرض، مصون الوجه، ما لم يكن به اضطرار يحلّ (5) الميتة، فأما من وجد البلغة والكفاف فلا وجه لسؤاله بالشعر.
وقد حكى عن ابن ميّادة (6) أنه مدح أبا جعفر المنصور
__________
(1) الأبيات فى الشعر والشعراء 1/ 276، والأغانى 15/ 371، وخزانة الأدب 2/ 249، والاستيعاب 3/ 1336باختلاف يسير فيها، وجاء البيت الأول فى الكامل 3/ 63ثمّ ذكرت الأربعة الباقية فى الهامش على أنها من بعض الروايات، ومعها تعليق لبيد.
(2) فى بعض المصادر السابقة: «وظنى يا ابن أروى أن تعودا».
(3) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 241و 4/ 83مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(4) فى ف: «مبتدئ» وفى المطبوعتين: «مبتدأ».
(5) فى المطبوعتين فقط: «تحل به».
(6) هو الرماح بن أبرد أو الرماح بن يزيد وهو من بنى مرة بن عوف، وميادة أمه، وكانت أم ولد، ويكنى أبا شراحيل، أو أبا شرحبيل، مدح الوليد بن يزيد وكان وفيا له حتى قيام الدولة العباسية.
الشعر والشعراء 2/ 771، والأغانى 2/ 261، وطبقات ابن المعتز 105، والاشتقاق 287،(1/174)
بكلمة (1) يقول فيها (2): [الكامل]
فوجدت حين لقيت أيمن طائر ... ووليت حين وليت بالإصلاح
وعفوت عن كسر الجناح ولم تكن ... لتطير ناهضة بغير جناح
قوم إذا جلب الثّناء إليهم ... بيع الثّناء هناك بالأرباح
/ / وأتاه راعى إبله بلبن فشرب، ثم مسح على بطنه، وقد عزم على الرحلة، فقال: سبحان الله، أأفد على أمير المؤمنين وهذه الشربة تكفينى؟ وصرف وجهه عن قصدة، فلم يفد عليه، هذا على أنه ساقة (3) الشعراء، فأنت ترى كبر نفسه، وبعد همّته.
على أن عبد الله بن عمر على جلالته، والحسن البصرى، وعكرمة، ومالك ابن أنس المدنى، وجلّة من أهل العلم غير هؤلاء كانوا يقبلون صلات الملوك.
وسئل عثمان بن عفان رضى الله عنه عن مال السلطان، فقال: لحم طير ذكىّ.
والشعراء فى قبولها مال الملوك أعذر من المتورّعين، وأصحاب الفتيا لما جرت العادة (4) به قبل الإسلام، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبعده، إلى أيام المنصور الذى أنف ابن ميّادة أن يفد عليه.
وهكذا يروى عن جميل بن عبد الله بن معمر (5) أنه ما مدح أحدا قط
__________
والكامل 1/ 44، والموشح 356، والمؤتلف والمختلف 180، ونوادر المخطوطات 1/ 91، ومعجم الأدباء فى ترجمة الحكم بن معمر 11/ 143، وسمط اللآلى 1/ 306، وخزانة الأدب 1/ 160، ومسائل الانتقاد 128
(1) فى ف والمطبوعتين: «بكلمته التى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) شعر ابن ميادة 100مع اختلاف فى الترتيب، والأبيات مع الخبر فى الممتع 161و 162، وانظر الخبر مع بعض أبيات القصيدة، وفيها البيت الثالث هنا فى الأغانى 2/ 223و 323
(3) يعنى أنه ليس من الفحول.
(4) فى ف والمطبوعتين: «به العادة».
(5) هو جميل بن عبد الله بن معمر أو جميل بن معمر بن عبد الله يكنى أبا عمرو، وأبا معمر، وعرف باسم جميل بثينة، وهو شاعر فصيح مقدم، جامع للشعر والرواية، فقد كان راوية هدبة بن خشرم، وضعه ابن سلام فى الطبقة السادسة من فحول الإسلام، وقد توفى بمصر سنة 82هـ.
طبقات ابن سلام 2/ 669، والشعر والشعراء 1/ 434، والأغانى 8/ 90، والموشح 311،(1/175)
إلا ذويه وقراباته، وأنه صحب الوليد بن عبد الملك فى سفر، فكلّفه أن يرجز به، وظن أنه يمدحه، فأنشأ يقول (1): [الرجز]
أنا جميل فى السّنام من معد ... فى الذّروة العلياء والرّكن الأشد
فقال له الوليد: اركب لا حملت.
وزعم محمد بن سلّام الجمحى (2) أنه مدح عبد العزيز بن مروان بقوله فى شعره (3): [الوافر]
أبا مروان أنت فتى قريش ... وكهلهم إذا عدّ الكهول
تولّيه العشيرة ما عناها ... فلا ضيق الذّراع ولا بخيل
كلا يوميه بالمعروف طلق ... وكلّ بلائه حسن جميل
وعمر بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى، وكان يشبّه به من المولّدين العباس بن الأحنف (4): فإنه ممّن أنف عن المدح / تظرّفا، وقال فيه مصعب الزبيرى: العباس عمر العراق، يريد أنه لأهل العراق كعمر بن أبى ربيعة لأهل
__________
والمؤتلف والمختلف 96و 254، وسمط اللآلى 1/ 29، وخزانة الأدب 1/ 397، ووفيات الأعيان 1/ 366، ومسائل الانتقاد 12، وسير أعلام النبلاء 4/ 181وما فيه من مصادر
(1) ديوان جميل 56و 57وفيه الخبر، والخبر والبيت فى الممتع 164و 165، والبيت جاء مرتين فى الأغانى: الأولى فى 8/ 90مع اختلاف فى الشطر الثانى والأخرى فى 8/ 133بنصه مع بيتين آخرين، وهناك الخبر.
(2) هو محمد بن سلام بن عبد الله أو عبيد الله بن سالم الجمحى، يكنى أبا عبد الله، مولى قدامة بن مظعون الجمحى، كان من أهل الأدب، وكان عالما أخباريا بارعا، حدث عن مبارك ابن فضالة. وحماد بن سلمة، وأبى عوانة، وطبقتهم، وكان صدوقا. ت 231هـ.
طبقات ابن سلام فى المقدمة 33، والفهرست 126، وتاريخ بغداد 5/ 327، وطبقات الزبيدى 180، ونزهة الألباء 125، وإنباه الرواة 3/ 143، وبغية الوعاة 1/ 115، ومعجم الأدباء 18/ 204، وسير أعلام النبلاء 10/ 651وما فيه، والشذرات 2/ 71، والوافى بالوفيات 3/ 114
(3) الأبيات فى طبقات ابن سلام 2/ 674، دون اختلاف إلا فى قوله: «وكل فعاله حسن جميل» فى البيت الثالث، وكذلك فى الديوان 168
(4) هو العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة الحنفى اليمامى، يكنى أبا الفضل، كان رقيق الحاشية، لطيف الطباع، وجميع شعره فى محبوبته «فوز»، وكان من خاصة الشعراء عند الرشيد، ونال منه مالا كثيرا، وكان متلافا، توفى على الأرجح سنة 193هـ.(1/176)
الحجاز، استرسالا فى الكلام، وأنفة عن المدح والهجاء، واشتهر بذلك، فلم يكلّفه (1) إياه أحد من الملوك ولا الوزراء، وقد أخذ صلة الرشيد وغيره على حسن التغزل، ولطف المقاصد فى التشبيب بالنساء.
وهذا باب قد احتذاه الكتّاب فى زماننا هذا إلا القليل، وقوم من شعراء وقتنا أنا ذاكرهم فى كتاب غير هذا إن شاء الله.
وعلى كل حال فإن الأخذ من الملوك، كما فعل النابغة، ومن الرؤساء الجلّة، كما فعل زهير سهل خفيف، فأما الحطيئة فقبّح الله همّته الساقطة على جلالة شعره، وشرف بيته.
وقد كانت الشعراء ترى الأخذ ممّن دون الملك (2) عارا، فضلا عن العامّة، وأطراف الناس، قال ذو الرّمّة (3) يهجو مروان بن أبى حفصة (4) بذلك، ويفخر (5) عليه بأنه لا يقبل إلا صلات (6) الملك الأعظم وحده، هكذا رواه عبد
__________
الشعر والشعراء 2/ 827، والأغانى 8/ 352، وتاريخ بغداد 2/ 127، وطبقات ابن المعتز 253، ومعجم الأدباء 12/ 40، والموشح 445، والشذرات 1/ 234، والأمالى 1/ 253، وسمط اللآلى 1/ 313، ومعاهد التنصيص 1/ 54، ووفيات الأعيان 3/ 20، ومسائل الانتقاد 137
(1) فى ف والمطبوعتين: «فلم يكن يكلفه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «الملوك». وفى ف «ممن هو دون الملك».
(3) هو غيلان بن عقبة بن بهيش، يكنى أبا الحارث، ولقب بذى الرمة ببيت شعر قاله، وقيل:
لقبته به محبوبته «مية» وضعه ابن سلام فى الطبقة الثانية من فحول الإسلام.
طبقات ابن سلام 2/ 549، والشعر والشعراء 1/ 524، والأغانى 18/ 1، وجمهرة أشعار العرب 744، والاشتقاق 188، ولطائف المعارف 29و 113، ونوادر المخطوطات 2/ 292، والموشح 270، وسمط اللآلى 1/ 81، وخزانة الأدب 1/ 106، ومعاهد التنصيص 3/ 260، ومسائل الانتقاد 121، وسير أعلام النبلاء 5/ 267
(4) هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبى حفصة، وهو مروان الأكبر، يكنى أبا السمط، وهو مولى مروان بن الحكم، ويذكر أن أصلهم يهود، ويقال هم من سبى اصطخر، وهو شاعر مجود من أهل اليمامة، قدم بغداد، ومدح المهدى والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية، وله فى معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة. ت 182هـ.
الشعر والشعراء 2/ 763، والفهرست 182، والأغانى 10/ 71، ومعجم الشعراء 317، وطبقات ابن المعتز 42، وتاريخ بغداد 13/ 145، وسير أعلام النبلاء 8/ 479وما فيه، ووفيات الأعيان 5/ 189، والشذرات 1/ 301
(5) فى المطبوعتين فقط: «يفتخر»
(6) فى ف: «لا يقبل صلة إلا صلة» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «إلا صلة».(1/177)
الكريم، وأنشده ابن عبدربه أيضا (1): [الطويل]
عطايا أمير المؤمنين ولم تكن ... مقسّمة من هؤلا وأولئكا
وما نلت حتّى شبت إلّا عطيّة ... تقوم بها مصرورة فى ردائكا
وأنشد له أيضا (2) أو لغيره (3): [الطويل]
وما كان مالى من تراث ورثته ... ولا دية كانت ولا كسب مأثم
ولكن عطاء الله من كلّ رحلة ... إلى كلّ محجوب السّرادق خضرم (4)
قال أبو على (5) صاحب الكتاب. والذى (6) أعرف أن سلم بن عمرو الخاسر (7)، كتب إلى مروان / بن أبى حفصة (8):
__________
(1) البيتان فى العقد الفريد 1/ 276، دون نسبة، وليسا فى ديوان ذى الرمة، ولا الممتع، ولكنى وجدت البيت الثانى فى شعر مروان بن أبى حفصة 72ضمن قصيدة يهجو فيها سلما الخاسر، وهو له فى الأغانى 19/ 280، وفيه «وما نلت مذ صورت».
(2) سقطت كلمة «أيضا» من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) البيتان فى العقد الفريد 1/ 276، بنصهما، وينسبان فيه إلى ذى الرمة، وهما فى ديوان ذى الرمة 2/ 1183ضمن قصيدة طويلة، ولكن جاء الشطر الأول من البيت الأول هكذا: «نجائب ليست من مهور أشابة».
(4) الخضرم: الكثير الخير والمعروف [من الديوان].
(5) فى ف: «قال أبو على» وفى المطبوعتين: «قال صاحب الكتاب» وأشير فى هامشهما إلى أنه فى نسخة: «قال أبو على».
(6) من هذا التعليق يتضح أن ابن رشيق يعترض على رأى أستاذه عبد الكريم الذى يجعل البيتين اللذين يبدآن بقوله: «عطايا أمير المؤمنين» من قول ذى الرمة، وله كل الحق فى هذا الاعتراض وذلك لأن بين مولد مروان بن أبى حفصة وموت ذى الرمة اثنتى عشرة سنة، فمروان ولد 105هـ وذو الرمة مات 117هـ فهل يعقل فى مثل هذا العمر أن يكون هناك صراع بين الشاعرين، ويؤيد ذلك أيضا أنه أورد البيت الثانى بنصه فى رد مروان على سلم الخاسر كما سيأتى، وجاء الأول فى صور مختلفة.
(7) هو سلم بن عمرو بن حماد، شاعر ماجن، من الموالى، وهو من أهل البصرة، وسكن بغداد، له مدائح فى المهدى، والرشيد، وشعره رقيق رصين، ويطلق عليه «سلم الخاسر» لأنه باع مصحفا واشترى بثمنه طنبورا. ت 186هـ.
تاريخ بغداد 9/ 136، وطبقات ابن المعتز 99، والأغانى 19/ 261، ومعجم الأدباء 11/ 236، ووفيات الأعيان 2/ 350، وسمط اللآلى 2/ 787، وسير أعلام النبلاء 8/ 193، والوافى بالوفيات 15/ 302
(8) انظر الأبيات فى الأغانى 19/ 280
وكذا جاء البيت الأول فى جميع النسخ، وعلى هذا يكون قد دخله الخرم، ويسمى هنا(1/178)
[الطويل]
من مبلغ مروان عنّى رسالة ... مغلغلة لا تنثنى عن لقائكا
حبانى أمير المؤمنين بنفحة ... ثمانين ألفا طأطأت من حبائكا
ثمانين ألفا نلت من صلب ماله ... ولم تك قسما من أولى وأولئكا
فأجابه مروان عن ذلك، فقال (1): [الطويل]
أسلم بن عمرو قد تعاطيت خطّة ... تقصّر عنها بعد طول عنائكا
وإنّى لسبّاق إذا الخيل كلّفت ... مدى مئة أو غاية فوق ذلكا
فدع سابقا إن عاودتك عجاجة ... سنابكه أوهين منك السّنابكا (2)
رأيت امرءا نال اللها فحسدته ... فلم يبق إلّا أن تموت بدائكا (3)
طلبت من المهدىّ شطر حبائه ... فقال لك المهدىّ: لست هنالكا (4)
فما أعولت أمّ على ابن ولا بكى ... على يوسف يعقوب مثل بكائكا
غضضت على كفّيك حتّى كأنّما ... رزئت الّذى أعطيت من صلب مالكا
حبيت بأوقار البغال وإنّما ... سراب الضّحى ما تدّعى من حبائكا (5)
__________
الثلم، وهو حذف أول الوتد المجموع فى صدر المصراع الأول وهو قبيح فتصير «فعولن» «فعلن».
ورواية البيت فى الأغانى 19/ 280
ألاقل لمروان أتتك رسالة ... لها نبأ لا ينثنى عن لقائكا
وعلى هذا لا يكون فيه الخرم أو الثلم. وفى الأغانى جاء فى البيت الثالث: «ثمانين ألفا حزت»
(1) شعر مروان بن أبى حفصة 71و 72، مع اختلاف يسير جدا فى بعض الألفاظ.
(2) فى ص وف: «عاورتك» وما فى المطبوعتين والمغربيتين يوافق الديوان.
(3) فى ف والمطبوعتين: «نال السها».
واللها جمع مفرده لهوة وهى العطية، وقيل: هى أفضل العطاء وأجزله. [انظر اللسان فى لها]
(4) «لست هنالكا» أى لست تساوى ذلك، وهذا غض من شأنه.
(5) الأوقار جمع وقر بكسر أوله وهو الثقل يحمل على ظهر أو رأس، وقيل: الوقر: الحمل الثقيل، وعم بعضهم به الثقيل والخفيف وما بينهما. انظر اللسان فى [وقر].(1/179)
وما نلت حتّى شبت إلّا عطيّة ... تقوم بها مصرورة فى ردائكا (1)
وأقسم لولا ابن الرّبيع ورفده ... لما ابتلّت الدّلو الّتى فى رشائكا (2)
وما عبت من قسم الملوك لشاعر ... به خصّ عفوا من أولى وأولئكا
/ ومن قول مروان أيضا (3): [الكامل]
ولقد حبيت بألف ألف لم تكن ... إلّا بكفّ خليفة ووزير
مازلت آنف أن أؤلّف مدحة ... إلّا لصاحب منبر وسرير
ما ضرّنى حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذوو التّقصير
وقال آخر فيما يناسب هذا ويشاكله، ويشدّ على يد من / تمذهب به واعتقده (4): [الخفيف]
وإذا لم يكن من الذّلّ بدّ ... فالق بالذّلّ إن لقيت الكبارا (5)
وافتخر بشار بن برد فقال (6): [الطويل]
وإنّى لنهّاض اليدين إلى العلا ... قروع لأبواب الهمام المتوّج
(7) ويروى: «وإنّى لسوّار اليدين»، أى: مرتفع (7).
* * * __________
(1) البيت ثانى بيتين فى العقد الفريد 1/ 276دون نسبة، وهو ضمن قصيدة فى شعر مروان بن أبى حفصة 72يهجو فيها سلما الخاسر، وهو له فى الأغانى 19/ 280، وفيه: «وما نلت مذ صورت»، وقد سبق الحديث عن ذلك.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين جاء هذا البيت بعد البيت التالى، وكذلك فى الديوان 72، وجاء قبل البيت السابق فى الأغانى 19/ 280
(3) شعر مروان 56، ضمن قصيدة يفتخر فيها بشعره، وطبقات ابن المعتز 47، وفيهما فى البيت الأول: «لم تشب إلا بسيب خليفة» والثانى والثالث فقط فى الأغانى 10/ 90وفيه:
إنى لآنف أن أحبّر مدحة ... أبدا لغير خليفة ووزير
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أو اعتقده».
(5) البيت ثالث أربعة أبيات تنسب إلى محمود الوراق فى بهجة المجالس 1/ 174و 175، وعثرت بآخره على ديوان محمود الوراق فوجدت الأبيات فيه 76
(6) ديوان بشار 2/ 59دون اختلاف.
(77) ما بين الرقمين ساقط من ص والمغربيتين، ويبدو لى أنه الأوفق.(1/180)
باب تنقل الشعر فى القبائل
ذكر أبو عبد الله محمد بن سلّام الجمحى فى كتاب الطبقات (1)، وغيره من المؤلفين، أن الشعر كان فى الجاهلية فى ربيعة، فكان منهم مهلهل بن ربيعة (2) واسمه عدى، وقيل: امرؤ القيس وإنما سمّى مهلهلا لهلهلة شعره، أى: رقّته، وخفّته (3)، وقيل: اختلافه (4)، وقيل: بل سمى بذلك لقوله (5):
[الكامل]
لمّا توقّل فى الكراع شريدهم ... هلهلت أثأر جابرا أو صنبلا (6)
ويروى «لما توعّر فى الكلاب هجينهم».
قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السّكّرى (7): يعنى بقوله: «هجينهم» امرأ
__________
(1) انظر طبقات ابن سلام 1/ 39، 40، مع اختلاف يسير، وانظر الموشح 105
(2) هو امرؤ القيس أو عدى بن ربيعة بن الحارث بن زهير يكنى أبا ليلى، ولقب بالمهلهل لأنه أول من هلهل نسج الشعر أى: رققه، وهو خال امرىء القيس الشاعر المشهور، وكان من أصبح الناس وجها، ومن أفصحهم لسانا، ولما قتل جساس كليبا صمم على الأخذ بالثأر، وله فى ذلك أشياء عجيبة.
طبقات ابن سلام 1/ 39، والشعر والشعراء 1/ 297، والأغانى 5/ 48، والأمالى 2/ 129، ومعجم الشعراء 79، والمؤتلف والمختلف 8، والكامل 2/ 231، والاشتقاق 61و 338، والموشح 105
(3) سقطت كلمة «وخفته» من ف وانظر: الأغانى 5/ 57، والموشح 105
(4) فى ف والمطبوعتين: «لاختلافه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) البيت فى الأمالى 2/ 129، وفيه: «لما توعر فى الغبار هجينهم»، ثم ذكر أنه فى رواية:
«لما توقل فى الكراع هجينهم» ثم ذكر أن «الكراع» أنف الحرّة. والبيت فى الاشتقاق 61وفيه:
«هجينهم» وفى المؤتلف والمختلف 7واللسان فى هلل: «لما توعر فى الكراع هجينهم»، ثم ذكر فى اللسان أن الجوهرى أنشده: «لما توغل فى الكراع هجينهم» وهو كذلك فى الخزانة 4/ 377، وفى اللسان فى صنبل: «لما توقل فى الكراع هجينهم»، وقال: الصّنبل بضم الصاد وكسرها: الخبيث المنكر، وصنبل: اسم، وجاء فى التنبيه على حدوث التصحيف 40وفيه «لما توغر فى الكلاب».
وتوقل: من وقل بمعنى: تصعّد، والواقل: الصاعد بين حزونة الجبال. [انظر: اللسان فى وقل].
(6) فى ف وخ: «هلهلت ثارا».
(7) هو الحسن بن الحسين بن عبد الله بن المهلب بن أبى صفرة، يكنى أبا سعيد، ويعرف بالسكرى، كان عجيبا فى معرفة أشعار العرب، عمل أشعار الشعراء فجود وأحسن، وكان ثقة ديّنا صدوقا، يقرىء القرآن. ت 275هـ.
الفهرست 178، وطبقات الزبيدى 183، وتاريخ بغداد 7/ 296، وإنباه الرواة 1/ 291 وما فيه، ومعجم الأدباء 8/ 94، ونزهة الألباء 160وما فيه، وبغية الوعاة 1/ 502، وسير أعلام النبلاء 13/ 126وما فيه.(1/181)
القيس بن حمام (1) الذى ذكره امرؤ القيس بن حجر (2) فى شعره حيث يقول (3):
[الكامل]
عوجا على الطلل المحيل لعلّنا ... نبكى الدّيار كما بكى ابن حمام
وكان مهلهل تبعه يوم الكلاب (4)، ففاته ابن حمام بعد أن تناوله مهلهل بالرّمح، وقد كان ابن حمام أغار على بنى تغلب مع زهير بن جناب، فقتل جابرا وصنبلا.
ويروى: «لأنّنا» بمعنى «لعلنا»، وهى لغته فيما زعم بعض المؤلفين، والذى كنت (5) أعرف «لعنّنا» بالعين ونونين، وكذلك أعرف «ابن حذام» بذال معجمة / وحاء غير معجمة، كذا (6) روى الجاحظ وغيره، (7) ويروى «خذام» بالخاء والذال المعجمتين (7).
وكان (8) مهلهل أول من قصّد القصائد، وقال الفرزدق بن غالب (9):
[الكامل]
ومهلهل الشعراء ذاك الأوّل
__________
(1) فى هامش م كتب المحقق: «المعروف أنه ابن حذام، كما ستقف عليه فى كلام المؤلف، ولعله من تصحيف النساخ فيما اطلع عليه المؤلف من كتاب السكرى».
وأقول: الحق أنه قد ورد أن اسمه: «امرؤ القيس بن حمام أو ابن حذام، بالحاء المهملة أو ابن خذام، بالخاء المعجمة من فوق. انظر طبقات ابن سلام 1/ 39هامش، والشعر والشعراء 1/ 128، والمؤتلف والمختلف 8و 127، والخزانة 4/ 376والأوائل 436و 437
(2) سقط قوله: «ابن حجر» من المطبوعتين والمغربيتين.
(3) ديوان امرىء القيس 114، وفيه: «المحيل لأنّنا كما بكى ابن خذام»، وفى الشرح:
«ويروى: ابن حذام، وابن حمام».
(4) فى المطبوعتين فقط: «يوم كلاب».
(5) سقطت «كنت» من ف وم.
(6) انظر الحيوان 2/ 139و 140، وانظر التنبيه على حدوث التصحيف 40. وفى ف «كما روى».
(77) ما بين الرقمين ساقط من ص والمغربيتين.
(8) انظر الأوائل 435
(9) ديوان الفرزدق 2/ 720ط الصاوى، و 2/ 159ط دار صادر، والنقائص 1/ 200
وهذا عجز بيت صدره: «وأخو بنى قيس وهنّ قتلنه»، وأخو بنى قيس: طرفة بن العبد، وهن قتلنه، يعنى القوافى، انظر الديوان 2/ 720ط الصاوى.(1/182)
وهو خال امرىء القيس بن حجر (1) الشاعر، وجدّ عمرو بن كلثوم (2)، أبو أمه.
ومنهم المرقّشان، والأكبر منهما عمّ الأصغر، والأصغر عمّ طرفة بن العبد، واسم الأكبر / عوف بن سعد، وعمرو بن قميئة ابن أخيه، ويقال: إنه أخوه، واسم الأصغر عمرو بن حرملة، وقيل: ربيعة بن سفيان، وهذا أعرف.
ومنهم سعد بن مالك (3) الذى يقول (4): [مجزوء الكامل]
يا بؤس للحرب الّتى ... وضعت أراهط فاستراحوا
ولا أدرى هل هو عمرو بن قميئة (5)، والمرقش (6) الأكبر أم لا؟
وطرفة بن العبد، وعمرو بن قميئة، والحارث بن حلّزة، والمتلمّس، وهو خال طرفة، واسمه جرير بن عبد المسيح، والأعشى، واسمه ميمون بن قيس بن جندل، وخاله المسيّب بن علس، واسم المسيب زهير.
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ابن حجر الكندى». انظر الأوائل 435
(2) فى المطبوعتين: «ابن كلثوم الشاعر»، وفى ف «جد عمرو بن كلثوم لأمه».
(3) هو سعد بن مالك بن ضبيعة بن ثعلبة، أحد سادات بكر بن وائل وفرسانها فى الجاهلية، وكان شاعرا.
المؤتلف والمختلف 198، ومعجم الشعراء 14، والأغانى 5/ 46، وشرح ديوان الحماسة 2/ 500هامش.
(4) البيت فى الأغانى 5/ 46، والمؤتلف والمختلف 198، وشرح ديوان الحماسة 2/ 500، وينسب فى كل هذه إلى سعد بن مالك، وجاء فى معجم الشعراء 14منسوبا إليه أو لجده، وجاء أول ثلاثة أبيات فى من اسمه عمرو من الشعراء 39تحت عنوان: «ومن قول عمرو [يقصد عمرو بن مرثد ابن سعد بن مالك] ويروى لجده سعد بن مالك».
(5) فى ص: «هل هو بن عمر بن قميئة»، وفى المطبوعتين: «أبو عمرو».
وأقول: انظر عمرو بن قميّة فى من اسمه عمرو من الشعراء 31، وورد فى ذات الكتاب 106 من اسمه عمرو بن قميئة الليثى، وهو عدو رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقد شج وجهه الشريف فى غزوة أحد.
(6) المرقش الأكبر هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. انظر من اسمه عمرو من الشعراء 34(1/183)
ثم تحول الشعر فى قيس: فمنهم النابغتان، وزهير بن أبى سلمى، وابنه كعب، لأنهم ينسبونهم (1) إلى عبد الله بن غطفان واسم أبى سلمى ربيعة ولبيد، والحطيئة، والشماخ واسمه معقل بن ضرار وأخوه مزرّد واسمه جزء بن ضرار، وقيل: بل اسمه يزيد وجزء أخوهما، وكان مزرّد (2) شرّيرا يهجو ضيوفه، وهجا قومه عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال (3): [الطويل]
تعلّم رسول الله أنّا كأنّما ... أفأنا بأنمار ثعالب ذى ضحل
تعلّم رسول الله لم أر مثلهم ... أجرّ على الأدنى وأحرم للفضل
ومنهم خداش بن زهير.
ثم استقر الشعر فى تميم، ومنهم كان أوس / بن حجر شاعر مضر فى الجاهلية، لم يتقدمه أحد منهم، حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه، وبقى شاعر تميم فى الجاهلية غير مدافع.
وكان الأصمعىّ (4) يقول: أوس أشعر من زهير، ولكن النابغة طأطأ منه، وكان زهير راوية أوس، وكان أوس زوج أمّ زهير.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «ينسبون»، وما فى ص يوافق المغربيتين، وهذا النسب مذكور فى طبقات ابن سلام 1/ 106، وانظر الأغانى 10/ 309
(2) هو مزرد بن ضرار بن حرملة، واسمه «يزيد»، ويكنى أبا ضرار، أو أبا الحسن، وأطلق عليه مزرد ببيت قاله، وهو أخو الشماخ، وله أشعار وشهرة، وكان هجاء خبيث اللسان، حلف لا ينزل به ضيف إلا هجاه.
الشعر والشعراء 1/ 315، والمعارف 84، والاشتقاق 286، ومعجم الشعراء 483، والمؤتلف والمختلف 291، وسمط اللآلى 83، والخزانة 4/ 102، والأغانى 9/ 158فى ترجمة الشماخ.
وفى المطبوعتين: «وكان المزرد».
(3) البيتان فى الشعر والشعراء 1/ 315منسوبان إلى مزرد، باختلاف يسير، والأول فى الأغانى 9/ 158منسوب إلى الشماخ باختلاف يسير، وهما فى ديوان الشماخ 454فى الشعر المنسوب إليه نقلا عن الإصابة والأغانى، وهما فى الاستيعاب 4/ 1470منسوبان إلى مزرد مع اختلاف يسير.
(4) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن على بن أصمع، يكنى أبا سعيد، ويعرف بالأصمعى، نسبة إلى جده الأعلى، كان حجة فى الأدب، ولسان العرب، كما كان صاحب النحو واللغة، والغريب، والأخبار، والملح. ت 215أو 216هـ
الفهرست 60، وطبقات الزبيدى 167ونزهة الألباء 90وتاريخ بغداد 10/ 410، وإنباه الرواة 2/ 197، وبغية الوعاة 2/ 112، وسير أعلام النبلاء 10/ 175وما فيه، والشذرات 2/ 36، ووفيات الأعيان 3/ 170وما فيه، والورقة 31.(1/184)
وسئل حسان بن ثابت: من أشعر الناس؟ فقال: رجلا (1) أم حيّا؟
قيل: بل حيّا، قال: أشعر الناس حيّا هذيل، قال ابن سلام الجمحى: وأشعر هذيل أبو ذؤيب غير مدافع (2)، وحكى الجمحى قال: أخبرنى عمرو بن (3) معاذ المعمرى (4) قال: فى التوراة مكتوب أبو ذؤيب مؤلّف زورا، وكان اسم الشاعر بالسريانية (5)، فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربية وهو كثير بن إسحاق (6) فأعجب منه، وقال: بلغنى (7) ذلك.
وقال الأصمعى: قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الشعراء ألسنا (8)، وأعربهم (9) أهل السّروات، وهنّ ثلاث، وهى الجبال المطلّة على تهامة مما يلى اليمن: فأولها: هذيل: هى تلى السّهل من تهامة، ثم بجيلة السراة (10)
الوسطى، وقد شركتهم ثقيف فى ناحية منها، ثم سراة الأزد، أزد شنوءة، وهم بنو الحارث بن كعب بن الحارث بن النضر (11) بن الأزد، وقال أبو عمرو أيضا:
أفصح الناس عليا تميم، وسفلى قيس، وقال أبو زيد (12): أفصح الناس سافلة
__________
(1) فى المطبوعتين: «أرجلا».
(2) انظر قول ابن سلام وقول حسان فى طبقات ابن سلام 1/ 131
(3) سقط «عمرو بن» من ص، وفى ف والمغربيتين والمطبوعتين: «عمر»، والتصحيح من كتب التراجم المذكورة بعد فى الترجمة.
(4) هو عمرو بن معاذ التيمى المعمرى البصرى، كان من شيوخ ابن سلام، وكان شاعرا، وبصيرا بالشعر.
طبقات ابن سلام 36فى المقدمة و 1/ 98و 132، والشعر والشعراء 1/ 202، ومعجم الشعراء 29، والخزانة 4/ 379
(5) انظر هذا فى طبقات ابن سلام 1/ 132، والأغانى 6/ 264و 265، وفيه: «محمد بن معاذ العمرى» باختلاف يسير فيهما.
(6) كثير بن إسحاق أحد مشايخ ابن سلام، وكان فصيحا كثير الغريب متمكنا فى الشعر.
طبقات ابن سلام 36فى المقدمة و 1/ 132، والأغانى 6/ 265
(7) فى ف والمطبوعتين فقط: «وقال: قد بلغنى».
(8) فى ف والمطبوعتين فقط: «لسانا».
(9) فى المطبوعتين: «وأعذبهم».
(10) فى م زاد المحقق فى النص هكذا: «ثم بجيلة [فى] السراة»!!.
(11) فى ف وخ: «ابن نضر»، وفى م: «ابن نصر» بالصاد المهملة.
(12) هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير، يكنى أبا زيد الأنصارى، كان عالما بالنحو واللغة، وكان ثقة من أهل البصرة، وكان سيبويه إذا قال: «سمعت الثقة» فإنما يعنى به أبا زيد الأنصارى. ت 215هـ.(1/185)
العالية، وعالية السافلة، يعنى: عجز هوازن، قال: ولست أقول «قالت العرب» إلا ما / سمعت منهم، وإلا لم أقل «قالت العرب»، وأهل العالية أهل المدينة ومن حولها، ومن يليها، ودنا منها، ولغتهم ليست بتلك عنده.
وقوم يرون تقدمة الشعر لليمن، فى الجاهلية بامرىء القيس، وفى الإسلام بحسّان بن ثابت، وفى المولّدين / بالحسن بن هانىء (1)، وأصحابه: مسلم بن الوليد، وأبى الشيص، ودعبل، كلهم (2) من اليمن، وفى الطبقة التى تليهم بالطائيين: حبيب، والبحترى، ويختمون الشعر بأبى الطيب، وهو خاتمة الشعراء لا محالة، وكان ينسب فى كندة، وهى رواية ضعيفة، وإنما ولد فى كندة بالكوفة، فيما حكاه (3) ابن جنى، وإلا فكان غامض النسب، فيقولون: بدىء الشعر بكندة، وختم بكندة، يعنون امرأ القيس وأبا الطيب، وزعم بعض المتأخرين أنه جعفىّ، وقوم منهم الصاحب ابن عباد (4) يقولون (5): بدىء الشعر بملك، وختم بملك، يعنون امرأ القيس، وأبا فراس الحارث بن سعيد بن حمدان (6)،
__________
المعارف 545، والفهرست 60، وطبقات الزبيدى 165، وتاريخ بغداد 9/ 77، ومعجم الأدباء 11/ 212، ونزهة الألباء 101، وإنباه الرواة 2/ 30، وبغية الوعاة 1/ 582، وسير أعلام النبلاء 9/ 494وما فيه، والشذرات 2/ 34، ووفيات الأعيان 2/ 278
(1) فى ف: «بأبى نواس»، وفى هامش م قال المحقق: «هو أبو نواس».
(2) فى المطبوعتين فقط: «وكلهم».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حكى».
(4) هو إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد، يكنى أبا القاسم، ولقب بالصاحب: لأنه كان يصحب ابن العميد، أو لأنه صحب مؤيد الدولة البويهى منذ الصبا، أخذ الأدب عن ابن فارس اللغوى، وابن العميد، وغيرهما، وقد أعلى الثعالبى من شأنه، ونوه بعلو مكانته، وأهدى إليه كتابه لطائف المعارف. ت 385هـ.
الفهرست 150، ويتيمة الدهر 3/ 192، وبغية الوعاة 1/ 449، ومعجم الأدباء 6/ 168، ووفيات الأعيان 1/ 228، ومعاهد التنصيص 4/ 111، والوافى 9/ 125، وسير أعلام النبلاء 16/ 511وما فيه من مصادر.
(5) هذا بنصه فى سير أعلام النبلاء 16/ 197وينسب فى زهر الآداب 1/ 133و 134إلى عمر ابن على المطوعى.
(6) هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبى، يكنى أبا فراس، كان فارسا شجاعا، وشاعرا فحلا، اشترك فى حروب كثيرة ضد الروم، وأسر مرتين، هرب فى الأولى، وافتداه سيف الدولة فى الثانية، قتل سنة 357هـ اليتيمة 1/ 48، ووفيات الأعيان 2/ 58، والشذرات 3/ 24، والنجوم الزاهرة 4/ 19، والوافى بالوفيات 11/ 261وسير أعلام النبلاء 16/ 196وما فيه من مصادر.(1/186)
وقال آخرون: بل رجع الشعر إلى ربيعة، فختم بها، كما بدىء بها، يريدون مهلهلا وأبا فراس، وأشعر أهل المدر بإجماع من الناس واتفاق: حسان بن ثابت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ختم الشعر بذى الرّمة، والرجز برؤبة بن العجاج، وزعم يونس أن العجاج أشعر أهل الرجز والقصيد، وقال: إنما هو كلام، فأجودهم كلاما أشعرهم، والعجاج ليس فى شعره شىء يستطيع أحد أن يقول:
لو كان (1) مكانه غيره لكان (2) أجود، وذكر أنه صنع أرجوزته (3):
[الرجز]
قد جبر الدّين الإله فجبر (4)
فيها نحو من مائتى بيت، وهى موقوفة مقيّدة، قال: فلو (5) أطلقت قوافيها، وساعد فيها الوزن لكانت منصوبة كلّها.
وقال أبو عبيدة (6): إنما كان الشاعر يقول من الرجز البيتين والثلاثة أو نحو (7) ذلك، إذا حارب، أو شاتم، أو فاخر، حتى كان العجاج (8) أول من أطاله وقصّده، ونسب فيه، وذكر الديار، واستوقف الركاب عليها، ووصف ما فيها، وبكى على الشباب، ووصف الراحلة، كما فعلت / الشعراء بالقصيد، فكان فى الرّجّاز كامرىء القيس فى الشعراء.
__________
(1) فى ف: «لو كان مكان غيره»، وفى المطبوعتين: «لو كان فى مكانه».
(2) فى ص وف: «كان».
(3) فى ص فقط: «أرجوزة».
(4) الرجز فى طبقات ابن سلام 2/ 754، ومن الضائع من معجم الشعراء 91، والديوان 4 وتكملة البيت:
وعوّر الرّحمن من ولّى العور
(5) فى ف والمطبوعتين: «ولو».
(6) انظر هذا القول دون نسبته فى الأوائل 436
(7) فى المطبوعتين: «ونحو ذلك».
(8) هو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن بنى مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، يكنى أبا الشعثاء، ولقب بالعجاج ببيت قاله، وهو أول من رفع الرجز، وشبهه بالقصيد، وجعل له أوائل، وذكر الدار، ووصف ما فيها، وبكى على الشباب، كما صنعت الشعراء فى القصيد.
طبقات ابن سلام 2/ 738و 753، والشعر والشعراء 2/ 591، ومن الضائع من معجم الشعراء 91، والموشح 336(1/187)
وقال غيره: أول من طوّل الرجز الأغلب العجلى (1)، وهو قديم، وزعم الجمحى أو غيره (2)، أنه أوّل من رجز (3)، ولا أظن ذلك صحيحا لأنه إنما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونحن نجد الرجز أقدم من ذلك.
وكان أبو عبيدة يقول: افتتح الشعر بامرىء القيس، وختم بابن هرمة (4)، ولم أر أنقد من الذى قال: أشعر الناس من أنت فى شعره (5).
وأنشد ابن أبى حفصة يوما لجماعة (6) من الشعراء، وهو يقول فى واحد بعد واحد: هذا أشعر الناس، فلما كثر ذلك عليه قال: الناس أشعر الناس (7).
* * * __________
(1) هو الأغلب بن عمرو بن عبيدة من سعد بن عجل، وهو أحد المعمرين، عمّر فى الجاهلية عمرا طويلا، وأدرك الإسلام، فحسن إسلامه، وهاجر، واستشهد فى وقعة نهاوند سنة 19هـ
طبقات ابن سلام 2/ 737و 738، والشعر والشعراء 2/ 613، والاشتقاق 346، والأغانى 21/ 29، ومن الضائع من معجم الشعراء 28، والمؤتلف والمختلف 23، والخزانة 2/ 239، وشرح أبيات مغنى اللبيب 7/ 102، وسمط اللآلى 2/ 801
(2) فى ف والمطبوعتين: «وغيره»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) طبقات ابن سلام 2/ 737، واقرأ فيه تعليق العلامة الأستاذ محمود شاكر على هذا الرأى، وانظر الأوائل 436
(4) هو إبراهيم بن على بن سلمة بن هرمة بن هذيل ويكنى أبا إسحاق، وهو من الخلج، والخلج من قيس عيلان، ويقال: إنهم من قريش، فسموا الخلج لأنهم اختلجوا منهم، وكان إبراهيم من ساقة الشعراء، وكان مولعا بالشراب، وهو من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية.
الشعر والشعراء 2/ 753، والأغانى 4/ 367، وسمط اللآلى 1/ 398، والخزانة 1/ 424
(5) فى هامش م كتب المحقق تعليقا على هذا القول: [كذا]، ومن حقه ذلك لأن الكلام الذى ذكره ابن رشيق ناقص، فالذى فى الشعر والشعراء 1/ 82: «أشعر الناس من أنت فى شعره حتى تفرغ منه»، ولكن يبدو أن المؤلف نقل الكلام الناقص من التمثيل والمحاضرة 184
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «وأنشد ابن أبى حفصة جماعة».
(7) انظر الشعر والشعراء 1/ 82، وفيه أنه أنشد لزهير، والأعشى، فقال فى كل منهما: هو أشعر الناس، فلما أنشد لامرىء القيس قال: امرؤ القيس أشعر الناس [من الشعر والشعراء بتصرف].(1/188)
باب فى القدماء والمحدثين
كلّ قديم من الشعراء فهو محدث فى زمانه بالإضافة إلى من كان قبله.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد حسن (1) هذا المولّد حتى هممت أن آمر صبياننا بروايته، يعنى بذلك شعر جرير والفرزدق، فجعله مولّدا بالإضافة (2) إلى شعر الجاهلية والمخضرمين، وكان لا يعدّ الشعر إلا ما كان للمتقدمين، قال الأصمعى: جلست إليه عشر (3) حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامى.
وسئل عن المولّدين فقال: ما كان من حسن فقد سبقوا إليه، وما كان من قبيح فمن (4) عندهم، ليس النمط واحدا، ترى قطعة ديباج، وقطعة مسح (5)، وقطعة نطع (6).
هذا مذهب أبى عمرو وأصحابه، كالأصمعى، وابن الأعرابى، أعنى أنّ كلّ واحد منهم يذهب فى أهل عصره هذا المذهب، ويقدّم من قبلهم، وليس ذلك لشىء (7) إلا لحاجتهم فى الشعر إلى الشاهد، وقلّة ثقتهم بما يأتى به المولّدون، ثم صارت لجاجة.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «أحسن»، وما فى ص يوافق المصدر الآتى. وانظر هذا القول فى الشعر والشعراء 1/ 63
(2) فى ف: «بالنسبة إلى الجاهليين والمخضرمين».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ثمانى حجج»، وأشير فى هامشهما إلى أنه فى نسخة «عشر حجج»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين. انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 321
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فهو من»
(5) فى م: «مسيح» ثم كتب فى الهامش: «المسيح: المنديل الخشن، وكان فى الأصل «مسخ» [كذا].
أقول: وكان يمكن للمحقق أن يحذف النقطة التى على الحاء، لأن «المسح» هو الكساء من الشعر، ففيه خشونة، وأرى أن هذا هو الصواب: لأنه يقابل «قطعة ديباج». [انظر: اللسان فى مسح].
(6) النطع: الجلد.
(7) فى ف: «بشىء»، وفى المطبوعتين: «الشىء».(1/189)
فأما ابن / قتيبة فقال (1): لم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة (2) على زمن دون زمن، ولا خصّ (3) قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده فى كل دهر، وجعل كلّ قديم حديثا فى عصره.
ومما يؤيد كلام ابن قتيبة قول على رضى الله عنه: «لولا أن الكلام يعاد لنفد»، فليس أحد (4) أحقّ بالكلام من أحد، وإنما السّبق والشرف فى المعنى على شرائط تأتى (5) فيما بعد من الكتاب إن شاء الله.
وقول (6) عنترة (7):
[الكامل]
هل غادر الشعراء من متردّم (8)
يدل على أنه كان يعدّ نفسه محدثا، قد أدرك الشعر بعد أن فرغ الناس منه، ولم يغادروا له شيئا، وقد أتى فى هذه القصيدة بما لم يسبقه إليه متقدّم، ولا نازعه إياه متأخر.
وعلى هذا القياس يحمل قول أبى تمام وكان إماما فى هذه الصناعة (9)
غير مدافع (10):
[السريع]
يقول من تقرع أسماعه ... كم ترك الأوّل للآخر!!
__________
(1) الشعر والشعراء 1/ 63
(2) فى ف والمغربيتين والمطبوعتين: «لم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة»، وما فى ص يوافق ما جاء فى الشعر والشعراء.
(3) فى الشعر والشعراء: «ولا خصّ به قوما»، وهو الأوفق.
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «فليس أحدنا».
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «نأتى بها».
(6) معطوف على قوله: (قول على»، أو مستأنف.
(7) هو عنترة بن شداد بن معاوية العبسى، وهو أحد أغربة العرب، ولم يلحقه أبوه بنسبه إلا بعد الكبر، وكان من أشد أهل زمانه، وأجودهم بما ملكت يداه، وشهد حرب داحس والغبراء، وأبلى فيها بلاء حسنا.
طبقات ابن سلام 1/ 152، والشعر والشعراء 1/ 250، والأغانى 8/ 237، وشرح القصائد السبع الطوال 293، وجمهرة أشعار العرب 347، ولطائف المعارف 104، ونوادر المخطوطات 2/ 210، وخزانة الأدب 1/ 128، ومسائل الانتقاد 93، والمؤتلف والمختلف 225
(8) ديوان عنترة 182، وهذا صدر بيت، وعجزه: «أم هل عرفت الدّار بعد توهّم».
(9) فى ص: «الصنيعة»، ويبدو أن الناسخ كتبها على طريق نطق المغاربة بالإمالة!!
(10) ديوان أبى تمام 2/ 161(1/190)
فنقض قولهم: «ما ترك الأول للآخر شيئا».
وقال فى مكان آخر فزاده بيانا وكشفا للمراد (1): [الطويل]
فلو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت
حياضك منه فى العصور الذّواهب (2)
ولكنّه صوب العقول إذا انجلت
سحائب منه أعقبت بسحائب (3)
وإنما مثل القدماء والمحدثين مثل (4) رجلين، ابتدأ هذا بناء فأحكمه، وأتقنه، ثم أتى الآخر فنقشه وزيّنه، فالكلفة ظاهرة على هذا وإن حسن، والقدرة ظاهرة على ذاك (5) وإن خشن.
وسمعت القاضى أبا الفضل جعفر بن أحمد النحوى، وقد سئل / عن ذى الرّمّة وأبى تمام، فأجاب بجواب يقرب معناه من هذا لم أحفظه.
وقال أبو محمد الحسن بن علىّ بن وكيع (6) وقد ذكر أشعار المولّدين: إنما تروى لعذوبة ألفاظها، ورقّتها، وحلاوة معانيها، وقرب / مأخذها، ولو سلك المتأخرون مسلك المتقدمين فى غلبة الغريب على أشعارهم، ووصف المهامه، والقفار، والإبل (7)، وذكر الوحوش والحشرات ما رويت
__________
(1) ديوان أبى تمام 1/ 214، وانظر الآراء النقدية حولهما فى الهامش، ثم انظر استشهاد الحصرى بهما فى زهر الآداب 1/ 108وانظر فيهما الموازنة 3/ 2/ 693و 694وانظر فى الثانى الموازنة 1/ 102و 3/ 2/ 701
(2) قرت: جمعت.
(3) فى ف: «ولكنها»، وفى زهر الآداب: «ولكنه فيض».
وصوب العقول: أى فيضها.
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «كمثل».
(5) فى ف والمطبوعتين: «ذلك».
(6) هو الحسن بن على بن أحمد بن محمد بن خلف، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن وكيع، وهو لقب جده أبى بكر محمد بن خلف، أصله من بغداد، ومولده ووفاته بتنّيس، يقول عنه الثعالبى:
«شاعر بارع، وعالم جامع، قد برع على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد فى أوانه» ت 393هـ
يتيمة الدهر 1/ 372، ووفيات الأعيان 2/ 104، وسير أعلام النبلاء 17/ 64
(7) سقطت كلمة «والإبل» من المطبوعتين والمغربيتين. وما فى ص وف يوافق المنصف 174(1/191)
لأن المتقدمين أولى بهذه المعانى، ولا سيما (1) مع زهد الناس فى الأدب فى هذا العصر وما قاربه، وإنما تكتب أشعارهم لقربها من الأفهام، وأن الخواصّ فى معرفتها كالعوام، فقد صار صاحبها بمنزلة صاحب الصوت المطرب، يستميل أمّة من الناس إلى استماعه، وإن جهل الألحان، وكسر الأوزان، وقائل الشعر الحوشى بمنزلة المغنّى الحاذق بالنغم غير المطرب الصوت، يعرض عنه إلا من عرف فضل صنعته، على أنه إذا وقف على فضل صنعته لم يصلح لمجالس اللذّات، إنما يجعل معلّما للمطربات من القينات، يقوّمهنّ بحذقه، ويستمتع بحلوقهن دون حلقه، ليسلمن من الخطأ فى صناعتهن، ويطربن بحسن أصواتهن (2).
وهذا التمثيل الذى مثّله ابن وكيع من (3) أحسن ما وقع، إلا أن أوّله من قول أبى نواس (4): [الكامل]
صفة الطلول بلاغة الفدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم (5)
لا تخدعنّ عن الّتى جعلت ... سقم الصّحيح وصحّة السّقم
__________
(1) فى ص: «لا سيما»، والتعبيران صحيحان، بل يجوز حذف الواو و «لا» وتخفيف «سى» انظر ضياء السالك إلى أوضح المسالك 2/ 209، وما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين يوافق المنصف.
(2) اقرأ كلام ابن وكيع هذا فى كتاب المنصف 174، وهناك اختلاف يسير.
(3) سقطت «من» من ف.
(4) هو الحسن بن هانىء، مولى الحكم بن سعد العشيرة من اليمن، يكنى أبا نواس، واشتهر بكنيته، وقد انقطع إلى والبة بن الحباب الذى عنى بتأديبه، فلما مات والبة لزم خلفا الأحمر، فحمل عنه علما كثيرا، وأدبا واسعا. ت 198أو 199أو 200هـ.
الشعر والشعراء 2/ 796، وطبقات ابن المعتز 193، وتاريخ بغداد 7/ 436، والموشح 407، والفهرست 182، والأغانى 20/ 60وأخبار أبى نواس لابن منظور ضمن كتاب الأغانى 29/ 9831 (ط دار الشعب) ونوادر المخطوطات 2/ 296، وسير أعلام النبلاء 9/ 279وما فيه من مصادر، ومسائل الانتقاد 133، ووفيات الأعيان 2/ 95، ومعاهد التنصيص 1/ 83
(5) ديوان أبى نواس 57و 58مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.
وفى ف والمطبوعتين ومغربية: «القدم» بالقاف، وما فى ص ومغربية يوافق الديوان. والفدم من الناس: العيى عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم. ومن معانيه: الغليظ السمين الأحمق الجافى. انظر اللسان فى [فدم].(1/192)
تصف الطلول على السّماع بها ... أفذو العيان كأنت فى الحكم؟
وإذا وصفت الشىء متّبعا ... لم تخل من سقط ومن وهم (1)
ولم أر فى هذا النوع أحسن من فصل أتى به عبد الكريم بن إبراهيم / فإنه قال (2): وقد (3) تختلف المقامات والأزمنة والبلاد، فيحسن فى وقت مالا يحسن فى وقت (4)، ويستحسن عند أهل بلد ما لا يستحسن عند أهل غيره، ونجد الشعراء الحذّاق تقابل كل زمان بما استجيد فيه، وكثر استعماله عند أهله، بعد أن لا تخرج من حسن الاستواء، وحدّ الاعتدال، وجودة الصنعة.
وربما استعملت فى بلد ألفاظ لا تستعمل كثيرا فى غيره، كاستعمال أهل البصرة بعض كلام أهل فارس فى أشعارهم، ونوادر حكاياتهم.
قال: والذى أختاره أنا التجويد (5)، والتحسين الذى يختاره علماء الناس بالشعر، ويبقى غابره على الدهر، ويبعد عن الوحشىّ المستكره، ويرتفع عن المولّد المنتحل، ويتضمن المثل السائر، والتشبيه المصيب، والاستعارة الحسنة.
قال أبو على (6) صاحب الكتاب: وأنا أرجو أن أكون باختيار هذا الفصل وإثباته هاهنا داخلا فى جملة المميّزين، إن شاء الله، فليس من أتى بلفظ محصور تعرفه (7) طائفة من الناس دون طائفة، لا يخرج من بلده، ولا يتصرف من مكانه كالذى لفظه / سائر فى كل أرض، معروف بكل مكان.
وليس التوليد والرّقّة أن يكون الكلام ركيكا (8) سفسافا، ولا باردا غثّا، كما
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «لم تخل من غلط»، والبيت ساقط من المغربيتين.
(2) لم أجد هذا القول فى كتاب الممتع.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: (قد)، بإسقاط الواو.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ما لا يحسن فى آخر».
(5) فى خ والمغربيتين: «التجريد»، وأشار محقق م فى الهامش إلى أنه «فى الأصلين المطبوعتين «التجريد» بالراء المهملة»
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «قال صاحب الكتاب».
(7) فى ف والمطبوعتين: «يعرفه» بالمثناة التحتية، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «رقيقا».(1/193)
ليست الجزالة والفصاحة أن يكون حوشيّا خشنا، ولا غريبا (1) جافيا، ولكن حالا بين (2) حالين.
ولم يتقدم امرؤ القيس، والنابغة، والأعشى إلا بحلاوة الكلام وطلاوته، مع البعد من السّخف والركاكة، على أنهم لو أغربوا لكان ذلك محمولا عنهم إذ هو طبع من طباعهم، فالمولّد المحدث على هذا إذا صح كان لصاحبه الفضل البيّن بحسن الاتباع، / ومعرفة الصواب، مع أنه أرقّ حوكا، وأحسن ديباجة.
* * * __________
(1) فى ف والمطبوعتين: «أعرابيا»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حال».(1/194)
باب المشاهير من الشعراء
والشعراء أكثر من أن يحاط بهم عددا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم، وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على سائر من كان فى زمانهم (1).
ولكل واحد (2) منهم طائفة تفضّله، وتتعصّب له، وقلّما يجتمع على واحد، إلا ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلّم فى امرئ القيس «أنه أشعر الشعراء، وقائدهم إلى النار» (3)، يعنى: شعراء الجاهلية والمشركين.
قال دعبل بن على الخزاعى: ولا يقود قوما إلا أميرهم.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: للعباس بن عبد المطلب رحمه الله وقد سأله عن الشعراء (4): «امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصحّ بصر».
قال عبد الكريم: «خسف لهم» (5) من «الخسيف»، وهى البئر التى حفرت فى حجارة، فخرج منها ماء كثير، وجمعها «خسف»، وقوله: «افتقر» أى: فتح، وهو من الفقير، وهو فم القناة، وقوله: «عن معان عور» يريد (6) أن امرأ القيس من اليمن، وأن اليمن ليست لهم فصاحة نزار، فجعل لهم معانى (7)
عورا، فتح منها امرؤ القيس أصح بصر، قال: وامرؤ القيس يمانىّ النسب، نزارىّ
__________
(1) فى ف: «فى زمانه»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أزمانهم».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أحد».
(3) اقرأ هذا الحديث وتخريجه الطويل جدا فى الشعر والشعراء 1/ 126و 127، ولولا هذا الطول لنقلته، كما لا يصح اختصاره، فرحم الله الشيخ أحمد شاكر الذى خرّج هذا الحديث تخريجا علميا مفيدا. واقرأ شرحه فى المجازات النبوية 112، وانظر المحاضرات 1/ 1/ 82
(4) جاء قوله: «خسف لهم عين الشعر» فى الشعر والشعراء 1/ 127، وجاء قوله: «فافتقر عن معان عور أصح بصر» فى اللسان فى [فقر].
(5) فى ف: «خسف عين الشعر»، وانظر هذا القول فى المزهر 2/ 478باختلاف يسير جدا.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يعنى».
(7) فى ف وخ: «فجعل لهم معان عورا» [كذا]، وفى م كتب المحقق كلمة «معانى» بين معقوفين هكذا: [معانى]، وهذا شىء عجيب!!(1/195)
الدار والمنشأ، وفضّله علىّ رضى الله عنه بأن قال: «رأيته أحسنهم نادرة، وأسبقهم بادرة، وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة».
وقد قال العلماء بالشعر: إن امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق إلى أشياء فاستحسنها الشعراء، واتبعوه فيها لأنه قيل: أول من لطف المعانى، واستوقف على الطلول، ووصف / النساء بالظباء، والمها، والبيض، وشبّه الخيل بالعقبان والعصىّ، وفرق بين النسيب وما سواه من القصيدة، وقرّب مأخذ الكلام، فقيّد الأوابد، وأجاد الاستعارة والتشبيه (1).
وروى (2) الجمحى (3) أن سائلا سأل الفرزدق: من أشعر الناس؟ قال:
ذو القروح، قال: حين يقول ماذا؟ قال: حين يقول (4): [الوافر]
وقاهم جدّهم ببنى أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
/ وأما دعبل فقدّمه بقوله فى وصف عقاب: (5) [البسيط]
ويلمّها من هواء الجوّ طالبة
ولا كهذا الّذى فى الأرض مطلوب (6)
وهذا عنده أشعر بيت قالته العرب.
__________
(1) انظر ما قاله الأستاذ محمود شاكر فى طبقات ابن سلام 1/ 55، فى هذا الشأن، فقد أوضح أنه وإن كان امرؤ القيس يشهد له بذلك، إلا أننا لا نستطيع أن نقول إنه الأول فيه وذلك نظرا لضياع كثير من الشعر القديم قبل امرىء القيس، وانظر قول العمدة فى المزهر 2/ 478و 479وانظر حلية المحاضرة 1/ 205والأوائل 436و 437
(2) فى م: «روى»، بحذف الواو.
(3) انظر هذا القول فى طبقات ابن سلام 1/ 52وما بعدها، والشعر والشعراء 1/ 119و 120، والمزهر 2/ 479
(4) ديوان امرىء القيس 138، وذو القروح هو امرؤ القيس، أطلق عليه ذلك لأن جسده تهرأ من الحلة المسممة التى أهداها له قيصر الروم.
(5) ديوان امرىء القيس 227فى الشعر المنحول، فقد قيل إن القصيدة التى منها البيت هى لإبراهيم بن بشير الأنصارى.
(6) فى شرح الديوان 227: «قالوا: قول العرب: «ويلمّه» اللفظ به ذم، وهو فى الظاهر عندهم مدح.
والويل فى التفسير: واد فى جهنم. والجو. جو السماء، وهو الفضاء، والهواء: ما مددت فيه بصرك من أعلى.
والطالبة: العقاب. وقوله: «ولا كهذا» يريد الذئب، يقول: ولم أر كنجائه وهربه منها نجاء وهو مطلوب.(1/196)
وسئل لبيد (1) من أشعر الناس؟ قال: الملك الضّلّيل، قيل: ثم من؟
قال: الشاب القتيل (2)، قيل: ثم من؟ قال: الشيخ أبو عقيل، يعنى نفسه.
وكان (3) الحذّاق يقولون: الفحول فى الجاهلية ثلاثة، وفى الإسلام ثلاثة متشابهون: زهير والفرزدق، والنابغة والأخطل، والأعشى وجرير.
وكان (4) خلف الأحمر يقول: الأعشى أجمعهم. وقال أبو عمرو بن العلاء: مثله مثل البازى، يضرب كبير الطير وصغيره، وكان أبو الخطاب الأخفش (5) يقدمه جدا، لا يقدم عليه أحدا.
وحكى (6) الأصمعى عن ابن أبى طرفة: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا كلب، وزاد قوم:
وجرير إذا غضب.
وقيل (7) لكثير أو لنصيب من أشعر العرب؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب.
وكان أبو بكر رضى / الله عنه يقدم النابغة، ويقول (8): هو أحسنهم شعرا وأعذبهم بحرا، وأبعدهم قعرا.
__________
(1) طبقات ابن سلام 1/ 54، وجمهرة أشعار العرب 1/ 164، والعقد الفريد 5/ 270، باختلاف يسير، وفى المزهر 2/ 479دون اختلاف.
(2) المقصود به «طرفة»، فقد قتل فى العشرين، أو تجاوزها بقليل.
(3) انظر المزهر 2/ 479
(4) انظر هذه الفقرة كلها فى طبقات ابن سلام 1/ 63و 64
(5) هو عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش، يكنى أبا الخطاب، وهو الأخفش الأكبر، وهو مولى قيس بن ثعلبة، كان إماما فى العربية قديما، وقد لقى الأعراب، وأخذ عنهم، وعن أبى عمرو بن العلاء وطبقته، وأخذ عنه سيبويه، وكان ديّنا ورعا ثقة، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله. ت 177هـ أو غيرها.
طبقات الزبيدى 40، وإنباه الرواة 2/ 157، والنجوم الزاهرة 2/ 86، وبغية الوعاة 2/ 74، وسير أعلام النبلاء 7/ 323
(6) انظر هذا القول فى العقد الفريد 5/ 271، وينسب فيه إلى الحطيئة.
(7) انظر هذا القول دون نسبته إلى كثير فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 81
(8) انظر هذا القول بذات النسبة فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 82(1/197)
وسئل الفرزدق مرة: من أشعر العرب؟ فقال: بشر بن أبى خازم (1)، قيل له: بماذا؟ قال: بقوله (2): [الوافر]
ثوى فى ملحد لا بدّ منه ... كفى بالموت نأيا واغترابا
ثم سئل جرير، فقال: بشر بن أبى خازم، قيل له: بماذا؟ قال:
بقوله (3): [الوافر]
رهين بلى وكلّ فتى سيبلى ... فشقّى الجيب وانتحبى انتحابا
فاتفقا على بشر بن أبى خازم، كما ترى (4).
وقال محمد بن أبى الخطاب (5) فى كتابه الموسوم ب «جمهرة أشعار العرب»: إن أبا عبيدة قال: أصحاب السبع التى تسمى «السمط»: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة. قال:
وقال المفضل (6): من زعم أن فى السبع التى تسمى «السّمط» لأحد غير هؤلاء فقد أخطأ (7).
__________
(1) هو بشر بن أبى خازم الأسدى، وهو جاهلى قديم، كاد يكون فحلا، جعلت له جعالة ليهجو أوس بن حارثة الجواد المعروف، فهجاه بعدة قصائد، ثم قدر عليه أوس، فأشارت عليه أمه بإطلاق سراحه، ففعل، فقال له بشر: لا جرم لا أمدح أحدا غيرك حتى أموت، وقد جعله ابن سلام فى الطبقة الثانية من شعراء الجاهلية.
طبقات ابن سلام 1/ 97، والشعر والشعراء 1/ 270، والمؤتلف والمختلف 77، والموشح 80، وسمط اللآلى 2/ 664، والخزانة 4/ 441، وشرح أبيات مغنى اللبيب 1/ 66
(2) ديوان بشر بن أبى خازم 27دون اختلاف.
(3) ديوان بشر بن أبى خازم 27، وفيه: «فأذرى الدمع وانتحبى».
(4) انظر هذا والذى قبله بنصه تقريبا فى حلية المحاضرة 1/ 249
(5) هو محمد بن أبى الخطاب القرشى، يكنى أبا زيد، مؤلف كتاب جمهرة أشعار العرب، وقد سكتت عن ترجمته كل كتب التراجم، فلا تجد له ذكرا فيها، وقد اختلف فى زمن وفاته.
راجع مقدمة جمهرة أشعار العرب بتحقيق الدكتور محمد على الهاشمى من 2913، من الجزء الأول ومقدمة جمهرة أشعار العرب تحقيق على البجاوى من 97
(6) هو المفضل بن عبد الله بن محمد المجبرى، يكنى أبا عبد الله، وهو أحد أساتذة صاحب الجمهرة، ولا ندرى عنه شيئا إلا ما ذكره الدكتور محمد على الهاشمى فى مقدمة الجمهرة 1/ 26، و 1/ 140
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فقد أبطل»، وجاء هذا القول فى الجمهرة بتحقيق الهاشمى 1/ 218، على هذا النحو: «فمن زعم أن فى السبع لغيرهم فقد أبطل»، وفى تحقيق البجاوى: «فمن زعم(1/198)
فأسقطا (1) من أصحاب المعلقات عنترة، والحارث بن حلزة، وأثبتا (2)
الأعشى، والنابغة.
وكانت المعلقات تسمى «المذهّبات» (3): وذلك أنها (4) اختيرت من سائر الشعر، فكتبت فى القباطى بماء الذهب، وعلّقت على الكعبة، فلذلك يقال: «مذهّبة فلان»، إذا كانت أجود شعره، ذكر ذلك غير واحد من العلماء، وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة (5) يقول: علقوا لنا هذه لتكون فى خزانته.
وقال الجمحى فى كتابه (6): سأل عكرمة بن جرير أباه جريرا: من أشعر الناس؟ قال: أعن الجاهلية تسألنى أم عن (7) الإسلام؟ قال: ما أردت إلا الإسلام، فإذ (8) ذكرت الجاهلية فأخبرنى عن أهلها، قال: زهير شاعرهم، قال:
قلت: فالإسلام؟ قال: الفرزدق نبعة الشعر (9)، قلت: / فالأخطل؟ قال:
يجيد مدح الملوك، ويصيب صفة الخمر، قلت: فما تركت لنفسك؟ قال: دعنى فإنى / أنا (10) نحرت الشعر نحرا.
وكتب الحجاج بن يوسف إلى قتيبة بن مسلم (11) يسأله عن أشعر شعراء
__________
أن فى السبعة شيئا لأحد غيرهم فقد أخطأ».
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «فأسقط».
(2) فى المطبوعتين فقط: «وأثبت».
(3) انظر العقد الفريد 5/ 269، والمزهر 2/ 480
(4) فى المطبوعتين فقط: «لأنها».
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «قصيدة الشاعر».
(6) طبقات ابن سلام 1/ 64و 65، والأغانى 8/ 34و 10/ 289و 290باختلاف يسير فى الجميع، والمزهر 2/ 480، وهناك ما يشبه هذا القول فى الجمهرة 1/ 221، والموشح 207
(7) سقطت «عن» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(8) فى ص وف وخ والمغربيتين «فإذا»، واعتمدت ما فى م لموافقته ما جاء فى المصادر السابقة.
(9) فى ف والمطبوعتين فقط: «نبعة الشعر فى يده». والنبعة: شجرة تنبت فى قلّة الجبل تتخذ القسى من أعوادها. [من هامش الطبقات 1/ 65بتصرف].
(10) سقطت كلمة «أنا» من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق الطبقات.
(11) هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة الباهلى، يكنى أبا حفص، كان أحد الأبطال الشجعان، ومن ذوى الدهاء والحزم والرأى، وقد نال أعلى الرتب بكمال الحزم والعزم وكثرة الفتوحات والأدب، لا بمكانة النسب، وهو الذى فتح بخارى، وخوارزم، وسمرقند، وقد ولى خراسان عشر سنين. قتل سنة 96هـ.(1/199)
الجاهلية (1)، وأشعر شعراء وقته، فقال: أشعر (2) الجاهلية امرؤ القيس، وأضربهم مثلا طرفة، وأما شعراء الوقت: فالفرزدق أفخرهم، وجرير أهجاهم، والأخطل أوصفهم (3).
وأما الحطيئة فسئل (4) عن أشعر الناس، فقال: أبو دؤاد (5) حيث يقول: (6) [الخفيف]
لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
وهو وإن كان فحلا قديما، وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه، ويروى شعره فلم يقل فيه أحد مقالة الحطيئة.
وسأله ابن عباس مرة أخرى، فقال: الذى يقول (7): [الطويل]
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم
وليس الذى يقول (8): [الطويل]
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أىّ الرّجال المهذّب؟
__________
المعارف 406ومعجم الشعراء 212والمؤتلف والمختلف 132و 133وسير أعلام النبلاء 4/ 410 وما فيه، ووفيات الأعيان 4/ 86، والشذرات 1/ 112، والنجوم الزاهرة 1/ 233، وخزانة الأدب 9/ 8684، و 11/ 410400
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عن أشعر الشعراء فى الجاهلية».
(2) فى ف والمطبوعتين فقط: «أشعر شعراء».
(3) انظر المزهر 2/ 481
(4) انظر الشعر والشعراء 1/ 238، والأغانى 16/ 378، ولباب الآداب 2/ 19
(5) هو جارية أو جويرية بن الحجاج، وقيل: هو حنظلة بن الشرقى، يكنى أبا دؤاد، شاعر قديم من شعراء الجاهلية، كان وصافا للخيل، وأكثر أشعاره فى وصفها، وله فى غير وصفها تصرف.
الشعر والشعراء 1/ 237، والأغانى 16/ 373، والموشح 104، والاشتقاق 168، والمؤتلف والمختلف 166، وسمط اللآلى 2/ 879، والخزانة 9/ 590، وشرح أبيات مغنى اللبيب 5/ 192
(6) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 238، والمؤتلف والمختلف 166، والأغانى 16/ 379، والخزانة 9/ 590، والأصمعيات 187، والحماسة البصرية 2/ 214، ولباب الآداب 2/ 19، والمنتحل 171
(7) هو زهير، والبيت فى ديوانه 30، وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 306
(8) هو النابغة الذبيانى، والبيت فى ديوانه 74(1/200)
بدونه، ولكن الضّراعة أفسدته، كما أفسدت جرولا، وو الله (1) لولا الجشع لكنت أشعر الماضين، وأما الباقون فلا أشك (2) أنى أشعرهم، فقال (3) ابن عباس: كذلك أنت يا أبا مليكة.
وزعم ابن أبى الخطاب (4) أن أبا عمرو يقول (5): أشعر الناس أربعة:
امرؤ القيس، والنابغة، وطرفة، ومهلهل. قال: وقال المفضل: سئل الفرزدق، فقال: امرؤ القيس أشعر الناس، وقال جرير: النابغة أشعر الناس، وقال الأخطل:
الأعشى أشعر / الناس، وقال ابن أحمر (6): زهير أشعر الناس، وقال ذو الرمة:
لبيد أشعر الناس، (7) وقال ابن مقبل: طرفة أشعر الناس (7)، وقال الكميت: عمرو ابن كلثوم أشعر الناس.
وهذا يدلك على اختلاف الأهواء، وقلّة الاتفاق.
وكان ابن أبى إسحاق (8) وهو عالم ناقد، ومقدّم (9) مشهور
__________
(1) فى ف: «ولا والله» وفى المطبوعتين: «والله» بواو واحدة.
(2) فى ف: «وأما الباقون فإنى أشعرهم»، وفى المطبوعتين: «فلا شك».
(3) فى ف والمطبوعتين: «قال».
(4) فى ص: «ابن الخطاب أبا عمر».
(5) الجمهرة 1/ 218، وفيه: «وعن المفضل، عن أبيه قال: كان أبو عبيدة يقول:»
وهناك اختلاف وتقديم وتأخير، وفى المطبوعتين: «كان يقول».
(6) هو عمرو بن أحمر بن العمرد الباهلى، يكنى أبا الخطاب، أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازى الروم، وأصيبت إحدى عينيه هناك، ونزل الشام، وتوفى على عهد عثمان رضى الله عنه بعد أن بلغ سنا عالية، وهو صحيح الكلام، كثير الغريب.
طبقات ابن سلام 2/ 571و 580، والشعر والشعراء 1/ 356، ومعجم الشعراء 24، والموشح 119والمؤتلف والمختلف 44وسمط اللآلى 1/ 307، والخزانة 6/ 257، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 135
وفى ف وخ: «ابن أحمد».
(77) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين والمغربيتين.
(8) هو عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمى البصرى، يكنى أبا بحر، ويعرف بابن أبى إسحاق، وهى كنية والده، وهو مولى آل الحضرمى، وهم حلفاء بنى عبد شمس بن عبد مناف، كان أول من بعج النحو، ومد القياس، وشرح العلل، وكان يطعن على العرب، ويعيب على الفرزدق، وينسبه إلى اللحن. ت 117أو 127هـ
طبقات ابن سلام 1/ 14، وطبقات الزبيدى 31، وبغية الوعاة 2/ 42
(9) فى ف والمطبوعتين: «ومتقدم»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/201)
يقول (1): أشعر الجاهلية مرقّش، وأشعر الإسلاميين كثيّر.
وهذا غلوّ مفرط، غير أنهم مجمعون على أنه أول من أطال المدح.
وسأل عبد الملك بن مروان الأخطل: من أشعر الناس؟ فقال: العبد العجلانى يعنى: ابن مقبل (2) قال: بم ذاك؟ قال: وجدته فى بطحاء الشعر والشعراء على الحرفين، قال: أعرف ذلك (3) له كرها.
وقيل لنصيب مرّة: من أشعر العرب؟ فقال: أخو تميم يعنى علقمة بن عبدة، وقيل: أوس بن حجر، وليس لأحد من الشعراء بعد امرىء القيس ما لزهير، والنابغة، والأعشى فى النفوس.
والذى أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوى (4) أن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيرا، والنابغة، وكان أهل العالية (5) لا يعدلون بالنابغة أحدا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا (6).
وروى ابن سلّام يرفعه (7) عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال لى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه: أنشدنى لأشعر شعرائكم، قلت: ومن (8) هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير، قلت: وكان (9) كذلك؟ / قال: كان لا يعاظل (10) بين الكلام، ولا يتتبع حوشيّه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه.
__________
(1) طبقات ابن سلام 1/ 52
(2) فى ف وخ: «تميم بن مقبل»، وفى م «تميم بن [أبى بن] مقبل».
(3) سقطت «ذلك» من ص، وفى ف: «أعرف له ذلك».
(4) هذا القول فى طبقات ابن سلام 1/ 52، ولكن ابن رشيق زاد عن الطبقات قوله: «وكان أهل العالية لا يعدلون».
(5) العالية: يقصد بها المدينة.
(6) قوله: «وكان أهل العالية» ليس فى الطبقات.
(7) انظر طبقات ابن سلام 1/ 63، والأغانى 10/ 288و 289و 290
(8) فى المطبوعتين فقط: «من» بحذف الواو، وهى توافق الطبقات، وجاءت الواو فى الأغانى.
(9) فى ف والمطبوعتين: «ولم كان كذلك»، وفى الأغانى: «وبم كان كذلك؟»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.
(10) فى الأغانى: «قال الأصمعى: يعاظل بين الكلام يداخل فيه، ويقال: يتبع حوشى الكلام، ووحشى الكلام، والمعنى واحد» وفى هامشه: يعاظل الكلام: يحمل بعضه على بعض،(1/202)
ثم قال ابن سلّام على عقب هذا الكلام (1): قال أهل النظر (2): كان زهير أحصفهم شعرا، وأبعدهم / من سخف، وأجمعهم لكثير من المعانى فى قليل من المنطق، وأشدّهم مبالغة فى المدح.
قال أبو على صاحب الكتاب (3): فإذا (4) قوبل آخر كلام عمر بآخر هذا الكلام تناقض قصد (5) المؤلف أعنى: ابن سلام لأن عمر إنما وصفه بالحذق فى صناعته، والصدق فى منطقه لأنه لا يحسن فى صناعة الشعر أن يعطى الرجل فوق حقه من المدح لئلا يخرج الأمر إلى التّنقّص والازدراء (6)، كما أخذ ذلك على أبى الطيب وغيره آنفا، وقد فسد الوقت، ومات أرباب الصناعة، فما ظنك والناس ناس، والزمان زمان؟!، وسيرد عليك فى مكانه من هذا الكتاب، إن شاء الله.
وقد استحسن عمر الصّدق لذاته، ولما فيه من مكارم الأخلاق، والمبالغة بخلاف ما وصف (7)، ويشدّ (8) قول عمر رضى الله عنه فى زهير أنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه استحسانا لصدقه ما جاء به الأثر من (9) أنّ رجلا قال لزهير: إنى سمعتك تقول لهرم:
__________
ويتكلم بالرجيع من القول، ويكرر اللفظ والمعنى، أو يعقده.
(1) انظر طبقات ابن سلام 1/ 64
(2) فى ص: «أهل الكلام»، وما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين يوافق ما جاء فى الطبقات.
(3) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب».
(4) فى ف: «إذا» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وإذا».
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قول».
(6) فى ف والمطبوعتين: «والإزراء»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) يقول الأستاذ محمود شاكر رحمه الله فى طبقات ابن سلام 1/ 64فى الهامش رقم 4 ردا على رأى ابن رشيق: «ولم يذهب ابن سلام إلى المبالغة الذميمة، بل أراد الاجتهاد فى تصحيح معنى المدح، وتوفيته حقه».
(8) فى ص: «ويشهد قول»، وهو خطأ من الناسخ، وفى م: «ويشهد لقول»، ثم قال المحقق فى الهامش: «وفى المطبوعتين: ويشد قول» وهو كما ترى.
(9) سقطت «من» من المطبوعتين والمغربيتين.(1/203)
[الكامل]
ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولجّ فى الذّعر (1)
وأنت لا تكذب فى شعرك، فكيف جعلته أشجع من الأسد؟ فقال: إنى رأيته فتح مدينة وحده (2)، وما رأيت أسدا فتحها قط!!! فقد خرّج لنفسه طريقا إلى الصدق، وعدّى (3) عن المبالغة (4).
والذى أعرف أنا أن البيت المتقدم ذكره لأوس بن حجر، والحكاية عنه، ومثلها عن عمران بن حطّان الخارجى (5)، لما سألته امرأته: كيف قلت (6):
[مجزوء الكامل]
فهناك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامه (7)
__________
(1) البيت فى ديوان زهير 89، والأغانى 10/ 304، وفيهما جاء الشطر الأول هكذا: «ولنعم حشو الدرع أنت إذا»، وفى شرح ثعلب للديوان قال: «ويروى: «ولأنت أشجع من أسامة إذ دعيت» وجاء البيت خامس ستة أبيات فى البيان والتبيين 1/ 189، منسوبة إلى المسيب بن علس، وفيه جاء الشطر الثانى هكذا: «نقع الصراخ ولج فى الذعر»، ثم ذكر المحقق أن الأبيات تنسب إلى المسيب، والأعشى، ولكن الثالث والخامس ينسبان إلى زهير، وجاء البيت بنصه فى اللسان فى [اسم] منسوبا إلى زهير.
(2) يقول محقق م فى الهامش: «أية مدينة فتحها هرم وحده؟».
وأقول: له الحق فى هذا الاستنكار، وانظر هذا التفسير العجيب فى الصناعتين 239
(3) فى م: «وبعدا»، ولا أعرف من أين أتى بها المحقق!!
(4) أين الطريق إلى هذا الخروج الذى يدعيه ابن رشيق؟ إن الكذب فى البيت أخف من الكذب فى الرد!!
(5) هو عمران بن حطان بن ظبيان السدوسى البصرى، يكنى أبا شهاب، كان من أعيان العلماء، لكنه من رءوس الخوارج، وقال عنه أحد الشعراء: عمران بن حطان من أشعر الناس لأنه لو أراد أن يقول مثلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله. ت 84هـ
الأغانى 18/ 109، والكامل 3/ 167وفيه كلام كثير عنه، وسير أعلام النبلاء 4/ 214وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 1/ 95، وخزانة الأدب 5/ 350، والنجوم الزاهرة 1/ 216
(6) البيت مع الحكاية جاء فى الكامل مرتين: الأولى فى 2/ 207، وفيها: «فكذاك مجزأة»، والأخرى فى 3/ 128، وهى مثل التى معنا.
(7) هناك تعريف فى الكامل 2/ 207فى الهامش يقول: «مجزأة بن ثور، جعل له عمر رحمه الله رياسة بكر، فلما أسنّ مجزأة فعل عثمان بن عفان رضى الله عنه ذاك مع ابنه شقيق بن مجزأة، وقتل رحمه الله على شستر هو والبراء بن مالك، وكانا من أبطال المسلمين».(1/204)
وصدر بيت زهير (1): [الكامل]
ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ فى الذّعر (2)
/ إلا أن تكون الأخرى رواية فلا أبعدها لأن زهيرا كان يتوكأ على أوس فى كثير من شعره، وهى رواية الجمحى (3)، لا أظن غير ذلك.
فأما بيت زهير فى هذا المعنى فهو (4): [الكامل]
ولأنت أشجع حين تتّجه ال ... أبطال من ليث أبى أجر (5)
وأما النابغة فقال من يحتج له: كان أحسنهم ديباجة شعر، وأكثرهم رونق كلام، (6) وأجزلهم بيتا، كأن شعره كلام ليس فيه تكلّف (6).
(7) وزعم أصحاب الأعشى أنه أكثرهم عروضا، وأذهبهم فى فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة، ومدحا، وهجاء، وفخرا، وصفة (7).
وقال بعض متقدّمى العلماء: الأعشى أشعر الأربعة، قيل له: فأين الخبر عن النبى صلى الله عليه وسلّم (8) أن امرأ القيس بيده لواء الشعراء (9)؟ قال (10): بهذا الخبر صحّ
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «زهير بن أبى سلمى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) ديوان زهير 89، وقد سبق التعليق عليه.
(3) لم أجد أحد الأبيات الأربعة فى طبقات ابن سلام.
(4) ديوان زهير 94بشرح ثعلب.
(5) فى هامش م كتب المحقق: «الليث: الأسد، والأجرى: جمع جرو بفتح فسكون وأصله أجرو بضم الراء فقلبت الضمة كسرة لتنقلب الواو ياء، ومثله دلو وأدل».
(66) ما بين الرقمين سقط من المطبوعتين والمغربيتين، وجاء مكانه: «وأذهبهم فى فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة ومدحا وهجاء وفخرا وصفة»
وما فى ص وف يوافق ما جاء فى طبقات ابن سلام 1/ 56، والشعر والشعراء 1/ 157
(77) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين والمغربيتين، ويلاحظ أن هناك تداخلا فى المطبوعتين فى ذكر أوصاف الأعشى للنابغة. انظر التعليق السابق. وقد جاء وصف الأعشى هذا فى طبقات ابن سلام 1/ 65
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم».
(9) فى ص وف: «لواء الشعر» وما فى المطبوعتين يوافق الشعر والشعراء، والحديث فى الشعر والشعراء 1/ 126، كالآتى: «ذاك رجل مذكور فى الدنيا، شريف فيها، منسىّ فى الآخرة، خامل فيها، يجىء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار». وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تخريج الحديث، فلينظر هناك.
(10) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فقال». وانظر الرد فى المحاضرات 1/ 1/ 82ولكن عن غير الأعشى.(1/205)
للأعشى ما قلت وذلك أنه ما من حامل لواء إلّا على / رأس أمير، فامرؤ القيس حامل اللواء، والأعشى الأمير.
وقالت طائفة من المتعقبين: الشعراء ثلاثة: جاهلى، وإسلامى، ومولّد، فالجاهلى امرؤ القيس، والإسلامى ذو الرّمّة، والمولّد ابن المعتز. وهذا قول من يفضّل البديع، وبخاصة (1) التشبيه على جميع فنون الشعر.
وطائفة أخرى تقول: بل الثلاثة: الأعشى، والأخطل، وأبو نواس، وهذا مذهب أصحاب الخمر وما ناسبها، ومن يقول بالتصرف وقلّة التكلّف.
وقال قوم: بل الثلاثة: مهلهل، وابن أبى ربيعة، وعباس بن الأحنف، وهذا قول من يؤثر الأنفة، وسهولة الكلام، والقدرة على الصنعة / والتجويد فى فنّ واحد، ولولا ذلك لكان شيخ الطبع أبو العتاهية مكان عباس لكن أبا العتاهية تصرف.
وليس فى المولّدين أشهر اسما من الحسن أبى نواس، ثم حبيب، والبحترى، ويقال: إنهما أخملا فى زمانهما خمسمائة شاعر، كلهم مجيد، ثم تبعهما (2) فى الاشتهار ابن الرومى، وابن المعتز، فطار اسم ابن المعتز حتى صار كالحسن فى المولّدين، وامرئ القيس فى القدماء، فإن هؤلاء الثلاثة لا يكاد يجهلهم أحد من الناس، ثم جاء المتنبى، فملأ الدنيا، وشغل الناس.
والاشتهار بالشعر أقسام وجدود (3)، ولولا ذلك لم يكن نصر الخبزرزّى أشهر من منصور النمرى، وكلثوم العتابى، وأبى يعقوب الخريمى (4)، وأبى سعد (5) المخزومى.
__________
(1) فى خ فقط: «بخاصة» بحذف الواو، ونظرا لأن محقق م قد اعتمد على ذات النسخة خ فإنه قد كتب واوا بين معقوفين هكذا: [و] بخاصة»!!
(2) فى المطبوعتين فقط: «يتبعهما».
(3) فى ف والمطبوعتين: «وحدود» بالحاء المهملة، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) هو إسحاق بن حسان، ويكنى أبا يعقوب، وكان يرجع إلى نسب كريم فى الصغد، وكان له ولاء فى غطفان، فكان مولى لابن خريم، الذى يقال له: خريم الناعم. ت 214هـ.
الشعر والشعراء 2/ 853، وتاريخ بغداد 6/ 326،، وطبقات ابن المعتز 293وما فيه، وزهر الآداب 2/ 1071، والورقة لابن الجراح 109، ومعاهد التنصيص 1/ 252.
(5) هو عيسى بن خالد بن الوليد، من ولد الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى، يكنى أبا سعد(1/206)
وفوق هؤلاء كلّهم طبقة فى السّنّ، أشهرهم وأشعرهم بشار بن برد، وليس يفضّل على الحسن مولّد سواه، هكذا (1) روى الجاحظ (2) وغيره من العلماء.
ومن طبقة بشار: مروان بن أبى حفصة، وأبو دلامة الأعرابى (3)
واسمه زند (4) بن الجون، وقيل: زبد (5) بالباء معجمة بواحدة ساكنة ومتحركة، حكاه المرزبانى والسيد الحميرى، وسلم الخاسر، وأبو العتاهية، وجماعة يطول بهم الشرح، ليس فيهم مثله.
ومن طبقة أبى نواس: عباس بن الأحنف، ومسلم بن الوليد صريع الغوانى، والفضل الرقاشى، وأبان اللاحقى، وأبو الشيص، والحسين بن الضحاك الخليع، ودعبل، ونظراء هؤلاء، ساقتهم دعبل، ليس فيهم نظير أبى نواس.
وأما طبقة حبيب، والبحترى، وابن المعتز، وابن الرومى، فطبقة متداركة، قد تلاحقوا، وغطّوا على من سواهم، حتى نسى معهم بقية من أدرك أبا نواس، كابن المعذل، وهو من فحول المحدثين، وصدورهم المعدودين غمره /
__________
المخزومى وعرف بكنيته، وقد اشتد الهجاء بينه وبين دعبل، وقيل: إن بنى مخزوم تبرأوا منه خوفا من لسان دعبل، فتبرأ هو منهم أيضا.
الأغانى 20/ 164وما بعدها فى ترجمة دعبل، ومعجم الشعراء 98، والبيان والتبيين 3/ 250 وفيه: «وقال أبو سعد دعىّ بنى مخزوم»، وطبقات ابن المعتز 294وما فيه، ونهاية الأرب 3/ 91
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أبى سعيد»، وقد أشير إلى ذلك فى نهاية الأرب فقط، وما فى ص وف يوافق كتب التراجم.
(1) فى خ والمغربيتين: «كذا»، وفى م: «وكذا».
(2) قرأت تفضيل الجاحظ لبشار ثلاث مرات: منها اثنتان فى البيان والتبيين 1/ 50و 51، والثالثة فى الحيوان 4/ 456و 457، فى أثناء حديثه عن خطأ أبى نواس فى شعره.
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «وأبو دلامة زيد بن الجون الأعرابى».
(4) فى ف وخ والمغربيتين: «زيد»، بالمثناة التحتية، وقد أشار محقق م فى الهامش إلى ذلك فقال: «فى جميع الأصول «زيد» بالياء المثناة من تحت، وهو خطأ». وأقول: يقصد بالأصول المطبوعات التى رجع إليها، انظر التعليق الآتى.
(5) لم أجد فى مصادر ترجمته من يسميه باسم «زبد» بالموحدة التحتية، كما لم أجد ذلك فى معجم الشعراء، ولا فى من الضائع من معجم الشعراء، ولكن هناك من يسميه باسم «زيد»، وقد أشير إلى ذلك فى مصادر ترجمته.(1/207)
حبيب ذكرا واشتهارا، وكأبى هفّان أيضا، أدرك أبا نواس، ولحق البحترى فستره، وكذلك الجمّاز، وللجمّاز يقول أبو نواس (1):
[مجزوء الرمل]
سقّنى يا ابن أذين ... من سلاف الزّرجون
وديك الجن، وهو شاعر الشام، لم يذكر مع أبى تمام إلا مجازا، وهو أقدم منه، وقد كان أبو تمام أخذ عنه أمثلة من شعره يحتذى عليها فسرقها، ودعبل ما أصاب مع أبى تمام طريقا على تقدّمه فى السّنّ والشهرة، ولم يذكر من أصحاب ابن الرومى، وابن المعتز إلا من ذكر بسببهما فى مكاتبة أو مناقضة.
وأما أبو الطيب فلم يذكر معه شاعر / إلا أبو فراس وحده، ولولا مكانه من السلطان لأخفاه، وكان الصّنوبرى، والخبزرزّى مقدّمين عليه للسّنّ، ثم سقطا عنه، على أن الصّنوبرى (2) يسمّى حبيبا الأصغر لجودة شعره، ولقيه مرّة بالمصيصة (3) أو غيرها فقال له يهزأ به: أنت صاحب بعاذين (4)؟ يريد قصيدته (5):
__________
(1) ديوان أبى نواس 70وفيه: «من شراب» وفى الهامش: «ابن أذين: خمار قطربل.
والزرجون: كلمة فارسية معناها: الشراب الذهبى».
وفى ف والمطبوعتين فقط: «اسقنى»، وهو يوافق الديوان، وفى ف وخ: «الزرجوان».
(2) هو أحمد بن محمد بن الحسن الضبى الحلبى، المعروف بالصنوبرى، ويكنى أبا بكر، كان جده «الحسن» صاحب بيت الحكمة للمأمون، فتكلم بين يديه، فأعجبه كلامه وشكله، فقال: إنك لصنوبرى الشكل، فلزمه هذا اللقب، وقد أجاد الصنوبرى إجادة كبيرة فى وصف الزهور والرياحين. ت 334هـ.
الفهرست 194، والشذرات 2/ 335، وتهذيب ابن عساكر 1/ 456، وعبر الذهبى 2/ 237، وفوات الوفيات 1/ 122، وله شعر كثير فى زهر الآداب.
(3) المصيصة: مدينة على شاطىء جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس [معجم البلدان].
(4) فى الجميع: «بغادين» [كذا] بغين معجمة فألف فدال مهملة، وهو تصحيف، والتصحيح من المصدرين الآتيين بعد. انظر التعليق الآتى وما بعده.
(5) ديوان الصنوبرى 489، ومعجم البلدان فى بعاذين بعين مهملة فألف فذال معجمة.(1/208)
[مجزوء الوافر]
شربنا فى بعاذين ... على تلك الميادين (1)
لما فيها من المجون والخلاعة، فقال له الصّنوبرى: وأنت (2) صاحب الطرطبّة، يريد قصيدته (3): [المجتث]
ما أنصف القوم ضبّه ... وأمّه الطرطبّه (4)
لما فيها من اللين (5) والركاكة، ولكل كلام وجه وتأويل، ومن التمس عيبا وجده، وقيل: بل قال له: أنت صاحب جاخا؟ قال: نعم، قال: أنت شاعر بلدك، يريد قوله فى صفة الوعل (6): [الخفيف]
ذاك أم أعصم كأن مدرياه ... حين عاجا على القذالين جاخا (7)
* * *
__________
(1) فى ص: «ببغاذين»، وفى ف والمطبوعتين ومغربية: «فى بغادين»، وفى المغربية الأخرى:
«شربنا بغادين»، واعتمدت ما فى الديوان ومعجم البلدان وبعاذين بالفتح، والذال معجمة مكسورة، وياء ساكنة، ونون: من قرى حلب لها ذكر فى الشعر [انظر معجم البلدان].
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أنت»، بحذف الواو.
(3) ديوان المتنبى 1/ 204
(4) ضبة: هو ضبة بن يزيد العتبى، والطرطبة: القصيرة الضخمة، وقيل: المسترخية الثديين، وقيل هى الطويلة الثدى، يريد فى قصة هذا الرجل أن قوما من العرب قتلوا أباه يزيد، ونكحوا أمه، وكان ضبة غدارا بكل من نزل به، واجتاز أبو الطيب به فامتنع منه بحصن له، وكان يجاهر بشتمه، وشتم من معه، وأرادوا أن يجيبوه بألفاظه القبيحة، وسألوا ذلك أبا الطيب، فتكلفه لهم على كراهية منه [من شرح الديوان].
(5) سقطت كلمة «اللين» من م.
(6) ديوان الصنوبرى 471
(7) فى الديوان: «هن أو أعصم حاخا»، بحاء مهملة فى الأول، ويبدو أنه خطأ مطبعى.
وجاخ: من جوخ. تقول: جاخ السيل الوادى يجوخه جوخا: جلخه، وقلع أجرافه،
وجاخه يجيخه جيخا: أكل أجرافه، فالكلمة واوية ويائية. انظر اللسان فى [جوخ].(1/209)
/ باب المقلّين من الشعراء والمغلّبين
ولما كان المشاهير من الشعراء كما قدمت أكثر من أن يحصوا ذكرت من المقلّين وأصحاب الواحدة من وسع ذكره فى هذا الموضع، ونبّهت على بعض المغلّبين منهم لما تدعو إليه حاجة التأليف، وتقتضيه عادة التصنيف، غير مفرّط، ولا مفرط، إن شاء الله تعالى (1).
فمن المقلّين فى الشعر: طرفة بن العبد، وعبيد بن الأبرص، وعلقمة (2)
الفحل، وعدىّ بن زيد، وطرفة أفضل الناس واحدة عند العلماء، وهى المعلّقة (3):
[الطويل]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد (4)
وله سواها يسير لأنه قتل صغيرا حول العشرين فيما روى، وأصح ما فى ذلك قول أخته (5) ترثيه (6): [الطويل]
عددنا له ستّا وعشرين حجّة ... فلمّا توفّاها استوى سيّدا ضخما (7)
فجعنا به لمّا رجونا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما (8)
أنشده المبرد (9)، والقحم: المتناهى فى السّنّ.
__________
(1) سقط قوله: «تعالى» من المطبوعتين.
(2) فى ف والمطبوعتين: «علقمة بن عبدة الفحل».
(3) ديوان طرفة 6، وشرح القصائد السبع الطوال 132، والجمهرة 1/ 420، وعجز البيت:
«تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد».
(4) البرقة: أرض ذات حجارة وطين، وثهمد: موضع بعينه، أو جبل. انظر: المصادر السابقة.
(5) هى الخرنق بنت بدر بن هفان وهى أخت طرفة من جهة الأم، وزوجها بشر بن عمرو بن مرثد وقتل بشرا وبنيه بنو والبة من بنى أسد فى يوم قلاب.
سمط اللآلى 2/ 780، والخزانة 5/ 51، وفيه اسمها «الخرنق بنت هفان».
وفى ف: «أخته الخرنق».
(6) ديوان الخرنق 19، 20وفيه التخريج.
(7) فى الديوان: «خمسا وعشرين حجة»، وفى الهامش عن الشريشى مثل ما فى العمدة، وفيه «فلما توفى واستوى».
(8) فى الديوان: «لما انتظرنا إيابه»، وفى الهامش عن الشريشى مثل ما فى العمدة.
(9) البيتان بنصهما فى الكامل 1/ 258(1/210)
وعبيد بن الأبرص (1) قليل الشعر فى أيدى الناس على قدم ذكره، وعظم شهرته، وطول عمره، يقال: إنه عاش ثلاثمائة سنة، وكذلك أبو دؤاد، وعبيد الذى أجاب امرأ القيس عن قوله حين قتلت بنو أسد أباه حجرا: (2)
[الوافر]
وأفلتهنّ علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب (3)
فقال له عبيد، وقرعة بقسيم من شعره (4): [الوافر]
فلو أدركت علباء بن قيس ... قنعت من الغنيمة بالإياب
لأن امرأ القيس قد كان قال (5): [الوافر]
وقد طوّفت فى الآفاق حتّى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
/ وقتل عبيدا النعمان بن المنذر (6) يوم بؤسه، وقيل: عمرو بن هند.
__________
(1) هو عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدى، يكنى أبا دودان، وكان عبيد شاعرا جاهليا قديما من المعمرين، وشهد مقتل «حجر» أبى امرئ القيس، وهو عظيم الذّكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب، وقد قتله المنذر بن ماء السماء.
طبقات ابن سلام 1/ 136و 138، والشعر والشعراء 1/ 267، والمعارف 649، والأغانى 22/ 81، والأمالى 3/ 195، والمؤتلف والمختلف 63، و 227، وسمط اللآلى 1/ 439، والخزانة 2/ 215، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 197
(2) ديوان امرىء القيس 138، والشعر والشعراء 1/ 116
(3) فى ص: «ولئن أدركنه»، والتصحيح من الديوان والشعر والشعراء وف والمطبوعتين.
وأفلتهن: يعنى الخيل التى كانت تطلبه فلم تدركه، الجرض والجريض: غصص الموت، يريد أفلتهن مجهودا يكاد يقضى. صفر: خلا. الوطاب: جمع وطب، وهو سقاء اللبن، يريد أنه مات، فلم تملأ وطابه، أو بقى جسمه صفرا من حياته، كما يخلو الوطب من اللبن. [من الشعر والشعراء 1/ 116]، ويكاد يكون مثله فى طبقات ابن سلام 1/ 53، وعلباء المذكور فى البيت: هو علباء بن الحارث أحد قتلة حجر [هامش م]. و [هامش الطبقات 1/ 53]
(4) ديوان عبيد بن الأبرص 44
(5) ديوان امرئ القيس 99
(6) الذى قتله هو المنذر بن ماء السماء، وقد سبق التنبيه إلى ذلك فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 44(1/211)
وعلقمة بن عبدة خاصم (1) امرأ القيس فى شعره (2) إلى امرأته، فحكمت عليه لعلقمة، فطلّقها، وتزوجها علقمة، فسمّى الفحل لذلك، وقيل:
بل كان فى قومه آخر يسمّى علقمة الخصىّ (3) من ربيعة الجوع.
ولعلقمة الفحل / ثلاث قصائد مشهورات (4): إحداهن قوله (5):
[الطويل]
ذهبت من الهجران فى غير مذهب (6)
ويروى: «فى كل مذهب» (7)، وفى هذه القصيدة وقع الحكم له على امرئ القيس.
والثانية قوله (8): [الطويل]
طحابك قلب فى الحسان طروب
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «حاكم».
(2) فى ف: «شعر».
(3) هو علقمة بن سهل، أحد بنى ربيعة بن مالك ربيعة الجوع ويكنى أبا الوضاح، وكان بعمان، وسبب خصائه أنه أسر باليمن فهرب، فظفر به، ثم هرب مرة أخرى، فأخذ فخصى، فهرب ثالثة، وقد شهد على قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين بشرب الخمر، فحدّه عمر.
طبقات ابن سلام 1/ 139هامش، والشعر والشعراء 1/ 220، والمؤتلف والمختلف 227، والاشتقاق 218، والخزانة 3/ 283
(4) انظر طبقات ابن سلام 1/ 139
(5) سقطت كلمة «قوله» من ف والمطبوعتين.
(6) المذكور صدر بيت عجزه: «ولم يك حقا كل هذا التجنب»، والبيت فى طبقات ابن سلام 1/ 139، والشعر والشعراء 1/ 218، والخزانة 3/ 282. وفى تلك الكتب: «فى كل مذهب»، والبيت فى الأغانى 21/ 202، وشرح أبيات مغنى اللبيب 7/ 113، وفيهما «فى غير مذهب» وديوانه 52وفى ف والمطبوعتين: «فى كل مذهب».
(7) فى ف والمطبوعتين: «ويروى فى غير مذهب».
(8) المذكور صدر بيت عجزه: «بعيد الشباب عصر حان مشيب»، والبيت فى طبقات ابن سلام 1/ 139، والشعر والشعراء 1/ 221، والمفضليات 391، والأغانى 21/ 201، وديوانه 23
وطحا همه: ذهب به كل مذهب [من هامش طبقات ابن سلام].(1/212)
والثالثة قوله (1): [البسيط]
هل ما علمت وما استودعت مكتوم؟
وأما عدىّ بن زيد (2)، فلقربه من الريف، وسكناه الحيرة فى حيّز النعمان بن المنذر، لانت ألفاظه، فحمل عليه كثير، وإلا فهو مقلّ، ومشهوراته أربع (3): قوله (4): [الخفيف]
أرواح مودّع أم بكور؟ (5)
وقوله (6): [الطويل]
أتعرف رسم الدّار من أمّ معبد (7)؟
وقوله (8): [الخفيف]
ليس شئ على المنون بباق (9)
__________
(1) المذكور صدر بيت عجزه: «أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم»، والبيت فى طبقات ابن سلام 1/ 139و 140، والمفضليات 397، والأغانى 21/ 199و 203، وديوانه 33
(2) هو عدى بن زيد بن حمار أو ابن حماز أو ابن حمّاد من زيد مناة، كان يسكن بالحيرة، ويدخل الأرياف، وكان ترجمان أبرواز ملك فارس وكاتبه بالعربية، وهو تميمى نصرانى جاهلى، وأحد فحول الشعر الجاهلى.
طبقات ابن سلام 1/ 137و 140، والشعر والشعراء 1/ 225و 228، والمعارف 649فى ترجمة النعمان بن المنذر، والأغانى 2/ 97، وخزانة الأدب 1/ 381وما بعدها، ومعاهد التنصيص 1/ 315، وسير أعلام النبلاء 5/ 110وما فيه من مصادر، وسمط اللآلى 1/ 221، والموشح 102، وشرح أبيات مغنى اللبيب 4/ 48
(3) هذا القول كله فى طبقات ابن سلام 1/ 140، والشعر والشعراء 1/ 225وما بعدها، ولكنه يخالف فى الرابع فيأتى فيه بقوله «طال ليلى».
(4) ديوان عدى بن زيد 84، وطبقات ابن سلام 1/ 140، والشعر والشعراء 1/ 225
(5) هذا صدر بيت عجزه كما فى الديوان: «لك فأعلم لأى حال تصير»، وفى الطبقات:
«أنت فأعلم»، وفى الشعر والشعراء: «لك فاعمد لأى حال».
(6) ديوان عدى بن زيد 102، وطبقات ابن سلام 1/ 141، والشعر والشعراء 1/ 226
(7) هذا صدر بيت عجزه فى الديوان: «نعم فرماك الشوق بعد التجلد» وفى الطبقات والشعر والشعراء: «قبل التجلد».
(8) ديوان عدى بن زيد 150، والطبقات 1/ 141، والأغانى 2/ 116
(9) هذا صدر بيت عجزه فى الديوان: «غير وجه المسبّح الخلّاق» وكذا فى الطبقات والأغانى.(1/213)
وقوله (1): [المنسرح]
لم أر مثل الفتيان فى غبن ال ... أيّام ينسون ما عواقبها (2)
وقال بعض العلماء أحسبه أبا عمرو: عدىّ (3) فى الشعراء مثل سهيل فى النجوم، يعارضها، ولا يجرى معها (4).
هؤلاء أشعارهم كثيرة فى ذاتها، قليلة فى أيدي الناس، ذهبت بذهاب الرواة الذين يحملونها.
ومن المقلّين المحكمين: سلامة بن جندل (5)، وحصين بن الحمام المرّى، والمتلمّس (6)، والمسيّب بن علس، كل أشعارهم قليل فى ذاته جيد الجملة.
__________
(1) ديوان عدى بن زيد 45، والطبقات 1/ 142، والشعر والشعراء 1/ 226، والأغانى 2/ 147
(2) فى ص: «لم أر مثل فى غبن» بإسقاط «الفتيان»، وفى ف والمطبوعتين: «فى غير الأيام» وفى الطبقات: «فى غبّر الأيام»، وما فى ص يوافق الديوان والشعر والشعراء والأغانى، وفى الديوان «لم أر كالفتيان».
وغير الأيام: أحوال الدهر المتغيرة، وغبن الأيام: ضعف الرأى والنسيان والغفلة، أو الخديعة والختل، وغبّر: جمع غابر وهو الباقى [من هامش الطبقات 1/ 142بتصرف].
(3) فى م: «وعدى».
(4) انظر هذا القول فى الشعر والشعراء 1/ 230، والموشح 102، وفى الأغانى 2/ 97، نسب القول إلى الأصمعى وأبى عبيدة، ونقل هذا صاحب الخزانة 1/ 382عن الأغانى.
(5) هو سلامة بن جندل من بنى عامر بن عبيد ابن زيد مناة بن تميم، ويكنى أبا مالك، جاهلى قديم، وهو من فرسان تميم المشهورين، وكان سلامة أحد من يصف الخيل فيحسن، وقد وضعه ابن سلام فى الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية.
طبقات ابن سلام 1/ 155، والشعر والشعراء 1/ 272، وسمط اللآلى 1/ 49و 454، والخزانة 4/ 29، والمؤتلف والمختلف 42فى ترجمة أخيه الأحمر بن جندل.
(6) هو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله من بنى ضبيعة، وأخواله بنو يشكر، وكان ينادم عمرو بن هند، ملك الحيرة، هو وطرفة بن العبد وهو ابن أخت المتلمس فهجواه، فكتب لهما إلى عامله بالبحرين كتابين، أوهمهما أنه أمر لهما فيهما بجوائز، وكان قد كتب يأمره بقتلهما، وفى أثناء الطريق دفع المتلمس الصحيفة لغلام من أهل الحيرة ليقرأها، فلما أعلمه بما فيها ألقاها فى نهر الحيرة، وأمر طرفة أن يفعل مثله فلم يوافق فلقى حتفه، وقد صنفه ابن سلام فى الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية، وكان له ابن يقال له: عبد المنان أو عبد المدان، وكان المتلمس أول من حث على البخل.
طبقات ابن سلام 1/ 155، والشعر والشعراء 1/ 179و 181، والأغانى 24/ 260، وخزانة الأدب 6/ 345، وسمط اللآلى 1/ 302، والمؤتلف والمختلف 95، والموشح 109، والاشتقاق 317، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 260وما بعدها.(1/214)
ويروى عن أبى عبيدة أنه قال (1): اتفقوا على أن أشعر المقلين فى الجاهلية ثلاثة: المتلمس، والمسيب بن علس، وحصين بن الحمام المرّى.
وأما أصحاب الواحدة فطرفة أوّلهم / عند الجمحى (2)، وهو الحكم الصواب، ومنهم عنترة، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، من أصحاب (3)
المعلقات المشهورات، وعمرو بن معديكرب (4)، صاحب:
[الوافر]
أمن ريحانة الدّاعى السّميع (5)؟
والأسعر (6) بن [أبى] (7) حمران الجعفى (8)، صاحب المقصورة:
[الكامل]
هل بان قلبك من سليمى فاشتفى (9)؟
__________
(1) هذا القول عن أبى عبيدة تجده فى الشعر والشعراء 1/ 182
(2) انظر هذا فى طبقات ابن سلام 1/ 138، ومثله فى الشعر والشعراء 1/ 185و 190
(3) فى ف: «وأصحاب»، وفى ص: «أصحاب» واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين.
(4) هو عمرو بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو الزبيدى، يكنى أبا ثور، كان ذا منزلة رفيعة بين قومه، ولما ظهر الإسلام أسلم، ثم ارتد فيمن ارتد من العرب، ثم عاد إلى الإسلام، وأبلى بلاء حسنا فى حرب القادسية، ويقال: مات فى القادسية، أو فى نهاوند، إما قتيلا، وإما عطشا سنة 21هـ.
الشعر والشعراء 1/ 372، والأغانى 15/ 208، والمؤتلف والمختلف 234، ومعجم الشعراء 15، وسمط اللآلى 1/ 63، وخزانة الأدب 2/ 444، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 109، والاشتقاق 411
(5) ديوان عمرو بن معديكرب 128، والشعر والشعراء 1/ 372، والأصمعيات 172، وتأويل مشكل القرآن 297، وحلية المحاضرة 1/ 174
والمذكور صدر بيت عجزه: «يؤرقنى وأصحابى هجوع» والمقصود بريحانة أخته، وكانت تحت الصمة بن الحارث، فولدت له دريد بن الصمة، وعبد الله [الشعر والشعراء 1/ 372] وفى هامش الديوان: ريحانة: امرأته المطلقة.
(6) فى ف وخ: «الأشعر بن حمدان».
(7) زيادة من م والمصادر المذكورة فى الترجمة، وأول المقصورة ليصح الاسم.
(8) هو مرثد بن الحارث الذى يكنى أبا حمران ابن معاوية، ولقب بالأسعر لقوله:
فلا يدعنى قومى لسعد بن مالك ... لئن أنا لم أسعر عليهم وأثقب
الاشتقاق 408والمؤتلف والمختلف 58، وسمط اللآلى 1/ 94، والأصمعيات 140، والمزهر 2/ 438، وفيه يطلق عليه «الأشعر» بالشين المثلثة.
(9) المقصورة فى الأصمعيات 140، وليس فيها ما ذكره المؤلف.(1/215)
وسويد (1) بن أبى كاهل (2)، صاحب:
[الرمل]
بسطت رابعة الحبل لنا (3)
والأسود بن يعفر (4)، صاحب: [الكامل]
نام الخلىّ فما أحسّ رقادى (5)
وله شعر كثير، إلا أنه لا ينتهى إلى قصيدته هذه بحالة (6).
وكان امرؤ القيس مقلّا، كثير المعانى والتصرف، لا يصح له إلا نيّف
__________
(1) فى خ والمغربيتين: «وسهيل» [كذا].
(2) هو سويد بن أبى كاهل، وهو سويد بن غطيف بن حارثة من بنى يشكر بن بكر وائل، يكنى أبا سعد وكان إذا غضب على قومه ادعى إلى غطفان، وهو شاعر مخضرم، عاش فى الجاهلية وأدرك الإسلام، وعمر فى الإسلام ستين سنة بعد الهجرة، وكانت العرب تفضل قصيدته هذه، وسميت فى الجاهلية اليتيمة.
طبقات ابن سلام 1/ 152، والشعر والشعراء 1/ 421، والأغانى 13/ 102، والاشتقاق 340، وسمط اللآلى 1/ 313، وخزانة الأدب 6/ 125، والمفضليات 190، ولباب الآداب 335
(3) طبقات ابن سلام 1/ 152، والمفضليات 191، والأغانى 13/ 101و 102، والخزانة 6/ 126، وحلية المحاضرة 1/ 174
وهذا صدر بيت عجزه: «فوصلنا الحبل منها ما اتسع» وفى الطبقات: «فمددنا الحبل».
(4) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل، يكنى أبا الجراح، أو أبا نهشل، وكان أعمى، وهو شاعر متقدم، فصيح من شعراء الجاهلية، وكان ينادم النعمان بن المنذر، جعله ابن سلام فى الطبقة الخامسة.
طبقات ابن سلام 1/ 143و 147، والشعر والشعراء 1/ 255، والأغانى 13/ 15، والمفضليات 215، والمؤتلف والمختلف 16، ونوادر المخطوطات 2/ 288، ومسائل الانتقاد 102، وسمط اللآلى 1/ 114و 248، وخزانة الأدب 1/ 405
(5) البيت فى طبقات ابن سلام 1/ 147، والمفضليات 216، والأغانى 13/ 15و 18، والخزانة 1/ 406، وفى الجميع «وما أحس» والمذكور صدر بيت عجزه: «والهمّ محتضر لدىّ وسادى» والمحتضر: الحاضر.
(6) سقطت كلمة «بحالة» من ف والمطبوعتين، وكتبت فى ص والمغربيتين «بحيلة» بالإمالة على طريقة المغاربة فى النطق، وفى المغربيتين: «إلا أنه لا ينتهى هذه بحيلة» [كذا].(1/216)
وعشرون شعرا، بين طويل وقطعة، ولا ترى شاعرا يكاد يفلت من حبائله، وهذه زيادة فى فضله وتقديمه.
وأما المغلّبون: فمنهم نابغة بنى جعدة، ومعنى المغلّب: الذى لا يزال مغلوبا، قال امرؤ القيس (1): [الطويل]
فإنّك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب (2)
يعنى: أنه إذا قدر لم يبق، فإذا (3) قالوا: غلّب (4) فلان فهو الغالب، وقد غلّب (5) على الجعدى أوس بن مغراء القريعى، وغلّبت عليه ليلى الأخيلية، قال الجمحى: وغلّب عليه من لم يكن إليه فى الشعر، ولا قريبا منه: عقال بن خالد (6) العقيلىّ، وكان مفحما، غلبه بكلام لا بشعر (7)، وهجاه سوّار بن أوفى القشيرى (8)، وهجاه وفاخره الأخطل.
__________
(1) ديوان امرئ القيس 44وفيه: «وإنك». وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 246 و 325
(2) فى ف: «وإنك»، وهو مثل الديوان، وانظر ما قيل حول البيت فى البيان والتبيين 2/ 312، واللسان فى [غلب] وفيهما «وإنك».
(3) اقرأ هذا القول كله فى طبقات ابن سلام 1/ 125و 126مع اختلاف يسير.
(4) فى ص وف وضعت شدة على لام «غلب» وانفردت ص بوضع ضمة على الغين، وفى الطبقات 1/ 125، يقول ابن سلام: «وإذا قالت العرب: مغلّب، فهو مغلوب. وإذا قالوا: غلّب، فهو غالب»، ومثله بالنص فى الموشح 91، وانظر ما قاله يونس بن حبيب فى البيان والتبيين 1/ 374 و 2/ 312و 3/ 11و 4/ 84، وانظر اللسان. وفى م: «غلب» [كذا].
(5) انظر طبقات ابن سلام 1/ 126125، والاشتقاق 25
(6) فى ف والمطبوعتين: «خويلد»، وهو يخالف ما فى الطبقات، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات، ولم أعثر له على ترجمة.
(7) فى ف: «العقيلى وكان بكلام لا بشعر»، وفى خ ومغربية: «وكان مفحما عليه بكلام»، وفى م: «وكان مفحما بكلام لا بشعر»، وما فى ص يوافق المغربية الأخرى.
(8) سوّار بن أوفى القشيرى هو زوج ليلى الأخيلية، ولم يترجم له صاحب الطبقات 1/ 125، ولا صاحب الشعر والشعراء 1/ 449، وذكر اسمه ودفاع ليلى عنه فى الخزانة 6/ 243، وسماه فى المؤتلف والمختلف 290سوار.(1/217)
وله يقول عبيد بن حصين الراعى (1) يتوعده (2): [الطويل]
/ فإنّى زعيم أن أقول قصيدة ... مبيّنة كالنقب بين المخارم (3)
خفيفة أعجاز المطىّ ثقيلة ... على قرنها نزّالة بالمواسم (4)
وقد علم الكافّة ما صنع جرير بالأخطل، والراعى جميعا.
وقيل: إن موت الجعدى كان بسبب ليلى الأخيلية، فرّ من بين يديها / فمات فى الطريق مسافرا، والأصح أنها هى التى ماتت فى طلبه.
قال الجمحى (5): كان النابغة الجعدى أقدم من الذبيانى لأنه أدرك المنذر بن محرّق، ويشهد بذلك قوله (6):
__________
(1) هو عبيد بن حصين من بنى نمير، يكنى أبا جندل، ويعرف بالراعى، وكان أعور، هجاه جرير: لأنه اتهمه بالميل إلى الفرزدق، وكان يقال له فى شعره: كأنه يعتسف الفلاة بغير دليل، أى: أنه لا يحتذى شعر شاعر، ولا يعارضه، وكان مع ذلك بذيا هجاء لعشيرته.
طبقات ابن سلام 1/ 502، والشعر والشعراء 1/ 415، والأغانى 24/ 205، والمؤتلف والمختلف 177، والاشتقاق 295، وسير أعلام النبلاء 4/ 597وما فيه من مصادر، وخزانة الأدب 3/ 150، وشرح أبيات مغنى اللبيب 2/ 373، والسمط 1/ 50، والموشح 249
(2) ديوان الراعى 254دون اختلاف، والبيتان ضمن أربعة أبيات فى الطبقات 1/ 516قالها فى مسالمة الجعدى وابن السمط مع أوس بن مغراء.
(3) فى الطبقات: «قصيدة محبرة». وفى ف: «وإنى زعيم».
والنقب: الطريق فى الجبل، وفى الأرض الغليظة، لا يستطاع سلوكه. والمخارم جمع مخرم:
أنف الجبل، يريد أن قصيدته صعبة المسالك، لا يطيق مثلها شاعر: لو عورة طرقها. [من الطبقات بتصرف].
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «على قربها» بالباء الموحدة التحتية بدل النون.
خفيفة أعجاز المطى: أى يحملها الرواة يتناشدونها فى أسفارهم لإعجابهم بها. [من الطبقات].
(5) تجد هذا القول فى الطبقات 1/ 123و 124، والشعر والشعراء 1/ 290، مع اختلاف يسير فيهما.
(6) ديوان النابغة الجعدى 36، وفى الطبقات 1/ 124جاء البيت الثانى فقط، وجاء البيتان فى الشعر والشعراء 1/ 290(1/218)
[الطويل]
تذكّرت والذّكرى تهيج لذى الهوى ... ومن عادة المحزون أن يتذكّرا (1)
نداماى عند المنذر بن محرّق ... فأصبح منهم ظاهر الأرض مقفرا (2)
والذبيانى إنما أدرك النعمان.
وقال غيره (3): إن النابغة الذبيانى تشفع (4) عند الحارث الغسانى (5)
حين قتل المنذر فى أسارى بنى أسد، فشفّعه، وإياه عنى علقمة بن عبدة بقوله (6):
[الطويل]
وفى كلّ حىّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشاس من نداك ذنوب
قال الجمحى (7): وكان الجعدى مختلف الشعر، سئل عنه الفرزدق فقال: مثله مثل صاحب الخلقان: ترى عنده ثوب عصب، وثوب خزّ، وإلى جنبه سمل (8) كساء، وكان الأصمعى يمدحه بهذا، وينسبه إلى قلّة التكلف فيقول: عنده خمار بواف، ومطرف بآلاف. بواف (9): يعنى بدرهم وثلث (10)
__________
(1) فى الديوان جاء البيت هكذا:
تذكرت شيئا قد مضى لسبيله ... ومن حاجة المحزون أن يتذكرا
وفى الشعر والشعراء والمطبوعتين: «تهيج على الفتى»، وفى الشعر والشعراء: «ومن حاجة المحزون».
(2) فى الديوان والشعر والشعراء: «أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا».
(3) انظر هذا فى الشعر والشعراء 1/ 221و 222
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «شفع».
(5) فى ف والمطبوعتين: «الحارث بن أبى شمر الغسانى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) سبق الحديث عن هذا البيت مع مجموعة من الابيات فى باب شفاعات الشعراء وتحريضهم ص 75.
(7) انظر طبقات ابن سلام 1/ 124و 125، والموشح 89و 90وفيه اختلاف فى الرواية.
(8) فى ف: «وإلى السهل» [كذا] وفى المطبوعتين والمغربيتين: «شملة»، وأشار محقق م إلى أنه فى الطبقات «سمل كساء»، وما فى ص يوافق الطبقات، وهو الصحيح.
والعصب: من أجود برود اليمن. والخز: الحرير. والسّمل: الخلق من الثياب، أكثر ما يأتى هكذا على الإضافة، ومنه قول عائشة: «ولنا سمل قطيفة». [من الطبقات بتصرف].
(9) فى ص: «يعنى بواف»، وما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين يوافق الطبقات.
(10) سقط قوله: «وثلث» من ص والمغربيتين.(1/219)
ومن المغلّبين الزّبرقان (1)، غلبه عمرو بن الأهتم، وغلبه المخبّل السعدى، وغلبه الحطيئة، وقد أجاب الاثنين، ولم يجب الحطيئة.
وقال (2) يونس بن حبيب: كان البعيث مغلّبا فى الشعر، غلّابا فى الخطب.
ومنهم تميم (3) بن أبىّ بن مقبل، هجاه النجاشىّ، فقهره، وغلّب عليه، حتى استعدى قومه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولم يكن من أشكاله (4) فى الشعر فيقرن به.
وهاجى النجاشى عبد الرحمن بن حسان، فغلبه عبد الرحمن، وأفحمه.
وحدثنا أبو عبد الله محمد بن جعفر قال: هجا الأعور بن براء بنى كعب، ومدح قومه / بنى كلاب، فأتت بنو كعب تميم بن أبى بن مقبل (5)
ينتصرون عليه به، فقال: لا أهجوهم، ولكنى أقول فارووا، فقد جاءكم الشعر، وقال (6):
__________
(1) هو الحصين بن بدر بن امرئ القيس، لقب بالزبرقان إما لخفة لحيته، وإما لجماله، وإما لأنه كان يزبرق عمامته، أى يصفرها فى الحرب، كان سيدا فى الجاهلية، كما كان عظيم القدر فى الإسلام، وهو شاعر محسن.
المعارف 302، والمؤتلف والمختلف 187، والاشتقاق 254، والموشح 107، والخزانة 8/ 100، وشرح أبيات مغنى اللبيب 6/ 230، وزهر الآداب 1/ 6
(2) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 374و 3/ 11و 4/ 84، مع اختلاف فى التعبير.
(3) فى ف وخ والمغربيتين: «تميم بن أبى مقبل» وهو خطأ.
(4) فى ص: «أشاكله»، ولا معنى لها. وانظر الاشتقاق 25
(5) هو تميم بن أبى بن مقبل، يكنى أبا الحرة وأبا كعب، شاعر مجيد، مغلّب، غلّب عليه النجاشى، ولم يكن إليه فى الشعر، وقد قهره فى الهجاء، وكان تميم جافيا فى الدين، فكان فى الإسلام يبكى أهل الجاهلية، ويذكرها.
طبقات ابن سلام 1/ 150، والشعر والشعراء 1/ 455، وجمهرة أشعار العرب 2/ 855، وثمار القلوب 218، ومسائل الانتقاد 109، وسمط اللآلى 1/ 68، وخزانة الأدب 1/ 231، ومن الضائع من معجم الشعراء 37، وجمهرة أنساب العرب 288، والاشتقاق 25، وكنى الشعراء 2/ 289 ضمن كتاب نوادر المخطوطات.
(6) ديوان ابن مقبل 366(1/220)
[الطويل]
لست وإن شاحنت بعض عشيرتى ... لأذكر ما الكهل الكلابىّ ذاكر (1)
فكم لى من أمّ لعبت بثديها ... كلابيّة عادت عليها الأواصر
فأتت الأعور بن براء (2) بنو كلاب (3)، فعنّفوه، ورجعوا عليه، فقال (4):
[الوافر]
/ ولست بشاتم كعبا ولكن ... على كعب وشاعرها السّلام
ولست ببائع قوما بقوم ... هم الأنف المقدّم والسّنام
وكائن فى المعاشر من قبيل ... أخوهم فوقهم وهم كرام (5)
فتسالما، وكان سبب ذلك إغضاء ابن مقبل، وإعطاؤه المقادة هربا من الهجاء، وقوم يرون ذلك منه أنفة.
ومن مغلّبى المولّدين على جلالته وتقدمه بشار بن برد فإن حماد عجرد وليس من رجاله، ولا أكفائه هجاه، فأبكاه، ومثّل به أشد تمثيل (6).
وعلىّ بن الجهم هاجى أبا السّمط مروان بن أبى الجنوب، فغلبه مروان، وهجاه (7) البحترى، فغلّب عليه أيضا، على أن عليّا أقذع منه لسانا، وأسبق إلى ما يريده من ذلك، وأقدم سنّا.
ومنهم حبيب، هاجى السّرّاج، وعتبة، فما أتى بشىء، وهجاه ابن المعذّل حين أراد وجهته، فقال: أما هذا فقد كفى ناحيته، ولم يقدم عليه، على
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «ولست»، وهو يوافق الديوان، وكلاهما صحيح، وإن كان ما فى ص وف والمغربيتين فيه الخرم الذى يقع فى أول الطويل.
(2) لم أعثر له على ترجمة، ولكن رأيت اسمه فقط فى هامش سمط اللآلى 2/ 924
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بنو كعب».
(4) لم أجد الأبيات فى مصادرى الكثيرة، ولكنى وجدتها فى هامش ديوان ابن مقبل 366نقلا عن العمدة.
(5) فى ص: «فى القبائل من عشير».
(6) هناك إشارة إلى مثل هذا فى الشعر والشعراء 2/ 758، وانظر الأغانى 14/ 329
(7) فى المطبوعتين فقط: «وهاجاه»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/221)
أن حبيبا أطول منه ذكرا، وأبعد صوتا فى الشعر، والذى قال له ابن المعذّل (1):
[الخفيف]
أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س بكلتيهما بوجه مذال (2)
لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو راغبا فى نوال (3)
أىّ ماء لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السّؤال؟
/ ورأيت فى شعر ابن المعذل رواية (4) المبرد أن عبد الصمد اجتمع بحبيب (5)
عند بعض بنى هاشم، فكتب فى رقعة الأبيات (6) المذكورة، وألقاها إليه، ولا حى (7) دعبلا، فاستطال عليه دعبل أيضا.
* * * __________
(1) هو عبد الصمد بن غيلان بن الحكم من بنى عبد القيس، يكنى أبا القاسم، كان شاعرا فصيحا من شعراء الدولة العباسية، وكان هجاء خبيث اللسان، لم يسلم من هجوه من سبق أن مدحه.
ت 240هـ
طبقات ابن المعتز 367، والأغانى 13/ 226، والموشح 528، والسمط 1/ 325، فوات الوفيات 2/ 330، وأخبار أبى تمام 34
سقط قوله: «ابن المعذل» من ص والمطبوعتين وإحدى المغربيتين.
(2) الأبيات فى الأغانى 13/ 253دون اختلاف إلا فى قوله: «وكلتاهما بوجه» فى البيت الأول، وقوله: «أو طالبا لنوال» فى الثانى، والأبيات فى أخبار أبى تمام 242والأولان مثل الأغانى، وفى البيت الثالث: «أى ماء لماء وجهك بعد ذل الهوى» والأبيات فى ثمار القلوب 675، وخاص الخاص 118ويواقيت المواقيت مخطوط [23ظ] قد حققته، وهو تحت الطبع، ووفيات الأعيان 2/ 13، والثانى والثالث فى محاضرات الأدباء 1/ 2/ 520والثالث فى التمثيل والمحاضرة 187. والثالث وحده فى أخبار أبى تمام 34مثل السابق. والمذال: المهان، أذاله: أهانه [من الأغانى] وقد عثرت بآخرة على ديوان عبد الصمد بن المعذل، والأبيات فيه 152و 153
وفى ف والمطبوعتين فقط: «لكلتيهما».
(3) فى ف فقط: «من حبيب أو طالبا لنوال». وكذا فى الأغانى، وأخبار أبى تمام.
(4) فى ف والمطبوعتين: «فى رواية». وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى ف فقط: «بأبى تمام».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «هذه الأبيات».
(7) فى ف والمطبوعتين: «وهاجى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/222)
باب من رغب من الشعراء عن ملاحاة غير الأكفاء
منهم الزّبرقان بن بدر، لما هجاه المخبّل السعدى جاوبه بعتاب لأنه رآه أهلا لذلك، من أجل شرف بيته، وجلالته فى نفسه، فلما هجاه الحطيئة لم يره مكانا للجواب، على أنه ابن عمه، وجاره فى النسب لأنهما جميعا من مضر، بل استعدى عليه عمر رضى الله عنه، فأنصفه منه.
وسحيم بن وثيل (1) يقول للأخوص (2) والأبيرد ابنى المعذر وهما شاعران مفلقان، وقال عبد الكريم (3): الأبيرد ابن أخى الأخوص:
[الوافر]
عذرت البزل إن هى خاطرتنى ... فما بالى وبال ابنى لبون (4)
فأنت ترى هذا الاحتقار.
__________
(1) هو سحيم بن وثيل بن أعيقر الرياحى، شاعر مخضرم، أدرك فى الجاهلية أربعين سنة، وفى الإسلام ستين، وهو صاحب القصة المشهورة فى المعاقرة مع غالب بن صعصعة، وهو شريف مشهور الأمر فى الجاهلية والإسلام، وكان الغالب عليه البذاء والخشنة.
طبقات ابن سلام 1/ 72و 2/ 576، والشعر والشعراء 2/ 643، والأصمعيات 17، والأمالى 3/ 52، وشرح أبيات مغنى اللبيب 4/ 10، والاشتقاق 224، وخزانة الأدب 3/ 58
(2) هو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب الرياحى، وهو ابن عم الأبيرد، وهما من ردف الملوك من بنى رياح، وهو شاعر فارس.
الأغانى 13/ 134فى ترجمة الأبيرد، والمؤتلف والمختلف 60، والخزانة 1/ 261و 4/ 164، وشرح أبيات مغنى اللبيب 4/ 9و 6/ 10، ومعاهد التنصيص 1/ 340فى الحديث عن شعر لسحيم بن وثيل، وفيه «الأحوص بالحاء المهملة»، وهو خطأ.
وفى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «الأحوص» بالحاء المهملة، وفى م: «والأبيرد بن المعذر».
أقول: ووهم محقق م حيث جعل المقصود «الأحوص الأنصارى»!!
(3) لم أجد هذا القول فى كتاب الممتع، وهو موجود فى الخزانة 1/ 261، نقلا عن العمدة.
(4) البيت جاء فى طبقات ابن سلام 1/ 72و 2/ 579، والموشح 17و 210، وشرح أبيات مغنى اللبيب 4/ 9، دون اختلاف فى الجميع، وجاء فى الأغانى 13/ 135، والمعاهد 1/ 340، وفيهما: «إذ هى صاولتنى»، وجاء فى الأصمعيات 19، والخزانة 1/ 260، وفيهما: «إذ هى خاطرتنى»، وجاء فى الحماسة البصرية 1/ 325، وفيه «إذ هى قارعتنى فما شأنى وشأن».
وفى ص: «البزال»، وفى ف «البذل لما خاطرتنى».
والبزل جمع بازل: وهو الذى ظهر نابه، واستكمل الثامنة. وابن اللبون: ولد الناقة استكمل السنتين، وطعن فى الثالثة.(1/223)
ومثل هذا وإن لم يكن من هذ الباب بحتا قول (1) الفرزدق لعمر ابن لجأ (2) لمّا أعانه / الفرزدق على جرير بشعر، وفطن له جرير، فدهش عمر، ولم يحر (3) جوابا، فقال الفرزدق حين بلغه ذلك يستضعفه، ويستوهن عزمه:
[الطويل]
ما أنت إن قرما تميم تساميا ... أخا التّيم إلّا كالوشيظة فى العظم (4)
فلو كنت مولى العزّ أو فى ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدى لك فى الظّلم (5)
والفرزدق قال فيه الطرمّاح (6) من شعر هجا فيه بيوت بنى سعد (7):
[البسيط]
فاسأل قفيرة بالمرّوت هل شهدت ... شوط الحطيئة بين الكسر والنضد؟ (8)
__________
(1) انظر هذا فى طبقات ابن سلام 1/ 433
(2) هو عمر بن لجأ من تيم بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، من بطن يقال لهم: بنو أيسر.
طبقات ابن سلام 2/ 583و 588، والشعر والشعراء 2/ 680، والاشتقاق 185، والخزانة 2/ 302299، والأغانى 8/ 70وما بعدها فى ترجمة جرير.
(3) فى المطبوعتين: «ولم يجد»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(4) ديوان الفرزدق 2/ 825ط الصاوى، و 2/ 276ط دار صادر وفيه: «إلا كالشظية» وفى الطبقات 1/ 433، فى ذات المناسبة، وفى الطبقات: «وما أنت» وكلاهما صحيح، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أخا اليتم» [كذا].
والوشيظة: قطعة عظم تكون زيادة فى العظم الصميم. [من هامش الطبقات].
(5) فى الطبقات: «مولى الظلم»، وفى المطبوعتين: «أو فى طلابه»، وفى الديوان «ولو كنت».
(6) هو الطرماح بن حكيم، من طىء، ويكنى أبا نفر، وهو من فحول الشعراء الإسلاميين وفصحائهم، وكان صديقا للكميت، لا يكاد يفارقه، على الرغم من اختلاف المذهب، فقد كان الطرماح قحطانيا خارجيا، وكان الكميت شيعيا.
الشعر والشعراء 2/ 585، والأغانى 12/ 35، والمؤتلف والمختلف 219، وجمهرة أشعار العرب 795، ونوادر المخطوطات 2/ 290، والموشح 325، ومسائل الانتقاد 130، وخزانة الأدب 8/ 74
(7) فى ص والمغربيتين: «بيوت معد».
(8) الأبيات فى الشعر والشعراء 2/ 588، وعثرت أخيرا على ديوان الطرماح، والأبيات فيه 168، وما بعدها، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «فقيرة»، وهو خطأ، وفى ف والمغربيتين: «واسأل».
والقفيرة بتقديم القاف على الفاء هى بنت سكين بن الحارث، وهى جدة الفرزدق.
المرّوت: واد بالعالية. كانت به وقعة بين تميم وقشير. والكسر بفتح الكاف وكسرها: أسفل(1/224)
أم كان فى غالب شعر فيشبهه ... شعر ابنه فينال الشعر من صدد؟ (1)
/ جاءت به نطفة من شرّ ماء صرى ... سيقت إلى شرّ واد شقّ فى بلد (2)
فقال الفرزدق يتهاون بأمره، ويستحقره (3): [البسيط]
إنّ الطرمّاح يهجونى لأرفعه ... هيهات هيهات عيلت دونه القضب (4)
عيلت دونه القضب، أى: رفعت عنه القصائد، من قولهم: عالت الفريضة، أى: ارتفعت. والقضيب: القصيدة لأنها تقتضب.
وجرير هجاه بشار بن برد بأشعار كثيرة، فلم يجبه، قال بشار (5): ولم أهجه لأغلبه، ولكن ليجيبنى فأكون من طبقته، ولو هجانى لكنت أشعر الناس.
وهجا حماد عجرد (6) بشارا، فلم يجبه: أنفة واحتقارا، إلى أن قال فيه (7): [الطويل]
له مقلة عمياء واست بصيرة ... إلى الأير من تحت الثّياب تشير
__________
الشقة التى تلى الأرض من الخباء، ولكل بيت كسران عن يمين وشمال. النضد: السرير ينضد عليه المتاع والثياب [من الشعر والشعراء].
(1) غالب: هو أبو الفرزدق. الصدد: من معانيه: الناحية، والقرب. [من هامش الشعر والشعراء].
(2) فى ف: «من شر ما صرى وادشق فى بطد» [كذا].
والصّرى بفتح الصاد وكسرها: الماء الذى طال استنقاعه، وطال مكثه فتغير، ونطفة صراة:
متغيرة، وأراد بالماء هنا النطفة [من الشعر والشعراء].
(3) ديوان الفرزدق 1/ 98ط الصاوى، والقصيدة التى منها البيت ليست فى ديوانه ط دار صادر. وانظر تفسير «عيلت» بالعين المهملة فى اللسان فى مادة [عول].
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «أيهات أيهات»، وما فى ص يوافق الديوان.
(5) انظر هذا فى الأغانى 3/ 143و 144و 145
(6) هو حماد عجرد بن عمر بن يونس بن كليب، يكنى أبا عمرو، من أهل الكوفة، مولى لبنى سواءة، ولذلك يقال له أبا عمرو السوائى، وكان معلما وشاعرا محسنا، من شعراء الدولتين الأموية والعباسية، ولم يشتهر إلا فى العباسية، وكان بينه وبين بشار مهاجاة فاحشة. قتل غيلة فى الأهواز سنة 161، وقبل 168هـ.
الشعر والشعراء 2/ 779، وتاريخ بغداد 8/ 148، والأغانى 14/ 321، والمؤتلف والمختلف 235، ووفيات الأعيان 2/ 210، وطبقات ابن المعتز 67، وسير أعلام النبلاء 7/ 156وما فيه من مصادر.
(7) البيتان فى الأغانى 14/ 332، ضمن ثلاثة أبيات، ودون اختلاف.(1/225)
على ودّه أنّ الحمير تنيكه ... وأنّ جميع العالمين حمير
فغضب، وهجاه.
قال الجاحظ (1) ما كان ينبغى لبشار أن يضاد حماد عجرد من جهة الشعر لأن حمّادا فى الحضيض، وبشارا فى العيوق، وليس مولّد قروى يعد (2)
شعره فى المحدث إلا وبشار أشعر منه، ولا نعلم مولّدا بعد بشار أشعر من أبى نواس.
وهجا ابن الرومى البحترىّ وابن الرومى من علمت فأهدى إليه تخت متاع، وكيس دراهم، وكتب إليه ليريه أن الهدية ليست تقيّة منه، لكن (3) رقة عليه، وأنه لم يحمله على ما فعل إلا الفقر والحسد المفرط:
[مجزوء الخفيف]
شاعر لا أهابه ... نبحتنى كلابه (4)
إنّ من لا أعزّة ... لعزيز جوابه
وأبو تمام هجاه دعبل وغيره من الأكفاء، فجاوبهم، وابتدأ بعضهم، ولم يلتفت إلى مخلد بن بكّار الموصلى (5) حين قال فيه وكانت فى حبيب حبسة شديدة إذا تكلم: [مجزوء الرمل]
يا نبىّ الله فى الشع ... ر ويا عيسى ابن مريم (6)
__________
(1) الحيوان 4/ 453، مع بعض اختلاف، وليس فيه قوله: «ولا نعلم مولدا»، وإنما هو فى أماكن أخرى.
(2) فى م: «يعدله شعر» [كذا].
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولكن»، وفى ف: «لكن وقد» [كذا].
(4) لم أجدهما فى ديوانه، ولم أعثر عليهما فيما تحت يدى من المصادر.
(5) هو مخلّد بضم ففتح فتشديد مفتوح أو مخلد بفتح فسكون ففتح ابن بكار الموصلى، ومخلد هذا كان مولى للأزد، وكان إذا غضب عليهم قال: إنى مولى للحارث بن كعب، فإذا غضب عليهم قال: أنا من عنزة من أنفسهم، فإذا غضب عليهم قال: أنا امرؤ من الفرس.
طبقات ابن المعتز 298، وأخبار أبى تمام 234وما بعدها، وسمط اللآلى 2/ 767
(6) البيتان فى أخبار أبى تمام 241بنسبتهما إلى مخلد بن بكار، وكذلك فى الكناية والتعريض 41، ووفيات الأعيان 2/ 25، وينسبان إلى ابن المعذل فى معاهد التنصيص 1/ 38و 39ولم أجدهما فى شعره، والبيتان أول أربعة أبيات لابن الرومى فى ديوانه 6/ 2409(1/226)
أنت من أشعر / خلق ال ... له ما لم تتكلّم
وقال فيه أشعارا كثيرة منها (1): [السريع]
انظر إليه وإلى خبثه ... كيف تطايا وهو منشور (2)
ويحك من دلّاك فى نسبة ... قلبك منها الدّهر مذعور (3)
إن ذكرت طاء على فرسخ ... أظلم فى ناظرك النور (4)
بل رآه دون المهاجاة والجواب، ولو أجابه لشرفت حاله، ونبه (5) ذكره.
وكذلك فعل أبو الطيب (6) حين بلى بحماقات ابن حجاج البغدادى (7)، سكت عنه احتقارا واطراحا (8)، ولو أجابه لما كان بحيث هو من الأنفة والكبر لأنه ليس من أنداده، ولا فى (9) طبقته.
ولما وصل أبو القاسم بن هانىء (10) أفريقية، هجاه الشعراء، فقال:
__________
(1) الأبيات نسبها ابن قتيبة فى الشعر والشعراء 2/ 851إلى دعبل، وهى فى ديوانه 300، فى الشعر الذى ينسب إليه وإلى غيره، ونسبها الصولى فى أخبار أبى تمام 236، إلى مخلد بن بكار، ونسب إلى مخلد الموصلى فى الزهرة 2/ 639
(2) فى الشعر والشعراء: «انظر إليه وإلى ظرفه»، وفى الزهرة: «وإلى حمقه».
وتطايا: ادعى أنه من طىء، ومنشور: أى منشور النسب ليس له ما يرجع إليه [من الشعر والشعراء].
(3) فى الشعر والشعراء، وديوان دعبل، وأخبار أبى تمام: «ويلك من دلاك»، وفى الزهرة: «ويلك من ألقاك فى دعوة».
(4) فى الشعر والشعراء، والديوان والزهرة: «لو ذكرت طىّ»، وفى أخبار أبى تمام: «لو ذكرت».
(5) فى ص والمغربيتين: «وانتبه».
(6) فى المطبوعتين: «المتنبى» بدل «أبو الطيب».
(7) هو الحسن أو الحسين بن أحمد بن حجاج أو الحجاج النيلى البغدادى، يكنى أبا عبد الله، واشتهر بابن الحجاج أو الحجاجى، مدح الملوك، والأمراء، والوزراء، والرؤساء، وكانوا يكرمونه على الرغم مما فى شعره من فحش يصل إلى حد البذاء، ويبدو أنهم كانوا يتفكهون بمجلسه، وينسب إلى قرية النيل، وهى بين بغداد والكوفة، ويقال عنه الشقاق. ت 391هـ.
اليتيمة 3/ 31، ومعجم الأدباء 9/ 206، والإمتاع والمؤانسة 1/ 137، والبداية والنهاية 11/ 329، وتاريخ بغداد 8/ 14، ومعاهد التنصيص 3/ 188، وفى جميع هذه المصادر اسمه «الحسن» وسير أعلام النبلاء 19/ 385، ووفيات الأعيان، 2/ 168، وفيهما اسمه «الحسين». وفى ف: «ابن الحجاج».
(8) فى المطبوعتين فقط: «اطراحا واحتقارا».
(9) فى ف والمطبوعتين: «من طبقته».
(10) هو محمد بن هانىء الأزدى الأندلسى، يكنى أبا القاسم، وأبا الحسن، وكان أبوه من المهدية بتونس، وكان شاعرا أديبا، وهو عند الأندلسيين كالمتنبى عند المشرقيين، وكان متهما(1/227)
لا أجيب منهم أحدا، إلا أن يهجونى علىّ التونسى (1)، فإنى أجيبه، فلما بلغ قوله عليّا قال: أما إنى لو كنت ألأم الناس ما هجوته، بعد أن شرّفنى على أصحابى، وجعلنى من بينهم كفوا (2) له.
ومن الشعراء من يتزيا بالكبر، ويظهر الأنفة فى الجواب عن هجاء من هو مثله أو فوقه خوفا من الزراية على نفسه مما (3) وقع فيه لجماعة أعرفهم من أهل عصرنا، وهم يتسرّعون إلى أعراض السوقة والباعة، ويستفحلون على الصبيان، ومن ليس من أهل الصناعة، ولو كانت لهم أنفة كما يزعمون إلا عن الأكفاء لكانوا عمّن لا يحسن شيئا بالجملة، ولا يعدّ فى الخاصة أشدّ تنزّها.
ومنهم من لا يهجو كفوا (4) ولا غيره لما فى الهجو من سوء الأثر، وقبح السمعة، كالذى يحكى عن العجاج أنه قيل له (5): لم لا تهجو؟ فقال:
ولم أهجو؟! إنّ لنا أحسابا تمنعنا من أن نظلم، وأحلاما تمنعنا من أن نظلم، وهل
__________
بالفلسفة، وما زال يغلو فى أقواله حتى تعدى الحق، فأزعجه أهل الأندلس حتى رحل إلى بلاد المغرب، فوصل حبله بالمعز لدين الله الفاطمى، ولما رحل المعز إلى مصر صحبه ابن هانىء بعض الطريق، ثم مات فى برقة. ت 362هـ.
نفح الطيب 4/ 40، والإحاطة 2/ 288، وجذوة المقتبس 96، والشذرات 3/ 41، ومعجم الأدباء 19/ 92، والحلة السيراء 1/ 304و 2/ 391، ووفيات الأعيان 4/ 421، والنجوم الزاهرة 4/ 67، وسير أعلام النبلاء 16/ 131وما فيه من مصادر، ومسائل الانتقاد 155، وله شعر كثير فى زهر الآداب.
(1) هو على بن محمد بن العباس الإيادى التونسى، يكنى أبا الحسن، اتصل بالمعز لدين الله الفاطمى، ومدحه، ووصف جيشه وأسطوله، ونال عطاياه، ويعتبر هذا الشاعر متميزا فى الوصف فى فنون الشعر التى طرقها.
مسائل الانتقاد 158، وتراجع أشعاره فى زهر الآداب، والذخيرة ونفح الطيب، وبدائع البدائه، والحلة السيراء.
(2) فى المطبوعتين فقط: «كفئا».
(3) فى ف: «مما وقع كجماعة» وفى خ: «مما وقع فيه كجماعة» وفى م: «كما وقع من جماعة».
(4) فى المطبوعتين فقط: «كفئا».
(5) هذا القول مع اختلاف يسير تجده فى عيون الأخبار 2/ 185، والشعر والشعراء 1/ 94،(1/228)
رأيتم / بانيا لا يحسن أن يهدم؟ ثم قال: أتعلمون أنى أحسن أن أمدح؟ قيل (1):
نعم، قال: أفلا أحسن أن أجعل مكان «أصلحك الله» «قبّحك الله»، ومكان «حيّاك الله» «أخزاك الله»؟
وقد ردّ ابن قتيبة هذا القول (2) على العجاج بأن الهجاء أيضا بناء، وليس كلّ بان لضرب بانيا لغيره.
ورده الجاحظ (3) بأن من الشعراء من لا يجيد فنّا من الشعر، وإن أجاد فنّا غيره، كما يوجد ذلك فى كل صناعة.
ومعنى الجاحظ، وابن قتيبة واحد، وإن اختلف اللفظان، والصواب ما قالا، إلا أن يعرف من الشاعر أنف عن قدرة لا تدفع، وبعد تجربة لا تستراب فحينئذ.
وسئل نصيب عن مثل ذلك فقال (4): إنما الناس أحد ثلاثة: رجل لم أعرض لسؤاله، فما وجه ذمّه؟! ورجل سألته فأعطانى، فالمدح أولى به من الهجاء، ورجل سألته فحرمنى، فأنا (5) أولى بالهجاء منه.
وهذا كلام عاقل منصف، لو أخذ به الشعراء أنفسهم لاستراحوا، واستراح الناس، وقد كان فى زماننا من انتحل هذا المذهب، وهو عبد الكريم (6)
__________
وتجده بمعناه فى البيان والتبيين 1/ 207، والتمثيل والمحاضرة 186، وتجد الخبر مطولا والسائل عبد الملك بن مروان فى الأمالى 2/ 47، وزهر الآداب 2/ 634، ومحاضرات الأدباء 1/ 84و 85
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قالوا».
(2) انظر هذا الرد فى الشعر والشعراء 1/ 94، وانظر رد أبى إسحاق القيروانى فى زهر الآداب 2/ 635، وهو رد شاعر.
(3) انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 207و 208، وفيه تفصيل واسع عن الصناعات، وقد قال ابن قتيبة قولا شبيها بهذا فى المعنى وإن اختلف اللفظ فى الشعر والشعراء 1/ 93، وفى زهر الآداب 2/ 635
(4) انظر هذا القول فى محاضرات الأدباء 1/ 84
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فأنا بالهجاء أولى منه».
(6) فى ف والمطبوعتين: «أبو محمد عبد الكريم»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/229)
ابن إبراهيم، لم يهج أحدا قط، ومن أناشيده فى كتابه / المشهور (1)، لغيره من الشعراء (2): [الطويل]
ولست بهاج فى القرى أهل منزل ... على زادهم أبكى وأبكى البواكيا
فإمّا كرام موسرون أتيتهم ... فحسبى من ذو عندهم ما كفانيا (3)
وإمّا كرام معسرون عذرتهم ... وإمّا لئام فادّخرت حيائيا (4)
وهذا مثل كلام نصيب فى المنثور الذى تقدم.
وإنما ذكرت هؤلاء لأنهم يمدحون، ولا يرضون بالهجاء، وأما من لا يمدح فأحرى أن لا يهجو أحدا، على أن منهم من لم يقل قطّ إلا هجوا، أو شبيها به / كيحيى بن نوفل (5)، ذكره دعبل فى طبقاته (6)، ونجد له من أهل عصرنا نظراء عدّة.
* * * __________
(1) الأبيات غير مذكورة فى كتاب الممتع.
(2) كتب محقق م فى الهامش: «الأبيات لمنظور بن سحيم الفقعسى، والبيت الثانى من شواهد النحاة على مجىء «ذو» موصولة بمعنى الذى، وأنها مبنية، وليست معربة كذى بمعنى صاحب التى تعد من الأسماء الخمسة».
وأقول: الأبيات فى شرح ديوان الحماسة 3/ 1158، وجاءت الأبيات فى معجم الشعراء 282، وجاءت فى شرح أبيات مغنى اللبيب 6/ 251، وجاء الأول فى ذيل اللآلى من سمط اللآلى 105، وينسب الشعر فى الجميع إلى منظور بن سحيم الفقعسى.
(3) فى شرح ديوان الحماسة، وشرح أبيات مغنى اللبيب: «فحسبى من ذى»، وفى معجم الشعراء: «من ذو».
(4) فى شرح ديوان الحماسة: «وإما لئام فادكرت».
(5) هو يحيى بن نوفل اليمانى، يكنى أبا معمر، وهو من حمير، ويقال إنه كان أولا ينتمى إلى ثقيف، فلما ولى الحجاج خالد بن عبد الله القسرى العراق ادعى أنه من حمير، ويكاد يكون شعره كله فى الهجاء، وذكره الجاحظ ثمانى مرات فى البيان والتبيين كانت كلها فى الهجاء ما عدا مرة واحدة فى 1/ 336، حين مدح ابن شبرمة القاضى، وعند ما تقرأ ما بعد المدح تجد أنه كان كاذبا وتجد هذه الحالة فى عيون الأخبار 3/ 48، وذكره المبرد خمس مرات فى الكامل، كان منها واحدة فى مدح بلال بن أبى صفرة.
وانظر الشعر والشعراء 2/ 741
(6) لابد أن هذا الكتاب ضمن تراثنا المفقود، وقد يأتى زمان يعثر فيه عليه.(1/230)
باب فى الشعراء والشعر
طبقات الشعراء أربع: جاهلىّ قديم، ومخضرم، وهو الذى أدرك الجاهلية والإسلام، وإسلامىّ، ومحدث.
ثم صار المحدثون طبقات: أولى، وثانية على التدريج، هكذا (1) فى الهبوط إلى وقتنا هذا.
فليعلم المتأخر مقدار ما بقى له من الشعر، فيتصفّح أشعار (2) من قبله لينظر كم بين المخضرم والجاهلى، وبين الإسلامى والمخضرم، وأن المحدث الأول فضلا عمن بعده (3) دونهم فى المنزلة، على أنه أغمض مسلكا، وأرقّ حاشية، فإذا رأى أنه ساقة السّاقة تحفظ على نفسه، وعلم من أين يؤتى، ولم تغرره حلاوة لفظه، ولا رشاقة معناه، ففى الجاهلية والإسلاميين (4) من ذهب بكل حلاوة ورشاقة، وسبق إلى كلّ طلاوة ولباقة.
قال أبو الحسن الأخفش (5): يقال: ماء خضرم، إذا تناهى فى الكثرة والسعة، فمنه سمّى الرجل الذى شهد الجاهلية والإسلام «مخضرما» كأنه استوفى الأمرين، قال: ويقال: أذن مخضرمة، إذا كانت مقطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وهكذا»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) سقطت كلمة «أشعار» من المطبوعتين فقط، وجاء مكانها «مقدار» [كذا].
(3) فى المطبوعتين فقط: «عمن دونه».
(4) فى ف والمطبوعتين: «والإسلام»، وما فى ص يوافق إحدى المغربيتين، وسقطت الكلمة من الأخرى.
(5) هو سعيد بن مسعدة البلخى ثمّ البصرى، مولى بنى مجاشع، يكنى أبا الحسن، وهو الأخفش الأوسط، قال عنه بعض أهل عصره: كان قدريا رجل سوء، وقال البعض الآخر: كان أعلم الناس بالكلام، وكان أجلع، وهو الذى لا تنطبق شفته على أسنانه ت 210، أو 215هـ
المعارف 545و 546، والفهرست 58وشذرات الذهب 2/ 36، وسير أعلام النبلاء 10/ 206وما فيه، ومعجم الأدباء 11/ 224، وبغية الوعاة 1/ 590، والمزهر 2/ 405، 419، وإنباه الرواة 2/ 36، ووفيات الأعيان 2/ 380، والوافى بالوفيات 13/ 86(1/231)
وحكى ابن قتيبة (1) عن عبد الرحمن (2) عن عمه قال: أسلم قوم فى الجاهلية على إبل قطعوا آذانها، فسمى كل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرما، وزعم أنه لا يكون مخضرما حتى يكون إسلامه بعد وفاة (3) رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد أدركه كبيرا فلم (4) يسلم.
وهذا عندى خطأ: لأن النابغة الجعدى، ولبيدا قد وقع عليهما هذا الاسم.
فأما (5) على بن الحسن كراع (6)، فقد حكى: شاعر / مخضرم بحاء غير معجمة مأخوذ من الحضرمة، وهى الخلط لأنه خلط الجاهلية بالإسلام (7).
وأنشد بعض العلماء، ولم يذكر قائله (8): [الرجز]
الشّعراء فاعلمنّ أربعه ... فشاعر لا يرتجى لمنفعه
__________
(1) انظر هذا القول فى المعارف 573، مع اختلاف يسير، وانظر تفسير ذلك بالتفصيل فى القاموس واللسان فى [خضرم].
(2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب، يكنى أبا محمد، أو أبا الحسن، وكان من الثقلاء، إلا أنه كان ثقة عما يرويه عن عمه الأصمعى، وعن غيره من العلماء، وكان عمه إذا أكثر أنكر عليه، وربما كذّبه.
طبقات الزبيدى 180، وإنباه الرواة 2/ 161، وبغية الوعاة 2/ 82
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلّم».
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «ولم».
(5) فى ف: «وأما على بن حسين»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وأما على بن الحسين»، وما فى ص هو الصحيح، انظر التعليق الآتى.
(6) هو على بن الحسن الهنائى الأزدى يكنى أبا الحسن، كان لغويا نحويا من علماء مصر، أخذ عن البصريين والكوفيين، وصنف كتبا فى اللغة.
الفهرست 91، وإنباه الرواة 2/ 240، ومعجم الأدباء 13/ 12، وبغية الوعاة 2/ 158
(7) فى ص: «والإسلام».
(8) قال محقق م فى الهامش: «تنسب هذه الأبيات للحطيئة». وأقول: لم أجد الأبيات فى ديوانه، والرجز فى الممتع 28، تحت تقديم هو: «وأنشدنى فى نعت الشعر»، وفى الموشح 550، والكناية والتعريض 41مع زيادة ونقص، والمزهر 2/ 490و 491ونزهة الأبصار 503دون نسبة ومع اختلاف فى الترتيب وبعض الألفاظ فى بعضها.(1/232)
وشاعر ينشد وسط المجمعه ... وشاعر آخر لا يجرى معه
وشاعر يقال خمّر فى دعه
هكذا (1) رويته عن أبى محمد عبد العزيز بن أبى سهل (2) رحمه الله، وبعض الناس يرويها على خلاف هذا.
وقد قيل: لا يزال المرء مستورا، وفى مندوحة ما لم يصنع شعرا، أو يؤلف كتابا لأن شعره ترجمان علمه، وتأليفه عنوان عقله.
وقال الجاحظ (3): من صنع شعرا، أو وضع كتابا فقد استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف.
وقال (4) حسان بن ثابت وما أدراك ما هو؟: [البسيط]
وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته: صدقا (5)
وإنّما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس إن كيسا وإن حمقا
وقال محمد بن مناذر (6)، وكان إماما:
__________
(1) فى ف: «هكذا روينا»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وهكذا رويتها».
(2) هو عبد العزيز بن أبى سهل الخشنى أو الحسنى يكنى أبا محمد، ويعرف بابن البقال الضرير، كان مشهورا باللغة والنحو، وكان شاعرا مطبوعا، يسلك طريق أبى العتاهية فى سهولة الطبع، ولطف التركيب. ت 406هـ.
أنموذج الزمان 158وإنباه الرواة 2/ 178، وبغية الوعاة 2/ 100، ونكت الهميان 194
(3) هذا القول تجده ضمن كلام طويل قاله الجاحظ فى وصف الكتاب فى زهر الآداب 1/ 142 مع اختلاف يسير، وانظره فى التمثيل والمحاضرة 160ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 41
(4) فى خ: «قال حسان» بإسقاط «ابن ثابت»، وفى م وضع «ابن ثابت» بين معقوفين، ولم يشر المحقق إلى شىء.
(5) ديوان حسان 277مع تقديم الثانى على الأول، وفيه فى الثانى خطأ مطبعى، وليس لهما فيه سابق ولا لاحق، وجاء البيت ثانى بيتين فى ديوان طرفة 180وليس لهما سابق ولا لاحق، وليس الأول فيه مثل الثانى فى ديوان حسان، فيكون حسان قد سرقه، ونسب البيت مفردا إلى زهير فى العقد الفريد 5/ 270ولم أجده فى ديوانه، وجاء دون نسبة فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 94وجاء دون نسبة فى أسرار البلاغة 271 وعلق الأستاذ محمود شاكر رحمه الله فى الهامش قائلا: ينسب البيت إلى حسان بن ثابت فى ديوانه، وإلى زهير، وإلى بقيلة الأشجعى فى الإصابة فى ترجمته، وفى المؤتلف والمختلف للآمدى 63
(6) هو محمد بن مناذر، مولى لبنى صبير بن يربوع، يكنى أبا ذريح، أو أبا جعفر، أو أبا عبد الله، وكان فى أول أمره مستورا حتى علق عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفى، فانهتك ستره، ولما مات(1/233)
[الرمل]
لا تقل شعرا ولا تهمم به ... وإذا ما قلت شعرا فأجد (1)
وقال شيطان الشعر (2) دعبل بن على: [الطويل]
سأقضى ببيت يحمد الناس أمره ... ويكثر من أهل الرّوايات حامله (3)
يموت ردئ الشعر من قبل أهله ... وجيّده يبقى وإن مات قائله
وقالوا (4): الشعراء أربعة: فشاعر (5) خنذيذ، وهو الذى يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره، وسئل رؤبة عن الفحول (6) فقال: هم الرواة، وشاعر مفلق، وهو الذى لا رواية له، إلا أنه مجوّد كالخنذيذ فى شعره، وشاعر فقط، وهو / فوق الردىء بدرجة، وشعرور، وهو لا شىء، قال بعض الشعراء لآخر هجاه: [الكامل]
يا رابع الشعراء كيف هجوتنى ... وزعمت أنّى مفحم لا أنطق (7)
وقيل (8): بل هم شاعر مفلق، وشاعر مطلق، وشويعر، وشعرور،
__________
عبد المجيد خرج من البصرة إلى مكة، فلم يزل بها مجاورا إلى أن مات سنة 198هـ
الشعر والشعراء 2/ 869، والأغانى 18/ 169، وطبقات ابن المعتز 119، ومعجم الأدباء 19/ 55، والوافى 5/ 63، وبغية الوعاة 1/ 249، والموشح 453
(1) البيت جاء آخر أربعة أبيات منسوبة إلى محمد بن مناذر فى العقد الفريد 2/ 243وجاء وحده فى بهجة المجالس 1/ 96بذات النسبة.
(2) فى المطبوعتين: «شيطان الشعراء»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(3) شعر دعبل 178، وفى ف والديوان: «من أهل الرواية».
(4) هذا القول كله تجده فى البيان والتبيين 2/ 9، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ، وتجد مع القول بيت الشعر الآتى بعد.
(5) فى المطبوعتين: «شاعر».
(6) فى البيان والتبيين والمطبوعتين: «الفحولة» وما فى ص وف أوفق للسياق.
(7) البيت فى البيان والتبيين 2/ 9دون اختلاف، وفى الموشح 551، وفيه «أظننت أنى عن هجائك مفحم»، والكناية والتعريض 41، وفيه: «فيم هجوتنى أحسبت»، والمزهر 2/ 490، دون نسبة فى الجميع.
(8) وهذا القول أيضا فى البيان والتبيين 2/ 10، مع بعض إضافات من القول والشعر هنا فى العمدة.(1/234)
فالمفلق (1): هو الذى يأتى فى شعره بالفلق، وهو العجب، وقيل: الفلق:
الداهية، قال الأصمعى: فالشويعر مثل محمد بن حمران بن أبى حمران (2)، سماه بذلك امرؤ القيس (3)، ومثل عبد العزّى المعروف بالشويعر (4)، وهو الذى يقول: [الطويل]
فنلت به ثأرى وأدركت ثؤرتى ... إذا ما تناسى ذحله كلّ غيهب (5)
وهو الضعيف عن طلب ثأره، وروى (6) بالغين معجمة، وغير معجمة.
قال الجاحظ: والشويعر أيضا عبد ياليل (7) من بنى سعد بن ليث، وقيل: اسمه ربيعة بن عثمان، وهو القائل:
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «والمفلق»، وفى المغربيتين: «والمفلق الذى».
(2) هو محمد بن حمران بن أبى حمران الجعفى، وهو ابن أخى الأسعر الجعفى، وممن سمى محمدا فى الجاهلية، وقد لقب بالشويعر ببيت شعر قاله فيه امرؤ القيس: «أبلغا عنى الشويعر».
البيان والتبيين 2/ 10، والاشتقاق 8و 9و 408، والمؤتلف والمختلف 208، والخزانة 3/ 361، والمحمدون من الشعراء 301، واللسان فى مادة [شعر] والمزهر 2/ 432و 489
(3) تجد البيت الذى أطلقه امرؤ القيس على ابن حمران فى ديوان امرىء القيس 476، ومعه القصة منقولة عن المؤتلف والمختلف، والبيت تجده فى الاشتقاق 9والمحمدون من الشعراء.
(4) لم أجد من اسمه عبد العزى ويلقب بالشويعر فهناك أكثر من واحد اسمه عبد العزى، انظر الاشتقاق وجمهرة أنساب العرب والمعارف والخزانة، ولكنى وجدت من يلقب بالشويعر واسمه هانىء ابن توبة الشيبانى، وذلك فى اللسان فى مادة شعر، والمؤتلف والمختلف 210، وقيل فى المزهر 2/ 490: «ومثل عبد العزيز المعروف بالشويعر».
(5) البيت فى اللسان فى مادتى [عهب وغهب] وفيه: «حللت به وترى» ثم قال المؤلف:
«قال ابن برى: الشويعر هذا محمد بن حمران بن أبى حمران الجعفى»، وقد جاء الشطر الأول فى اللسان فى مادة [ثأر] وفيه: «قتلت به ثأرى»، وفى ذات المادة جاء قول الشاعر:
شفيت به نفسى وأدركت ثؤرتى ... بنى مالك هل كنت فى ثؤرتى نكسا؟
والثأر: الطلب بالدم. والثؤرة: المطلوب بالدم. والذحل: الثأر، وقيل: طلب مكافأة بجناية، وقيل: العداوة والحقد. والغيهب بالمهملة والمعجمة الضعيف عن طلب وتره.
(6) فى ف وخ والمغربيتين: «روى» وفى ف والمطبوعتين فقط: «بالغين معجمة وبالعين غير معجمة».
(7) فى م زاد المحقق بين معقوفين قوله: «صفوان بن» قبل «عبد ياليل»، وذكر فى الهامش(1/235)
[الوافر]
وأفلتنا أبو ليلى طفيل ... صحيح الجلد من أثر السلاح (1)
وقال بعضهم (2): شاعر، وشويعر، وشعرور. قال (3) العبدى فى شاعر يدعى المفوّف من بنى ضبّة ثمّ من بنى حميس: [الوافر]
ألا تنهى سراة بنى حميس ... شويعرها فويلية الأفاعى (4)
فسماه شويعرا، و «فالية الأفاعى» دويبة فوق الخنفساء، فصغّرها أيضا تحقيرا له.
وزعم الحاتمى (5) أن النابغة سئل (6): من أشعر الناس؟ فقال: من
__________
أن الزيادة عن البيان والتبيين.
وأقول: الذى فى البيان والتبيين 2/ 10: «والشويعر أيضا صفوان بن عبد ياليل من بنى سعد بن ليث، ويقال: إن اسمه ربيعة بن عثمان».
وقد وجدت هذا الاسم فى المؤتلف والمختلف 209، على النحو التالى: «ومنهم الشويعر الكنانى، واسمه ربيعة بن عثمان، أحد بنى البياع بن عبد ياليل بن ناشب من بكر بن كنانة».
وقال محقق البيان والتبيين فى الهامش: «أما ياقوت فى معجم البلدان فقال: قال الشويعر الكنانى واسمه ربيعة بن عثمان»، وقد وجدت ذلك فى معجم البلدان فى (ملاح).
والذى فى العمدة جاء بنصه فى المزهر 2/ 490
(1) البيت ثانى بيتين فى البيان والتبيين 2/ 11، وفى المؤتلف والمختلف آخر أربعة أبيات 209، وفى اللسان جاء آخر ثلاثة أبيات، دون اختلاف فى الجميع.
(2) البيان والتبيين 2/ 10، وانظر قولا مفصلا عن هذا فى الموشح 549و 550، والمزهر 2/ 490
(3) فى ف والمطبوعتين: «وقال».
(4) البيت أول بيتين فى البيان والتبيين 2/ 10، وفى المعانى الكبير 2/ 681، تحت عنوان:
«وقال بعض العبديين»، والبيت جاء فى المزهر 2/ 490، منفردا وبذات التقديم فى العمدة، وفيه:
«فويلتة الأفاعى»، وهو خطأ.
وفويلية الأفاعى: دويبة سوداء فوق الخنفساء. انظر المصادر السابقة، والحيوان 3/ 500
(5) هو محمد بن الحسن أو الحسين بن المظفر، البغدادى، يكنى أبا على، ويعرف بالحاتمى، نسبة إلى بعض جدوده، وهو أحد الأعلام المشاهير المطلعين المكثرين، أخذ العلم عن فحوله، وأخذ عنه جماعة من النبلاء، وله مواقف مشهورة من شعر المتنبى. ت 388هـ
تاريخ بغداد 2/ 214، ويتيمة الدهر 3/ 108، وإنباه الرواة 3/ 103، ومعجم الأدباء 18/ 154، والمحمدون من الشعراء 318، وبغية الوعاة 1/ 87، وسير أعلام النبلاء 16/ 499وما فيه، والشذرات 3/ 129، والوفيات 4/ 362، والوافى 2/ 343
(6) انظر حلية المحاضرة 1/ 195وفيه أتى الجواب هكذا: «من استجيد كذبه، وأضحك رديّه»، والكلام بنصه جاء فى المزهر 2/ 490(1/236)
استجيد جيده، وأضحك رديّه (1).
وهذا كلام يستحيل مثله عن النابغة: لأنه إذا أضحك رديّه (2) كان من سفلة الشعراء، إلا أن يكون ذلك فى الهجاء خاصة.
وقال الحطيئة (3): [الرجز]
الشّعر صعب وطويل سلّمه ... والشعر لا يسطيعه من يظلمه
إذا ارتقى فيه الّذى لا يعلمه ... زلّت به إلى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه
وإنما سمى الشاعر شاعرا لأنه (4) يشعر بما لا يشعر به غيره، فإذا (5) لم يكن عند الشاعر توليد معنى واختراعه (6)، أو (7) استطراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف به (8) غيره من المعانى، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر، كان اسم الشاعر عليه مجازا لا حقيقة، ولم يكن له إلّا فضل الوزن، وليس بفضل عندى مع التقصير (9).
__________
(1) فى م: «رديئه»، وفى المغربيتين: «وأضحك رديه كان من سفلة».
(2) فى ف وم: «رديئه».
(3) ديوان الحطيئة 291، وهو ليس من أصل الديوان، وإنما جاء فى هامشه نقلا عن الأغانى وغيره، وجاء فى الأغانى 2/ 196، بحذف قوله: «والشعر لا يسطيعه»، والرجز بنصه فى المزهر 2/ 490، وجاء فى المحاسن والمساوىء 1/ 433، بنصه مع اختلاف الترتيب. وجاءت منها أربعة فى المقتضب 2/ 32، والعقد الفريد 2/ 480، وجاء الشطر الأخير منسوبا إلى رؤبة فى الكتاب 3/ 53، وذكرت البقية فى الهامش. وجاء من الرجز أربعة أشطار دون نسبة فى البرهان فى وجوه البيان 174 ونسيها المحقق فى الهامش إلى الحطيئة.
(4) فى ص ومغربية: «لأنه يشعر لما لا يشعر له غيره»، وفى ف ومغربية: «لأنه يريد يشعر بما لا يشعر له غيره»، وفى المزهر 2/ 491، جاء التعبير الأول إلى قوله: «بما لا يشعر به غيره».
(5) فى ف: «وإذا».
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «ولا اختراعه».
(7) فى ص: «واستطراف»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين، وفيهم «استظراف» بالظاء المعجمة.
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أجحف فيه».
(9) انظر مثل هذا القول فى البرهان فى وجوه البيان 164(1/237)
ولقى رجل آخر فقال له: إن الشعراء ثلاثة: شاعر، وشويعر، وماصّ بظر أمه، فأيهم أنت؟ فقال: أما أنا فشويعر، واختصم أنت وامرؤ القيس فى الباقى.
وقال بعضهم: الشعر شعران: جيد محكّك، وردىء مضحك، (1) ولا شىء أثقل من الشعر الوسط والغناء الوسط (1).
وقد قال ابن الرومى يهجو ابن طيفور (2)، وهو (3) ابن أبى طاهر الكاتب: [المتقارب]
عدمتك يا ابن أبى الطاهر ... وأطعمت ثكلك من شاعر (4)
فما أنت سخن ولا بارد ... وما بين ذين سوى الفاتر (5)
وأنت كذاك تغثّى النفو ... س تغثية الفاتر الخاثر
وقد يجوز أن يكون النابغة أشار فيما حكى عنه الحاتمى من الردىء المضحك إلى هذا النحو.
وقيل: عمل الشعر على الحاذق (6) أشدّ من نقل الصخر، وقيل (7): إن
__________
(11) ما بين الرقمين جاء نظيره فى البيان والتبيين 1/ 145، فى أثناء حديث الجاحظ عن احتياج الإنسان إلى الاستماع لسخيف المعانى، كما هو فى حاجة إلى الاستمتاع بالجزل الفخم من الألفاظ، وقال فى ختام ذلك: «وإنما الكرب الذى يختم على القلوب، ويأخذ بالأنفاس، النادرة الفاترة، التى لا هى حارة ولا باردة، وكذلك الشعر الوسط، والغناء الوسط، وإنما الشأن فى الحار جدا والبارد جدا». وانظر مثله فى نقد الشعر 18و 19ومحاضرات الأدباء 1/ 95
(2) هو أحمد بن طيفور، يكنى أبا الفضل، ويعرف بابن أبى طاهر، وهى كنية أبيه، وهو من أبناء خراسان، ومولده ببغداد، كان أحد البلغاء الشعراء الرواة، ومن أهل الفهم المذكورين بالعلم، وكان أسرق الناس لنصف بيت وثلث بيت. ت 280هـ.
تاريخ بغداد 4/ 211، ومعجم الأدباء 3/ 87، والفهرست 163، والوافى بالوفيات 7/ 8
(3) قوله: «وهو ابن أبى طاهر الكاتب» ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(4) ديوان ابن الرومى 3/ 986، وفيه: «فقدتك يابن أبى طاهر».
(5) فى الديوان: «فلست بسخن».
(6) فى المطبوعتين: «على الحاذق به».
(7) فى ف والمطبوعتين: «ويقال».(1/238)
الشعر كالبحر أهون ما يكون على الجاهل، أهول ما يكون على العالم، وأتعب أصحابه قلبا من عرفه حق معرفته.
وأهل صناعة الشعر أبصر بها (1) من العلماء بآلته من / نحو، وغريب، ومثل، وخبر، وما أشبه ذلك، ولو كانوا دونهم بدرجات، فكيف (2) لمن قاربوهم، أو كانوا منهم بسبب؟!
وقد كان أبو عمرو بن العلاء، وأصحابه لا يجرون مع خلف الأحمر فى حلبة هذه الصناعة أعنى النقد ولا يشقّون له غبارا لنفاذه فيها، وحذقه بها، وإجادته لها.
وقد يميز الشعر من لا يقوله، كالبزّاز يميز من الثياب ما لم ينسجه، والصّيرفىّ يخبر من الدنانير ما لم يسبكه، ولا ضربه، حتى إنه ليعلم مقدار ما فيه من الغشّ (3) فينقص قيمته.
وحكى (4) أن رجلا قال لخلف الأحمر (5): ما أبالى إذا سمعت شعرا أستحسنه (6) ما قلت أنت وأصحابك فيه!!! فقال له: إذا أخذت درهما تستحسنه، وقال لك الصراف (7): إنه ردىء، هل ينفعك استحسانك له؟!
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أبصر به».
(2) فى ف: «وكيف وإن»، وفى المطبوعتين: «وكيف إن».
(3) فى ف والمطبوعتين: «من الغش وغيره»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) انظر هذا فى طبقات ابن سلام 1/ 7، مع بعض اختلاف.
(5) هو خلف بن حيان، يكنى أبا محرز، ويعرف بخلف الأحمر، كان مولى لأبى بردة بن أبى موسى الأشعرى، وكان عالما بالغريب، والنحو، والنسب، والأخبار، كما كان شاعرا كثير الشعر جيده، ولم يكن فى نظرائه من أهل العلم أكثر شعرا منه، إلا أنه كان يقول الشعر وينحله المتقدمين، مات فى حدود سنة 180هـ
طبقات ابن سلام 1/ 7و 23، 57، 65، وغيرها، والشعر والشعراء 2/ 789، والمعارف 544، والفهرست 55، والأمالى 1/ 156، ومعجم الأدباء 11/ 66، وسمط اللآلى 1/ 412، وبغية الوعاة 1/ 554، وطبقات ابن المعتز 146، وطبقات الزبيدى 161
(6) فى ف والمطبوعتين: «استحسنته»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.
(7) فى ف والمطبوعتين: «الصيرفى»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.(1/239)
وقيل للمفضل الضبى (1): لم لا تقول الشعر، وأنت أعلم الناس به؟
قال: / علمى به هو الذى يمنعنى من قوله.
وأنشد: [الطويل]
وقد يقرض الشعر البكىّ لسانه ... وتعيى القوافى المرء وهو لبيب (2)
والشعر مزلّة العقول وذلك أن أحدا ما صنعه قط فكتمه ولو كان رديّا (3)، وإنما ذلك لسروره به، وإكباره إياه، وهذه زيادة فى فضل الشعر، وتنبيه على قدره وحسن موقعه من كل نفس.
وقال الأصمعى على تقدّمه فى الرواية، وميزه بالشعر: [الطويل]
أبى الشعر إلّا أن يفئ رديّه ... علىّ ويأبى منه ما كان محكما (4)
فياليتنى إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما
وقال عبد الكريم (5): الشعر أربعة أصناف (6): فشعر هو خير كله،
__________
(1) هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبى، يكنى أبا العباس، أو أبا عبد الرحمن، كان راوية، علامة بالشعر والأدب وأيام العرب، وكان قد خرج على المنصور، ولما ظفر به عفا عنه، ولزم المهدى، وصنف له المفضليات. ت 168هـ أو بعد ذلك.
المعارف 545، وتاريخ بغداد 13/ 121، والفهرست 75، وطبقات النحويين واللغويين 193، ومعجم الأدباء 19/ 164، ونزهة الألباء 51، وبغية الوعاة 2/ 297، وإنباه الرواة 3/ 298، وسير أعلام النبلاء 14/ 362، ووفيات الأعيان 4/ 205
(2) البيت وحده دون الخبر فى البيان والتبيين 1/ 209، تحت عنوان: «وقال الشاعر» وكذلك فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 93، وهذا يجعلنى أقول إن «وأنشد» التى أتت فى ذيل الخبر هى بالبناء للمجهول، كما أنها بداية حديث آخر غير حديث المفضل الضبى. وفى البيان والمحاضرات:
«وهو خطيب».
(3) فى المطبوعتين: «رديئا».
(4) البيتان فى زهر الآداب 1/ 200، دون نسبة، وفيه: «يفىء رديه إلىّ»، والبيتان بنصهما دون نسبة فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 94
(5) لم أجد هذا القول فى الممتع.
(6) فى خ: «الشعر أصناف» بحذف كلمة «أربعة»، وفى م كتبت كلمة «أربعة» بين معقوفين دون ذكر السبب.(1/240)
وذلك ما كان فى باب الزهد، والمواعظ الحسنة، والمثل العائد / على من تمثل به بالخير، وما أشبه ذلك. وشعر هو ظرف كله، وذلك القول فى الأوصاف، والنعوت، والتشبيه، وما يفتنّ به من المعانى والآداب. وشعر هو شرّ كله، وذلك الهجاء، وما تسرّع به الشاعر إلى أعراض الناس. وشعر يتكسّب به، وذلك أن يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها، ويخاطب كل إنسان من حيث هو، ويؤتى إليه من جهة فهمه.
وذكر الجمحى (1) فى الشعراء المقاحيم (2) والثّنيان قال: والمقحم الذى يقتحم سنّا إلى أخرى (3)، وليس بالبازل ولا المستحكم، وأنشد لأوس بن حجر:
[الطويل]
وقد رام بحرى قبل ذلك طاميا ... من الشعراء كلّ عود ومقحم (4)
قال: والثّنيان: الواهن العاجز، وأنشد لأوس بن مغراء (5):
[البسيط]
ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا (6)
__________
(1) انظر طبقات ابن سلام 1/ 79، وفيه اختلاف يسير فى تقديم بعض الألفاظ على بعض.
(2) فى ف والمطبوعتين: «المقاحم»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.
(3) قال الأستاذ محمود شاكر رحمه الله فى تفسير ذلك: «يعنى من الإبل، فليقى سنين من أسنانه فى عام واحد، ولا يكون ذلك إلا للسّىء الغذاء، أو ابن الهرمين، فكل شىء نسب إلى الضعف فهو مقحم».
(4) البيت بنصه فى الطبقات وديوان أوس بن حجر 123. والعود: الجمل المسنّ المدرّب، جاوز العاشرة من عمره، أشد من البازل يريد كل ضعيف وقوى من الشعراء. [من شرح الطبقات].
(5) هو أوس من مغراء السعدى القريعى، شاعر مخضرم، كان يهاجى النابغة الجعدى، والراعى، وابن السمط، وغلّب على النابغة الجعدى، وشهد الفتوح، وعاش إلى زمن معاوية بن أبى سفيان. والمغرة: الحمرة.
طبقات ابن سلام 1/ 125و 126و 515و 516، وصفحات أخرى يمكن الرجوع إليها فى فهرس الطبقات. والشعر والشعراء 2/ 687، والاشتقاق 255، وسمط اللآلى 2/ 795، ومن الضائع من معجم الشعراء 31
(6) فى الطبقات: «ثنياننا إن أتاهم كان» وما فى العمدة يوافق الأمالى 2/ 176، واللسان فى(1/241)
وقال (1) غيره: الثّنيان: الذى ليس بالرئيس، بل هو دونه، وأنشدوا لنابغة بنى ذبيان يخاطب يزيد بن الصّعق (2): [الوافر]
يصدّ الشاعر الثّنيان عنّى ... صدود البكر عن قرم هجان (3)
قال الجمحى (4): وللشّعر صناعة (5) وثقافة، يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات: منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان.
من ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا يعرف بصفة ولا وزن، دون المعاينة ممن يبصره.
ومن ذلك الجهبذة (6) بالدينار والدرهم، لا تعرف جودتهما بلون، ولا مسّ، ولا طراوة، ولا يبس (7)، ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة / فيعرف بهرجها (8)، وزائفها، وستّوقها، ومفرغها.
__________
[ثنى] وجاء مخالفا فى اللسان فى [بدأ] وفى الحيوان 6/ 487، «تلقى ثنانا».
والبدء: السيد الأول فى السيادة، والمستجاد الرأى المستشار. والثنيان: الذى يليه، وهو من الإبل الذى يلقى ثنيته إذا استكمل الخامسة، وطعن فى السادسة، فهو ضعيف بعد، ولكنه فى طريقه إلى أن يكون بازلا [من الطبقات بتصرف].
(1) انظر هذا فى الأمالى 2/ 176وفى ف والمطبوعتين: «قال» بحذف الواو.
(2) هو يزيد بن عمرو الصعق ابن خويلد، ولقب عمرو بالصعق لأنه عمل طعاما لقومه بعكاظ، فجاءت ريح بغبار فأفسدت طعامه، فسبّها، فأحرقته الصاعقة.
معجم الشعراء 480، والعقد الفريد 3/ 355، والخزانة 1/ 430
(3) ديوان النابغة الذبيانى 112وسيأتى البيت فى ص 898
الثّنيان بضم الثاء وكسرها الذى دون البدء. والبدء: السيد. والقرم: الفحل الكريم من الإبل. والهجان: الإبل البيض، جعل نفسه كالفحل الكريم، وجعل يزيد بن عمرو العامرى كالبكر من الإبل لأنه لا يقاومه فى الهجاء، كما لا يقاوم البكر القرم، ولا يطيقه. [من شرح الديوان].
(4) طبقات ابن سلام 1/ 51، باختلاف يسير فى بعض الألفاظ، والحذف، والتقديم والتأخير.
(5) انظر ما قاله الأستاذ محمود شاكر رحمه الله فى فتح صاد «صناعة» وكسرها فى هامش الطبقات 1/ 5
(6) الجهبذة: أراد بها هنا نقد الزيوف والصحاح من الدنانير والدراهم. [من شرح الطبقات].
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ولا دنس»، وفى الطبقات: «ولا مسّ ولا طراز ولا وسم ولا صفة».
(8) البهرج: الردىء الفضة، فيبطل ويرد. والستّوق: إذا كان من ثلاث طبقات، يرد ويطرح.(1/242)
ومنه البصر / بأنواع المتاع وضروبه (1)، مع تشابه لونه، ومسّه، وذرعه، واختلاف بلاده، حتى يردّ كل صنف منها إلى بلده الذى خرج منه.
وكذلك بصر الرقيق، فتوصف الجارية فيقال: ناصعة اللون، جيدة الشّطب (2)، نقية الثّغر، حسنة العين والأنف، جيدة النهود (3)، ظريفة اللسان، واردة (4) الشّعر، فتكون بهذه الصفة بمائة دينار، وبمائتى دينار، وتكون أخرى بألف دينار، وألفى دينار وأكثر (5)، ولا يجد واصفها مزيدا على هذه الصفة.
وتوصف الدابة فيقال: خفيف العنان، ليّن الظّهر، شديد الحافر، فتىّ السّنّ، نقىّ من العيوب، فيكون بخمسين دينارا أو نحوها، وتكون أخرى بمائتى دينار وأكثر، تكون (6) هذه صفتها.
ويقال للرجل والمرأة فى القراءة والغناء: إنه لندىّ الحلق، طلّ (7) الصوت، طويل النفس، مصيب للحن (8)، ويوصف الآخر بهذه الصفة، وبينهما بون بعيد، يعرف ذلك أهل العلم به عند المعاينة والاستماع، بلا صفة ينتهى إليها، ولا علم يوقف عليه، وإن كثرة المدارسة للشىء لتعدى (9) على العلم به. وكذلك الشعر يعرفه أهل العلم به.
__________
والمفرغ: المصمت المصبوب فى قالب ليس بمضروب [من شرح الطبقات].
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «وضروبه وصنوفه»، وهى غير موجودة فى الطبقات.
(2) الشطب هنا من قولهم: شطب الأديم: قده طولا، وشطب السنام: قطعه قددا لا تفصله، وعنى به اعتدال القد وطوله، وانتبار المتن والكفل وسمنهما، وفى اللغة، جارية شطبة: طويلة حسنة الخلق غضة. [من شرح الطبقات].
(3) فى ف والمطبوعتين: «النهدين»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.
(4) شعر وارد: مسترسل حسن النبت، طويل يرد كفل المرأة. [من شرح الطبقات].
(5) سقطت كلمة «وأكثر» من ف والمطبوعتين، وفى الطبقات: «وتكون أخرى بألف دينار وأكثر».
(6) فى الطبقات: «وتكون».
(7) فى ف: «طويل الصوت» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «حسن الصوت»، وما فى ص يوافق الطبقات.
(8) فى ف والمطبوعتين: «مصيب اللحن»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الطبقات.
(9) فى ف: «لتعتدى» [كذا]، وفى المطبوعتين: «لتعين»، وما فى ص يوافق الطبقات.(1/243)
وسمعت بعض الحذاق يقول: ليس للجودة فى الشعر صفة، إنما هو شىء يقع فى النفس عند المميّز، كالفرند (1) فى السيف، والملاحة فى الوجه، وهذا راجع إلى قول الجمحى، بل هو بعينه، وإنما فيه فضل الاختصار.
(2) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم وشرف وكرم، يتلوه بحول الله باب حد الشعر وبنيته (2).
* * * __________
(1) الفرند: وشى السيف، وهو دخيل، أو وشيه وجوهره وماؤه الذى يجرى فيه [انظر اللسان].
(22) ما بين الرقمين ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.(1/244)
باب حد الشعر وبنيته
الشعر يقوم بعد النيّة من أربعة أشياء، وهى: اللفظ، والمعنى، والوزن، والقافية، هذا (1) هو حدّ الشعر لأن فى (2) الكلام / موزونا مقفّى وليس بشعر لعدم القصد والنية، كأشياء اتّزنت من القرآن، ومن كلام النبى صلى الله عليه وسلّم، وغير ذلك مما لم يطلق عليه أنه شعر.
والمتّزن: ما عرض على الوزن فقبله، فكأن الفعل صار له، ولهذه العلة سمّى ما جرى هذا المجرى من الأفعال فعل مطاوعة، هذا هو الصحيح، وعند طائفة من أصحاب الجدل أن «المنفعل» و «المفتعل» لا فاعل لهما، نحو:
شويت اللحم، فهو منشو، ومشتو، وبنيت الحائط، فهو منبن، ووزنت الدينار، فهو متّزن.
وهذا محال لا يصح مثله فى العقول، وهو يؤدى إلى ما لا حاجة لنا به، ومعاذ الله أن يكون مراد القوم فى ذلك إلا المجاز والاتساع، وإلا فليس هذا مما يغلط فيه من رقّ ذهنه، وصفا خاطره.
وإنما / جئت بهذا الفصل احتجاجا على من زعم أن «المتّزن» غير داخل فى الموزون، وإذا لم يعرض المتزن على الوزن فيوجد موزونا فمن أين يعلم أنه متّزن؟
وكيف يقع عليه هذا الاسم؟
وقال بعض العلماء بهذا الشأن: بنى الشعر على أربعة أركان، وهى:
المدح، والهجاء، والنسيب، والرثاء.
وقالوا: قواعد الشعر أربع (3): الرغبة، والرهبة، والطرب، والغضب:
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «فهذا».
(2) فى ف والمطبوعتين: «لأن من الكلام».
(3) فى ص وف فقط: «أربعة» بالتأنيث، وهى جائزة على رأى البغداديين الذين ينظرون إلى صورة الجمع لا إلى مفرده.
انظر الأشمونى 3/ 619، تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد رحمه الله ط 1955، ولكننى اعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين. وانظر فى قواعد الشعر وأركانه ما جاء فى الشعر والشعراء 1/ 78و 80، وعيون الأخبار 2/ 184(1/245)
فمع الرغبة يكون المديح (1) والشكر (2)، ومع الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف، ومع الطرب يكون الشوق ورقة النسيب، ومع الغضب يكون الهجاء والتوعد والعتاب الموجع.
وقال الرمانى على بن عيسى (3): أكثر ما تجرى عليه أغراض الشعر خمسة: النسيب، والمدح، والهجاء، والفخر، والوصف، ويدخل التشبيه والاستعارة فى باب الوصف (4).
وقال (5) عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهيّة: أتقول الشعر اليوم؟
فقال: والله ما أطرب، ولا أغضب، ولا أشرب / ولا أرغب، وإنما يجىء الشعر عند إحداهن.
وقال (6) أبو على البصير (7): [الطويل]
مدحت الأمير الفتح أطلب عرفه ... وهل يستزاد قائل وهو راغب؟ (8)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «المدح».
(2) سقطت كلمة «والشكر» من ص وف.
(3) هو على بن عيسى بن على بن عبد الله، يكنى أبا الحسن، ويعرف بالرمانى، كان من أهل المعرفة، مفتنا فى علوم كثيرة، من الفقه، والقرآن، والنحو، واللغة، والكلام على مذهب المعتزلة. ت 384هـ.
تاريخ بغداد 12/ 16، والفهرست 69، وإنباه الرواة 2/ 294، ومعجم الأدباء 14/ 73، ونزهة الألباء 233، وبغية الوعاة 2/ 180، وسير أعلام النبلاء 16/ 533وما فيه، والشذرات 3/ 109، ووفيات الأعيان 3/ 299
(4) لم أجد هذا القول فيما تحت يدى من المصادر.
(5) هذا القول تجده فى عيون الأخبار 2/ 184، والشعر والشعراء 1/ 80و 522، والعقد الفريد 5/ 326، وجاء فى الموشح 377، باختلاف يسير.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(7) هو الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس، يكنى أبا على، كان أعمى، وكان يتشيع تشيعا فيه بعض الغلو، ولقب بالبصير على العادة فى التفاؤل، عاش إلى أيام المعتز، وقيل توفى سنة الفتنة، وقيل بعد الصلح أى بعد سنة 251هـ.
مروج الذهب 4/ 147، وطبقات ابن المعتز 397، ومعجم الشعراء 185، ونكت الهميان 225، والسمط 276، والفهرست 137
(8) البيتان بنسبتهما إلى أبى على البصير فى المنصف 242، وفيه: «طالب عرفه وهل يستراد».(1/246)
فأفنى فنون الشعر وهى كثيرة ... وما فنيت آثاره والمناقب
فجعل الرغبة غاية لا مزيد عليها.
وقال عبد الكريم (1): يجمع أصناف الشعر أربعة: المديح، والهجاء، والحكمة، واللهو، ثم يتفرع من كل صنف من ذلك فنون، فيكون من المديح المراثى، والافتخار، والشكر، ويكون (2) من الهجاء الذّمّ والعتب (3)، والاستبطاء، ومن (4) الحكمة الأمثال، والتّزهيد، والمواعظ، ويكون من اللهو الغزل، والطرد، وصفة الخمر والمخمور.
وقال قوم: الشعر كله نوعان: مدح، وهجاء: فإلى المدح يرجع الرثاء، والافتخار، والنسيب (5)، وما تعلق بذلك من محمود الوصف، كصفات الحمول (6) والآثار، والتشبيهات الحسان، وكذلك تحسين الأخلاق، كالأمثال، والحكم، والمواعظ، والزهد فى الدنيا، والقناعة. والهجاء ضد ذلك كله، غير أن العتاب حال (7) بين الحالين، فهو طرف لكل واحد منهما، وكذلك الإغراء ليس بمدح ولا هجاء لأنك لا تغرى بإنسان فتقول: إنه حقير ولا ذليل، إلا كان عليك وعلى المغرى الدّرك، ولا تقصد أيضا بمدحه الثناء عليه فيكون ذلك على وجهه.
__________
(1) لم أجد هذا القول فى الممتع.
(2) فى ف وخ: «ثم يكون».
(3) فى ف والمطبوعتين: «العتاب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
والعتب: الموجدة. عتب عليه يعتب عتبا وعتابا ومعتبة ومعتبا، وقال الأزهرى: لم أسمع العتب والعتبان والعتاب بمعنى الإعتاب، إنما العتب والعتبان لومك الرجل على إساءة كانت له إليك، فاستعتبته منها، وكل واحد من اللفظين يخلص للعاتب، فإذا اشتركا فى ذلك، وذكّر كل واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، فهو العتاب والمعاتبة. انظر اللسان فى [عتب].
(4) فى م: «ويكون من الحكمة»، ووضع «يكون» بين معقوفين، ولا أدرى من أين أتى بهذه الزيادة!!
(5) فى ف والمطبوعتين: «والتشبيب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) فى م: «كصفات الطلول»، ولا أعرف من أين انفرد بذلك!!
والحمول بضم الحاء والميم الأجمال التى عليها الأثقال، أما الحمولة: فهى الأثقال خاصة انظر اللسان فى [حمل وهناك تفصيل واسع]
(7) فى ف: «حال من الحالين» [كذا]، وفى المطبوعتين: «حال بين حالين».(1/247)
والبيت من الشعر كالبيت من الأبنية، والشعر قراره الطبع، وسمكه الرواية، ودعائمه العلم، وبابه الدّربة، وساكنه المعنى، ولا خير فى بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافى كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخىّ (1) والأوتاد للأخبية، وأما ما سوى ذلك من محاسن العشر فإنما / هو زينة مستأنفة، لو لم تكن لا ستغنى عنها.
قال (2) القاضى علىّ بن عبد العزيز الجرجانى (3) صاحب كتاب الوساطة: الشعر علم من علوم العرب، يشترك فيه / الطبع، والرواية والذكاء، ثم تكون الدّربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه، فمن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرّز، وبقدر نصيبه منها تكون مرتبته من الإحسان.
وقال (4): ولست أفضل فى هذه القضية بين القديم والمحدث، والجاهلى والمخضرم، والأعرابى والمولّد، إلا أنى أرى حاجة المحدث إلى الرواية أمسّ، وأجده إلى كثرة الحفظ أفقر، فإذا استكشفت عن هذه الحال وجدت سببها، والعلة فيها أنّ المطبوع الذكىّ (5) لا يمكنه تناول ألفاظ العرب إلا رواية، ولا طريق إلى الرواية إلا السمع، وملاك السمع الحفظ.
وقال دعبل فى كتابه (6): من أراد المديح فبالرغبة، ومن أراد الهجاء فبالبغضاء، ومن أراد التشبيب فبالشوق والعشق، ومن أراد المعاتبة فبالاستبطاء.
__________
(1) الأواخى جمع أخية، وأخيّة، وآخية وهى العروة تشد بها الدابة مثنية فى الأرض [انظر:
اللسان أخا] والخلاف فيه بين علماء اللغة لا يوصل إلا إلى ذات هذا المعنى.
(2) هذا القول تجده فى الوساطة 15
(3) هو على بن عبد العزيز بن الحسن، ويكنى أبا الحسن، ويعرف بالقاضى الجرجانى لأنه كان قد تولى القضاء بجرجان من يد الصاحب بن عباد، ولما عمل الصاحب رسالته المعروفة فى إظهار مساوىء المتنبى، عمل القاضى الجرجانى كتابه الوساطة بين المتنبى وخصومه، وفى لطائف المعارف نسب إليه الثعالبى كتابا اسمه «كتاب الرؤساء والجلة»، وهو غير معروف. ت 392هـ.
يتيمة الدهر 4/ 3، ولطائف المعارف 232، وسير أعلام النبلاء 17/ 19وما فيه من مصادر، والشذرات 3/ 56، ومعجم الأدباء 14/ 14، ووفيات الأعيان 3/ 278، والوساطة.
(4) الوساطة 15و 16، باختلاف يسير.
(5) فى ف وخ: «الذى»، ولا معنى له.
(6) لم أعثر على ما يدلنى على هذا الكتاب، ولا بد أنه ضمن تراثنا المفقود.(1/248)
فقسّم الشعر كما ترى هذه الأقسام الأربعة، وكان الرثاء عنده من باب المدح على ما قدمت، إلا أنه جعل العتاب بدلا منه.
وقال غير واحد من العلماء: الشعر ما اشتمل على المثل السائر، والاستعارة الرائعة، والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإنما لقائله فضل الوزن.
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلى (1) لأعرابى (2): من أشعر الناس؟
فقال (3): الذى إذا قال أسرع، وإذا أسرع أبدع، وإذا تكلم أسمع، وإذا مدح رفع، وإذا هجا وضع.
وسئل بعض أهل الأدب: من أشعر الناس؟ فقال: من أكرهك شعره على هجو ذويك، ومدح أعاديك.
يريد الذى تستحسنه، فتحفظ منه ما عليك فيه وصمة، وخلاف للشّهوة.
/ وهذا ذوب (4) قول أبى الطيب أولا (5): [الطويل]
وأسمع من ألفاظه اللغة الّتى ... يلذّ بها سمعى ولو ضمّنت شتمى (6)
أخذه من قول أبى تمام (7): [الطويل]
فإن أنا لم يحمدك عنّى صاغرا ... عدوّك فاعلم أنّنى غير حامد (8)
__________
(1) هو إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أو ابن ماهان الموصلى، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن النديم، وكان الرشيد يكنيه أبا صفوان، كان من العلماء باللغة والأشعار، وأخبار الشعراء، وأيام الناس، وكان من ندماء الخلفاء، وكان الغناء أصغر علومه، وأدنى ما يوسم به، وإن كان غلب عليه. ت 235هـ.
الأغانى 5/ 268، والفهرست 157، وطبقات ابن المعتز 359، وتاريخ بغداد 6/ 338، ومعجم الأدباء 6/ 5، ونزهة الألباء 132، وإنباه الرواة 1/ 315، وسير أعلام النبلاء 11/ 118 وما فيه، وشذرات الذهب 2/ 82، ووفيات الأعيان 1/ 202، والوافى بالوفيات 8/ 388
(2) فى ف والمطبوعتين فقط: «قلت لأعرابى».
(3) فى ف والمطبوعتين: «قال».
(4) سقطت كلمة: «ذوب» من ف وخ، وكتبها محقق م بين معقوفين!!
(5) سقطت كلمة «أولا» من م والمغربيتين.
(6) ديوان المتنبى 4/ 53، ضمن قصيدة يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخى.
(7) ديوان أبى تمام 2/ 77دون اختلاف، وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 226
(8) فى ف والمطبوعتين: «لم يمدحك»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الديوان، وفى ف:
«صاغر» [كذا].(1/249)
واتبعه البحترى فى ذلك فقال (1): [الكامل]
ليواصلنك ركب شعرى سائرا ... يرويه فيك لحسنه الأعداء (2)
وقال عبد الصمد بن المعذل: الشعر كله فى ثلاث لفظات وليس كل إنسان يحسن تأليفها: فإذا مدحت قلت «أنت»، وإذا هجوت قلت «لست»، وإذا رثيت قلت «كنت».
وقال بعض النقاد: أصعب (3) الشعر الرثاء لأنه لا يعمل رغبة، ولا رهبة.
قال ابن قتيبة (4): قال أحمد بن يوسف (5) الكاتب لأبى يعقوب الخريمى: أنت فى مدائحك لمحمد بن منصور كاتب البرامكة أشعر منك فى مراثيك (6)، فقال: كنّا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم (7) نعمل على الوفاء.
__________
(1) ديوان البحترى 1/ 22، وانظر ما قيل عن هذا البيت وبيت أبى تمام فى الموازنة 3/ 2/ 678
(2) فى ص وف: «ليوصلنك»، واعتمدت ما فى المغربيتين والديوان والمطبوعتين. وفى الديوان: «ركب شعر» وفيه تخريج جيد.
(3) فى م: «أصغر»، وكتب المحقق فى الهامش: «هكذا فى كل الأصول، وربما كان محرفا عن أشعر الشعر الرثاء»!! ونحن نقول: إن المحقق يبدو أنه لم يعرف قراءة الكلمة إذا كان قد رجع إلى مخطوط، كما أنه لم يقرأ ما فى خ!!!
(4) الشعر والشعراء 1/ 79، مع بعض اختلاف.
(5) هو أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، يكنى أبا جعفر، مولى بنى عجل، كان من أفاضل كتاب المأمون، وأذكاهم وأفطنهم، وأجمعهم للمحاسن، وكان جيد الكلام، فصيح اللسان، حسن اللفظ، مليح الخط، جيد الشعر. ت 213أو 214هـ.
تاريخ بغداد 5/ 216، والأغانى 23/ 118، والوزراء والكتاب 304وأخبار الشعراء المحدثين 143، ومعجم الأدباء 5/ 161، والهفوات النادرة 253، والوافى بالوفيات 8/ 279، والفهرست 135و 137
(6) فى ف والمطبوعتين: «فى مراثيك له»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) فى المطبوعتين: «ونحن نعمل اليوم»، إلا أن محقق م وضع «نعمل» بين معقوفين!! ولا ندرى السبب.(1/250)
قال أبو على (1) صاحب الكتاب: ومن هذا المنثور والله أعلم سرق البصير بيته المتقدم (2) فى الفتح بن خاقان.
وقيل لبعضهم: ما أحسن الشعر؟ فقال: ما أعطى القياد، وبلغ المراد.
وقال (3) أبو عبيد الله (4) وزير المهدى: خير الشعر ما فهمته العامّة، ورضيته / الخاصّة.
وسمعت بعض الشيوخ يقول: قال الحذّاق: لو كانت البلاغة فى التطويل ما سبق إليه (5) أبو نواس والبحترى.
وقال بعض الحذّاق من المتعقبين: أشعر الناس من تخلّص فى مدح امرأة ورثائها.
وقال ابن المعتز: قيل لمعتوه: ما أحسن الشعر؟ فقال (6): ما لم يحجبه عن القلب شىء.
انتهى الباب (7)
* * *
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب»، بإسقاط «أبو على».
(2) هما بيتان سبقا فى هذا الباب ذاته ص 194و 195.
(3) انظر هذا القول بذات النسبة فى التمثيل والمحاضرة 158، والمستطرف 1/ 95وكنيته فيه:
«أبو عبد الله».
(4) هو معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعرى، يكنى أبا عبيد الله، الوزير الكاتب، كان المهدى يبالغ فى إجلاله واحترامه، وكان مع دينه فيه تيه وتعزز، فقد حج الربيع الحاجب، فجاء إليه مسلما، فما قام له، ولا وفاه حقه، فعمل عليه عند المهدى، ورمى ابنه بالتعرض لحرم الهادى، فقتل الهادى ابنه، وقبض عليه، فسجنه، وظل فى السجن حتى توفى سنة 170هـ.
تاريخ بغداد 13/ 196، وسير أعلام النبلاء 7/ 398وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 279، والوزراء والكتاب 145141، ومروج الذهب 3/ 322
فى ص والمطبوعتين والمغربيتين: «أبو عبد الله»، واعتمدت ما فى ف لمطابقته المصادر المذكورة.
(5) فى المطبوعتين: «إليها»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(7) سقط قوله: «انتهى الباب» من ف والمطبوعتين.(1/251)
باب فى اللفظ والمعنى
اللفظ جسم، روحه (1) المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم، يضعف بضعفه، ويقوى بقوّته، فإذا سلم / المعنى، واختلّ بعض اللفظ كان نقصا للشعر، وهجنة عليه، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج، والشلل، والعور، وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب (2) الروح، وكذلك إن ضعف المعنى واختلّ بعضه كان للفظ (3) من ذلك أوفر حظّ، كالذى يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح.
ولا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ وجريه فيه على غير الواجب، قياسا على ما قدمت من أدواء الجسوم والأرواح، فإن اختلّ المعنى كلّه وفسد بقى اللفظ مواتا لا فائدة فيه، وإن كان حسن الطلاوة فى السمع، كما أن الميت لم ينقص من شخصه شىء فى رأى العين، إلا أنه لا ينتفع به، ولا يفيد فائدة، وكذلك إن اختلّ اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى لأنّا لا نجد روحا فى غير جسم البتة.
ثم للناس فيما بعد آراء ومذاهب: منهم من يؤثر اللفظ على المعنى، فيجعله غايته ووكده، وهم فرق: قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته، على مذهب العرب من غير تصنيع (4)، كقول بشار (5): [الطويل]
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو مطرت دما (6)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وروحه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى ص والمغربيتين: «يذهب» بالمثناة التحتية، وكلاهما صحيح إلا أننى اعتمدت ما فى ف والمطبوعتين لأن اللسان يألفه.
(3) فى ص وف: «اللفظ»، واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين لأنه لو كان الأمر كذلك لقيل: «أوفر حظّا».
(4) فى ف ومغربية: «تضييع»، وهو تصحيف، وفى المطبوعتين: «تصنع».
(5) ديوان بشار 4/ 184وسيأتى البيتان فى ص 825
(6) فى الديوان: «هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما».(1/252)
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة ... ذرى منبر صلّى علينا وسلّما
وهذا النوع أدلّ على القوة، وأشبه بما وقع فيه من موضع الافتخار، وكذلك ما مدح به الملوك يجب أن يكون من هذا النحت.
وفرقة أصحاب جلبة وقعقعة بلا طائل معنى إلا القليل النادر، كأبى القاسم بن هانئ (1)، ومن جرى مجراه، فإنه يقول أول مذهبته (2):
[الطويل]
أصاخت فقالت: وقع أجرد شيظم ... وشامت فقالت: لمع أبيض مخذم (3)
وما ذعرت إلّا لجرس حليّها ... ولا رمقت إلّا برى فى مخدّم (4)
/ وليس تحت هذا كله إلا الفساد، وخلاف المراد، ما الذى يفيدنا أن تكون هذه المنسوب بها لبست حليّها / فتوهمته بعد الإصاخة والرّمق وقع فرس، أو لمع سيف؟! غير أنها مغزوّة فى دارها، أو جاهلة بما حملته من زينتها، ولم يخف عنا مراده أنها كانت تترقبه، فما هذا كله؟!
وكان (5) عند أبى القاسم مع طبعه صنعة، فإذا أخذ فى الحلاوة والرقّة، وعمل بطبعه، وعلى سجيته، أشبه الناس، ودخل فى جملة الفضلاء، وإذا تكلف الفخامة، أو سلك طريق الصنعة، أضرّ بنفسه، وأتعب سامع شعره.
ويقع له من الكلام المصنّع (6) والمطبوع فى الأحايين أشياء جيدة، كقوله فى المطبوع يصف شجعانا (7):
__________
(1) قال فيه ابن شرف فى مسائل الانتقاد 155و 156، بتحقيقنا: «وأما ابن هانىء فرعدى الكلام، سردى النظام، متين المبانى، غير مكين المعانى»، وانظر بقية قوله فإن فيه شيئا جيدا.
(2) ديوان ابن هانىء 313مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(3) الأجرد من الخيل والدواب: القصير الشعر. والشيظم والشيظمى: الطويل الجسم الفتىّ من الناس والخيل والإبل. والمخذم: السيف القاطع.
(4) البرى جمع برة: وهى الخلخال. والمخدّم: موضع الخلخال من الساق.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وكانت»، وكلاهما صحيح لغويا لأنه إذا فصل الفعل عن الفاعل المؤنث جاز تذكيره وتأنيثه.
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «المصنوع».
(7) ديوان ابن هانىء 162(1/253)
[الكامل]
لا يأكل السّرحان شلو عقيرهم ... ممّا عليه من القنا المتكسّر (1)
«العقير» هاهنا منهم، أى: لم يمت لشجاعته حتى تحطم عليه من الرماح ما لا يصل معه الذئب إليه كثرة، ولو كان «العقير» هو الذى عقروه هم لكان البيت هجوا لأنه كان يصفهم بالضعف والتكاثر على واحد.
وقوله فى المصنوع (2): [الكامل]
وجنيتم ثمر الوقائع يانعا ... بالنصر من ورق الحديد الأخضر (3)
فهذا كله جيد بديع، وقد زاد فيه على قول البحترى (4):
[الكامل]
حملت حمائله القديمة بقلة ... من عهد عاد غضّة لم تذبل
ويروى: «من (5) عهد تبّع».
ومنهم من ذهب إلى سهولة اللفظ، فعنى بها، واغتفر له فيها الركاكة واللين المفرط: كأبى العتاهية، وعباس بن الأحنف، ومن تبعهما (6)، وهم يرون الغاية قول أبى العتاهية (7):
__________
(1) فى الديوان: «شلو طعينهم».
والسّرحان: الذئب. والشلو: المقصود به الجثة. والعقير: المقتول.
(2) ديوان ابن هانىء 161
(3) فى ف والمطبوعتين: «بالنضر» بالضاد المعجمة، وما فى ص يوافق المغربيتين. وأشار محقق م فى الهامش إلى أنه فى الديوان «بالنصر من ورق».
وورق الحديد: المقصود به السيوف.
(4) ديوان البحترى 3/ 1752
(5) فى ص: «عن عهد».
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ومن تابعهما».
(7) هو إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، يكنى أبا إسحاق، وأبو العتاهية لقب غلب عليه، كان يبيع الفخار بالكوفة، ثم قال الشعر فبرع فيه، حتى ليكاد يكون كلامه كله شعرا، وكان من الشعراء المطبوعين. ت 211هـ.(1/254)
[السريع]
يا إخوتى إنّ الهوى قاتلى ... فيسّروا الأكفان من عاجل (1)
/ ولا تلوموا فى اتّباع الهوى ... فإنّنى فى شغل شاغل
يقول فيها (2):
عينى على عتبة منهلّة ... بدمعها المنسكب السّائل
يا من رأى قبلى قتيلا بكى ... من شدّة الوجد على القاتل
بسطت كفّى نحوكم سائلا ... ماذا تردّون على السّائل؟
إن لم تنيلوه فقولوا له ... قولا جميلا بدل النائل
أو كنتم العام على عسرة ... منه فمنّوه إلى قابل (3)
وقد ذكر أن أبا العتاهية، وأبا نواس، والحسين بن الضحاك الخليع اجتمعوا يوما، فقال أبو نواس: لينشد كلّ واحد منا (4) قصيدة لنفسه فى مراده، من غير مدح، ولا هجاء، فأنشد أبو العتاهية هذه / القصيدة، فسلّما له، وامتنعا من الإنشاد بعده، وقالا (5): أما مع سهولة هذه الألفاظ، وملاحة هذا القصد، وحسن هذه الإشارات، فلا ننشد شعرا (6)، وذلك فى بابه من الغزل جيد أيضا، لا يفضله غيره.
ومنهم من يؤثر المعنى على اللفظ، فيطلب صحته، ولا يبالى حيث وقع من هجنة اللفظ، وقبحه، وخشونته: كابن الرومى، وأبى الطيب، ومن شاكلهما.
__________
الشعر والشعراء 2/ 791، والأغانى 4/ 1، وتاريخ بغداد 6/ 250، وسير أعلام النبلاء 10/ 195 وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 1/ 219، والوافى بالوفيات 9/ 185، ومعاهد التنصيص 2/ 285
(1) ديوان أبى العتاهية 616
وفى ف وخ: «فسيروا الأكفان» [كذا].
(2) سقط قوله: «يقول فيها» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(3) فى ص: «أو كنتم الآن»، وأشار محقق الديوان فى الهامش إلى أنه كذلك فى الحماسة البصرية.
(4) فى ف وخ: «منكم»، وفى م والمغربيتين: «لينشد كل واحد قصيدة».
(5) فى ف والمطبوعتين: «وقالا له»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «شيئا».(1/255)
هؤلاء المطبوعون، وأما (1) المصنّعون فسيرد عليك ذكرهم إن شاء الله تعالى.
وأكثر الناس على تفضيل اللفظ على المعنى، سمعت بعض الحذاق يقول:
قال العلماء: اللفظ أغلى من المعنى ثمنا، وأعظم قيمة، وأعز مطلبا (2) فإن المعانى موجودة فى طباع الناس، يستوى فيها الجاهل والحاذق، ولكن العمل على جودة الألفاظ، وحسن السبك، وصحة التأليف (2)، ألا ترى لو أن رجلا أراد فى المدح تشبيه رجل لما أخطأ أن يشبهه فى الجود بالغيث والبحر، وفى الإقدام / بالأسد، وفى الإمضاء (3) بالسيف، وفى العزم بالسيل، وفى الحسن بالشمس. فإن لم يحسن تركيب هذه المعانى فى أحسن حلاها من اللفظ الجامع للرقة، والجزالة، والعذوبة، والطلاوة، والسهولة، والحلاوة، لم يكن للمعنى قدر.
وبعضهم وأظنه ابن وكيع مثّل المعنى بالصورة، واللفظ بالكسوة، فإن لم تقابل الصورة الحسناء بما يشاكلها، ويليق بها من اللباس، فقد بخست حقّها، وتضاءلت فى عين مبصرها (4).
قال (5) عبد الكريم وكان يؤثر اللفظ على المعنى كثيرا فى شعره وتأليفه (6): الكلام الجزل أغنى عن المعانى اللطيفة من (7) المعانى اللطيفة عن الكلام الجزل.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «فأما المتصنعون»، وفى المغربيتين: «وأما المصنوعون».
(22) ما بين الرقمين مثل ما قاله الجاحظ فى الحيوان 3/ 131و 132، فى التعبير المشهور:
«المعانى مطروحة فى الطريق» الخ.
(3) فى ف والمطبوعتين: «المضاء».
جاء فى اللسان: مضى فى الأمر مضاء: نفذ. وأمضى الأمر: أنفذه. وأمضيت الأمر: أنفذته.
ومضى السيف مضاء: قطع. [انظر اللسان].
(4) الذى يقوله ابن وكيع فى المنصف 7عند حديثه عن تفسير وجوه السرقات: «وقد أبقى صاحب الحكم المنثورة لسارقها من فضيلة النظم ما يزيد فى رونق مائها، وبهجة روائها، فهى كالحسناء العاطلة: حليها فى نظامها، فإذا جلاها النظم نسبت إلى السارق، واستحقّت على السابق، والمعنى اللطيف فى اللفظ الشريف كالحسناء الحالية، فقد استوفى بالنظام غاية الحسن والتمام، فقد فاز قائلها بالحظين، واستولى على الفضلين».
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «وقال».
(6) فى المطبوعتين: «وتآليفه».
(7) قوله: «من المعانى اللطيفة» سقط من ف، وفى م كتب المحقق هذا القول بين معقوفين، دون ذكر السبب!! وفى ف وخ: «على الكلام الجزل»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/256)
وإنما حكاه ونقله نقلا عمّن روى عنه النحاس.
ومن كتاب (1) عبد الكريم: قال بعض الحذاق: المعنى مثال (2)، واللفظ حذو، والحذو يتبع المثال، فيتغير بتغيره، ويثبت بثباته.
ومنه قول العباس بن الحسن (3) العلوى (4) فى صفة بليغ: معانيه قوالب ألفاظه (5)، هكذا (6) حكى عبد الكريم، وهو الذى يقتضيه شرط كلامه، ثم خالف فى موضع آخر فقال: ألفاظه قوالب لمعانيه، وقوافيه معدّة لمبانيه، والسجع يشهد بهذه الرواية الأخرى، وهى (7) التى أعرف.
والقالب يكون وعاء كالذى تفرغ فيه الأوانى، ويعمل به اللبن والآجرّ، ويكون (8) قدرا للوعاء، كالذى تقام به «اللوالك» (9)، وتصلح عليه الأخفاف، ويكون مثالا كالذى تحذى عليه النعال، وتفصّل عليه القلانس، فلهذا احتمل القالب أن يكون لفظا مرة، ومعنى مرة.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «ومن كلام»، ولم أجد هذا القول فى الممتع.
(2) يبدو لى أنه يقصد بالمثال «القالب» الذى يضع عليه الحذّاء الجلد، ويؤكد ما رأيته ما يأتى فى القول الآتى للعلوى: «معانيه قوالب لألفاظه» وتفسير المؤلف بعده، ويظهر من هذا أن القائل له صلة بصناعة الأحذية والشعر!!!
(3) فى م: «العباس بن حسن»، وفى ف: «العباس بن الحسن العدوى».
(4) لم أعثر على من اسمه العباس بن الحسن العلوى إلا فى الفهرست 139، دون أن يذكر عنه شيئا، وإنما ذكره المؤلف فى معرض سرده لأسماء الخطباء، وقد وجدت فى مقاتل الطالبيين 197، العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، وكذلك وجدت الاسم ذاته فى تاريخ الطبرى 7/ 537و 545
(5) فى ف والمطبوعتين: «لألفاظه».
(6) لم أجد هذا القول فى الممتع.
(7) فى م: «وهى أعرف»!!
(8) فى ف والمطبوعتين فقط: «وقد يكون»، ولا معنى لزيادة «قد»، والسياق كله سابقه ولاحقه بدون قد، وفى ف: «قدرا لوعاء».
(9) فى ص: «الأواوك»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين، وفى مغربية «الأوالك» وفى الأخرى «الأوالد».
ويبدو لى أن «اللوالك» نوع من الأحذية الخفيفة، ويؤيد ذلك ما جاء فى اللسان فى مادة [لكك]: اللكّ: صبغ أحمر يصبغ به جلود المعزى للخفاف وغيرها وجلد ملكوك: مصبوغ باللكّ. واللكّاء: الجلود المصبوغة بالّلكّ، والّلكّ واللكّ: ما ينحت من الجلود الملكوكة.
هذا وفى لهجتنا العامية المصرية [لكلوك] وهو ما يطلق على الحذاء الخفيف الصغير للطفل.(1/257)
وللشعر (1) ألفاظ معروفة، وأمثلة مألوفة، لا ينبغى للشاعر أن يعدوها، ولا أن يستعمل غيرها، كما أن الكتّاب اصطلحوا على ألفاظ بأعيانها سمّوها / الكتابية، لا يتجاوزونها إلى سواها، إلا أن يريد / شاعر أن يتظرف باستعمال لفظ أعجمى، فيستعمله فى الندرة، وعلى سبيل الخطرة (2)، كما فعل الأعشى قديما، وأبو نواس حديثا، فلا بأس بذلك.
والفلسفة وجرّ الأخبار باب آخر غير الشعر، فإن وقع فيه شىء منهما فبقدر، ولا يجب أن يجعلا نصب العين، فيكونا متّكئا واستراحة، وإنما الشعر ما أطرب، وهزّ النفوس، وحرّك الطباع، فهذا هو باب الشعر الذى وضع له، وبنى عليه، لا ما سواه.
ومن مليح (3) الكلام على اللفظ والمعنى ما حكاه أبو منصور عبد الملك ابن إسماعيل الثعالبى (4)، فقال (5): البليغ من يحوك الكلام على حسب الأمانى، ويخيط الألفاظ على قدود المعانى.
وقال غيره: الألفاظ فى الأسماع كالصور فى الأبصار.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وللشعراء»، وما فى ص والمغربيتين أوفق، والسياق يؤكده.
(2) فى ف وخ: «الحظرة» بحاء مهملة، فظاء معجمة، وفى المغربيتين: «الحضرة» وعلى سبيل الخطرة بمعنى فى بعض الأحيان. انظر اللسان فى [خطر].
(3) فى المطبوعتين فقط: «ومن ملح».
(4) هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، يكنى أبا منصور، واشتهر بالثعالبى نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها، قيل ذلك لأنه كان فراء، وكانت حياته التى امتدت إلى الثمانين حياة تحصيل ودرس، وتأليف وسفر، وإن أردت المزيد فى ترجمته فارجع إلى ما كتبته عنه فى كتاب من غاب عنه المطرب. توفى الثعالبى سنة 429، وقيل 430هـ.
زهر الآداب 1/ 127، والذخيرة 4/ 2/ 560، وسير أعلام النبلاء 17/ 437وما فيه من مصادر، والشذرات 3/ 246و 247، ووفيات الأعيان 3/ 178، وسير أعلام النبلاء 17/ 437وما فيه من مصادر، ومعاهد التنصيص 3/ 366، ولطائف المعارف المقدمة 8، والتمثيل والمحاضرة المقدمة 9ومن غاب عنه المطرب المقدمة 579
(5) التمثيل والمحاضرة 157، وانظره دون نسبة فى زهر الآداب 1/ 111(1/258)
وقال أبو عبادة البحترى (1): [الكامل]
وكأنّها والسّمع معقود بها ... وجه الحبيب بدا لعين محبّه (2)
* * *
__________
(1) ديوان البحترى 1/ 166وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 3/ 1/ 43و 44
(2) فى الديوان: «شخص الحبيب»، وأشار محقق الديوان فى الهامش فى تخريجه إلى أنه فى بعض المصادر «وجه الحبيب».(1/259)
باب فى المطبوع والمصنوع
ومن الشعر مطبوع ومصنوع، فالمطبوع: هو الأصل الذى وضع أولا، وعليه المدار، والمصنوع وإن وقع عليه هذا الاسم فليس متكلّفا تكلّف أشعار المولّدين، لكن وقع فيه هذا النوع الذى سمّوه «صنعة»، من غير قصد، ولا تعمّل، لكن بطباع القوم عفوا، فاستحسنوه، ومالوا إليه بعض الميل، بعد أن عرفوا وجه اختياره على غيره، حتى صنع «زهير» الحوليات على وجه التنقيح والتثقيف، يصنع القصيدة، ثم يكرر نظره فيها، خوفا من التّعقّب، بعد أن يكون قد فرغ من عملها فى ساعة أو ليلة، وربما رصد أوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك.
والعرب لا تنظر / فى أعطاف شعرها بأن تجنّس، أو تطابق، أو تقابل، فتترك لفظة للفظة، أو معنى لمعنى، كما يفعل المحدثون، ولكن نظرها فى فصاحة الكلام وجزالته، وبسط المعنى وإبرازه، وإتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القافية (1)، وتلاحم الكلام بعضه ببعض، حتى عدّوا من فضل صنعة الحطيئة حسن نسقه الكلام بعضه على بعض فى قوله: (2): [الوافر]
فلا وأبيك ما ظلمت قريع ... بأن يبنوا المكارم حيث شاءوا
ولا وأبيك ما ظلمت قريع ... ولا عنفوا بذاك ولا أساءوا (3)
بعثرة جارهم أن ينعشوها ... فيغبر بعدها نعم وشاء (4)
فيبنى مجدها ويقيم فيها ... ويمشى إن أريد به المشاء (5)
/ فإنّ الجار مثل الضّيف يغدو ... لوجهته وإن طال الثّواء (6)
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عقد القوافى».
(2) ديوان الحطيئة 85، وما بعدها.
(3) فى م: «ولا برموا بذاك»، وهى توافق الديوان ويبدو لى أن هذا من عمل المحقق، دون الرجوع إلى شىء، وأشار المحقق فى الهامش إلى أن رواية ابن الشجرى «ولا عنفوا».
(4) فى ف وخ: «فيعثر»، وفى ف: «بعشرة جارهم»، وفى الديوان: «فيغبر حوله».
(5) سقط هذا البيت من ف، وفى م والديوان: «فيبنى مجدهم»، وأشير فى الهامش إلى أن رواية السكرى «مجدها».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وإن الجار»، وهى توافق الديوان.(1/260)
وإنّى قد علقت بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثّراء
وكذلك قول أبى ذؤيب (1) يصف حمر الوحش والصائد (2):
[الكامل]
فوردن والعيّوق مقعد رابىء الض ... ضرباء خلف النجم لا يتتلّع (3)
فشرعن فى حجرات عذب بارد ... حصب البطاح تغيب فيه الأكرع (4)
فشربن ثمّ سمعن حسّا دونه ... شرف الحجاب وريب قرع يقرع (5)
فنكرنه فنفرن فامترست له ... هوجاء هادية وهاد جرشع (6)
فرمى فأنفذ من نحوص عائط ... سهما فخرّ وريشه متصمّع (7)
__________
(1) هو خويلد بن خالد، يكنى أبا ذؤيب، جاهلى إسلامى، وفد على النبى صلى الله عليه وسلّم فى مرض موته، فمات النبى صلى الله عليه وسلّم قبل قدومه بليلة، أدركه وهو مسجى، وصلى عليه، وشهد دفنه، وخرج مع عبد الله بن الزبير فى مغزى نحو المغرب، فمات، فدلاه ابن الزبير فى حفرته، وقيل: مات بمصر سنة 27هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 131، والشعر والشعراء 2/ 653، والأغانى 6/ 264والمؤتلف والمختلف 173، وسمط اللآلى 1/ 98، والاشتقاق 178، والمفضليات 419، ونوادر المخطوطات 2/ 282، وخزانة الأدب 1/ 422، وديوان الهذليين، وجمهرة أشعار العرب 534، ومسائل الانتقاد 111
(2) ديوان الهذليين 1/ 6، وما بعدها وشرح أشعار الهذليين 1/ 19، وما بعدها.
(3) وردن: يعنى الحمر، والعيوق: نجم يطلع بحيال الثريا، وهو يطلع قبل الجوزاء، فشبه مكان هذا العيوق من الجوزاء بمقعد رابىء الضرباء. والضرباء: الذين يضربون القداح. والرابىء: الرجل الذى يربأ، أى ينظر إلى ضاربى القداح. ويتتلع: يتقدم. [من الديوان].
(4) شرعن: وردن ماء. حجرات: نواحى. حصب البطاح: أى ذات حصباء. والبطاح:
بطون الأودية. والأكرع: الأوظفة. والوظيف: مستدق الساق، أو هو ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق. [من الديوان].
(5) سمعن حسا دون ذلك الحس شرف الحجاب، يريد حجاب الصائد، لأنه يستتر بشىء.
وريب قرع: أى سمعن ريب قرع الوتر. [من الديوان].
(6) امترست: يعنى الأتان امترست بالفحل جعلت تكادّه، وتسير معه. والهوجاء: التى ترفع رأسها لتتقدمه. وهاد: يعنى الفحل. وجرشع: منتفخ الجنبين، وأراد أنه امترس هو بها أيضا. [من الديوان].
(7) فى الديوان: «من نجود عائط».(1/261)
فبدا له أقراب هاد رائغا ... عنه فعيّث فى الكنانة يرجع (1)
فرمى فألحق صاعديّا مطحرا ... بالكشح فاشتملت عليه الأضلع (2)
فأبدّهنّ حتوفهنّ فهارب ... بذمائه أو بارك متجعجع (3)
فأنت ترى هذا النسق بالفاء كيف اطّرد له، ولم ينحل عقده، ولا اختل (4)
بناؤه، ولولا ثقافة الشاعر / ومراعاته إياه لما تمكن له هذا التمكن.
واستطرفوا ما جاء من الصنعة نحو البيت والبيتين فى القصيدة بين القصائد ليستدل (5) بذلك على جودة شعر الرجل، وصدق حسّه، وصفاء خاطره، فأما إذا كثر ذلك فهو عيب يشهد بخلاف الطبع، وإيثار الكلفة.
وليس يتّجه البتّة أن تأتى (6) من الشعر قصيدة كلها أو أكثرها مصنّع (7)
من غير قصد، كالذى يأتى من أشعار حبيب، والبحترى (8)، وقد كانا يطلبان الصنعة، ويولعان بها.
__________
والنجود: الأتان الطويلة. والنحوص: الحائل التى لم تحمل. والعائط: التى اعتاطت رحمها فلم تحمل. فخر: يعنى السهم. وريشه متصمع: يعنى منضم كالأذن الصمعاء، وهى اللطيفة الصغيرة.
وبقرات متصمعات: منضمات من العطش. [من الديوان].
(1) فبدا للصائد. أقراب هذا: أى خواصر هذا الحمار وهو رائغ. فعيّث: أى أمال يده إلى كنانته ليأخذ منها سمها. [من الديوان]
(2) صاعديا: يعنى سهما منسوبا، وهو منسوب إلى قرية باليمن تسمى صعدة على غير قياس.
والمطحر: السهم البعيد الذهاب. ويروى مطحرا: وهو الذى ألزقت قذذه. والقذة: الريش. أصحرت ختانته: أى أخذت جدا، فاشتملت الأضلع على السهم، أى لبسته. [من الديوان]
(3) فى ص: «بدمائه» بالدال المهملة، وأشير إلى مثلها فى هامش الديوان، واعتمدت ما فى الديوان وف والمطبوعتين والمغربيتين.
فأبدّهن أى الصائد أعطى كل واحدة منهن حتفها، أى رمى كل واحدة بسهم. بذمائه: ببقية من نفسه. متجعجع: لا صق بالأرض قد صرع. [من الديوان]
(4) فى ص: «ولا انخل»، وفى ف: «ولا انهدم».
(5) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «يستدل».
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «أن يتأتى من الشاعر»، وفى ف سقطت كلمة «قصيدة».
(7) فى ف والمطبوعتين فقط: «متصنع».
(8) فى ف والمطبوعتين فقط: «حبيب والبحترى وغيرهما».(1/262)
فأما حبيب فيذهب إلى حزونة اللفظ، وما يملأ الأسماع منه، مع التصنيع المحكم طوعا وكرها، يأتى للأشياء من بعد، ويرميها (1) بكلفة، ويأخذها بقوة.
وأما البحترى فكان أملح صنعة، وأحسن مذهبا فى الكلام، سلك (2) منه دماثة وسهولة، مع إحكام التصنيع (3)، وقرب المأخذ، لا تظهر عليه كلفة ولا مشقّة.
وما أعلم شاعرا أكمل ولا أعجب تصنيعا من عبد الله بن المعتز فإن صنعته خفية لطيفة، لا تكاد تظهر فى بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر، وهو عندى ألطف أصحابه شعرا، وأكثرهم بديعا / وافتنانا، وأغربهم (4) قوافى وأوزانا، ولا أرى وراءه غاية لطالبها فى هذا الباب.
غير أنا لا نجد المبتدىء فى طلب التصنيع، ومزاولة الكلام أكثر انتفاعا منه بمطالعة شعر حبيب، وشعر مسلم بن الوليد لما فيهما من الفضيلة لمبتغيها، ولأنهما طرقا إلى الصنعة ومعرفتها طريقا سابلة، وكثّرا (5) منها فى أشعارهما تكثيرا سهّلها عند الناس، وجسّرهم عليها.
على أن مسلما أسهل شعرا من حبيب، وأقلّ تكلّفا، وهو أول من تكلّف البديع من / المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة، وكثّر (6) منها، ولم يكن فى الأشعار المحدثة قبل صريع (7) إلا النبذ اليسيرة، وهو زهير المولّدين، كان يبطىء فى صنعته ويجيدها.
وقالوا: أول من تكلف (8) البديع من المحدثين بشار بن برد، وابن هرمة، وهو ساقة العرب، وآخر من يستشهد بشعره، ثم اتبعهما مقتديا بهما كلثوم بن
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ويطلبها».
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «يسلك».
(3) فى ف: «التصنع»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «الصنعة».
(4) فى ف والمطبوعتين: «وأقربهم»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى المطبوعتين: «وأكثرا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(6) فى ف والمطبوعتين: «وأكثر»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) فى ف وخ: «قبل مسلم صريع»، وفى م: «قبل مسلم صريع [الغوانى]» [كذا].
(8) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «أول من فتق».(1/263)
عمرو العتابى، ومنصور النمرى، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، واتبع هؤلاء حبيب الطائى، والوليد البحترى، وعبد الله بن المعتز، فانتهى علم البديع والصنعة إليه، وختم به.
وشبّه قوم أبا نواس بالنابغة لما اجتمع له من الجزالة مع الرشاقة، وحسن الديباجة، والمعرفة بمدح الملوك.
وأما بشار فقد شبهوه بامرئ القيس لتقدمه على المولدين، وأخذهم عنه، ومن كلامهم: بشار أبو المحدثين.
وسمعت (1) أبا عبد الله غير مرة يقول: إنما سمّى الأعشى صناجة العرب لأنه أول من ذكر الصّنج فى شعره. قال: ويقال: سمّى (2) صنّاجة لقوة طبعه، وجلبة شعره، يخيل إليك (3) إذا أنشدته أن آخر ينشد معك.
ومثله من المولّدين بشار بن برد، تنشد أقصر شعره عروضا، وألينه كلاما، فتجد له فى نفسك هزّة وجلبة من قوة الطبع، وقد أشبهه تصرفا وضربا فى الشعر، وكثرة عروض، ومدحا (4)، وهجاء، وافتخارا، وتطويلا.
انقضى كلام أبى عبد الله، ورجعنا إلى القول فى الطبع والتصنيع.
ولسنا ندفع أن البيت إذا وقع مطبوعا فى غاية الجودة، ثم وقع فى معناه بيت مصنوع فى نهاية الحسن لم تؤثر فيه الكلفة، ولا ظهر عليه التعمل، كان المصنوع أفضلهما، / إلا أنه إذا توالى ذلك وكثر لم يجز البتّة أن يكون طبعا واتفاقا إذ ليس ذلك فى طباع البشر، وسبيل الحاذق بهذه الصناعة إذا غلب عليه حب التصنيع أن يترك للطبع مجالا يتسع فيه.
وقيل: إذا كان الشاعر مصنّعا بان (5) جيّده من سائر شعره، كأبى تمام،
__________
(1) فى ف: «وسمعنا»، وانظر القول الأول فى ثمار القلوب 161
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «بل سمى».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لك».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مدحا» بحذف الواو.
(5) فى ف وخ: «فان»، وما فى ص يوافق المغربيتين، وفى م كتب فى المتن «بان»، وعلق المحقق فى الهامش قائلا:(1/264)
فصار محصورا معروفا بأعيانه، وإذا كان الطبع غالبا عليه لم يبن جيده كل البينونة، وكان قريبا من قريب، كالبحترى ومن شاكله.
وقد نعى (1) ابن الرومى فى بعض تسطيراته على محمد بن أبى حكيم الشاعر (2)، حين عاب عليه قوله فى الفرس / من قصيدة رثى بها عبد الله بن طاهر: [الكامل]
فله شهامة سوذنيق باكر ... وحوافر حفر ورأس صنتع (3)
وذكر قول حبيب (4): [الكامل]
بحوافر حفر وصلب صلّب (5)
فحفل به، واعتذر له، وخرّج التخاريج الحسان، وذكر أن الحافر الوأب (6)، والحافر المقعب ونحوهما أشرف فى اللفظ من الحافر الأحفر، إلا أن الطائى عنده كان يطلب المعنى، ولا يبالى باللفظ، حتى لو تم له المعنى بلفظة نبطية لأتى بها.
__________
«فى التونسية والمصريتين «فان» ولا معنى لها، والتصحيح من المقابلة فى كلام المؤلف، ومعنى «بان» هنا «فارق» يريد: كان بين جيده وغيره بون بعيد». ومعنى هذا أن المحقق أتى بالكلمة من المقابلة دون الرجوع إلى مخطوطة صحيحة.
(1) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «وقد نص». ونعى بمعنى عاب. انظر: اللسان فى [نعا].
(2) هو محمد بن على بن أبى حكيم، كان معاصرا لابن الرومى، وكان مجموعة من الشعراء قاطنين بغداد فى وقت انتقال السلطان عنها إلى «سر من رأى»، وكانوا يتهاجون، ويتهاترون.
الفهرست 192فى مجموعة الشعراء، وطبقات ابن المعتز 361، ومعجم الشعراء 366فى ترجمة محمد بن معروف، والورقة 120فى ترجمة محمد بن معروف.
(3) لم أعثر على هذا البيت فيما تحت يدى من المصادر. وفى الجميع ما عدا إحدى المغربيتين:
السودنيق بالدال المهملة، وليس لها معنى ولكن السوذنيق بالمعجمة: هو الصقر أو الشاهين، ويبدو أن هناك تصحيفا. والصّنتع: الشاب الشديد، وحمار صنتع: صلب الرأس ناتىء الحاجبين عريض الجبهة. انظر اللسان فى [سوذنيق وصنتع].
(4) ديوان أبى تمام 2/ 410
(5) هذا صدر بيت عجزه: «وأشاعر شعر وخلق أخلق».
والحوافر الحفر: التى تحفر فى الأرض لشدة وطئها، ويقال: حافر أحفر إذا كان مستدير كالعقب، ولم يكن صغيرا [من الديوان]. وانظر ما قيل عن البيت فى ديوان المعانى 2/ 115
(6) الحافر الوأب: الشديد المنضم السنابك، الخفيف، وقيل: هو الجيد القدر، وقيل: هو المقعب الكثير الأخذ من الأرض، والمقعب: الواسع. [انظر اللسان].(1/265)
والذى أراه أن ابن الرومى أبصر بحبيب وغيره منا، وأن التسليم له والرجوع إليه أحزم، غير أنى لو شئت أن أقول ولست رادّا عليه، ولا معترضا بين يديه إن المعنى الذى أراده، وأشار إليه من جهة الطائى إنما هو معنى الصنعة كالتطبيق، والتجنيس وما أشبههما، لا معنى الكلام الذى هو روحه، وإن اللفظ الذى ذكر أنه لا يبالى به إنما هو فصيح الكلام ومستعمله، ويدلك على صحة ما ادعيته / على ابن الرومى قوله: «إن الحافر الوأب، والمقعّب أشرف فى اللفظ من الحافر الأحفر»، فكلامه راجع إلى ما قلته فى الطائى، غير مخالف له، وإن كان فى الظاهر على خلافه (1) لينساغ ذلك، إلا أن أكثر الناس على ما قال، وإنما هذا معرض للكلام، لا مخالفة (1).
قال (2) الجاحظ (3): كما لا ينبغى أن يكون اللفظ عاميّا، ولا ساقطا سوقيّا، فكذلك لا ينبغى أن يكون وحشيّا، إلا أن يكون المتكلم به بدويّا أعرابيا فإن الوحشىّ من الكلام يفهمه الوحشىّ من الناس، كما يفهم السوقىّ رطانة السوقى.
قال (4): وأنشد رجل قوما شعرا، فاستغربوه، فقال: والله ما هو بغريب، ولكنكم فى الأدب غرباء.
وعن غيره: أن رجلا قال للطائى فى مجلس حفل، وأراد تبكيته لما أنشد: يا أبا تمام، لم لا تقول من الشعر ما يفهم؟ فقال له: وأنت لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟ ففضحه.
ويروى أن هذه الحكاية كانت مع أبى العميثل (5) وصاحب له، خاطباه، فأجابهما.
__________
(11) ما بين الرقمين ساقط من ص، وفى ف: «لساغ»: واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى ف والمطبوعتين فقط: «وقال».
(3) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 144، مع اختلاف يسير بالزيادة أو بالحذف.
(4) لم أعثر على هذا القول عند الجاحظ.
(5) فى م: «مع أبى العميثل وصاحبين له»، وقد وهم المحقق فظن أن الصاحبين قالا لأبى العميثل!(1/266)
وقال بعض من نظر فى شعر أبى تمام، وأبى الطيب: إنما حبيب كالقاضى العدل، يضع اللفظة موضعها، ويعطى المعنى حقّه، بعد طول النظر، والبحث عن البينة، أو كالفقيه الورع، يتحرى فى كلامه، ويتحرج خوفا على دينه.
وأبو الطيب كالملك الجبار، يأخذ ما حوله قهرا وعنوة، أو كالشجاع الجرئ، يهجم على ما يريده، لا يبالى ما لقى، ولا حيث وقع.
وكان الأصمعىّ يقول (1): زهير، والنابغة من عبيد الشعر، يريد أنهما يتكلفان إصلاحه، ويشغلان به حواسّهما وخواطرهما.
ومن أصحاب التنقيح والتّحكيك (2) طفيل الغنوى، وقد قيل: إن زهيرا أيضا (3) روى له، وكان يسمى «محبّرا» (4) لحسن شعره.
ومنهم الحطيئة، والنمر / بن تولب، وكان يسميه أبو عمرو بن العلاء «الكيّس» (5).
وكان بعض الحذاق بالكلام يقول: قل من الشعر ما يخدمك، ولا تقل منه ما تخدمه، وهذا هو معنى كلام (6) الأصمعى.
وسأحلّى هذا الباب من كلام السيد أبى الحسن (7) بحلية تكون له زينة
__________
أقول: والحق أن أبا العميثل وصاحبه أبا سعيد الضرير هما القائلان، انظر الموازنة 1/ 20، والديوان 1/ 217، أما على الرواية التى تثبت أن القائل واحد، فإن القائل هو أبو سعيد الضرير أو المكفوف، كما فى الموشح 499و 500، وانظر الحكاية فى الموازنة 1/ 20، أو أبو العميثل كما فى الصناعتين 434، وسر الفصاحة 218
(1) انظر هذا القول فى الشعر والشعراء 1/ 78و 144مع اختلاف يسير.
(2) فى ف والمطبوعتين: «ومن أصحابهما فى التنقيح وفى التثقيف والتحكيك».
(3) حذفت كلمة «أيضا» من المطبوعتين والمغربيتين.
(4) انظر هذا الوصف فى الشعر والشعراء 1/ 453
(5) طبقات ابن سلام 1/ 160، وذكرت هذه التسمية مرتين فى الأغانى 22/ 273
(6) فى المطبوعتين: «قول الأصمعى».
(7) يقصد أبا الحسن على بن أبى الرجال الكاتب، الذى أهدى إليه الكتاب.(1/267)
فائقة، وأختمه بخاتمة تكسوه / حلّة رائقة لأوفّى بذلك بعض ما ضمنت، وأقضى به حقّ ما شرطت، إن شاء الله.
فمن ذلك قوله بتاهرت (1) سنة خمس وأربعمائة يتشوق (2) أهله (3):
[الطويل]
ولى كبد مكلومة بفراقكم ... أطامنها صبرا على ما أجنّت (4)
تمنّتكم شوقا إليكم وصبوة ... عسى الله أن يدنى لها ما تمنّت (5)
وعين جفاها النوم واعتادها البكا ... إذا عنّ ذكر القيروان استهلّت
فلو أن أعرابيا تذكر نجدا، فحنّ به إلى الوطن، أو تشوق (6) فيه بعض السكن، ما حسبته يزيد على ما أتى به المولّد الحضرىّ المتأخر العصر، وما أنحطّ بهذا التمييز فى هواى، ولا أتنفق بهذا القول عند مولاى، ولا الخديعة مما تظن به ولا بى فيه (7)، ولكن رأيت وجه الحق فعرفته، والحق لا يتلثم، وما هو فى بلاغته وإيجازه إلا كما قال الأحيمر السعدى (8) فى وصيته (9):
__________
(1) تاهرت: اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب، يقال لإحداهما: تاهرت القديمة، وللأخرى: تاهرت المحدثة، بينهما وبين المسيلة ست مراحل، وهى بين تلمسان وقلعة بنى حماد، وهى كثيرة الأنداء والضباب والأمطار [انظر معجم البلدان]
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يتشوق إلى أهله».
(3) لم أعثر على الأبيات فيما تحت يدى من المصادر.
(4) فى ف والمغربيتين: «لفراقكم»، وفى المطبوعتين: «من فراقكم».
(5) فى ف: «تمنيتكم»، وهو صحيح أيضا، وفيه: «عسى أن يبدى» وبإسقاط لفظ الجلالة.
(6) فى ف: «أو تشوق به بعض»، وفى المطبوعتين: «أو تشوق فيه إلى بعض».
(7) فى ف والمطبوعتين: «مما تظن به ولا فيه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) هو الأحيمر بن فلان بن الحارث بن يزيد السعدى، كان لصا كثير الجنايات، فخلعه قومه، وخاف السلطان، فخرج فى الفلوات، وقفار الأرض، وعاش مع الحيوانات. فأنست إليه، ولم تهرب منه.
الشعر والشعراء 2/ 787، والبيان والتبيين 3/ 200هامش، والمؤتلف والمختلف 43، وسمط اللآلى 1/ 195
(9) لم أعثر على الأبيات فيما تحت يدى من مصادر.(1/268)
[الطويل]
من القول ما يكفى المصيب قليله ... ومنه الّذى لا يكتفى الدّهر قائله
يصدّ عن المعنى فيترك ما نحا ... ويذهب فى التّقصير منه يطاوله (1)
فلا تك مكثارا تزيد على الّذى ... عنيت به فى خطب أمر تزاوله (2)
* * *
__________
(1) فى ف: «فيترك ما تجىء»، وفى خ: «فيترك ما نحى»، وفى م: «ما نجا» وفى ص جاء بياض مكان «منه» فى قوله: «فى التقصير منه».
(2) فى ف: «فى خطب أمر تزايله».(1/269)
باب فى الأوزان
الوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة، إلا أن تختلف القوافى فيكون ذلك عيبا فى التقفية لا فى الوزن، وقد لا يكون عيبا نحو المخمسات وما شاكلها.
/ والمطبوع مستغن بطبعه عن معرفة الأوزان، وأسمائها، وعللها لنبوّ ذوقه عن المزاحف منها والمستكره.
والضعيف الطبع محتاج إلى معرفة شىء من ذلك يعينه على ما يحاوله من هذا الشأن.
وللناس فى ذلك كتب (1) مشهورة، وتواليف مفردة، وبينهم فيه اختلاف، وليس كتابى هذا بمحتمل شرح ذلك، ولا هو من شرطه فرارا من التكرار والتطويل، ولكنى أذكر نتفا يحتاج إليها، ويكتفى بها من نظر من المتعلمين فى هذا الكتاب، إن شاء الله.
فأول من ألّف الأوزان، وجمع الأعاريض والضروب الخليل بن أحمد (2)، وضع (3) فيه كتابا سمّاه «كتاب (4) العروض» استخفافا، والعروض: آخر جزء من القسيم (5) الأول من البيت، وهى مؤنثة، وتثنى،
__________
(1) فى ف: «كتب كثيرة مشهورة».
(2) هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدى، يكنى أبا عبد الرحمن، كان ذكيا فطنا، وكان رأسا فى لسان العرب، ديّنا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن، واستنبط من العروض، ومن علل النحو ما لم يستنبط أحد، وما لم يسبقه إلى مثله سابق ت 170هـ.
المعارف 541، والاشتقاق 499، والفهرست 48، وطبقات ابن المعتز 95، وطبقات الزبيدى 47، ومعجم الأدباء 11/ 72، والمزهر 2/ 401، وإنباه الرواة 1/ 341، وسير أعلام النبلاء 7/ 429 وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 2/ 244، وبغية الوعاة 1/ 557، والشذرات 1/ 275
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فوضع».
(4) فى ف والمطبوعتين: «سماه العروض» بإسقاط كلمة «كتاب»، واعتمدت ما فى ص والمغربيتين لموافقته معجم الأدباء، والفهرست، ووفيات الأعيان.
(5) فى ف والمطبوعتين: «من القسم»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/270)
وتجمع، إلا أن يكون لهذا الجنس من العلم. والضرب: آخر جزء من البيت من أى وزن كان.
ثم ألف الناس بعده، واختلفوا على مقادير استنباطاتهم، حتى وصل الأمر إلى أبى نصر إسماعيل بن حماد الجوهرى (1)، فبيّن الأسماء (2)، / وأوضحها فى اختصار، وإلى مذهبه يذهب حذّاق أهل الوقت، وأرباب الصناعة.
فأول ما خالفه (3) فيه أن جعل الخليل الأجزاء التى يوزن بها الشعر ثمانية: منها اثنان خماسيان، وهما: فعولن، وفاعلن، وستة سباعية، وهى:
مفاعيلن، وفاعلاتن، ومستفعلن، ومفاعلتن، ومتفاعلن، ومفعولات، فنقص الجوهرى منها جزء «مفعولات»، وأقام الدليل على أنه منقول من «مستفع لن» مفروق الوتد، أى مقدم النون على اللام (4) لأنه زعم (5): لو كان جزءا صحيحا لتركّب من مفرده بحر كما تركب من سائر الأجزاء، يريد أنه ليس فى الأوزان / وزن انفرد به «مفعولات»، ولا تكرّر (6) فيه.
وعدّ الخليل أجناس الأوزان، فجعلها خمسة عشر جنسا، على أنه لم يذكر «المتدارك»، وهى عنده: الطويل، والمديد، والبسيط، فى دائرة، ثم الوافر، والكامل، فى دائرة، ثم الهزج، والرجز، والرمل، فى دائرة، ثم السريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، فى دائرة، ثم المتقارب وحده فى دائرة.
__________
(1) هو إسماعيل بن حماد التركى الأترارى نسبة إلى أترار، وهى مدينة فاراب يكنى أبا نصر، كان إماما فى اللغة، وأحد من يضرب به المثل فى ضبطها، كان يحب الأسفار والتغرب، وهو مصنف كتاب الصحاح، وقد انفرد أهل مصر برواية الصحاح. ت 393أو 400هـ
اليتيمة 4/ 406، وإنباه الرواة 1/ 194، ومعجم الأدباء 6/ 151، وبغية الوعاة 1/ 446، ونزهة الألباء 252، وسير أعلام النبلاء 17/ 80وما فيه، والشذرات 3/ 142
(2) فى ف والمطبوعتين: «الأشياء».
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «فأول ما خالف فيه».
(4) على هذا تكون صورة الوزن هكذا: «مستفعنل»!!
(5) فى م: «لأنه زعم [أنه] لو كان» [كذا] زاد المحقق دون أية إشارة، والنص لا يطلب هذه الزيادة!! وانظر النص فى عروض الورقة 11
(6) فى ف والمطبوعتين: «ولا تكرر فى قسم منه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/271)
ذكر (1) أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجى (2) اختلاف الناس فى ألقاب الشعر، فحكى عن الخليل شيئا أخذت به اختصارا وتقليدا لأنه أول من وضع علم العروض، وفتحه للناس، وغادرت ما سوى ذلك من قول أبى إسحاق الزجاج وغيره، لا على أن فيه تقصيرا.
ذكر الزجاجىّ أن ابن دريد أخبره عن أبى حاتم (3) عن الأخفش قال:
سألت الخليل بعد أن عمل كتاب العروض: لم سميت الطويل طويلا؟ قال: لأنه طال بتمام أجزائه، قلت: فالبسيط؟ قال: لأنه انبسط عن مدى الطويل، وجاء وسطه «فعلن»، وآخره «فعلن»، قلت: فالمديد؟ قال: لتمدّد سباعيّه حول خماسيّه، قلت: فالوافر؟ قال: لوفور الأجزاء (4)، وتدا بوتد، قلت: فالكامل؟
قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع فى غيره من الشعر، قلت: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب، شبّه بهزج الصوت، قلت: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام، قلت: فالرّمل؟ قال: لأنه شبّه برمل الحصير لضمّ بعضه إلى بعض، قلت: فالسريع؟ قال: لأنه يسرع على اللسان، قلت: فالمنسرح؟ قال:
لانسراحه، وسهولته، قلت: فالخفيف؟ قال: لأنه أخفّ السباعيات، قلت: /
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وذكر»، وفى إحدى المغربيتين: «نظر».
(2) هو عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجى نسب إلى أستاذه الزجاج للزومه إياه يكنى أبا القاسم، وهو أحد شيوخ العربية، وصاحب كتاب الجمل والتصانيف، قيل: إنه ما بيّض مسألة فى الجمل إلا وهو على وضوء، فلذلك بورك فيه. ت 337أو 340هـ
طبقات الزبيدى 119، وإنباه الرواة 2/ 160، ونزهة الألباء 227، ووفيات الأعيان 3/ 136، وسير أعلام النبلاء 15/ 475وما فيه، وبغية الوعاة 2/ 77، والشذرات 2/ 357
(3) هو سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمى السجستانى، يكنى أبا حاتم، كان علّامة فى اللغة، وتخرج على يديه علماء فحول، وكان جمّاعة للكتب يتجر فيها، وله باع طويل فى اللغات والشعر والعروض، واستخراج المغمى. ت 250أو 255هـ
طبقات الزبيدى 94، والفهرست 64، ومعجم الأدباء 11/ 263، وإنباه الرواة 2/ 58، ونزهة الألباء 145، وسير أعلام النبلاء 12/ 268وما فيه، ووفيات الأعيان 2/ 430، والشذرات 2/ 121
(4) فى المطبوعتين: «لوفور أجزائه»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/272)
فالمقتضب؟ قال: لأنه اقتضب من الشعر (1)، فقلّ، قلت: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب، قلت: فالمجتث؟ قال: لأنه اجتثّ، أى: قطع من طويل دائرته، قلت: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه: لأنها خماسية كلها، يشبه بعضها بعضا.
وجعل الجوهرى هذه / الأجناس اثنى عشر بابا، على أن فيها «المتدارك»: سبعة منها مفردات، وخمسة مركبّات، قال: فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ثم بعد الهزح الرمل، والمضارع بينهما، ثم بعد الرمل الرجز، والخفيف بينهما، ثم بعد الرجز المتدارك، والبسيط بينهما، ثم بعد المتدارك المديد، مركب منه ومن الرمل، قال: ثم الوافر، والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة (2).
وزعم أن الخليل إنما أراد بكثرة الألقاب الشرح والتقريب، قال: وإلا فالسريع من (3) البسيط، والمنسرح، والمقتضب من الرجز، والمجتث من الخفيف لأن كل بيت ركّب (4) من «مستفعلن» فهو عنده من الرجز، طال أو قصر، وكل بيت من «مستفعلن فاعلن» فهو من البسيط، طال أو قصر، وعلى هذا قياس سائر المفردات والمركبات عنده، والمتدارك الذى ذكره الجوهرى مقلوب من دائرة المتقارب وذلك أن «فعولن» يخلفه «فاعلن»، ويخبن، فيصير «فعلن»، وشعر عمرو (5) الجنّىّ منه، وهو الذى يسميه الناس اليوم «الخبب».
وليس بين العلماء اختلاف فى تقطيع الأجزاء، وأنه يراعى فيه اللفظ دون الخط، فيقابل الساكن بالساكن، والمتحرك بالمتحرك، ويظهر حرف التضعيف، وتسقط ألف الوصل، ولام التعريف، إذا لم يظهرا (6) فى درج الكلام، وتثبت
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «لأنه اقتضب من السريع»، وما فى ص والمغربيتين أوفق، وسقطت كلمة «فقلّ» من ف والمطبوعتين ومغربية.
(2) انظر هذا فى عروض الورقة 11
(3) فى ف والمطبوعتين: «هو من البسيط»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «مركب».
(5) انظر عروض الورقة 68و 69والشعر هو:
أشجاك تشتّت شعب الحىّ ... فأنت له أرق وصب؟
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «إذا لم تظهر» بالإفراد، وانظر هذا القول فى عروض الورقة 12(1/273)
النون بدلا من التنوين، ويعدّ الوصل والخروج حرفين، / وهذا هو الأصل المحقق لأن الأوزان إنما وقعت على الكلام، والكلام لا محالة قبل الخط، لم (1)
يعلموا أن للألف صورة، وهى هوائية لا مستقر لها، ولأن المضعّف (2) يجعل حرفا واحدا، ولأن التنوين شكل خفىّ، وليس فى جميع الأوزان ساكنان فى حشو بيت إلا فى عروض المتقارب، فإن الجوهرى أنشد، وأنشده المبرد قبله (3):
[المتقارب]
فرمنا القصاص وكان التّقاص ... ص عدلا وحقّا على المسلمينا (4)
قال الجوهرى: كأنه نوى الوقوف على الجزء، وإلا فالجمع بين ساكنين لم يسمع به فى حشو بيت.
قال (5) أبو على صاحب الكتاب: إلا أن سيبويه قد أنشد (6):
[الرجز]
كأنّه بعد كلال الزّاجر ... ومسحه مرّ عقاب كاسر
بإسكان الحاء، وإدغامها فى الهاء، والسين قبلها ساكنة.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين سقط قوله: «لم يعلموا»، وفى ف بعد ذلك: «أن الألف صورة هوائية»، وفى المطبوعتين: «لأن الألف صورة هوائية»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين: «المضاعف»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(3) البيت فى الكامل 1/ 26، وقد أورده المبرد فى أثناء حديثه عن قولهم: «حمارّة القيظ» فقال: «وحمارّة مما لا يجوز أن يحتج عليه ببيت شعر لأن كل ما كان فيه من الحروف التقاء ساكنين لا يقع فى وزن إلا فى ضرب منه يقال له: المتقارب، فإنه جوّز فيه على بعد التقاء الساكنين»، ثم قال تعليقا على البيت: «ولو قال: وكان القصاص فرضا وحتما كان أجود وأحسن، ولكن قد أجازوا هذا فى هذه العروض، ولا نظير له فى غيرها من الأعاريض» وانظره والتعليق عليه فى عروض الورقة 67 وفيه: «فرضا وحتما على المسلمين»، وانظره فى صنعة الشعر 198
(4) فى ف ومغربية والمطبوعتين: «ورمنا فرضا وحتما»، وفى المطبوعتين: «على المسلمين»، وما فى ص وف ومغربية يوافق الكامل. وفى الكامل: «فذاك القصاص فرضا وحتما»
(5) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب».
(6) الكتاب 4/ 450تحت عنوان: «ومما قالت العرب فى إدغام الهاء فى الحاء قوله»، وفيه:
«ومسحى» ثم قال بعد البيت: «يريدون: ومسحه». والبيت بنص ابن رشيق فى اللسان فى [كسر]. وانظر ما قيل فيه حول «ومسحه».(1/274)
وجميع أجزاء الشعر تتألف من ثلاثة أشياء: سبب، ووتد، وفاصلة، فالسبب نوعان: خفيف: وهو متحرك بعده ساكن نحو (1) «ما» و «هل» و «بل» و «من». وثقيل: وهو متحركان نحو «لم» و «بم» إذا سألت، وقد أنكره بعض المحدثين.
والوتد أيضا نوعان: مجموع: وهو متحركان بعدهما ساكن، نحو «رمى» و «سعى»، ومفروق: وهو ساكن بين متحركين، نحو «قال» و «باع».
والفاصلة فاصلتان: صغرى: وهى ثلاث متحركات بعدها ساكن، نحو «بلغت»، وما أشبه ذلك، وكبرى: وهى أربع متحركات بعدها ساكن نحو «بلغنى»، و «بلغنا» / وما أشبه ذلك، وهى تأتى فى جزء من الشعر بعينه، وهو «فعلتن»، ولا تأتى البتّة بإجماع من الناس بين جزءين، فتكون حرفين متحركين فى آخر جزء، ومثلهما فى أول جزء آخر يليه، ولا يجتمع فى الشعر خمس متحركات البتة.
ومن الناس من جعل الشعر كله من الأسباب والأوتاد خاصة، يركب (2) بعضها / على بعض، فتتركب الفواصل منهما.
وبعض المتعقبين أظنه الملقب بالحمار (3) يسمى الفاصلتين «وتدا ثلاثيا»، و «وتدا رباعيا»، والسبب عنده نوعان: منفصل نحو «من»، ومتصل نحو «لمن»، فاللام عنده وحدها سبب متصل، والميم والنون سبب (4) منفصل
__________
(1) فى ص: «قد» و «هل» و «من»، وسقطت «بل» من المغربيتين.
(2) فى ف: «تركب» وفى المطبوعتين: «يركب بعضهما»، ويبدو أن قارئ النسخة المغربية التى نقلت إلى النسخ المشرقية أشكل عليه الأمر فى ذيل الألف بعد الهاء، فلو أن هذا القارئ تمرس على هذا الخط لوجد أن هذه الحالة توجد دائما، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) هو سعيد بن فتحون السرقسطى، يكنى أبا عثمان، ويعرف بالحمار، له أدب، وعلم، وتصرف فى حدود المنطق.
جذوة المقتبس 233
(4) فى المطبوعتين: «والميم والنون سبب هو منفصل»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/275)
لما كان لحركة الميم نهاية، وهى النون الساكنة، ولو كانت متحركة لم تكن نهاية.
وأما الزحاف: فهو ما يلحق أى جزء كان من الأجزاء السبعة التى جعلت موازين الشعر، من نقص، أو زيادة، أو تقديم حرف، أو تأخيره، أو تسكينه، ولا يكاد يسلم منه شعر.
ومن الزحاف ما هو أخف من التمام وأحسن، كالذى يستحسن فى الجارية من التفاف البدن، واعتدال القامة، مثل (1) ذلك «مفاعيلن» فى عروض الطويل التام، تصير «مفاعلن» فى جميع أبياته، وهذا هو «القبض»، وكل ما ذهب خامسه الساكن فهو «مقبوض»، و «فاعلن» فى عروض البسيط التام وضربه، يصير «فعلن»، وذلك هو «الخبن»، وكل ما ذهب ثانيه الساكن فهو «مخبون»، و «مفاعلتن» فى عروض الوافر التام وضربه، حذفوا منه التاء والنون، وأسكنوا اللام، فصار «مفاعل»، فخلفه «فعولن»، وهذا هو القطف، وليس فى الشعر مقطوف غيره، ويخف على المطبوع أبدا أن يجعل مكان «مستفعلن» فى الخفيف «مفاعلن»، يظهر له أحسن.
ومنه أعنى الزحاف ما يستحسن قليله دون كثيره، كالقبل اليسير، والفلج، واللثغ (2)، مثال ذلك قول خالد بن زهير الهذلى (3) لخاله أبى ذؤيب:
[الطويل]
لعلّك إمّا أمّ عمرو تبدّلت ... سواك خليلا شاتمى تستخيرها (4)
__________
(1) فى ف: «مثل مفاعيلين» بإسقاط «ذلك»، وفى المطبوعتين ومغربية «مثال».
(2) القبل بفتحتين إقبال سواد العين على الأنف، أو مثل الحول، أو أحسن منه، أو إقبال إحدى الحدقتين على الأخرى. والفلج بفتحتين فى الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، وبابه طرب. واللثغ: أن تصير الراء لاما أو غينا، أو تصير السين تاء، وبابه طرب أيضا [من هامش م] وفى ص: «والتبع» بدل: «واللثغ».
(3) هو خالد بن زهير بن محرث، وهو ابن أخت أبى ذؤيب الهذلى، وكان خالد رسول خاله إلى حبيبته، فأخذها منه، وكان أبو ذؤيب قد أخذها من حبيبها.
الشعر والشعراء 2/ 654، وديوان الهذليين 1/ 156، وما بعدها.
(4) طبقات ابن سلام 1/ 69، وديوان الهذليين 1/ 157، واللسان فى [خور].(1/276)
فنقص ساكنا بعد كاف «سواك»، وهو نون «فعولن»، وهذا هو القبض / ومن رواه «خليلا سواك» قبض الياء من «مفاعيلن»، وهو أشد قليلا (1).
ومنه ما يحتمل على كره، كالفدع، والوكع، والكزم (2) فى بعض الحسان، ومثاله فى الشعر كثير، وكفاك قول امرىء القيس (3):
[الطويل]
وتعرف فيه من أبيه شمائلا ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر (4)
سماحة ذا وبرّ ذا ووفاء ذا ... ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
فهذا أجمع العلماء بالشعر أنه ما عمل فى معناه مثله، إلا أنه على ما تراه من الزحاف المستكره، حكى ذلك / أبو عبيدة.
ومنه قبيح مردود، لا تقبل النفس عليه، كقبح الخلق، واختلاف الأعضاء فى الناس، وسوء التركيب، مثال (5) ذلك قصيدة عبيد المشهورة (6):
[المنسرح]
أقفر من أهله ملحوب (7)
__________
وفى ف وخ: «يستجيرها» بالجيم، وفى م: «تستحيرها» بالحاء المهملة. والاستحارة: الاستنطاق من الحوار الذى هو الرجوع. والاستخارة: الاستعطاف. [انظر: اللسان فى حور، وخور].
(1) انظر طبقات ابن سلام 1/ 7068
(2) الفدع بفتحتين اعوجاج الرسغ من اليد، أو الرجل حتى ينقلب الكف، أو القدم إلى إنسيها، أو هو المشى على ظهر القدم، أو هو ارتفاع أخمص القدم، حتى لو وطىء الأفدع عصفورا لم يؤذه. والوكع: بفتحتين إقبال الإبهام على السبابة من الرجل، حتى يرى أصله خارجا كالعقدة.
والكزم بفتحتين قصر فى الأنف والأصابع. [من هامش م].
(3) فى ف والمطبوعتين: «امرئ القيس بن حجر»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) ديوان امرئ القيس 113وانظر ما قيل عنهما فى صنعة الشعر 201
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «مثاله قصيدة».
(6) ديوان عبيد بن الأبرص 23
(7) هذا صدر بيت، وعجزه: «فالقطبيّات فالذّنوب»، وسيأتى البيت مرة أخرى فى باب البديهة والارتجال. وملحوب: هو ماء لبنى أسد. والقطبيات: جبل. والذنوب: موضع لبنى أسد وتلاحظ أن الشطر الأول من المنسرح، والثانى من مخلع البسيط.(1/277)
فإنها كادت تكون كلاما غير موزون بعلّة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس:
إنها خطبة ارتجلها، فاتزن له أكثرها.
وقال الأصمعى (1): الزحاف فى الشعر كالرخصة فى الفقه.
وينبغى للشاعر أن يركب مستعمل الأعاريض ووطيئها، وأن يستحلى الضروب، ويأتى بألطفها موقعا، وأخفها مستمعا، وأن يجتنب عويصها ومستكرهها، فإن العويص مما يشغله، ويمسك من عنانه، ويوهن قواه، ويفتّ فى عضده، ويخرجه عن مقصده.
وقد يأتون كثيرا (2) بالخرم، وهو ذهاب أول حركة من وتد الجزء الأول من البيت، وأكثر ما يقع فى البيت الأول، وقد يقع قليلا فى أول عجز البيت، ولا يكون أبدا إلا فى وتد، وقد أنكره الخليل، لقلّته، فلم يجزه، وأجازه الناس، أنشد (3) الجوهرى (4):
[المتقارب]
قدّمت رجلا فإن لم ترع ... قدّمت الاخرى فنلت القرارا (5)
/ وأنشد أبو سعيد الحسن بن الحسين السكرى لامرئ القيس (6):
[الطويل]
لقد أنكرتنى بعلبكّ وأهلها ... وابن جريج كان فى حمص أنكرا (7)
هكذا روايته، ورواية غيره «ولابن جريج» بغير خرم.
__________
(1) انظره فى التمثيل والمحاضرة 184، وفى ف والمطبوعتين فقط زيادة «لا يقدم عليها إلا فقيه» وهى توافق زهر الآداب 2/ 640وفيه نسب القول إلى أبى عبيدة.
(2) فى المطبوعتين: «وقد يأتون بالخرم كثيرا»، وفى ف: «الحزم» بحاء مهملة فزاى، وهو تصحيف.
(3) فى م: «وأنشد».
(4) البيت فى عروض الورقة 65، وصنعة الشعر 173
(5) فى المطبوعتين: «فإن لم تزع» بالزاى. وفى ص ومغربية: «الغرارا» بالغين المعجمة، وفى ف: «الغدار» بالغين المعجمة والدال المهملة، وفى م: «القرار»، وفى صنعة الشعر: «قدمت أخرى فنلت الفرارا»، واعتمدت ما فى خ والمغربية الأخرى لموافقته عروض الورقة.
(6) ديوان امرئ القيس 68
(7) فى الديوان: «ولابن جريج فى قرى حمص أنكرا».(1/278)
فإذا اجتمع الخرم والقبض على الجزء فذلك هو «الثّرم»، وهو قبيح، وهذان عيبان تدلّك التسمية فيهما على قبحهما لأن الخرم فى الأنف، والثرم فى الفم.
وإنما كانت العرب تأتى به لأن أحدهم يتكلم بالكلام على أنه غير شعر، ثم يرى فيه رأيا، فيصرفه إلى جهة الشعر، فمن هاهنا احتمل لهم، وقبح (1) من أفعال غيرهم. ألا ترى أن بعض كتّاب عبد الله بن طاهر عاب ذلك على أبى تمام فى قوله: (2) [الطويل]
هنّ عوادى يوسف وصواحبه (3)
على أنه أولى الناس بمذاهب العرب.
ويأتون بالخزم بزاى معجمة وهو ضدّ الخرم بالراء غير معجمة الناقص منهما ناقص نقطة، والزائد زائد نقطة، وليس الخزم عندهم بعيب لأن أحدهم إنما يأتى بالحرف زائدا فى أول الوزن، إذا سقط لم يفسد المعنى، ولا أخلّ به ولا بالوزن، وربما جاء بالحرفين والثلاثة، ولم يأتوا بأكثر من أربعة أحرف.
أنشدوا عن على رضى الله عنه (4): [الهزج]
أشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا (5)
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقبح على غيرهم».
(2) ديوان أبى تمام 1/ 216
(3) هذا صدر بيت عجزه: «فعزما فقدما أدرك السؤل طالبه».
وانظر فى موضوع بعض كتاب ابن طاهر كلّا من الديوان 1/ 217، والموشح 499و 500 والموازنة 1/ 20و 21
(4) فى ف: «عليه السلام»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «على بن أبى طالب رحمه الله تعالى ورضى عنه».
(5) البيتان فى الكامل 3/ 210، وقال المبرد بعد ذكرهما: «والشعر إنما يصح بأن تحذف «اشدد» فتقول:
حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا
ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى، ولا يعتدون به فى الوزن، ويحذفون من الوزن علما بأن المخاطب يعلم ما يريدونه، فهو إذا قال: «حيازيمك للموت» فقد أضمر «اشدد» فأظهره ولم يعتد به».
وانظر البيتين أيضا فى كتاب الأمثال 231، وجمهرة الأمثال 304، ومجمع الأمثال 2/ 166، وفصل المقال 332، و 333، والزهرة 2/ 826وشرح نهج البلاغة 6/ 114، والأول فى المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 1/ 441، وعروض الورقة 13، وفى هذه الكتب حديث عن زيادة «اشدد»، وقد ذكر البيت فى بعضها بدونها، ثم ذكر مرة أخرى بها، وفى مجمع الأمثال نسب البيتان إلى أحيحة بن الجلاح، وجاء البيت الأول فى اللسان فى مادة [حزم] وذكر الثانى فى الهامش من المحقق.(1/279)
ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا
/ فزاد «اشدد» بيانا للمعنى لأنه هو المراد.
وقال (1) كعب بن مالك الأنصارى يرثى عثمان بن عفان رضى الله عنه:
[الطويل]
لقد عجبت لقوم أسلموا بعد عزّهم ... إمامهم للمنكرات وللغدر (2)
فزاد «لقد» على الوزن، هكذا أنشدوه.
وأنشد الزجاج وزعم أصحاب الحديث أن الجنّ قالته:
[الهزج]
نحن قتلنا سيّد الخزر ... ج / سعد بن عباده (3)
رميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده
فزاد على الوزن «نحن».
وأنشد الزجاج أيضا (4): [الرجز]
بل لم تجزعوا يا آل حجر مجزعا (5)
فزاد «بل».
وأنشد أيضا: (6) [الكامل]
يا مطر بن خارجة بن سامة إنّنى ... أجفى وتغلق دونى الأبواب (7)
وإنما الوزن «مطر بن خارجة»، والياء (8) والألف زيادة.
__________
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «قال».
(2) ديوان كعب بن مالك الأنصارى 210
(3) البيتان فى المعارف 259باختلاف يسير، والاستيعاب 2/ 599، والعقد الفريد 4/ 260 وشرح نهج البلاغة 10/ 111مع بعض اختلاف، والأول وحده فى العقد الفريد 5/ 484، واللسان فى مادة [خزم]، والبيتان فى سير أعلام النبلاء 1/ 277وفيه: «[قد] قتلنا» فى البيت الأول و «[و] رميناه» فى الثانى، وهما بذات صيغة السير فى غريب الحديث للخطابى 2/ 34دون استعمال القوسين، والأول مع اسقاط «نحن» فى صنعة الشعر 127
(4) الرجز فى صنعة الشعر 182واللسان فى مادة [خزم] دون نسبة.
(5) فى ف والمطبوعتين: «يا آل حرب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) البيت فى صنعة الشعر 182، واللسان فى مادة [خزم]، مع بعض اختلاف فيهما.
(7) فى ف وخ «بن خارجة بن سلمة» وفى م: «بن خارجة بن مسلم».
(8) فى ف: «ويا زائدة»، وهو الأحسن، وقد أشار إلى هذا التعبير محقق م فى الهامش كاجتهاد منه. وفى المطبوعتين والمغربيتين: «زائدة» بدل «زيادة».(1/280)
ومما جاء فيه الخزم فى أول عجز البيت، وأول صدره، وهو شاذ جدا، قول طرفة (1): [السريع]
هل تذكرون إذ نقاتلكم ... إذ لا يضرّ معدما عدمه
فزاد فى أول صدر البيت «هل»، وزاد فى أول العجز «إذ»، والبيت من قصيدته المشهورة (2): [المديد]
أشجاك الرّبع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه؟
وقال جريبة (3) بن الأشيم (4) أنشده أبو حاتم عن أبى زيد الأنصارى: (5) [الطويل]
لقد طال إيضاعى المخدّم لا أرى ... فى الناس مثلى من معدّ يخطب (6)
حتّى تأوّبت البيوت عشيّة ... فوضعت عنه كوره يتثاءب (7)
فاللام فى «لقد» زائدة، وصاحب هذا الشعر جاهلى قديم.
وقالت الخنساء (8):
__________
(1) ديوان طرفة 76
(2) ديوان طرفة 74
(3) فى ص: «خريبة» بالخاء المعجمة، والتصحيح من المصادر التالية والمطبوعتين، وفى ف: «خريمة».
(4) هو جريبة بن الأشيم بن عمرو الأسدى، وهو جد مطير بن الأشيم، أحد شياطين بنى أسد وشعرائها.
المؤتلف والمختلف 103، والنوادر فى اللغة 287، ومن الضائع من معجم الشعراء 41
(5) البيتان فى النوادر فى اللغة 287، ومعهما بيت ثالث، وجاء فيه 288: «قال أبو حاتم:
اللام فى لقد زائدة، والوزن: قد طال».
(6) الإيضاع: سير مثل الخبب، أو أن يعدى بعيره ويحمله على العدو الحثيث. انظر اللسان فى [وضع]. والمخدم: موضع الخدمة من البعير والمرأة، وفرس مخدّم: تحجيله مستدير فوق أشاعره. انظر اللسان فى [خدم].
(7) فى ص: «حتى تأبت» بإسقاط الواو، وهو سهو من الناسخ.
(8) هى تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الرياحية، من بنى سليم، أشهر شواعر العرب، وأشعرهن على الإطلاق، عاشت أكثر عمرها فى الجاهلية، ثم أسلمت، وأكثر شعرها فى رثاء أخويها: صخر، ومعاوية، واستشهد أبناؤها الأربعة فى حرب القادسية. ت 24هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 202و 210، والشعر والشعراء 1/ 343، والأغانى 15/ 76، ونهاية الأرب 19/ 215و 216، وخزانة الأدب 1/ 433، ومعاهد التنصيص 1/ 348(1/281)
[البسيط]
أقذى بعينيك أم بالعين عوّار ... أم أوحشت وخلت من أهلها الدّار؟ (1)
فزادت ألف الاستفهام، ولو أسقطتها لم يضر المعنى ولا الوزن شيئا.
وروى (2) النحاس (3) أن أبا الحسن بن كيسان (4) كان ينشد قول امرىء القيس (5): [الطويل]
كأنّ ثبيرا فى عرانين وبله (6)
فما بعد ذلك بالواو، فيقول:
وكأنّ ذرى رأس المجيمر غدوة (7)
وكأنّ السّباع فيه غرقى عشيّة (8)
__________
(1) البيت فى الأغانى 15/ 80، والعقد الفريد 3/ 267، وفيهما: «قذى أم أقفرت» وفى الزهرة 2/ 826أول بيتين وفيه: «قذى أم أوحشت إذ» وقيل بعد البيتين: «فزادت فى البيت الأول الهمزة لا تحتاج العروض إليها. وفى ديوان الخنساء 49 [ط منشورات دار الفكر ببيروت]: «قذى أم ذرفت إذخلت» وفى ديوانها 225 [ط دار الكتاب العربى]: «ما هاج أم بالعين أم ذرفت أم خلت»
وفى ف: «وخلت فى أهلها» وفى المطبوعتين: «إذ خلت».
والقذى: ما يقع فى العين، وما ترمى به. والعوّار: القذى فى العين. انظر اللسان فى [قذى وعور]. أو وجع العين كالقذى من الرمد.
(2) فى المطبوعتين فقط: «وروى أن أبا الحسن» بإسقاط «النحاس».
(3) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل المصرى النحوى، يكنى أبا جعفر، ويعرف بالنحاس، كان واسع العلم، غزير الرواية، كثير التأليف، ولم تكن له مشاهدة، فإذا خلا بقلمه جوّد وأحسن، وله كتب فى القرآن مفيدة. ت 338هـ.
طبقات اليزيدى 220، وإنباه الرواة 1/ 101، ومعجم الأدباء 4/ 224، وبغية الوعاة 1/ 362، ونزهة الألباء 217، وسير أعلام النبلاء 15/ 401وما فيه، ووفيات الأعيان 1/ 99، والشذرات 2/ 346
(4) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان، يكنى أبا الحسن، كان أحد المشهورين بالعلم، والمعروفين بالفهم، وكان بصريا كوفيا، يحفظ القولين، وكان ميله إلى مذهب البصريين أكثر. ت 299هـ.
طبقات الزبيدى 153، وإنباه الرواة 3/ 57، ومعجم الأدباء 17/ 136، وبغية الوعاة 1/ 18، ونزهة الألباء 178، وتاريخ بغداد 1/ 335
(5) ديوان امرئ القيس 25
(6) فى الديوان:
كأن أبانا فى أفانين ودقه ... كبير أناس فى بجاد مزمّل
وثبير أو أبان: اسم جبل. والعرانين جمع عرنين وهو الأنف. والودق: المطر.
(7) ديوانه 25وفيه: «كأن طميّة المجيمر غدوة ... من السيل والغثاء فلكة مغزل»
(8) ديوانه 26وفيه: «كأن سباعا فيه غرقى غديّة ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل»(1/282)
معطوفا هكذا ليكون الكلام نسقا بعضه على بعض.
قال عبد الكريم (1): مذهبهم فى الخزم أنه / إذا كان البيت يتعلق بما بعده وصلوه بتلك الزيادة، بحروف العطف التى تعطف الاسم على الاسم، والفعل على الفعل، والجملة على الجملة. وأخذ الخزم من خزامة (2) الناقة، ومن شأنهم مدّ الصوت، فجعلوه عوضا من الخرم الذى يحذفونه من أول البيت.
وقال (3) غيره: إنما أسقطوه كأنهم يتوهمون أنه فى السكتة، فلذلك جعلوه فى الوتد المجموع لأن المفروق لو أسقطوا حركته الأولى لبقى أوله ساكنا، ولا يبتدأ بالساكن، فيسقط أيضا، والسكتة لا تحتمل عندهم إلا حرفا واحدا.
وهذا اعتلال مليح، بيّن جدّا.
ومن التزحيف فى الأوساط: «الإقعاد» (4)، وهو أن تذهب مثلا نون «متفاعلن»، أو «مستفعلن» فى عروض الضرب الثانى من الكامل، وتسكن اللام، فيصير عروضه كضربه «فعلاتن»، أو «مفعولن»، / كما قال الشاعر وهذا هو القطع عند أصحاب القوافى: [الكامل]
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار؟ (5)
فجاء هذا على معنى التصريع، وليس به، فهو عيب، وأقبح منه قول الآخر (6):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «قال عبد الكريم بن إبراهيم»، ولم أجد هذا القول فى الممتع.
(2) فى ص: «خزام». وخزام جمع خزامة. [انظر اللسان].
(3) فى ف: «قال غيره»، وفى المطبوعتين: «وقد قال»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى م: «الإفعاد» بالفاء، وهو تصحيف مطبعى.
(5) البيت جاء فى الشعر والشعراء 1/ 96منسوبا إلى الربيع بن زياد، وعلق ابن قتيبة عليه فقال:
«ولو كان «بن زهيرة» لاستوى البيت». وجاء البيت فى العقد الفريد 5/ 507دون نسبة، وفى الهامش ذكر أنه للربيع بن زياد، وفى العقد ذكر أن الخليل يسمى هذا «المقعّر»، والبيت فى الأغانى 17/ 200والكناية والتعريض 10للربيع بن زياد، وجاء فى كتاب ما يجوز للشاعر فى الضرورة 149 دون نسبة، وفى الهامش ذكر المحققان أنه للربيع بن زياد، وخرّجاه، والبيت فى الحماسة 2/ 992 للربيع بن زياد. ونسب إلى خداش بن زهير فى حلية المحاضرة 2/ 246، وجاء دون نسبة فى صنعة الشعر 187، وعروض الورقة 36وفى هامشه ذكر المحقق أنه للربيع بن زياد.
(6) البيت جاء فى الشعر والشعراء 1/ 96منسوبا إلى حميد، ولم أجده فى ديوانه، وجاء دون نسبة فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 149، وذكر المحققان أنه ينسب إلى حميد فى الشعر والشعراء، وجاء فى كتاب القوافى 67منسوبا إلى حميد.(1/283)
[الكامل]
إنّى كبرت وإنّ كلّ كبير ... ممّا يضنّ به يملّ ويفتر (1)
لأنه أتى بالعروض دون الضرب بحرف، لا لتوهم تصريع ولا إشكال.
وإنما نذكر مثل هذا ليجتنب إذا عرف قبحه، وجاء منه فى الطويل قول النابغة الذبيانى (2): [الطويل]
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
أنشده النحاس، وقول ضباب بن سبيع بن عوف الحنظلى (3):
[الطويل]
لعمرى لقد برّ الضّباب بنوه ... وبعض البنين حمّة وسعال (4)
هكذا رويته (5) بالحاء غير معجمة، وهو الصحيح، وبعضهم يرويه / «غمة» بالغين معجمة.
وزعم الجمحى أن «الإقعاد» لا يجوز لمولّد (6)، وقد أتى به البحترى فى عروض الخفيف، فقال يهجو شاعرا (7): [الخفيف]
ليس ينفكّ هاجيا مضروبا ... ألف حدّ أو مادحا مصفوعا (8)
قياسا على قول الحارث بن حلزة اليشكرى (9):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين «مما يضن به علىّ ويقتر»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الشعر والشعراء، وفى ما يجوز للشاعر فى الضرورة: «مما يظن» بالظاء المعجمة.
(2) ديوان النابغة الذبيانى 191، وفيه جاء صدر البيت هكذا: «جزى الله عبسا فى المواطن كلها»، وانظره فى كتاب القوافى 65وصنعة الشعر 184
(3) لم أجد له ترجمة، وقد ذكر ذلك أيضا محقق النوادر فى اللغة، هذا على الرغم من وجود الاسم والبيت فى أكثر من كتاب.
(4) البيت فى النوادر فى اللغة 365، أول ثلاثة أبيات، وجاء وحده فى اللسان فى [حمم].
(5) فى المطبوعتين: «روايته»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(6) الذى قال عنه الجمحى إنه لا يجوز لمولد خاص بالإقواء 1/ 71، والإيطاء 1/ 72
(7) ديوان البحترى 2/ 1283
(8) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «ألف حد ومادحا» وما فى ص ومغربية يوافق الديوان.
(9) البيت فى الأغانى 11/ 48، وشرح القصائد السبع الطوال 496، وفى كتاب القوافى 66، وفيه: «إن شعبت».(1/284)
[الخفيف]
أسد فى اللقاء ذو أشبال ... وربيع إن شنّعت غبراء (1)
وابن قتيبة يسمى هذا الزحاف «إقواء» (2)، وسأذكره فى باب القوافى إن شاء الله (3).
ومهمات (4) الزحاف أربعة أشياء: ابتداء: وهو ما كان فى أول البيت مما لا يجوز مثله فى الحشو، كالثّلم فى الطويل، والعصب فى الوافر، والخرم فى الهزج. وفصل: وهو ما كان ملتزما فى نصف البيت الذى يسمى عروضا مثل «مفاعلن» فى عروض الطويل، و «فعلن» (5) فى عروض المديد، وما جرى مجراهما، هذا هو الحقيقة، وأمّا ما كان من جهة التوسع والمجاز، ومعنى التقريب فقد مر ذكرهما آنفا. واعتماد: وهو (6) ما كان فى الجزء الذى قبل الضرب، كقول امرئ القيس (7): [الطويل]
أعنّى على برق أراه وميض ... يضىء حبيّا فى شماريخ بيض (8)
فأثبت ياء «شماريخ»، وهى مكان النون من «فعولن»، وكان الأجود أن
__________
(1) البيت بنصه فى الأغانى وكتاب القوافى، وجاء الشطر الأول فى شرح القصائد السبع الطوال هكذا: «أسد فى اللقاء ورد هموس».
(2) الشعر والشعراء 1/ 95ولكن ذلك جاء فى باب الإقعاد فى كتاب القوافى 65، وما بعدها.
(3) فى ف والمطبوعتين: «إن شاء الله تعالى».
(4) فى ف والمطبوعتين: «ومن مهمات».
(5) فى ف وخ والمغربيتين: «وفاعلن».
(6) فى ف والمطبوعتين: «وهو ما كان من الزحاف الجائز فى الحشو ولا مثل الجزء الذى قبل الضرب» وقد أشار محقق م فى الهامش إلى أن هذه العبارة غير مستقيمة وقال: «وصوابها: ما كان من الزحاف الجائز فى الحشو فى الجزء الذى قبل الضرب».
وأقول: إن ما اقترحه محقق م غير مستقيم أيضا، والصحيح ما جاء فى ص، وهذا يدل على أن هذه النسخة منقولة عن نسخة المؤلف، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) ديوان امرئ القيس 72
(8) الحبىّ: السحاب المتدانى، وقيل: هو المشرف. والشماريخ: ما ارتفع من أعاليه، وقيل:
هى الجبال المشرفة [من الديوان].(1/285)
يسقطها منه (1) بالقبض، لمكان الاعتماد لأن السبب قد اعتمد على وتدين:
أحدهما قبله، والآخر بعده، فقوى قوة ليست لغيره من الأسباب، فحسن الزحاف فيه، والاعتماد فى المتقارب سلامة الجزء من الزحاف. وغاية: وهو ما كان فى الضرب الذى هو جزء القافية ملتزما مخالفا للحشو، كالمقطوع، والمقصور، والمكسوف /، والمقطوف، وهذه أشياء لا تكون فى حشو البيت.
قالوا: وأكثر الغايات معتل لأن الغاية إذا كانت «فاعلاتن»، أو «فعولن»، أو «مفاعيلن» فقد لزمها أن لا تحذف سواكن أسبابها لأن آخر البيت لا يكون متحركا، هذه حقيقة ما ذكر، وأما المجاز والاتساع فكثير.
ويتصل بالغايات أنواع أخر: فمن ذلك معرفة ما يلزمه حرف المد واللين، الذى هو «الرّدف» مما لا يلزمه ذلك (2)، أجمع حذّاق أهل العلم من البصرييين والكوفيين على أن كل وزن نقص من أتمّ بنيانه (3) حرف متحرك عوض حرف المد واللين من ذلك الحرف، فلم يجىء إلا مردفا بياء (4)، أو واو، أو ألف، ولا يحتسب فى ذلك بما يقع للزحاف، مثل «مفعولن» (5) فى الخفيف. ألا ترى / أنه يعاقب «فاعلاتن»، فهو لا يوجب «الرّدف»، فإن ذهب منه أكثر من حرف متحرك، أو ما يقوم مقامه، وهو حرف ساكن مع حركة (6)
آخر متحرك، لم يلزمه «الرّدف». وإذا التقى فيه (7) ساكنان ألزموه «الرّدف»، فمما سقط منه (8) فألزم حرف المد «فعولن» المحذوف فى الطويل لم يعتدّوا
__________
(1) حذفت «منه» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى م كتب المحقق فى الهامش: «والصواب فيما نرى حذف كلمة ذلك»!!
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «بنائه».
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «بواو أو ياء أو ألف».
(5) فى خ ومغربية: «مفعلن»، وقد كتب محقق م فى الهامش: «فى جميع الأصول «مفعلن» بلا واو، وهو غير صحيح». وأقول: إن ص وف ذكرتا «مفعولن» مما يدل على صحتهما، وعدم عودة المحقق إليهما أو مثلهما!! وما فى ص وف يوافق المغربية الأخرى.
(6) فى ف والمطبوعتين: «مع حرف آخر متحرك». وما فى ص يوافق المغربيتين، وإن كان فى مغربية «أخرى متحرك».
(7) سقطت «فيه» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(8) سقطت «منه» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.(1/286)
بالنون لما يدركها من الزحاف، فكأنما ذهبت اللام فقط، ومن المديد «فاعلاتن» المقصور، ومن البسيط «فعلن» المقطوع. والفرق بين القصر (1) والقطع أن القصر فى الأسباب، والقطع فى الأوتاد، وهما جميعا ذهاب ساكن من آخر الجزء وحركة متحرك قبله ملاصقة، والرّدف إنما يكون عوضا مما بعده، لا مما قبله، ومن الكامل «فعلاتن» المقطوع، ومن الرجز «مفعولن» المقطوع، ومن الرمل «فاعلاتن» المقصور، ومن المتقارب «فعولن» المقصور أيضا (2).
ومما التقى / فيه ساكنان فألزموه (3) الردف «مستفعلان» المذال فى البسيط، وفيه اختلاف: أما من ألزمه الردف فلالتقاء الساكنين، أقاموا المدّ بينهما (4) مقام الحركة، وأما من لم يلزمه الردف فلأنه قد تمّ، وزيد على تمامه، والإرداف إنما يأتى عوضا من النقصان لا من الزيادة. وفى الكامل «متفاعلن» (5)
المذال، وفى الرجز شاهد (6) أنشده أبو زهرة النحوى (7) فى كتاب العروض، وهو: [الرجز]
كأنّنى فوق أقبّ سهوق ... جأب إذا عشّر صات الإرنان (8)
وفى الرمل «فاعلاتن» وحدها، والقول فيها كالقول فى «مستفعلن» المذال
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بين القطع والقصر».
(2) سقطت «أيضا» من ف والمطبوعتين والمغربيتين، وفى المغربيتين: «فعل المقصورة».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وألزموه».
(4) فى ف والمطبوعتين: «منهما»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «متفاعلان».
(6) فى ف والمطبوعتين: «شاذ»، وانظر ما قيل عن المترادف فى اللسان فى مادة [ردف]
(7) هو عبد الله بن فزارة، يكنى أبا زهرة النحوى. ت 282هـ.
طبقات الزبيدى 216، وبغية الوعاة 5/ 52
(8) البيت نسب فى هامش م إلى المرّار الأسدى، أقول: وهو كذلك فى اللسان فى مادة [سهق]، ونسب فى اللسان أيضا إلى النظّار الفقعسى فى مادة [صوت].
والأقب: الضامر. والسهوق: الطويل من الرجال، وقد يستعمل فى غيرهم كما هنا. والجأب:
الحمار الغليظ من حمر الوحش. وعشّر الحمار: تابع النهيق عشر نهقات. والصاتى: المصوّت.
والإرنان: الصوت، وأراد الصوت الرفيع. والأقب: الضامر. [من اللسان].(1/287)
فى البسيط، و «فاعلات» (1) فى السريع، وهو مذيل من البسيط عند الجوهرى.
فأما على ما عند سواه فهو موقوف من «مفعولات» مطويّة أى ساقطة الواو و «مفعولان» (2) من مشطور السريع أيضا، وفى منهوك المنسرح يلزمها حرف اللين، فعلى هذا إجماع الحذّاق، إلا سيبويه، فإنه رخّص فيه لموافقته (3) الوزن مردفا وغير مردف، وأنشد قول امرئ القيس (4): [الكامل]
ولقد رحلت العيس ثمّ زجرتها ... وهنا وقلت: عليك خير معدّ (5)
وقول الراجز: (6) [الرجز]
إن تمنع اليوم نساء تمنعن (7)
بإسكان العين والنون.
وكان الجرمى (8) والأخفش يريان هذا غلطا من قائله، كالسناد، والإكفاء، يحكى، ولا يعمل به، إلا أن أبا نواس فى قوله (9):
[البسيط]
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند (10)
__________
(1) فى ص: «فاعلن»، وانظر عروض الورقة 23و 24
(2) فى ف والمطبوعتين: «مفعولات فى»، والصحيح ما فى ص والمغربيتين لأن الوقف على «مفعولات» يحولها إلى «مفعولان».
(3) فى المطبوعتين فقط: «لموافقة».
(4) ديوان امرىء القيس 207
(5) فى الديوان: «ولقد بعثت العنس».
(6) الرجز فى الأغانى 16/ 70و 71، وجاء فى لباب الآداب 215نقلا عن الأغانى، وفيهما ينسب إلى ربيعة بن مكدّم، ونسب إلى غلام من بنى جذيمة فى سيرة ابن هشام 43/ 435. وجاء دون نسبة فى العقد الفريد 5/ 510، وفيه: «إن تمنع النوم النساء يمنعن»، وجاء بنصه فى الخصائص 2/ 251
(7) فى ص والمطبوعتين «يمنعن» بالمثناة التحتية، واعتمدت ما فى الأغانى ولباب الآداب وف، وفى الأغانى، ولباب الآداب «إن يمنع» بالمثناة التحتية، وكلاهما صحيح.
(8) هو صالح بن إسحاق الجرمى البصرى، يكنى أبا عمر، وكان يلقب بالكلب، وبالنباح لصياحه حال مناظرة أبى زيد، كان الجرمى فقيها عالما بالنحو واللغة، ديّنا ورعا، حسن المذهب، صحيح الاعتقاد، وكان جليلا فى الحديث والأخبار. ت 225هـ
طبقات الزبيدى 74، والفهرست 62، وإنباه الرواة 2/ 80، وتاريخ بغداد 9/ 313، ومعجم الأدباء 12/ 5، وسير أعلام النبلاء 10/ 561وما فيه، وبغية الوعاة 2/ 8، ونزهة الألباء 114، والشذرات 2/ 57، ووفيات الأعيان 2/ 485، والمزهر 2/ 408
(9) ديوان أبى نواس 27
(10) هذا صدر بيت عجزه: «واشرب على الورد من حمراء كالورد».(1/288)
أخذ بقول سيبويه، وهو قليل، والقياس الأول حسن مطرد، وهو المختار.
ومن أهم أمور الغايات معرفة ما ينشد من الشعر مطلقا، ومقيّدا، / قال أبو القاسم الزجاجى، وغيره من أصحاب القوافى: الشعر ثلاثة (1) وستون ضربا، لا يجوز إطلاق مقيد منها إلا انكسر الشعر ما خلا / ثلاثة أضرب: أحدها فى الكامل:
أبنىّ لا تظلم بمك ... كة لا الصّغير ولا الكبير (2)
وهذا هو الضرب السابع، يسمى «مذالا»، وإن شئت قلت: «ولا الكبيرا» فأطلقته وهو الضرب السادس (3)، يسمى «المرفل».
والضرب الثانى فى الرمل، وهو قول زيد الخيل (4): [الرمل]
يا بنى الصّيداء ردّوا فرسى ... إنّما يفعل هذا بالذّليل (5)
وهو الضرب الثانى منه، فإن أطلقته صار أول ضرب منه.
والضرب الثالث فى المتقارب، أنشد الأصمعى، وأبو عبيدة:
[المتقارب]
كأنّى ورحلى إذا رعتها ... على جمزى جازىء بالرّمال (6)
__________
(1) فى ص: «ثلاث».
(2) البيت أول قصيدة طويلة قالتها سبيعة بنت الأحب لابنها خالد تعظم عليه حرمة مكة فى سيرة ابن هشام 21/ 25، وجاء أول بيتين فى نسب قريش 293لسبيعة بن الأجب بالجيم، وجاء البيت دون نسبة فى سمط اللآلى 1/ 60، ونسبه المحقق فى الهامش إلى سبيعة بنت الأجب، وقال المؤلف فى تقييد القافية: «ويجوز فى شعره التقييد والإطلاق، وهذا لا يكون إلا فى بعض ضروب الكامل، وفى بعض الرمل، وفى المتقارب»، وضرب المثل بالتقييد والإطلاق فى البيت الذى معنا، وانظره فى الكافى 62
(3) فى المطبوعتين: «السادس منه»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(4) هو زيد الخيل بن مهلهل من طيىء، ويكنى أبا مكنف، قدم على النبى صلى الله عليه وسلّم فى وفد طيىء سنة تسع، وأسلم، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم «زيد الخير»، وسمى زيد الخيل لكثرة خيله.
الشعر والشعراء 1/ 286، والأغانى 17/ 245، والاشتقاق 395، والاستيعاب 2/ 559، وسمط اللآلى 1/ 60، وخزانة الأدب 5/ 379، ومسائل الانتقاد 107
(5) ديوان زيد الخيل 151، والأغانى 17/ 244و 247، والعقد الفريد 3/ 341، والأمالى 1/ 12، والشطر الأول فى السمط 1/ 59
(6) البيت فى ديوان الهذليين 2/ 175والخصائص 2/ 155لأمية بن أبى عائذ.(1/289)
غير أن سيبويه أنشد فيما يجوز تقييده وإطلاقه: [المتقارب]
صفيّة قومى ولا تعجزى ... وبكّى النساء على حمزة (1)
وهو من المتقارب، إن أطلق كان محذوفا، وإن قيّد كان أبتر.
وقد أنشد أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصارى لعمرو بن شأس (2)، قال: والشعر مقيد: [الطويل]
وما بيضة بات الظّليم يحفّها ... إلى جؤجؤ جاف بميثاء محلال (3)
بأحسن منها يوم بطن قراقر ... تخوض به بطن القطاة وقد سال (4)
لطيفة طىّ الكشح مضمرة الحشا ... هضيم العناق هونة غير متفال (5)
تميل على مثل الكثيب كأنّها ... نقا كلّما حرّكت جانبه مال (6)
__________
وفى ف: «إذا نزعتها» [كذا]، وفى المطبوعتين: «زعتها» بالزاى المعجمة، وما فى ص يوافق الديوان.
ورعتها: هو أن يزجرها، أو يضربها. وجمزى: حمار يجمز أى يسرع. قال الأصمعى: لم أسمع «فعلى» مذكرا إلا فى هذا الحرف. جازىء: اجتزأ بالرطب عن الماء. [من الديوان].
(1) البيت قاله كعب بن مالك فى رثاء حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه. انظر السيرة لابن هشام 43/ 158، وديوانه 216، وجاء فى العقد الفريد 5/ 494دون نسبة، وانظر عروض الورقة 66
(2) هو عمرو بن شاس بن أبى بلىّ بن ثعلبة ويكنى أبا عرار، شاعر كثير الشعر، مقدم، أسلم فى صدر الإسلام، وشهد القادسية.
طبقات ابن سلام 1/ 190و 196، والشعر والشعراء 1/ 425، والأغانى 11/ 196، ومعجم الشعراء 22، وسمط اللآلى 2/ 750، وله ذكر فى الفهرست 179، والاستيعاب 3/ 1180، ومن اسمه عمرو من الشعراء 115
(3) النوادر فى اللغة 226
والظليم: هو الذكر من النعام. والجؤجؤ: الصدر. والميثاء: الأرض السهلة. [انظر اللسان].
(4) فى النوادر فى اللغة: «تخوض به مشى القطاة» وهو أوفق. بطن قراقر: موضع.
القطاة: طائر.
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «هونة غير مجبال». وما فى ص والمغربيتين يوافق النوادر فى اللغة.
والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. والهضيم: الضامر. هونة: ضعيفة من خلقتها.
وهونة: مطاوعة. متفال: غير متطيبة.
(6) فى النوادر: «على ظهر الكثيب».
الكثيب من الرمل: القطعة تنقاد محدودبة. النقا من الرمل: القطعة تنقاد محدودبة [اللسان].(1/290)
وهذا (1) شىء لم يذكره العروضيون، وهو عندهم مطلق محمول على الإقواء، كما حمل قول امرئ القيس (2): [الطويل]
أحنظل لو حاميتم وصبرتم ... لأثنيت خيرا صالحا ولأرضان
/ ثياب بنى عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان (3)
عوير ومن مثل العوير ورهطه ... وأسعد فى ليل البلابل صفوان (4)
فقد أصبحوا والله أصفاهم به ... أبرّ بميثاق وأوفى بجيران (5)
إلا الأخفش والجرمى فإنهما يرويان هذا الشعر موقوفا، ولا يريان فيه إقواء، وهذا عند سيبويه لا بأس به.
وقد صوّب الناس قول الخليل فى مخالفة هذا المذهب، وأنشد بعض المتعقبن أظنه البازى (6) العروضى: [الطويل]
ستبدى لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (7)
بالتقييد على أنه من الضرب المحذوف المعتمد (8)، قال: إلا أنه يدخله عيب لترك حرف اللين، وهو كثير جدا.
/ وليس الابتداء، والفصل، والاعتماد، والغاية بعلل، ولكنها مواضع العلل، فأقيم المضاف إليه مقام المضاف.
وأما زحاف الحشو فمن أهمه معرفة المعاقبة، والمراقبة، فأما المعاقبة فهى
__________
(1) فى المطبوعتين: «هذا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) ديوان امرئ القيس 83و 84، وليس فيه البيت الأول، وهناك اختلاف فى الترتيب، والأولان فى صنعة الشعر 273
(3) فى ص: «وأوجههم عند المسافر» وما فى ف والمطبوعتين يوافق الديوان، وفى المغربيتين: «بيض المسافر». وغرّان: جمع أغر وهو الأبيض.
(4) البلابل: الأحزان والفكر.
(5) فى المطبوعتين: «أبر بأيمان»، وما فى ص وف يوافق الديوان، وفى ص: «لجيران».
(6) لم أعثر على من يطلق عليه البازى العروضى، ولكننى وجدت من يطلق عليه «العروضى» واسمه رزين بن زندورد، ويكنى أبا زهير، وقد قرظه الجاحظ، وأشاد به.
انظر الحيوان 7/ 217، والورقة 34، ومعجم الأدباء 11/ 138، وثمار القلوب 387
(7) البيت لطرفة، وهو فى ديوانه 48وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 245و 277وصنعة الشعر 96
(8) فى ص: «المعتد»، وفى ف: «والمعتمد».(1/291)
أن يتقابل سببان فى جزءين، فهما يتعاقبان السقوط، يسقط ساكن أحدهما لثبوت ساكن الآخر، ويثبتان جميعا، ولا يسقطان جميعا. والمعاقبة بين سببى جزءين من جميع الأوزان فى أربعة أنواع: المديد، والرمل، والخفيف، والمجتث، وهو عند الجوهرى ضرب من الخفيف (1)، فإذا كان السبب فى أول البيت، أو كان قبله وتد، ودخله (2) الزحاف فهو برىء من المعاقبة إذ ليس قبله ما يعاقبه، ولأن الوتد لا يعاقب السبب، (3) فإذا زوحف ثانى الجزء وعاقبه ما قبله فهو صدر، فإن زوحف آخر الجزء لمعاقبة ما بعده فهو عجز (3)، فإن زوحف أوله لمعاقبه ما قبله، وآخره لمعاقبة ما بعده فهما طرفان، وياء «مفاعيلن» فى الطويل، والهزج / تعاقب نونها، وكذلك سين «مستفعلن» فى الكامل (4) تعاقب فاءها.
والمراقبة: أن يتقابل السببان فى جزء واحد، فيسقط ساكن أحدهما، ولا يسقطان جميعا البتة، وكذلك لا يثبتان جميعا، وهى من جميع الأوزان فى المضارع والمقتضب، والجوهرى يعدّ المقتضب من الرجز كما قدمت فهى من المضارع فى سببى «مفاعيلن» أعنى الياء والنون إما (5) أن يأتى «مفاعلن» مقبوضا، وإما أن يأتى «مفاعيل» مكفوفا (5)، ومن المقتضب فى سببى «مفعولات» أعنى الفاء والواو إما أن يخبن فيصير «مفاعيل» (6)، وإما أن
__________
(1) انظر عروض الورقة 12و 55
(2) فى ف والمطبوعتين: «دخله»، باسقاط الواو، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(33) ما بين الرقمين سقط من ف، وفى المطبوعتين جاء هكذا: «فإذا زوحف ثانى الجزء لمعاقبة ما بعده فهو عجز» [كذا]. وما فى ص يوافق المغربيتين إلا أنه جاء فيهما: «فإن زوحف آخر الجزء لمعاقبة ما بعده فهو طرفان»، وهو سهو من الناسخ.
(4) فى هامش م كتب المحقق رحمه الله تعليقا على هذا فقال: «لعله فى الرجز، فإن الكامل متفاعلن وهو من سبب ثقيل، فسبب خفيف، بعدهما وتد مجموع، وفرض كلامه فى سببين خفيفين».
(55) ما بين الرقمين جاء فى ف هكذا: «إما أن يأتى مفاعيلن مقبوضا، وإما أن يأتى مكفوفا».
وجاء فى المطبوعتين والمغربيتين هكذا: «إما أن يأتى مفاعيلن مقبوضا، أو مفاعيلن مكفوفا»، إلا أنه فى المغربيتين: «إما أن يأتى مفاعلن».
(6) فى المطبوعتين: «إما أن تخبن فتصير».
وفى هامش م كتب المحقق: «خبنها حذف ثانيها الساكن، وهو الفاء، فتصير «معولات» فتنقل إلى مفاعيل».(1/292)
يطوى فيصير «فاعلات» (1)، ولا يجوز أن يأتى (2) هذا والذى قبله أعنى المضارع سالما البتة.
والفرق بين المعاقبة والمراقبة أن سببى المعاقبة يثبتان معا، وأن سببى المراقبة لا يثبتان معا، وأن المعاقبة فى جزءين، إلا ما كان من «مفاعيلن» فى الطويل، والهزج، و «مستفعلن» فى الكامل (3)، وأن المراقبة فى جزء واحد.
وسأفرد لباقى الزحاف بابا أذكره فيه مع المشطور، إن شاء الله تعالى.
ولست أحمل أحدا على ارتكاب الزحاف، إلا ما خف منه وخفى، ولو أن الخليل رحمه الله وضع كتاب العروض ليتكلف الناس ما فيه من الزحاف ويجعلوه (4) مثالا، دون أن يعلموا أنه (5) رخصة أتت بها العرب عند الضرورة لوجب (6) أن يتكلف ما صنعه من الشعر مزاحفا ليدل بذلك على علمه، وفضل ما نحا إليه.
ولسنا نرى الزحاف الظاهر فى شعر محدث، إلا القليل لمن لا يتّهم كالبحترى، وما أظنه كان يتعمد ذلك، بل على سجيته لأنه كان بدويّا من قرى منبج (7)، وبذلك (8) أعجب الناس به، وكثر الغناء فى شعره استظرافا لما فيه
__________
(1) فى المطبوعتين: «وإما أن تطوى فتصير».
وفى هامش م كتب المحقق: «طيها حذف رابعها الساكن، وهو الواو، فتصير «مفعلات» فتنقل إلى فاعلات».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولا يجوز أن يكون هذا».
(3) فى م كتب المحقق رحمه الله: «لعله فى الرجز، فإن الكامل متفاعلن، وهو من سبب ثقيل، فسبب خفيف بعدهما وتد مجموع، وفرض كلامه فى سببين خفيفين».
(4) سقط قوله: «ويجعلوه» من ص، وفى ف: «وجعلوه»، وما فى المطبوعتين يوافق المغربيتين.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أنها».
(6) لوجب الخ جواب «ولو أن الخليل»، وفى ف: «ولوجب».
(7) منبج: بلد قديم. انظره وتسميته فى معجم البلدان.
(8) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ولذلك».(1/293)
من الحلاوة / على طبع البداوة. وذكر ابن الجراح أنه من أهل قنّسرين (1)
والعواصم (2).
وقد ذكرت ما يليق ذكره بهذا الموضع / ليعرفه المتعلم إن شاء غير متكلف به شعرا، إلا ما ساعده عليه الطبع، وصح له فيه الذوق لأنى وجدت تكلّف العمل بالعلم فى كل أمر من أمور الدين والدنيا أوفق، إلا فى الشعر خاصة، فإن عمله بالطبع دون العروض أجود لما فى العروض من المسامحة فى الزحاف، وهو مما يهجّن الشعر، ويذهب برونقه.
* * * __________
(1) قنسرين: بلد بالشام، فتحت على يد أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه، انظرها وتسميتها فى معجم البلدان.
(2) العواصم: حصون موانع، وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية وقصبتها أنطاكية. انظر:
معجم البلدان.(1/294)
باب القوافى
القافية شريكة الوزن فى الاختصاص بالشعر، ولا يسمّى شعرا حتى يكون له وزن وقافية، وهذا على رأى (1) من يرى (2) أن الشعر ما جاوز بيتا، واتفقت أوزانه وقوافيه، ويستدل بأن المصرّع أدخل فى الشعر، وأقوى من غيره، وأما ما (3) أراه فقد قدمته فى باب الأوزان.
واختلف الناس فى القافية ما هى؟ فقال الخليل: القافية (4) من آخر حرف فى البيت إلى أول ساكن يليه من قبله، مع حركة الحرف الذى قبله (5)، فالقافية (6) على هذا المذهب وهو الصحيح تكون مرّة بعض كلمة، ومرة كلمة، ومرة كلمتين، كقول امرئ القيس (7): [الطويل]
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
فالقافية من الياء التى بعد حرف الروى فى اللفظ إلى نون «من» مع حركة الميم، فهاتان (8) كلمتان. وعلى وزن هذه القافية قوله (9):
[الطويل]
إذا جاش فيه حميه غلى مرجل
(10) فالقافية «مرجل»، وهى كلمة، وعلى وزنها قوله (11):
[الطويل]
ويلوى بأثواب العنيف المثقّل (10)
__________
(1) فى م كتبت كلمة «رأى» بين معقوفين!!، وقد سقطت من خ.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من رأى».
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «وأما قد أراه».
(4) انظر هذا القول فى كتاب القوافى 43، وهامش لزوم ما لا يلزم 4
(5) فى ف والمطبوعتين: «مع حركة الحرف الذى قبل الساكن»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «والقافية».
(7) ديوان امرئ القيس 19، والمذكور عجز بيت صدره: «مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا».
(8) فى ف والمطبوعتين: «وهاتان».
(9) ديوان امرئ القيس 20، والمذكور عجز بيت صدره: «على العقب جيّاش كأن اهتزامه».
(1010) ما بين الرقمين ساقط من ص.
(11) ديوان امرئ القيس 20، والمذكور عجز بيت صدره: «يطير الغلام الخف عن صهواته».(1/295)
فالقافية من الثاء إلى آخر البيت، وهذا بعض كلمة، وتابعه على هذا أبو عمر الجرمى وأصحابه، وهو قول مضبوط محقق، يشهد بالعلم.
وقال الأخفش (1): القافية / آخر كلمة من البيت، واستدل على صحة ذلك بأنه لو قال لك إنسان: اكتب لى قوافى قصيدة لكتبت له كلمات نحو:
كتاب، وإهاب (2)، وركاب، وسحاب (3)، وما أشبه ذلك، وهو المتعارف بين الناس اليوم، أعنى قول الأخفش، فكلّ (4) كلمة من قوله: «عل»، وقوله:
«مرجل»، وقوله: «المثقل» فى شعر امرئ القيس قافية بذاتها عند الأخفش.
فعلى هذين القولين مدار الحذّاق فى معرفة القافية.
ورأى الخليل عندى أصوب، وميزانه أرجح لأن الأخفش إن كان إنما فرّ من جعله القافية بعض الكلمة دون بعضها، فقد نجد من القوافى ما يكون فيها حرف الروى وحده القافية على رأيه، فإن وزن معه ما قبله، فأقامهما مقام كلمة من الكلمات التى عدّها قوافى كان قد شرّك القافية (5) بعض كلمة أخرى (6) مما قبلها، وإذا (7) جاز أن تشترك (8) فى القافية كلمتان لم يمتنع أن تكون القافية بعض كلمة (6)، مثال ذلك ما شاكل قول أبى الطيب (9): [البسيط]
طوى الجزيرة حتّى جاءنى خبر ... فزعت فيه بآمالى إلى الكذب
حتّى إذا لم يدع لى صدقه أملا ... شرقت بالدّمع حتّى كاد يشرق بى
/ فالقافية فى البيت الأول على قوله «الكذب»، لولا أن الألف فيه ألف
__________
(1) انظر هذا القول فى كتاب القوافى 43
(2) فى ف والمطبوعتين: «ولعاب»، وما فى ص يوافق مغربية، وفى الأخرى «ألقاب».
(3) فى ف والمطبوعتين: «وصحاب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وكل».
(5) فى م: «كان قد شرّك [فى] القافية» [كذا]، دون ذكر السبب.
(66) ما بين الرقمين ساقط من ف.
(7) فى المطبوعتين فقط: «فإذا».
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أن يشترك»، وكلاهما صحيح.
(9) ديوان المتنبى 1/ 87، 88واقرأ ما قيل عن البيتين فى كتاب المتنبى 338وما بعدها.(1/296)
وصل نابت عنها لام «إلى»، فإن قال إن (1) القافية فى البيت الثانى «يشرق بى» رجع ضرورة إلى مذهب الخليل وأصحابه لأن القافية عنده فى هذا البيت من الياء التى للوصل وهى هاهنا ضمير المتكلم إلى شين «يشرق» مع حركة الياء التى قبلها فى أول الكلمة، وإن جعل القافية باء الخفض التى فى موضع الروى، وياء الضمير التى قامت مقام الوصل، رجع إلى قول من جعل القافية حرف الروى، وهو خلاف مذهبه، وليس بشئ لأنه لو كان صحيحا لجاز فى قصيدة واحدة / «فجر» و «فجار» و «فاجر» و «فجور» و «منفجر» و «انفجار» و «مفجّر» و «متفجّر» و «مفجور»، وهذا لا يكون أبدا، إلا أن الفرّاء يحيى بن زياد (2) قد نصّ فى كتاب «حروف المعجم» أن القافية هى حرف الروى، واتبعه على ذلك أكثر الكوفيين، منهم: أحمد بن كيسان (3)، وغيره، وخالفه من أهل الكوفة أبو موسى الحامض (4)، فقال: القافية ما لزم الشاعر تكراره فى آخر كل بيت.
__________
(1) فى خ سقط الحرف «إن»، وفى م كتب بين معقوفين!! دون ذكر السبب.
(2) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، يكنى أبا زكريا، ويعرف بالفراء، نزل بغداد، وأملى بها كتبه فى معانى القرآن وعلومه، وقيل: لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها.
ت 207هـ.
المعارف 545، وتاريخ بغداد 14/ 149، وطبقات الزبيدى 131، والفهرست 73، ومعجم الأدباء 20/ 9، وبغية الوعاة 2/ 333، ونزهة الألباء 81، وسير أعلام النبلاء 10/ 118وما فيه، ووفيات الأعيان 6/ 176
(3) لم أعثر له على ترجمة. وقد وجدت فى سير أعلام النبلاء 13/ 506، مجرد ذكر اسم أحمد بن إبراهيم بن كيسان الثقفى، وهو أبو محمد بن أحمد (أبو الحسن بن كيسان) الذى سبقت ترجمته ص 230، ولا أدرى هل هو المقصود أو لا؟، ووجدت فى المزهر 2/ 409، من يطلق عليه أبو عبيدة كيسان ولا أدرى صلته بمن معنا. وفى بغية الوعاة 2/ 267كيسان بن المعرف النحوى.
(4) هو سليمان بن محمد بن أحمد الحامض، يكنى أبا موسى، ويعرف بالحامض، كان بارعا فى اللغة والنحو على مذهب الكوفيين، وكان فى اللغة أبرع، وكان ضيق الصدر، سىء الخلق. ت 305هـ
طبقات الزبيدى 152، وتاريخ بغداد 9/ 61، وبغية الوعاة 1/ 601، والفهرست 86، ومعجم الأدباء 11/ 253، وإنباه الرواة 2/ 21ووفيات الأعيان 2/ 406والوافى بالوفيات 15/ 426، ونزهة الألباء 181، وسير أعلام النبلاء 14/ 228فى ترجمة ابن أبى الدّميك.(1/297)
وهذا كلام مختصر، مليح الظاهر، إلا أنه إذا تأمّلته كلام الخليل (1) بعينه، لا زيادة فيه ولا نقصان.
ومن الناس من جعل القافية آخر جزء من البيت (2).
وقال (3) أبو القاسم الزجاجى: بعض الناس من العلماء يرى أن القافية حرفان من آخر البيت، وحكى أنهم سألوا أعرابيا، وقد أنشد:
[الرجز]
بنات وطّاء على خدّ الليل (4)
ما القافية؟ فقال: «خد الليل».
ولا أدرى كيف قال أبو القاسم هذا؟ لأن «خد الليل» كلمتان، وليستا حرفين إلا اتساعا (5)، وهذا هو آخر جزء من البيت على قول من قاله، ولو قال قائل: إن الأعرابى إنما أراد الياء واللام من «الليل» على مذهب من يرى القافية حرفين من آخر البيت لكان وجها سائغا لأن الأعرابى لا يعرف حروف التهجى فيقول: القافية الياء واللام من «الليل»، فكرر اللفظ ليفهم عنه السائل مراده.
ومنهم من جعل القافية النصف (6) الآخر (7) من البيت، وقال:
لا يسمى بيتا من الشعر مادام قسيما أول.
ومنهم من قال: البيت كله هو القافية لأنك لا تبنى بيتا على أنه من
__________
(1) فى م كتب المحقق فى الهامش: «لا، بل هو قول الفراء إذا تأملت بعين النصفة لأن الذى يلزمك تكراره فى آخر كل بيت هو حرف الروى، وأما ما عداه فليس لازما بنفسه أبدا».
(2) انظر هذا وما بعده فى كتاب القوافى 58و 59
(3) فى المطبوعتين: «قال»، وفى المغربيتين: «قال أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجى».
(4) الرجز مع القول فى كتاب القوافى 58واللسان فى [رأى]، والرجز وحده فى الموشح 16، وعجزه فيه: «لا يشتكين ألما ما أنقين» ونسبه المحقق فى الهامش إلى أبى ميمون النضر بن سلمة.
وذكر فى اللسان فى مادة [خدد] دون نسبة، والشطر الثانى فيه: «لأم من لم يتخذهن الويل».
(5) سقط قوله: «إلا اتساعا» من ص. وفى المغربيتين سقط قوله: «وهذا هو آخر» إلى قوله:
«لكان وجها».
(6) فى المطبوعتين: «القافية فى الجزء الآخر».
(7) فى ف: «الأخير».(1/298)
الطويل فتخرج (1) منه إلى البسيط، ولا إلى غيره من الأوزان.
ومنهم من جعل القافية القصيدة كلها، وذلك اتساع / ومجاز.
وسمّيت (2) القافية قافية لأنها تقفو إثر كل بيت.
وقال قوم: لأنها تقفو أخواتها.
والأول عندى هو الوجه لأنه لو صح معنى القول الآخر (3) لم يجز أن يسمى آخر البيت الأول قافية لأنه لم يقف شيئا، وعلى أنه يقفو إثر البيت يصح جدّا.
وقال أبو موسى الحامض: هى قافية بمعنى «مقفوّة» مثل {مََاءٍ دََافِقٍ}
[سورة الطارق: 6]، بمعنى «مدفوق»، و {عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} [سورة الحاقة: 21والقارعة: 7]، بمعنى «مرضيّة»، فكأن الشاعر يقفوها، أى يتبعها، وهذا قول سائغ متجه.
/ وسأذكر مما يلزم القافية من الحروف والحركات ما لا غنى عن ذكره فى هذا الموضع مجملا مختصر البيان والإيضاح، إن شاء الله تعالى.
فأقول: إن الشعر كله مطلق، ومقيّد، فالمقيد: ما كان حرف الروى فيه ساكنا، وحرف الروى الحرف (4) الذى يقع عليه الإعراب، وتبنى عليه القصيدة، فيتكرر فى كل بيت، وإن لم يظهر فيه الإعراب لسكونه.
وليس (5) اختلاف إعرابه عيبا كما هو فى المطلق إقواء، وحركة ما قبل الروى فى المقيد خاصة دون المطلق على رأى الزّجّاج وأصحابه توجيه.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «ثم تخرج»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) انظر هذه التسمية وما بعدها فى كتاب القوافى 5755
(3) فى المطبوعتين: «الأخير»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(4) سقطت كلمة «الحرف» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(5) انظر فى هذا وما بعده طبقات ابن سلام 1/ 68وما بعدها، ومقدمة أبى العلاء على كتاب لزوم ما لا يلزم 26و 27، والموشح فى موضوعات الإقواء والسناد والتوجيه من ص 4وما بعدها، وانظر كتاب القوافى 101و 117و 129، والعقد الفريد 5/ 506وما بعدها.(1/299)
وقال غيره: فى المطلق والمقيد جميعا يسمى التوجيه، ما لم يكن الشعر مردفا.
ويجوز فى التوجيه التغيير، فيكون سنادا عند بعض العلماء.
وكان الخليل يجيزه على كره من جهة الفتحة، فأما الضمة والكسرة فهما عنده متعاقبتان، كالواو والياء فى الرّدف، والفتحة كالألف.
وأنشدوا: [المتقارب]
أحار بن عمرو كأنّى خمر (1)
وفى القصيدة:
وكندة حولى جميعا صبر
وفيها:
تحرّقت الأرض واليوم قر
فاختلف التوجيه بالكسر، والضم، والفتح.
وقد سمّى ابن قتيبة، وأبو عبيدة، وغيرهما هذا العيب «إجازة» (2)، إلا أن منهم من جعل / الإجازة اختلاف حركة الروى فيما كان وصله هاء ساكنة خاصة، وأنشدوا: [مجزوء الكامل]
الحمد لله الّذى ... يعفو ويشتدّ انتقامه (3)
فى كرههم ورضاهم ... لا يستطيعون اهتضامه
وأنشد آخرون فى مثل ذلك، إلا أن منهم من أطلق الهاء:
[السريع]
فديت من أنصفنى فى الهوى ... حتّى إذا أحكمه ملّه (4)
__________
(1) هذا من شعر امرئ القيس، وهو فى ديوانه 154، والمذكور صدر بيت عجزه: «ويعدو على المرء ما يأتمر».
(2) انظر هذا بالتفصيل فى الشعر والشعراء 1/ 97، وانظر كتاب القوافى 134، فى باب الإجازة.
(3) البيتان فى العقد الفريد 5/ 508دون نسبة، والبيتان دون نسبة وضمن ثلاثة أبيات فى ديوان عدى بن الرقاع 89، والأول فى مقدمة لزوم ما لا يلزم 29، وينسب فيه إلى عمران الخارجى.
(4) البيتان فى العقد الفريد 5/ 508، دون نسبة.(1/300)
آمن ما كنت ومن ذا الّذى ... قبلى صفا العيش له كلّه
وكان ابن الرومى يلتزم حركة ما قبل الروى فى المطلق والمقيد فى أكثر شعره اقتدارا، صنع ذلك فى قصيدته القافية فى السوداء (1)، وفى مطولته:
[الطويل]
أبين ضلوعى جمرة تتوقّد (2)؟
قال شيخنا أبو عبد الله: الإجازة بالزاى معجمة اختلاف حركات ما قبل الروى، وهو مأخوذ من إجازة الحبل، وهو تراكب قواه بعضها على بعض، فكأن هذا اختلفت قوى حركاته، وقد حكى ابن قتيبة عن ابن الأعرابى مثل قول أبى عبد الله (3)، وقال: هو (4) من إجازة الحبل والوتر (5).
والمطلق نوعان: أحدهما: ما تبع حرف رويّه وصل فقط. والوصل أحد أربعة أحرف: الياء، والواو، والألف، والهاء، ينفرد كل واحد منها بالقصيدة حتى تكمل، فمما وصله ياء: [الطويل]
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل (6)
فبعد اللام ياء فى اللفظ، لا يقوم الوزن إلا بها، / ومما وصله واو:
[الكامل]
أمن المنون وريبها تتوجّع؟ (7)
__________
(1) فى ص: «السواد». والقصيدة القافية فى ديوانه 4/ 1653، فى مدح عبد الملك بن صالح الهاشمى وفيها تحدث عن الجارية السوداء.
(2) ديوان ابن الرومى 2/ 584، والمذكور صدر بيت عجزه «على ما مضى أم حسرة تتجدد».
(3) كان الأحسن أن يقول: «وقول أبى عبد الله مثل ما حكاه ابن قتيبة عن ابن الأعرابى»، وذلك لأن أسلوبه يوحى بأن ما قاله ابن قتيبة عن ابن الأعرابى لاحق لما قاله أبو عبد الله.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «هو مأخوذ».
(5) انظر هذا فى الشعر والشعراء 1/ 97
(6) ديوان امرىء القيس 8، والمذكور صدر البيت الأول من المعلقة، وعجزه «بسقط اللوى بين الدخول فحومل».
(7) ديوان الهذليين 1/ 1، والمذكور صدر بيت لأبى ذؤيب، وعجزه «والدهر ليس بمعتب من يجزع» وفى ص: «وريبه يتوجع»، وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 206و 247و 441(1/301)
فبعد (1) العين فى اللفظ واو كذلك. ومما وصله ألف:
[المنسرح]
أيّتها النفس أجملى جزعا (2)
فبعد العين ألف ثابتة فى الخط، وإنما أثبتوها دون الياء والواو لخفتها مرة، وكونها عوضا من التنوين مرة، ومما وصله هاء:
[المديد]
/ أشجاك الرّبع أم قدمه؟ (3)
وكلّ وصل ساكن ما خلا الهاء، فإنها تكون ساكنة ومتحركة، وسيرد عليك ذكرها إن شاء الله تعالى
وإذا كان ما قبل الياء (4)، أو الواو، أو الهاء ساكنا، أو كانت مضاعفة لم تكن إلا حروف روىّ لا غير لأن الوصل لا يكون ما قبله (5) ساكنا، ولعلّه أن المقيد لا وصل له، فأما الألف فلا يكون ما قبلها ساكنا لأنها أخف من ذلك، وإذا انفتح ما قبل الياء (6) والواو الساكنتين لم يكونا إلا رويّا عند سيبويه، وإذا انكسر ما قبلهما أو انضم كنت فيهما بالخيار، وكذلك الألف إذا كانت أصلية (7)
كنت (8) فيها بالخيار، وأما الياء المشددة المكسور ما قبلها، مع الياء المشددة المفتوح ما قبلها، فرأى القاضى أبى الفضل (9) فيهما أن يكون المكسور ما قبلها ردفا،
__________
(1) فى ص قبل هذا القول: «بضم الياء مضبوطة من شعر أبى ذؤيب، وفى نسخة تتوجع».
(2) هذا صدر بيت لأوس بن حجر، وعجزه: «إن الذى تحذرين قد وقعا». وانظر البيت فى الشعر والشعراء 1/ 207، وعيون الأخبار 2/ 192، والأمالى 3/ 34، والأغانى 11/ 74، والعقد الفريد 3/ 265والزهرة 2/ 551وغير ذلك كثير، والبيت فى ديوانه 53
(3) هذا صدر بيت لطرفة بن العبد، وعجزه: «أم رماد دارس حممه» انظر ديوانه 74، وفى خ: «أو قدمه».
(4) فى المطبوعتين: «الواو والياء». وفى مغربية: «الياء أو الواو أو الهاء»، وما فى ص وف يوافق المغربية الأخرى.
(5) فى ف والمطبوعتين: «ما قبلها»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ما قبل الواو والياء».
(7) فى المطبوعتين: «أصيلة»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(8) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «أنت».
(9) فى ف والمطبوعتين: «أبى الفضل جعفر بن محمد»، وما فى ص يوافق المغربيتين وانظر ما قلته فى هوامش ص 38(1/302)
ويكون المفتوح ما قبلها إمّا ردفا لما بقى فيها من المد، وإما غير ردف لذهاب أكثر المدّ منها، فيكون (1) على المذهب الأول مثل «قضينا» مع «رضينا»، وهو (2)
سناد، وعلى المذهب الثانى مثل إرداف بيت، وترك إرداف الآخر، كقول حسان ابن ثابت: «ولا توصه» فى بيت، ثم قال فى الآخر: «ولا تعصه» (3)، وهو أيضا سناد، وله رأى ثالث، وهو أن تكون الياءان لما أدغمت إحداهما فى الأخرى صارتا بمنزلة حرف واحد، وصار التزام التشديد اختيارا من الشاعر، وإلا فترك التشديد جائز له، وهذا قول الخليل والأخفش جميعا، وقد أنكره الجرمى، وأبو سعيد السّيرافى (4).
__________
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «فتكون».
(2) فى ف: «وهذا إسناد»، وفى المطبوعتين فقط: «وهذا سناد»، وفى مغربية «شاذ».
(3) فى م كتب المحقق فى الهامش: «البيتان اللذان يشير المؤلف إليهما:
إذا كنت فى حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه
غير أن نسبتهما إلى حسان بن ثابت لم تصح عندنا، فإن ديوانه خال من الشعر على هذه القافية».
وأقول: قال ابن سلام فى طبقاته 1/ 246: وقلت لخلف من يقول؟ [وذكر البيت الأول] قال: يقال: للزبير بن عبد المطلب. فقلت: فالخليل يقول: هذا خطأ فى بناء القوافى حين يقول:
[وذكر البيت الثانى] لقوله: «ولا توصه كان يقول: لا يتفق هذا. فقال خلف: أخطأ الخليل، نراها جائزة»، وذكر المحقق فى الهامش التخريج فقال: «والأبيات فى جمهرة الأمثال لأبى هلال 1/ 98، ومجموعة المعانى 13، وتذكرة ابن حمدون 8887، ونسب هذا البيت وما بعده لعبد الله بن معاوية فى حماسة البحترى 132، وكذلك نسب أبو هلال بيتين يذكران فى أبيات الزبير لعبد الله بن معاوية فى جمهرة الأمثال 1/ 272، ورأيت أيضا نسبتها إلى صالح بن عبد القدوس».
ثم أقول: والبيتان دون نسبة فى الموشح 7وفى الهامش كتب المحقق: «وفى حاشية الدمنهورى 102أن البيتين لحسان، وليسا فى ديوانه الذى بأيدينا» وذكر البيتان فى كتاب القوافى 132، دون نسبة، ونسبهما المحقق فى الهامش إلى عبد الله بن معاوية الجعفرى نقلا عن حماسة البحترى، ونسبا إلى صالح بن عبد القدوس فى بهجة المجالس 1/ 278
(4) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان، ويكنى أبا سعيد، ويعرف بالسيرافى، كان صاحب فنون، ومن أعيان الحنفية، وكان رأسا فى نحو البصريين، تصدر لإقراء القراءات، واللغة والفقه، والعربية، والعروض ت 368هـ
طبقات الزبيدى 119، وتاريخ بغداد 7/ 341، والفهرست 68، وإنباه الرواة 1/ 313، ومعجم الأدباء 8/ 145، ونزهة الألباء 227، وبغية الوعاة 1/ 507، وسير أعلام النبلاء 16/ 247 وما فيه، والشذرات 3/ 65، ووفيات الأعيان 2/ 78(1/303)
وكلّ هاء تحرّك ما قبلها فهى صلة، إلا أن تكون من نفس الكلمة، فإنك تكون فيها / بالخيار، إن شئت جعلتها رويّا، وإن شئت سمحت بها فصيّرتها صلة، والتزمت ما قبلها، فجعلته رويّا، وكثيرا ما يسقط الشعراء فى هذا النوع، قال أبو الطيب (1): [الكامل]
أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبه ... تأتى الندى ويذاع عنك فتكره
وإذا رأيتك دون عرض عارضا ... أيقنت أنّ الله يبغى نصره
فغلط فى التصريع لأنه التزم فيه الهاء، ولولا ذلك لكان البيتان رائيين، وسمح بهاء «تكره» فصيّرها صلة، وإن كانت من نفس الكلمة.
وقد وقع ابن المعتز (2) فى مثل حال أبى الطيب فقال (3): [البسيط]
أفنى العداة إمام ما له شبه ... ولا ترى مثله يوما ولم نره (4)
ضار إذا انقضّ لم تحرم مخالبه ... مستوفز لاتّباع الحزم منتبه (5)
ما يحسن القطر أن ينهلّ عارضه ... كما تتابع أيّام الفتوح له
وقال أيضا يصف كلاب الصيد فى أرجوزة (6): [الرجز]
إن خرطت من قدّها لم ترها ... إلّا وما شاءت من الصّيد لها
/ تمسكه عضّا ولا يدمى بها ... غريزة منهنّ أو تفقّها (7)
__________
(1) ديوان المتنبى 2/ 91
(2) هو عبد الله بن محمد المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، يكنى أبا العباس، تثقف على يد مجموعة من أفاضل العلماء فى عصره، وكان أديبا بليغا، وشاعرا مطبوعا، وكان مخالطا للعلماء والأدباء معدودا فى جملتهم ت 296هـ.
تاريخ بغداد 10/ 95، وتاريخ الطبرى فى أحداث عام 296هـ، والأغانى 10/ 273، ونزهة الألباء 176، ومعاهد التنصيص 2/ 38، ومسائل الانتقاد 144، وسير أعلام النبلاء 13/ 578، وما فيه من مصادر ووفيات الأعيان 3/ 76
(3) ديوان ابن المعتز 1/ 524
(4) فى الديوان: «مثله خلقا»، وفى ص: «ولا نرى».
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ولم تره»، وما فى ص يوافق الديوان.
(5) فى الديوان: «لاتباع الحق».
(6) ديوان ابن المعتز 2/ 147
(7) فى الديوان: «غزيرة» وهو خطأ مطبعى.(1/304)
ووقع بشار (1) على تقدّمه (2) فى مثل علتهما، فقال (3):
[الكامل]
الله صوّرها وصيّرها ... لاقتك أو لم تلقها ترها
نصبا لعينك لا ترى حسنا ... إلّا ذكرت لها به شبها (4)
ولا أعلم أن أحدا من العلماء سامح فى مثل هذا، بل هو عندهم عيب كالإكفاء. وروى بيت بشار «نزها» بالنون والزاى جمع «نزهة»، ولا عيب (5) فيه على هذا وهاء «حمزة» و «طلحة» لا تكون إلا صلة.
وإذا تحركت هاء التأنيث كنت فيها بالخيار، إن شئت التزمت ما قبلها، / وجعلتها كالصلة مجازا، وإن شئت التزمتها فكانت على حقها رويّا.
وهذا رأيهم فى كاف المخاطب مع التأسيس، إذا شاءوا جعلوها رويّا، فلم يلتزموا ما قبلها، وإن شاءوا جعلوها مقام الصلة، والتزموا ما قبلها مجازا، وهو الأجود لاختيار الشعراء إياه قديما على اتساعهم فى تركه.
قال القاضى أبو الفضل: من زعم أن التاء، والكاف يكونان وصلا، فإنما حمله على ذلك أنه رأى بعض الشعراء قد لزم فى بعض شعره حرفا لم يفارقه، فظن ذلك الحرف رويّا، وإنما لم يجز عنده كونهما صلة لأنهما ليس فيهما من مضارعة حروف المد واللين ما فى الهاء.
وقال: من جعل التاء صلة كالهاء، إنها تجئ للتأنيث مثلها، وتكون اسما، كما تكون الهاء اسما، وتزاد كما تزاد الهاء، وإن الهاء تنقلب تاء فى درج
__________
(1) فى ف: «وقال بشار بن برد» وفى المطبوعتين فقط: «ووقع بشار بن برد».
(2) فى ف: «على تقدمه فى مثل ذلك عليهما»، وفى المطبوعتين: «على تقدمه عليهما فى مثل ذلك»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) ديوان بشار 4/ 248
(4) فى م: «إلا ذكرت به لها شبها»، وهى توافق الديوان. ويبدو أن هذا التغيير من عمل المحقق!!
(5) يلاحظ أن ابن رشيق حكم بأن الشعر لا عيب فيه إذا كانت الرواية «نزها» بالنون والزاى، وأنا أقول: إن الشعر يبقى فيه العيب حتى لو أسقطنا البيت الأول، وذلك لأن البيت الثالث يثبت العيب ويؤكده، وقد ذكر ذلك محقق الديوان. انظر تخريج الأبيات فى الديوان والتعليق هامش 4/ 248(1/305)
الكلام، وشبّه الكاف بالهاء لأنها حرف إضمار مثلها، وأنها تكون اسما للمجرور والمنصوب كالهاء.
والنوع الآخر من المطلق: ما كان لوصله خروج، ولا يكون ذلك الوصل إلا هاء متحركة، نحو قول الشاعر (1): [السريع]
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتّى يوارى فى ثرى رمسه
فالسين حرف الروى، وحركتها مجرى، وإن شئت إطلاق، كلاهما يقال، والهاء وصل، وحركتها نفاذ، وبعدها فى اللفظ ياء هى الخروج، ولو كانت الهاء مضمومة كان الخروج واوا، أو مفتوحة كان الخروج ألفا.
ولا يكون حرف الروى إلا فى أحد ثلاثة مواضع: إما متأخرا، كقول طرفة (2): [الطويل]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
فالدال روىّ.
وإما / قبل المتأخر ملاصقا له، كقول عمرو بن كلثوم (3):
[الوافر]
ألا هبّى بصحنك فاصبحينا (4)
فالنون حرف الروى.
__________
(1) البيت جاء أول بيتين فى البيان والتبيين 1/ 120، والحيوان 3/ 102، وثالث خمسة أبيات فى العقد الفريد 2/ 436، وثانى ثلاثة أبيات فى التمثيل والمحاضرة 78، ولباب الآداب 2/ 75، وثالث أربعة أبيات فى طبقات ابن المعتز 89، وينسب فى الجميع إلى صالح بن عبد القدوس.
(2) ديوان طرفه 6والمذكور صدر البيت الأول فى معلقته، وعجزه: «تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد».
(3) هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب، يكنى أبا الأسود، أو أبا عمير، وهو فارس، شاعر، مقدم، سيد، أحد فتاك العرب، وهو الذى قتل عمرو بن هند ملك الحيرة فى قصة مشهورة.
طبقات ابن سلام 1/ 151، والشعر والشعراء 1/ 234، ومعجم الشعراء 6، والأغانى 11/ 52، وجمهرة أشعار العرب 1/ 387، ومسائل الانتقاد 97، وشرح القصائد السبع الطوال 369، وسمط اللآلى 2/ 635، وخزانة الأدب 3/ 183
(4) شرح القصائد السبع الطوال 371
والمذكور صدر البيت الأول من المعلقة، وعجزه: «ولا تبقى خمور الأندرينا».(1/306)
أو قبل المتأخر بحرفين (1)، كقول لبيد (2): [الكامل]
عفت الدّيار محلّها فمقامها
فالميم حرف الروى.
وهذه المواضع المذكورة إنما هى فى الخط لا فى اللفظ (3)، ولا يكون حرف الروى إذا كان بعده / شىء إلا متحركا لأن المقيد لا شئ بعده، وأنشد بعضهم: [الرجز]
شلّت يدا فارية فرتها (4)
على أن التاء حرف روىّ، فرد ذلك العلماء بالعلة التى ذكرتها، وقالوا: إنما التزم التاء والراء قبلها اتساعا، وإلا فالهاء حرف الروى.
وكل شعر فلا بد أن يكون مطلقا، أو مقيدا، ثم لا بد أن يكون مردفا، أو مؤسسا، أو معرّى منهما مجردا.
فالمردف نوعان: تشترك الياء والواو فى أحدهما، نحو قول علقمة الفحل (5): [الطويل]
طحابك قلب فى الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
فالياء فى «مشيب» مقام الواو فى «طروب».
وتنفرد الألف بالنوع الآخر نحو قول امرئ القيس (6):
[الطويل]
ألا عم صباحا أيّها الطلل البالى
__________
(1) فى المطبوعتين: «بحرف»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) ديوان لبيد 297، والمذكور صدر البيت الأول من المعلقة، وعجزه: «بمنى تأبد غولها فرجامها»، وانظر ما قيل عنه فى صنعة الشعر 271و 290و 305
(3) فى ف: «وهذه المواضع المذكورة فى الخط لا فى اللفظ»، وفى المطبوعتين والمغربيتين:
«إنما هى فى اللفظ لا فى الخط».
(4) الرجز فى مقدمة لزوم ما لا يلزم 35، والخصائص 2/ 248، واللسان فى «فرا» دون نسبة وجاء فى جمهرة اللغة 2/ 789و 790و 3/ 1266ونسبه المحقق فى المرة الأولى فى الهامش إلى صريع الركبان.
(5) سبق تخريج هذا القول فى باب المقلين من الشعراء ص 160
(6) ديوان امرىء القيس 27، والمذكور صدر بيت، وعجزه «وهل يعمن من كان فى العصر الخالى».
وانظر ما قيل عنه فى صنعة الشعر 323و 324(1/307)
لا يشركها غيرها.
والحركة التى قبل الردف ياء كانت، أو واوا، أو ألفا تسمى «الحذو».
وقد تجرّ الضمة واوا فى اللفظ، والكسرة ياء، وذلك مع هاء الضمير، فيكون ردفا وإن لم تثبت فى الخط، نحو قول ابن المعتز (1): [مجزوء الرمل]
غيّروا عارضه بال ... مسك فى خدّ أسيل (2)
تحت صدغين يشيرا ... ن إلى وجه جميل
عندى الشوق إليه ... والتناسى عنده لى
/ ومن المردف ما تكون حركة الحذو فيه مخالفة للردف، فيجعل شعرا على جهته، فإن دخل مع غيره كان «سنادا»، وذلك مثل «هول» و «سيل» يكونان فى قصيدة، ولا يكون معهما «سول» و «فيل».
وقياس المردف فى الوصل، والخروج، وغير ذلك من حروف الروى وحركته، جار على ما تقدم فى المجرد من الرّدف، إلا «الحذو» و «التوجيه»، فإن المقيد يختص بالتوجيه، (3) وهو حركة ما قبل الروى (3)، والمردف يختص بالحذو، وهو حركة ما قبل الردف، فإذا (4) كان المردف مقيدا سقط التوجيه، وبقى الحذو لأن الردف قد سدّ موضع التوجيه.
وقد يلتبس بالمردف ما ليس بمردف، فيجتنبه الشعراء، مثل «فيهم»، مع «منهم»، وهو جائز لأن الهاء ليست رويّا، فتكون الياء ردفا، وإنما الردف الميم، ويجتنبون «منكم»، مع «منهم»، وذلك جائز لا عيب فيه لما قدمت آنفا.
وكان ابن الرومى خاصة من بين الشعراء يلتزم ما لا يلزمه فى القافية، حتى إنه لا يعاقب بين الياء (5) والواو فى أكثر شعره قدرة على الشعر، واتساعا فيه.
__________
(1) ديوان ابن المعتز 2/ 295
(2) فى ف والمطبوعتين: «صمخوا»، بدل «غيروا»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الديوان، وفى المطبوعتين: «عارضها»، وما فى ص وف والمغربيتين يوافق الديوان.
(33) ما بين الرقمين جاء فى المطبوعتين هكذا: «وهو الروى»، ومن هنا إلى «وهو حركة ما قبل الردف» ساقط من المغربيتين.
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «وإن».
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بين الواو والياء».(1/308)
والأجود أن يكون الردف والروىّ جميعا فى كلمة واحدة، فإذا كانا فى كلمتين فلا بأس.
والمؤسس من الشعر: ما كانت فيه ألف بينها وبين حرف الروى حرف يجوز تغييره، فذلك الحرف يسمى «الدخيل»، وحركته تسمى «الإشباع»، ويجوز تغييرها عند / الخليل، ولا يجوز عند أبى الحسن الأخفش، مثال ذلك ما أنشده أبو زكريا الفراء: [الكامل]
نهوى الخليط وإن أقمنا بعدهم ... إنّ المقيم مكلّف بالسّائر (1)
إنّ المطىّ بنا يخدن ضحى غد ... واليوم يوم لبانة وتزاور
وهو (2) عنده جائز غير معيب.
وأما القاضى أبو الفضل فرأيه / أن حركة الدخيل ما دامت إشباعا جاز فيها التغيير بالرفع (3)، والنصب، والخفض، فإذا قيّد الشعر، وصار موضع الإشباع التوجيه لم يجز الفتح مع واحد منهما، واعتل فى ذلك بحال المطلق غير المؤسس أن ما قبل رويّه جائز تغييره، فإذا قيد لم يجز الفتح فيه إلا وحده، أو فهو (4) سناد، ويشارك الضم والكسر (5)، وهذا قول واضح البيان، ظاهر البرهان.
والناس مجمعون على تغير (6) الدخيل، حتى إن بعضهم لم يسمّه لتغيره (7) واضطرابه، لكن عده فيما لا يلزم القافية، فسكت عنه، وأما الإشباع فالقول فيه ما قدمت.
وإذا كانت (8) ألف التأسيس فى كلمة، وحرف الروى فى كلمة أخرى، لم يعدّوها تأسيسا لبعدها، إلا أن يكون حرف الروى مع مضمر منفصل (9) أو متصل، فإن الشاعر بالخيار، إن شاء جعل الألف تأسيسا، وإن شاء
__________
(1) لم أعثر على البيتين فى مصادرى، ولم أعرف قائلهما.
(2) فى ف: «وهو جائز عنده غير معيب»، وفى المطبوعتين: «وهو جائز غير معيب».
(3) فى ف: «فى النصب والرفع والجر»، وفى المطبوعتين: «بالنصب والخفض والرفع».
(4) فى المطبوعتين: «فهو سناد» بإسقاط «أو»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(5) فى م: «ويشارك الضم الكسر»، بحذف الواو.
(6) فى ف والمطبوعتين: «تغيير».
(7) فى ف: «التغيير».
(8) فى ف والمطبوعتين: «كان».
(9) فى المطبوعتين: «متصل أو منفصل».(1/309)
لم يجعلها تأسيسا، (1) والخليل رآها سنادا إذا كانت تأسيسا (1).
فالتى لا تكون عندهم تأسيسا قول عنترة (2): [الكامل]
والناذرين إذا لم القهما دمى
لما كان الاسم ظاهرا، وقد أنشد بعضهم فى أبيات اللغز والمعاياة (3):
[الطويل]
أقول لعمرو حين خوّد رأله ... ونحن بوادى عبد شمس وهاشم (4)
وهى: من الوهى، وشم: من الشيم للبرق، وقول الآخر: [الطويل]
أقول لعبد الله لمّا لقيته ... ونحن بوادى الرّوم فوق القناطر (5)
فالقنا: جمع قناة، وطر: أمر من طار يطير، فرخص فيه لما انكسرت حركة دخيله على متعارف الشعر، وهو كلام حسن الظاهر، إلا أنه خلاف لما قال العلماء.
والتى تكون تأسيسا لكونها مع المضمر قول الشاعر (6): [الطويل]
/ يزيد حسى الكأس السّفيه سفاهة ... ويترك أحلام الرّجال كما هيا (7)
__________
(11) ما بين الرقمين ساقط من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين، وفيهما: «يراها».
(2) ديوان عنترة 222، والمذكور عجز بيت، وصدره: «الشاتمى عرضى ولم أشتمهما».
(3) المعاياة من العى: وهو أن تأتى بكلام لا يهتدى إليه. انظر اللسان فى [عيى].
(4) كتب محقق م فى الهامش: «أحفظ هذا البيت هكذا:
أقول لعبد الله لما سقاؤنا ... ونحن بوادى عبد شمس وهاشم
على أن أصل الكلام: لما وهى سقاؤنا ونحن بوادى عبد شمس، وشم: فعل أمر من شام البرق، ويجوز أن يكون أمرا من قولهم: وشم، إذا غرز الإبرة فى الجسد، فيكون المراد الأمر بخرز السقاء، وهو ظاهر».
وأقول: البيت ذكر فى مقدمة لزوم ما لا يلزم 1/ 9، وكذلك فى مغنى اللبيب 1/ 281، دون نسبة فيهما، وذكر فيهما المعنى نفسه الذى ذكره محقق م. وخوّد: أسرع. والرأل: ولد النعام.
(5) لم أعثر على البيت، ولم أعرف قائله.
(6) البيت ثانى ثلاثة أبيات لأبى نواس فى ديوانه 213وفيه:
تزيد سفيه القوم فضل سفاهة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا
وبعده:
وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا
والبيتان دون نسبة فى ديوان المعانى 1/ 324والمختار من قطب السرور 73وفيهما: «وتترك أخلاق الكريم».
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «تزيد وتترك». وحسى: جمع حسوة بضم الحاء وفتحها الشرب(1/310)
وقول جرير (1): [الطويل]
فردّى جمال الحىّ ثمّ تحمّلى ... فما لك فيهم من مقام ولا ليا
فهذا ضمير متصل، والذى قبله ضمير منفصل.
ومما جاءت الألف فيه غير تأسيس مع المضمر قول الشاعر وهو من شواهد أبى الفتح عثمان بن جنى النحوى: [الرجز]
أيّة جاراتك تلك الموصيه ... قائلة لا تسقيا بحبليه (2)
/ لو كنت حبلا لسقيتها بيه ... أو قاصرا وصلته بثوبيه
فالألف فى «سقيتها» غير تأسيس.
وإذا (3) كانت الهاء والكاف التى للمخاطب دخيلا لم يخلط الشعراء بها غيرها اتساعا، وإلا فهو جائز، وأنشد الجرمى لعوف (4) بن عطية بن الخرع (5): [الطويل]
فإن شئتما ألقحتما ونتجتما ... وإن شئتما عينا بعين كما هما (6)
فإن كان عقلا فاعقلا لأخيكما ... بنات المخاض والفصال المقاحما (7)
ومن المؤسس والمردف ما يلتبس على المبتدئ، فلا يميزه إلا عن كلفة، وبعد فترة، فأوردت منه ما يكون له مثالا يستدل به، ويعمل عليه، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ديوان جرير 1/ 79
(2) الرجز كله دون نسبة فى كتاب القوافى 84، وفيه: «لا تسقين بحبليه»، والشطران الأخيران فى اللسان دون نسبة فى مادة [قصر].
(3) فى ف والمطبوعتين: «فإذا».
(4) هو عوف بن عطية بن الخرع، والخرع يقال له: عمرو بن عيش أو عبس، وهو جيد الشعر، وهو شاعر جاهلى.
طبقات ابن سلام 1/ 159و 164، والأصمعيات 167، ومعجم الشعراء 125، وسمط اللآلى 1/ 377و 2/ 723، وخزانة الأدب 6/ 370
(5) فى ف وخ: «ابن الجزع» بجيم فزاى.
(6) البيتان فى الأصمعيات 167، وفيه: «فإن شئتم ألقحتم ونتجتم وإن شئتم» والبيتان فى كتاب الكافى فى العروض والقوافى 155، وصنعة الشعر 286مع بعض اختلاف.
(7) فى الأصمعيات: «فاعقلوا لأخيكم».(1/311)
فمن ذلك تغيير ما قبل الكاف فى القافية المؤسسة لأنه دخيل، والكاف روى، والتزامه يعد اتساعا، فإذا كان (1) موضع الكاف هاء صار الشعر مردفا موصولا، ولم يجز تغيير ما قبل الهاء لأنك لو غيرته كنت (2) قد غيرت حرف الروى، مثال ذلك قول كثير، أو غيره: [الطويل]
تراغت لوشك البين بزل جمالك ... ولو شئت ما فجّعتنى بارتحالك (3)
/ فالتزم اللام فى القصيدة كلها، أو فى أكثرها اتساعا، ولو غيّر كما فعل ذو الرمة فى قوله (4):
أما استحلبت عينيك إلّا محلّة ... بجمهور حزوى أو بجرعاء مالك؟ (5)
أناخت روايا كلّ دلويّة بها ... وكلّ سماكىّ أجشّ المبارك (6)
لم يكن عيبا لأن الكاف روىّ، وصلتها الياء التى بعدها فى اللفظ، والدخيل راء «المبارك»، ولام «مالك»، وقد التزمه كثير، كأن القافية عنده لاميّة مردفة، والكاف (7) مقام الهاء صلة على المجاز، لا على الحقيقة.
وقال كثير فى المردف (8):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «فإذا كانت».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لكنت».
(3) ديوان كثير 534، والبيت جاء وحده فى الديوان ضمن الشعر المنسوب إلى كثير، وذكر المحقق أنه نقله عن العمدة، وقول المؤلف: «فالتزم اللام فى القصيدة كلها» يؤكد أن البيت ليس لكثير.
وفى ص والمغربيتين: «أفجعتنى»، و «أفجع» غير مستعمل [انظر اللسان].
(4) ديوان ذى الرمة 3/ 1710و 1711
(5) استحلبت: استدرت دمع عينيك. والجمهور: العظيم من الرمل. وجرعاء: رمل مرتفع وسطه، وتكثر وترق نواحيه. وجرعاء مالك بالدهناء قرب حزوى. [من الديوان].
(6) فى ف والمطبوعتين: «كل دلو به بها» [كذا]، وما فى ص والمغربيتين يوافق الديوان، وفى ف: «أناخت رويا».
وفى الديوان جاء الشطر الثانى هكذا: «وكل سماكى ملثّ المبارك».
روايا: السحاب التى تحمل الماء. وأجش المبارك: الغليظ الصوت فى مكان النزول. دلوية: مطر بنوء الدلو. والسماكى: مطر بنجم السماك [من الديوان].
(7) فى ف والمطبوعتين: «فالكاف»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) ديوان كثير 85، وانظر ما قيل عن البيت فى طبقات ابن سلام 2/ 541، وسمط اللآلى 1/ 183، والموشح 231، وما يحتمل الشعر من الضرورة 124(1/312)
[الطويل]
على ابن أبى العاصى دلاص حصينة ... أجاد المسدّى سردها وأذالها (1)
فاللام روىّ، والألف التى قبلها ردف، والهاء صلة، والألف التى بعدها خروج، ولا يجوز أن يقال لهذه القافية مؤسسة لأن الهاء إذا تحرك ما قبلها، وليست من نفس الكلمة، لم تكن إلا صلة، وإذا كانت الهاء صلة لم تكن اللام إلا رويّا، ولا يجوز تغييرها.
وجميع ما يلحق القوافى من الحروف والحركات ستة أحرف، وست حركات، فالأحرف: «الروى»، و «الردف»، و «التأسيس»، و «الوصل»، و «الخروج»، و «الدخيل» (2).
والحركات: «الإطلاق»، و «الحذو»، و «الرسّ»، و «التوجيه»، و «النفاذ»، و «الإشباع» (3).
/ والذى يجتمع منها فى قافية واحدة خمسة أحرف، وهى:
«التأسيس»، و «الروى»، و «الصلة»، و «الخروج»، و «الدخيل»، وكلها يلزم تكراره بعينه إلا الدخيل، وأربع حركات، وهى: «الرسّ»، و «الإشباع»، و «الإطلاق»، و «النفاذ»، وذلك مثل قول الشاعر: [المنسرح]
يوشك من فرّ من منيّته ... فى بعض غرّاته يوافقها (4)
__________
(1) شرح الأستاذ محمود شاكر رحمه الله البيت فى هامش الطبقات 2/ 541فقال:
«وابن أبى العاصى: هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين. درع دلاص وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد: وهى من الدروع اللينة البراقة الملساء. ودرع حصينة: هى الأمينة المحكمة، المتدانية الحلق، التى لا يحيك فيها السلاح، يحتمى بها صاحبها فهو فى حصن منها. سدى الدرع: نسجها، كتسدية الحائك الثوب. والسرد:
حلق الدرع، وهى مسرودة، وذلك لتقدير صانعها أطراف الحلق حتى لا تنفصم، فتظل الدرع متسقة متتابعة الحلق. أذال الدرع: أطال ذيلها وأطرافها، والذائل: الدرع الطويلة الذيل، وهو مما يستحسن فى الدروع».
وأقول: اقرأ نقد عبد الملك للبيت فى ذات الصفحة وما بعدها، واقرأه أيضا فى الموشح 231، ونقد الشعر 69
(2) انظر هذا كله فى صنعة الشعر 291274
(3) انظر هذا كله فى صنعة الشعر 295292
(4) فى م كتب المحقق فى الهامش: «هذا البيت من شواهد سيبويه (ج 1ص 479)، وهو(1/313)
/ ولا يجتمع فى قافية «الحذو» و «الرسّ»، كما لا يجتمع «الردف» و «التأسيس»، وكذلك لا يجتمع أيضا «التوجيه» و «الإشباع»، يسقط (1)
«التوجيه» إذا كان المؤسس «مطلقا»، ويسقط (2) «الإشباع» إذا كان المؤسس «مقيدا».
وقد أنكر الجرمى، والأخفش، وأصحابهما على الخليل تسمية «الرس»، وقالوا: لا معنى لذكر هذه الفتحة لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وإنما احتيج إلى ذكر «الحذو» قبل «الردف» لأن «الحذو» يتغير (3)، فيكون مرة فتحة قبل ألف، ومرة كسرة قبل ياء، ومرة ضمة قبل واو.
ومما يجب أن يراعى فى هذا الباب: «الإقواء»، و «الإكفاء» و «الإيطاء»، و «السناد» و «التضمين»، فإنها من عيوب الشعر.
فأما «الإقواء»، و «الإكفاء» فاختلف العلماء فيهما، وفى اشتقاقهما، وأما «السناد»، و «الإيطاء» فاتفقوا فيهما (4) دون اشتقاقهما.
وأكثر (5) النحويين يسمون اختلاف إعراب القوافى «إقواء» (6)، وهو
__________
من شواهد الأشمونى (2ص 174)، وشرحناه فى شرحنا عليه شرحا وافيا. وهو لأمية بن أبى الصلت»
وأقول: البيت فى لزوم ما لا يلزم 1/ 11، فى ذات الموضوع، وكتب فى الهامش أن البيت لأمية ابن أبى الصلت. وانظره بنسبته فى كتاب القوافى 106، وانظره مع تخريج ممتاز فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 224، وانظر العقد الفريد 3/ 187و 5/ 498وديوان أمية 240ضمن كتاب أمية بن أبى الصلت حياته وشعره.
(1) فى المطبوعتين: «فيسقط»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) فى م: «وكذلك يسقط» [كذا] دون ذكر المكان كالعادة الذى جاءت منه «كذلك».
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «قد يتغير».
(4) فى المطبوعتين فقط: «فيما دون».
(5) فى ف: «وأكثر العلماء»، وفى المطبوعتين: «وعند أكثر العلماء اختلاف»
(6) يقول ابن سلام فى طبقاته 1/ 71: «والإقواء هو الإكفاء، مهموز، وهو أن يختلف إعراب القوافى، فتكون قافية مرفوعة، وأخرى مخفوصة، أو منصوبة، وهو فى شعر الأعراب كثير، ودون الفحول من الشعراء، ولا يجوز لمولد».
واقرأ الإقواء فى نقد الشعر 185، والموشح فى صفحات كثيرة منها: 4و 11و 15، 16، 17و 22و 24وغير ذلك كثير، انظره فى فهارس الموشح. وانظره فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 148، وكتاب القوافى 117، وكتاب الكافى فى العروض والقوافى 160وصنعة الشعر 296(1/314)
غير جائز للمولدين (1)، وإنما يكون فى الضم والكسر، ولا يكون فيه فتح، هذا قول الحامض.
قال ابن جنى: والفتح فيه قبيح جدّا، إلا أن أبا عبيدة، ومن قال بقوله كابن قتيبة يسمون هذا «إكفاء» (2)، والإقواء (3) عندهم: ذهاب حرف، أو ما يقوم مقامه من عروض البيت، نحو قول الشاعر وهو بجير بن زهير بن أبى سلمى: [الكامل]
كانت علالة يوم بطن حنين ... وغداة أو طاس ويوم الأبرق (4)
واشتقاقه عندهم فيما روى النحاس من «أقوت الدار» إذا خلت، كأن البيت خلا من هذا الحرف، وقال غيره: إنما هو من «أقوى الفاتل حبله» إذا خالف / بين قواه، فجعل إحداهن قوية، والأخرى ضعيفه، أو «مبرمة» (5)، والأخرى «سحيلة»، أو «بيضاء»، والأخرى «سوداء»، أؤ «غليظة»، والأخرى «رقيقة» (6)، أو انحل بعضها دون بعض، أو انقطع.
وهذا يسميه الخليل «المقعد» وهو من باب الوزن، لا من باب القافية، والجمهور الأول من العلماء على خلاف رأى أبى عبيدة فى الإقواء.
وأما الإكفاء (7) فهو الإقواء بعينه عند جلّة العلماء، كأبى عمرو بن العلاء،
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «لمولد».
(2) الشعر والشعراء 1/ 95
(3) المصدر السابق.
(4) فى م كتب المحقق معلقا على هذا البيت قائلا: «قال ابن هشام (ج 3ص 26): «ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الطائف بعد القتال، قال بجير بن زهير بن أبى سلمى يذكر حنينا والطائف، ثم ذكر تسعة أبيات أولها هذا البيت» اه، وقال السهيلى (ج 2ص 305): «وقوله: كانت علالة يوم بطن حنين: هذا من الإقواء، وهو أن ينقص حرفا من آخر القسم الأول من الكامل، وهو الذى كان الأصمعى يسميه المقعد، والعلالة: جرى بعد جرى، أو قتال بعد قتال. يريد أن هوازن جمعت جمعها علالة فى ذلك اليوم. وحذف التنوين من علالة ضرورة، وأضمر فى كانت اسمها وهو القصة. وإذا كانت الرواية بخفض يوم فهو أولى من التزام الضرورة القبيحة بالنصب، ولكنى ألفيته فى النسخة المقيدة، وإذا كان اليوم مخفوضا بالإضافة جاز فى علالة أن يكون منصوبا على خبر كان، فيكون اسمها عائدا على شىء تقدم ذكره، ويجوز الرفع على أن تكون كان تامة» اه كلامه. وأقول: انظر السيرة 43/ 487
(5) فى المطبوعتين فقط: «ممرّة»، وفى مغربية «مبرة» [كذا]، وما فى ص وف يوافق المغربية الأخرى.
والمبرمة مؤنث المبرم، وهو الحبل الذى جمع بين مفتولين ففتلا حبلا واحدا، ومنه الثوب الذى فتل غزله طاقين والسحيلة: ثوب لا يبرم غزله. انظر اللسان فى [برم وسحل].
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «دقيقة».
(7) انظر ما قاله صاحب اللسان فى «كفأ»، وانظر الإكفاء فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 146، وكتاب القوافى 120، وصنعة الشعر 296وانظره فى الموشح 4و 12، وصفحات أخرى موضحة فى الفهرس.(1/315)
والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وهو قول أحمد بن يحيى ثعلب (1)، وأصله من «أكفأت الإناء» إذا قلبته، كأنك جعلت الكسرة مع الضمة، وهى ضدها، وقيل: من مخالفة الكفوة صواحبها، وهى النسيجة من نسائج الخباء، وتكون فى مؤخّره، فيقال:
بيت مكفأ، تشبيها بالبيت المكفأ من المساكن، إذ كان مشبها به فى كل أحواله.
قال الأخفش البصرى: الإكفاء /: القلب، وقال الزجاج وابن دريد:
«كفأت الإناء» إذا قلبته، و «أكفأته» إذا أملته، كأن الشاعر أمال فمه بالضمة فصيّرها كسرة، إلا ابن (2) دريد رواهما بمعنى قلبته شاذّا.
وقيل: بل هو (3) من المخالفة فى البناء والكلام، يقال: «أكفأ البانى» إذا خالف فى بنائه، و «أكفأ الرجل فى كلامه» إذا خالف نظمه، فأفسده، قال ذو الرمة (4): [الطويل]
ودوّيّة قفر ترى وجه ركبها ... إذا ما علوها مكفأ غير ساجع (5)
وقال المفضل الضبى: الإكفاء: اختلاف الحروف فى الروى، وهو قول محمد بن يزيد المبرد، وأنشد: [الرجز]
قبّحت من سالفة ومن صدغ ... كأنّها كشية ضبّ فى صقع (6)
__________
(1) هو أحمد بن يحيى بن يزيد، يكنى أبا العباس، ويعرف بثعلب، فاق من تقدم من الكوفيين، وأهل عصره منهم، وكان ثقة حجة، ديّنا صالحا، مشهورا بالحفظ. ت 291هـ.
طبقات الزبيدى 141، الفهرست 80، ومعجم الأدباء 5/ 102، وتاريخ بغداد 5/ 204، وإنباه الرواة 1/ 138، وبغية الوعاة 1/ 396، وسير أعلام النبلاء 14/ 5وما فيه، ونزهة الألباء 173، والشذرات 2/ 207
(2) فى م: «إلا [أن] ابن دريد». وانظر قول ابن دريد فى جمهرة اللغة 2/ 1082، وذكر فيه الشاهد.
(3) فى المطبوعتين فقط سقطت كلمة «هو».
(4) ديوان ذى الرمة 2/ 789، وفيه جاء الشطر الأول هكذا: «قطعت بها أرضا ترى وجه ركبها».
وفى الهامش أشار المحقق إلى أنه فى بعض الروايات أتى مثل الذى هنا.
وما فى العمدة يوافق كتاب القوافى 120، والموشح 13
(5) الدوية: المفازة. غير ساجع: غير قاصد.
(6) الرجز فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 153دون نسبة، وذكر المحققان فى الهامش أنه لجواس بن هريم، وذكرا أماكن وجوده فى الموشح 13، والاقتضاب 417، وشرح الجواليقى لأدب الكاتب 337، وخزانة الأدب 4/ 533، وغير ذلك كثير. أقول: وجاء فى كتاب القوافى 121،(1/316)
فأتى بالعين مع الغين، واشتقاقه عنده من المماثلة بين الشيئين، كقولك «فلان كفء فلان» أى: مثله، قال: ومنه «كافأت الرجل» لأن (1) الشاعر جعل حرفا مكان حرف.
والناس اليوم فى الإكفاء على رأى المفضل، وهو عيب لا يجوز أيضا لمحدث، ولا يكون إلا فيما تقارب من الحروف، وإلا فهو غلط بالجملة، هذا رأى الأخفش سعيد بن مسعدة، والخليل يسمى هذا النوع «الإجازة».
قال الفراء: الإجازة فى قول الخليل: أن تكون القافية طاء، والأخرى دالا (2).
وقال أبو إسحاق النجيرمى (3): الإجارة بالراء لا غير، وهى من الجوار، وهو الموج، قال ابن السكيت (4):
__________
منسوبا إلى رؤبة بن العجاج، وجاء دون نسبة فى جمهرة اللغة 2/ 879، والحيوان 6/ 108، ولكن المحققين ذكرا فى هامشهما أن الرجز لجواس بن هريم، وجاء الرجز فى اللسان فى [صدغ] دون نسبة، وكذلك فى قواعد الشعر 62والزهرة 2/ 823
والكشية: أصل ذنب الضب. وقيل: هى شحمة حمراء أو صفراء فى أصل ذنبه حتى تبلغ إلى أصل حلقه، وهما كشيتان، والصقع: ناحية الأرض والبيت.
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «كأن».
(2) فى الشعر والشعراء 1/ 97: «وقال الخليل بن أحمد: هو أن تكون القافية ميما والأخرى نونا، كقول القائل:
يا ربّ جعد منهم لو تدرين ... يضرب ضرب السّبط المقاديم
أو طاء والأخرى دالا، كقول الآخر:
تالله لولا شيخنا عبّاد ... لكمرونا عندها أو كادوا
فرشط لمّا كره الفرشاط ... بفيشة كأنها ملطاط
وهذا إنما يكون فى الحرفين يخرجان من مخرج واحد، أو مخرجين متقاربين».
وفى الهامش فسر المحقق الكلمات فقال: «يقال: تكامر الرجلان: نظر أيهما أعظم كمرة، وقد كامره فكمره: غلبه بعظم الكمرة» عن اللسان، والفرشطة: أن تفرج رجليك قائما أو قاعدا، بمعنى الفرجحة والفرشحة. والملطاط: يد الرحى التى يطحن بها البزر».
وأقول: الفيشة: أعلى الهامة، والكمرة، والذكر المنتفخ. [اللسان]
(3) هو إبراهيم بن عبد الله النجيرمى، يكنى أبا إسحاق، وهو منسوب إلى نجيرم، أو نجارم، وهى محلة بالبصرة، وقيل: قرية كبيرة على ساحل بحر فارس، وكان مقامه بمصر، وكانت له جلسات مع كافور، وله شعر فى مجالسه.
معجم الأدباء 1/ 198، وبغية الوعاة 1/ 414، وزهر الآداب 2/ 617، وما بعدها.
(4) هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت، يكنى أبا يوسف، وهو بغدادى نحوى، كان أبوه(1/317)
هو (1) الماء الكثير، وأنشد للقطامى (2) يذكر سفينه نوح عليه السلام:
[الوافر]
ولولا الله جار بها الجوار (3)
قال المهلبى (4): ورأيته بخط الطوسى (5)، والسكرى بالراء، وهو قول الكوفيين، وأما (6) البصريون فيقولون: «الإجازة» بالزاى، حكى ذلك ابن دريد (7).
وقال بعض شيوخنا: الإجارة فى القوافى مشتقة من الجوار فى السكنى والذمام، ألا ترى أنها فيما تقارب من الحروف، فكأن الحرف جاور الآخر، ودخل فى ذمامه.
__________
مؤدبا، فتعلم يعقوب وبرع فى النحو واللغة، وله كتاب إصلاح المنطق، وله شعر جيد. ت 244هـ.
طبقات الزبيدى 202، والفهرست 79، وتاريخ بغداد 14/ 273، ومعجم الأدباء 20/ 50، ونزهة الألباء 138، وبغية الوعاة 2/ 349، وسير أعلام النبلاء 12/ 16وما فيه، ووفيات الأعيان 6/ 395، والشذرات 2/ 106
(1) فى المطبوعتين فقط: «وهو»، وانظر هذا التفسير فى اللسان فى [جور].
(2) هو عمير بن شييم بن عمرو بن عباد من بنى جشم بن بكر، يكنى أبا سعد، ويلقب بالقطامى، وهو شاعر غزل فحل، كان من نصارى تغلب، ثم أسلم. ت 130هـ
طبقات ابن سلام 2/ 534، والشعر والشعراء 2/ 723، ومعجم الشعراء 47، والمؤتلف والمختلف 251، والأغانى 24/ 17وسمط اللآلى 1/ 132، ومعاهد التنصيص 1/ 180
(3) ديوان القطامى 144، واللسان فى [جور] والمذكور عجز بيت، وصدره: «وعامت وهى قاصدة بإذن».
(4) هو الحسن بن محمد، من ولد قبيصة بن المهلب بن أبى صفرة، يكنى أبا محمد، كان رفيع القدر، واسع الصدر، نبيل الهمة، كما كان غاية فى الأدب والمحبة لأهله، وكان وزيرا لمعز الدولة، وقدمه الخليفة المطيع العباسى، ولقبه بالوزارة، حتى لقب بذى الوزارتين. ت 352هـ.
اليتيمة 2/ 224، وزهر الآداب 1/ 139، ومعجم الأدباء 9/ 118، والشذرات 3/ 9، ووفيات الأعيان 2/ 124، وفوات الوفيات 1/ 353
(5) هو على بن عبد الله التيمى الطوسى، يكنى أبا الحسن، عالم راوية للقبائل، وأشعار الفحول، ولقى مشايخ الكوفيين والبصريين، وكان الطوسى عدوا لابن السكيت.
طبقات الزبيدى 205، والفهرست 77، وإنباه الرواة 2/ 285
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فأما».
(7) انظر جمهرة اللغة 2/ 1040(1/318)
وقال قوم: بل هى من الجور، كأن القافية جارت، أى: خالفت القصد، وأجارها الشاعر، أى: صيّرها كذلك، وعلى هذا يصح قول النجيرمى.
فإذا تأملنا أقوال العلماء وجدنا «الإجازة» (1) بالزاى اختلاف التوجيه، وهو حركة، و «الإجارة» بالراء اختلاف الروى، وهو حرف، وليس هذا من هذا فى شئ، فكأن العلماء لم يختلفوا حينئذ لأن التسمية اختلف باختلاف / المسمى.
ومثل «الإجازة» «الإصراف»، حكاه شيخنا أبو عبد الله، قال: وهو أن تكون القافية «دالا»، والأخرى «طاء»، والقصيدة مصرفة، فلذلك (2) قال الشاعر: [الوافر]
مقوّمة قوافيها وليست ... بمصروفة الرّوىّ والاسناد (3)
وأما السناد فأنواع كثيرة: منها وهو المشهور أن يختلف الحذو، وهو حركة ما قبل الرّدف، فيدخل شرط الألف وهو الفتحة (4) على الياء / والواو، كقول الفضل بن العباس اللهبىّ (5): [الخفيف]
فاملئى وجهك الجميل خموشا (6)
__________
(1) فى م «الإجارة» بالراء، مع أن بعدها كلمة «بالزاى»، وهو خطأ مطبعى.
(2) فى ف: «وكذلك»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ولذلك».
(3) لم أعثر على البيت، ولم أعرف قائله.
(4) فى المطبوعتين ومغربية: «وهى»، وما فى ص وف يوافق المغربية الأخرى.
(5) هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب بن عبد المطلب بن هاشم، نسب إلى جده أبى لهب، ويطلق عليه الأخضر اللهبى، واسمه عبد العزّى، وكان أحد شعراء بنى هاشم المذكورين وفصحائهم، وكان شديد الأدمة، وهو هاشمى الأبوين.
طبقات ابن سلام هامش 1/ 75، والبيان والتبيين هامش 1/ 39، ومعجم الشعراء 178، والمؤتلف والمختلف 41، والأغانى 16/ 175
(6) طبقات ابن سلام 1/ 75، ونقد الشعر 188، والموشح 18، وكتاب القوافى 131، وجاء دون نسبة فى الأوائل 380، هذا عجز بيت، وصدره: «عبد شمس أبى فإن كنت غضبى». وجاء فى اللسان فى مادة [خمش] وفيه جاء الصدر «هاشم جدنا فإن كنت غضبى».
وفى خ: «واملأ»، وفى م والمغربيتين: «واملئى».(1/319)
ثم قال (1): [الخفيف]
وبنا سمّيت قريش قريشا
وهو كثير (3) للعرب، غير جائز للمولدين.
ومنها: اختلاف الإشباع، كقول النابغة (4):
[الطويل]
يزرن إلالا سيرهنّ التّدافع
__________
(1) هذا الشطر ذكر فى طبقات ابن سلام 1/ 75، والموشح 16و 18، والمقتضب 3/ 362، بنسبته إلى اللهبى فى الجميع، ولكن محقق المقتضب لم يعد إلى البيت فى تحقيقه وإنما عاد إلى قول المشمرخ «وقريش هى التى» الآتى ذكره فيما بعد، والبيت جاء كاملا هكذا:
نحن كنا سكانها من قريش ... وبنا سميت قريش قريشا
فى نقد الشعر 188، مع نسبته إلى اللهبى، ودون نسبة فى جمهرة اللغة 2/ 732، وكتاب القوافى 131، والأوائل 380ولكن محقق الجمهرة اتبع طريق محقق المقتضب فوقع فيما وقع فيه.
وذكر الأستاذ محمود شاكر رحمه الله فى هامش الطبقات أن البيت فى تلقيب القوافى وفيه: «نحن كنا سكانها وفينا رباها» كما ذكر أن مثل هذا الشعر فى أخبار مكة للأزرقى 1/ 61، منسوبا إلى تبع.
وذكر محقق م فى الهامش أنه «فى خزانة الأدب ج 1ص 189، السلفية، نسبة هذا البيت إلى المشموخ [كذا] بن عمرو الحميرى، ورواه هكذا:
وقريش هى التى تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشا
ورواية البيت فى لسان العرب كروايته فى «الخزانة غير أنه لم ينسبه».
أقول: إن قول محقق م ومحقق المقتضب ومن تبعهما خطأ لأنهم ذهبوا فى غير مذهب، وبحثوا فى شىء ليس هو المقصود، وقول المشمرخ الذى ذكروه تستطيع الرجوع إليه فى المزهر 1/ 344ضمن خمسة أبيات، وهو ليس مما نحن فيه.
(3) فى ف: «وهو غير جائز للمولدين، وكثير للعرب»، وفى م: «وهو كثير [جائز] للعرب»!!
(4) ديوان النابغة الذبيانى 36، والبيت جاء فى الديوان هكذا:
بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالا سيرهن التدافع
بمصطحبات: يعنى الإبل، وأقسم بها لأنها تصطحب فى السير إلى الحج. ولصاف وثبرة:
موضعان فى بلاد بنى تميم. والإلال: جبل صغير بعرفة، يكون على يمين الإمام. وسيرهن التدافع: أى هن معيبات فيتحاملن من الإعياء [من الديوان بتصرف] ومن قوله: «كقول النابغة» إلى «ومنها إرداف قافية» ساقط من المغربيتين.(1/320)
(1) والقصيدة كلها مكسورة الإشباع (1).
ومنها: إرداف قافية، وتجريد أخرى، كقول حسان بن ثابت فى قافية:
«ولا توصه» (2)، وقال فى أخرى: «ولا تعصه» (3).
ومنها: تأسيس قافية دون أخواتها، كقول العجاج (4):
[الرجز]
فخندف هامة هذا العالم (5)
وأول هذه الأرجوزة:
يا دار سلمى يا اسلمى ثمّ اسلمى
وكلها غير مؤسسة، إلا هذا البيت وحده، ويقال: إن لغته الهمز، فإذا همز لم يكن تأسيسا.
ومنها: اختلاف التوجيه، كقول (6) امرئ القيس (7):
__________
(11) ما بين الرقمين جاء فى ف هكذا: «والقصيدة كلها الإشباع»، وفى المطبوعتين:
«والقصيدة كلها إشباع».
(2) فى ف: «فأرسل حليما ولا توصه»، وفى المطبوعتين: «فأرسل حكيما ولا توصه»، وما فى ص يوافق المغربيتين فى هذا وما بعده.
(3) فى ف والمطبوعتين: «وشاور لبيبا ولا تعصه». وقد سبق الحديث عن البيتين ص 251
(4) جاء هذا القول دون همز فى طبقات ابن سلام 1/ 78، وفيه «وخندف»، وكذلك جاء فى الموشح 6و 341، وكتاب القوافى 130، ومقدمة لزوم ما لا يلزم 17وجاء بهمز فى ديوان العجاج 299وصنعة الشعر 287
(5) فى ف: «وخندق» [كذا]، وفى هامش م كتب المحقق: «وأكثر علماء العربية يروونها هكذا «فخندف هامة هذا العألم» مهموزا، فلا شاهد للمؤلف فيه، وسيذكر المؤلف بعد ذلك هذه المقالة».
وأقول: جاء فى الموشح 341أن ابن العجاج قال: «إنه كان فى لغة أبى العألم والخأتم مهموزان» كما قيل فى الموشح 6: «وكان رؤبة يعيب هذا على أبيه»، ومثل هذا فى مقدمة لزوم ما لا يلزم 17
(6) فى ف والمطبوعتين: «نحو قول امرىء القيس بن حجر».
(7) ديوان امرىء القيس 154وانظر ما قيل عن البيت فى صنعة الشعر 31(1/321)
[المتقارب]
لا وأبيك ابنة العامر ي ... ى لا يدّعى القوم أنّى أفر
ثم قال:
تميم بن مرّ وأشياعها ... وكندة حولى جميعا صبر
إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرّقت الأرض واليوم قر
فما قبل الراء فى البيت الأول مكسور، وفى الثانى مضموم، وفى الثالث / مفتوح، وليس هذا بعيب شديد عندهم.
قال الزجاجى: السّناد: كل عيب يلحق القافية، ما خلا الإقواء، والإكفاء، والإيطاء، وهذا قول فيه بيان واختصار.
وقال على بن عيسى الرّمانى: السناد: اختلاف ما قبل حرف الرّوىّ، أو بعده، على أى وجه كان الاختلاف، بحركة كان، أو بحرف.
وقال ابن جنى: السناد: كل عيب يحدث قبل الرّوىّ.
واشتقاق السناد من «تساند القوم» إذا جاءوا فرقا (1) لا يقودهم رئيس واحد، وقيل: بل هو من قولهم: «ناقة سناد» إذا كانت قوية صلبة لأن الياء الصلبة أقوى فى النطق من الياء اللينة، وقالوا: بل السناد: الناقة المشرفة، كأن إحدى القوافى أشرفت على أخواتها.
وأما الإيطاء: فهو أن يتكرر لفظ القافية ومعناها (2)، كما قال امرؤ القيس (3) فى قافية: «سرحة مرقب»، وفى قافية أخرى: «فوق مرقب»، وليس بينهما غير بيت واحد.
__________
(1) انظر السناد فى نقد الشعر 187، والموشح 5و 18و 22و 23، وما يجوز للشاعر فى الضرورة 150، وكتاب القوافى 129، والكافى فى العروض والقوافى 164وصنعة الشعر 298
(2) انظر الإيطاء فى نقد الشعر 187، والموشح 5و 16و 17و 18و 23و 76، وما يجوز للشاعر فى الضرورة 151، وما بعدها، وكتاب القوافى 125، وكتاب الكافى فى العروض والقوافى 162وصنعة الشعر 299
وسقطت كلمة «ومعناها» من ف، وفى خ: «ومعناها واحد»، وفى م: «ومعناهما واحد».
(3) ديوان امرئ القيس 46و 47، والأولى فى البيت:
على الأين جياش كأن سراته على ... الضمر والتعداء سرحة مرقب(1/322)
وكلما تباعد الإيطاء كان أخفّ، وكذلك إن خرج الشاعر من مدح إلى ذم، أو من نسيب إلى أحدهما، ألا ترى إلى قولهم: «دع ذا»، و «عدّ عن ذا»، فكأن الشاعر فى شعر آخر. وأقبح من هذا الإيطاء قول تميم بن أبىّ [بن] (1) مقبل (2): [البسيط]
أو كاهتزاز ردينىّ تذاوقه ... أيدى التّجار فزادوا متنه لينا (3)
ويروى: «تداوله» (4)، ثم قال فى القصيدة غير بعيد:
نازعت ألبابها لبّى بمقتصد ... من الأحاديث حتّى زدن لى لينا (5)
/ فكرر القافية والمعنى مع أكثر لفظ القسيم.
وأشدّ من ذلك قول أبى ذؤيب فى بنيه (6): [الكامل]
سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع
/ ثم قال فى صفة الثور والكلاب (7):
فصرعنه تحت العجاج فجنبه ... متترّب ولكلّ جنب مصرع
فكرر ثلث البيت.
وإذا اتفق الكلمتان فى القافية، واختلف معناهما لم يكن إيطاء عند أحد من
__________
والأخرى فى البيت:
له أيطلا ظبى وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
(1) زدتها ليصح الاسم، انظر ترجمته ص 168، وفى إحدى المغربيتين: «تميم بن مقبل».
(2) ديوان ابن مقبل 328، وفيه: «ردينى تداوله» وانظر ما قيل عن البيتين فى الموشح 5، وكتاب القوافى 125وصنعة الشعر 300
(3) فى ف: «أو كاد اهتزاز» [كذا]، وفى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «تداوله» بدل «تذاوقه»، وما فى ص يوافق الحيوان 5/ 29، وأساس البلاغة، واللسان.
(4) فى ف والمطبوعتين: «تذاوقه».
(5) ديوان ابن مقبل 329، وفيه: «بمختزن من الأحاديث حتى ازددن».
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «حتى زدننى».
(6) شرح ديوان الهذليين 1/ 7، وديوان الهذليين 1/ 2، والمفضليات 421
(7) ديوان الهذليين 1/ 14، وفيه: «تحت الغبار وجنبه»، وهو ليس فى أصل شرح ديوان الهذليين ولكنه أضيف فى أحد هوامش 1/ 29، وهو فى المفضليات 427، وفى الجميع:
«فصرعنه تحت الغبار»(1/323)
العلماء، إلا عند الخليل وحده، فإن «يزيد» عنده بمعنى الاسم، و «يزيد» بمعنى الفعل إيطاء، وكذلك «جون» للأسود (1) والأبيض، و «جلل» للصغير (2) والكبير.
وإذا كان أحد الاسمين نكرة، والآخر معرفة لم يكن إيطاء، وكذلك «ضرب» للواحد، و «ضربا» للاثنين، و «لم يضرب» للمذكر، و «لم تضربى» للمؤنث، و «من غلام» و «من غلامى» مضافا، كل هذا ليس بإيطاء.
وأما اختلاف الحروف على الاسم كقولك: «لزيد» و «بزيد»، وعلى الفعل كقولك: «أضرب» و «يضرب» و «تضرب» فى مخاطبة المذكر، والحكاية عن المؤنث، فكل ذلك إيطاء.
والإيطاء جائز عند المولدين، إلا عند الجمحى وحده، فإنه قال: قد علموا أنه عيب. وقال الفراء: إنما يوطئ الشاعر من عىّ.
وإذا كرر الشاعر قافية التصريع (3) فى البيت الثانى لم يكن عيبا، نحو قول امرئ القيس (4): [الطويل]
خليلىّ مرّا بى على أمّ جندب
ثم قال فى البيت الثانى (5): «لدى أمّ جندب».
واشتقاقه من الموافقة، قال الله عز وجل: {لِيُوََاطِؤُا عِدَّةَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ} [سورة التوبة: 37] أى: ليوافقوا.
وقال قوم: بل الإيطاء من الوطء، كأن الشاعر أوطأ القافية عقب أختها، كما قال توبة (6) يخاطب بعل ليلى الأخيلية:
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «للأبيض والأسود».
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «للكبير والصغير».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قافية للتصريع».
(4) ديوان امرئ القيس 41، والمذكور صدر بيت، وعجزه: «نقضى لبانات الفؤاد المعذب».
(5) البيت المشار إليه هو التالى للبيت السابق فى ديوانه 41، وهو:
فإنكما إن تنظرانى ساعة ... من الدهر ينفعنى لدى أمّ جندب
(6) هو توبة بن الحميّر بن حزم بن كعب بن خفاجة العقيلى العامرى، يكنى أبا حرب، شاعر من عشاق العرب المشهورين، كان يهوى ليلى الأخيلية، وخطبها، فرده أبوها، وزوجها من غيره،(1/324)
[الطويل]
لعلّك يا تيسانزا بمريرة ... تعاقب ليلى أن ترانى أزورها (1)
/ علىّ دماء البدن إن كان بعلها ... يرى لى ذنبا غير أنّى أزورها (2)
والتضمين: أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها، كقول النابغة الذبيانى (3): [الوافر]
وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّى
شهدت لهم مواطن صادقات ... وثقت لهم بحسن الظّنّ منّى (4)
وكلما كانت اللفظة المتعلقة بالبيت الثانى بعيدة من القافية كان أسهل عيبا فى (5) التضمين.
ويقرب من قول النابغة قول كعب بن زهير (6): [الطويل]
/ ديار الّتى بتّت حبالى وصرّمت ... وكنت إذا ما الحبل من خلّة صرم (7)
فزعت إلى وجناء حرف كأنّما ... بأقرابها قار إذا جلدها استحم (8)
__________
فانطلق يشبب بها، قتل عام 85هـ.
الشعر والشعراء 1/ 445، والأغانى 11/ 204، والمؤتلف والمختلف 91، وأمالى الزجاج 77، وسمط اللآلى 1/ 120، و 2/ 757، والتعازى والمراثى 73، فى أثناء ترجمة ليلى الأخيلية وفوات الوفيات 1/ 259
وفى ف: «توبة بن الحمير».
(1) البيتان فى النوادر فى اللغة 286و 287ضمن خمسة أبيات، وانظر الأمالى 1/ 88و 131
(2) هذا البيت فى الأغانى 11/ 208، ضمن عشرة أبيات ليس منها الأول هنا، وجاء أول بيتين فى الأغانى 1/ 209
(3) ديوان النابغة الذبيانى 127و 128وانظرهما فى صنعة الشعر 299
(4) فى ف والديوان جاء الشطر الثانى هكذا: «أتيتهم بود الصدر منى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «مواطن صالحات».
(5) فى ف والمطبوعتين: «من»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) ديوان كعب بن زهير 67، والبيتان فيه مفصولان ببيت آخر.
(7) فى ف: «التى تبت»، وفى الديوان: «بتت قوانا».
وبتت: قطعت وكذلك صرمت. والخلة بضم الخاء الصديقة والحبيبة. صرم: قطع.
(8) فى ص: «إذا الجلد»، وفى الديوان: «كأنها بأقرابها».(1/325)
وأخفّ من هذا قول (1) ابن هرمة (2):
[الكامل]
إمّا ترينى شاحبا متبذّلا ... كالسّيف يخلق جفنه فيضيع (3)
فلربّ لذّة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع
وأيسر منه قول متمم بن نويرة (4): [الطويل]
لعمرى وما دهرى بتأبين هالك ... ولا جزعا ممّا أصاب فأوجعا (5)
لقد كفّن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيّات أروعا (6)
__________
والوجناء: الناقة الصلبة. والحرف: يعنى ناقة ضامرة. والأقراب جمع قرب: الخاصرة. واستحم:
عرق.
(1) فى ف والمطبوعتين: «إبراهيم بن هرمة»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) هو إبراهيم بن على بن سلمة بن عامر بن هرمة الكنانى القرشى، يكنى أبا إسحاق، عاش فى الدولتين الأموية والعباسية، انقطع إلى الطالبيين، وله فيهم أشعار كثيرة، وكان غزلا ومولعا بالشراب، وقد جلده صاحب شرطة المدينة لذلك ت 176هـ.
الشعر والشعراء 2/ 753، والأغانى 4/ 367و 5/ 260، وتاريخ بغداد 6/ 127، وسمط اللآلى 1/ 398، والنجوم الزاهرة 2/ 84، وفوات الوفيات 1/ 34، وسير أعلام النبلاء 6/ 207، وما فيه من مصادر.
(3) شعر ابراهيم بن هرمة 144
(4) هو متمم بن نويرة بن جمرة أو عمرو بن شداد اليربوعى التميمى، يكنى أبا نهشل، وهو شاعر فحل، صحابى، من أشراف قومه، وأشهر شعره فى أخيه مالك، وقد سكن المدينة فى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وتزوج امرأة كرهت أخلاقه لشدة حزنه على أخيه. ت 30هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 204، والشعر والشعراء 1/ 337، والأغانى 15/ 298، ومعجم الشعراء 432، وجمهرة أشعار العرب 594، وسمط اللآلى 1/ 87والاستيعاب 4/ 1455
(5) البيتان فى المفضليات 265، والأغانى 15/ 307و 308، والعقد الفريد 3/ 263، والأول فى طبقات ابن سلام 1/ 209، والفاضل 83، وحلية المحاضرة 1/ 441، والثانى فى النقائض 2/ 762والعقد الفريد 5/ 197، والأغانى 15/ 303، وأدب النديم 107، وشرح نهج البلاغة 10/ 158، مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ والأول جاء فى الكامل 4/ 73، مخالفا تماما عما هنا.
وفى ص: «لعمرى وما عمرى». وما دهرى كذا، وما دهرى بكذا: أى ما هو همى وإرادتى.
وجزع بالخفض عطف على تأبين للفظه، وبالنصب عطف عليه لمحله على أن الباء زائدة.
(6) المنهال: هو المنهال بن عصمة الرياحى. غير مبطان العشيات: لا يعجل بالعشاء، وإنما ينتظر الضيفان. والأروع: الجميل الحسن الذى يروعك بجماله إذا رأيته.(1/326)
وربما حالت بين بيتى التضمين أبيات كثيرة بقدر ما يتسع الكلام، وينبسط الشاعر فى المعانى، ولا يضره ذلك إذا أجاد.
وتجمع (1) القوافى كلّها خمسة ألقاب: «المتكاوس»، وهو: أربع حركات بين ساكنين، وله جزء واحد، وهو «فعلتن»، والفراء لا يعده لأنه عنده من المتدارك لأن «فعلتن» إنما هى «مستفعلن» مزاحف السببين.
/ والمتراكب، وهو: ثلاث متحركات بين ساكنين، وله جزءان، «مفاعلتن»، و «فعلن».
والمتدارك، وهو: حركتان بين ساكنين، وهو نحو «مفاعلن» و «متفاعلن» و «مستفعلن» و «فاعلن».
والمتواتر، وهو: ما توالى فيه متحرك بين ساكنين، نحو «مفاعيلن» و «فاعلاتن»، و «فعلاتن» و «مفعولن».
والمترادف، وهو: ما اجتمع فى آخره ساكنان، نحو «فاعلان»، و «متفاعلان»، و «مستفعلان»، وما أشبه ذلك.
ولا يجتمع نوعان من هذه الأنواع فى قصيدة، إلا فى جنس من السريع، فإن المتواتر يجتمع فيه مع المتراكب، إذا كان الشعر مقيدا، كقول المرقش (2) فى بيت: [السريع]
وأطراف الأكفّ عنم (3)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «ويجمع» بالمثناة التحتية، وما فى ص يوافق المغربيتين، وانظر ما قيل عن اصطلاحات هذه الفقرة فى صنعة الشعر 272
(2) هو عمرو أو ربيعة بن سعد بن مالك، وقيل: عوف بن سعد بن مالك، وسمى المرقش ببيت شعر قاله وهو المرقش الأكبر، وهو أحد عشاق العرب المشهورين، وزوجت محبوبته وهى ابنة عمه فى أثناء غيابه، فخرج يريدها، فمات فى الطريق.
الشعر والشعراء 1/ 210، والأغانى 6/ 127، ومعجم الشعراء 4و 124، ومعاهد التنصيص 2/ 84
(3) البيت بتمامه فى المفضليات 238، والشعر والشعراء 1/ 73و 213، ومعجم الشعراء 4 والصناعتين 249، والعقد الفريد 5/ 489، ومعاهد التنصيص 2/ 81، وكفاية الطالب 194والكافى فى العروض والقوافى 98، وصنعة الشعر 139و 197وسيأتى فى باب التشبيه ص 477، وهو بتمامه:
النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكفّ عنم(1/327)
وفى بيت آخر:
قد قلت فيه غير ما تعلم (1)
* * *
__________
والعنم: ضرب من الشجر له نور أحمر تشبّه به الأصابع المخضوبة، وفى الأغانى: دود أحمر، وليس برأى.
(1) هذا القول غير موجود فى المفضليات وغيره وقد أشار محقق م إلى ذلك، والذى يقرب مما هنا ما جاء فى المفضليات 239، والشعر والشعراء 1/ 73و 213، ومعجم الشعراء 4وصنعة الشعر 197ومعاهد التنصيص 2/ 82، وهو:
ليس على طول الحياة ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم
وقال ابن قتيبة فى الشعر والشعراء 1/ 72، فى شعر المرقش: «والعجب عندى من الأصمعى إذ أدخله فى متخيره، وهو شعر ليس بصحيح الوزن، ولا حسن الروى، ولا متخير اللفظ، ولا لطيف المعنى، ولا أعلم فيه شيئا يستحسن إلا قوله: النشر مسك»، ونقل هذا القول فى معاهد التنصيص 2/ 82(1/328)
باب التصريع والتقفية
(1)
هذا باب يشكل على كثير علمه، ويلحقه عيب سماه قدامة «التجميع» (2)، كأنه من الجمع بين رويّين وقافيتين، ورأيت من يقول:
التخميع (3) بالخاء، كأنه من الخمع فى الرّجل، وسأذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.
فأما التصريع فهو ما كانت عروض البيت فيه تابعة لضربه، تنقص بنقصه، وتزيد بزيادته، نحو قول امرئ القيس فى الزيادة (4): [الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... ورسم عفت آياته منذ أزمان (5)
(6) فالضرب «مفاعيلن»، والعروض مثله لمكان التصريع (6)، وهى فى سائر القصيدة «مفاعلن».
وقال فى النقصان (7): [الطويل]
لمن طلل أبصرته فشجانى ... كخطّ زبور فى عسيب يمانى؟
فالضرب «فعولن»، والعروض مثله لمكان التصريع أيضا، وهى فى سائر القصيدة / «مفاعلن» كالأولى.
وكل (8) ما جرى هذا المجرى فى سائر الأوزان فهو مصرّع.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «باب التقفية والتصريع»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) انظر نقد الشعر 185
(3) فى ف: «التجميع»، وسقطت كلمة بالخاء ثم فيه: «من الجمع»، وهو تصحيف، وانظر كتاب القوافى 67و 68، والتخميع من الخمع وهو العرج، انظر اللسان.
(4) ديوان امرىء القيس 89
(5) فى ص: «رسوما عفت آياتها».
(66) ما بين الرقمين ساقط من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) ديوان امرىء القيس 85
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فكل».(1/329)
والتقفية أن يتساوى الجزءان من غير / نقص ولا زيادة، فلا يتبع العروض الضرب فى شئ إلا فى السجع خاصة، مثال ذلك قوله (1): [الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدّخول فحومل
فهما جميعا «مفاعلن»، إلا أن العروض مقفاة (2) مثل الضرب.
فكل ما لم يختلف عروض بيته الأول مع سائر عروض أبيات القصيدة إلا فى السجع فقط فهو مقفّى.
واشتقاق التصريع من مصراعى الباب، ولذلك قيل لنصف البيت:
«مصراع»، كأنه باب القصيدة ومدخلها، وقيل: بل هو من الصّرعين، وهما طرفا النهار.
وقال (3) أبو إسحاق الزجاج: الأول من طلوع الشمس إلى استواء النهار، والآخر من ميل الشمس عن كبد السماء إلى وقت مغيبها (4).
قال شيخنا أبو عبد الله: وهما العصران.
وقال قوم: الصّرع: المثل.
وسبب التصريع مبادرة الشاعر القافية ليعلم فى أول وهلة أنه أخذ فى كلام موزون غير منثور، ولذلك وقع فى أول الشعر.
وربما صرّع الشاعر فى غير الابتداء، وذلك إذا خرج من قصة إلى قصة، أو من وصف شئ إلى وصف شئ آخر، فيأتى حينئذ بالتصريع إخبارا بذلك، وتنبيها عليه.
وقد كثر استعمالهم هذا حتى صرّعوا فى غير موضع تصريع، وهو دليل على قوة الطبع وكثرة المادة، إلا أنه إذا كثر فى القصيدة دلّ على التكلف، إلا من المتقدمين، قال امرؤ القيس (5):
__________
(1) ديوان امرىء القيس 8وفيه: «وحومل».
(2) فى ف والمطبوعتين فقط: «مقفى».
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «إلى وقت غروبها».
وانظر ما قيل عن اشتقاق التصريع فى اللسان فى [صرع].
(5) ديوان امرىء القيس 154و 155وانظر ما قيل عن الأبيات فى مسائل الانتقاد 174172(1/330)
[المتقارب]
تروح من الحىّ أم تبتكر ... وماذا عليك بأن تنتظر؟ (1)
أمرخ خيامهم أم عشر ... أم القلب فى إثرهم منحدر؟
/ وشاقك بين الخليط الشطر ... وفيمن أقام من الحىّ هر (2)
فوالى بين ثلاثة أبيات مصرعة فى القصيدة، وقد يجعلون أولها:
أحار بن عمرو كأنّى خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر (3)
وقال عنترة العبسى (4): [الكامل]
أعياك رسم الدّار لم يتكلّم ... حتّى تكلّم كالأصمّ الأعجم
ثم قال بعد بيت واحد:
هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدّار بعد توهّم؟ (5)
يا دار عبلة بالجواء تكلّمى ... وعمى صباحا دار عبلة واسلمى
فصرع البيت الأول، والثالث، والرابع.
وقولنا فى شعر امرئ القيس وعنترة وغيرهما مما يستأنف مصرّع، إنما هو مجاز، وجرى على عادة الناس لئلا يخرج عن المتعارف، وإلا فقد بينّت ذلك أولا.
__________
(1) فى ص جاء الشطر الثانى هكذا: «وماذا يضرك لو تنتظر»، وذكرت هذه الرواية فى هامش م، وذكرت فى هامش الديوان هكذا: «وماذا يضيرك».
(2) فى ف والديوان جاء البيت هكذا:
وفيما أقام من الحىّ هر ... أم الظّاعنون بها فى الشطر؟
وذكر هذا فى هامش م.
وتروح: تسير وقت الرواح، وهو آخر النهار. والمرخ: شجر قصار ينبت بنجد. والعشر: شجر طوال بالغور، وغرضه بهذه العبارة أن يقول: أهم منجدون أم متغورون؟ أى: أيقيمون فى نجد أم فى غور؟ والشطر: جمع شطير، وهو القريب [من هامش الديوان]
(3) فى ف: «كأنى خمرن ما يأتمرن» [كذا]، وانظر الديوان 154
(4) ديوان عنترة 182، وفيه اختلاف فى الترتيب، فالأول هنا هو الثانى فى الديوان، والثانى هو الأول، والثالث هنا هو الرابع فى الديوان، وهذا هو الذى حفظناه.
(5) المتردم: من قولهم: ردمت الشىء إذا أصلحته، وقويت ما وهى منه. والجواء: إما موضع بعينه، وإما جمع جو وهو المطمئن من الأرض المتسع [انظر الديوان].(1/331)
ومن الناس من (1) لا يصرّع أول / شعره قلّة اكتراث بالشعر، ثمّ يصرّع بعد ذلك، كما صنع الأخطل (2)، إذ يقول أول قصيدة: (3) [البسيط]
حلّت صبيرة أمواه العداد وقد ... كانت تحلّ وأدنى دارها ثكد (4)
وأقفر اليوم ممّن حلّه الثّمد ... فالشّعبتان فذاك الأبرق الفرد (5)
فصرّع البيت الثانى دون الأول.
وقال ذو الرمة أول قصيدة (6): [الطويل]
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (7)
__________
(1) فى المطبوعتين: «من لم يصرع»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) هو غياث بن غوث بن الصلت من نصارى بنى تغلب، يكنى أبا مالك، وأطلق عليه الأخطل لسفهه واضطراب شعره، وقيل غير ذلك، كان مقدما عند بنى أمية منقطعا إليهم، وكانت بينه وبين جرير مناقضات، ونادم عبد الملك بن مروان الذى أركبه ظهر جرير، وقد تهكم فى شعره ببعض أمور الدين، وتناول أعراض المسلمين. ت 90هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 451، والشعر والشعراء 1/ 483، والأغانى 8/ 280، والموشح 211، وجمهرة أشعار العرب 720، والاشتقاق 338، ونوادر المخطوطات 2/ 317، ومسائل الانتقاد 113، ونهاية الأرب 3/ 73، وسمط اللآلى 1/ 44، والخزانة 1/ 459، ومعاهد التنصيص 1/ 272، وسير أعلام النبلاء 4/ 589وأدب النديم 119ط الخانجى.
(3) شعر الأخطل 2/ 433
(4) فى الجميع «نكد» بالنون، وهو تصحيف، واعتمدت ما فى الديوان ومعجم البلدان.
والعداد: جماعة عدّ، وهو القليب له مادة من الأرض، كذا فى شرح الديوان، والذى فى اللسان: قال الأصمعى: الماء العدّ الدائم الذى له مادة لا انقطاع لها، مثل ماء العين وماء البئر، وجمع العدّ أعداد، وفيه كثير مما يشبه هذا. وثكد: بضم فسكون كما فى معجم البلدان والقاموس، ماء لبنى نمير، وقال صاحب معجم البلدان: «وقد ضم الأخطل كافه فقال» وذكر البيت، ثم قال:
وقيل فى تفسيره: ثكد ماء لكلب، وقال نصر: ثكد ماء بين الكوفة والشام، وفى اللسان ثكد بضمتين اسم ماء ثمّ ذكر البيت، وأما النكد: فهو الماء القليل.
(5) فى ف والمطبوعتين: «فذاك الأبلق الفرد»، وما فى ص يوافق المغربيتين. الثّمد: قليب يجتمع فيه ماء السماء، يشرب منه الناس شهرين فى الصيف، فإذا دخل القيظ انقطع، فهو الثمد. والأبرق: الجبل مخلوط برمل. والفرد: الفرد.
(6) ديوان ذى الرمة 1/ 456
(7) فى ف: «فما الهوى» بحذف الهمزة.
حزوى: موضع فى ديار بنى تميم. وماء الهوى: أراد الدمع الذى يدمعه من الهوى، فلذلك أضاف الماء إلى الهوى. ويرفضّ: يسيل متفرقا. ويترقرق: يجىء ويذهب فى العين من غير أن ينحدر [من شرح الديوان](1/332)
ثم قال بعد عدة أبيات (1):
أمن ميّة اعتاد الخيال المؤرّق؟ ... نعم إنّها ممّا على النأى تطرق
وكان الفرزدق قليلا ما يصرّع، أو يلقى بالا بالشعر، كقوله (2):
[الطويل]
ألم تر أنّى يوم جوّ سويقة ... بكيت فنادتنى هنيدة ماليا؟
/ فجاء بمثل هذه القصيدة الجليلة غير مصرعة، وكذلك قوله يرد على جرير (3): [الطويل]
تكاثر يربوع عليك ومالك ... على آل يربوع فما لك مسرح
وأكثر شعر ذى الرمة غير مصرع الأوائل، وهو مذهب كثير من الفحول، وإن لم يعدّ فيهم (4) لقلة تصرفه، إلا أنهم جعلوا التصريع فى مهمات القصائد، ومما (5) يتأهبون له من الشعر، فدل ذلك على فضل التصريع، وقد قال أبو تمام، وهو قدوة (6): [الطويل]
وتقفو إلى الجدوى بجدوى وإنّما ... يروقك بيت الشعر حين يصرّع
فضرب به المثل كما ترى.
والتصريع يقع فيه من الإقواء، والإكفاء، والإيطاء، والسناد، والتضمين ما يقع فى القافية: فمن الإقواء ما أنشده الزجاجى، وهو قول بعضهم (7):
__________
(1) ديوان ذى الرمة 1/ 466
(2) ديوان الفرزدق 2/ 895ط الصاوى و 2/ 360ط دار صادر.
(3) ديوان الفرزدق 1/ 149ط الصاوى و 1/ 126ط دار صادر.
مالك مسرح: أى أنك ذليل مهان تخاف أن تسرح إبلك فتنهب. [من الديوان]
(4) السبب فى أن ذا الرمة لم يعد من الفحول هو اقتصاره على وصف الصحارى وأبعار الإبل، وانظر ذلك بالتفصيل فى طبقات ابن سلام 2/ 551و 552، والشعر والشعراء 1/ 524، والموشح 274و 551وما بعدهما، وكنايات الجرجانى 117
(5) فى المطبوعتين فقط: «فيما يتأهبون».
(6) ديوان أبى تمام 2/ 322وانظر الموازنة 2/ 85
وتقفو إلى الجدوى بجدوى: تسير إلى العطاء بالعطاء، أى تتبع أحدهما صاحبه [من الديوان].
(7) البيت جاء أول ثمانية أبيات فى الأمالى 3/ 12، وتنسب فيه إلى أم عمرو أخت ربيعة بن مكدم ترثى أخاها ربيعة وقد قتلته بنو سليم، وفى الهامش كتب: هكذا فى الأصل وفيه الإقواء وهو اختلاف العروض والضرب فى حركة الإعراب، وفى الأمالى: «فلا عازب».(1/333)
[البسيط]
ما بال عينك منها الدّمع مهراق ... سحّا فلا غارب منها ولا راقى
ومن الإكفاء قول حسان بن ثابت أنشده (1) الجاحظ (2):
[الطويل]
ولست بخير من أبيك وخالكا ... ولست بخير من معاظلة الكلب (3)
ومن الإيطاء قول (4) ابن المعتز (5): [المجتث]
يا سائلا كيف حالى ... أنت العليم بحالى
ومن السناد قول إسماعيل بن القاسم أبى العتاهية (6): [مجزوء الكامل]
ويلى على الأظعان ولّوا ... عنّى بعتبة واستقلّوا
ومن التضمين قول البحترى (7): [الوافر]
عذيرى فيك من لاح إذاما ... شكوت الحبّ قطّعنى ملاما (8)
__________
(1) فى المطبوعتين: «وأنشده»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) ديوان حسان بن ثابت 111والحيوان 2/ 197، وفيه: «ولست بخير من يزيد وخالد».
ومعاظلة الكلب: يعنى السفاد. قال فى الحيوان: «ويقال: عاظل الكلب معاظلة: يعنى السفاد» وقال فى اللسان: عاظلت الكلاب معاظلة وعظالا وتعاظلت: لزم بعضها بعضا فى السفاد.
(3) كتب محقق م فى الهامش حول الإكفاء فى هذا البيت فقال: «انظر على أى وجه يتحقق الإكفاء مع التصريع فى هذا البيت؟! نعم إنه ليتصور فيه ذلك النوع من التصريع الذى سماه التجميع، وسيأتى ذكره قريبا، ولكن لا يتصور فيه الإكفاء على وجه من الوجهين اللذين سبق له ذكرهما، ولو كانت العبارة هكذا: والتصريع يقع فيه الإقواء الإقعاد. إلخ، ثم يقول: ومن الإقعاد قول حسان
إلخ لكانت أقرب وأحسن».
وأقول: ما قاله محقق م صحيح من جهة رآها وهى أن مفاعلن فى الشطر الأول صارت مفاعيلن فى الثانى، وهذا هو الإقعاد، وكلام ابن رشيق صحيح أيضا من ناحية أن الإكفاء إما تغيير حركة الروى أو تغيير حرف الروى. انظر الإكفاء والإقعاد فيما سبق.
(4) فى ف والمطبوعتين: «قول عبد الله بن المعتز»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) لم أجده فى ديوان ابن المعتز.
(6) لم أجد البيت فى الديوان ولا فى مصادر الترجمة.
(7) ديوان البحترى 3/ 2008وانظر ما قيل عن البيت فى الموازنة 1/ 473.
(8) فى الديوان: «حرقنى ملاما».(1/334)
/ ومن ابتداء القصائد مجمّع (1)، وهو أن يكون القسيم الأول متهيئا / للتصريع يقافية ما، فيأتى تمام البيت بقافية على خلافها، كقول جميل (2):
[الكامل]
يا بثن إنّك قد ملكت فأسجحى ... وخذى بحظّك من كريم واصل (3)
فتهيأت (4) القافية على الحاء، ثم صرفها إلى اللام.
ومثله قول حميد بن ثور (5): [الطويل]
سل الرّبع أنّى يمّمت أمّ سالم ... وهل عادة للرّبع أن يتكلّما؟ (6)
فتهيأت له قافية مؤسسة لو شاء، ثم أتت فى آخر البيت غير مؤسسة، ويروى «أم أسلما»، فخرج عن التجميع.
ومن أشد التجميع قول النابغة الذبيانى (7): [الطويل]
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
وإنما التجميع فيما شابه الإطلاق، أو قارب ذلك، كقول جميل (8)، وقول حميد، وهو كالإكفاء، والسناد فى القوافى، إلا أنه دونهما فى الكراهية جدّا، وإذا لم يصرّع الشاعر قصيدته كان كالمتسوّر الداخل من غير باب.
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «التجميع».
(2) ديوان جميل 179
(3) فى ص: «من ملكت»، وفى الديوان: «أبثين».
(4) فى ف: «فهيأ»، وفى م زاد المحقق «له» بين معقوفين، دون أن يبين السبب كالمعتاد، ولكن يبدو أنه أراد أن يجعلها مثل القول الذى يلى البيت الآتى بعد.
(5) هو حميد بن ثور بن عبد الله بن عامر الهلالى، يكنى أبا الأخضر، وهو شاعر مخضرم، قضى الشطر الأكبر من حياته فى الإسلام، وعاش إلى خلافة عثمان.
طبقات ابن سلام 2/ 584، والشعر والشعراء 1/ 390، والأغانى 4/ 356، والاستيعاب 1/ 377، ومعجم الأدباء 11/ 8، ونوادر المخطوطات 2/ 292، وسمط اللآلى 1/ 376
وفى ف والمطبوعتين: «حميد بن ثور الهلالى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) ديوان حميد بن ثور 7
(7) ديوان النابغة الذبيانى 191، وفيه: «جزى الله عبسا فى المواطن كلها»، وأشير فى الشرح إلى رواية العمدة.
(8) فى ف: «كقول جميل فيها»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «كقول جميل فيما تقدم».(1/335)
والمداخل من الأبيات ما كان قسيمه متصلا (1) بالآخر، غير منفصل منه، وقد (2) جمعتهما كلمة واحدة، وهو «المدمج» أيضا، وأكثر ما يقع ذلك فى عروض الخفيف، وهو حيث وقع من الأعاريض دليل على القوة، إلا أنه فى غير الخفيف مستثقل عند المطبوعين، وقد يستخفونه فى الأعاريض القصار، كالهزج، ومربوع الرمل، وما أشبه ذلك.
ومن الشعر غير المصرع ما لا يجوز أن يظن تجميعا، وذلك نحو قول ذى الرمة، واسمه غيلان بن عقبة (3): [البسيط]
/ أأن ترسّمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم؟! (4)
لأن القافية فى (5) عروض البيت غير متمكنة، ولا مستعمل مثلها، وإن كان استعمالها جائزا لو وقع.
ومن الشعر نوع غريب يسمونه «القواديسى»، تشبيها بقواديس السانية (6) لارتفاع بعض قوافية فى جهة، وانخفاضها فى الجهة الأخرى، وأول من رأيته جاء به طلحة بن عبيد الله العوفى (7) فى قوله فى قصيدة له مشهورة طويلة (8):
__________
(1) فى ف سقط قوله: «متصلا»، وفى م زاد المحقق كلمة «الأول» بعد كلمة «قسيمه» بين معقوفين، ولم يبين السبب فى زيادتها!!
(2) فى ف: «قد جمعته» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «قد جمعتهما».
(3) فى ص والمغربيتين: «نحو قول غيلان».
(4) ديوان ذى الرمة 1/ 371
ترسمت: تثبتّ فيه ونظرت هل ترى أثر منزلها. والمنزلة والمنزل واحد وهو مكان النزول.
والصبابة: رقة الشوق، والمعنى: أماء الصبابة مسجوم لأن ترسمت فقدم همزة الاستفهام من «ماء» إلى «أن». ومسجوم: سائل مهراق. [من الديوان بتصرف].
(5) فى المطبوعتين فقط: «من عروض».
(6) السانية: الغرب أى الدلو وأداته، والسانية: ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره.
انظر غريب الحديث 1/ 71، واللسان فى [سنا]
(7) لم أعثر على من اسمه طلحة بن عبيد الله العوفى، ولكنى عثرت على من اسمه طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى، الذى يقال له طلحة الندى، والذى كان قاضى المدينة فى زمن يزيد، وكان شريفا جوادا حجة إماما ت 99هـ، ولا أدرى إن كان هذا هو ذاك أولا، وقد أكد حيرتى أننى لم أعثر على الأبيات فى المصادر التى تحت يدى.
انظر المعارف 235، وسير أعلام النبلاء 4/ 174وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 112، والأمالى 3/ 77و 119
(8) لم أعثر على الرجز فيما تحت يدى من المصادر.(1/336)
[الرجز]
كم للدّمى الأبكار بال ... خبتين من منازل (1)
بمهجتى للوجد من ... تذكارها منازل
معاهد رعيلها ... مثعنجر الهواطل (2)
لمّا نأى ساكنها ... فأدمعى هواطل
وهو مربوع الرجز، تعمد فيه الإقواء، وأوطأ فى أكثره قصدا، كما فعل فى البيتين الأولين من هذه.
ومن الشعر جنس كله مصرّع، إلا أنه مختلف الأنواع، وأنا منبّه عليها إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك الشعر «المسمّط» / وهو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرّع، ثم يأتى بأربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسيما واحدا من جنس ما ابتدأ به، هكذا (3) إلى آخر القصيدة، مثال ذلك قول امرئ القيس، وقيل: إنها منحولة: (4) [الطويل]
توهّمت من هند معالم أطلال ... عفاهنّ طول الدّهر فى الزّمن الخالى (5)
مرابع من هند خلت ومصايف ... يصيح بمغناها صدى وعوازف (6)
__________
(1) الخبت: ما اتسع من بطون الأرض، أو هو ما اطمأن من الأرض واتسع. انظر: اللسان فى [خبت].
(2) فى ص: «معاهد رعت لها».
والرعيل جمع رعل هو اسم كل قطعة متقدمة من أى شىء وجمع الجمع أراعيل فيقال:
أراعيل الرياح والجهام: أى أوائلها ومقدماتها وما تفرق منها. انظر اللسان فى [رعل] والمثعنجر: الماء المنصبّ، أو السيل الكثير. انظر اللسان فى [ثعجر].
(3) فى ف: «وكذا»، وفى م «وهكذا»، وكتبت الواو بين معقوفين!!
(4) ديوان امرئ القيس 474، فى الشعر المنسوب إليه، نقلا عن العمدة واللسان، والشعر فى اللسان فى [سمط] ولم يشر فى اللسان إلى انتحالها، وإنما ذكر أنها من رواية ابن برى.
(5) الأطلال: ما تبقى من آثار الديار. عفاهن: محاهنّ وأذهب جدتهن.
(6) فى ص: «لمغناها».
الصدى: له ستة أوجه: أحدها ما يبقى من الميت فى قبره، وهو جثته، والثانى: حشوة الرأس يقال لها: الهامة والصدى، والثالث: الذكر من البوم، والرابع: ما يرجع عليك من صوت الجبل، والخامس: العطش، والسادس: من قولهم: فلان صدى مال، إذا كان رفيقا بسياستها. والعوازف من العزيف: وهو صوت الرمال إذا هبت بها الرياح، أو صوت الرياح.(1/337)
وغيّرها هوج الرّياح العواصف ... وكلّ مسفّ ثمّ آخر رادف (1)
بأسحم من نوء السّماكين هطّال (2)
وهكذا يأتى بأربعة أقسمة على أى قافية شاء، ثم يكرر قسيما على قافية اللام، وربما كان / المسمط بأقل من أربعة أقسمة، كما قال أحدهم (3):
[مجزوء الوافر]
خيال هاج لى شجنا ... فبتّ مكابدا حزنا
عميد القلب مرتهنا ... بذكر اللهو والطرب
سبتنى ظبية عطل ... كأنّ رضابها عسل (4)
ينوء بخصرها كفل ... ينيل روادف الحقب (5)
وربما جاءوا بأوله أبياتا خمسة على شرطهم فى الأقسمة، وهو المتعارف، أو أربعة، ثم يأتون بعد ذلك بأربعة أقسمة، كما قال خالد القناص (6)، أنشده
__________
(1) هوج الرياح: هى المتداركة الهبوب كأن بها هوجا، أو هى التى تقلع البيوت، أو هى الشديدة الهبوب من جميع الرياح. والمسفّ: السحاب الذى يقرب من الأرض، أو الريح التى تجرى فويق الأرض.
(2) الأسحم: الأسود. والنوء: النجم إذا مال إلى المغيب. والسماكان: نجمان نيران:
أحدهما: السماك الأعزل، والآخر: السماك الرامح، ويقال: إنهما رجلا الأسد. والهطال: المطر الدائم المتتابع.
(3) جاءت الأبيات ضمن مجموعة من نظيراتها دون نسبة فى اللسان فى مادة [سمط] من إنشاد ابن برى.
(4) عطل جمع عاطل، والعاطل: من لا حلية لها، من عطلت المرأة تعطل. انظر اللسان فى [عطل].
(5) فى ف والمطبوعتين: «ثقيل روادف»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
والكفل العجز. والروادف: الأعجاز، قال ابن سيده: ولا أدرى أهو جمع «ردف» نادر أم هو جمع رادفة، والردف: العجز والكفل، وخص بعضهم به عجيزة المرأة. والحقب والحقاب: شىء تعلق به المرأة الحلى، وتشده فى وسطها، والجمع حقب.
(6) لم أعثر له على ترجمة فى مصادر التراجم التى تحت يدى، وقال عنه الأستاذ عبد العزيز الميمنى رحمه الله فى الطرائف الأدبية 102، «وخالد بن صفوان القناص هذا نكرة لم أعرفه بعد طول البحث، ويظهر أنه كان من عوام الصدر الأول، سمع كلمات من مفردات اللغة فاستعملها، كما جرى على لسانه من دون تعمق من جهة النحو واللغة والعروض كما ترى شواهد ذلك، وبعد فإنه لم يقل غير هذه القصيدة كما سيأتى، فعذره مبسوط». وذكر اسمه الجاحظ فى أثناء حديثه عن الفيل الزندبيل فى الحيوان 7/ 176، فقال: قال خالد القناص فى قصيدته تلك المزاوجة [والمخمسة] التى(1/338)
الزجاجى أبو القاسم (1): [الطويل]
لقد نكرت عينى منازل جيران ... كأسطار رقّ ناهج خلق فانى (2)
توهّمتها من بعد عشرين حجّة ... فما أستبين الدّار إلّا بعرفان
فقلت لها: حيّيت يا دار جيرتى ... أبينى لنا أنّى تبدّد إخوانى؟
وأىّ بلاد بعد ربعك حالفوا؟ ... فإنّ فؤادى عند ظبية جيرانى
فجاء بأربعة أبيات، كما ترى، ثم قال بعدها:
فما نطقت واستعجمت حين كلّمت ... وما رجّعت قولا وما إن ترمرمت (3)
وكان شفائى عندها لو تكلّمت ... إلىّ ولو كانت أشارت وسلّمت
ولكنّها ضنّت علىّ بتبيان
وهكذا إلى آخرها، وقد جاء هذا الشاعر فى قصيدته بخمسة أقسمة مرة واحدة، ولم يعاودها ولو عاودها لم يضره، وكذلك لو نقص، إلا أن الاعتدال أحسن.
والقافية التى تتكرر فى التسميط تسمى «عمود القصيدة»، واشتقاقه من السمط، وهو: أن تجمع عدّة سلوك فى ياقوتة، أو خرزة ما، ثم تنظم كلّ سلك منها على حدته باللؤلؤ تستّرا، ثم تجمع السلوك كلها فى زبرجدة أو شبيهة (4)،
__________
ذكر فيها الصيد فأطنب فيها» ثم ذكر شاهده. وجاء ذكره أيضا فى طبقات ابن المعتز 325، دون التعريف به، وقد جاء اسم خالد بن صفوان فى مروج الذهب 3/ 278275، وهو الذى كان ينصح أبا عبد الله السفاح بالزواج والتسرى، وهناك خالد بن صفوان أحد الخطباء، وله ذكر كثير فى زهر الآداب وجمع الجواهر ولا أدرى إن كان هذا هو ذاك أو لا.
(1) فى الطرائف الأدبية ذكرت القصيدة دون أن تكون فيها الأبيات التى معنا، كما أنه ليس فيها التخميس وذكرت منها أبيات فى طبقات ابن المعتز 325، دون الأبيات التى هنا.
(2) الرّق: الجلد. والناهج: القديم البالى. والخلق: البالى.
(3) فى ف: «كما نطقت». ما إن ترمرمت: أى ما نطقت، من الترمرم وهو أن يحرك الإنسان شفتيه بالكلام ولا يتكلم.
(4) فى خ: «أو يشب»، وفى م: «أو شبهها»، وأشار المحقق فى الهامش إلى «أو يشب»، ولا معنى للجميع فى رأيى، ويبدو لى أن أصل كلمة «شبيهة» هو «شبه» أو «شبه» ومعناهما النحاس يصبغ فيصفرّ، وقيل: ضرب من النحاس يلقى عليه دواء فيصفرّ، قال ابن سيده: سمى به لأنه إذا فعل ذلك به أشبه الذهب بلونه، والجمع أشباه. انظر اللسان فى [شبه] وهذا يناسب الزينة كما فى الزبرجدة.(1/339)
أو نحو ذلك، ثم تنظم أيضا كل سلك على حدته، وتصنع به كما صنع أولا / إلى أن يتم السمط، هذا هو المتعارف عند أهل الوقت.
/ وقال أبو القاسم الزجاجى: إنما سمى بهذا الاسم تشبيها بسمط اللؤلؤ، وهو سلكه الذى يضمه، ويجمعه مع تفرق حبّه، وكذلك هذا الشعر لمّا كان مفترق (1) القوافى ومتعقبا (2) بقافية تضمه، وترده إلى البيت الأول الذى بنيت عليه القصيدة، صار كأنه سمط مؤلف من أشياء مفترقة.
ونوع آخر يسمى «مخمّسا»، وهو: أن يؤتى بخمسة أقسمه على قافية، ثم بخمسة أخرى فى وزنها على قافية غيرها كذلك، إلى أن يفرغ من القصيدة، هذا هو الأصل.
وأكثروا من هذا الفن حتى أتوا به مصراعين (3) فقط، وهو «المزدوج»، إلا أن وزنه كله واحد وإن اختلفت القوافى، كذات الأمثال (4)، وذات الحلل (5)، وما شاكلهما، ولا يكون أقل من مصراعين، وكل مشطور، أو منهوك فهو بيت، وإن قيل مصرع فعلى المجاز، وما سوى ذلك مما لم يأت مثله عن العرب فهو مصاريع ليس ببيت.
ولم أجدهم يستعملون فى هذه المخمسات إلا الرجز خاصة لأنه وطئ سهل المراجعة، فأما المسمطات فقد جاءت فى أوزان كثيرة مختلفة، كما قدمت.
ونوعان من الرجز، وهما: المشطور، والمنهوك، فأما المشطور فما بنى على شطر بيت، نحو قول أبى النجم (6):
__________
(1) فى ف: «مفرق»، وفى المطبوعتين: «متفرق»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى ف: «معتقبا»، وفى المطبوعتين فقط: «متعقبا»، وبحذف الواو فيهما.
(3) فى المطبوعتين فقط: «مصراعين مصراعين فقط»، ولا معنى لهذا التكرير مع كلمة «فقط».
(4) هى قصيدة مشهورة فى ديوان أبى العتاهية 444، ويقال: إن المذكور جزء من القصيدة، وأنها كانت أطول من ذلك.
(5) كنت أعرفها، وأنسيتها، فسبحان الله.
(6) هو الفضل بن قدامة بن عبيد ابن مالك بن ربيعة بن عجل، يكنى أبا النجم، كان ينزل بسواد الكوفة، فى موضع يقال له: «الفرك»، أقطعه إياه هشام بن عبد الملك، الذى كان يعجب برجزه.
طبقات ابن سلام 2/ 737و 745، والشعر والشعراء 2/ 603، ومعجم الشعراء 180، والأغانى 10/ 150وما بعدها، والموشح 334، وسمط اللآلى 1/ 327، وخزانة الأدب 1/ 103 و 2/ 390، ومعاهد التنصيص 1/ 19. وفى ف والمطبوعتين فقط: «أبى النجم العجلى».(1/340)
[الرجز]
الحمد لله الوهوب المجزل ... أعطى فلم يبخل ولم يبخّل (1)
وأما المنهوك فهو: ما بنى على ثلث بيت، ونهك بذهاب ثلثيه، أى:
أضعف، وهذا مثل قول أبى نواس (2): [الرجز]
/ وبلدة فيها زور ... صعراء تخطى فى صعر
واشتبه (3) بهما مشطور السريع، ومنهوك المنسرح، وسيأتيان فيما بعد (4).
وأنشد الزجاجى وزنا مشطّرا محيّر الفصول، لا أشك أنه مولّد محدث، وهو (6): [المضارع]
سقى طللا بحزوى ... هزيم الودق أحوى (7)
عهدنا فيه أروى ... زمانا ثمّ أقوى (8)
وأروى لا كنود ... ولا فيها صدود (9)
لها طرف صيود ... ومبتسم برود
لئن شطّ المزار ... بها ونأت ديار
فقلبى مستطار ... وليس له قرار
ستدنيها ذمول ... جلنفعة ذلول (10)
__________
(1) البيت فى طبقات ابن سلام 2/ 748و 749، أول ثلاثة أبيات، والشطر الأول فى الشعر والشعراء 2/ 604، والموشح 335، والأغانى 10/ 150و 151و 155و 157، وخزانة الأدب 2/ 392و 394، والرجز بتمامه فى الطرائف الأدبية 7157وعثرت بآخرة على ديوان أبى النجم، وهو فيه 175
(2) ديوان أبى نواس 438، وتفسير أرجوزه أبى نواس 10. الزّور: الاعوجاج. والصّعر: الميل.
(3) فى ف والمطبوعتين: «فأشبه».
(4) فى المطبوعتين: «فيما بعد إن شاء الله تعالى».
(6) لم أعثر على الأبيات فى المصادر، ولم أعرف قائلها.
(7) هزيم الودق: صوت المطر. أحوى: أسود.
(8) فى ص: «أورى».
أروى: أنثى الوعل، ويسمى به المرأة. أقوى: يقال: قوى الرجل إذا نفد زاده، وقوى المطر: احتبس.
(9) الكنود: كفر النعمة، أو الجحود، أو البخل.
(10) الذمول والذميل: السير اللين ما كان، أو فوق العنق. الجلنفعة من الإبل: الغليظة التامة الشديدة، أو الجسيمة، وهى الواسعة الجوف التامة. انظر القاموس واللسان.(1/341)
إذا عرضت هجول ... تقصّر ما يطول (1)
وهذا وزن ملتبس: يجوز أن يكون مقطوفا (2) من مربع الوافر، ويجوز أن يكون من المضارع مقبوضا مكفوفا، ذكره الجوهرى، وأنشد لبعض المحدثين (3):
[المضارع]
أشاقك طيف مامه ... بمكّة أم حمامه
أشاقك: مفاعل، وحقه فى أصل الوزن: مفاعيلن.
وقد رأيت جماعة يركبون المخمّسات، والمسمطات، ويكثرون منها، ولم أر متقدما حاذقا صنع شيئا منها لأنها دالة على عجز الشاعر، وقلّة قوافيه، وضيق عطنه، ما خلا امرأ القيس فى القصيدة التى نسبت إليه، وما أصححها (4)
له، وبشار بن برد، / فقد (5) كان يصنع المخمسات، والمزدوجات عبثا / واستهانة بالشعر، وبشر بن المعتمر، فقد أنشد الجاحظ له أول مزدوجة (6)، وصنع ابن المعتز قصيدة فى ذمّ الصبوح، وقصيدة فى سيرة المعتضد (7)، ركب فيها هذا الطريق، لما تقتضيه الألفاظ المختلفة الضرورية، ولمراده من التوسّع فى الكلام، والتّملّح بأنواع السجع.
__________
(1) الهجول جمع هجل بمعنى المطمئن من الأرض، ومن مادته الهوجل بمعنى المفازة البعيدة التى ليست بها أعلام، أو الأرض التى لا معالم بها، ومنه ناقة هوجل بمعنى السريعة الوساع. انظر القاموس واللسان فى [هجل].
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «مقطوعا»، وهو خطأ لأن القطع لا يدخل الوافر، وإنما يدخله القطف. ولا أدرى كيف مر هذا على محقق م دون تعليق.
(3) البيت دون نسبة فى عروض الورقة 63
(4) فى ص: «ولم أصححها»، وفى ف سقطت كلمة: «له».
(5) فى ف والمطبوعتين: «قد»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) تجد من هذه المزدوجة ثلاثة أبيات فى الحيوان 4/ 239، أولها:
يا عجبا والدهر ذو عجائب ... من شاهد وقلبه كالغائب
(7) تجد المزدوجتين فى ديوان ابن المعتز الجزء الثانى: فأرجوزة ذم الصّبوح فى 3730، وأرجوزة المعتضد فى 295(1/342)
وهذا الجنس موقوف على ابن وكيع، والأمير تميم بن المعز (1)، ومن ناسب طبعهما من أهل الفراغ، وأصحاب الرّخص.
وقد يقع لبعض الشعراء البيتان والثلاثة لها قافية واحدة، يجعلونها معاياة (2)، يتلافاها (3) العروضيون، كالأبيات التى تروى لابن دريد، وسترد فى مكانها من سوى هذا الباب إن شاء الله تعالى.
* * * __________
(1) هو تميم بن معد الذى لقبه المعز لدين الله ابن المنصور بن القائم المهدى، يكنى أبا على وأبوه هو الذى بنى القاهرة، وكان تميم فاضلا شاعرا، ولم يل المملكة، لأن ولاية العهد كانت لأخيه بسبب عدم دقته فى التزام سنن الخلفاء الفاطميين، تشبه فى الشعر بابن عمه ابن المعتز. ت 374هـ، أو غير ذلك.
اليتيمة 1/ 308و 452، والحلة السيراء 1/ 291، ووفيات الأعيان 1/ 301، وما فيه من مصادر، وحسن المحاضرة 1/ 560، ومقدمة ديوانه ط دار الكتب، والطبعة التى كتب عليها تحقيق محمد حسن الأعظمى وهى من مطبوعات دار الثقافة ببيروت.
فى ف وخ: «ابن المعتز»، وفى م كتب «ابن المعز» بين معقوفين دون ذكر السبب!
(2) المعاياة: أن تأتى بكلام لا يهتدى إليه.
(3) فى المطبوعتين: «فيتلاقفها»، واعتمدت ما فى ص وف وهو يوافق المغربيتين.(1/343)
باب فى الرجز والقصيد
قد خصّ الناس باسم الرجز المشطور، والمنهوك، وما جرى مجراهما، وباسم القصيد ما طالت أبياته، وليس كذلك لأن الرجز ثلاثة أنواع غير المشطور، والمنهوك، والمقطع: فالأول (1) منها نحو أرجوزة عبدة بن الطبيب (2) التى يقول فيها (3): [الرجز]
باكرنى بسحرة عواذلى ... وعذلهنّ خبل من الخبل (4)
يلمننى فى حاجة ذكرتها ... فى عصر أزمان ودهر قد نسل
والنوع الثانى نحو قول الآخر (5): [الرجز]
القلب منها مستريح سالم ... والقلب منّى جاهد مجهود
والنوع الثالث قول الآخر (6) [الرجز]
قد هاج قلبى منزل ... من أمّ عمرو مقفر
/ فهذه داخلة فى المقصّد (7)، وليس يمتنع أيضا أن يسمى ما كثرت بيوته من مشطور الرجز، ومنهوكه قصيدة لأن اشتقاق القصيدة (8) من «قصدت إلى الشئ» كأن الشاعر قصد إلى عملها على تلك الهيئة، والرجز أيضا مقصود إلى عمله كذلك.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «فأما الأول منها فنحو»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) هو عبدة بسكون الباء بن الطبيب يزيد بن عمرو بن وعلة، وهو من بنى عبشمس بن كعب بن تميم ويقال لعبشمس: قريش سعد لجمالهم، وهو مخضرم أدرك الإسلام فأسلم، وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز عام 13هـ، وله فى ذلك آثار مشهورة، وكان فى جيش النعمان ابن مقرن الذى حارب الفرس بالمدائن.
الشعر والشعراء 2/ 727، والأغانى 21/ 25وما بعدها، وسمط اللآلى 1/ 69
(3) سقط قوله: «التى يقول فيها» من المطبوعتين والمغربيتين.
(4) شعر عبدة بن الطبيب 86
(5) البيت دون نسبة فى العقد الفريد 5/ 459و 485والكافى فى العروض والقوافى 78 وصنعة الشعر 129
(6) البيت دون نسبة فى العقد الفريد 5/ 485، والكافى فى العروض والقوافى 78وصنعة الشعر 129
(7) فى ص «القصد»، وهو خطأ من الناسخ، والتصحيح من ف والمغربيتين، وفى المطبوعتين:
«القصيد»، وسيأتى بعد قوله: «ومن المقصّد».
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «القصيد».(1/344)
ومن المقصّد ما ليس برجز، وهم يسمونه رجزا لتصريع جميع أبياته، وذلك هو مشطور السريع، نحو قول الشاعر أنشدناه أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوى، عن أبى على الحسين بن إبراهيم الآمدى، عن ابن دريد، عن أبى حاتم السجستانى، عن أبى زيد الأنصارى (1): [السريع]
هل تعرف الدّار بأعلى ذى القور؟ ... غيّرها نأج الرّياح والمور (2)
ودرست غير رماد مكفور ... مكتئب اللون مريح ممطور (3)
وغير نؤى كبقايا الدّعثور ... أزمان عيناء سرور المسرور (4)
عيناء حوراء من العين الحور (5)
وأنشد أبو عبد الله لابن المعتز (6) بالله (7) [السريع]
ومقلة قد بات يبكيها ... فيض نجيع من مآقيها (8)
وكّلها طول تمنّيها ... بأنجم الليل تراعيها
/ ومهجة قد كاد يفنيها ... طول سقام ثابت فيها
وبرؤها فى كفّ مبليها ... كما ابتلاها فهو يشفيها
ليس لها من حبّها ناصر ... من ذا على الأحباب يعديها؟
وهذا عند الجوهرى من البسيط (9)، والذى أنشده أبو عبد الله على قول
__________
(1) النوادر 571، وفى الهامش نسبها المحقق إلى منظور بن مرثد الأسدى، وانظر التخريج فيه.
(2) القور: جمع قارة وهى جبيل صغير. النأج: هبوب الريح بشدة. المور. التراب [من النوادر]
(3) المكفور: المغطى. مريح: أصابته الريح. [من النوادر]
(4) النؤى: الحفر التى تكون حول الخباء. الدعثور: الموضع الذى يكون على استواء فيفسد ويزال عما كان عليه [من النوادر ما عدا النؤى].
(5) فى النوادر: «من العين الحير».
(6) ديوان ابن المعتز فى ملحق الديوان 2/ 473، نقلا عن العمدة.
(7) سقط قوله: «بالله» من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) النجيع: الدم، وقيل: هو دم الجوف خاصة، وقيل: هو الطرى منه، وقيل: هو الدم المصبوب [انظر اللسان]
(9) انظر عروض الورقة 12و 23(1/345)
الجوهرى هو من الرجز، جعل الجزء الآخر «مستفعيل (1)» مفروق فيه الوتد، فأسكن اللام لأن آخر البيت لا يكون متحركا، فخلفه / «مفعولات».
وأما منهوك المنسرح: [المنسرح]
صبرا بنى عبد الدّار (2)
فهو عند الجوهرى من الرجز (3)، ومثله: [المنسرح]
ويل أمّ سعد سعدا (4)
إلا أنه أقصر منه.
فعلى كل حال تسمى الأرجوزة قصيدة طالت أبياتها أو قصرت، ولا تسمى القصيدة أرجوزة، إلا أن تكون من أحد أنواع الرجز التى ذكرت، ولو كانت مصرعة الشطور كالذى قدمته، فالقصيد مطلق (5) على كل الرجز، وليس الرجز مطلقا على كل قصيد أشبه الرجز فى الشطر.
قال النحاس: القريض عند أهل اللغة العربية الشعر الذى ليس برجز يكون مشتقا من «قرض الشئ» أى: قطعه، كأنه قطع جنسا.
وقال أبو إسحاق: وهو مشتق من القرض، أى: القطع، والتفرقة بين الأشياء، كأنه ترك الرجز، وقطعه من شعره.
__________
(1) فى ف: «مستفعل»، وفى المطبوعتين: «مستفع لن»، وفى المغربيتين: «مستفعنل».
(2) هذا كانت تقوله هند بنت عتبة فى يوم أحد مع قول آخر، وتجد كل ذلك فى السيرة لابن هشام 43/ 68، وتاريخ الطبرى 2/ 512، والأغانى 15/ 190، وفى السيرة والطبرى «ويهّا بنى» وفى الأغانى: «إيّها بنى»، وانظره فى عروض الورقة 50وصنعة الشعر 145
(3) انظر عروض الورقة 12و 47و 48
(4) هذا قالته أم سعد بن معاذ عند ما مات من جراحة أصابته يوم الخندق، ومعه قول آخر تجده فى السيرة 43/ 252، وسير أعلام النبلاء 1/ 287، وفى السير 286: «ويل أمك سعدا»، وفى السيرة كتب فى الهامش: «كسرت اللام من «ويل» اتباعا لكسرة الميم فى «أم»، وانظره فى الكافى فى العروض والقوافى 104والعقد الفريد 5/ 490، وعروض الورقة 47وصنعة الشعر 146و 189 دون نسبة.
(5) فى المطبوعتين: «يطلق»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/346)
وكان أقصر ما صنع القدماء من الرجز ما كان على جزءين، نحو قول دريد بن الصمة (1) يوم هوازن: [الرجز]
يا ليتنى فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع (2)
حتى صنع بعض المتعقبين أظنه على بن يحيى (3)، أو يحيى بن على المنجم (4) أرجوزة على جزء واحد، وهى (5): [الرجز]
طيف ألم * بذى سلم * بعد العتم (6) * يطوى الأكم (7)
جاد بفم * وملتزم * فيه هضم (8) * إذا يضم
__________
(1) هو دريد بن الصمة من فخذ من جشم يقال لهم بنو غزيّة، ويكنى أبا قرة، كان أحد الشجعان المشهورين وذوى الرأى فى الجاهلية، أدرك الإسلام، ولم يسلم، وكان يظاهر المشركين يوم حنين، فقتل يومئذ على شركه.
الشعر والشعراء 2/ 749، والأغانى 10/ 3، ونوادر المخطوطات 2/ 223، والاشتقاق 292، والأمالى 2/ 271، وشرح ديوان الحماسة 1/ 139و 812، والمؤتلف والمختلف 114، وجمهرة أشعار العرب 466، ومسائل الانتقاد 105، وسيرة ابن هشام 43/ 437وما بعدها، وامتاع الأسماع 1/ 402،
(2) البيت أول بيتين فى الشعر والشعراء 2/ 750، والسيرة 43/ 439، والأغانى 10/ 31، وامتاع الأسماع 1/ 402، وتاريخ الطبرى 3/ 72، وفى 4/ 443، جاء البيت الأول كاستشهاد دون نسبة، والشطر الأول فى صنعة الشعر 130و 189
(3) هو على بن يحيى بن أبى منصور، يكنى أبا الحسن، كان نديما للمتوكل، ثم من بعده، وكان ذا فنون وعقليات وهذيان، وتوسع فى الأدبيات. مات سنة 275هـ.
الفهرست 160، وتاريخ بغداد 12/ 121، ومعجم الشعراء 141، ومعجم الأدباء 15/ 144، ووفيات الأعيان 3/ 373، وسير أعلام النبلاء 13/ 282وما فيه من مراجع، والسمط 1/ 525
(4) هو يحيى بن على بن أبى منصور، يكنى أبا أحمد، ويعرف بابن المنجم، كان من أدباء المعتزلة، نادم الموفق العباسى وعدة خلفاء، كان آخرهم المكتفى، وله حوادث ونوادر مع المعتضد، ولد ببغداد وتوفى بها عام 300هـ.
الفهرست 160، وتاريخ بغداد 14/ 230، ومعجم الشعراء 493، وسير أعلام النبلاء 13/ 405وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 6/ 198، ومعجم الأدباء 20/ 28
(5) الرجز حتى قوله: «جاد بفم» فى الخصائص 2/ 265وجاء مكان الرابع هنا «بين الخيم» دون نسبة، وجاء فى هامشه ما جاء فى العمدة وجاءت أربعة مقاطع فى اللسان فى [عتم] دون نسبة، وجاءت الأربعة فى جوهرة الكنز هامش 441، نقلا عن العمدة، والثلاثة التى فى الأول فى عروض الورقة 45
(6) فى الخصائص: «يسرى العتم بين الخيم»، وفى اللسان: «يسر عتم بين الخيم» وهو آخر ما فى اللسان.
(7) هذا ساقط من الخصائص، وآخر ما فيه: «جاد بفم».
(8) الهضم: خمص البطون ولطف الكشح، والهضيم من النساء: اللطيفة الكشحين. انظر اللسان.(1/347)
ويقال: إن أول من ابتدع ذلك سلم الخاسر، يقول فى قصيدة مدح بها الهادى: (1) [الرجز]
موسى المطر (2) * غيث بكر * ثمّ انهمر * ألوى المرر
كم اعتسر * ثمّ ايتسر * وكم قدر * ثمّ غفر
عدل السّير * باقى الأثر * خير وشر * / نفع وضر
خير البشر * فرع مضر * بدر بدر * والمفتخر
لمن غبر
والجوهرى يسمى هذا «المقطّع».
وقد رأى قوم أن مشطور الرجز ليس بشعر لقول النبى صلى الله عليه وسلّم:
هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت (3)؟
بكسر التاء، ورواية أخرى بسكونها وتحريك الياء بالفتح قبلها.
وليس هذا دليلا، وإنما الدليل فى قول النبى صلى الله عليه وسلّم عدم القصد والنيّة لأنه لم يقصد به الشعر، ولا نواه، فلذلك لا يعد شعرا، وإن كان كلاما متزنا، وإلا فالرّجّاز شعراء عند العرب، وفى متعارف اللسان، إلا أن / الليث (4) روى أنهم لما ردّوا على الخليل قوله: «إن المشطور ليس بشعر» قال: لأحتجن عليهم بحجة إن لم يقروا بها كفروا، قال: فعجبنا من قوله حتى سمعنا حجته.
__________
(1) فى الخصائص 2/ 265، من هذا الرجز ثلاثة مقاطع حتى: «ثم انهمر».
(2) فى الخصائص: «موسى القمر».
(3) البيت فى السيرة لابن هشام 21/ 476، وكتاب نسب قريش 324، وأنساب الأشراف 210والاستيعاب 4/ 1559، ونسب فى الجميع إلى الوليد بن الوليد بن المغيرة. والزهرة 2/ 844 والمجموع المغيث 1/ 737ونسب فيهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم
والبيت فى العقد الفريد 5/ 283، وقال المؤلف تعليقا عليه: «فهذا من المنثور الذى يوافق المنظوم، وإن لم يتعمد به قائله المنظوم، ومثل هذا من كلام الناس كثير يأخذه الوزن، مثل قول عبد مملوك لمواليه: اذهبوا بى إلى الطبيب، وقولوا قد اكتوى، ولا يسمى قول النبى صلى الله عليه وسلّم وإن كان موزونا شعرا:
لأنه لا يراد به الشعر»، ثم ضرب أمثلة أخرى للموزون من القرآن الكريم.
(4) هو الليث بن نصر بن سيار أو الليث بن المظفر بن نصر بن سيار أو يسار كان من أكتب الناس فى زمانه، وكان بارع الأدب، بصيرا بالنحو والشعر والغريب، وكان يكتب للبرامكة، ويقال: إنه ألف كتاب العين ونسبه إلى الخليل ليروج بين الناس.
طبقات ابن المعتز 96فى ترجمة الخليل بن أحمد، ومعجم الأدباء 17/ 43، وإنباه الرواة 3/ 42، وبغية الوعاة 2/ 270(1/348)
وقد رواه قوم «دميت» بإسكان الياء والتاء جميعا، ولا يكون حينئذ موزونا.
والراجز قلّما يقصّد، فإن جمعهما كان نهاية، نحو أبى النجم، فإنه كان يقصّد، وأما غيلان فإنه كان راجزا، ثم صار إلى التقصيد، وسئل عن ذلك فقال: رأيتنى لا أقع مع (1) هذين الرجلين على شئ، يعنى العجاج، وابنه رؤبة، وكان جرير، والفرزدق يرجزان، وكذلك عمر بن لجأ كان راجزا مقصّدا، ومثله حميد الأرقط (2)، والعمانى أيضا، وأقلهم رجزا الفرزدق.
وليس يمتنع الرجز على المقصّد امتناع القصيد على الراجز، ألا ترى أن كل مقصّد يستطيع أن يرجز، وإن صعب ذلك (3) عليه بعض الصعوبة، وليس كل راجز يستطيع أن يقصّد.
واسم الشاعر وإن عمّ المقصّد والراجز فهو بالمقصّد أعلق، وعليه أوقع، فقيل لهذا شاعر، ولذلك / راجز كأنه ليس بشاعر، كما يقال: خطيب، أو مرسل، أو نحو ذلك (4).
* * * __________
(1) فى المطبوعتين: «من هذين».
(2) هو حميد بن مالك بن ربعى ابن زيد مناة بن تميم، ولقب الأرقط لآثار كانت فى وجهه، وهو من رجاز الدولة الأموية، وكان معاصرا للحجاج، وكان بخيلا.
الاشتقاق 218، ومعجم الأدباء 11/ 13، وسمط اللآلى 2/ 649، وخزانة الأدب 5/ 395، وشرح أبيات مغنى اللبيب 4/ 85
(3) سقط قوله: «ذلك» من المطبوعتين والمغربيتين.
(4) انظر هذا القول والذى قبله فى البيان والتبيين 1/ 209و 4/ 84(1/349)
باب فى القطع والطوال
حدثنا الشيخ أبو محمد (1) عبد العزيز بن أبى سهل رحمه الله (2)
قال: سئل أبو عمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيل؟ قال (3): نعم، ليسمع منها، قيل: فهل كانت توجز؟ قال: نعم، ليحفظ عنها، قال: وقال الخليل بن أحمد: العرب (4) تطوّل الكلام وتكثّر لتفهم، وتوجز وتختصر ليحفظ، وتستحب الإطالة عند الإعذار، والإنذار، والترهيب، والترغيب، والإصلاح بين القبائل، كما فعل زهير، والحارث بن حلّزة، ومن شابههما (5)، وإلا فالقطع أطير فى بعض المواضع، والطوال للمواقف المشهورات.
وحكى (6) أن الفرزدق لما وقع بينه وبين جرير ما وقع، وحكم بينهما، قال بعض الحكام: الفرزدق أشعر لأنه أقواهما أسر كلام، وأجراهما فى أساليب الشعر، وأقدرهما على تطويل، وأحسنهما قطعا، فقدم بالقطع كما ترى.
وقال بعض العلماء: يحتاج الشاعر إلى القطع حاجته إلى الطوال، بل هو عند المحاضرات، والمنازعات، والتمثل، والملح أحوج إليها منه إلى الطوال، وقال أحد المجوّدين، وهو محمد بن حازم الباهلى (7):
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أبو عبد الله»، والصحيح ما فى ص وف، انظر ترجمته فى 181
(2) قوله: «رحمه الله» ساقط من ف، وفى المطبوعتين: «رحمه الله تعالى».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فقال».
(4) فى ف والمطبوعتين سقطت كلمة «العرب»، وفى الجميع: «يطول ويكثر ويوجز ويختصر».
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ومن شاكلهما».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ويحكى».
(7) هو محمد بن حازم بن عمرو الباهلى، يكنى أبا جعفر، ولد ونشأ فى البصرة، ثم سكن بغداد، وهو من الشعراء المطبوعين فى الدولة العباسية، إلا أنه كان كثير الهجاء، وكان يقول المقطعات فيحسن.
معجم الشعراء 371، والأغانى 14/ 92، والمحمدون من الشعراء 312، وطبقات ابن المعتز 307، والورقة 117، وتاريخ بغداد 2/ 295، والوافى بالوفيات 2/ 317(1/350)
[الوافر]
أبى لى أن أطيل المدح قصدى ... إلى المعنى وعلمى بالصّواب (1)
وإيجازى بمختصر قصير ... حذفت به الطويل من الجواب
وقيل لابن الزّبعرى: إنك تقصّر أشعارك، فقال (2): لأن القصار أولج فى المسامع، وأجول فى المحافل، وقال كرّة (3) أخرى: يكفيك فى (4) الشعر غرة لائحة، وسبّة فاضحة.
وقيل للجماز (5): لم لا تطوّل (6)؟ فقال: لحذقى (7) بالفصول، وحذفى / للفضول (7) وقال له (8) بعض المحدثين، وقد أنشده بيتين: ما تزيد على هذا البيت (9) والبيتين؟ قال (10): أردت أن أنشدك مذارعة؟ وهو القائل: (11)
[السريع]
أقول بيتا واحدا أكتفى ... بذكره من دون أبيات
__________
(1) البيتان فى معجم الشعراء 72، والأغانى 14/ 98أول ستة أبيات، وفى المحمدون من الشعراء 313، والوافى بالوفيات 4/ 317أول خمسة أبيات، وفى حلية المحاضرة 1/ 424أول ثلاثة أبيات، والأول جاء فى الرسالة الموضحة 125أول أربعة أبيات، وأول ثلاثة أبيات فى ثمار القلوب 466مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ.
(2) انظر هذا القول فى زهر الآداب 2/ 639و 640، والتمثيل والمحاضرة 186والمحاضرات 1/ 1/ 89ونسب إلى الحطيئة فى الأغانى 21/ 358باختلاف يسير.
(3) فى المطبوعتين فقط: «مرة أخرى».
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «من».
(5) هو محمد بن عمرو وقيل: ابن عبد الله بن عمرو بن حماد، يكنى أبا عبد الله، وهو بصرى صاحب مقطعات، وكان شاعرا مفلقا مفوها مطبوعا، وكان ماجنا خبيث اللسان. ت 250هـ
طبقات ابن المعتز 371، ومعجم الشعراء 374، وتاريخ بغداد 3/ 125، ووفيات الأعيان 7/ 70، والوافى بالوفيات 4/ 291، وجمع الجواهر 115، وزهر الآداب 1/ 163
(6) فى ف والمطبوعتين: «لم لا تطيل الشعر»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(77) ما بين الرقمين فى ف هكذا: «لحذفى الفضول، وحذقى بالفصول»، وفى المطبوعتين: «لحذفى الفصول». وفى مصادر ترجمته أشياء كثيرة من هذا القبيل.
(8) فى ف: «وقاله»، وهو خطأ من الناسخ.
(9) فى ف والمطبوعتين: «على البيت»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(10) فى ف والمطبوعتين: «فقال».
(11) البيت أول بيتين فى جمع الجواهر 5(1/351)
وقيل مثل ذلك لعقيل بن علّفة (1)، فقال: يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق (2).
وقال الجاحظ (3): قيل لأبى المهوّش (4): لم لا تطيل الهجاء؟
قال (5): لم أجد المثل السائر إلا بيتا واحدا (6).
هجا (7) محمد بن عبد الملك الزيات أحمد بن أبى دؤاد (8) بتسعين
__________
(1) هو عقيل بن علّفة بن الحارث بن معاوية ذبيانى، يكنى أبا العميس وأبا الجرباء، وكان أعرج جافيا، شديد الهوج والعجرفيّة، لا يرى أن له كفؤا، وله فى ذلك أخبار كثيرة، وهو شاعر مجيد مقل، من شعراء الدولة الأموية.
طبقات ابن سلام 2/ 718709، ومعجم الشعراء 164، والأغانى 12/ 254، وسمط اللآلى 1/ 185، والخزانة 4/ 481، وشرح أبيات مغنى اللبيب 6/ 137
(2) انظر البيان والتبيين 1/ 207، والحيوان 3/ 99، وعيون الأخبار 2/ 184، والشعر والشعراء 1/ 76 والمحاضرات 1/ 1/ 89، والعقد الفريد 5/ 296، وزهر الآداب 2/ 640، وجمع الجواهر 120، وفى الأغانى 21/ 358ونهاية الأرب 3/ 25، ومجمع الأمثال 1/ 348: «حسبك من». ونسب القول فى التمثيل والمحاضرة 186، إلى الجماز.
(3) البيان والتبيين 1/ 207، وانظر الشعر والشعراء 1/ 76، وجاء القول غير منسوب فى جمع الجواهر 120
(4) هو ربيعة بن رئاب، وقيل: حوط بن رئاب، وهو من المخضرمين الذين أدركوا النبى صلى الله عليه وسلّم، ولكنه لم يره.
الخزانة 6/ 379، وقيل فى نهاية التعريف به: «ولم أر له فى كتب تراجم الشعراء ذكرا».
(5) فى ف والمطبوعتين: «فقال»، وما فى ص يوافق البيان والتبيين، وما فى ف والمطبوعتين يوافق الشعر والشعراء وجمع الجواهر.
(6) ما هنا يوافق الشعر والشعراء، وجمع الجواهر، والذى فى البيان والتبيين: «لم أجد المثل النادر إلا بيتا واحدا، ولم أجد الشعر السائر إلا بيتا واحدا».
(7) فى المطبوعتين: «وهجا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(8) هو أحمد بن أبى دؤاد بن جرير وفى السير حريز بن مالك الإيادى، يكنى أبا عبد الله، كان رأس الفتنة فى القول بخلق القرآن، وكان شديد الدهاء محبا للخير، اتصل بالمأمون، وأخيه المعتصم الذى جعله قاضى قضاته، وكان الواثق يثق فيه ثقة تامة، وأصيب بالفالج فى أول عهد المتوكل، توفى ببغداد عام 240هـ.
تاريخ بغداد 4/ 141، والفهرست 212، ومروج الذهب 4/ 96، وثمار القلوب 206، والنجوم الزاهرة 2/ 302، ووفيات الأعيان 1/ 81، والشذرات 2/ 93، والوافى بالوفيات 7/ 281، وسير أعلام النبلاء 11/ 169(1/352)
بيتا، فقال ابن أبى دؤاد يخاطبه (1): [السريع]
أحسن من تسعين بيتا سدى ... جمعك معناهنّ فى بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تذهب عنه وضر الزّيت (2)
غير أن المطيل من الشعراء أهيب فى النفوس من الموجز وإن أجاد، على أن للموجز من فضل الاختصار ما لا ينكره (3) المطيل، ولكن إذا كان صاحب القصائد دون صاحب القطع بدرجة أو نحوها، وكان صاحب القطع لا يقدر على التطويل إن حاوله بتّة سوّى بينهما لفضل غير (4) المجهود على المجهود، فإنا لا نشك أن المطول إذا (5) شاء جرّد من قصيدته قطعة أبيات جيدة، ولا يقدر الآخر أن يمدّ من أبياته التى هى قطعة قصيدة.
ولام قوم الكميت على الإطالة، فقال: أنا على الإقصار أقدر (6)، هكذا جاءت الرواية.
ولا تكاد ترى مقطّعا إلا عاجزا عن التطويل، والمقصّد قد يعجز (7) أيضا عن الاختصار، ولكن الغالب والأكثر أن يكون قادرا على ما حاوله من ذلك، وبالعجز رمى الكميت.
وكان عبد الكريم بهذه الصفة، لا يكاد يصنع مقطوعا، ولا أظن فى جميع أشعاره خمس قطع / أو نحوها.
__________
(1) البيتان فى الأغانى 23/ 56، والعقد الفريد 3/ 194، ووفيات الأعيان 1/ 88و 5/ 98، والوافى بالوفيات 7/ 283، والخزانة 1/ 450، ونزهة الأبصار 502و 503، والأول وحده دون نسبة فى التمثيل والمحاضرة 188، وفى ديوان الوزير محمد بن عبد الملك الزيات 12نسب المحقق البيتين فى الهامش إلى أبى سعيد الفيشى ثمّ ذكر بعد ذلك أن الأغانى نسبهما إلى ابن أبى دؤاد!! وتجد اختلافا بين الجميع فى بعض الألفاظ.
(2) فى ف والمطبوعتين: «تغسل عنه»، وهى توافق بعض المصادر، وما فى ص يوافق المغربيتين والأغانى.
(3) فى المطبوعتين: «ما ينكره»، وفى ص: «ما لا يذكره»، واعتمدت ما فى ف لموافقته المغربيتين.
(4) سقطت كلمة «غير» من ص والمغربيتين.
(5) فى المطبوعتين فقط: «إن شاء».
(6) البيان والتبيين 1/ 207، وفيه: «أنا على القصار أقدر».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «والمقصد أيضا قد يعجز».(1/353)
وكان أبو تمام على جلالته وتقدمه مقصرا فى القطع عن رتبته فى القصائد.
والمشهورون بجودة القطع من المولّدين: بشّار بن برد، وعباس بن الأحنف، والحسين بن الضحاك، وأبو نواس، وأبو على البصير، وعلىّ بن الجهم، وابن المعذل، والجمّاز، وابن المعتز.
وكانوا يقولون فى زمان منصور الفقيه (1) وهو قريب من عصرنا هذا: إياكم ومنصورا إذا رمح (2) بالزّوج، وكان ربما هجا بالبيت الواحد.
ووصف عبد الكريم أبا الطيب، فزعم أنه أحسن الناس مقاطيع (3)، ولو قال: مقاطع (4) بلا ياء قلنا: صدقت، ولم نخالفه.
وقيل: إذا بلغت الأبيات سبعة فهى قصيدة ولهذا كان الإيطاء بعد سبعة أبيات (5) غير عيب (6) عند أحد من الناس، ومن الناس من لا يعد القصيدة إلا ما بلغ العشرة، أو جاوزها (7) ولو ببيت واحد، ويستحبون (8) أن تكون القصيدة وترا، وأن يتجاوز بها العقد، أو توقف دونه كل ذلك ليدلوا على قلّة الكلفة، وإلقاء البال بالشعر.
__________
(1) هو منصور بن إسماعيل بن عمر التميمى وفى زهر الآداب التيمى يكنى أبا الحسن، كان فقيها شافعيا، وكان شاعرا حلو المقطعات، إلا أنه كان خبيث الهجاء، وقد اتهم فى دينه، مات فى مصر سنة 306هـ
زهر الآداب 2/ 826، ونكت الهميان 297، ومعجم الأدباء 19/ 185، وسير أعلام النبلاء 14/ 238وما فيه من مصادر، وشذرات الذهب 2/ 249، ووفيات الأعيان 5/ 289
(2) يقصد «رفس» أو «طعن». كلاهما يؤدى الغرض. انظر اللسان.
(3) يبدو أن هذا كان يقوله فى مجالسه الأدبية لأنه ليس موجودا فى الممتع، والمقصود بالمقاطيع مقطوعات الشعر، فالكلمة جمع لجمع، والمقاطع: القوافى.
(4) سقطت كلمة «مقاطع» من م.
(5) سقطت كلمة «أبيات» من المطبوعتين والمغربيتين.
(6) فى ف والمطبوعتين: «معيب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) فى المطبوعتين: «وجاوزها» بحذف همزة «أو»، فصارت واوا.
(8) فى ف والمطبوعتين: «ويستحسنون»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/354)
وزعم الرواة (1) أن الشعر / كله إنما كان رجزا، وقطعا، وإنما (2) قصّد على عهد هاشم بن عبد مناف، وكان أول من قصّده مهلهل، وامرؤ القيس، وبينهما وبين مجئ الإسلام مائة ونيّف وخمسون سنة، ذكر ذلك الجمحى (3)
وغيره.
وأول من طوّل الرجز، وجعله كالقصيد (4) الأغلب العجلى شيئا يسيرا، وكان على عهد النبى صلى الله عليه وسلّم، ثم أتى العجّاج فافتنّ فيه، فالأغلب العجلى (5)، والعجاج فى الرجز كامرئ القيس، ومهلهل فى القصيد (4).
والشاعر إذا قطّع، وقصّد، ورجز فهو الكامل، وقد جمع ذلك كله الفرزدق، ومن المحدثين أبو نواس، / وكان ابن الرومى يقصّر (6) فيجيد، ويطيل فيأتى بكل إحسان، وربما تجاوز حتى يسرف، وخير الأمور أوساطها، وهو القائل (7): [الكامل]
وإذا امرؤ مدح امرءا لنواله ... وأطال فيه فقد أراد هجاءه (8)
لو لم يقدّر فيه بعد المستقى ... عند الورود لما أطال رشاءه
* * *
__________
(1) فى طبقات ابن سلام 1/ 26،: «ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل فى حاجته، وإنما قصدت» ومثله فى المزهر 2/ 474وانظر الأوائل 436
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «وأنه إنما»، وما فى ص يوافق الطبقات.
(3) الذى فى طبقات ابن سلام 1/ 39: «وكان أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة التغلبى فى قتل أخيه كليب وائل»، وليس فى الطبقات قول ابن رشيق: «وبينهما وبين مجىء الإسلام الخ».
(4) فى ص: «كالقصيدة». وانظر قول أبى عبيدة وغيره فى المزهر 2/ 484، فهو قريب مما هنا إن لم يكنه، وانظر الأوائل 436
(5) سقطت كلمة «العجلى» من ص.
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «يقصّد».
(7) ديوان ابن الرومى 1/ 111
(8) فى الديوان: «كل امرىء مدح»، وفى ف والمطبوعتين: «فأطال»، وهى مثل الديوان، وما فى ص والمغربيتين يوافق بعض مصادر الديوان.(1/355)
باب فى البديهة والارتجال
البديهة عند كثير من الموسومين بعلم هذه الصناعة فى بلدنا من (1) أهل عصرنا هى الارتجال، وليست به لأن البديهة فيها الفكرة والتأيّد، والارتجال ما كان انهمارا وتدفّقا، لا يتوقف فيه قائله، كالذى صنع الفرزدق، وقد دفع إليه سليمان بن عبد الملك أسيرا من الروم ليقتله، فدسّ إليه بعض بنى عبس سيفا كهاما (2)، فنبا (3) حين ضرب به، وضحك (4) سليمان، فقال الفرزدق ارتجالا فى مقامه ذلك يعتذر لنفسه، ويعيّر بنى عبس بنبوّ سيف ورقاء بن زهير (5) عن رأس خالد بن جعفر (6): [الطويل]
فإن يك سيف خان أو قدر أبى ... لتأخير نفس حينها غير شاهد (7)
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدى ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويقطعن أحيانا مناط القلائد (8)
__________
(1) فى ف: «ومن أهل»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أو من أهل».
(2) السيف الكهام: الذى لا يقطع. انظر اللسان فى [كهم]
(3) نبا: لم يقطع.
(4) فى المطبوعتين فقط: «فضحك».
(5) هو ورقاء بن زهير بن جذيمة من عبس، وقد أورد خبره ونسبه صاحب الأغانى.
المعارف 82، والأغانى 11/ 75، وجمهرة أنساب العرب 251، وانظر الخزانة 4/ 77 و 10/ 441، وأمالى المرتضى 1/ 211وما بعدها.
(6) هو خالد بن جعفر بن كلاب، وهو الذى قتل زهير بن جذيمه والد ورقاء.
المعارف 88، والأغانى 11/ 94، وجمهرة انساب العرب 284وما بعدها، وانظر الخزانه 4/ 77و 10/ 441، وأمالى المرتضى 1/ 211وما بعدها.
(7) ديوان الفرزدق 1/ 186، وانظر طبقات ابن سلام 1/ 364و 401، والأغانى 21/ 306 و 330، والذخيرة 4/ 1/ 36، وبدائع البدائه 328، وكفاية الطالب 43
وفى الديوان وص: «إن يك»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين والطبقات والأغانى وباقى المصادر لأنه خال من الخرم الذى يسمى هنا الثلم، وهو حذف أول الوتد المجموع فى صدر المصراع الأول، وهو قبيح.
(8) فى ص: «وتقطع أحيانا»، وهى صحيحة، ولكنى اعتمدت ما فى المصادر المذكورة، وفى الديوان «نياط القلائد». نبا السيف: تجافى عن الضريبة وارتفع، ولم يحك فيها. والظبات جمع ظبة:
وهى حد السيف والنصل والخنجر ومناط القلائد: الرقبة [من الطبقات 1/ 364بتصرف].(1/356)
ولو شئت قطّ السّيف ما بين أنفه ... إلى علق دون الشراسيف جاسد (1)
ثم جلس وهو يقول (2): [الطويل]
لا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم (3)
وكالذى يروى عن أبى الخطاب عمر بن عامر السعدى (4)، المعروف بأبى الأسد، وقد أنشد موسى الهادى شعرا مدحه به، يقول فيه: [البسيط]
يا خير من عقدت كفّاه حجزته ... وخير من قلّدته أمرها مضر (5)
/ فقال له موسى: إلا من / يا بائس؟ فقال واصلا كلامه، ولم يقطعه:
إلّا النبىّ رسول الله إنّ له ... فخرا وأنت بذاك الفخر تفتخر (6)
ففطن موسى ومن (7) معه بحضرته أن البيت مستدرك، ونظروا فى الصحيفة فلم يجدوه، فضاعف صلته.
وأعظم ارتجال وقع قصيدة الحارث بن حلّزة بين يدى عمرو بن هند، فإنه يقال: أتى بها كالخطبة، وكذلك قصيدة عبيد بن الأبرص.
__________
(1) قطّ السيف: قطع. العلق: الدم. الشراسيف جمع شرسوف وهو غضروف معلق بكل ضلع، وقيل أطراف أضلاع الصدر التى تشرف على البطن. والجاسد من كل شىء ما اشتد ويبس، ومنه الدم اليابس ومنه جسد به الدم إذا لصق به.
(2) ديوان الفرزدق 2/ 858، والأغانى 21/ 330وانظر البيت فى قصه طريفة فى أدب الدنيا والدين 2624
(3) فى ف والمطبوعتين: «ولا نقتل»، وما فى ص يوافق المغربيتين، وفى الديوان: «فلا نقتل».
(4) هو عمر أو عمرو بن عامر السعدى وفى بعض المصادر: «البهدلى التميمى»، وما فى العمدة يوافق جمع الجواهر وبدائع البدائه، يكنى أبا الخطاب، ويعرف بأبى الأسد وفى بدائع البدائه «ابن الأشد»، وكان موسى الهادى لا يأذن للشعراء فى أول عهده لأنه كان منهمكا بالشرب والقصف، مشغوفا بالسماع، حتى صنع أبو الخطاب رائيته فسمح الهادى بعدها للشعراء أن يدخلوا عليه.
طبقات ابن المعتز 132والورقة 64والفهرست 52، وجمع الجواهر 5، وبدائع البدائه 288
(5) البيت فى طبقات ابن المعتز 134، ضمن قصيدة طويلة. وفى جمع الجواهر 5، وربيع الأبرار 1/ 408و 409، وبدائع البدائه 288، وجوهر الكنز 440البيتان المذكوران هنا.
(6) فى طبقات ابن المعتز وربيع الأبرار: «إن له فضلا وأنت بذاك الفضل»، إلا أن فى ربيع الأبرار: «وأنت بهذا الفضل»، وما فى العمدة يوافق جمع الجواهر وبدائع البدائه.
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ومن بحضرته».(1/357)
وقيل: أفضل البديهة بديهة أمن وردت فى موضع خوف، فما ظنك بالارتجال وهو أسرع من البديهة.
وكان أبو نواس قوىّ البديهة والارتجال، لا يكاد ينقطع، ولا يروّى إلا فلته، وروى (1) أن الخصيب (2) قال له مرة يمازحه، وهما بالمسجد الجامع:
أنت غير مدافع فى الشعر، ولكنك لا تخطب، فقام من فوره يقول مرتجلا (3):
[الطويل]
منحتكم يا أهل مصر نصيحتى ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحيّة ... أكول لحيّات البلاد شروب
فإن يك باقى سحر فرعون فيكم ... فإنّ عصا موسى بكفّ خصيب (4)
ثم التفت إليه وقال: والله لا يأتى بمثلها خطيب مصقع، فكيف رأيت؟
فاعتذر إليه، وحلف إن كنت إلا مازحا.
وسمعت جماعة من العلماء يقولون: كان مسلم بن الوليد نظير أبى نواس، وفوقه عند قوم من أهل زمانه فى أشياء، إلا أن أبا نواس قهره بالبديهة والارتجال، مع تقبّض كان فى مسلم، وإظهار توقّر وتصنّع، وكان صاحب رويّة وفكرة، لا يبتده ولا يرتجل.
__________
(1) فى ف: «ويروى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «روى» بحذف الواو.
(2) هو الخصيب بن عبد الحميد العجمى ثمّ المزارى، أمير مصر، وهو دهقان من أهل المزار، شريف الآباء، وليس بابن صاحب نهر الخصيب، وكان رئيسا فى أرضه، فانتقل إلى بغداد، وصار كاتب مهرويه الرازى، ثم انتقل إلى الإمارة، وقد وفد أبو نواس على الخصيب فى حداثة سنة.
وكان من خبر هذا الشعر أن أهل مصر كانوا قد شنعوا على الخصيب لزيادة فى أسعارهم، وكان على شربه، وعنده أبو نواس، فوثب أبو نواس وقال: دعنى أيها الأمير أكلمهم، فقال: ذاك إليك، فخرج حتى وافى المسجد الجامع، وقد تواعد أن يجتمعوا فيه، فأنشد هذه الأبيات، ويقال: إنه ارتجلها على المنبر، فلما سمعها من اجتمع تفرقوا فلم يبق منهم أحد، وعاد إلى مجلس الخصيب، فأمر له بألف دينار، ولما استنشده الرشيد هذه الأبيات قال: ألا قلت: فباقى عصا موسى بكف خصيب؟ فقال له: وهذا يا أمير المؤمنين أحسن، ولكنه لم يقع لى. [هامش البيان والتبيين 3/ 31و 32بتصرف]، وانظر ديوان أبى نواس 484، والموشح 426، وأخبار أبى نواس ضمن كتاب الأغانى [ط الشعب] 29/ 10012 10014، وبدائع البدائه 333، وما فى بدائع البدائه يكاد يكون هو ما فى العمدة.
(3) ديوان أبى نواس 484، باختلاف فى الترتيب.
(4) فى الديوان: «فإن يك فيكم إفك فرعون باقيا».(1/358)
وكان أبو العتاهية فيما يقال أقدر الناس على ارتجال وبديهة لقرب مأخذه، وسهولة طريقه (1).
/ اجتمع (2) عدة من الشعراء فيهم أبو نواس، فشرب أحدهم ماء، ثم قال: أجيزوا: [مجزوء الرمل]
برد الماء وطابا (3)
فكلهم تلعثم، حتى طلع أبو العتاهية، فقال: فيم أنتم؟ فأنشدوه، فقال وما تروّى:
حبّذا الماء شرابا
فأتى بالقسيم رسلا شبيها بصاحبه، وذلك هو الذى أعوز القوم، لا وزن الكلام.
وصحب رفقة، فسمع زقاء الديوك بكرة (4)، فقال لرفيقه (5):
[مجزوء الرمل]
هل رأيت الصّبح لاحا؟
قال: نعم، قال:
وسمعت الدّيك صاحا؟
قال: نعم، قال:
إنّما بكّى على المغ ... ترّ بالدّنيا وناحا
فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر، فرواه، فما جرى هذا المجرى فهو الارتجال (6).
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «طريقته».
(2) انظر الخبر فى الحيوان 5/ 137، وبدائع البدائه 65، وكفاية الطالب 48، ومروج الذهب 3/ 327، وانظر هامش 486من ديوان أبى العتاهية، وانظره باختصار فى الصناعتين 50
(3) ديوان أبى العتاهية 486، وفيه: «عذب الماء».
وفى ف: «وطاب» [كذا]، وهذا أصل كلام الذى شرب الماء كما فى الحيوان 5/ 137
(4) سقطت كلمة «بكرة» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(5) لم أعثر على هذا فى الديوان، ولا فى مصادر الترجمة.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فهو ارتجال».(1/359)
وأما البديهة فبعد أن يفكر الشاعر يسيرا، ويكتب سريعا إن حضرت آلة، إلا أنه غير بطئ ولا متراخ، فإن أطال حتى يفرط، أو قام من مجلسه لم يعدّ بديها.
وقالوا (1): اجتمع الشعراء بباب الرشيد، فأذن لهم، فقال: من يجيز هذا القسيم وله حكمه؟ فقالوا: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:
[المجتث]
الملك لله وحده
/ فقال الجماز:
وللخليفة بعده
وللمحبّ إذا ما ... حبيبه بات عنده
فقال: أحسنت، وأتيت على ما فى نفسى (2)، وأمر له بعشرة آلاف درهم.!
ومن عجيب ما روى فى البديهة حكاية أبى تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبى يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندى (3)، فيلسوف العرب: [الكامل]
إقدام عمرو فى سماحة حاتم ... فى حلم أحنف فى ذكاء إياس (4)
فقال له الكندى: ما صنعت شيئا، شبهت ابن أمير المؤمنين، وولى عهد المسلمين بصعاليك العرب!! ومن هؤلاء الذين ذكرت؟ وما / قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيرا، وقال (5):
__________
(1) الخبر مع البيتين فى بدائع البدائه 79، وكفاية الطالب 48، وتجد البيتين دون ذكر الخبر أو القائل فى العقد الفريد 6/ 428
(2) فى ص: «على ما فى النفس»، وما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين يوافق بدائع البدائه.
(3) هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندى الأشعثى، يكنى أبا يوسف، من ولد الأشعث بن قيس أمير العرب، كان رأسا فى الفلسفة وحكمة الأوائل، ومنطق اليونانيين، والطب، والتنجيم، وله باع أطول فى الهندسة والموسيقى، وكان يقال له فيلسوف العرب، وكان متهما فى دينه بخيلا، ساقط المروءة، وله نظم جيد وبلاغة.
الفهرست 315، وسير أعلام النبلاء 12/ 337وما فيه من مصادر.
(4) ديوان أبى تمام 2/ 249وانظر ما قيل عن هذا البيت وما بعده فى الموازنة 3/ 1/ 81و 82
(5) ديوان أبى تمام 2/ 250، وأخبار أبى تمام 231، وبدائع البدائه 291، والذخيرة 4/ 1/ 37، وللخبر مع الشعر روايتان فى الموشح 500و 501، ووفيات الأعيان 2/ 15(1/360)
لا تنكروا ضربى له من دونه ... مثلا شرودا فى الندى والباس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس (1)
فهذا أيضا وما شاكله هو البديه (2)، وأعجب (3) ما كان البديه (2) من أبى تمام لأنه رجل مصنّع (4)، لا يحب أن يكون هذا فى طبعه.
وقد قيل: إن الكندى لما خرج أبو تمام قال: هذا الفتى قليل العمر لأنه ينحت من قلبه، وسيموت قريبا، فكان كذلك (5).
وقد كان أبو الطيب كثير البديهة والارتجال، إلا أن شعره فيهما نازل عن طبقته جدا، وهو لعمرى فى سعة من العذر إذ كانت البديهة كما قال فيها ابن الرومى (6): [البسيط]
نار الرّويّة نار جدّ منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح
وقد يفضّلها قوم لعاجلها ... لكنّه عاجل يمضى مع الرّيح (7)
وقال عبد الله بن المعتز (8): [الكامل]
والقول بعد الفكر يؤمن زيغه ... شتّان بين رويّة وبديه
ومن الشعراء من شعره فى البديهة (9) والروية سواء، وعند (10) الأمن
__________
(1) والمشكاة: كل كوة ليست بنافذة، ويقال: إنها بلغة الحبش. والنبراس: المصباح والسراج. انظر ذلك فى تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ} فى أى كتاب من كتب التفسير.
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «البديهة» فى المرتين.
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «وإن أعجب».
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «متصنع».
(5) انظر ما فى هذا المعنى فى الموشح 502، ووفيات الأعيان 2/ 15، والذخيرة 4/ 1/ 37
(6) ديوان ابن الرومى 2/ 567
(7) فى ف: «لكن عاجلها»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «قوم لسرعتها لكنها سرعة»، وما اعتمدته من ص يوافق الديوان.
(8) لم أجده فى ديوان ابن المعتز، وقد وجدته بنسبته إليه فى الذخيرة 4/ 1/ 38، وبدائع البدائه 9وفيه: «القول» بحذف الواو.
(9) فى ف: «فى الروية والبديه»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «فى رويته وبديهته».
(10) قوله: «وعند الأمن والخوف» ساقط من ص، وفى المطبوعتين: «عند» بحذف الواو التى قبلها، وما اعتمدته من ف يوافق المغربيتين.(1/361)
والخوف لقدرته، وسكون جأشه، وقوة غريزته، كهدبة بن الخشرم العذرى، وطرفة بن العبد (1) البكرى، ومرّة بن محكان السعدى (2)، إذ يقول وقد أمر مصعب بن الزبير رجلا من بنى أسد بقتله: (3) [الطويل]
بنى أسد إن تقتلونى تحاربوا ... تميما إذا الحرب العوان اشمعلّت (4)
ولست وإن كانت إلىّ حبيبة ... بباك على الدّنيا إذا ما تولّت
/ وهذا شعر لو روّى فيه صاحبه حولا كاملا على أمن ودعة، وفرط شهوة، أو شدة حميّة لما أتى به (5) فوق هذا.
وكذلك عبد يغوث بن صلاءة (6)، إذ يقول فى كلمة له (7)
طويلة (8):
__________
(1) فى ص: «ابن عبد»، وسقطت كلمة «البكرى» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(2) هو مرّة بن محكان الربيعى السعدى التميمى، يكنى أبا الأضياف، كان سيد بنى ربيع، وشهد موقعة الجفرة بين جيش عبد الملك بن مروان وجيش مصعب بن الزبير، وكان شاعرا مقلا، وبينه وبين الفرزدق مهاجاة، وقد أمر مصعب بن الزبير بقتله عام 70هـ.
الشعر والشعراء 2/ 686، ومعجم الشعراء 295، والأغانى 22/ 320وما بعدها، والاشتقاق 247، والأمالى [الذيل] 179، وسمط اللآلى [الذيل] 3/ 83، والخزانة 4/ 236
(3) البيتان فى الكامل 1/ 199، والعقد الفريد 6/ 270، وبدائع البدائه 327، والذخيرة 4/ 1/ 38، والخزانة 4/ 236، وكفاية الطالب 44
(4) الحرب العوان: التى يقع فيها القتال مرة بعد أخرى. واشمعلت: اشتدت.
(5) سقط قوله: «به» من المطبوعتين والمغربيتين.
(6) هو عبد يغوث بن صلاءة، وقيل: بل هو عبد يغوث بن عبد الحارث بن وقاص بن صلاءة.
كان شاعرا من شعراء الجاهلية، وهو من أهل بيت شعر معرق فى الجاهلية والإسلام، وكان فارسا سيدا لقومه، كما كان قائدهم فى يوم الكلاب الثانى، وفى ذلك اليوم أسر فقتل.
الأمالى 3/ 134130، والأغانى 16/ 328، والعقد الفريد 5/ 224فى يوم الكلاب الثانى، والاشتقاق 185و 401، والخزانة 2/ 202، وشرح أبيات مغنى اللبيب 5/ 139
(7) سقط قوله: «له» من المطبوعتين والمغربيتين.
(8) البيتان فى البيان والتبيين 2/ 267و 268، ضمن سبعة أبيات و 4/ 45ضمن خمسة أبيات، وفى العقد الفريد 3/ 396جاء البيت الأول فقط، وفى العقد الفريد 5/ 229و 230، والمفضليات 156و 157، والأغانى 16/ 337333، والأمالى 3/ 132، والخزانة 2/ 197 203جاء البيتان ضمن قصيدة طويلة، وفى شرح أبيات مغنى اللبيب 5/ 137ضمن سبعة أبيات، والبيتان فى الذخيرة 4/ 1/ 38، والثانى وحده فى الخزانة 1/ 413و 4/ 194، وفى الجميع تجد الأول بعد الثانى بعدة أبيات.(1/362)
[الطويل]
أقول وقد شدّوا لسانى بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا (1)
/ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... نداماى من نجران أن لا تلاقيا (2)
وكانوا قد (3) شدوا لسانه خوفا من الهجاء، فعاهدهم، فأطلقوه لينوح على نفسه، فصنع هذه القصيدة، وعرض عليهم فى فدائه ألف ناقة فأبوا إلا قتله، فقال (4):
فإن تقتلونى تقتلونى بخيركم ... وإن تطلقونى تحربونى بماليا (5)
وهذه شهامة عظيمة، وشدة (6)
ومن قول طرفة بن العبد لما أيقن بالموت (7): [الطويل]
أبا منذر كانت غرورا صحيفتى ... ولم أعطكم بالطوع مالى ولا عرضى (8)
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض (9)
__________
(1) فى العقد الفريد 3/ 396: «ألا يا آل تيم»، وفى العقد 5/ 229: «أطلقوا عن لسانيا» والنسعة بكسر النون: القطعة من النسع، وهو سير يضفر من جلد.
(2) عرضت: أتيت العروض بفتح العين وهى مكة والمدينة وما حولهما.
(3) سقطت «قد» من ف.
(4) البيت فى المفضليات 157، والأغانى 16/ 334، والخزانة 2/ 200، وفى الجميع:
«تقتلوا بى سيدا».
(5) تحربونى: تتركونى بلا مال.
(6) قال الجاحظ عن شعر عبد يغوث، وشعر طرفة الآتى: «وليس فى الأرض أعجب من طرفة ابن العبد، وعبد يغوث: وذلك أنا إذا قسنا جودة أشعارهما فى وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما فى حال الأمن والرفاهية». البيان والتبيين 2/ 268، والخزانة 2/ 203، وجاء مثل ذلك فى الحيوان 7/ 157، ولكنه أضاف إليهما فى الحكم هدبة بن الخشرم.
(7) ديوان طرفة 172و 173، مع اختلاف فى الترتيب.
(8) فى ص: «فلم أعطكم»، وفى ف والمغربيتين والديوان: «ولم أعطكم فى الطوع».
(9) حنانيك: أى تحنن علينا تحننا بعد تحنن.(1/363)
وأين هؤلاء من عبيد بن الأبرص وهو شيخ من شيوخ الصناعة (1)، ومقدم فى السّنّ على الجماعة إذ يقول له النعمان (2) يوم بؤسه: أنشدنى، فقال (3): حال الجريض دون القريض، قال: أنشدنى قولك (4):
[الشطر الأول من المنسرح والثانى من مخلع البسيط]
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيّات فالذّنوب
فقال: لا، ولكن (5):
[الشطر الأول من مخلع البسيط والثانى من الرجز]
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدى ولا يعيد
فبلغت به حال الجزع إلى مثل هذا القول، على أن فى بيتى طرفة بعض الضراعة (6).
وممن وجد نفسه عند إحاطة الموت به تميم بن جميل (7)، فإنه القائل بين
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وهو شيخ الصناعة»، وفى المغربيتين: «وأين من هؤلا عبيد» وهو يخلف المعنى.
(2) صاحب اليومين هو المنذر بن ماء السماء، وليس النعمان، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك فى «باب من رفعه الشعر ومن وضعه» ص 44وفى «باب المقلين من الشعراء والمغلبين» ص 159.
(3) هذا القول تجده فى الشعر والشعراء 1/ 268، والعقد الفريد 5/ 327، واللسان فى [جرض] والديوان 21، والأغانى 22/ 87، وكتاب الأمثال 319، والفاخر 250، وجمهرة الأمثال 1/ 359، وفصل المقال 444، ومجمع الأمثال 1/ 341
(4) ديوان عبيد بن الأبرص 23
وقد سبق ذكر البيت فى «باب فى الأوزان» ص 225، فالشطر الأول من المنسرح والثانى من مخلع البسيط، ولذلك قال بعضهم: إن هذه القصيدة خطبة ارتجلها، فاتزن له أكثرها، وقيل فى الموشح 23: ومن عيوب الشعر الرمل. والرمل عند العرب كل شعر ليس بمؤلف البناء، ولا يحدّون فيه شيئا إلا أنه عيب. وضرب المثل ببيت عبيد.
(5) ديوان عبيد بن الأبرص 21
وتلاحظ أن الشطر الأول هنا من مخلع البسيط، والثانى من المنسرح، انظر: التعليق السابق.
(6) فى ص: «بعض ضراعة».
(7) هو تميم بن جميل السدوسى، كان قد أقام على شاطىء الفرات، واجتمع إليه كثير من الأعراب، فعظم أمره، وبعد ذكره، فكتب المعتصم إلى مالك بن طوق فى النهوض إليه، فتبدد جمعه، وظفر به، فحمله موثقا إلى باب المعتصم.
زهر الآداب 2/ 784، والعقد الفريد 2/ 158، ونهاية الأرب 6/ 61، والعفو والاعتذار 2/ 563، والذخيرة 4/ 1/ 38، وبدائع البدائه 337(1/364)
يدى المعتصم، وقد قدّم السيف / والنطع لقتله (1): [الطويل]
أرى الموت بين السّيف والنطع كامنا ... يلاحظنى من حيث ما أتلفّت (2)
وأكثر ظنّى أنّك اليوم قاتلى ... وأىّ امرىء ممّا قضى الله يفلت؟ (3)
وأىّ امرىء يدلى بعذر وحجّة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت؟ (4)
يعزّ على الأوس بن تغلب موقف ... يهزّ علىّ السّيف فيه وأسكت (5)
فما حزنى أنّى أموت وإنّنى ... لأعلم أنّ الموت شئ مؤقّت (6)
ولكنّ خلفى صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتّت
كأنّى أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوّتوا
فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة ... أذود الرّدى عنهم وإن متّ موّتوا (7)
/ فكم قائل: لا أبعد الله داره ... وآخر جذلان يسرّ ويشمت (8)
فعفا عنه المعتصم، وأحسن إليه، وقلده عملا.
وعلى بن الجهم، وهو القائل، وقد صلب عريانا (9):
__________
(1) الأبيات فى العقد الفريد 2/ 159، ونهاية الأرب 6/ 62، والعفو والاعتذار 2/ 564، والذخيرة 4/ 1/ 39، وبدائع البدائه 338، وجاء منها سبعة أبيات فى زهر الآداب 2/ 784، والمختار من نوادر الأخبار 129127وجاءت الأبيات جميعها فى معجم البلدان فى [رحبة مالك بن طوق] على أنها بين مالك بن طوق والرشيد، وفى العفو والاعتذار بين تميم بن جميل والرشيد.
(2) فى ص: «من حيث لا أتلفت»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «بين النطع والسيف».
والنطع: بساط من جلد يجلس عليه من حكم عليه بالقتل. كامنا: مختبئا.
(3) فى الجميع ما عدا العفو والاعتذار ومعجم البلدان: «وأكبر ظنى»، وفى العفو والاعتذار:
«مما قضى الله مفلت».
(4) فى العقد ونهاية الأرب: «ومن ذا الذى يدلى»، وفى زهر الآداب: «وأى امرىء يأتى» ومصلت: قائم ومشهر.
(5) فى العقد والزهر ونهاية الأرب وبدائع البدائه: «يسلّ علىّ السيف».
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «وما حزنى»، وفى العقد والزهر ونهاية الأرب والعفو والاعتذار وبدائع البدائه: «وما جزعى من أن أموت»، وفى معجم البلدان: «وما بى خوف أن أموت».
(7) فى ف والمطبوعتين والذخيرة: «خافضين بنعمة».
(8) فى ف: «وكم قائل»، وفى العقد والزهر ونهاية الأرب والعفو والاعتذار وبدائع البدائه «فكم قائل لا يبعد الله» وفى البدائع «وكم».
(9) ديوان على بن الجهم 171و 172، وفيه ذكر للمصادر، وأنا أضيف إليها الذخيرة 4/ 1/ 40، وبدائع البدائه 338(1/365)
[الكامل]
لم ينصبوا بالشّاذياخ عشيّة ال ... إثنين مغلولا ولا مجهولا (1)
نصبوا بحمد الله ملء عيونهم ... حسنا وملء قلوبهم تبجيلا (2)
ما ضرّه أن بزّ عنه غطاؤه ... فالسّيف أهول ما يرى مسلولا (3)
وهذا من جزل الكلام، لا سيما فى مثل ذلك المقام، وكان علىّ من الفضلاء علما بالشعر وصناعة له.
حكى عن على بن يحيى أنه قال: كنت عند المتوكل إذ أتاه رسول برأس إسحاق بن إسماعيل، فقام على بن الجهم يخطر بين يديه، ويقول (4):
[الرجز]
أهلا وسهلا بك من رسول ... جئت بما يشفى من الغليل
برأس إسحاق بن إسماعيل
فقال المتوكل: قوموا التقطوا هذا الجوهر / لا يضيع.
والشاعر الحاذق المبرز إذا صنع البديهة (5) قنع منه بالعفو الهينّ (6)، والنزر التافه لما فيها من المشقة، وهو فى الارتجال أعذر.
واشتقاق البديهة من «بده» بمعنى «بدأ»، أبدلت الهمزة هاء، كما أبدلت فى أشياء كثيرة لقربها منها، فقد قالوا «مدح» (7) و «مده»، و «لهنّك تفعل كذا» بمعنى «لأنك»، ومثل ذلك كثير.
__________
(1) فى الديوان: «صبيحة الاثنين مغمورا». والشاذياخ: مكان فى خراسان. والمغلول: غير معروف النسب.
(2) فى ف: «نصبوا لحمد الله»، وفى الديوان: «ملء عيونهم شرفا».
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «بزّ عنه لباسه»، وفى الديوان: «ما عابه أن بزّ عنه لباسه».
(4) ديوان على بن الجهم 174، وبدائع البدائه 341، وقول المتوكل بعد الرجز تجده أيضا فى بدائع البدائه.
(5) فى م: «إذا صنع على البديهة» وكتبت كلمة «على» بين معقوفين، دون ذكر السبب!!
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بالعفو اللين».
(7) فى م كتب المحقق رحمه الله فى الهامش: «ليس فى المثال الأول تقارض بين الهاء والهمزة، وإنما غرض المؤلف إثبات ذلك، والأمثلة فى العربية كثيرة، فقد قالوا فى حرف الاستفهام:
«أهل» كما قالوا: «هل»، وقالوا: «أيا» و «هيا» فى «النداء».(1/366)
والارتجال مأخوذ من السهولة والانصباب، ومنه قيل: شعر رجل، إذا كان سبطا مسترسلا غير جعد، وقيل: هو من ارتجال البئر، وهو أن تنزلها برجليك من غير حبل.
* * *
باب فى أدب (1) الشاعر(1/367)
* * *
باب فى أدب (1) الشاعر
من حكم الشاعر أن يكون حلو الشمائل، حسن الأخلاق، طلق الوجه، بعيد الغور، مأمون الجانب، سهل الناحية، وطئ الأكناف فإن ذلك مما يحببه إلى الناس، ويزينه فى عيونهم، ويقربه من قلوبهم.
وليكن مع ذلك شريف النفس، لطيف الحس، عزوب (2) الهمة، نظيف البزّة، أنفا لتهابه العامة، ويدخل فى جملة الخاصة، فلا تمجه أبصارهم، سمح اليد (3)، وإلا فهو كما قال ابن أبى فنن واسمه أحمد (4):
[الطويل]
وإنّ أحقّ الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرّجال ويبخل (5)
وإلى هذا المعنى (6) ذهب الطائى بقوله (7):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «آداب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى ف: «عروق»، وفى م والمغربيتين: «عزوف»، وما فى ص وخ أوفق لأنه بمعنى «بعيد الهمة» وهو المطلوب، أما «عزف» ومشتقاتها فمعناها «ترك، وعاف»، والعزوف: «الذى لا يكاد يثبت على خلّة». انظر اللسان فى المادتين.
(3) اختصر ابن الأثير القول فى الفقرتين، ونقله إلى كتابه كفاية الطالب 37مع قول ابن أبى فنن، تحت ذات العنوان.
(4) هو أحمد بن صالح بن أبى معشر، وكنية صالح أبو فنن، مولى المنصور، وقيل: مولى الربيع بن يونس، وكان أسود اللون، وبلغ سنا عالية، وكان شاعرا مفلقا مطبوعا، وكان لا يستميح أحدا توفى بين الستين والسبعين ومائتين.
تاريخ بغداد 4/ 202، وطبقات ابن المعتز 396، والموشح 531، وفوات الوفيات 1/ 70، والوافى 6/ 423
(5) البيت جاء منفردا وبنسبته إلى أحمد بن أبى فنن فى زهر الآداب 2/ 641، وفيه: «باللؤم شاعر على البخل اللئام»، وبهجة المجالس 1/ 629والتمثيل والمحاضرة 187، وكفاية الطالب 37، وجاء ثالث ثلاثة أبيات فى ترجمة أحمد بن أبى فنن فى الوافى بالوفيات 6/ 423، وجاء منفردا غير منسوب فى وفيات الأعيان 1/ 400، واليتيمة 1/ 135ونزهة الأبصار 505
(6) سقطت كلمة «المعنى» من ص.
(7) ديوان أبى تمام 4/ 391(1/368)
[الكامل]
أألوم من بخلت يداه وأغتدى ... للبخل تربا، ساء ذاك صنيعا؟!!
والشاعر مأخوذ بكل علم، مطلوب بكل مكرمة لاتّساع الشعر، واحتماله كل ما حمّل: من نحو، ولغة، وفقه، وخبر، وحساب، وفريضة، واحتياج أكثر هذه العلوم إلى شهادته، وهو مكتف / بذاته، مستغن عما سواه / ولأنه قيد للأخبار، وتجديد للآثار، وصاحبه الذى يذمّ، ويحمد، ويهجو، ويمدح، ويعرف ما يأتى الناس من محاسن الأشياء، وما يذرونه، فهو على نفسه شاهد، وبحجته مأخوذ.
وليأخذ نفسه بحفظ الشعر والخبر، ومعرفة النسب، وأيام العرب ليستعمل بعض ذلك فيما يريده من ذكره الآثار، وضرب الأمثال، وليعلق بنفسه بعد (1) أنفاسهم، ويقوى طبعه (2) بقوة طباعهم.
فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر، ومعرفة الأخبار، والتلمذة لمن (3) فوقه من الشعراء، فيقولون: «فلان شاعر راوية»، يريدون أنه إذا كان راوية عرف المقاصد، وسهل عليه مأخذ اللفظ (4)، ولم يضق به المذهب، وإذا كان مطبوعا لا علم له ولا رواية ضلّ واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلب المعنى فلم يصل إليه، وهو ماثل بين يديه لضعف آلته، كالمقعد يجد فى نفسه القوة على النهوض فلا تعينه الآلة.
وقد سئل رؤبة بن العجاج عن الفحل من الشعراء، فقال: هو الراوية، يريد أنه إذا روى استفحل (5).
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «بعض».
(2) سقطت كلمة «طبعه» من م.
(3) فى المطبوعتين فقط «بمن فوقه»، وفى هامش م كتب المحقق: «كذا فى عامة الأصول، وأفضل من هذا والتلمذة لمن فوقه الخ»، وهذا يدل على أنه لم يطلع على إحدى المخطوطتين، حتى المصرية!!
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مأخذ الكلام».
(5) انظر قول رؤبة فى البيان والتبيين 2/ 9، وفيه: «الفحولة هم الرواة»، وفى الهامش نقل المحقق عن نسخة أخرى التفسير وهو: «يريد الذين يروون شعر غيرهم فيكثر تصرفهم فى الشعر، ويقوون على القول».(1/369)
قال يونس بن حبيب: وإنما ذلك لأنه يجمع إلى جيد شعره معرفة جيّد غيره، فلا يحمل نفسه إلا على بصيرة.
وقال رؤبة فى صفة شاعر (1): [الرجز]
لقد خشيت أن تكون ساحرا ... راوية مرّا ومرّا شاعرا
فاستعظم حاله، حتى قرنها بالسحر (2).
وقال الأصمعى: لا يصير الشاعر فى قريض الشعر فحلا حتى يروى أشعار العرب، ويسمع الأخبار، ويعرف المعانى، وتدور فى مسامعه الألفاظ، وأول ذلك أن / يعلم العروض ليكون ميزانا له على قوله، والنحو ليصلح به لسانه، ويقيم (3) به إعرابه، والنسب وأيام الناس ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب وذكرها (4) بمدح أو ذم.
وقد كان الفرزدق على فضله فى هذه الصناعة يروى للحطيئة كثيرا، وكان الحطيئة راوية زهير، وكان زهير راوية أوس بن حجر وطفيل الغنوى جميعا، وكان امرؤ القيس راوية أبى دؤاد الإيادى، مع فضل نحيزة (5)، وقوة غريزة، ولا بد بعد ذلك أن يلوذ به فى شعره، ويتوكأ عليه كثيرا، وقد نزل أعشى بنى قيس بن ثعلبة بين يدى النابغة بسوق عكاظ، وأنشده، فقدمه، وأنشد حسان ابن ثابت، ولبيد بن ربيعة، فما عابهم ذلك، ولا غضّ منهم، وكان كثيّر راوية جميل، ومفضّلا له، إذا استنشد لنفسه بدأ بجميل، ثم أنشد ما يراد منه، ولم
__________
(1) سبق تخريج الرجز فى «باب فى فضل الشعر» ص 21
(2) انظر هذا القول وما قبله فى كفاية الطالب بتحقيقنا فى باب أدب الشاعر.
(3) فى ص: «ويفهم»، وفى المطبوعتين: «وليقيم»، واعتمدت ما فى ف.
(4) فى ص: «ويذكرهما»، وفى المغربيتين: «وذكرهما».
وانظر فى مثل قول الأصمعى ما ذكره ابن قتيبة فى الشعر والشعراء 1/ 82، وفيه يقول: «وكل علم محتاج إلى السماع، وأحوجه إلى ذلك علم الدين، ثم الشعر لما فيه من الألفاظ الغريبة، واللغات المختلفة، والكلام الوحشى».
(5) فى كفاية الطالب: «مع فضل نحيزته، وقوة غريزته».
والنحيزة: الطبيعة [انظر اللسان](1/370)
يكن بدون الفرزدق وجرير (1)، بل يقدم عليهما عند جميع / أهل الحجاز (2)، وكان أبو حية النميرى واسمه الهيثم بن الربيع، وهو من أحسن الناس شعرا، وأنظفهم كلاما مؤتمّا بالفرزدق، آخذا عنه، كثير التعصب له والرواية عنه.
ولا (3) يستغنى المولّد عن تصفح أشعار المولّدين لما فيها من حلاوة اللفظ، وقرب المأخذ، وإشارات الملح، ووجوه البديع الذى مثله فى شعر المتقدمين قليل، وإن كانوا هم فتحوا بابه، وفتقوا جلبابه، وللمتعقّب زيادات وافتنان، لا على أن تكون عمدة الشاعر مطالعة ما ذكرته آخر كلامى هذا دون ما قدّمته، فإنه متى فعل ذلك لم يكن فيه من المنّة (4) وفضل القوة ما يبلغ به طاقة من تبع فيجاريه (5)، وإذا أعانته فصاحة المتقدم، وحلاوة المتأخر اشتد ساعده، وبعد مرماه، فلم يقع / دون الغرض، وعسى أن يكون أرشق سهاما، وأحسن موقعا ممّن لو عوّل عليه من المحدثين لقصّر عنه، ووقع دونه، وليجعل طلبه أولا للسلامة، فإذا صحّت له طلب التجويد حينئذ، وليرغب (6) فى الحلاوة والطلاوة كرغبته (7) فى الجزالة والفخامة، وليجتنب السوقىّ القريب، والحوشىّ الغريب حتى يكون شعره حالا بين حالين، كما قال بعض الشعراء (8): [الطويل]
عليك بأوساط الأمور فإنّها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولم يكن بدون جرير والفرزدق».
(2) حتى هنا من هذا القول نقله ابن الأثير فى كفاية الطالب فى باب أدب الشاعر مع تقديم وتأخير واختصار بالحذف 38
(3) من هنا إلى قوله: «ووجوه البديع» نقله ابن الأثير فى كفاية الطالب 38
(4) فى المطبوعتين: «المتانة»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
والمنة: القوة. انظر اللسان فى [منّ].
(5) فى المطبوعتين: «من تبع جادته».
(6) من هنا حتى بيت الشعر نقله ابن الأثير فى كفاية الطالب 40باختلاف يسير، وانظر معنى هذا القول وبيت الشعر فى البيان والتبيين 1/ 255
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «رغبته».
(8) البيت دون نسبة فى البيان والتبيين 1/ 255، والتمثيل والمحاضرة 429، وفصل المقال 317، وجاء فى بهجة المجالس 1/ 218دون نسبة، وفى هامشه ذكر المحقق رحمه الله أنه لأبى عيينة المهلبى [كذا]، ولا أدرى من أين أتى بهذه النسبة، وجاء دون نسبة فى أدب الدنيا والدين 107وخاص الخاص 18وكفاية الطالب 40(1/371)
وأول (1) ما يحتاج إليه الشاعر بعد الجدّ الذى هو الغاية، وفيه وحده الكفاية حسن التأتّى والسياسة، وعلم مقاصد القول، فإن نسب ذلّ وخضع، وإن مدح أطرى وأسمع، وإن هجا أقلّ (2) وأوجع، وإن فخر جبّ (3) ووضع، وإن عاتب خفض ورفع، وإن استعطف حنّ ورجّع، ولتكن (4) غايته معرفة أغراض المخاطب كائنا من كان ليدخل إليه من بابه، ويداخله فى ثيابه، فذلك هو سرّ صناعة الشعر، ومغزاه الذى به تفاوت الناس، وفيه (5) تفاضلوا، وقد قيل: «لكل مقام مقال» (6).
شعر (7) الشاعر لنفسه وفى مراده وأمور ذاته من مزح، وغزل، ومكاتبة، ومجون، وخمرية، وما أشبه ذلك غير شعره فى قصائد الحفل التى يقوم بها بين السماطين، يقبل منه فى تلك الطرائق عفو كلامه، وما لم يتكلف له، ولا ألقى به بالا، ولا يقبل منه فى هذه إلا ما كان محكّكا، معاودا فيه النظر جيدا، لاغث فيه، ولا ساقط، ولا قلق، وشعره للأمير والقائد غير شعره للوزير والكاتب، ومخاطبته للقضاة والفقهاء بخلاف ما تقدم من هذه الأنواع، وسيأتى هذا فى موضعه من الكتاب (8) / مفصلا إن شاء الله تعالى.
والمتأخر من الشعراء فى الزمان لا يضره تأخره إذا أجاد، كما لا ينفع المتقدم تقدّمه إذا قصّر، وإن كان له / فضل السّبق فعليه درك التقصير، كما أن للمتأخر فضل الإجادة، أو الزيادة.
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فأول».
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «أخل»، وفى هامش خ «ن أقل» إشارة إلى أنه فى نسخة «أقل»، وفى هامش م: «فى نسخة «أقل»، ولعلها أحسن!!.
(3) فى المطبوعتين: «خبّ»، والصحيح ما فى ص وف.
والجبّ: القطع.
(4) فى خ: «ولكن»، وفى هامش م كتب المحقق: «فى المطبوعات «ولكن».
(5) فى المطبوعتين: «وبه تفاضلوا».
(6) انظر هذا القول فى الفاخر 314، وفى خ: «لكل مقام مثال»، وفى هامش م كتب المحقق تعليقا على «لكل مقام مقال»: «كذا فى التونسية، وهو المعروف، وفى المصريتين «لكل مقام مثال».
(7) فى ف والمطبوعتين: «وشعر»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من هذا الكتاب».(1/372)
ولا يكون الشاعر حاذقا مجوّدا حتى يتفقد شعره، ويعيد فيه نظره، فيسقط رديّه، ويثبت جيده، ويكون سمحا بالركيك منه، مطّرحا له، راغبا عنه فإن بيتا جيدا مقام ألفى بيت ردئ (1).
وقال امرؤ القيس، وهو أول ما زعموا (2) أنه اختير (3) له، وعلم به أنه يكون أفضل الشعراء والمقدّم عليهم (4): [المتقارب]
أذود القوافى عنّى ذيادا ... ذياد غلام جرىء جرادا (5)
فلمّا كثرن وعنّينه ... تخيّر منهنّ شتّى جيادا (6)
فأعزل مرجانها جانبا ... وآخذ من درّها المستجادا
هكذا فى أكثر النسخ، وفى بعضها «حرادا» بالحاء مكسورة غير معجمة، و «شتى جيادا» بالشين معجمة مفتوحة غير منونة التاء.
فإذا كان أشعر الشعراء يصنع هذا (7)، ويحكيه عن نفسه، فكيف ينبغى لغيره أن يصنع!!
وزعم ابن الكلبى أنه امرؤ القيس بن بكر بن امرئ القيس بن الحارث بن معاوية الكندى (8)، وروى «سفىّ» فى موضع «جرئ»، والسفى: السفيه
__________
(1) فى ف: «ألف ردى»، وفى المطبوعتين: «يقاوم ألفى ردىء»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين: «من زعموا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «اختبر» بالموحدة التحتية.
(4) ديوان امرىء القيس 248مع اختلاف فى الترتيب، ونسبت الأبيات فى المؤتلف والمختلف 6، وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف 430، وما بعدها إلى امرىء القيس بن بكر الكندى الذى قيل له الذائد بسببها.
(5) فى الديوان: «غلام جرىء جوادا» وفى المؤتلف وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف 431: «غلام غوى».
(6) فى ف: «ستا» وفى الديوان: «سرا جيادا» وفى المؤتلف وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: «وأعييننى تنقيت منهن عشرا».
(7) فى ص: «هكذا».
(8) هو امرؤ القيس بن بكر بن امرىء القيس الكندى، شاعر جاهلى ويقال له الذائد بسبب الأبيات المذكورة، ومن ولده إياس بن شراحيل الذى وفد على الرسول صلى الله عليه وسلّم.
المؤتلف والمختلف 6وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف 430(1/373)
والخفيف أيضا، وإليه يرجع اشتقاقه، وزعم غير ابن الكلبى أن الأبيات لامرئ القيس بن عابس (1) الكندى.
ويقال: إن أبا نواس كان يفعل هذا الفعل، فينفى الدنىّ، ويبقى الجيد، وليلتمس له من الكلام ما سهل، ومن القصد ما عدل، ومن المعنى ما كان واضحا جليّا، يعرف بديّا، فقد قال بعض المتقدمين: شرّ الشعر ما سئل / عن معناه.
وكان الحطيئة يقول (2): خير الشعر الحولىّ المحكّك، أخذ فى ذلك بمذهب زهير، وأوس، وطفيل.
ولا يجوز للشاعر كما لا يجوز لغيره أن يكون معجبا بنفسه، مثنيا على شعره، وإن كان جيدا فى ذاته، حسنا عند سامعه، فكيف إن كان دون ما يظن!! كقوم أفردوا لذلك أنفسهم، وأفنوا فيه أعمارهم، وما يحصلون على طائل، وقد قال الله عز وجل: {فَلََا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}، [سورة النجم: 32] اللهم إلا أن يريد الشاعر ترغيب الممدوح، أو ترهيبه، فيثنى على نفسه، ويذكر فضل قصيدته، فقد جعلوه مجازا مسامحا فيه، كالذى يعرض لكثير من الشعراء فى أشعارهم من مدح قصائدهم، على أن أبا تمام يقول (3): [الكامل]
ويسىء بالإحسان ظنّا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون (4)
وإن كان أوصف الناس لقصيده، وأكثرهم ولوعا بذلك.
وهذا مادام شعرا كان محمولا على ما قدمناه، وإنما المكروه المعيب أن يكون
__________
(1) هو امرؤ القيس بن عابس بن المنذر بن السمط الكندى، شاعر مخضرم، ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يرتد فى أيام أبى بكر، وأقام على الإسلام، وكان له عناء فى الردة، وقد أخذ الكميت بعض أشعاره، ولم يغير فيها إلا القافية.
الشعر والشعراء 2/ 581، والمؤتلف والمختلف 5، والاشتقاق 370، وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف 429وما بعدها، والخزانة 1/ 335
(2) هذا القول بنسبته فى البيان والتبيين 3/ 13، والشعر والشعراء 1/ 78، وهو دون نسبة فى عيون الأخبار 2/ 182
(3) ديوان أبى تمام 3/ 331وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 3/ 2/ 683
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين جاء الشطر الثانى هكذا: «يأتيك وهو بشعره مفتون»، وما فى ص وف يوافق الديوان.(1/374)
ذلك منثورا، أو تأليفا مسطورا، كالذى فعل الناشئ أبو العباس فى أشياء من شعره، وذكرها فى كتابه الموسوم ب «تفضيل الشعر»، فشكرها، ونوه بها (1)، ونبّه عليها، وفضلها على أشعار / الفحول، مثل جرير، وغيره، منها قول جرير (2): [البسيط]
إنّ العيون الّتى فى طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللبّ حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا (3)
وزعم بعد إقامة ما حسبه برهانا أن قوله: [البسيط]
لا شئ أعجب من جفنيك إنّهما ... لا يضعفان القوى إلّا إذا ضعفا (4)
خير منه، وأسلم من الاعتراض، وأكثر اختصارا (5).
ويجب على الشاعر أن يتواضع لمن دونه، ويعرف حقّ من فوقه من الشعراء، فإن أمرأ القيس (6) وكان شديد الظّنّة فى الشعر (7)، كثير المنازعة لأهله، مدلّا فيه بنفسه، واثقا بقدرته لقى التوأم اليشكرى (8) واسمه الحارث ابن قتادة فقال له: إن كنت شاعرا فملّط (9) أنصاف ما أقول فأجزها، قال:
__________
(1) فى م كتب المحقق كلمة «بها» بين معقوفين، دلالة على أنها من زياداته، ولم يشر إلى السبب فى ذلك، مع أن نسخة خ التى هى الأصل لنسخته لم تفعل ذلك!!
(2) ديوان جرير 1/ 163وانظر ما قيل عنهما فى حلية المحاضرة 1/ 377
(3) فى الديوان: «حتى لا صراع به»، وفى المطبوعتين: «خلق الله إنسانا».
(4) البيت فى ديوان المعانى 1/ 235بنسبته إلى الناشئ، وفيه: «أعجب فى جفنيه»،
وجاء فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 121دون نسبة، ولكن المحققين نسباه إلى الناشئ عن طريق العمدة. وفى المطبوعتين فقط: «أعجب من عينيك».
(5) قيل فى توضيح ذلك فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 121: «فقال [يقصد جريرا] فى طرفها، فأضاف الجمع إلى الواحد، والطرف هو العين، فكأنه قال: إن العيون التى فى عينها مرض، وقال قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا، فجاء بما ليس فى العادات من الإحياء بعد القتل».
(6) فى ص: «فإن امرؤا القيس» [كذا].
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فى شعره»، وما فى ص وف هو الأوفق للسياق.
(8) هو الحارث بن قتادة بن التوأم كما فى الاشتقاق أو الحارث بن الشؤم [كذا] اليشكرى كما فى معجم البلدان وهو الذى كان يناقض امرأ القيس، ويتعرض له، وكان امرؤ القيس مر بآل يشكر فاستنشدهم فأنشدوه، فقال: عجبت كيف لا تحترق بيوتكم عليكم نارا، فسمّوا بنى النار.
الاشتقاق 342، ومعجم البلدان فى [أضاخ].
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فملط لى».(1/375)
نعم، فقال امرؤ القيس (1): [الوافر]
أحار ترى بريقا هبّ وهنا (2)
فقال التوأم:
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس:
أرقت له ونام أبو شريح (3)
فقال التوأم:
إذا ما قلت قد هدأ استطارا (4)
فقال امرؤ القيس:
كأنّ هزيزه بوراء غيب (5)
فقال التوأم:
عشار ولّه لاقت عشارا (6)
__________
والتمليط: أن يقول واحد نصف بيت، ويكمله الآخر، انظر القاموس واللسان فى [ملط].
(1) ديوان امرىء القيس 147، وفيه كما فى العمدة أن التمليط كان بين امرىء القيس والتوأم اليشكرى وكذلك جاء فى بيان إعجاز القرآن 6159، ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن، أما فى معجم البلدان فكان التمليط بين امرىء القيس وكل من قتادة، والحارث، وأبى شريح، أبناء التوأم، ويبدو لى أنها الأوفق لتناسب قول امرىء القيس لهم: عجبت كيف لا تحترق بيوتكم عليكم نارا.
(2) هب وهنا: لمع وبدا بعد هدء من الليل. وبريق: تصغير برق للتكثير لا للتقليل.
(3) أرقت له: سهرت من أجله مرتقبا له لأعلم أين مصابّ مائه.
(4) استطارا: انتشر وقوى.
(5) فى المطبوعتين فقط: «كأن هزيمه» وفى م ومعجم البلدان: «بوراء غيث»، وكتب محقق م فى الهامش: «فى المطبوعات كلها كأن هزيزه [كذا] بوراء غيب، وما أراه إلا تطبيعا»!!
كأن هزيزه بوراء غيب: أى كأن صوت رعده وراء الغيب، أى حيث لا أراه.
(6) فى المطبوعتين فقط: «عشار واله»، وهو خطأ لأن العشار جمع وليس بمفرد. انظر الشرح الآتى. والعشار جمع عشراء وهى النوق التى أتى عليها مذ حملت عشرة أشهر. وولّه:
فقدت أولادها، فهى تحن إليها وتضج، ويكثر ذلك منها إذا لاقت عشارا مثلها. [انظر الديوان واللسان].(1/376)
فقال امرؤ القيس:
فلمّا أن علا كنفى أضاخ (1)
فقال التوأم:
وهت أعجاز ريّقه فحارا (2)
فقال امرؤ القيس:
فلم يترك بذات السّرّ ظبيا (3)
فقال التوأم:
ولم يترك بجلهتها حمارا (4)
فلما رآه امرؤ القيس قد (5) ما تنه (6)، ولم يكن فى ذلك الحرس أى العصر من يماتنه أى يقاومه، ويطاوله آلى ألّا ينازع الشعر أحدا آخر الدهر، روى ذلك أبو عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء (7).
ولو نظر بين الكلامين لوجد التوأم أشعر فى شعرهما هذا لأن امرأ القيس مبتدىء ما شاء، وفى فسحة (8) مما أراد، والتوأم محكوم عليه بأول البيت، مضطر فى القافية التى عليها مدارهما جميعا، ومن هاهنا والله أعلم عرف له امرؤ القيس من حق المماتنة ما عرف، ونازع أيضا علقمة بن عبدة، فكان من غلبة علقمة عليه ما كان.
__________
(1) فى الديوان: «فلما أن دنا لقفا أضاخ»، وفى معجم البلدان: «فلما أن علا شرجى أضاخ».
وأضاخ: قيل من قرى اليمامة لبنى نمير، وقيل: سوق، وقيل: جبل، ويبدو لى أن الأخير أوفق.
انظر معجم البلدان فى [أضاخ].
(2) وهت أعجاز ريّقة: أى استرخت مآخير السحاب، فسالت كما تسيل القربة، وانشقت، وريّق المطر: أوّله.
(3) ذات السر: موضع، وفى معجم البلدان: «ببطن السر».
(4) الجلهة: ما استقبلك من الوادى إذا وافيته. وفى معجم البلدان: «ولم يترك بقاعته حمارا».
(5) سقطت «قد» من ص.
(6) ماتنه: عارضه فى جدل أو خصومة.
(7) انظر هذا فى الديوان 149، وبيان إعجاز القرآن 61، ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن.
(8) فى خ والمغربيتين: «هو فى فسحة»، وفى م: «وهو فى فسحة».(1/377)
وأما جرير فهجاه شاعر يقال له: البردخت (1)، فقال: ما اسمه؟ قيل له: البردخت، فقال: وما معنى البردخت؟ قالوا له: الفارغ، فقال: إذا والله لا أشغله بنفسى أبدا، وسالمه، هذا وهو جرير الذى غلب شياطين الشعراء، وسكّن شقاشق (2) الفحول.
وأما عقبة (3) بن رؤبة بن العجاج فإنه أنشد عقبة (4) بن سلم بحضرة بشار أرجوزة، فقال: كيف ترى يا أبا معاذ؟ فأثنى بشار كما يجب لمثله أن يفعل، وأظهر الاستحسان، فلم يعرف له عقبة حقّه، ولا شكر له فعله، بل قال له: هذا
__________
(1) هو على بن خالد أحد بنى السّيد بن مالك ابن ضبة، ويعرف بالبردخت، هجا جريرا لما نزل على القيّار الثورى، فعلم جرير بالهجاء، وأخبر أن اسمه البردخت، فقال: ما البردخت؟ قيل:
الفارغ الذى لا عمل له، فقال: ما كنت لأجعل له عملا ولا شغلا، ولم يرد عليه، وكذلك قال وفعل الكميت.
الشعر والشعراء 2/ 712، ومعجم الشعراء 131و 132، والسمط [الذيل] 39
(2) الشقاشق جمع شقشقة، وهى فى الأصل لهاة البعير، وقيل: هو شىء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، ومنه سمى الخطباء شقاشق لما يدخل فى كلامهم من الكذب والباطل، شبه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر ولسانه بشقشقته وفى قول لعلى رضى الله عنه: إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان.
(3) هو عقبة بن رؤبة بن العجاج، كان راجزا على طريقة أبيه وجده، مع تقصير عنهما، ويروى أن رؤبة قال لابنه عقبة، وقد أنشده شعرا له: يا بنى، إنك ذهبان الشعر، فذهب شعره، فما يروى أحد له بيتا، ولا يعرف له جامع شعر، فإن هذا لعجيب من الحكم على الغيب، فيصح هذه الصحة، ولكنها كهانة عالم، وفراسة أب فى ابن.
الموشح 556، وانظر البيان والتبيين 1/ 68و 205و 207والأغانى 3/ 177174
(4) هو عقبة بن سلم، وهو من بنى هناءة فى الإسلام، وكان واليا على البحرين والبصرة من قبل أبى جعفر المنصور، وكان جبارا عاتيا، فأكثر فى ربيعة، حتى كان ذلك سبب انحلال الحلف بين الأزد وربيعة، وقتله رجل من ربيعة، قيل قتله فى جامع البصرة بحضرة الناس، وقيل: قتله على باب الخليفة المهدى بعد عزل عقبة ورجوعه إلى بغداد، وقد ضرب المثل بجراءة قاتله فقيل: «أجسر من قاتل عقبة». قتل 167هـ.
الاشتقاق 498، وتاريخ الطبرى 7/ 519و 523، و 8/ 39و 40و 139و 165، وجمهرة الأمثال 1/ 339، ومجمع الأمثال 1/ 328(1/378)
طراز / لا تحسنه، فقال له بشار: ألمثلى يقال هذا الكلام؟ أنا والله أرجز منك ومن أبيك ومن جدك، ثم غدا على عقبة بن سلم بأرجوزته التى أولها (1): [الرجز]
يا طلل الحىّ بذات الصّمد ... بالله خبّر كيف كنت بعدى؟ (2)
فضح بها ابن رؤبة فضيحة ظاهرة كان غنيّا عنها (3).
وكان فى البحترى إعجاب شديد، إذا أنشد يقول: ما لكم لا تعجبون؟! أما حسن ما تسمعون؟! فأنشد المتوكل يوما قصيدته التى أولها (4):
[مجزوء الكامل]
عن أىّ ثغر تبتسم؟ ... وبأىّ طرف تحتكم؟
وأبو العنبس (5) الصّيمرى (6) حاضر، فلما رأى إعجابه قام حذاءه فقال (7):
__________
(1) ديوان بشار 2/ 219، وانظر الأغانى 3/ 177174
(2) فى الديوان: «ذات الضّمد» بالضاد المعجمة.
والصّمد: الصلب من الأرض الغليظة، أو موضع فى ديار بنى يربوع، والصّمد: ماء للضباب.
انظر معجم البلدان ومعجم ما استعجم.
(3) انظر ما حدث بين عقبة بن رؤبة وبشار بن برد فى البيان والتبيين 1/ 49، وطبقات ابن المعتز 25و 26والموشح 556، والأغانى 3/ 174، والمنازل والديار 1/ 252249، وزهر الآداب 1/ 425وفيه أن صاحب المجلس هو عقبة بن مسلم بن قتيبة.
(4) ديوان البحترى 3/ 1998
(5) فى ف والمطبوعتين: «أبو العباس»، وهو خطأ. انظر التعليق الآتى.
(6) هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبى العنبس بن المغيرة بن ماهان، وكنيته أبو العنبس الصيمرى، كان أحد الأدباء الملحاء، وكان خبيث اللسان، هاجى أكثر شعراء زمانه، ونادم المتوكل.
ت 275هـ.
معجم الشعراء 393، وتاريخ بغداد 1/ 238، ومعجم الأدباء 18/ 8والمحمدون من الشعراء 183، والوافى بالوفيات 2/ 191، والنجوم الزاهرة 3/ 74
(7) الأبيات مع قصتها تجدها فى الأغانى 21/ 5249، وجمع الجواهر 15، وطبقات الزبيدى 104103، ومروج الذهب 4/ 91و 92، ومعجم الأدباء 18/ 1412، والمحمدون من الشعراء 183و 184، وأخبار البحترى 8987، والوافى بالوفيات 2/ 193، ويبدو لى أن ابن رشيق اعتمد رواية جمع الجواهر، وتجد الأبيات مع قصتها وتخريجها فى هامش ديوان البحترى 3/ 1996، ويوجد بعض اختلاف فى بعض المصادر.(1/379)
[مجزوء الكامل]
من أىّ سلح تلتقم؟ ... وبأىّ كفّ تلتطم؟
ذقن الوليد البحترى ... ى أبى عبادة فى الرّحم
أدخلت رأسك فى الحرم (1)
فولّى البحترى وهو غضبان، فقال:
وعلمت أنّك تنهزم
فضحك المتوكل حتى فحص برجليه، وأعطى الصّيمرىّ جائزة سنية
* * * __________
(1) سقط هذا الشطر من المطبوعتين ومغربية، وأضيف إلى الأخرى بخط مختلف، وفى المصادر المذكورة ما عدا معجم الأدباء وأخبار البحترى والوافى: «فى الرحم».(1/380)
باب فى (1) عمل الشعر وشحذ القريحة له
لا بد للشاعر وإن (2) كان حاذقا مبرّزا، وفحلا مقدّما من فترة (3)
تعرض له فى بعض الأوقات، إما لشغل سرّ (4)، أو موت قريحة، أو نبوّ طبع فى تلك الساعة، أو ذلك الحين.
وقد كان الفرزدق وهو فحل مضر فى زمانه يقول: تمر علىّ ساعة (5) وقلع ضرس من أضراسى أهون علىّ من عمل بيت من الشعر (6).
فإذا تمادى ذلك على الشاعر قيل: «أصفى» و «أفصى»، كما يقال:
«أصفت الدجاجة، وأفصت (7)»، إذا انقطع بيضها، وكذلك يقال له:
«أجبل»، كما يقال لحافر البئر إذا بلغ جبلا تحت / الأرض لا يعمل فيه شيئا (8):
«أجبل»، ومثل «أجبل» «أكدى»، إلا أنهم خصّوا به العطاء، وذلك أن يصادف حافر البئر كدية فلا يزيد شيئا على ما حفر، وقالوا (9): «أفحم الشاعر» على «أفعل»، قالوا: وهو من «فحم الصّبىّ» إذا انقطع صوته من شدة البكاء (10).
فإن ساء لفظه، وفسدت معانيه قيل له: «أهتر» فهو «مهتر».
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «باب عمل» بحذف «فى»، وفى ف: «وشحذ القريحة» بحذف «له».
(2) فى ف والمطبوعتين: «وإن كان فحلا، حاذقا، مبرزا، مقدما»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) فترة: أى ضعف عن عمل الشعر.
(4) فى ف: «إما لشغل شر» وفى المطبوعتين: «إما لشغل يسير»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «الساعة».
(6) انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 130، والشعر والشعراء 1/ 81، والعقد الفريد 5/ 327، والأغانى 21/ 365ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 89
(7) فى خ: «أفصت الدجاجة، وأصفت الدجاجة»، وفى م: «أفصت الدجاجة».
(8) فى ف والمطبوعتين فقط: «شىء»، ولا يخفى على الأديب الأريب صحة التعبيرين.
(9) فى ف: «وأفحم»، بإسقاط «قالوا»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ويقال».
(10) انظر هذا فى «بكى الصبىّ حتى فحم» فى الفاخر 200، وأدب الكاتب 45.(1/381)
وقد قيل فى الذبيانى: إنه إنما كان شعره نظيفا من العيوب لأنه قاله كبيرا، ومات عن قرب، ولم يهتر (1)، وأكثر ما جاء الإهتار فى صفة الكبير الذى يختلط كلامه، وقولهم فى شعر النابغة: إنه قاله كبيرا (2) يدل على أنه بهذا سمّى نابغة كما عند أكثر الناس، لا لقوله: [الوافر]
فقد نبغت لنا منهم شئون (3)
كما تقدم من قول بعضهم (4).
ويقال: «أخلى الشاعر»، كما يقال: «أخلى الرامى»، إذا لم يصب معنى، حكى عن البحترى أنه قال: فاوضت ابن الجهم عليّا فى الشعر، وذكر أشجع السلمى فقال: إنه كان يخلى، فلم أفهمها عنه، وأنفت أن أساله عنها، فلما انصرفت فكرت فيها، ونظرت فى شعر أشجع، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة، ليس فيها بيت رائع (5).
ثم إن للناس / فيما بعد ضروبا مختلفة يستدعون بها الشعر، فتشحذ القرائح، وتنبه الخواطر، وتلين عريكة الكلام، وتسهل طريق المعنى، كل امرئ على تركيب طبعه، واطّراد عادته، وسآتى (6) فى ذلك من أقاويل العلماء بما أرجو أن تكون فيه هداية إن شاء الله تعالى.
__________
(1) فى طبقات ابن سلام 1/ 56: «وإنما نبغ بالشعر بعد ما أسنّ واحتنك، وهلك قبل أن يهتر».
وفى هامشه قال المحقق رحمه الله: «وأهتر الرجل بالبناء للمجهول صار إلى الهتر، وهو سقط الكلام، والخطأ فيه، واللجاجة والهذيان به. وكذلك يكون إذا بلغ أرذل العمر».
(2) فى ف: «كثيرا» وهو تصحيف، وفى المطبوعتين: «وهو كبير».
(3) سبق تخريج هذا القول فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 56.
(4) سبق هذا القول فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 56.
(5) هذه الحكاية وردت بروايتين فى الموشح 452فى الحديث عن أشجع السلمى ولكن غرضهما واحد، وإن كان تفسير كلمة «مغسولة» يختلف فى كل رواية، ففى الأولى جاءت كما فى العمدة، وفى الأخرى: «فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة خالية من معنى ولفظ».
(6) فى ف والمطبوعتين: «وسيأتى ذلك فى أقاويل»، وفى المغربيتين: «وسيأتى فى ذلك من».(1/382)
قال بكر بن النطاح الحنفى (1): الشعر مثل عين الماء، إن تركتها اندفنت، وإن استهتنتها هتنت (2).
وليس مراد بكر أن تستهتن / بالعمل وحده لأنا نجد الشاعر تكلّ قريحته مع كثرة العمل مرارا، وتنزف مادته، وتنفد معانيه، فإذا أجمّ (3) طبعه أياما وربما كان زمانا طويلا (4) ثم صنع الشعر جاء بكل آبدة (5)، وانهمر فى كل قافية شاردة (6)، وانفتح له من المعانى والألفاظ ما لو رامه من قبل لاستغلق عليه، وأبهم دونه، لكن بالمذاكرة مرة فإنها تقدح زناد الخاطر، وتفجر عيون المعانى، وتوقظ أبصار الفطنة، وبمطالعة الأشعار كرة فإنها تبعث الجسد (7)، وتولد الشهوة.
وسئل ذو الرمة: كيف تعمل إذا انقفل دونك الشعر، فقال: كيف ينقفل دونى وعندى مفاتحه؟ قيل له: وعنه سألناك، ما هو؟ قال: الخلوة بذكر الأحباب (8).
فهذا لأنه عاشق، ولعمرى إنه إذا انفتح للشاعر نسيب القصيدة فقد ولج من الباب، ووضع رجله فى الركاب، على أن ذا الرمة لم يكن كثير المدح
__________
(1) هو بكر بن النطاح الحنفى، يكنى أبا وائل، وهو من فرسان بنى حنيفة من أهل اليمامة، وهو شاعر غزل، انتقل إلى بغداد فى زمن الرشيد، واتصل بأبى دلف العجلى، فأكرمه، وأجرى له رزقا ثابتا إلى أن مات سنة 192هـ
طبقات ابن المعتز 217، وما فيه من مصادر وتاريخ بغداد 7/ 90، والأغانى 19/ 106، وفوات الوفيات 1/ 219، وسمط اللآلى 1/ 520
(2) هتن: صبّ، والهتنان: المطر الضعيف الدائم، وهتنت السماء: صبت من المطر ما فوق الهطل.
(3) أجمّ: أراح نفسه من العمل بعض الوقت.
(4) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «وربما زمانا طويلا»، والمغربية الأخرى مثل ص.
(5) الآبدة: الأمر العظيم الذى ينفر منه، والآبدة الداهية تبقى على الأبد، والكلمة أو الفعلة الغربية يبقى ذكرها للأبد.
(6) القافية الشاردة: القافية العائرة فى سائر البلاد، ويقال لها: قافية شرود.
(7) فى المطبوعتين: «الجد»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(8) لم أعثر على هذا فى المصادر التى تحت يدى.(1/383)
والهجاء، وإنما كان واصف أطلال، ونادب أظعان، وهو الذى أخرجه من طبقة الفحول (1).
وقيل لكثير: كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟ قال: أطوف فى الرباع المحيلة (2)، والرياض المعشبة، فيسهل علىّ أرصنه، ويسرع إلىّ أحسنه (3).
وقال الأصمعى: ما استدعى شارد الشعر (4) بمثل الماء الجارى، والشرف العالى، والمكان الخالى، وقيل: الحالى، يعنى الروض (5).
وحدثنى بعض أصحابنا من أهل المهدية (6) وقد مررنا بموضع بها يعرف بالكدية، هو أشرفها أرضا وهواء قال: جئت هذا الموضع مرة، فإذا عبد الكريم على سطح برج هنالك، قد كشف الدنيا، فقلت: أبو محمد (7)؟ قال: نعم، قلت:
ما تصنع هاهنا؟ قال: ألقح خاطرى، وأجلو / ناظرى، قلت: فهل نتج لك شئ؟
قال: ما تقر به عينى وعينك إن شاء الله تعالى، وأنشدنى شعرا يدخل مسامّ الجلد (8)
رقّة، قلت: أهذا (9) اختيار منك اخترعته؟ قال: بل برأى الأصمعى.
__________
(1) انظر السبب فى أن ذا الرمة لا يعد من الفحول فى كل من طبقات ابن سلام 2/ 551و 552و 557، والشعر والشعراء 1/ 524و 534، والموشح 272و 273و 274و 279، والأغانى 18/ 15و 50
(2) فى ف: «المحلية» بالحاء المهملة، وهو تصحيف، وفى الشعر والشعراء وعيون الأخبار:
«المخلية»، أى الخالية من الناس، وما فى ص يوافق المطبوعتين والعقد الفريد، والمحيلة: هى التى أتت عليها أحوال فغيرتها، اقرأ التعليق الآتى.
(3) اقرأ هذا فى الشعر والشعراء 1/ 79، وعيون الأخبار 2/ 184، والعقد الفريد 5/ 327
(4) سقطت كلمة «الشعر» من المطبوعتين.
(5) هذا القول جاء غير منسوب إلى الأصمعى فى الشعر والشعراء 1/ 79، وعيون الأخبار 2/ 184، والعقد الفريد 5/ 326
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «يعنى الرياض».
(6) المهدية مدينة بإفريقية، ولم أعثر فى ترجمتها على منطقة باسم «الكدية»، ولكنى وجدت اسم «كدال» وتطلق على ناحية فى جبال إفريقية. انظر معجم البلدان.
(7) فى ف وخ والمغربيتين: «أبا محمد»، وهذا جائز على النداء، وفى م: «أبا محمد؟» وهذا خطأ على الاستفهام، والصواب فى الاستفهام ما جاء فى ص «أبو محمد؟».
(8) فى ف والمطبوعتين: «مسام القلب»، وما فى ص يوافق المغربيتين. والمسام للجلد وليس للقلب إلا على طريق المجاز. والمسامّ: ثقوب الجلد.
(9) فى ف: «هذا» بحذف الهمزة، وكلاهما صحيح، وفى المطبوعتين: «هذا اختيار».(1/384)
وقالوا: كان جرير إذا أراد أن يؤبّد (1) قصيدة صنعها ليلا، يشعل سراجه، ويعتزل أهله (2)، قيل: وربما علا السطح وحده، فاضطجع، وغطّى رأسه رغبة فى الخلوة بنفسه، فحكى (3) أنه صنع ذلك فى قصيدته التى أخزى بها بنى نمير، وتقدم ذكرها (4).
وروى أن الفرزدق كان إذا صعبت عليه صنعة الشعر ركب ناقته، وطاف (5) منفردا وحده فى شعاب الجبال، وبطون الأودية، والأماكن الخربة / الخالية، فيعطيه الكلام قيادة، حكى ذلك عن نفسه فى قصيدته الفائية (6):
[الطويل]
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
وذلك (7) أن فتى من الأنصار بحضرة (8) كثيّر وغيره فاخره (9) بأبيات حسان بن ثابت (10): [الطويل]
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وأنظره (11) سنة، فمضى حنقا، وطالت ليلته، ولم يصنع شيئا، فلما كان قرب الصباح أتى جبلا بالمدينة يقال له: «ذباب» (12)، فنادى: أخاكم،
__________
(1) يؤبد قصيدة: أى يجعلها مخلدة أبد الدهر، وانظر الهامش 5ص 331
(2) سقطت كلمة «أهله» من المطبوعتين.
(3) فى المطبوعتين: «يحكى».
(4) انظر ذلك فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 61
(5) فى ف: «وطاف وحده منفردا»، وفى المطبوعتين: «طاف خاليا منفردا وحده».
(6) ديوان الفرزدق 2/ 551، والمذكور صدر بيت، وعجزه: «وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف» وعزف عن الشىء: ابتعد عنه، ولم تكن عنده رغبة فيه. وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 333
(7) انظر هذا الخبر فى الأغانى 21/ 370، وفى ف والمطبوعتين فقط: «وذكر».
(8) فى ف: «يحضره كثيرا وغيره»، وفى المطبوعتين فقط: «أو غيره».
(9) فى ص وف: «فاخر».
(10) ديوان حسان 131
(11) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فأنظره».
(12) فى الأغانى: «ريّانا» والريان: أطم من آطام المدينة. وذباب بضم الذال وكسرها:
جبل بالمدينة. انظر معجم البلدان واللسان. وفى اللسان: وريان: اسم جبل فى بلاد بنى عامر.(1/385)
أخاكم (1) يا بنى لبينى، صاحبكم، صاحبكم (2)، وتوسّد ذراع ناقته، فانثالت عليه القوافى انثيالا، وجاء بالقصيدة بكرة، وقد أعجزت الشعراء، وبهرتهم طولا وجودة (3).
وقيل لأبى نواس: كيف عملك حين تصنع (4) الشعر؟ قال: أشرب حتى إذا كنت أطيب ما أكون نفسا بين الصاحى والسكران صنعت، وقد داخلنى النشاط، وهزّتنى الأريحية.
وقال ابن قتيبة (5): وللشعر أوقات يسرع فيها أتيّه / ويسمح فيها أبيّه، منها أول الليل قبل تغشّى الكرى، ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها يوم شرب الدواء، ومنها الخلوة فى الحبس والمسير، ولهذه العلل تختلف أشعار الشاعر ورسائل المترسل (6).
وحكى عن أبى تمام وقد سأله البحترى عن أوقات صنعة الشعر قريب من هذا، لا أحفظه نصّا، ولا أشك أن ابن قتيبة به اقتدى، إن كان رآه (7).
ومما يجمع الفكرة من طريق الفلسفة استلقاء المرء (8) على ظهره، وعلى كل حال فليس يفتح مقفل الخواطر (9) مثل مباكرة العمل بالأسحار عند الهبوب
__________
(1) سقطت «أخاكم» الثانية من المطبوعتين وإحدى المغربيتين.
(2) فى ف والمطبوعتين «صاحبكم» ثلاث مرات، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «طولا وحسنا وجودة»، وفى إحدى المغربيتين: «وبهجة».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حين تريد أن تصنع». ولم أعثر على هذا القول بنصه، ولكنى وجدت ما يقرب منه فى أخبار أبى نواس ضمن كتاب الأغانى ط الشعب 29/ 9865
(5) هذا القول تجده فى الشعر والشعراء 1/ 81، بنصه ما عدا كلمة واحدة تراها فى نهاية التعليقات.
(6) فى الشعر والشعراء: «ورسائل الكتاب».
(7) فى ف وخ: «وإن كان مما رواه»، وفى م: «إن كان مما رواه»، وما فى ص يوافق المغربيتين، وفى هامش م كتب المحقق: «فى التونسية» إن كان رآه»، وهى عبارة قريبة الصحة، وقد مات ابن قتيبة فى سنة 276من الهجرة، ومات أبو تمام فى سنة 231من الهجرة على المختار من أقوال الناس فى وفاته، وسيذكر المؤلف وصية أبى تمام للبحترى».
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «الرجل».
(9) فى المطبوعتين فقط: «بحار الخواطر».(1/386)
من النوم لكون النفس مجتمعة، لم يتفرق حسّها فى أسباب اللهو أو المعيشة، أو غير ذلك مما يعييها (1)، وإذا (2) هى مستريحة جديدة، كأنما أنشئت نشأة أخرى، ولأن السّحر ألطف هواء، وأرقّ نسيما، وأعدل ميزانا بين الليل والنهار.
وإنما لم يكن العشىّ كالسّحر وهو عديله فى التوسط بين طرفى الليل والنهار لدخول الظلمة فيه على الضياء بضد دخول الضياء فى السّحر على الظلمة، ولأن النفس فيه كالّة (3) من تعب النهار وتصرفها فيه، ومحتاجة إلى قوّتها من النوم، ومتشوفة (4) نحوه، فالسّحر أحسن لمن أراد أن يصنع، فأما (5)
لمن أراد الحفظ والدراسة، وما أشبه ذلك فالليل، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين {إِنَّ نََاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا} [سورة المزمل: 6]، وهذا الكلام الذى لا مطعن فيه، ولا اعتراض عليه، وعلى قراءة من قرأ (وطاء) يكون معناه أثقل على فاعله، فإذا (6) كان كذلك كان أكثر أجرا، فهذا يشدّ (7) قولنا: إن العمل أول الليل يصعب لأن النوم يغلب / والجسم يكلّ.
وكان أبو تمام يكره نفسه على العمل حتى يظهر ذلك / فى شعره، حكى (8) عنه بعض أصحابه قال: استأذنت عليه، وكان لا يستتر عنّى، فأذن لى، فدخلت فإذا (9) هو فى بيت مصهرج (10) قد غسل بالماء، يتقلب يمينا
__________
(1) فى ص وف: «يعينها»، واعتمدت ما فى المطبوعتين ومغربية: ليناسب القول، على أنه يمكن أن تكون كلمة «يعينها» صحيحة، بمعنى أن النفس لم تنشغل بما يعينها فى أمور الحياة، وفى المغربية الأخرى: «يعيبها».
(2) فى م والمغربيتين: «وإذ هى».
(3) فى ف والمطبوعتين: «كالّة مريضة»، إلا أن «مريضة» كتبت فى م بين معقوفين!! وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى ف: «ومتشوقة»، وفى المطبوعتين: «متشوقة»، وكلاهما يؤدى المعنى نفسه.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وأما».
(6) فى ف والمطبوعتين: «وإذا».
(7) فى ف: «فهذا يشبه قولنا»، وفى المطبوعتين: «فهذا يشهد لنا»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) فى ف والمطبوعتين: «حكى ذلك عنه»، وفى المغربيتين: «حكى بعض».
(9) فى خ: «فدخلت فى بيت»، وفى م كتب قوله: «فإذا هو» بين معقوفين دون ذكر السبب!!
(10) مصهرج: مطلىّ بالصاروج وهو النورة.(1/387)
وشمالا، فقلت: لقد بلغ منك (1) الحرّ مبلغا شديدا، قال: لا، ولكن غيره، فمكث (2) كذلك ساعة، ثم قام كأنما أطلق من عقال، وقال (3): الآن (4)، الآن، ثم استمدّ، وكتب شيئا لا أعرفه، ثم قال: أتدرى ما كنت فيه (5)، قلت:
كلا، قال: قول أبى نواس (6): [الكامل]
كالدّهر فيه شراسة وليان
أردت معناه، فشمس علىّ حتى أمكن الله منه، فصنعت: [البسيط]
شرست بل لنت بل قانيت ذاك بذا ... فأنت لا شكّ فيك السّهل والجبل؟ (7)
ولعمرى لو سكت هذا الحاكى لنمّ هذا البيت بما كان داخل البيت (8) لأن الكلفة فيه ظاهرة، والتّعمل بيّن (9).
على أن مثل حكاية أبى تمام، وأشدّ منها، قد وقعت لمن لا يتهم، وهو جرير، صنع الفرزدق شعرا يقول فيه (10): [الطويل]
فإنّى أنا الموت الّذى هو ذاهب ... بنفسك فانظر كيف أنت محاوله؟ (11)
وحلف بالطلاق أن جريرا لا يغلبه فيه، فكان جرير يتمرّغ فى الرمضاء، ويقول: أنا أبو حزرة، حتى قال فى أبيات له مشهورة (12):
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «بلغ بك».
(2) فى ف والمطبوعتين: «ومكث».
(3) فى ف والمطبوعتين: «فقال».
(4) فى ف: «الآن الآن أردت» وفى خ: «الآن أردت»، وفى م: «الآن وردت»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «أتدرى ما كنت فيه مذ الآن».
(6) ديوان أبى نواس 406، والمذكور عجز بيت صدره: «حذر امرىء قصرت يداه على العدا».
(7) ديوان أبى تمام 3/ 11
الشراسة: ضد اللين. وقانيت: خلطت.
(8) كلمة البيت الأولى يقصد بها بيت الشعر، وكلمة البيت الأخرى يقصد بها المنزل.
(9) انظر ما قيل عن البيتين فى العقد الفريد 5/ 393
(10) ديوان الفرزدق 2/ 738، وانظر الحكاية فى زهر الآداب 2/ 856، والأغانى 21/ 355
(11) فى ص وف: «فقلت أنا الموت».
(12) قوله: «فى أبيات له مشهورة» ساقط من المطبوعتين فقط، وفى ف: «من أبيات».(1/388)
[الطويل]
أنا الدّهر يفنى الموت والدّهر خالد ... فجئنى بمثل الدّهر شيئا يطاوله (1)
وكان أبو تمام ينصب القافية للبيت ليعلق الأعجاز بالصدور، وذلك هو التصدير فى الشعر، ولا يأتى به كثيرا إلا شاعر مصنّع (2) كحبيب ونظرائه.
والصواب أن لا يصنع الشاعر بيتا لا يعلم (3) قافيته، غير أنى لا أجد ذلك فى طبعى جملة، ولا أقدر عليه بتّة (4) بل أصنع القسيم الأول على ما أريده، ثم ألتمس فى نفسى ما يليق به من القوافى بعد ذلك، فأبنى عليه القسيم الثانى، أفعل ذلك فيه كما يفعل من يبنى البيت كلّه على القافية، ولم أر ذلك ينحلّ (5) علىّ، ولا يزيحنى عن مرادى، ولا يغيّر علىّ شيئا من لفظ القسيم الأول، إلا فى الندرة التى لا يعتد بها، أو على جهة التنقيح المفرط.
وسأل (6) رسول الله صلى الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة (7) كالمتعجب من شعره، فقال: كيف تقول الشعر؟ قال: أنظر فى ذلك ثمّ أقول، قال: فعليك بالمشركين، ولم يكن أعدّ شيئا، فأنشد أبياتا منها: [البسيط]
فخبّرونى أثمان العباء متى ... كنتم بطاريق أو دانت لكم مضر؟ (8)
__________
(1) ديوان جرير 2/ 970وانظر هذه الحكاية فى زهر الآداب 2/ 856والأغانى 21/ 355
(2) فى ف والمطبوعتين فقط: «متصنع».
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «لا يعرف».
(4) فى ف ومغربية: «البتة»، وسقطت الكلمة من المطبوعتين ومغربية.
(5) فى ف والمغربيتين: «يبخل» وهو تصحيف، وفى المطبوعتين: «بمخل».
(6) انظر هذا الخبر فى طبقات ابن سلام 1/ 225و 226، والمؤتلف والمختلف 184، وسير أعلام النبلاء 1/ 234، والاستيعاب 3/ 900، والوافى بالوفيات 17/ 168
(7) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس، يكنى أبا محمد، كان عظيم القدر فى قومه، وكان سيدا فى الجاهلية، كما كان فى الإسلام عظيم القدر والمكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واستشهد يوم مؤتة.
طبقات ابن سلام 1/ 223، والاشتقاق 453، والمؤتلف والمختلف 184، وسير أعلام النبلاء 1/ 230وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 12، والاستيعاب 3/ 898، والوافى بالوفيات 17/ 168
(8) الأبيات كلها فى طبقات ابن سلام 1/ 226225، والأول والأخير فى المؤتلف والمختلف 184، وسير أعلام النبلاء 1/ 234، والاستيعاب 3/ 900، والأخير فقط فى السيرة 43/ 374، والوافى بالوفيات 17/ 169، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ.(1/389)
فعرف الكراهية فى وجه رسول (1) الله صلى الله عليه وسلّم، لما جعل قومه أثمان العباء فقال:
نجالد الناس عن عرض ونأسرهم ... فينا النبىّ وفينا تنزل السّور (2)
وقد علمتم بأنّا ليس يغلبنا ... حىّ من الناس إن عزّوا وإن كثروا (3)
/ ينتهى إلى أن يقول للنبى صلى الله عليه وسلّم (4):
فثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالّذى نصروا (5)
فأقبل عليه النبى صلى الله عليه وسلّم بوجهه، وقال (6): «وإياك فثبت الله يا ابن رواحة».
ومن الشعراء من يسبق إليه بيت واثنان، وخاطره فى غيرهما يجب أن يكونا بعد ذلك بأبيات، أو قبله بأبيات وذلك لقوة طبعه، وانبعاث مادته.
ومنهم من ينصب قافية بعينها لبيت بعينه من الشعر، مثل أن تكون ثالثة، أو رابعة، أو نحو ذلك، لا يعدو بها ذلك الموضع إلا انحلّ عليه (7) نظم أبياته / وذلك عيب فى الصنعة شديد، ونقص بيّن لأنه أعنى الشاعر يصير محصورا على شئ (8) بعينه، مضيّقا عليه، داخلا تحت حكم القافية.
وكانوا يقولون: ليكن الشعر فى حكمك (9)، ولا تكن فى حكمه.
__________
العباء: كساء جاف غليظ، فجعلهم أثمان العباء فى الخسة. البطاريق جمع بطريق: القائد الحاذق بالحرب وأمورها. [من هامش الطبقات]
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فى وجه النبى».
(2) فى الطبقات: «فنأسرهم» و «تنزل» بالبناء للمجهول، وكلاهما صحيح.
وجالد بالسيف: ضارب به. ويقال: «خرجوا يضربون الناس عن عرض» أى عن شق وناحية، لا يبالون من ضربوا. [من هامش الطبقات].
(3) فى الطبقات 1/ 226: «ليس غالبنا».
(4) فى ف والمطبوعتين: «فى النبى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى بعض المصادر: «فى المرسلين ونصرا».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فقال».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «انحل عنه».
(8) فى ف والمطبوعتين: «على شئ واحد بعينه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(9) فى ف والمطبوعتين: «تحت حكمك تحت حكمه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/390)
ومنهم من إذا أخذ فى صنعة الشعر كتب من القوافى ما يصلح لذلك الوزن الذى هو فيه، ثم أخذ مستعملها، وشريفها، وما ساعد (1) معانيه، ووافقها (2)، واطرح ما سوى ذلك، إلا أنه لابد أن يجمعها ليكرر فيها نظره، ويعيد عليها تخيّره فى حين العمل. هذا الذى عليه حذّاق القوم.
ومن الشعراء من إذا جاءه البيت عفوا أثبته، ثم رجع إليه فنقحه، وصفّاه من كدره، وذلك أسرع له، وأخفّ عليه، وأصحّ لنظره، وأرخى لباله.
وآخر لا يثبت البيت إلا بعد إحكامه فى نفسه، وتثقيفه من جميع جهاته، وذلك أشرف للهمة، وأدلّ على المقدرة (3)، وأظهر للكلفة، وأبعد من السرعة (4).
وسألت شيخا من شيوخ هذه الصناعة: ما يعين (5) على الشعر؟ فقال:
زهرة البستان، وراحة الحمام.
وقيل: إن الطعام الطيب، والشراب الطيب، وسماع الغناء يرقّ (6)
الطبع، ويصفّى المزاج، ويعين على الشعر.
ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب (7) البرّ، وسلاف (8) الخمر، ولحوم الضأن، والخلوة، إلى أن بلغوا مجهودهم، فلما سمعوا قول الله (9) تعالى: {وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ}
[سورة هود: 44] يئسوا مما طمعوا فيه، وعلموا أنه ليس بكلام مخلوق.
__________
(1) فى م: «ومساعد».
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «وما وافقها»، وما فى ص يوافق المغربية الأخرى.
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «القدرة».
(4) فى ف والمطبوعتين: «من السرقة»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى ف والمطبوعتين: «فقلت: ما يعين»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مما يرق»، وانظر المحاضرات 1/ 2/ 715
(7) اللباب: أصل الشىء وحقيقته.
(8) سلاف الخمر: أول ما يعصر منها، وأفضلها وأخلصها.
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قول الله عز وجل».(1/391)
وقيل: مقود الشعر الغناء به، وذكر عن أبى الطيب أن متشرّفا تشرّف عليه / وهو يصنع قصيدته التى أولها: [الكامل]
جللا كما بى فليك التّبريح (1)
وهو يتغنّى، ويصنع، فإذا توقّف بعض التوقّف رجّع بالإنشاد من أول القصيدة إلى حيث انتهى منها.
وقال بعضهم: من أراد أن يقول الشعر فليعشق فإنه يرق، وليرو فإنه يدل، وليطمع فإنه يصنع.
وقالوا: الحيلة لكلال القريحة / انتظار الجمام (2)، وتصيّد ساعات النشاط، وهذا عندى أنجع الأقوال، به (3) أقول، وإليه أذهب.
وقال (4) بكر بن عبد الله المزنى (5): لا تكدّوا القلوب، ولا تهملوها، وخير الفكر ما كان عن عقب الجمام (6)، ومن أكره بصره عشى، واشحذوا القلوب بالمذاكرة، ولا تيأسوا من إصابة الحكمة إذا امتحنتم ببعض الاستغلاق فإنّ (7) من أدمن قرع الباب وصل.
__________
(1) ديوان المتنبى 1/ 243، والمذكور صدر بيت، وعجزه: «أغذاء الرّشإ الأغنّ الشيح».
الجلل: الأمر العظيم. والتبريح: الشدة. والرشأ: ولد الظبية. والأغن: الذى يتكلم من قبل خياشيمه.
(2) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «الحمام» بالحاء المهملة، ولا معنى له، وما فى ص يوافق المغربية الأخرى. والجمام على وزن سحاب: الراحة.
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «وبه أقول».
(4) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 274، وجمع الجواهر 2، مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ وبالزيادة والحذف.
(5) هو بكر بن عبد الله بن عمرو المزنى، يكنى أبا عبد الله، أحد الأعلام، كان ثقة، ثبتا، كثير الحديث، يذكر مع الحسن وابن سيرين، وكانت أمه موسرة، ولها زوج كثير المال، وكان بكر حسن اللباس جدا. ت 108هـ
المعارف 457، وسير أعلام النبلاء 4/ 532وما فيه من مصادر، والشذرات 1/ 135
(6) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «الحمام» بالحاء المهملة، ولا معنى له، وما فى ص ومغربية يوافق البيان والتبيين وجمع الجواهر.
(7) فى البيان والتبيين: «فإن من أدام قرع الباب ولج».(1/392)
وقال الخليع (1): من لم يأت شعره مع الوحدة فليس بشاعر.
وقالوا (2): يريد الخلوة، وربما أراد الغربة.
كما قال ديك الجنّ (3): ما أصفى (4) شاعر مغترب قط.
ومما لا يسع تركه فى هذا الموضع صحيفة (5) كتبها بشر بن المعتمر (6)، ذكر فيها البلاغة، ودلّ على مظانّ الكلام والفصاحة، يقول فيها: خذ من نفسك ساعة فراغك، وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قليل (7) تلك الساعة أكرم جوهرا، وأشرف حسبا (8)، وأحسن فى
__________
(1) هو الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلى، يكنى أبا على، ويلقب بالخليع وبالأشقر، ولد ونشأ فى البصرة، وتوفى ببغداد، اتصل بالأمين، فكان من خاصته حتى قتل، ثم فر إلى البصرة خوفا من المأمون، فلما تولى المعتصم عاد إلى بغداد. ت 250هـ.
تاريخ بغداد 8/ 54، وطبقات ابن المعتز 268، والأغانى 7/ 147، والمؤتلف والمختلف 162، ومعجم الأدباء 10/ 5، وسير أعلام النبلاء 12/ 191وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 2/ 162، والشذرات 2/ 123
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قالوا».
(3) هو عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبى، يكنى أبا محمد، أطلق عليه ديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين، وقيل غير ذلك، واشتهر بذلك، وأصله من سليمة قرب حماة بسوريا، ومولده ووفاته بحمص، ولم يفارق أرض الشام، ولم ينتجع بشعره. ت 235هـ.
الأغانى 14/ 51، وسير أعلام النبلاء 11/ 163وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 3/ 184، ومسائل الانتقاد 85
(4) مرت هذه الكلمة ومدلولها فى أول باب عمل الشعر ص 329
(5) تجد هذه الصحيفة فى البيان والتبيين 1/ 135وما بعدها، وفى الصناعتين 134وما بعدها مع اختصار وزيادة.
(6) هو بشر بن المعتمر، يكنى أبا سهل، الكوفى، ثم البغدادى، انتهت إليه رياسة المعتزلة ببغداد كان أبرص، وكان متكلما رصينا، وشاعرا مفلقا، وراوية ناسبا. ت 210هـ.
الفهرست 184و 205، والبرصان والعرجان والعميان والحولان 130، وسير أعلام النبلاء 10/ 203وما فيه من مصادر، والوافى بالوفيات 10/ 155
(7) فى ص والمطبوعتين والصناعتين «فإن قلبك» واعتمدت ما فى ف لموافقته ما فى البيان والتبيين.
(8) فى ف: «جنسا»، وفى المطبوعتين: «حسّا»، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان، وفى الصناعتين «وأشرق حسنا».(1/393)
الأسماع (1)، وأحلى فى الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكلّ عين وغرّة، من لفظ شريف، ومعنى بديع.
واعلم أن ذلك أجدى عليك ممّا يعطيك يومك الأطول بالكدّ (2) والمجاهدة، وبالتكلّف والمعاندة (3)، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولا قصدا، وخفيفا (4) على اللسان سهلا، وكما خرج (5) من ينبوعه، ونجم من معدنه.
وإياك والتوعّر فإن التوعّر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذى يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك.
ومن أراغ (6) معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما (7) عما يفسدهما ويهجّنهما، وعمّا تعود (8) من أجله أسوأ (9) حالا منك قبل أن تلتمس إظهارهما، وترهن (10)
نفسك فى ملابستهما وقضاء حقهما.
وكن (11) فى إحدى ثلاث منازل: فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا، أو فخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا، وقريبا معروفا، إما عند الخاصّة إن كنت للخاصّة قصدت، وإما (12) للعامّة إن كنت للعامّة أردت.
__________
(1) فى المطبوعتين: «فى الإسماع»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين والصناعتين، وفى هامش م كتب المحقق: «كذا فى المصريتين المطبوعتين وأحسن فى الإسماح» وفى نسخة «فى الأسماع».
(2) فى البيان والتبيين: «بالكد والمطاولة المجاهدة». وفى ف: «مما يعطيك الكد».
وفى الصناعتين: «بالكد والمطالبة».
(3) فى البيان والتبيين: «والمعاودة».
(4) فى ف: «وحقيقة»، وفى المطبوعتين: «أو خفيفا»، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين والصناعتين.
(5) فى ف والمطبوعتين: «كما خرج»، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين.
(6) فى ص: «أراد».
وأراغ وارتاغ: بمعنى طلب وأراد. انظر اللسان.
(7) فى الجميع: «يصونهما» بالمثناة التحتية، واعتمدت ما فى البيان والتبيين ليناسب السياق.
(8) فى ف والمطبوعتين: «يعود» بالمثناة التحتية، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين.
(9) فى البيان والتبيين: «وعما تعود من أجله أن تكون أسوأ».
(10) فى البيان والتبيين: «وترتهن نفسك بملابستهما».
(11) فى البيان والتبيين والصناعتين: «فكن فى ثلاث منازل».
(12) فى البيان والتبيين: «وإما عند العامة».(1/394)
والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معانى الخاصّة، وكذلك ليس يتّضع بأن يكون من معانى العامة، وإنما مدار الشرف مع (1) الصواب، وإحراز المنفعة، ومع (2) موافقة الحال، وما يجب (3) لكلّ مقام من المقال، وكذلك اللفظ العامّىّ والخاصّىّ.
فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك، وبلاغة قلمك (4)، ولطف مداخلك، واقتدارك فى نفسك (5)، على أن تفهم العامّة معانى الخاصّة، وتكسوها الألفاظ المتوسطة (6) التى لا تلطف عن الدهماء، ولا تجفو عن الأكفاء، فأنت البليغ التامّ.
فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك، ولا تعتريك، ولا تسمح لك عند أول نظرك، وفى أول تكلّفك، وتجد اللفظة / لم تقع موقعها، ولم تصل (7) إلى قرارها، وإلى حقها من أماكنها المقسومة لها، والقافية لم تحلّ فى مركزها وفى نصابها، ولم تتّصل بشكلها، وكانت قلقة فى مكانها، نافرة عن (8) موضعها، فلا تكرهها / على اغتصاب مكانها (9)، والنزول فى غير أوطانها، فإنك إذا (10)
لم تتعاط قرض الشعر الموزون، ولم تتكلّف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بترك ذلك أحد، فإن أنت تكلّفتهما، ولم تكن حاذقا مطبوعا، ولا محكما لشأنك، بصيرا بما عليك ولك (11) عابك من أنت أقلّ منه عيبا (12)، ورأى من هو دونك أنه فوقك.
__________
(1) فى البيان والتبيين: «على الصواب».
(2) فى البيان والتبيين: «مع» بحذف الواو.
(3) فى ف والمطبوعتين: «ومع ما يحب»، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين.
(4) فى ص: «وبلاغة قلبك».
(5) فى البيان والتبيين: «على نفسك إلى أن تفهم»، وفى ف: «على أن نفهم معانى الخاصة».
(6) فى البيان والتبيين: «الواسطة» وفى هامشه «المبسوطة».
(7) فى البيان والتبيين: «ولم تصر»، وفى ف: «ولم تسمح».
(8) فى البيان والتبيين: «من موضعها».
(9) فى البيان والتبيين: «على اغتصاب الأماكن».
(10) فى ص: «إن لم تتعاط قريض».
(11) فى البيان والتبيين: «ومالك».
(12) فى البيان والتبيين: «من أنت أقل عيبا منه».(1/395)
فإن (1) أنت ابتليت بأن تتكلّف القول، وتتعاطى الصنعة، ولم تسمح لك الطباع فلا تعجل (2)، ولا تضجر، ودعه بياض يومك، أو سواد (3) ليلتك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة، إن كانت هناك طبيعة، أو جريت من (4) الصناعة على عرق.
فإن تمنّع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل (5)، ومن غير طول إهمال فالمنزلة الثالثة أن تتحوّل من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك، وأخفّها عليك، فإنك لم تشتهه ولم تنازع إليه إلا وبينكما نسب، والشئ لا يحن إلا إلى ما يشاكله (6)، وإن كانت المشاكلة قد تكون فى طبقات (7)، إلا أن (8) النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة، كما تجود به مع الشهوة والمحبة.
وقال بعض أهل الأدب: حسب الشاعر عونا على صناعته أن يجمع خاطره بعد أن يخلى قلبه من فضول الأشغال، ويدع الامتلاء من الطعام والشراب، ثم يأخذ فيما يريد.
وأفضل ما استعان به الشاعر فضل غنى، وإفراط طمع (9)، والفقر آفة
__________
(1) فى البيان والتبيين: «فإن ابتليت».
(2) فى البيان والتبيين: «ولم تسمح لك الطباع فى أول وهلة، وتعاصى عليك بعد إجالة الفكرة، فلا تعجل».
(3) فى البيان والتبيين: «وسواد»، وفى ف «وسواد ليلك»، وفى المطبوعتين: «أو سواد ليلك»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(4) فى ف والمطبوعتين: «فى الصناعة»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) فى البيان والتبيين: «من غير حادث شغل عرض».
(6) فى ص: «ما شكله»، واعتمدت ما فى البيان والتبيين وف، وفى المطبوعتين والمغربيتين:
«ما شاكله».
(7) فى ف والمطبوعتين: «فى صفات»، وفى هامش م كتب المحقق: «فى التونسية «طبقات» وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين.
(8) فى البيان والتبيين: «لأن النفوس».
(9) فى ف وخ: «أو فضل طمع» وفى م والمغربيتين «أو فرط طمع»، وفى هامش م كتب المحقق: «هكذا فى التونسية، وفى المصريتين أو فضل طمع».(1/396)
الشعر وإنما ذلك لأن الشاعر إذا صنع القصيدة وهو فى غنى وسعة نقّحها، وأنعم النظر فيها على مهل، فإذا كان مع ذلك طمع قوى انبعاثها من ينبوعها، وجاءت / الرغبة بها فى نهايتها محكمة، وإذا كان فقيرا مضطرّا رضى بعفو كلامه، وأخذ ما أمكنه من نتيجة خاطره، ولم يتّسع فى بلوغ مراده، ولا بلغ مجهود نيّته لما يحفزه من الحاجة والضرورة، فجاء دون عادته فى سائر أشعاره، وربما قصّر عمّن هو دونه بكثير، ومنهم من تحمى الحاجة خاطره، وتبعث قريحته، فإذا أوسع أنف، وصعب عليه عمل الأبيات اليسيرة فضلا عن الكثيرة.
وللعادة فى هذه الأشياء فعل (1) عظيم، وهى طبيعة خامسة كما قيل فيها.
* * * __________
(1) فى ص: «فضل».(1/397)
باب فى المقاطع والمطالع
اختلف أهل المعرفة فى المقاطع / والمطالع، فقال بعضهم: هى الفصول والوصول بعينها، فالمقاطع أواخر الفصول، والمطالع أوائل الوصول، وهذا القول هو الظاهر فى (1) فحوى الكلام، والفصل آخر جزء من القسيم الأول، كما قدمت، وهو (2) العروض أيضا، والوصل أول جزء يليه من القسيم الثانى.
وقال غيرهم: المقاطع منقطع الأبيات، وهى القوافى، والمطالع أوائل الأبيات.
وقال قدامة بن جعفر (3) فى بعض تآليفه (4) وقد ذكر الترصيع: هو أن يتوخى تصيير مقاطع الأجزاء فى البيت على سجع، أو شبيه به، أو من جنس واحد فى التصريف.
فأشار بهذه العبارة إلى أن المقاطع أواخر أجزاء البيت، كما ترى، وقد نجد من الشعر المرصّع ما يكون سجعه فى غير مقاطع الأجزاء، نحو قول أمّ معدان (5) الأعرابية فى مرثية لها: [البسيط]
فعل الجميل وتفريج الجليل وإع ... طاء الجزيل الّذى لم يعطه أحد (6)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «من فحوى»، وما فى ص يوافق المغربيتين. وفحوى الكلام: معناه ولحنه، وعرفت ذلك فى فحوى كلامه: أى مغراضه ومذهبه. انظر اللسان فى [فحا].
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وهى العروض».
(3) هو قدامة بن جعفر بن قدامة، يكنى أبا الفرج، كان نصرانيا وأسلم على يد المكتفى بالله، وكان أحد البلغاء الفصحاء، والفلاسفة الفضلاء، وممن يشار إليه فى علم المنطق، وله مؤلفات كثيرة.
ت 337هـ.
الفهرست 144، ومعجم الأدباء 17/ 12، والنجوم الزاهرة 3/ 298297
(4) انظر هذا القول فى نقد الشعر 40
(5) لم أعثر لها على ترجمة.
(6) البيت آخر ستة أبيات فى الأمالى 2/ 96، لأم معدان الأنصارية، وفيه: «وإعطاء الجزيل إذا لم يعطه أحد» وآخر ستة أبيات فى الزهرة 2/ 543لامرأة ترثى بنيها، وفيه: «بذل الجليل» وآخر أربعة أبيات فى زهر الآداب 2/ 965لامرأة من العرب يقال إنها امرأة العباس عم النبى صلى الله عليه وسلّم، وفيه «بث الجميل».(1/398)
فالسجع فى هذا البيت اللّام المطردة فى ثلاثة أمكنة منه، وأواخر (1) الأجزاء التى هى المقاطع على شرط (2) الياء التى قبل اللام، اللهم إلا أن يجعل السجع هو الياء الملتزمة فحينئذ، على أنا / لا نعلم حرف السجع يكون إلا متأخرا فى مثل هذا المكان، ومثل هذا فى أنواع الأعاريض كثير.
ومن الناس من يزعم أن المطلع والمقطع أول القصيدة وآخرها. وليس ذلك بشئ لأنا نجد فى كلام جهابذة النقاد إذا وصفوا قصيدة قالوا: حسنة المقاطع، جيدة المطالع، ولا يقولون: المقطع والمطلع، وفى هذا دليل واضح لأن القصيدة إنما لها أوّل واحد، وآخر واحد، ولا يكون لها أوائل وأواخر، إلا على ما قدمت من ذكر ابتداءات (3) الأبيات والأقسمة وانتهاءاتها (4).
وسألت الشيخ أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن السمين (5) عن هذا، فقال: المقاطع أواخر الأبيات، والمطالع أوائلها، قال: ومعنى قولهم: «حسن المقاطع، جيد المطالع» أن يكون مقطع البيت وهو القافية متمكنا، غير قلق، ولا متعلق بغيره، فهذا هو حسنه، والمطلع وهو أول البيت جودته هو أن يكون دالّا على ما بعده، كالتصدير وما شاكله.
وروى الجاحظ (6) أن شبيب بن شيبة (7) كان يقول: الناس موكّلون بتفضيل جودة الابتداء، وبمدح صاحبه، وأنا موكّل بتفضيل جودة المقطع، وبمدح
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وآخر»، وفى مغربية: «أو آخر»، والأخرى مثل ص.
(2) فى ف والمطبوعتين: «على شريطة»، وفى المغربيتين: «على شرطه».
(3) سقطت كلمة «ابتداءات» من المطبوعتين، ومغربية، والأخرى مثل ص وف.
(4) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «وانتهائها»، وفى المغربية الأخرى: «أو انتهائها».
(5) لم أعثر له على ترجمة فى جميع الكتب التى تحدثت عن علماء إفريقية والأندلس.
(6) انظر البيان والتبيين 1/ 112
(7) هو شبيب بن شيبة بن عبد الله بن الأهتم، يكنى أبا معمر، كان ذا لسن وفصاحة، وكان شريفا يفزع إليه أهل البصرة فى حوائجهم، وكان أثيرا عند المنصور والمهدى.
البيان والتبيين 1/ 24هامش، وجمهرة أنساب العرب 217، ووفيات الأعيان 2/ 458، والوزراء والكتاب 141، والفهرست 139، وثمار القلوب 29(1/399)
صاحبه، وحظّ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة أرفع من حظّ سائر البيت (1).
وحكاية الجاحظ هذه تدل على أن المقطع آخر البيت أو القصيدة، وهو بالبيت أليق لذكر حظ القافية.
وحكى أيضا عن صديق (2) له أنه قال للعتابى (3): ما البلاغة؟ فقال:
كل ذى (4) كلام أفهمك حاجته من غير إعادة، ولا حبسة، ولا استعانة فهو بليغ، قال (5): قلت: قد عرفت / الإعادة والحبسة فما الاستعانة؟ قال: أما تراه إذا تحدث / قال عند مقاطع كلامه: يا هناه (6)، واسمع منى، واستمع إلىّ، وافهم (7)، وألست تفهم؟ هذا كله عىّ وفساد (7).
قال صاحب الكتاب: وهذا القول من العتابى يدل على أن المقاطع أواخر الفصول.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «من سائر البيت أو القصيدة»، وهذه الزيادة ليست فى البيان والتبيين، ويبدو لى أنها من سهو النساخ: لأن الكلمة ستأتى فى الكلام اللاحق.
(2) انظر البيان والتبيين 1/ 113، وفيه زيادة عما هنا.
(3) هو كلثوم بن عمرو بن أيوب التغلبى، يكنى أبا عمر، وهو من أهل الشام، وسكن بغداد، ورمى بالزندقة، فطلبه الرشيد، فهرب إلى اليمن، ثم أمنه الرشيد بعد شفاعة الفضل بن يحيى البرمكى، وكان العتابى كاتبا حسن الترسل، وشاعرا مجيدا، يسلك طريق النابغة. ت 220هـ.
الشعر والشعراء 2/ 863، وتاريخ بغداد 12/ 488، وطبقات ابن المعتز 261، والأغانى 13/ 109، ومعجم الشعراء 244، والموشح 449، ومعجم الأدباء 17/ 26، ووفيات الأعيان 4/ 122، والفهرست 134، وفوات الوفيات 3/ 219، ومروج الذهب 4/ 14، وله ذكر كثير فى البيان والتبيين، وعيون الأخبار، وزهر الآداب.
(4) فى البيان والتبيين: «كل من أفهمك» وفى ف: «كل ذى كلام أفهمك صاحبه حاجته فيه»، وفى المطبوعتين: «كل كلام أفهمك صاحبه حاجته»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) قبل هذا القول فى البيان والتبيين: «فإن أردت اللسان الذى يروق الألسنة، ويفوق كل خطيب، فإظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل فى صورة الحق».
(6) فى البيان والتبيين: «يا هناه، ويا هذا، ويا هيه»، وفى ف والمطبوعتين: «يا هناه اسمع منى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(77) فى البيان والتبيين: «وافهم عنى، أو لست تفهم؟ أو لست تعقل؟ فهذا كله، وما أشبهه عى وفساد».(1/400)
ومثله ما حكاه الجاحظ أيضا (1) عن المأمون أنه قال لسعيد (2) بن سلم (3): والله إنك لتصغى لحديثى (4)، وتقف عند مقاطع كلامى.
وإذا جعل المقطع والمطلع مصدرين بمعنى القطع والطلوع كانت الطاء واللام مفتوحتين، وإذا أريد موضع القطع والطلوع كسرت الّلام خاصة، وهو مسموع على غير قياس.
* * * __________
(1) انظر البيان والتبيين 2/ 40
(2) هو سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلى، يكنى أبا محمد، كان عالما بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس، وكان قد سكن خراسان، وولاه السلطان بعض الأعمال بمرو، وقدم بغداد وحدث بها، وروى عنه ابن الأعرابى. ت 217هـ.
تاريخ بغداد 9/ 74، وبغية الوعاة 1/ 584، والوافى بالوفيات 15/ 225، وجمهرة أنساب العرب 246
(3) فى ف: «ابن مسلم» وفى خ: «ابن أسلم» وفى الهامش ما يشير إلى أنه فى نسخة «مسلم».
(4) فى البيان والتبيين: «والله إنك لتستقفى حديثى».(1/401)
باب المبدأ، والخروج، والنهاية (6)
قيل لبعض الحذاق بصناعة الشعر: لقد طار اسمك واشتهر، فقال:
إنى (1) أقللت (2) الحزّ، وطبّقت المفصل، وأصبت مقاتل الكلام، وقرطست نكت الأغراض بحسن الفواتح والخواتم، ولطف الخروج إلى المدح والهجاء.
وقد صدق لأن حسن الافتتاح داعية الانشراح، ومظنّة (3) النجاح، ولطافة الخروج إلى المديح سبب ارتياح الممدوح، وخاتمة الكلام أبقى فى السمع، وألصق بالنفس لقرب العهد بها، فإن حسنت حسن، وإن قبحت قبح، و «الأعمال بخواتيمها»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وبعد، فإن الشعر قفل أوّله مفتاحه، وينبغى للشاعر أن يجوّد ابتداء شعره فإنه أوّل ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة.
وليجتنب «ألا»، و «خليلى»، و «قد»، فلا يستكثر منها فى ابتدائه فإنها من علامات الضعف والتّكلان، إلا للقدماء الذين جروا على عرق، وعملوا على شاكلة. وليجعله حلوا سهلا، وفخما جزلا.
فقد اختار الناس (4) كثيرا من الابتداءات، أذكر منها هاهنا ما أمكن ليستدل به، نحو قول / امرئ القيس: (5)
__________
(6) انظر بديع ابن المعتز 60، والصناعتين 431وما بعدها، والوساطة 48، وبديع أسامة 285، وعيار الشعر 184، وكفاية الطالب 51، ونهاية الأرب 7/ 133
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «لأنى».
(2) فى م كتب المحقق فى الهامش: «كذا فى المصريتين، وفى التونسية أجدت الحز، وأظنه أصبت المحز». وأقول: إنه يقصد أنه لا يكرر الحز لأنه لو كرره لكانت آلته غير قاطعة، أما إذا لم يكرر الحز فمعنى ذلك أنه يصيب الغرض من أول مرة، وهذا يدل على خبرته. انظر البيان والتبيين 1/ 106وعيون الأخبار 2/ 169، والعقد الفريد 2/ 261
(3) فى ف والمطبوعتين: «ومطية»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) انظر هذا وما بعده فى حلية المحاضرة 1/ 205و 206
(5) ديوان امرىء القيس 8والمذكور صدر بيت عجزه: «بسقط اللوى بين الدخول فحومل».(1/402)
[الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وهو عندهم (1) أفضل ابتداء صنعه شاعر لأنه وقف، واستوقف، وبكى، واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل فى مصراع واحد، وقوله (2):
[الطويل]
ألا عم صباحا أيّها الطلل البالى
ومثله قول القطامى واسمه عمير بن شييم التغلبى (3):
[البسيط]
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطلل
وكقول النابغة (4):
[الطويل]
كلينى لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطئ الكواكب (5)
وقوله: (6)
[الطويل]
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا ... وهمّين همّا مستكنّا وظاهرا
هذا بعض ما اختير للقدماء. ومما اختير لهم فى الرثاء قول أوس بن حجر (7):
[المنسرح]
أيّتها النفس أجملى جزعا ... إنّ الّذى تحذرين قد وقعا
ومما اختير للمحدثين قول بشار بن برد (8):
__________
(1) انظر هذا كله فى الأغانى 3/ 148، وانظر الأوائل 436
(2) ديوان امرئ القيس 27، والمذكور صدر بيت عجزه: «وهل يعمن من كان العصر الخالى».
(3) ديوان القطامى 23، والمذكور صدر بيت فى الابتداء عجزه: «وإن بليت وإن طالت بك الطيل».
(4) ديوان النابغة الذبيانى 40، وانظر ما قيل عن البيت فى الحلية 1/ 205
(5) فى ف: «كلينى بهم) [كذا].
(6) ديوان النابغة 67
(7) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 207، وعيون الأخبار 2/ 192، والأمالى 3/ 34، والأغانى 11/ 74، والعقد الفريد 3/ 265وحلية المحاضرة 1/ 206ولباب الآداب 2/ 13
(8) ديوان بشار بن برد 4/ 162، والمذكور صدر بيت فى الابتداء عجزه: «وماذا عليه لو أجاب متيما؟». وانظر حلية المحاضرة 1/ 206(1/403)
[الطويل]
أبى طلل بالجزع أن يتكلّما
وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه محدث.
/ وقول أبى نواس (1): [الطويل]
لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طول ما أقوت وحسن رسوم؟
وقوله: (2) [الكامل]
رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفّى عليه بكى عليك طويل
وقوله (3): [مخلع البسيط]
أعطتك ريحانها العقار ... وحان من ليلنا انسفار (4)
وقوله (5): [البسيط]
دع عنك لومى فإنّ اللوم إغراء ... وداونى بالّتى كانت هى الدّاء (6)
وما أشبه ذلك ممّا لو تقصّيته لطال وكثر.
وليرغب عن التعقيد فى الابتداء فإنه أول العىّ، ودليل الفهّة (7)، فقد حكى أن دعبل بن على الخزاعى ورد حمص، فقصد دار عبد السلام بن رغبان ديك الجنّ، فكتم نفسه عنه خوفا من قوارصه ومشارّته (8)، فقال: ما له يستتر، وهو أشعر الجن والإنس؟ أليس (9) الذى يقول (10)؟:
__________
(1) ديوان أبى نواس 447، وفيه جاء البيت هكذا.
لمن دمن تزداد حسن رسوم ... على طول ما أقوت وطيب نسيم؟
أقوت: خلت، وانظر هذا فى حلية المحاضرة 1/ 28و 207
(2) ديوان أبى نواس 225وسيأتى البيت فى ص 781
(3) ديوان أبى نواس 73، وفيه جاء الشطر الثانى هكذا: «وحان من ليلك انسفار»، وانظر الصناعتين 198حول السرقة فى هذا البيت، وانظر حلية المحاضرة 1/ 207
(4) سقط الشطر الثانى من ص والمغربيتين
(5) ديوان أبى نواس 6
(6) سقط الشطر الثانى من ص.
(7) الفهّة: العىّ، والنسيان، والسقطة، والجهلة.
(8) مشارته: مخاصمته.
(9) فى ف: «أليس القائل»، وفى المطبوعتين فقط: «أليس هو الذى يقول».
(10) ديوان ديك الجن 107و 108(1/404)
[الطويل]
بها غير معذول فداو خمارها ... وصل بعشيّات الغبوق ابتكارها (1)
/ ونل من عظيم الرّدف كلّ عظيمة ... إذا ذكرت خاف الحفيظان نارها (2)
فظهر إليه، واعتذر له، وأحسن نزله، ثم تناشدا، فأنشد ديك الجن ابتداء قصيدة (3): [المنسرح]
كأنّها ما كأنّه خلل ال ... خلّة وقف الهلوك إذ بغما (4)
فقال له دعبل: أمسك، فو الله ما ظننتك تتم البيت إلا وقد غشّى عليك، أو تشكّيت فكّيك، ولكأنك فى جهنم تخاطب الزبانية، أو قد تخبّطك الشيطان من المسّ.
وإنما أراد الديك أن يهوّل عليه، ويقرع سمعه، عسى أن يروعه ويردعه، فسمع منه ما كره أن يسمعه.
ولعمرى ما ظلمه دعبل، ولقد أبعد مسافة الكلام، وخالف العادة، وهذا بيت قبيح من جهات: منها إضمار ما لم يذكر قبل، ولا جرت العادة بمثله فيعذر، ولا كثر استعماله فيشتهر، مع إحالة تشبيه على تشبيه، وثقل تجانسه الذى هو حشو فارغ لو طرح (5) من البيت لكان أحزم، واستدعى قافية (6) لا لشئ إلا لفساد المعنى، واستحالة التشبيه، ما الذى (7) يزيد «بغامه» فى تشبيه «الوقف»
__________
(1) فى ف ومغربية: «غير معدول» بالدال المهملة وفى خ: «غير معلول»، وفى م كتب المحقق فى الهامش: «فى المصريتين: «بها غير مغلول»!! وفى الديوان: «بها غير معذور».
الخمار: ما خالط من سكر الخمر، أو ما يصيب من ألمها وصداعها. الغبوق: الشرب آخر النهار.
والابتكار: الشرب فى الصباح، ومثله الصبوح.
(2) فى الديوان: «ونل من عظيم الوزر».
(3) فى ص: «قصيدته».
(4) ديوان ديك الجن 187، وهو بيت مفرد فيه. وانظر مسائل الانتقاد 192
الخلل: منفرج ما بين كل شيئين. الخلّة: كل نبت حلو. بغم: صوّت، وبغام الظبية: صوتها.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولو طرح».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قافيته».
(7) فى ف ومغربية: «ما الذى يريد»، وفى خ: «ما الذى يريد بغامه فى تشبيهه»، وفى م: «ما الذى يريد ببغامه فى تشبيهه الوقف»، وما فى ص يوافق المغربية الأخرى.(1/405)
وهو السوار؟ ولم كان وقف الهلوك خاصة؟ ومعنى البيت: أن عشيقته كأنها فى جيدها وعينها الغزال الذى كأنه بين نبات الخلة سوار الجارية الحسنة المشى المتهالكة فيه، وقيل: الهلوك: البغىّ الفاجرة، فما هذا كله؟ وأى شئ تحته؟.
ومثله قول محمد بن عبد الملك الزيات يصف ناقته أول قصيدة مدح بها الحسن بن سهل (1): [الرجز]
كأنّها حين تناءى خطوها ... أخنس موشىّ الشوى يرعى القلل (2)
/ فالعيب الأول فى مخالفة العادة لازم له، ومع ذلك قوله: «حين تناءى خطوها» يقصّر (3) بها، وهو يقدر أن يقول: «حين تدانى خطوها»، وخالف جميع الشعراء بذلك لأنهم إنما يصفون الناقة بالظليم، والحمار، والثور، بعد الكلال غلوّا (4) ومبالغة فى الوصف، هذا هو الجيد، فإن لم يفعلوا لم يذكروا أنها بذلت جهدها، واستفرغت جميع ما عندها، بل يدعون التأويل محتملا للزيادة، / ثم قال: «يرعى القلل»، والثور لا يرعى قلل الجبال، وإنما ذلك الوعل فإنه لا يسهل، والثور فى السهول، والدماث (5)، ومواضع الرمال، إلا أن يريد قلل
__________
(1) هو الحسن بن سهل بن عبد الله السرخسى، يكنى أبا محمد، كان وزيرا للمأمون، ووالد زوجته بوران، وهو أخو الفضل بن سهل، وكانا من أهل بيت الرياسة فى المجوس، وأسلما مع أبيهما سهل زمن الرشيد، ت 236هـ.
تاريخ بغداد 7/ 319، ووفيات الأعيان 1/ 120، والفخرى فى الآداب السلطانية 222، وصفحات أخرى منه، والوزراء والكتاب فى صفحات كثيرة، وشذرات الذهب 2/ 86، والوافى 12/ 37، وسير أعلام النبلاء 11/ 171
(2) ديوان الوزير محمد بن عبد الملك الزيات 56، وفيه: «حين تنئى خطوها» والأغانى 23/ 70وفيه: «تناءى خطوه». الأخنس: «الذى قصرت قصبته، وارتدّت أرنبته إلى قصبته، والبقر كلها خنس. موشىّ الشوى: منقوش الأطراف. والقلل جمع قلة: وهى أعلى الجبل.
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أخنس مطوى الشوى» وما فى ص وف يوافق الأغانى والديوان.
(3) فى ف وخ: «فقصر بها»، وفى م: «مقصر بها»، وص مثل المغربيتين.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «غلوّا فى الوصف ومبالغة».
(5) الدّماث: الأرض السهلة اللينة سواء كانت رملا أو غيره.(1/406)
النبات: أعاليه، فربما، أو تكون (1) القلل نبتا بعينه، أو مكانا، فقد يمكن، وما سمعت بهما.
ومن الشعراء من يقطع المصراع الثانى من الأول إذا ابتدأ شعرا، وأكثر ما يقع ذلك فى النسيب، كأنه يدل بذلك على وله وشدة حال، كقول أبى الطيب (2): [الكامل]
جللا كما بى فليك التّبريح ... أغذاء ذا الرّشإ الأغنّ الشيح؟
فهذا اعتذار من اعتذر له، ولو وقع مثل هذا فى الرثاء والتفجع لكان موضعه أيضا، وكذلك عند العظائم من الأمور، والنوازل الشديدة.
وليحترس مما تناله (3) فيه بادرة، أو يقع عليه مطعن فإن أبا تمام امتدح أبا دلف بحضرة بعض (4) من كان يكرهه، وافتتح ينشد قصيدته المشهورة (5):
[الطويل]
على مثلها من أربع وملاعب
وكانت فيه حبسة شديدة، فقال الرجل: لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، فدهش أبو تمام، حتى ظهر (6) ذلك عليه، على أنه غير مأخوذ بما قيل، ولا هو مما يدخل عليه عيبا، / ولا يلزمه ذنبا على الحقيقة، إلا أن الحوطة والتحفّظ من خجلة البادرة أفضل وأهيب، والتفريط أرذل وأخيب (7).
__________
(1) فى ف: «فربما أن يكون»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «فربما أن تكون».
(2) ديوان المتنبى 1/ 243
(3) فى ص: «بما تناله فيه نادرة»، وفى ف: «مما يناله فيه زيادة»، واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين.
(4) سقطت كلمة «بعض» من ف والمطبوعتين.
(5) ديوان أبى تمام 1/ 198، والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «أذيلت مصونات الدموع السواكب». ولم أعثر على الخبر الذى ذكره المؤلف فى جميع الكتب التى تحدثت عن أبى تمام ما عدا بديع أسامة 286، وقد أجمعت على أنه أخذ مبالغ طائلة من أبى دلف فى هذه القصيدة، ويبدو لى أن أسامة بن منقذ نقل ذلك عن العمدة، وانظر ما قيل عن جودة البيت فى الموازنة 1/ 451
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «حتى تبين».
(7) فى ف: «وأخبث»، وهو تصحيف، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أرذل وأخذل».(1/407)
ودخل جرير على عبد الملك بن مروان، فابتدأ ينشده (1):
[الوافر]
أتصحو أم فؤادك غير صاح؟
فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا ابن الفاعلة، كأنه استثقل هذه المواجهة، وإلا فقد علم أن الشاعر إنما خاطب نفسه.
ومن هذه الجهة بعينها عابوا على أبى الطيب قوله لكافور أول لقائه مبتدئا، وإن كان إنما يخاطب نفسه لا كافورا (2): [الطويل]
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
فالعيب من باب التأدب للملوك، وحسن السياسة لازم لأبى الطيب فى هذا الابتداء، لا سيما وهذا النوع أعنى جودة الابتداء من أجلّ محاسن أبى الطيب، وأشرف مآثر شعره إذا ذكر الشعر (3).
ودخل ذو الرّمّة على عبد الملك بن مروان، فاستنشده شيئا من شعره فأنشده (4): [البسيط]
ما بال عينك منها الماء ينسكب (5)
وكانت بعين عبد الملك ريشة، فهى (6) تدمع أبدا، فتوهم أنه خاطبه، أو عرّض به، فقال: وما سؤالك عن هذا يا جاهل؟! ومقته (7)، فأمر بإخراجه (8).
__________
(1) ديوان جرير 1/ 87، والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «عشيّة همّ صحبك بالرّواح». وانظر ما قيل عن البيت فى الموشح 376
(2) ديوان المتنبى 4/ 281
(3) انظر ما قيل عن هذا البيت فى مسائل الانتقاد 195194و 201200، والرسالة الموضحة 66، واليتيمة 1/ 162
(4) فى المطبوعتين: «فأنشده قصيدته».
(5) ديوان ذى الرمة 1/ 9، والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «كأنه من كلى مفرية سرب».
(6) فى المطبوعتين: «وهى»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(7) فى ف: «ومقته، وأمر»، وفى المطبوعتين: «فمقته، وأمر»، وص مثل المغربيتين.
(8) انظر هذا فى الموشح 374، والهفوات النادرة 42و 43، وفيهما أنه لما نبّه إلى ذلك غير القول إلى: «ما بال عينى منها الماء ينسكب» حتى أتى على آخرها، فأجازه وأكرمه، وانظر(1/408)
وكذلك فعل ابنه هشام بأبى النجم، وقد أنشده فى أرجوزة (1):
[الرجز]
والشمس قد كادت ولمّا تفعل ... كأنّها فى الأفق عين الأحول (2)
وكان هشام أحول، فأمر به فحجب عنه مدة، وكان (3) قبل ذلك من خاصته، يسمر عنده، ويمازحه.
وإنما يؤتى الشاعر فى هذه الأشياء / إما من غفلة فى الطبع وغلظ، أو من استغراق فى الصنعة، وشغل هاجس بالعمل، يذهب مع حسن القول / حيث (4) ذهب.
والفطن الحاذق يختار للأوقات ما يشاكلها، وينظر فى أحوال المخاطبين، فيقصد محابّهم، ويميل فى (5) شهواتهم وإن خالفت شهوته، يتفقّد ما يكرهون سماعه فيجتنب ذكره.
ألا ترى أن بعض الملوك قال لأحد الشعراء وقد أورد بيتا ذكر فيه:
لو خلّد (6) أحد لكنت مخلّدا بكرمك، أو قال كلاما نحو هذا (7): إن الموت حق، ولنا فيه (8) نصيب، غير أن الملوك تكره ذكر ما ينكّد عيشها، وينغص لذتها، فلا تأتنا بشئ مما نكره ذكره (9).
__________
الصناعتين 431، وسر الفصاحة 175، ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 187هذا وإن القاضى الجرجانى فى الوساطة 157يشكك فى هذا الخبر فيقول: «وأنا أرتاب بهذا الخبر، ولا أظنه ثبتا». ومما يؤكد ذلك أن هذه القصيدة شغلت ذا الرمة طول حياته، حتى إن حمادا الراوية قال: إن ذا الرمة ما تمم هذه القصيدة حتى مات» وكان ذو الرمة مجنونا بهذه القصيدة. الأغانى 18/ 22و 23
(1) انظر الشعر والشعراء 2/ 604، والأغانى 10/ 155، والخزانة 2/ 391، وفى الموشح 334 و 335و 376و 377ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 187
(2) فى الشعر والشعراء: «صغواء قد كادت فهى على الأفق كعين» وفى الديوان:
«حتى إذا الشمس اجتلاها المجتلى» وفى الموشح: «والشمس قد صارت كعين الأحول».
والصغواء بالغين المعجمة المائلة للغروب.
(3) فى ف والمطبوعتين: «وقد كان»، وص مثل المغربيتين.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أين ذهب».
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «ويميل إلى».
(6) فى المطبوعتين فقط: «لو خلد أحد بكرم».
(7) فى ف والمطبوعتين فقط زيادة: «فقال الملك».
(8) فى ف: «ولنا منه»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وإن لنا منه نصيبا».
(9) انظر فى مثل هذا ما حدث بين عبد الملك بن مروان وأرطاة بن سهية فى الموشح 377و 378(1/409)
ومن المشهور أن النعمان بن المنذر أتى (1) شجرة ظليلة ملتفّة الأغصان فى مرج حسن كثير الشقائق، وكان معجبا بها، وإليه أضيفت، فقيل (2):
شقائق النعمان، فنزل، وأمر بالطعام والشراب فأحضر، وجلس للذّته، فقال له عدىّ بن زيد وكان كاتبه: أتعرف أبيت اللعن ما تقول هذه الشجرة؟
فقال: وما تقول؟ قال: تقول (3): [الرمل]
ربّ ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزّلال (4)
عكف الدّهر عليهم فثووا ... وكذاك الدّهر حالا بعد حال (5)
من رآنا فليوطّن نفسه ... إنّما الدّنيا على قرنى زوال (6)
كأنه قصد موعظته، فتنغّص عليه ما كان فيه، وأمر بالطعام والشراب فرفعا من بين يديه، وارتحل من فوره، ولم ينتفع بنفسه بقية يومه وليلته، وكانا جميعا نصرانيين، فهذا شأن الملوك قديما وحديثا.
ومن هذه الجهة أكثر الناس (7) من الدعاء لهم بطول العمر، حتى بلغوا
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «بن المنذر رأى»!! ويبدو لى أن القارئ فى النسختين اختلطت عليه «راء» المنذر مع «أتى» فقرأها «رأى».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وإليه أضيفت شقائق النعمان»، بإسقاط «فقيل».
(3) ديوان عدى بن زيد 82، وانظر الأغانى 2/ 134و 135، والأول والثانى فى كل من زهر الآداب 1/ 333، والمصون فى سر الهوى المكنون 87، والأغانى 2/ 95و 96
(4) فى الديوان: «قد أناخوا عندنا»، وكذلك فى الأغانى.
(5) فى ف والمطبوعتين فقط: «عطف الدهر»، وفى م ومغربية: «فتووا» بالمثناة الفوقية، وفى الديوان:
ثم أضحوا أخنع الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودى بالجبال
وفى زهر الآداب: «ثم أضحوا لعب الدهر بهم»، وفى الأغانى 2/ 95و 96: «عصف الدهر بهم فانقرضوا» وفيه 2/ 135: «ثم أضحوا عصف الدهر بهم».
(6) فى الديوان والأغانى:
من رآنا فليحدّث نفسه ... أنه موف على قرن زوال
وفى ف: «على فرط الزوال»، وفى خ: «على فرط زوال»، وفى م: «على قرب زوال» وهذا من عند المحقق على حسب معرفته كما ذكر!! وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) فى ص: «أكثر الناس لهم الدعاء».(1/410)
بهم ما لا يمكن، فقالوا: / عش أبدا، واسلم مدى الدهر، وابق بقاء الزمان، ودم مدة الأيام.
واعترض النقاد فى ذلك، واختلفوا بحسب ما ينتحل كل واحد منهم فى قول أبى نواس للأمين (1): [المديد]
يا أمين الله عش أبدا ... دم على الأيّام والزّمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
وفى كثير من مثله.
وإذا خرج الكلام عن حد الإمكان فإنما يراد به بلوغ الغاية لا غير ذلك.
ومن قبيح ما وقع لأبى نواس، الذى أساء فيه أدبه، وخالف (2) مذهبه، أن ابن (3) برمك بنى دارا استفرغ فيها مجهوده، وانتقل إليها، فصنع أبو نواس فى ذلك الحين، أو قريبا منه، قصيدة يمدحه بها، أولها (4): [الطويل]
أربع البلى إنّ الخشوع لباد ... عليك وإنّى لم أخنك ودادى (5)
/ وختمها أو كاد بقوله (6):
سلام على الدّنيا إذا ما فقدتم ... بنى برمك من رائحين وغادى
فتطيّر منها البرمكى، واشمأزّ، حتى كلح، وظهرت الوجمة عليه، ثم قال:
نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس، فما كانت إلا مديدة حتى أوقع بهم الرشيد، وصحّت الطيرة (7).
__________
(1) ديوان أبى نواس 413، ولا يوجد فيه الشطر الثانى من البيت الأول، ولا الشطر الأول من البيت الثانى، وما هنا يوافق ما جاء فى الموشح 410، وأخبار أبى نواس فى الأغانى ط الشعب 29/ 9920، وفيه: «عش على الأيام» فى البيت الأول، وجاء البيت الأول فى نقد الشعر 213، بنص الموشح والعمدة.
(2) فى ف: «وخالف به»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وخالف فيه».
(3) فى ف والمطبوعتين: «أن بعض بنى برمك»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى ف والمطبوعتين: «يقول أولها»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) ديوان أبى نواس 471، وقيلت القصيدة للفضل بن يحيى البرمكى كما فى الديوان والصناعتين وعيار الشعر والموشح. انظر التعليق الخاص بذلك.
(6) ديوان أبى نواس 483
(7) انظر هذا الجزء كله فى عيار الشعر 205، والموشح 371و 372و 422و 423، والصناعتين 431وبديع أسامة 285(1/411)
وزعم قوم أن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشئ كان فى نفسه من جعفر (1)، ولا أظن ذلك صحيحا لأن هذه القصيدة من جيد شعره الذى لا أشك أنه تحفّل (2) له، اللهم إلا أن يصنع ذلك حيلة منه، وسترا على ما قصد إليه بذلك.
وللشعراء مذاهب فى افتتاح القصائد بالنسيب لما فيه من عطف القلوب، واستدعاء القبول، بحسب ما فى الطباع من حب الغزل، / والميل إلى اللهو والنساء، وإن ذلك استدراج إلى ما بعده.
ومقاصد الناس تختلف: فطريق أهل البادية ذكر الرحيل والانتقال، وتوقّع البين، والإشفاق منه، وصفة (3) الطلول، والحمول، والتّشوّق بحنين الإبل، ولمع البروق، ومرّ النسيم، وذكر المياه التى يلتقون عليها، والرياض التى يحلّون (4) بها من خزامى (5)، وأقحوان، وبهار، وحنوة، وظيّان، وعرار، وما أشبهها من زهر البريّة الذى (6) تعرفه العرب، وتنبته الصحارى والجبال، وما يلوح لهم من النيران فى الناحية التى بها أحبابهم، ولا يعدون النساء إذا تغزّلوا ونسبوا، فإن وقع مثل قول طرفة (7): [الطويل]
وفى الحىّ أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطى لؤلؤ وزبرجد (8)
فإنما هو كناية بالغزال (9) عن المرأة.
__________
(1) سبق ذكر أن القصيدة قيلت للفضل بن يحيى البرمكى كما فى الديوان والصناعتين وعيار الشعر والموشح.
(2) فى ف والمطبوعتين: «يحتفل» وفى المغربيتين: «يحفل» وهو تصحيف.
(3) فى ص: «وصفة الحمول»، وفى ف: «وصفة الطلول والحلول»، وسقطت «الحمول» من المغربيتين.
(4) مكان «يحلون بها» بياض فى ف، وأشار الناسخ فى الهامش إلى أنه «بياض فى الأصل».
(5) الخزامى والأقحوان والبهار والحنوة والظّيان والعرار كلها نباتات برية طيبة الرائحة. [انظر اللسان].
(6) مكان «الذى تعرفه» بياض فى ف، وأشار إلى ذلك فى الهامش.
(7) ديوان طرفة 8
(8) الأحوى: الذى تخالط حمرة شفته سمرة، من الحوة وهى الحمرة المختلطة بالسواد، أو هى السواد الذى يضرب إلى الخضرة. والمرد: شجر الأراك. وشادن: القوى الذى شب. ومظاهر: لابس. والسمطان مثنى مفرده سمط: وهو السلك أو الخيط الذى تنظم فيه الجواهر. [من الديوان بتصرف].
(9) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «بالغزل»، وهو خطأ لأن الشاعر يتحدث عن الظبى الذى هو ولد الغزال، وفيه الحوّة التى تحدث عنها، وص مثل المغربية الأخرى.(1/412)
وأهل الحاضرة يأتى أكثر تغزلهم فى ذكر الصدود، والهجران، والواشين، والرقباء، ومنعة الحرس، والأبواب، وفى ذكر الشراب، والندامى، والورد، والنسرين، والنيلوفر، وما شاكل ذلك من النواوير البلدية، والرياحين البستانية، وفى تشبيه التفاح، والتحية به، ودسّ الكتب، وما شاكل ذلك مما هم (1) منفردون به.
وقد ذكروا الغلمان تصريحا، ويذكرون النساء أيضا، منهم من سلك فى ذلك مذهب (2) الشعراء اقتداء بهم، واتّباعا لما ألفته طباع الناس معهم، كما يذكر أحدهم الإبل، ويصف المفاوز على العادة المتعارفة، ولعله لم يركب جملا قط، ولا رأى ماوراء الجبّانة، ومنهم من يكون قوله فى النساء اعتقادا منه، وإن ذكّر فجريا / على عادة المحدثين، وسلوكا لطريقتهم لئلا يخرج عن شكل (3)
أصحابه، ويدخل فى غير سلكه وبابه، أو كناية بالشّخص عن الشخص لرقته، أو حب رشاقة (4)، وهذا مما لا يطلب عليه شاهد لكثرته، إلا أنّى (5) أتملّح فى هذا المكان بقول أبى نواس (6): [البسيط]
علىّ عين وأذن من مذكّرة ... موصولة بهوى اللوطىّ والغزل
/ كلاهما نحوها سام بهمّته ... على اختلافهما فى موضع العمل
والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفاوز، وما أنضى من الركائب، وما تجشّم من هول الليل وسهره، وطول النهار وهجيره، وقلّة الماء وغؤوره، ثم يخرج إلى مدح المقصود ليوجب عليه حقّ القصد، وذمام القاصد، ويستحق منه المكافأة.
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مما هم به منفردون».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مسلك».
(3) فى ف والمطبوعتين: «سلك»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) فى ف والمطبوعتين: «رشاقته»، وما فى ص مثل المغربيتين.
(5) فى ص: «أن أتملح»، وفى ف: «أنى أتلمّح».
(6) ديوان أبى نواس 449
والمقصود بالمذكرة التى تتشبه بالذكور.(1/413)
وكانوا قديما أصحاب خيام، ينتقلون من موضع إلى آخر فلذلك أول ما تبدأ أشعارهم بذكر الديار، فتلك ديارهم، وليست كأبنية الحاضرة، فلا معنى لذكر الحضرىّ الديار إلا مجازا لأن الحاضرة لا تنسفها الرياح، ولا (1) يمحوها المطر، إلا أن يكون ذلك بعد زمان طويل لا يمكن أن يعيشه أحد من هذا (2) الجيل.
وأحسن ما استعمله المولّد المحدث (3) ما ناسب قول على بن العباس الرومى (4): [الطويل]
سقى الله قصرا بالرّصافة شاقنى ... بأعلاه قصرىّ الدّلال رصافى
أشار بقضبان من الدّرّ قمّعت ... يواقيت حمرا فاستباح عفافى (5)
وكانت دوابّهم الإبل لكثرتها، وعدم غيرها، ولصبرها على التعب، وقلّة الماء والعلف، فلهذا أيضا خصوها بالذّكر دون غيرها، ولم يكن أحد منهم (6) يرضى بالكذب فيصف ما ليس عنده / كما يفعل المحدثون ألا ترى (7)
امرأ القيس لما كان ملكا كيف ذكر خيل البريد والفرانق (8)، على أنه لم يستغن عن ذكر الإبل للعادة التى جرت على ألسنتهم، فقال يصف رحيله إلى قيصر ملك الروم (9):
__________
(1) سقطت «لا» من ص.
(2) فى ف والمطبوعتين: «من أهل الجيل» وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) فى ف: «المولدون والمحدثون قول ابن الرومى».
(4) ديوان ابن الرومى 4/ 1627وسيأتى البيتان فى باب التشبيه ص 491
(5) فى ص: «من الدر جمعت»، وفى الديوان: «تستبيح عفافى».
وقمعت: من قولنا: قمعت المرأة بنانها بالحناء: أى خضبت به أطرافها فصار لها كالأقماع، انظر اللسان فى [قمع].
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «أحدهم».
(7) فى المطبوعتين: «ألا ترى أن امرأ القيس»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(8) فى ف والمطبوعتين فقط زيادة «يعنى البريد» قال ابن دريد فى جمهرة اللغة 2/ 1208:
«وفرانق: فارسى معرّب، وهو سبع يصيح بين يدى الأسد، كأنه ينذر الناس به، ويقال: إنه شبيه بابن آوى، يقال له: فرانق الأسد. قال أبو حاتم: يقال: إنه الوعوع. ومنه فرانق البريد»، وانظر اللسان أيضا.
(9) ديوان امرىء القيس 66و 67، مع اختلاف فى الترتيب.(1/414)
[الطويل]
إذا قلت روّحنا أرنّ فرانق ... على جلعد واهى الأباجل أبترا (1)
على كلّ مقصوص الذّنابى معاود ... بريد السّرى بالليل من خيل بربرا (2)
إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيدبى فى دفّه ثمّ فرفرا (3)
أقبّ كسرحان الغضى متمطّر ... ترى الماء من أعطافه قد تحدّرا (4)
وكانت الخيل البريدية (5) تهلب أذنابها كالبغال لتدخل مداخلها فى خدمة البريد، وليعلم أنها للملك.
وقال الفرزدق (6): [الكامل]
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع (7)
لما كان الذى راحت به البغال أميرا يذكر رحيله، وقد عزل.
وقال ابن ميادة فى ابن هبيرة لما كان أميرا أيضا (8):
__________
(1) فى ص والمغربيتين: جاء الشطر الثانى هكذا: «على هزج دامى الأباجل أبترا».
وروحنا: أرحنا من تعب السير. أرنّ: رجّع صوته بالغناء. والجلعد: الغليظ الشديد. واهى:
ضعيف، والمقصود به ليّن المفاصل والعروق. الأباجل: عروق فى الرجل. والأبتر: مقطوع الذّنب [من الديوان].
(2) يقول: أقطع هذا الطريق على كل فرس مقصوص الذّنب، وكذلك خيل البريد. وقوله: «معاود بريد السّرى» أى: قد استعمل فى سير البريد مرارا وعاوده. وقوله: «من خيل بربر» يعنى: أن بردهم إذ ذاك كانت من الخيل، وخص خيل بربر لأنها كانت أصلب الخيل عندهم وأجودها. [من الديوان].
(3) زعته من زاع بمعنى استحث، أو جذب باللجام. الهيدبى: مشية فيها تبختر، والدّف:
صفحة الجنب، ودفّ الطائر إذا ضرب بجناحيه وحركهما. وفرفر: حرّك اللجام فى فمه.
(4) أقبّ: ضامر. السرحان: الذئب. والغضى: شجر. وخصّ ذئب الغضى لأنه أخبث الذئاب وأنكرها. والمتمطّر: السابق الماضى على وجهه. وترى الماء: يقصد العرق.
(5) فى المطبوعتين فقط: «البربرية».
(6) ديوان الفرزدق 2/ 508
(7) فى الديوان: «ومضت لمسلمة الركاب مودّعا»، وفى ف: «راحت لمسلمة»، وفى ص سقطت كلمة «المرتع».
(8) لم أجد الرجز فى شعر ابن ميادة، وقد وجدت الشطرين الأول والثانى فى أول عشرة أشطار تنسب لدكين يمدح عمرو بن هبيرة فى اللسان فى مادة عجز، وقد جاء الشطران دون نسبة فى المعانى الكبير 1/ 116وذكرت نسبتهما فى الهامش من اللسان، وكذلك جاءا فى جمهرة اللغة 1/ 461 و 2/ 849(1/415)
[الرجز]
جاءت به معتجرا ببرده ... سفواء تردى بنسيج وحده (1)
تقدح قيس كلّها من زنده (2)
/ إلا أن منهم من خالف هذا كله، فوصف أنه قصد الممدوح راجلا، إما إخبارا بالصدق، وإما تعاطى صعلكة ورجلة (3).
قال أبو نواس للفضل بن يحيى بن خالد: [الطويل]
إليك أبا العبّاس من بين من مشى ... عليها امتطينا الحضرمىّ الملسّنا (4)
قلائص لم تعرف حنينا على طلا ... ولم تدر ما قرع الفنيق ولا الهنا (5)
فذكر أن قلائصهم التى امتطوها إليه نعالهم، وأخرجه كما ترى مخرج اللغز.
واتبعه أبو الطيب فقال (6): [المنسرح]
/ لا ناقتى تحمل الرّديف ولا ... بالسّوط يوم الرّهان أجهدها (7)
شراكها كورها ومشفرها ... زمامها والشسوع مقودها (8)
__________
(1) معتجرا: لفّ عمامته دون التلحّى. سفواء: خفيفة الناصية، وهو يستحب فى البغال، ويكره فى الخيل، والسفواء أيضا السريعة. ونسيج وحده: لا نظير له.
(2) تقدح: توقد. والزّند والزّندة: خشبتان يستقدح بهما، فالسفلى زندة، والأعلى زند والمقصود يستمدون القوة منه. [انظر اللسان]
(3) الرّجلة بالضم المشى راجلا، والقوة على المشى، ورجل رجلة: إذا كان يمشى فى السفر وحده ولا دابة له يركبها، والرّجلة بالفتح والكسر: شدة المشى. [انظر اللسان].
(4) ديوان أبى نواس 475، وفيه: «من دون من مشى».
والحضرمى الملسنا: يقصد به النعل الذى فيه طول ولطافة كهيئة اللسان.
(5) فى ص: «من اللائى لم تعرف»، وفى الديوان: «قلائص لم تسقط جنينا من الوجى» وما فى العمدة يوافق ما جاء فى ديوان المتنبى 1/ 301، والقلائص جمع قلوص: وهى الناقة الشابة.
الفنيق: الفحل المكرم. وقرع الفنيق: ضرابه. والهنا: القطران. [من الديوان بتصرف].
(6) ديوان المتنبى 1/ 301و 302
(7) فى الديوان: «لا ناقتى تقبل».
الرديف: ما يرتدف خلف الراكب. وأجهدها: أكلفها فوق طاقتها وأتبعها. والناقة هنا: نعله.
(8) فى م: «ومثفرها».
الشراك: سير النعل. والكور: هو الرّحل، أو ما يوضع على ظهر الدابة لحمايته. المشفر: ما يقع على ظهر الرّحل من مقدم الشراك. والشسوع: التى تكون فى الأصابع بمنزلة المقود للناقة. والمقود:
الحبل الذى يقاد به سوى الزمام [من الديوان بتصرف].(1/416)
وقال كرّة أخرى فى مثل ذلك يتشكّى (1): [الكامل]
وحبيت من خوص الرّكاب بأسود ... من دارش فغدوت أمشى راكبا (2)
وقال أيضا يتصعلك ويتفقّر: [المنسرح]
ومهمه جبته على قدمى ... تعجز عنه العرامس الذّلل (3)
بصارمى مرتد بمخبرتى ... مجتزئ بالظّلام مشتمل (4)
ولو شاء قائل أن يقول: إن أبا نواس لم يرد ما ذهب إليه أبو الطيب، لكن أراد أنه معه فى بلدة واحدة، قصده فى حاجته محتذيا نعليه لكان ذلك وجها (5)، ما لم يكن الحضرمىّ (6) من الجلود مخصوصا به المسافر دون الحاضر، وظاهر الكلام أن مقصد الشاعرين واحد.
وقد ذكر أبو الطيب الخيل أيضا فى كثير من شعره، وكان يؤثرها على الإبل لما يقوم فى نفسه من التّهيّب بذكر الخيل، وتعاطى الشجاعة، فقال يذكر قدومه إلى مصر على خوف من سيف الدولة (7): [الطويل]
ويوم كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس أيّان تغرب (8)
__________
(1) ديوان المتنبى 1/ 125
(2) الخوص جمع خوصاء: وهى الناقة الغائرة العينين من الجهد والإعياء. الركاب: الإبل، ويقصد النعل. والدارش: ضرب من الجلود، وهو جلد الضأن، يقول: بدّلت من خوص الركاب بخف أسود من ردىء الجلود، وأنا ماش راكب. ومن خوص الركاب: أى بدلا منها، كقوله تعالى:
{وَلَوْ نَشََاءُ لَجَعَلْنََا مِنْكُمْ مَلََائِكَةً} [الزخرف 60] أى بدلا منكم [من الديوان].
(3) ديوان المتنبى 3/ 211
المهمه: الفلاة، أو ما بعد من الأرض واتسع. جبته: قطعته. والعرامس: النوق الصلاب الشديدة. والذلل: المذللة بالعمل، والمروّضة بالسير.
(4) المخبرة: الخبرة والمعرفة. والاشتمال هنا من شمله الشىء إذا عمّه.
(5) فى ف والمطبوعتين: «أظهر وجها»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) يقصد لفظ «الحضرمى» الذى جاء فى قول أبى نواس السابق.
(7) ديوان المتنبى 1/ 179
(8) كمنته: اختفيت وقعدت بالكمين. وأيان بمعنى متى.(1/417)
وعينى إلى أذنى أغرّ كأنّه ... من الليل باق بين عينيه كوكب
له فضلة عن جسمه فى إهابه ... تجئ على صدر رحيب وتذهب (1)
شققت به الظّلماء أدنى عنانه ... فيطغى وأرخيه مرارا فيلعب (2)
وأصرع أىّ الوحش قفّيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب (3)
وما الخيل إلّا كالصّديق قليلة ... وإن كثرت فى عين من لا يجرّب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيّب (4)
/ وليس فى زماننا هذا، ولا من شرط بلدنا خاصة، شئ من هذا كله، إلا ما يعدّ قلّة (5)، فالواجب اجتنابه، إلا ما كان منه (6) حقيقة، لا سيما إذا كان المادح من سكان بلد الممدوح، يراه فى أكثر أوقاته، فما أقبح ذكر الناقة والفلاة حينئذ!!
وقد قلت أنا وإن لم أدخل فى جملة من تقدّم، ولا بلغت خطّته من / قصيدة اعتذرت بها إلى مولانا خلّد الله أيامه من طول غيبة غبتها عن الديوان (7): [الطويل]
إليك يخاض البحر فعما كأنّه ... بأمواجه جيش إلى البرّ زاحف
ويبعث خلف النجح كلّ منيفة ... تريك يداها كيف تطوى التّنائف (8)
__________
(1) من هذا البيت إلى آخر الأبيات ساقط من ف.
(2) يقول: شققت ظلام الليل بهذا الفرس، فكنت إذا جذبت عنانه إلىّ وثب، وطغى مرحا وانبساطا، وإذا أرخيت عنانه يلعب برأسه [من الديوان].
(3) قفّيته: تلوته ولحقته.
(4) فى الديوان: «إذا لم يشاهد» بالمثناة التحتية، ويبدو أنه خطأ مطبعى: لأن الشرح فى الديوان يؤكد المثناة الفوقية.
والشيات جمع شية: وهى اللون.
(5) فى م: «إلا ما لا يعد قلة»، وكتبت «لا» بين معقوفين دون ذكر السبب كالمعتاد!!
(6) سقطت «منه» من المطبوعتين والمغربيتين.
(7) ديوان ابن رشيق 113، 114
(8) النجح: النجاح. والمنيفة: الناقة الطويلة. والتنائف: الصحراء التى لا ماء فيها ولا حياة.(1/418)
من الموثقات اللّاء يقذفن بالحصى ... ويرمى بهنّ المهمه المتقاذف (1)
يطير اللغام الجعد عنها كأنّه ... من القطن أو ثلج الشتاء ندائف (2)
وقد نازعت فضل الزّمام ابن نكبة ... هو السّيف لا ما أخلصته المشارف
فكيف ترانى لو أعنت على الغنى ... بجدّ وإنّى للغنى لمشارف؟ (3)
وقد قرّب الله المسافة بيننا ... وأنجزنى الوعد الزّمان المساوف (4)
ولولا شقائى لم أغب عنك ساعة ... ولا رام صرفى عن جنابك صارف
ولكنّنى أخطأت رشدى فلم أصب ... وقد يخطئ الرّشد الفتى وهو عارف
فذكرت قرب المسافة بينى وبينه حوطة، وإخبارا أن خوض البحار وجوب الفلاة من صفة غيرى من القصّاد والغرباء، والمنتجعين من الأمصار.
ومن قصيدة صنعتها بديهة بالمهدية ساعة وصولى إليه أدام الله عزه عن اقتراح بعض شعراء وقتنا هذا (5): [الوافر]
وذيّال له رجل طحون ... لما نزلت به ويد زجوج (6)
يطير بأربع لا عيب فيها ... لظهران الصّفا منها عجيج
خرجت به عن الأوهام سبقا ... وقلّ له عن الوهم الخروج
إلى الملك المعزّ أبى تميم ... أمرّ بمن سواه فلا أعيج (7)
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والديوان: «من الموجفات اللاء» وما فى ص يوافق المغربيتين.
المهمه: الفلاة والصحراء. المتقاذف: المترامى الأطراف.
(2) اللغام، زبد أفواه الإبل، وهو من البعير بمنزلة اللعاب أو البزاق من الإنسان. والندائف: قطع الثلج أو القطن المندوف.
(3) فى م: «بحد» بالحاء المهملة، ويبدو لى أنه تصحيف مطبعى.
(4) فى ف: «المسارف»، وفى الديوان: «المشارف».
(5) ديوان ابن رشيق 46و 47
(6) الذيال: الفرس الذى ذيله طويل. ويد زجوج: بعيدة الخوط.
(7) أعيج: أتحول وأميل.
وفى ف: «إلى المعز أبى تميم أمر لمن سواه» وهو خطأ من الناسخ.(1/419)
ومن أخرى فى معنى التفقّر (1) والرّجلة (2): [الطويل]
/ وماء بعيد الغور كالنجم فى الدّجى ... وردت طروقا أو وردت مهجّرا (3)
على قدم أخت الجناح وأخمص ... يخال حصى المعزاء جمرا مسعّرا (4)
فريدا من الأصحاب صلتا من الكسا ... كما أسلم الغمد الحسام المذكّرا (5)
ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطا من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة، وذلك عندهم هو «الوثب»، / و «البتر»، و «القطع»، و «الكسع»، و «الاقتضاب»، كل ذلك يقال.
والقصيدة إذا كانت على تلك الحال بتراء، كالخطبة البتراء والقطعاء، وهى التى لا يبتدأ فيها بحمد الله عز وجل على عادتهم فى الخطب، قال أبو الطيب:
[الطويل]
إذا كان مدح فالنسيب المقدّم ... أكلّ فصيح قال شعرا متيّم؟ (6)
فأنكر النسيب.
وزعموا أن أول من فتح هذا الباب، وفتق هذا المعنى أبو نواس بقوله (7): [البسيط]
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد (8)
وقوله، وهو عند الحاتمى فيما روى عن بعض أشياخه أفضل ابتداء صنعه
__________
(1) فى ف: «فى معنى النفر» وفى الجميع ما عدا المغربيتين: «والرحلة» بالحاء المهملة، وهو تصحيف، وسبق أن ذكرت معنى الرّجلة ص 364
(2) ديوان ابن رشيق 75
(3) الطروق بضم الطاء والراء الإتيان بالليل، وبفتح الطاء مع ضم الراء: الوصف منه.
ومهجرا: الإتيان فى وقت الحر.
(4) فى الديوان: «على قدمى»، وفى ف: «على قدم أجب»، وفى ص: «تخال».
الأخمص: باطن القدم. والمعزاء: المكان الذى تكثر فيه الحصى والحجارة. ومسعرا: ملتهبا.
(5) الصلت: المتجرد من الغطاء والكسوة.
(6) ديوان المتنبى 3/ 350
(7) ديوان أبى نواس 27، وسبق مجىء الشطر الأول فى باب فى الأوزان ص 236
(8) فى ص: «لا تبك هندا»، واعتمدت ما فى الديوان وف والمطبوعتين والمغربيتين، وسقط الشطر الثانى من ف.(1/420)
شاعر من القدماء والمحدثين (1): [الكامل]
صفة الطلول بلاغة الفدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم (2)
ولما سجنه الخليفة على اشتهاره بالخمر، وأخذ عليه أن لا (3) يذكرها فى شعره قال (4): [الطويل]
أعر شعرك الأطلال والمنزل القفرا ... فقد طالما أزرى به نعتك الخمرا (5)
دعانى إلى نعت الطلول مسلّط ... تضيق ذراعى أن أردّ له أمرا (6)
فسمعا أمير المؤمنين وطاعة ... وإن كنت قد جشّمتنى مركبا وعرا (7)
فجاهر بأنّ وصفه الأطلال والقفر إنما هو من خشية الإمام، وإلا فهو عنده فراغ وجهل، وكان شعوبى اللسان، فما أدرى ما وراء ذلك، وإن فى اللسان وكثرة ولوعه بالشئ لشاهدا عدلا لا تردّ شهادته، وقد قال أبو تمام (8):
[الوافر]
/ لسان المرء من خدم الفؤاد
ومن عيوب هذا الباب أن يكون النسيب كثيرا والمديح قليلا، كما يصنع بعض أهل وقتنا (9) هذا، وسنبين وجه الحكم والصواب من هذا فى باب المدح (10) إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ديوان أبى نواس 57، وانظر حلية المحاضرة 1/ 210
(2) فى ف والمطبوعتين: «بلاغة القدم»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الديوان.
والفدم: العيى.
(3) فى م: «أن يذكرها».
(4) ديوان أبى نواس 21
(5) فى الديوان جاء الشطر الأول هكذا: «أعر شعرك الأطلال والدّمن القفرا».
(6) فى الديوان: «أن أجوز له أمرا».
(7) فى الديوان: «فسمع» بالرفع، وكلاهما جائز.
جشمتنى: كلفتنى. ووعرا: صعبا.
(8) ديوان أبى تمام 1/ 375، والمذكور عجز بيت، وصدره: «ومما كانت الحكماء قالت».
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «زماننا».
(10) أقول: بل سيأتى فى باب النسيب، وليس فى باب المدح، وانظر ما حدث بين نصر بن سيار وأحد الرجاز حين أطال التشبيب واختصر المدح، فلما نبهه إلى ذلك جاء بكلام شبه مقطوع من النسيب ليبدأ المدح، فقال له نصر: لا ذلك ولا هذا، ولكن بين الأمرين. انظر هذا فى الشعر والشعراء 1/ 76(1/421)
ومن الشعراء من لا يجيد الابتداء، ولا يتكلّف له، ثم يجيد باقى القصيدة، وأكثرهم فعلا لذلك البحترى، كان يصنع الابتداء سهلا، ويأتى به عفوا، وكلما تمادى قوى كلامه، وله من جيد الابتداءات كثير لكثرة شعره، والغالب عليه ما قدمت، غير أن القاضى الجرجانى فضّله بجودة الاستهلال وهو الابتداء على أبى تمام وأبى الطيب، وفضّلهما عليه بالخروج والخاتمة (1).
ولست أرى لذلك وجها إلا كثرة شعره، كما قدمت، (2) فإنه لو حاسبهما ابتداء جيدا بابتداء ما لأربى عليهما، وقصّرا (3) عن عدده (2).
وأما الحاتمى فإنه يغضّ من أبى عبادة غضّا شديدا، ويجوز عليه جورا بيّنا، لا يقبل منه، ولا يسلّم إليه (4).
وكان أبو تمام فخم الابتداء، له روعة، وعليه أبّهة، كقوله (5):
[الكامل]
الحقّ أبلج والسّيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار
__________
(1) انظر الوساطة 48
(22) ما بين الرقمين ساقط من ص والمغربيتين، واعتمدت من ف والمطبوعتين ما يوافق الغرض، فبين الجميع اختلاف.
(3) فى ف: «وقطر عن عدده»، وفى المطبوعتين ومغربية: «وقصرا عن عذره»، وفى المغربية الأخرى «وقصرا عن عدوه».
(4) اقرأ رأى الحاتمى هذا فى حلية المحاضرة 1/ 227221، وفيه نرى أن الحاتمى اخترع مجلسا عند بعض الرؤساء لم يذكر لنا من هو كما اخترع شيخا من شيوخ البصرة الذين يحبون البحترى ولم يذكر لنا اسمه أيضا وذلك ليستعرض أفانينه فى القول والغض من البحترى، ويتضح لنا من عرضه زهوه الشديد وتعاليه بصورة غير مقبولة، وسأنقل جملة من قوله توضح ذلك، يقول:
«ووجدت صاحب المجلس يؤثر سماع كلامنا فى هذا المعنى، فأنشأت قولا أنحيت فيه على البحترى إنحاء أسرفت فيه، واقتدحت زناد الشيخ به، فتكلم، وتكلمت، وخضنا فى أفانين من التفضيل والمماثلة، فعلوته فى جميعها علوا شهده من حضر المجلس، وكانوا جلة الوقت، وأعيان أهل الأدب بالبصرة»!! أليس كل ذلك من اختراعه؟! ثم إننا لو سلمنا له بما قال لوجب على الشعراء جميعا أن يصمتوا لأن المعانى كلها تحدث عنها السابقون، فكأنه باختراعه يوجه كلامه إلى كل من يفضل البحترى، ولذلك حق لابن رشيق أن يقول إنه «لا يقبل منه ولا يسلم إليه».
(5) ديوان أبى تمام 2/ 198(1/422)
وقوله (1): [البسيط]
السّيف أصدق إنباء من الكتب ... فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
وقوله (2): [البسيط]
أصغى / إلى البين مغترّا فلا جرما
وقوله (3): [الكامل]
يا ربع لو ربعوا على ابن هموم
والغالب عليه نحت اللفظ، وجهارة الابتداء.
وكان أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدى (4) يفضل ابتداءات البحترى جدا، وهو الذى وضع كتاب الموازنة والترجيح / بين الطائيين، ونوّه فيه بالبحترى أعظم تنويه.
ومن جيد ابتداءاته قوله (5): [الكامل]
عارضننا أصلا فقلنا الرّبرب ... حتّى أضاء الأقحوان الأشنب (6)
__________
(1) ديوان أبى تمام 1/ 40، وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 209والموازنة 1/ 59و 60
(2) ديوان أبى تمام 3/ 165، والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «أن النوى أشأرت فى قلبه لمما»، وانظر ما قيل عن البيت فى الموازنة 2/ 10
(3) ديوان أبى تمام 3/ 261، والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «مستسلم لجوى الفراق سقيم»، وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 208
(4) هو الحسن بن بشر بن يحيى، يكنى أبا القاسم، ويعرف بالآمدى نسبة إلى آمد وهى مدينة فى ديار بكر على نشز دجلة، ونسب إليها كثير من أهل العلم فى كل فن، وهو بصرى المنشأ، كان إماما فى الأدب، وله شعر حسن، واتساع تام فى علم الشعر ومعانيه رواية ودراية وحفظا، وصنف فى ذلك كتبا حسانا، وكان حسن الخط، وكان فى البصرة كاتبا للقضاة. ت 371هـ.
الفهرست 172، ومعجم الأدباء 8/ 75، ومعجم البلدان فى آمد، وإنباه الرواة 1/ 285، وبغية الوعاة 1/ 500، والوافى بالوفيات 11/ 407
(5) ديوان البحترى 1/ 71والموازنة 2/ 61وانظر الحلية 1/ 209و 221
(6) فى ص: «مرت بنا أصلا». الأصل جمع أصيل وهو قبيل الغروب. الربرب: قطيع من بقر الوحش تشبّه به النساء من جهة العيون. الأشنب: برد الأسنان ورقتها وصفاؤها. الأقحوان:
زهر اللؤلؤ مفرق الورق، يكنى به عن ثغور الحسان.(1/423)
وقوله (1): [الخفيف]
ما على الرّكب من وقوف الرّكاب ... فى مغانى الصّبا ورسم التّصابى؟!
وقوله (2): [الطويل]
ضمان على عينيك أنّى لا أسلو
وقوله (3): [الطويل]
ترى عنده علم بشجوى وأدمعى ... وأنّى متى أسمع بذكراه أجزع؟
وأما الخروج فهو عندهم شبيه بالاستطراد، وليس به لأن الخروج إنما هو أن تخرج من نسيب إلى مدح، أو غيره بلطف تحيّل، ثم تتمادى فيما خرجت إليه، كقول حبيب فى المدح (4): [البسيط]
صبّ الفراق علينا صبّ من كثب ... عليه إسحاق يوم الرّوع منتقما
سيف الإمام الّذى سمّته هيبته ... لمّا تخرّم أهل الأرض مخترما (5)
ثم تمادى فى المدح إلى آخر القصيدة.
وكقول أبى عبادة البحترى (6): [الكامل]
سقيت رباك بكلّ نوء عاجل ... من وبله حقّا لها معلوما (7)
ولو أنّنى أعطيت فيهنّ المنى ... لسقيتهنّ بكفّ إبراهيما (8)
وأكثر الناس استعمالا لهذا الفن أبو الطيب، فإنه ما يكاد يفلت له، ولا يشذّ عنه، حتى ربما قبح سقوطه فيه، نحو قوله (9):
__________
(1) ديوان البحترى 1/ 83والموازنة 1/ 432
(2) ديوان البحترى 3/ 1615والمذكور صدر بيت فى الابتداء، وعجزه: «وأن فؤادى من جوى بك لا يخلو»، وانظر الموازنة 2/ 71وحلية المحاضرة 1/ 201
(3) ديوان البحترى 4/ 2599، فى الشعر المنسوب إليه، وهو منقول عن العمدة.
(4) ديوان أبى تمام 3/ 168، وانظر الموازنة 2/ 320
(5) فى الديوان: «سمته همته تخرم أهل الكفر». والمخترم: المستأصل للشىء.
(6) ديوان البحترى 3/ 1965، وانظر حلية المحاضرة 1/ 220
(7) فى الديوان: «بكل نوء جاعل»، وفى ف: «بكل غيث جاهل» [كذا]، ولعلها «جاعل» فأخطأ الناسخ.
(8) فى الديوان: «فلو اننى».
(9) ديوان المتنبى 3/ 165
وها: حرف تنبيه، والمعنى ها أنا ذا. والحرق جمع حرقة وهى من شدة الحب. وأل: نجا.(1/424)
[البسيط]
ها فانظرى أو فظنّى بى ترى حرقا ... من لم يذق طرفا منها فقد وألا
علّ الأمير يرى ذلّى فيشفع لى ... إلى الّتى تركتنى فى الهوى مثلا
فقد تمنى أن يكون له الأمير قوّادا.
وليس هذا عندى (1) من قول أبى نواس (2): [الطويل]
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد
هوانا لعلّ الفضل يجمع بيننا (3)
فى شئ لأن أبا نواس قال: «يجمع بيننا»، ثم أتبع ذلك ذكر المال والسخاء به، فقال: [الطويل]
أمير رأيت المال فى نعماته ... ذليلا مهين النفس بالضّيم موقنا (4)
/ وكأنه (5) أشار إلى أن جمعه بينهما بالمال خاصّة، يفضل (6)
عليه ويجزل عطيّته فيتزوجها، أو يتسرّرها (7)، وأبو الطيب قال:
__________
(1) كلمة «عندى» ساقطة من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(2) ديوان أبى نواس 474، وانظر ما قيل عن عيب فى هذا البيت فى الموازنة 2/ 328، والموشح 424، وسر الفصاحة 250، وانظر عكس هذا فى طبقات ابن المعتز 216و 217، وانظر ما قيل فى ديوان المتنبى 3/ 166، فى هذا الموضوع، وانظر أيضا الرسالة الموضحة 110، وإن كان فيها تحامل الحاتمى على المتنبى واضحا.
(3) فى الديوان: «هواك»، وفى ف: «هوان».
(4) فى ف: «رأيت المال فى نقماته»، ولا معنى له، وفى م: «رأيت المال فى نعمائه»، وهو خطأ: لأن الخرم (ويسمى هنا الثلم) وهو حذف أول الوتد المجموع لا يكون إلا فى صدر المصراع الأول وهو قبيح أيضا، وذلك إلا أن يكون فى الكلمة خطأ مطبعى لأن النعماء لا تأتى إلا على هذه الصورة، أما «نعماته» فتكون بكسر النون والعين، أو بكسر النون وفتح العين [انظر اللسان]. وفى المطبوعتين: «مهينا ذليل النفس».
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فكأنه».
(6) سقط قوله: «يفضل عليه» من ص والمغربيتين.
(7) رأى ابن رشيق هذا يناقضه ما جاء فى الموشح 424، فقد قال الفضل بن يحيى بعد أن سمع البيت: ما زاد على أن جعلنى قوادا. وفى ف: «أو يتسراها»، وفى المطبوعتين: «أو يتسرى بها».
وفى اللسان يجوز أن تقول: تسرّرت وتسرّيت.(1/425)
«يشفع» (1)، والشفاعة رغبة وسؤال، ثم أتبع بيته بما هو مقوّ لمعناه فى القيادة، فقال (2): [البسيط]
/ أيقنت أنّ سعيدا طالب بدمى ... لمّا بصرت به بالرّمح معتقلا
فدلّ على أنه يشفع، فإن أجيب إلى مساعدة أبى الطيب فذاك، وإلا رجع إلى القهر (3).
والذى يشاكل قول أبى نواس قوله (4): [الطويل]
أحبّ الّتى فى البدر منها مشابه ... وأشكو إلى من لا يصاب له شكل (5)
فلفظة الشكوى تحمل عنه كما حملت عن أبى نواس.
ومما سقط فيه وإن كان مليح الظاهر قوله يخاطب امرأة نسب بها (6): [الكامل]
لو أنّ فنّاخسر صبّحكم ... وبرزت وحدك عاقه الغزل
وتفرّقت عنكم كتائبه ... إنّ الملاح خوادع قتل (7)
ما كنت فاعلة وضيفكم ... ملك الملوك وشأنك البخل (8)
أتمنّعين قرى فتفتضحى ... أم تبذلين له الّذى يسل؟
بل لا يحلّ بحيث حلّ به ... بخل ولا جور ولا وجل
__________
(1) فى م: «يشفع لى».
(2) ديوان المتنبى 3/ 166
على أنه يمكن أن يخرج المتنبى من المأزق بما روى من أن الشعرانى قال: «لم أسمع أبا الطيب ينشده إلا «فيشفعنى» من قولهم: كان وترا فشفعه بآخر وإلى آخر، فيكون كقول أبى نواس».
انظر ديوان المتنبى 3/ 166
(3) أقول: بل يغتفر لأبى الطيب هذا لأن قوله المذكور كان فى صباه، فلم يكن قد عركته دروب الشعر، بخلاف أبى نواس الذى كان ناضجا وفاهما.
(4) ديوان المتنبى 3/ 183
(5) فى ص: «أحب التى للبدر فيها مشابه».
المشابه: جمع شبه، كالمحاسن فى جمع حسن. الشكل: الشبيه والنظير.
(6) ديوان المتنبى 3/ 302
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وتفرقت عنه كتائبه»، وما فى ص وف يوافق الديوان.
(8) البخل لغة فى البخل: وكلاهما ضد الكرم، والبخل محمود فى النساء مذموم فى الرجال.(1/426)
فحتّم على فناخسرو بأن الغزل يعوقه، وأن كتائبه تتفرق عنه، وجعله يسأل هذه المرأة، وتشكّك هل تمنعه أم تبذل له، ثم أوجب أن البخل لا يحل بحيث حل، فأوقعه تحت الزنى، أو قارب ذلك، ولعل هذا كان اقتراحا من فناخسرو، وإلا فما يجب أن يقابل من (1) هو بزعمه تعالى الله ملك الملوك بمثل هذا، وما أسرع ما انحطّ أبو الطيب، بينا هو يسأل الأمير أن يشفع له / إلى عشيقته صار يشفع للأمير عندها (2).
والاستطراد: أن يبنى الشاعر كلاما كثيرا على لفظة من غير ذلك النوع، يقطع عليها الكلام، وهى مراده دون جميع ما قدّم (3)، ويعود (4) إلى كلامه الأول، وكأنما عثر بتلك اللفظة من (5) غير قصد، ولا اعتقاد نيّة، وجلّ ما يأتى تشبيها، وسيرد عليك فى بابه مبيّنا إن شاء الله (6).
ومن الناس من يسمّى الخروج تخلّصا، وتوصّلا، وينشدون أبياتا منها (7): [الطويل]
إذا ما اتّقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس ولو كان من جرم (8)
ولو أنّ جرما أطعموا رأس جفرة ... لباتوا بطانا يضرطون من الشحم (9)
وأولى (10) الشعر بأن يسمّى تخلّصا ما تخلّص فيه الشاعر من معنى إلى
__________
(1) سقط قوله: «من هو بزعمه تعالى الله» من ص، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «أن يقابل من هو ملك الملوك»، واعتمدت ما فى ف.
(2) المسألة كلها تخضع للذوق، بدليل أن القاضى الجرجانى فى الوساطة 154اعتبر هذا من حسن التخلص والخروج.
(3) فى المطبوعتين: «ما تقدم».
(4) فى ص وف: «أو يعود».
(5) فى المطبوعتين: «عن غير قصد».
(6) سقط قوله: «إن شاء الله» من ف، وفى المطبوعتين: «إن شاء الله تعالى».
(7) البيتان فى ديوان المعانى 1/ 180، وينسبان فيه إلى زياد الأعجم، والبيت الأول فى بديع ابن المعتز 61دون نسبة.
(8) فى ديوان المعانى: «إذا ما اتقى الله امرؤ».
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «شحم جفرة»، وفى ديوان المعانى: «ولو جمعت جرم على رأس نملة لباتوا شباعا» والجفرة: من أولاد الشاء إذا عظم واستكرش وهو إذا بلغ أربعة أشهر، وقيل: هى العناق التى شبعت من البقل والشجر واستغنت عن أمها.
(10) انظر هذا أو مثله حول قول النابغة فى حلية المحاضرة 1/ 216(1/427)
معنى، ثم عاد إلى الأول، وأخذ فى غيره، ثم رجع إلى ما كان فيه، كقول النابغة الذبيانى آخر نسيب (1) قصيدة اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر (2): [الطويل]
فكفكفت منّى عبرة فرددتها ... على النحر منها مستهلّ ودامع (3)
/ على حين عاتبت المشيب على الصّبا ... وقلت: ألمّا أصح والشيب وازع؟! (4)
ثم تخلّص إلى الاعتذار، فقال:
ولكنّ همّا دون ذلك شاغل ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع (6)
وعيد أبى قابوس فى غير كنهه ... أتانى ودونى راكس فالضّواجع (7)
ثم وصف حاله عند ما سمع من ذلك، فقال:
فبتّ كأنّى ساورتنى ضئيلة ... من الرّقش فى أنيابها السّمّ ناقع (8)
يسهّد فى ليل التّمام سليمها ... لحلى النساء فى يديه قعاقع (9)
تناذرها الرّاقون من سوء سمّها ... تطلقه طورا وطورا تراجع (10)
__________
(1) سقطت كلمة «نسيب» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) ديوان النابغة الذبيانى 3431
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وكفكفت إلى النحر»، وما فى ص وف يوافق الديوان.
(4) ألمّا أصح: أى ألمّا أفق مما أنا فيه من الصبابة والشوق، والشيب كافّ عن ذلك!!
(6) فى ص وف: «دون ذلك داخلا»، وفى الديوان: «وقد حال هم دون ذلك شاغل»
والشغاف: حجاب القلب ووعاؤه الذى يكون فيه، وهو أيضا داء يأخذ تحت شراسيف الضلوع فى الشق الأيمن.
(7) فى غير كنهه: أى فى غير حقيقته. وراكس: واد. والضواجع جمع ضاجعة: وهى منحنى الوادى ومنعطفه.
(8) ساورتنى: واثبتنى. الضئيلة: حية دقيقة مضت عليها سنون فقلّ لحمها واشتدّ سمها.
الرقش: التى فيها نقط.
(9) فى الديوان وف: «يسهد من ليل التمام».
يسهّد: يمنع النوم. وليل التمام بكسر التاء أطول ليالى الشتاء. والسليم: الملدوغ، سموه بذلك تفاؤلا له بالسلامة. والقعاقع: الحركة والصوت. وكان من عادة العرب إذا لدغ أحدهم علقوا عليه حلى النساء ليسمع صوتها فلا ينام. [من الديوان بتصرف].
(10) فى ص: «من شرّ سمّها»، واعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين لموافقته الديوان والبيت ساقط من ف.
وتناذرها الراقون: أى أنذر بعضهم بعضا لأنها لا تجيب راقيا لنكارتها وشدتها.(1/428)
فوصف الحيّة والسليم الذى شبّه به نفسه ما شاء، ثم تخلص إلى الاعتذار الذى كان فيه، فقال:
أتانى أبيت اللعن أنّك لمتنى ... وتلك الّتى تستكّ منها المسامع (1)
ويروى:
وخبّرت خير الناس أنّك لمتنى (2)
ثم اطّرد له ما شاء من تخلص إلى تخلص، حتى انقضت القصيدة، وهو مع ما أشرت إليه غير خاف إن شاء الله تعالى.
وقد يقع من هذا النوع شئ يعترض فى وسط النسيب من مدح من يريد الشاعر مدحه بتلك القصيدة، ثم يعود بعد ذلك إلى ما كان فيه من النسيب، ثم يرجع إلى المدح، كما فعل أبو تمام، وإن أتى بمدحه الذى تمادى فيه منقطعا، وذلك قوله فى وسط النسيب من قصيدة له مشهورة (3): [الكامل]
ظلمتك ظالمة البرىء ظلوم ... والظّلم من ذى قدرة مذموم (4)
زعمت هواك عفا الغداة كما عفت ... منها طلول باللوى ورسوم
لا والّذى هو عالم أنّ النوى ... أجل وأنّ أبا الحسين كريم (5)
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسى على إلف سواك تحوم
ثم قال بعد ذلك:
لمحمّد بن الهيثم بن شبانة ... مجد إلى جنب السّماك مقيم
ويسمّى هذا النوع الإلمام.
وكانت العرب لا تذهب (6) هذه المذاهب فى الخروج إلى المدح، بل
__________
(1) وتلك التى تستك منها المسامع: أى تلك الملامة التى أتتنى عنك أصمّت مسامعى، كراهة لسماعها، ومعنى تستك: تشتد وتضيق.
(2) هذه الرواية تجدها فى حلية المحاضرة 1/ 216، وفيه «وأخبرت».
(3) ديوان أبى تمام 3/ 289، 290
(4) هذا البيت والذى بعده ساقطان من ف.
(5) فى الديوان: «أن النوى صبر».
(6) فى المطبوعتين: «لا تذهب هذا المذهب»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/429)
يقولون بعد فراغهم من نعت الإبل، وذكر القفار، وما هم بسبيله: «دع ذا»، و «عدّ عن ذا»، ويأخذون فيما يريدون، أو يأتون ب «أنّ» المشددة ابتداء الكلام (1) الذى يقصدونه.
وإذا (2) لم يكن خروج الشاعر إلى المدح متصلا بما قبله، ولا منفصلا بقوله: «دع ذا» (3) و «عدّ عن ذا»، ونحو ذلك، سمى «طفرا» و «انقطاعا».
وكان البحترى كثيرا ما يأتى به، نحو قوله (4): [الكامل]
/ لولا الرّجاء لمتّ من ألم الهوى ... لكنّ قلبى بالرّجاء موكّل (5)
/ إنّ الرّعيّة لم تزل فى سيرة ... عمريّة مذ ساسها المتوكّل
وربما (6) قالوا بعد صفة الناقة والمفازة: «إلى فلان قصدت»، و «حتى نزلت بفناء فلان»، وما شاكل ذلك.
وأما الانتهاء فهو قاعدة القصيدة، وآخر ما يبقى منها فى الأسماع، وسبيله أن يكون محكما، لا تمكن الزيادة عليه، ولا يأتى بعده أحسن منه، وإذا كان أول الشعر مفتاحا له وجب أن يكون آخره (7) قفلا عليه.
وقد أربى أبو الطيب على كل شاعر فى جودة فصول هذا الباب الثلاثة، إلا أنه ربما عقد أوائل الأشعار ثقة بنفسه، وإغرابا على الناس، كقوله أول
__________
(1) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «ابتداء للكلام»، والسبب فى ذلك أن الألف فى الكتابة المغربية تتصل باللام فظن القارئ أن الألف لام، وص مثل المغربية الأخرى.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فإذا».
(3) فى ص: «دع وعد»، وهو صحيح أيضا، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين.
(4) ديوان البحترى 3/ 1600
(5) هذا البيت ليس فى أصل الديوان، وذكره المحقق فى الهامش نقلا عن العمدة، كما ذكره فى الشعر الذى ينسب إلى البحترى فى 4/ 2634نقلا عن العمدة.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولربما».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «الآخر»، وفى إحدى المغربيتين ذكر فى الهامش «آخره».(1/430)
قصيدة (1): [الطويل]
وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدّمع أشفاه ساجمه (2)
فإن هذا يحتاج الأصمعى (3) يفسر معناه.
ويقع له فى الخروج ما كان تركه أولى به، وأشعر له، وإنما أدخله فيه حبّ الإغراب فى باب التوليد، حتى جاء بالغث البارد، والبشع المتكلّف، نحو قوله (4): [الوافر]
أحبّك أو يقولوا جرّ نمل ... ثبيرا وابن إبراهيم ريعا
فهذا من البشاعة والشناعة بحيث لا يخفى على (5) أحد، وما أظنه سرق هذا المعنى الشريف إلا من كذبة زورها (6) أبو العنبس (7) الصيمرى على لسان رجل زعم أنه قال: رأيت رجلا نام، ويده غمرة (8)، فجرّه النمل ثلاثة فراسخ، فقد جعل أبو الطيب مكان الرجل جبلا،!! وإن علمنا (9) الإغراق فى مراده ولفظه، وقال (10): [الطويل]
أعزّ مكان فى الدّنى سرج سابح ... وخير جليس فى الزّمان كتاب
/ وبحر أبو المسك الخضمّ الّذى له ... على كلّ بحر زخرة وعباب (11)
__________
(1) ديوان المتنبى 3/ 325وانظر الوساطة 10082، واليتيمة 1/ 162والمنصف 623
(2) أشجاه: أهمّه، وأحزنه، وأغصّه. الطاسم: الدارس. والساجم: السائل. يخاطب اللذين عاهداه على أن يسعداه عند ربع الأحبة بالبكاء، فقال لهما: وفاؤكما لى بإسعادى على البكاء كهذا الربع.
(3) فى ف والمطبوعتين: «يحتاج الأصمعى إلى أن»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) ديوان المتنبى 2/ 253وانظر الوساطة 10082
(5) فى ص: «عن أحد».
(6) فى ف: «إلا من كذبة كان أوردها»، وفى المطبوعتين: «إلا من كذبة كذبها».
(7) فى ص والمطبوعتين: «أبو العباس»، واعتمدت ما فى ف والمغربيتين لأن هذا الاسم سبق فى آخر باب أدب الشاعر ص 327وهناك انفردت ص بأبى العنبس، وفى هامش خ ما يفيد أنه فى نسخة «أبو العنبس».
(8) غمرة: أى دنسة من دسم اللحم. والغمر: ما يعلق باليد من دسم اللحم. انظر اللسان فى [غمر].
(9) فى المطبوعتين: «وإن أعلمنا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(10) ديوان المتنبى 1/ 193و 194. الدّنى: جمع دنيا. والسابح من الخيل: الشديد الجرى، فكأنه يسبح فى جريه.
(11) الخضم: الكثير الماء. والزخر: تراكب الماء. وعباب البحر: شدته، أو تراكم أمواجه، أو لجّته.(1/431)
يريد: «وخير بحر (1) أبو المسك»، وهذه غاية التصنّع والتكلف.
ومن العرب من يختم القصيدة، فيقطعها، والنفس بها متعلقة، وفيها راغبة مشتهية، ويبقى الكلام مبتورا، كأنه لم يتعمد جعله خاتمة، كل ذلك رغبة فى أخذ العفو، وإسقاط الكلفة، ألا ترى معلقة امرئ القيس كيف ختمها بقوله يصف السيل عن شدة المطر (2): [الطويل]
كأنّ السّباع فيه غرقى عشيّة ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل (3)
فلم يجعل لها قاعدة، كما فعل غيره من أصحاب المعلقات (4)، وهى أفضلهن (5).
وقد كره الحذّاق من الشعراء ختم القصيدة بالدعاء لأنه من عمل أهل الضعف، إلا للملوك فإنهم يشتهون ذلك، كما قدمت، ما لم يكن من جنس / قول أبى الطيب يذكر الخيل لسيف الدولة (6): [البسيط]
فلا هجمت بها إلّا على ظفر ... ولا وصلت بها إلّا إلى أمل
__________
(1) فى م كتب المحقق رحمه الله فى الهامش: «تقدير المؤلف لهذا البيت على أن قوله:
«وبحر» بالجر، وهو عليه معطوف على «جليس» فى البيت الذى قبله. ولكنا لا نوافقه على ذلك وقد ضبطناه برفع «بحر» على أنه خبر مقدم، وقوله «أبو المسك» مبتدأ مؤخر، و «الخضم» صفة له.
وهذا قول شراحه المتقدمين».
أقول: وقول الشيخ حق وانظر توجيه الرفع والجر فى ديوان المتنبى 1/ 194
(2) ديوان امرئ القيس 26
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «غرقى غدية»، وفى هامش م كتب المحقق: «يروى:
غرقى عشية».
وفى الديوان: «كأن سباعا فيه غرقى غديّة». الضمير فى «فيه» يعود على المطر. وأرجائه:
نواحيه. والأنابيش جمع نبش وأنباش، وإنما يريد أصول ما نبش منه. العنصل: نبت برى يشبه البصل.
(4) هذا لو أن هذا البيت كان آخر القصيدة كما يدعى ابن رشيق، ولعله لم يصله منها إلا هذا، وإلا فالقصيدة تنتهى بعد هذا ببيتين، انظرهما فى الديوان وفى شرح المعلقات.
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وهى أفضلها».
(6) ديوان المتنبى 3/ 42(1/432)
فإن هذا شبيه ما ذكر عن بغيض كان يصابح الأمير فيقول: لا صبح الله الأمير بعافية، ويسكت سكتة، ثم يقول: إلا ومسّاه بأكثر منها، ويماسيه فيقول:
لا مسّى الله الأمير بنعمة، ويسكت سكتة، ثم يقول: إلا وصبّحه بأتمّ منها، أو نحو هذا، فلا يدعو له حتى يدعو عليه، ومثل هذا قبيح، لا سيما من (1) مثل أبى الطيب.
* * * __________
(1) فى المطبوعتين: «عن مثل»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/433)
باب البلاغة (9)
تكلم رجل عند النبى صلى الله عليه وسلّم، فقال له النبى صلى الله عليه وسلّم: كم دون لسانك من حجاب؟ فقال: شفتاى، وأسنانى، فقال له: «إن الله يكره الانبعاق (1) فى الكلام، فنضّر الله وجه رجل أوجز / فى كلامه، واقتصر على حاجته».
وسئل النبى صلى الله عليه وسلّم: فيم الجمال؟ فقال: «فى اللسان» (2)، يريد البيان.
وقال أصحاب المنطق (3): حدّ الإنسان: الحىّ، الناطق، الميّت (4)، فمن كان (5) أعلى فى المنطق رتبة كان بالإنسانية أولى.
وقالوا (6): الروح عماد البدن (7)، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم.
وسئل بعض البلغاء: ما البلاغة؟ فقال: قليل يفهم، وكثير لا يسأم.
وقال آخر: البلاغة إجاعة (8) اللفظ، وإشباع المعنى.
__________
(9) انظر الصناعتين 6وما بعدها، وانظر فهارس البيان والتبيين وزهر الآداب والعقد الفريد 2/ 260 وديوان المعانى 2/ 87، ومحاضرات الأدباء 1/ 58، ونهاية الأرب 7/ 4، وكفاية الطالب 33
(1) الحديث فى لسان العرب فى مادة [بعق] باختلاف يسير جدا، وانظر أدب الدنيا والدين 268والانبعاق فى الكلام: التوسّع فيه والتكثّر فيه.
(2) انظر هذا الحديث فى البيان والتبيين 1/ 170، وعيون الأخبار 2/ 168، ومحاضرات الأدباء 1/ 60، ونثر الدر 1/ 156وسر الفصاحة 52والأجوبة المسكتة 49، ولباب الآداب لأسامة 270، وجاء بتعبير آخر فى أدب الدنيا والدين 270والسائل فيهم العباس.
(3) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 77و 170وفيه فى المرتين: «الحى الناطق المبين»، وهو تغيير من المحقق، وانظر التمثيل والمحاضرة 405وتحسين القبيح 73ويواقيت المواقيت مخطوط تحت الطبع الورقة [89/ و] فى نسخة و [58/ و] فى أخرى والأجوبة المسكته 222
(4) فى ف: «المايت»، وسقطت الكلمة من المطبوعتين، وما فى ص مثل المغربيتين.
(5) فى ف: «فمن كان أعلى رتبة فى النطق»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «فمن كان فى المنطق أعلى رتبة»
(6) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 77، وفيه ينسب إلى ابن التوأم، وانظر ما يقرب منه فى سر الفصاحة 52منسوبا إلى سهل بن هارون.
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عماد الجسم»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين.
(8) فى ف: «إجادة اللفظة»، وفى م: «إجادة اللفظ» وانظر ما يشبه هذا وما بعده فى الصناعتين 10، وزهر الآداب 1/ 118116، والعقد الفريد 2/ 260، وما بعدها.(1/434)
وسئل آخر: فقال: معان كثيرة فى ألفاظ قليلة (1).
وقيل لأحدهم: ما البلاغة؟ فقال: إصابة المعنى، وحسن الإيجاز (2).
وسئل بعض الأعراب: من (3) أبلغ الناس؟ فقال: أسهلهم لفظا، وأحسنهم بديهة (4).
وسأل الحجاج ابن القبعثرى (5): ما أوجز الكلام؟ فقال: أن لا تبطئ، ولا تخطئ (6).
وكذلك قال صحار (7) العبدى لمعاوية بن أبى سفيان (8).
__________
(1) انظر مثل هذا فى العقد الفريد 2/ 262، وزهر الآداب، والصناعتين، والعقد الفريد، وديوان المعانى
(2) انظر مثل هذا فى العقد الفريد 2/ 262، وزهر الآداب والصناعتين والعقد الفريد.
(3) فى ص: «عن أبلغ»، وما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين يوافق العقد الفريد.
(4) انظر هذا فى العقد الفريد 2/ 262، وديوان المعانى 2/ 87
(5) هو الغضبان بن القبعثرى بفتحات بينها سكون العين بمعنى الجمل العظيم الضخم الشيبانى، كان سيد بكر بن وائل، وكان من زعماء مروانية أهل العراق الذين كان عبد الملك يرعى جانبهم.
طبقات ابن سلام 1/ 466، والبيان والتبيين 1/ 376، والأغانى 8/ 310فى ترجمة الأخطل، والموشح 211و 214فى ترجمة الأخطل وكتاب الأمثال 56
(6) انظر قوله دون نسبته فى محاضرات الأدباء 1/ 58وجاء القول منسوبا إلى ابن القريّة مع بعض اختلاف فى أدب الدنيا والدين 271
(7) هو صحار بن عياش ويقال: ابن عباس بن شراحيل بن منقذ العبدى، من بنى عبد القيس، خطيب مفوّه، له صحبة، وكان علامة نسابة، وكان من شيعة عثمان. والصّحار: عرق الحمّى فى عقبها.
البيان والتبيين 1/ 96، والحيوان 1/ 90، وعيون الأخبار 2/ 172، والاشتقاق 333، والعقد الفريد 2/ 261، والصناعتين 32
(8) فى البيان والحيوان وعيون الأخبار والصناعتين والعقد الفريد أن معاوية قال لصحار العبدى:
ما الإيجاز؟ قال صحار: أن تجيب فلا تبطئ، وتقول فلا تخطئ. فقال له معاوية: أو كذلك تقول يا صحار؟ قال صحار: أقلنى يا أمير المؤمنين، قال: قد أقلتك. قال: ألا تبطئ ولا تخطئ. هذا مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ، والتقديم والتأخير. وانظره فى نهاية الأرب 7/ 8(1/435)
وقال خلف الأحمر: البلاغة لمحة دالّة (1).
وقال الخليل بن أحمد: البلاغة كلمة تكشف عن البغية (2).
وقال المفضّل الضّبى: قلت لأعرابى: ما البلاغة عندكم؟ فقال:
الإيجاز من غير عجز، والإطناب من غير خطل (3).
وكتب جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى (4) إلى عمرو بن مسعدة (5):
إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيّا (6).
__________
(1) اقرأ هذا فى نقد الشعر 152تحت عنوان الإشارة، والعقد الفريد 2/ 263وفيه: «البلاغة لمحة دالة على ما فى الضمير»، ولم ينسب فيهما لقائل، وانظره دون نسبة فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 58
(2) فى المطبوعتين فقط: «عن البقية»، ولا معنى له، وص وف مثل المغربيتين.
(3) انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 97وفيه وفى العقد الفريد: «فى غير» فى الحالين وانظره دون اختلاف فى ديوان المعانى 2/ 89، ومحاضرات الأدباء 1/ 58، وانظره أيضا فى العقد الفريد 2/ 262ولم تذكر فيه النسبة، وجاء فى زهر الآداب 1/ 117دون نسبة، وفيه: «الإيجاز فى غير عجز، وإطناب فى غير خطل»، وانظره فى نهاية الأرب 7/ 8وفيه: «وقال الفضل».
(4) هو جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى، يكنى أبا الفضل، كان من رجال العلم، توصل إلى أعلى المراتب، وكان ابنه يحيى كامل السؤدد بحيث إن المهدى ضم إليه ولده الرشيد. ت 187هـ
المعارف 381و 382والوزراء والكتاب 189و 204، وتاريخ بغداد 7/ 152، ووفيات الأعيان 1/ 328، والعقد الفريد 5/ 72و 118، وتاريخ الطبرى 8/ 252و 255و 262، 287 291وغيرها، والشذرات 1/ 311، وسير أعلام النبلاء 9/ 59وما فيه من مصادر.
(5) هو عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول، يكنى أبا الفضل، كان يوقع بين يدى جعفر بن يحيى البرمكى فى عهد الرشيد، واتصل بالمأمون، فرفع مكانته حتى أصبح وزيره، كان جوادا ممدحا، فاضلا أديبا. ت 217هـ.
تاريخ بغداد 12/ 203، ومعجم الشعراء 33، ومعجم الأدباء 16/ 127، والتمثيل والمحاضرة 462، وسير أعلام النبلاء 10/ 181وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 3/ 475، ومن غاب عنه المطرب 179بتحقيقنا. والوزراء والكتاب 216
(6) انظر هذا فى عيون الأخبار 2/ 174، وانظر الصناعتين 190، وفيه: «متى كان الإيجاز أبلغ كان الإكثار عيّا» وانظر ديوان المعانى 2/ 89، وفى أدب الدنيا والدين 270جاء مع تقديم وتأخير.(1/436)
وأنشد المبرد فى صفة خطيب (1): [المتقارب]
طبيب بداء فنون الكلا ... م لم يعى يوما ولم يهذر
فإن هو أطنب فى خطبة ... قضى للمطيل على المنزر (2)
وإن هو أوجز فى خطبة ... قضى للمقلّ على المكثر
قال أبو الحسن على بن عيسى الرمانى (3): أصل البلاغة الطبع، / ولها مع ذلك آلات تعين عليها، / وتوصّل إلى القوة فيها، وتكون ميزانا لها، وفاصلة بينها وبين غيرها، وهى ثمانية أضرب: الإيجاز، والاستعارة، والتشبيه، والبيان، والنظم، والتصرّف، والمشاكلة، والمثل.
وسيرد كلّ واحد منها فى مكانه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وقال معاوية لعمرو بن العاص: من أبلغ الناس؟ فقال: من اقتصر على الإيجاز، وتنكّب الفضول (4).
وسئل ابن المقفع (5): ما البلاغة؟ فقال (6): اسم لمعان تجرى فى وجوه
__________
(1) الأبيات فى زهر الآداب 1/ 106وفيه: «وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، ولم يسم قائله، وهو مولد، ولم ينقصه توليده من حظ القديم شيئا»، وكفاية الطالب 33
(2) المنزر: المقل.
(3) تجد كلاما قريبا من هذا فى النكت فى إعجاز القرآن 75وما بعدها ضمن كتاب ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن، ويبدو لى أن النكت تلخيص لكتاب كبير.
(4) هذا القول جاء بنسبته فى ديوان المعانى 2/ 87وفيه: «وترك الفضول». وجاء غير منسوب فى العقد الفريد 2/ 262وفيه «من ترك الفصول، واقتصر على الإيجاز».
(5) هو عبد الله بن المقفّع، كان اسمه «روزبة» كان يكنى قبل إسلامه بأبى عمر، فلما أسلم تسمّى بعبد الله، وتكنّى بأبى محمد، والمقفّع اسمه المبارك، ولقّب بالمقفّع لأن الحجاج بن يوسف ضربه ضربا شديدا فتقفّعت يده. ورجل متقفّع اليدين أى متشنجها. وقيل: المقفّع بكسر الفاء لعمله القفعة، وهى شئ يشبه الزنبيل بلا عروة، وكان ابن المقفع فصيحا بليغا، وروى عن المهدى أنه قال: ما وجدت كتاب زندقة إلا أصله ابن المقفع، وقال عنه الخليل بن أحمد: ما رأيت مثله، وعلمه أكثر من عقله، واتّهم بالزندقة وقتل بسببها سنة 142هـ وقيل قتل بسبب رسالة أمان إلى عبد الله بن على كتبها عن المنصور.
أمالى المرتضى 1/ 134، وخزانة الأدب 8/ 177
(6) انظر القول فى البيان والتبيين 1/ 115و 116وانظره فى زهر الآداب 1/ 104و 105مع اختلاف يسير فى بعض الألفاظ فيها والتقديم والتأخير، وديوان المعانى 2/ 88، وجاء القول فى الصناعتين 14ببعض اختصار، وفيه شرحه.(1/437)
كثيرة: فمنها (1) ما يكون فى السكوت، ومنها ما يكون فى الاستماع، ومنها ما يكون فى الإشارة، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون فى الحديث، ومنها ما يكون فى الاحتجاج، ومنها ما يكون خطبا، ومنها ما يكون رسائل، فعامّة هذه الأبواب الوحى فيها، والإشارة إلى المعنى، والإيجاز هو البلاغة.
قال أبو على صاحب الكتاب (2): فهذا ابن المقفع جعل من السكوت بلاغة رغبة فى الإيجاز (3).
وقال بعض الكلبيين (4): [الكامل]
واعلم بأنّ من السّكوت إبانة ... ومن التّكلّم ما يكون خبالا
قال أبو على (5): وقلت أنا فى مثل ذلك (6): [الطويل]
وأخرق أكّال للحم صديقه ... وليس لجارى ريقه بمسيغ
سكتّ له ضنّا بعرضى فلم أجب ... وربّ جواب فى السّكوت بليغ
وقلت أيضا، وإن لم (7) أذكر بلاغة (8): [مجزوء الرمل]
أيّها الموحى إلينا ... نفثة الصّلّ الصّموت (9)
ما سكتنا عنك عيّا ... ربّ نطق فى السّكوت (10)
__________
(1) فى ص: «منها»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب».
(3) فى الصناعتين قال المؤلف فى شرحه لقول ابن المقفع: «فالسكوت يسمى بلاغة مجازا، وهو فى حالة لا ينجع فيها القول، ولا ينفع فيها إقامة الحجج» وانظر فيه باقى الشرح.
(4) البيت بنصه ثانى بيتين منسوبين إلى بعض الكلبيين فى البيان والتبيين 1/ 135، وجاءا فى شرح نهج البلاغة 7/ 89و 90منسوبين إلى بعض الشعراء وفى النهج «ومن التكلف ما يكون خبالا».
(5) قوله: «وقال أبو على» ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين. وفى ف: «وقلت فى نحو ذلك».
(6) ديوان ابن رشيق 111
(7) فى ف: «وأنا لم أذكر»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ولم أذكر»
(8) ديوان ابن رشيق 44و 45
(9) الصّل: أخبث الثعابين.
(10) هذا البيت ساقط من ف، وفى ص: «فى سكوت».(1/438)
/ لك بيت فى البيوت ... مثل بيت العنكبوت
إن يهن وهنا ففيه ... حيلتا سكنى وقوت
وقيل لبعضهم (1): ما البلاغة؟ فقال: إبلاغ المتكلم حاجته بحسن إفهام السامع، ولذلك سمّيت بلاغة.
(2) وقال آخر: البلاغة أن تفهم المخاطب بقدر فهمه، من غير تعب عليك (2).
وقال آخر (3): البلاغة معرفة الفصل من الوصل.
وقيل (4): البلاغة حسن العبارة، مع صحّة الدلالة.
وقيل (5): البلاغة أن يكون أول كلامك يدل على آخره، وآخره يرتبط بأوله.
وقيل: البلاغة القوة على البيان، مع حسن النظام.
ومن قول السيد أبى الحسن أدام الله عزّه فى صفة كاتب بالبلاغة وحسن الخطّ (6): [الكامل]
فضل الأنام بفضل علم واسع ... وعلا مقالهم بفصل المنطق
وحكى لنا وشى الرّياض وقد وشت ... أقلامه بالنقش بطن المهرق (7)
__________
(1) فى زهر الآداب 1/ 117، فى أكثر من كلام ما يشبه هذا فى معناه، تجده لعبد الحميد بن يحيى، ولإبراهيم بن الإمام.
(22) ما بين الرقمين ساقط من ص وف.
(3) انظر هذا فى البيان والتبيين 1/ 88وزهر الآداب 1/ 118، وفيهما: «وقيل للفارسى:
ما البلاغة؟» وفى العقد الفريد 2/ 260، وفيه: «وقيل لبعضهم: ما البلاغة،».
وفى العقد الفريد 2/ 263: «وقال بعض الكتاب»، وانظر نهاية الأرب 7/ 7وجاء منسوبا إلى الهندى فى أدب الدنيا والدين 270
(4) فى البيان والتبيين 1/ 88ما يقرب من هذا، وينسب إلى الهندى.
(5) فى العقد الفريد 2/ 271: «ومدح رجل من طئ كلام رجل، فقال: هذا الكلام يكتفى بأولاه، ويشتفى بأخراه».
(6) لم أعثر على هذا الشعر فى المصادر التى تحت يدى.
(7) وشت: زيّنت. المهرق: الصحيفة البيضاء.(1/439)
فبلغ ما أراد من الوصف فى اختصار، وقلّة كلفة (1)، ونحو ذلك قوله أيضا (2): [الطويل]
إذا مشقت يمناك فى الطرس أسطرا ... حكيت بها وشى الملاء المعضّد (3)
يروق مجيد الخطّ حسن حروفها ... ويعجب منها بالمقال المسدّد
وهذا الشعر كالأول فى قلّة (4) الحزّ، وإصابة المفصل، وإن أبا الحسن لكما قال فى (5) سميّه أبو الطيب خاتم / الشعراء (6): [الطويل]
عليم بأسرار الدّيانات واللغى ... له خطرات تفضح الناس والكتبا (7)
بل كما قال ولىّ نعمته، وشاكر منّته (8): [الكامل]
إنّى لأعجب كيف يحسن عنده ... شعر من الأشعار مع إحسانه (9)
ما ذاك إلّا أنّه درّ النهى ... يفد التّجار به على دهقانه (10)
/ أستغفر الله، لا أجحد أبا الطيب حقّه، ولا أنكر فضله، وقد قال (11):
[الخفيف]
ملك منشد القريض لديه ... يضع الثّوب فى يدى بزّاز
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقلة تكلف».
(2) لم أعثر على هذا الشعر فى المصادر التى تحت يدى.
(3) الطرس: الصحيفة. الملاء: الثوب. المعضّد: مخطّط على شكل العضد أو الثوب الذى له علم فى موضع العضد من لابسه، أو هو الذى وشيه فى جوانبه.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «كالأول فى الحز» بإسقاط كلمة «قلة».
(5) سقطت «فى» من المطبوعتين فقط، وبسقوطها يسقط المعنى الذى أراده المؤلف، وقد ضبط محقق م كلمة «سميه» بالرفع. وهذا يؤكد إسقاط المعنى المقصود. ويراد بسميه «سيف الدولة».
لأن اسمه «على» مثل اسم ممدوح ابن رشيق وهو على بن أبى الرجال.
(6) ديوان المتنبى 1/ 62
(7) اللغى: جمع لغة. وخطرات جمع خطرة: وهى ما يخطر فى القلب من تدبير أو أمر، أو الخاطر الهاجس
(8) ديوان ابن رشيق 216والمنّة: الإفضال والإحسان.
(9) فى م: «يحسن عقده»، ولا أعرف من أين أتى بذلك!!.
(10) الدّهقان بضم الدال وفتحها وكسرها: التاجر، فارسى معرب.
(11) ديوان المتنبى 2/ 183وفيه: «واضع الثوب».(1/440)
ثم نرجع إلى وصف البلاغة، بعد ما أفضنا، ووشّحنا هذا الباب به (1)
من ذكر السّيد فنقول: وقالوا: البلاغة ضدّ العىّ، والعىّ: العجز عن البيان.
وقيل (2): لا يكون الكلام يستوجب اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، فلا يكون (3) لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك.
وسأل عامر بن الظّرب العدوانى (4) حممة (5) بن رافع الدّوسى (6) بين يدى بعض ملوك حمير، فقال (7): من أبلغ الناس؟ فقال: من حلّى (8) المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبّق المفصل قبل التحزيز.
وقيل لأرسطاطاليس: ما البلاغة؟ فقال: حسن الاستعارة (9).
وقال (10) الخليل: البلاغة ما قرب طرفاه، وبعد منتهاه.
__________
(1) سقطت «به» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) انظره فى البيان والتبيين 1/ 115مع اختلاف يسير، وفى عيون الأخبار 2/ 173: «ويقال:
أبلغ الكلام ما سابق معناه لفظه»، وانظر ما يقرب منه فى أدب الدنيا والدين 272
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولا يكون»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين.
(4) هو عامر بن الظّرب العدوانى، أحد حكام العرب فى الجاهلية، قيل: عمر مائتى سنة، وكان حكيما خطيبا رئيسا حليما وقد قال لقومه: إنى لم أكن حليما حتى اتبعت الحلماء، ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم، ولما أسنّ واعتراه النسيان أمر ابنته أن تقرع بالعصا إذا هوفهّ عن الحكم، وجار عن القصد.
البيان والتبيين 1/ 401و 2/ 199و 3/ 38وعيون الأخبار 1/ 266، والمعمرون 56و 63 وكتاب الأمثال 103وجمهرة الأمثال 1/ 406ومجمع الأمثال 1/ 63
(5) فى المطبوعتين: «حمامة» وهو خطأ، وما فى ص وف والمغربيتين يوافق مصادر تحقيق النص
(6) لم أعثر على ترجمته، ولكنى وجدت فى «المعمرون والوصايا» 28 «وعاش ابن حممة الدوسى، واسمه كعب، أو عمرو، أربعمائه سنة غير عشر سنين»، ووجدت اسمه عمرو بن حمحة الدّوسى فى جمهرة الأمثال 1/ 406ومجمع الأمثال 1/ 64وهامش كتاب الأمثال 104
(7) انظر هذا القول ضمن كلام طويل بين عامر وحممة فى الأمالى 2/ 276، والعقد الفريد 2/ 256، والكلام يبدأ فى 255وانظره دون نسبته فى الصناعتين 175
(8) فى ف والأمالى والعقد الفريد: «من جلى» بالجيم، وما فى ص والمغربيتين يوافق المطبوعتين والصناعتين. والمزيز بزاءين بينهما ياء الفاضل، والمزّ: الفضل. [عن الصناعتين]
(9) جاء هذا القول فى حلية المحاضرة 2/ 28ضمن كلام عن السرقات، وفيه: «وقد قال أرسطاطاليس: من البلاغة حسن الاستعارة».
(10) انظر هذا القول بنسبته فى نهاية الأرب 7/ 8(1/441)
وقيل لخالد بن صفوان (1): ما البلاغة؟ فقال: إصابة المعنى، والقصد للحجّة (2).
وقيل لإبراهيم الإمام (3): ما البلاغة؟ قال: الجزالة، والإطالة.
وهذا مذهب جماعة من الناس جلّة، وبه كان ابن العميد يقول فى منثوره.
وقيل لبعض الجلّة (4): ما البلاغة؟ فقال: تقصير الطويل، وتطويل القصير.
يعنى بذلك القدرة على الكلام.
وقال أبو العيناء (5): البليغ (6) من أجزأ (7) بالقليل عن الكثير، وقرّب البعيد إذا شاء، وبعّد القريب، وأخفى الظاهر، وأظهر الخفى.
وقال البحترى يمدح محمد بن عبد الملك الزيات حين استوزر، ويصف
__________
(1) هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن الأهتم، المنقرى، البصرى، يكنى أبا صفوان، وهو علامة، وفصيح زمانه، وفد على عمر بن عبد العزيز، وكان بخيلا مطلاقا، ولم تعرف سنة وفاته.
البيان والتبيين 1/ 24و 47و 317، 339، 340، وصفحات أخرى تعرف من الفهارس، والمعارف 24، وسير أعلام النبلاء 6/ 226
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «والقصد إلى الحجة». وانظر هذا القول فى العقد الفريد 2/ 261
(3) هو إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس، يكنى أبا إسحاق، كان بالحميمة، من البلغاء، عهد إليه أبوه بالأمر، وعلم به مروان الحمار فقتله سنة 132هـ وفى السير 131
تاريخ الطبرى 7/ 437435، وسير أعلام النبلاء 5/ 379وما فيه من مصادر.
(4) انظر ما يشبه هذا القول فى العقد الفريد 2/ 262
(5) هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان، وأبو العيناء لقبه، ولد بالأهواز، ونشأ بالبصرة، وأخذ عن جلة العلماء فى عصره، ويقال: إن جده الأكبر لقى على بن أبى طالب رضى الله عنه، فأساء مخاطبته، فدعا عليه وعلى ولده بالعمى، فكل من عمى منهم صحيح النسب. ت 282أو 283هـ
الفهرست 138، وتاريخ بغداد 3/ 170، ومعجم الشعراء 402، ومعجم الأدباء 18/ 286، ووفيات الأعيان 4/ 343، والوافى 4/ 341، والشذرات 2/ 180، وسير أعلام النبلاء 13/ 308 وما فيه من مصادر، وزهر الآداب 1/ 278، ونكت الهميان 265، وطبقات ابن المعتز 414، ونثر الدر 3/ 195والشذرات 2/ 180، ونهاية الأرب 4/ 68
(6) كلمة «البليغ» سقطت من المطبوعتين والمغربيتين.
(7) فى ف والمطبوعتين: «من اجتزأ»، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/442)
بلاغته (1): [الخفيف]
ومعان لو فصّلتها القوافى ... هجّنت شعر جرول ولبيد (2)
حزن مستعمل الكلام اختيارا ... وتجنّبن ظلمة التّعقيد
/ وركبن اللفظ القريب فأدرك ... ن به غاية المراد البعيد
والبيت الأول من هذه القطعة يشهد بفضل الشعر على النثر (3).
وحكى الجاحظ عن الإمام ابراهيم بن محمد قوله (4): كفى من حظّ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع.
ثم قال الجاحظ: أما أنا فأستحسن هذا القول جدّا.
ومن كلام ابن المعتز (5): البلاغة (6) بلوغ المعنى، ولم يطل (7) سفر الكلام.
__________
(1) ديوان البحترى 1/ 637و 638وانظر الموازنة 1/ 424
(2) فى المطبوعتين: «لو فضلتها» بالضاد المعجمة.
(3) فى م كتب المحقق فى الهامش: «أراد المؤلف أن يجد لمذهبه دليلا، وإن لم يكن فى معرض الاستدلال عليه، فتصحفت عليه الكلمة، وصوابها: ومعان لو فضلتها القوافى».
وأقول: لو اطلع المحقق رحمه الله على المخطوطات لعلم أنه هو الذى تصحفت عليه الكلمة لا ابن رشيق، ولكنه اعتمد النسخة المطبوعة خ فوقع فيما وقعت فيه!!
(4) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 87، وزهر الآداب 1/ 117، وسر الفصاحة 52، باختلاف يسير جدا فى لفظتين، وجاء فى العقد الفريد 2/ 261دون نسبته إلى إبراهيم بن محمد، وفيه: «وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال: أن لا يؤتى القائل من سوء فهم السامع، ولا يؤتى السامع من سوء بيان القائل». وفى زهر الآداب نسبته إلى إبراهيم بن الإمام. ونسب إلى العتابى فى الكامل 4/ 127وانظره دون نسبة وباختلاف يسير فى نهاية الأرب 7/ 7
(5) انظر هذا الكلام فى زهر الآداب 1/ 117، والتمثيل والمحاضرة 158
(6) فى زهر الآداب: «البلاغة البلوغ إلى المعنى»، وفى التمثيل والمحاضرة: «البلاغة أن تبلغ المعنى»
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولمّا يطل»، وفى التمثيل والمحاضرة: «ولم تطل».(1/443)
وقال ابن الأعرابى (1): البلاغة التقرّب من البغية، ودلالة قليل على كثير (2).
وقال بعض المحدثين (3): البلاغة إهداء المعنى إلى القلب فى أحسن صورة من اللفظ.
ومن كلام أبى منصور عبد الملك بن إسماعيل / الثعالبى قال (4): وقال بعضهم: البلاغة ما صعب على التعاطى، وسهل على الفطنة. وقال: خير الكلام ما قلّ ودلّ، وجلّ ولم يملّ. وقال (5): أبلغ الكلام ما حسن إيجازه، وقلّ مجازه، وكثر إعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه. قال: وقيل (6): البليغ من يجتنى من الألفاظ نوّارها، ومن المعانى ثمارها.
__________
(1) هو محمد بن زياد بن الأعرابى، الهاشمى بالولاء، يكنى أبا عبد الله، كان إماما فى اللغة، ولم يكن فى الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعى لا يعرفان شيئا.
ت 231هـ.
الفهرست 75، وتاريخ بغداد 5/ 282، وطبقات الزبيدى 195، ومعجم الأدباء 18/ 189، وإنباه الرواة 3/ 128، ونزهة الألباء 119، وبغية الوعاة 1/ 105، والشذرات 2/ 70، والمزهر 2/ 411، وسير أعلام النبلاء 10/ 687وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 4/ 306، والوافى 3/ 79
(2) انظر هذا القول فى زهر الآداب 1/ 116، وفيه: «قال أعرابى: البلاغة التقرب من البعيد، والتباعد من الكلفة، والدلالة بقليل على كثير»، وانظره أيضا فى الصناعتين 47، وفيه: «البلاغة التقرب من المعنى البعيد، والتباعد من حشو الكلام، وقرب المأخذ، وإيجاز فى صواب، وقصد إلى الحجة، وحسن الاستعارة»، وتجد الجملة الأولى فى آخر الصفحة ذاتها، وانظره فى نهاية الأرب 7/ 6 تحت عنوان: «وقال أعرابى». وكلمة «البغية» بضم الباء وكسرها.
(3) جاء هذا القول فى زهر الآداب 1/ 118منسوبا إلى على بن عيسى الرمانى، وهو فى النكت فى إعجاز القرآن ضمن كتاب ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن 75مع اختلاف يسير فيهما. وفى الصناعتين 10قال المؤلف كلاما يقرب من هذا.
(4) انظر هذا القول فى التمثيل والمحاضرة 158و 159باختلاف يسير فى بعض الألفاظ، وبعضه فى المبهج 112.
وانظر قوله: «خير الكلام» فى نهاية الأرب 7/ 10
(5) هذا الجزء تجده فى زهر الآداب 1/ 118منسوبا إلى على بن عيسى الرمانى، ولم أعثر عليه فى النكت فى إعجاز القرآن وجاء فى نهاية الأرب 7/ 11منسوبا إلى ابن المعتز.
(6) وهذا الجزء تجده دون نسبة فى زهر الآداب 1/ 118(1/444)
وهذا الذى حكاه الثعالبىّ مما يدلّك على حذق أبى الطيب فى قوله لابن العميد (1): [الكامل]
قطف الرّجال القول قبل نباته ... وقطفت أنت القول لمّا نوّرا
وكان يمكنه أن يقول: «لما أثمرا» (2)، لكن ذهب إلى ما قدمت.
وإنما اقتدى بقول أبى تمام (3): [الكامل]
ولجفّ نوّار الكلام وقلّما ... يلفى بقاء الغرس بعد الماء (4)
وكان بعضهم يقول (5): تلخيص (6) المعانى رفق، والاستعانة بالغريب عجز، والتّشادق فى غير أهل البادية نقص، والخروج مما بنى عليه الكلام إسهاب.
وقال العتّابى: قيّم الكلام العقل، وزينته / الصواب، وحليته الإعراب، ورائضه اللسان، وجسمه القريحة، وروحه المعانى.
وقال عبد الله بن محمد بن جميل (7) المعروف بالباحث (8): البلاغة الفهم والإفهام، وكشف (9) قناع المعانى بالكلام، ومعرفة الإعراب، والاتساع فى اللفظ، والسّداد فى النظم، والمعرفة بالقصد، والبيان فى الأداء، وصواب الإشارة، وإيضاح الدلالة، والمعرفة (10) بساعة القول، والاكتفاء بالاختصار عن الإكثار، وإمضاء العزم على حكومة الاختيار.
__________
(1) ديوان المتنبى 2/ 167وفيه: «وقت نباته»، وفى الشرح ذكر «قبل نباته».
(2) فى المطبوعتين ومغربية واحدة: «لما أثمر» بحذف الألف التى بعد الراء.
(3) ديوان أبى تمام 1/ 18
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ويجف»، وما فى ص وف يوافق الديوان. وفى ف: «ولجف نور»، وهو خطأ من الناسخ.
(5) جاء هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 44منسوبا إلى أبى داود بن حريز، مع بعض اختلاف وزيادة، وانظره أيضا فى زهر الآداب 1/ 106منسوبا إلى أبى داود مع اختلافات أخرى، وانظره فى الصناعتين 3مع اختلاف فى تقديم بعض الجمل على بعض، واختلاف بعض الألفاظ.
(6) فى ص: «تخليص»، وفى هامش زهر الآداب ما يفيد أنه فى نسخة «تخليص».
والتلخيص: التبيين والشرح والتقريب [من هامش البيان والتبيين].
(7) لم أعثر له على ترجمة.
(8) فى ص: «بالباحة».
(9) فى ف: «وكشف قناع المعنى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وكشف المعانى».
(10) فى ف: «والمعرفة بساعات القول»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «والمعرفة بالقول».(1/445)
قال: وكل هذه الأبواب محتاجة (1) بعضها إلى بعض، كحاجة بعض أعضاء البدن إلى بعض، لا غنى (2) بفضيلة أحدها عن الآخر، فمن أحاط معرفة بهذه الخصال فقد كمل كلّ الكمال، ومن شذّ عنه بعضها لم يبعد من النقص بما اجتمع فيه منها.
قال: والبلاغة تخيّر اللفظ فى حسن إفهام.
وسئل الكندىّ عن البلاغة، فقال: ركنها اللفظ، وهو على ثلاثة أنواع: فنوع لا تعرفه العامّة، ولا تتكلم به، ونوع تعرفه، وتتكلم به، ونوع تعرفه ولا تتكلم به، وهو أحمدها.
ومن كتاب عبد الكريم قالوا: أحسن (3) البلاغة أن تصور الحقّ فى صورة الباطل، والباطل فى صورة الحق (4).
قال: ومنهم من يعيب ذلك المعنى، ويعدّه إسهابا، وآخر يعدّه نفاقا.
قال (5): ومرّ غيلان بن خرشة الضّبى (6) مع عبد الله بن عامر (7) بنهر
__________
(1) فى المطبوعتين: «محتاج»، وفى ف: «يحتاج»، وص مثل المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لا غنى لفضيلة»، وفى ص: «على الآخر».
(3) فى ف والمطبوعتين فقط: «حسن البلاغة أن يصور»، ولم أجد القول فى كتاب الممتع.
(4) فى العقد الفريد 2/ 262: «وقيل للعتابى: ما البلاغة؟ قال: إظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل فى صورة الحق». وانظره فى كتب الأمثال فى شرح الحديث: «إن من البيان لسحرا»، وفى الصناعتين 53جاء القول منسوبا إلى ابن المقفع وفيه: «البلاغة كشف ما غمض من الحق، وتصوير الحق فى صورة الباطل»، وكذلك فى ديوان المعانى 2/ 88. وانظر كفاية الطالب 33
(5) تجد هذه القصة فى البيان والتبيين 1/ 394و 395، والحيوان 5/ 198، وربيع الأبرار 1/ 128، وانظر كفاية الطالب 34، والمقابلة مع البيان.
(6) هو غيلان بن خرشة، كان سيد بنى ضبة بالبصرة، كان من أصحاب أبى موسى الأشعرى، ثم انتقض عليه وكان سببا فى عزله، وتولية عبد الله بن عامر.
الاشتقاق 194، وتاريخ الطبرى 3/ 274و 4/ 266264
(7) هو عبد الله بن عامر بن كريز، يكنى أبا عبد الرحمن، له صحبة، وهو الذى افتتح إقليم خراسان، ولى البصرة لعثمان، ووفد على معاوية فزوجه ابنته هندا، وكان من كبار ملوك العرب وشجعانهم وأجوادهم، وكان فيه رفق وحلم. ت 59هـ
المعارف 320، وتاريخ الطبرى 4/ 266264و 302300و 5/ 214209، والاستيعاب 3/ 931، والشذرات 1/ 36، وسير أعلام النبلاء 3/ 18وما فيه.(1/446)
أم عبد الله (1)، الذى يشق البصرة، فقال عبد الله (2): ما أصلح هذا النهر لأهل هذا المصر!!! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، يتعلم العوم فيه صبيانهم، ويكون لسقياهم (3)، ومسيل مياههم، ويأتيهم بميرتهم. قال: ثم مر غيلان يساير / زيادا على ذلك النهر، وكان (4) قد عادى ابن عامر، فقال / زياد (5): ما أضرّ هذا النهر لأهل هذا المصر!!! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، تنزّ (6) منه دورهم، ويغرق فيه صبيانهم، ومن أجله يكثر بعوضهم.
فكره الناس من البيان مثل هذا (7). انقضى كلام عبد الكريم.
والذى أراه أنا أن هذا النوع من البيان غير معيب بأنه نفاق، لأنه لم يجعل (8) الحق باطلا على الحقيقة، ولا الباطل حقّا، وإنما وصف محاسن شئ
__________
(1) نهر أم عبد الله بالبصرة، منسوب إلى أم عبد الله بن عامر بن كريز أمير البصرة فى أيام عثمان [انظر معجم البلدان]
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عبد الله بن عامر»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين.
(3) فى ص: «لشفاههم»، وقد أشار محقق البيان والتبيين أنها كانت فى الأصول «لشفاههم»، واعتمد ما فى العمدة، وفى ف: «لسقائهم»، ويبدو لى أنها الأصح، وحدث فيها خطأ فى القراءة والكتابة، وقد اعتمدت ما فى المطبوعتين والمغربيتين الذى هو فى البيان والتبيين.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقد كان»، وهو مثل البيان والتبيين.
(5) هو زياد بن أبيه، وهو زياد بن عبيد الثقفى، وهو زياد ابن سمية، وهو زياد بن أبى سفيان، الذى استلحقه معاوية بأنه أخوه يكنى أبا المغيرة، ولد عام الهجرة، وأسلم زمن الصديق وهو مراهق، وكان من نبلاء الرجال، رأيا، وعقلا، وحزما، ودهاء، وفطنة، كتب لأبى موسى، وللمغيرة، ولابن عباس.
المعارف 346، وتاريخ الطبرى 5/ 179176و 217214و 226224و 234 236، 248244، 258256، ومروج الذهب 3/ 1714و 33و 34و 35 والشذرات 1/ 59والاستيعاب 2/ 523، والوافى بالوفيات 15/ 10، وسير أعلام النبلاء 3/ 494 وما فيه من مصادر.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «تندى»، وما فى ص وف يوافق البيان والتبيين. وتنز من النز: وهو ما تحلب من الأرض من الماء.
(7) فى البيان والتبيين: «فالذين كرهوا البيان إنما كرهوا مثل هذا المذهب، فأما نفس حسن البيان فليس يذمه إلا من عجز عنه».
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لم يجعل الباطل حقا، ولا الحق باطلا».(1/447)
مرة، ووصف مساويه مرة أخرى، كما فعل عمرو بن الأهتم (1) بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلّم (2) وقد سأله عن الزّبرقان بن بدر، فأثنى خيرا وقال: (3) مانع لحوزته، مطاع فى أدنيه (4) (5) ويروى فى أذنته (5)، فلم يرض الزبرقان بذلك، وقال: أما إنه قد علم أكثر مما قال، ولكن حسدنى شرفى وفى رواية (6):
حسدنى مكانى منك، يخاطب النبى صلى الله عليه وسلّم فأثنى عليه عمرو شرّا، وقال: أما لئن قال ما قال، لقد علمته ضيّق الصدر، زمر (7) المروءة، أحمق الأب، لئيم الخال، حديث الغنى، ثم قال: والله يا رسول الله ما كذبت عليه فى الأولى، ولقد صدقت فى الآخرة، ولكن أرضانى، فقلت بالرضا، وأسخطنى، فقلت بالسخط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن من البيان لسحرا».
__________
(1) هو عمرو بن سنان بن سمىّ بن خالد منقر من بنى تميم، ويكنى أبا ربعىّ، وسمى أبوه سنان الأهتم لأن قيس بن عاصم المنقرى ضربه بقوس فهتم فمه، وعمرو شاعر جاهلى إسلامى، وكان فى الجاهلية يدعى «المكحل» لجماله، ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان أحد الذين نادوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من وراء الحجرات.
الشعر والشعراء 2/ 632، ومعجم الشعراء 21، والأغانى 4/ 146فى ترجمة حسان. والبيان والتبيين 1/ 53، وزهر الآداب 1/ 6، والاستيعاب 3/ 1163، ولباب الآداب 354، ومن اسمه عمرو من الشعراء 116
(2) انظر هذه القصة فى البيان والتبيين 1/ 53، وزهر الآداب 1/ 5، والعقد الفريد 2/ 64و 65 و 4/ 4ولباب الآداب 354، ومن اسمه عمرو من الشعراء 118، وأدب الدنيا والدين 272، وجمهرة الأمثال 1/ 13، ومجمع الأمثال 1/ 9، وفصل المقال 16، وكتاب الأمثال 37وانظر فيه تخريج الحديث، وقد سبق تخريجه ص 20
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فقال».
(4) فى المطبوعتين: «مطاع فى أنديته»، وما فى ص وف والمغربيتين يوافق البيان والتبيين وباقى المصادر المذكورة قبل
(55) ما بين الرقمين زيادة من ف، وفى خ: «مطاع فى أدانيه». وهى مثل العقد الفريد 4/ 4، وفى م والمغربيتين: «مطاع فى أذنيه».
وأذنته: جمع آذن بمعنى الحاجب أو المستمع. [انظر اللسان]
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وفى رواية أخرى».
(7) زمر المروءة: قليل المروءة. انظر اللسان فى [زمر](1/448)
قال أبو عبيد القاسم بن سلام (1): وكأن (2) المعنى والله أعلم أنه يبلغ من بيانه أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله، ثم يذمّه، فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه سحر السامعين بذلك.
وقال الجاحظ (3): العربىّ يعاف الشئ (4)، ويهجو به غيره، فإذا ابتلى به فخر به، ولكنه لا يفخر به لنفسه من جهة ما هجا به صاحبه.
ودخل أبو العيناء على المتوكل، فقال (5): بلغنى عنك بذاء، فقال (6): إن يكن البذاء صفة المحسن / بإحسانه، والمسىء بإساءته فقد زكّى الله، وذمّ، فقال (8):
{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوََّابٌ}، [سور ص: 44]، وقال (9): {هَمََّازٍ مَشََّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنََّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذََلِكَ زَنِيمٍ} (13) [سورة القلم: 1311]، فذمّه حتى قذفه، وإما أن أكون كالعقرب التى تلسع النبىّ، والذمىّ بطبع لا بتمييز (10) فقد
__________
(1) هو القاسم بن سلام بن عبد الله، يكنى أبا عبيد، كان أبوه سلام مملوكا روميا لرجل هروى، وكان أبو عبيد مجتهدا ذا فنون. حفظ القرآن على الكسائى، وأخذ اللغة عن أبى عبيدة، وأبى زيد، وصنف التصانيف المونقة التى سارت بها الركبان، ولى قضاء طرسوس، وتوفى بمكة المكرمة سنة 224هـ
المعارف 549، وطبقات الزبيدى 199، والفهرست 78، وتاريخ بغداد 12/ 403، ومعجم الأدباء 16/ 254، وإنباه الرواة 3/ 12، وبغية الوعاة 2/ 253، والمزهر 2/ 411، نزهة الألباء 109، والشذرات 2/ 54، وسير أعلام النبلاء 10/ 490وما فيه من مصادر.
(2) انظر هذا القول فى غريب الحديث 2/ 34ولسان العرب فى مادة [سحر]. وانظر شرح الحديث فى المجازات النبوية 89
(3) الحيوان 5/ 174
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يعاف البذاء».
(5) انظر هذا كله مع البيتين فى زهر الآداب 1/ 279، والصناعتين 427، ومحاضرات الأدباء 1/ 2/ 388ومعجم الأدباء 18/ 288، ووفيات الأعيان 4/ 346، وانظر الحكاية دون البيتين فى نثر الدر 3/ 195مع بعض اختلاف وانظر تخريج البيتين فيما يأتى.
(6) فى ف والمطبوعتين: «قال».
(8) الأواب: الكثير التعبد.
(9) الهماز: الذى يغتاب غيره. والعتل: الجافى الغليظ. والزنيم: الدعىّ.
(10) فى ص: «لا تمييز»، وفى ف،: «لا تميز»، واعتمدت ما فى زهر الآداب، وسقط قوله «بطبع لا بتمييز» من المطبوعتين والمغربيتين.(1/449)
أعاذ الله عبدك من ذلك، وقد قال الشاعر (1): [الطويل]
إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقا ... ولم أشتم الجبس اللئيم المذممّا (2)
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه ... وشقّ لى الله المسامع والفما
قال الجاحظ (3): قال ثمامة بن أشرس قلت لجعفر بن يحيى: ما البيان؟
قال: أن يكون القول (4) يحيط بمعناك، ويخبر عن مغزاك، وتخرجه (5) من الشركة، ولا تستعين (6) عليه بالكثرة، والذى لا بدّ منه أن يكون سليما من التكلّف / بعيدا من الصّنعة، بريئا (7) من التعقيد، غنيّا عن التأويل.
قال الجاحظ: وهذا هو تأويل قول الأصمعى (8): البليغ من طبّق المفصل، وأغناك عن المفسّر.
__________
(1) البيتان دون القصة فى عيون الأخبار 3/ 170، وفيه أنهما لأبى العالية، والأمالى 2/ 159، وفيه أنهما لأبى العالية الرياحى، وفى معجم الشعراء 485وفيه أنهما لأبى عمران الضرير، وجاءا فى الصناعتين 427، ومعجم الأدباء 18/ 288، ووفيات الأعيان 4/ 346، وحلية المحاضرة 1/ 295، وزهر الآداب 1/ 279، وكفاية الطالب 98دون نسبة، وفى العقد الفريد 1/ 279، وفيه: «الخشنى قال: أنشدنى الرياشى».
(2) فى عيون الأخبار والأمالى والعقد الفريد: «إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ولم أذمم»، وفى معجم الشعراء «إذا أنا لم أثن بخير مجازيا ولم أذمم الرجس البخيل»، وفى زهر الآداب: «إذا أنا لم أمدح على الخير أهله ولم أذمم» وفى الصناعتين: «لم أثن دائما»، وفى حلية المحاضرة: «إذا أنا لم أجز المودة أهلها»، وفى معجم الأدباء، ووفيات الأعيان: «ولم أشتم النكس».
والجبس: الجبان، أو الضعيف اللئيم، أو الثقيل الذى لا يجيب إلى خير.
(3) هذا القول تجده فى البيان والتبيين 1/ 106، وعيون الأخبار 2/ 173، وزهر الآداب 1/ 109والصناعتين 42مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ، وفى الصناعتين شرح القول.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أن يكون اللفظ»
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ويخرجه».
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ولا يستعين».
(7) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «بريّا».
(8) هذا القول تجده فى البيان والتبيين 1/ 106، وعيون الأخبار 2/ 174(1/450)
قال أبو عبيدة: البليغ: البلغ (1)، بفتح الباء.
وقال غيره: البلغ: الذى يبلغ ما يريده (2) من قول أو فعل (3)، والبلغ:
الذى لا يبالى ما قال، وما قيل فيه، كذا قال أبو زيد.
وحكى ابن دريد (4): كلام بلغ، وبليغ.
وقال ابن الأعرابى: يقال: بلغ، وبلغ (5).
ولا أشك (6) أن قول ابن الأعرابى إنما هو فى الأهوج الذى لا يبالى حيث وقع من القول.
وقد تكرر فى هذا الباب من أقاويل العلماء ما لم يخف عنى، ولا أغفلته، لكنى (7) اغتفرت ذلك لاختلاف العبارات، ومدار هذا الباب كله على أن البلاغة وضع الكلام / موضعه من طول أو إيجاز، مع حسن العبارة.
ومن جيد ما حفظته قول بعضهم (8): البلاغة سدّ (9) الكلام معانيه وإن قصر، وحسن التأليف وإن طال.
* * * __________
(1) سقطت كلمة «البلغ» من ص، وفى المغربيتين: «البلغ للبليغ».
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ما يريد».
(3) فى المطبوعتين ومغربية: «من قول وفعل».
(4) انظر جمهرة اللغة 1/ 269و 2/ 1127و 3/ 1248و 1302
(5) انظر الاشتقاقات ومعانيها فى اللسان فى [بلغ] وفى الصناعتين 6
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «ولا شك أن»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ولا شك أن ابن الأعرابى قال»
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لكن».
(8) هذا القول فى زهر الآداب 1/ 117، ونسب إلى العتابى، وفيه: «البلاغة مد الكلام بمعانيه إذا قصر، وحسن التأليف إذا طال»، وفى العقد الفريد 2/ 262دون نسبة، وفيه: «وقيل لآخر:
ما البلاغة؟ قال: نشر الكلام بمعانيه إذا قصر، وحسن التأليف له إذا طال».
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «شد الكلام» بالشين المثلثة، ولا معنى له.(1/451)
باب الإيجاز (6)
الإيجاز عند الرمانى (1) على ضربين: مطابق لفظه لمعناه، لا يزيد عليه، ولا ينقص عنه، كقولك: «سل أهل القرية»، ومنه ما فيه حذف للاستغناء عنه فى ذلك الموضع، كقول الله عز وجل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، [سورة يوسف: 82]
وعبّر عن الإيجاز بأن قال (2): هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف.
ونعم ما قال، إلا أن هذا الباب متّسع جدّا، ولكل نوع منه تسمية سماها أهل هذه الصناعة.
فأما الضرب الأول مما ذكره (3) أبو الحسن فهم يسمّونه «المساواة»، ومن بعض ما أنشدوا فى ذلك قول الشاعر (4): [البسيط]
يا أيّها المتحلّى غير شيمته ... إنّ التّخلّق يأتى دونه الخلق (5)
__________
(6) انظره فى النكت فى إعجاز القرآن 76، والصناعتين 173، وتحرير التحبير 459، وسر الفصاحة 199وما بعدها.
(1) انظر كتاب النكت فى إعجاز القرآن 76و 167ضمن كتاب ثلاث رسائل فى إعجاز القرأن، مع اختلاف فى التعبير.
(2) كتاب النكت فى إعجاز القرآن 76مع اختلاف فى بعض الألفاظ.
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «مما ذكر».
(4) البيتان فى الشعر والشعراء 2/ 575للعرجى ضمن ثلاثة أبيات، وفى عيون الأخبار 2/ 6جاء البيت الثانى الذى سأذكره فيما بعد، والبيتان فى زهر الآداب 1/ 84، وفى العقد الفريد 3/ 3، وجاء البيتان فى ديوان العرجى 33و 34وجاء الأول فى اللسان فى [خلق] منسوبا إلى سالم بن وابصة دون اختلاف عما معنا وجاء البيتان ضمن ثلاثة أبيات فى النوادر 489و 490منسوبة إلى سالم بن وابصة، ويتفقان مع ما هنا إلا فى قوله: «ولا يواسيك فيما كان من حدث» وهما فى الكامل 1/ 16 دون اختلاف ودون نسبة، وفى الهامش قيل: هما لسالم بن وابصة. وجاء الأول دون نسبة فى البرهان فى وجوه البيان 176
(5) البيتان جاءا فى المصادر المذكورة مع اختلاف فى بعضها والذى أذكره من الشعر والشعراء، وهما هكذا:
يا أيها المتحلّى غير شيمته ... ومن سجيته الإكثار والملق
ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه ... إن التخلّق يأتى دونه الخلق
وفى الديوان:(1/452)
ولا يواتيك فيما ناب من حدث ... إلّا أخو ثقة فانظر بمن تثق
فهذا شعر لا يزيد لفظه على معناه، ولا معناه على لفظه شيئا.
ومثله قول أبى العتاهية ورواه بعضهم للحطيئة وهذا شرف عظيم لأبى العتاهية إن كان الشعر له، ولا أشك فيه (1): [البسيط]
الحمد لله إنّى فى جوار فتى ... حامى الحقيقة نفّاع وضرّار
لا يرفع الطرف إلّا عند مكرمة ... من الحياء ولا يغضى على عار
وأنشد عبد الكريم فى اعتدال الوزن: [مجزوء الرمل]
إنّما الذّلفاء همّى ... فليدعنى من يلوم (2)
أحسن الناس جميعا ... حين تمشى وتقوم
أصل الحبل لترضى ... وهى للحبل صروم
/ ثم قال: عندهم أنه ليس فى هذا الشعر فضلة (3) على إقامة الوزن، وهذه الأبيات وأشكالها داخلة فى باب حسن النظم عند غير عبد الكريم.
والضرب الثانى مما ذكر الرمانى وهو قول الله عز وجل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [سورة يوسف: 82] يسمونه «الاكتفاء»، وهو داخل فى باب المجاز.
وفى الشعر القديم والمحدث منه كثير، يحذفون بعض الكلام لدلالة الباقى على الذاهب، من ذلك قول (4) الله تبارك اسمه (5): {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ}
__________
يا أيها المتحلى غير شيمته ... ومن خلائقه الإقصار والملق
ارجع إلى الحق إما كنت فاعله ... إن التخلق يأتى دونه الخلق
ولا يواتيك فيما ناب من حدث ... إلا أخو ثقه فانظر بمن تثق
وجاء الشطر الثانى من البيت الأول ويسبقه شطر ليس هنا فى حلية المحاضرة 1/ 248
(1) لم أجد البيتين فى ديوان أبى العتاهية، ولا فى الشعر المنسوب إليه، ووجدتهما فى ديوان الحطيئة 325فى الشعر المنسوب إليه نقلا عن كتاب عنوان المرقصات والمطربات دون اختلاف.
(2) الأبيات للأحوص الأنصارى فى ديوانه 239
(3) فى ف ومغربية: «فضيلة»، وفى المطبوعتين ومغربية: «فضلة عن إقامة».
(4) فى ف: «قول الله تعالى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «قول الله عز وجل».
(5) انظر الاستشهاد بالآية فى الصناعتين 182مع التفصيل فى الشرح.(1/453)
{الْجِبََالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ََ} [سورة الرعد: 31]، كأنه قال:
لكان هذا القرآن.
ومثله قولهم (1): «لو رأيت عليّا بين الصفّين»، أى: لرأيت أمرا عظيما (2).
وإنما كان هذا معدودا من أنواع البلاغة لأن نفس السامع تتّسع فى الظنّ والحساب، وكلّ معلوم فهو هيّن لكونه محصورا.
وقال امرؤ القيس: [الطويل]
فلو أنّها نفس تموت سويّة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا (3)
كأنه قال: لهان الأمر، ولكنها نفس تموت موتات، أو نحو هذا (4).
ومن الحذف قول الله عزّ وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} [سورة آل عمران: 106]، أى: فيقال لهم: أكفرتم (5)؟.
ومن كلام (6) النبى صلى الله عليه وسلّم قوله للمهاجرين، وقد شكروا عنده الأنصار:
«أليس قد عرفتم ذلك لهم؟ قالوا: بلى، قال: «فإن ذلك»، أى (7): مكافأة لهم.
وروى أبو عبيد (8) أن سفيان الثورى (9) قال: جاء (10) رجل من
__________
(1) انظر هذا القول وما قيل عنه فى الصناعتين 33، وانظر التعليق الآتى.
(2) انظر الآية والتقدير فيها، والمثال والتقدير فيه فى النكت فى إعجاز القرآن 76و 77
(3) ديوان امرئ القيس 107، وفيه: «فلو أنها نفس تموت جميعة». وسيأتى فى 1067و 1090 وتساقط أنفسا: أى تموت شيئا بعد شئ، أما تساقط أنفسا: أى يموت بموتها عدة من الأنفس [انظر الديوان].
(4) فى المطبوعتين: «ونحو هذا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(5) فى المطبوعتين فقط: «أكفرتم بعد إيمانكم»، وانظر موضع الاستشهاد بالآية فى تأويل مشكل القرآن 216، والصناعتين 182
(6) انظره فى غريب الحديث 2/ 271لأبى عبيد والأمثال له 138، وانظره فى البيان والتبيين 2/ 278
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يريد فإن ذلك مكافأة لهم»، وفى غريب الحديث: «فإن ذلك معناه والله أعلم فإن معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة منكم لهم»، وقريب منه فى الأمثال.
(8) فى المطبوعتين فقط: «أبو عبيدة»، وهو خطأ.
(9) هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثورى الكوفى، يكنى أبا عبد الله، طلب العلم وهو حدث باعتناء والده الذى كان من أصحاب الشعبى، وكان سفيان أعلم الناس بالحلال والحرام. ت 261هـ.
المعارف 497، والفهرست 281، وتاريخ بغداد 9/ 151، ووفيات الأعيان 2/ 386، والشذرات 1/ 250، وسير أعلام النبلاء 7/ 229وما فيه من مصادر.
(10) الخبر فى غريب الحديث 2/ 271بنصه، وجاء مختصرا فى البيان والتبيين 2/ 278(1/454)
قريش إلى عمر بن عبد العزيز، فكلّمه (1) فى حاجة له، فجعل يمتّ بقرابته، فقال عمر: «فإن ذلك»، ثم ذكر له (2) حاجته، فقال: «لعل ذلك» (3).
وقال الطرماح يوما للفرزدق: يا أبا فراس، أنت القائل (4):
[الكامل]
/ إنّ الّذى سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أعزّ من ماذا؟ وأطول من ماذا؟ وأذّن المؤذن، فقال له الفرزدق: يا لكع، ألا تسمع ما يقول المؤذن: الله أكبر، أكبر من ماذا؟ أعظم من ماذا؟. فانقطع الطرماح انقطاعا فاضحا.
وزعم بعض العلماء أن معنى قول الفرزدق «عزيز، طويل» (5)، ولكنه بناه على «أفعل» مثل (6) «أحمر»، و «أبيض»، وما شاكلهما، فجعله لازما لما فى ذلك من الفخامة من اللفظ، والاستظهار فى المعنى.
ومن الإيجاز قول أعرابى (7) فى صفة الذئب (8): [الرجز]
أطلس يخفى شخصه غباره ... فى فمه شفرته وناره (9)
فقوله فى الشفرة والنار إيجاز مليح.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «يكلمه».
(2) سقطت «له» من المطبوعتين والمغربيتين.
(3) فى البيان والتبيين بعد «لعل ذلك»: «أى إن ذلك كما قلت، ولعل حاجتك تقضى».
(4) ديوان الفرزدق 2/ 714، ولم أعثر على الخبر فى مصادرى، ولكن فى الكامل 2/ 308، تفسير «الله أكبر» مع البيت.
(5) انظر هذا فى الكامل 2/ 308
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مثل أبيض وأحمر».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قول الأعرابى».
(8) الرجز فى البيان والتبيين 1/ 150، والحيوان 6/ 438، والكامل 1/ 368مع اختلاف فى الترتيب، والمعانى الكبير 1/ 187، وديوان المعانى 2/ 134، والأمالى 3/ 129
(9) فى المطبوعتين: «فى شدقه».
والشفرة: السكين العريضة العظيمة. عنى أنه قد استغنى بأنيابه عن معالجة مطعمه بالشفرة ثمّ بالنار. [من هامش البيان والتبيين].(1/455)
وقال آخر (1) فى صفة سهم صارد (2):
[الرجز]
غادر داء ونجا صحيحا (3)
وقال آخر فى صفة ناقة (4):
[الرجز]
خرقاء إلّا أنّها صناع (5)
وقال أبو نواس يصف جنين ناقة مخدوجا (6):
[الرجز]
ميت النسا حىّ الشفر (7)
وقال ابن المعتز يصف بازيا (8):
[الرجز]
مبارك إذا رأى فقد رزق
__________
(1) الرجز فى البيان والتبيين 1/ 150و 3/ 72
(2) فى ص وف وم: «صادر»، وهو خطأ، والتصحيح من خ والمغربيتين والبيان والتبيين 1/ 150
والصارد من ألفاظ الأضداد، فهو يستعمل بمعنى النافذ المصيب، ويستعمل بمعنى المخطئ [انظر اللسان]
(3) فى البيان والتبيين 1/ 150قبل هذا: «ألقى على مفطوحها مفطوحا».
(4) البيان والتبيين 1/ 150و 3/ 72، والحيوان 3/ 72
(5) قال فى البيان والتبيين بعد الرجز: «يصف سرعة نقل يديها ورجليها، أنها تشبه المرأة الخرقاء، وهى الخرقاء فى أمرها الطياشة».، و «صناع، على وزن «فعال» مثل «حذام» و «لكاع».
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «مخدجا».
ومخدوج اسم مفعول من خدج، نقول: خدجت الناقة، وكل ذات ظلف وحافر، بمعنى ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام، وإن كان تام الخلق. [انظر اللسان].
(7) ديوان أبى نواس 439
وفى المطبوعتين ومغربية: «حى الشعر، وما فى ص وف يوافق الديوان وفى مغربية: «حيث النساحىّ فى الشعر» [كذا] وفى الأخرى: «حتى الشعر» [كذا].
والنسا: عرق من الورك إلى الكعب. والشفر: منابت الشعر فى الجفن.
وهو يريد أنه لا يتحرك، وإن كانت عينه تطرف، أى: أن فيه روحا تتردد. [من الديوان]
(8) ديوان ابن المعتز 2/ 140(1/456)
ومن الإيجاز البديع المعجز (1) قول (2) الله تعالى: {وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} [سورة هود: 44]، وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} [سورة الأعراف: 199]، فكل كلمة من هذه / الكلمات مقام (3) كلام كثير، وهى على ما ترى من الإحكام والإيجاز، ومثل ذلك قوله (4): {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [سورة المنافقون: 4]، وقوله:
{وَأُخْرى ََ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهََا قَدْ أَحََاطَ اللََّهُ بِهََا} [سورة الفتح: 21]، وقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمََا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [سورة النجم: 23] (5).
وقال النبىّ صلى الله عليه وسلّم للأنصار (6): «إنكم لتكثرون عند الفزع / وتقلّون عند الطمع»، وقال: «كفى بالسّلامة داء»، ومثل هذا كثير فى كلامه صلى الله عليه وسلّم، ومن أولى منه بالفصاحة، أو أحق (7) بالإيجاز، وقد قال: «أعطيت جوامع الكلم» (8)؟!
وأما (9) قوله (10): «كفى بالسيف شا» يريد «شاهدا» فقد حكاه قوم
__________
(1) سقطت كلمة «المعجز» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قول الله عز وجل».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فى مقام».
(4) فى ف: «يحسبون كل صيحة عليهم»، وفى المطبوعتين زيادة «فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون» وما فى ص يوافق النكت فى إعجاز القرآن ودلائل الإعجاز.
(5) انظر القول عن هذه الآيات فى مجاز القرآن والنكت فى إعجاز القرآن ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة والصناعتين.
(6) جاء قول الرسول صلى الله عليه وسلّم فى الحديثين المذكورين فى زهر الآداب 1/ 24، ضمن أحاديث كثيرة تحت عنوان: «وهذه شذور من قوله صلى الله عليه وسلّم الصريح الفصيح، العزيز الوجير، المتضمن بقليل من المبانى كثير المعانى»، وينظر حديث «كفى بالسلامة داء» فى المجازات النبوية 280، وجاء الحديث الأول فى الكامل 1/ 3وغريب الحديث 1/ 682ونثر الدر 1/ 157والتمثيل والمحاضرة 26وجاء الثانى فى إعجاز القرآن 81والكامل 1/ 218و 3/ 128ونثر الدر 1/ 195والتمثيل والمحاضرة 25
(7) فى المطبوعتين: «وأحق»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(8) انظره مع تخريجه الجيد فى تأويل مشكل القرآن 4وفيه: «أوتيت جوامع الكلم» ومثله فى التمثيل والمحاضرة 22
(9) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فأما قوله».
(10) جاء الحديث مختصرا مع قصته فى كتاب أخبار النساء لابن قيم الجوزية 108، وجاء مختصرا فى المحاضرات 2/ 3/ 236، وجاء كاملا وبنصه هنا فى اللسان فى [تيع].(1/457)
من أصحاب الكتب، أحدهم عبد الكريم، والذى أرى أن هذا ليس مما ذكروا فى شئ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما قطع الكلمة، وأمسك عن تمامها لئلا تصير حكما، ودليل ذلك أنه قال (1): «لولا أن يتتايع (2) فيه الغيران والسّكران»، فهذا وجه الكلمة والله أعلم، لا كما قال علقمة بن عبدة: (3) [البسيط]
كأنّ إبريقهم ظبى على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم
يريد: «بسبائب الكتان»، فحذف اضطرارا لأن الوزن لا يستقيم له إلا بعد الحذف، وكذلك قول لبيد (4):
[الكامل]
درس المنا بمتالع فأبان
يريد «المنازل» فحذف للضرورة أيضا. ورسول الله صلى الله عليه وسلّم غير متكلف، ولا مضطر، فأما سائر العرب فالحذف فى كلامهم كثير لحبّ الاستخفاف، وتارة للضرورة، وسيرد عليك فى باب الرّخص إن شاء الله تعالى.
* * * __________
(1) فى أخبار النساء: «كفى بالسيف شا، ولم يتمها، أراد شاهدا لئلا يبالغ فيه الغيران والسكران». ولكنه جاء بنصه هنا فى اللسان فى [تيع].
(2) فى المطبوعتين فقط: «يتتابع» [كذا] بموحدة بعد الألف. والتتايع: التسرع فى الأمر من غير تثبّت.
(3) ديوان علقمة بن عبدة 46، وفيه الاستشها ببيت لبيد الآتى وانظر ما قيل عن هذا العيب فى نقد الشعر 219، والموشح 366، على أنه قد ذكر البيت فى الكامل 3/ 42فى مجال حسن الشعر، وذكر البيت فى مجال سوء التشبيه فى سر الفصاحة 245
والشرف: المكان المرتفع. مفدم: صفة للإبريق على الاستئناف، وهو من الفدام، وهو شئ تشده العجم على أفواهها عند السّقى، والواحدة فدامة، وأما الفدام فإنه مصفاة الكوز والإبريق ونحوهما، وسقاة الأعاجم المجوس إذا سقوا الشرب فدموا أفواههم، فالساقى مفدّم، والإبريق الذى يسقى منه الشرب مفدّم. وسبا: المقصور «سبائب» وهى جمع سبيبة: وهى شقة بيضاء. وملثوم من اللثام: وهو ما يوضع على الفم.
(4) ديوان لبيد 138والمذكور صدر بيت عجزه: «وتقادمت بالحبس والسوبان». ومتالع موضع أو جبل. وأبان: جبل. انظر معجم ما استعجم ومعجم البلدان.(1/458)
باب البيان (11)
قال أبو الحسن الرمانى فى البيان (1): هو إحضار المعنى للنفس بسرعة إدراك. وقيل ذلك لئلا يلتبس بالدلالة لأنها إحضار المعنى للنفس، وإن كان بإبطاء، وقال: البيان الكشف عن المعنى حتى تدركه النفس من غير عقلة، وإنما / قيل ذلك لأنه قد يأتى التعقيد فى الكلام الذى يدل، ولا يستحق اسم البيان.
قال أبو على صاحب الكتاب (2): وقد مرّ (3) فى باب البلاغة قول (4)
غيلان بن خرشة فى صفة نهر أم عبد الله مادحا وذامّا، وهو من جيد البيان عندهم، وكذلك قول (5) عمرو بن الأهتم فى الزبرقان بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلّم، حين قال (6) النبى صلى الله عليه وسلّم: «إن من البيان لسحرا»، وقال مثل ذلك للعلاء (7) بن الحضرمى (8)، وقد سأله: هل تروى من الشعر شيئا (9) فأنشده (10):
__________
(11) انظر النكت فى إعجاز القرآن 106، وتحرير التحبير 489تحت عنوان باب حسن البيان.
(1) النكت فى إعجاز القرآن 106وفيه: «البيان هو الإحضار لما يظهر به تميز الشىء من غيره فى الإدراك».
ويبدو أن ابن رشيق ينقل عن كتاب آخر للرمانى، أو أن النكت اختصار لكتاب كبير.
(2) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب»
(3) فى المطبوعتين: «وقد مر بى فى باب».
(4) انظر ص 394
(5) انظر ص 395و 396
(6) فى ف: «حين قال له»
(7) فى خ: «للعلاء بن الحصين»، وفى هامش م كتب المحقق: «وفى الأصول: «للعلاء بن الحصين» تحريف».
وأقول: أية أصول يقصد الشيخ؟ إنه فى رأيى لم يرجع إلا إلى المطبوعة خ، ولو رجع إلى مخطوطة الأزهر لكان له كلام آخر!!، وما فى ص وف يوافق كتب التراجم، واللسان فى [دحس].
(8) هو العلاء بن الحضرمى، واسم الحضرمى عبد الله بن عماد أو عباد، أو ضماد، كان حليفا لبنى أمية، وأخوه ميمون بن الحضرمى صاحب بئر ميمون التى بأعلى مكة المكرمة، ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم العلاء إمرة البحرين، ثم وليها لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، وللعلاء مواقف جليلة فى الدفاع عن الإسلام. ت 21هـ.
المعارف 283، وتاريخ الطبرى 3/ 312305، وجمهرة أنساب العرب 461، والاستيعاب 3/ 1085، والشذرات 1/ 32، وسير أعلام النبلاء 1/ 262وما فيه من مصادر
(9) انظر الخبر والشعر فى عيون الأخبار 2/ 18والعقد الفريد 2/ 336، ولباب الآداب 2/ 34بنسبته إلى العلاء بن الحضرمى مع اختلاف فى بعض الألفاظ، والبيت الثانى فى اللسان فى [خنس] بنسبته إلى شاعر، ثم جاء فيه فى [دحس] بنسبته إلى العلاء بن الحضرمى، وجاء الشطر الثانى من البيت الثانى فى مجمع البلاغة 1/ 127دون نسبة، ونسبه المحقق فى الهامش إلى العلاء نقلا عن عيون الأخبار.
(10) سقط قوله: «فأنشده» من ص، وفى م «فأنشد»، وما فى ف وخ يوافق عيون الأخبار والعقد الفريد.(1/459)
[الطويل]
حىّ ذوى الأضغان تسب قلوبهم ... تحيّتك الحسنى وقد يرقع النغل (1)
فإن دحسوا بالكره فاعف تكرّما ... وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل (2)
فإنّ الّذى يؤذيك منه سماعه ... وإنّ الّذى قالوا وراءك لم يقل
/ فقال النبى صلى الله عليه وسلّم: «إنّ من الشعر لحكما» (3)، وروى «لحكمة».
ومن البيان الموجز الذى لا يقرن به شئ من الكلام قول الله تعالى (4):
{وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ} [سورة البقرة: 179]، وقوله فى الإعراب عن صفته: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1) اللََّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (4) [سورة الإخلاص: 41]، فبيّن تعالى أنه واحد لا ثانى معه، وأنه صمد لا جوف له، وقيل: الصمد السيد الذى يصمد (5) إليه فى الأمور كلها، ولا يعدل عنه، وقيل: العالى المرتفع، وأنه غير والد ولا مولود، وأنه لا شبيه (6) له، ولا مثل، وقيل: إن الكفو هاهنا الصاحبة، تعالى الله.
وإنما نزلت هذه السورة لما سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالوا له: صف لنا ربّك، وانسبه، فقد وصف نفسه فى التوراة ونسبها، فأكبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذلك، وقال: لو سألتمونى / أن أصف لكم الشمس لم أقدر على ذلك، فبينا (7)
هو كذلك هبط جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ}
إلى آخر السورة (8).
__________
(1) فى المطبوعتين: «تسب عقولهم»، وما فى فى ص وف والمغربيتين يوافق عيون الأخبار، ولباب الآداب وفى العقد الفريد «تسب نفوسهم»، وفى لباب الآداب: «تحيتك الأدنى فقد يدفع»، وفى المطبوعتين، وعيون الأخبار: «وقد يرفع النعل»، وفى العقد: «فقد ترقع النعل» بالعين المهملة فيهما، وهو خطأ. انظر تفسير الكلمة الآتى، وهناك اختلافات أخرى.
والنغل بالغين المعجمة: الفساد، ومنه فساد الجلد فى دباغه، وفساد الجرح، والإفساد بين السان.
(2) دحسوا: أفسدوا بين الناس. خنسوا: أخفوا.
(3) فى عيون الأخبار: «إن من الشعر حكما، وإن من البيان سحرا»، وفى العقد: «إن من الشعر لحكمة»، وبالإضافة إلى ما سبق فى الحديث انظر نصيحة الملوك 308و 309
(4) انظر فى الصناعتين 175، والنكت فى إعجاز القرآن 77، تفضيل قول الله تعالى على قولهم: «القتل أنفى للقتل».
(5) فى ص والمغربيتين: «يعمد». ويصمد إليه: يقصد، وانظر مدلولات «الصّمد» فى اللسان.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لا شبه له».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فبينما هو كذلك إذ هبط عليه»، وفى ف: «نزل جبريل».
(8) فى ف والمطبوعتين: «السورة» بحذف «إلى آخر».(1/460)
ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وصحابته رضى الله عنهم، قوله عليه السلام (1): «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» و «المرء كثير بأخيه»، فهذا كلام فى نهاية البيان والإيجاز (2).
وقال أبو بكر رضى (3) الله عنه فى بعض مقاماته (4): «وليت أمركم (5)، ولست بخيركم، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإن (6) عصيت الله فلا طاعة لى عليكم»، وقد (7) بلغ بهذه الألفاظ الموجزة غاية البيان.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى بعض خطبه: «أيها الناس، إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندى من الضعيف حتى آخذ الحقّ له، ولا أضعف عندى من القوى حتى آخذ الحقّ منه» روى ذلك المبرد (8) عن العتبى، وذكر الأخفش (9) على بن سليمان (10) هذه الخطبة، فقال: الصحيح أنها
__________
(1) فى المطبوعتين: «قوله صلى الله عليه وسلّم».
(2) ذكر الحديثان ضمن أحاديث كثيرة فى العقد الفريد 2/ 418و 419تحت عنوان: باب أدب النبى صلى الله عليه وسلّم لأمته، وذكر الحديث الأول وحده فى العقد 3/ 403و 408فى قول الشعوبية وهم أهل التسوية، وفى رد ابن قتيبة عليهم، وجاء الحديث الثانى وحده فى عيون الأخبار 3/ 1والتمثيل والمحاضرة 28وبهجة المجالس 1/ 701ونثر الدر 1/ 151و 162وجاء فى العقد الفريد 2/ 304تحت عنوان: اتخاذ الإخوان وما يجب لهم.
وجاء الحديثان فى زهر الآداب 1/ 24ضمن أحاديث كثيرة مسبوقة بقول المؤلف: «وهذه شذور من قوله صلى الله عليه وسلّم الصريح الفصيح، العزيز الوجيز، المتضمن بقليل من المبانى كثير المعانى». وهما فى المنزع البديع 420
وانظر الحديث الأول وشرحه فى غريب الحديث 1/ 553والمجازات النبوية 26، وجاء الثانى فى الكامل 1/ 63كما جاء فى العثمانية 207
(3) سقط قوله: «رضى الله عنه» من ف، وفى ص: «فى بعض مقاماته رضى الله عنه».
(4) جاءت هذه الكلمات فى الخطبة التى ألقاها رضى الله عنه بعد مبايعته، وقد ذكرت الخطبة فى عيون الأخبار 2/ 234، وإعجاز القرآن 137، وتاريخ الطبرى 3/ 210، والعقد الفريد 4/ 59، ونهاية الأرب 19/ 42وبين الجميع اختلاف فى بعض الألفاظ والجمل.
(5) فى ف والمطبوعتين: «أموركم»، وما فى ص يوافق عيون الأخبار وبعض المصادر المذكورة.
(6) فى خ: «فإن عصيت فلا طاعة»، وفى م كتب لفظ الجلالة بين معقوفين!!!
(7) فى المطبوعتين: «فقد بلغ».
(8) انظر الكامل 1/ 12
(9) فى المطبوعتين فقط: «وذكر الأخفش عن على» وهذا خطأ لأن الأخفش الأصغر هو على بن سليمان. انظر التعليق الآتى.
(10) هو على بن سليمان بن الفضل، يكنى أبا الحسن، ويعرف بالأخفش، وهو الأخفش الأصغر، كان بينه وبين ابن الرومى وحشة، فلابن الرومى فيه هجو، وكان هو يعبث بابن الرومى، ويقول كلاما يتطير منه ابن الرومى على حسب عادته فى التطيّر. ت 315هـ أو 316هـ.(1/461)
لأبى بكر (1).
ومن كلام عمر رحمه الله (2): «كفى بالمرء غيّا أن تكون فيه خلّة من ثلاث: أن يعيب شيئا ثم يأتى مثله، أو يبدو له من أخيه ما يخفى عليه من نفسه، أو يؤذى جليسه فيما لا يعنيه (3)».
وكتب عثمان بن عفان إلى علىّ بن أبى طالب رحمة الله عليهما لما أحيط به (4): «أما بعد، فإنه قد جاوز الماء الزّبى (5)، وبلغ الحزام الطبيين، وتجاوز الأمر بى قدره، وطمع فىّ من لا يدفع عن نفسه: [الطويل]
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركنى ولمّا أمزّق (6)
والبيت (7) الذى تضمنته الرسالة من شعر الممزّق العبدى يقوله لعمرو بن هند فى قصيدة مشهورة، وبه سمّى «الممزق»، واسمه «شأس بن نهار».
وخاطب عثمان / عليّا يعاتبه، وهو مطرق، فقال له: «ما بالك لا تقول؟» فقال على: «إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندى إلا ما تحب».
__________
الفهرست 91، وطبقات الزبيدى 115، ومعجم الأدباء 13/ 346، وإنباه الرواة 2/ 276، ووفيات الأعيان 3/ 301، ونزهة الألباء 185، وبغية الوعاة 2/ 167، والشذرات 2/ 270، وسير أعلام النبلاء 14/ 480وما فيه من مصادر، والنجوم الزاهرة 3/ 219
(1) ويؤيد هذا أن الجزء الأول من القول جاء فى سيرة ابن هشام 43/ 661لأبى بكر، كما أن القول كله ذكر لأبى بكر ضمن الخطبة التى فيها: «وليت عليكم ولست بخيركم» فانظره فى المصادر التى ذكرتها هناك.
(2) فى ف: «ومن كلام عمر بن الخطاب» وفى المطبوعتين: «رضى الله عنه».
(3) انظر هذا القول فى الكامل 1/ 64ضمن كلام كثير.
(4) انظر الرسالة فى عيون الأخبار 1/ 34، والكامل 1/ 17، وزهر الآداب 1/ 38، والعقد الفريد 4/ 310مع اختلاف بينها فى بعض الألفاظ والجمل.
(5) الزبى جمع زبية: وهى الرابية لا يعلوها ماء، وبلوغ الزبى كناية عن اشتداد الأمر.
الطبيان مثنى طبى بالكسر والضم: حلمات الضرع، وبلوغ الحزام الطبيين كناية عن الشدة.
(6) سبق تخريج البيت فى باب من رفعه الشعر ومن وضعه ص 54.
(7) فى ف وخ والمغربيتين: «البيت الذى تضمنته»، وفى م: «البيت الذى قد تضمنته»، وكتبت كلمة «قد» بين معقوفين دون ذكر السبب!!(1/462)
قال المبرد (1): تأويل ذلك: إن قلت اعتددت عليك / بمثل ما اعتددت به علىّ فلذعك (2) عتابى، وعقدى أن لا أفعل وإن كنت عاتبا إلا ما تحب.
وهذا قليل من كثير يستدلّ به عليه، ولو تقصّيت ما وقع من ألفاظ التابعين، وما تقدمت به شعراء الجاهلية والإسلام، لأفنيت العمر دون ذلك.
وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ وهو علّامة وقته الجهد، وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلا، ثم ما ادّعى الإحاطة (3) بهذا الفن لكثرته، وأنه (4) كلام الناس وأنفاسهم (5) لا يحيط به إلا الله عز وجل.
* * * __________
(1) انظر العتاب والتأويل فى الكامل 1/ 17
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فلدغك» بدال مهملة فغين معجمة، وما فى ص وف يوافق الكامل.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ثم ما ادعى إحاطة».
(4) فى المطبوعتين: «وأن كلام»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(5) سقطت كلمة «وأنفاسهم» من المطبوعتين والمغربيتين.(1/463)
باب النظم (9)
قال أبو عثمان الجاحظ (1): أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه (2) أفرغ إفراغا واحدا، وسبك سبكا واحدا، فهو يجرى على اللسان كما يجرى الدهان.
وإذا كان الكلام على هذا الأسلوب الذى ذكره الجاحظ لذّ سماعه، وخفّ محتمله، وقرب فهمه، وعذب النطق به، وحلى فى قلب (3) سامعه، فإذا كان متنافرا متباينا عسر حفظه، وثقل (4) على لسان الناطق به، ومجّته المسامع، فلم يستقر فيها منه شئ.
وأنشد الجاحظ قال (5): أنشدنى أبو العاصى قال: أنشدنى خلف:
[الطويل]
وبعض قريض القوم أبناء علّة ... يكدّ لسان الناطق المتحفّظ (6)
وأنشد (7) عنه عن أبى البيداء الرياحى (8):
__________
(9) انظر الصناعتين 57وما بعدها و 67و 69و 133وما بعدها و 161وما بعدها، وانظر بيان إعجاز القرآن 29ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن، وانظر دلائل الإعجاز 41و 43 و 55، وما بعدها.
(1) انظر هذا القول فى البيان والتبيين 1/ 67، وسبق فيه بقوله «قال» مما يوهم بأن القول لخلف الذى يدل السياق عليه، ولكن الكلام للجاحظ، وانظره فى المصون فى الأدب 6
(2) فى البيان والتبيين: «أنه قد أفرغ».
(3) فى المطبوعتين: «فى فم». وفى المغربيتين: «وحلا فى فم».
(4) فى م: «وثقل على اللسان النطق به» [كذا].
(5) البيان والتبيين 1/ 66، وانظر البيت فى محاضرات الأدباء 1/ 83، وحلية المحاضرة 1/ 126
(6) فى البيان والتبيين ومحاضرات الأدباء: «أولاد علة»، وفى المحاضرات: «وبعض قريض الشعر».
أبناء علة: بنو رجل واحد من أمهات شتى. والمقصود ما يقع بين أبناء العلات من التنافر.
(7) البيان والتبيين 1/ 66
(8) هو أسعد بن أبى عصمة، وهو أعرابى نزل البصرة، وكان يعلم الصبيان بأجرة، وأقام بالبصرة أيام عمره، وهو زوج أم أبى مالك عمرو بن كركرة الذى كان يقال: إنه يحفظ اللغة كلها، وكان راوية أبى البيداء، وكان أبو البيداء أحد مشايخ ابن سلام، وقد روى عنه كثيرا فى الطبقات.
الفهرست 49، ومقدمة الطبقات 35(1/464)
[الطويل]
وشعر كبعر الكبش فرّق بينه ... لسان دعىّ فى القريض دخيل (1)
/ واستحسن (2) أن يكون البيت بأسره كأنه لفظة واحدة لخفته، وسهولته، واللفظة كأنها حرف واحد.
وأنشد (3) قول الثقفى (4): [البسيط]
من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إنّ الذّليل الّذى ليست له عضد (5)
تنبو يداه إذا ما قلّ ناصره ... ويأنف الضّيم إن أثرى له عدد (6)
والناس مختلفو الرأى فى مزاوجة الألفاظ: منهم من يجعل الكلمة وأختها، وأكثر ما يقع ذلك فى ألفاظ الكتّاب (7)، وبه كان يقول البحترى فى أكثر أشعاره، من ذلك قوله (8): [الطويل]
تطيب بمسراها البلاد إذا سرت ... فينعم ريّاها ويصفو نسيمها (9)
ففى القسيم الآخر تناسب ظاهر، وكذلك قوله (10):
__________
(1) انظر البيت أيضا فى محاضرات الأدباء 1/ 83، والموشح 552وفيه، «وبعر الكبش يقع متفرقا، والمعنى فى ذلك أن قائل هذا البيت الذى أراد أن شعر الذى هجاه مختلف المعانى غير جار على نظم ولا مشاكلة».
(2) تجد هذا الاستحسان فى البيان والتبيين 1/ 67فى أثناء شرح الجاحظ لقول الشاعر: «كبعر الكبش».
(3) البيان والتبيين 1/ 67
(4) هو الأجرد الثقفى، وقد وفد على عبد الملك بن مروان فى نفر من الشعراء، فقال له: إنه ما من شاعر إلا وقد سبق إلينا من شعره قبل رؤيته، فما قلت؟ فقال البيتين المذكورين.
الشعر والشعراء 2/ 734
(5) تجد البيتين أيضا فى الحيوان 3/ 45، والشعر والشعراء 2/ 734، وعيون الأخبار 3/ 2، والمصون فى الأدب 6و 7والعقد الفريد 2/ 440
(6) فى العقد الفريد: «إذا ما قل ناضره» بالضاد المعجمة، وهو تصحيف مطبعى.
(7) يقصد بالكتاب الأدباء.
(8) ديوان البحترى 3/ 2023
(9) فى م: «فيفغم رياها».
والرّيا: الريح الطيبة.
(10) ديوان البحترى 2/ 707(1/465)
[مجزوء الخفيف]
ضاق صدرى بما أجن ... ن وقلبى بما أجد
وقوله أيضا فى مدح المتوكل (1): [مجزوء الكامل]
لقد اصطفى ربّ السّما ... ء له الخلائق والشيم (2)
ومنهم من يقابل لفظتين بلفظتين، ويقع فى الكلام حينئذ تفرقة، وقلة تكلّف، فمن المتناسب قول علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه فى بعض كلامه:
«أين من سعى واجتهد، وجمع وعدّد، وزخرف ونجّد، وبنى وشيّد»؟ فأتبع كلّ / لفظة ما شاكلها (3)، وقرنها بما يشبهها.
ومن المفرّق (4) المنفصل قول امرئ القيس (5): [الطويل]
كأنّى لم أركب جوادا للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزّقّ الرّوىّ ولم أقل ... لخيلى كرّى كرّة بعد إجفال
وكان قد ورد على سيف الدولة رجل بغدادى يعرف بالمنتخب (6)، لا يكاد يسلم منه أحد من القدماء والمحدثين، ولا يذكر شعر / بحضرته إلا عابه، وظهر على صاحبه بالحجّة الواضحة، فأنشد يوما هذين البيتين، فقال: قد خالف فيهما، وأفسد، لو قال:
كأنّى لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلى كرّى كرّة بعد إجفال
ولم أسبإ الزّقّ الرّوىّ للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
لكان قد جمع الشئ وشكله بذكر (7) الجواد والكرّ فى بيت، وذكر الخمر والنساء فى بيت، فالتبس الأمر بين يدى سيف الدولة، وسلّموا له ما قال، فقال رجل ممن حضر:
ولا كرامة لهذا الرأى، الله أصدق منك حيث يقول: {إِنَّ لَكَ أَلََّا تَجُوعَ فِيهََا وَلََا تَعْرى ََ (118) وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ} (119)، [سورة طه: 118و 119] فأتى بالجوع مع العرى، ولم يأت به مع الظمأ، فسرّ سيف الدولة، وأجازه بصلة حسنة (8).
__________
(1) ديوان البحترى 3/ 1999
(2) الخلائق جمع خليقة: وهى الطبيعة.
(3) فى ف والمطبوعتين: «ما يشاكلها».
(4) فى المطبوعتين: «ومن الفرق» [كذا].
(5) ديوان امرىء القيس 35
(6) لم أعثر له على ترجمة.
(7) فى المطبوعتين ومغربية: «فذكر».
(8) انظر مثل هذا فى اليتيمة 1/ 33و 34وبديع أسامة 148ونهاية الأرب 4/ 103و 104(1/466)
قال أبو على صاحب الكتاب (1): قول امرئ القيس أصوب، ومعناه أغزر (2) وأغرب لأن اللذّة التى ذكرها إنما هى الصيد، هكذا قال العلماء، ثم حكى عن شبابه (3)، وغشيانه النساء، فجمع (4) البيت معنيين، ولو نظمه على ما قال المعترض لنقص فائدة عجيبة (5)، وفضيلة شريفة تدل على الملك (6) والسلطان.
وكذلك البيت الثانى لو نظمه على ما قيل (7) لكان (8) ذكر اللذّة زائدا فى المعنى، وحشوا لا فائدة فيه (8) لأن الزّقّ لا يسبأ إلا للذّة، فإن جعلها الفتوة كما جعلناها فيما تقدم الصيد، قلنا: فى ذكر الزّقّ الرّوىّ كفاية، ولكن امرأ القيس وصف نفسه بالفتوة والشجاعة، بعد أن وصفها بالتملّك والرفاهة.
وأما احتجاج الآخر بقول (9) الله تعالى فليس من هذا فى شئ لأنه إنما أجرى الخطاب على مستعمل / العادة، وفيه مع ذلك تناسب لأن العادة أن يقال: فلان (10) جائع عريان، ولم يستعمل فى هذا الموضع «عطشان»، ولا «ظمآن»، وقوله تعالى: (تظمأ) و {تَضْحى ََ} متناسب لأن الضّاحى هو الذى لا يستره عن الشمس شئ، والظّمأ من شأن من (11) هذه حاله.
قال (12) الجاحظ (13): فى (14) القرآن معان لا تكاد تفترق، مثل (15)
__________
حول هذين البيتين وبيتين للمتنبى، وانظر ما قيل حول هذين البيتين فى الموشح 37و 38، والصناعتين 144و 145
(1) فى المطبوعتين: «قال صاحب الكتاب».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أعز وأغرب».
(3) فى ص: «عن شأنه».
(4) فى المطبوعتين فقط: «فجمع فى البيت».
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فائدة عظيمة».
(6) سقطت كلمة «الملك» من المطبوعتين والمغربيتين.
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «على ما قال».
(88) ما بين الرقمين جاء فى المطبوعتين والمغربيتين هكذا: «لكان ذكر اللذة حشوا لا فائدة فيه».
(9) فى المطبوعتين: «بقول الله عز وجل».
(10) سقطت كلمة: «فلان» من المطبوعتين والمغربيتين.
(11) فى المطبوعتين ومغربية: «من كانت هذه حاله».
(12) فى ف والمطبوعتين: «وقال».
(13) البيان والتبيين 1/ 21
(14) فى ف فقط: «وفى القرآن»، وهى توافق البيان والتبيين.
(15) فى المطبوعتين: «من مثل»، وما فى ص وف والمغربيتين يوافق البيان والتبيين.(1/467)
الصلاة والزكاة، والخوف (1) والجوع، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس، والسمع (2) والبصر.
ومن الشعراء / من يضع كلّ لفظة موضعها لا يعدوه، فيكون كلامه ظاهرا غير مشكل، وسهلا غير متكلف.
ومنهم من يقدم ويؤخر. إما لضرورة وزن أو قافية، وهو أعذر، وإما ليدل على أنه يعرف تصريف الكلام، ويقدر على تعقيده، وهذا هو العىّ بعينه، وكذلك استعمال الغرائب والشذوذ التى يقل مثلها فى الكلام قد (3) عيب على من لا تعلق به التهمة، نحو قول الفرزدق (4): [الطويل]
على حالة لو أنّ فى القوم حاتما ... على جوده ما جاد بالماء حاتم (5)
فخفض «حاتما» على البدل من الهاء التى فى «جوده»، حتى رأى قوم من العلماء أن الإقواء فى هذا الموضع خير من سلامة الإعراب مع الكلفة، وكذلك قوله (6): [الطويل]
نفلّق هاما لم تنله أكفّنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم (7)
__________
(1) فى البيان والتبيين: «والجوع والخوف».
(2) قوله: «والسمع والبصر» ليس فى البيان والتبيين.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فقد عيب».
(4) ديوان الفرزدق 2/ 842وفيه:
على ساعة لو كان فى القوم حاتم ... على جوده ضنّت به نفس حاتم
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لو أن فى البحر حاتما».
(6) لم أجده فى ديوان الفرزدق، ولكنه موجود فى الأمالى 1/ 270بنسبته إلى الفرزدق، وقد أعاده صاحب التنبيه (ضمن كتاب الأمالى) 85بذات صورة الأمالى ليعلق عليها، ثم ذكره ثالث ثلاثة أبيات 86فى رثاء قتيبة بن مسلم، وقد وجدت البيتين فى ديوان الفرزدق دونه مما يدل على أنه أسقط من الديوان، والبيت فى الخصائص 3/ 169دون نسبة.
(7) فى الأمالى وإعادته فى التنبيه: «نفلق هامن لم تنله سيوفنا»، وفسر صاحب الأمالى البيت، وأعاد التفسير صاحب التنبيه وهو: «قال أبو العباس رحمه الله: ها: تنبيه، والتقدير: يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم، ثم قال: ها للتنبيه، ثم استفهم فقال مستفهما: من لم تنله سيوفنا؟ قال أبو بكر: سمعت شيخا منذ حين يعيب هذا الجواب ويقول: يفلقن هاما جمع هامة، وهام الملوك مردود على هاما، كما قال جل ثناؤه {إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرََاطِ اللََّهِ}
وفى الخصائص عكست المسألة فقال بعد البيت: «وإنما هو: ها من لم تنله سيوفنا. فها تنبيه، ولم تنله سيوفنا نداء، أى: يا من لم تنله سيوفنا خفنا فإنا من عادتنا أن نفلق بسيوفنا هام الملوك فكيف من سواهم».(1/468)
أراد: نفلّق بأسيافنا هام الملوك القماقم، ثم نبّه، وقرّر، فقال: هاما لم تنله أكفّنا، يريد أى قوم لم نملكهم ونقهرهم، فهذا (1) عند الصدور المذكورين بالعلم تكلّف وتعمّل، لا تعرفه العرب المطبوعون / وكذلك (2): [الكامل]
إنّ الفرزدق صخرة عاديّة ... عزّت فليس تنالها الأوعالا (3)
فنصب (4) «الأوعال» ب «عزّت»، ويروى «طالت»، وهذا (5) البيت يروى لغير الفرزدق، يقويه على جرير، وأكثر شعر أبى الطيب من هذه العلامة.
ومما لا بأس بمثله (6) قول الخنساء (7): [المتقارب]
فنعم الفتى فى غداة الهياج ... إذا ما الرّماح نجيعا روينا (8)
فقدمت «نجيعا» على «روين» (9) مبادرة للخبر بالرّى من أى شئ هو.
وكذلك قول أبى السفاح بكير بن معدان اليربوعى (10): [السريع]
نهنهته عنك فلم ينهه ... بالسّيف إلّا جلدات وجاع (11)
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وهذا».
(2) لم أجده فى ديوان الفرزدق، ولكنى وجدت البيت ثالث ثلاثة أبيات فى الكامل 2/ 295 منسوبة إلى رياح بن سنيح الزنجى يرد على جرير، وفيه: «فليس تنالها الأجبالا»، وفيه شرح فقال:
«يريد: طالت الأجبال وعلت، فليس تنالها»، وقد جاء البيت مرتين فى اللسان فى [طول]: الأولى دون نسبة، وفيها: «فليس تنالها الأوعال» بالرفع، والأخرى جاء البيت ثالث ثلاثة أبيات منسوبة إلى سبيح بن رياح الزنجى، أو رياح بن سبيح يرد فيها على جرير، وفيها: «فليس تنالها الأوعالا» بالنصب.
(3) فى المطبوعتين: «صخرة عادية طالت». والأوعال جمع وعل: وهو تيس الجبل.
(4) فى المطبوعتين: «فنصب الأوعال بطالت ويروى عزت».
(5) قوله: «وهذا البيت يروى لغير الفرزدق يقويه على جرير» ساقط من المطبوعتين والمغربيتين.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ومما لا بأس به».
(7) لم أجد البيت فى ديوان الخنساء من منشورات دار الفكر ببيروت، ولكننى وجدته فى شرح ديوان الخنساء لأبى العباس ثعلب 210ضمن قصيدة طويلة ليست فى الديوان السابق.
(8) فى الديوان: «فى زمان الهياج بجمع روينا». والنجيع: الدم، أو دم الجوف خاصة. وقيل غير ذلك، انظر اللسان فى [نجع].
(9) فى المطبوعتين فقط: «روينا».
(10) هو بكير بن معدان اليربوعى، يكنى أبا السفاح، كما فى العمدة، وفى الحيوان 4/ 263 ذكرت كنيته «أبو السفاح» وذكر أن أخاه الذى يرثيه اسمه يحيى بن عميرة بن طارق اليربوعى، وفى المفضليات 321، والخزانة 1/ 290و 6/ 96اسمه «السفاح بن بكير بن معدان اليربوعى»، وذكر ذلك فى الخصائص هامش 3/ 122، ولكن فيه «السفاح بن كثير».
(11) البيت فى المفضليات 323ضمن قوله فى رثاء يحيى بن شداد بن ثعلبة بن بشر،(1/469)
أراد: نهنهته عنك بالسيف، وأراد (1): فلم ينهه إلا جلدات وجاع بالسيف، وكلاهما فيه تقديم وتأخير.
ورأيت من علماء بلدنا من لا يحكم للشاعر بالتقدم، ولا يقضى له بالعلم، إلا أن يكون فى شعره التقديم والتأخير، وأنا أستثقل ذلك من جهة ما قدمت، وأكثر ما تجده فى أشعار النحويين.
ومن الشعر (2) ما تتقارب حروفه، أو تتكرر، فتثقل على اللسان، نحو قول ابن (3) يسير (4): [الخفيف]
لم يضرها والحمد لله شئ ... وانثنت نحو عزف نفس ذهول (5)
فإن القسيم الآخر من هذا البيت ثقيل لقرب الحاء من العين، وقرب الزاى من السين.
__________
وفى الخزانة أن أبا عبيدة قال عن القصيدة: هى لرجل من بنى قريع يرثى بها يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير، وقيل مثل ذلك فى هامش المفضليات، وهامش الخصائص، وفى الخزانة أن السفاح قالها فى رثاء يحيى بن شداد بن بشر أحد بنى ثعلبة بن يربوع، وانظر الحيوان 4/ 263ففيه بيتان فى رثاء أخيه يحيى بن عميرة، وليس منهما البيت الذى معنا.
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «أو أراد».
(2) انظره فى البيان والتبيين 1/ 65و 66
(3) فى ف: «ابن بشير»، وهو تحريف، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «ابن بشر»، وهو خطأ.
(4) هو محمد بن يسير الرياشى، يكنى أبا جعفر يقال: إنه مولى لبنى رياش، ويقال: إنه منهم صلبيّة، وكان محمد بن يسير هذا شاعرا ظريفا من شعراء المحدثين، متقلل، لم يفارق البصرة، ولا وفد إلى خليفة ولا شريف منتجعا، وكان ماجنا هجاء.
الشعر والشعراء 2/ 879، والأغانى 14/ 17، والموشح 457، وطبقات ابن المعتز 279، والفهرست 188، والقاموس فى [يسر].
(5) البيت فى البيان والتبيين 1/ 66آخر سبعة أبيات، وجاء وحده فى حلية المحاضرة 1/ 126، ودلائل الإعجاز 57، وبديع أسامة 161، وسر الفصاحة 88
وقال الجاحظ معلقا على البيت: «فتفقد النصف الأخير من هذا البيت فإنك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض».
عزفت النفس: تركت الشىء بعد إعجابها به وزهدت فيه. والذّهول من الذّهل وهو ترك الشىء تناسيا عن عمد، أو عن شغل شاغل. انظر اللسان فى [عزف] و [ذهل].(1/470)
وقال آخر (1): [الرجز]
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر (2)
فتكررت الألفاظ، وترددت الحروف، حتى صار ألقية (3) تختبر (4) به الناس، فلا يقدر (5) أحد ينشده ثلاث مرات إلا عثر لسانه (6)، وغلط.
وقال / كعب بن زهير (7): [البسيط]
/ تجلو عوارض ذى ظلم إذا ابتسمت
كأنّه منهل بالرّاح معلول (8)
فجمع بين الضاد، والذال، والظاء، وهى متقاربة متشاكلة.
ومن حسن النظم أن يكون الكلام غير مثبّج، والتثبيج: جنس من المعاظلة، ترد فى بابها إن شاء الله تعالى.
ومن الناس من يستحسن الشعر مبنيّا بعضه على بعض، وأنا أستحسن أن
__________
(1) البيان والتبيين 1/ 65، والحيوان 6/ 207، ودلائل الإعجاز 57، وسر الفصاحة 88، وإعجاز القرآن 269، ومعاهد التنصيص 1/ 34، والنكت فى إعجاز القرآن 95، وبديع أسامة 161، ومقدمة تفسير ابن النقيب 234
(2) فى المطبوعتين فقط: «وقبر حرب فى مكان»، وما فى ص وف يوافق المصادر المذكورة سابقا، وقيل فى البيان والتبيين والحيوان ودلائل الإعجاز والنكت والمعاهد إن قائل البيت من الجن، وذلك لتنافر حروفه!!
(3) الألقية: الألغاز والأحجية وأمثالهما.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يختبر».
(5) فى ف: «فلا أحد ينشده ثلاث مرات»، وفى المطبوعتين ومغربية: «ولا يقدر أحد أن ينشده».
(6) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «إلا عثر لسانه فيه». وانظر هذا القول فى البيان والتبيين، والحيوان، والنكت، والمعاهد.
(7) ديوان كعب بن زهير 27
(8) العوارض: الأسنان، وهى ما بين الثّنيّة والضرس. والظّلم: ماء الأسنان. منهل: قد أنهل بالخمر، والنهل: أول شربة. والمعلول: قد سقى مرتين، والعلل: الشّرب الثانى.(1/471)
يكون كل بيت قائما بنفسه، لا يحتاج إلى ما قبله، ولا إلى ما بعده، وما سوى ذلك فهو عندى تقصير، إلا فى مواضع معروفة، مثل الحكايات، وما شاكلها، فإن بناء اللفظ على اللفظ أجود هنالك من جهة السّرد، ولم أستحسن الأول على أن فيه بعدا ولا تنافرا لأنه وإن كان كذلك فهو الذى كرهت من التّثبيج.
* * *
باب المخترع والبديع (7)(1/472)
* * *
باب المخترع والبديع (7)
المخترع من الشعر: هو ما لم يسبق إليه صاحبه، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره، أو ما يقرب منه، كقول امرئ القيس (1): [الطويل]
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سموّ حباب الماء حالا على حال
فإنه أول من طرق هذا المعنى وابتكره، وسلّمه (2) الشعراء إليه، فلم (3)
ينازعه إياه أحد، وقوله (4): [الطويل]
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العنّاب والحشف البالى
وله اختراعات كثيرة يضيق عنها الموضع، وهو أول الناس اختراعا فى الشعر، وأكثرهم توليدا.
ومن الاختراع قول طرفة (5): [الطويل]
ولولا ثلات هنّ من لذّة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدى (6)
__________
(7) انظر حلية المحاضرة 2/ 28و 43تحت عنوان السرقات والمحاذات، وتحت عنوان المعانى العقم، وانظر عيار الشعر 76و 123، والصناعتين 196، وتحرير التحبير 471، ونهاية الأرب 7/ 164، وكفاية الطالب 127
(1) ديوان امرئ القيس 31، وانظر ما قيل عن حسن البيت أو عيبه فى طبقات ابن سلام 1/ 42، والشعر والشعراء 1/ 136، والموازنة 1/ 81، وحلية المحاضرة 1/ 171فى باب أحسن ما قيل فى التشبيه، والصناعتين 249، وإعجاز القرآن 74، ومسائل الانتقاد 166، وسر الفصاحة 234
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وسلم».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فلم ينازعه أحد إياه».
(4) ديوان امرئ القيس 38، وانظر ما قيل عنه فى عيون الأخبار 2/ 187فى باب حسن التشبيه فى الشعر، وكذلك فى الشعر والشعراء 1/ 110و 134، وعيار الشعر 26، وحلية المحاضرة 1/ 170و 171 فى باب أحسن ما قيل فى التشبيه، والصناعتين 245و 250، والأوائل 437وإعجاز القرآن 72، ودلائل الإعجاز 95و 536، وأسرار البلاغة 192و 199، وسر الفصاحة 239وغير ذلك كثير.
العنّاب: ثمره أو هو ثمر الأراك. الحشف: هو البالى من الثمر ورديئه.
(5) ديوان طرفة 3432مع اختلاف فى بعض الألفاظ. وسيأتى فى أشعار الكتاب ص 767
(6) فى الديوان: «هن من حاجة الفتى».(1/473)
فمنهنّ سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد (1)
/ وكرّى إذا نادى المضاف محنّبا ... كسيد الغضا ذى الطخية المتورّد (2)
وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمّد (3)
وقوله يصف السفينة فى جريها (4): [الطويل]
يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم التّرب المفائل باليد (5)
وله أيضا اختراعات أكثرها من هذه القصيدة.
وقال نابغة بنى ذبيان (6): [الكامل]
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
وقوله أيضا من الاختراع (7): [الكامل]
لو أنّها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة متعبّد (8)
لرنا لرؤيتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدا وإن لم يرشد
__________
(1) فى ف والديوان: «فمنهن سبقى».
الكميت: الحمراء تضرب إلى الكلفة. تعل بالماء: يضاف إليها الماء. تزبد: يعلوها الحباب عند صب الماء عليها.
(2) فى ف والديوان: «كسيد الفضا نبّهته المتورد».
المضاف: الملجأ المدرك الذى أحاط به العدو. والمحنب: الفرس فى يديه انحناء وتوتير. والسّيد:
الذئب. والغضا: شجر الأثل العظيم، وذئابه أخبث الذئاب. الطخية: الظّلمة.
المتورد: الذى يطلب الورد.
(3) فى الديوان: «تحت الطراف الممدد».
يوم الدّجن: يوم ندى ورش وإلباس غيم، وتقصيره أن يلهو فيه فيقصر. والبهكنة: التامة الخلق الحسنة. والطراف: البيت من أدم. والمعمد: المرفوع بالأعمدة.
(4) ديوان طرفة 8، وجاء فى حلية المحاضرة 1/ 173فى باب أحسن ما قيل فى التشبيه.
(5) حباب الماء: أمواجه، وقيل هى النفاخات التى تعلو الماء. والحيزوم: الصدر. والمفايل:
الذى يلعب الفيال، وهى لعبة لصبيان الأعراب.
(6) ديوان النابغة الذبيانى 93
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من الاختراعات».
(8) ديوان النابغة الذبيانى 95و 96
الأشمط: الأشيب. والصّرورة: اللازم لصومعته لا يريد حجّا ولا غيره، وإنما عنى نصارى الشام الذين لا يعرفون الحج، وقيل أيضا: الصرورة ها هنا الذى لا يأتى النساء، وقيل: هو الذى لم يذنب قط.(1/474)
/ وما زالت الشعراء تخترع إلى عصرنا هذا وتولّد، غير أن ذلك قليل فى الوقت.
والتوليد: أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدّمه، أو يزيد فيه زيادة، فذلك (1) يسمى توليدا، وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره، ولا يقال له أيضا سرقة إذا كان ليس آخذا على وجهه، مثال ذلك قول امرئ القيس (2): [الطويل]
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سموّ حباب الماء حالا على حال
فقال عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة (3)، وقيل: وضّاح اليمن (4):
[السريع]
فاسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر (5)
فولّد معنى مليحا، اقتدى فيه بمعنى امرئ القيس، دون أن يشركه فى شئ من لفظه، أو ينحو نحوه إلا فى المحصول، وهو لطف الوصول إلى حاجته فى خفية.
وأما الذى فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل (6):
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فلذلك يسمى التوليد».
(2) سبق ذكر البيت والحديث عنه فى أول هذا الباب ص 421.
(3) ديوان عمر 495فى الشعر المنسوب إليه، وجاء البيت مفردا، ولكن البيت جاء آخر عشرة أبيات لوضاح اليمن فى الأغانى 6/ 216، وجاء آخر تسعة أبيات لوضاح اليمن فى فوات الوفيات 2/ 272
(4) هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال، ووضاح لقب غلب عليه لجماله، قيل: إنه من أصل فارسى، وقيل: إنه من حمير، وكان من أجمل العرب، وكان من حسنه يتقنع فى المواسم مخافة العين، وكان يهوى امرأة من اليمن اسمها روضة، ويشبب بها فى شعره، ولكنه لم يتزوجها بعد أن اشتهر أمره، ثم شبب بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك، فقتله الوليد لذلك.
الأغانى 6/ 209، والنجوم الزاهرة 1/ 226، وفوات الوفيات 2/ 272.
(5) يقول صاحب الفوات بعد الأبيات: «وهذه الأبيات عدها أرباب البديع فى المراجعة، وأما هذا المعنى قوله: «واسقط علينا كسقوط الندى» فقد اشتهر ونظم الشعراء فى معناه كثيرا، وأصله لامرىء القيس». وذكر البيت السابق.
(6) لم أجد البيت فى ديوان جرير، وهو بنصه فى الأمالى 2/ 247، والمعانى الكبير 1/ 114، دون نسبة فيهما، وجاء فى العقد الفريد 1/ 161و 3/ 463منسوبا إلى عدىّ بن الرقاع، وجاء فى ديوان عدى بن الرقاع 267فى الشعر المنسوب إليه نقلا عن العقد والمرقصات ونهاية الأرب، وفيه وفى العقد: «يخرجن من فرجات النقع»، وفى الثالث من العقد «تخرجن» وفيه قبل البيت(1/475)
[البسيط]
يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
/ فقال عدىّ بن الرّقّاع (1) يصف قرن الغزال (2): [الكامل]
تزجى أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها
فولّد بعد ذكر القلم إصابته مداد الدواة لما يقتضيه المعنى إذ كان القرن أسود.
وقال العمانىّ الراجز بين يدى الرشيد يصف الفرس (3): [الرجز]
تخال أذنيه إذا تشوّفا ... قادمة أو قلما محرّفا
فولّد ذكر التحريف فى القلم، وهو زيادة صفة.
__________
«الأصمعى قال: سمعت أعرابيا يقول: خرجت علينا خيل مستطيرة النقع، كأن هواديها أعلام، وآذانها أطراف أقلام، وفرسانها أسود آجام. أخذ هذا المعنى عدى بن الرقاع فقال».
(1) هو عدى بن زيد بن مالك بن عدى بن الرقاع، نسب إلى جده الأعلى ويكنى أبا داود أو أبا داود، وهو من عاملة، حى من قضاعة، وكان ينزل الشام، وكان شاعرا محسنا، وهو أحسن من وصف ظبية.
طبقات ابن سلام 2/ 681و 699، والشعر والشعراء 2/ 618، والأغانى 9/ 307، والموشح 300، والمؤتلف والمختلف 166، ومعجم الشعراء 86، والاشتقاق 375، وسمط اللآلى 1/ 309، وسير أعلام النبلاء 5/ 110وما فيه من مصادر.
(2) ديوان عدى بن الرقاع 85، وانظره وما قيل عنه فى طبقات ابن سلام 2/ 707، والشعر والشعراء 2/ 619، وعيون الأخبار 2/ 190، والأغانى 9/ 313و 314، والكامل 2/ 226و 3/ 141، وحلية المحاضرة 1/ 177و 178، وأسرار البلاغة 153و 154، وأدب الكتاب 79وزهر الآداب 1/ 392، والعقد الفريد 4/ 194و 5/ 313و 6/ 81، والصناعتين 246و 252، والطرائف الأدبية 88، ومعجم الشعراء 87، والمؤتلف والمختلف 166، وسر الفصاحة 240، وفى الجميع ثناء على البيت.
تزجى: تسوق سوقا رفيقا. وأغن: فى صوته غنة، وهى صوت فيه ترخيم يخرج من خياشيمه، وكذلك صوت صغار الظباء. والروق: القرن. وقرون الظباء غير الأوساط سود الأطراف [من هامش الطبقات]. وسيأتى البيت ص 617
(3) البيت فى الكامل 3/ 141، والموشح 456، وديوان المعانى 1/ 36، وزهر الآداب 1/ 307، والعقد الفريد 5/ 367، وأدب الكتاب 86، وربيع الأبرار 1/ 410وفى الجميع: «كأن أذنيه»، ولما سمع الرشيد البيت قال له: «قل: تخال أذنيه».(1/476)
ومن التوليد أيضا قول أمية بن أبى الصلت (1) يمدح عبد الله بن جدعان (2): [الوافر]
لكلّ قبيلة ثبج وصلب ... وأنت الرّأس أوّل كلّ هادى (3)
فقال نصيب لمولاه عمر بن عبد العزيز (4): [البسيط]
فأنت رأس قريش وابن سيّدها ... والرّأس فيه يكون السّمع والبصر
فولّد هذا الشرح، وكان (5) مجملا فى قول أمية (6).
ثم أتى علىّ بن جبلة (7) فقال يمدح حميد بن عبد الحميد:
__________
(1) هو أمية بن عبد الله بن أبى الصلت بن أبى ربيعة بن عوف الثقفى، وقيل: أمية بن أبى ربيعة، كان مطلعا على الكتب السماوية القديمة، ونبذ عبادة الأصنام، وحرم على نفسه الخمر، أدرك الإسلام ولم يسلم. ت 5هـ.
طبقات ابن سلام 1/ 262، والشعر والشعراء 1/ 459، والاشتقاق 143، والأغانى 4/ 120 و 17/ 303، وسمط اللآلى 1/ 362، والخزانة 1/ 247
(2) هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، أحد أجواد العرب فى الجاهلية، وكان سيدا شريفا فى قريش، وفد على كسرى مرة، وأكل عنده الفالوذ، فأعجب به، وسأل عنه، فقيل له: هو لباب البرّ يلبك بالعسل، فابتاع من عنده غلاما يصنعه، ثم اصطحبه معه إلى مكة، فصنعه ثمّ نادى: من أراد أن يأكل الفالوذ فليحضر، فكان ممن حضر أمية بن أبى الصلت فمدحه، وكان يمدحه دائما، وقد أعطاه ابن جدعان أمتين تسميان الجرادتين.
الأغانى 8/ 327، والاشتقاق 144141
(3) البيت فى الأغانى 8/ 329، وديوان المعانى 1/ 26، وجاء فى هامش عيون الأخبار 3/ 203وفيه
لكل قبيلة رأس وهادى ... وأنت الرأس تقدم كلّ هادى
وفى الأغانى: «لكل قبيلة هاد ورأس» وفى ديوان المعانى: «لكل قبيلة شرف وعز»،
والهادى: العنق لأنها تتقدم على البدن، ولأنها تهدى الجسد، وكل متقدم هاد. والثبج: معظم كل شىء ووسطه، والثبج أيضا: الوسط، وما بين الكاهل إلى الظهر. وعثرت على ديوانه وهو فيه 201
(4) البيت بنسبته جاء ثانى بيتين فى العقد الفريد 5/ 292
(5) فى المطبوعتين: «وإن كان».
(6) فى المطبوعتين: «أمية بن أبى الصلت».
(7) هو على بن جبلة بن عبد الله الأبناوى أو على بن جبلة بن مسلم الخراسانى يكنى أبا الحسن ويعرف بالعكوّك ومعناه القصير، كان من الموالى، وقد ولد أعمى، وكان أسود أبرص، وكان من أحسن خلق الله إنشادا، وقد طلبه المأمون بسبب بعض شعره فى أبى دلف، فقيل قتله، وقيل: هرب، ومات متواريا سنة 213هـ.
الشعر والشعراء 2/ 864، والأغانى 20/ 14، وتاريخ بغداد 11/ 359، والبرصان والعرجان 125، وطبقات ابن المعتز 170، والسمط 1/ 330، ووفيات الأعيان 3/ 350، ونكت الهميان(1/477)
[السريع]
فالناس جسم وإمام الهدى ... رأس وأنت العين فى الرّاس (1)
فأوقع ذكر العين على مشبّه معيّن، ولم يفعل نصيب كذلك، لكن (2) أتى بالسمع والبصر على جهة التعظيم لأن من ولد عمر ولىّ عهد، ففى قول علىّ بن جبلة زيادة.
وجاء ابن الرومى فقال (3): [مجزوء الكامل]
عين الأمير هى الوزي ... ر وأنت ناظرها البصير
فرتّب أيضا ترتيبا فيه زيادة. فهذا مجرى القول فى التوليد.
وأكثر المولدين اختراعا وتوليدا فيما يقول الحذاق أبو تمام، وابن الرومى.
والفرق بين الاختراع والإبداع وإن كان معناهما فى العربية / واحدا أن الاختراع / خلق المعانى التى لم يسبق إليها، والإتيان بما لم يكن منها قط. والإبداع إتيان الشاعر باللفظ (4) المستظرف (5) الذى لم تجر العادة بمثله، ثم لزمته هذه التسمية، حتى قيل له «بديع»، وإن كثر وتكرر، فصار الاختراع للمعنى، والإبداع للفظ، فإذا تمّ للشاعر أن يأتى بمعنى مخترع فى لفظ بديع فقد استولى على قصب السّبق.
__________
209، والشذرات 2/ 30، وسير أعلام النبلاء 10/ 192وما فيه مصادر.
والممدوح هو حميد بن عبد الحميد الطوسى، كان ممدوح على بن جبلة، وهو أحد قواد جيش المأمون، وابنه محمد هو الذى رثاه أبو تمام بقصيدته المشهورة.
انظر تاريخ الطبرى 8/ 574569
(1) البيت فى شعر على بن جبلة 74، وانظره وما قيل عنه فى الشعر والشعراء 2/ 864، وطبقات ابن المعتز 433، وفيهم «والناس»، والأغانى 20/ 40، والتوفيق للتلفيق 105وفيهما:
«الناس» وجاء بنصه ونسبته فى الموازنة 3/ 1/ 29وجاء فى زهر الآداب 1/ 330وفيه «والخلق جسم» وجاء منسوبا إلى منصور النمرى فى محاضرات الأدباء 1/ 1/ 159وجاء دون نسبة فى نصيحة الملوك 77ونسبه المحقق فى الهامش إلى على بن جبلة، وهناك بعض اختلاف.
(2) فى م: «ولكن».
(3) ديوان ابن الرومى 3/ 902
(4) فى ص والمطبوعتين ومغربية: «بالمعنى»، واعتمدت ما فى ف والمغربية الأخرى لأنه يستقم مع قوله فيما بعد: «فصار الاختراع للمعنى، والإبداع للفظ فإذا تم للشاعر أن يأتى بمعنى مخترع فى لفظ بديع فقد استولى على قصب السبق».
(5) فى خ ومغربية: «المستظرف والذى»، وفى م: «المستطرف والذى».(1/478)
واشتقاق الاختراع إما (1) من التّليين، يقال «نبت (2) خرع» إذا كان ليّنا، والخروع «فعول» منه، فكأن الشاعر سهّل طريقة هذا المعنى وليّنه، حتى أخرجه (3) (4) من العدم إلى الوجود، وإما من قولهم: «خرعت الثوب» إذا شققته فهو «خريع»، فكأن الشاعر شقّ هذا المعنى حتى أبرزه (4).
وأما البديع: فهو الجديد، وأصله فى الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا، ليس من قوى حبل نقضت، ثم فتلت فتلا آخر، وأنشدوا للشماخ بن ضرار (5): [الوافر]
أطار عقيقه عنه نسالا ... وأدمج دمج ذى شطن بديع (6)
والبديع ضروب كثيرة، وأنواع مختلفة، أنا (7) ذاكر منها ما وسعته القدرة وساعدت فيه الفكرة، إن شاء الله تعالى، على أن ابن المعتز وهو أول من جمع البديع، وألّف فيه كتابا لم يعدّه إلا خمسة أبواب: الاستعارة أوّلها، ثم التجنيس، ثم المطابقة، ثم ردّ الأعجاز على الصدور، ثم المذهب الكلامى (8)، وعدّ ما سوى هذه (9) الخمسة الأنواع محاسن، وأباح أن يسميها من شاء ذلك
__________
(1) سقطت: «إما» من المطبوعتين ومغربية.
(2) فى ص والمطبوعتين ومغربية: «بيت»، واعتمدت ما فى ف والمغربية الأخرى لأن البيت لا يوصف بأنه ليّن، وإنما النبات هو الذى يوصف بذلك: بدليل قوله بعد: «والخروع فعول منه» أى من النبات، وشجر الخروع معروف. انظر جمهرة اللغة 1/ 588و 2/ 1183
(3) فى المطبوعتين: «حتى أبرزه».
(44) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين ومغربية.
(5) ديوان الشماح 233
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ذى شطر» [كذا].
العقيقة: الشعر الذى يكون على المولود حين يولد. ونسالا: اسم ما سقط من الشعر والريش والصوف. والشطن: الحبل الشديد الفتل. والبديع من الحبال: الذى ابتدىء فتله، ولم يكن حبلا نكث ثمّ غزل، وأعيد فتله.
(7) فى خ: «أنا أذكر»، وفى م: «وأنا ذاكر»، وما فى ص وف مثل المغربيتين.
(8) انظر البديع لابن المعتز 31
(9) فى ص: «هذا» [كذا]، وفى المطبوعتين: «هذه الخمسة أنواع».(1/479)
بديعا، وخالفه من بعده فى أشياء منها، يقع التنبيه عليها والاختيار فيها حيثما وقعت من هذا الكتاب، إن (1) شاء الله عز وجل.
* * * __________
(1) فى ف والمطبوعتين: «إن شاء الله تعالى».(1/480)
باب المجاز (9)
العرب كثيرا ما تستعمل / المجاز، وتعدّه من مفاخر كلامها فإنه دليل الفصاحة، ورأس البلاغة، وبه بانت لغتها عن سائر اللغات.
ومعنى المجاز: طريق القول ومأخذه، وهو مصدر «جزت مجازا»، كما تقول: «قمت مقاما»، و «قلت مقالا»، حكى ذلك الحاتمى (1).
ومن كلام عبد الله بن مسلم بن قتيبة فى المجاز قال (2): لو كان المجاز كذبا لكان أكثر كلامنا باطلا لأنا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل، ورخص السّعر، وتقول (3): كان هذا الفعل منك فى وقت كذا، والفعل لم يكن، وإنما يكون، وتقول (3): «كان الله»، وكان بمعنى «حدث»، والله قبل كل شئ.
وقال (4) فى قول الله عز وجل (5): {فَوَجَدََا فِيهََا جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقََامَهُ} [سورة الكهف: 77]: لو قلنا لمنكر هذا: كيف تقول فى جدار رأيته على شفا انهيار؟ رأيت (6) جدارا ماذا؟ لم يجد بدّا من أن يقول: يهمّ أن ينقضّ، / أو يكاد، أو يقارب، فأنّى (7) فعل فقد جعله فاعلا، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى فى شئ من لغة (8) العجم إلا بمثل هذه الألفاظ.
__________
(9) انظر تأويل مشكل القرآن 11و 20و 103، والصناعتين 268، وأسرار البلاغة 25و 302، وتحرير التحبير 457، ونهاية الأرب 7/ 37، وكفاية الطالب 182
(1) الذى فى حلية المحاضرة 1/ 131: «والمجاز مصدر جزت مجازا، كا تقول: قمت مقاما».
(2) انظر تأويل مشكل القرآن 132وفيه اختلاف يسير.
(3) فى م: «ونقول»، وما فى باقى النسخ يوافق تأويل مشكل القرآن.
(4) تأويل مشكل القرآن 133باختلاف يسير.
(5) فى ص وف سقطت كلمة «فأقامه، وفى ف سقط قوله: «فوجدا فيها»، والذى فى تأويل مشكل القرآن: «ولو قلنا للمنكر لقوله: {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}».
(6) قوله: «رأيت جدارا ماذا؟» ساقط من المطبوعتين. وفى المغربيتين: «جدارا مائلا» وفى إحداهما كتب فى الهامش [كذا].
(7) فى م فقط: «فإن فعل».
(8) فى المطبوعتين: «من ألسنة العجم»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.(1/481)
والمجاز فى كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعا فى القلوب والأسماع، وما عدا الحقائق من جميع الألفاظ، ثم لم يكن محالا محضا، فهو مجاز لاحتماله وجوه التأويل، فصار التشبيه، والاستعارة، وغيرهما من محاسن الكلام داخلة تحت المجاز، إلا أنهم خصوا به أعنى اسم المجاز بابا بعينه وذلك أن يسمّى الشئ باسم ما قاربه، أو كان منه بسبب، كما قال جرير بن عطية: [الوافر]
إذا سقط السّماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا (1)
أراد المطر لقربه من السماء، ويجوز أن يريد (2) بالسماء السحاب لأن كلّ ما أظلّك فهو سماء، وقال: «سقط» يريد سقوط المطر الذى / فيه، وقال:
«رعيناه»، والمطر لا يرعى، ولكن أراد النبت الذى يكون عنه، فهذا كله مجاز.
وكذلك قول العتّابى: [البسيط]
يا ليلة لى بحوّارين ساهرة ... حتّى تكلّم فى الصّبح العصافير (3)
__________
(1) لم أجد البيت فى ديوان جرير، ولا فى الشعر المنسوب إليه، وهو دون نسبة فى تأويل مشكل القرآن 135والموازنة 1/ 35ولكن المحقق رحمه الله ذكر فى الهامش أنه لمعود الحكماء، كما فى الاقتضاب واللسان ومعجم الشعراء والمفضليات، وذكر أن البيت غير منسوب فى الصناعتين، ومقاييس اللغة والأمالى.
وأقول: إن محقق الأمالى ذكر فى الهامش 1/ 181أن البيت لمعود الحكماء، وكذلك صنع محقق الصناعتين 276، ولعل المحقق رجع إلى نسختين مختلفتين عما عندى، وصنع محقق تحرير التحبير صنيع محقق تأويل مشكل القرآن فنقض قول المؤلف أن البيت لجرير، وذكر أنه لمعود الحكماء، وذكر مصادره أيضا، وأقول: إن البيت جاء فى أدب الكاتب 77والسمط 1/ 448لمعود الحكماء.
كما أقول: إن البيت جاء فى معاهد التنصيص 2/ 260وفيه ذكر المؤلف أن غالب شارحى التلخيص نسبوا البيت إلى جرير، وذكر فى نهاية كلامه أنه مما يدل على أن البيت لمعود الحكماء أنه لم يوجد فى قصيدة جرير على اختلاف رواتها. وجاء البيت مرتين فى خزانة الأدب 4/ 156و 9/ 555 وفى الأولى كان دون نسبة، وذكر المحقق فى الهامش أنه لمعود الحكماء أو لجرير ولكنه فى الأخرى ذكر أنه لمعود الحكماء، وجاء دون نسبة فى المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 2/ 131ونسب فى هامشه إلى معود الحكماء. وفيه «رعيناها» وهو ضمن قصيدة لمعود الحكماء فى المفضليات 359
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «أن تريد».
(3) البيت جاء ثلاث مرات فى الحيوان 2/ 296و 5/ 228و 7/ 55، ولكنه لم ينسب فى الأخيرة، والموشح 450، ومجالس العلماء 23دون اختلاف بين الجميع، وزهر الآداب 2/ 945، وفيه: «فى حوران»، وجاء دون اختلاف ودون نسبة فى معجم البلدان فى [حوران]، وجاء فى الأغانى 13/ 122و 124وفيهما جاء البيت هكذا:(1/482)
فجعل الليلة ساهرة على المجاز، وإنما يسهر فيها، وجعل للعصافير كلاما، ولا كلام لها على الحقيقة (1).
ومثله قول الله عز وجل حكاية (2) عن سليمان صلى الله على سيدنا (3)
محمد وعليه: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ عُلِّمْنََا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}، [سورة النمل: 16] وإنما الحيوان الناطق: الإنس (4)، والجن، والملائكة، فأما الطير فلا، ولكنه مجاز مليح واتساع، وهذا أكثر من أن يحصره أحد.
ومثله فى كتاب الله عز وجل كثير، من ذلك قوله تعالى (5): {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، [سورة يوسف: 82] ومنه (6) قوله تعالى (7): {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}، [سورة البقرة 93] يعنى: حبه، ومنه: {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ}، [سورة المؤمنون: 14] وهو الخالق حقّا، وغيره خالق مجازا، وقوله:
{وَاللََّهُ خَيْرُ الْمََاكِرِينَ}، [سورة آل عمران: 54] وإنما سمى ذلك مكرا منه (8) لكونه مجازاة عن مكر، وكذلك قوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} [سورة آل عمران: 21، وسورة التوبة 34، وسورة الانشقاق 24]، والعذاب لا يبشّر به، وإنما هو أنه مكان البشارة.
ومن أناشيد هذا الباب قول الفرزدق (9): [الكامل]
والشيب ينهض فى الشباب كأنّه ... ليل يصيح بجانبيه نهار (10)
__________
ماذا شجاك بحوّارين من طلل ... ودمنة كشفت عنها الأعاصير
وحوّارين قرية من قرى حلب، وحوارين: حصن من ناحية حمص. انظر معجم البلدان فى [حوارين].
(1) فى مجالس العلماء 23بعد إنشاد العتابى البيت: «فقال له منصور النمرى: العصافير تتكلم؟ فقال العتابى: نعم تتكلم، وتنطق، ويقال ذلك لما أعرب عن نفسه بحال ترى فيه، فيقال:
أخبرت الدار بكذا، وتكلمت بكذا، فكيف ما له نطق»؟ وذكر شاهدين من قول كثير، وقول الكميت، فسكت منصور منقطعا.
(2) فى ف والمطبوعتين: «إخبارا».
(3) سقطت كلمة «سيدنا» من ص وف.
(4) فى ص: «الجن والإنس والملائكة».
(5) سقطت كلمة «تعالى» من ص.
(6) فى المطبوعتين: «ومثله».
(7) سقطت كلمة «تعالى» من ص والمطبوعتين، وفى المطبوعتين: (بكفرهم).
(8) قوله: «منه» ساقط من المطبوعتين والمغربيتين.
(9) ديوان الفرزدق 2/ 467
(10) اختلفت الآراء حول هذا البيت ما بين معجب به ومزر عليه، وتستطيع أن ترى وجهتى النظر فى طبقات ابن سلام 1/ 368واقرأ فيه التعليق عليه من المحقق والشعر والشعراء 1/ 68، والموشح 163، والصناعتين 314، والكامل 1/ 29، ودلائل الإعجاز 95، وأسرار البلاغة 173، وديوان المعانى 2/ 87و 163، وغير ذلك كثير.(1/483)
قال (1) يعقوب بن السّكّيت (2): العرب تقول: بأرض بنى فلان شجر قد صاح، إذا طال.
وأنشدوا للعجّاج (3): [الرجز]
كالكرم إذ نادى من الكافور
قال ابن قتيبة (4): لما تبيّن الشجر بطوله، ودلّ على نفسه، جعله كأنه صائح لأن الصائح يدل على نفسه بصوته
وأنشد غيره (5) قول سويد بن كراع (6) فى نحو هذا (7):
[الطويل]
رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدّكادك واعد
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقال».
(2) لم أهتد إلى هذا القول فى إصلاح المنطق، ولكننى وجدته دون نسبته فى تأويل مشكل القرآن 133
(3) ديوان العجاج 224، وفى تأويل مشكل القرآن 134وقد خرجه المحقق رحمه الله.
(4) تأويل مشكل القرآن 133و 134
(5) هذا الإنشاد والقول الذى بعده فى تأويل مشكل القرآن 134مع بعض اختلاف فى القول.
(6) هو سويد بن كراع العكلىّ نسبة إلى عكل وهى حاضنة كانت لهم، وكراع أمّه، كان شاعرا محكما، وكان رجل بنى عكل، وذا الرأى والتقدم فيهم، وهو جاهلى إسلامى، وكان هجا قومه، فاستعدوا عليه عثمان بن عفان رضى الله عنه، فأوعده، وأخذ عليه ألا يعود، وهو فارس مقدم، كان فى آخر أيام جرير والفرزدق.
طبقات ابن سلام 2/ 171و 176، والشعر والشعراء 2/ 635، والأغانى 12/ 340، وكتاب الاختيارين هامش 432
(7) البيت فى تأويل مشكل القرآن 134بنسبته إلى سويد بن كراع، وذكر المحقق رحمه الله تخريجه، فيحسن الرجوع إليه.
وأقول: جاء البيت فى السمط 1/ 446و 2/ 791، وفيه قال المؤلف: «قد نسب هذا البيت إلى ابن ميادة، ولا أعلمه فى شعره، ونسبه أبو حاتم عن الأصمعى فى كتاب الشجر والنبات إلى سويد بن كراع، وكذلك قال أبو حنيفة إنه لسويد بن كراع، وقد نسبه غيرهما إلى ابن الرقاع» أ. هـ.
كما أقول: وجدت البيت ضمن قصيدة من ثلاثة عشر بيتا منسوبة إلى سويد بن كراع فى كتاب الاختيارين 432، وجاء مفردا فى شعر ابن ميادة 269فى الشعر المنسوب إليه، ولم أجده فى ديوان عدى بن الرقاع، وذكر البيت مرتين دون نسبة فى الأمالى 1/ 181و 2/ 171ونسبه المحقق فى الهامش إلى سويد.
راقه: أعجبه، يعنى: الثور. بهن: يعنى الليالى. واللعاع: نبت رقيق، ثم يغلظ. تهاداه الدكادك: يعنى: النبت، كأنه يجرى من الدكداك إلى الآخر، وليس يجرى، والدكداك: رمل ليس بالمشرف، فيه وعوثة. واعد: يعد خيرا، يعنى: اللعاع. [من شرح كتاب الاختيارين].(1/484)
/ يقال: نبات / واعد، إذا أقبل كأنه قد وعد بالتمام، وكذلك إذا نوّر أيضا قيل: قد وعد.
ومن المجاز عندهم قول الشاعر وغيره: «فعلت ذاك والزمان غرّ، وغلام (1)» وما أشبه ذلك، وهو يريد نفسه، ليس الزمان.
ولا أرى ذلك مستقيما، بل الصواب (2) عندى ونفس الاستعارة أن يبقى الكلام على ظاهره مجازا لأنا نجد من (3) هذا النوع ما لا ينساغ فيه هذا التأويل، كقول بعضهم (4): [الرمل]
سألتنى عن أناس هلكوا ... شرب الدّهر عليهم وأكل (5)
فليس معناه «شربت وأكلت عليهم» لأنه إنما يعنى بعد العهد، لا السّلوّ، وقلّة الوفاء.
وقال أبو الطيب (6): [الكامل]
أفنت مودّتها الليالى بعدنا ... ومشى عليها الدّهر وهو مقيّد
فإنما أراد «الدهر» حقيقة.
وقال الصّنوبرى (7): [الخفيف]
كان عيشى بهم أنيقا فولّى ... وزمانى فيهم غلاما فشاخا (8)
__________
(1) فى المطبوعتين: «والزمان غلام».
(2) فى المطبوعتين فقط: «بل عندى الصواب».
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فى هذا».
(4) القائل هو النابغة الجعدى، والبيت فى ديوانه 92، وجاء فى المعانى الكبير 3/ 1208وجاء الشطر الثانى فى الكامل 1/ 219هكذا «أكل الدهر عليهم وشرب» وأشير فى هامشه إلى شطر آخر فى أوله يخالف ما هنا.
(5) فى المعانى الكبير: «الباء فى معنى «عن»، وقوله: شرب الدهر عليهم، أى: شرب الناس بعدهم وأكلوا، وليس يريد بهذا «الدهر» أراد: سألتنى عن أناس» أ. هـ. وانظر الكامل 1/ 218
(6) ديوان المتنبى 1/ 330وفيه: «أبلت مودتها».
(7) هو أحمد بن محمد بن الحسن الضبى الحلبى، المعروف بالصنوبرى، كان جده «الحسن» صاحب بيت الحكمة للمأمون، فتكلم بين يديه فأعجبه كلامه وشكله، فقال: إنك لصنوبرى الشكل، فلزمه هذا اللقب، وقد أجاد الصنوبرى إجادة كبيرة فى وصف الزهور والرياحين. ت 334هـ.
الفهرست 194، والشذرات 2/ 335، وتهذيب ابن عساكر 1/ 456، ومسائل الانتقاد 147، وفوات الوفيات 1/ 122، وعبر الذهبى 2/ 237
(8) ديوان الصنوبرى 471(1/485)
فليس مراده «كنت فيهم غلاما فشخت»، ولكل موضع ما يليق به من الكلام، ويصح فيه من المعنى.
وأما كون التشبيه داخلا تحت المجاز فلأن المتشابهين فى أكثر الأشياء إنما يتشابهان بالمقاربة، وعلى (1) المسامحة والاصطلاح، لا على الحقيقة، وهذا يبيّن فى بابه إن شاء الله تعالى.
وكذلك الكناية فى مثل قوله (2) جلّ وعز إخبارا عن عيسى ومريم عليهما السلام: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} [سورة المائدة: 75]، كناية عما يكون عنه من حاجة الإنسان، وقوله تعالى حكاية عن آدم وحواء صلى الله عليهما: {فَلَمََّا تَغَشََّاهََا} [سورة الأعراف: 189]، كناية عن الجماع.
وقول النبى صلى الله عليه وسلّم: / «العين وكاء السّه (3)»، وقوله لحاد كان يحدو به: «رفقا بالقوارير (4)»، كناية عن النساء لضعف عزائمهن، إلى كثير من هذا.
* * * __________
(1) فى المطبوعتين فقط: «على المسامحة» بحذف الواو.
(2) فى ف: «فى مثل قوله تعالى» وفى المطبوعتين: «فى مثل قوله عز وجل».
(3) الحديث بنصه فى غريب الحديث لابن سلام 3/ 81ونثر الدر 1/ 241وجاء فى مسند أحمد 4/ 97من حديث معاوية، وسنن الدارمى 1/ 184فى باب الوضوء من النوم، وحلية الأولياء 5/ 154، وفيهم «العينان».
والسّه: حلقة الدبر. والوكاء أصله من الخيط أو السير الذى يشد به رأس القربة [من غريب الحديث].
(4) انظره فى المجازات النبوية 35وفيه: «يا أنجشة، رفقا بالقوارير». وانظره فى غريب الحديث للخطابى 1/ 525والتمثيل والمحاضرة 22وكنايات الجرجانى 7وشرح نهج البلاغة 5/ 65و 69وله روايات وتوجيهات فى الاستقامة 1/ 285و 286
وفى ف: «رويدك يا أنجش بالقوارير»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «إياك والقوارير».(1/486)
باب الاستعارة (8)
الاستعارة أفضل المجاز عندهم (1)، وأول أبواب البديع، وليس فى حلى الشعراء أعجب منها، وهى من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت موضعها.
والناس فيها (2) مختلفون: منهم من يستعير للشئ ما ليس منه، ولا إليه، كقول لبيد (3): [الكامل]
وغداة ريح قد وزعت وقرّة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها (4)
فاستعار للريح الشمال يدا، وللغداة زماما، وجعل زمام الغداة بيد الشمال إذ كانت الغالبة عليها، وليست اليد من الشمال، ولا الزمام من الغداة فى شئ (5).
ومنهم من يخرجها مخرج التشبيه، كما قال ذو الرمة (6):
[الطويل]
أقامت بها حتّى ذوى العود والثّرى ... وساق الثّريّا فى ملاءته الفجر (7)
فاستعار للفجر ملاءة، وأخرج لفظه مخرج التشبيه.
__________
(8) انظر تأويل مشكل القرآن 135، وبديع ابن المعتز 3، والنكت فى إعجاز القرآن 85، وفقه اللغة وسر العربية 2/ 664والصناعتين 268، وحلية المحاضرة 1/ 136و 2/ 4، ودلائل الإعجاز 67 و 435، وأسرار البلاغة 32وما بعدها، ونهاية الأرب 7/ 49، وبديع أسامة 41، وزهر الآداب 2/ 977، وكفاية الطالب 183، وتحرير التحبير 97ونضرة الإغريض 133
(1) سقط قوله: «عندهم» من المطبوعتين.
(2) فى المطبوعتين: «مختلفون فيها».
(3) ديوان لبيد 315، وانظره فى بديع ابن المعتز 11، والصناعتين 285، وزهر الآداب 2/ 977، وحلية المحاضرة 1/ 136، ودلائل الإعجاز 67و 435، وأسرار البلاغة 34
وزعت: كففت والشطر الثانى معناه: إذ أصبحت الغداة الغالب عليها ريح الشمال، وهى أبرد الرياح.
(4) فى ص: «إذا أصبحت»، وفى ف: «قد أصبحت».
(5) قوله: «فى شئ» ساقط من المطبوعتين ومغربية.
(6) ديوان ذى الرمة 1/ 561، وانظر ما قيل عن البيت فى مجالس العلماء 337، وحلية المحاضرة 1/ 136و 137، وزهر الآداب 2/ 978، والمنصف 52، وسر الفصاحة 111ونضرة الإغريض 134
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حتى ذوى العود والتوى»، وهى كذلك فى الديوان،(1/487)
وكان (1) أبو عمرو بن العلاء لا يرى أن لأحد مثل هذه / الاستعارة (2)، ويقول: ألا ترى كيف صيّر له ملاءة، ولا ملاءة له، وإنما استعار له هذه اللفظة؟!!
وبعض المتعقبين يرى ما كان من نوع بيت ذى الرمة ناقص الاستعارة إذ كان محمولا على التشبيه، ويفضّل عليه ما كان من نوع بيت لبيد.
وهذا عندى خطأ لأنهم إنما يستحسنون الاستعارة القريبة، وعلى ذلك مضى جلّة العلماء، وبه أتت النصوص عنهم.
وإذا استعير للشئ ما يقرب منه، ويليق به، كان أولى مما ليس منه فى شئ، ولو كان البعيد أحسن استعارة من القريب لما استحسنوا قول أبى نواس (3):
[مجزوء الرمل]
/ بحّ صوت المال ممّا ... منك يشكو ويصيح
فأى شئ أبعد استعارة من صوت المال؟! فكيف يبحّ (4) من الشكوى والصياح مع ما أن له صوتا حين يوزن أو يوضع؟!، ولم يرده أبو نواس فيما أقدّر لأن معناه لا يتركب على لفظه إلا بعيدا.
وكذلك قول بشار (5): [الطويل]
وجذّت رقاب الوصل أسياف هجرها ... وقدّت لرجل البين نعلين من خدّى
فما أهجن «رجل البين»، وأقبح استعارتها، ولو كانت الفصاحة بأسرها فيها!!، وكذلك «رقاب الوصل»!!.
__________
ولكن انظر التعليق عليه فى هامشه، وفى مجالس العلماء وحلية المحاضرة وزهر الآداب والمنصف:
«حتى ذوى العود فى الثرى»، وفيهم أن كلا من الفرزدق وابن المعتز قال: إن العود لا يذوى فى الثرى، وإنما الصواب «حتى ذوى العود والثرى»، وجاء مثل هذا فى سر الفصاحة وفى هامش الديوان.
(1) انظر هذا فى حلية المحاضرة 1/ 136مع اختلاف يسير.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «مثل هذه العبارة» وليست بشىء.
(3) ديوان أبى نواس 434وردّ هذا البيت المرزبانى فى الموشح 414
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فكيف حتى بحّ».
(5) ديوان بشار 4/ 59ط الشركة التونسية، وذلك فى الشعر المنسوب إليه، وفيه: «وجدّت» بالدال المهملة، ويبدو أنه تصحيف مطبعى، والبيت ليس فى طبعة لجنة التأليف.(1/488)
ولا مثل قول ابن المعتز، وهو أنقد النقاد (1):
[الخفيف]
كلّ وقت يبول زبّ السّحاب
فهذا أردأ من كل ردئ، وأمقت من كل مقيت.
وقال (2) القاضى الجرجانى (3): الاستعارة ما اكتفى فيها بالاسم المستعار عن الأصلى، ونقلت العبارة فجعلت فى مكان غيرها، وملاكها تقريب (4) التشبيه، ومناسبة المستعار للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى، حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبيّن فى أحدهما إعراض عن الآخر.
وقال قوم آخرون، منهم أبو محمد الحسن بن على بن وكيع (5): خير الاستعارة ما بعد وعلم فى أول وهلة أنه مستعار، فلم يدخله لبس، وعاب على أبى الطيب قوله (6): [الطويل]
وقد مدّت الخيل العتاق عيونها ... إلى وقت تبديل الرّكاب من النعل
إذ كانت الخيل لها عيون فى الحقيقة، ورجّح عليه قول أبى تمام (7):
[الكامل]
ساس الأمور سياسة ابن تجارب ... رمقته عين الملك وهو جنين (8)
إذ كان الملك لا عين له فى الحقيقة.
__________
(1) لم أجده فى ديوان ابن المعتز، ولعل الرواة أسقطوه لسوء لفظه.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(3) الوساطة 41باختلاف يسير فى بعض الألفاظ.
(4) فى ف: «تقرب»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «بقرب»، وما فى ص يوافق الوساطة، وفى الوساطة «تقريب الشبه».
(5) لم أعثر على هذا القول فى المنصف، وليس فيه بيت المتنبى، ولا بيت أبى تمام.
(6) ديوان المتنبى 3/ 49
(7) ديوان أبى تمام 3/ 317
(8) فى الديوان: «ساس الجيوش».(1/489)
وقال أبو الفتح عثمان بن جنّى (1): الاستعارة لا تكون إلا للمبالغة، وإلا فهى حقيقة، قاله فى شرح بيت أبى الطيب (2): [الطويل]
فتى يملأ الأفعال رأيا وحكمة ... وبادرة أحيان يرضى ويغضب
/ وكلام ابن جنى أيضا حسن فى موضعه لأن الشئ إذا أعطى وصف نفسه لم يسمّ استعارة، وإذا أعطى وصف غيره سمى استعارة، إلا أنه لا يجب للشاعر أن يبعد الاستعارة جدّا حتى ينافر، ولا أن يقرّبها كثيرا حتى يحقق، ولكن خير الأمور أوساطها، قال كثير (3) يمدح عمر بن عبد العزيز، / فاستعار (4) حتى حقق (5): [الطويل]
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... وأبدت لها الدّنيا بكفّ ومعصم (6)
وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم (7)
وحسبك أنه وصف العين التى استعار بالمرض، وشبّه المبسم بالجمان، وهذا إفراط غير جيد هاهنا.
__________
(1) لم أعثر على هذا القول فى شروح الديوان التى تحت يدى، كما لم أعثر عليه فى اليتيمة والوساطة.
(2) ديوان المتنبى 1/ 182وفيه: «ونادرة ايان يرضى».
(3) هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعى، يكنى أبا صخر، كان شاعر أهل الحجاز فى الإسلام، وكان يتشيع، ولكنه كان يؤمن بالرجعة، ومات كثير وعكرمة مولى ابن عباس فى يوم واحد، فأجفلت قريش فى جنازة كثير، ولم يوجد لعكرمه من يحمله!! ت 107هـ.
طبقات ابن سلام 2/ 540، والشعر والشعراء 1/ 503، والأغانى 9/ 3و 12/ 174، وعيون الأخبار 2/ 144، ومعجم الشعراء 242، والموشح 227، والأمالى 1/ 46، ولطائف المعارف 113، والعقد الفريد 2/ 88، ومسائل الانتقاد 126، وسمط اللآلى 1/ 61، وسير أعلام النبلاء 5/ 152وما فيه من مصادر، ووفيات الأعيان 4/ 106، ونوادر المخطوطات 2/ 290، وخزانة الأدب 5/ 221، ومعاهد التنصيص 2/ 136وكفاية الطالب 58
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «واستعار».
(5) ديوان كثير عزة 335
(6) فى ص: «ومن لبست»، وفى ف: «ولقد لبست»، وفى الديوان: «تراءى لها الدنيا».
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وترمق» وما فى ص وف يوافق الديوان.(1/490)
قال أبو الحسن الرمانى (1): الاستعارة استعمال العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة، وذكر قول الحجاج: إنى أرى رءوسا قد أينعت، وحان قطافها.
وقد يأتى القدماء من الاستعارة (2) بأشياء يجتنبها المحدثون، ويستهجنونها، ويعافون أمثالها ظرفا ولطافة، وإن لم تكن فاسدة ولا مستحيلة، فمنها قول امرىء القيس (3): [المتقارب]
وهرّ تصيد قلوب الرّجال ... وأفلت منها ابن عمرو حجر
فكان لفظة «هرّ» واستعارة الصيد معها مضحكة هجينة، ولو أن أباه «حجرا» من فارات بيته ما أسف على إفلاته منها هذا الأسف.
وأين هذه الاستعارة من استعارة زهير حين قال يمدح (4): [البسيط]
ليث بعثّر يصطاد الرّجال إذا ... ما كذّب الليث عن أقرانه صدقا (5)
لا على أن امرأ القيس أتى بالخطأ على جهته، ولكن للكلام قرائن تحسّنه، وقرائن تقبحه، كذكر الصيد فى هذين البيتين.
ولعل معترضا يقول: العرب لا تعرف إلا الحقائق، ولا تلتفت إلى كلام السّفلة، فقد / قدّمت هذا فى أول كلامى، وعرفت أنه لا يلزم، ولكن يرغب عنه فيما (6) بعد، ألا ترى أن بعض الوزراء وقيل: بل هو المأمون نفسه (7) غيّر «المسلحة»، واستهجنها لما فيها (8)، فقال: قولوا: «المصلحة»، وليس ذلك لعلة إلا موافقة كلام السّفلة.
__________
(1) النكت فى إعجاز القرآن 85وفيه: «الاستعارة تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة» وليس فيه الشاهد، وقد أشار المحقق إلى ذلك فى الزيادات 175
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «الاستعارات».
(3) ديوان امرئ القيس 155
(4) ديوان زهير 54، وانظر ما قيل عن البيت فى نقد الشعر 71، والموازنة 1/ 17و 289، والصناعتين 312، وسر الفصاحة 194وسيأتى البيت فى ص 805
كذّب: لم يصدق الحملة. وعثّر: بلد قبل تبالة، وهى باليمن [من الديوان بتصرف].
(5) فى ف: «ليس بعثر» [كذا]، وفى الديوان: «إذا ما الليث كذّب عن».
(6) فى ف والمطبوعتين: «عنه فى الواجب»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(7) قوله «نفسه» ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(8) قال محقق م فى الهامش: «المسلحة: موضع السلاح، وهى أيضا الثغر: أى الموضع الذى يخاف أن يأتى منه العدو، وإنما كره لفظها لأنه يأتى من السّلاح بضم السين وهو التّغوّط».(1/491)
وقال الرمانى (1): الاستعارة الحسنة ما أوجبت (2) بلاغة ببيان لا تنوب منابه الحقيقة، كقول امرئ القيس: «قيد الأوابد» (3)، واسترذل قول بعض المولّدين (4): [الخفيف]
أسفرى لى النقاب ياضرّة الشمس
بأن قال: أتراه ظن أن الضّرّة لا تكون إلا حسنة؟! وإلا فأى وجه لاختيار (5)
هذه الاستعارة؟.
(6) وأنا أرى للشاعر عذرا يخرجه مما ألزمه الرمانى لأن الضّرة إنما اشتقت من إضرارها بصاحبتها، (7) فكأن هذه المرأة أضرّت بالشمس (7)
لمشاركتها إياها (6).
ومثل قول امرئ القيس المتقدم ذكره فى القبح قول مسلم بن الوليد (8):
[البسيط]
وليلة خلست للعين من سنة ... هتكت فيها الصّبا عن بيضة الحجل (9)
فاستعار للحجل يعنى الكلل (10) بيضة كما استعارها امرؤ القيس للخدر
__________
(1) انظر هذا القول فى النكت فى إعجاز القرآن 86وفيه الاستشهاد بقيد الأوابد، وليس فيه الشطر المذكور.
(2) فى ص والمطبوعتين والمغربيتين: «ما أوجب»، واعتمدت ما فى ف، وفى النكت: «توجب».
(3) هذا من قوله فى الديوان 19
وقد اغتدى والطير فى وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
(4) لم أعرف القائل، ولم أعثر على تكملة البيت، وكنت قد قرأته قديما، ولكننى أنسيته!!
(5) فى المطبوعتين ومغربية: «لاختياره».
(66) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين والمغربيتين.
(77) ما بين الرقمين زيادة من ف.
(8) هو مسلم بن الوليد الأنصارى، مولى آل سعد بن زراة الخزرجى، يكنى أبا الوليد، ويلقب بصريع الغوانى، قيل: لقبه به الرشيد، فأصبح يعرف بلقبه، ويقال: إنه كان خاملا فانقاد له الشعر، وجوّده، فكسب به الأموال العظيمة، توفى فى حدود المائتين.
الشعر والشعراء 2/ 833، والأغانى 19/ 30، وطبقات ابن المعتز 234، ومعجم الشعراء 277، والموشح 444، وتاريخ بغداد 13/ 96، ولطائف المعارف 32، ومسائل الانتقاد 135، وسمط اللآلى 1/ 427، وفوات الوفيات 4/ 136، ومعاهد التنصيص 3/ 55وسير أعلام النبلاء 8/ 365وما فيه من مصادر.
(9) شرح ديوان صريع الغوانى 4
(10) الكلل جمع كلّة: وهى الستر الرقيق الذى يوضع على النوافذ وغيرها.(1/492)
فى قوله (1): [الطويل]
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
/ وكلاهما يعنى المرأة، فاتفق لمسلم سوء الاشتراك فى اللفظ لأن بيضة الحجل من الطير تشاركها، وهى لعمرى حسنة المنظر كما علمت.
وقال فى موضع آخر (2): [البسيط]
رمت السّلوّ وناجانى الضّمير به ... فاستعطفتنى على بيضاتها الحجل
فما الذى أعجبه من هذه الاستعارة؟ قبّحها الله!!، ولو قال: «الكلل» لتخلّص، وأبدع، وكان (3) تبعا لامرئ القيس فى جودة هذه الاستعارة.
وقد قال (4) / حبيب على بصره بهذا النوع (5):
[البسيط]
والله مفتاح باب المعقل الأشب
فجعل الله تعالى اسمه مفتاحا، وأى طائل فى هذه الاستعارة مع ما فيها من البشاعة والشناعة؟!!، وإن كنا نعلم أنما أراد أمر الله وقضاءه.
واعترض بعض الناس على قول أبى تمام (6): [الكامل]
للجود باب فى الأنام ولم تزل ... مذ كنت مفتاحا لذاك الباب
بحضرة بعض أصحابنا، وقال: أتى إلى ممدوحه فجعله مفتاحا، فهلّا قال كما قال ابن الرومى (7): [الكامل]
قبّل أنامله فلسن أناملا ... لكنّهنّ مفاتح الأرزاق
فقال له الآخر: عجبت منك تعيب عليه أن يجعل ممدوحه مفتاحا، وقد جعل ربّه كذلك، وأنشد البيت المتقدم عجزه.
__________
(1) ديوان امرئ القيس 13، والمذكور صدر بيت، وعجزه: «تمتّعت من لهو بها غير معجل».
(2) شرح ديوان صريع الغوانى 249
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فكان».
(4) فى المطبوعتين: «وقال»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(5) ديوان أبى تمام 1/ 60، والمذكور عجز بيت، وصدره: «من بعد ما أشبوها واثقين بها».
(6) ديوان أبى تمام 1/ 80وفيه: «ولم تظل يمناك مفتاحا».
(7) ديوان ابن الرومى 4/ 1665(1/493)
وقال فى ممدوح ذكر أنه يعطيه مرة، ويشفع له أخرى إلى من يعطيه (1):
[الخفيف]
فإذا ما أردت كنت رشاء ... وإذا ما أردت كنت قليبا
فجعله مرة حبلا، ومرة بئرا.
وقال (2) لآخر (3): [الكامل]
ضاحى المحيّا للهجير وللقنا ... تحت العجاج تخاله محراثا
فلعنة الله على المحراث هاهنا (4)، ما أقبحه (5)، وما أركّه!!.
وأين هذا كله من قوله المليح البديع (6): [الكامل]
أو ما رأت بردىّ من نسج الصّبا ... ورأت خضاب الله وهو خضابى؟
وإن كان إنما أخذه من ظاهر قول الله عز وجل: {صِبْغَةَ اللََّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللََّهِ صِبْغَةً} [سورة البقرة: 138]، قالوا: يريد الختان، وقيل: الفطرة.
والاستعارة إنما هى من اتساعهم فى الكلام اقتدارا ودالّة (7)، ليس ضرورة لأن ألفاظ العرب أكثر من معانيهم، وليس ذلك فى لغة أحد من الأمم / غيرهم، فإنما استعاروا مجازا واتساعا، ألا ترى أن للشئ عندهم أسماء كثيرة، وهم يستعيرون له مع ذلك؟ على أنا نجد أيضا اللفظة الواحدة يعبّر بها عن معان
__________
(1) ديوان أبى تمام 1/ 171وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 3/ 1/ 207
(2) فى ف: «وقال لآخر أيضا أبو تمام»، وفى المطبوعتين ومغربية: «وقال الآخر هو أبو تمام»، ويبدو لى أن «هو أبو تمام» فى المطبوعتين، و «أيضا أبو تمام» فى ف من عمل قراء النسخ كنوع من التوضيح، وفى المغربية الأخرى: «وقال الآخر».
(3) ديوان أبى تمام 1/ 317
(4) فسر المحراث فى الديوان بأنه عود تحرك به النار.
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ما أقبحه وأركه».
(6) ديوان أبى تمام 1/ 78وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 2/ 292
(7) فى م: «ودلالة»، وما فى ص وف وخ والمغربيتين هو الأصوب لأن من معنى الدّالة ما تدل به على حميمك وكذلك شبه الجراءة، وكل ذلك يوافق كلمة «اقتدارا» السابقة عليها.(1/494)
كثيرة، نحو «العين» التى تكون جارحة، وتكون للماء، وتكون (1) فى الميزان، وتكون المطر الدائم الغزير، وتكون / نفس الشئ وذاته، وتكون الدينار، وما أشبه ذلك كثير.
وليس هذا من ضيق الكلام عليهم، ولكنه من الرغبة فى الاختصار، والثقة بفهم بعضهم عن بعض، ألا ترى أن كل واحد من هذه التى ذكرنا له اسم غير «العين» وأسماء (2) كثيرة؟.
ومما اختار (3) ابن الأعرابى وغيره قول أرطاة بن سهية (4):
[الطويل]
فقلت لها يا أمّ بيضاء إنّنى ... هريق شبابى واستشنّ أديمى (5)
فقال: «هريق شبابى» لما فى الشباب من الرونق والطراوة التى هى كالماء، ثم قال: «استشنّ أديمى» لأن «الشّنّ» هو «القربة اليابسة»، فكأن أديمه صار شنّا لمّا هريق ماء شبابه، فصحّت له الاستعارة من كل وجه، ولم تبعد.
__________
(1) فى المطبوعتين: «وتكون الميزان»، وما فى ص وف والمغربيتين هو الأصح، جاء فى اللسان: «والعين فى الميزان: الميل، قيل، هو أن ترجح إحدى كفتيه على الأخرى والعرب تقول:
فى هذا الميزان عين، أى فى لسانه ميل قليل، أو لم يكن مستويا».
(2) فى المطبوعتين ومغربية: «أو أسماء».
(3) فى المطبوعتين فقط: «اختاره».
(4) هو أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك، وسهية هى أمه، وغلب عليه النسب إليها، يكنى أبا الوليد، وهو شاعر مخضرم، وقد عمر طويلا، حتى إنه عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، ودخل عليه وقد أتت عليه ثلاثون ومائة سنة.
الشعر والشعراء 1/ 522، والاشتقاق 290، والأغانى 13/ 29، وسمط اللآلى 1/ 299، 2/ 630، وأمالى الزجاجى 63
(5) البيت فى الحيوان 3/ 464، وفى حلية المحاضرة 1/ 138بنسبته فيهما، وفى سمط اللآلى بنسبته فى هامش 1/ 333، وكفاية الطالب 183، وفى الحيوان والحلية والسمط: «يا أم بيضاء إنه»، وفى كفاية الطالب: «يا أم أرطاة»، وجاء الشطر الثانى فى اللسان فى [شنن] منسوبا إلى أبى حية النميرى، وجاء ومعه بيت آخر دون نسبة فى بديع أسامة 42وفيه: «إنه أريق شبابى واستشنّ أديمه»
وفى ص: «وقلت»، وفى ف: «يا أم عمران»، وأشير إلى هذه الرواية فى هامش المطبوعتين. وأريق وهريق بمعنى.(1/495)
ومثل ذلك فى الجودة ما اختاره ثعلب، وفضّله جماعة ممن قبله، وهو قول طفيل الغنوى (1): [الكامل]
فوضعت رحلى فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرّحل (2)
فجعل شحم سنامها قوتا للرّحل، وهذه استعارة كما تراها كأنها الحقيقة لتمكّنها، وقربها.
وقد تناولها جماعة منهم كلثوم بن عمرو العتابى، فقال (3) فى قصيدة يعتذر فيها إلى الرشيد (4): [الطويل]
ومن فوق أكوار المهارى لبانة ... أحلّ لها أكل الذّرى والغوارب (5)
ثم أتى (6) أبو تمام، وعوّل على العتابى، وزاد فى المعنى زيادة بيّنة، فقال (7):
__________
(1) هو طفيل بن عوف بن كعب الغنوى، يكنى أبا قرّان، وهو شاعر جاهلى من الفحول المعدودين، وهو من أوصف العرب للخيل، ويقال: إنه من أقدم شعراء قيس، وكان يقال له فى الجاهلية المحبّر لحسن شعره.
الشعر والشعراء 1/ 453، والمؤتلف والمختلف 217و 281، والأغانى 15/ 349، والاشتقاق 270، وسمط اللآلى 1/ 210، والخزانة 9/ 46
(2) البيت بنصه فى حلية المحاضرة 1/ 138دون نسبة، وجاء فى بديع ابن المعتز 10، ونقد الشعر 179، والموازنة 1/ 15و 267، والصناعتين 283، وسر الفصاحة 111، ومعاهد التنصيص 2/ 133بنسبته إلى طفيل فى الجميع وفيهم: «وجعلت كورى فوق ناجية»، وجاء بنصه دون نسبة فى كفاية الطالب 184، وفى هامش نقد الشعر: «ووضعت رحلى خلف». وفى ف:
«ووضعت»، وفى البديع: «يقتات لحم»
الرّحل: مركب للبعير والناقة. والناجية: الناقة السريعة وهذا الوصف خاص بالأنثى. انظر اللسان فيهما.
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(4) البيت فى بديع ابن المعتز 18أول بيتين، والصناعتين 300ضمن ستة أبيات، وجاء فى زهر الآداب 2/ 624ضمن قصيدة طويلة، ودون اختلاف.
(5) فى ف: «ومن فوق أطوار المطايا»، وفى بديع ابن المعتز والصناعتين: «أكوار المطايا».
(6) سقطت كلمة «أتى» من ص، وفى ف: «ثم جاء»، واعتمدت المغربيتين والمطبوعتين.
(7) ديوان أبى تمام 1/ 102(1/496)
[الطويل]
فقد أكلوا منها الغوارب بالسّرى ... فصارت لها أشباحهم كالغوارب (1)
/ وكان ابن المعتز يفضل ذا الرّمة كثيرا، ويقدمه بحسن الاستعارة والتشبيه، لا سيما قوله (2): [الطويل]
فلمّا رأيت الليل والشمس حيّة ... حياة الّذى يقضى حشاشة نازع (3)
لأن قوله: «والشمس حية» من بديع الاستعارة (4)، وباقى البيت من عجيب التشبيه.
واختار الحاتمى فى باب الاستعارة (5)، فى وصف سحائب وأظنه لابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد، من بنى مرة، وميادة أمّه: (6)
[الطويل]
إذا ما هبطن القاع قد مات بقله ... بكين به حتّى يعيش هشيم
ورواه قوم لأبى كبير (7)، وابن ميادة أولى به وأشبه.
__________
(1) فى المطبوعتين: «وقد أكلوا»، وما فى ص وف يوافق الديوان.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بقوله».
(3) ديوان ذى الرمة 2/ 801وفيه: «فلما رأين الليل».
وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 136، وزهر الآداب 2/ 978، وجاء البيت فى كفاية الطالب 193فى باب التشبيه.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من بديع الكلام والاستعارة».
(5) فى حلية المحاضرة 1/ 138
(6) البيت لابن ميادة ثانى بيتين فى الأغانى 2/ 323قالهما بعد مطر شديد أصاب مكة المكرمة، وكان قد ذهب إليها معتمرا فى رجب سنة 105، ولما سمع ابن ميادة ما أصاب مكة من الهدم والصعق قال: هذا العيث لا الغيث، وجاء البيت دون نسبة فى حلية المحاضرة 1/ 138، والكامل 1/ 84، وعثرت بآخره على شعر ابن ميادة والبيت فيه 252ضمن قصيدة صدرت بقول المحقق: «قال ابن ميادة أو مزاحم العقيلى» وفى الجميع: «إذا ما هبطن الأرض قد مات عودها بكين بها».
(7) البيت ليس فى شعر أبى كبير فى ديوان الهذليين، ولكنه جاء فى شرح ديوان الهذليين 3/ 1336فى الزيادات نقلا عن زهر الآداب 2/ 854و 855، وجاء البيت فيه آخر أربعة أبيات لأبى كبير، فهل كان ابن ميادة يستشهد بالبيتين المذكورين فى الأغانى عند ما سئل: وما الغيث عندك؟ بعد ما قال عن المطر الشديد بمكة هذا العيث لا الغيث؟ سؤال يحتاج إلى جواب.
وفى شرح أشعار الهذليين وزهر الآداب: «إذا هبطن القاع قد مات نبته».(1/497)
والاستعارة كثيرة فى كتاب الله عز وجل، وفى كلام (1) نبيه صلى الله عليه وسلّم، من ذلك قوله تعالى (2): {إِنََّا لَمََّا طَغَى الْمََاءُ حَمَلْنََاكُمْ} [سورة الحاقة: 11]، وقوله (3):
{وَلَمََّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [سورة الأعراف: 154] وقوله: (4) {سَمِعُوا لَهََا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [7] تَكََادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ، [سورة الملك: 7و 8] فالشهيق والغيظ / استعارتان، وقوله (5): {يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي} [سورة هود: 44]، وكثير من هذا لو تقصّى لطال جدا.
وقول النبى صلى الله عليه وسلّم: «الدّنيا حلوة خضرة» (6)، وقوله لحالب حلب ناقة:
«دع داعى اللبن»، يعنى: بقية من اللبن فى الخلف (7)، وقوله: «تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة»، قال أبو عبيد (8): يريد أنه (9) منها خلقهم، وفيها معاشهم، وهى بعد الموت كفاتهم (10)، وقوله: «ربّ (11) تقبّل توبتى، واغسل
__________
(1) فى المطبوعتين: «وكلام» بحذف «فى».
(2) فى المطبوعتين: «لما طغى الماء» فقط.
وانظر ما قيل عن الآية فى النكت فى إعجاز القرآن 87، والصناعتين 271
(3) فى الجميع «فلما» وهو خطأ، وإن وقع فى خ فلا يصح أن يقع فى م!! وانظر ما قيل عنها فى مجاز القرآن 1/ 229والنكت فى إعجاز القرآن 87، والصناعتين 272
(4) انظر ما قيل عن الآيتين فى النكت فى إعجاز القرآن 87، والصناعتين 271
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقوله تعالى»، وسقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين «ويا سماء أقلعى»، وانظر ما قيل عن الآية فى دلائل الإعجاز 45
(6) الحديث فى نصيحة الملوك 183وفيه أنه فى صحيح مسلم 4/ 2098وابن ماجة فى الفتن 2/ 1325و 3/ 7و 19و 61والدارمى فى السنن 2/ 310وأقول: انظره فى غريب الحديث للخطابى 1/ 711وبهجة المجالس 2/ 279والعقد الفريد 3/ 173ويواقيت المواقيت (تحت الطبع) [3و] ونثر الدر 1/ 152و 206
(7) فى المطبوعتين: «فى الحلب»، وما فى ص وف والمغربيتين أوفق لأن الخلف هو الضرع [انظر اللسان]. وانظر الحديث فى غريب الحديث 2/ 9، والمجازات النبوية 171
(8) فى ص: «أبو عبيدة» وهو خطأ. وانظر الحديث بنصه فى غريب الحديث لأبى عبيد القاسم بن سلام 2/ 19والمجازات النبوية 182ونثر الدر 1/ 207
(9) فى ف: «أنكم منها خلقتم، وفيها معاشكم، وهى بعد الموت كفاتكم»، وفى المطبوعتين:
«أنها منها»، وما فى ص يوافق غريب الحديث 2/ 20وانظر الحديث فى التمثيل والمحاضرة 24
(10) الكفات بكسر الكاف الموضع الذى يضم فيه الشيء ويقبض، وكفات الأرض:
ظهرها للأحياء، وبطنها للأموات، ومنه قولهم للمنازل: كفات الأحياء، وللمقابر: كفات الأموات:
انظر اللسان فى [كفت].
(11) انظر الحديث فى غريب الحديث 2/ 20دون اختلاف، وفى المجازات النبوية 183وفيه:
«واغسل عنى حوبتى».(1/498)
حوبتى»، فغسل الحوبة (1) استعارة مليحة.
ومن أناشيد هذا الباب وهو فيما زعم ابن وكيع أول استعارة وقعت (2) قول امرئ القيس يصف الليل (3): [الطويل]
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علىّ بأنواع الهموم ليبتلى
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل (4)
/ فاستعار لليل سدولا يرخيها، وهى الستور، وصلبا يتمطّى به، وأعجازا يردفها، وكلكلا ينوء به.
وقال حسان بن ثابت يذكر قتلة عثمان رحمة الله عليه (5):
[البسيط]
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به ... يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
فالاستعارة قوله: «عنوان السجود به»، وقد أخذه من قول الله تعالى:
{سِيمََاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [سورة الفتح: 29]
وقال جميل العذرى (6): [البسيط]
أكلّما بان حىّ لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علّقتنى بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع
البديع «حصاة القلب».
__________
(1) الحوبة: المأثم [من غريب الحديث].
(2) انظر المنصف 53
(3) ديوان امرىء القيس 18
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لما تمطى بجوزه».
(5) ديوان حسان بن ثابت 216، وانظر الخلاف حول نسبة هذا البيت إلى حسان فى هامش الديوان، وقوله: «وقرآنا» يقصد به «وقراءة»، انظر اللسان فى [ضحا]، والأشمط: الذى اختلط سواد شعره ببياض.
(6) ديوان جميل 117(1/499)
ومن كلام المولدين قول أبى نواس (1): [السريع]
بصحن خدّ لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس
البديع كل البديع عجز البيت، وقال أيضا (2): [الكامل]
فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسرا إليه أعنّة الحدق
البديع «أعنة الحدق»، وقوله: «اقتادت».
وقال أبو الطيب (3): [الطويل]
ضممت جناحيهم على القلب ضمّة
تموت الخوافى تحتها والقوادم
أراد ب «الجناحين» ميمنة العسكر وميسرته، وب «القلب» موضع الملك، وب «الخوافى والقوادم» السيوف والرماح، وهذا تصنيع بديع، كله حسن الاستعارات، وقال (4): [البسيط]
صدمتهم بخميس أنت غرّته ... وسمهريّته فى وجهه غمم
وهذا كالأول جودة.
وقال السرىّ الموصلى (5):
__________
(1) ليس فى ديوان أبى نواس، وجاء بنسبته إلى أبى نواس فى كفاية الطالب 184
(2) ديوان أبى نواس 365
(3) ديوان المتنبى 3/ 387
(4) ديوان المتنبى 4/ 23، والخميس: الجيش. والغرة: الوجه. والسمهرية: الرماح. والغمم:
كثرة الشعر وإسباله على الوجه.
(5) هو السرى بن أحمد بن السرى الكندى، يكنى أبا الحسن، ويعرف بالرفاء لأنه كان يرفو ويطرز فى دكانه بالموصل، قصد سيف الدولة، فمدحه، ومكث عنده فترة، ثم ذهب إلى بغداد، ومدح الكثير من الوزراء والأعيان بشعره، وأخذ شعره فى الذيوع إلى أن وقف فى وجهه الخالديان، فضاقت به الحال، حتى اضطر إلى أن يقوم بنسخ الكتب، واتهم بأنه أسند كثيرا من شعر الخالديين إلى كشاجم نكاية فيهما وهى تهمة لا أساس لها ت 366هـ.
اليتيمة 2/ 117، وتاريخ بغداد 9/ 194، والفهرست 195، ولطائف المعارف 178، ومعجم الأدباء 11/ 182، ووفيات الأعيان 2/ 359، وسير أعلام النبلاء 16/ 218وما فيه من مصادر،(1/500)
[الطويل]
يشقّ جيوب الورد فى شجراته ... نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد (1)
/ فالبديع قوله: «متى ينظر».
* * * __________
ومعاهد التنصيص 3/ 280، وذكر كثيرا فى التمثيل والمحاضرة، وزهر الآداب ومن غاب عنه المطرب، وانظر الدراسة التى كتبتها فى ديوان كشاجم بتحقيقنا.
(1) ديوان السرى الرفاء 2/ 138، وفيه: «فى شجراتها»، وانظر ما قيل عن هذا البيت فى الوساطة 39، واليتيمة 2/ 120(1/501)
باب التمثيل (5)
ومن ضروب / الاستعارة «التمثيل»، وهو المماثلة عند بعضهم (1)، وذلك أن تمثل شيئا بشئ فيه إشارة منه، نحو قول امرئ القيس، وهو أول من ابتكره، ولم يأت أملح منه (2): [الطويل]
وما ذرفت عيناك إلّا لتضربى ... بسهميك فى أعشار قلب مقتّل
فمثّل عينيها بسهمى الميسر يعنى المعلّى، وله سبعة أنصباء، والرقيب، وله ثلاثة أنصباء فصار جميع أعشار قلبه للسهمين اللذين مثّل بهما عينيها، ومثّل قلبه بأعشار الجزور، فتمّت له جهات الاستعارة والتمثيل.
وقال حريث بن زيد الخيل (3): [الطويل]
أبأنا بقتلانا من القوم عصبة ... كراما ولم نأكل بهم حشف النخل (4)
فمثّل خساس الناس بحشف النخل، ويجوز أن يريد أخذ الدية، فيكون حينئذ حذفا، أو إشارة.
__________
(5) انظر نقد الشعر 158، والصناعتين 353تحت عنوان «فى المماثلة»، ودلائل الإعجاز 7366و 262و 430وأسرار البلاغة 11884و 146و 196و 207و 222و 224، وسر الفصاحة 223، وكفاية الطالب 185، وتحرير التحبير 214، ونهاية الأرب 7/ 60
(1) كما فى الصناعتين 353
(2) ديوان امرىء القيس 13وفيه: «إلا لتقدحى بسهميك» وانظر ما قيل عنه فى الحلية 1/ 370و 371.
(3) هو حريث بن زيد الخيل بن مهلهل الطائى، كان لأبيه صحبة محمودة ونيّة فى الإسلام، وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثناء عاليا، وحريث هذا هو الذى قتل أبا سفيان الفهرى الذى بعثه عمر يستقرى أهل البادية القرآن فاستقرأ أوس بن خالد بن يزيد فلم يدر شيئا من القرآن، فضربه فمات، فوثب حريث على أبى سفيان فقتله، ثم هرب، فلحق بأرض الروم، فمات هنالك.
جمهرة أنساب العرب 403و 404
(4) البيت لحريث ضمن خمسة أبيات فى الشعر والشعراء 1/ 287والأغانى 17/ 269وشرح ديوان الحماسة 2/ 848وفى الشعر والشعراء والحماسة: «قتلنا بقتلانا» وفى الأغانى: «أصبنا به من خيرة القوم سبعة ولم نأكل به» والبيت لرجل من طىء فى البيان والتبيين 4/ 65وفيه:
«قتلنا بقتلانا من القوم مثلهم كراما ولم نأخذ».
أبأنا: قتلنا. الحشف من التمر: ما لم ينو، فإذا يبس صلب وفسد، لا طعم له، ولا لحاء، ولا حلاوة.(1/502)
وقال الأخطل لنابغة بنى جعدة (1): [الوافر]
لقد جازى أبو ليلى بقحم ... ومنتكث على التّقريب وان (2)
إذا هبط الخبار كبا لفيه ... وخرّ على الجحافل والجران (3)
وإنما عيّره الكبر (4)، وأنه (5) هو شاب حديث السّنّ، وقال بعض الرواة: إنما تهاجيا فى مسابقة فرسين، وهو غلط عند الحذاق.
ومن التمثيل أيضا قوله (6): [الطويل]
فنحن أخ لم يلق فى الناس مثلنا
أخا حين شاب الدّهر وابيضّ حاجبه
ومعنى التمثيل اختصار قولك، مثل كذا وكذا (7).
وقال أبو خراش (8) فى قصيدة رثى بها زهير بن العجوة (9)، وقد قتله
__________
(1) ديوان الأخطل 2/ 661وفيه: «لقد جارى» ويبدو أنه تصحيف مطبعى.
(2) القحم: المسنّ الفانى. والمنتكث: المنتكس. والتقريب: نوع من السير. والوانى: الضعيف.
(3) الخبار من الأرض: مالان واسترخى كانت فيه جحرة. كبا: سقط. والجحافل جمع جحفلة: وهى فى الحيوان ما يقابل الشفة فى الإنسان. والجران: باطن العنق، وقيل: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «بالكبر»، وما فى ص وف هو الأصح، جاء فى اللسان: قال الأزهرى: وقد عيّره الأمر، والعامة تقول: «عيّره بكذا».
(5) فى ف والمطبوعتين: «وإنما هو»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(6) ديوان الأخطل 1/ 286، وفى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «لم تلق فى الناس مثلنا»،
وما فى ص يوافق الديوان.
(7) فى كفاية الطالب 185، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «مثل كذا وكذا وكذا وكذا»، وفى ف: «مثل كذا كذا».
(8) هو خويلد بن مرة، أحد بنى قرد بن عمرو بن معاوية ابن هذيل، يكنى أبا خراش، وهو من شعراء هذيل، عاش فى الجاهلية، وأدرك الإسلام، فأسلم وحسن إسلامه، مات فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد نهشته حية، وهو يستقى لضيفانه، وكان سريع العدو، حتى إنه كان يسبق الخيل المدربة.
الشعر والشعراء 2/ 663، والاشتقاق 130، والأغانى 21/ 205، والكامل 2/ 50، والسيرة 43/ 472، وسمط اللآلى 1/ 216، والخزانة 1/ 443و 5/ 406
(9) زهير بن العجوة هو أحد الأسرى من المشركين فى غزوة حنين، وفى الكامل 2/ 50يوم فتح مكة، وهو خطأ، انظر السيرة 43/ 472، والأغانى 21/ 210، وديوان الهذليين، والمصادر المذكورة فى ترجمة أبى خراش، وفى ص وف وكفاية الطالب «زهير بن عجرة»، وفى المطبوعتين:(1/503)
جميل بن معمر (1) يوم حنين مأسورا (2): [الطويل]
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك ... ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
يقول (3): نحن من عهد الإسلام فى مثل السلاسل، وإلا فكنا نقتل / قاتله، وهو من قول الله عز وجل فى بنى إسرائيل (4): {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلََالَ الَّتِي كََانَتْ عَلَيْهِمْ} [سورة الأعراف: 157]، يريد بذلك الفرائض المانعة لهم من أشياء رخّص فيها لأمة محمد صلى الله عليه وسلّم.
وإلى نحو هذا ذهب عمرو بن معديكرب حين خفقه عمر رضى الله عنه بالدّرّة فقال له (5): «الحمّى أضرعتنى لك»، يعنى الدّين، وإن كان المثل قديما إنما (6) هو: «الحمّى / أضرعتنى (7) للنوم (8)».
ومن جيد التمثيل قول ضباعة بنت قرط (9) ترثى زوجها هشام (10) بن
__________
«زهير بن عجردة»، وهو خطأ فيهم، والتصحيح من مصادر الترجمة.
(1) هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، شهد حنينا مع الرسول صلى الله عليه وسلّم.
انظر السيرة 43/ 472، والأغانى 21/ 210، والاشتقاق 130، والاستيعاب 1/ 247، ومصادر ترجمة أبى خراش.
(2) شرح أشعار الهذليين 3/ 1223، والأغانى 21/ 211، والسيرة 43/ 473، والكامل 2/ 50، وكفاية الطالب 185، ونسب خطأ إلى أبى ذؤيب فى تأويل مشكل القرآن 148و 149، وصحح المحقق النسبة فى الهامش، واللسان فى [عهد] والشطر الثانى دون نسبة فى المجموع المغيث 2/ 111.
(3) انظر هذا الشرح فى المصادر المذكورة قبل.
(4) انظر فيها ما جاء فى تأويل مشكل القرآن 148و 149
(5) انظر هذا فى كتاب الأمثال 119، وفصل المقال 176، وكتاب جمهرة الأمثال 1/ 348، والأمالى 2/ 51. وديوان المعانى 2/ 53، و 54
(6) فى خ: «إنما الحمى»، وفى م كتبت كلمة «هو» بين معقوفين، كأنها من زيادات المحقق!!
(7) فى ص: «أضرعتنى لك يعنى النوم».
(8) انظر هذا المثل فى الفاخر 210، وفصل المقال 177
(9) هى ضباعة بنت عامر بن قرط من بنى قشير، اشتهرت بجمالها، كانت قد تزوجت فى الجاهلية من عبد الله بن جدعان، ثم طلقها، فتزوجت هشام بن المغيرة، ثم لما مات عنها أسلمت، وهاجرت إلى المدينة المنورة، وخطبها الرسول صلى الله عليه وسلّم، ولكنه لم يتزوجها.
تاريخ الطبرى 3/ 169، وأنساب الأشراف 460، وهامش الحيوان 3/ 499، وأشعار النساء 10999
(10) هو هشام بن المغيرة بن عبد الله المخزومى، من سادات قريش، وقيل: كانت قريش تؤرخ بموته.(1/504)
المغيرة المخزومى (1): [السريع]
إنّ أبا عثمان لم أنسه ... وإنّ صمتا عن بكاه لحوب
تفاقدوا من معشر ما لهم ... أىّ ذنوب صوّبوا فى القليب؟!
ومن كلام النبى صلى الله عليه وسلّم فى التمثيل قوله (2): «الصّوم فى الشتاء الغنيمة الباردة»، وقوله (3): «ظهر المؤمن مشجبه، وخزانته بطنه، وراحلته رجله، وذخيرته ربّه»، وقوله (4): «من (5) فى الدنيا ضيف، وما فى يديه عارية، والضيف مرتحل، والعارية مؤدّاة»، وقوله (6): «نعم الصهر القبر (7)».
ومن مليح أناشيد التمثيل قول ابن مقبل (8): [البسيط]
إنّى أقيّد بالمأثور راحلتى ... ولا أبالى وإن كنّا على سفر
فقوله: «أقيد بالمأثور» تمثيل بديع، والمأثور هو السيف الذى فيه أثر، وهو الفرند (9)، وقوله: «ولا أبالى» حشو مليح، أفاد مبالغة عجيبة، وقوله: «وإن
__________
كتاب نسب قريش 302299، وأنساب الأشراف 209و 460، وجمهرة أنساب العرب 145و 382، والاشتقاق 98و 101و 150و 151
(1) البيتان فى الحيوان 3/ 499، وأشعار النساء هامش 105نقلا عن الحيوان. والحوب: الإثم.
(2) انظر الحديث وما قيل فى توضيحه فى غريب الحديث 2/ 184، والمجازات النبوية 162، وانظره فى نثر الدر 1/ 204والتمثيل والمحاضرة 24، كفاية الطالب 186
(3) لم أعثر على هذا الحديث إلا فى نثر الدر 1/ 156وليس فيه تخريج والتمثيل والمحاضرة 25
(4) انظره فى زهر الآداب 1/ 25والتمثيل والمحاضرة 25، والطراز 1/ 332
(5) فى المطبوعتين: «المؤمن فى الدنيا»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(6) سقط قوله: «وقوله» من المطبوعتين والمغربيتين.
(7) لم أعثر عليه بهذا النص ولكننى وجدته هكذا: «نعم الختن القبر» فى التمثيل والمحاضرة 24 ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 326وفى مخطوطتى كتاب يواقيت المواقيت [58و] و 38ووهو معد للطبع وكفاية الطالب 186. ولكننى وجدته بنصه منسوبا إلى أحد الأعراب يعزّى بعض ملوك كندة فى العقد الفريد 3/ 196
(8) ديوان ابن مقبل 78وجاء بذات النسبة فى المعانى الكبير 2/ 1079، وفيهما: «ولو كنا على سفر». يقول: لا أبالى أن أرحل بعد أن أعقر ناقتى لأصحابى [من المعانى الكبير].
(9) الفرند: وشىء السيف، وهو دخيل، أو جوهره وماؤه الذى يجرى فيه، أو هو السيف نفسه. انظر اللسان.(1/505)
كنا على سفر» زيادة فى المبالغة، وهذا النوع يسمى «إيغالا»، وبعضهم يسميه «التبليغ»، وهو يرد فى مكانه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ومما اختاره عبد الكريم وقدّمه قول ابن أبى ربيعة (1): [الخفيف]
أيّها المنكح الثّريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان؟!!
/ هى شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمانى
يعنى الثريا بنت على بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، وكانت نهاية فى الحسن والكمال، وسهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وكان غاية فى القبح والدمامة، فمثّل بينهما وبين سميّيهما، ولم يرد إلا بعد ما بينهما وتفاوته خاصة لأن (2) سهيلا اليمانى لا قبيح ولا دميم، ولا أدرى هل هذا الرأى موافق لرأى عبد الكريم أم لا؟ وحسبك أن الشاعر لم ينكر إلا التقاءهما.
وقال أبو الطيب وذكر نزارا (3): [الوافر]
فأقرحت المقاود ذفرييها ... وصعّر خدّها هذا العذار (4)
ووصف رمحا فقال، وهو مليح متمكن جدا (5): [الوافر]
يغادر كلّ ملتفت إليه ... ولبّته لثعلبه وجار (6)
وقال يخاطب سيف الدولة (7):
__________
(1) ديوان عمر بن أبى ربيعة 503فى الشعر المنسوب إليه ضمن أربعة أبيات.
والبيتان له فى الشعر والشعراء 2/ 558، والمعارف 239، والأغانى 1/ 122و 234و 235، وزهر الآداب 1/ 245
(2) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «لا أن سهيلا اليمانى قبيح ولا دميم»، وفى المغربية الأخرى:
«لأن قبيح».
(3) ديوان المتنبى 2/ 100، وفيه: «فقرحت المقاود».
(4) المقاود جمع مقود: وهو الحبل يشد فى اللجام تقاد به الدابة، والذفريان: ما خلف الأذنين.
وصعّر: أمال من الصّعر وهو الميل. العذار: ما يجعل على خدّ الدابة من الرّسن، وهو اللجام.
(5) ديوان المتنبى 1/ 104
(6) اللبة: وسط الصدر والمنحر. والثعلب: الداخل من الرمح فى السنان، والوجار: بيت الضبع والثعلب من الوحش.
(7) ديوان المتنبى 2/ 111و 112(1/506)
[الوافر]
بنو كعب وما أثّرت فيهم ... يد لم يدمها إلّا السّوار (1)
بها من قطعه ألم ونقص ... وفيها من جلالته افتخار
والتمثيل والاستعارة من التشبيه، إلا أنهما بغير آلته (2)، وعلى غير أسلوبه، والمثل المضروب فى الشعر نحو قول طرفة (3): [الطويل]
/ ستبدى لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
راجع إلى ما ذكرته لأن معناه ستبدى لك الأيام كما أبدت لغيرك، ويأتيك بالأخبار من لم تزود، كما جرت عادة الزمان.
وتسمية المثل دالّة على ما قلته لأن المثل والمثل: الشبيه والنظير (4).
وقيل: إنما سمى مثلا لأنه ماثل لخاطر الإنسان أبدا، يتأسّى به، ويعظ، ويأمر، ويزجر، والماثل: الشاخص المنتصب، من قولهم: «طلل ماثل»، أى شاخص، فإذا قيل: «رسم ماثل» فهو الدارس، والماثل من الأضداد.
وقال مجاهد (5) فى قول الله عز وجل: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلََاتُ} [سورة الرعد: 6]: هى الأمثال، وقال (6) قتادة (7): هى العقوبات.
__________
(1) السوار: ما يكون فى الزند من الذهب والفضة.
(2) فى م: «بغير أداته»!!
(3) ديوان طرفة 48، وقد سبق ذكره فى باب فى الأوزان ص 239.
(4) انظر تأويل مشكل القرآن 496، واللسان فى [مثل].
(5) هو مجاهد بن جبر، يكنى أبا الحجاج، المكى، الأسود، مولى السائب بن أبى السائب المخزومى، ويقال: مولى عبد الله بن السائب، ويقال: مولى قيس بن الحارث المخزومى، روى عن ابن عباس فأكثر وأطاب، ويقول عنه الذهبى: «ولمجاهد أقوال وغرائب فى العلم والتفسير تستنكر»، واختلف المؤرخون فى سنة وفاته اختلافا كبيرا. ت 103هـ.
المعارف 444، والشذرات 1/ 125، وسير أعلام النبلاء 4/ 449، وفيه حشد كبير من المصادر.
(6) انظر التأويلين فى تفسير الطبرى 16/ 351وبذات النسبة، وجاء التأويل الأول فقط فى تفسير القرطبى 9/ 284، وانظر تفسير الألوسى 13/ 95، وقوله: «وقال قتادة: هى» ساقط من ص.
(7) هو قتادة بن دعامة بن قتادة وقيل: «ابن عكابة السدوسى البصرى، الضرير، يكنى أبا الخطاب، حافظ العصر، وقدوة المفسرين والمحدثين، كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل فى قوة الحفظ ت 217أو 218هـ.(1/507)
وقال قوم: إنما معنى المثل المثال الذى يحذى عليه، كأنه جعله مقياسا لغيره، وهو راجع إلى ما قدمت.
وقال بعضهم: فى المثل ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه.
وقد يكون المثل بمعنى الصفة، من ذلك قول الله تعالى (1): {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [سورة محمد: 15]، أى: صفة الجنة، وقوله (2): {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة الروم: 27]، أى: الصفة العليا، وهى قول (3): {«لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ»}، وقوله (4): {ذََلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرََاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [سورة الفتح: 29]، أى: صفتهم (5).
* * * __________
المعارف 462، ومعجم الأدباء 17/ 9، ووفيات الأعيان 4/ 85، والنجوم الزاهرة 1/ 276، والشذرات 1/ 153، ونكت الهميان 230، وسير أعلام النبلاء 5/ 369وما فيه من مصادر.
(1) انظر تأويل مشكل القرآن 496وتفسير غريب القرآن 20
(2) فى ص وف والمغربيتين: «ولله المثل» وهو خطأ من الناسخ.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وهى قولنا»، وانظر تأويل مشكل القرآن 382وتفسير غريب القرآن 20
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقوله تعالى».
(5) انظر تأويل مشكل القرآن 84(1/508)
باب المثل السائر (8)
المثل (1) السائر فى كلام العرب كثير نظما ونثرا، وأفضله أوجزه، وأحكمه أصدقه، وقولهم: «مثل شرود، وشارد»، أى: سائر، لا يردّ كالجمل الصعب الشارد، الذى لا يكاد يعرض له ولا يردّ.
وزعم قوم أن الشرود ما لم يكن له نظير، كالشاذ، والنادر.
فأما قول أبى تمام، وكان إمام الصناعة (2) ورئيسها (3):
[الكامل]
لا تنكروا ضربى له من دونه ... مثلا شرودا فى الندى والباس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس (4)
حين عيب عليه قوله فى ابن المعتصم:
إقدام عمرو فى سماحة حاتم ... فى حلم أحنف فى ذكاء إياس (5)
فإنه يشهد للقول الأول لأن المثل بعمرو، وحاتم مضروب قديما، وليس بمثل لا نظير له كما زعم الآخر.
وقد تأتى الأمثال الطوال محكمة، إذا تولّاها الفصحاء من الناس، فأما ما كان منها فى القرآن فقد ضمّن الإعجاز، قال الله عز وجل (6): {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [سورة العنكبوت: 41]، / وقال (7): {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ}
__________
(8) انظر حلية المحاضرة 1/ 308241، وكفاية الطالب 187
(1) انظر كفاية الطالب 187
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «إمام الصنعة».
(3) ديوان أبى تمام 2/ 250، وقد سبق ذكر البيتين فى باب فى البديهة والارتجال ص 308 و 309.
(4) البيت ساقط من ص والمطبوعتين والمغربيتين.
(5) ديوان أبى تمام 2/ 249، وسبق ذكره فى باب فى البديهة والارتجال ص 308.
(6) انظر تأويل مشكل القرآن 496
وفى المطبوعتين زيادة: «وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت».
(7) انظر فى الآية كتاب تأويل مشكل القرآن 369وهامشه.(1/509)
{الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [سورة الأعراف: 176]، وقال (1): {كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} [سورة الجمعة: 5]، فهذه أمثال قصار، وقال (2): {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا بَعُوضَةً فَمََا فَوْقَهََا} [سورة البقرة: 26].
ومن الأمثال الطوال قوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} الآية [سورة التحريم: 10]، {وَضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} الآية [سورة التحريم: 11] (3)، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ} الآية [سورة التحريم: 12]، وقال (4): {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوََانٍ عَلَيْهِ تُرََابٌ} الآية [سورة البقرة: 264]، وقال (5): {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ} الآية (6) [سورة النور: 39]، ثم قال: {أَوْ كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}
الآية [سورة النور: 40] (7).
ومن كلام النبى صلى الله عليه وسلّم فى الأمثال قوله (8): «كلّ الصّيد فى جوف الفرا»، قاله لأبى سفيان بن حرب حين أسلم، وقيل (9) غير ذلك، وقوله (10):
«مثل المؤمن مثل (11) الخامة من الزّرع، تميلها الريح مرّة هكذا ومرّة هكذا، ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية (12) على الأرض حتى يكون انجعافها (13) مرة»، وقوله
__________
(1) انظر تأويل مشكل القرآن 496
(2) انظر تأويل مشكل القرآن 190
(3) انظر تأويل مشكل القرآن 511
(4) انظر تأويل مشكل القرآن 324
(5) انظر فيها تأويل مشكل القرآن 329
(6) فى المطبوعتين: «والذين كفروا بربهم أعمالهم» [كذا]!! وفيهما ذكر من الآية إلى قوله تعالى: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}.
(7) انظر فيها تأويل مشكل القرآن 329
(8) انظره فى كتاب الأمثال 35وجمهرة الأمثال 2/ 162، ومجمع الأمثال 3/ 11، وفصل المقال 10، وهو فى تأويل مشكل القرآن 97وفيه تفسير أكبر مما هنا، وانظره فى الكامل 1/ 319 و 320والعقد الفريد 3/ 64والتمثيل والمحاضرة 22ونهاية الأرب 3/ 2
(9) قوله: «وقيل غير ذلك» ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(10) انظره مع تخريجه فى كتاب الأمثال 35ومجمع الأمثال 3/ 266، وفصل المقال 7وفيه التخريج ونصيحة الملوك 155و 156وفيه تخريج جيد، ونثر الدر 1/ 198مع تخريجه.
(11) فى ف والمطبوعتين: «كمثل» وما فى ص يوافق بعض المصادر السابقة.
(12) المجذية: الثابتة المنتصبة.
(13) الانجعاف: السقوط والانقلاع.(1/510)
حين ذكر الدنيا وزينتها فقال (1): «وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا (2)
أو يلمّ»، وقوله (3): «إيّاكم وخضراء الدّمن» قيل: وما خضراء الدّمن؟ قال:
«المرأة الحسناء فى منبت (4) السّوء».
والأناشيد فى هذا الباب كثيرة. فمنها ما فيه مثل واحد، ومنها ما فيه مثلان، ومنها ما فيه ثلاثة أمثال (5)، ومنها ما فيه أربعة أمثال، وهو قليل جدا، وكل نوع من هذه الأنواع فيه احتياج واستغناء.
والمثل إنما وزن فى الشعر ليكون أشرد له، وأخفّ للنطق به، فمتى لم يتّزن كان الإتيان قريبا من تركه.
وقد حكى الحاتمى أشياء (6)، لا أدرى كيف وجهها، زعم (7) بإسناد أن حمادا الراوية سئل: بأى شئ فضّل النابغة؟ فقال: إن النابغة إن تمثّلت ببيت من شعره اكتفيت به مثل قوله (8): [الطويل]
/ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
بل لو تمثّلت بنصف بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله (9):
__________
(1) انظره مع تخريجه فى كتاب الأمثال 35، وهو فى تأويل مشكل القرآن 87وفيه التخريج وجمهرة الأمثال 1/ 16، ومجمع الأمثال 1/ 10، وفصل المقال 9، وانظره فى اللسان فى [حبط] واقرأ فيه قصة الحديث وتمامه، وفيه شرح ممتاز يحسن الرجوع إليه، وانظر تخريجا جيدا للحديث فى لباب الآداب 332وانظره فى العقد الفريد 3/ 64
(2) الحبط: داء انتفاخ البطن بسبب كثرة أكل الكلأ.
(3) انظره فى كتاب الأمثال 36وجمهرة الأمثال 1/ 17، ومجمع الأمثال 1/ 53، ودلائل الإعجاز 441وأسرار البلاغة 68و 274والتمثيل والمحاضرة 22، وفصل المقال 14والمجازات النبوية 60، والعقد الفريد 3/ 64ونصيحة الملوك 299و 300ونثر الدر 1/ 187ونهاية الأرب 3/ 2 واللسان فى [دمن]. والدّمن جمع دمنة: وهى الموضع الذى تجتمع فيه الغنم فتتلبّد أبوالها وأبعارها.
[من كتاب الأمثال وفصل المقال وجمهرة الأمثال].
(4) فى ف والمطبوعتين: «فى المنبت» وما فى ص والمغربيتين يوافق أغلب المصادر السابقة.
(5) انظر حلية المحاضرة 1/ 308241
(6) حلية المحاضرة 1/ 243، وانظر ما حكاه الحاتمى فى الأغانى 11/ 7و 8
(7) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وزعم أن حمادا الراوية سئل».
(8) ديوان النابغة الذبيانى 72
(9) من البيت السابق.(1/511)
[الطويل]
وليس وراء الله للمرء مذهب
بل لو تمثّلت بربع بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله: «أى الرجال المهذب؟» (1)
ولا أعرف كيف يجعل حماد هذا ربع بيت، وفيه زيادة سببين، وهما أربعة أحرف؟! إلا أن يريد التقريب، فهذا (2) هو من الاحتياج الذى ذكرت (3)
لأنه لا يتمثل به على أنه شعر إلا احتاج إلى ما قبله، واستغنى ما قبله عنه، ألا ترى لو قال (4): [الطويل]
ولست بمستبق أخا لا تلمّه
أنه يكون مثلا كافيا (5)، ثم لا يتعلق قوله: «على شعث» بشئ من المثل الثانى، وإن بقى موزونا، فإذا ردّه إلى (6) الصدر تعلق به، وبقى المثل الثانى مكسورا؟.
ومثله قول القطامى، واسمه عمير بن شييم التغلبى (7):
[البسيط]
والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهى ولأمّ المخطىء الهبل
فقوله: «ولأم المخطئ الهبل» مثل، إلا أنه غير موزون حتى يتصل بقوله:
«ما يشتهى»، وذلك من تمام المثل (8) الأول الذى فى صدر البيت، وهذا كله احتياج.
__________
(1) هذا جزء من بيت، وتمامه كما فى الديوان 78
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أىّ الرجال المهذّب؟
(2) فى م: «فهذا من الاحتياج».
(3) فى المطبوعتين: «ذكرته».
(4) فى م: «ألا ترى أنه لو قال»، ووضع «أنه» بين معقوفين دون ذكر السبب كالمعتاد!!
(5) انظر حلية المحاضرة 1/ 243، بعد خبر حماد السابق.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «على الصدر».
(7) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 215و 2/ 726، والمعانى الكبير 1266، وعيار الشعر 90، وحلية المحاضرة 1/ 248و 279، والعقد الفريد 2/ 186و 5/ 338، وفى ديوان القطامى 25
(8) فى ص: «من تمام البيت الأول».(1/512)
ومما لا احتياج فيه قول امرىء القيس (1): [الكامل]
/ الله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
ففى كل قسيم من هذين مثل قائم بنفسه، غير محتاج إلى صاحبه.
وكذلك قول الحطيئة (2): [البسيط]
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وقال عبيد بن الأبرص الأسدى (3): [البسيط]
الخير يبقى وإن طال الزّمان به ... والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد
ومما فيه مثل واحد قول عنترة العبسى: (4): [الكامل]
نبّئت عمرا غير شاكر نعمتى ... والكفر مخبثة لنفس المنعم
/ فجاء بالمثل غير محتاج إلى ما قبله.
وقال أبو ذؤيب (5): [الكامل]
سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (6)
فإن بدأت بالقسيم الثانى كان مثلا سائرا، وإن أسقطت جزءا منه بقى المثل سائرا غير موزون، إلا أن يكون فى المربوع (7).
__________
(1) ديوان امرىء القيس 238وانظر ما قيل عنه فى الحلية 1/ 243و 325و 328
(2) ديوان الحطيئة 51وانظر ما قيل عنه فى الحلية 1/ 243و 245و 277و 328و 393
(3) البيت ليس لعبيد، وإنما هو لهاتف هتف به ليلا كما جاء فى الأغانى 22/ 86آخر ثلاثة أبيات، وهو فى الكامل 1/ 109، والعقد الفريد 3/ 105دون نسبة، وهو بنسبته فى حلية المحاضرة 1/ 277، ويبدو لى أن المؤلف اتبع صاحب الحلية وذلك لأنه ينقل منه كثيرا، والبيت ليس فى ديوان عبيد، ولكنه جاء فى مقدمته كما جاء فى الأغانى.
(4) ديوان عنترة 214، بفتح العين وكسرها فى «المنعم» بمعنى أن من أنعم بنعمة فكم يشكر عليها كان ذلك مخبثة لنفسه، أو كان مخبثة لنفس المنعم عليه. [من شرح الديوان]. وانظر الحلية 1/ 294
(5) ديوان الهذليين 1/ 14، وسبق البيت فى باب القوافى ص 271، وانظر ما قيل عن تخريجه هنالك.
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «تركوا هوى».
(7) فى ف والمطبوعتين: «فى المرفوع»، ولا معنى له. وفى مغربية «يكون المربوع».
وما فى ص ومغربية يعنى أن يكون المثل فى ربع البيت كما سبق الحديث فى قول النابغة: «أى الرجال المهذب».(1/513)
ومن (1) الأمثال مصمت يأتى فى البيت بأسره، كقول الأول (2):
[الوافر]
فإنّك لن ترى طردا لحرّ ... كإلصاق به طرف الهوان (3)
وقول أبى نواس (4): [الطويل]
إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ فى ثياب صديق
ومما فيه ثلاثة أمثال قول زهير (5): [الطويل]
وفى الحلم إدهان وفى العفو دربة
وفى الصّدق منجاة من الشرّ فاصدق (6)
فأتى بكل مثل فى ربع بيت، ثم جعل الرّبع الآخر زيادة فى شرح معنى ما قبله.
وكذلك قول (7) النابغة الذبيانى (8): [الكامل]
الرّفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن فى رفق تلاق نجاحا (9)
فجاء بثلاثة أمثال، إلا أنها مداخلة لم تسلم سلامة ما قبلها من كلام زهير.
وقال ابن عبد القدوس (10):
__________
(1) فى المطبوعتين: «من الأمثال». وفى مغربية «من المثال»، والأخرى مثل ص وف.
(2) البيت جاء أول بيتين فى الأمالى 2/ 180مصدرا بقوله: «أنشدنا ابراهيم بن المنذر الحزامى»،. وجاء أول بيتين فى زهر الآداب 1/ 437مصدرا بقوله: «فقد قال الشاعر»، وجاء أول بيتين فى نصيحة الملوك 437مصدرا بقوله: «وقد قال الأول»، وجاء البيت مفردا فى معجم الأدباء 2/ 564 [ط إحسان عباس]
(3) فى ص والمطبوعتين والمغربيتين: «وإنك لن ترى»، واعتمدت ما فى ف والمصادر المذكورة.
(4) ديوان أبى نواس 621، وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 375وانظره فى نصيحة الملوك 180وفيه حصر لكتب كثيرة تحدثت عنه.
(5) ديوان زهير 252، وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 241، وكفاية الطالب 188 والإدهان: المداهنة والمصانعة. والدربة: العادة واللجاجة [من الديوان].
(6) فى ف: «وفى الحكم». وفى المطبوعتين: «وفى الحلم إذعان»، وما فى ص وف والمغربيتين يوافق الديوان.
(7) فى ص والمغربيتين: «قال».
(8) ديوان النابغة 200، وانظر ما قيل عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 241
(9) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «والأناة سلامة»، وما فى ص يوافق الديوان، وفى الديوان: «والرفق».
(10) هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس يكنى أبا الفضل، كان شاعرا(1/514)
[الخفيف]
كلّ آت لا بدّ آت وذو الجه ... ل معنّى والغمّ والحزن فضل (1)
فأتى بثلاثة أمثال مداخلة الوزن أيضا.
وكان قول ضابئ بن الحارث (2): [الطويل]
وفى الشكّ تفريط وفى الحزم قوّة ... ويخطئ فى الحدس الفتى ويصيب (3)
أحسن تعديلا فى القسمة لأن شطره الأول مشتمل على مثلين، وشطره الثانى مشتمل على مثل قائم بنفسه.
وقال عبد الله بن المعتز (4): [مخلع البسيط]
والعيش همّ، والموت مرّ ... مستكره، والمنى ضلال (5)
/ والحرص ذلّ، والبخل فقر ... وآفة النائل المطال (6)
__________
حكيما من المتكلمين، وكان من وعاظ البصرة، استغرقت الحكمة شعره، وقد اتهم بالزندقة فى عهد المهدى، فقتله بضربة جعلته نصفين.
تاريخ بغداد 9/ 303، وطبقات ابن المعتز 89، والفهرست 185و 204ومعجم الأدباء 12/ 6، ونكت الهميان 171، وفوات الوفيات 2/ 116
(1) البيت فى البيان والتبيين 2/ 74، والكامل 2/ 7، ونهاية الأرب 3/ 80ثانى بيتين فيهم، وجاء مفردا فى حلية المحاضرة 1/ 241، والتمثيل والمحاضرة 78، وفى الجميع عدا الحلية: «كل آت لا شك آت» وما فى العمدة بجميع نسخة يوافق حلية المحاضرة.
(2) هو ضابىء بن الحارث بن أرطاة، من بنى غالب بن حنظلة، من البراجم، وكان استعار كلبا من بعض بنى جرول، فلم يرده لهم، فأخذوه منه عنوة، فرمى أمهم بالكلب، فاستعدوا عليه عثمان بن عفان، فحبسه، وظل فى حبس عثمان إلى أن مات، وكان أراد أن يفتك بعثمان، ولما قتل عثمان جاء عمير بن ضابىء فرفس عثمان، وكسر له ضلعين.
الحيوان 1/ 369، والشعر والشعراء 1/ 350، والاشتقاق 218، والخزانة 4/ 323، ومعاهد التنصيص 1/ 186، وتاريخ الطبرى 4/ 402و 414، و 6/ 207، ومروج الذهب 2/ 355والأوائل 321
(3) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 352، والأصمعيات 184، والخزانة 10/ 320، ومعاهد التنصيص 1/ 186، وجاء دون نسبة فى الزهرة 1/ 198ثانى ثلاثة أبيات.
(4) ديوان ابن المعتز 2/ 411، دون اختلاف، ويلاحظ عند قراءة القصيدة فى الديوان أن أبياتها كلها تلتزم وزن مخلع البسيط، إلا فى هذين البيتين، فإن الشطرين الأخيرين منهما من مخلع البسيط، أما الشطران الأولان فوزنهما «مستفعلن مفعولن فعولن».
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «والعيش هر» [كذا].
(6) فى المطبوعتين ومغربية: «والبخل فقد» [كذا].(1/515)
ففى البيت الأول ثلاثة أمثال، فى أحدها احتياج، وفى البيت الثانى ثلاثة أمثال، لا احتياج فيها، على حذو ما أتى به ضابئ.
ولم أر بيتا فيه أربعة أمثال كلّ واحد منها قائم / بنفسه إلا قليلا، أنشد الأصمعى (1): [البسيط]
فالهمّ فضل، وطول العيش منقطع ... والرّزق آت، وروح الله منتظر (2)
وقال أبو الطيب، وحكم عليه الوزن أيضا (3): [الكامل]
والمرء يأمل، والحياة شهيّة ... والشيب أوقر، والشبيبة أنزق
فأتى بمثلين فى كل قسيم.
وصنعت أنا (4): [البسيط]
كلّ إلى أجل، والدّهر ذو دول ... والحرص مخيبة، والرّزق مقسوم
وأقل من ذلك ما كان فيه خمسة أمثال، ولا أعرف منه فى حفظى إلا بيتا واحدا للقزاز السنّاط (5) فى بسط قصيدة مدح بها الأمير تميم (6) بن معد، وهو قوله (7): [الكامل]
خاطر تفد وارتد تجد واكرم تسد ... وانقد تقد واصغر تعدّ الأكبرا
وأما ما فيه ستة فإنى صنعت (8): [الطويل]
خذ العفو وأب الذّمّ واجتنب الأذى ... وأغض تسد وارفق تنل واسخ تحمد (9)
__________
(1) لم أعثر على البيت فيما تحت يدى من مصادر، ولكن ابن الأثير أورده فى كفاية الطالب 188
(2) فى كفاية الطالب: «ورزق الله منتظر».
(3) ديوان المتنبى 2/ 336
(4) ديوان ابن رشيق 168
(5) لم أعثر عليه فى جميع الكتب التى تتحدث عن المغرب والأندلس.
(6) فى ف: «تميم بن معد المعز»، وفى م: «تميم بن المعز معد»، وكتب «المعز» بين معقوفين.
(7) كفاية الطالب 188، وذكر المؤلف أن قائله «القزاز» دون «السناط».
(8) ديوان ابن رشيق 65
(9) فى الديوان والمطبوعتين والمغربيتين «وأب الضيم»، ولم يرجع محقق الديوان إلا إلى العمدة المطبوع، ولو رجع إلى أى مخطوط لذكر الفرق.(1/516)
ومن (1) الأمثال أيضا كلمات سارت على وجه الدهر، كقولهم:
«تسمع بالمعيدىّ لا أن تراه» (2)، يضرب مثلا للذى رؤيته دون السماع به، وفى كل ما جرى هذا المجرى.
وكذلك قولهم: «على أهلها دلّت براقش (3)»، يضرب مثلا للرجل يهلك قومه بسببه.
وأما قولهم فى تفسير ما يقع فى الشعر من جنس قول الحطيئة (4):
[البسيط]
شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا (5)
هو مثل، فإنما ذلك مجاز، أرادوا التمثيل.
وهذه الأشياء فى الشعر / إنما هى نبذ تستحسن، ونكت تستطرف (6)، مع القلّة، وفى الندرة، فأما إذا كثرت فهى دالّة على الكلفة، فلا يجب للشعر أن يكون مثلا كله وحكمة، كشعر صالح بن عبد القدوس فقد قعد به عن
__________
(1) نقل ابن الأثير هذا القول بنصه تقريبا فى كفاية الطالب 189
(2) انظره فى كتاب الأمثال 97، والفاخر 65، وفصل المقال 135، ومجمع الأمثال 1/ 227، وجمهرة الأمثال 1/ 266، وفى ف والمطبوعتين: «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه»، وما فى ص والمغربيتين يوافق الفاخر وجمهرة الأمثال، وأشار إليها صاحب فصل المقال كنوع من الترجيح على ما جاء فى كتاب الأمثال.
(3) انظره فى كتاب الأمثال 333، وفصل المقال 459، وجمهرة الأمثال 2/ 52، ومجمع الأمثال 2/ 337، وفى الجميع ما عدا مجمع الأمثال: «على أهلها دلت براقش»، وفى مجمع الأمثال: «على أهلها تجنى براقش».
وفى المطبوعتين والمغربيتين: «جنت براقش».
(4) ديوان الحطيئة 15والمذكور عجز بيت وصدره: «قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم».
(5) العناج: حبل يشدّ أسفل الدلو إذا كانت ثقيلة، ثم يشد إلى العراقى. والكرب: عقد الرشاء الذى يشدّ على العراقى، والعراقى: العودان المصلبان اللذان تشدّ إليهما الأوذام، والأوذام هى السيور التى بين آذان الدلو وأطراف العرقى.
أراد: أنهم إذا عقدوا لجارهم عقدا أحكموه. [من الديوان].
(6) فى ف والمطبوعتين: «تستظرف» بالظاء المعجمة، وما فى ص يوافق المغربيتين.(1/517)
أصحابه، وهو يقدمهم فى الصناعة لإكثاره من ذلك، ونصّ (1) عليه العلماء فى كتبهم (2)
وكذلك لا يجب أن يكون استعارة وبديعا، كشعر أبى تمام، فقد رأيت ما صنع به ابن المعتز (3)، وكيف قال فيه ابن قتيبة (4)، وما ألّف عليه المتعقّبون كالجرجانى (5)، وأبى القاسم (6) بن بشر الآمدى، وغيرهما.
وإنما هرب الحذّاق عن هذه الأشياء لما تدعو إليه من التكلّف، لا سيما إن كان فى الطبع أيسر شئ من الضعف والتخلف.
وأشدّ ما تكلّفه الشاعر صعوبة التشبيه لما يحتاج إليه من شاهد العقل، واقتضاء العيان.
ولا ينبغى (7) للشعر أيضا أن يكون خاليا مغسولا (8) من هذه الحلىّ (9)
فارغا، ككثير من شعر أشجع، وأشباهه من هؤلاء المطبوعين جملة.
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وما نص»، وفى ف: «ونص على العلماء».
(2) انظر ما قاله الجاحظ فى ذلك فى البيان والتبيين 1/ 206، ومقدمة بديع ابن المعتز 1
(3) يقول ابن المعتز فى مقدمة البديع 1: «ثم إن حبيب بن أوس الطائى من بعدهم شعف به حتى غلب عليه، وتفرع فيه، وأكثر منه، فأحسن فى بعض ذلك، وأساء فى بعض، وتلك عقبى الإفراط، وثمرة الإسراف».
(4) لم أعثر على قول لابن قتيبة فى ذم شعر أبى تمام، إلا أنه قال فى الشعر والشعراء 2/ 832، فى أثناء الحديث عن صريع الغوانى: «وهو أول من ألطف المعانى، ورقق فى القول، وعليه يعول الطائى فى ذلك وعلى أبى نواس».
(5) قال القاضى الجرجانى كلاما كثيرا فى التنديد بأبى تمام يمكن الرجوع إليه فى الوساطة وبخاصة من 8165
(6) كتاب الموازنة للآمدى يعتبر كله، أوجلّه، تنديدا بشعر أبى تمام، والانتصار للبحترى.
وسقط من ص قوله: «أبى القاسم» و «الآمدى»، بمعنى أن الذى فيه: «كالجرجانى وابن بشر وغيرهما».
(7) فى ف: «ولا ينبغى أيضا أن يكون خاليا»، وفى المطبوعتين: «ولا ينبغى للشعر أن يكون أيضا».
(8) الشعر المغسول: هو الخالى من معنى ولفظ، وانظره فى الحديث عن أشجع فى الموشح 452
(9) هى بهذه الصورة تكون جمعا لكلمة «الحلى»، فأما إن كانت جمع «حلية» فإنها تكون «حلى» و «حلى» [انظر: اللسان].(1/518)
مع أنه لا بد لكل شاعر من طريقة تغلب عليه، فينقاد إليها طبعه، ويسهل عليه تناولها، كأبى نواس فى الخمر، وأبى تمام فى الخبر (1) والتصنيع، والبحترىّ فى الطيف، وابن المعتز فى التشبيه، وديك الجن فى المراثى، والصنوبرىّ فى ذكر النور والطير، وأبى الطيب فى الأمثال، وذمّ / الزمان وأهله.
وأما ابن الرومى فأولى الناس باسم الشاعر (2) لكثرة اختراعه، وحسن افتنانه، وقد غلب عليه الهجاء، حتى شهر به، فصار يقال: «أهجى من ابن الرومى»، ومن أكثر من شئ عرف به، وليس هجاء ابن الرومى بأجود من مدحه، ولا أكثر، ولكن قليل الشر كثير (3).
* * * __________
(1) قوله: «فى الخبر» ساقط من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «باسم شاعر».
(3) فى ص كتب فى الهامش: «انظر قليل الشر كثير جعلنا قرامل الجنب» [كذا].(1/519)
باب التشبيه (8)
التشبيه (1) صفة الشئ بما قاربه وشاكله، من جهة / واحدة، أو جهات كثيرة، لا من جميع جهاته لأنه لو ناسبه مناسبة كليّة لكان إياه، ألا ترى أن قولهم: «خدّ كالورد» إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه، وخضرة كمامه (2)، وكذلك قولهم: «فلان كالبحر، وكالليث»، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما، وكالليث شجاعة وقدما (3)، وليس (4) يريدون ملوحة البحر وزعوقته (5)، ولا شتامة (6) الليث وزهومته (7).
فوقوع التشبيه إنما هو أبدا على الأعراض، لا على الجواهر لأن الجواهر فى الأصل كلها واحد، اختلفت أنواعها أو اتفقت، فقد يشبهون الشئ بسميّه ونظيره من غير جنسه، كقولهم: «عين كعين المهاة»، و «جيد كجيد الرّيم»، فاسم العين واقع على هذه الجارحة من الإنسان والمهاة، واسم الجيد واقع على هذا
__________
(8) انظر بديع ابن المعتز 68، نقد الشعر 118108، وحلية المحاضرة 1/ 170، والصناعتين 239، وأسرار البلاغة 70، والنكت فى إعجاز القرآن 80، وتحرير التحبير 159، ومعاهد التنصيص 2/ 4، ونهاية الأرب 7/ 38، وكفاية الطالب 191ونضرة الإغريض 150
(1) انظر هذا القول وما بعده بنصه تقريبا فى كفاية الطالب 191
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «كمائمه»، وهو خطأ لأن هذا جمع «كمامة» وهو ما يوضع على أنف الدابة، أما ما فى ص فهو خاص بالنبات، وهم جمع «كم» و «كمامة» وهو وعاء الطلع وغطاء النور فيكون جمعه «كمام» أو «أكمّه» أو «أكمام». [انظر اللسان].
(3) القدم بضمتين، أو بضم فسكون هو الذى يقتحم الأمور والأشياء، يتقدم الناس ويمشى فى الحروب قدما، أو بمعنى الشجاع وكذلك رجل قدم بفتحتين بمعنى الشجاع. أما قدم بفتح فسكون فبمعنى الشرف القديم. [انظر اللسان]
وفى ف والمطبوعتين فقط: «وقرما»، ولا يناسب السياق لأن القرم هو الفحل الذى يترك من الركوب والعمل، وكذلك القرم من الرجال السيد العظيم، والقرم: فحل الإبل، وكل ذلك لا يناسب الأسد.
(4) فى ف: «وليسوا».
(5) الزعوقة من الزعاق: وهو الماء المرّ الغليظ الذى لا يطاق شربه من أجوجته. انظر اللسان فى [زعق].
(6) الشّتامة بضم الشين وفتحها: قبح الوجه وشدة الخلق، ومثله الشتيم. انظر اللسان فى [شتم].
(7) الزهومة: الريح المنتنة، وريح لحم سمين منتن. [انظر اللسان فى [زهم].(1/520)
العضو من الإنسان والريم، والكاف للمقاربة، وإنما يريدون أن هذه العين لكثرة سوادها قاربت أن تكون سوادا (1) كلها كعين المهاة، وأن هذا الجيد لانتصابه وطوله كجيد الريم، ألا ترى أن الأصمعى سئل عن الحور فقال: أن تكون العين سوداء كلها كعيون الظباء، والبقر، ولا حور فى الإنسان، هذا أحد أقوال الأصمعى فى الحور، ويدلّك به (2) على أن التشبيه إنما هو بالمقاربة كما قلنا.
والتشبيه والاستعارة جميعا يخرجان الأغمض إلى الأوضح، ويقربان البعيد، كما شرط الرمانى فى كتابه (3)، وهما عنده فى باب الاختصار، قال (4): واعلم أن التشبيه على ضربين: تشبيه حسن، وتشبيه قبيح، فالتشبيه الحسن هو الذى يخرج الأغمض إلى الأوضح فيفيد بيانا، والتشبيه القبيح ما كان على خلاف ذلك، قال: وشرح ذلك أن / ما تقع عليه الحاسّة أوضح فى الجملة مما لا تقع عليه الحاسّة، والمشاهد أوضح من الغائب، فالأول فى العقل أوضح من الثانى، والثالث أوضح من الرابع، وما يدركه الإنسان من نفسه أوضح مما يعرفه من غيره، والقريب أوضح من البعيد فى الجملة، وما قد ألف أوضح مما لم يؤلف.
ثم عاب (5) على بعض شعراء عصره (6): [الخفيف]
صدغه ضدّ خدّه مثل ما الوع ... د إذا ما اعتبرت ضدّ الوعيد
__________
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «سوداء».
(2) سقطت «به» من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(3) انظر النكت فى إعجاز القرآن ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن 81فى التشبيه و 86فى الاستعارة.
(4) هذا القول والذى بعده ليس بنصه فى النكت فى إعجاز القرآن، وإن كانت فيه جمل مما جاء فى العمدة، فإما أن يكون ابن رشيق يروى قول الرمانى بالمعنى، أو أن تكون عنده نسخة غير التى بين أيدينا، أو يكون نقل من كتب أخرى للرمانى. انظر النكت 8580، وانظر هامش 166، حيث علق المحقق على بعض نقول ابن رشيق عن الرمانى فقال: «ينقل ابن رشيق عن الرمانى فى غير موضع من كتابه، ويبدو أن بعض هذا النقل من كتب أخرى للرمانى غير النكت»، ومثل هذا فى 195
(5) لم أجد هذا فى النكت. انظر التعليق السابق، وجاء ذكر هذا العيب بشاهديه فى كفاية الطالب 196دون نسبة.
(6) فى ف فقط: «شعراء عصره قوله».(1/521)
من قبل أنه شبّه الأوضح بالأغمض، وما تقع عليه الحاسة بما لا تقع عليه الحاسة (1)، وكذلك / قوله: [الخفيف]
وله غرّة كلون وصال ... فوقها طرّة كلون الصّدود (2)
وقال (3) فى موضع آخر: التشبيه على ضربين، والأصل واحد، فأحدهما: التقدير، والآخر: التحقيق، فالذى يأتى على التقدير التشبيه من وجه دون وجه، والذى يأتى على التحقيق التشبيه على الإطلاق، وهو التشبيه بالنفس، مثل تشبيه الغراب بالغراب، وحجر الذهب بحجر الذهب، إذا كان مثله سواء، وحمرة الشقائق بحمرة الشقائق.
قال أبو على صاحب (4) الكتاب: أمّا ما شرط فى التشبيه فهو الحق الذى لا يدفع، إلا (5) أنه قد جار على الشاعر فيما أخذ عليه إذ (6) كان قصد الشاعر أن يشبه ما يقوم فى النفس دليله بأكثر مما هو عليه فى الحقيقة، كأنه أراد المبالغة.
ولعله يقول أو يقول المحتجّ له: معرفة النفس والمعقول أعظم من إدراك الحاسة، لا سيما وقد جاء مثل هذا فى القرآن، وفى الشعر الفصيح، قال (7) الله جل وعز: {طَلْعُهََا كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّيََاطِينِ}، [سورة الصافات: 65] فقال (8)
قوم: إن شجر (9) الصّوم (10) وهو / الأستن له صورة منكرة، وثمرة قبيحة
__________
(1) سقطت كلمة «الحاسة» من ف والمطبوعتين، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) فى ص: «فوقه طرة»، وفى ف والمطبوعتين فقط: «كلون صدود»، وفى كفاية الطالب: «تحتها طرة كلون الصدود».
(3) هذا القول لا يوجد بنصه فى النكت، وإنما يوجد ما يؤدى معناه، انظر النكت 80و 81، وقد سبق توضيح السبب فى الاختلاف.
(4) فى ف والمطبوعتين: «قال صاحب الكتاب».
(5) فى م: «لا أنه» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «قد حمل على الشاعر».
(6) فى ص: «لو كان».
(7) فى ف: «قال الله تعالى»، وفى المطبوعتين: «قال الله عز وجل».
(8) انظر ما قيل عن الآية فى تأويل مشكل القرآن 70و 388والكامل 3/ 93و 94
(9) فى المطبوعتين ومغربية: «إن شجرة الزقوم وهى لها صورة».
(10) فى اللسان: «صام الرجل إذا تظلل بالصوم، وهو شجر والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جدا، يقال لثمره رءوس الشياطين، يعنى بالشياطين: الحيات». وفى جمهرة اللغة 2/ 899: «والصوم ضرب من الشجر» وفى القاموس: «الصوم: شجرة كريهة المنظر».(1/522)
يقال لها: رءوس الشياطين. وقال قوم: الشياطين الحيّات فى غير (1) هذا المكان.
والأجود الأعرف أنه شبه بما لا يشكّ أنه منكر قبيح لما جعل الله عز وجل فى قلوب الإنس من بشاعة صور الجن والشياطين، وإن لم يروها عيانا، فخوّفنا الله تعالى بما أعدّ للعقوبة، وشبهه بما نخاف أن نراه.
وقال امرؤ القيس (2): [الطويل]
أيقتلنى والمشرفىّ مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟
فشبه نصال النبل بأنياب الأغوال لما فى النفس منها (3).
وعلى هذا التأويل قال أبو تمام، وفيه عكس (4): [الطويل]
وأحسن من نور تفتّحه الصّبا ... بياض العطايا فى سواد المطالب (5)
وقال أعرابى قديم (6): [البسيط]
يزمّلون حديث الضّغن بينهم ... والضّغن أسود أو فى وجهه كلف (7)
فوصفه بما يتصوّر، ويقوم فى النفس، كأنه يقول: لو كان صورة لكان هكذا.
__________
وفى القاموس: «الأستن والأستان: أصول الشجر البالية، واحدتها أستنة، أو الأستن: شجر يفشو فى منابته، فإذا نظر إليه شبهه بشخوص الناس». وفى جمهرة اللغة 1/ 399: «والأستن: ضرب من الشجر».
(1) قوله: «فى غير هذا المكان» ساقط من ص وف.
(2) ديوان امرىء القيس 33وانظر فى شرحه الاستشهاد بالآية السابقة.
(3) انظر التعليق ذاته فى كفاية الطالب 196
(4) ديوان أبى تمام 1/ 205وانظر ما قيل عن البيت فى الموازنة 1/ 118و 3/ 1/ 125و 126
(5) فى ف: «تفتقه الصبا»، وأشير إلى هذه الرواية فى هامش المطبوعتين، إذ فى أصلهما:
«يفتحه الندى». وما فى ص يوافق الديوان.
(6) البيت أول بيتين فى عيون الأخبار 3/ 110، وثانى ثلاثة أبيات فى الأمالى 3/ 219، وجاء منفردا فى اللسان فى [زمل] وجاء فيه فى [جنن] دون نسبة فى الجميع.
(7) فى عيون الأخبار والأمالى واللسان فى [جنن]: «يزملون جنين»، وفى اللسان [فى زمل]: «يزملون حنين»، وفى عيون الأخبار: «والضغن أشوه». ويزمل: يخفى. الكلف:
شىء يعلو الوجه كالسمسم، وهو لون يعلو الجلد فيغير بشرته، وهو ما يقرب من النمش.(1/523)
وقال بعض المولّدين (1): [الكامل]
وتدير عينا فى صفيحة فضّة ... كسواد يأس فى بياض رجاء
فاليأس على الحقيقة غير أسود لأنه لا يدرك بالعيان، لكن صورته فى المعقول، وتمثيله كذلك مجازا، والرجاء أيضا على هذا التقدير فى البياض.
وقد يقول المحتجّ الأول: إن هذا داخل فى باب الاستطراد، كأن الشاعر لم يقصد الإخبار عن الغرّة والطرّة وشبههما، لكن عن الوصال والصدود، وعكس التشبيه ثقة بأن ما أشبه شيئا من جهة فقد أشبهه الآخر من تلك الجهة.
فأما قول ابن المعتز يصف شرب حمار (2): [الطويل]
/ / وأقبل نحو الماء يستلّ صفوه ... كما أغمدت أيدى الصّياقل منصلا (3)
فإنه بديع، شبّه (4) انسياب الماء فى شدقيه إلى حلقه بمنصل يغمد، وهذا تشبيه مليح، يدرك بالحس، ويتمثل فى المعقول.
وكرر هذا التشبيه، فقال يذكر إبل سفر (5): [الطويل]
وأغمدن فى الأعناق أسياف لجّة ... مصقّلة تفرى بهنّ المفاوز (6)
وزعم (7) قدامة أن أفضل التشبيه ما وقع بين شيئين اشتراكهما فى الصفات أكثر من انفرادهما حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد.
وأنشد (8) فى ذلك، وهو عنده أفضل التشبيه كافة (9):
__________
(1) لم أعرف القائل ولم أعثر على البيت فيما تحت يدى من المصادر.
(2) ديوان ابن المعتز 2/ 95، وانظر فيه كفاية الطالب 196، مع التعليق عليه.
(3) فى الديوان: «فلما وردن الماء واستل».
والمنصل: السيف، وليس هناك اسم على هذا الوزن إلا المنصل والمنخل [انظر اللسان].
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يشبه».
(5) ديوان ابن المعتز 2/ 345، وانظره فى كفاية الطالب 196
(6) فى الديوان: «فأغمدن».
(7) نقد الشعر 109، وانظر كفاية الطالب 192
(8) نقد الشعر 113، وانظر كفاية الطالب 192
(9) البيت لامرىء القيس، وهو فى ديوانه 21، وانظر ما قيل عن البيت فى البيان والتبيين 4/ 53، والحيوان 3/ 53، والشعر والشعراء 1/ 134. وانظره مرة أخرى فى ص 479(1/524)
[الطويل]
له أيطلا ظبى، وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفل
وهذا تشبيه أعضاء بأعضاء هى هى بعينها، وأفعال بأفعال هى هى (1)
بعينها، إلا أنها من حيوان مختلف كما قدمت، والأمر كما قال فى قرب التشبيه، إلا أن فضل الشاعر فيه غير كبير حينئذ لأنه كتشبيه نفس الشئ المشبّه الذى ذكره الرمانى فى تشبيه الحقيقة.
وإنما حسن التشبيه أن يقرب بين البعيدين حتى يصير (2) بينهما مناسبة واشتراك، كما قال الأشجعى (3): [الطويل]
كأنّ أزيز الكير إرزام شخبها ... إذا امتاحها فى محلب الحىّ مائح (4)
فشبه ضرع العنز بالكير، وصوت الحلب بأزيزه، فقرّب بين الأشياء البعيدة بتشبيهه حتى تناسبت.
__________
الأيطل: الخاصرة. والإرخاء: ضرب من العدو دون التقريب. والسّرحان: الذئب. والتتفل: ولد الثعلب، وإنما أراد الثعلب.
(1) فى المطبوعتين والمغربيتين: «هى هى أيضا بعينها».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «حتى تصير»، وكلاهما صحيح.
(3) هو يزيد بن عبيد ويقال: يزيد بن حميمة بن عبيد بن عقيلة ابن أشجع، ويلقب جبهاء، أو جبيهاء، وهو شاعر بدوى من مخاليف الحجاز، نشأ وتوفى فى أيام بنى أمية، وليس ممن انتجع الخلفاء بشعره، وهو مقل، وليس من معدودى الفحول.
الأغانى 18/ 94، والمؤتلف والمختلف 104وفيه اسمه جبهاء بن حميمة بن يزيد، وسمط اللآلى 2/ 640
(4) البيت فى نقد الشعر 110، وفيه: «كأن أجيج الكير»، وفى المفضليات 168، وفيه: «كأن أجيح النار»، وفى المؤتلف والمختلف 106، وفيه: «إذا امتاحه» وفى كفاية الطالب 191
والأزيز: الصوت. والكير: آلة نفخ النار عند الحداد. والإرزام: الصوت. والشخب: ما يخرج من اللبن من الضرع. وامتاحها: حلبها. ومائح: الذى ينزل إلى قرار البئر إذا قل ماؤها.
وفى جميع النسخ وكفاية الطالب: «فى محلب الحى ماتح»، واعتمدت ما فى المصادر المذكورة سابقا.(1/525)
ولو أن (1) الوجه ما قال قدامة لكان الصواب أن يشبه الأشجعى ضرع عنزه بضرع بقرة، أو خلف ناقة لأنه إنما أراد كبره، وكثرة ما فيه من اللبن، وكان يعدّى (2) عن ذكر الكير وأزيزه الذى دلّ به على أعظم ما يكون من صفات (3) كبر الضرع، وكثرة لبنه.
وسبيل التشبيه إذا كانت فائدته إنما هى تقريب المشبّه من فهم السامع، وإيضاحه له أن تشبه الأدون بالأعلى إذا أردت مدحه، وتشبّه الأعلى بالأدون (4) إذا أردت ذمه، فتقول فى المدح: تراب كالمسك، وحصى كالياقوت، وما أشبه ذلك، فإذا أردت الذّم قلت: مسك كالسّكّ (5)، أو التراب، وياقوت كالزّجاج، أو كالحصى لأن المراد فى التشبيه ما قدمته من تقريب الصفة، وإفهام السامع، وإن كان ما شابه الشئ من جهة فقد شابهه الآخر منها، إلا أن المتعارف وموضوع التشبيه ما ذكرت.
وأصل التشبيه مع دخول الكاف، أو مثل (6)، أو كأن، وما شاكلها، شئ بشئ فى بيت واحد، إلى أن صنع امرؤ القيس فى صفة عقاب (7):
[الطويل]
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالى
فشبه شيئين بشيئين فى بيت واحد.
__________
(1) فى المطبوعتين: «ولو كان»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(2) فى المطبوعتين: «وكان يعدل»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين.
(3) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «من صفة».
(4) فى ص والمغربيتين: «بالدون».
(5) السّكّ: إلقاء النعام ما فى بطنه، أو السلح الرقيق وهو ما يطلق عليه الإسهال [انظر اللسان].
(6) فى المطبوعتين فقط: «وأمثالها».
(7) ديوان امرىء القيس 38، وانظر ما قيل عن البيت فى الشعر والشعراء 1/ 134، وعيون الأخبار 2/ 187، والكامل 3/ 32، والصناعتين 250و 251، وحلية المحاضرة 1/ 170، ومعاهد التنصيص 2/ 80، وكفاية الطالب 192، وقد سبق البيت فى المخترع والبديع ص 421.(1/526)
واتبعه الشعراء فى ذلك، فقال لبيد بن ربيعة (1): [الكامل]
/ وجلا السّيول عن الطلول كأنّها ... زبر تجدّ متونها أقلامها
فشبه الطلول بالزّبر، والسيول بالأقلام، بل زاد فشبه جلاء هذه عن هذه بتجديد تلك لتلك.
وحكى عن بشار أنه قال (2): ما قرّ بى القرار مذ سمعت قول امرئ القيس: [الطويل]
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا
حتى صنعت (3): [الطويل]
كأنّ مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (4)
فإن كان مراده الترتيب فصدق، ولم يقع بعد بيت امرئ القيس / فى ترتيبه كبيته، وإن كان المراد تشبيهين فى بيت فقد قال الطرماح فى صفة ثور وحشىّ (5): [الكامل]
يبدو وتضمره البلاد كأنّه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد
وهذا نهاية فى الجودة.
__________
(1) ديوان لبيد 299وانظر كفاية الطالب 192و 193والزّبر جمع مفرده زبور بمعنى الكتاب.
(2) انظر هذا القول فى الأغانى 3/ 196وحلية المحاضرة 1/ 170، وسر الفصاحة 239وخزانة ابن حجة 1/ 415
(3) ديوان بشار 1/ 335، وانظر ما قيل عنه فى حسن التشبيه فى الحيوان 3/ 127، وعيون الأخبار 2/ 190، والشعر والشعراء 2/ 759، والفاضل 45، والموازنة 3/ 1/ 285و 286، والأغانى 3/ 142والصناعتين 250، وحلية المحاضرة 1/ 170، وإعجاز القرآن 72، ودلائل الإعجاز 96 و 411و 536و 602، وكفاية الطالب 193والمنزع البديع 230
(4) فى ف وأغلب المصادر السابقة: «فوق رءوسهم»، وانظر ما قيل عن هذه الرواية فى هامش الديوان.
(5) انظر البيت وما قيل عنه فى الشعر والشعراء 1/ 171، و 2/ 590، وعيون الأخبار 2/ 189، وكتاب المعانى الكبير 2/ 733، وديوان المعانى 2/ 131، والصناعتين 85و 253، وزهر الآداب 2/ 700، وحلية المحاضرة 1/ 173، والأغانى 12/ 42، وسر الفصاحة 240، وكفاية الطالب 193، وعثرت على ديوان الطرماح بآخرة فوجدته فيه 146فلم أحذف التحريج.(1/527)
وأما قول من قال فى بيت الحارث بن حلزة (1): [الكامل]
وحسبت وقع سيوفنا برءوسهم ... وقع السّحابة بالطراف المشرج
إن فيه تشبيهين من جهة الكثرة والحسّ، أو السرعة والحسّ فمحتمل، إلا أن الشاعر لم يصرّح إلا بالوقع خاصة، يريد بذلك الحس وحده فى ظاهر الأمر، ولذلك خصّ الطراف لكونه من الأدم، فصوت القطر عليه أشدّ منه على غيره من سائر البيوت.
وقال بشار أيضا (2): [الطويل]
خلقنا سماء فوقهم بنجومها ... سيوفا ونقعا يقبض الطرف أقتما
وقال، فشبه شيئين مختلفين بشيئين من جنس واحد (3):
[البسيط]
من كلّ مشتهر فى كفّ مشتهر ... كأنّ غرّته والسّيف نجمان
وربما شبهوا شيئا بشيئين كقول القطامى (4): [البسيط]
فهنّ كالخلل الموشىّ ظاهرها ... أو كالكتاب الّذى قد مسّه البلل
وربما شبهوا بثلاثة أشياء، كما قال البحترى (5): [السريع]
كأنّما يبسم عن لؤلؤ ... منضّد أو برد أو أقاح (6)
__________
(1) البيت فى كتاب المعانى الكبير 2/ 980، وفيه: «وسمعت»، والمفضليات 256، وفيهما: «وقع السحاب على الطراف».
الطراف: بيت من أدم، أى جلد. المشرج: المنصوب المبنى [من المعانى الكبير] وفيه: شبه وقع السيوف برءوسهم بوقع المطر على الطراف، وهو بيت من أدم مشرج منصوب مبنى.
(2) ديوان بشار 4/ 185، وفيه: «أسماء قوقنا».
(3) ديوان بشار 4/ 247، نقلا عن العمدة والشريشى. وانظر ما قيل عنه فى الحلية 1/ 170
(4) ديوان القطامى 24
والخلل جمع خلة: وهى النقش الذى يكون على جفن السيف.
(5) ديوان البحترى 1/ 435، وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 1/ 106وفى المصون فى الأدب 78 و 79والمنزع البديع 226وفى معاهد التنصيص 2/ 88
(6) فى المطبوعتين ومغربية: «عن لؤلؤ منظم»، وما فى ص وف يوافق المصون ومعاهد التنصيص، وهو ما نحفظه، وفى الديوان والموازنة: «كأنما يضحك عن لؤلؤ منظم». وفى المصون: «كأنما يضحك».(1/528)
فقول الشاعر: «أو» زيادة تشبيه، وإن لم يصح من جميع المشبه بها، إلا شئ واحد من جهة الحكم فى «أو». ومن الناس من يرويه:
كأنّما يبسم عن لؤلؤ ... أو فضّة أو برد أو أقاح (1)
وهى زعموا رواية أكثر أهل الأندلس والمغرب، فيكون حينئذ الثّغر مشبها بأربعة أشياء.
وقد (2) تقدمه أبو تمام، فقال (3): [الخفيف]
وثناياك إنّها إغريض ... ولآل توم وبرق وميض
/ فشبهها بثلاثة أشياء حقيقة لأن حكم «الواو» غير حكم «أو»، لا سيما وقد أتى التشبيه بغير كاف، ولا شئ من أخواتها، فجاء كأنه إيجاب وتحقيق.
ثم (4) كثر تشبيههم شيئين بشيئين، حتى لم يصر عجيبا.
وقد جاءوا بتشبيه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء فى بيت واحد، بالكاف، وبغير كاف، فقال مرقّش (5): [السريع]
النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكفّ عنم
__________
(1) سقط من ص وف مطلع البيت وهو قوله: «كأنما يبسم» وذكر باقيه، وانظر هذه الرواية فى هامش الديوان نقلا عن العمدة.
(2) فى م: «وقد تقدم».
(3) ديوان أبى تمام 2/ 287وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 2/ 64و 105
والإغريض: الطلع، وقيل: إن البرد يسمى إغريضا. والتومة: اللؤلؤة العظيمة.
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وكثر».
(5) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 73و 213، ويعترض ابن قتيبة على الأصمعى فى اختياره هذا الشعر رغم اضطراب وزنه، والبيت فى معجم الشعراء 4، والمفضليات 238، وجاء فى العقد الفريد 5/ 489دون نسبة، وجاء بنسبته فى الصناعتين 249، وكفاية الطالب 194، وانظر ما قيل عن البيت والقصيدة فى معاهد التنصيص 2/ 81، وقد سبق الاستشهاد بجزء من البيت فى باب القوافى فى ص 275فانظر ما قيل عنه هناك.(1/529)
وقال ابن الرومى (1): [المنسرح]
كأنّ تلك الدّموع قطر ندى ... يقطر من نرجس على ورد
وقال أيضا، وقد (2) يدخل فى باب قول مرقّش (3):
[الكامل]
إن أقبلت فالبدر لاح، وإن مشت ... فالغصن ماد، وإن رنت فالرّيم
وقال (4) عبد الله بن المعتز بالله (5): [المجتث]
بدر وليل وغصن ... وجه وشعر وقدّ (6)
خمر ودر وورد ... ريق وثغر وخدّ (7)
وقال صاحب الكتاب (8): [الطويل]
كأنّ ثناياه أقاح وخدّه ... شقيق وعينيه بقيّة نرجس
وقال أيضا على جهة التفسير (9): [الخفيف]
بكؤوس حكين من شفّ قلبى ... شفة لم تذق وثغرا وريقا
يريد حافّة الكأس، والحباب، والخمر.
ثم أتوا بتشبيه أربعة أشياء (10) بأربعة، بالكاف أيضا، وبغيرها (11)،
__________
(1) ديوان ابن الرومى 2/ 767، وانظره فى كفاية الطالب 193
(2) سقطت «قد» من المطبوعتين.
(3) ديوان ابن الرومى 6/ 2397، وفيه: «فالغصن راح».
(4) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وقال ابن المعتز».
(5) لم أجد البيتين فى ديوان ابن المعتز، ولكنهما ينسبان فى من غاب عنه المطرب 139، وأمالى المرتضى 2/ 130إلى ابن المعتز، وكذلك فى كفاية الطالب 194، وينسبان إلى ابن المعلى فى تحرير التحبير 163، وجاءا دون نسبة فى الطراز 1/ 291
(6) فى من غاب عنه المطرب وتحرير التحبير والطراز:
ليل وبدر وغصن ... شعر ووجه وقدّ
(7) فى أمالى المرتضى: «خمر وورد ودرّ».
(8) ديوان ابن رشيق 94
(9) ديوان ابن رشيق 122
(10) سقطت كلمة: «أشياء» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(11) فى ف: «وبغير الكاف»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وبغير كاف».(1/530)
فقال امرؤ القيس، وهو أول من فتح هذا الباب (1): [الطويل]
له أيطلا ظبى، وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفل
فجاء بتشبيه إضافة كما ترى، حتى جعله تحقيقا لولا مفهوم الخطاب.
وقال أبو الطيب (2): [الوافر]
بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا
فجاء بالتشبيه على إسقاط الكاف.
وقال أيضا (3): [البسيط]
ترنو إلىّ بعين الظّبى مجهشة ... وتمسح الطلّ فوق الورد بالعنم
فشبه فى القسيم الأول عينها بعين الظبى، وشبه فى القسيم الآخر ثلاثة بثلاثة.
وقد تقدم أبو نواس فقال (4): [السريع]
يبكى فيذرى الدّرّ من نرجس ... ويلطم الورد بعنّاب
/ وهو مليح جدا.
وسئل ابن مناذر: من أشعر الناس؟ قال الذى يقول: [السريع]
يا قمرا أبصرت فى مأتم ... يندب شجوا بين أتراب (5)
يبكى فيذرى الدّرّ من نرجس ... ويلطم الورد بعنّاب
هذا أشعر الجن والإنس.
__________
(1) ديوان امرئ القيس 21، وقد سبق ذكر البيت ص 472و 473.
(2) ديوان المتنبى 3/ 224، والخوط: القضيب. وانظره فى المعاهد 2/ 83فى التشبيه المفروق.
(3) ديوان المتنبى 4/ 37، والعنم: دود أحمر يكون فى الرمل، وقيل: هو نبت فى الرمل أحمر.
(4) ديوان أبى نواس 242، وانظر ما قيل عنه فى من غاب عنه المطرب 140و 141، ونثر النظم 161، ونهاية الأرب 2/ 94، والصناعتين 251، وبديع أسامة 75والطراز 1/ 291
(5) ديوان أبى نواس 242، وفيه: «يا قمرا أبرزه مأتم»، وكذلك فى نهاية الأرب 2/ 94، وما هنا يوافق من غاب عنه المطرب 141، ونثر النظم 161، ونهاية الأرب 2/ 226، وبديع أسامة 75(1/531)
وقد جاء بالشعر على سجيته أعنى أبا نواس وشاهد ذلك ظاهر فى لفظه، وإلا فهو قادر أن يجعل مكان «الدّرّ» «الطلّ» حتى يتناسب الكلام، لكنه لم يكن يؤثر التصنيع، ولا يراه فضيلة لما فيه من الكلفة، ومن الناس من يرويه كذلك، ومنهم من يرويه: «فيذرى الدّرّ من جفنه».
ومما شبه فيه أربعة بأربعة مع الكاف قول (1) ابن حاجب النعمان، وهو [على (2) بن] عبد العزيز وزير القادر بالله أبى العباس (3): [البسيط]
خدّ وثغر ونهد واختضاب يد ... كالورد والطلع والرّمّان والبلح (4)
وقال صاحب الكتاب (5): [المتقارب]
بفرع ووجه وقدّ وردف ... كليل وبدر وغصن وحقف
/ ومما وقع فيه تشبيه خمسة بخمسة قول أبى الفرج الوأواء (6)، وأتى به
__________
(1) فى ص والمطبوعتين ومغربية: «قول ابن حاجب وهو عبد العزيز وزير القادر بالله أبى العباس النعمان»، [كذا] وهو أسلوب ركيك، وفى ف ومغربية: «قول ابن حاجب النعمان» وإسقاط باقى الكلام، وهو أصح فى نظرى، ويكون الباقى فى رأيى من زيادة بعض القراء. انظر الهامش الآتى.
(2) هو على بن عبد العزيز بن إبراهيم بن بيان وفى معجم الأدباء [ط فريد] ابن بناء بن داود، يكنى أبا الحسن، كان يعرف هو وأبوه بابن حاجب النعمان، فقد كان جده حاجبا للنعمان بن أو أبى عبد الله الكاتب، وكان أبوه كاتبا لأبى محمد المهلبى وزير معز الدولة، وجاء فى معجم الأدباء [ط فريد]: «قد ذكرت معنى تسميتهم بحاجب النعمان فى ترجمة أبيه»، ثم لم تذكر فيه ترجمة لأبيه، وقد وجدتها فى معجم الأدباء 4/ 1567 [ط إحسان]، وكان على كاتبا للقادر بالله، وكان له لسان وعارضة وبلاغة. ت 421أو 423هـ.
تاريخ بغداد 12/ 31، والكامل فى التاريخ 9/ 128و 175، ومعجم الأدباء 14/ 35 [ط فريد]، وانظر ترجمة أبيه فى الفهرست 149وتاريخ بغداد 10/ 456ومعجم الأدباء 4/ 1806 [ط إحسان]. وقد زدت [على بن] بين معقوفين ليصح القول.
(3) البيت دون نسبة ثانى بيتين فى بديع ابن منقذ 73، وجاء مفردا فى معاهد التنصيص 2/ 275، والمنزع البديع 349دون نسبة فيهما، وفى هامش المنزع البديع قيل: «ابن الحاجب عبد العزيز»، نقلا عن العمدة.
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ثغر وخد كالطلع والورد»، وما فى ص يوافق المنزع البديع، وفى المعاهد: «واحمرار يد» وفى البديع: «والعناب والبلح».
(5) ديوان ابن رشيق 119
(6) هو محمد بن أحمد الغسانى الدمشقى، يكنى أبا الفرج، ويعرف بالوأواء، وهو شاعر حلو الألفاظ، فى معانيه رقة، كان مبدأ أمره مناديا بدار البطيخ فى دمشق ينادى على الفواكه، وما زال يشعر حتى جاد شعره، وسار كلامه. ت 385هـ.(1/532)
بغير آلة تشبيه (1): [البسيط]
فأسبلت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضّت على العنّاب بالبرد (2)
وقال أبو الفتح البستى (3) شاعر مصر (4) فى وقتنا هذا يصف شمعة (5): [البسيط]
قد شابهتنى فى لون وفى قضف ... وفى احتراق وفى دمع وفى سهر (6)
فقوله: «قد شابهتنى» أظهر مقدرة من المجئ بالكاف لأنه إنما استصعبوا ذلك مع الكاف وأخواتها من جهة ضيق الكلام بها، فهذا الذى أتى به البستى أشدّ ضيقا، ألا ترى أنه لو قال: «كأنها أنا» لكان هو الصواب، ويكون قد أتى ب «كأن» وضميرين بعدها فضلا عن الكاف.
__________
اليتيمة 1/ 288، والتمثيل والمحاضرة 436، ومن غاب عنه المطرب 36، والمحمدون من الشعراء 52، وفوات الوفيات 3/ 240، والوافى بالوفيات 2/ 53
(1) ديوان الوأواء 84، وانظر ما قيل عنه فى اليتيمة 1/ 291، ومن غاب عنه المطرب 141، والصناعتين 251، والطراز 1/ 292ونسب إلى عبد المحسن الصورى فى بديع أسامة 75
(2) فى ف والطراز: «فأمطرت لؤلؤا» وفى الديوان: «وأمطرت لؤلؤا»، وفى اليتيمة والصناعتين والبديع: «وأسبلت»، وفى من غاب عنه المطرب: «واستمطرت لؤلؤا».
(3) هو على بن محمد الكاتب البستى، يكنى أبا الفتح، كان كاتب الباتيور صاحب بست، فلما فتحها ناصر الدولة عمل له، وظل معه إلى أن نبذه إلى بلاد الترك، فمات غريبا فى بلدة أوزجن ببخارى سنة 400أو 401
اليتيمة 4/ 302، ومن غاب عنه المطرب 14، والبداية والنهاية 11/ 278، وطبقات الشافعية 4/ 4، والشذرات 3/ 159، ووفيات الأعيان 3/ 376، وسير أعلام النبلاء 17/ 147وما فيه من مصادر، والأنساب 2/ 226، ومعاهد التنصيص 3/ 212، وذكر فى مواضع كثيرة فى زهر الآداب والتمثيل والمحاضرة. وانظر ديوانه.
(4) لم أجد فيما تحت يدى من مصادر أن البستى حضر إلى مصر المحروسة، وقد ضبطت الكلمة بالجر وبالتنوين ليصح القول، وبدليل ما بعدها، ولعل القول: «شاعر عصر».
(5) لم أجده فى ديوان أبى الفتح البستى ولا فى ملحقاته، وهذا شىء عجيب وذلك لأن البيت له فى اليتيمة 1/ 445، وهى من مصادر محقق الديوان، بل إن البيت أول شىء فى الحديث عن البستى.
(6) القضف: النحافة، والدّقة. وفى ف: «قصف» بالصاد المهملة، وكذلك فى اليتيمة.
وهو تصحيف.(1/533)
ومنهم من يأتى بالتشبيه الواحد بغير كاف، كقول امرئ القيس (1):
[الطويل]
/ سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سموّ حباب الماء حالا على حال
وقوله أيضا (2): [الطويل]
إذا ما الثّريّا فى السّماء تعرّضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
يريد كسمو حباب الماء، وكتعرض أثناء الوشاح.
وأبرع (3) من هذا عندهم وأغرب قول المنخّل اليشكرى (4):
[مجزوء الكامل]
دافعتها فتدافعت ... مشى القطاة إلى الغدير (5)
وإنما براعته عندهم لمّا لم يكن قبله فعل من لفظه.
__________
(1) ديوان امرئ القيس 31، وسبق البيت فى أول باب المخترع والبديع ص 421وانظر ما قيل عنه هناك.
(2) ديوان امرئ القيس 14، وقد عاب ابن قتيبة هذا البيت لأن الثريا لا تعرض لها. انظر الشعر والشعراء 1/ 111، وذكر مثل ذلك فى الموشح 41وديوان المعانى 1/ 334. وقال بعض أهل المعانى: أراد بالثريا الجوزاء لأن الثريا لا تتعرض. [من الديوان]. وانظر هذا فى ص 1015
تعرضت: أى أرتك عرضها، أى ناحيتها. والمفصّل: الذى جعل بين كل خرزتين فيه لؤلؤة.
[من الديوان بتصرف].
(3) فى المطبوعتين فقط: «وأبدع»، وما فى ص وف أوفق لأنه سيقول بعد البيت: «وإنما براعته».
(4) هو المنخل بن عمرو أو عبيد أو مسعود اليشكرى، وهو شاعر جاهلى، وكان يتهم بالمتجردة امرأة النعمان بن المنذر، وكان للنعمان منها ولدان، وكان الناس يقولون إنهما من المنخل لأنهما كانا بجماله، وكان أيضا يتهم بامرأة لعمرو بن هند، كما كان يشبب بهند أخت عمرو بن هند، وقد قتله النعمان.
الشعر والشعراء 1/ 404، والأغانى 21/ 1، والمؤتلف والمختلف 271، ومعجم الشعراء 303، وخزانة الأدب 2/ 132، و 448و 10/ 100، وشرح ديوان الحماسة هامش 2/ 523
(5) البيت فى الشعر والشعراء 1/ 404، والأصمعيات 60، والأغانى 21/ 3و 7، وشرح ديوان الحماسة 2/ 528، ونقد الشعر 38، وفى الجميع «فدفعتها فتدافعت»، وما فى العمدة يوافق الأغانى 21/ 3(1/534)
ومن مليح التشبيه قول الهذلى (1): [البسيط]
فالطعن شغشغة والضّرب هيقعة ... ضرب المعوّل تحت الدّيمة العضدا (2)
وللقسىّ أزاميل وغمغمة ... حسّ الجنوب تسوق الماء والبردا (3)
فالأول من نوع بيتى امرئ القيس، والثانى من نوع بيت المنخل، وأنا أستحسن هذين البيتين جدا.
وقد يقع التشبيه بين الضّدين، والمختلفين، كقولك: العسل فى حلاوته كالصبر فى مرارته، أو كالخل فى حموضته.
قال أبو الحسن الرمانى (4): وهذا الضرب من التشبيه لا يقال إلا بتقييد وتفسير.
ومن هذا النوع الذى ذكره الرمانى قول ابن المهدى للمأمون يعتذر (5):
__________
(1) هو عبد مناف بن ربع الهذلى كما فى شرح أشعار الهذليين، والمعانى الكبير، والخزانة وديوان المعانى، وفيه: ابن ربعى. انظر التعليق الآتى. وفى المطبوعتين: «قول أبى كبير الهذلى»، وليس هذا بصحيح.
(2) البيتان فى شرح أشعار الهذليين 2/ 674و 675، وديوان المعانى 2/ 55والخزانة 7/ 45 و 46، وجاء الأول منفردا فى المعانى الكبير 2/ 976
والشغشغة: حكاية لصوت الطعن. والهيقعة: حكاية لصوت الضرب بالسيوف. والمعوّل:
الذى يبنى عالة، والعالة: شجر يقطعه الراعى فيستظل به. والعضد: ما قطع من الشجر. [من شرح أشعار الهذليين].
(3) أزاميل جمع أزمل: وهى أصوات تختلط فتصير واحدا. والغمغمة: الصوت لا تفهمه.
وحس الجنوب: صوتها [من شرح أشعار الهذليين].
(4) هذا القول غير موجود فى النكت فى إعجاز القرآن وإن كان قد قال فى التشبيه 81: «وتشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما مشترك بينهما» مما يدل على أن نقل ابن رشيق من كتب أخرى للرمانى، وقد ذكر فى ملحقات النكت 171، حديث أبى هلال العسكرى فى التشبيه حيث قال: «والثالث تشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما كتشبيه البيان بالسحر»، وهذا انظره أيضا فى الصناعتين 240
(5) يبدو أن المؤلف اتبع ما جاء فى الورقة 21، حيث جاء البيت بنصه ثالث أبيات منسوبة إلى إبراهيم بن المهدى، وجاء بذات النسبة ثالث أربعة أبيات فى أدب الدنيا والدين 252، وقد جاء البيت فى عيون الأخبار 3/ 167مرتين منسوبا إلى الطائى: الأولى هكذا فى أصل الكتاب:
لئن جحدتك ما أو ليت من نعم ... إنى لفى الشكر أحظى منك فى النعم
والأخرى فى الهامش، وقد ذكر المحقق أن البيت ورد فى الديوان هكذا:
لئن جحدتك ما أو ليت من حسن ... إنى لفى اللؤم أحظى منك فى الكرم(1/535)
[البسيط]
لئن جحدتك معروفا مننت به ... إنّى لفى اللؤم أحظى منك فى الكرم
وكذلك قول أبى نواس (1): [الخفيف]
أصبح الحسن منك يا أحسن الأم ... مة يحكى سماجة ابن حبيش (2)
/ يريد أن هذا غاية كما أن ذلك غاية.
قال الجرجانى (3): «التشبيه والتمثيل يقع مرة بالصورة والصفة، وأخرى بالحالة والطريقة». اعتذر بذلك / عن قول أبى الطيب (4):
[الطويل]
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع فى التّرب خاتمه
أنه إنما أراد وقوفا خارجا عن المتعارف، وأنشد (5): [الخفيف]
ربّ ليل أمدّ من نفس العا ... شق طولا قطعته بانتحاب
فهذا والله هو النقد العجيب الذى غفل الناس عنه، بل عموا وصمّوا، والبيت لمحمد بن عبد الملك الزيات، ويروى لمانى الموسوس (6).
__________
وهو فى ديوان أبى تمام 3/ 218، فهل سرقه أبو تمام أم نسب خطأ لإبراهيم؟ وفى عيون الأخبار بعد هذا مباشرة 3/ 168شعر لإبراهيم بن المهدى ليس فيه البيت، وكذلك الحال فى الأمالى 1/ 199ذات الأبيات وليس فيها البيت الذى معنا، وكذلك فى زهر الآداب 1/ 570، وكذلك فى كتاب العفو والاعتذار 1/ 218دون البيت الذى معنا، والشىء ذاته فى أشعار أولاد الخلفاء 19، والأغانى 10/ 119
(1) ديوان أبى نواس 181
(2) فى الديوان: «أصبح البخل يحكى سماحة»، وفى ص: «سماحة».
(3) انظر هذا القول فى الوساطة 471، باختلاف يسير فى بعض الألفاظ.
(4) ديوان المتنبى 3/ 328
(5) البيت فى ديوان الوزير محمد بن عبد الملك الزيات 3، ولم أعثر عليه فى الكتب التى ترجمت لمانى الموسوس، انظر التعليق الآتى.
(6) هو محمد بن القاسم، يكنى أبا الحسن، ويعرف بمانى الموسوس، وهو رجل من أهل مصر، وهو شاعر ليّن الشعر رقيقه، لم يقل شعرا إلا فى الغزل، وكان مليح الإنشاد، وقد نزل بغداد. ت 245هـ(1/536)
ومثله قول أبى تمام (1): [الكامل]
ومسافة كمسافة الهجر ارتقى ... فى صدر باقى الحبّ والبرحاء
وأنشد (2) الرّمّانى لذى الرّمّة (3): [البسيط]
كأنّه كوكب فى إثر عفرية ... مسوّم فى سواد الليل منقضب (4)
ثم قال: قد اجتمع الثور والكوكب فى السرعة، إلا أن انقضاض الكوكب أسرع، واستدل بهذا على جودة التشبيه.
وأنا أرى أن فيه دركا (5) على الشاعر، وإغفالا من الشيخ المفسّر، وذلك أن الثور مطلوب، والكوكب طالب، فشبّهه به فى السرعة والبياض، ولو شبّهه بالعفرية (6)، وشبه الكلب وراءه بالكوكب لكان أحسن وأوضح، لكنه لم يتمكن له المعنى الذى أراده من فوت الثور الذى شبّه به راحلته.
وأماما أغفله الشيخ فإن الشاعر إنما رغب فى تشبيه الثور بالكوكب، واحتمل عكس التشبيه بأن جعل المطلوب طالبا لبياضه، فإن الثور لهق (7) لا محالة، وأما السرعة التى زعم فإن العفرية (6) لو وصفه به، وشبهه بسرعته لما كان مقصّرا، ولا متوسّطا، بل فوق ذلك.
ومن التشبيهات (8) عقم، لم يسبق أصحابها إليها، ولا تعدّى أحد
__________
الأغانى 23/ 181، وطبقات ابن المعتز 382، ومعجم الشعراء 387، وتاريخ بغداد 3/ 169، وفوات الوفيات 4/ 32، الوافى بالوفيات 4/ 346
(1) ديوان أبى تمام 1/ 33
(2) هذا الإنشاد غير موجود فى النكت فى إعجاز القرآن.
(3) ديوان ذى الرمة 1/ 111وانظر ما قيل عنه فى الكامل 2/ 107، وانظر تفسير عفرية فيه وفى غريب الحديث للخطابى 1/ 249
(4) فى ف والمطبوعتين فقط: «فى إثر عفريت». والعفرية: الشيطان المريد. والمسوّم:
المعلّم. ومنقضب: منقضّ.
(5) الدّرك: بالتسكين والتحريك: التّبعة.
(6) فى ف والمطبوعتين فقط: «بالعفريت».
(7) اللهق بفتح الهاء وكسرها: الأبيض، أو الشديد البياض.
(8) انظر هذا فى البيان والتبيين 3/ 326، والحيوان 3/ 127و 312، والشعر والشعراء 1/ 253، وعيون الأخبار 2/ 186، والصناعتين 223، وديوان المعانى 2/ 148، وعيار الشعر 29، وزهر الآداب 2/ 739و 740، وحلية المحاضرة 1/ 176، ودلائل الإعجاز 603، وسر الفصاحة 240، وتحرير التحبير 471، وكفاية الطالب 194(1/537)
بعدهم / عليها، واشتقاقها فيما ذكر من الريح العقيم، وهى التى لا تلقح شجرة، ولا تنتج ثمرة، نحو قول عنترة العبسى يصف ذباب الروض (1):
[الكامل]
وخلا الذّباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنّم (2)
هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... قدح المكبّ على الزّناد الأجذم (3)
وقوله أيضا فى صفة الغراب (4): [الكامل]
خرق الجناح كأنّ لحيى رأسه ... جلمان بالأخبار هشّ مولع (5)
وقول الحطيئة يصف لغام ناقته (6): [الطويل]
ترى بين لحييها إذا ما ترغّمت ... لغاما كبيت العنكبوت الممدّد (7)
__________
(1) ديوان عنترة 197، وفيه: «فترى الذباب بها يغنى وحده هزجا» وكذلك فى بعض المصادر السابقة. وانظر ما قيل عنه فى المصادر السابقة.
(2) تجد اختلافا بين المصادر السابقة فى البيت الأول، وقد سقط البيت الأول من ف، وفى ص: «فليس بنازح» وهو يوافق عيون الأخبار.
(3) فى الديوان: «غردا يسنّ فعل المكبّ».
ويقول الجاحظ معلقا على البيتين فى الحيوان 3/ 127: «فلو أن امرأ القيس عرض فى هذا المعنى لعنترة لا فتضح» ثم يقول فى الحيوان 3/ 312، شارحا البيتين: «يريد فعل الأقطع المكب على الزناد.
والأجذم: المقطوع اليدين. فوصف الذباب إذا كان واقعا، ثم حكّ إحدى يديه بالأخرى، فشبهه عند ذلك برجل مقطوع اليدين، يقدح بعودين، ومتى سقط الذباب فهو يفعل ذلك. ولم أسمع فى هذا المعنى بشعر أرضاه غير شعر عنترة».
(4) ديوان عنترة 263، وفيه: «حرق» بالحاء المهملة، وكذلك فى المصادر المذكورة بعد.
(5) انظر ما قيل عن البيت فى البيان والتبيين 1/ 82، والحيوان 1/ 34و 2/ 316، وحلية المحاضرة 1/ 178، والصناعتين 144، وفى الجميع: «حرق» بالحاء المهملة بمعنى أسود الجناح، ويبدو لى أنه أحسن.
خرق الجناح: لم يقدر على الطيران. اللحيان: جزءا منقاره. والجلمان مثنى جلم وهو المقص وهشّ: فرح مسرور، فكأنه يفرح بأخبار الفراق.
(6) ديوان الحطيئة 77، وفيه: «إذا ما تزغمت» وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 176
(7) ترغّمت: غضبت ومثله تزغّمت. واللغام للإبل: وهو مثل القطن يخرج من أفواهها.(1/538)
وقال الشماخ يصف آثار ريشة نعامة (1): [البسيط]
كأنّما منثنى أقماع ما مرطت ... من العفاء بليتيها الثّآليل (2)
/ وقول عدىّ بن الرّقاع يصف قرن ظبى (3): [الكامل]
تزجى أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها
وقول الراعى يصف جعد الرأس (4): [الكامل]
جدلا أسكّ كأنّ فروة رأسه ... بذرت فأنبت جانباها فلفلا (5)
وقال بشر بن أبى خازم يصف عروق الأرطى (6) وقد كشفها ثور (7):
[الطويل]
يثير ويبدى عن عروق كأنّها ... أعنّة خرّاز تحطّ وتبشر (8)
وقول الطرماح فى صفة (9) ظليم (10):
__________
(1) ديوان الشماخ 278، وفيه: «ثآليل» وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 176
(2) فى ف: «كأنما منتهى بليتها»، وفى ص: «بنيتيها»، وفى هامش ف ذكر ما يشير إلى أنه فى نسخة: كأنما منتهى أقماع ما مطرت». الأقماع هنا: مغارز الريش الذى هصرته تلك النعامة ونزعته.
مرطت: نتفت. والعفاء: الريش. وليتيها مثنى ليت: وهو صفحة العنق. والثآليل: البثور.
(3) ديوان عدى بن الرقاع 85، وقد ذكر البيت فى باب المخترع والبديع ص 424وذكرت هناك المصادر التى تحدثت عنه.
(4) ديوان الراعى 249، وفيه: «دسم الثياب كأن» وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 178ونضرة الإغريض 176
(5) فى ف: «جدلا أصك»، وفى حلية المحاضرة: «كأن فروة رأسه من شعره رعيت».
والجدل: القوى. والأسك: هو صغير الأذن، وتطلق على الصمم.
(6) الأرطى: شجر ينبت فى الرمل، ينبت عصيا من أصل واحد يطول بقدر قامة. [من الديوان].
(7) ديوان بشر بن أبى خازم 83، وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 178
(8) فى المطبوعتين والحلية «تخط» بالخاء المعجمة، وما فى ص وف يوافق الديوان، وفى ف والمطبوعتين والحلية «وتنشر» وما فى ص يوافق الديوان. أعنة خراز: سيور الجلد التى يقدها الخراز ويعدها لعمله. وبشر الأديم: قشر بشرته التى ينبت عليها الشعر. [من الديوان].
(9) فى المطبوعتين: «فى صفة الظليم».
(10) البيت فى الحيوان 3/ 465، والشعر والشعراء 2/ 590، والمعانى الكبير 1/ 328، وحلية المحاضرة 1/ 178، والأغانى 12/ 42، وجاء فى كفاية الطالب 138فى باب الاشتراك، وعثرت بآخرة على ديوان الطرماح فوجدته فيه 141، فلم أحذف التخريج. وسيأتى فى باب الاشتراك، وعثرت بآخرة على ديوان الطرماح فوجدته فيه 141، فلم أحذف التخريج. وسيأتى فى باب الاشتراك ص 743(1/539)
[الكامل]
مجتاب شملة برجد لسراته ... قدرا وأسلم ما سواه البرجد (1)
وقول ذى الرمة فى صفة الليل (2): [الطويل]
وليل كجلباب العروس ادّرعته ... بأربعة والشخص فى العين واحد (3)
وقول مضرس بن ربعى (4) فى صفة رأس النعامة (5): [الكامل]
سكّاء عارية الأخادع رأسها ... مثل المدقّ وأنفها كالمسرد (6)
/ وقول (7) النابغة الذبيانى فى صفة النسور (8):
__________
(1) فى ف: «برجد لسرامة» [كذا]، وفى م: «لسراته قددا» وهى مثل الأغانى ولا توافق نسخ العمدة.
والمجتاب: اللابس. والشملة: كساء واسع يلف به الجسد كله. والبرجد: كساء من صوف أحمر، وقيل: كساء مخطط ضخم. والسراة: الظهر.
يقول: قد لبس ذلك الظليم كساء أسود مخملا من الريش فوق ظهره، وجعل الشملة على قدر ظهره، وأسلم ما سواه البرجد، أى ترك البرجد ما سوى الظهر من الرجلين والعنق، فلم يستره، وساقا الظليم وعنقه عارية من الريش. [من هامش الحيوان].
(2) ديوان ذى الرمة 2/ 1108، وانظر ما قيل عنه فى الحيوان 3/ 250، وحلية المحاضرة 1/ 178، والصناعتين 233و 247وفى الحيوان: «فإنه ليس يريد لون الجلباب، ولكنه يريد سبوغه». وسيأتى البيت مرة أخرى ص 662
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «كجلباب العروس قطعته»، وأشير فى هامشهما إلى أنه فى نسخة:
«ادرعته»، وما فى ص وف يوافق المصادر المذكورة سابقا، وفى الديوان: «وليل كأثناء الرويزى جبته».
والأربعة التى يريدها هى: الرّحل، والسيف، والبعير، ونفسه. انظر الديوان 2/ 1109
(4) هو مضرس بن ربعى بن لقيط الفقعسى الأسدى، شاعر محسن متمكن.
معجم الشعراء 307، والمؤتلف والمختلف 292، والخزانة 5/ 22، والسمط هامش 2/ 859
(5) البيت فى حلية المحاضرة 1/ 179، وكفاية الطالب 194ونضرة الإغريض 177
(6) فى ف: «صكاء عارية الأشاجع وأنفها كالمبرد»، وفى حلية المحاضرة: «صفراء عارية الأكارع وأنفها كالمبرد»، وفى النضرة: «صعراء عارية».
والسكاء من السكك وهو صغر الأذن ولزوقها، والنعام كلها سك. والمدق بكسر الميم وفتح الدال أو ضمهما ما يدقّ به. والمسرد: المثقب. انظر: اللسان فى الجميع.
(7) فى ف والمطبوعتين: «وقال النابغة فى»، وما فى ص يوافق مغربية، وسقط من الأخرى.
(8) ديوان النابغة الذبيانى 43، وانظر ما قيل عنه فى المعانى الكبير 1/ 283، وحلية المحاضرة 1/ 179، وعيار الشعر 44وتحرير التحبير 472، ونهاية الأرب 7/ 165(1/540)
[الطويل]
تراهنّ خلف القوم خزرا عيونها ... جلوس الشيوخ فى مسوك المرانب (1)
وهذا التشبيه عندهم عقيم، إلا أنى أقول إنه من قول طرفة يصف عقابا (2): [الطويل]
وعجزاء دفّت بالجناح كأنّها ... مع الصّبح شيخ فى بجاد مقنّع
وينظر أيضا إلى قول امرئ القيس قبله (3): [الطويل]
كأنّ ثبيرا فى عرانين وبله ... كبير أناس فى بجاد مزمّل
وقال عبد الله بن الزّبير الأسدى فى تشبيه رأس القطاة (4):
[الطويل]
تقلّب للإصغاء رأسا كأنّه ... يتيمة جوز أغبرتها المكاسر (5)
وفى الشعر من هذا صدر جيد.
وفى القرآن تشبيه كثير، كقوله (6) عز وجل: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ حَتََّى عََادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [سورة يس: 39]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مََاءً حَتََّى إِذََا جََاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}
__________
(1) فى ص والمصادر المذكورة قبل ما عدا الحلية: «زورا عيونها فى مسوك الأرانب»، واعتمدت الصورة الأخرى لأنها توافق الديوان والحلية، ولأن المؤلف ينقل عن الحلية.
خزرا عيونها: تنظر بمآخير أعينها. والمرانب: ثياب سود يقال لها: المرنبانية، تشبه أثواب النسور، وقيل: أكسية من جلود الأرانب. وإنما خص الشيوخ لأنهم ألزم للأكسية، وأقل صبرا على البرد، وأوقر مجالس من الشباب.
(2) ديوان طرفة 176، وانظره فى المعانى الكبير 1/ 271
عجزاء: عقاب جعلها عجزاء لبياض عجزها، وكانوا يتشاءمون منها أيضا. دفّت: ضربت بجناحيها. والبجاد: الكساء. ومقنع: ملتف.
(3) ديوان امرىء القيس 25، وسبق الاستشهاد بالشطر الأول فى باب فى الأوزان ص 230
(4) لم أعثر على البيت إلا فى حلية المحاضرة 1/ 179، وفيه: «اعترتها المكاسر». وفى الحلية:
«الزّبير: البئر المطوية بالحجارة، والزّبير: الداهية، والزّبير: الكتاب المكتوب».
(5) اليتيمة: الفريدة. أغبرتها: جعلت لونها كالغبار وأصل الفعل غبر بمعنى ذهب وبقى وفيه معنى التراب. والمكاسر جمع مكسر: وهو أصل الشجرة حيث تكسر منه أغصانها.
(6) فى ف والمطبوعتين: «كقوله تعالى»، وما فى ص يوافق مغربية، وفى الأخرى «كقوله» فقط.(1/541)
[سورة النور: 39]، وقوله (1) عز وجل (2): {وَإِذََا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}
[سورة لقمان: 32]، وقوله (3) تعالى: {كَأَنَّهُمْ جَرََادٌ مُنْتَشِرٌ} [سورة القمر: 7].
ومن كلام النبى صلى الله عليه وسلّم: «الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية» (4)، وقال: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (5)»، وكثير من هذا يطول تقصّيه.
وقد أتت القدماء بتشبيهات رغب المولدون إلا القليل عن مثلها استبشاعا لها، وإن كانت بديعة فى ذاتها، مثل قول امرئ القيس (6):
[الطويل]
وتعطو برخص غير شثن كأنّه ... أساريع ظبى أو مساويك إسحل (7)
فالبنانة لا محالة شبيهة بالأسروعة، وهى دودة تكون فى الرمل، وتسمّى جماعتها بنات النقا، وإياها / عنى ذو الرمة بقوله (8): [الطويل]
/ خراعيب أمثال كأنّ بنانها ... بنات النقا تخفى مرارا وتظهر (9)
__________
(1) سقط قوله: «عز وجل» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى ف «دعوا الله».
(3) سقطت كلمة «تعالى» من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(4) ذكر محقق تأويل مشكل القرآن الأستاذ السيد أحمد صقر رحمه الله الحديث فى روايتين: الأولى: «الناس مستوون كأسنان المشط، ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله»، والأخرى: «الناس سواء كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه، يرفده ويحمله ويكسوه»، وذكر بعد الحديث الأول أن الثقات قالوا عنه: إنه منكر، وذكر بعد الآخر أن أحد رواته سليمان بن عمرو أبو داود النخعى، وهو قدرى كذاب، كان يضع الحديث وضعا، ويتظاهر بالصلاح. انظر تأويل مشكل القرآن هامش 579و 580
وأقول: انظر الحديث بنصه فى غريب الحديث للخطابى 1/ 560وجمهرة الأمثال 1/ 523 وفيه: «إنما الناس» وفى نثر الدر 1/ 151جاء الجزء الأول من الحديث، وكذلك فى التمثيل والمحاضرة 23والجزء الأخير فيه بعض اختلاف.
(5) انظر الحديث وشرحه فى المجازات النبوية 153، وانظره فى التمثيل والمحاضرة 24
(6) ديوان امرىء القيس 17، وانظر ما قيل عنه فى نقد الشعر 113، وكفاية الطالب 194و 195
(7) فى ص: «أساريع رمل».
وتعطو: تتناول. برخص: أراد به البنان اللين. والشثن: الجافى الغليظ. أساريع: دود صغير أبيض الجسم أحمر الرأس. ظبى: اسم رملة بعينها. إسحل: شجر يستاك به، أو شجر المخّيطا.
(8) ديوان ذى الرمة 2/ 622، وفيه: «خراعيب أملود».
(9) الخراعيب جمع خرعوبة، والخرعب: اللين الأملس. وبنات النقا: دواب مثل العظاة بيض يكنّ فى الرمل، فشبه الأصابع بها. قال الأصمعى: بئس ما شبّه، وقال أبو عمرو: بنات النقا(1/542)
فهى كأحسن البنان لينا وبياضا، وطولا واستواء، ودقّة وحمرة رأس، كأنه ظفر قد أصابه الحناء، وربما كان رأسها أسود.
إلا أنّ نفس الحضرىّ المولّد إذا سمعت قول أبى نواس فى صفة الكأس (1): [الطويل]
تعاطيكها كفّ كأنّ بنانها ... إذا اعترضتها العين صفّ مدارى (2)
أو قول على بن العباس الرومى (3): [الطويل]
بنفسى قصر بالرّصافة صادنى ... بأعلاه قصرىّ الدّلال رصافى (4)
(5) ويروى: «سقى الله قصرا» (5)
أشار بقضبان من الدّرّ قمّعت ... يواقيت حمرا فاستباح عفافى (6)
أو قول عبد الله بن المعتز (7): [الطويل]
أشرن على خوف بأغصان فضّة ... مقوّمة أثمارهنّ عقيق
كان ذلك أحبّ إليها من تشبيه البنان بالدود فى بيت امرئ القيس، وإن كان تشبيهه أشدّ إصابة.
وفى قول أبى تمام (8): [الكامل]
بسطت إليك بنانة أسروعا ... تصف الفراق ومقلة ينبوعا (9)
__________
دويبات تكون فى الرمل أصغر من العظاة يقال لها: شحمة الأرض، تخرج رأسها ثمّ تخفى، وهى بيضاء. شبه بنانها فى بياضها بها [من الديوان].
(1) ديوان أبى نواس 435
(2) المدارى جمع مدرى: وهو المشط.
(3) ديوان ابن الرومى 4/ 1627، وانظرهما فى كفاية الطالب 195، وقد سبق البيتان فى باب المبدأ والخروج والنهاية ص 362
(4) فى المطبوعتين: «سقى الله قصرا شاقنى»، وهى توافق الديوان وما جاء فى ص 362.
(55) ما بين الرقمين ساقط من ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(6) فى ص: «من الدر جمعت»، وفى الديوان: «تستبيح عفافى»، وفى ف:
«فاستبحن عفافى».
(7) ديوان ابن المعتز 2/ 90، وانظر ما قيل عنه فى كفاية الطالب 195
(8) ديوان أبى تمام 4/ 390، وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 2/ 8و 28و 29
(9) فى الديوان: «بسطت إلىّ».(1/543)
وقرب هذا عنده، وهو مدح، من قول حسان فى الهجاء (1):
[المتقارب]
وأمّك سوداء نوبيّة ... كأنّ أناملها الحنظب (2)
إذ كانا جميعا من خشاش الأرض.
فأما قول امرئ القيس: «أو مساويك إسحل» فجار مجرى غيره من تشبيهاتهم لأنهم يصفونها بالعنم، والأقلام، وما أشبه ذلك، والبنان قريب الشبه من أعواد المساويك فى القدر، والاستواء، والامّلاس إلا أن الأول على كراهته أشبه بها، والإسحل: شجر المخّيطا (3).
وقد استبشع قوم قول الآخر يصف روضا (4):
[الوافر]
كأنّ شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روين من الدّماء
فهذا وإن كان تشبيها مصيبا فإن فيه بشاعة ذكر الدماء، ولو قال: من العصفر مثلا، أو ما شاكله لكان أوقع فى النفس، وأقرب إلى الأنس.
وكذلك صفتهم الخمر فى حبابها بسلخ (5) الشجاع، وما جرى هذا المجرى من التشبيه، فإنه وإن كان مصيبا لعين التشبيه (6) غير طيب فى النفس، ولا مستقر على القلب.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فى الهجو».
(2) ديوان حسان 371، وفيه: «سوداء مودونة» وانظره فى الحيوان 1/ 145، والمعانى الكبير 2/ 629. والحنظب: دويبة كالخنفساء، أو هو نوع منها طويل، أو الجعل.
(3) المخيطا والمخاطة على وزن جمّيز وثمامة: شجرة تثمر ثمرا حلوا لزجا يؤكل. وذكر الاسمان فى القاموس، وذكر الثانى فقط فى اللسان. وسقطت كلمة «المخيطا» من ف.
(4) البيت جاء ثانى بيتين فى معاهد التنصيص 2/ 5، وينسبان فيه إلى الخباز البلدى.
(5) سلخ الشجاع: الجلد الذى ينسلخ منه الثعبان، والشجاع هو الثعبان. انظر: اللسان فى [سلخ].
(6) فى المطبوعتين والمغربيتين: «لعين الشبه».(1/544)
ومن ذلك قول أبى عون الكاتب (1): [الطويل]
تلاعبها كفّ المزاج محبّة ... لها وليجرى ذات بينهما الأنس (2)
فتزيد من تيه عليها كأنّها ... عزيزة قوم قد تخبّطها المسّ
فلو أن فى هذا كلّ بديع لكان مقيتا بشعا، ومن ذا يطيب له أن يشرب شيئا يشبّه (3) بزبد مصروع قد تخبّطه الشيطان من المسّ؟!!
وكأنى أرى بعض من لا يحسن إلا الاعتراض بلا حجة قد نعى علىّ هذا / المذهب، وقال: ردّ على امرئ القيس، ولم أفعل، ولكن بينت أن طريق العرب القدماء فى كثير من الشعر قد خولفت إلى ما هو أليق بالوقت، وأشكل بأهله.
وقد عاب الأصمعىّ بين يدى الرشيد قول النابغة (4): [الكامل]
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر المريض إلى وجوه العوّد (5)
على أنه تشبيه لا يلحق، ولا يشقّ غبار صاحبه، ولم (6) يجد فيه المطعن إلا بذكر المريض (7)، فإنه رغب عن تشبيه المحبوبة (8) به، وفضّل عليه قول عدىّ
__________
(1) هو أحمد بن أبى النجم الكاتب، يكنى أبا عون، وهو ابن أخى صالح بن أبى النجم، وأحمد بن أبى النجم، وكان أبو النجم واسمه هلال مولى لبنى سليم، وكان أبو عون متكلما، مترسلا، شاعرا، وله بعض تآليف.
الفهرست 164ومعجم الأدباء 1/ 107 [ط إحسان عباس] فى ترجمة إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبى عون، والوافى بالوفيات 8/ 209
(2) لم أعثر عليهما فى مصادرى.
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «يشبه بزبد المصروع وقد».
(4) ديوان النابغة الذبيانى 93وانظر ما قاله الأصمعى عن البيت فى حلية المحاضرة 1/ 172، وكفاية الطالب 195، وانظر ما قيل عن حسن البيت أو عيبه فى الشعر والشعراء 1/ 172، وعيون الأخبار 2/ 189، وسر الفصاحة 243
(5) فى ف والمطبوعتين: «نظر السقيم»، وهى توافق الديوان والحلية، وما اعتمدته يوافق المصادر الأخرى، انظر مثلا عيون الأخبار 2/ 189
(6) فى ص: «ولا يجد»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين.
(7) فى ف والمطبوعتين: «السقيم».
(8) فى ف: «عن تشبيه المرأة».(1/545)
ابن الرقاع (1): [الكامل]
وكأنّها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم (2)
/ وسنان أقصده النعاس فرنّقت ... فى عينه سنة وليس بنائم
وأجرى الناس هذا المجرى قول صريع (3) على أنه لم يقع لأحد مثله، وهو (4): [الطويل]
فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدى الأسارى أثقلتها الجوامع (5)
فهذا تشبيه مصيب جدا، إلا أنهم عابوه بما بيّنت.
وإنما أشار إلى قول النابغة (6): [الطويل]
يخطّطن بالعيدان فى كلّ منزل ... ويخبأن رمّان الثّدىّ النواهد (7)
ومثله قول أبى محجن الثقفى (8) فى وصف قينة:
__________
(1) فى ف والمطبوعتين فقط: «العاملى».
(2) البيتان فى الشعر والشعراء 2/ 618، والأغانى 9/ 307، والأمالى 1/ 228، والمصون فى الأدب 14، وديوان المعانى 1/ 235، والوساطة 31، والموازنة 2/ 100، وسر الفصاحة 145و 239، ومن غاب عنه المطرب 134، وحلية المحاضرة 1/ 172، وأمالى المرتضى 3/ 511، ونهاية الأرب 2/ 50، وكفاية الطالب 193، وجاء فى بعضها: «وكأنها بين النساء» مثل ف. وقد عثرت بآخرة على ديوان عدى ابن الرقاع، والبيتان فيه 122، ولم أحذف التخريج.
(3) فى المطبوعتين: «صريع الغوانى»، وفى ف: «قول مسلم بن الوليد صريع الغوانى».
(4) ديوان صريع الغوانى 273، وانظر ديوان المعانى 1/ 253وكفاية الطالب 195
(5) فى م: «فلطت». والجوامع: القيود.
(6) ديوان النابغة 139، وانظر كفاية الطالب 195و 196
(7) فى م: «ويخططن»، ووضع المحقق الواو بين معقوفين، ولا معنى لزيادتها لأن المعروف أن الطويل يدخله الثلم فى أوله. وفى الديوان: «يخططن بالعيدان فى كل مقعد».
والمعنى: أنهن مأسورات قد بلغ منهن الحزن، فإذا قعدن خططن بالعيدان فى الأرض، وذلك من فعل المحزون، يتعبث بالحصى والتخطيط، يتلهى بذلك عما هو فيه. [من الديوان].
(8) هو عمرو بن حبيب وقيل عبد الله بن حبيب، وقيل مالك بن حبيب وقيل: حبيب بن عمرو ابن عمير الثقفى، يكنى أبا محجن، كان مغرما بالشراب، حدّه عمر رضى الله عنه مرارا فى الخمر، وحدّه سعد بن أبى وقاص مرارا، وحبسه معه فى القصر، وشهد القادسية، فأبلى بلاء حسنا، فقال سعد له: والله لا أحدك فيها أبدا، فقال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها بعد اليوم أبدا ت 30هـ.(1/546)
[البسيط]
ترفّع الصّوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الرّوضة الغرد (1)
فأى قينة تحب أن تشبه بالذباب؟! وقد سرق بيت عنترة، وقلبه فأفسده.
* * * __________
طبقات ابن سلام 1/ 259و 268، والشعر والشعراء 1/ 423، والأغانى 19/ 1، والاشتقاق 304، والمؤتلف والمختلف 133، ومن اسمه عمرو من الشعراء 123، وخزانة الأدب 8/ 412، وأدب النديم 66فى طبعتى التقدم والخانجى، ونهاية الأرب 4/ 90
(1) البيت فى الأغانى 19/ 8، وفيه: «كما يطن ذباب الروضة الهزج».
وفى م: «وترفع».(1/547)
باب الإشارة (8)
والإشارة من غرائب الشعر وملحه، وبلاغة (1) عجيبة تدل على بعد المرمى، وفرط المقدرة، وليس يأتى بها إلا الشاعر المبرز، والحاذق الماهر.
وهى فى كل نوع من الكلام لمحة دالّة، واختصار، وتلويح يعرف مجملا، ومعناه بعيد من ظاهر لفظه، فمن ذلك قول زهير (2): [الوافر]
فإنّى لو لقيتك واتّجهنا ... لكان لكلّ منكرة كفاء (3)
فقد أشار بقبح ما كان يصنع لو لقيه، هذا عند قدامة أفضل بيت فى الإشارة (4)
وقول الآخر (5): [المتقارب]
جعلت يدىّ وشاحا له ... وبعض الفوارس لا يعتنق
وهذا النوع من الشعر هو الوحى عندهم.
وأنشد الحاتمىّ (6) عن علىّ بن هارون عن أبيه عن حماد (7) بن
__________
(8) انظره فى نقد الشعر 152، وحلية المحاضرة 1/ 138، والصناعتين 348، وبديع أسامة 99، وتحرير التحبير 200، وكفاية الطالب 201، وفى سر الفصاحة 221سماه الإرداف والتتبيع، ونهاية الأرب 7/ 140تحت قوله: «وأما الإشارة».
(1) فى م: «وبلاغته».
(2) ديوان زهير 81، وانظر ما قيل عنه فى نقد الشعر 154، وحلية المحاضرة 1/ 139، وسر الفصاحة 204
(3) فى ف: «فلو أنى لقيتك لكان لكل مندية لقاء»، وفى هامش خ ذكر أنه فى نسخة:
«لكل مندية لقاء». وذكر ذلك كله فى شرح الديوان.
لكل منكرة كفاء: أى مكافأة شر بشر.
(4) بل عند الحاتمى، فقد قال فى الحلية فى روايته: «لم يأت أحد بمثل قول زهير».
(5) البيت ثانى بيتين فى البيان والتبيين 3/ 246، والحيوان 6/ 425، وفى نقد الشعر 160فى التمثيل، وفى الصناعتين 355و 356فى المماثلة، وبديع أسامة 101فى باب الكناية والإشارة، وهو بمفرده فى حلية المحاضرة 1/ 139فى أحسن ماورد فى الوحى والإشارة، والمنصف 54تحت «الإشارة»، وسر الفصاحة 224، وجاء الثانى فى هامشه فيما سماه الإرداف والتتبيع. دون نسبة فى الجميع. ونسب إلى المهلهل فى المحاضرات 2/ 3/ 137
(6) حلية المحاضرة 1/ 138و 139
(7) فى المطبوعتين فقط: «عن حماد عن أبيه».(1/548)
إسحاق (1) عن أبيه إسحاق بن إبراهيم الموصلى (2): [الوافر]
/ جعلنا السّيف بين الخدّ منه ... وبين سواد لمّته عذارا (3)
/ فأشار إلى هيئة الضربة التى أصابه بها دون ذكرها إشارة لطيفة دلّت على كيفيتها، وإنما وصف أنهم ضربوا عنقه، ويروى: «بين (4) الجيد منه».
ومثله قول الآخر (5): [المتقارب]
ويوم يبيل النساء الدّما ... جعلت رداءك فيه خمارا
يريد بالرداء الحسام، كما قال متمم بن نويرة (6) (7) على أحد التأولين زعموا (7): [الطويل]
لقد كفّن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيّات أروعا
وقوله: إنه جعله خمارا، أى قنّعت به الفرسان، وأشار بقوله: «يبيل النساء الدما» إلى وضع الحوامل من شدة الفزع.
__________
(1) هو حماد بن إسحاق بن إبراهيم التميمى، المعروف بالموصلى، روى عن أبيه كتاب الأغانى، حدث عنه محمد بن أبى الأزهر وعبد الله بن مالك النحويان.
تاريخ بغداد 8/ 159
(2) البيت فى حلية المحاضرة 1/ 138و 139، والصناعتين 202، والمنصف 54
(3) فى الحلية: «بين الجيد منه وبين سواد لحييه»، وفى ف: «وبين سواد لحيته».
وفى الصناعتين: «جعلت السيف بين الليت وبين سواد لحييه». وفى المنصف: «جعلنا السيف بين الجيد وبين سواد لحيته».
(4) فى ف: «بين الخد منه»، وسقطت كلمة «منه» من المطبوعتين ومغربية، وسقط القول كله من الأخرى.
(5) البيت فى الأمالى (التنبيه) 3/ 40، أول بيتين لرجل من بنى عجل.
والبيت فى البيان والتبيين 3/ 104، والمعانى الكبير 1/ 480و 2/ 1078هكذا:
وداهية جرّها جارم ... جعلت رداءك فيها خمارا
وفى المعانى الكبير: «فيه [يقصد الرداء] قولان: يقال إنه أراد بالرداء السيف أى ضربت به رؤوس الناس، ويقال: بل أراد إنك تعصبت به كما يفعل المستعد المتأهب للحرب، ويجوز أن يكون تعممت بردائك».
(6) سبق ذكر البيت فى باب القوافى مع بيت آخر ص 274فانظر ما قيل عنه هناك.
(77) ما بين الرقمين ساقط من المطبوعتين.(1/549)
ومما جاء من الإشارة على معنى التشبيه قول الراجز يصف لبنا ممذوقا (1):
[الرجز]
جاءوا بضيح هل رأيت الذّئب قط (2)
فإنما أشار إلى تشبيه لونه لأن الماء غلب عليه فصار كلون الذئب.
ومن أنواع الإشارة التفخيم والإيماء، فأما التفخيم فكقول الله تعالى:
{الْقََارِعَةُ (1) مَا الْقََارِعَةُ} (2) [سورة القارعة 1، 2].
وقد قال كعب بن سعد الغنوى (3) يرثى أخاه (4): [الطويل]
أخى ما أخى لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللقاء هيوب (5)
وأما الإيماء فكقوله عز وجل (6): {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مََا غَشِيَهُمْ}
[سورة طه: 78]، فأومأ إليه، وترك النفس معه (7).
__________
(1) انظره فى البيان والتبيين 2/ 281، والكامل 3/ 149دون نسبة، وفى الخزانة 2/ 109و 3/ 30 و 5/ 24و 468و 6/ 138و 9/ 183و 10/ 246بنسبته إلى العجاج، وفى الجميع: «جاءوا بمذق هل»، وذكرت الرواية التى هنا مرة واحدة فى الخزانة 2/ 109، وجاءت هذه الرواية فى المعانى الكبير 1/ 204و 399دون نسبة، وفيه: «يريد لبنا ممزوجا صار أورق كلون الذئب من كثرة مائه».
(2) فى ف والمطبوعتين فقط وبعض المصادر المذكورة سابقا «جاءوا بمذق».
والضّيح: اللبن الرقيق الكثير الماء. انظر اللسان فى [ضيح].
(3) هو كعب بن سعد بن عمرو بن عقبة أو علقمة بن عوف بن رفاعة الغنوى، أحد بنى سالم بن عبيد بن غنم بن غنى ويقال له: كعب الأمثال لكثرة ما فى شعره من الأمثال.
طبقات ابن سلام 1/ 204و 212، ومعجم الشعراء 228، وسمط اللآلى 2/ 771، والخزانة 8/ 574، وشرح أبيات مغنى اللبيب 5/ 167
(4) قوله: «يرثى أخاه» ساقط من ص والمطبوعتين والمغربيتين.
(5) البيت فى الأمالى 2/ 150، ونقد الشعر 103، وزهر الآداب 2/ 627، والعقد الفريد 3/ 271، والأصمعيات 95، ومعجم الشعراء 229، وجمهرة أشعار العرب 2/ 702، وكفاية الطالب 201، مع اختلاف يسير.
والورع بفتح الواو والراء الجبان، وقال ابن السكيت: «وأصحابنا يذهبون بالورع إلى الجبان، وليس كذلك، وإنما الورع الصغير الضعيف الذى لا غناء عنده». من اللسان فى [ورع]، وضبطت الكلمة فى العقد الفريد وم بفتح الواو وكسر الراء، وهو خطأ.
(6) انظر التوجيه الجيد لهذا الإيماء فى أمالى المرتضى 1/ 349
(7) فى ف: «وترك اليقين معه»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وترك التفسير معه».(1/550)
وقال كثيّر (1): [الطويل]
تجافيت عنّى حين لالى حيلة ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح
فقوله: «وخلّفت ما خلّفت» إيماء مليح.
ومثله قول ابن ذريح (2): [الطويل]
أقول إذا نفسى من الوجد أصعدت ... بها زفرة تعتادنى هى ماهيا (3)
ومن أنواعها التعريض، كقول كعب بن زهير لرسول الله / صلى الله عليه وسلّم (4):
[البسيط]
فى فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكّة لمّا أسلموا زولوا
فعرّض بعمر بن الخطاب، وقيل: بأبى بكر الصديق رضى الله عنهما، وقيل:
بل برسول الله صلى الله عليه وسلّم تعريض مدح، ثم قال (5): [البسيط]
يمشون مشى الجمال الزّهر يعصمهم ... ضرب إذا عرّد السّود التّنابيل (6)
فقيل: إنه عرّض فى هذا البيت بالأنصار، فغضبت الأنصار، وقال
__________
(1) ديوان كثير 526، فى الشعر المنسوب إليه مع بعض اختلاف، والحق أن البيت لمجنون ليلى، وجاء فى ديوانه 94
وفى ديوان كثير وديوان المجنون تخريج جيد يحسن الرجوع إليه فيهما، وفى ديوان المجنون:
«وغادرت ما غادرت».
(2) هو قيس بن ذريح الليثى الحجازى، أحد عشاق العرب، وصاحبته لبنى، كانت تحته فطلقها، ثم تتبعتها نفسه، واشتد وجده بها، وجعل قيس يلم بمنزلها سرا من قومه، وعاود قيس زيارته إياها، فشكا أبوها إلى معاوية، فكتب بإهدار دمه إن عاد، وزوجها أبوها رجلا من غطفان، فجزع قيس من ذلك جزعا شديدا.
الشعر والشعراء 2/ 628، والأغانى 9/ 180، والموشح 323، والمؤتلف والمختلف 174، والأمالى 2/ 75وغيرها، وسير أعلام النبلاء 3/ 534وما فيه من مصادر، وفوات الوفيات 3/ 204، وسمط اللآلى 1/ 379و 2/ 710، ومسائل الانتقاد 119، وكفاية الطالب 201
(3) ديوان قيس بن ذريح 160، وانظر كفاية الطالب 201
(4) ديوان كعب بن زهير 41، وفيه: «فى عصبة».
(5) ديوان كعب بن زهير 42
(6) الزهر: البيض. وعرّد: فرّ وهرب. والتنابيل جمع تنبال وهو القصير.(1/551)
المهاجرون: لم (1) يمدحنا إذ ذمّهم، حتى صرّح بمدحهم فى أبيات يقول فيها (2)
[الكامل]
من سرّه كرم الحياة فلا يزل ... فى مقنب من صالحى الأنصار (3)
/ ومن مليح التعريض قول أيمن بن خريم (4) الأسدى لبشر بن مروان يمدحه، ويعرّض بكلف كان فى وجه أخيه عبد العزيز حين نفاه من مصر على يد (5) نصيب الشاعر مولاه (6): [الوافر]
كأنّ التّاج تاج بنى هرقل ... جلوه لأعظم الأعياد عيدا
يصافح خدّ بشر حين يمسى ... إذا الظّلماء باشرت الخدودا (7)
فهذا من خفىّ التعريض لأنه أوهم السامع أنه إنما أراد المبالغة بذكر الظلماء، لا سيما وقد قال: «حين يمسى»، وإنما أراد الكلف، هكذا حكت الرواة.
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «لم تمدحنا إذ ذممتهم».
(2) ديوان كعب بن زهير 43
(3) المقنب: ألف وأقل وقيل الجماعة من الفوارس نحو الثلاثين أكثر وأقل.
(4) هو أيمن بن خريم بن فاتك، من بنى أسد، كان أبوه قد صحب النبى صلى الله عليه وسلّم، وروى عنه أحاديث، وكان أيمن قد أسلم مع أبيه يوم الفتح، وكان أثيرا عند عبد العزيز بن مروان، فكان يأكل معه رغم برصه، فعتب عليه أيمن يوما فقال له: أنت طرف ملولة أى لا تثبت على امرأة ولا صاحب فقال له عبد العزيز: أنا ملولة وأنا أؤاكلك؟ فلحق أيمن ببشر بن مروان فأكرمه واختصه ولكنه كان لا يؤاكله.
الشعر والشعراء 1/ 541، والأغانى 20/ 307، والبرصان والعرجان 78و 130و 161 و 162، والاستيعاب 1/ 129، والموشح 346، وتعليق من أمالى ابن دريد 9388
(5) فى المطبوعتين ومغربية: «على يدى» وفى ف: «على نصيب مولاه».
(6) البيتان فى الأغانى 20/ 313، آخر ثمانية أبيات، وفيه فى البيت الأول: «تاج أبى هرقل» وهما فى تعليق من أمالى ابن دريد 92
(7) جاء هذا البيت فى الأغانى هكذا:
يحالف لونه ديباج بشر ... إذا الألوان خالفت الخدودا
وفى أمالى ابن دريد جاء الشطر الأول هكذا: «على ديباج خدّى وجه بشر» والثانى مثل الأغانى ما عدا: «خالفت الخدودا».(1/552)
ومن أفضل التعريض مما يجلّ عن جميع الكلام قول الله عز وجل (1):
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [سورة الدخان: 49]، أى: الذى كان يقال له هذا، أو يقوله، وهو أبو جهل لأنه قال: ما بين (2) أخشبيها أى جبليها، يعنى مكة أعزّ منى ولا أكرم، وقيل: بل ذلك على معنى الاستهزاء به.
ومن أنواعها التلويح كقول المجنون (3) قيس بن معاذ العامرى:
[الطويل]
/ لقد كنت أعلو حبّ ليلى فلم يزل ... بى النقض والإبرام حتّى علانيا (4)
فلوّح بالصحة والكتمان، ثم بالسّقم والاشتهار تلويحا عجيبا.
وإياه قصد أبو الطيب بعد أن قلبه بطنا (5) لظهر فقال (6):
[البسيط]
كتمت حبّك حتّى منك تكرمة ... ثمّ استوى فيك إسرارى وإعلانى
لأنّه زاد حتّى فاض عن جسدى ... فصار سقمى به فى جسم كتمانى (7)
__________
(1) انظر تأويل مشكل القرآن 186
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ما بين جبليها يعنى مكة»، وفى ف: «يعنى جبليها»
وانظر هذا فى كفاية الطالب 202
(3) هو قيس بن الملوح بن مزاحم، وقيل: قيس بن معاذ، ولقب المجنون لذهاب عقله لشدة وجده وعشقه، وقال الأصمعى: لم يكن مجنونا، بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه، وكان قيس يهوى ليلى وهما حينئذ صبيان، وكانا يرعيان غنم أهلهما، فعلق كل واحد منهما صاحبه، فلما كبرا حجبت عنه، فهام على وجهه ينشد الأشعار. ت 68هـ.
الشعر والشعراء 2/ 563، والأغانى 2/ 1، ومعجم الشعراء 292وفيه (معاذ بن كليب) و 448وفيه (مهدى بن الملوح)، والمؤتلف والمختلف 289، والموشح 324، والأمالى 2/ 62 و 207و 3/ 63، وسير أعلام النبلاء 4/ 5وما فيه من مصادر، وسمط اللآلى 1/ 349، وفوات الوفيات 3/ 208، وخزانة الأدب 4/ 229، ومسائل الانتقاد 119، والنجوم الزاهرة 1/ 182
(4) ديوان مجنون ليلى 294، وفيه: «وقد كنت»، وانظر البيت فى كفاية الطالب 202
(5) فى المطبوعتين والمغربيتين: «ظهرا لبطن».
(6) ديوان المتنبى 4/ 192وانظر ما قيل عن الشطر الثانى من البيت الثانى فى الوساطة 478 و 479
(7) فى ف: «كأنه فاض حتى زاد»، وفى الديوان: «كأنه زاد حتى فاض».(1/553)
إلا أنه أخفاه وعقّده كما ترى، حتى صار أحجية يتلاقاها (1) الناس.
ومن أجود ما وقع فى هذا النوع قول النابغة يصف طول الليل (2):
[الطويل]
تقاعس حتّى قلت ليس بمنقض ... وليس الّذى يرعى النجوم بآيب (3)
«الذى يرعى النجوم» يريد به (4) الصبح، أقامه مقام الراعى الذى يغدو فيذهب بالإبل والماشية، فيكون حينئذ تلويحه هذا عجيبا (5) فى الجودة، وأما من قال: إن الذى يرعى النجوم إنما هو الشاعر الذى شكا السّهر وطول الليل فليس على شىء، وزعم قوم أن الآيب لا يكون إلا بالليل خاصة، ذكره عبد الكريم.
ومن أنواع الإشارات الكناية والتمثيل، كما قال ابن مقبل وكان جافيا فى الدين يبكى أهل الجاهلية، وهو مسلم، فقيل له مرة فى ذلك، فقال (6):
[الطويل]
ومالى لا أبكى الدّيار وأهلها ... وقد رادها روّاد عكّ وحميرا
وجاء قطا الأحباب من كلّ جانب ... فوقّع فى أعطاننا ثمّ طيّرا
/ فكنى عما أحدثه الإسلام، ومثّل كما ترى.
ومن أنواعها الرمز، كقول أحد القدماء يصف امرأة قتل زوجها وسبيت (7):
__________
(1) فى ص ومغربية: «يتلافاها» بالفاء، وهو تصحيف، وفى مغربية: «يتلقاها».
ويتلاقاها الناس: يلقيها بعضهم على بعض على سبيل الأحجية. انظر اللسان فى [لقا].
(2) ديوان النابغة الذبيانى 40، وانظر كفاية الطالب 202
(3) فى الديوان: «تطاول حتى».
(4) سقطت «به» من ص، وفى ف: «أراد به الصبح»، وانظر هذا التفسير فى شرح الديوان 40
(5) فى ف والمطبوعتين ومغربية: «عجبا»، وما فى ص مثل المغربية الأخرى.
(6) البيتان فى طبقات ابن سلام 1/ 150، والشعر والشعراء 1/ 455، والخزانة 1/ 221، وكفاية الطالب 202، وعثرت بآخرة على ديوان ابن مقبل وهما فيه فى 141و 132، ولم أحذف التخريج وفيه اختلاف فى بعض الألفاظ.
(7) البيت فى مطلع الفوائد ومجمع الفرائد 67بنصه إلا فى حرف واحد وينسب فيه إلى ربيعة ابن مكدّم، وجاء فى كتاب المعانى الكبير 2/ 1007، وكفاية الطالب 203، دون نسبة فيهما.(1/554)
[الطويل]
عقلت لها من زوجها عدد الحصى ... مع الصّبح أومع جنح كلّ أصيل (1)
/ يريد أنى لم أعطها عقلا ولا قودا بزوجها إلا الهمّ الذى يدعوها إلى عدّ الحصى، وأصله قول (2) امرئ القيس (3): [الطويل]
ظللت ردائى فوق رأسى قاعدا ... أعدّ الحصى ما تنقضى عبراتى
ومن مليح الرمز قول أبى نواس يصف كؤوسا ممزوجة، فيها صور منقوشة (4): [الطويل]
قراراتها كسرى وفى جنباتها ... مها تدّريها بالقسىّ الفوارس (5)
فللخمر ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس (6)
يقول: إن حدّ الخمر من صور هذه الفوارس التى فى الكؤوس إلى التراقى والنحور، وزيد الماء فيها مزاجا، فانتهى الشراب إلى فوق رءوسها، ويجوز أن يكون انتهاء الحباب إلى ذلك الموضع لما مزجت فأزبدت، والأول أملح، وفائدته معرفة حدها صرفا من (7) حدها ممزوجة، وهذا عندهم مما سبق إليه أبو نواس.
وأرى والله أعلم أنما تحلّق على المعنى من قول امرئ القيس (8):
[الطويل]
فلمّا استطابوا صبّ فى الصّحن نصفه ... ووافى بماء غير طرق ولا كدر (9)
__________
(1) فى المعانى الكبير جاء البيت هكذا:
عقلنا لهم من زوجها عدد الحصى ... تخططه فى جنح كل أصيل
وفى مطلع الفوائد: «أو فى جنح».
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وأصله من قول».
(3) ديوان امرىء القيس 78، وانظره فى كفاية الطالب 203ومعناه: لما غشيت الديار فوجدتها متغيرة مقفرة قعدت متذكرا باكيا ما تنقضى دموعى، وقوله: «أعد الحصى» يصف أنه كان يعبث بالحصى ويقلبه بين يديه، وهو من فعل المحزون المتحير.
(4) ديوان أبى نواس 37
(5) فى الديوان: «قرارتها». تدّريها: تختلها لتصطادها من غير أن تشعر.
(6) زرّت عليه: اشتملت عليه.
(7) فى المطبوعتين: «من معرفة حدها».
(8) ديوان امرئ القيس 111
(9) فى ف: «وشجت بماء»، وهو يوافق الديوان. والطرق: هو الماء الذى بالت فيه الإبل وبعرت.(1/555)
(1) استطابوا: طلبوا الماء الطيب (1)، ويروى: «ووفّوا» (2)، وإياه أردت، ويروى: «استظلوا» من الظل، مكان «استطابوا»، جعل (3) الشراب والماء قسمين لقوّة الشراب، فتسلّق (4) الحسن عليه، وأخفاه بما شغل به الكلام من ذكر الصور المنقوشة فى الكؤوس، إلا أنها سرقة ظريفة مستملحة (5)، ولم يكن أبو نواس يرضى أن يتعلق بمن دون امرئ القيس وأصحابه.
وأصل الرمز: الكلام الخفىّ الذى لا يكاد يفهم، ثم استعمل حتى صار الإشارة، وقال الفراء: الرمز بالشفتين خاصة (6).
ومن الإشارات اللمحة، كقول أبى نواس / يصف يوما مطيرا (7):
[المنسرح]
وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها فى سمائها نور
فقوله: «حرة» دالّ (8) على ما أراد فى باقى البيت إذ كان من شأن الحرة الخفر والحياء، ولذلك جعلها مخدّرة، وشأن القيان والمملوكات التبذل والتبرج.
وأما زعم من زعم أن قوله: «حرة» إنما يريد خلوصها، كما يقال (9): هذا العلق (10) من حرّ المتاع فخطأ لأن الشاعر قد قال: «ليس لها فى سمائها نور»، فأى خلوص هناك؟!
__________
(11) ما بين الرقمين ساقط من ف والمطبوعتين، ومن هنا إلى «جعل الشراب» ساقط من المغربيتين.
(2) فى م: «ووافوا».
(3) فى المطبوعتين ومغربية: «جعل الماء والشراب»، وفى ف: «فالماء».
(4) فى ص: «فيسبق»، وفى ف: «فتسلق أبو نواس عليه».
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «مليحة».
(6) نقل ابن الأثير هذا الجزء كله فى كفاية الطالب 203
(7) لم أعثر عليه فى ديوان أبى نواس، وقد وجدته فى محاضرات الأدباء 2/ 4/ 551آخر ثلاثة أبيات تنسب إلى وهب الهمدانى، وفيه: «من ضيائها نور» وجاء منفردا فى المنزع البديع 269 دون نسبة، ونسبه المحقق فى الهامش إلى أبى نواس نقلا عن العمدة.
(8) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «يدل».
(9) فى ف: «كما نقول»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «كما تقول».
(10) العلق: النفيس.(1/556)
وكذلك قول حسان، ويكون أيضا تتبيعا (1): [الكامل]
/ أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل (2)
يريد أنهم ملوك ذوو حاضرة ومستقرّ عزّ، ليسوا أصحاب رحلة وانتجاع.
ومن أخفى الإشارات وأبعدها اللغز (3)، وهو أن يكون للكلام ظاهر عجب لا يمكن، وباطن ممكن غير عجب، كقول ذى الرمة يصف عين الإنسان (4): [الطويل]
وأصغر من قعب الوليد ترى به ... بيوتا مبنّاة وأودية قفرا (5)
فالباء فى «به» للإلصاق، كما تقول: لمسته بيدى، أى: ألصقتها به، وجعلتها آلة اللمس، والسامع يتوهمها بمعنى «فى»، وذلك ممتنع لا يكون، والأول حسن غير ممتنع.
ومثله قول أبى المقدام (6): [الخفيف]
وغلام رأيته صار كلبا ... ثمّ من بعد ذاك صار غزالا (7)
فقوله: «صار» إنما هو بمعنى «عطف» وما أشبهه، من قول الله عز وجل {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [سورة البقرة: 260]، ومستقبله (8)
__________
(1) انظر التتبيع فى حلية المحاضرة 1/ 155
(2) ديوان حسان 122وفيه: «عند قبر أبيهم».
(3) انظر هذا فى حلية المحاضرة 2/ 10299، وكفاية الطالب 203و 204
(4) ديوان ذى الرمة 3/ 1447
(5) فى الديوان: «قبابا مبنّاة وأودية خضرا»، وفى ف: «من كعب الوليد».
(6) هو بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله القضاعى، يكنى أبا المقدام، وهو شاعر فارس شجاع، من شعراء الدولة الأموية، وكان يهوى ابنة عمه صفراء، وكانت تهواه، ولكنه أجّل خطبتها حتى يصير موسرا، فذهب فى رحلة إلى الشام، ثم عاد فوجد أن أباها قد زوجها من رجل أسدىّ موسر، ولكنها ماتت قبل دخوله بها.
الأغانى 22/ 135، والمؤتلف والمختلف 86، والخزانة 7/ 296
(7) البيت جاء بنصه رابع ستة أبيات دون نسبة فى العقد الفريد 6/ 472، وأول الأبيات فيه هو الثانى فى الزهرة، والبيت جاء أول بيتين دون نسبة فى الزهرة 2/ 801هكذا:
ربّ شيخ رأيته صار كلبا ... ثم من ساعتين صار غزالا
ربّ ثور رأيت فى جحر نمل ... وقطاة تحمّل الأثقالا
والتفسير الموجود فى العمدة مذكور فيهما، وجاء البيت بصورته هنا فى كفاية الطالب 203
(8) يقصد: مضارعه.(1/557)
«يصور»، وقد قيل: «يصير»، وهى لغة قليلة، وليس «صار» التى هى من أخوات كان، مستقبلها / «يصير» فقط، ومعناها «استقر بعد تحول».
واشتقاق اللغز من «ألغز اليربوع، ولغز»، إذا حفر لنفسه مستقيما، ثم أخذ يمنة ويسرة ليورّى (1) بذلك، ويعمّى على طالبه.
ومن الإشارات اللحن، وهو كلام يعرفه المخاطب بفحواه، وإن كان على غير وجهه، قال الله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سورة محمد:
30]، وإلى هذا ذهب الحذاق فى تفسير قول الشاعر (2): [الخفيف]
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا (3)
ويسميه الناس فى وقتنا هذا المحاجاة لدلالة الحجا عليه، وذلك نحو قول الشاعر يحذر قومه (4): [البسيط]
حلّوا عن الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا (5)
__________
(1) فى المطبوعتين ومغربية: «يورى»، وفى ف: «ليوارى»، وفى مغربية «ليزوى» [كذا].
(2) هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصين بن بدر الفزارى، وآباؤه سادة غطفان، وكان مالك شاعرا غزلا ظريفا.
الشعر والشعراء 2/ 782، والأغانى 17/ 230، ومعجم الشعراء 266، وسمط اللآلى 1/ 15، والموشح 344، وسير أعلام النبلاء 4/ 357وما فيه من مصادر.
(3) البيت فى البيان والتبيين 1/ 174، والشعر والشعراء 2/ 782، وعيون الأخبار 1/ ن فى المقدمة و 2/ 162، والعقد الفريد 2/ 480، والأمالى 1/ 5و 6، والأغانى 17/ 236، وتاريخ بغداد 12/ 214، ومعجم الشعراء 266، وسمط اللآلى 1/ 16، وما يقع فيه التصحيف والتحريف 91، ومجالس ثعلب 2/ 531وأدب الكتاب 131والمنزع البديع 268، وتفسير القرطبى 16/ 253، وتفسير الألوسى 26/ 70وجاء فى اللسان ثلاث مرات فى [لحن].
وأورده صاحب البيان وصاحب عيون الأخبار وصاحب العقد على أن اللحن بمعنى الخطأ، وهو خطأ منهم، ولما نبّه الجاحظ إلى معناه الذى أراده مالك قال: لو سقط إلىّ هذا الخبر أولا لما قلت ما تقدم، انظر هذا فى الأغانى وتاريخ بغداد والسمط وشرح ما يقع فيه التصحيف وأدب الكتاب، وفى بعض المصادر: «وأحلى الحديث».
(4) ينسب البيتان فى الأمالى 1/ 7و 3/ 18 (التنبيه) بالهامش، وحلية المحاضرة 2/ 100، ومعانى الشعر 69إلى رجل من بنى تميم كان مأسورا، وينسبان فى كنايات الجرجانى 64و 65إلى أسير عند بكر بن وائل ونسب فى كفاية الطالب 204إلى بعض العرب، وانظر السمط 1/ 23
(5) فى الأمالى 3/ 18 (التنبيه) وحلية المحاضرة 2/ 100، ومعانى الشعر والكنايات جاء البيت الأول هكذا:
حلوا عن الناقة الحمراء واقتعدوا ال ... عود الذى فى جنابى ظهره وقع
إلا أنه فى معانى الشعر «خلوا» بالخاء المعجمة، وفى الكنايات: «العود الذى قدحما فى ظهره وقع».(1/558)
إنّ الذّئاب قد اخضرّت براثنها ... والناس كلّهم بكر إذا شبعوا
أراد بالناقة الحمراء الدهناء (1)، وبالجمل الأصهب الصّمّان (2)، وبالذئاب الأعداء، يقول: قد اخضرّت أقدامهم من المشى فى الكلأ والخصب، والناس كلهم إذا شبعوا طلبوا الغزو، فصاروا أعداء (3) لكم، كما أن بكر بن وائل عدوكم.
ومثل ذلك قول مهلهل لما غدره (4) عبداه، وقد كبرت سنّه، وشقّ عليهما ما يكلفهما من الغارات، ومن (5) طلب الثارات، فأرادا قتله، فقال:
أوصيكما أن ترويا عنى بيت شعر، قالا: وما هو؟ قال (6): [الكامل]
من مبلغ الحيّين أنّ مهلهلا ... لله درّكما ودرّ أبيكما
/ فلما زعما أنه مات قيل لهما: هل وصّى (7) بشىء؟ قالا: نعم، استودعنا (8) بيتا، وأنشدا البيت المتقدم، فقالت ابنته: عليكم بالعبدين، فإنما قال أبى (9): [الكامل]
/ من مبلغ الحيّين أنّ مهلهلا ... أمسى قتيلا بالفلاة مجدّلا
لله درّكما ودرّ أبيكما ... لا يبرح العبدان حتّى يقتلا
فاستقرّوا العبدين، فأقرّا أنهما قتلاه. ورويت هذه الحكاية لمرقّش (10).
__________
(1) الدهناء: أرض لبنى تميم حمراء التراب وانظر القصة فى الحيوان 3/ 124و 125والعقد الفريد 5/ 182و 183والمحاضرات 1/ 1/ 143وأمالى المرتضى 1/ 16و 17
(2) الصمّان: جبل فى بلاد تميم. [من الحلية ومعانى الشعر].
(3) فى المطبوعتين والمغربيتين: «عدوا».
(4) فى ف: «لما غدر عبداه به».
(5) فى ف: «وطلبه» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «وطلب».
(6) انظر القصة فى سمط اللآلى 1/ 26، والخزانة 2/ 173و 174
(7) فى ف والمطبوعتين: «أوصى»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(8) قوله: «استودعنا بيتا» سقط من المطبوعتين والمغربيتين.
(9) البيتان بنصهما فى الخزانة 2/ 174، وجاءا فى السمط 1/ 27وفيه:
من مبلغ الأحياء أن مهلهلا ... أمسى صريعا فى الضريح مجدلا
لله دركمو ودر أبيكمو ...
وأصبح البيتان وسيلة من يريد التعريف بقاتله ففى الأغانى 6/ 130و 131، وطبقات الشافعية 1/ 279ما يؤكد ذلك.
(10) انظر الأغانى 6/ 130و 131، والسمط 1/ 28مع بعض اختلاف بينهما.(1/559)
وسبيل المحاجاة أن تكون كالتعريض والكناية، وكلّ لغز داخل فى الأحاجىّ، وقد حاجى شيخنا أبو عبد الله بعض تلاميذه، فقال له (1):
[الطويل]
أحاجيك عبّاد كزينب فى الورى ... ولم تؤت إلّا من صديق وصاحب
فأجابه التلميذ بأن قال: [الطويل]
سأكتم حتّى ما تحسّ مدامعى ... بما انهلّ منها من دموعى السّواكب (2)
فكان معكوس قول أبى عبد الله «عباد كزينب» «سرّك ذائع»، فقال الآخر: «سأكتم»، فأجابه على الظاهر إجابة حسنة، ومعكوس «سأكتم» «منك أتيت»، فكأنه قابل به قول الشيخ: «ولم تؤت إلا من صديق وصاحب»، وهذا كله مليح.
ومنها التّعمية، وهى مثل المطيّر (3) وما شاكله، كقول أبى نواس (4):
[السريع]
واسم عليه جنن للصّفا (5)
وما أشبهه، وهو معنى مشهور.
ومن الإشارات مصحوبة، وهى عند أكثرهم معيبة، كأنها حشو واستعانة على الكلام، نحو قول أبى نواس (6): [مجزوء الرمل]
نال إبراهيم بالما ... ل كذا غربا وشرقا (7)
__________
(1) البيتان فى معجم الأدباء 18/ 106فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن جعفر القزاز باختلاف يسير، وجاءا فى المنزع البديع 268و 269
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «من دموع سواكب»، وما فى ص وف يوافق معجم الأدباء والمنزع البديع.
(3) المطير: هو الشعر الذى يطير بين صديقين، وهما يعرفان حل ألغازه.
(4) لم أهتد إليه فى ديوان أبى نواس.
(5) فى ف والمطبوعتين: «خبن»، وفى المغربيتين: «حنن».
(6) ديوان أبى نواس 491
(7) فى ف بياض مكان «نال» وفى المطبوعتين والمغربيتين: «قال إبراهيم» وفى الديوان:
«مال».(1/560)
ولم يأت بها أبو نواس حشوا، ولكن شطارة وعبثا بالكلام، وإن شئت قلت:
بيانا وتثقيفا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عمرو بن العاص: «وكيف بك إذا بقيت فى حثالة من الناس، قد مرجت (1) عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، فكانوا هكذا؟ وشبك بين أصابع يديه» (2)، / ولا أحد أفصح من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا (3) أبعد منه كلاما من الحشو والتكلّف.
وقالوا (4): مبلغ الإشارة أبلغ من مبلغ الصوت، فهذا باب تتقدم الإشارة فيه الصوت، وقيل: حسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان، جاء بذلك الرمانى نصّا، وقاله الجاحظ من قبل، وأخذ على بعض الشعراء قوله (5): [الطويل]
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلّم (6)
فأيقنت أنّ الطرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلّم (7)
إذ كان هذا كله مما لا تحتمله (8) إشارة خائف مذعور.
ولما أقام (9) معاوية الخطباء لبيعة يزيد / قام رجل من ذى الكلاع، فقال:
هذا أمير المؤمنين، وأشار إلى معاوية، فإن مات فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى السيف، ثم قال:
__________
(1) فى ف: «مزجت».
(2) الحديث فى اللسان فى [مرج]، وانظره فى المجازات النبوية 54و 55والكامل 2/ 13ونثر الدر 1/ 196
(3) فى ف والمطبوعتين: «ولا أبعد كلاما منه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(4) هذا القول تجده فى البيان والتبيين 1/ 79باختلاف يسير جدا، ولم أعثر عليه فى النكت فى إعجاز القرآن، هذا على الرغم من أن الرمانى قال فى باب البيان 60: «والبيان على أربعة أقسام:
كلام، وحال، وإشارة، وعلامة».
(5) القائل هو عمر بن أبى ربيعة، والبيتان فى ديوانه 204، وانظر البيان والتبيين 1/ 78و 219، وليس فيه أخذ.
(6) فى الديوان: «خشية أهلها إشارة محزون».
(7) فى ف والمطبوعتين: «بالحبيب المتيم»، وما فى ص والمغربيتين يوافق البيان والتبيين فى الرواية الثانية، وقد كتب فى ف فى الهامش، «الأصل: المسلم».
(8) فى ف والمطبوعتين: «تحمله».
(9) اقرأ هذا الخبر مع البيتين فى الأمالى 1/ 160و 161(1/561)
[الوافر]
معاوية الخليفة لا تمارى ... فإن يهلك فسائسنا يزيد (1)
ومن غلب الشقاء عليه جهلا ... تحكّم فى مفارقه الحديد (2)
وقد جاء أبو نواس بإشارات أخر لم تجر العادة بمثلها، وذلك أن الأمين ابن زبيدة قال له مرة: هل تصنع شعرا لا قافية له؟ قال: نعم، وصنع من فوره ارتجالا (3): [الخفيف]
ولقد قلت للمليحة قولى ... من بعيد لمن يحبّك: «إشارة قبله» (4)
فأشارت بمعصم ثمّ قالت ... من بعيد خلاف قولى: «إشارة لا لا»
فتنفّست ساعة ثمّ إنّى ... قلت للبغل عند ذلك: «إشارة امش»
فتعجب جميع من حضر المجلس من اهتدائه، وحسن تأتّيه، وأعطاه الأمين صلة شريفة.
ومن الإشارات الحذف (5)، نحو قول لقيم بن أوس (6) يخاطب امرأته (7): [الرجز]
إن شئت أشرفنا جميعا فدعا ... الله كلّ جهده فأسمعا
بالخير خيرات وإن شرّا فآا ... ولا أريد الشرّ إلّا أن تآا (8)
__________
(1) فى المطبوعتين فقط: «لا نمارى»، وفى ف والأمالى: «فإن تهلك».
(2) فى ص: «يحكّم».
(3) لم أجده فى ديوان أبى نواس. وقد وجدته فى نزهة الأبصار 551و 552
(4) فى ص بياض مكان كلمة «قبلة ولا لا» فى البيت الثانى، وسقط قوله: «إشارة امش» من الثالث، واعتمدت ما فى المغربيتين وف والمطبوعتين.
(5) انظر موضوع الحذف فى تأويل مشكل القرآن 305وما بعدها.
(6) فى ف والمطبوعتين: «نعيم»، وما فى ص والمغربيتين يوافق النوادر، ولم أجد له ترجمة.
(7) الرجز فى النوادر 386تحت عنوان «وقال لقيم بن أوس من بنى أبى ربيعة بن مالك» مع بعض اختلاف فى الشطرين الأولين، وانظر فيه كل التأويلات، والرجز فى ما يحتمل الشعر من الضرورة 104و 105و 201198والشطران الثالث والرابع فى كتاب سيبويه 3/ 321، وما يجوز للشاعر فى الضرورة 348واللسان فى [تا]، والمنزع البديع 270
(8) فى النوادر وما يحتمل الشعر من الضرورة: «وإن شرافأا إلا أن تأا»، وفى الكتاب وما يجوز للشاعر فى الضرورة واللسان: «وإن شرافا إلا أن تا»، وانظر فى أدب الكتاب 231 الحديث عن «ألاتا» و «بلى فا». وكذلك فى الوساطة 454(1/562)
فهكذا (1) رواه أبو زيد الأنصارى، وساعده من المتأخرين علىّ بن سليمان الأخفش، قال (2): لأن الرجز يدل عليه، إلا أن رواية غيرهما (3) من النحويين: «وإن شرّافا» و «إلّا أن تا»، قالوا: يريد «وإن شرا فشرا (4)»، «وإلا أن تشائى».
وأنشدوا (5): [الرجز]
ثمّ تنادوا بعد تلك الضّوضا ... منهم بهات وهل ويايا (6)
نادى مناد منهم ألاتا ... قالوا جميعا كلّهم بلى فا (7)
وأنشد الفراء (8): [الرجز]
قلت لها: قومى، فقالت: قاف (9)
تريد: «قد قمت».
ومن أنواعها التورية، كقول عليّة بنت المهدى (10) فى «طلّ» الخادم (11):
__________
(1) فى ف: «هكذا»، وفى المطبوعتين: «كذا».
(2) فى المطبوعتين: «وقال».
(3) سقط قوله: «غيرهما من» من المطبوعتين والمغربيتين.
(4) فى المطبوعتين فقط: «فشر».
(5) الرجز فى الوساطة 450دون نسبة. والبيت الثانى فى ما يجوز للشاعر فى الضرورة 348 وجاء فى ما يحتمل الشعر من الضرورة هامش 200
(6) فى الوساطة: «بعد ذاك الضوضا وهلّا ويابا».
(7) فى ف: «كلهم ألافا»، وفى الوساطة: «ألاتا».
(8) الرجز فى تأويل مشكل القرآن 308مع مقدمته «وأنشد الفراء»، وفيه أن القائل هو الوليد ابن عقبة، وفيه تخريجه، وجاء فى الخصائص 1/ 31، واللسان فى [وقف] هكذا: «قلت لها:
قفى لنا قالت: قاف»، وجاء فى المنزع البديع 270، وفيه: «قلنا لها: قفى لنا، قالت: قاف».
(9) فى تأويل مشكل القرآن: «قلت لها قفى» ثم بعد الرجز «أراد فقالت: قد وقفت» وكذلك فى اللسان.
(10) هى علية بنت المهدى، الهاشمية، العباسية، أخت الرشيد، كانت من ملاح زمانها، وأظرف بنات الخلفاء، وروى أنها كانت لا تغنى إلا زمن حيضها، فإذا طهرت أقبلت على التلاوة والعلم، إلا أن يدعوها الخليفة، ولا تقدر على خلافه، وكانت تقول: لا غفر الله لى فاحشة ارتكبتها قط، ولا أقول فى شعرى إلا عبثا، وكان الرشيد لا يصبر على غيابها، وأخذها معه إلى الرّى ت 210هـ
الأغانى 10/ 162، وأشعار أولاد الخلفاء 55، وفوات الوفيات 3/ 123، وسير أعلام النبلاء 10/ 187، والنجوم الزاهرة 2/ 191
(11) البيتان فقط فى أشعار أولاد الخلفاء 61، وفى الأغانى 10/ 164ضمن ثلاثة أبيات مع بعض اختلاف فيهما، والأول وحده فى المنزع البديع 270(1/563)
[الطويل]
أيا سرحة البستان طال تشوّقى ... فهل إلى ظلّ إليك سبيل
متى يشتفى من ليس يرجى خروجه ... وليس لمن يهوى إليه دخول؟
فورّت ب «ظلّ» عن «طلّ»، وقد كانت تجد به، فمنعه الرشيد من دخول القصر، ونهاها عن ذكره، فسمعها مرة تقرأ: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهََا وََابِلٌ} [سورة البقرة: 265] فما نهى عنه أمير المؤمنين، أى (1): «فطلّ»، فقال (2): لا، ولا كل هذا (3).
وأما التورية فى أشعار العرب فإنما هى كناية بشجرة، أو شاة، أو بيضة، أو ناقة، أو مهرة، أو ما شاكل ذلك، كقول المسيب بن علس (4):
[المتقارب]
دعا شجر الأرض داعيهم ... لينصره السّدر والأثأب (5)
فكنى بالشجر عن الناس، وهم يقولون فى الكلام المنثور: جاء فلان بالشوك والشجر إذا / جاء بجيش عظيم (6).
__________
(1) سقط قوله: «أى فطل» من ص وف والمغربيتين.
(2) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فقال: ولا كل هذا».
(3) انظر هذا فى الأغانى 10/ 163و 164
(4) هو زهير بن علس بن عمرو بن قمامة بن خماعة أو جماعة من بنى ضبيعة بن ربيعة ابن نزار، يكنى أبا الفضة، ولقب المسيب لأنه كان قد أوعد بنى عامر بن ذهل فقالت بنو ضبيعة: قد سيبناك والقوم، وقيل لقب المسيب ببيت قاله، وهو جاهلى لم يدرك الإسلام، وهو خال الأعشى، وكان امتدح بعض الأعاجم، فأعطاه، ثم أتى عدوّا له من الأعاجم يسأله، فسمه فمات، ولا عقب له.
طبقات ابن سلام 1/ 156، والشعر والشعراء 1/ 174، والاشتقاق 316، والموشح 109، ومعجم الشعراء 301، والخزانة 3/ 240
(5) البيت فى تأويل مشكل القرآن 180. والسّدر: شجر النبق. والأثأب: شجر ينبت فى بطون الأودية بالبادية، وهو على ضرب التين.
(6) انظر مثل هذا فى تأويل مشكل القرآن.(1/564)
وكان (1) عمر رضى الله عنه، أو غيره من الخلفاء / قد حظر على الشعراء ذكر النساء، فقال حميد بن ثور الهلالى (2): [الطويل]
تجرّم أهلوها لأن كنت مشعرا ... جنونا بها يا طول هذا التّجرّم (3)
ومالى من ذنب إليهم علمته ... سوى أنّنى قد قلت يا سرحة اسلمى (4)
بلى فاسلمى ثمّ اسلمى ثمّت اسلمى ... ثلاث تحيّات وإن لم تكلّمى (5)
وقال أيضا فى مثل ذلك (6): [الطويل]
أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك ... على كلّ أفنان العضاه تروق (7)
فياطيب ريّاها ويا برد ظلّها ... إذا حان من شمس النهار شروق
فهل أنا إن علّلت نفسى بسرحة ... من السّرح مسدود علىّ طريق؟ (8)
حمى ظلّها شكس الخليقة خائف ... عليها عرام الطائفين شفيق (9)
يريد بذلك بعلها، أو ذا محرمها.
فلا الظّلّ منها بالضّحى تستطيعه ... ولا الفىء منها بالعشىّ تذوق (10)
__________
(1) فى ف: «وكان عمر أو غيره من الخلفاء».
(2) ديوان حميد بن ثور 133، وانظر كتاب الكناية والتعريض 3
(3) تجرم: يقال: تجرم علىّ فلان، أى ادعى ذنبا لم أفعله، وتجنى ما لم أجنه. وأشعر جنونا:
أى خالطه الجنون مما هام بها. [من هامش الديوان].
(4) السرحة: أصلها شجرة من العضاة، لا شوك لها، ومنبتها السهل، يستظلون بها، وهى هنا كناية عن المرأة، والعرب تكنى بالسرحة وغيرها عن المرأة. [من هامش الديوان].
(5) فى ف: «نعم فاسلمى».
(6) ديوان حميد بن ثور 40و 41مع اختلاف فى الترتيب.
(7) العضاه: اسم يقع على ما عظم من شجر الشوك وطال واشتد شوكه، وقيل غير ذلك. انظر اللسان فى [عضه].
(8) فى الديوان: «وهل أنا».
وعلّلت نفسى: شغلتها ولهّيتها. انظر اللسان فى [علل].
(9) فى الديوان: «عليها غرام» بالغين المعجمة، وأشار المحقق فى الهامش إلى مثل ما هنا.
والعرام: الشراسة.
(10) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «فلا الظل من برد الضحى تستطيعه»، وما فى ص يوافق الديوان، وفى ف: «ولا الفىء من برد العشى».(1/565)
وقال عنترة العبسى (1): [الكامل]
يا شاة ما قنص لمن حلّت له ... حرمت علىّ وليتها لم تحرم
وإنما ذكر (2) عبلة، امرأة (3) أبيّة، وكان يهواها، وقيل: بل كانت جارية (4) فلذلك حرّمها على نفسه.
وكذلك قوله (5): [الكامل]
والشاة ممكنة لمن هو مرتمى
والعرب تجعل المهاة شاة لأنها عندهم ضائنة الظباء، ولذلك يسمونها نعجة، وعلى هذا المتعارف فى الكناية جاء قول الله عز وجل فى إخباره عن خصم داود عليه السلام: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} [سورة ص: 23]، كناية (6) بالنعجة عن المرأة.
وقال امرؤ القيس (7): [الطويل]
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتّعت من لهو بها غير معجل
كناية (8) بالبيضة عن المرأة.
وروى ابن قتيبة (9) أن رجلا (10) كتب إلى عمر بن الخطاب / رضى
__________
(1) ديوان عنترة 213، وانظر الكناية والتعريض 3، وكفاية الطالب 204
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وإنما ذكر امرأة أبيه»، وهى قراءة خاطئة، انظر التعليق الآتى.
(3) أخطأ ناشرا المطبوعتين فى قراءة النص، ويوضح الكلام ما جاء فى كفاية الطالب 204:
«أراد امرأة يهواها، وقيل: أراد عبلة، وكانت امرأة أبيّة، وقيل: كانت جارية ولذلك حرمها على نفسه»، وانظر تأويل مشكل القرآن 266
(4) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «جاريته» وما فى ص يوافق تأويل مشكل القرآن، وكفاية الطالب.
(5) ديوان عنترة 214، والمذكور عجز بيت وصدره: «قالت رأيت من الأعادى غرة».
(6) فى ف: «كنى بالنعجة».
(7) ديوان امرئ القيس 13
(8) فى ف: «كنى بالبيضة».
(9) تأويل مشكل القرآن 264و 265، وانظر أيضا الكناية والتعريض 3، والمؤتلف والمختلف 81، والعقد الفريد 2/ 463، ومعجم الأدباء 3/ 1096 [ط إحسان].
(10) هذا الرجل هو بقيلة الأكبر الأشجعى، ويكنى أبا المنهال، وسبب كتابته بهذا الشعر(1/566)
الله عنه (1): [الوافر]
ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخى ثقة إزارى
قلائصنا هداك الله إنّا ... شغلنا عنكم زمن الحصار
فما قلص وجدن معقّلات ... قفا سلع بمختلف النجار
يعقّلهنّ جعد شيظمىّ ... وبئس معقّل الذّود الظّؤار (2)
قال (3): وإنما كنى بالقلص وهى النوق الشواب عن النساء، وعرّض برجل يقال له: «جعدة» كان يخالف إلى المغيّبات من النساء، ففهم عمر ما أراد، وجلد «جعدة»، ونفاه.
ومن الكناية اشتقاق الكنية لأنك تكنى عن الرجل (4) بالأبوة، فتقول:
أبو فلان، باسم ابنه، أو ما تعورف فى مثله، أو ما اختار لنفسه / تعظيما له
__________
أنه بلغه وهو فى غزاة أن والى مدينتهم جعدة بن عبد الله السلمى كان يخرج النساء إلى سلع عند خروج أزواجهن إلى الغزو، فيعقلهن، ويأمرهن بالمشى، ويقول: لا يمشى فى العقال إلا الحصان، فربما وقعت فتكشفت، فيبتهج بذلك جعدة لأنه كان غزلا صاحب نساء.
انظر تأويل مشكل القرآن 264هامش، والمؤتلف والمختلف 81، واللسان فى إزار أو قلائص، وتنظر القصة فى معجم الأدباء 10/ 83، والكناية والتعريض 3
(1) الأبيات جميعها فى تأويل مشكل القرآن 265، والمؤتلف والمختلف 81، واللسان فى [قلص] وتجدها ضمن ستة أبيات فى الوحشيات 108، وتجدها ضمن خمسة أبيات فى معجم الأدباء 3/ 1096 [ط إحسان]، واللسان فى [أزر]، وتجد الأول والثانى والرابع فى العقد الفريد 2/ 463، والأول والثانى فى الكناية والتعريض 3، والأول وحده فى تأويل مشكل القرآن 143، والصناعتين 253، وحلية المحاضرة 2/ 11، وإعجاز القرآن 80والثالث مع الشطر الأول من الرابع فى المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 2/ 484والأول دون نسبة فى شرح نهج البلاغة 5/ 43والمسلسل 269
(2) الشيظمى: الطويل الجسم الفتى. والذود: القطيع من الإبل. والظؤار جمع ظئر وهى العاطفة على غير ولدها، المرضعة له من الناس والإبل، الذكر والأنثى فى ذلك سواء. [من هامش تأويل القرآن].
(3) يقصد ابن قتيبة، وهذا القول بنصه تجده فى تأويل مشكل القرآن 265
وسقط قوله: «قال» من المطبوعتين والمغربيتين، وفى ف: «قال: فإنما»، وما فى ص يوافق تأويل مشكل القرآن.
(4) فى ص: «بالرجل بالأبوة»، وفى ف: «بالرجل عن الأبوة»، واعتمدت ما فى المطبوعتين. ومغربية، وفى الأخرى: «بالرجل عن بالأبوة» [كذا].(1/567)
وتفخيما، وتقول ذلك للصبى على جهة التفاؤل بأن يعيش، ويكون له ولد (1).
وقال (2) المبرد (3) وغيره: الكناية على ثلاثة أوجه: هذا الذى ذكرته آنفا أحدها، والثانى: التعمية، والتغطية التى تقدم شرحها، والثالث: الرغبة عن اللفظ الخسيس، كقول (4) الله جلّ وعلا: {وَقََالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنََا} [سورة فصلت: 21]، فإنها فيما ذكر كناية عن الفروج (5). ومثله فى القرآن، وفى كلام الفصحاء كثير.
* * * __________
(1) انظر هذا القول كله فى الكامل 2/ 292مع بعض اختلاف.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قال».
(3) انظر هذا فى الكامل 2/ 292290
(4) فى ف: «ومنه قول الله تعالى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «كقوله الله عز وجل».
(5) وانظر حديث المبرد عن الآية مرة أخرى فى الكامل 2/ 131فى ذات المعنى.(1/568)
باب التتبيع (10)
ومن أنواع الإشارة «التتبيع»، وقد يسمونه «التجاوز»: وهو أن يريد الشاعر ذكر شئ فيتجاوزه، ويذكر ما يتبعه فى الصفة، وينوب عنه فى الدلالة (1)
عليه، وأول من أشار إلى ذلك امرؤ القيس بقوله (2) يصف امرأة (3):
[الطويل]
ويضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل
فقوله: «يضحى فتيت المسك» تتبيع، وقوله: «نؤوم الضحى» تتبيع ثان، / وقوله: «لم تنتطق عن تفضل» تتبيع ثالث، وإنما أراد أن يصفها بالترف (4)
والنعمة، وقلّة الامتهان فى الخدمة، وأنها شريفة مكفيّة المؤونة، فجاء (5) بما يتبع الصفة، ويدل عليها أفضل دلالة.
ونظيره قول الأخطل يصف نساء (6): [البسيط]
لا يصطلين دخان النار شاتية ... إلّا بعود يلنجوج على فحم
يذكر أنهن ذوات تملّك وشرف حال.
وأين من هذا قول النابغة فى قصده (7) ومعناه (8)؟: [البسيط]
ليست من السّود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبى نخلة البرما (9)
__________
(10) انظره فى نقد الشعر 155تحت عنوان «الإرداف»، والصناعتين 350تحت عنوان: «فى الإرداف والتوابع»، وحلية المحاضرة 1/ 155تحت عنوان «أبدع ما قيل فى التتبيع»، وكفاية الطالب 207تحت عنوان «باب التجاوز»، وتحرير التحبير 207تحت عنوان «باب الإرداف والتتبيع»، وإعجاز القرآن 71تحت قوله:
«وسماها بعض أهل الصنعة باسم آخر، وجعلوها من باب الإرداف»، وسر الفصاحة 221والمنصف 64
(1) فى ص: «بالدلالة».
(2) سقط قوله: «بقوله» من ف والمطبوعتين.
(3) ديوان امرئ القيس 17وفيه «وتضحى»، وانظر ما قيل عن البيت فى المصادر المذكورة فى أول التعليقات.
(4) فى المطبوعتين فقط: «بالترفه».
(5) فى خ ومغربية: «فجاءها بما».
(6) ديوان الأخطل 1/ 222، واليلنجوج: عود يتبخّر به.
(7) فى ف والمطبوعتين: «فى معناه وقصده».
(8) ديوان النابغة الذبيانى 61
(9) نخلة: اسم سوق، وهى بستان ابن معمر. والبرم جمع برمة: وهى قدر النحاس، وتروى «البرما»، وهو ثمر الأراك قبل أن يسودّ. أى ليست بسوداء الرجل إذا انقلبت، وأرتك عقبها، أى هى ناعمة بيضاء لأنها صاحبة خفض وتنعم، وإذا نفى السواد عن عقبها فقد نفاه عن كلها. [من الديوان].(1/569)
كأنها إن لم تكن هكذا (1) سوداء العقبين بيّاعة للبرم كانت فى نهاية الحسن والشرف والدّعة.
وقال النابغة، وأراد أن يصف طول العنق، وتمام الخلقة فيها فذكر القرط إذ كان مما يتبع وصف العنق، ولم يسبقه إلى ذلك أحد من الشعراء (2):
[الطويل]
إذا ارتعثت خاف الجبان رعاثها ... ومن يتعلّق حيث علّق يفرق (3)
فجعل رعاثها يخاف ويفرق، وعذره لبعد (5) مسقطه.
فتناول هذا المعنى عمر بن أبى ربيعة، فأوضحه بقوله (6):
[الطويل]
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
وتبعه ذو الرمة، فزاد المعنى وضوحا بقوله (7): [البسيط]
والقرط فى حرّة الذّفرى معلّقه ... تباعد الحبل منه فهو يضطرب (8)
/ وقال طفيل الغنوى يصف فرسا، ويروى لغيره (9): [المتقارب]
هريت قصير عذار اللجام ... أسيل طويل عذار الرّسن (10)
__________
(1) سقطت «هكذا» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) ديوان النابغة الذبيانى 181، وانظر ما قيل عن البيت فى الشعر والشعراء 1/ 171
(3) فى ف: «إذا ارتعشت ومن تعلق» وهو خطأ، وفى الديوان: «خاف الجنان».
وارتعثت: تقرّطت، أى لبست القرط، والرّعثة: القرط.
(5) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «ببعد».
(6) ديوان عمر بن أبى ربيعة 208وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 155والمنصف 64
(7) ديوان ذى الرمة 1/ 35
(8) فى ص: «تباعد الحبل منها». وحرة الذفرى: موضع مجال القرط منها. والذفرى:
مسافة تدلى القرط عن يمين وشمال.
(9) البيت دون نسبة فى الأمالى 2/ 249، ونسب فى المعانى الكبير 1/ 124إلى الأعشى، ولم أجده فى ديوانه، وفى هامش المعانى الكبير ذكر أن الأشبه أنه لابن مقبل كما نسب إليه فى اللسان فى «رسن» وقد وجدته فى ديوانه 290نقلا عن اللآلىء والاقتضاب واللسان، والبيت فى العقد الفريد 1/ 155دون نسبة، وذكر فى الهامش أنه لابن مقبل نقلا عن شرح القاموس، واللسان، وجاء فى السمط 2/ 878، وذكر أنه للأعشى نقلا عن المعانى الكبير، وفى الهامش ذكر أنه لابن مقبل أو لطفيل نقلا عن الاقتضاب والعمدة.
والهريت: الواسع الشدقين. وطويل عذار الرّسن: أى طويل الخد.
(10) فى المطبوعتين: «قصير عذير»، وما فى ص وف ومغربية يوافق الأمالى، والمصادر المذكورة فى التخريج، وفى المغربية الأخرى: «قصار عذار» [كذا].(1/570)
فلو ترك ذكر (1) «الهرت والأسالة» لكان / من هذا الباب، لكنه الآن لم يقصد التتبيع، وإنما جاء به كالتوكيد لما قبله، هذه رواية ابن قتيبة، وأما (2) رواية النحاس (3) عن شيوخه عن الأصمعى فإنها (4): [المتقارب]
وأحوى قصير عذار اللجا ... م وهو طويل عذار الرّسن
وهذا تتبيع لا شك فيه.
وأما قول الأخطل (5): [الطويل]
أسيلة مجرى الدّمع أمّا وشاحها ... فجار وأمّا الحجل منها فما يجرى
ففيه التتبيع فى ثلاثة مواضع: وهى صفة الخدّ بالسهولة، وصفة الخصر بالدّقّة (6)، وصفة الساق بالغلظ.
ومثله قول الأعشى (7): [البسيط]
صفر الوشاح وملء الدّرع بهكنة ... إذا تأتّى يكاد الخصر ينخزل (8)
فقوله: «صفر الوشاح» دال على دقة (9) الخصر، و «ملء الدرع» دالّ على
__________
(1) سقطت كلمة «ذكر» من المطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى المطبوعتين والمغربيتين: «فأما».
(3) فى ص: «ابن النحاس».
(4) انظر العقد الفريد هامش 1/ 155، وفيه ذكر أن هذه الرواية فى كتاب الخيل للأصمعى.
(5) ديوان الأخطل 1/ 179، وفيه: «أما وشاحها فيجرى»، وانظر كفاية الطالب 207
(6) فى ص والمطبوعتين ومغربية: «بالرقة»، واعتمدت ما فى ف ومغربية وكفاية الطالب لأنه المناسب للخصر، ولأنه سيذكر دقة الخصرفى قول الأعشى.
(7) ديوان الأعشى 91
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «وملء الدرع خرعبة»، وما فى ص وف يوافق الديوان، وفى ف: «إذا ما تأتى» وهو خطأ.
وصفر الوشاح: دقيقة الخصر. ملء الدرع: كبيرة الأرداف. بهكنة: ضخمة الخلق. تأتّى: أى تتأتّى وتترفق. ينخزل: ينبتّ وينقطع، يريد: أنه يجفو وشاحها عن خصرها، فلا يمسه لدقته، وتملأ أردافها القميص حتى يضيق بها، إذا تثنّت مترفقة خيل إليك أن خصرها الناحل سينبتّ وينقطع [من الديوان].
(9) فى المطبوعتين والمغربيتين: «رقة».(1/571)
تمام الخلق، من طول، وسمن، وامتلاء صدر وعجيزة، وكل ما وقع من قولهم:
«طويل النجاد» و «كثير الرماد»، وما شاكلهما (1) فهو من هذا الباب.
وقالت ليلى الأخيلية (2): [الكامل]
ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما (3)
أرادت أنه يجذب، ويتعلّق به فى الحاجات (4) لجوده وسؤدده، وكثرة الناس حوله، وقيل: إنما ذلك لعظم مناكبه، وهم يحمدون ذلك.
ومن عجيب ما وقع فى هذا الباب من التجاوز قول أوس بن حجر (5):
[الكامل]
حتّى يلفّ نخيلهم وبيوتهم ... لهب كناصية الحصان الأشقر
أراد حربا (6) تشبه اللهب بتجاوز وصفها إلى صفة اللهب، فشبهه بناصية
__________
(1) فى ف والمطبوعتين: «وما يشاكلهما»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) هى ليلى بنت الأخيل نسبة إلى جدها الأعلى من عقيل بن كعب، وهى من أشعر النساء، لا يقدم عليها غير الخنساء، هجاها النابغة الجعدى، فهجته ففاقته، وأخملته، أحبها توبة الحميرى، ومات من حبها، وعاشت إلى زمن الحجاج، وماتت منصرفها من خراسان بعد سفرها إلى قتيبة بن مسلم.
الشعر والشعراء 1/ 448، والأغانى 11/ 204، والأمالى 1/ 86، ومسائل الانتقاد 102
(3) البيت لها فى الشعر والشعراء 1/ 451، وشرح ديوان الحماسة 4/ 1609، وزهر الآداب 1/ 180 وفيه: «وممزق»، ونهاية الأرب 7/ 60، والبيان والتبيين هامش 1/ 231، والأمالى 1/ 248فى أحد الرأيين، وفى الآخر لحميد بن ثور، وقد وجدته فى ديوانه 131، وفيه كلام جيد فى تخريج القصيدة يحسن الرجوع إليه، ونسب خطأ إلى الخنساء فى الصناعتين 352، وفى السمط 1/ 43لليلى الأخيلية، وقد عثرت بآخرة على ديوان ليلى الأخيلية ووجدته فيه فى 110ولم أر ما يدعو لحذف التخريج السابق.
(4) فى ف والمطبوعتين: «للحاجات»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(5) ديوان أوس بن حجر 48، والبيت فى الصناعتين 256مع اختلاف فى بعض الألفاظ، وفى المعانى الكبير 2/ 950، بيت غير منسوب وفيه: «لأجنين لعامر ولمنقذ حربا» فتوهم المعلق على الكتاب بسبب قوله: «كناصية أغصان الأشقر» وذكر كلاما فى الهامش يوهم بأنه لأوس استنادا على البيت الذى فى العمدة، وكأنه يقابل عليه.
(6) من قوله: «حربا تشبه» إلى «بناصية الفرس الأشقر دون» ساقط من ف والمطبوعتين فقط، وفى ف بدأ القول هكذا: «دون الحرب».(1/572)
الجزء الثانى
باب التفسير (7)
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما (1)
وهو أن يستوفى الشاعر شرح ما ابتدأ به مجملا، وقلّ ما يجئ هذا إلا فى أكثر من بيت (2)، نحو قول الفرزدق (3)، واختاره قدامة (4):
[الطويل]
لقد خنت قوما لو لجأت إليهم ... طريد دم أو حاملا ثقل مغرم (5)
لألفيت فيهم معطيا ومطاعنا ... وراءك شزرا بالوشيج المقوّم (6)
وهذا جيد فى معناه، إلا أنه غير مرتّب لأنه فسّر الآخر أولا، والأول آخرا، فجاء فيه بعض التقصير والإشكال، على أن من / العلماء من يرى أن ردّ الأقرب على الأقرب والأبعد على الأبعد أصحّ فى الكلام.
__________
(7) انظره فى نقد الشعر 135، تحت عنوان «صحة التفسير» و 203، تحت عنوان «فساد التفسير»، والصناعتين 345، تحت عنوان «فى صحة التفسير»، وإعجاز القرآن 95، وبديع أسامة 72، تحت عنوان: «باب التفسير» وكفاية الطالب 209، تحت عنوان «باب التفسير»، وسر الفصاحة 262، ونهاية الأرب 7/ 129، تحت قوله: «وأما التفسير»، وتحرير التحبير 185، تحت عنوان «باب صحة التفسير والتبيين».
(1) سقط: «صلى الله على سيدنا ومولانا محمد الخ من ع وف والمطبوعتين والمغربيتين.
(2) فى المطبوعتين: «من بيت واحد».
(3) ديوان الفرزدق 2/ 749و 750
(4) نقد الشعر 135و 136، وانظره فى الصناعتين 346، وسر الفصاحة 262، وتحرير التحبير 185، ونهاية الأرب 7/ 129، وكفاية الطالب 209
(5) فى المطبوعتين والصناعتين ونهاية الأرب وسر الفصاحة وتحرير التحبير «لقد جئت»، وفى هامش نقد الشعر «خنت تروى جئت»، وكانت فى أصل كفاية الطالب «خنت»، ولكننى كنت اعتمدت ما فى المطبوعتين، دون اعتماد الديوان، وهذا خطأ منى.
(6) فى الديوان ونقد الشعر «لألفيت فيهم مطعما»، وفى الصناعتين:
«أو مطاعنا»، وفى تحرير التحبير «لألفيت منهم». الطعن الشّزر: ما طعنت بيمينك وشمالك.
والوشيج: شجر الرماح. والمقوم: المثقف، والمعتدل. [انظر اللسان].(2/621)
وأكثر ما فى التفسير عندى السلامة من سوء التضمين لأنه (1) هو بعينه، ما لم يكن فى بيت واحد، أو شبيه به كالذى أنشده سيبويه (2):
[الرجز]
خوّى على مستويات خمس ... كركرة وثفنات ملس (3)
لأن هذا وإن كان كالبيت المصرّع فهو بيتان من مشطور الرجز.
ومن التفسير الجيد قول حاتم الطائى (4)، ويروى لعتيبة بن مرداس (5):
[الطويل]
متى ما يجئ يوما إلى المال وارثى
يجد جمع كفّ غير ملأى ولا صفر (6)
يجد فرسا مثل العنان وصارما
حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر (7)
__________
(1) فى المطبوعتين فقط «لا أنه».
(2) الكتاب 1/ 432، وقد نسب البيت فيه إلى العجاج، وهو فى ديوان العجاج 475و 476، وجاء دون نسبة فى الأمالى 2/ 168، وجاء خمس مرات فى جمهرة اللغة.
(3) خوّى: إذا برك البعير ولم يلتصق بطنه بالأرض لضموره. والكركرة: الصدر من كل ذى خف. والثفنات جمع ثفنة: بفتح الثاء وسكون الفاء وهى ما أصاب الأرض من البعير من صدره وركبتيه ورجليه إذا برك.
(4) هو حاتم بن عبد الله بن سعد ابن طىء، يكنى أبا سفّانة، وأبا عدى، كان من شعراء العرب وفرسانهم المظفرين، وكان جوادا يشبه شعره جوده، ويصدق قوله فعله، ورث الكرم عن أمه، وورثته ابنته سفّانة، ويضرب المثل بكرمه وجوده، وليس له عقب إلا من ابنه عبد الله.
الشعر والشعراء 1/ 241، والمعارف 313، والأغانى 17/ 363، والاشتقاق 29و 391، وسمط اللآلى 1/ 606، وخزانة الأدب 3/ 127، و 4/ 213و 9/ 400، وشرح أبيات مغنى اللبيب 1/ 66و 2/ 77، وديوانه.
(5) فى ديوان حاتم الطائى 238، وفيه تخريج طويل يحسن الرجوع إليه، ولكنه لم يذكر ما جاء فى الأغانى 22/ 234، فقد جاء فيه البيتان الأول والثانى ضمن ستة أبيات تنسب إلى عتيبة بن مرداس المعروف بابن فسوة، وفى الوساطة 241 «حاتم ويروى لربيعة بن مرداس». وهناك اختلاف يسير.
(6) فى ص: «متى يجىء» وكذا جاء فى الأغانى. وجمع كفّ: قدر ما يشتمل عليه الكف.
(7) فى ع: «ملء العنان»، وهى مثل الوساطة فقط.
ومثل العنان: يعنى ضامرا مثل العنان فى إدماجه وضمره. والهبر: القطع من اللحم، يعنى أن السيف لم يرض بقطع اللحم، ولكنه يقطع العظم مع اللحم.(2/622)
وأسمر خطّيّا كأنّ كعوبه
نوى القسب قد أرمى ذراعا على العشر (1)
فهذا هو التفسير الصحيح السالم من ضرورة التضمين لأنه لم يعلق كلامه ب «لو» كما فعل الفرزدق، ولا بما يقتضى الجواب اقتضاء كليا، فلهذا حسن عندى.
ومثله قول عروة بن الورد (2):
[الطويل]
وذى أمل يرجو تراثى وإنّ ما ... يصير له منه غدا لقليل (3)
ومالى مال غير درع ومغفر ... وأبيض من ماء الحديد صقيل (4)
وأسمر خطّىّ القناة مثقّف ... وأجرد عريان السّراة طويل
هكذا أنشدوه بالإقواء، ويجوز أن يرفع على القطع والإضمار / كأنه قال:
هو صقيل، أو قال: ولى أبيض من ماء الحديد، يعنى سيفه.
__________
(1) فى ص ومغربية والمطبوعتين: «قد أربى ذراعا»، وفى ف: «قد أرخى ذراعا».
يقال: أربيت على الخمسين وأرميت إرماء، أى زدت، وأرميت أجودها، وأربيت مثل أرميت، [انظر الديوان] والأسمر: الرمح. والخطىّ: نسبة إلى الخط وهو مكان فى البحرين تباع فيه الرماح.
والكعوب: العقد. والقسب: نوع من التمر صلب النوى غليظه، تشبه به الرماح. وأرمى: أى لا طويل ولا قصير، وفى ذات المعنى أربى.
(2) هو عروة بن الورد وقيل: ابن عمرو بن زيد بن عبد الله من بنى عبس، وكان يلقب عروة الصعاليك، وعرف عروة بالكرم حتى إن عبد الملك بن مروان قال: ما يسرنى أن أحدا من العرب ولدنى إلا عروة بن الورد.
الشعر والشعراء 2/ 675، والأغانى 3/ 73، والاشتقاق 279، وسمط اللآلى 2/ 823
(3) الأبيات ليست فى ديوان عروة ط دار الكتاب العربى، وقد وجدتها بنسبتها إلى عروة فى الوساطة 242، ووجدتها فى شرح ديوان الحماسة 1/ 468ضمن ستة أبيات تنسب إلى أبى الأبيض العبسى، ووجدتها ضمن أربعة أبيات فى ديوان عروة ط الخانجى 136فى الشعر المنسوب إليه.
وفى المطبوعتين جاء صدر البيت هكذا: «وإن امرأ يرجو»، وفى ع: «يصير له منى»،
وهى توافق شرح الحماسة وما فى ص وف والمغربيتين والمطبوعتين يوافق الوساطة.
(4) فى شرح ديوان الحماسة: «غير درع حصينة» وأشير فى هامشه إلى ماهنا، مع أنه فى الشرح ذكر معنى المغفر، وفى م جاءت اللام فى «صقيل» مكسورة على الإقواء. والمغفر: حلق يتقنع بها المتسلح، وكذلك الغفارة، وقال الخليل: المغفر: رفرف البيضة.(2/623)
وقال ذو الرمة فى التفسير (1): [الطويل]
وليل كجلباب العروس ادّرعته ... بأربعة والشّخص فى العين واحد
أحمّ علافىّ وأبيض صارم ... وأعيس مهرىّ وأروع ماجد (2)
ففسّر الأربعة ما هى، ورفع على شرط ما قدمت من الإضمار، كأنه قيل له:
ما الأربعة التى شخصها فى العين واحد؟ فقال (3): هى كذا وكذا وكذا وكذا.
ومن التفسير ما يفسّر الأكثر فيه بالأقل، وهو من باب الإيجاز والاختصار، وذلك ما أتت فيه الجملة بعد الشرح، نحو قول أبى الطيب (4):
[الكامل]
من مبلغ الأعراب أنّى بعدها ... جالست رسطاليس والإسكندرا (5)
ومللت نحر عشارها فأضافنى ... من ينحر البدر النّضار لمن قرى
وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملّكا متبدّيا متحضّرا
ولقيت كلّ الفاضلين كأنّما ... ردّ الإله نفوسهم والأعصرا
نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما ... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخّرا
فقوله: «نسقوا لنا نسق الحساب وأتى فذلك إذ أتيت» تفسير مليح قليل النظير فى أشعار الناس.
وتعلقت به فى بعض مدح السيد أبى الحسن فقلت (6):
[مجزوء المتقارب]
أتى بعد أهل العلى ... كجملة شىء شرح
وقد أتى به أبو الطيب فى بيت واحد أيضا (7) فقال (8):
__________
(1) ديوان ذى الرمة 2/ 1108و 1109، وقد سبق البيت الأول فى باب التشبيه ص 488
(2) فى ف: «وأعيس مهدى»، وفى الديوان: «وأشعث ماجد».
الأحمّ: الأسود، ويقصد الرّحل. وعلافىّ: نسبة إلى علاف، وهم من قضاعة، وهم أول من نحت الرحال. وأعيس: بعير يضرب بياضه إلى الحمرة. ومهرى: منسوب إلى مهرة.
(3) فى ف: «فقال: هى كذا وكذا»، وفى المطبوعتين: «فقال: كذا وكذا وكذا»، وما فى ع وص يوافق مغربية، وفى الأخرى: «فقال: هى كذا وكذا وكذا».
(4) ديوان المتنبى 2/ 170و 171
(5) فى الديوان: «شاهدت رسطاليس».
(6) ديوان ابن رشيق 56
(7) سقط قوله: «أيضا فقال» من ع، وسقطت كلمة «أيضا» من ف والمطبوعتين والمغربيتين، واعتمدت ما فى ص.
(8) ديوان المتنبى 4/ 76(2/624)
[الوافر]
إذا عدّ الكرام فتلك عجل ... كما الأنواء حين تعدّ عام
فهذا هو (1) الذى كنا نرغب فيه لكون المفسّر والمفسّر به فى بيت واحد.
ونظيره (2) قوله أيضا (3):
[الطويل]
مضى وبنوه وانفردت بفضلهم ... وألف إذا ما جمّعت واحد فرد
فجاء به أيضا فى بيت واحد.
وكذلك قول امرئ القيس (4):
[الطويل]
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفانى ولم أطلب قليل من المال
ومن (5) الأول قول عمرو بن معديكرب الزبيدى (6):
[الوافر]
فأرسلنا ربيئتنا فأوفى ... فقال: ألا أولى خمس رتوع (7)
رباعية وقارحها وجحش ... وتالية وهادية زموع (8)
ففسر الخمس ما هى، وأنّثها لغلبة التأنيث على اسم الدابة (9).
__________
(1) سقط الضمير «هو» من المطبوعتين، وفى المغربيتين: «هذا هو».
(2) فى ص: «ونظيره أيضا» بإسقاط «قوله»، وفى ع: «ونظيره أيضا قوله»، واعتمدت ما فى ف والمطبوعتين والمغربيتين.
(3) ديوان المتنبى 1/ 381
(4) ديوان امرىء القيس 39، وانظر الحلية 1/ 328وكفاية الطالب 209
(5) فى المطبوعتين فقط: «ومن قول عمرو» بإسقاط كلمة «الأول».
(6) شعر عمرو بن معديكرب 130و 131، والأصمعيات 174
(7) فى ع وف: «ألى»، وفى الأصمعيات: «ألا ألا».
والربيئة: من يراقب الصيد. والرتوع: هى التى ترتع وتأكل ما تشاء فى خصب وسعة وأمن.
وأولى: مقصور أولاء.
(8) فى ع «وثالثة وعادية»، وفى ص: «وجيش» بدل «وجحش»، وفى المطبوعتين:
«وثالثة وهادية»، وفى الديوان والأصمعيات «وهادية وتالية».
والرباعية: هى الأتان التى سقطت رباعيتها لبلوغها الرابعة من عمرها. والقارح: هو الفحل الذى تمت أسنانه لبلوغه الخامسة من عمره. والتالية: المتأخرة. والهادية: المتقدمة. والزموع: السريعة النشيطة.
(9) فى المطبوعتين فقط: «الدواب».(2/625)
وقال مالك (1) بن حريم (2)، وقيل: خريم (3):
[الطويل]
فإن يك شاب الرّأس منّى فإنّنى ... أبيت على نفسى مناقب أربعا (4)
فواحدة ألّا أبيت بغرّة ... إذا ماسوام الحىّ حولى تضوّعا (5)
وثانية ألّا تقذّع جارتى ... إذا كان جار القوم فيهم مقذّعا (6)
وثالثة ألّا أصمّت كلبنا ... إذا نزل الأضياف حرصا لنودعا (7)
ورابعة ألّا أحجّل قدرنا ... على لحمها حين الشّتاء لنشبعا
«أحجل» أستر (9)، أى أجعلها فى حجلة لتخفى عن الجار رغبة فى أن نشبع، ولكن أبرزها.
وكتب (10) أحمد بن يوسف وفى رواية النحاس: عمرو بن مسعدة
__________
(1) فى ع: «مالك بن حزيم، وقيل خزيم»، وفى ف والمطبوعتين: «مالك بن خريم، وقيل:
حزيم» واعتمدت ما فى ص والمغربيتين.
(2) هو مالك بن حريم وقيل: خريم، وخزيم، وحزيم بن مالك بن حريم بن دألان الهمدانى، شاعر جاهلى، وكان من لصوص همدان.
الحيوان 2/ 210، وعيون الأخبار 1/ 237، ومعجم الشعراء 255، والاشتقاق 17و 427، وما يقع فيه التصحيف والتحريف 377و 378، والأمالى 2/ 123، وسمط اللآلى 2/ 748و 749، والقاموس فى [حرم]، وشرح ديوان الحماسة 3/ 1171، والحماسة 1/ 598
(3) الأبيات فى الأصمعيات 64، باختلاف فى الترتيب، والثانى والثالث والرابع فى الحيوان 2/ 210و 211، باختلاف فى بعض الألفاظ.
(4) المناقب: المفاخر والمآثر.
(5) الغرة: الغفلة. والسوام: المواشى. وتضوعا: تفرقت وانتشرت.
(6) فى ص: «ألا تقدع جارتى فيهم مقدعا» بالدال المهملة فيهما، وهو تصحيف، وفى ف والمطبوعتين والحيوان: «ألا تفزع مفزعا»، وما فى ع ومغربية يوافق الأصمعيات، وفى إحدى المغربيتين: «إذا بات جار القوم فيهم مودعا».
والقذع: الرمى بالفاحشة.
(7) صمّت الكلب: منعه من أن ينبح.
(9) فى ع والمطبوعتين: «أحجل، أستر، أجعلها» وفى ع: «فى حجالة»، وفى ف:
«أى لا أجعلها»، واعتمدت ما فى ص والمغربيتين.
(10) انظره فى أخبار الشعراء المحدثين 231 [من كتاب الأوراق]، وزهر الآداب 1/ 437، والصناعتين 23، وخاص الخاص 8، مع اختلاف فى الترتيب وبعض الألفاظ، وجاء فى كتاب الخراج 38، وربيع الأبرار 1/ 97(2/626)
عن المأمون: «أما بعد، فقد أمر أمير المؤمنين بالاستكثار من المصابيح فى شهر رمضان فإن فى ذلك أنسا للسابلة، وضياء للمتهجدين، ونفيا لمكامن الرّيب، وتنزيها لبيوت الله عز وجل عن وحشة الظّلم».
ومن جيد التفسير فى بيت / واحد قول أبى الطيب (1):
[الطويل]
فتى كالسّحاب الجون يخشى ويرتجى
يرجّى الحيا منه وتخشى الصّواعق (2)
فإنه قد أحكمه أشد إحكام، وجاء به أحسن مجئ، حتى أربى فيه على البحترىّ إذ يقول (3):
[الطويل]
بأروع من طىّ كأنّ قميصه ... يزرّ على الشّيخين زيد وحاتم (4)
سماحا وبأسا كالصّواعق والحيا ... إذا اجتمعا فى العارض المتراكم
وقد ردّ الكلام جميعا آخره (5) على أوله عكسا.
وأصل هذا من المعجز قول (6) الله تعالى اسمه (7): {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} [سورة الرعد: 12].
وقال أبو الطيب أيضا فى التفسير المستحسن (8):
[البسيط]
إن كوتبوا أولقوا أو حوربوا وجدوا ... فى الخطّ واللّفظ والهيجاء فرسانا
__________
(1) ديوان المتنبى 2/ 346، وانظره فى كفاية الطالب 210
(2) فى ف: «كالسحاب الجون يرجى ويتقى»، وفى الديوان: «يرجى الحيا منها»
والجون بضم الجيم وفتحها: الأبيض والأسود والأحمر، فهو من ألفاظ الأضداد.
(3) ديوان البحترى 3/ 1971، وانظره فى كفاية الطالب 210
(4) سقط هذا البيت من ف، والمقصود بزيد وحاتم زيد الخير، وحاتم الطائى وانظر ما قيل عنه فى الموازنة 1/ 365
(5) فى ع: «أوله على آخره»، وسقطت كلمة «عكسا» من ع والمطبوعتين فقط.
(6) فى ص: «قال الله تبارك وتعالى»، وفى ف «قال الله تعالى»، وفى المطبوعتين: «قول الله تعالى»، وفى إحدى المغربيتين: «قول الله جل اسمه»، وفى الأخرى: «قال الله جل اسمه».
(7) فى ع وف والمغربيتين والمطبوعتين وأصل كفاية الطالب «وهو الذى»، وهو خطأ.
(8) ديوان المتنبى 4/ 227، وانظره مع تعليقه فى كفاية الطالب 210(2/627)
ففسّر، وقابل كل نوع بما يليق به، من غير تقديم ولا تأخير، كالذى وقع أولا فى بيتى الفرزدق.
ومن التفسير قول كشاجم، واسمه محمود بن الحسين (1):
[السريع]
فى فمها مسك ومشمولة ... صرف ومنظوم من الدّرّ
فالمسك للنّكهة والخمر للر ... ريقة واللّؤلؤ للثّغر
وهذا من مليح ما وقع للمحدثين.
وقال (2) لقمان لابنه: «إيّاك والكسل، والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤدّ (3) حقّا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق».
* * * __________
(1) ديوان كشاجم 161المقطوعة رقم 18، من قافية الراء، وانظرهما فى ديوان المعانى 1/ 240، ونهاية الأرب 2/ 61، وكفاية الطالب 210، ونزهة الأبصار 377
(2) هذا القول فى بديع ابن المعتز 38، وبهجة المجالس 2/ 87، وكفاية الطالب 210
(3) فى ع وكفاية الطالب: «لم ترد».(2/628)
باب الاستطراد (6)
وهو أن يرى الشاعر أنه (1) يريد وصف شئ، وهو إنما يريد غيره، فإن قطع، أو رجع إلى ما كان فيه فذلك استطراد، وإن تمادى فذلك خروج.
وأكثر الناس يسمون الجميع استطرادا، والصواب ما بينته.
وأصحّ (2) الاستطراد قول السّموءل (3)، وهو أول من نطق به حيث يقول (4):
[الطويل]
ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... إذا مارأته عامر وسلول (5)
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
__________
(6) انظره فى بديع ابن المعتز 60، تحت عنوان «حسن الخروج»، والصناعتين 398، تحت عنوان «فى الاستطراد»، وحلية المحاضرة 1/ 163، تحت عنوان «أبدع ما قيل فى الاستطراد»، وزهر الآداب 2/ 1013، وإعجاز القرآن 103، وبديع أسامة 75، وتحرير التحبير 130، ونهاية الأرب 7/ 119، تحت قوله: «وأما الاستطراد»، وكفاية الطالب 215، ومعاهد التنصيص 1/ 384
(1) فى ع والمطبوعتين: «أنه فى وصف».
(2) فى المطبوعتين فقط: «وأوضح».
(3) هو السموءل بن عريض أو بفتح العين وكسر الراء بن عادياء، وبعضهم يقول:
السموءل بن عادياء، وهو صاحب الحصن المعروف بالأبلق، وكانت العرب تنزل به فيضيفها، وتمتار من حصنه، وهو الذى أودع عنده امرؤ القيس دروعا وسلاحا كثيرا قبل رحيله إلى قيصر، وأرسل له الحارث الغسانى يطلب ودائع امرىء القيس، فرفض أن يخفر ذمته، وكان للسموءل ابن خارج الحصن فأخذ فقتل، ومع ذلك رفض تسليم الودائع، فضرب به المثل فى الوفاء.
طبقات ابن سلام 1/ 279، والشعر والشعراء 1/ 118و 119و 262، والأغانى 22/ 117، والمؤتلف والمختلف 211، والخزانة 8/ 497، والسمط 1/ 595
(4) البيتان فى البيان والتبيين 4/ 68، والأمالى 1/ 269، وشرح ديوان الحماسة 1/ 114 و 115، وحلية المحاضرة 1/ 164، والزهرة 2/ 643و 644، وزهر الآداب 2/ 1016، وبديع أسامة 76، وكفاية الطالب 215، وشرح نهج البلاغة 3/ 279و 5/ 172، والأول وحده فى بديع ابن المعتز 61، والصناعتين 399، وسر الفصاحة 197، وتحرير التحبير 132، ونهاية الأرب 7/ 119، والثانى وحده فى زهر الآداب 2/ 968وسيأتى البيت الأول فى ص 887
(5) فى المصادر السابقة اختلاف فى بداية هذا البيت ففى بعضها: «وإنا لقوم ما نرى»،
وفى بعضها: «وإنا أناس لا نرى» وفى بعضها «وإنا لقوم لا نرى».(2/629)
واتّبعه الناس، فقال الفرزدق، وأجاد (1):
[الطويل]
كأنّ فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا اجتمعوا أفواه بكر بن وائل (2)
ثم أتى جرير، فأربى، وزاد بقوله (3):
[الكامل]
لمّا وضعت على الفرزدق ميسمى
وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل (4)
فهجا واحدا، واستطرد باثنين.
وقال مخارق بن شهاب المازنى (5) يصف معزى (6)
[الطويل]
ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع يتحوّب (7)
فوفد ابن قيس هذا على النعمان بن المنذر، فقال له (8): كيف المخارق بن
__________
(1) ديوان الفرزدق 2/ 708ط الصاوى، ولم أجده فى طبعة دار صادر. والبيت موجود فى حلية المحاضرة 1/ 164، وزهر الآداب 2/ 1015، وكفاية الطالب 215
(2) فى حلية المحاضرة بياض فى مكان كلمة «فقاح»، وفى ع وف: «إذا جلسوا»، وفى هامش المطبوعتين كتب: «فى نسخة. حول بيوتهم إذا حلبوا»، وفى ف: «حول بيوتهم إذا حلبوا»، وفى الديوان: «فقاح الأسد إذا عرقوا أفواه»، وفى المغربيتين: «فكاح الأسد».
(3) ديوان جرير 2/ 940، وانظر ما قيل عنه فى حلية المحاضرة 1/ 165، وزهر الآداب 2/ 1015، وكفاية الطالب 215، وبديع أسامة 81
(4) فى ف وحلية المحاضرة: «وعلى البعيث».
والميسم: الحديدة التى تحمى ليكوى بها البعير. وضغا: صاح. وجدع: قطع.
(5) هو مخارق بن شهاب أحد بنى خزاعى بن مالك بن عمرو بن تميم، وقيل: مخارق بن شهاب بن قيس التميمى، قيل: هو شاعر إسلامى، وقيل: مخضرم.
البيان والتبيين هامش 4/ 41، والحيوان 5/ 489، والأمالى (الذيل) 50، وعيون الأخبار 2/ 76، وما بعدها، وكفاية الطالب 215
(6) البيت فى البيان والتبيين 4/ 43، والحيوان 5/ 490، وعيون الأخبار 2/ 77
(7) فى أصل البيان والتبيين 4/ 43، «وجار ابن قيس»، وفى الهامش «وضيف ابن قيس»، وفى ع «يموت بغبطة جائع يتخوف». وفى ص: «جائع يتخرف». ويتحوب: يتوجع.
(8) سقطت «له» من ع والمطبوعتين فقط، وانظر هذا القول فى البيان والتبيين والحيوان وعيون الأخبار مع بعض اختلاف.(2/630)
شهاب فيكم؟ فقال: سيد شريف، حسبك (1) من رجل يمدح تيسه، ويهجو ابن عمه!!
ومن جيد الاستطراد قول دعبل بن على، ويروى لبشار بن برد، وهو أصح (2):
[الطويل]
خليلىّ من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إنّ الكريم معين
ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنّه ... مخافة أن يرجى نداه حزين (3)
إذا جئته فى الفرط أغلق بابه ... فلم تلقه إلّا وأنت كمين (4)
ويروى «فى حاجة سدّ بابه».
وأنشد (5) البحترىّ أبو تمام لنفسه فى صفة فرس، واستطرد يهجو عثمان ابن إدريس الشامى (6):
__________
(1) سقطت «حسبك» من ع وص وف والمغربيتين والحيوان وعيون الأخبار وكفاية الطالب، واعتمدت ما فى المطبوعتين والبيان والتبيين، وفى البيان والتبيين «وحسبك».
(2) ديوان بشار 4/ 233، والأبيات فى ديوان دعبل 355، ضمن الأشعار التى تنسب إليه، وليست له، وانظر الأبيات فى بديع ابن المعتز 61، والكامل 2/ 3و 4، وزهر الآداب 2/ 1016، والصناعتين 400 بنسبتها إلى بشار، وفى حلية المحاضرة 1/ 164دون نسبة، وكذلك فى بديع أسامة 80، وإن كان المحققان ذكرا فى الهامش أنها لبشار، وفى كفاية الطالب 216ذكر أنها لدعبل وتروى لبشار، والأولان دون نسبة فى إعجاز القرآن 104، ونسبها المحقق فى الهامش إلى بشار.
(3) ابن قزعة هو أبو المغيرة عبيد الله بن قزعة، وهو أخو الملوى المتكلم، وقال المازنى: لم أر أعلم من الملوى بالكلام، وكان من أصحاب إبراهيم النظام. [الكامل 2/ 3]
(4) فى الديوان والكامل وزهر الآداب وحلية المحاضرة وكفاية الطالب «إذا جئته فى حاجة سد بابه»، وفى بديع ابن المعتز «إذا جئته فى الحق أغلق»، وفى الصناعتين: «إذا جئته فى الخلق أغلق»، وفى بديع أسامة «إذا جئته فى الحين أغلق»، وفى ع: «فلا تلقه». والفرط: الحين، يقال: إنما آتيه الفرط، وفى الفرط، وأتيته فرط أشهر، أى بعدها، وقيل: الفرط أن تأتيه فى الأيام، ولا تكون أقل من ثلاثة، ولا أكثر من خمس عشرة ليلة، وقيل: الفرط أن تلقى الرجل بعد أيام، وقيل غير ذلك كثير، انظر اللسان فى [فرط].
(5) الخبر فى أخبار البحترى 58و 59، وأخبار أبى تمام 68، وحلية المحاضرة 1/ 163، وإعجاز القرآن 104و 105والمنصف 73
(6) ديوان أبى تمام 4/ 434، وانظر الأبيات فى أخبار البحترى 59، وأخبار أبى تمام 68، والمنصف 73، والحلية 1/ 163، وزهر الآداب 2/ 1014، وإعجاز القرآن 105، والصناعتين 399، وبديع أسامة 78، وديوان المعانى 1/ 198، مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ.(2/631)
[البسيط]
وسابح هطل التّعداء هتّان ... على الجراء أمين غير خوّان
أظمى الفصوص وما تظمى قوائمه ... فخلّ عينيك فى ظمآن ريّان (1)
فلو تراه مشيحا والحصى زيم ... بين السّنابك من مثنى ووحدان (2)
أيقنت إن لم تثبّت أنّ حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان (3)
وقال له: أتدرى ما هذا من الشعر؟ قال: لا أدرى، قال: هذا الاستطراد، أو قال: المستطرد.
قال الحاتمى (4): وقد يقع من هذا الاستطراد ما يخرج به من ذمّ إلى مدح، كقول زهير (5):
[البسيط]
إنّ البخيل ملوم حيث كان ول ... كنّ الجواد على علّاته هرم
فسمى الخروج استطرادا، كما تراه اتساعا.
وأنشد (6) فى الخروج بالاستطراد من مدح إلى ذم قول بكر بن النطاح يمدح مالك بن طوق (7):
__________
(1) فى ع وف «أظما العضوض»، وفى الديوان «ولم تظمأ قوائمه». والفصوص جمع فص:
وهو ملتقى كل عظمين.
(2) فى الديوان وإعجاز القرآن «والحصى فلق» وفى أخبار البحترى «والحصى رمض» وفى ديوان المعانى «مسيحا فى الحصى» وفى ف وديوان المعانى «ريم» بالراء المهملة وفى ع وص «على السنابك» وفى الديوان والصناعتين والمطبوعتين وديوان المعانى «تحت السنابك»، وفى المغربيتين: «عن السنابك»، واعتمدت «بين السنابك» من ف لموافقته الحلية وأخبار أبى تمام وأخبار البحترى وإعجاز القرآن، وبخاصة لأن مؤلف العمدة يتبع ما يأتى فى الحلية دائما.
والزّيم: المتفرقة. والسنابك: أطراف الحوافر.
(3) فى الديوان «حلفت إن لم تثبت».
(4) حلية المحاضرة 1/ 165و 217، وانظر الخبر فى كفاية الطالب 216
(5) ديوان زهير 152، وانظره فى الصناعتين 454
(6) حلية المحاضرة 1/ 165، وكفاية الطالب 216
(7) انظر الأبيات أيضا فى زهر الآداب 2/ 1017، والمنصف 75، وبديع أسامة 81، وتحرير التحبير 131، ومعاهد التنصيص 1/ 385، ومنها أربعة أبيات فى الكامل 3/ 3، وهناك بيت واحد منها فى نهاية الأرب 7/ 120، وسمط اللآلى 1/ 596، مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ.(2/632)
[الطويل]
عرضت عليها ما أرادت من المنى ... لترضى، فقالت: قم فجئنى بكوكب (1)
فقلت لها: هذا التّعنّت كلّه ... كمن يتشهّى لحم عنقاء مغرب
سلى كلّ أمر يستقيم طلابه ... ولا تذهبى يادرّ بى كلّ مذهب (2)
فأقسم لو أصبحت فى عزّ مالك ... وقدرته أعيا بما رمت مطلبى
فتى شقيت أمواله بعفاته ... كما شقيت قيس بأرماح تغلب
فهذا مليح، أوله خروج، وآخره استطراد، وملاحته أن مالكا من بنى تغلب، فصار الاستطراد زيادة فى مدحه، وزعم قوم أنه يمدح مالك بن على الخزاعى.
ومما استطرد به أبو الطيب قوله فى هجاء كافور (3):
[الطويل]
يموت به غيظا على الدّهر أهله ... كما مات غيظا فاتك وشبيب
على أن هذا البيت لم (4) يقع موقع غيره من أبيات هذا الباب إذ ليس القصد به مدحا ولا هجاء للرجلين المذكورين، ولكن التشبيه والحكاية لا غير.
وقيل: أصل الاستطراد أن يريك الفارس أنه (5) فرّ، وإنما فر ليكرّ، وكذلك الشاعر يريك أنه فى شئ، فعرض له شئ لم يقصد إليه فذكره، ولم (6)
يقصد حقيقة إلا إليه.
ومن الاستطراد نوع يسمى / الإدماج (7)، وذلك نحو قول (8) عبيد الله
__________
(1) فى ف وم ومغربية: «ما أردت من المنى».
(2) فى ع: «ولا تذهبى نادرتى»، وهو تصحيف، وفى ف: «ولا تذهبى يادرفى»،
وفى المطبوعتين: «ولا تسألى يادرفى» وفى بديع أسامة ومغربية «يادرتى» ويبدو أنه أوفق، وص مثل المغربية الأخرى.
(3) لم أجده فى ديوان المتنبى بشرح العكبرى ولا بشرح البرقوقى، ولكنى وجدته ثانى ثلاثة أبيات فى الوساطة 151، وجاء فى المنزع البديع 464
(4) فى المطبوعتين فقط «قد يقع»، وهو لا يناسب شرح المؤلف.
(5) فى المطبوعتين فقط: «أنه فر ليكر». وانظر هذا القول فى زهر الآداب 2/ 1014
(6) فى ص: «ولم يكن قصده حقيقة إلا إليه»، وفى المغربيتين: «حقيقة إليه».
(7) انظره فى بديع أسامة 58، تحت عنوان «باب التعليق والإدماج»، وتحرير التحبير 449 ونهاية الأرب 7/ 164، تحت قوله: «وأما الإدماج»، ومعاهد التنصيص 3/ 134، وكفاية الطالب 217ضمن الحديث عن الاستطراد.
(8) فى المطبوعتين والمغربيتين: «قول عبيد الله بن طاهر».(2/633)
ابن عبد الله بن طاهر (1) لعبيد (2) الله بن سليمان بن وهب (3) حين وزر للمعتضد:
[الطويل]
أبى دهرنا إسعافنا فى نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم (4)
فقلت له: نعماك فيهم أتّمها ... ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدّم
وحكى (5) أحمد بن يوسف الكاتب أنه دخل على المأمون، وفى يده كتاب من عمرو بن مسعدة يردد فيه النظر، فقال له: لعلك أفكرت (6) فى
__________
(1) هو عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن حسين الخزاعى، يكنى أبا أحمد، واشتهر بابن طاهر، وهو أمير أديب شاعر، ولد فى بغداد، وتوفى بها، وتولى أمر الشرطة فيها، وكان ذا مكانة عالية بين الناس، وله منزلة خاصة عند الخليفة المعتضد العباسى. ت 300هـ.
تاريخ بغداد 10/ 340، والأغانى 9/ 40، والفهرست 131، والتمثيل والمحاضرة 103، ولطائف المعارف 148، ووفيات الأعيان 3/ 120، وسير أعلام النبلاء 14/ 62، وله شعر كثير فى زهر الآداب ومن غاب عنه المطرب.
(2) فى المطبوعتين فقط: «لعبد الله»، وهو خطأ، انظر التعليق الآتى.
(3) هو عبيد الله بن سليمان بن وهب، يكنى أبا القاسم، وهو وزير المعتضد، ومن ممدوحى ابن المعتز، كان شهما، مهيبا، شديد الوطأة، قوى السطوة، ناهضا بأعباء الأمور، وبلغ من الرتبة مالم يبلغه وزير، وكان عديم النظير فى السياسة والتدبير. ت 288هـ
زهر الآداب 1/ 431، وأشعار أولاد الخلفاء 125، واسمه فيه «عبد الله» وسير أعلام النبلاء 13/ 497، وفوات الوفيات 2/ 434وقد تكررت ترجمته ص 836
(4) البيتان فى ديوان المعانى 1/ 108، وأدب الكتاب 234وأدب الدنيا والدين 189، موجهان إلى عبيد الله بن سليمان، وزهر الآداب 2/ 873، وفيه أنهما موجهان إلى سليمان بن وهب، ومحاضرات الأدباء 1/ 1/ 270، دون ذكر الموجه إليه القول، وبديع أسامة 60، وفيه أن آخر كتب بهما إلى المأمون، ونهاية الأرب 7/ 164، وتحرير التحبير 449، ومعاهد التنصيص 3/ 136، وكفاية الطالب 217، والمنتحل 27، وفيه: إنهما لابن الرومى أو عبيد الله بن عبد الله بن طاهر.
(5) انظر الحكاية فى أدب الكتاب 234، وزهر الآداب 2/ 836و 837، والعقد الفريد 2/ 272، وسر الفصاحة 203، ووفيات الأعيان 3/ 478، وبديع أسامة 59، وكفاية الطالب 217، والمنزع البديع 465
(6) فى المطبوعتين فقط: «فكرت».
وأفكر فى الشىء وفكر فيه كلها بمعنى إعمال الخاطر فى الشىء.(2/634)
ترديدى النظر فى هذا الكتاب، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: إنى عجبت من بلاغته، واحتياله لمراده، كتب: «كتابى إلى أمير المؤمنين أعزه الله ومن قبلى من قواده وأجناده فى الطاعة والانقياد على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، واختلّت أحوالهم»، ألا ترى يا أحمد إلى (1) إدماجه المسألة فى الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟! ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر.
وهذا النوع أقلّ فى الكلام من الاستطراد المتعارف وأغرب.
* * * __________
(1) سقطت «إلى» من ص وف والمطبوعتين، وما فى ع والمغربيتين يوافق أدب الكتاب وزهر الآداب وكفاية الطالب، والمنزع البديع، وهى المصادر التى ذكر فيها هذا التعليق.
[العمدة ج 442](2/635)
باب التفريع (9)
وهو من الاستطراد كالتدريج من التقسيم.
وذلك أن يقصد / الشاعر وصفا ما، ثم يفرع منه وصفا آخر يزيد الموصوف توكيدا، نحو قول الكميت (2):
[البسيط]
أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم يشفى بها الكلب (3)
فوصف شيئا، ثم فرّع شيئا آخر لتشبيهه (4) شفاء هذه بشفاء هذه.
وقال ابن المعتز (5):
[السريع]
كلامه أخدع من لحظه ... ووعده أكذب من طيفه (6)
فبينا هو يصف خدع كلامه فرّع منه خدع لحظه، ويصف كذب وعده فرّع كذب طيفه.
وقال أيضا يصف ساقى كأس (7):
[الكامل]
فكأنّ حمرة لونها من خدّه ... وكأنّ طيب نسيمها من نشره (8)
__________
(9) انظره فى تحرير التحبير 372، وخزانة ابن حجة 2/ 385، والطراز 3/ 132، وكفاية الطالب 219، ونهاية الأرب 7/ 160، ومعاهد التنصيص 3/ 88
(2) ديوان الكميت 1/ 81، وانظره فى كفاية الطالب 219، واللسان فى [كلب] والمعاهد 3/ 88
(3) فى ع: «أحلامهم» وفى المعاهد: «تشفى من الكلب».
الكلب بفتح الكاف واللام: داء يعرض للإنسان من عضّ الكلب الكلب، فيصيبه شبه الجنون، فلا يعض أحدا إلا كلب. وقال صاحب اللسان بعد البيت: قال اللحيانى: «إن الرجل الكلب يعض إنسانا، فيأتون رجلا شريفا فيقطر لهم من دم إصبعه، فيسقون الكلب فيبرأ».
انظر هذا فى اللسان فى [كلب]. وفى الديوان ما يقرب منه.
(4) فى المطبوعتين فقط: «لتشبيه شفاء هذا بشفاء هذا»، وفى ف سقط قوله: «بشفاء هذه».
(5) ديوان ابن المعتز 1/ 383، وانظره فى كفاية الطالب 219، والمعاهد 3/ 89
(6) فى الديوان: «أخدع من طرفه».
(7) ديوان ابن المعتز 2/ 253، وانظر كفاية الطالب 219، والأولان فى معاهد التنصيص 3/ 90
(8) فى الديوان: «وكأن طيب رياحها».(2/636)
حتّى إذا صبّ المزاج تبسّمت ... عن ثغرها فحسبته من ثغره (1)
ما زال ينجزنى مواعد عينه ... فمه وأحسب ريقه من خمره (2)
البيتان الأولان من هذه الثلاثة تفريع، والبيت الآخر ليس بتفريع جيد لأن الخمرة نازلة عن رتبة الريق عند العاشق، وحق التفريع أن يكون الآخر من الموصوفين زائدا على الأول درجة / فى الحسن إن قصد المدح، وفى القبح إن قصد الذم، وهو نوع خفىّ إلا عن الحاذق البصير بالصنعة.
ومثل بيت ابن المعتز قول البحترى (3):
[الكامل]
وإذا تألّق فى النّدىّ كلامه ال ... مصقول خلت لسانه من عضبه
لأن حق العضب فى باب (4) المديح أن يكون اللسان أمضى منه.
ومن التفريع الجيد قول الصّنوبرى (5):
[الكامل]
ما أخطأت نوناته من صدغه ... شيئا ولا ألفاته من قدّه
وكأنّما أنفاسه من شعره ... وكأنّما قرطاسه من جلده (6)
فانظر إليه كيف يزيده رتبة فى الجودة كلّما فرّع.
ووصف ابن شيرزاد جارية كاتبة فقال (7): «كأن خطّها أشكال صورتها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن سكّينها غنج لحظها، وكأن مدادها
__________
(1) فى ص: «حتى إذا حضر المزاج»، وفى كفاية الطالب «عن ثغره».
(2) فى الديوان: «مازال ينجز لى مواعد».
(3) ديوان البحترى 1/ 164، وانظره فى كفاية الطالب 219، وانظر ما قيل عن البيت فى الموازنة 3/ 1/ 43و 44
(4) فى ع والمطبوعتين: «فى باب المدح»، وما فى ص وف يوافق المغربيتين، وفى المطبوعتين: «فى باب المدح أن اللسان».
(5) ديوان الصنوبرى 474، وانظرهما فى كفاية الطالب 220، والأول فى من غاب عنه المطرب 9، وهما فى المعاهد 3/ 90
(6) فى ف والديوان: «وكأنما قرطاسه من خده».
(7) ينسب هذا القول فى أدب الكتاب 48إلى أحمد بن صالح، وينسب فى من غاب عنه المطرب 7إلى أحمد بن يوسف، وينسب جزء منه فى محاضرات الأدباء 1/ 101إلى أحمد بن أبى خالد، وينسب فى كفاية الطالب 220إلى بعض البلغاء، وانظره فى المنزع البديع 468بذات نسبته فى العمدة.(2/637)
سواد شعرها، وكأن قرطاسها أديم وجهها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن مقطّها (1) قلب عاشقها».
وشتان ما بين هذا الوصف وقول الآخر يهجو كاتبا، أنشده الصولى فى أبيات (2):
[الوافر]
كأنّ دواته من ريق فيه ... تلاق فنشرها أبدا كريه (3)
وقال كشاجم (4):
[المنسرح]
شيخ لنا من مشايخ الكوفه ... نسبته للعليل موصوفه (5)
لو حوّل الله قمله غنما ... ما طمع النّاس منه فى صوفه (6)
ومن لطيف (7) التفريع قول أبى الطيب يصف ليلا (8):
[الوافر]
أقلّب فيه أجفانى كأنّى ... أعدّ به على الدّهر الذّنوبا (9)
بينا (10) يصف كثرة سهره، وإدارة ألحاظه شبهها بكثرة ذنوب الدهر عنده.
وقال، فبرد (11):
__________
(1) المقط: هو ما يقطع عليه القلم ويسوّى.
(2) البيت جاء آخر ثلاثة أبيات فى أدب الكتاب 101وجاء مع آخر فى اليتيمة 1/ 118، والمنزع البديع 468و 469، وجاء مفردا فى المعاهد 3/ 90، دون نسبة فى الجميع.
(3) فى ع: «نلاف فنشرها». وفى هامش م كتب: «فى عامة الأصول «نوباته» وهو تحريف شنيع»!! وتلاق: تليّن بعد أن لزق المداد. وفى أدب الكتاب 99 «يقال ألقت الدواة أليقها إلاقة إذا أدرت كرسفها حتى تسود وحقيقة ألاق الدواة فى اللغة إنما هو أدار المداد فيها حتى لصق وعلق».
(4) ديوان كشاجم 276، المقطوعة [9] من قافية الفاء وانظر هما فى خاص الخاص 136، وريحانة الألبا 2/ 7، والمعاهد 3/ 91، والثانى وحده فى المحاضرات 3/ 294، والكناية والتعريض 39
(5) فى ف والمغربيتين: «نسبته للمريض» وهى توافق الديوان والمعاهد.
(6) فى المطبوعتين: «لو بدل»، وهى توافق الديوان، وفى الديوان: «ما طمع الخلق».
(7) فى ص: «ومن مليح».
(8) ديوان المتنبى 1/ 140، وانظره فى الوساطة 168، وكفاية الطالب 220
(9) فى ع والمطبوعتين: «أعدّبها»، واعتمدت ما فى ص والمغربيتين وف لموافقته الديوان والوساطة.
(10) فى ف والمطبوعتين والمغربيتين: «بينا هو يصف».
(11) ديوان المتنبى 2/ 380، وفيه: «كما قد زدت من كرم»، وانظر ما قيل عنه فى الوساطة(2/638)
[البسيط]
ولو نقصت كما قد زدت من شرف
على الورى لرأونى مثل شانيكا
فهذا التفريع الملعون
وقال (1) محمد بن وهيب (2):
[الكامل]
طللان طال عليهما الأمد ... دثرا فلا علم ولا نضد (3)
لبسا البلى فكأنّما وجدا ... بعد الأحبّة مثل ما أجد (4)
ومن المستحسن قول الخوارزمى (5) أبى بكر محمد بن العباس (6):
__________
(1) فى ف: «وقال محمد بن وهيب الحميرى»، وفى المطبوعتين والمغربيتين: «محمد بن وهب».
(2) هو محمد بن وهيب ويقال: ابن وهب الحميرى صليبة يكنى أبا جعفر، شاعر من أهل بغداد من شعراء الدولة العباسية، وأصله من البصرة، وكان يستمنح الناس بشعره، ولما وصل إلى المأمون انقطع إلى مدحه حتى مات، وكان يتشيع، وله مراث فى أهل البيت.
طبقات ابن المعتز 310، والأغانى 19/ 74، ومعجم الشعراء 357، ومعاهد التنصيص 1/ 220، وسمط اللآلى (فى الذيل) 90، والموشح 458، والوافى بالوفيات 5/ 178و 179
(3) البيتان فى الأغانى 19/ 87، وزهر الآداب 2/ 743، وحلية المحاضرة 1/ 219، ضمن حديثه عن ألطف بيت تخلص به شاعر من وصف إلى مدح أو ذم، والصناعتين 455ضمن كلامه فى الخروج من النسيب إلى المدح وغيره، وعيار الشعر 189، ومعاهد التنصيص 1/ 225، وكفاية الطالب 220، والمنزع البديع 469
وفى ف والحلية: «طال عليهما الأبد»، وفى الصناعتين: «طال عليهما الأمر».
(4) فى ص والمطبوعتين وكفاية الطالب: «بعد الأحبة بعض ما أجد» وفى ف: «مثل ما يجدوا». وفى زهر الآداب: «مثل ما وجدوا».
(5) هو محمد بن العباس الخوارزمى، يكنى أبا بكر، وهو من أئمة الكتاب، وأحد الشعراء العلماء، وكان ثقة فى اللغة، ومعرفة الأنساب، ولد ونشأ فى خوارزم، ورحل فى صباه إلى بعض البلدان، فدخل سجستان، ومدح واليها طاهر بن محمد، ثم هجاه فحبسه، ثم انطلق، فتابع رحلته، وأقام فى دمشق مدة، ثم سكن نواحى حلب، وانتقل إلى نيسابور فاستوطنها، واتصل بالصاحب بن عباد، وكانت بينه وبين بديع الزمان محاورات وعجائب. ت 383هـ.
اليتيمة 4/ 194، ووفيات الأعيان 4/ 400، وبغية الوعاة 1/ 125، والوافى بالوفيات 3/ 191
(6) الأبيات فى معاهد التنصيص 3/ 91، والمنزع البديع 469و 470والأول فى المعاهد 3/ 133(2/639)
[الكامل]
سمح البديهة ليس يمسك لفظه ... فكأنّما ألفاظه من ماله
وكأنّما عزماته وسيوفه ... من حدّهنّ خلقن من إقباله
متبسّم فى الخطب تحسب أنّه ... تحت العجاج ملثّم بفعاله
وأخبث ما سمعته فى هذا الباب قول ابن الرومى يهجو رجلا (1):
[مجزوء المتقارب]
له سائس ماهر ... يجول على متنه
ويطعن فى دبره ... أفانين من طعنه
بأطول من قرنه ... وأغلظ من ذهنه
ومن التفريع أيضا قول أبى الطيب على غير هذا النظام (2):
[الطويل]
أسير إلى إقطاعه فى ثيابه ... على طرفه من داره بحسامه (3)
وما مطرتنيه من البيض والقنا ... وروم العبدّى هاطلات غمامه (4)
فهذا تفريع تناوله من قول أبى تمام (5):
[الطويل]
فقالوا: فما أولاك؟ صف بعض نيله
فقلت لهم: من عنده كلّ ما عندى
وأصله قول أبى نواس (6):
__________
(1) ديوان ابن الرومى 6/ 2558، مع اختلاف فى بعض الألفاظ، وانظر كفاية الطالب 220، والمعاهد 3/ 92، دون اختلاف فيهما.
(2) ديوان المتنبى 4/ 3و 4وانظر ما قيل عنهما فى الوساطة 334وما قيل عن الأول وحده فى 172
(3) الطّرف بكسر الطاء وسكون الراء: الفرس الكريم.
(4) فى ف: «وما مطريته وروم لعبدا»، وفى الديوان بشرح التبيان: «من البيض وللقنا» [كذا] وهو خطأ مطبعى. والعبدّى: العبيد، جمع عبد.
(5) لم أجده فى ديوان أبى تمام. والبيت بنسبته إلى أبى تمام فى معاهد التنصيص 3/ 92، وجاء فى المنزع البديع 470، ومن عجب أن يقول المحقق فى الهامش إنه لم يقف عليه فى ديوانه ولا فى غيره!!
(6) ديوان أبى نواس 624، وانظر الوساطة 334، والمعاهد 3/ 92(2/640)
[الرجز]
وكلّ خير عندهم من عنده (1)
يصف كلب صيد.
* * * __________
(1) جاء بعده فى الديوان: «يظل مولاه له كعبده».
فى ص وف والمطبوعتين والمغربيتين: «فكل خير»، وما فى ع يوافق الديوان والوساطة والمعاهد.(2/641)
باب الالتفات (6)
وهو الاعتراض عند قوم، وسماه آخرون الاستدراك، حكاه قدامة.
وسبيله أن يكون / الشاعر آخذا فى معنى، فيعرض (1) له غيره، فيعدل عن الأول إلى الثانى، فيأتى به، ثم يعود إلى الأول من غير أن يخلّ بالثانى فى شئ، بل يكون مما يشدّ الأول، كقول كثير (2):
[الوافر]
لو أنّ الباخلين وأنت منهم ... رأوك تعلّموا منك المطالا
فقوله: «وأنت منهم» اعتراض كلام فى كلام، قال ذلك ابن المعتز، وجعله بابا على حدته بعد باب الالتفات، وسائر الناس يجمع بينهما.
وقال النابغة الذبيانى (3):
[الوافر]
ألا زعمت بنو عبس بأنّى ... ألا كذبوا كبير السّنّ فانى
(4) ورواه آخرون للنابغة الجعدى (5): «ألا زعمت بنو كعب»، وهو
__________
(6) انظره فى بديع ابن المعتز 58، ونقد الشعر 146، والصناعتين 392، وحلية المحاضرة 1/ 157 تحت عنوان «أبدع ما قيل فى الالتفات، وقد سماه قوم الاعتراض»، وفقه اللغة 2/ 678673 وإعجاز القرآن 99، وبديع أسامة 130تحت عنوان «باب الاعتراض»، وتحرير التحبير 123، ونهاية الأرب 7/ 116، وكفاية الطالب 221، والمنزع البديع 442، ومعاهد التنصيص 1/ 170و 369
(1) فى ع: «فعرض»، وفى المطبوعتين: «ثم يعرض»، واعتمدت ما فى ص وف والمغربيتين.
(2) ديوان كثير 507، فى الأبيات المفردة المنسوبة إليه، وانظره فى المصادر السابقة سواء عند من سماه الالتفات أو من سماه الاعتراض.
(3) ديوان النابغة الذبيانى 233فى الشعر المنحول. وانظره فى بعض المصادر السابقة بذات النسبة.
(4) من هنا إلى قوله: «لأنه أعلى سنا» ساقط من ع وص، وفى المطبوعتين جاء هكذا:
«فقوله: «ألا كذبوا» اعتراض، ورواه آخرون للجعدى: ألا زعمت بنو كعب، وهو أشبه بالجعدى لأنه أعلى سنا منه، فقوله: ألا كذبوا اعتراض» وفيه اضطراب، واعتمدت ما فى ف والمغربيتين.
(5) ديوان النابغة الجعدى 162، والبيت للجعدى فى بديع ابن المعتز، والصناعتين 394، والأغانى 5/ 7، وفيه: «ألا زعمت بنو سعد» وجاء فى الحلية تحت قوله: «قول النابغة» دون تحديد، وجاء غير منسوب فى بديع أسامة 130، تحت قوله: «ومنه» وذكر المحققان فى الهامش أنه للنابغة الجعدى بناء على ما جاء فى بديع ابن المعتز.(2/642)
بالجعدى أشبه لأنه أعلى سنا، فقوله: «ألا كذبوا» اعتراض، وكذلك ما جرى مجراه.
وأنشدوا فى الالتفات لبعض العرب (1):
[الطويل]
فظلّوا بيوم دع أخاك بمثله ... على مشرع يروى ولمّا يصرّد (2)
فقوله: «دع أخاك بمثله» التفات مليح.
وقال (3) جرير يرثى امرأته أمّ حزرة (4):
[الكامل]
نعم القرين وكنت علق مضنّة ... وارى بنعف بليّة الأحجار (5)
فقوله: «وكنت علق مضنة» هو الالتفات.
وقال عوف بن محلّم (6) لعبد الله بن طاهر (7):
__________
(1) جاء البيت دون نسبة فى بديع ابن المعتز 60، والصناعتين 394، وجاء منسوبا إلى جرير فى حلية المحاضرة 1/ 157، ولم أجده فى ديوان جرير. هذا وأمثاله من الحشو فى فقه اللغة 2/ 678674
(2) فى ع وص: «على مترع»،. وفى ع وص وف: «يوفى ولما يصرد» واعتمدت ما فى المطبوعتين والمصادر، وفى الصناعتين: «فظلت».
والمشرع: مورد الشاربة. ويصرّد من التصريد وهو السقى دون الرى، أو التقليل، والصرد: البرد.
(3) فى ف: «وقال يرثى»، وكأنه يؤيد أن البيت السابق لجرير، وإن كان لم يصرح به.
(4) ديوان جرير 2/ 862، وانظره فى كفاية الطالب 221
(5) العلق: النفيس من كل شىء. المضنّة من ضنّ به أى بخل به لنفاسته. ونعف: أسفل.
وبليّة: مكان.
(6) هو عوف بن محلّم الخزاعى بالولاء، يكنى أبا المنهال، وهو أحد الندماء، جمع العلم والأدب والشعر والرواية، وأصله من حران، انتقل إلى العراق فاختص بطاهر بن الحسين، ثم قربه ابنه عبد الله بعد موت أبيه، وظل معه إلى أن قارب الثمانين، وحنّ إلى أهله، ففارق عبد الله بن طاهر، ولكنه مات فى طريقه إلى حران سنة 220هـ
طبقات ابن المعتز 185، وتاريخ بغداد 9/ 486فى ترجمة عبد الله بن طاهر، ومعجم الأدباء 16/ 139، وسمط اللآلى 1/ 198، ومعاهد التنصيص 1/ 375، والشذرات 2/ 32، والأزمنة والأمكنة 2/ 258، وفوات الوفيات 3/ 162
(7) البيت وقصة قول القصيدة التى هو منها فى الأمالى 1/ 50، والطبقات 186و 187وثمار القلوب 610والشذرات 2/ 33، ومعجم الأدباء 16/ 143، وفى بديع أسامة 130دون نسبة، ونسب فى هامشه، والصناعتين 394دون نسبة، وبنسبته فى تحرير التحبير 292و 360، وسر الفصاحة 138، ونهاية الأرب 7/ 147، ومعاهد التنصيص 1/ 369، وكفاية الطالب 221، وفوات الوفيات 3/ 163و 164، وبهجة المجالس وأنس المجالس 2/ 232، ونهج البلاغة 16/ 55(2/643)
[السريع]
إنّ الثّمانين وبلّغتها ... قد أحوجت سمعى إلى ترجمان
فقوله: «وبلغتها» التفات، وقد عدّه جماعة من الناس تتميما، والالتفات (1) أولى به، وأشكل بمعناه.
ومنزلة الالتفات فى وسط / البيت كمنزلة الاستطراد فى آخر البيت، وإن كان ضدّه فى التحصيل لأن التفات تأتى به عفوا وانتهازا، ولم يكن لك فى خلد، فتقطع له كلامك، ثم تصله بعد إن شئت، والاستطراد تقصده فى نفسك، وأنت تحيد عنه فى لفظك حتى تصل به كلامك عند انقطاع آخره، أو تلقيه إلقاء، وتعود إلى ما كنت فيه.
وقد جاء الالتفات فى آخر البيت نحو قول امرئ القيس (2):
[الوافر]
أبعد الحارث الملك بن عمرو ... له ملك العراق إلى عمان
مجاورة بنى شمجى بن جرم ... هوانا ما أتيح من الهوان
ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
فقوله: «ما أتيح من الهوان»، وقوله: «حنانك ذا الحنان» التفات (3).
وحكى (4) عن إسحاق الموصلى أنه قال: قال لى الأصمعى: أتعرف التفات جرير؟ قلت: وما هو؟ فأنشدنى (5):
[الوافر]
أتنسى إذ تودّعنا سليمى ... بعود بشامة، سقى البشام (6)
ثم قال: أما تراه مقبلا على شعره إذ التفت إلى البشام فدعا له؟
__________
(1) فى ع: «والالتفات أشكل به وأولى بمعناه». وفى ف: «والالتفات أولى وأشكل بمعناه»، وفى المطبوعتين: «والالتفات أشكل وأولى بمعناه»، وما فى ص يوافق المغربيتين.
(2) ديوان امرئ القيس 143
(3) فى المطبوعتين فقط: «الالتفات»، وفى ف كرر الناسخ قوله: «فقوله ما أتيح من الهوان».
(4) انظر هذه الحكاية وشاهدها وتعليقها فى حلية المحاضرة 1/ 157، والصناعتين 392، والمنصف 62، وكفاية الطالب 222
(5) ديوان جرير 1/ 279، وانظره فى بديع ابن المعتز 59، والكامل 2/ 261، والأمالى 1/ 120، والسمط 1/ 355، وبديع أسامة 20، وكفاية الطالب 222مع اختلاف بين الجميع فى بعض الألفاظ.
(6) فى ف والديوان وبعض المصادر: «بفرع بشامة».(2/644)
وأنشد (1) له ابن المعتز (2):
[الوافر]
متى كان الخيام بذى طلوح ... سقيت الغيث أيّتها الخيام
وأنشد (3) له أيضا (4):
[الكامل]
طرب الحمام بذى الأراك فهاجنى ... لازلت فى غلل وأيك ناضر (5)
لم يعدّ ابن المعتز التفاتا (6) إلا ما كان من هذا النوع، وإلا فهو عنده (7)
اعتراض كلام فى كلام، وقد أحسن ابن المعتز فى العبارة عن الالتفات بقوله (8):
«هو انصراف المتكلم عن (9) الإخبار إلى المخاطبة، وعن (9) المخاطبة إلى الإخبار»، وتلا (10) قول الله تعالى: {حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سورة يونس: 22].
وأنشد غيره لأبى عطاء السندى (11) يرثى يزيد (12) بن عمر بن هبيرة (13):
__________
(1) انظر الإنشاد فى بديع ابن المعتز 59وانظر البيت فى المنصف 62
وفى ف: «وأنشد له عبد الله بن المعتز».
(2) ديوان جرير 1/ 278، وانظر كفاية الطالب 222
(3) انظر الإنشاد فى بديع ابن المعتز 59، وفى المطبوعتين: «وأنشد له أيضا ابن المعتز».
(4) ديوان جرير 1/ 307
(5) فى م: «صرب» بالصاد، وهو خطأ مطبعى.
والغلل: ما تغلل من الماء الجارى بين الشجر. والأيك: الشجر الملتف.
(6) سقطت كلمة «التفاتا» من المطبوعتين فقط.
(7) سقطت كلمة «عنده» من ع والمطبوعتين.
(8) انظر هذا القول فى بديع ابن المعتز 58، مع تقديم وتأخير.
(9) فى المطبوعتين فقط: «من».
(10) فى ص: «وتلا قول الله تبارك وتعالى»، وفى ف والمطبوعتين: «وتلا قوله تعالى».
(11) هو أفلح بن يسار السندى، يكنى أبا عطاء، كان عبدا أسود، عاش فى الدولتين الأموية والعباسية، وتشيع للأمويين، وهاجم الهاشميين، وكانت فيه عجمة، فتبنى وصيفا سماه «عطاء»، وبه يكنى، ورواه شعره، فكان إذا أراد الإنشاد أمر هذا الوصيف به. ت 180هـ.
الشعر والشعراء 2/ 766، وفيه اسمه مرزوق، ومعجم الشعراء 456، والأغانى 17/ 327، وسمط اللآلى 1/ 602، وخزانة الأدب 9/ 545، وفوات الوفيات 1/ 201
(12) هو يزيد بن عمر بن هبيرة كان أحد قواد الأمويين، ولما ظهر العباسيون أعياهم أمره، ثم أرسل إليه السفاح من قتله بقصر واسط سنة 132هـ.
المعارف 372و 571، وسير أعلام النبلاء 6/ 207وما فيه، ووفيات الأعيان 6/ 313، وتاريخ الطبرى 7/ 458450
(13) البيت فى الشعر والشعراء 2/ 769آخر أربعة أبيات ذكر ابن قتيبة أنها فى رثاء عمر بن(2/645)