الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
التعريف بالمؤلف:
هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة ابن قطن بن دعامة الأنباري، وكنيته أبو بكر.
ولادته ونشاته:
ولد أبو بكر الأنباري سنة إحدى وسبعين ومائتين، ورد على بغداد وهو صغير، ونشأ في بيت علم إذ كان والده من كبراء علماء الكوفيين في عصره، كان ذكيا فطنا عرف بكثرة حفظه. قال أبو علي القالي عنه أنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وسئل عن حفظه فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا، وحدث أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها، ومرض فعاده أصحابه فرأوا من انزعاج والده أمرا عظيما، فطيبوا نفسه، فقال: كيف لا أنزعج وهو يحفظ جميع ما ترون، وأشار إلى خزانة مملوءة كتبا، وروي أن جارية سألته عن تفسير شيء من الرؤيا، فقال: إني حاقن. ثم مضى، فلما كان من الغد عاد وقد صار معبرا للرؤيا، وذلك أنه مضى من يومه، فدرس كتاب الكرماني في التعبير.
وهذه الأخبار، وإن كان مبالغا فيها، تدل على سعة حفظه وكثرة اطلاعه، حتى قيل فيه: كان آية من آيات الله في الحفظ.
ولم يكن ابن الأنباري يميل إلى اللهو ومتع الحياة، كان منصرفا إلى العلم، لم يكن قلبه تشغله امرأة عن البحث، ولعل قصته في رد الجارية التي اشتراها له الخليفة الراضي دليل على ذلك، ولم يكن يميل إلى الإكثار من الأكل، وحينما سئل عن ذلك، قال: أبقي على حفظي.
ووصف بالبخل، وكان ذا يسار وحال واسعة ولم يكن له عيال.
وكان متواضعا، حكى الدارقطني أنه (حضر مجلس إملائه في يوم جمعة، فصحف اسما أورده في إسناد حديث، أما كان حيان فقال حبان، وأما كان حبان
فقال حيان. قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم وهبت أن أوقفه على ذلك، فلما فرغ من إملائه تقدمت إليه فذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه، وانصرفت. ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه فقال أبو بكر للمستملي: عرف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال).(1/3)
وكان متواضعا، حكى الدارقطني أنه (حضر مجلس إملائه في يوم جمعة، فصحف اسما أورده في إسناد حديث، أما كان حيان فقال حبان، وأما كان حبان
فقال حيان. قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم وهبت أن أوقفه على ذلك، فلما فرغ من إملائه تقدمت إليه فذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه، وانصرفت. ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه فقال أبو بكر للمستملي: عرف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال).
وكان ابن الأنباري موضع تقدير واحترام فلم تنله تهمة، ولم يقدح فيه أحد، كان زاهدا ورعا من الصالحين.
وكان على صلة بالخليفة الراضي كان مؤدبا لأولاده، وكان من أهل السنة حنبلي المذهب.
شيوخه:
أخذ ابن الأنباري عن كثير من النحاة، واللغويين، والقراء، والمحدثين، والمفسرين، وروى عنهم، وأبرز هؤلاء الشيوخ:
(1) أبو القاسم بن محمد الأنباري.
(2) أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
(3) إسماعيل بن إسحاق القاضي.
(4) أحمد بن الهيثم البزاز.
(5) أحمد بن سهل الأشناني.
(6) إدريس بن عبد الكريم.
(7) الحكيم الترمذي.
(8) محمد بن يونس الكديمي.
(9) محمد بن هارون التمار.
(10) محمد بن أحمد بن النضر.
(11) الحسن بن الحباب.
(12) سليمان بن يحيى الضبي.
(13) محمد بن يحيى المروزي.(1/4)
تلاميذه:
درس على أبي بكر وروى عنه علماء كثيرون من لغويين، ونحويين، وقراء، ومفسرين، ورواة شعر وأخبار. وسأشير إلى هؤلاء مقدما المشهورين منهم:
(1) أبو القاسم الزجاجي.
(2) أبو جعفر النحاس.
(3) أبو علي القالي.
(4) أبو الفرج الأصبهاني.
(5) ابن خالويه.
(6) أبو منصور الأزهري.
(7) أبو أحمد العسكري.
(8) المرزباني.
(9) المعافى بن زكريا.
(10) أبو الحسن الدارقطني.
وفاته:
توفي في بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ودفن في داره.
ثقافته:
كان ابن الأنباري متلون الثقافة، فقد كانت له معرفة واسعة بعلوم القرآن، والحديث، واللغة، والنحو، والشعر، وكان معنيا بالغريب والرواية عن علماء البصريين والكوفيين والأعراب.
وكان يملي في ناحية من المسجد، وأبوه في ناحية أخرى، ولم يكن يملي من كتاب وإنما من حفظه، وكان ذلك دأبه في كل ما وري عنه من العلم في كتبه المصنفة، وأماليه اللغوية والنحوية، والأخبار، والأحاديث، والتفاسير، والأشعار. وقد كثر الدارسون عليه وحضروا مجالسه التي كانت مخصصة في أيام معلومة، فقد ذكر القالي أنه كان يقرأ على أبي بكر (الغريب المصنف) و (الألفاظ) في يوم الثلاثاء من كل أسبوع. وذكر الدارقطني أنه كان يملي في يوم الجمعة أيضا.
وعلم ابن الأنباري وثقافته وشهرته كانت من الأسباب التي دعت الخليفة الراضي بالله إلى استقدامه لتأديب أولاده.(1/5)
وكان يملي في ناحية من المسجد، وأبوه في ناحية أخرى، ولم يكن يملي من كتاب وإنما من حفظه، وكان ذلك دأبه في كل ما وري عنه من العلم في كتبه المصنفة، وأماليه اللغوية والنحوية، والأخبار، والأحاديث، والتفاسير، والأشعار. وقد كثر الدارسون عليه وحضروا مجالسه التي كانت مخصصة في أيام معلومة، فقد ذكر القالي أنه كان يقرأ على أبي بكر (الغريب المصنف) و (الألفاظ) في يوم الثلاثاء من كل أسبوع. وذكر الدارقطني أنه كان يملي في يوم الجمعة أيضا.
وعلم ابن الأنباري وثقافته وشهرته كانت من الأسباب التي دعت الخليفة الراضي بالله إلى استقدامه لتأديب أولاده.
مؤلفاته:
خلف ابن الأنباري كتبا كثيرة في علوم القرآن، والحديث، واللغة، والنحو، والأدب، من أهمها ما يلي:
(1) الأضداد.
(2) إيضاح الوقف والابتداء.
(3) شرح الألفات المبتدآت في الأسماء والأفعال.
(4) شرح خطبة عائشة أم المؤمنين في أبيها.
(5) شرح ديوان عامر بن الطفيل.
(6) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات.
(7) مسألة في التعجب.
(8) الهاءات في كتاب الله.(1/6)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله القديم الدائم، الذي ليس لقدمه ابتداء، ولا لديمومته انتهاء، الذي حجّت الألباب بدائع حكمه، وخصت العقول لطائف حججه، وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه، وكلّت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول عن كنه معرفته، لا تحويه الأماكن، ولا تحدّه لكبريائه الفكر، محرّم على نوازع ثاقبات الفطن تحديده، وعلى عوامق الفطر تكييفه، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعلى الأفهام أن تستغرقه، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، وتراجعت بالصغر عن السمو إلى قدرته لطائف الخصوم، واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، صادق لا يكذب، وعالم لا يجهل، وعدل لا يجور، وحيّ لا يموت، ذو بهجة لا تفقد، ونور لا يخمد، ومواهب لا تنكد، وعطايا لا تنفد، وعزّ لا يذلّ، وأيد لا تكلّ، ودؤوب لا يملّ، وحفظ لا يضلّ، وصنع لا يقلّ، الجبار الذي خشعت لجبروته الجبابرة، والعزيز الذي ذلّت لعزته الملوك الأعزّة، والعظيم الذي خضعت له الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها، مستشهدا بكل الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبحدوثها على فطرته، ليس له حدّ منسوب، ولا مثل مضروب، ولا شيء عنه تعالى حده محجوب، فألسن أدلته الواضحة هاتفة في أسماع عباده الواعية، شاهدة أنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا عدل له معادل، ولا مثل له مماثل، ولا شريك له مظاهر، ولا ولد له ولا والد، الذي خلق الخلائق بعلمه، فاختار منهم صفوته فجعلهم أمناء على وحيه، وخزنة على أمره، وسفراء بينه وبين خلقه، وجعلهم أمناء على وحيه، وخزنة على أمره، وسفراء بينه وبين خلقه، وجعلهم دعاة إلى ما اتضحت لديهم صحته، وثبت في القلوب حجته، وأمدهم بعونه، وأبانهم من سائر خلقه بما دلّ به على صدقهم من الأدلة، وأيدهم من الحجج البالغة والآي المعجزة، واستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر، تناسخهم مكارم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، حتى انتهت نبوة الله، وأفضت كرامته إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين،
فبعثه بالبرهان الواضح والبيان اللائح والكتاب الناطق والشهاب المتألق، على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، ودروس من آثار الأنبياء، والناس في عمى لا يعرفون معروفا فيأتوه، ولا منكرا فيجتنبوه، ففضّله صلى الله عليه من الدرجات العلى، ومن المراتب بالعظمى، وحباه من أقسام كرامته بالقسم الأكرم، وخصّه من درجات النبوة بالحظ الأجزل، ومن الأتباع والأصحاب بالنصيب الأوفر، فاستنقذ به الأشلاء المتفرقة، وجمع به الأهواء المختلفة، ودمغ به سلطان الجهالة، وأخمد به نيران الضلالة، حتى آض الباطل مقموعا، والجهل والعمى مردوعا، بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا، يبشّرا من أطاعه بالجنة وحسن ثوابها، ويخوّف من عصاه بالنار وما حذّر من عقابها، {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكََافِرِينَ} (1)، فصدع صلى الله عليه بما أمر، وبلّغ ما حمّل، حتى أذعن لله بالربوبية، وأقرّ له بالوحدانية، فعاش كريما محمودا، ومات موجعا مفقودا، صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وعظّم.(1/7)
بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله القديم الدائم، الذي ليس لقدمه ابتداء، ولا لديمومته انتهاء، الذي حجّت الألباب بدائع حكمه، وخصت العقول لطائف حججه، وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه، وكلّت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول عن كنه معرفته، لا تحويه الأماكن، ولا تحدّه لكبريائه الفكر، محرّم على نوازع ثاقبات الفطن تحديده، وعلى عوامق الفطر تكييفه، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعلى الأفهام أن تستغرقه، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، وتراجعت بالصغر عن السمو إلى قدرته لطائف الخصوم، واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، صادق لا يكذب، وعالم لا يجهل، وعدل لا يجور، وحيّ لا يموت، ذو بهجة لا تفقد، ونور لا يخمد، ومواهب لا تنكد، وعطايا لا تنفد، وعزّ لا يذلّ، وأيد لا تكلّ، ودؤوب لا يملّ، وحفظ لا يضلّ، وصنع لا يقلّ، الجبار الذي خشعت لجبروته الجبابرة، والعزيز الذي ذلّت لعزته الملوك الأعزّة، والعظيم الذي خضعت له الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها، مستشهدا بكل الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبحدوثها على فطرته، ليس له حدّ منسوب، ولا مثل مضروب، ولا شيء عنه تعالى حده محجوب، فألسن أدلته الواضحة هاتفة في أسماع عباده الواعية، شاهدة أنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا عدل له معادل، ولا مثل له مماثل، ولا شريك له مظاهر، ولا ولد له ولا والد، الذي خلق الخلائق بعلمه، فاختار منهم صفوته فجعلهم أمناء على وحيه، وخزنة على أمره، وسفراء بينه وبين خلقه، وجعلهم أمناء على وحيه، وخزنة على أمره، وسفراء بينه وبين خلقه، وجعلهم دعاة إلى ما اتضحت لديهم صحته، وثبت في القلوب حجته، وأمدهم بعونه، وأبانهم من سائر خلقه بما دلّ به على صدقهم من الأدلة، وأيدهم من الحجج البالغة والآي المعجزة، واستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر، تناسخهم مكارم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، حتى انتهت نبوة الله، وأفضت كرامته إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين،
فبعثه بالبرهان الواضح والبيان اللائح والكتاب الناطق والشهاب المتألق، على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، ودروس من آثار الأنبياء، والناس في عمى لا يعرفون معروفا فيأتوه، ولا منكرا فيجتنبوه، ففضّله صلى الله عليه من الدرجات العلى، ومن المراتب بالعظمى، وحباه من أقسام كرامته بالقسم الأكرم، وخصّه من درجات النبوة بالحظ الأجزل، ومن الأتباع والأصحاب بالنصيب الأوفر، فاستنقذ به الأشلاء المتفرقة، وجمع به الأهواء المختلفة، ودمغ به سلطان الجهالة، وأخمد به نيران الضلالة، حتى آض الباطل مقموعا، والجهل والعمى مردوعا، بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا، يبشّرا من أطاعه بالجنة وحسن ثوابها، ويخوّف من عصاه بالنار وما حذّر من عقابها، {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكََافِرِينَ} (1)، فصدع صلى الله عليه بما أمر، وبلّغ ما حمّل، حتى أذعن لله بالربوبية، وأقرّ له بالوحدانية، فعاش كريما محمودا، ومات موجعا مفقودا، صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وعظّم.
قال أبو بكر: إنّ من أشرف العلم منزلة، وأرفعه درجة، وأعلاه رتبة، معرفة معاني الكلام الذي يستعمله الناس في صلواتهم، ودعائهم، وتسبيحهم، وتقربهم إلى ربهم وهم غير عالمين بمعنى ما يتكلمون به من ذلك. قال أبو بكر: وأنا موضّح في كتابي هذا، إن شاء الله، معاني ذلك كله، ليكون المصلي إذا نظر فيه، عالما بمعنى الكلام الذي يتقرّب به إلى خالقه، ويكون الداعي فهما بالشيء يسأله ربّه، ويكون المسبّح عارفا بما يعظّم به سيّده، ومتبع ذلك تبيين ما تستعمله العوام في أمثالها، ومحاوراتها من كلام العرب، وهي غير عالمة بتأويله، باختلاف العلماء في تفسيره وشواهده من الشعر، ولن أخليه مما أستحسن إدخاله فيه من النحو والغريب واللغة والمصادر، والتثنية، والجمع، ليكون مشاكلا لاسمه، إن شاء الله. أسأل الله المعونة على ذلك والتوفيق للصواب.
فأوّل ما أبدأ به من ذلك قول الناس في ثنائهم على ربّهم:
{حَسْبُنَا اللََّهُ}
__________
(1) سورة يس: آية 70.(1/8)
{حَسْبُنَا اللََّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (1).
قال أبو بكر: فمعنى قولهم: حسبنا الله: كافينا الله، من ذلك قوله تبارك وتعالى: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللََّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، (2) ومن ذلك قول الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيف مهند (3)
معناه: يكفيك ويكفي الضحاك. ومعنى الآية: يا أيها النبي كافيك الله ومن اتبعك من المؤمنين. ومن ذلك قول امرئ القيس (4):
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ
أي يكفيك الشبع والري. ومنه قول الله عز وجل: {جَزََاءً مِنْ رَبِّكَ عَطََاءً حِسََاباً} (5) معناه: عطاء كافيا، يقال أحسبني الطعام يحسبني إحسابا إذا كفاني، قال الشاعر (6):
وإذ لا ترى في الناس حسنا يفوقها ... وفيهن حسن لو تأمّلت محسب
معناه: وفيهن حسن كاف. وقال الآخر: (7)
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
معناه: ونعطيه ما يكفيه. وقالت الخنساء: (8)
ي كبّون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تحسب المائة الوليدا
ومن ذلك قول الرجل للرجل: حسيبك الله
قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال، قال قوم: الحسيب العالم، ومعنى هذا الكلام
__________
(1) سورة آل عمران: آية 173.
(2) سورة الأنفال: آية 64.
(3) لم أعثر على قائله.
(4) ديوان امرئ القيس: ص 137.
(5) سورة النبأ: آية 36.
(6) لم أعثر على قائله.
(7) البيت في أمالي القالي، وهو غير منسوب 2/ 262.
(8) ديوان الخنساء: ص 16.(1/9)
التهدد، فإذا قال الرجل للرجل: حسيبك الله، فمعناه: الله عالم بظلمك ومجاز لك عليه، واحتجوا بقول المخبل السعدي (1):
ولا تدخلنّ الدهر قبرك حوبة ... يقوم بها يوما عليك حسيب
معناه: محاسب عليها عالم بها، والحوبة: الفعلة من الإثم العظيم، من قول الله عز وجل: {إِنَّهُ كََانَ حُوباً كَبِيراً} (2)، وقرأ الحسن: «إنّه كان حوبا كبيرا» بفتح الحاء، وقال الفراء: الحوب بالضم الاسم، والحوب بالفتح المصدر، قال نابغة بني شيبان (3):
نماك أربعة كانا أئمتنا ... فكان ملكك حقا ليس بالحوب
أي ليس بالإثم. وقال آخرون: إذا قال الرجل للرجل: حسيبك الله فمعناه:
المقتدر عليك الله. وقال آخرون: الحسيب الكافي، من قول الله عز وجل: {عَطََاءً حِسََاباً} (4)، فإذا قال الرجل للرجل: حسيبك الله، فمعناه: كافيّ إيّاك الله، وقالوا:
لفظه لفظ الخبر، ومعناه معنى الدعاء، كأنه قال: أسأل الله أن يكفينيك. وقال آخرون: الحسيب المحاسب، فإذا قال الرجل للرجل: حسيبك الله فمعناه: محاسبك الله، واحتجوا بقول قيس المجنون (5):
دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوما أن تمحّ ذنوبها
وناديت يا رباه أول سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فمعناه: ثم أنت محاسبها على ظلمها. قالوا: والحسيب هو المحاسب بمنزلة قول العرب: الشريب للمشارب، قال أبو بكر: أنشد الفراء:
فلا أسقى ولا يسقى شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي (6)
فمعناه: ولا يسقى مشاربي. قال الراجز (7):
__________
(1) ديوان المخبل: ص 123.
(2) سورة النساء: آية 2.
(3) ديوان النابغة: ص 76.
(4) سورة النبأ: آية 36.
(5) ديوان قيس: ص 67.
(6) البيت في أمالي القالي 2/ 263.
(7) نوادر أبي زيد: ص 175.(1/10)
ربّ شريب لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي
ليس بمحمود ولا مواسي ... يمشي رويدا مشية النّفاس
فمعناه: رب مشارب لك، والحساس: المشارّة وسوء الخلق. ومن الحسيب قول الله عز وجل: {إِنَّ اللََّهَ كََانَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً}. (1)
قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال، يقال: عالما، ويقال: مقتدرا، ويقال: كافيا، ويقال: محاسبا. قال أبو بكر: سمعت أبا العباس أحمد بن زكريا يقول في قول الله عز وجل: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللََّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2) يجوز في (من) الرفع والنصب فالرفع على النسق على الله، والنصب على معنى: يكفيك الله، ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
وقولهم: ونعم الوكيل
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال، قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء: الوكيل:
الكافي، كما قال عز وجل: {أَلََّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}، (3) معناه ألا تتخذوا من دوني ربّا. وقال آخرون: الوكيل: الكفيل والمعنى عندهم: حسبنا الله ونعم الكفيل بأرزاقنا، واحتجوا بقول الشاعر: (4)
ذكرت أبا أروى فبت كأنني ... بردّ أمور الماضيات وكيل
وكلّ اجتماع من قليل لفرقة ... وكلّ الذي بعد الفراق قليل
قالوا: فمعنى البيت: كأنني كفيل برد الأمور. قال أبو بكر: والذي أختار من هذا مذهب الفراء، وهو أن يكون المعنى: كافينا الله ونعم الكافي، فيكون الذي بعد نعم، موافقا للذي قبلها، كما تقول: رازقنا الله ونعم الرازق، وخالقنا الله ونعم الخالق، وراحمنا الله ونعم الراحم، فيكون هذا أحسن في اللفظ من قولك: خالقنا الله ونعم الكفيل، والقولان الآخران غير خارجين عن الصواب.
__________
(1) سورة النساء: آية 86.
(2) سورة الأنفال: آية 64.
(3) سورة الإسراء: آية 2.
(4) البيتان في البيان والتبيين، للجاحظ 3/ 181.(1/11)
وقولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله
قال أبو بكر: معناه لا حيلة ولا قوة إلا بالله، ويقال: ما للرجل حيلة، وما له حول، وما له احتيال، وما له محتال، وما له محالة، وما له محلة، بمعنى، قال الشاعر:
ما للرجال مع القضاء محالة ... ذهب القضاء بحيلة الأقوام
وقال العجاج (1):
قد أركب الآلة بعد الآلة ... وأترك العاجز بالجدالة
منعفرا ليست له محالة
الجدالة: الأرض المستوية، من ذلك قولهم: تركته مجدّلا، أي: مطروحا على الجدالة. وكتب الخليل بن أحمد إلى سليمان بن علي:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أنّي لست ذا مال
سخّى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت فقرا ولا يبقى على حال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
فالحول: الحيلة، يقال: ما للرجل محال، بفتح الميم، وماله محال، بكسر الميم، إذا كسرت، فالمعنى: ماله مكر ولا عقوبة، من قوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحََالِ} (2) معناه شديد المكر والعقوبة.
قال عبد المطلب بن هاشم:
لاهمّ إنّ المرء يمن ... نع رحله فامنع حلالك
لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم غدرا محالك
معناه: لا يغلبن مركهم مكرك. قال الأعشى: (3)
فرع نبع في غصن المجد ... غزير النّدى عظيم المحال
معناه: عظيم المكر. قال نابغة بني شيبان (4):
__________
(1) أمالي القالي 2/ 269.
(2) سورة الرعد: آية 13.
(3) ديوان الأعشى: ص 10.
(4) ديوان النابغة: ص 64.(1/12)
إنّ من يركب الفواحش سرّا ... حين يخلو بسره غير خال
كيف يخلو وعنده كاتباه ... شاهداه وربّه ذو المحال
وقال الآخر (1):
أبرّ على الخصوم فليس خصم ... ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبسّ بين أقوام فكلّ ... أعدّ له الشغازب والمحالا
قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: المحال مأخوذ من قول العرب: قد محل فلان بفلان، إذا سعى به إلى السلطان، وعرّضه لأمر يوبقه ويهلكه فيه. ومن ذلك قولهم في الدعاء: اللهم لا تجعل القرآن بنا ما حلا، أي: لا تجعله شاهدا بالتقصير والتضييع علينا. ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: (القرآن شافع مشفع وما حل مصدّق، فمن شفع له القرآن يوم القيامة نجا، ومن محل به القرآن كبّه الله على وجهه في النار) فمعناه: ومن شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع. وإذا قالت العرب للرجل:
ما له محال، بفتح الميم، فمعناه: ما للرجل حول.
قال: ويروى عن الأعرج أنه قرأ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحََالِ} (2) بفتح الميم، وتفسير ابن عباس يدل على الفتح، لأنه قال: المعنى: وهو شديد الحول. ويقال: قد حولق الرجل، إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد:
يقال حولق الرجل وحوقل، إذا قال ذلك. ويقال: بسمل الرجل، إذا قال: بسم الله، وأنشد أبو عبد الله بن الأعرابي:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا بأبي ذاك الحبيب المبسمل (3)
ويقال: قد أخذنا في البسملة، والحولقة والحوقلة، إذا قلنا: بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر (4):
__________
(1) لم أهتد لقائله.
(2) سورة الرعد: آية 13.
(3) ديوانه: 498.
(4) البيت في أمالي القالي 2/ 269.(1/13)
فداك من الأقوام كل مبخّل ... يحولق إما ساله العرف سائل
أي يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال أبو عكرمة الضبي (1): يقال قد هيلل الرجل إذا قال: لا إله إلا الله، وقد أخذنا في الهيللة، إذا أخذنا في التهليل. قال الخليل ابن أحمد: يقال حيعل الرجل، إذا قال: حي على الصلاة، وقد أخذنا في الحيعلة، إذا أخذنا في هذا القول. قال الشاعر:
ألا ربّ طيف منك بات معانقي ... إلى أن دعا داعي الصلاة فحيعلا (2)
وقال آخر (3):
وما إن زال طيفك لي عنيقا ... إلى أن حيعل الداعي الفلاحا
قال: والعرب تفعل هذا كثيرا، إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضموا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى، من ذلك قولهم للرجل: لا تبرقل علينا، معناه: لا تقصد قصد كلام لا فعل معه. وكذلك قولهم: قد أخذنا في البرقلة، أي:
في كلام لا يتبعه فعل، وهو مأخوذ من البرق الذي لا يتبعه المطر.
وقال الفراء: المحالة تنقسم في كلام العرب على ثلاثة أقسام: تكون المحالة الحيلة، وتكون المحالة التي تجعل على رأس البئر بمنزلة البكرة، وتكون المحالة واحدة محال الظهر وهي فقر الظهر.
قال أبو بكر: في قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه من الإعراب، أحدهن: لا حول ولا قوة إلا بالله، على أن تنصب الحول بلا، على التبرئة، وتجعل القوة نسقا على الحول، والباء خبر للتبرئة، والخليل وسيبويه يسميان التبرئة: النفي.
والوجه الثاني: لا حول ولا قوة إلا بالله فترفع الحول بلا، وتجعل القوة نسقا على الحول، وقد قرئ بالوجهين جميعا في كتاب الله عز وجل: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} (4)، وقرأوا: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ}.
__________
(1) هو عامر بن عمران، توفي 250هـ.
(2) البيت في معجم العين للخليل، بدون نسبة، 1/ 68.
(3) البيت في معجم العين للخليل، بدون نسبة، 1/ 68.
(4) سورة البقرة: آية 197.(1/14)
وقرأوا: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خُلَّةٌ وَلََا شَفََاعَةٌ} (1) و {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خُلَّةٌ وَلََا شَفََاعَةٌ} قال الفراء: إنما يحسن فيه الرفع إذا نسق عليه ب = ولا =، فإذا لم ينسق عليه ب = ولا =، فاختياره النصب، كقوله جل وعز: {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ}
(2)، الريب منصوب بلا على التبرئة، و (فيه) خبر التبرئة، قال ولم يقرأ أحد من القراء: لا ريب فيه، بالرفع. قال أبو بكر: وزعم الفراء أنها لغة للعرب، وحكى عن بعضهم: (لا إله إلّا الله، ومن ذلك قول جرير (3):
نبّئت جوّابا وسكنا يسبني ... وعمرو بن عمرو لا سلام على عمرو
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
الحرب لا يبقى لجا ... حمها التخيّل والمراح
إلّا الفتى الصبار في ... النجدات والفرس الوقاح
من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (4)
والوجه الثالث: لا حول ولا قوة إلا بالله، برفع الحول ونصب القوة، والمعنى:
لا حول إلا بالله، ولا قوة إلا بالله. قال أمية بن أبي الصلت (5):
فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به لهم مقيم
والوجه الرابع: لا حول ولا قوة إلا بالله، تنصب الحول ب (لا)، وترفع القوة بالباء، والمعنى: لا حول إلا بالله ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر (6):
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس (7) يدعى جندب
ذاكم وجدّكم الصغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
والوجه الخامس: لا حول ولا قوة إلا بالله، بنصب الحول والقوة جميعا،
__________
(1) سورة البقرة: آية 254.
(2) سورة البقرة: آية 21.
(3) ديوان ابن الأعرابي: ص 425.
(4) الأبيات لسعد بن مالك، وهي في شرح ديوان الحماسة، ص 500.
(5) ديوان أمية بن أبي الصلت، ص 475، 477.
(6) شرح أبيات سيبويه 1/ 159.
(7) الحيس: لبن وأقط وسمن، يصنع منه طعام لذيذ.(1/15)
والحول غير منون والقوة منونة، قال الشاعر (1):
رأت إبلي برمل جدود ألّا ... مقيل لها ولا شربا نقوعا
قال الفراء: (لا) معناها: السقوط من الكلام، كأنه قال: لا حول وقوة إلا بالله، وأنشد الفراء حجة لهذا:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا ما ارتدى بالمجد ثم تأزّرا (2)
قال أبو بكر: وإنما لم ينون الحول ونونت القوة، لأن الحول قرب من لا، والقوة بعدت من لا.
وقولهم: اللهم محّص عنا ذنوبنا
قال أبو بكر: فيه أقوال، قال قوم من أهل اللغة: المعنى: اللهم طهرنا من ذنوبنا وأسقطها عنا، واحتجوا بقول أبي داود الإيادي (3) يصف قوائم الفرس:
صمّ النسور صحاح غير عاثرة ... ركّبن في محصات ملتقى العصب
النسور: اللحم الذي في باطن الحافر يشبه النوى، واحدها نسر. وقوله: في محصات، معناه: في قوائم متجردات ليس فيها إلا العظم والجلد والعصب، قالوا:
فكذلك إذا قال الرجل: اللهم محص عنا ذنوبنا، فمعناه: جردنا من ذنوبنا، وقالوا:
معنى قول الله عز وجل: {وَلِيُمَحِّصَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكََافِرِينَ} (4):
وليجرد الله الذين آمنوا من ذنوبهم. وقال الخليل بن أحمد: اللهم محص عنا ذنوبنا، معناه: خلصنا من ذنوبنا، قال: والمحص عند العرب التخليص، يقال: محصت الشيء أمحصه محصا، إذا خلصته، وقال: معنى قوله تبارك وتعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}: وليخلص الله الذين آمنوا من ذنوبهم. وقال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (5): اللهم محص عنا ذنوبنا، معناه: اكشف عنا ذنوبنا، واحتجوا بقول
__________
(1) معاني القرآن 1/ 120.
(2) شرح شواهد الكشاف 4/ 398.
(3) شعر أبي داود الإيادي: ص 285.
(4) سورة آل عمران: آية 141.
(5) من علماء اللغة الكوفيين، ت نحو 205هـ.(1/16)
الشاعر يصف ليلا:
حتى بدت قمراؤه وتمحّصت ... ظلماؤه ورأى الطريق المبصرا (1)
فمعناه: وانكشفت ظلماؤه. وقال آخرون: اللهم محص عنا ذنوبنا، معناه:
اللهم اطرح ما تعلق بنا من الذنوب، قالوا: وهو مأخوذ من قول العرب: قد محص الحبل يمحص محصا، إذا ذهب وبره. ويقال: حبل محص وأملص بمعنى. ويقال: قد محص الظي يمحص، وفحص يفحص، إذا عدا عدوا شديدا لا يخالطه فيه وني ولا فتور.
وقولهم: اللهم اغفر لنا ذنوبنا
قال أبو بكر: قال قطرب محمد بن المستنير: معناه اللهم غط علينا ذنوبنا، قال:
وهو مأخوذ من قول العرب: قد غفرت المتاع في الوعاء أغفره غفرا، ويقال: اغفر متاعك في الوعاء، أي: غطه فيه. قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: تقول العرب: قد غفر الرجل في مرضه يغفر غفرا، إذا نكس في مرضه، فكأن المرض غطّى عليه، واحتج بقول الشاعر (2):
خليليّ إنّ الدار غفر لذي الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم
ومن ذلك قوله عز وجل: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} (3)، معناه: سلوا ربكم أن يغطي عليكم ذنوبكم. ومن ذلك قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} (4)، معناه: يغطي عليكم ذنوبكم. قال الكسائي (5) وهشام (6) وغيرهما:
(من) في هذا الموضع زائدة، وذهبوا إلى أنها مؤكدة للكلام، والمعنى: يغفر لكم ذنوبكم. وقالوا: هو بمنزلة قوله: {وَلَهُمْ فِيهََا مِنْ كُلِّ الثَّمَرََاتِ} (7)، واحتجوا
__________
(1) البيت في الفاخر، دون نسبة، ص 135.
(2) هو المرار الفقعسي، شعره: ص 176.
(3) سورة هود: آية 90.
(4) سورة نوح: الآتيان 43.
(5) علي بن حمزة، إمام أهل الكوفة في النحو، وأحد القراء السبعة، توفي 189هـ.
(6) هشام بن معاوية الضرير، أخذ عن الكسائي، توفي سنة 209هـ.
(7) سورة محمد: آية 15.(1/17)
بقوله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} (1)، فالمعنى: يغضوا أبصارهم، واحتجوا بقوله عز وجل: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (2)، قالوا: فمن ليست في هذا الموضع مبغضة إنما المعنى:
وعدهم الله كلهم مغفرة وأجرا عظيما، فدخلت (من) للتوكيد. وكذلك قوله:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (3)، فلم يؤمر بهذا بعضهم دون بعض، إنما المعنى: ولتكونوا كلكم أمة يدعون إلى الخير. ومن ذلك قول الشاعر (4):
أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النّوفل الزّفر
النوفل: الكثير الإعطاء للنوافل، و (من) مؤكدة للكلام. وقال أصحاب المعاني:
المعنى: يأبى الظلامة، لأنه نوفل زفر. قال ذو الرمة (5):
إذا ما امرؤ حاولن أن يقتلنه ... بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسّمن عن نور الأقاحيّ في الثرّى ... وفتّرن من أبصار مضروجة نجل
أراد: وفترن أبصارا مضروجة، فأكّد الكلام بمن. قال أبو بكر: قال الفراء:
معنى قوله عز وجل: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} *، يغفر لكم من أذنابكم وعن أذنابكم، أي: يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما تقول في الكلام: قد اشتكيت من دواء شربته، فالمعنى: قد اشتكيت من أجل الدواء الذي شربته. وقال قطرب: من المغفرة قولهم: قد غفر الرجل رأسه بالمغفر، أي: غطاه به، ويقال للبيضة التي يغطى بها الرأس: الغفارة. وقال الأصمعي (6): معنى قولهم: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم استر علينا ذنوبنا، قال: والعرب يقول الرجل منهم للرجل: اصبغ ثوبك بقرف
__________
(1) سورة النور: آية 30.
(2) سورة الفتح: آية 29.
(3) سورة آل عمران: آية 104.
(4) البيت لأعشى باهلة، انظر الصبح المنير، ص 267.
(5) ديوان ذي الرمة: ص 144، 145.
(6) هو عبد الملك بن قريب، ت 216هـ.(1/18)
السدر فإنه أغفر للوسخ، أي: أستر للوسخ، وفي يصبغ ثلاث لغات يقال: قد صبغ الثوب يصبغه ويصبغه ويصبغه، وكذلك دبغ الجلد يدبغه ويدبغه ويدبغه، ونغق الغراب ينغق وينغق وينغق، وكذلك نهق الحمار ينهق وينهق وينهق. قال أبو بكر:
حكى هذا أبو العباس عن سلمة (1) عن الفراء.
وقولهم: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال أبو عبيدة القاسم بن سلام، المعنى: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، وإنما ينفعه طاعتك والعمل بما يقربه منك، واحتج بقول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء وإذا أصحاب الجدّ محبوسون». فمعناه: وإذا أصحاب الغنى في الدنيا محبوسون، قال: وهو بمنزلة قوله عز وجل: {يَوْمَ لََا يَنْفَعُ مََالٌ وَلََا بَنُونَ إِلََّا مَنْ أَتَى اللََّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (2)، وقوله:
{وَمََا أَمْوََالُكُمْ وَلََا أَوْلََادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنََا زُلْفى ََ إِلََّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صََالِحاً} (3). وقال غير أبي عبيد: الجد في هذا الموضع: الحظ، وهو الذي تسميه العوام: البخت، والمعنى عندهم: ولا ينفع ذا الحظ منك الحظ إنما ينفعه العمل بطاعتك، وقالوا هو مأخوذ من قول العرب: لفلان جد في الدنيا، أي: حظ وبخت، قال امرؤ القيس (4):
أيايا لهف نفسي إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
أراد: وقاهم حظّهم. وقال الأخطل (5):
__________
(1) سلمة بن عاصم، والد المفضل صاحب كتاب الفاخر.
(2) سورة الشعراء: آية 89.
(3) سورة سبأ: آية 37.
(4) ديوانه: ص 138.
(5) ديوان الأخطل: ص 104.(1/19)
أعطاكم الله جدّا تنصرون به ... لا جدّ إلا صغير بعد محتقر
ومنه قول الآخر (1):
عش بجد ولا يضرك نول ... إنما عيش من ترى بالجدود
قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: الجد في كلام العرب ينقسم على أقسام، يكون الجد: أبا الأب، ويكون الجد: أبا الأم، ويكون: الحظ، وهو الذي تسميه العامة: البخت، ويكون الجد: الجلال، ويكون الجد: العظمة، كما قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ تَعََالى ََ جَدُّ رَبِّنََا} (2)، قال ابن عباس: معناه: تعالى جلال ربنا، واحتج بقول الشاعر:
ترفّع جدّك إني امرؤ ... سقتني الأعادي إليك السّجالا (3)
وقال الحسن: تعالى جدّ ربنا، معناه: تعالى غنى ربنا. وقال السّدّيّ (4): معناه:
تعالى أمره. وقال مجاهد (5): معناه: تعالى ذكر ربنا. وقال غيرهم: معناه: تعالت عظمة ربنا، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. وقال أبو العباس: يقال: قد جدّ الرجل يجدّ، إذا صار له جد، وما كنت ذا جد، ولقد جددت وأنت تجدّ يا رجل.
قال: وأنشدني ابن الأعرابي:
ولقد يجدّ المرء وهو مقصّر ... ويخيب سعي المرء غير مقصّر (6)
ويقال: أجدّه الله، إذا جعل له جدا، وحظّ الرجل فهو محظوظ من الحظّ.
وقال أبو العباس: ما كنت ذا حظ ولقد حظظت وأنت تحظ. ويقال: رجل حظيظ جديد، من الجد والحظ. ويقال: قد جدّ الرجل في الأمر إذا انكمش فيه، يجد جدا.
__________
(1) البيت لأبي محمد اليزيدي في شعر اليزيديين، ص 45.
(2) سورة الجن: آية 3.
(3) البيت في تفسير الطبري، دون نسبة، 29/ 105.
(4) هو إسماعيل بن عبد الرحمن، توفي سنة 127هـ.
(5) مجاهد بن جبر، توفي سنة 103هـ.
(6) البيت في شرح القصائد السبع، دون نسبة، ص 457.(1/20)
وإذا خاطبت الرجل قلت: ما كنت ذا جد، ولقد جددت، وأنت تجد. قال أبو العباس: أنشدني السدري (1):
لطالما برّحت بي الأعين النجل ... واقتادني بدواعي غيّه الغزل
عهد الشباب لقد أبقيت لي حزنا ... ما جدّ ذكرك إلا جدّ لي ثكل
إن المشيب إذا ما حل زائره ... بمنهل حل يقفو أثره الأجل (2)
ويقال: جدّ يجد إذا قطع. ويقال: قد جدّ القميص يجد، بكسر الجيم، ويقال:
قميص جديد، وجبة جديد، بغير هاء. قال أبو بكر: قال الفراء: إنما لم تدخل الهاء في جديد لأن أصلها: مجدود، فلما صرفت عن مفعول إلى فعيل ألزمت التذكير كما تقول العرب: كفّ خضيب، وعينّ كحيل، ولحية دهين، فتحذف الهاء لأن الأصل فيهن: كفّ مخضوبة، وعين مكحولة، ولحية مدهونة، فلما صرفت إلى فعيل ألزمت التذكير، ليفرق بين ماله الفعل وبين ما الفعل واقع عليه، فالذي له الفعل قولك:
امرأة كريمة وأديبة وظريفة، والذي الفعل واقع عليه قد تقدم ذكره. قال أبو بكر:
وسمعت أبا العباس يقول: هي القنطرة الجديد ورأيت القنطرة الجديد بغير هاء، لأن الفعل واقع عليها. قال أبو بكر: ويقال: رأيت القنطرة العتيقة بالهاء لأن الفعل لها عتقت فهي عتيقة، فصارت بمنزلة الأديبة والكريمة. وزعم الفراء: أن من العرب من يقول: هذه ملحفة جديدة، فيدخلون فيه الهاء، وهذه لغة لا يؤخذ بها. ويقال:
هذه جبة خلق، وهذه ملحفة خلق، بغير هاء لأن الأصل في خلق الإضافة، يقال:
أعطني خلق حبلك وخلق ملحفتك، فلما أفردوه تركوه على ما كان عليه في الإضافة، قال: وقال الفراء: ومن العرب من يقول: قميص أخلاق، وجبة أخلاق، فيصف الواحد بالجمع لأن الخلوقة في الثوب تتسع، فيسمى كل موضع منها خلقا، ثم يجمع على هذا المعنى. أنشد الفراء:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ... شراذم يضحك مني التواق (3)
__________
(1) من أصحاب الأصمعي، روى عنه ثعلب في مجالسه.
(2) الأبيات لمحمد بن حازم، انظر الأغاني، 14/ 94.
(3) البيت في تفسير الطبري، 14/ 19، 19/ 75.(1/21)
التواق: ابنه، ومن قال: جبّة خلق، قال في التثنية: جبتان خلقان، وجبات أخلاق في الجمع. قال أبو العباس: أنشدني أبو العالية:
كفى حزنا أني تطاللت كي أرى ... ذري قلّتي دمخ فما ترياني
كأنهما والآل يجري عليهما ... من البعد عينا برقع خلقان
فذكر: خلقان للعلة التي تقدمت. والجدّ بكسر الجيم ينقسم على قسمين:
يكون الجد: الانكماش، قال أبو بكر: قال أبو العباس: أنشدني الزبير (1) بن أبي بكر:
ولما رأينا البين قد جدّ جدّه ... ولم يبق إلا أن تزول الركائب
مررنا فسلّمنا سلاما مخالسا ... فردّت علينا أعين وحواجب (2)
ويكون الجدّ: الحق كقولك: جدّ في الجدّ ودع الهزل، قال الشاعر:
هزلت وجدّ القول فاحتجبت ... فبقيت بين الجدّ والهزل (3)
ومن ذلك قولهم في القنوت: «ونخشى عذابك، إنّ عذابك الجدّ بالكفار ملحق». معناه: إن عذابك الحق. ومنه قولهم: هو عالم جدّا، بكسر الجيم، معناه: هو عالم حقّا حقّا، والعامة تخطئ فتفتح الجيم، وأنشد الفراء:
وإنّ الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدّا (4)
والوجه الثالث: قول الناس: ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ، بكسر الجيم، قال أبو بكر: قال أبو عبيد: هو خطأ، لأن الجد: الانكماش، والله عز وجل قد دعا الناس وأمرهم بالانكماش في طاعته فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} (5) وقال: {يََا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبََاتِ وَاعْمَلُوا صََالِحاً} (6)، وقال:
__________
(1) هو الزبير بن بكار، عالم بالأنساب وأخبار العرب، توفي سنة 256هـ.
(2) الحماسة البصرية 2/ 103.
(3) البيت لا يعرف قائله.
(4) البيت للمقنع الكندي، انظر شرح ديوان الحماسة، 1179.
(5) سورة المؤمنون: آية 1، 2.
(6) سورة المؤمنون: آية 51.(1/22)
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (1). قال أبو عبيد: ولا يجوز أن يأمرهم بالانكماش، ويدعوهم إليه، ثم يقول:
لا ينفعهم انكماش. قال أبو بكر: ولا أظن الذين رووا هذا بكسر الجيم، ذهبوا إلى المعنى الذي ذكره أبو عبيد، ولكنهم أرادوا: ولا ينفع ذا الانكماش والحرص على الدنيا انكماشه وحرصه عليها، إنما ينفع العمل للآخرة. والجد بضم الجيم: البئر القديمة الجيدة الموضع من الكلأ. قال زهير (2):
أثافيّ سفعا في معرّس مرجل ... ونؤيا كحوض الجدّ لم يتثلّم
وقال الآخر، وهو طرفة (3):
لعمرك ما كانت حمولة معبد ... على جدّها حربا لدينك من مضر
ويقال: رجل جدّ، بضم الجيم، إذا كان له جد في الناس.
وقولهم: اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ومن الحور بعد الكور
قال أبو بكر: وعثاء السفر: شدة النصب والمشقة، وكذلك هو في المأثم. قال الكميت (4) يخاطب جذاما:
فأين ابنها منكم ومنا وبعلها ... خزيمة والأرحام وعثاء حوبها
فمعناه: في قطيعة الرحم مأثم شديد، فأصل الوعثاء: من الوعث، وهو: الدهس والمشي يشتد فيه على صاحبه، فصار مثلا لكل ما يشق على فاعله. وكآبة المنقلب:
أن يرجع الرجل من سفره إلى منزله بأمر يكتئب منه أو يرى عند قدومه ما يغمه ويحزنه. والحور بعد الكور فيه قولان: قال أكثر أهل اللغة: الحور بعد الكور يعني النقصان بعد الزيادة، قال: وهو مأخوذ من كور العمامة وحورها، وإذا قال الرجل:
اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، فمعناه: اللهم إنا نعوذ بك أن تتغير أمورنا،
__________
(1) سورة الكهف: آية 30.
(2) ديوان زهير: ص 7.
(3) ديوان طرفة: ص 160.
(4) شعر الكميت: 1/ 166.(1/23)
وتنتقص، كنقص العمامة بعد كورها وهو شدها، واحتجوا بأن الحجاج بن يوسف بعث رجلا أميرا على جيش، ليقاتل الخوارج، ثم بعث به بعد مدة تحت لواء رجل آخر، فقال للحجاج: هذا الحور بعد الكور، فقال له الحجاج: وما الحور بعد الكور؟ قال: النقصان بعد الزيادة.
وقال آخرون: اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، معناه: اللهم إنا نعوذ بك من الرجوع والخروج عن الجماعة، بعد أن كنا في الكور: وهو الاجتماع.
ويقال: قد كار الرجل عمامته على رأسه، إذا شدّها وجمعها، وحارها، إذا نقضها وأفسدها. ورواه بعض أهل العلم: اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكون بالنون، فسئل عن معنى ذلك فقال: أما سمعت قول العرب: حان بعدما كان، أي: كان على جميلة فحان عنها، أي: رجع عنها. يقال: قد حار الرجل يحور حورا إذا رجع، من ذلك قول الله جل وعز: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} (1)، معناه: أن لن يرجع، قال لبيد (2):
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
أراد: يرجع رمادا. وقال الآخر (3):
أصبحت دارنا قفارا خلاء ... بعد عدنان والإله محاري
وقال عمران بن حطان (4):
وقد حرت في النقص الغداة وقد بدا ... لكم كبري وابيضّ مني المفارق
وقال الآخر (5):
إن كنت عاذلتي فسيري ... نحو العراق ولا تحوري
أي: ولا ترجعي. وقال آخرون: اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكون، معناه: اللهم إنا نعوذ بك من الرجوع والخروج عن الجماعة، بعد الكون على
__________
(1) سورة الانشقاق: آية 14.
(2) ديوان لبيد: ص 169.
(3) لم أهتد إلى قائله.
(4) عمران بن حطان من أبرز شعراء الخوارج، ت 84هـ.
(5) البيت في شرح ديوان الحماسة، ص 523.(1/24)
الاستقامة، قالوا: فحذفت (على) لدلالة المعنى عليها، كما قال جل ثناؤه: {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1)، معناه: فمن شاء أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء أن يكفر فليكفر، على معنى التوعيد والتخويف. وزعموا أن العرب تضمر الشيء، إذا كان في الكلام عليه دليل، من ذلك قول الشاعر (2):
تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر
أراد: كأن الله يجدع أنفه ويفقأ عينيه، فحذف الفعل لدلالة المعنى عليه.
والحور عند العرب البياض، من ذلك قولهم: خبز حواري، إذا كان أبيض. والعين الحوراء فيه ثلاثة أقوال، قال أبو عبيدة: الحوراء: الشديدة بياض العين في شدة سواد العين. قال أبو عمرو الشيباني: العين الحوراء: السوداء التي ليس فيها بياض، قال: ولا يكون هذا في الإنس إنما يكون في الوحش، وكذلك قال سعيد بن جبير (3) في قول الله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ} (4)، الحور: السود الأعين. وقال يعقوب بن السكيت:
الحور عند العرب: سعة العين، وكبر المقلة، وكثرة البياض. وقال قطرب: الحور:
الحسنة المحاجر، كبرت العين أو صغرت. والعين: جمع عيناء، والعيناء: الحسنة العين واسعتها. قال قيس بن الخطيم (5):
عيناء جيداء يستضاء بها ... كأنها خوط بانة قصف
وقال الفراء: الحور العين فيها لغتان: حور عين، وحير عين، وأنشد لبعض الشعراء (6):
أزمان عيناء سرور المسرور ... حوراء عيناء من العين الحير
وقال الآخر:
إلى السلف الماضي وآخر سائر ... إلى ربرب حير حسان جآذره
__________
(1) سورة الكهف: آية 29.
(2) البيت في كتاب الحيوان، دون نسبة، 6/ 40.
(3) انظر تفسير الطبري 27/ 126.
(4) سورة الواقعة: آية 22.
(5) ديوان قيس بن الخطيم: ص 107.
(6) البيت منظور بن مرثد الأسدي، انظر تهذيب إصلاح المنطق، 59.(1/25)
والحواريون فيهم خمسة أقوال: قال أهل اللغة: الحواريون: البيض الثياب، أخذ من الحور، وهو: البياض، من ذلك قول العرب: امرأة حوارية من نساء حواريات، إذا كن مقيمات بالأمصار فقيل لهن ذلك لبياضهن وبعدهن من قشف أهل البادية. قال الشاعر (1):
حواريّة لا يدخل الذمّ بيتها ... مطهرة يأوي إليها مطهر
وقال الآخر (2):
فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
وقال آخرون: الحواريون: المجاهدون، واحتجوا بقول الشاعر:
ونحن أناس يملأ البيض هامنا ... ونحن حواريون حين نزاحف
جماجمنا يوم اللقاء تراسنا ... إلى الموت نمشي ليس فينا (3) تجانف
التجانف: التمايل، من قول الله عز وجل: {غَيْرَ مُتَجََانِفٍ لِإِثْمٍ} (4)، معناه:
غير متماثل إلى إثم. وقال بعض المفسرين: الحواريون: القصّارون، وقال: الحواريون:
الصيّادون. وقال قوم: الحواريون: الملوك. وقال الفراء: الحواريون: خاصة أصحاب الأنبياء، من ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «الزبير ابن عمتي وحواريّ من أمتي» (5).
فمعناه: من خاصة أصحابي. وقال قطرب: الحواريون أخذوا من قول العرب: قد حرت القميص أحوره: إذا غسلته ونظفته. ويقال للعود الذي تدور عليه البكرة:
محور لأنه يعود إلى حالته الأولى بعد الدوران.
وقولهم: قد أذّن المؤذن
وقد سمعت أذان المؤذّن
قال أبو بكر: معناه: قد أعلم المعلم بالصلاة، وقد سمعت إعلام المعلم بها، من
__________
(1) لم أهتد إلى قائله.
(2) البيت لأبي جلدة اليشكري، انظر البحر المحيط 2/ 470.
(3) البيتان في زاد المسير 1/ 394بلا عزو.
(4) سورة المائدة: آية 3.
(5) النهاية 1/ 457.(1/26)
ذلك قول الله: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسََارِقُونَ} (1)، معناه: أعلم معلم.
{وَأَذََانٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (2) معناه: وإعلام من الله ورسوله. وفي الأذان لغتان، يقال: سمعت أذان المؤذن، وسمعت أذين المؤذن، وسمعت الأذان والأذين. قال الشاعر (3):
فلم نشعر بضوء الصبح حتى ... سمعنا في مساجدنا الأذينا
وقال الآخر (4):
إلى أن راعني صوت الأذين ... وليلة ناعم قد بتّ منها
وقولهم: الله أكبر الله أكبر
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: اختلف أهل العربية في معنى: الله أكبر، فقال أهل اللغة: الله أكبر، معناه الله كبير، قالوا: وأكبر بمعنى: كبير، واحتجوا بقول الفرزدق (5):
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أراد: دعائمه عزيزة طويلة، واحتجوا بقول الآخر (6):
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أراد: لست فيها بواحد، واحتجوا بقول معن بن أوس (7):
لعمري وما أدري وإني لأوجل ... على أيّنا تعدو المنية أول
أراد: وإني لوجل، واحتجوا بقول الأحوص (8):
__________
(1) سورة يوسف: آية 70.
(2) سورة التوبة: آية 3.
(3) لم أهتد إليه.
(4) لم أهتد إليه.
(5) ديوانه: ص 2/ 155.
(6) البيت منسوب إلى طرفة في الطبري 30/ 227، ولم أجده في ديوانه.
(7) البيت منسوب لطرفة في مجاز القرآن 2/ 301والطبري 30/ 227ولم أجده في ديوانه.
(8) ديوانه: ص 152.(1/27)
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكّل
إني لأمنحك الصدود وإنّني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
أراد: لمائل، واحتجوا بقول الله جل وعز: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (1)، قالوا:
فمعناه: هو هين عليه. قال أبو بكر: قال أبو العباس: وقال النحويون، يعني الكسائي والفراء وهشاما: الله أكبر معناه: الله أكبر من كل شيء، فحذفت (من) لأن أفعل خبر، كما تقول: أبوك أفضل، وأخوك أعقل، فمعناه أفضل وأعقل من غيره، واحتجوا بقول الشاعر:
إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراج لنا إلا ووجهك أنور (2)
أراد: أنور من غيره. وقال معن بن أوس (3):
فما بلغت كفّ امرئ متناول ... بها المجد إلا حيث ما نلت أطول
ولا بلغ المهدون نحوك مدحة ... ولو صدقوا إلا الذي فيك أفضل
أراد: أفضل من قولهم. قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول (من) تحذف في مواضع الأخبار، ولا تحذف في مواضع الأسماء، من قال: أخوك أفضل، لم يقل: من أفضل أخوك، وإنما حذفت (من) في مواضع الأخبار، لأن الخبر يدل على أشياء غير موجودة في اللفظ، وذلك أنك إذا قلت: أخوك قام، دل هذا على مصدر، وزمان، ومكان، وشرط، كقولك: أخوك قام قياما يوم الخميس في الدار لكي يحسن. والاسم لا يحذف منه شيء يدل عليه، قال ابن عباس: معنى قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (4)، وهو أهون على المخلوق، أي: الإعادة أهون على المخلوق من الابتداء، وذلك أنّ الابتداء يكون فيه نطفة ثم علقة ثم مضغة، والإعادة تكون بأن يقول له: كن فيكون. وقال آخرون: وهو أهون عليه معناه: والإعادة أهون عليه من الابتداء فيما تظنون يا كفرة، والله تبارك وتعالى ليس شيء عليه أهون
__________
(1) سورة الروم: آية 27.
(2) شرح القصائد السبع 467، بلا عزو.
(3) ديوانه: ص 10.
(4) سورة الروم: آية 27.(1/28)
من شيء، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض. وقال المفسرون: المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله.
وقولهم: أشهد أن لا إله إلا الله
قال أبو بكر: معناه عند أهل العربية: أعلم أنه لا إله إلا الله، وأبيّن أنه لا إله إلا الله، الدليل على هذا قوله تبارك وتعالى: {مََا كََانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسََاجِدَ اللََّهِ شََاهِدِينَ عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} (1) وذلك أنهم لما جحدوا نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم كانوا قد بيّنوا على أنفسهم الضلالة والكفر، قال حسان بن ثابت (2):
وأشهد أنّك عبد المليك ... أرسلت نورا بدين قيم
معناه: أبيّن أنك عبد المليك، من ذلك قوله تبارك وتعالى: {شَهِدَ اللََّهُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (3)، قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه بيّن الله أنه لا إله إلا هو، وأعلم أنه لا إله إلا هو، قال: ومن ذلك قولهم: قد شهد الشاهد عند الحاكم، معناه:
قد بيّن للحاكم وأعلمه الخبر الذي عنده. وقال أبو عبيدة (4): معنى قوله: {شَهِدَ اللََّهُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} أي: قضى الله أنه لا إله إلا هو. قال أبو بكر: وقول أبي العباس، أحسن مشاكلة لكلام العرب. وأجاز أبو العباس: الله أكبر الله أكبر، واحتج بأن الأذان سمع وقفا لا إعراب فيه كقولهم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ولم يسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فكان الأصل فيه: الله أكبر الله أكبر بتسكين الراء، فألقوا على الراء فتحة الألف من اسم الله عز وجل، وانفتحت الراء وسقطت الألف، كما قال عز وجل: {الم اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (5)، كان الأصل فيه والله أعلم: ألم الله لا إله إلا هو، بتسكين الميم، فألقيت فتحة الألف على
__________
(1) سورة التوبة: آية 17.
(2) ديوانه: ص 139.
(3) سورة آل عمران: آية 18.
(4) مجاز القرآن 1/ 89.
(5) سورة آل عمران: آية 1، 2.(1/29)
الميم، وسقطت الألف، قال أبو النجم (1):
أقبلت من عند زياد كالخزف ... تخطّ رجلاي بخطّ مختلف
كأنما تكتّبان لام الف
أراد: لام ألف، فألقى فتحة الألف على الميم، وأسقطت الألف. قال الكسائي: قرأ عليّ رجل من العرب: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلََّهِ} (2)
ففتح الميم لأنه أراد أن يسكنها لأنها رأس آية، ثم ألقى حركة ألف الحمد على الميم من الرحيم، وأسقط الألف. وقال الكسائي: قرأ عليّ رجل من العرب سورة ق، فلما انتهى إلى قوله: {مَنََّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ} (3)، وقرأ: {مُرِيبٍ الَّذِي} بكسر الباء وفتح النون، على معنى: مريبين الّذي، فألقى فتحة الألف على النون، وأسقط الألف.
وقولهم: أشهد أنّ محمدا رسول الله
قال أبو بكر: معناه أعلم وأبيّن أن محمدا متابع للإخبار عن الله عز وجل. والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذ من قول العرب:
قد جاءت الإبل رسلا، أي: جاءت متتابعة، قال الأعشي (4):
يسقي ديارا لنا قد أصبحت غرضا ... زوراء أجنف عنها القود والرّسل
القود: الخيل، والرّسل: الإبل المتتابعة. والرسول يقال في تثنيته: رسولان، وفي جمعه: رسل. ومن العرب من يوحده في موضع التثنية والجمع، فيقول: الرجلان رسولك، والرجال رسولك، قال الله عز وجل في موضع: {إِنََّا رَسُولََا رَبِّكَ} (5)، وقال في موضع آخر: {إِنََّا رَسُولُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (6)، فالموضع الذي قال فيه: إنا
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 28.
(2) سورة الفاتحة: الآيتان 21.
(3) سورة ق: آية 25.
(4) ديوانه: ص 44.
(5) سورة طه: آية 47.
(6) سورة الشعراء آية 16.(1/30)
رسولا ربك، خرج الكلام فيه على الظاهر لأنه إخبار عن موسى وهارون.
والموضع الذي قال فيه: إنا رسول رب العالمين، قال يونس (1) وأبو عبيدة: وحد الرسول لأنه في معنى الرسالة، كأنه قال: إنا رسالة رب العالمين، واحتج يونس بقول الشاعر:
فأبلغ أبا بكر رسولا سريعة ... فما لك يا ابن الحضرميّ وماليا (2)
أراد: رسالة سريعة. واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر (3):
لقد كذّب الواشون ما بحت عندهم ... بسرّ ولا أرسلتهم برسول
أراد: ولا أرسلتهم برسالة، واحتج يونس بقول الآخر (4):
ألا من مبلغ عني خفافا ... رسولا بيت أهلك منتهاها
أراد: رسالة بيت أهلك منتهاها. وقال الفراء: إنما وحّد فقال: إنا رسول رب العالمين لأنه اكتفى بالرسول من الرسولين، واحتج بقول الشاعر (5):
ألكني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر
أراد: وخير الرسل، فاكتفى بالواحد من الجمع. قال أبو بكر: وفصحاء العرب، أهل الحجاز ومن جاورهم، يقولون: أشهد أنّ محمدا رسول الله. وجماعة من العرب يبدلون من الألف عينا، فيقولون: أشهد عنّ محمدا رسول الله، قال أبو بكر:
أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزبير بن بكار:
قال الوشاة لهند عن تصارمنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني (6)
أراد: أن تصارمنا. وقال قيس المجنون (7):
أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني ... لك اليوم من وحشيّة لصديق
__________
(1) يونس بن حبيب البصري، توفي 182هـ.
(2) المخصص 17/ 30.
(3) ديوانه: ص 110.
(4) ديوانه: ص 110.
(5) ديوان الهذليين 1/ 146.
(6) شرح القصائد السبع، ص 455.
(7) ديوانه: ص 206.(1/31)
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... سوى عنّ عظم الساق منك دقيق
أراد: سوى أنّ، فأبدل من الهمزة عينا، وقال أيضا (1):
فما هجرتك النفس يا ليل عن قلى ... قلته ولا عن قلّ منك نصيبها
أتضرب ليلى أن ألمّ بأرضها ... وما ذنب ليلى عن طوى الأرض ذيبها
أراد: أن، فأبدل من الهمزة عينا.
وفي قولهم: أشهد أن محمدا رسول الله، ثلاثة أوجه: المجتمع عليه: أشهد أن محمدا رسول الله، ويجوز في العربية: أشهد أن محمدا لرسول الله، إذا كان في خبرها اللام. وأشهد إنّ محمدا رسول الله، على معنى: أقول: إن محمدا. ولا يجوز أن يبدل من الألف إذا انكسرت عينا، إنما يفعل ذلك بها إذا انفتحت.
ومحمد يجمع على ثلاثة أوجه يقال في جمعه على السلامة: المحمدون في الرفع، والمحمدين في النصب والخفض، ويقال في جمعه على التكسير: المحامد والمحاميد.
ويصغر على ثلاثة أوجه يقال في تصغيره إذا لم يكن اسما للنبي صلّى الله عليه وسلم: محيمد ومحيميد، ومحيّمد بالجمع بين ساكنين.
وقولهم: حيّ على الصلاة
قال أبو بكر: قال الفراء: معنى حي في كلام العرب: هلمّ وأقبل، فالمعنى:
هلموا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، قال: وفتحت الياء من حي لسكونها، وسكون الياء قبلها، كما قالوا: ليت ولعل. ومنه قول عبد الله بن مسعود (2): «إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر». معناه: فأقبلوا على ذكر عمر. وفيه ست لغات: فحيّ هلا بعمر، بالتنوين. والوجه الثاني: فحيّ هل بعمر، بفتح اللام بغير تنوين. والوجه الثالث:
فحيّهل بعمر، بتسكين الهاء وفتح اللام، بغير تنوين. والوجه الرابع: فحيّ هلا بعمر، بفتح الهاء وتسكين اللام. والوجه الخامس: فحي هلن إلى عمر. والوجه السادس:
فحي هلن على عمر. فمن قال: فحي هلا بالتنوين، نصبه على المصدر، كأنه قال:
__________
(1) ديوانه: ص 68، 71.
(2) النهاية 1/ 472.(1/32)
فمرحبا. ومن قال: فحي هل بعمر، جعل حي وهل مفتوحتين تشبيها بخمسة عشر.
ومن قال: فحيّهل بعمر، سكن الهاء، لكثرة الحركات. ومن قال: فحيّهل بعمر، نوى تسكينهما جميعا، كما تقول: بخ بخ. ومن قال: فحي هلن على عمر، أراد: أقبلوا على ذكر عمر. ومن قال: فحي هلن إلى عمر، أراد: هلموا إلى ذكره.
وقولهم: حيّ على الفلاح
قال أبو بكر: فيه قولان، قال جماعة من أهل اللغة: معناه: هلموا إلى الفوز، وقالوا: يقال: قد أفلح الرجل، إذا أصاب خيرا، من ذلك الحديث الذي يروى:
«استفلحي برأيك» (1)، فمعناه: فوزي برأيك، قال لبيد (2):
اعقلي إن كنت لّما تعقلي ... ولقد أفلح من كان عقل
معناه: ولقد فاز. ومنه قول الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)، معناه: هم الفائزون. وقال آخرون: حي على الفلاح، معناه: هلموا إلى البقاء، أي: اقبلوا على سبب البقاء في الجنة، قال: والفلح والفلاح عند العرب:
البقاء، قال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
لكلّ همّ من الهموم سعه ... والمسي والصبح لا فلاح معه (4)
أراد: لا بقاء معه ولا خلود. قال أبو بكر: وهي للأضبط بن قريع (5) مع أبيات بعدها، ويقال: إنها من أول ما قيل من الشعر وقال لبيد (6):
لو كان حيّ مدرك الفلاح ... أدركه ملاعب الرّماح
وقال عبيد بن الأبرص (7):
__________
(1) غريب الحديث 4/ 66.
(2) ديوانه: ص 177.
(3) سورة البقرة: آية 5.
(4) الشعر والشعراء 383.
(5) الشعر والشعراء 382.
(6) ديوانه: ص 333.
(7) ديوانه: ص 14.(1/33)
أفلح بما شئت فقد يفلح بال ... ضّعف وقد يخدع الأريب
فهذا من الفوز. وقال أصحاب البقاء: معنى قوله: {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}:
هم الباقون في الجنة. والفلح والفلاح عند العرب: السحور، والفلّاح: الأكّار، سمي بذلك لأنه يفلح الأرض، أي: يشقها. قال الشاعر:
قد علمت خيلك أين الصّحصح ... إنّ الحديد بالحديد يفلح (1)
أي: يشق. والفلاح أيضا: المكاري، وقال ابن أحمر (2):
لها رطل تكيل الزيت فيه ... وفّلاح يسوق لها حمارا
وقولهم: قد توضأالرجل للصلاة وقد أخذ في الوضوء للصلاة
قال أبو بكر: معنى توضأ في كلام العرب تنظف: وتحسن، أخذ من الوضاءة وهي: النظافة والحسن، يقال: وجه وضاء. أي: حسن، من أوجه وضاء، قال الشاعر:
مساميح الفعال ذوو أناة ... مراجيح وأوجههم وضاء (3)
يقال: قد وضؤ وجه الرجل يوضؤ وضاءة، وكل من غسل عضوا من أعضائه فقد توضأ، الدليل على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «توضّأوا مما غيّرت النار» (4)، معناه:
اغسلوا أيديكم، ونظفوها من الزّهومة، وذلك أن جماعة من الأعراب كانوا لا يغسلون أيديهم من الزهومة، ويقولون: فقدها أشدّ علينا من ريحها، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بتنظيف اليد منها. وروى الأصمعي عن أبي هلال (5) عن قتادة (6) أنه قال: «من غسل
__________
(1) شرح القصائد السبع 181.
(2) شعره: 75.
(3) أمالي المرتضى 1/ 397.
(4) النهاية 5/ 195.
(5) هو محمد بن سليم الراسبي، روى عن الحسن وابن سيرين وقتادة، توفي سنة 169هـ.
(6) قتادة بن دعامة، توفي سنة 117هـ.(1/34)
يده فقد توضأ». ومن ذلك ما روى أبو عبيدة عن عبّاد بن منصور (1) الناجي عن الحسن أنه قال: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، والوضوء بعد الطعام ينفي اللّمم».
إلا أنّ الوضوء للصلاة لا يجزى منه، إلا ما أجمع المسلمون عليه من المضمضة والاستنشاق وغير ذلك، فالوضوء بضم الواو، وبفتح الواو: اسم الماء الذي يتوضأ به، وكذلك السّحور، بضم السين، والسّحور بفتح السين: اسم الذي يتسّحر به.
والوقود: اسم الحطب والوقود: التلهب، قال الشاعر (2):
فأمسوا وقود النار في مستقرّها ... وكلّ كفور في جهنم صائر
أراد: فأمسوا حطب النار. وقال جرير (3):
أهوى أراك برامتين وقودا ... أم بالجنينة من مدافع أودا
وقال الآخر:
وأجّجنا بكل يفاع (4) أرض ... وقود المجد للمتنوّرينا
وقال الآخر:
إذا سهيل لاح كالوقود ... فردا كشاة البقر المطرود
وقال الآخر (5):
لحبّ الموقدان إليّ موسى ... وحزرة لو أضاء لي الوقود
أراد اللهب. قال أبو بكر: وأجاز النحويون أن يكون الوضوء والسحور والوقود بالفتح، مصادر، والأول هو الذي عليه أهل اللغة، وهو المعروف عند الناس.
وقولهم: قد تيمم الرجل
قال أبو بكر: معناه قد مسح التراب على يديه ووجهه. وأصل تيمّم في اللغة:
قصد، فمعنى تيمّم: قصد التراب فتمسّح به، قال الله عز وجل:
__________
(1) عباد روى عن عكرمة وعطاء والحسن، توفي سنة 152هـ.
(2) ديوان كعب بن مالك: ص 201.
(3) ديوانه: ص 337.
(4) البيت في شرح القصائد السبع 439.
(5) جرير، ديوانه: ص 288.(1/35)
{وَلََا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (1)، فمعناه: ولا تعمدوا، قال الشاعر (2):
وفي الأظعان آنسة لعوب ... تيمّم أهلها بلدا فساروا
معناه: قصد أهلها بلدا، قال امرؤ القيس (3):
تيمّمتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال
وقال خفاف بن ندبة (4):
إن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عيني تيمّمت مالكا
معناه: تعمدت مالكا. وقال الله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} * (5)، فمعناه: اقصدوا وتعمدوا، والصعيد: وجه الأرض، قال الشاعر:
قتلى حنوطهم الصعيد وغسلهم ... نجع الترائب والرؤوس تقطّف (6)
ويقال: أمّمت الرجل وتأمّمته وتيمّمته، إذا قصدته، قال الله عز وجل: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (7)، فمعناه: ولا قاصدين. وقال الشاعر:
إني كذاك إذا ما ساءني بلد ... يمّمت صدر بعيري غيره بلدا (8)
وقولهم: قد استنجى الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد تمسح بالأحجار، وأصل هذا من النجوة، والنجوة: ما ارتفع من الأرض، فكان الرجل إذا أراد قضاء الحاجة، طلب النجوة من الأرض ليستتر بها، فكانوا يقولون: قد مر فلان ينجو: أي يطلب مكانا مرتفعا، كما قالوا:
قد مر يتغوط، أي: يطلب الغائط: والغائط ما اطمأن من الأرض، ثم سمي الحدث نجوا وغائطا. والأصل ما ذكرنا. ويقال: قد أنجى الرجل ينجي إنجاء، إذا فعل ذلك.
__________
(1) سورة البقرة: آية 267.
(2) لم أهتد إليه.
(3) ديوانه: ص 31.
(4) شعره: ص 66.
(5) سورة النساء: آية 43.
(6) لم أهتد إلى القائل.
(7) سورة المائدة: آية 2.
(8) لم أهتد إلى القائل.(1/36)
وقد استنجى الرجل، إذا تمسّح بالأحجار، أو غسل الموضع بالماء. والنجوة في كلام العرب: ما ارتفع من الأرض، قال الله عز وجل: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} (1)، معناه: فاليوم نلقيك على نجوة الأرض، وأنشد الفراء:
ومولى رفعنا عن مسيل بنجوة ... وجار أبينا أن يكون لأوّلا
وقال الآخر، وهو أوس بن حجر (2):
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالرّاح
فمن بنجوته كمن بمحفله ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
والبدن: الدرع. قال الشاعر (3):
ترى الأبدان فيها مسبغات ... على الأبطال واليلب الحصينا
وقولهم: قد استجمر الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد تمسّح بالأحجار. والجمار عند العرب: الحجارة الصغار، وبه سميت جمار مكة، ومنه الحديث الذي يروى: «إذا توضّأت فاستكثر، وإذا استجمرت فأوتر»، معناه: تمسح بوتر من الجمار، وهي الحجارة الصغار.
ويقال: قد جمّر الرجل يجمّر تجميرا: إذا رمى جمار مكة، قال عمر بن أبي ربيعة (4):
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أقبلن ذا هوى
ويروى: أفلتن إذ هوى، وقال المؤمل (5):
هي الشمس إلا أنها تسحر الفتى ... ولم أر شمسا قبلها تحسن السحرا
رمت بالحصى يوم الجمار فليته ... بعيني وأنّ الله حوّله جمرا
__________
(1) سورة يونس: آية 92.
(2) ديوانه: ص 15، 16.
(3) هو كعب بن مالك، القرطبي 8/ 380، ولم أجده في ديوانه.
(4) ديوانه: ص 459.
(5) الأغاني 22/ 245.(1/37)
وقولهم: قد صلّى الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد دعا وسأل ربه. والصلاة تنقسم في كلام العرب على ثلاثة أقسام: تكون الصلاة المعروفة التي فيها الركوع والسجود، كما قال الله عز وجل: {أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوََاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (1)، ومن ذلك قول كعب بن مالك (2):
صلّى الإله عليهم من فتية ... وسقى عظامهم الغمام المسبل
وقال الآخر:
صلى على يحيى وأشياعه ... ربّ كريم وشفيع مطاع (3)
ومنه الحديث الذي روي عن ابن أبي أوفى (4) قال: «أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم لصدقة عامنا فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» (5)، فمعناه: ترحم عليه. وتكون الصلاة:
الدعاء، من ذلك: الصلاة على الميت معناه: الدعاء له، لأنه لا ركوع ولا سجود فيها. ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصلّ» (6)، معناه، يدعو لهم بالبركة، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن الصائم إذا أكل عنده الطعام صلّت عليه الملائكة حتى يمسي»، معناه:
دعت له الملائكة، ومنه قول الأعشى (7):
تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلا ... يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي ... نوما فإنّ لجنب الأرض مضطجعا
وقال الأعشى (8):
__________
(1) سورة البقرة: آية 157.
(2) ديوانه: ص 261.
(3) البيت لبكير بن معدان، التغازي والمراثي 84.
(4) عبد الله بن أبي أوفى، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم، توفي سنة 87هـ.
(5) راجع النهاية 3/ 50.
(6) راجع النهاية 3/ 50.
(7) ديوانه: ص 73.
(8) ديوانه: ص 28.(1/38)
وصهباء طاف يهوديّها ... فأبرزها وعليها ختم
وقابلها الريح في دنّها ... وصلّى على دنّها وارتسم
وقال الأعشي أيضا (1):
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
معناه: دعا لها بالسلامة.
وقولهم: قد صام الرجل
قال أبو بكر: معناه في اللغة: قد أمسك عن الطعام والشراب، وكل من أمسك عن الطعام والشراب أو عن الكلام، فهو عند العرب صائم. من ذلك قوله عز وجل: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمََنِ صَوْماً} (2)، فمعناه: صمتا. يقال: خيل صيام، إذا كانت قائمة بغير اعتلاف ولا حركة، قال الشاعر (3):
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللّجما
ويقال للصائم: سائح، لتركه الطعام والشراب، قال الله عز وجل: {السََّائِحُونَ الرََّاكِعُونَ السََّاجِدُونَ} (4)، فالسائحون: الصائمون. وقال في موضع آخر: {تََائِبََاتٍ عََابِدََاتٍ سََائِحََاتٍ} (5)، معناه: صائمات. وقال أبو طالب (6):
وبالسائحين لا يذوقون قطرة ... لربهم والراتكات العوامل
وقولهم: قد ركع الرجل
قال أبو بكر: معناه في اللغة: قد انحنى. يقال: قد ركع الشيخ، إذا انحنى من
__________
(1) ديوانه: ص 200.
(2) سورة مريم: آية 26.
(3) البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: ص 112.
(4) سورة التوبة: آية 112.
(5) سورة التحريم: آية 5.
(6) هو عبد مناف بن عبد المطلب، عم النبي صلّى الله عليه وسلم، ت 3ق هـ، ولم أعثر عليه في ديوانه.(1/39)
الكبر، قال لبيد (1):
أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبّر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأني كلّما قمت راكع
قال: وأنشدنا أبو العباس:
وصل حبال البعيد إن وصل الح ... بل وأقص القريب إن قطعه
ولا تعاد الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه (2)
فمعناه: لعلك أن تنخفض وتنحني.
وقولهم: قد سجد الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد انحنى وتطامن ومال إلى الأرض، من قول العرب: قد سجدت الدابة وأسجدت، إذا خفضت رأسها لتركب، قال الشاعر (3):
وكلتاهما خرّت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنّف
ويقال: قد سجدت النخلة، إذا مالت، ونخلة ساجد، ونخل سواجد، ومن ذلك قول الله جل وعز: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ} (4)، قال الفراء (5):
معناه: يستقبلان الشمس ويميلان معها، حتى ينكسر الفيء، ويكون السجود على جهة الخشوع والتواضع والتذلل لله، كقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبََالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} (6)، على جهة التواضع والتذلل لخالقها، قال الشاعر (7):
__________
(1) ديوانه: ص 170.
(2) هما للأضبط بن قريع، الشعر والشعراء 383.
(3) هو أبو الأخزر الحماني، الكتاب 2/ 29، 104، والإنصاف 445.
(4) سورة الرحمن: آية 6.
(5) معاني القرآن 3/ 112.
(6) سورة الحج: آية 18.
(7) هو سويد بن أبي كاهل، ديوانه: ص 34.(1/40)
ساجد المنخر لا يرفعه ... خاشع الطرف أصمّ المستمع
أراد: خاضعا ذليلا، وقال الآخر (1):
بجمع تضلّ البلق في حجراته ... ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
أراد: خاضعة ذليلة. ويكون السجود على معنى التحية، كقول الشاعر:
وبنيت عرصة منزل برباوة ... بين النخيل إلى بقيع الغرقد
قد كان ذو القرنين جدّي مسلما ... ملكا تدين له الملوك وتسجد (2)
أراد: تحييه، وذلك أنهم كانوا في ذلك الزمان، إذا أراد الرجل منهم أن يحيي أخاه ويعظمه، سجد له، فكان السجود لهم في ذلك الزمان، بمنزلة المصافحة لنا اليوم، من ذلك قول الله عز وجل: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} (3)، فيه ثلاثة أقوال:
أحدهن: أن تكون الهاء تعود على الله تعالى، فهذا القول لا نظر فيه لأن المعنى:
خروا لله سجدا. وقال آخرون: الهاء تعود على يوسف، ومعنى السجود: التحية كأنه قال: وخروا ليوسف سجّدا سجود تحية، لا سجود عبادة. قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يؤيد هذا القول ويختاره. وقال الأخفش: معنى الخرور في هذه الآية: المرور، قال: وليس معناه: الوقوع والسقوط.
وقولهم: قد استنثر الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد أدخل الماء في أنفه، ويقال للأنف عند العرب:
النّثرة، فاستنثر: استفعل من النثرة، أي: أدخل الماء في نثرته وهي: أنفه.
وكذلك استنشق الرجل، معناه: أدخل الماء في أنفه، وكذلك استنشق الريح، إذا أدخلها في أنفه، واستنشق: استفعل. وقد يقال: قد تنشّق الرجل، إذا أدخل ذلك في أنفه. قال الشاعر (4):
__________
(1) هو زيد الخيل، ديوانه: ص 66.
(2) المقصور والممدود للقالي 192، الأضداد 295، وكلاهما بلا عزو.
(3) سورة يوسف: آية 100.
(4) هي علية بنت المهدي، الأغاني 10/ 182.(1/41)
ومغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحبّ
إذا ما أتاه الرّكب من نحو أرضها ... تنشّق واستشفى برائحة الرّكب
وقولهم: قد ثوّب الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد عاد إلى الدعاء والإعلام بالأذان، والتثويب معناه: أن تقول: الصلاة خير من النوم، وإنما سمي تثويبا لأنه دعاء إلى الصلاة ثانيا، وذلك أنه لما قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، كان هذا دعاء إلى الصلاة، ثم دعا إلى ذلك فقال: الصلاة خير من النوم. والتثويب عند العرب معناه: العودة، يقال: قد ثاب إليّ مالي، أي: عاد إليّ، ويقال: قد ثاب إلى المريض جسمه، أي: عاد إليه.
ويكون التثويب: الجزاء، من ذلك قول الله عز وجل: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفََّارُ مََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} (1)، معناه: هل جزي الكفار في فعلهم وعملهم ما فعلوا. قال الشاعر (2):
ألا أبلغ أبا حنش رسولا ... فمالك لا تجيء إلى الثواب
معناه: إلى الجزاء.
وقولهم: في ابتداء الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك
قال أبو بكر: معنى سبحانك: تنزيها لك يا ربنا من الأولاد والصاحبة والشركاء، أي: نزهناك، من ذلك قول الأعشى (3) يمدح عامرا ويهجو علقمة:
أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
أراد: تنزيها لله من فخر علقمة. ويكون التسبيح: الاستثناء، من ذلك قوله عز وجل: {قََالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلََا تُسَبِّحُونَ} (4)، معناه: قال أعدلهم
__________
(1) سورة المطففين: آية 36.
(2) هو سلمة بن الحارث، النقائض، ص 455.
(3) ديوانه: ص 106.
(4) سورة القلم: آية 28.(1/42)
قولا: هلا تسبحون، هلا تستثنون. ويكون التسبيح: الصلاة، من ذلك الحديث:
«يروى عن الحسن أنه كان إذا فرغ من سبحته» (1)، معناه: من صلاته، ومنه قول الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {فَلَوْلََا أَنَّهُ كََانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (2)، معناه: من المصلين. ومنه قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (3)، قال أبو عبيدة (4):
معنى نسبح لك: نحمدك ونصلي لك، ونقدس لك معناه: نطهر لك أنفسنا.
وقال غير أبي عبيدة: نسبح لك: نحمدك ونصلي لك، ونقدس لك: نبّرك لك أي نقول: تباركت يا ربنا، وقال الشاعر (5):
فأدركنه يأخذن بالساق والنّسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدّس
معناه: كما خرق الولدان ثوب العابد الذي يقدس لهم، أي: يبّرك لهم. قال أبو بكر: ويكون التسبيح: النور، ومنه الحديث الذي يروى: «لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء» (6). قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: السبحات:
النور. ومن التنزيه قول الله تعالى: {سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلًا} (7). ومنه قوله تعالى: {سُبْحََانَكَ لََا عِلْمَ لَنََا إِلََّا مََا عَلَّمْتَنََا} (8)، قال: وقال الفراء: سبحانك، منصوب على المصدر، كأنك قلت: سبّحت لله تسبيحا، فجعل السبحان في موضع التسبيح، كما قالوا: كفرت عن يميني تكفيرا، ثم جعل الكفران في موضع التكفير، تقول: كفرت عن يميني كفرانا، قال زيد بن عمرو بن نفيل (9):
سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له ... ربّ البريّة فرد واحد صمد
سبحانه ثم سبحانا نعوذ به ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد
__________
(1) لم أقف على الحديث.
(2) سورة الصافات: آية 143.
(3) سورة البقرة: آية 30.
(4) مجاز القرآن 1/ 36.
(5) البيت لا مرئ القيس، ديوانه: ص 104.
(6) النهاية في غريب الحديث، ص 2/ 332.
(7) سورة الإسراء: آية 1.
(8) سورة البقرة: آية 32.
(9) البحر، ج 5/ 224.(1/43)
قال أبو بكر: واختلفوا في معنى (اللهم) فقال أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء، وأبو العباس أحمد بن يحيى: معنى اللهم: يا الله أمنّا بمغفرتك، فتركت العرب الهمزة، فاتصلت الميم بالهاء، وصار كالحرف الواحد، واكتفي به من (يا) فأسقطت، وربما أدخلت العرب (يا) فقالوا: يا اللهم اغفر لنا، قال الفراء: أنشدني الكسائي:
وما عليك أن تقولي كلما ... سبّحت أو صليت يا اللهمّ ما
اردد علينا شيخنا مسلّما
وأنشد قطرب:
إني إذا ما معظم ألمّا ... أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (1)
وقال الخليل بن أحمد، وعمرو بن عثمان سيبويه: اللهم معناه: يا الله، قالا:
فجعلت العرب الميم بدلا من (يا). والدليل على صحة قول الفراء وأبي العباس:
إدخال العرب (يا) على اللهم.
ومعنى قولهم: وبحمدك، أي: بحمدك نبتدئ وبحمدك نفتتح، فحذف الفعل لدلالة المعنى عليه، كما قال عز وجل: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكََاءَكُمْ} (2)، معناه:
وادعوا شركاءكم. أنشدنا أحمد بن يحيى:
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلّدا سيفا ورمحا (3)
معناه: وحاملا رمحا. وأنشدنا أحمد بن يحيى أيضا:
تسمع للأحشاء منه لغطا ... ولليدين جسأة وبددا (4)
أراد: وترى لليدين. وأنشد الفراء (5):
إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزجّجن الحواجب والعيونا
أراد: وكحلن العيونا.
__________
(1) الإنصاف 341.
(2) سورة يونس: آية 71.
(3) المقتضب 2/ 51.
(4) أمالي المرتضى 2/ 259.
(5) البيت للراعي النميري، ديوانه، ص 156.(1/44)
قولهم: تبارك اسمك وتعالى جدّك
قال أبو بكر: فيه قولان، قال قوم: معنى تبارك: تقدس، أي: تطهر، والقدس عند العرب: الطهر، والماء المقدس: هو الماء المطهر، وروح القدس معناه: الطهر، والقدوس: الذي طهر من الأولاد والشركاء والصاحبة، وقال الشاعر (1):
دعوت ربّ العزّة القدّوسا ... دعاء من لا يضرب الناقوسا
قال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {يُسَبِّحُ لِلََّهِ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} (2) معناه: الطاهر، ومعنى يسبح لله: ينزّه الله، ومن العرب من يقول: القدّوس بفتح القاف، وبه قرأ أبو الدينار الأعرابي. وقال قوم: معنى تبارك اسمك: تفاعل من البركة أي: البركة تكتسب وتنال بذكر اسمك. والاسم فيه أربع لغات: اسم بكسر الألف، واسم بضم الألف، إذا ابتدأت بها، وسم بكسر السين، وسم بضم السين، قال الشاعر (3):
والله أسماك سمى مباركا ... آثرك الله به إيثاركا
وقال الآخر (4):
وعامنا أعجبنا مقدّمه ... يكنى أبا السمح وقرضاب سمه
مبتركا لكلّ عظم يلحمه
وقال الآخر (5):
باسم الذي في كل سورة سمه ... قد وردت على طريق تعلمه
ومعنى قولهم: تعالى جدّك: علا جلالك وارتفعت عظمتك، وقال الشاعر:
ترفّع جدّك إني امرؤ ... سقتني الأعادي إليك السّجالا (6)
معناه: ترفع جلالك.
__________
(1) الرجز لرؤبة، ديوانه، ص 68.
(2) سورة الجمعة: آية 1.
(3) هو أبو خالد القناني، المقاصد النحوية 1/ 154.
(4) الإنصاف 16.
(5) البيت منسوب لرجل من كلب، نوادر أبي زيد.
(6) الطبري 29/ 105، والبيت غير منسوب.(1/45)
وقولهم: ولا إله غيرك
قال أبو بكر: فيه أربعة أوجه في النحو، أحدهن: ولا إله غيرك، تنصب الأول على التبرئة، وغيرك: مرفوع على خبر التبرئة. والوجه الثاني: ولا إله غيرك، فإله يرتفع بغير، وغير به. والوجه الثالث: ولا إله غيرك، تنصب غيرك، لوقوعها في موضع (إلا)، كأنك قلت: ولا إله إلا أنت، فلما أحللت غيرا في محل إلا نصبتها، أجاز الفراء: ما جاءني غيرك، على معنى: ما جاءني إلا أنت، فتنصب غير لحلولها في محل إلا. وأجاز الفراء أيضا: {هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ} (1)، و {مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} * (2)، على معنى: هل من خالق إلا الله، وما لكم من إله إلا هو، فتنصب غيرا إذا حلت في محل إلا. أنشد الفراء:
هل غير أن كثر الأشر وأهلكت ... حرب الملوك أكاثر الأموال (3)
أراد: هل إلا أن كثر الأشرّ. وأنشد الفراء (4) أيضا:
لا عيب فيها غير شهلة عينها ... كذاك عتاق الطير شهلا عيونها
وقال الراجز (5):
لم يبق إلا المجد والقصائدا ... غيرك يابن الأكرمين والدا
أراد: لم يبق إلا أنت. والوجه الرابع: ولا إله غيرك، بنصب غير ورفع إله، فإله يرتفع بغير، وغير تنصب لحلولها في محل إلا، كأنه قال: ولا إله إلا أنت، وقال الفراء: من قرأ {مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} *، خفض = غير = على النعت لإله، ومن قرأ:
{مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} *، جعل = غير =، نعتا لإله في التأويل، لأن التأويل: ما لكم إله غيره. وكذلك {هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ}، غير: مخفوضة على النعت للفظ خالق.
ومن قرأ: {هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ}، رفع غيرا على النعت، لتأويل خالق لأن
__________
(1) سورة فاطر: آية 3.
(2) سورة هود: آية 84.
(3) الطبري 12/ 177، والبيت غير منسوب.
(4) معاني القرآن 1/ 383، والبيت غير منسوب.
(5) لم أقف عليه.(1/46)
التأويل: هل خالق غير الله.
وقولهم: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم
قال أبو بكر: في الشيطان قولان أحدهما: أن يكون سمي شيطانا لتباعده من الخير، أخذ من قول العرب: دار شطون ونوى شطون، أي: بعيدة. قال نابغة بني شيبان (1):
فأضحت بعدما وصلت بدار ... شطون لا تعاد ولا تعود
والقول الثاني: أن يكون الشيطان سمي شيطانا لغيه وهلاكه، أخذ من قول العرب: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك. قال الأعشى (2):
قد نطعن العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل
أراد: وقد يهلك. والرجيم فيه ثلاثة أقوال أحدهن: أن يكون معناه: المرجوم بالنجوم، فصرف عن المرجوم إلى الرجيم، كما تقول العرب: طبيخ وقدير، والأصل:
مطبوخ ومقدور، وكذلك جريح وقتيل، أصلهما: مقتول ومجروح، فصرفا عن مفعول إلى فعيل. قال امرؤ القيس (3):
فظلّ طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل
أراد: مقدور معجّل، فصرف عن مفعول إلى فعيل. والوجه الثاني: أن يكون الرجيم: المرجوم أي: المشتوم المسبوب، فيكون من قول الله عز وجل: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} (4)، معناه: لأشتمنّك ولأسبّنّك. ومنه الحديث الذي يروى عن عبد الله ابن مغفّل (5) أنه أوصى بنيه عند موته، فقال: «لا ترجموا قبري» (6)، فمعناه: لا تنوحوا عند قبري، أي: لا تقولوا عنده كلاما سيئا سمجا. والوجه الثالث: أن يكون
__________
(1) ديوانه، ص 34.
(2) ديوانه، ص 47.
(3) ديوانه، ص 22.
(4) سورة مريم: آية 46.
(5) صحابي، توفي سنة 57، أو 60أو 61هـ.
(6) غريب الحديث 4/ 290.(1/47)
الرجيم: الملعون، وهو مذهب أهل التفسير. والملعون عند العرب: المطرود، إذا قالت العرب: لعن الله فلانا، فمعناه: طرده الله، وكذلك: على الكافر لعنة الله، فمعناه:
عليه طرد الله، أنشدنا أبو العباس:
وماء قد وردت لوصل أروى ... عليه الطير كالورق اللّجين
ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذئب كالرجل اللعين (1)
معناه: كالرجل المطرود.
وقولهم: بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر: قال الحسن: الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: مجد الله، والرحمن: الرقيق، والرحيم: أرق من الرحمن. وقال ابن عباس: الرحمن الرحيم: اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق. قال أبو عبيدة: الرحمن: مجازه عند العرب ذو الرحمة، والرحيم: الراحم، قال: وربما سوت العرب بين فعلان وفعيل، فقالوا: ندمان ونديم، وقال الشاعر (2):
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلّم
لعلّ أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدّم
وقال حسان بن ثابت (3):
لا أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
أهوى حديث النّدمان في فلق ... الصبح وصوت المغرد الغرد
وقال قطرب: يجوز أن يكون جمع بينهما على جهة التوكيد، ومعناهما واحد، كما قال الله جل ثناؤه: {وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} (4)،
__________
(1) البيت للشماخ، ديوانه، ص 320.
(2) البيت للنعمان بن عدي بن نضلة، شرح المختار من لزوميات أبي العلاء 1/ 282.
(3) ديوانه، ص 150.
(4) سورة الأنعام: آية 38.(1/48)
والطيران لا يكون إلا بالجناح، واحتج بقول عدي بن زيد (1):
وجعل الشمس مصرا لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا
أراد: بين النهار والليل، فأدخل (بين) على جهة التوكيد، وقال أبو العباس في قوله: {وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} ليس توكيدا، ولكنه دخل لأن الطيران يكون بالجناحين ويكون بالرجلين، فطيران الطائر بجناحيه، ومن الناس برجليه، ألا ترى أنك تقول: زيد طائر في حاجته، معناه: مسرع برجليه. وسمعت أبا العباس أيضا يقول: إنما جمع بين الرحمن والرحيم لأن الرحمن عبراني، فجاء معه بالرحيم العربي، وأنشد لجرير (2) يهجو الأخطل:
لن تدركوا المجد أو تشروا عباءتكم ... بالخزّ أو تجعلوا الينبوت ضمرانا
أو تتركون إلى القسّين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمان قربانا
وقولهم: سمع الله لمن حمده
قال أبو بكر: معناه أجاب الله من حمده، والله سامع على كل حال، وكذلك:
سمع الله دعاءك، معناه: أجاب الله دعاءك، وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
دعوت الله حتى خفت أن لا ... يكون الله يسمع ما أقول (3)
معناه: يجيب ما أقول.
وقولهم: التحيات لله والصلوات والطيبات
قال أبو بكر: في التحيات ثلاثة أقوال قال قوم: التحيات: السلام، واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِذََا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا} (4) معناه: وإذا سلم عليكم، واحتجوا
__________
(1) ديوانه، ص 159.
(2) ديوانه، ص 167.
(3) البيت لشمير بن الحارث الضبي، في نوادر أبي زيد 124.
(4) سورة النساء: آية 86.(1/49)
بقول الكميت (1):
ألا حيّيت عنا يا مدينا ... وهل بأس بقول مسلّمينا
وقال قوم: التحيات: الملك، وذلك أن الملك كان يحيّا فيقال له: أنعم صباحا أبيت اللعن، واحتجوا بقول عمرو بن معدي كرب (2):
أسيّرها إلى النعمان حتى ... أنيخ على تحيتّه بجند
فمعناه: حتى أنيخ على ملكه. وقال قوم: التحيات معناه: البقاء لله، واحتجوا بقول زهير بن جناب الكلبي (3):
أبنيّ إن أهلك ... فإني قد بنيت لكم بنيّه
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه
وتركتكم أولاد سا ... دات زنادكم وريّه
معناه: إلا البقاء فإنه لا ينال. والصلاة: معناها الرحمة، كما قال عز وجل:
{أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوََاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (4)، معناه: عليهم رحمة من ربهم.
والطيبات معناه: والطيبات من الكلام لله، كما قال عز وجل: {الْخَبِيثََاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثََاتِ وَالطَّيِّبََاتُ لِلطَّيِّبِينَ} (5)، معناه: الخبيثات من الكلام للخبيثين من الرجال، والطيبات من الكلام للطيبين من الرجال، أي: ذلك مما يليق بهم ويشاكلهم.
ومن التحيات قولهم: حيّاك الله وبيّاك
في حياك الله من الأقوال، مثل ما في التحيات. وفي بيّاك، خمسة أقوال قال الفراء: بياك معناه، كمعنى حياك، قال: وهو عند العرب بمنزلة قولهم: بعدا وسحقا، فالسحق هو: البعد ودخلت الواو عليه لما خالف لفظه، ومن ذلك الحديث
__________
(1) شعره: 2/ 114.
(2) ديوانه، ص 75.
(3) حماسة البحتري 101.
(4) سورة البقرة: آية 157.
(5) سورة النور: آية 26.(1/50)
الذي يروى عن العباس: «في حل وبل»، البل هو: الحل، دخلت الواو عليه لما خالف لفظه، ومن ذلك قول عدي بن زيد (1):
وقدّمت الأديم لراهشيه ... وألفي قولها كذبا ومينا
فالمين: هو الكذب، نسق عليه لما خالف لفظه. ومثله قول الآخر، وهو طرفة (2):
فمالي أراني وابن عمي مالكا ... متى أدن منه ينأ عني ويبعد
فنسق يبعد على ينأ، لما خالف لفظه، ومثله قول الآخر وهو الحطيئة (3):
ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد
فنسق النأي على البعد لما خالف لفظه، وهو في المعنى واحد. وقال علي بن المبارك الأحمر (4): حياك الله وبياك، معناه: حياك الله وبوأك منزلا، فتركت العرب الهمز وأبدلوا من الواو ياء، ليزدوج الكلام، فيكون بياك على مثل حياك، كما قالوا:
«إنه ليأتينا بالعشايا والغدايا»، فجمعوا الغداة غدايا ليزدوج مع العشايا، وكما قال النبي صلّى الله عليه وسلم للنساء: «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (5)، أراد: موزورات لأنه من الوزر، فهمزه ليزدوج مع مأجورات، كما قال الشاعر (6):
هتّاك أخبية ولّاج أبوبة ... يخلط بالجد منه البرّ واللّينا
فجمع الباب أبوبة، ليزدوج مع الأخبية، قال سلمة بن عاصم: حكيت للفراء ما قال الأحمر فقال: ما أحسن ما قال. وقال أبو زيد (7) وأبو مالك (8): حياك الله وبياك، معناه: حياك الله وقربك، واحتج أبو زيد بقول الشاعر:
__________
(1) ديوانه، ص 183.
(2) ديوانه، ص 37.
(3) ديوانه، ص 140.
(4) صاحب الكسائي، توفي سنة 194هـ.
(5) رواه ابن ماجه في السنن، 1/ 503.
(6) هو القلاخ بن حباب، الاقتضاب 472.
(7) هو سعيد بن أسوس الأنصاري، توفي سنة 215، توفي سنة 215هـ.
(8) هو عمرو بن كركرة الأعرابي، كان يحفظ لغات العرب.(1/51)
فبات يبيّي زاده ويكيله ... وما كان أمر من عبيد ومرفق (1)
وقال الآخر (2):
ومختبط بيّيت إذ جاء طارقا ... وأحسنت مثواه وأسررت ما يهوى
أراد: قربت. واحتج أبو مالك بقول الشاعر:
بيّا لهم إذ نزلوا الطعاما ... الكبد والملحاء والسّناما (3)
أراد: قرب لهم. وقال ابن الأعرابي: معنى بياك قصدك بالتحية، واحتج بقول الشاعر:
لما تبيّينا أخا تميم ... أعطى عطاء اللّحز اللئيم (4)
أراد: لما قصدناه. واحتج بقول الآخر (5):
باتت تبيّا حوضها عكوفا ... مثل الصفوف لاقت الصفوفا
قال الأصمعي: معنى بياك الله: أضحكك الله، ذهب إلى قول المفسرين، وذلك أنهم زعموا أن قابيل لما قتل هابيل، مكث آدم عليه السلام سنة لا يضحك، فأوحى الله عز وجل إليه: حياك الله وبياك، أي: أضحكك، فضحك حينئذ.
وقولهم: السلام عليكم ورحمة الله
قال أبو بكر: في السلام قولان قال قوم: السلام: الله عز وجل، والمعنى: الله عليكم، أي: على حفظكم. وقال قوم: السلام عليكم، معناه: السلامة عليكم، قالوا:
فالسلام: جمع السلامة، قال الله عز وجل: {السَّلََامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (6)، ففي السلام قولان قال قوم: السلام: المسلم لعباده. وقال آخرون: السلام: معناه ذو
__________
(1) الأمثال لأبي عكرمة، ص 27.
(2) هو القحيف العقيلي في الأمثال لأبي عكرمة 25. وقد أخل به شعره بطبعتيه.
(3) مجالس ثعلب، ص 455.
(4) مجالس ثعلب، ص 455.
(5) هو أبو محمد القفعسي، الاقتضاب 309.
(6) سورة الحشر: آية 23.(1/52)
السلامة، أي: صاحب السلامة، قالوا: فحذف الصاحب، وأقام السلام مقامه، كما قال عز وجل: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (1)، أراد: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، كما قال النابغة (2) يمدح النعمان بن المنذر:
فما الفرات إذا جاشت غواربه ... ترمي أواذيّه العبرين بالزّبد
يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد
معناه: دون عطاء غد. وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى، لعروة بن الورد العبسي (3):
قليل عيبه والعيب جم ... ولكنّ الغنى ربّ غفور
أراد: ولكن الغنى، غنى رب غفور، فحذف الغنى، وأقام الذي بعده مقامه.
والسلام ينقسم في كلام العرب على أربعة أقسام: يكون السلام: التسليم، كقولك:
سلمت على الرجل سلاما أي: سلمت عليه تسليما، أنشدنا أبو العباس:
فقلنا السلام فاتقت من أميرها ... فما كان إلا ومؤها بالحواجب (4)
فمنّي علينا بالسلام فإنما ... كلامك ياقوت ودرّ منظّم (5)
ويكون السلام: الله عز وجل، كقوله: {السَّلََامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (6). ويكون السلام: جمع سلامة. ويكون السلام: الشجر العظام، واحدها سلامة. قال الأخطل (7):
عفا واسط من آل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل
فرابية السكران قفر فما بها ... لهم شبح إلا سلام وحرمل
__________
(1) سورة البقرة: آية 93.
(2) ديوانه، ص 22، 24.
(3) ديوانه، ص 92.
(4) معاني القرآن 3/ 124، والبيت غير منسوب.
(5) لم أهتد إليه.
(6) سورة الحشر: آية 23.
(7) ديوانه، ص 2.(1/53)
والسّلام بكسر السين: الصخور، واحدتها سلمة. قال لبيد بن ربيعة (1):
عفت الديار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها
فمدافع الرّيان عرّي رسمها ... خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها
أراد: كما ضمن الوحي صخورها. وقال آخر (2) في السلمة، وهي الصخرة:
ذاك خليلي وذو يعاتبني ... يرمي ورائي بالسهم والسّلمة
ويقال: السلام عليكم، من المسالمة، معناه: نحن سلم لكم.
وقولهم بعد الفراغ من قراءة فاتحة الكتاب: آمين
قال أبو بكر: قال ابن عباس والحسن: معنى آمين: كذلك يكون. وقال مجاهد:
آمين من أسماء الله تعالى. ويروى عن عباس أنه قال: «ما حسدتكم النصارى على شيء كما حسدتكم على آمين» (3). وفيها لغتان: آمين بالمد، وأمين بالقصر، أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
تباعد مني فطحل إذ سألته ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (4)
وقال أبو حرّة (5)، مولى لأهل المدينة، يهجو ابن الزبير:
لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كثيرا للمساكين
فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا نبك منك على دنيا ولا دين
ولا نقول إذا يوما نعيت لنا ... إلا بآمين ربّ الناس آمين
ما زال في سورة الأعراف يقرؤها ... حتى فؤادي مثل الخزّ في اللين
قال أبو بكر: قال أبو العباس: ما هجي ابن الزبير بمثلها، وأنشد عن ابن الأعرابي:
__________
(1) ديوانه، ص 297.
(2) هو بجير بن عنمة الطائي، المؤتلف، ص 75.
(3) رواه ابن ماجه 279.
(4) الزينة 2/ 128، والبيت غير منسوب.
(5) عيون الأخبار 2/ 31.(1/54)
سقى الله حيا بين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر
أمين فأدّى الله ركبا إليهم ... بخير ووقّاهم حمام المقادر (1)
وأنشد الأحمر في قصر آمين:
أمين ومن أعطاك مني هوادة ... رمى الله في أطرافه فاقفعلّت (2)
وأنشد أبو العباس في مد آمين:
يا ربّ لا تسلبني حبّها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا (3)
والنون في أمين مفتوحة، لسكونها، وسكون الياء التي قبلها، كما تقول العرب: ليت ولعل، وكسرت النون من آمين في بيت أبي حرة لأنه جعل آمين اسما، فأضافه إلى ما بعده.
وقولهم: قد أوتر الرجل وقد أخذ في الوتر
قال أبو بكر: معناه قد صلّى وترا، والوتر: الفرد، فإذا صلّى ثلاث ركعات أو ركعة واحدة، فقد أوتر، قال الله عز وجل: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (4)، قال مجاهد:
الشفع: الزوجان، قال: وخلق الله كله شفع، السماء والأرض شفع، والليل والنهار شفع، والذكر والأنثى شفع. والوتر الله عز وجل، لأنه واحد لا شريك له، قال الشاعر (5):
فيومان للمهدي يوم نواله ... يعمّ ويوم باسل يمطر الدّما
يقسّم من وتر وشفع سجاله ... على العدل بين الناس بؤسي وأنعما
وقال الفراء: حدثني شيخ عن ليث (6) عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الوتر آدم شفع بزوجته، أي: جعل بزوجته حواء شفعا.
__________
(1) البيتان منسوبان إلى الفقعسي، معجم ما استعجم 1035.
(2) اقفعلت: تقبضت وتشنجت، والبيت غير منسوب.
(3) البيت للمجنون، ديوانه، ص 283.
(4) سورة الفجر: آية 3.
(5) لم أهتد إلى قائل البيت.
(6) ليث بن أبي سليم الكوفي، روى عن مجاهد، توفي سنة 143هـ.(1/55)
وقولهم: قد قنت الرجل وقد أخذ في القنوت
قال أبو بكر: معناه: أخذ في الدعاء والتعظيم لله عز وجل. والقنوت ينقسم في كلام العرب على أربعة أقسام يكون القنوت: الطاعة، كما قال عز وجل: {كُلٌّ لَهُ قََانِتُونَ} * (1)، معناه: كل له مطيعون. ويكون القنوت: الصلاة، كما قال الله تعالى: {يََا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي} (2)، وقال الشاعر (3):
قانتا لله يتلو كتبه ... وعلى عمد من الناس اعتزل
ويكون القنوت: طول القيام، قال جابر بن عبد الله (4): = سئل النبي صلّى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» (5)، معناه: طول القيام. ويكون القنوت:
السكوت، يروى عن زيد بن أرقم (6) أنه قال: «كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا الذي يليه، حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلََّهِ قََانِتِينَ} (7)، فأمسكنا عن الكلام». قال أبو عبيد: يروى أن قنوت الوتر سمي قنوتا لأن الإنسان قائم في الدعاء من غير أن يقرأ القرآن، فكأنه سكوت، إذ كان لا يقرأ فيه القرآن.
وقولهم: وإليك نسعى ونحفد
قال أبو بكر: معناه: ونخدمك ونعمل لك، يقال: قد حفد العبد يحفد: إذا خدم. قال الشاعر:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت ... بأكفّهنّ أزمة الأجمال (8)
__________
(1) سورة البقرة: آية 116.
(2) سورة آل عمران: آية 43.
(3) لم أهتد إليه.
(4) صحابي، توفي سنة 78هـ.
(5) رواه مسلم 1/ 520.
(6) صحابي، توفي سنة 68هـ.
(7) سورة البقرة: آية 238.
(8) نسبه القرطبي في تفسيره إلى كثير وليس في ديوانه، القرطبي، 12/ 144.(1/56)
أراد: خدم الولائد. وقال الآخر (1):
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
أراد: خدموا. وقال أبو عبيد: حفد يحفد، وأحفد يحفد، وأنشد للراعي (2):
مزايد خرقاء اليدين مسيفة ... أخبّ بهن المخلفان وأحفدا
وقال الله عز وجل: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (3)، قال عبد الله بن مسعود: الحفدة: الأختان. قال عكرمة (4): الحفدة: بنو الرجل، من نفعه منهم.
وقال الضحاك (5): الحفدة: بنو المرأة، من زوجها الأول. وقال طاووس: الحفدة:
الخدم، فهذا مطابق للغة، والأقوال الأخر غير خارجة عن الصواب. قال أبو بكر:
قال الفراء: واحد الحفدة حافد، قال: وهو بمنزلة قولك: رجل كامل وكملة، قال:
ويجوز أن يقال في جمع حافد: حفد، كما تقول: غائب وغيب، قال الشاعر (6):
فلو أنّ نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعدّ كثير
وقولهم: إنّ عذابك الجدّ بالكفار ملحق
قال أبو بكر: الجد بكسر الجيم: الحق، والمعنى: أن عذابك الحق الذي ليس بهزل. ولا يجوز الجد منك الجدّ. وفي ملحق ثلاثة أقوال، قال أبو عبيد (7): الرواية ملحق بكسر الحاء، معناه: إن عذابك لاحق، يقال: ألحقت القوم: بمعنى لحقت القوم، وكذلك أتبعت القوم: بمعنى تبعتهم، قال الله عز وجل:
__________
(1) البيت في غريب الحديث 3/ 374بلا عزو.
(2) شعره: ص 61.
(3) سورة النحل: آية 72.
(4) مولى ابن عباس، توفي سنة 105هـ.
(5) الضحاك بن مزاحم، تابعي، توفي سنة 102هـ.
(6) البيت منسوب لجميل في لسان العرب، مادة (حفد)، وهو غير موجود في ديوانه.
(7) غريب الحديث 3/ 375.(1/57)
{فَأَتْبَعَهُ شِهََابٌ ثََاقِبٌ} (1)، معناه: فتبعه شهاب ثاقب، وقال الشاعر (2):
فأتبع آثار الشياه وليدنا ... يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
أراد: تبع وليدنا. قال أبو بكر: وقال لي أبي: سمعت الحسن بن عرفة قال: قال القاسم بن معن (3): ملحق بفتح الحاء، أصوب من ملحق، ذهب إلى أن المعنى:
ألحقهم الله عذابه. أنشد النحويون:
ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا ... وعائذا بك أن يعلو فيطغوني (4)
والوجه الثالث: إن عذابك بالكفار لاحق، قال أبو بكر: ولا نحب هذا القول لأنه يخالف الإجماع.
وقولهم: قد قرأ القرآن
قال أبو بكر: فيه قولان قال أبو عبيدة: إنما سمي القرآن قرآنا لأنه يجمع السور ويضمها، والدليل على هذا قول الله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (5)، معناه: إذا ألفنا منه شيئا فضممناه إليك، فخذ به واعمل به وضمّه إليك، وقال عمرو ابن كلثوم (6):
ذراعي عيطل أدماء بكر ... هجان اللون لم تقرأ جنينا
قال أبو عبيدة: معناه: لم تضم في رحمها ولدا. وقال قطرب: إنما سمي القرآن قرآنا لأن القارئ يظهره ويبيّنه ويلقيه من فيه، أخذ من قول العرب: ما قرأت الناقة سلى قطّ أي: ما رمت بولد. قال حميد (7):
أراها غلاماها الخلى فتشذّرت ... مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما
معناه: لم ترم بجنين ولا دم.
__________
(1) سورة الصافات: آية 10.
(2) هو علقمة بن عبدة، ديوانه، ص 94.
(3) نحوي كوفي، توفي سنة 175هـ.
(4) البيت لعبد الله بن الحارث السهمي، الكتاب 1/ 171.
(5) سورة القيامة: آية 18.
(6) شرح القصائد السبع 380.
(7) ديوانه، ص 21.(1/58)
وقولهم: قد نظر في التوراة
قال أبو بكر: قال الفراء: التوراة: معناها الضياء والنور، من قول العرب: قد وريت بك زنادي أي: أضأت بك زنادي، قال: وأصل التوراة: تورية، على وزن تفعلة، فصارت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويجوز أن تكون تفعلة، فيكون أصلها: تورية، فينقل من الكسر إلى الفتح، كما تقول العرب: جارية وجاراة، وناصية وناصاة، وباقية وباقاة. أنشد الفراء:
فما الدنيا بباقاة لحيّ ... وما حي على الدنيا بباق (1)
قال أبو بكر: ولم يتكلم في معنى التوراة غير الفراء. وقال البصريون: التوراة:
وزنها فوعلة، على وزن دوخلة، وأصلها: وورية، فأبدلوا من الواو الأولى تاء، كما قال جرير (2):
متخذا من ضعوات تولجا
فتولج فوعل، أصله: وولج، فأبدلت العرب من الواو الأولى تاء.
وقولهم: قد نظر في الإنجيل
قال أبو بكر: في الإنجيل قولان قال جماعة من أهل اللغة: الإنجيل: الأصل.
قالوا: فمعنى قولهم: إنجيل لكتاب الله: أصل للقوم الذين أنزل عليهم، أي: يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويعملون بما فيه، قالوا: ويقال: قد نجله أبوان كريمان أي:
ولده أبوان، ويقال: لعن الله ناجليه: أي أبويه. قال الأعشى (3):
أنجب أيام والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا
__________
(1) الإنصاف، ص 75من دون عزو.
(2) ديوانه، ص 187.
(3) ديوانه، ص 157.(1/59)
وقال قوم: الإنجيل مأخوذ من قول العرب: قد نجلت الشيء، إذا استخرجته وأظهرته، فسمي الإنجيل إنجيلا لأن الله أظهره للناس بعد طموس الحق ودروسه.
وفي الإنجيل قول ثالث: وهو أن يكون الإنجيل سمي إنجيلا لأن الناس اختلفوا فيه وتنازعوا، قال أبو عمرو: التناجل: التنازع، يقال: قد تناجل القوم، إذا تنازعوا واختلفوا، قال: ويقال للماء الذي يخرج من النّزّ: نجل. ويقال: قد استنجل الوادي، إذا أخرج الماء من النزّ. وإنجيل: إفعيل. وقرأ الحسن: {التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ} * (1)، بفتح الألف. وإنجيل أعجميا لأنه ليس في أبنية العرب اسم على هذا المثال.
وقولهم: قد نظر في الزبور
قال أبو بكر: الزبور: معناه في كلام العرب: الكتاب، يقال: زبرت الكتاب أزبره زبرا، وذبرته أذبره ذبرا، ووحيته أحيه وحيا، إذا كتبته، قال الشاعر (2):
عرفت الديار كرقم الدوا ... ة كما ذبر الكاتب الحميريّ
وقال امرؤ القيس (3):
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخطّ زبور في عسيب يمان
والزبور يقال في جمعه: زبر، قال الله عز وجل: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} (4)
وقال الأصمعي: يقال: زبرت الكتاب إذا كتبته، وذبرته إذا قرأته.
وقولهم: قد نظر في الفرقان
قال أبو بكر: الفرقان: اسم للقرآن، وإنما سمي فرقانا لأنه فرّق بين الحق
__________
(1) سورة آل عمران: آية 3.
(2) هو أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1/ 64.
(3) ديوانه، ص 85.
(4) سورة القمر: آية 52.(1/60)
والباطل، والمؤمن والكافر. قال الراجز (1):
ما شاء ربي كانا ... منزل الفرقانا ... مبيّنا تبيانا
وقولهم: قد قرأت سورة من القرآن
قال أبو بكر: فيها أربعة أقوال، قال أبو عبيدة: سميت السورة سورة، لأنه يرتفع بها من منزلة إلى منزلة، مثل سورة البناء، قال النابغة (2):
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
أي: أعطاك منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك. والقول الثاني: أن تكون سميت سورة لشرفها وعظم شأنها، فتكون مأخوذة من قول العرب: له سورة في المجد، أي: شرف وارتفاع. قال النابغة (3):
ولرهط حرّاب وقدّ سورة ... في المجد ليس غرابها بمطار
وقال الآخر (4):
أبت سورة فيهم قديما ثباتها ... من المجد تنميهم على من تفضّلا
والقول الثالث: أن تكون سميت سورة لكبرها وتمامها على حيالها، فتكون مأخوذة من قول العرب: عنده سور من الإبل، أي: أقوام كرام، واحدتها سورة. قال الشاعر (5):
أرسلت فيها مقرما غير فقر ... طبّا بأطهار المرابيع السّور
والقول الرابع: أن تكون سميت سورة لأنها قطعة من القرآن على حدة وفضلة منه، أخذت من قول العرب: أسأرت منه سؤرا، أي: أبقيت منه بقية، وأفضلت منه فضلة، جاء في الحديث: «إذا أكلتم فاسأروا» (6)، أي: أبقوا بقية وأفضلوا فضلة،
__________
(1) لم أهتد إليه.
(2) ديوانه، ص 78.
(3) ديوانه، ص 99.
(4) لم أهتد إليه.
(5) لم أهتد إليه.
(6) النهاية 2/ 327.(1/61)
فيكون الأصل فيها: سؤرة بالهمز. فتركوا الهمزة، وأبدلوا منها واوا لانضمام ما قبلها. قال الشاعر (1):
إزاء معاش ما يزال نطاقها ... شديدا وفيها سؤرة وهي قاعد
معناه: وفيها بقية من شباب.
وقولهم: قرأت آية من القرآن
قال أبو بكر: فيها قولان قال أبو عبيدة: الآية: العلامة، قال: فمعنى الآية: أنها علامة لانقطاع الكلام الذي قبلها والذي بعدها، واحتج بقول الشاعر (2):
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما تحبون الطعاما
معناه: بعلامة ما تحبون. وقال النابغة (3):
توهّمت آيات لها فعرفتها ... لستّة أعوام وذا العام سابع
وقال الأحوص (4):
أمن رسم آيات عفون ومنزل ... قديم تعفّيه الأعاصير محول
أراد: من رسم علامات. والقول الثاني: أن تكون سميت آية، لأنها جماعة من القرآن، وطائفة منه، قال أبو عمرو: يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: خرجوا بجماعتهم، قال الشاعر (5):
خرجنا من النّقبين لا حيّ مثلنا ... بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا
معناه: خرجنا بجماعتنا. وفي الآية قول ثالث: وهو أن تكون سميت آية لأنها عجب، وذلك أن قارئها يستدل إذا قرأها، على مباينتها كلام المخلوقين، ويعلم أن العالم يعجزون عن التكلم بمثلها، فتكون الآية: العجب، من قولهم: فلان آية من
__________
(1) هو حميد بن ثور، ديوانه، ص 66.
(2) هو يزيد بن عمرو بن الصعق، الكتاب 1/ 460.
(3) ديوانه، ص 43.
(4) لم اهتد إليه.
(5) هو برج بن مسهر الطائي، القرطبي 1/ 66.(1/62)
الآيات، أي: عجب من العجائب.
وقولهم: قرأ سفرا من التوراة والإنجيل
قال أبو بكر: معناه قرأ كتابا منهما، والسّفر عند العرب: الكتاب، وجمعه أسفار. قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} (1). قال أبو بكر: قال الفراء:
الأسفار: الكتب العظام، واحدها سفر. وقوله عز وجل: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} (2)، قال الفراء: السفرة: الملائكة، واحدها سافر، وإنما قيل للملك سافر، لأنه ينزل بما يقع عليه الصلاح بين الناس بمنزلة السفير، وهو: المصلح بين القوم. قال الشاعر:
وما أدع السّفارة بين قومي ... وما أمشي بغش إن مشيت (3)
وقولهم: باسم العزيز الحكيم
قال أبو بكر: العزيز معناه في كلام العرب: القاهر الغالب، من ذلك قول العرب: قد عزّ فلان فلانا يعزّه عزّا، إذا غلبه، قال الله عز وجل: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطََابِ} (4)، معناه: غلبني في الخطاب. ويقرأ:
= وعازني في الخطاب =، على معنى: وغالبني. قال جرير (5):
يعزّ على الطريق بمنكبيه ... كما ابترك الخليع على القداح
وقال عمر بن أبي ربيعة (6):
هنالك إما تعزّ الهوى ... وإما على إثرهم تكمد
معناه: إمّا تغلب الهوى. وقال الآخر (7):
وفيهم لتيم الله طود تعزّه ... جبال إذا سارت حنيفة أو عجل
__________
(1) سورة الجمعة: آية 5.
(2) سورة عبس: آية 15.
(3) معاني القرآن 3/ 236، والبيت غير منسوب.
(4) سورة ص: آية 23.
(5) ديوانه، ص 88.
(6) ديوانه، ص 308.
(7) لم أهتد إليه.(1/63)
ومن ذلك قولهم: من عزّ بزّ، معناه: من غلب سلب، يقال: قد بزّ فلان فلانا يبزه بزا، إذا سلبه، قال علي بن أبي طالب (1) رضي الله عنه يعني عمرو بن عبد ود:
فصددت حين رأيته متقطّرا ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطّر بزّنى أثوابي
معناه: سلبني أثوابي. ويقال: رجل حسن البزّ والبزّة، إذا كان حسن الثياب.
ويكون البز والبزّة أيضا: السلاح. أنشد الفراء:
إني إذا ما كان يوم ذو فزع ... ألفيتني محتملا بزّي أضع
معناه: محتملا سلاحي، ومعنى أضع: أسرع، من قول الله عز وجل:
{وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ} (2). يقال: قد أوضع الراكب ووضع، إذا أسرع. وقال امرؤ القيس (3):
أرانا موضعين لوقت غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
أراد: أرانا مسرعين، وقال الآخر (4):
أرجّل جمتي وأجرّ ذيلي ... ويحمل بزّتي أفق كميت
معناه: ويحمل سلاحي.
والحكيم: معناه في كلام العرب: المحكم لخلق الأشياء، فصرف عن المحكم إلى الحكيم كما قال الله تعالى: {وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} * (5)، فمعناه: ولهم عذاب مؤلم، فصرف عن مؤلم إلى أليم، قال عمرو بن معدي كرب (6):
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
__________
(1) ديوانه، ص 24.
(2) سورة التوبة: آية 47.
(3) ديوانه، ص 97.
(4) البيت منسوب لعمرو بن قعاس أو قنعاس، الاختيارين 213.
(5) سورة البقرة: آية 10.
(6) ديوانه، ص 136.(1/64)
معناه: الداعي المسمع، فصرف عن مفعل إلى فعيل، وقال ذو الرمة (1):
ونرفع من صدور شمردلات ... يصكّ وجوهها وهج أليم
معناه: وهج مؤلم، فصرف عن مفعل إلى فعيل. ومن ذلك قول الله وعز وجل:
{تَنْزِيلُ الْكِتََابِ مِنَ اللََّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} * (2)، معناه: من القاهر المحكم خلق الأشياء. وكذلك قوله تعالى: {تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ الْحَكِيمِ} * (3)، معناه: المحكم فصرف عن مفعل إلى فعيل.
وقولهم: باسم الجبار المتكبر
قال أبو بكر: الجبار في كلام العرب: ذو الجبرية، وهو القهار. والجبار ينقسم على ستة أقسام: يكون الجبار: القهار. ويكون الجبار: المسلّط، قال الله عز وجل:
{وَمََا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبََّارٍ} (4)، معناه: ما أنت عليهم بمسلّط. ويكون الجبار: القوي العظيم الجسم، كقوله عز وجل: {إِنَّ فِيهََا قَوْماً جَبََّارِينَ} (5)، معناه: أقوياء أشداء عظام الأجسام، ويكون الجبار: المتكبر عن عبادة الله، كقوله: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبََّاراً شَقِيًّا} (6)، أي: لم يجعلني متكبرا عن عبادته. ويكون الجبار: القتّال، كقوله تعالى:
{وَإِذََا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبََّارِينَ} (7)، معناه: بطشتم قتّالين، ومن ذلك قوله: {إِنْ تُرِيدُ إِلََّا أَنْ تَكُونَ جَبََّاراً فِي الْأَرْضِ} (8)، معناه: إلا أن تكون قتالا في الأرض. ويكون الجبار: الطويل من النخل. ويقال: أجبرت الرجل على كذا أجبره إجبارا: إذا أكرهته
__________
(1) ديوانه، ص 677.
(2) سورة الزمر: آية 1.
(3) سورة يونس: آية 1.
(4) سورة ق: آية 45.
(5) سورة المائدة: آية 22.
(6) سورة مريم: آية 32.
(7) سورة الشعراء: آية 130.
(8) سورة القصص: آية 19.(1/65)
على فعله، هذه لغة عامة العرب، وتميم تقول: جبرت الرجل على كذا أجبره جبرا وجبورا، ويقال: جبرت اليتيم والفقير أجبره جبرا وجبورا، فجبر الفقير جبرا وجبورا وانجبر انجبارا واجتبر اجتبارا، ويقال: قد جبر الدين الإله جبرا فجبر الدين جبورا، وقال العجاج (1):
قد جبر الدين الإله فجبر ... وعوّر الرحمن من ولّى العور
ويقال: قد جبرت اليد الكسير، أجبرها جبرا وجبورا وجبارة، ويقال للخشب الذي يوضع على العظم الكسير: الجبائر، واحدتها جبارة. ويقال أيضا: جبرت اليد الكسير، أجبرها تجبيرا، فأنا مجبّر واليد مجبّرة. قال الشاعر:
لها رجل مجبّرة بخبّ ... وأخرى ما يستّرها إجاح (2)
والخبّ: خرقة طويلة بمنزلة العصابة، والإجاح والوجاح: الستر. ويقال أيضا: قد تجبّر الرجل مالا: إذا أصاب مالا، ويقال أيضا: قد تجبر الرجل: إذا عاد إليه من ماله بعض ما كان ذهب منه، ويقال: قد تجبر النبت: إذا نبت في يابسة الرطب.
قال امرؤ القيس (3):
ويأكلن من قوّ لعاعا وربّة ... تجبّر بعد الأكل فهو نميص
معناه: وتأكل الحمر من قو، وقو: موضع، واللّعاع: أول البقل. والمتكبر: ذو الكبرياء، والكبرياء عند العرب: الملك، قال الله عز وجل: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيََاءُ فِي الْأَرْضِ} (4)، معناه: ويكون لكما الملك.
وقولهم: عبد الصّمد
قال أبو بكر: الصّمد: اسم من أسماء الله عز وجل. وفي تفسيره ثلاثة أقوال:
__________
(1) ديوانه، ص 4.
(2) تهذيب اللغة 11/ 60بلا عزو.
(3) ديوانه، ص 181.
(4) سورة يونس: آية 78.(1/66)
قال قوم: الصمد: الذي لا يطعم، كما قال جل ثناؤه: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلََا يُطْعَمُ} (1)، ويروى عن الأعمش (2): {يُطْعِمُ وَلََا يُطْعَمُ}، واحتجوا بقوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلََّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} (3)
قال: فوصف الله المسيح ومريم بأنهما يأكلان الطعام لأنه جل وعز قد جل عن ذلك وعلا. وقال السّدي: الصمد: الذي لا جوف له. وقال أهل اللغة أجمعون لا اختلاف بينهم في ذلك: الصمد عند العرب: السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم، واحتجوا بقول الشاعر (4):
سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا ... وهل رهينه إلا سيّد صمد
وقال الآخر (5):
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال ورقة بن نوفل (6):
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم ... أنا النذير فلا يغرركم أحد
لا تعبدنّ إلها غير خالقكم ... فإن أتيتم فقولوا دونه حدد
سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له ... ربّ البريّة فرد واحد صمد
وقال عمرو بن الأسلع (7) يعني حذيفة بن بدر:
علوته بحسام ثم قلت له ... خذها حذيف فأنت السيّد الصمد
معناه: فأنت السيد الذي يصمد إليك الناس في أمورهم.
__________
(1) سورة الأنعام: آية 14.
(2) الشواذ 36.
(3) سورة المائدة: آية 75.
(4) أمالي القالي 2/ 288.
(5) البيت منسوب لأوس بن حجر، الزجاجي، ص 441، وهو غير موجود في ديوانه.
(6) جمهرة نسب قريش 413.
(7) الزينة 2/ 44.(1/67)
وقولهم في أسمائه عز وجل: المؤمن المهيمن
قال أبو بكر: في المؤمن ثلاثة أقوال قال الكلبي: المؤمن: الذي لا يخاف ظلمه.
وقال بعض أهل اللغة: المؤمن: الذي أمن أولياؤه عذابه، واحتجّ بقول الشاعر (1):
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسّند
قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: المؤمن عند العرب: المصدّق، يذهب إلى أن الله تعالى يصدّق عباده المسلمين يوم القيامة وذلك أن المفسرين قالوا: إذا كان يوم القيامة يسأل الله تعالى الأمم عن تبليغ الرسل فتقول: يا ربنا ما جاءنا رسول ولا نذير، فيكذبون أنبياءهم، ويؤتى بأمة محمد صلّى الله عليه وسلم، فيسألون عن ذلك، فيصدقون نبيهم والأنبياء الماضين فيصدقهم الله جل وعز عند ذلك، ويصدقهم النبي صلّى الله عليه وسلم، فذلك قوله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذََا جِئْنََا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنََا بِكَ عَلى ََ هََؤُلََاءِ شَهِيداً} (2)، ومن ذلك قوله عز وجل: {وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (3). والمؤمن: المصدّق لعباده، كما قال الله عز وجل: {يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (4)، معناه: يصدق الله ويصدق المؤمنين.
والمهيمن: القائم على خلقه، قال الشاعر:
ألا إن خير الناس بعد نبيّه ... مهيمنه التّاليه في العرف والنكر (5)
معناه: القائم على الناس بعده. ومن ذلك قوله عز وجل: {مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتََابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (6). في المهيمن خمسة أقوال قال ابن عباس: المهيمن:
المؤمن. وقال الكسائي: المهيمن: الشهيد. وقال أبو عبيدة: يقال: المهيمن: الرقيب يقال: قد هيمن الرجل يهيمن هيمنة: إذا كان رقيبا على الشيء. وقال أبو
__________
(1) البيت للنابغة: ديوانه، ص 20.
(2) سورة النساء: آية 41.
(3) سورة البقرة: آية 143.
(4) سورة التوبة: آية 61.
(5) في زاد المسير 8/ 226.
(6) سورة المائدة: آية 48.(1/68)
معشر (1): ومهيمنا عليه، معناه: قبّانا على الكتب، وقال أهل اللغة: القبان: لا أصل له في كلام العرب، إنما هو القفّان، وقال الأصمعي (2): يقال فلان قفّان على فلان، إذا كان يتحفّظ أموره، ومنه الحديث الذي يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن حذيفة بن اليمان قال له: إنك تستعين بالرجل الذي فيه عيب، فقال:
أستعمله لأستعين بقوته، ثم أكون بعد على قفّانه»، أي: على تحفظ أخباره. قال ابن الأعرابي: القفان عند العرب: الأمين، قال: وهو فارسي معرب. قال أبو عبيدة:
القفان عند العرب: الذي يتتبع أمر الرجل ويتحفظه، ثم يحاسبه عليه. وقال قوم: معنى قول الله عز وجل: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} قائما على الكتب. وقال بعض نحويي البصرة:
أصل مهيمن: مؤيمن، فأبدلوا من الهمزة هاء، كما قالوا: أرقت الماء وهرقت الماء، وإياك وهياك، قال الشاعر:
يا خال هلّا قلت إذ أعطيتني ... هيّاك هيّاك وحنواء العنق (3)
وقال الآخر (4):
فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت ... موارده ضاقت عليك المصادر
ومهيمن وزنه: مفيعل، وقد جاء في كلام العرب حروف على مثاله منها:
المسيطر: وهو المسلّط، قال الله عز وجل: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (5). والمبيطر:
وهو البيطار، قال النابغة (6):
شكّ الفريصة بالمدرى فأنفذها ... شكّ المبيطر إذ يشفي من العضد
والعضد: داء يأخذ الإبل. والمبيقر من قولهم: قد بيقر الرجل يبيقر بيقرة، إذا أفسد، ويقال أيضا: قد بيقر الرجل: إذا أسرع في ماله، وبيقر: إذا أسرع في مشيه، ويقال أيضا: قد بيقر الرجل: إذا دخل الحضر، أنشدنا أبو العباس:
__________
(1) أبو معشر السندي: اسمه نجيح، توفي سنة 170هـ.
(2) غريب الحديث 3/ 240.
(3) لسان العرب، مادة: (هيا).
(4) هو مضرس بن ربعي، شرح شواهد الشافية 476.
(5) سورة الغاشية: آية 22.
(6) ديوانه، ص 10.(1/69)
ألا هل أتاها والحوادث جمّة ... بأنّ امرأ القيس بن تملك بيقرا (1)
والمديبر: من الإدبار والتخلف. والمجيمر: اسم جبل. قال امرؤ القيس (2):
كأني أرى رأس المجيمر غدوة ... من السيل والغثّاء فلكة مغزل
وقولهم في أسمائه عز وجل: البارئ الودود
قال أبو بكر: البارئ معناه في كلام العرب: الخالق، يقال: برأ الله عباده يبرؤهم براء، إذا خلقهم، من ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يمينه:
«والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة» (3). قال ابن هرمة (4):
وكلّ نفس على سلامتها ... يميتها الله ثم يبرؤها
أراد: يعيد خلقها. ويقال: بريت العود والقلم أبريه بريا، ويقال للذي يسقط منه إذا بري: البراية. ويقال: برئت من المرض وبرأت أبرأ براء وبراء، وبرئت من الرجل والدين براءة.
والخالق في كلام العرب: المقدر، قال الله عز وجل: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (5)، معناه: وتقدرون كذبا. وقال في موضع آخر: {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ} (6)، معناه: أحسن المقدرين تقديرا. قال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس لزهير (7):
ولأنت تخلق ما فريت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
والرواية المعروفة: ولأنت تفري ما خلقت.
والودود في أسماء الله عز وجل: المحب لعباده، من قولهم: وددت الرجل أودّه ودّا وودّا وودّا، فالود بفتح الواو: اسم للصنم، قال الله عز وجل:
__________
(1) البيت لامرئ القيس، ديوانه، ص 392.
(2) ديوانه، ص 25.
(3) فتح الباري 6/ 116.
(4) ديوانه، ص 56.
(5) سورة العنكبوت: آية 17.
(6) سورة المؤمنون: آية 14.
(7) ديوانه، ص 94.(1/70)
{وَدًّا وَلََا سُوََاعاً} (1)، وقال الشاعر:
بودّك ما قومي على أن تركتهم ... سليمى إذا هبّت شمال وريحها (2)
يروى على وجهين: بودّك وبودّك بضم الواو وفتحها، فمن رواه بفتح الواو أراد: بحق صنمك عليك، ومن رواه بضم الواو أراد: بالمودة بيني وبينك. ومعنى البيت: أي شيء وجدت قومي يا سليمي على تركك إياهم، أي: قد رضيت بقولك في ذلك، وإن كنت تاركة لهم فاصدقي وقولي الحق.
يقال: وددت الرجل ودادا وودادا وودادة وودادة، وقال الشاعر:
وددت ودادة لو أنّ حظي ... من الخلّان أن لا يصرموني (3)
وقال الآخر (4):
تمناني ليلقاني قبيس ... وددت وأين ما مني ودادي
ويقال: وددت الرجل مودّة. قال العجاج (5):
إني بنيّ للئام زهده ... مالي في صدورهم من مودده
أراد: من مودّة، فأظهر الدالين لضرورة الشعر. قال أبو بكر: فأجابه ابنه رؤية (6)، وكان أصغر بنيه:
إنّ بنيك لكرام زهده ... ولو دعوت لأتوك حفده
عجّاج ما أنت بأرض مأسده
أي: ذات أسد، فيلزموك ولا يفارقوك، قال: فعلم أن سكون نجيبا.
وقولهم في أسمائه عز اسمه: الحي القيوم
قال أبو بكر: الحي الذي لا يموت. والقيوم، قال مجاهد: هو القائم على كل
__________
(1) سورة نوح: آية 23.
(2) لسان العرب مادة: (ودد).
(3) لسان العرب مادة: (ودد).
(4) البيت لعمرو بن معدي كرب، ديوانه، ص 96.
(5) شرح القصائد السبع 17.
(6) غير موجود في ديوانه.(1/71)
شيء. وقال قتادة: القيوم: القائم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم. وقال الكلبي: الذي لا بديل له. وقال أبو عبيدة: القيوم: القائم على الأشياء. قال الشاعر:
إنّ ذا العرش للّذي يرزق النا ... س وحيّ عليهم قيّوم (1)
وفي القيوم ثلاث لغات: القيّوم والقيّام، وبه قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه والقيّم، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود، وروي عن علقمة (2). فالقيوم:
الفيعول أصله: القيووم، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن، جعلتا ياء مشددة، والقيّام: الفيعال، أصله القيوام، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن، جعلتا ياء مشددة. وقال الفراء: أهل الحجاز يصرّفون الفعّال إلى الفيعال، فيقولون للصوّاغ: الصيّاغ. وأما القيّم فإن الفراء وسيبويه اختلفا فيه، فأما سيبويه فقال:
القيم: وزنه الفيعل، وأصله القيوم، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن، أبدلوا من الواو ياء، وأدغموا فيها التي قبلها، فصارتا ياء مشددة، وكذلك قال في سيد وجيد وميت وهين ولين وما أشبهه، فهو فيعل أصله: ميوت وسيود وجيود وهيون. وأنكر الفراء هذا، وقال: ليس في أبنية العرب فيعل، إنما هو فيعل مثل:
ضيزن وخيفق وضيغم. وقال في: قيّم وسيّد وجيّد، هذا من الفعل فعيل، أصله: قويم وسويد وجويد، على وزن كريم وظريف، فكان يلزمهم أن يجعلوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، ثم يسقطوها، لسكونها وسكون الياء التي بعدها، فلما فعلوا ذلك صار فعيل على لفظ فعل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بها بناء الحرف، والحيّ أصله: الحيو، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن، جعلتا ياء مشددة.
وقولهم في أسمائه عز وجل: الحليم المقيت
قال أبو بكر: الحليم معناه في كلامهم: الذي لا يعجل بالعقوبة، يقال: حلمت عن الرجل أحلم عنه حلما: إذا لم أعجل عليه، قال جرير (3):
__________
(1) القرطبي 3/ 272، بلا عزو.
(2) علقمة بن قيس النخعي، تابعي، توفي سنة 62هـ.
(3) غير موجود في ديوانه.(1/72)
حلمت عن الأراقم فاستحاشوا ... فلا برحت قدورهم تفور
وتقول: حلمت في النوم أحلم حلما، وقال المؤمل:
حلمت بكم في نومتي فغضبتم ... فلا ذنب لي إن كانت العين تحلم (1)
أي: طرقني خيالكم، فغضبتم عليّ من غير أن كان لي به ذنب. ويقال: حلم الأديم يحلم حلما إذا تنقب وفسد، وقال الوليد بن عقبة (2) لمعاوية بن أبي سفيان:
فإنّك والكتاب إلى عليّ ... كدابغة وقد حلم الأديم
ويروى لمروان بن الحكم (3).
والمقيت فيه قولان قال بعض الناس: المقيت: الحفيظ، وقال ابن عباس:
المقيت: المقتدر، واحتج بقول الشاعر (4):
وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على مساءته مقيتا
معناه: مقتدرا، وعلى هذا أهل اللغة، قال بعض فصحاء المعمرين:
ثم بعد الممات ينشرني من ... هو على النشر يا بنيّ مقيت (5)
معناه: ممن هو مقتدر. وقال الآخر (6):
وإنا نطعم الأضياف قدما ... إذا ما هرّ من سنة مقيت
معناه: مقتدر. وقال أبو عبيدة: المقيت أيضا عند العرب: الموقوف على الشيء، وأنشد:
ليت شعري وأشعرن إذا ما ... قرّبوها مطوية ودعيت
ألي الفضل أم عليّ إذا حوس ... بت إني على الحساب مقيت (7)
معناه: إني على الحساب موقوف.
__________
(1) مثلثات قطرب، ص 156.
(2) تاريخ الطبري 4/ 564.
(3) الفاخر 37.
(4) البيت لأبي قيس بن رفاعة، الطبقات لابن سلام 289.
(5) شرح القصائد السبع 424.
(6) لم أهتد إليه.
(7) البيت للسموأل، ديوانه، ص 23.(1/73)
وقولهم في أسمائه تعالى: الفتاح العليم
قال أبو بكر: الفتاح في كلامهم: معناه الحاكم، من ذلك قوله عز وجل:
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جََاءَكُمُ الْفَتْحُ} (1)، معناه: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء، ومن ذلك قوله عز وجل: {وَيَقُولُونَ مَتى ََ هََذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (2)، معناه:
متى هذا القضاء، قال الشاعر (3):
ألا أبلغ بني عصم رسولا ... فأنّي عن فتاحتكم غنّي
معناه: عن محاكمتكم. ومن ذلك قوله عز وجل: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنََا وَبَيْنَ قَوْمِنََا بِالْحَقِّ} (4)، معناه: ربنا اقض بيننا وبين قومنا بالحق. وقال الفراء: أهل عمان يسمون القاضي: الفتاح. وقال قوم: معنى قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جََاءَكُمُ الْفَتْحُ} (5): إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر:
اللهم انصر أفضل الدينين عندك وأرضاه لديك. فقال الله عز وجل: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جََاءَكُمُ الْفَتْحُ}، معناه: إن تستنصروا. ومن ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين» (6). قال أبو عبيد: معناه يستنصر بصعاليك المهاجرين، قال الشاعر:
يستفتحون بمن لم تسم سورته ... بين الطّوالع بالأيدي إلى الكرم (7)
والصعاليك عند العرب: الفقراء، والصعلوك: الفقير، قال حاتم بن عبد الله (8):
__________
(1) سورة الأنفال: آية 19.
(2) سورة السجدة: آية 28.
(3) البيت لمحمد بن حمران الجعفي، الوحشيات 46.
(4) سورة الأعراف: آية 89.
(5) سورة الأنفال: آية 19.
(6) النهاية 3/ 407.
(7) لم أقف عليه.
(8) ديوانه، ص 213، 214.(1/74)
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... فكلا سقاناه بكأسيهما الدّهر
أراد: بالفقر والغنى.
وقولهم في أسمائه: الواسع
كقوله: {وَاللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ} * (1). قال أبو بكر: الواسع معناه في كلامهم:
الكثير العطايا الذي يسع لما يسأل عز وجل، هذا قول أبي عبيدة. ويقال الواسع:
المحيط بعلم كل شيء، من قوله عز وجل: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (2)، معناه:
أحاط بكل شيء علما. قال أبو زبيد (3):
حمّال أثقال أهل الودّ آونة ... أعطيهم الجهد مني بله ما أسع
معناه: أعطيهم ما لا أجده إلا بجهد، فدع ما أحيط به وأقدر عليه.
وفي بله ثلاثة أقوال: يروى عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: معنى بله: على، واحتجوا بقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إني أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ذخرا بله اطلعتم عليه». وقال الفراء: معنى بله: فدع ما اطلّعتهم عليه.
ويقال: هي بمعنى: كيف. وقال الفراء: العرب تنصب ببله، وتخفض بها، وأنشد في الخفض يصف السيف:
تدع الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (4)
فخفض هذا ببله. وقال الآخر (5) في النصب:
تمشي القطوف إذا غنّى الحداة بها ... مشي الجواد فبله الجلّة النّجبا
فنصب ببله على معنى: فدع الجلة النجبا. وقال الفراء: من خفض بها جعلها بمنزلة: على، وما أشبهها من حروف الخفض، ومن نصب بها جعلها بمنزلة دع.
__________
(1) سورة البقرة: آية 247.
(2) سورة طه: آية 98.
(3) ديوانه، ص 109.
(4) البيت لكعب بن مالك، ديوانه، ص 245.
(5) البيت لابن هرمة، ديوانه، ص 57.(1/75)
وقرأ قتادة: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} فمعناه: ملأ كل شيء علما.
وقولهم في أسمائه عز وجل: الغفور الشكور
قال أبو بكر: الغفور معناه في كلامهم: الساتر على عباده، والمغطي لذنوبهم، من قولهم: غفرت المتاع في الوعاء أغفره غفرا، إذا سترته فيه. وإنما قيل للبيضة:
غفارة ومغفر لتغطيتها الرأس وسترها إياه.
والشكور معناه في كلامهم: المثيب عباده على أعمالهم، يقال: شكرت الرجل إذا جازيته على إحسانه، إمّا بفعل وإمّا بثناء. وقال الفراء: فيه لغتان يقال: شكرت الرجل، وشكرت للرجل، وأنشد الفراء:
هم جمعوا بؤسي ونعمي عليكم ... فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل
وقال أبو نخيلة (1):
أمسلم يا اسمع يابن كلّ خليفة ... ويا سائس الدنيا ويا جبل الأرض
شكرتك إن الشكر حظّ من النّهى ... عليّ رداء سابغ الطول والعرض
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {وَاشْكُرُوا لِي وَلََا تَكْفُرُونِ} (2).
وقولهم في أسمائه تعالى: الرؤوف الرحيم
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الرؤوف معناه في كلامهم: الشديد الرحمة. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ بِالنََّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} * (3): فيه معنى تقديم وتأخير، وقال: المعنى: إن الله بالناس لرحيم رؤوف، أي: لرحيم شديد الرحمة. وفي
__________
(1) أمالي القالي 1/ 30.
(2) سورة البقرة: آية 152.
(3) سورة البقرة: آية 143.(1/76)
الرؤوف أربع لغات الرؤوف: بإثبات الهمز مع إثبات واو بعد الهمز. والرّؤف:
بضم الهمزة من غير إثبات واو، وقد قرئ بالوجهين في كتاب الله عز وجل. قال كعب ابن مالك (1):
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرحمن كان بنا رؤوفا
وقال جرير (2) في اللغة الثانية:
ترى للمسلمين عليك حقا ... كفعل الوالد الرؤف الرحيم
الثالثة: الله رأف بعباده، بتسكين الهمزة، قال الشاعر:
فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم
رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسي مرحوم (3)
وقال الكسائي والفراء: الله رئف بعباده، بكسر الهمزة.
وقولهم في أسمائه تعالى: المقسط
قال أبو بكر: المقسط في كلامهم: العادل، يقال: أقسط الرجل يقسط، فهو مقسط، إذا عدل، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} * (4)، أي: العادلين.
قال الشاعر (5):
ملك مقسط وأكمل من يم ... شي ومن دون ما لديه الثناء
ويقال: قسط الرجل فهو قاسط، إذا جار، قال الله عز وجل: {وَأَمَّا الْقََاسِطُونَ فَكََانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} (6)، أي: الجائرون. قال الشاعر (7):
أليسوا بالألى قسطوا جميعا ... على النعمان وابتدروا السّطاعا
__________
(1) ديوانه، ص 236.
(2) ديوانه، ص 219.
(3) لسان العرب مادة: (رأف).
(4) سورة الحجرات: آية 9.
(5) البيت للحارث بن حلزة، ديوانه، ص 12.
(6) سورة الجن: آية 15.
(7) البيت للقطامي، ديوانه، ص 36.(1/77)
وقولهم: قد حجّ الرجل إلى بيت الله
قال أبو بكر: معناه في كلامهم: قصد بيت الله، يقال: قد حججت الموضع أحجّه حجّا إذا قصدته. قال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
أما والذي حجّ المصلون بيته ... مشاة وركبان المحزّمة البزل
لئن كان أمسى بيتها لعبة (1) البلى ... لقد كان يعنى بالعفاف وبالعقل
أراد: أما والذي قصد المصلون بيته. وقال رؤبة بن العجاج (2):
يحججن بالقيظ حفاف الرّدح ... حجّ النصارى العيد يوم الفصح
أراد: يقصدن. قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: الحجّ بفتح الحاء:
المصدر، والحجّ بكسر الحاء: الاسم، قال: وربما قال الفراء: هما لغتان.
وقولهم: قد اعتمر الرجل
قال أبو بكر: معناه في كلامهم: قد زار البيت، والاعتمار معناه في كلامهم:
الزيارة، هذا قول جماعة من أهل اللغة، واحتجوا بقول الشاعر (3):
يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الراكب المعتمر
وقال الآخرون: معنى الاعتمار والعمرة في كلامهم: القصد، قال الشاعر (4):
لقد سما ابن معمر لما اعتمر ... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
أراد: حين قصد.
وقولهم: لبيك
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: معنى قولهم: لبيك: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، من قولهم: قد لبّ الرجل في المكان وألبّ، إذا أقام فيه، قال الشاعر:
__________
(1) ولم أقف على البيتين.
(2) ديوانه، ص 37.
(3) البيت لابن أحمر، شعره: 66.
(4) البيت للعجاج، ديوانه، ص 50.(1/78)
محلّ الهجر أنت به مقيم ... ملبّ ما يزول ولا يريم
إمارات الجفاء محقّقات ... لما يبدي وأنت لها كتوم (1)
وقال الراجز (2):
لبّ بأرض ما تخطّاها الغنم
وقال طفيل (3):
رددن حصينا من عديّ ورهطه ... وتيم تلبّي بالعروج وتحلب
أراد: تقيم، وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل (4) والأحمر. وقال الأحمر: كان الأصل في لبيك: لبّبك، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الأخيرة ياء، كما قالوا: قد تظنّيت، وأصله: قد تظنّنت، فأبدلوا من الأخيرة ياء، كما قالوا: ديوان ودينار، وأصلهما: دوّان ودنّار، فاستثقلوا التشديد، فأبدلوا من النون ياء، قال الراجز (5):
تقضّي البازي إذا البازي كسر
أراد: تقضّض البازي، فاستثقل الجمع بين الضادات، فأبدل من الأخيرة ياء.
وقال الآخر (6):
إني وإن كنت صغيرا سنّي ... وكان في العين نبوّ عني
فإنّ شيطاني أمير الجنّ ... يذهب بي في الشعر كلّ فن
حتى يردّ عنّي التظنّي
أراد: التظنن، فأبدل من الأخيرة ياء. وقال الفراء: معنى لبيك: إجابتي لك يا رب، وقال: ونصبت لبيك على المصدر، وثنّى لأنه أراد: إجابة بعد إجابة. وقال
__________
(1) لم أهتد إلى البيتين.
(2) البيت لابن أحمر، شعره: 141.
(3) ديوانه، ص 47.
(4) غريب الحديث 3/ 15.
(5) البيت للعجاج، ديوانه، ص 28.
(6) الأبيات لأمية بن كعب، الوحشيات 119.(1/79)
آخرون: لبيك معناه: اتجاهي إليك، وقالوا: هو مأخوذ من قولهم: داري تلبّ دارك، أي تواجهها. وقال آخرون: لبيك، معناه: محبتي لك، قالوا: وهو مأخوذ من قولهم:
امرأة لبّة، إذا كانت محبّة لولدها، عاطفة عليه. قال الشاعر:
وكنتم كأمّ لبّة طعن ابنها ... إليها فما ودّت إليه بساعد (1)
وقولهم: لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك
قال أبو بكر: فيه وجهان: لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك، ولبّيك أنّ الحمد والنعمة لك، فمن كسرها جعلها مبتدأة، وحمّله على معنى: قلت إن الحمد، ومن قال: لبيك أن الحمد، قال: فتحت أن على معنى: لبيك لأن الحمد لك وبأنّ الحمد لك. فموضع أنّ خفض من قول الكسائي بإضمار الخافض، وموضعها من قول الفراء نصب بحذف الخافض. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الاختيار لبيك إنّ الحمد والنعمة لك، بكسر إن، وقال: هو أجود معنى من الفتح لأن الذي يكسر (إن) يذهب إلى أن المعنى: إن الحمد والنعمة لك على كل حال، والذي يفتح (أنّ) يذهب إلى أن المعنى: لبيك لأن الحمد لك، أي لبيك لهذا السبب، فالاختيار: الكسر لأن المعنى: لبيك لكل معنى، لا لسبب دون سبب. قال أبو العباس: هذا بمنزلة قول النابغة (2):
فتلك تبلغني النّعمان إنّ له ... فضلا على الناس في الأدنى وفي البعد
قال: يجوز فتح إن وكسرها فمن كسرها جعلها ابتداء، ومن فتحها أراد:
فتلك تبلغني النعمان لأن له فضلا وبأن له فضلا. وقال: لا يجوز في بيت الأعشى (3)
إلا الكسر:
ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل
لأنه ابتدأ إخباره فقال: إن الركب مرتحل، ولم يرد: ودعها لارتحال الركب.
ويجوز: لبّيك إن الحمد والنعمة لك، برفع النعمة، على أن تضمر لاما تكون خبرا،
__________
(1) الفاخر، ص 5.
(2) ديوانه، ص 13.
(3) ديوانه، ص 41.(1/80)
وترفع النعمة باللام الظاهرة. ويجوز أن تجعل اللام الظاهرة، خبر إن وترفع النعمة باللام المضمرة، والتقدير: لبيك إنّ الحمد والنعمة لك.
وقولهم: لبّيك وسعديك
قال أبو بكر: معناه: إجابتي إياك. ومعنى سعديك: أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد. وقال الفراء: لا واحد للبيك وسعديك على صحة، ومن ذلك: حنانيك، معناه: رحمك الله رحمة بعد رحمة. ومنهم من يقول: حنانك فلا يثني، قال الشاعر (1)
في التثنية:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
ويقال: سعديك مأخوذ من المساعدة، ومعناه: قريب من معنى لبيك.
وقال الآخر (2) في التوحيد:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَحَنََاناً مِنْ لَدُنََّا وَزَكََاةً} (3)، معناه: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له. وقال ابن عباس: كل القرآن أعلمه، إلا أربعة أحرف لا أدري ما هي: الحنان والأواه (4) والرقيم (5) والغسلين (6). وفسر أهل اللغة وجماعة من أهل التفسير الأربعة أحرف فقالوا: الحنان: الرحمة، من قولك: فلان يتحنن على فلان، أي: يترحم ويتعطف عليه، واحتجوا بقول الشاعر (7):
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا ... أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
__________
(1) البيت لطرفة، ديوانه، ص 172.
(2) البيت لامرىء القيس، ديوانه، ص 143.
(3) سورة مريم: آية 13.
(4) سورة التوبة: آية 114.
(5) سورة الكهف: آية 9.
(6) سورة الحاقة: آية 36.
(7) البيت للمنذر بن درهم الكلبي، معجم البلدان 2/ 858.(1/81)
أراد: فقالت لك رحمة. وقال الآخر (1):
تحنّن عليّ هداك المليك ... فإنّ لكل مقام مقالا
وفي الأواه سبعة أقوال:
قال عبد الله بن مسعود: الأواه: الرحيم. وقال مجاهد: الأواه: الفقيه. وقال سعيد بن جبير: الأواه: المسبّح. ويروى عن ابن مسعود أنه قال: الأواه: الدعاء.
وقال قوم: الأواه: المؤمن. وقال آخرون: الأواه: الموقن. وقال أهل اللغة: الأواه:
الذي يتأوه من الذنوب، واحتجوا بقول الشاعر (2):
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين
ويقال: أوه من عذاب الله، وآه من عذاب الله، وآه من عذاب الله. ويقال:
أهّة من عذاب الله، وأوّه من عذاب الله، بالتشديد والقصر. قال الشاعر:
فأوه من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء (3)
وفي الرقيم سبعة أقوال: قال كعب: الرقيم: القرية التي خرجوا منها. وقال عكرمة: الرقيم: الدواة، بلسان الروم. وقال مجاهد: الرقيم: الكتاب. وقال السّديّ:
الرقيم: الصخرة. وقال سعيد بن جبير: الرقيم: الكلب. وقال أبو عبيدة: الرقيم:
الوادي الذي فيه الكهف. وقال الفراء: الرقيم: لوح من رصاص كتبت فيه أسماؤهم، وأسماء آبائهم، وأنسابهم، ودينهم، وممن هربوا. فإذا كان الرقيم الكتاب، فأصله:
المرقوم، أي: المكتوب، قال الله عز وجل: {كِتََابٌ مَرْقُومٌ} * (4)، وأنشدنا أبو العباس أحمد بين يحيى:
سأرقم في الماء القراح إليكم ... على بعدكم إن كان للماء راقم (5)
معناه: سأكتب في الماء، فصرف المرقوم إلى الرقيم، كما قالوا: مقتول وقتيل،
__________
(1) البيت للحطيئة، ديوانه، ص 222.
(2) البيت للمثقب العبدي، ديوانه، ص 194.
(3) البيت في اللسان، مادة: (أوه) بلا عزو.
(4) سورة المطففين: الآية 9، 20.
(5) القرطبي 19/ 258.(1/82)
ومجروح وجريح. والغسلين: هو ما يسيل من صديد أهل النار.
وقولهم: رجل مؤمن
قال أبو بكر: معناه مصدّق لله ورسله، يقال: قد آمنت بالشيء، إذا صدّقت به. قال الله عز وجل: {يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1)، فمعناه: يصدق الله ويصدق المؤمنين، وقال الشاعر (2):
ومن قبل آمنا، وقد كان قومنا ... يصلّون للأوثان قبل محمدا
معناه: ومن قبل آمنّا محمدا، أي: صدّقنا محمدا، فمحمد: منصوب بمعنى التصديق، وهو بمنزلة قول الآخر، أنشده علي بن المبارك الأحمر والخليل وسيبويه (3):
إذا تغنّى الحمام الورق هيّجني ... ولو تغرّبت عنها أمّ عمّار
نصب أم عمار بهيجني، لأن المعنى: ذكّرني أمّ عمار.
وقولهم: رجل مسلم
قال أبو بكر: فيه قولان، قال قوم: المسلم: المخلص لله العبادة، وقالوا: هو مأخوذ من قول العرب: قد سلم الشيء لفلان، إذا خلص له، قال الله تعالى:
{وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ} (4)، معناه: خالصا لرجل. وقال قوم: المسلم معناه: المستسلم لأمر الله، المتذلل له، واحتجوا بقول الشاعر (5):
فقلنا اسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
أراد: فقلنا استسلموا. قالوا: فالمسلم الذي يعتقد الاستسلام لله والإيمان به
__________
(1) سورة التوبة: آية 61.
(2) اللسان، مادة: (أمن).
(3) البيت للنابغة، ديوانه، ص 235.
(4) سورة الزمر: آية 29.
(5) البيت للعباس بن مرداس، ديوانه، ص 52.(1/83)
محمود، والمسلم الذي يستسلم خوفا من القتال مذموم، من ذلك قول الله عز وجل:
{قََالَتِ الْأَعْرََابُ آمَنََّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلََكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنََا} (1)، معناه: استسلمنا خوفا من القتال، ومن ذلك قوله عز وجل: {فَأَخْرَجْنََا مَنْ كََانَ فِيهََا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمََا وَجَدْنََا فِيهََا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2) معناه: من المستسلمين.
وقولهم: رجل عابد
قال أبو بكر: معناه: رجل خاضع ذليل لربه، من ذلك قول العرب: قد عبدت الله أعبده، إذا خضعت له وتذللت وأقررت بربوبيته، وهذا مأخوذ من قولهم:
طريق معبّد، إذا كان مذللا قد أثر الناس فيه. قال طرفة (3):
تباري عتاقا ناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبّد
معناه: فوق طريق مذلل. ويقال: بعير معبّد، إذا كان مذللا قد طلي بالهناء من الجرب، حتى ذهب وبره، قال طرفة (4):
إلى أن تحامتني العشيرة كلّها ... وأفردت إفراد البعير المعبّد
معناه: المذلّل. ويقال: بعير معبّد، إذا كان مكرّما، وهذا الحرف من الأضداد.
قال حاتم (5):
تقول ألا أمسك عليك فإنني ... أرى المال عند الباخلين معبّدا
معناه: مكرّما. ويروى: معتدا، أي: يجعلونه عدّة للدهر، قال الله عز وجل:
{إِيََّاكَ نَعْبُدُ} (6)، قال أهل اللغة: معنى نعبد: نخضع ونذل ونعترف بربوبيتك. وقال أهل التفسير: معناه: إياك نوحّد.
__________
(1) سورة الحجرات: آية 14.
(2) سورة الذاريات الآيتان 35، 36.
(3) ديوانه، ص 13.
(4) ديوانه، ص 31.
(5) ديوانه، ص 229.
(6) سورة الفاتحة: آية 5.(1/84)
وقولهم: رجل زاهد ومزهد
قال أبو بكر: الزاهد: القليل الرغبة في الدنيا. والمزهد: القليل المال، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أفضل الناس مؤمن مزهد» (1)، معناه: قليل المال. يقال: قد أزهد الرجل يزهد إزهادا، إذا قل ماله، قال الأعشى (2):
فلن يطلبوا سرّها للغنى ... ولن يسلموها لإزهادها
معناه: فلن يطلبوا نكاحها للغنى، ولن يدعوا نكاحها، لقلة مالها. والسّر:
النكاح، من قول الله عز وجل: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (3)، وقال امرؤ القيس (4):
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحسن السّرّ أمثالي
وقال قوم: السر: الزنا، واحتجوا بقول الشاعر (5):
ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال الفراء: بنو أسد يقولون: زهدت في الرجل أزهد فيه، وقيس وتميم يقولون: زهدت في الرجل أزهد فيه.
وقولهم: رجل فقيه
قال أبو بكر: معناه عالم، وكل عالم بشيء فهو فقيه فيه، ومن ذلك قولهم: ما يفقه ولا ينقه، فمعناه: ما يعلم ولا يفهم، يقال: نقهت الحديث أنقهه، إذا فهمته، ونقهت من المرض أنقه. ومن الفقه قولهم: قال فقيه العرب، معناه: عالم العرب، ومن
__________
(1) غريب الحديث 1/ 237.
(2) ديوانه، ص 56.
(3) سورة البقرة: آية 235.
(4) ديوانه، ص 28.
(5) البيت للحطيئة، ديوانه، ص 62.(1/85)
ذلك قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (1)، معناه: ليكونوا علماء به.
وقولهم: رجل حكيم
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال حكى لنا أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال:
الحكيم: المتيقظ، المتنبه، العالم، واحتج بقول بشر بن أبي خازم (2):
تناهيت عن ذكر الصبابة فاحكم ... وما طربي ذكرا لرسم بسمسم
معناه: فتنبه وتيقظ. قال آخرون: الحكيم معناه في كلام العرب: المتقن للعلم، الحافظ له، من قول العرب: قد أحكمت الأمر والعلم إذا أتقنته، قالوا: فأصل الحكيم: المحكم، فصرف عن مفعل إلى فعيل، كما قال عمرو بن معدي كرب (3):
أمن ريحانة الداعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع
معناه: المسمع. وقال آخرون: الحكيم معناه في كلام العرب: الذي يردّ نفسه ويمنعها من هواها، أخذ من قولهم: قد أحكمت الرجل، إذا رددته عن رأيه. قال أبو بكر: حكاه لنا أبو العباس عن ابن الأعرابي، قال: ويقال: يا فلان احكم بعضهم عن بعض، أي: ردّ بعضهم عن بعض، وقال: إنما سميت حكمة الفرس: حكمة، لأنها ترد من غربه. ويقال: حكم الرجل يحكم، إذا تناهى وعقل، وإنما قيل للقاضي: حاكم وحكم، لعقله وكمال أمره. أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي للمرقش (4):
يأتي الشباب الأقورين ولا ... تغبط أخاك أن يقال حكم
معناه: لا تغبطه أن يطول عمره، فإن الهرم كالموت. قال حميد بن ثور (5):
__________
(1) سورة التوبة: آية 122.
(2) ديوانه، ص 192.
(3) ديوانه، ص 128.
(4) البيت في شعره: 887.
(5) غير موجود في ديوانه.(1/86)
لا تغبط أخاك أن يقال له ... أمسى فلان لعمره حكما
إن سرّه طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما
ويقال: أحكمت الفرس فهو محكم، إذا جعلت له حكمة (1). وقال لنا أبو العباس أحمد بن يحيى: قال ابن الأعرابي: الكلام الجيد: حكمت الفرس فهو محكوم، والحكمة: اسم العقل، وجمعها حكم.
وقولهم: رجل عاقل
قال أبو بكر: فيه قولان، قال قوم: العاقل: الجامع لأمره ولرأيه، وقالوا: هو مأخوذ من قولهم: قد عقلت الفرس، إذا جمعت قوائمه. وقال آخرون: العاقل معناه في كلام العرب: الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذ من قولهم: قد اعتقل اللسان، إذا حبس ومنع من الكلام.
وقولهم: رجل كيّس
قال أبو بكر: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: الكيّس: العاقل، والكيس: العقل، واحتج بقول الشاعر (2):
فإن كنتم لمكيسة لكستم ... وكيس الأمّ يعرف في البنينا
واحتجّ بقول الآخر:
فكن أكيس الكيس إذا ما لقيتهم ... وكن جاهلا إما لقيت ذوي الجهل (3)
وقولهم: رجل ظريف
قال أبو بكر: قال الأصمعي وابن الأعرابي: الظريف: البليغ الجيد الكلام، وقالا: الظرف في اللسان، واحتجا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إذا
__________
(1) والحكمة: حلقة تحيط بالمرسن والحنك، من فضة، أو حديد.
(2) الفاخر 55.
(3) الفاخر 55بلا عزو.(1/87)
كان اللص ظريفا لم يقطع» (1). فمعناه: إذا كان بليغا جيد الكلام، احتج عن نفسه بما يسقط به عنه الحدّ. وقال غيرهما: الظريف: الحسن الوجه والهيئة. وقال الكسائي:
الظرف يكون في الوجه، ويكون في اللسان، وقال: يقال لسان ظريف، ووجه ظريف، وأجاز: ما أظرف زيد؟ في الاستفهام، على معنى: ألسانه أظرف أم وجهه؟
وقولهم: رجل ورع
قال أبو بكر: معناه في قول العرب: كافّ عن ما لا يحلّ له، تارك له، يقال: قد ورع الرجل يرع ورعا ورعة، إذا كفّ عما لا يحل له. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب (2):
أفي اليوم تفويض الأحبة أم غد ... ولمّا يبن وجهها لهم وكأن قد
ولم يقض جيراني لبانة ذي الهوى ... ولم يرعوا من طول تحلية الصّدّ
وقال لبيد (3):
لا يمنع الفتيان من حسن الرّعه ... أكلّ عام هامتي مقزّعه
ويقال: رجل ورع، بفتح الراء، إذا كان جبانا، ويقال: قد ورع الرجل يورع، وورع يرع وروعا ووروعا وورعة ووراعة.
وقولهم: رجل حازم
قال أبو بكر: معناه: جامع لرأيه متثبت في شأنه، أخذ من قول العرب: قد حزمت المتاع، إذا جمعته. وقال لنا أبو العباس: يقال قد حزم الرجل وحزم، بضم الزاي وفتحها، وقد عزم الصبي وعزم، وأنشدنا عن ابن الأعرابي:
وصاحب قد قال لي وما حزم ... عرّس بنا بين زقاقات فنم
فقلت من نام هنا فلا سلم (4)
ويقال من اللبيب: قد لبّ الرجل يلبّ. ويقال: ما كنت لبيبا، ولقد لببت،
__________
(1) النهاية 3/ 157.
(2) البيتان لعبد الله بن عتبة.
(3) ديوانه، ص 341340.
(4) لم أهتد إلى الأبيات.(1/88)
وأنت تلبّ. ويروى في خبر: أن صفية (1) ضربت الزبير، فقيل لها: لم تضربينه؟
فقالت: أضربه ليلبّ، وكي يقود الجيش ذا الجلب.
ويقال: قد أدب الرجل يأدب فهو أديب، وما كنت أديبا. ولقد أدبت تأدب.
ويقال: قد أدب الرجل يأدب، إذا دعا الناس فهو آدب، قال طرفة (2):
نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر
الجلفى: أن يعمّ بدعائه، وينتقر: يخص قوما دون قوم.
وقولهم: رجل شهم
قال أبو بكر: قال الفراء: الشهم معناه في كلام العرب: الحمول الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولا طيب النفس بما حمّل.
قال: وكذلك هو من غير الناس. وقال الأصمعي: الشهم معناه في كلامهم:
الذكي الحاد النفس، الذي كأنه مروّع من حدّة نفسه، قال: وكذلك هو من الإبل، وأنشد للمخبّل السعدي (3) يصف ناقة:
وإذا رفعت السّوط أقرعها ... تحت الضلوع مروّع شهم
يعني: قلبا ذكيا.
وقولهم: رجل أوّاب
قال أبو بكر: فيه سبعة أقوال قال قوم: الأواب: الراحم. وقال قوم: الأواب:
التائب. وقال سعيد بن جبير: الأواب: المسبّح. وقال سعيد بن المسيب (4): الأواب:
الذي يذنب ثم يتوب، ويذنب ثم يتوب. وقال قتادة: الأواب: المطيع. وقال بعض أهل العلم: الأواب: الذي لا يتكلم حتى يبدأ باسم الله، ويختم باسم الله. وقال عبيد
__________
(1) صفية بنت عبد المطلب: عمة النبي صلّى الله عليه وسلم، توفيت سنة 20هـ.
(2) ديوانه، ص 65.
(3) ديوانه، ص 131.
(4) من التابعين، توفي 94هـ.(1/89)
ابن عمير (1): الأواب: الذي يذكر ذنبه في الخلاء، فيستغفر الله منه. وقال أهل اللغة:
الأواب: الرّجاع، الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من قولهم: قد آب يؤوب أوبا، إذا رجع، قال الله عز وجل: {لِكُلِّ أَوََّابٍ حَفِيظٍ} (2)، وقال عبيد بن الأبرص (3):
وكلّ ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
أراد: يرجع. وقال الآخر:
رسّ كرسّ أخي الحمّى إذا غبرت ... يوما تأوّبه منها عقابيل (4)
وقال أبو بكر: هي كقولهم: عباديد وشماطيط وشعارير، كل ذلك لا واحد له. قال الفراء في قوله: {طَيْراً أَبََابِيلَ} (5)، هي المجتمعة في حال تفرق، لا واحد لها من لفظها في كلام العرب.
وقولهم: فلان أرعن
قال أبو بكر: قال الفراء: الأرعن معناه في كلامهم: المسترخي، وأنشد للراجز (6):
فرحلوها رحلة فيها رعن ... حتى أنخناها إلى منّ ومن
أراد: فيها استرخاء. وقال قوم: المعنى: فيها استرخاء من شدة السير.
وقولهم: رجل ظالم
قال أبو بكر: قال أهل اللغة، الأصمعي وأبو عبيدة وغيرهما: الظالم معناه في كلامهم: الذي يضع الأشياء في غير مواضعها، واحتجوا بقول ابن مقبل (7):
__________
(1) الليثي المكي، ولد في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم وتوفي سنة 74هـ.
(2) سورة ق: آية 32.
(3) ديوانه، ص 13.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الفيل: آية 3.
(6) البيت لخطام، اللسان: (عن).
(7) ديوانه، ص 81.(1/90)
عاد الأذلّة في دار وكان بها ... هرت الشقاشق ظلّامون للجزر
قوله: هرت الشقاشق معناه: مقتدرون على الكلام، شبّه الخطباء من الرجال بالإبل الهائجة. والشّقشقة: التي يلقيها البعير من فيه. وقوله: ظلامون للجزر، قال أكثر أهل اللغة: معنى ظلمهم إياها أنهم ذبحوها من غير مرض ولا علة، فجعلوا الذبح في غير موضعه ظلما. وقال قوم: معنى الظالم في هذا البيت: أنهم عرقبوها فوضعوا النحر في غير موضعه. والقول الأول هو الصحيح، لأنهم بعد أن يعرقبوها لا بدّ لهم من نحرها. ومن الظلم قولهم: من أشبه أباه فما ظلم، معناه: فما وضع الشبه في غير موضعه. قال الشاعر (1):
أقول كما قد قال قبلي عالم ... بهنّ ومن أشبه أباه فما ظلم
ويروى: من يشبه أباه فما ظلم. أراد: فما وضع الشبه في غير موضعه. ويقال:
قد ظلم الرجل سقاه، إذا سقاه قبل أن يخرج زبده، وقال الشاعر (2):
إلى معشر لا يظلمون سقاهم ... ولا يأكلون اللحم إلا مقدّدا
وقال الآخر:
وصاحب صدق لم تنلني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامدا أجر (3)
يعني وطب اللبن، ومعنى ظلمت: سقيته قبل أن يخرج زبده. ويقال: قد ظلم المطر أرض بني فلان، إذا أصابها في غير وقته. ويقال: قد ظلم الماء أرض بني فلان، إذا بلغ منها مبلغا لم يكن يبلغه. أنشد الفراء:
يكاد يطلع ظلما ثم يمنعه ... عزّ الشواهق فالوادي به شرق (4)
ويكون الظلم: النقصان، كما قال تعالى: {وَمََا ظَلَمُونََا وَلََكِنْ كََانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} * (5)، معناه: ما نقصونا من ملكنا شيئا، إنما نقصوا أنفسهم. وقال تعالى:
__________
(1) هو كعب بن زهير، ديوانه، ص 65.
(2) لم أهتد إليه.
(3) الحيوان 1/ 331من دون عزو.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة البقرة: آية 57.(1/91)
{وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} (1)، معناه: ولم تنقص منه شيئا. قال الراجز يصف (2) شعرا:
يسقى الرحيق والدّهان والكتم ... حتى استوت نبتته وما ظلم
معناه: وما نقص عما أريد به. ويكون الظلم: الشرك، قال الله عز وجل:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} (3)، معناه: بشرك. والأصل في الظلم ما ذكر أهل اللغة.
وقولهم: فلان كافر
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الكافر معناه في كلام العرب: الذي يغطي نعم الله وتوحيده، أخذ من قول العرب: قد كفرت المتاع في الوعاء أكفره كفرا، إذا سترته فيه. وقال لنا أبو العباس: إنما قيل للّيل: كافر، لأنه يغطي الأشياء بظلمته، قال لبيد (4):
يعلو طريقة متنها متواترا ... في ليلة كفر النجوم غمامها
أراد: غطّى. وقال لبيد (5) أيضا:
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها
وقال الآخر (6):
فوردت قبل انبلاج الفجر ... وابن ذكاء كامن في كفر
ابن ذكاء: الصبح. وذكاء: الشمس. ويقال للزّرّاع: كافر، لأنه إذا ألقى البذر في الأرض، غطاه بالتراب، وجمعه كفار. قال الله تعالى:
__________
(1) سورة الكهف: آية 33.
(2) ولم أهتد إلى قائل البيتين.
(3) سورة الأنعام: آية 82.
(4) ديوانه، ص 309.
(5) ديوانه، ص 316.
(6) البيت نسبه الصغاني في التكملة 3/ 190إلى بشير بن النكت.(1/92)
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفََّارَ نَبََاتُهُ} (1)، معناه: أعجب الزراع نباته.
وقولهم: رجل بليد
قال أبو بكر: فيه قولان قال قوم: البليد: المتحير الذي لا يدري أين يتوجه، هذا قول أبي عمرو، وقال: إنما قيل للصبي بليد، لأنه قليل التوجه فيما يراد منه. وقال الأصمعي: البليد: الذي يضرب إحدى بلدتيه على الأخرى من الغم عند المصيبة، والبلدة: هي الراحة. وكذلك قولهم: قد تبلد الرجل، قال قوم: معناه: قد تحير. وقال قوم: معناه: قد ضرب إحدى بلدتيه على الأخرى. وقال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا (2)
وقولهم: رجل فاسق
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الفاسق معناه في كلام العرب: الخارج عن الإيمان إلى الكفر، وعن الطاعة إلى المعصية، أخذ من قولهم: قد فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرها. وقال قوم: الفاسق: الجائر، واحتجوا بقول الله عز وجل: {إِلََّا إِبْلِيسَ كََانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (3)، معناه: فجار عن أمر به. قال رؤبة (4):
يهوين في نجد وغورا غائرا ... فواسقا عن قصده جوائرا
وقولهم: رجل جحام
قال أبو بكر: فيه قولان: قال قوم: الجحام: معناه في كلام العرب: الضيق البخيل، أخذ من جاحم الحرب، وهو ضيقها وشدتها. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
__________
(1) سورة الحديد: آية 20.
(2) البيت للأحوص في شعره: 98.
(3) سورة الكهف: آية 50.
(4) ديوانه، ص 190.(1/93)
الحرب لا يبقى لجا ... حمها التخيّل والمراح
إلا الفتى الصّبار في النج ... دات والفرس الوقاح (1)
وقال قوم: الجحام: الذي يتحرق حرصا وبخلا، أخذ من الجحيم: وهي النار المستحكمة المتلظّية، قال الشاعر (2):
جحيما تلظّى لا تفتّر ساعة ... ولا الحرّ منها غابر الدهر يبرد
وقال الفراء: الجحيم: الجمر الذي بعضه على بعض. وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: إنما قيل للجحيم جحيما، لأنها أكثر وقودها، أخذ من قول العرب: قد جحمت النار إذا أكثرت وقودها.
وقولهم: رجل مبتهل
قال أبو بكر: فيه قولان: قال قوم: المبتهل: المسبّح الذاكر لله، واحتجوا بقول نابغة بني شيبان (3):
أقطع الليل آهة وانتحابا ... وابتهالا لله أيّ ابتهال
وقال قوم: المبتهل: الداعي، والابتهال: الدعاء، واحتجوا بقول الله عز وجل: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَى الْكََاذِبِينَ} (4)، معناه: ثم نلتعن ويدعو بعضها على بعض. قال لبيد (5):
في قروم سادة من قومه ... نظر الدهر إليهم فابتهل
أراد: فدعا عليهم. وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
لا يتأرّون في المضيق وإن ... نادى مناد كي ينزلوا (6) نزلوا
__________
(1) سبق تخريجهما.
(2) المذكر والمؤنث لابن الأنباري 277، بلا عزو.
(3) ديوانه، ص 69.
(4) سورة آل عمران: آية 61.
(5) ديوانه، ص 197.
(6) تأرى في المكان: أقام فيه.(1/94)
لا بدّ في كرّة الفوارس أن ... يترك في معرك لهم بطل
منعفر الوجه فيه جائفة ... كما أكبّ الصّلاة مبتهل (1)
أراد: كما أكب في الصلاة مسبح.
وقولهم: رجل تقيّ
قال أبو بكر: معناه في كلامهم: موقّ نفسه من العذاب بالعمل الصالح، وأصله: من وقيت نفسي أقيها، قال النحويون: الأصل فيه وقوي، فأبدلوا من الواو الأولى تاء لقرب مخرجها منها، كما قالوا: متّزر وأصله موتزر، فأبدلوا من الواو تاء لقرب مخرجها منها، قال جرير (2):
متّخذا من ضعوات تولجا ... أردى بني مجاشع وما نجا
فالتولج: المنجا، وأصله: من ولج، إذا دخل، فأصل تولج: وولج، فأبدلوا من الواو الأولى تاء، وأبدلوا من الواو الثانية في تقي ياء، وأدغموها في الياء التي بعدها، وكسروا القاف لتصح الياء. والاختيار عندي: أن يكون تقي وزنه من الفعل فعيل، والأصل فيه: تقيي، فأدغموا الياء الأولى في الثانية، الدليل على هذا: أنه يقال في جمعه أتقياء، كما يقال: ولي وأولياء، ومن قال: هو فعول، قال: لّما أشبه فعيلا، جمع كجمعه.
وقولهم: رجل سيّد
قال أبو بكر: قال الضحاك: السيد: الحليم. ويروى عنه أنه قال: السيد:
التقي. وقال قوم: السيد: الكريم على ربه. وقال آخرون (3): السيد: الذي يفوق في الخير قومه. وقال قوم: السيد: الحسن الخلق. والسيد أيضا: الرئيس. قال الشاعر:
__________
(1) الأبيات لعدي بن زيد، ديوانه، ص 98.
(2) ديوانه، ص 187.
(3) وهو قول الزجاج في كتابه (معاني القرآن وإعرابه 1/ 410).(1/95)
فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل (1)
والسيد أيضا: زوج المرأة، يقال: فلان سيد المرأة، أي: زوجها، قال الأعشى (2):
فبتّ الخليفة من بعلها ... وسيّد نعم ومستادها
والسيد أيضا: المالك، يقال: فلان سيد الجارية، أي: مالكها.
وقول الرجل للرجل: يا مولاي
قال أبو بكر: معناه: يا وليّ. والمولى ينقسم على ثمانية أقسام: يكون المولى:
المعتق، ويكون المولى: المعتق، ويكون المولى: الولي، قال الله عز وجل: {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكََافِرِينَ لََا مَوْلى ََ لَهُمْ} (3)، معناه: لا وليّ لهم. ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (4)، معناه: بغير إذن وليها، قال الشاعر:
كانوا موالي حقّ يطلبون به ... فأدركوه وما ملّوا وما لغبوا (5)
أراد: كانوا أولياء حق. وقال العجاج (6):
فالحمد لله الذي أعطى الحبر ... موالي الحقّ إن المولى شكر
وقال الأخطل (7) لبني أمية:
أعطاكم الله جدّا تنصرون به ... لا جدّ إلا صغير بعد محتقر
لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه ... ولو يكون لقوم غيرهم أشروا
__________
(1) معجم الصحاح، مادة: (خيل) بلا عزو.
(2) ديوانه، ص 51.
(3) سورة محمد: آية 11.
(4) رواه ابن ماجة، 605.
(5) الأضداد 47بلا عزو.
(6) ديوانه، ص 4.
(7) ديوانه، ص 104.(1/96)
ويكون المولى: ابن العم، كما قال عز وجل {يَوْمَ لََا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً} (1)، معناه: لا يغني ابن عم عن ابن عمه، والموالي: بنو العم، أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تجعلوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبّكم ... ولا نلومكم إذ لا تحبونا
كلّ له نيّة في بغض صاحبه ... بنعمة الله نقليكم وتقلونا
ويروى: لا تجمعوا أن تهينونا. والشعر للفضل بن العباس (2) بن عتبة بن أبي لهب، يخاطب بني أمية. ويكون المولى: الأولى، قال الله عز وجل: {النََّارُ هِيَ مَوْلََاكُمْ} (3) معناه: هي أولى بكم. أنشدنا أبو العباس للبيد (4):
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
معناه: أولى بالمخافة خلفها وأمامها. ويكون المولى: الحليف، قال الشاعر (5): موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطنا يأخذون الأتاويا
ويكون المولى: الجار: قال الكلابي (6)، وقد جاور بني كليب فحمد جوارهم فقال: جزى الله خيرا والجزاء بكفّه ... كليب بن يربوع وزادهم حمدا
هم خلطونا بالنفوس وألجموا ... إلى نصر مولاهم مسوّمة جردا
ويكون المولى الصهر.
وقولهم: فلان شاطر
قال أبو بكر: فيه قولان: قال الأصمعي: الشاطر معناه في كلام العرب: المتباعد
__________
(1) سورة الدخان: آية 41.
(2) شرح ديوان الحماسة، 224.
(3) سورة الحديد: آية 15.
(4) ديوانه، ص 311.
(5) البيت للنابغة الجعدي، شعره: 178.
(6) البيتان لمربع بن وعوعة، الأضداد 49.(1/97)
من الخير، أخذ من قولهم: نوى شطر: أي بعيدة، واحتج بقول امرئ القيس (1):
وشاقك بين الخليط الشّطر ... وفيمن أقام مع الحيّ هرّ
وقال أبو عبيدة: الشاطر معناه في كلامهم: الذي شطر نحو الشرّ وأراده، من قول الله عز وجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} * (2)، معناه نحو المسجد الحرام، قال الشاعر (3):
إنّ العسير بها داء مخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور
معناه: فنحوها. والعسير: الناقة التي لم ترض. وقال الآخر (4):
أقم قصد وجهك شطر العراق ... وخال الخليفة فاستمطر
أراد: نحو العراق، والخال: السحاب. وقال الآخر (5) في معنى نحو:
توجّه شطر جار غير خفر ... نما بفعاله الحسب التميم
وقولهم: رجل مسكين
قال أبو بكر: المسكين معناه في كلام العرب: الذي سكّنه الفقر، أي: قلّل حركته، واشتقاقه من السكون، يقال: قد تمسكن الرجل وتسكن، إذا صار مسكينا، وتمدرع وتدرع، إذا لبس المدرعة. واختلف أهل اللغة في فرق ما بين الفقير:
والمسكين فقال يونس بن حبيب: الفقير أحسن حالا من المسكين، وقال: الفقير:
الذي له بعض ما يقيمه، والمسكين: الذي لا شيء له، واحتج بقول الشاعر (6):
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
فقال: ألا ترى أنه قد أخبر أن لهذا الفقير حلوبة، وقال: قلت لأعرابي: أفقير
__________
(1) ديوانه، ص 424.
(2) سورة البقرة: الآيات 150149.
(3) البيت لقيس بن خويلد الهذلي، شرح أشعار الهذليين 607.
(4) لم أهتد إليه.
(5) لم أهتد إليه.
(6) البيت للراعي، ديوانه، ص: 55، والسبد: الشعر.(1/98)
أنت أم مسكين؟ فقال: لا والله بل مسكين، أي: أنا أسوأ حالا من الفقير، وأخذ بقوله يعقوب بن السّكّيت. ويروى عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالا من الفقير، وبذلك كان أبو جعفر أحمد بن عبيد يقول، وهو القول الصحيح عندنا، لأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهََا} (1)، فأخبر أن للمساكين سفينة من سفن البحر، وهي تساوي جملة من المال. وقال تعالى: {لِلْفُقَرََاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ لََا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجََاهِلُ أَغْنِيََاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمََاهُمْ لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً} (2) فهذه الحال التي أخبر بها تبارك وتعالى عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين. والذي احتج به يونس من أنه قال لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال:
لا والله بل مسكين، يجوز أن يكون أراد: لا والله بل أنا أحسن حالا من الفقير.
والبيت الذي احتج به ليست له فيه حجة، لأن المعنى: كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى، وليست له في هذه الحال حلوبة. والفقير معناه في كلام العرب:
المفقور الذي نزعت فقره من ظهره، فانقطع صلبه من شدّة الفقر، فلا حال هي أوكد من هذه، وقال الشاعر (3):
لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل
أي: لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع صلبه، والدليل على هذا قول الله عز وجل: {أَوْ مِسْكِيناً ذََا مَتْرَبَةٍ} (4) معناه: أو مسكينا لصق بالتراب من شدة الفقر، فلما نعته عز وجل بهذا النعت، علمنا أنه ليس كل مسكين على هذه الصفة.
ألا ترى أنك إذا قلت: اشتريت ثوبا ذا علم، نعته بهذا النعت لأنه ليس كل ثوب له علم، فكذلك المسكين، الأغلب عليه أن يكون له شيء، فلما كان هذا المسكين مخالفا سائر المساكين، بيّن الله عز وجل نعته.
__________
(1) سورة الكهف: آية 79.
(2) سورة البقرة: آية 273.
(3) البيت للبيد، ديوانه، ص 274.
(4) سورة البلد: آية 16.(1/99)
وقولهم: رجل مغث
قال أبو بكر: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: معناه: رجل شرير. وقال: المغث عند العرب: الشر، واحتج بقول الشاعر (1):
نولّيها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء
معناه: إذا ما كان شر أو ملاحاة.
وقولهم: صبي يتيم
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه صبي منفرد من أبيه، قال: واليتيم معناه في كلام العرب: الانفراد، وأنشدنا:
أفاطم إني ذاهب فتبيّني ... ولا تجزعي كلّ النساء يتيم (2)
وقال: يروى: كل النساء يئيم، وكل النساء يتيم. فمن رواه بالتاء، أراد: كل النساء ضعيف منفرد، ومن رواه: يئيم، أراد: كل النساء يموت عنهن أزواجهن، وقال: أنشدنا ابن الأعرابي:
ثلاثة أحباب فحبّ علاقة ... وحبّ تملّاق وحبّ هو القتل (3)
قال: فقلنا له زدنا، فقال: البيت يتيم، أي: منفرد ليس قبله ولا بعده شيء.
قال: واليتيم في الناس من قبل الآباء، وفي البهائم من قبل الأمهات. قال الفراء: يقال:
قد يتم الصبي ييتم يتما، ويتم يتما، قال أبو بكر: أخبرنا بهذا أبو العباس.
وقولهم: فلان نادم سادم
قال أبو بكر: في السادم قولان: قال قوم: السادم معناه في كلام العرب: المتغير العقل من الغم، وأصله من قولهم: ماء سدم ومياه سدم وأسدام، إذا كانت متغيرة.
قال ذو الرمة (4):
__________
(1) البيت لحسان، ديوانه، ص 72.
(2) مقاييس اللغة 1/ 166.
(3) الموشى 268.
(4) ديوانه، ص 624.(1/100)
وماء كلون الغسل أقوى فبعضه ... أواجن أسدام وبعض مغوّر
وقال قوم: السادم: الحزين الذي لا يطيق ذهابا ولا مجيئا، كأنه ممنوع من ذلك، أخذ من قولهم: بعير مسدّم، إذا كان ممنوعا من الضراب. قال الوليد بن عقبة لمعاوية بن أبي سفيان، حين قتل عثمان رحمه الله:
قطعت الدهر كالسّدم المعنّى ... تهدّر في دمشق وما تريم
فلو كنت المصاب وكان حيا ... لشمّر لا ألفّ ولا سؤوم
فإنك والكتاب إلى عليّ ... كدابغة وقد حلم الأديم (1)
وقولهم: رجل مصلّ
قال أبو بكر: قال أبو العباس: المصلي معناه في كلام العرب: السابق المتقدم، قال: وهو مشبّه بالمصلي من الخيل، وهو السابق الثاني، قال: وإنما قيل للفرس الثاني مصلّ لأنه يتبع الأول فيكون عند صلويه، وصلوا الفرس والبعير: ما اكتنف الذنب عن يمين وشمال. قال الشاعر (2):
على صلويه مرهفات كأنّها ... قوادم دلّتها نسور طوائر
ويقال للسابق الأول من الخيل: المجلّي، وللثاني: المصلّي، وللثالث: المسلّي، وللرابع: التّالي، وللخامس: المرتاح، وللسادس: العاطف، وللسابع: الحظيّ، وللثامن: المؤمّل، وللتاسع: اللّطيم، وللعاشر: السّكيت، وهو آخر السبق.
وقولهم: رجل منافق
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال أبو عبيدة: إنما قيل له: منافق، لأنه نافق كاليربوع، يقال: قد نافق اليربوع ونفق: إذا دخل نافقاءه، قال: وله حجر آخر يقال له: القاصعاء، فإذا طلب من النافقاء قصع فخرج من القاصعاء، وإذا طلب من القاصعاء نفق فخرج من النافقاء. قال: فقيل له منافق لأنه يخرج من الإسلام من غير
__________
(1) الأبيات منسوبة إلى نصر بن سيار، تاريخ الطبري 4/ 564.
(2) لم أقف عليه.(1/101)
الوجه الذي دخل فيه. وقال آخرون: المنافق مأخوذ من النّفق: وهو السّرب، أي:
يتستر بالإسلام، كما يتستر الرجل في السرب، قال الله عز وجل: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ} (1)، أي: سربا في الأرض. قال الشاعر (2):
إنّ اللئيم وإن أراك بشاشة ... فالغيب منه والفعال لئيم
وإذا اضطررت إلى لئيم فاتخذ ... نفقا كأنّك حائف مهزوم
ويقال في جمع النفق: أنفاق. قال الشاعر:
ودسّ لها على الأنفاق عمرا ... بشكّته وما خشيت كمينا (3)
وقال قوم: المنافق: مأخوذ من النافقاء، وهو: جحر يخرقه اليربوع من داخل الأرض، فإذا بلغ إلى جلدة الأرض أرقّ، حتى إذا رابه ريب، دفع التراب برأسه وخرج. فقيل للمنافق منافق لأنه يضمر غير ما يظهر، بمنزلة النافقاء ظاهره غير بين، وباطنه حفر في الأرض. وقال الأصمعي (4): لليربوع أربعة جحرة: الراهطاء، والنافقاء، والقاصعاء، والدامّاء، فأما النافقاء والراهطاء، فلا اشتقاق لهما، وأما القاصعاء، فإنما قيل له ذلك لأن اليربوع يخرج تراب الجحر، ثم يسد به فم الآخر، من قولهم: قد قصع الجرح بالدم، إذا امتلأ به. قال: وقيل له دامّاء لأنه يخرج تراب الجحر، كأنه يطلي به في فم الآخر، قال: وهو مشتق من قولهم: ادمم قدرك بشحم أو بطحال، أي: اطلها به.
وقولهم: فلان مائق
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال قوم: المائق: الشّيّء الخلق، واحتجوا بمثل للعرب: أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق. أي: أنت ممتلئ غضبا، وأنا سيئ الخلق، فلا نتفق أبدا. وقال قوم: المائق: هو الأحمق، ليس له معنى غيره، وقالوا: هو بمنزلة قولهم: هو جائع نائع، وعطشان نطشان، وأحمق رقيع. وقال قوم: المائق: السريع
__________
(1) سورة الأنعام: آية 35.
(2) لم أهتد إليه.
(3) لم أعثر عليه.
(4) غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 94.(1/102)
البكاء، القليل الحزم والثبات، قالوا: وذكرت امرأة ولدها فقالت: والله ما حملته وضعا، ويروى تضعا، ولا ولدته يتنا، ولا أرضعته غيلا، ولا أبتّه مئقا. فقولها: ما حملته وضعا، معناه: ما حملته في آخر ظهري في مقبل الحيضة. ولا ولدته يتنا، اليتن:
أن تخرج رجل المولود قبل رأسه، وفيه ثلاثة أوجه: اليتن والوتن والأتن، قال عيسى ابن عمر: سألت ذا الرمة عن شيء على غير جهته، فقال لي: أتعرف اليتن؟ فقلت:
نعم. قال: كلامك يتن، أي: مقلوب. ويقال: أتنت المرأة وأيتنت وأوتنت، إذا نالها هذا. وقولها: ولا أرضعته غيلا، يقال: قد أغالت المرأة وأغيلت، إذا سقت ولدها غيلا، والغيل: أن ترضعه وهي حامل، أو توطأ وهي ترضعه. وقولها: ولا أبته مئقا، معناه: ولا أبته باكيا. وكان الأصمعي وأبو عبيدة يرويان بيت امرئ القيس (1):
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
وقولهم: فلان مبرم
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال قوم: المبرم: الثقيل الذي كأنه يقتطع من الذين يجالسهم شيئا من استثقالهم له، بمنزلة المبرم الذي يقتطع حجارة البرام من جبلها. وقال أبو عبيدة: المبرم: الغثّ الحديث، الذي يحدث الناس بالأحاديث التي لا فائدة لهم فيها ولا معنى لها، أخذ من المبرم الذي يجني البرم، والبرم: ثمر الأراك، وهو:
شيء لا طعم له من حلاوة ولا حموضة ولا معنى له. وقال الأصمعي: المبرم: الذي هو كلّ على أصحابه لا نفع عنده ولا خير، بمنزلة البرم، والبرم عند العرب: الذي لا يدخل مع القوم في قمارهم، فإذا قمروا وذبحت الجزور، جاء فأكل معهم من لحمها. قال متمّم بن نويرة (2):
لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا
لقد كفّن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا
__________
(1) ديوانه، ص 12.
(2) شعره: 106.(1/103)
ولا برم تهدي النساء لعرسه ... إذا القشع من ريح الشتاء تقعقعا
قال أبو بكر: قال الأصمعي (1): ثم كثر الكلام بهذا، حتى سموا كلّ مضجر:
مبرما، وسموا الضّجر: البرم. قال نصيب (2):
وما زال بي ما يحدث الدهر بيننا ... من الهجر حتى كدت بالعيش أبرم
معناه: أضجر.
وقولهم: فلان أنوك
قال أبو بكر: فيه قولان: قال الأصمعي: الأنوك: العاجز الجاهل، قال: والنّوك عند العرب: العجز والجهل، واحتج بقول الراجز (3):
تضحك مني شيخة ضحوك ... واستنوكت وللشباب نوك
وقد يشيب الشّعر السّحكوك
وقال غير الأصمعي: الأنوك: العييّ في كلامه، واحتج بقول الشاعر:
فكن أنوك النّوكى إذا ما لقيتهم ... وكن عاقلا إما لقيت ذوي العقل (4)
وقولهم: ويل الشيطان وعوله
قال أبو بكر: في الويل ثلاثة أقوال قال عبد الله بن مسعود: الويل: واد في جهنم. وقال الكلبي: الويل: الشدة من العذاب. وقال الفراء: الأصل فيه: وي للشيطان، أي: حزن للشيطان، من قولهم: وي، لم فعلت كذا وكذا.
وفي العول قولان قال أبو بكر: قال أبو عمرو: العول والعويل عند العرب:
البكاء الشديد، واحتج بقول الراعي (5):
__________
(1) الفاخر، 50.
(2) شعره: 123.
(3) الفاخر، 54بلا عزو.
(4) الفاخر، 54بلا عزو.
(5) شعره 134.(1/104)
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... شكوى إليك مطلّة وعويلا
وقال الأصمعي: العول والعويل: الصياح والاستغاثة، واحتج بقول الأخطل (1):
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله فيها المشتكي والمعوّل
وفي قولهم: ويل الشيطان ستة أوجه: ويل الشيطان بفتح اللام، وويل الشيطان بكسر اللام وويل الشيطان بضم اللام، وويلا للشيطان، وويل للشيطان، وويل للشيطان. فمن قال: ويل الشيطان، قال: وي، معناه: حزن للشيطان، فانكسرت اللام لأنها لام خفض. ومن قال: ويل الشيطان، قال: أصل اللام الكسر، فلما كثر استعمالها مع وي، صارت معها حرفا واحدا، فاختاروا لها الفتحة، كما قالوا في الاستغاثة: يا لضبّة، ففتحوا اللام، وهي في الأصل لام خفض لأن الاستعمال كثر فيها مع (يا)، فجعلا حرفا واحدا، قال الشاعر (2):
يا لبكر انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار
وقال أبو طالب (3):
ألا يا لقوم للأمور العجائب ... وصرف زمان بالأحبة ذاهب
والدليل على هذا: أنهم جعلوا اللام مع (يا) حرفا واحدا لا شيء بعده، قال الفرزدق (4):
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوّب قال يا لا
ولم تثق العواتق من غيور ... بغيرته وخلّين الحجالا
وأنشد الفراء:
يا زبرقان أخا بني خلف ... ما أنت ويل أبيك والفخر (5)
ويروى: ويل أبيك. ومن قال: ويل الشيطان، قال الفراء: ما سمعتها من العرب، ولا حكاها لي ثقة، وقد رواها قوم منهم أبو عمرو، فإن كانت الرواية
__________
(1) ديوانه، ص 10.
(2) البيت لمهلهل بن ربيعة، الخزانة 1/ 300.
(3) غير موجود في ديوانه.
(4) البيتان لزهير بن مسعود الضبي، شرح أبيات مغني اللبيب 4/ 326.
(5) البيت للمخبل السعدي، ديوانه، ص 125.(1/105)
صحيحة، فالأصل فيه: ويل للشيطان، فاستثقلوا اللامات، فحذفوا بعضها، كما قرأ الذين قرءوا: إنّ وليّ الله (1)، أراد: = إن وليّي الله =، فاستثقلوا الياءات، فحذفوا بعضها، وكما قال الشاعر (2):
غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم
أراد: على الماء، فحذف إحدى اللامين. ومن قال: ويل للشيطان، رفع الويل باللام. ومن قال: ويلا للشيطان، نصب الويل بفعل مضمر، كأنه قال: ألزم الله الشيطان ويلا. ومن قال: ويل للشيطان، جعله بمنزلة الأصوات وشبهه بقولهم: بخ لك. ومن العرب من يقول: ويب الشيطان، وويبا بالشيطان. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
أتاني بها يحيى وقد نمت هجعة (3) ... وقد غابت الشّعرى وقد جنح النسر
فقلت اغتبقها أو لغيري اسقها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
وأنشد الفراء:
نظر ابن سعدى نظرة ويبا بها ... كانت لصحبك والمطيّ خبالا (4)
وقول الرجل للرجل: ويحك
قال أبو بكر: فيه قولان قال المفسرون: الويح: الرحمة، وقالوا: حسن أن يقول الرجل لمن يخاطبه: ويحك. وقال الفراء: الويح والويس: كنايتان عن الويل، وقال: معنى ويحك: ويلك، قال: وهو بمنزلة قول العرب: قاتله الله، ثم كنوا عن هذه اللفظة، وقالوا: قاتعه الله، وكنّى آخرون فقالوا: كاتعه الله، وكذلك قالوا:
جوعا له، وجوسا له، وترابا له، فجعلوها كنايات عن قولهم: ويلا له.
__________
(1) سورة الأعراف: آية 196.
(2) البيت لقطري بن الفجاءة، شعر الخوارج 106.
(3) البيتان لأعرابي، الوحشيات 172.
(4) لم أهتد إليه.(1/106)
وقولهم: قد عيل صبري
قال أبو بكر: معناه: قد غلب صبري، يقال: قد عالني الأمر يعولني عولا، إذا غلبني. قرأ عبد الله بن مسعود: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [1]،
معناه: وإن خفتم خصلة تعولكم وتغلبكم. قال الفرزدق (2):
ترى الغرّ الغطارف من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنّهم يرون به هلالا
معناه: إذا ما الأمر في الحدثان غلب. وقال الآخر:
ففي قربها برئي ولست بواجد ... أخا سقم إلا بما عاله طبّا (3)
ويقال: عال الرجل يعيل عيلة، إذا افتقر، قال الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (4)، وقال الشاعر (5):
وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغنيّ متى يعيل
معناه: متى يفتقر. ويقال: قد عال الرجل عياله يعولهم عولا وعيالة وعؤولا، إذا مانهم وأنفق عليهم. ويقال: قد أعال الرجل يعيل فهو معيل، إذا كثر عياله.
ويقال: قد عيّل فلان فرسه يعيّله تعييلا، إذا أهمله. وكذلك عيّل الرجل ما يليه، إذا أهمله. ويقال: قد أعال الذئب يعيل إعالة، إذا التمس شيئا. ويقال: قد عالني أمرك يعولني، إذا أهمني. ويقال: قد عال أمر القوم، إذا اشتد وتفاقم. ويقال: قد عال الرجل في الأرض يعيل فيها، إذا ضرب فيها. ويقال: قد أعول الرجل يعول إعوالا، إذا صاح ورفع صوته. ويقال: قد عال الرجل يعيل، إذا تبختر، وقد تعيّل يتعيّل إذا فعل ذلك. ويقال: إن فلانا لعيّال وإن فلانا لمتعيّل، إذا كان يتبختر في مشيته. ويقال:
قد عال الرجل في حكمه يعول، إذا مال. وقد عال ميزانه يعول، إذا مال، قال الله
__________
(1) سورة التوبة: آية 28.
(2) ديوانه، ص 2/ 7170.
(3) الفاخر 1112.
(4) سورة التوبة: آية 28.
(5) البيت لأحيحة بن الجلاح، جمهرة أشعار العرب 647.(1/107)
عز وجل: {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَلََّا تَعُولُوا} (1)، معناه: ألا تميلوا، وقال أبو طالب (2):
بميزان قسط لا يخسّ شعيرة ... ووازن صدق وزنه غير عائل
معناه: غير مائل. قال أبو بكر: عال: زاد، وعال: غلب. ويقال: عوّلت على الرجل، إذا اتكلت عليه، من قولهم: على الله معوّلي، معناه: على الله اتكالي. قال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
أتيت بني عمّي ورهطي فلم أجد ... عليهم إذا اشتدّ الزمان معوّلا
ومن يفتقر في قومه يحمد الغي ... وإن كان فيهم ماجد العمّ مخولا
يمنّون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزا سكنه إن تجمّلا
ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا
فإنّ الفتى ذا الحزم رام بنفسه ... جواشن هذا الليل كي يتموّلا (3)
وقولهم: رجل فاجر
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الفاجر معناه في كلام العرب: العادل المائل عن الخير، واحتجوا بقول لبيد (4):
فإن تتقدّم تغش منها مقدّما ... غليظا وإن أخّرت فالكفل فاجر
معناه: فالكفل مائل. والكفل: كساء يوضع خلف الرجل، وإنما قيل للكذاب فاجر لأنه مال عن الصدق. وجاء أعرابي إلى عمر بن الخطاب، فشكا إليه نقب إبله ودبرها، واستحمله، فقال له عمر: كذبت، ولم يحمّله، فقال الأعرابي (5):
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسّها من نقب ولا دبر
اغفر له اللهمّ إن كان فجر
__________
(1) سورة النساء: آية 3.
(2) ديوانه، ص 8.
(3) الأبيات لجابر بن ثعلب الطائي، شرح ديوان الحماسة 304.
(4) ديوانه، ص 222.
(5) هو عبد الله بن كيسبة كما في الإصابة 5/ 97.(1/108)
معناه: إن كان مال عن الصدق. وقال الآخر (1):
لا همّ إنّ عامر الفجور ... والواقف الخيل على يعمور
وقولهم: رجل ملحد
قال أبو بكر: الملحد معناه في كلام العرب: الجائر عن الحق، قال الله عز وجل: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} (2)، معناه: يجورون في أسمائه، قال المفسرون: هو اشتقاقهم اللات من الله، والعزى من العزيز. وإنما قيل للّحد، لحد، لأنه في جانب، ولو كان مستقيما لقيل له: ضريح، قال بشر بن أبي خازم (3):
ثوى في ملحد لا بدّ منه ... كفى بالموت نأيا واغترابا
وقال طرفة (4):
وأيأسني من كلّ خير طلبته ... كأنا وضعناه إلى رمس ملحد
وقال الآخر في الضريح:
أما هدّت لمصرعه نزار ... بلى (5) وتقوّض المجد المشيد
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التليد
ويقال: قد لحدت الرجل: إذا أدخلته اللحد، وألحدته: إذا صنعت له لحدا.
ويقال: قد لحد الرجل وألحد: إذا جار. وفرق الكسائي بينهما فقال: ألحد: جار، ولحد: ركن. قرأ أبو جعفر (6) وشيبة (7) ونافع (8) وعاصم (9) وأبو عمرو (10):
__________
(1) لم أهتد إلى القائل.
(2) سورة الأعراف: آية 180.
(3) ديوانه، ص 27.
(4) ديوانه، ص 33.
(5) لم أهتد إلى قائل البيتين.
(6) هو يزيد بن القعقاع، تابعي، توفي 133127هـ.
(7) شيبة بن نصاح، تابعي، توفي 130هـ.
(8) نافع بن عبد الرحمن، أحد القراء السبعة، توفي 169هـ.
(9) عاصم بن أبي النجود، أحد السبعة، توفي 128هـ.
(10) أبو عمرو بن العلاء، أحد السبعة، توفي 154هـ.(1/109)
يلحدون، في جميع القرآن. وقرأ يحيى (1) وحمزة (2) والأعمش: يلحدون، في جميع القرآن. وفرّق الكسائي (3) بينهن، فقرأ سورة الأعراف: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ}، وقرأ في سورة السجدة: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيََاتِنََا} (4)، وقرأ سورة النحل: {لِسََانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} (5)، وقال: معناه: يركنون إليه.
وقول الرجل للرجل: يا لكع
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال قال الأصمعي: اللّكع: العييّ الذي لا يتجه لمنطق ولا غيره، أخذ من الملاكيع: وهو الذي يخرج مع السّلى من البطن. قال ابن ميادة (6):
رمت الغلام بمعجل متسربل ... غرس السّلى وملاكع الأمشاج (7)
والغرس: الجلدة التي تكون على وجه المولود. وقال أبو عمرو الشيباني: اللكع:
اللئيم. وقال خالد بن كلثوم (8): اللكع: العبد. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع، خير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين» (9).
قوله: (بين كريمين) فيه أربعة أقوال قال قوم: معناه: بين الغزو والحج. وقال قوم:
معناه: بين فرسين كريمين، يقاتل عليهما في سبيل الله عز وجل. وقال قوم: معناه:
بين بعيرين يستقي عليهما ويعتزل أمر الناس. وقال أبو عبيد: معناه: بين أبوين
__________
(1) يحيى بن وثاب، تابعي، توفي 103هـ.
(2) حمزة بن حبيب الزيات، أحد السبعة، توفي 156هـ.
(3) علي بن حمزة أحد السبعة، توفي 189هـ.
(4) سورة فصلت: آية 40.
(5) سورة النحل: آية 103.
(6) هو الرماح بن أبرد، وميادة أمه، توفي 149هـ.
(7) الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل وماء المرأة والعلقة والدم.
(8) لغوي كوفي، راوية للأشعار، عارف بالأنساب.
(9) غريب الحديث 2/ 223.(1/110)
كريمين، فيجتمع له مع إيمانه كرم أبويه. ويقال للرجلين: يا ذوي لكيعة أقبلا.
بترك الإجراء في لكيعة للتعريف والتأنيث، وإن شئت قلت: يا ذوي لكاعة أقبلا، فتجري لكاعة أنها مصدر على مثال السماحة والشجاعة. ويقال للجمع: يا أولي لكيعة أقبلوا، ويا أولي لكاعة أقبلوا، ويا ذوي لكيعة أقبلوا، ويا ذوي لكاعة أقبلوا.
وتقول للمرأة: يا لكاع أقبلي. وتقول للمرأتين: يا ذاتي لكيعة اقبلا، ولكاعة أقبلا.
وإن شئت قلت: يا ذواتي لكيعة أقبلا، ولكاعة أقبلا. وتقول للنسوة: يا أولات لكيعة أقبلن، ولكاعة أقبلن. وإن شئت قلت: يا ذوات لكيعة ولكاعة أقبلن.
وقولهم: لا قبل الله منه صرفا ولا عدلا
قال أبو بكر: في الصرف والعدل سبعة أقوال: يروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه قال:
الصرف: التوبة، والعدل: الفدية. وبهذا قال مكحول (1)، وهو مذهب الأصمعي.
وقال يونس بن حبيب: الصرف: الاكتساب، والعدل: الفدية. وقال أبو عبيدة:
الصرف: الحيلة، وقال قوم: الصرف: الفريضة، والعدل: التطوع. وقال الحسن:
العدل: الفريضة، والصرف: النافلة. وقال قتادة في قول الله عز وجل: {لََا يُقْبَلُ مِنْهََا شَفََاعَةٌ وَلََا يُؤْخَذُ مِنْهََا عَدْلٌ} (2)، قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها. وقال قوم: العدل: المثل، واحتجوا بقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذََلِكَ صِيََاماً} (3)، فمعناه: أو مثل ذلك صياما. قال جماعة من أهل اللغة: العدل والعدل لغتان لا فرق بينهما بمنزلة السّلم والسّلم. وقال الفراء: العدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل:
ما عادل الشيء من جنسه يقال: عندي عدل ثوبك، أي قيمته من الدراهم والدنانير وغير ذلك. قال الشاعر (4):
صبرنا لا نرى لله عدلا ... على ما نابنا متوكلينا
__________
(1) مكحول الدمشقي، توفي 113هـ.
(2) سورة البقرة: آية 48.
(3) سورة المائدة: آية 95.
(4) لم أهتد إليه.(1/111)
وقولهم: فلان عرّة
قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال قال أبو عبيدة: العرّة: الذي يجني على أهله وإخوانه ويلحقهم من الجناية والأذى مثل ما يلحق العرّ صاحبه، والعرّ: الجرب، واحتج بقول الله عز وجل: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1)، أي: جناية كجناية الجرب، واحتج بقول هشام بن عقبة (2) أخي ذي الرمة:
إذا الأمر أغنى عنك حنويه فاجتنب ... معرّة أمر أنت عنه بمعزل
وقال قوم: العرة عند العرب: القذر الدنس الذي يلحق أهله دنسا وقذرا كدنس العرّة، والعرّة: العذرة، قال الطرماح (3):
في شناظي أقن بينها ... عرّة الطير كصوم النّعام
وقال الأصمعي: العرّة: الذي يعرّ أهله أي: يعيبهم ويدنّسهم، كما يدنّس العرّ صاحبه قال: والعرّ والعرّ عند العرب: الجرب، وأنشد لعلقمة الفحل (4):
قد أدبر العرّ عنها وهو شاملها ... من ناصح القطران المحض تدسيم (5)
وقال قوم: العرّة: الضعيف العاجز الذي لا يدفع الضّيم عن نفسه، ويظلم فلا ينتصر، قالوا: هو مأخوذ من العرّ، والعرّ عند العرب: شيء يخرج بالبعير، فتزعم العرب أن ذلك إذا أصاب البعير، أبرك إلى جانبه بعير صحيح، فيكوى الصحيح فيبرأ العليل. قال الشاعر (6):
أخذت عليّ ذنبه وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع
__________
(1) سورة الفتح: آية 25.
(2) معجم الشعراء 284.
(3) ديوانه، ص 395.
(4) ديوانه، ص 55.
(5) القطران: ضرب من النفط، تطلى به الإبل الجربى.
(6) البيت للنابغة الذبياني، ديوانه، ص 48.(1/112)
وقولهم: فلان صب
قال أبو بكر: الصّب معناه في كلام العرب: الذي به صبابة، والصّبابة: رقة الشوق. يقال: قد صبّ الرجل يصبّ صبّا وصبابة. ويقال: قد صببت يا رجل، وأنت تصبّ. قال الشاعر:
يصبّ إلى الحياة ويشتهيها ... وفي طول الحياة له عناء (1)
ويقال: هذا أصبّ مني: أي أرق شوقا. وقال الأحوص (2) يخاطب الحمامة:
فإني فيما قد بدا منك فاعلمي ... أصبّ بهذا منك قلبا وأوجع
ويقال: رجل صب، ورجلان صبّان، ورجال صبّون، وامرأة صبّة، وامرأتان صبّتان، ونساء صبّات، على مذهب من قال: رجل صب بمنزلة قولنا: رجل فهم وحذر، وأصله: رجل صبب فاستثقلوا الجمع بين بائين متحركتين، فأسقطوا حركة الباء الأولى، وأدغموها في الباء الثانية. ومن قال: هذا رجل صب، وهو يجعل الصب مصدر صببت صبّا، على أن يكون الأصل فيه: صببا، ثم لحقه الإدغام، قال في التثنية:
هذان رجلان صب، وهؤلاء رجال صب، وهذه امرأة صب، فيكون بمنزلة قولهم:
هذا رجل صوم وفطر وعدل ورضى، وهذان رجلان صوم وفطر وعدل ورضى، وهؤلاء رجال صوم وفطر وعدل ورضى. قال الشاعر (3):
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضى وهم عدل
وقولهم: فلان أمّة وحده
قال أبو بكر: معناه: فلان أوحد في معناه لا يداخله فيه أحد، قال النبي صلّى الله عليه وسلم:
«يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمّة وحده»، فمعناه: يبعث منفردا بدين. والأمة تنقسم في كلام العرب على ثمانية أقسام: تكون الأمة: الجماعة، كما قال الله عز وجل: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النََّاسِ يَسْقُونَ} (4)، معناه: وجد عليه جماعة، وقال:
__________
(1) اللسان، مادة: (صبب).
(2) ديوانه، ص 138.
(3) البيت لزهير، ديوانه، ص 107.
(4) سورة القصص: آية 23.(1/113)
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (1) معناه: ولتكن منكم جماعة، أنشد الفراء:
كأنما أهل حجر ينظرون متى ... يرونني خارجا طير يناديد
طير رأت بازيا نضح الدماء به ... أو أمّة خرجت رهوا إلى عيد (2)
معناه: أو جماعة. وتكون الأمة: أتباع الأنبياء، كما تقول: نحن من أمة محمد أي: من أتباعه على دينه صلّى الله عليه وسلم. وتكون الأمة: الدين، كما قال الله عز وجل: {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ} * (3) معناه: على دين. قال النابغة (4):
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
وتكون الأمة: الرجل الصالح الذي يؤتمّ به، كما قال عز وجل: {إِنَّ إِبْرََاهِيمَ كََانَ أُمَّةً قََانِتاً لِلََّهِ حَنِيفاً} (5). وتكون الأمة: الزمان، كما قال: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (6)، وكما قال: {وَلَئِنْ أَخَّرْنََا عَنْهُمُ الْعَذََابَ إِلى ََ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} (7)، وقرأ ابن عباس: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}، أي: بعد نيسان. وتكون الأمة: القامة، يقال: فلان حسن الأمّة، أي: حسن القامة، قال الشاعر (8):
وإنّ معاوية الأكرمين ... حسان الوجوه طوال الأمم
وتكون الأمة: الأم، قال أبو بكر: قال الفراء: يقال هذه أمّة فلان، أي: أمّ فلان، قال وأنشد:
تقبّلتها من أمّة لك طالما ... تنوزع في الأسواق عنها خمارها (9)
ويكون الأمة: المنفرد بالدين، وقد مضى تفسيره. والإمّة، بكسر الألف:
__________
(1) سورة آل عمران: آية 104.
(2) لم أهتد إلى قائلهما.
(3) سورة الزخرف: آية 22، 23.
(4) ديوانه، ص 51.
(5) سورة النحل: آية 120.
(6) سورة يوسف: آية 45.
(7) سورة هود: آية 8.
(8) البيت للأعشى، ديوانه، ص 32.
(9) اللسان، مادة: (أمم).(1/114)
النعمة، قرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز (1): {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ} * (2)، معناه: على نعمة، قال عدي بن زيد (3):
ثم بعد الفلاح والملك والإمّة ... وارتهم هناك القبور
وقال زهير (4):
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ... ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
ألا لا أرى ذا إمة أصبحت له ... فتتركه الأيام وهي كما هيا
وقال أيضا (5):
ألم تر للنّعمان كان بإمّة ... من العيش لو أنّ امرءا كان ناجيا
وقال ابن مقبل (6):
لعلك يوما أن تريني بإمّة ... ويكثر ربي ميرتي ولقاحيا
والنّعمة، بكسر النون: المال. والنّعمة، بفتح النون: التنعم، يقال: كم من ذي نعمة لا نعمة له، أي: كم من ذي مال لا تنعم له.
وقولهم: فلان متيّم
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: المتيم معناه المستعبد بهواه، من ذلك قولهم: تيم الله، معناه: عبد الله، وأنشد في ذلك:
تامت فؤادك إذ عرضت لها ... حسن برأي العين ما تمق (7)
وأنشدنا أبو العباس، عن عبد الله بن شبيب، لابن الدمينة (8):
__________
(1) الشواذ 135.
(2) سورة الزخرف: آية 23.
(3) ديوانه، ص 89.
(4) ديوانه، ص 288.
(5) ديوانه، ص 288.
(6) لم أعثر عليه في ديوانه.
(7) لم أعثر على البيت.
(8) ديوانه، ص 88.(1/115)
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هزّتني أميم المضاجع
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهمّ بالليل جامع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيّم ... ألا كلّ أمر حمّ لا بدّ واقع
وقال الآخر يخاطب (1) الحمام:
فقلت: لقد هجتنّ صبّا متيّما ... حزينا وما منكنّ واحدة تدري
وقولهم: فلان مستهام
قال أبو بكر: فيه قولان قال قوم: المستهام: الذاهب العقل، وقالوا: هو مشتق من هام الرجل يهيم، إذا ذهب على وجهه لذهاب عقله. وقال قوم: المستهام: العليل القلب، الذي يجد في جوفه هياما، والهيام: وجع يجده البعير في جوفه، فلا يروى من شرب الماء، ويستعمل ذلك في الناس أيضا، قال عروة بن حزام (2):
بي اليأس والداء الهيام شربته ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
وقولهم: فلان عيّار
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: العيار: معناه في كلامهم: الذي يخلي نفسه وهواها، لا يردعها ولا يزجرها. وقالوا: هو مأخوذ من عارت الدابة: إذا انفلتت، وقالوا: تعاير الرجل، من هذا مشتق. وقال آخرون: الأصل في هذا أن يقال: تعاير القوم: إذا ذكروا العار بينهم، ثم قيل لكل من تكلم بفحش: قد تعاير.
وقولهم: رجل مخطّط
قال أبو بكر: قال أبو محمد عبد الله بن رستم: يقال: رجل مخطط، ووجه مخطط، إذا كان جميلا تام الجمال وكذلك يقال: رجل أروع، إذا كان تام الجمال
__________
(1) لم أهتد إليه.
(2) البيت للمجنون، وهو في ديوانه 295.(1/116)
يروع الناظر إليه حسنه، قال متمم (1) بن نويرة اليربوعي:
لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا
لقد كفّن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا
ويقال: رجل منصف: إذا كان بعضه يشاكل بعضا في الحسن، وقد تناصف الرجل: إذا كان كل شيء من وجهه حسنا، إذا كانت عيناه حسنتين، وأنفه حسنا، وفوه حسنا، فهو متناصف. قال الشاعر (2):
من ذا رسول ناصح فمبلّغ ... عني عليّة غير قيل الكاذب
إني غرضت إلى تناصف وجهها ... غرض المحب إلى الحبيب الغائب
معنى غرضت: اشتقت.
ويقال رجل بشير، وامرأة بشير، وجمل بشير، وناقة بشير: إذا كانا حسنين.
قال الشاعر:
يا بشر حقّ لوجهك التبشير ... هلا غضبت لنا وأنت أمير (3)
ويقال: رجل وسيم: إذا كان حسنا عليه ميسم الحسن. وكذلك رجل قسيم الوجه معناه: حسن الوجه. والقسيم والقسام: الحسن، والمقسّم: المحسن، يقال: وجه فلان مقسّم. قال الشاعر (4):
فيوما توافينا بوجه مقسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم
وقال الفراء: القسمة: الوجه، وجمعه قسمات، وأنشد:
كأنّ دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شفّ الوجوه لقاء (5)
وقولهم: فلان أمرد
قال أبو بكر: قال الفراء: الأمرد في كلام العرب: الذي خداه أملسان لا شعر فيهما، أخذ من قول العرب: شجرة مرداء، إذا سقط ورقها عنها، ويقال: تمرّد
__________
(1) ديوانه، ص 106.
(2) البيت لابن هرمة، ديوانه، ص 71.
(3) اللسان مادة: (بشر).
(4) البيت لباعث بن صريم، الكتاب 1/ 281.
(5) البيت لمحرز بن مكعبر الضبي، شرح ديوان الحماسة 1457.(1/117)
الرجل: إذا أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه. والقصر الممرد: قال الفراء: هو المملس، ومن هذا اشتقاقه، قال الله عز وجل: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوََارِيرَ} (1)، قال مجاهد: الصرح: بركة ماء ضرب عليها سليمان بن داود عليه السلام قوارير ألبسها البركة. وقال أبو عبيدة: الصرح عند العرب: القصر، وأنشد:
بهنّ نعام بناه الرجا ... ل تشبّه أعلامهنّ الصّروحا (2)
وقال أبو ذؤيب (3):
وما إن فضلة من أذرعات ... كعين الديك أحصنها الصّروح
أراد القصور. وقال أبو ذؤيب (4) أيضا:
على طرق كنحور الرّكا ... ب تحسب أعلامهنّ الصّروحا
أراد: القصور. وقال أبو عبيدة: الممرد عند العرب: المطول، قال طرفة (5):
لها فخذان أكمل النحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرّد
أراد: بابا قصر مطول. وقال الآخر:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... بأنّ لنا جمعا وحصنا ممرّدا (6)
وقال الآخر (7):
فأما المقيم منهما فممرّد ... ترى للحمام الورق فيه مواكن
وقال الآخر:
دوت على ميعادهم فوجدتهم ... قبيل الضّحى في البابليّ الممرّد (8)
__________
(1) سورة النمل: آية 44.
(2) البيت لأبي ذؤيب، ديوان الهذليين 1/ 136.
(3) ديوان الهذليين 1/ 69.
(4) ديوان الهذليين 1/ 136.
(5) ديوانه، ص 15.
(6) شرح القصائد السبع 160.
(7) هو الأحوص، ديوانه، ص 202.
(8) لم أهتد إليه.(1/118)
وقولهم: شيء طريف وقد جاء بطرفة
قال أبو بكر: الطريف والطرفة عند العرب: الشيء المحدث الذي لم يكن عرف، وهو مشتق من الطريف والطارف: وهما المال المستحدث الذي اكتسبه الرجل وجمعه. والتليد والتالد: ما ورثه عن آبائه ولم يكتسبه. قال متمّم بن نويرة (1):
بودّي لو أني تملّيت عمره ... بمالي من مال طريف وتالد
وبالكفّ من يمنى يديّ حياته ... ففارقني منها بناني وساعدي
وقال كثيّر (2):
ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكّي كان بالعوّاد
لو كان يفدى ما به لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي
وقال الآخر (3):
وأصبح مالي من طريف وتالد ... لغيري وكان المال بالأمس ماليا
وقولهم: لا تمازحنّ صبيّا ولا تفاكهنّ أمة
قال أبو بكر: معنى ولا تفاكهن: ولا تمازحن، إلا أنه استسمح إعادة اللفظ، فأتى بلفظة في مثل معناها، مخالفة للفظها، وتفاكهن: مشتقة من الفكاهة، والفكاهة:
المزاح. أنشد الفراء:
حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة ... تذكّر آإيّاه يعنون أم قردا (4)
قال أبو بكر: وفي المزاح ثلاث لغات يقال: هو المزاح والمزاحة والمزح. قال اليزيدي (5): هو المزاح بكسر الميم، وقال: لا يجوز غير هذا. وقال أبو عبيد: المزاح على ما ذكر اليزيدي مصدر مازحت، يقال: مازحت الرجل ممازحة ومزاحا، والثلاثة الأوجه، مصادر مزحت. ويقال: في الرجل دعابة، إذا كان فيه مزاح،
__________
(1) ديوانه، ص 86.
(2) ديوانه، ص 311.
(3) البيت لمالك بن الريب، ديوانه، ص 93.
(4) البيت لرجل من بني كلاب، اللسان (حزق).
(5) غريب الحديث 1/ 333.(1/119)
ويقال: قد تداعب الرجلان، إذا تمازحا، من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم:
«أنّه قال لجابر بن عبد الله: أبكرا تزوجت أم ثيبا؟ فقال: ثيبا، فقال: هلا تزوجت بكرا تداعبها وتداعبك» (1). وجاء في الحديث: «كان فيه صلّى الله عليه وسلم دعابة» أي: مزاح. ويروى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأمزح، ولكني لا أقول إلا حقا» (2)، فقال أهل العلم: هو مثل قوله لأصحابه: «امضوا بنا إلى فلان البصير نعوده»، وكان ضريرا، يريد: بصير القلب. ومن ذلك قوله للعجوز لما قالت: سل أن يدخلني الجنة، فقال: «إن الجنّة لا يدخلها العجز» (3)، يذهب إلى أن العجوز تجعل شابة، فتدخل الجنة شابة، ولا تدخلها عجوزا. وقال أبو عبيدة: يقال رجل فكه، إذا كان يأكل الفاكهة، ورجل فاكه، إذا كانت عنده فاكهة كثيرة، من ذلك قول الله عز وجل: {فََاكِهِينَ بِمََا آتََاهُمْ رَبُّهُمْ} (4)، ويقرأ: = فكهين بما آتاهم ربهم =. وأنشد أبو عبيدة (5):
فكه العشيّ إذا تأوّب رحله ... ركب الشتاء مسامح بالميسر
معناه: يأكل الفاكهة في هذا الوقت، وأنشد أبو عبيدة (6) أيضا:
فكه على حين العشيّ إذا ... خوت النجوم وضنّ بالقطر
وهو بمنزلة قولهم: رجل تامر، إذا كثر التمر عنده. قال الشاعر (7):
أغررتني وزعمت أنّك لابن بالصيف تامر
معناه: وزعمت أن عندك لبنا وتمرا. ويقال: رجل تمّار: إذا كان يبيع التمر، ورجل تمري: إذا كان يحب التمر، ورجل متمّر: إذا كان صاحب تمر كثير، وليس بمتاجر فيه. وقال الفراء: معنى قول الله: {فََاكِهِينَ بِمََا آتََاهُمْ رَبُّهُمْ}، معجبين بما
__________
(1) غريب الحديث 1/ 333.
(2) غريب الحديث 1/ 332.
(3) غريب الحديث 1/ 332.
(4) سورة الطور: آية 18.
(5) البيت منسوب لصخر بن عمرو، المجاز 2/ 63.
(6) البيت منسوب للخنساء، المجاز 2/ 163.
(7) البيت للحطيئة، ديوانه، ص 168.(1/120)
آتاهم ربهم، وقال: معنى (فكهين)، كمعنى (فاكهين)، قال: وهو بمنزلة قولك:
رجل طمع وطامع. ويقال: قد فكه الرجل يفكه، وتفكّه يتفكّه: إذا تعجب، قال الشاعر (1):
ولقد فكهت من الذين تقاتلوا ... يوم الخميس بلا سلاح ظاهر
معناه: ولقد عجبت. وقال جماعة من أهل العلم: معنى قوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (2): فظلتم تعجّبون مما لحقكم في زرعكم. ويقال: قد تفكه الرجل يتفكه: إذا تندم. وعكل تقول: تفكّن يتفكّن بالنون، من ذلك قوله عز وجل:
{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} معناه: فظلتم تندمون. وقرأ أبو حرام العكلي (3): = فظلتم تفكّنون =. قال أبو بكر: ولا يجوز لأحد أن يقرأ بهذه القراءة لأنها تخالف المصحف.
وقولهم: افعل هذا إمّا لا
قال أبو بكر: قال أهل النحو: معناه: افعل كذا وكذا، إن كنت لا تفعل غيره، فدخلت (ما) صلة لأن، كما قال الله عز وجل: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} (4)، فاكتفى ب (لا) من الفعل كما تقول العرب: من سلّم عليك فسلّم عليه، ومن لا فلا، معناه: ومن لم يسلم عليك فلا تسلم عليه، فاكتفى ب (لا) من الفعل. وأجاز الفراء: من أكرمني أكرمته، ومن لا لم أكرمه، على معنى: ومن لم يكرمني لم أكرمه، فاكتفى ب (لا) من الفعل. أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
وقالوا له إنّ الطريق ثنيّة ... صعود تنادي كلّ كهل وأمردا
صعود فمن تلمع به اليوم يأتها ... ومن لا تلهّى بالضّحاء فأوردا (5)
قال: فمعناه: ومن لم تلمع به، فاكتفى ب (لا) من الفعل.
__________
(1) لم أهتد إليه.
(2) سورة الواقعة: آية 65.
(3) الشواذ 151.
(4) سورة مريم: آية 26.
(5) البيت لابن مقبل، ديوانه، ص 65.(1/121)
وقولهم: عبد قنّ
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: القن: الذي ملك هو وأبواه، سمعت أبا العباس يحكي ذلك عنهم، فإذا ملك هو وحده ولم يملك أبواه، قيل: عبد مملكة. والقنّ:
مأخوذ من القنية عند بعض أهل اللغة، والقنية: أصل المال والملك، من ذلك قوله عز وجل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى ََ وَأَقْنى ََ} (1)، معناه: جعل له قنية. قال الشاعر:
أتأمرني ربيعة كلّ يوم ... لأهلكها وأقتني الدّجاجا (2)
وقال الآخر (3):
لو كان للدهر مال كان متلده ... لكان للدهر صخر مال قنيان
وقولهم: فلان لبق
قال أبو بكر: فيه قولان قال قوم: اللبق: الحلو اللين الأخلاق، هذا قول ابن الأعرابي، وقال: من ذلك الملبّقة، إنما سميت ملبقة، للينها وحلاوتها. وقال قوم: اللبق:
معناه: الرقيق، اللطيف العمل، واحتجوا بقول رؤبة (4) يصف حماره:
قبّاضة بين العنيف واللّبق ... مقتدر الضيّعة وهواه الشّفق
مقتدر الضيعة، معناه ضيعة هذا الفحل في هذه الأتن، إنما هو في ثمان من الأتن، ليس في أتن كثيرة فتنتشر عليه، وهواه الشفق يوهوه من الشفقة: يدارك النفس كأنّ به بهرا، قبّاضة: يعني الفحل يجمعها ويسوقها، والقبض: السّوق، واللبق:
الرقيق، والعنيف: الذي يعنف عليها.
وقولهم: يا بيبي لم فعلت كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: بأبي أنت، أي: أفديك، فحذف المرفوع، لدلالة المعنى عليه مع كثرة الاستعمال. وفيه ثلاث لغات: بأبي وبيبي وبيبا. فمن قال: بأبي،
__________
(1) سورة النجم: آية 48.
(2) لم أهتد إليه.
(3) هو أبو المثلم الهذلي يرثي صخر الغي، ديوان الهذليين 2/ 238.
(4) ديوانه، ص 105.(1/122)
أخرجه على أصله. ومن قال: بيبي، ليّن الهمزة وأبدل منها ياء. ومن قال: بيبا، قال الفراء: توهّم أنه اسم واحد، فجعل آخره بمنزلة آخر سكرى وغضبى وحبلى.
وقول العامة: بيبي بتسكين الياء خطأ بإجماع. أنشد الفراء:
قال الجواري ما ذهبت مذهبا ... وعبنني ولم أكن معيّبا
أريت أم أعطيت نهدا كعثبا ... أذاك أم أعطيت هيدا هيدبا
أبرد في الظلماء من مسّ الصّبا ... فقلت لا بل ذاكما يا بيبا
أجدر أن لا تفضحا وتحربا ... هل أنت إلا ذاهب لتلعبا
وقالت امرأة (1) من العرب ترثي ابنين لها:
وقالوا جزعت أن بكيت عليهما ... وهل جزع أن قلت يا بيباهما
وقال الآخر:
أيا بيبا من لست أعرف مثلها ... ولو درت أبغي ذلك الشّرق والغربا (2)
وقولهم: في منزل فلان مأتم
قال أبو بكر: معنى المأتم في كلام العرب: النساء المجتمعات في فرح أو حزن.
وقال الطّوسي (3): يقال للرجال أيضا إذا اجتمعوا في فرح أو حزن: مأتم. والعامة تغلط في هذا فتظن أن المأتم: النوح والنياحة. وليس هو هكذا، الدليل على هذا قول أبي عطاء السندي (4)، وكان فصيحا، يمدح ابن هبيرة (5):
ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود
عشيّة قام النائحات وشقّقت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهّد ... بلى كلّ من تحت التراب بعيد
__________
(1) هي عمرة الخثعمية، شرح ديوان الحماسة 1082.
(2) لم أهتد إليه.
(3) هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن سنان، معجم الأدباء 13/ 268.
(4) الأبيات في أمالي القالي 1/ 271.
(5) هو يزيد بن عمر بن هبيرة، قتله أبو جعفر المنصور سنة 132هـ.(1/123)
وقال ابن مقبل (1):
ومأتم كالدّمى حور مدامعها ... لم تبأس العيش أبكارا ولا عونا
أراد: ونساء كالدمى. وقال ابن أحمر (2):
وكوماء تحبو ما تشيّع ساقها ... لدى مزهر ضار أجشّ ومأتم
وقال الآخر (3):
رمته أناة من ربيعة عامر ... نؤوم الضحى في مأتم أيّ مأتم
أراد: في نساء أيّ نساء.
وقولهم: أقاموا على فلان مناحة
قال أبو بكر: المناحة: من النوائح، وإنما قيل للنوائح: نوائح، لأن بعضهن يقابل بعضا، أخذ من قولهم: الجبلان يتناوحان، أي: يقابل أحدهما صاحبه، يقال: قد تناوحت الرياح، أي قابل بعضها بعضا. قال لبيد (4):
ويكلّلون إذا الرياح تناوحت ... خلجا تمدّ شوارعا أيتامها
معناه: يكللون الجفان باللحم. ويقال: نائح ونوائح ونائحون في الجمع، وناحة ونوح. يقال: قوم نوح، أي: نائحون. قال صخر الغي (5):
وذكّرني بكاي على تليد ... حمامة مرّ جاوبت الحماما
ترجّع منطقا عجبا وأوفت ... كنائحة أتت نوحا قياما
التليد: ما ورث عن الآباء.
وقولهم: قد طرب الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد خفّ لشدة فرح لحقه أو حزن. والعامة تظن أن
__________
(1) ديوانه، ص 325.
(2) ديوانه، ص 150.
(3) هو أبو حية النميري، ديوانه: ص 75.
(4) ديوانه، ص 319.
(5) شرح أشعار الهذليين 292.(1/124)
الطرب لا يكون إلا مع الفرح، وهو خطأ منهم. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب، لابن الدمينة (1):
فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيبا ولم يطرب إليك حبيب
معناه: ولم يخفّ إليك. وقال الآخر (2):
ألا أيها القمريتان تجاوبا ... بلحنيكما ثم ارفعا تسمعانيا
فإن أنتما استطربتما أو أردتما ... لحاقا بأطلال الغضا فاتبعانيا
فإن تتحازن بالبكا فقليلة ... على هيجان الحزن بقيا فؤاديا
وقال الآخر (3):
وما هاج هذا الشوق إلا حمائم ... لهنّ بساق رنّة وعويل
تجاوبن في عيدانة مرجحنّة ... من السّدر روّاها المصيف مسيل
فأطربنني حتى بكيت وإنما ... يهيج هوى جمل عليّ قليل
معناه: استخففنني. وقال الأصمعي: العيدانة: شجرة صلبة قديمة لها عروق نافذة إلى الماء. قال الشاعر (4):
اصبر عتيق فإن القوم عجّلهم ... بواسق النخل أبكارا وعيدانا
فالعيدان: جمع العيدانة. وقال الآخر (5) في الطرب الذي بمعنى الحزن:
وأراني طربا في إثرهم ... طرب الواله أو كالمختبل
وقال الآخر (6):
يقلن لقد بكيت فقلت كلا ... وهل يبكي من الطرب الجليد
__________
(1) ديوانه، ص 118.
(2) لم أهتد إليه.
(3) الأضداد 103.
(4) اللسان، مادة: (عود).
(5) هو النابغة الجعدي، ديوانه، ص 93.
(6) هو أبو جنة الأسدي: حكيم بن عبيد، شرح أدب الكاتب 122.(1/125)
وقولهم: امرأة أيّم
قال أبو بكر: قال الفراء: الأيم: الحرّة، والأيم: القرابة نحو الابنة، والأخت، والخالة. وقال أبو عبيدة: الأيم: التي لا زوج لها. يقال: امرأة أيّم، ورجل أيم، إذا لم يكن لهما زوجان، قال الشاعر (1):
فو الله ما أحببت حبّك فاعلمي ... فتاة ولا أحببت حبّك أيّما
وقال الآخر (2):
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى إني إذا لسعيد
وهل آتين سعدى به وهي أيم ... وما رثّ من حبل الوصال جديد
وأنشد أبو عبيدة (3):
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ... يد الدهر ما لم تنكحي أتأيّم
ويقال: قد آمت المرأة: إذا مات عنها بعلها أو قتل، قال الشاعر:
فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ... ونسوان سعد ليس فيهن أيّم (4)
ويقال: أيّم وأيّمان، وفي الجمع: أيّمون للرجال، وأيّمات للنساء، ويقال في جمع التكسير: أيامى، ويقال: أيم بيّنة الأيمة والأيوم.
وقولهم: فلانة غانية
قال أبو بكر: قال أبو محمد الرستمي: قال جماعة من أهل اللغة: الغانية الأصل فيها: ذات الزوج التي استغنت بزوجها، ثم كثر ذلك، حتى قيل غانية لذات الزوج وغير ذات الزوج. قال الشاعر:
أحب الأيامي إذ بثينة أيّم ... وأحببت لما أن غنيت الغوانيا
وقال أبو بكر: وأنشد الرستمي:
__________
(1) لم أهتد إليه.
(2) هو جميل، ديوانه، ص 65.
(3) المجاز 2/ 65، دون عزو.
(4) الأضداد 332، دون عزو.(1/126)
أزمان ليلى حصان غير غانية ... وأنت أمرد معروف لك الغزل (1)
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: الغانية: الشابة التي تعجب الرجال ويعجبها الرجال. وقال آخرون الغانية: البارعة الجمال التي قد أغناها جمالها عن الزينة.
قولهم: قال أيضا
قال أبو بكر: معنى أيضا في كلام العرب: عودا، فإذا قالوا: قال الشاعر أيضا، فمعناه: عاد إلى القول. يقال: قد آضت المياه تئيض أيضا: إذا عادت، من ذلك: آض الرجل. وأنشد الفراء لذي الرمة:
إذا ما المياه السّدم آضت كأنها ... من الأجن حنّاء معا وصبيب
وقولهم لا دريت ولا تليت
قال أبو بكر: فيه خمسة أقوال قال يونس بن حبيب: هو لا دريت ولا أتليت، بفتح الألف وتسكين التاء، وقال: المعنى: ولا أتلت إبلك، أي: لا كان لإبلك أولاد تتلوها، يدعو عليه بالفقر وذهاب المال. وقال الفراء: هو لا دريت ولا ائتليت، وقال: ائتليت افتعلت، من ألوت في الشيء: إذا قصّرت فيه، والمعنى: لا دريت ولا قصرت في طلب الدراية، ثم لا تدري ليكون ذلك أشقى لك، قال امرؤ القيس:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي
معناه: ولا مقصّر. وقال الأصمعي: هو لا دريت ولا ائتليت، وقال: ائتليت افتعلت، من ألوت الشيء: إذا استطعته، يقال: ما ألوت الصيام: أي ما استطعته. قال الأخطل:
فمن يبتغي مسعاة قومي فليرم ... صعودا إلى الجوزاء هل هو مؤتلي
معناه: هل هو مستطيع. والوجه الرابع: لا دريت ولا تلوت، على معنى: لا
__________
(1) لنصيب بن رباح، شعره: 116.(1/127)
أحسنت أن تتبع، فيكون من قولهم: تلوت الرجل إذا تبعته. قال أبو بكر: وحكى أبو العباس أحمد بن يحيى: لا دريت ولا تليت، وقال: الأصل فيه: لا دريت ولا تلوت، فرّدوه إلى الياء فقالوا: تليت، ليزدوج الكلام، فيكون تليت على مثال دريت، كما قالوا: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا، فجمعوا الغداة غدايا ليزدوج مع العشايا، كما قال الشاعر (1)
هتّاك أخبية ولّاج أبوبة ... يخلط بالجدّ منه البرّ واللّينا
فجمع الباب: أبوبة، ليزدوج مع الأخبية. وحكى أبو عبيد وجها سادسا: لا دريت ولا أليت، ولم يفسّره، والأصل فيه عندي: ولا ألوت، أي: ولا قصّرت، وعلى مذهب الأصمعي: ولا استطعت، فردّه إلى الياء، ليزدوج مع دريت، على ماضي من التفسير.
وقولهم: فلان شيطان من الشياطين
قال أبو بكر: معناه قويّ نشط مرح، قال جرير:
أيام يدعونني الشيطان من غزلي ... وكنّ يهوينني إذ كنت شيطانا
وقول الرجل للرجل إذا استقبحه: يا وجه الشيطان. قال أبو بكر: قال الفراء:
فيه ثلاثة أقوال أحدهن: أن الشيطان وإن كان لم يعاين، فيقع التشبيه به بالمعاينة، فإن صورته في القلب في نهاية الوحشة والسماجة، فأوقع الرجل التشبيه على ما يتصور في نفسه ويحيط به علمه. والقول الثاني: أن العرب تسمي ضربا من الحيات ذا عرف من أسمج ما يكون منها: رؤوس الشياطين، ويسمون الواحدة: شيطانة، والواحد: شيطانا. وقال حميد بن ثور:
فلمّا أتته أنشبت في خشاشه ... زماما كشيطان الحماطة محكما
وأنشد الفراء:
عنجرد تحلف حين أحلف ... كمثل الشيطان الحماط أعرف
__________
(1) ابن مقبل أو القلاخ (ينظر ديوان ابن مقبل 406).(1/128)
والقول الثالث: أن العرب تسمي ضربا من النبات وحشيّ الرؤوس: رؤوس الشياطين، فأوقع التشبيه بهذا لسماحته ووحشته. وكذلك قول الله عز وجل: {كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّيََاطِينِ} (1) فيه هذه الثلاثة الأقوال التي وصفناها.
قولهم: فلان كاشح
قال أبو بكر: الكاشح: العدو، وفيه ثلاثة أقوال قال قوم: إنما قيل للعدو كاشح لأنه يعرض عنك فيوليك كشحه، والكشح: الخصر، والخصر والقرب واحد، وهو: ما يلي الخاصرة. قال الأعشى:
ومن كاشح ظاهر غمره ... إذا ما انتسبت له أنكرن
وقال قوم: إنما قيل للعدو كاشح، لأنه يضمر العداوة في كشحه، واحتجوا بقول الكميت:
لّما رآه الكاشحو ... ن من العيون على الحنادر
الحنادر: نواظر العيون، واحدتها: حنديرة وحندورة، وحندورة والمعنى: رأوه كأنه على أبصارهم من بعضهم له واستثقالهم إياه.
وقال آخر:
وأضمر أضغانا علىّ كشوحها
قال أبو بكر: وأنشدنا أحمد بن يحيى:
أأرضي بليلي الكاشحين وأبتغي ... كرامة أعدائي بها وأهينها (2)
وقال أصحاب هذه المقالة: إنما خص الكشح، لأن الكبد فيه، فيراد: أن العداوة في الكبد، ولذلك يقال: عدو أسود الكبد، أي: شديد العداوة قد أحرقت كبده، وقال الشاعر:
فما أحشمت من إتيان قوم ... هم الأعداء والأكباد سود
__________
(1) سورة الصافات: آية 65.
(2) للمجنون، ديوانه 268.(1/129)
ويقال: قد طوى فلان كشحه، إذا أعرض. قال الشاعر:
صرمت ولم أصرمكم وكصارم ... أخ قد طوى كشحا وأبّ ليذهبا
معنى أبّ: تهيّأ وشمرّ، والاسم: الإيابة. قال زهير بن أبي سلمى:
وكان طوى كشحا على مستكنّة ... فلا هو أبداها ولم يتقدّم
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح». ويقال: قد كاشح فلان فلانا فهو مكاشح، إذا عداه. قال ابن هرمة:
ومكاشح لولاك أصبح جانحا ... للسّلم يرقى حيّتي وضبابي
وقال قوم: إنما قيل للعدو كاشح، لأنه أدبر بوده عنك، وقالوا هو بمنزلة قولهم: كشح عن الماء، إذا أدبر عنه، واحتجوا بقول الشاعر:
كشح حمار كشحت عنه الحمر
أراد: أدبرت عنه الحمر. وقال امرؤ القيس:
فلم يرنا كاليء كاشح ... ولم يفش منا لدى البيت سرّ
وقولهم: رجل بليغ
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: البليغ: الذي يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، ويقال: قد بلغ الرجل يبلغ فهو بليغ، وكذلك يقال: قد بلغ القول يبلغ فهو بليغ، إذا استحكم، قال الله عز وجل: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً} (1). ويقال: أحمق بلغ، بفتح الباء، إذا كان يبلغ في حاجته. وقال قوم: الأحمق: البلغ الذي قد بلغ في الحماقة. وقال ابن الاعرابي: يقال خطيب بلغ، بكسر الباء، إذا كان ذا بلاغة في منطقه، وأحمق بلغ، إذا كان يبلغ في حاجته. قال رؤبة:
قلت وأمري عندهم مقتوت ... مقالة إذ قلتها حييت
بلغ إذا استنطقتني صموت
يقول: أنا بليغ ولست بعيّ، ولكني أوثر الصمت. قال ابن الأعرابي: يقال: أمر
__________
(1) سورة النساء: آية 63.(1/130)
الله بلغ، بفتح الباء، أي: يبلغ ما أراد. ويقال: إذا أصابت القوم جائحة: اللهمّ سمع لا بلغ، أي: لا يبلغنا ما سمعنا به.
وقولهم: لئيم راضع
قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال: قال اليمامي: الراضع: الذي رضع اللؤم من ثدي أمه، أي: ولد في اللؤم ونشأ فيه. وقال الطائي: الراضع الذي يأخذ الخلالة من رأس الخلالة، فيأكلها بخلا وحرصا على أن لا يفوته شيء. وقال أبو عمرو: الراضع:
الذي يرضع الشاة والناقة من قبل أن يحلبها، من شدة جشعه، والجشع: الشره. قال الشاعر:
إني إذا ما القوم كانوا ثلاثة ... كريما ومستحيا وكلبا مجشّعا
كففت يدي من أن تنال أكفّهم ... إذا نحن أهوينا ومطعمنا معا (1)
وقال قوم (2): الراضع: هو الراعي لا يمسك معه محلبا، فإذا جاءه إنسان، فسأله أن يسقيه، احتج بأنه لا محلب معه، وإذا أراد هو الشراب، رضع الناقة والشاة.
وقولهم: لا يفضض الله فاك
قال أبو بكر: معناه لا يكسّر الله أسنانك ويفرّقها. وفيه وجهان: لا يفضض الله فاك، بفتح الياء، وضم الضاد الأولى، وكسر الثانية. ولا يفض الله فاك، بضم الياء، وحذف الياء الثانية للجزم. فمن قال: لا يفضض الله فاك، أخذه من فضضت الشيء: إذا كسرته وفرّقته. ويقال: قد فضت جموع القوم، إذا فرقتها وكسرتها، قال الله عز وجل {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (3) معناه:
لتفرقوا. والعامة تلحن في هذا فتقول: لا يفضض الله فاك. ولغة النبي صلّى الله عليه وسلم: لا يفضض
__________
(1) البيتان من دون عزو في الفاخر 42.
(2) هو سلمة بن عاصم، كما في الفاخر 42.
(3) سورة آل عمران: آية 159.(1/131)
الله فاك، بفتح الياء، وضم الضاد الأولى، وكسر الثانية، يروى أن النابغة الجعدي، لما أنشد النبي صلّى الله عليه وسلم قصيدته التي يقول فيها:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرّة نيّرا
فقال فيها:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
ثم أنشده:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إلى أين يا أبا ليلى؟» فقال: إلى الجنة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» هكذا حفظ عنه صلّى الله عليه وسلم. ويروى أنّ العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني أريد أن أمدحك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «قل»، فقال العباس (1):
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النّطق
وأنت لما ولدت أشرقت ... الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء ... وفي النور وسبل الرشاد نخترق
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك». وقال أبو بكر: فمعنى قول العباس رضي الله عنه: من قبلها طبت في الظّلال، معناه: في ظلال الجنة وأنت نطفة في صلب آدم، وظل الجنة ظل لا تنسخه الشمس وهو مخالف لظل الدنيا، لأن الظل عند العرب: ما كان قبل طلوع الشمس، والفيء: ما زالت عنه الشمس. قال الشاعر:
فلا الظلّ من برد الضحى يستطيعه ... ولا الفىء من برد العشيّ يذوق
__________
(1) الأبيات والشرح في الفائق 3/ 123. ونسبت الأبيات ضلة إلى حريم بن أوس (؟) في الحماسة البصرية 1/ 193.(1/132)
وقول العباس: في مستودع، فيه وجهان: يجوز أن يكون: الموضع الذي كان ينزله آدم من الجنة، ويجوز أن يكون المستودع: صلب آدم عليه السلام. قوله: ثم هبطت البلاد، يريد: حين أهبط آدم عليه السلام إلى الدنيا. وقوله: بل نطفة تركب السفين، يعني: وأنت في صلب نوح عليه السلام. وقوله: وقد ألجم نسرا، يعني الصنم. وقوله: تنقل من صالب إلى رحم، الصالب: الصلب، وفيه ثلاث لغات مشهورة: الصّلب والصّلب والصّلب، والصّالب لغة قليلة. وقوله: إذا مضى عالم بدا طبق، معناه: إذا مضى قرن جاء قرن، والطبق: الحال، قال الله عز وجل {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} (1)، ومعناه: لتركبن حالا بعد حال. قال الشاعر (2):
إذا صفا طبق للمرء يعجبه ... يا نفس كدّره من بعده طبق
معناه: إذا صفا حال كدرته حال أخرى. وقال كعب بن زهير:
كذلك المرء إن يقدر له أجل ... يركب به طبق من بعده طبق
وقول العباس: من خندف علياء تحتها النطق، النطق: جمع نطاق: وهو الذي يشده الإنسان في وسطه، ومن ذلك: المنطقة، وهذا مثل من العباس أي: جعلك الله عاليا، وجعل خندف كالنطاق لك. وقوله: وضاءت بنورك الأفق، يقال: أضاء البرق يضيء أضاءة، وضاء يضوء ضوءا وضوءا.
ومن قال: لا يفض الله فاك، أراد لا يجعل الله فاك فضاء، لا أسنان فيه. قال الشاعر وهو الأخطل (3):
بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها ... عليّ ومعروفي بها غير منكر
وقال الآخر (4):
أخطّط في ظهر الحصير كأنني ... أسير يخاف القتل والهمّ يفرج
ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج
__________
(1) سورة الإنشقاق: آية 19.
(2) لم أهتد إليه.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) لم أهتد إليه.(1/133)
وقولهم: فلان كمي
قال أبو بكر: الكميّ: الشجاع، وفيه ثلاثة أقوال قال قوم: الكمّي معناه في كلام العرب: الذي يكمي عدوه، أي: يقمعه، أخذ من قولهم: قد كمى فلان الشهادة، إذا قمعها وسترها ولم يظهرها. وقال أبو عبيدة: الكميّ: التام السلاح. وقال ابن الأعرابي: الكمّيّ: الذي يتكمّى الأقران، أي: يتعمّدهم، وجمعهم كماة. قال عنترة (1):
ومدجّج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم
وقولهم: قوم همج
قال أبو بكر: الهمج أصله في كلام العرب: البعوض، ثم قيل للرذال من الناس همج، وواحد الهمج: همجة. قال الشاعر:
بينا الفتى يسعى ويسعى له ... تاح له من أمره خالج
يترك ما رقّح من عيشه ... يعيث فيه همج هامج
معنى قوله: رقّح من عيشه، أصلح من عيشه، ويقال للتاجر: مرقّح.
قال على بن أبي طالب: (الناس ثلاثة: عالم ربّانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق). الرباني: العالي الدرجة في العلم، قال الله عز وجل: {وَلََكِنْ كُونُوا رَبََّانِيِّينَ} (2) وقال محمد بن على المعروف بابن الحنفية لما مات عبد الله بن عباس: (اليوم مات ربّانيّ هذه الأمة). وقال مرة: كان من ربّانيّي هذه الأمة.
وقال النحويون: الربّاني: منسوب إلى الرّب، وقالوا: زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما تقول: لحياني وجمّاني، فتصفه بعظم اللّحية والجمّة.
والرّبّيون: الألوف. وقال ابن عباس: هم الجموع الكثيرة، وأنشد:
__________
(1) ديوانه 209وعنترة بن شداد العبسي: جاهلي، من أصحاب المعلقات: (طبقات ابن سلام 152، الشعر والشعراء 250، الأغاني 8/ 237).
(2) سورة آل عمران: آية 79.(1/134)
وإذا معشر تجافوا عن الح ... ق حلمنا عليهم ربّيّا
وقرأ الحسن: = ربّيّون = بضم الراء، وقرأ بها غيره، وقال: الربيّون: نسبوا إلى الرّبّة، والربة: عشرة آلاف. وقرأ ابن عباس: = ربّيون = بفتح الراء. والناعق: الصائح، يقال: قد نعق الراعي بالغنم ينعق بها، إذا صاح. قال الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير فإنّما ... منّتك نفسك في الخلاء ضلالا
وقولهم: ما يعرف قبيلا من دبير
قال أبو بكر: فيه قولان قال قوم: معناه: ما يعرف الإقبال من الإدبار، أي:
ما يعرف ما أقبل به من الفتل إلى الصدر مما أدبر به عنه. وقال آخرون: ما يعرف قبيلا من دبير، معناه وما يعرف الشاة المقابلة من الشاة المدابرة. والشاة المقابلة: التي شقّت أذنها إلى قدّام، والشاة المدابرة: التي شقّ من مؤخر أذنها. جاء في الحديث:
(نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يضحىّ بخرقاء أو شرقاء أو مقابلة أو مدابرة أو جدعاء) (1).
فالشرقاء: التي قطع من مقدم أذنها شيء، ثم ترك معلّقا لا يبين، كأنّه زنمة. والمدابرة:
أن يفعل ذلك بالأذن، ويترك معلّقا إلى خلف، وقال أبو عبيد: ذلك المعلق يسمى الرّعل. والجدعاء: المجدوعة الأذن.
وقولهم: أفّ وتفّ
قال أبو بكر: فيه قولان قال الأصمعي: الأفّ: وسخ الأذن، والتفّ: وسخ الأظفار، ثم استعمل ذلك عند كل شيء يضجر منه. وقال آخرون: الأف: القلّة، وقالوا: هو مأخوذ من الأفف: وهو القلّة، قالوا: والتفّ منسوق على أفّ، ومعناه كمعناه، كما قال الشاعر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد
فإذا أفردت أفّ، ففيها عشرة أوجه: أفّ لك بفتح الفاء، وأفّ لك بكسر
__________
(1) غريب الحديث 1/ 101100.(1/135)
الفاء، وأفّ لك بضم الفاء، وأفا لك بالنصب والتنوين، وأفا لك بالخفض والتنوين، وأفّ لك بالرفع والتنوين، وأفّي لك بإثبات الياء، وأفّ لك بكسر الألف وفتح الفاء، وأفّة لك بضم الألف وإدخال الهاء، وأف لك بضم الألف وتسكين الفاء، قال حسان بن ثابت (1):
فأفّ للحيان على كلّ آله ... على ذكرهم في الذكر كلّ عفاء
وأنشدنا أبو العباس لأبي حية النميري (2):
حياء وبقيا أن تشيع نميمة ... بنا وبكم أفّ لأهل النمائم
وقال الآخر (3):
عصيتم رسول الله أفّ لبغيكم ... وأمركم الشيء الذي كان غاويا
فمن قال: أفّ لك، جعله بمنزلة قولهم: مدّ يدك يا رجل. ومن قال: أفّ لك، جعله بمنزلة: مدّ يدك. ومن قال: أفّ لك، جعله بمنزلة قولهم: مدّ يدك، قال الشاعر (4):
إذا أنت لم تنفع فضّر فإنّما ... يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفعا
كذا رواه محمد بن سلام (5) عن يونس. وقال الراجز (6):
قال أبو ليلى لحبلي مدّه ... حتى إذا مددته فشدّه
إنّ أبا ليلى نسيج وحده
__________
(1) ديوانه 259.
(2) شعره: 87. أبو حية: هو الهيثم بن الربيع، من مخضرمي الدولتين. (الشعر والشعراء، الأغاني 16/ 307، المؤتلف والمختلف 145).
(3) لم أقف عليه.
(4) عبد الله بن معاوية، شعره 59. ونسب إلى قيس بن الخطيم، ديوانه 235. ونسب إلى النابغة الجعدي، شعره: 246وروايته: يضر وينفع بالرفع، ونسب إلى عبد الأعلى بن عبد الله في أخبار أبي تمام 28. ونسبه العيني في المقاصد 3/ 245إلى النابغة الذبياني، وليس في ديوانه. (ينظر: الخزانة 3/ 591، وشرح أبيات مغني اللبيب 4/ 152).
(5) صاحب طبقات الشعر، توفى 231هـ. (تاريخ بغداد 5/ 227، الأنباه 3/ 143، طبقات النحاة واللغويين 123).
(6) لم أقف عليه.(1/136)
ومن قال: أفّا لك، نصبه على مذهب الدعاء، كما تقول: ويلا للكافرين.
ومن قال: أفّ لك، رفعه باللام، كما قال الله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (1).
ومن قال أفّ لك، خفضه على التشبيه بالأصوات، كما تقول: صه ومه.
ومن قال: أفّة لك، نصبه أيضا على مذهب الدعاء. ومن قال: أفّي لك، أضافه إلى نفسه. ومن قال: أف لك، شبهه بالأدوات بمن وكم بل وهل،
وقولهم: فلان يشرب النبيذ
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: إنما سمي النبيذ نبيذا، لأنه منبوذ في الظرف، أي:
طرح في ظرفه وألقي، والأصل فيه: المنبوذ، فصرف عن المنبوذ إلى النبيذ، كما قالوا:
هذا مقتول وقتيل، ومجروح وجريح. قال الشاعر (2):
فظلّ طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل
أراد: مقدور، فصرفه عن مفعول إلى فعيل. وهو من قولهم: قد نبذت الشيء أنبذه نبذا ونبذة. قال الله عز وجل: {فَنَبَذُوهُ وَرََاءَ ظُهُورِهِمْ} (3)، أي:
طرحوه وألقوه، وقال أبو الأسود (4):
وخبّرني من كنت أرسلت إنما ... أخذت كتابي معرضا بشمالكا
نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وأرد: فطرحته. وقال الآخر:
إنّ الذين أمرتهم أن يعدلوا ... نبذوا كتابك واستحلّ المحرم
ويقال: نبذت النبيذ، بغير ألف، أنبذه نبذا. وقال الفراء: حكى أبو جعفر
__________
(1) سورة المطففين: آية 1.
(2) امرؤ القيس ديوانه 22.
(3) سورة آل عمران: آية 178.
(4) ديوانه 82. وأبو الأسود الدؤلي اسمه: ظالم بن عمرو، توفي 69هـ. (معجم الأدباء 12/ 34الأنباه 1/ 13).(1/137)
الرؤاسي (1)، وكان ثقة مأمونا، عن العرب: أنبذت النبيذ بألف، وقال الفراء: لم أسمعها أنا من العرب بالألف. ويقال: هو مني نبذة ونبذة، إذا كان قريبا مني.
وقولهم: فلان ركيك
قال أبو بكر: الركيك معناه في كلام العرب: الضعيف العقل، قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، يخاطب الوليد بن عبد الملك (2) وبني أمية، ويعني على ابن عبد الله بن العباس (3):
فإن يغضبك قولي في عليّ ... وتمنع ما لديك من النّوال
فإنّ محمدا منّا وإنّا ... ذوو المجد المقدّم والفعال
بنا دان العباد لكم فأمسوا ... يسوسهم الرّكيك من الرجال
ويقال: رجل ركيك وركاكة، إذا كان يغار على أهله ولا يهابه أهله، جاء في الحديث: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الرّكاكة» (4). والأصل في هذا من الرّكّ: وهو المطر الضعيف، يقال: أصاب القوم ركّ من مطر، جاء في الحديث: = أصاب المسلمين يوم حنين ركّ من مطر فنادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا صلّوا بالرحال» (5).
وسمعت أبا العباس يقول: العرب تقول: اقطعها من حيث ركّت. والعوام تقول: من حيث رقّت. قال القطامي:
تراهم يغمزون من استركّوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا
معناه: يغمزون من استضعفوا. وقال الخطيم بن نويرة المحرزي (6) يذكر غدير ماء شبّه المرأة به:
__________
(1) محمد بن أبي سارة، أستاذ الكسائي. (معجم الأدباء 18/ 121، الأنباه 4/ 99).
(2) خليفة أموي. ت 96هـ.
(3) جد الخلفاء العباسيين. تابعي. ت 118هـ. (حلية الأولياء 3/ 207. دول الإسلام م / 61).
(4) الفائق 2/ 80، النهاية 2/ 259.
(5) الفائق 2/ 80، النهاية 2/ 260.
(6) شعره: 183، الخطيم: شاعر أموي (تاريخ الطبري 6/ 448).(1/138)
تهادى كعوم الركّ كعكه الحيا ... بأبطح سهل حين تمشي تأوّدا
وقولهم: فلانة حليلة فلان
قال أبو بكر: في الحليلة قولان قال جماعة من أهل اللغة: إنما قيل لامرأة الرجل حليلته، لأنها تحلّ معه ويحلّ معها، واحتجوا بقول الشاعر:
ولست بأطلس الثوبين يصبي ... حليلته إذا هدأ النيام (1)
أراد: يصبي امرأة جاره، إذا حلّت عنده. وقال آخرون: إنما قيل لامرأة الرجل حليلته، لأنها تحلّ له ويحلّ لها. وقالوا الأصل في حليلة: محلّة لزوجها، فصرفت عن مفعلة إلى فعيلة. أنشد الفراء:
تقول حليلتي لما رأته ... فلائل بين مبيضّ وجون
جمع فليل، وكل أنبوبة من الشعر مفتولة: فليل.
تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
وقولهم: فلانة ربيبة فلان
قال أبو بكر: ربيبة الرجل: ابنة امرأته من غيره. وإنما قيل لها: ربيبة، لأنه يربّبها، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، أصلها مربوبة، فصرفت عن مفعولة إلى فعلية، كما قالوا: قتيل، وجريح، وطبيخ، والأصل فيهن: مقتول، ومجروح، ومطبوخ. يقال:
ربّب فلان فلانا، وربّى فلان فلانا، وربّت فلان فلانا، وتربّب فلان فلانا. قال الشاعر (2):
ربّبها أهلها وفنّقها ... حسن غذاء فخلقها عمم
وقال الآخر (3):
__________
(1) دون عزو في الصحاح (حلل).
(2) لم أقف عليه. وفنقها: نعمها.
(3) ابن ميادة، شعره: 88.(1/139)
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بحرّة ليلى حيث ربّتني أهلي
وقال علقمة بن عبدة (1):
وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربّتنى فضعت ربوب
وقال الآخر (2):
تربّبها الترعيب والمحض خلفة ... ومسك وكافور ولبنى تأكّل
قال أبو بكر: ترببها: ربّاها، الترعيب: قطع السنام، والمحض: اللبن الخالص.
وقوله: خلفة: مرة بهذا ومرة بهذا، أي يخلف كل واحد صاحبه، ولبنى: بخور طيب كانوا يعرفونه، وتأكّل: معناه توقّد.
قولهم: قد تغلغل فلان إلى كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه قد تدخّل وتوسّط، والأصل في التغلغل: التوصل والتدخل، ومن ذلك: الماء الغلل، سمي ذلك لأنه يتدخل ويتوصل إلى أصول الأشجار. قال جرير (3):
طرب الحمام بذي الأراك فشاقني ... لا زلت في غلل وأيك ناضر
قال عمران بن حطان (4):
ويجعل الله ربّ الناس نزلهم ... ظلّا وجنات عدن ماؤها غلل
وقال قيس بن ذريح (5):
شققت القلب ثم ذررت في ... هواك فليط فالتأم الفطور
لغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
__________
(1) ديوانه 43.
(2) من دون عزو في الأضداد 143.
(3) ديوانه 307.
(4) أخل به شعر الخوارج، ولم أقف عليه.
(5) ديوانه 88، من دون الثالث. وقيس: شاعر غزل، صاحب لبنى، أموي، ت 68هـ.
(الأغاني 9/ 180، اللآلئ 710، فوات الوفيات 3/ 204).(1/140)
غنيّ النفس أن أزداد حبّا ... ولكني إلى وصل فقير
فمعناه: تدخل وتوسط إلى قلبي. ومن ذلك قولهم: قد غلّ فلان كذا وكذا، معناه: قد اقتطعه ودسّه في متاعه. ومن ذلك قولهم: قد قتل فلان فلانا غيلة، معناه:
تدخل إلى ذلك وتوصل إليه وأخفاه. وقال النحويون: الأصل في تغلغل الرجل:
تغلّل، فاستثقلوا الجمع بين اللامات، ففصلوا بينها بالغين، كما قالوا: قد صرصر الباب، والأصل فيه: قد صرّر الباب، فاستثقلوا الجمع بين الراءات ففصلوا بينها بالصاد، وكما قالوا: قد تكمكم الرجل، أي لبس الكمة، وهي: القلنسوة، والأصل فيه: قد تكمّم الرجل، ففصلوا بين الميمات. وكذلك قولهم: قد تحلحل الرجل، أصله: قد تحلّل. وكذلك قولهم: قد حثحثته، الأصل فيه: قد حثّثته. وقال الفراء:
الصّلصال الأصل فيه: الصّلّال، أي: المنتن، من قولهم: قد صلّ اللحم، إذا أنتن.
ويقال أيضا: أصلّ وصلّل، فأبدلوا من اللام الثانية صادا. وإنما يفعلون هذا فيما كان فيه حرف مشدّد، ولم يسمع هذا التكرير فيما ليس فيه حرف مشدّد إلا في حرف واحد، يقال في مثل للعرب: تعظعظي ثم عظي، قال الأصمعي: قال رجل من العرب لامرأته: لا تعظيني وتعظعظي، وهذا شاذ لا يقال عليه. وفي القلنسوة سبع لغات، هي: القلنسوة، والقليسية، والقلنسية والقلينسة، والقليسة، والقلساة، والقلنساة.
فالقليسية، والقليسة، والقلينسة، هذه الثلاثة تصغير، وما سواها تكبير.
وقولهم: قد بجّل فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد عظمه. والتبجيل: مأخوذ من البجيل، يقال: رجل بجيل وبجال، إذا كان ضخما. أنشد الاصمعي:
شيخا بجالا وغلاما حزورا
ومن ذلك الحديث الذي يروى: أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل المقابر فقال: «السلام عليكم. أصبحتم خيرا بجيلا، وسبقتم شرّا طويلا». معناه: أصبتم خيرا كثيرا ضخما.(1/141)
وقولهم: قد دمدم فلان على فلان
قال أبو بكر: فيه قولان أحدهما: أن يكون المعنى: قد تكلم وهو مغضب.
وأصل الدمدمة: الغضب، من ذلك قوله عز وجل: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوََّاهََا} (1)، معناه: فغضب عليهم. والقول الآخر: أن يكون، معنى دمدم عليه:
كلّمه بكلام أزعجه وحرك قلبه لأنّ أكثر أهل اللغة والتفسير قالوا: معنى دمدم عليهم: أرجف الأرض بهم، أي: حركها، والرجفة معناه في اللغة: الحركة. قال ورقة ابن نوفل:
فقالوا لأحمد قولا عجيبا ... تكاد البلاد له ترجف
وقال الآخر:
تحنّي العظام الراجفات من البلى ... وليس لداء الركبتين طبيب (2)
وقال آخر:
فدمدموا بعدما كانوا ذوي نعم ... وعيشة أسكنوا من بعدها الحفرا (3)
وقولهم: جلساء فلان كأنّما على رؤوسهم الطير
قال أبو بكر: في هذا قولان، أحدهما: أن يكون المعنى أنهم يسكنون فلا يتحركون ويغضون أبصارهم، والطير لا يقع إلّا على ساكن. يقال للرجل إذا كان حليما وقورا: إنّه لساكن الطائر، أي: كأنّ على رأسه طائر لسكونه. قال الشاعر:
إذا حلّت بنو أسد عكاظا ... رأيت على رؤوسهم الغرابا
فمعنى البيت: أنهم يذلون ويسكنون كأن على رؤوسهم غرابا من سكونهم، وإنما خص الغراب، لأنه أحذر الطير وأبصرها، ويقال: أحذر من غراب، وأبصر من غراب. ويقال للرجل إذا ذعر من الشيء: قد طارت عصافير رأسه، كأنه كان على رأسه عند سكونه طير، فلما ذعر طارت. قال الشاعر:
__________
(1) سورة الشمس: آية 14.
(2) اللسان (رجف).
(3) لم أقف عليه.(1/142)
فنخّب القلب ومارت به ... مور عصافير حشا المرعد
والقول الثاني: أن الأصل في قولهم: كأنما على رؤوسهم الطير، أنّ سليمان بن داود عليهما السلام كان يقول للريح: أقلّينا، وللطير: أظلّينا، فتقله وأصحابه الريح، وتظلهم الطير، وكان أصحابه يغضون أبصارهم هيبة له وإعظاما، ويسكنون فلا يتحركون، ولا يتكلمون بشيء إلّا أن يسألهم عنه فيجيبون. فقيل للقوم إذا سكنوا:
هم حلماء وقراء كأنما على رؤوسهم الطير، تشبيها بأصحاب سليمان، ومن ذلك الحديث الذي يروى: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير) (1)
وقولهم: أباد الله خضراءهم
وقال أبو بكر: روى سهل بن محمد السجستاني عن الأصمعي أنه قال: يقال:
أباد الله غضراءهم، أي: خيرهم وغضارتهم، قال: ولا يقال: خضراءهم، قال:
والغضراء: طينة علكة خضراء، يقال: أنبط الرجل بئره في غضراء. قال: وقال الأصمعي: هذا أصل الحرف، قال: ويقال: قوم مغضورون، إذا كانوا في خير ونعمة.
قال الأصمعي: والخضراء في غير هذا: اسم من أسماء الكتيبة. وقال غير الأصمعي:
قول العرب: أنبط الرجل في غضراء، استخرج الماء في أرض سهلة طيبة التربة عذبة الماء، من ذلك قول الله عز وجل {الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (2)، معناه:
يستخرجونه منهم، وأصله من النّبط، وهو: الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر، وإنما سمي النبط نبطا: لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين. وروى غير السجستاني عن الأصمعي أنه قال: يقال: أباد الله خضراءهم، بالخاء، أي: خصبهم وسعتهم، واحتج بقوله النابغة:
يصونون أبدانا قديما نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب
__________
(1) النهاية 3/ 150.
(2) سورة النساء: آية 83.(1/143)
ويعني بخضر المناكب: سعة ما هم فيه من الخصب، واحتج بقول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وهو الأخضر:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب
أراد بأخضر الجلدة: ما هو فيه من الخصب وسعة الأمر. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال قوم من أهل اللغة: يقال: أباد الله غضراءهم: أي: حسنهم وبهجتهم، قالوا: والغضارة: الحسن والبهجة، واحتجوا بقول الشاعر (1):
أحثو التراب على محاسنه ... وعلى غضارة وجهه النّضر
وقال ابن الأعرابي: أباد الله خضراءهم، معناه: أباد الله سوادهم، والخضرة عند العرب: السواد، يقال: ليل أخضر، لسواده. قال الشاعر (2):
يا ناق خبّي خببا زورّا ... وعارضي الليل إذا ما اخضرّا
معناه: إذا ما اسودّ. وقال الشمّاخ (3):
وليل كلون الساج أسود مظلم ... قليل الوعى داج كلون الأرندج
الساج: طيلسان أخضر، وجمعه سيجان، ومن ذلك قال أبي هريرة (4):
(أصحاب الدجّال عليهم السّيجان). الوعى: الصوت، والأرندج: جلود سود. وإنما قيل للأسود: أخضر، لأن الشيء إذا اشتدت خضرته، رئي أسود. وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: يقال: أباد الله خضراءهم وغضراءهم، معناه: أباد الله جماعتهم، ذهب أبو جعفر إلى قول ابن الأعرابي: أباد الله سوادهم، لأنّ سواد القوم: معظمهم. قال أبو سفيان بن حرب (5) لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: يا رسول الله قد أبيح سواد قريش فلا قريش بعد اليوم.
__________
(1) الخنساء، ديوانها 41.
(2) القطامي، ديوانه 120.
(3) ديوانه 78. والشماخ: هو معقل بن ضرار، مخضرم، ت 22هـ. (المحبر 381، الشعر والشعراء 315، الأغاني 9/ 158).
(4) عبد الرحمن بن صخر، صحابي، توفي 59هـ. (صفة لصفوة 1/ 685، أسد الغابة 6/ 318، تذكرة الحفاظ 1/ 32).
(5) صخر بن حرب: والد معاوية، توفي 31هـ. (المنمق 532، نكت الهميان 172، الإصابة 3/ 412).(1/144)
قولهم: ما يدري من طحاها
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه ما يدري من بسطها يقال: طحا الله الأرض ودحاها، أي: بسطها، قال الله عز وجل: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا} (1)، معناه: بسطها وقال زيد بن عمرو بن نضيل (2):
دحاها فلما رآها استوت ... على الماء أرسى عليها الجبالا
وأنشد أبو عبيدة:
أنشد كلّ مسلم شهادة ... هل كان منكم في الحماس ساده
أو ملك تدحى له إساده (3)
معناه: تبسط له وسادة، فأبدل من الواو لما انكسرت همزة. ويقال: قد طحا قلب فلان في اللهو، إذا تطاول وتمادى، قال علقمة بن عبدة (4):
طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
وقولهم: فلان غريب
قال أبو بكر: الغريب معناه في كلام العرب: المبعد من وطنه. وأصل الغربة:
البعد. يقال للرجل: اغرب عنا، أي ابعد، ويقال: قذفته نوى غربة: أي بعيدة (5).
وقال الشاعر (6):
أما من مقام أشتكي غربة النّوى ... وخوف العدى فيه إليك سبيل
ويقال: قد غرّب الرجل إذا نفي من أرض إلى أرض. ويقال: طرده شأوا
__________
(1) سورة النازعات: آية 30.
(2) اللسان (دحا).
(3) الأبيات لامرأة من كندة في الممتع للنهشلي 205.
(4) ديوانه 33.
(5) اللسان والتاج (غرب).
(6) يزيد بن الطثرية، شعره: 88.(1/145)
مغرّبا: أي بعيدا، قال الكميت (1):
أعهدك من أولي الشبيبة تطلب ... على دبر هيهات شأو مغرّب
وقولهم: قد دقّة دقّا نعمّا
قال أبو بكر: قال الكسائي: معنى قولهم: نعما: بالغا زائدا، قال: يقال: قد دققت الدواء فأنعمت دقه، أي: زدت فيه. قال الشاعر (2):
فيا عجبا من عبد عمرو وبغيه ... لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعما
معناه: فزاد في الظلم. وقال ورقة بن نوفل، في زيد بن عمرو بن نفيل:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما ... تجنّبت تنورا من النار حاميا
ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنّ أهل الجنة ليتراءون أهل علّيّين كما ترون الكوكب الدريّ في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما (3)» ففي أنعما ثلاثة أقوال: قال الكسائي وأبو عبيد: معناه: وزادا على ذلك.
ويقال: معناه: وبالغا في الخير. وقال محمد بن الجهم: سألت الفراء عن معنى (وأنعما) فقال: معناه: صارا إلى النعيم، ودخلا فيه، يقال: قد أنعم الرجل، إذا صار إلى النعيم، ودخل فيه، قال ابن الجهم: وأنشدني الفراء حجة لهذا، قول الشاعر يصف راعيا وغنمه:
سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها (4)
قوله: سمين الضواحي، معناه: ما ضحا للشمس من غنمه. وقوله: لم تؤرقه ليلة، معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلة. وأنعم: معناه: صار إلى النّعيم.
والكوكب الدّرّى فيه خمسة أوجه. يقال: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (5) بضم الدال وتشديد
__________
(1) ديوانه 97.
(2) طرفة، ديوانه 94.
(3) غريب الحديث 1/ 141، النهاية 5/ 83.
(4) بلا عزو في أمالي المرتضي 1/ 509، والمخصص 1/ 159.
(5) سورة النور: آية 35. وينظر: الكشف 137/ 2، ومشكل إعراب القرآن 512.(1/146)
الياء، وكوكب درّىء بكسر الدال والهمز، وكوكب درّىء بضم الدال والهمز، وكوكب درّيّ بكسر الدال وتشديد الياء، وكوكب دريّ بفتح الدال. فمن قال:
هو منسوب إلى الدّرّ، مشبه به لصفائه وحسنه. ومن قال: كوكب درّيّء، قال: هو فعّيل مأخوذ من درأ الكوكب، إذا جرى في أفق السماء. ومن قال: درّيء، قال الفراء: هو خطأ، وقد قرأ به الأعمش وحمزة، وقال إنما صار خطأ لأنه فعّيل، وليس في أبنية العرب فعّيل، وإنما جاء فعّيل في الأعجمية نحو: مرّيق وما أشبه ذلك، وقال سيبوبه: في أبنية العرب في فعّيل وذكر المرّيق. وقال أبو عبيد: الأصل في درّيء:
درّوء على مثال سبّوح وقدّوس. قال: فجعلوا الواو ياء، والضمة التي قبلها كسرة، فقالوا: درّيء، قال: ومثل هذا من كلام العرب: عتا عتوّا وعتا عتيّا. ومن قال:
درّيّ، قال: كسرت الدال من أجل الياء التي جاءت بعد الراء.
وقولهم: ضربه حتى برد
قال أبو بكر: معناه في كلام العرب: حتى مات. قال أبو زبيد (1):
بارز ناجذاه قد برد المو ... ت على مصطلاه أيّ برود
ويقال: قد برد الرجل، إذا نام، من ذلك قوله الله عز وجل: {لََا يَذُوقُونَ فِيهََا بَرْداً وَلََا شَرََاباً} (2)، قال أبو عبيدة: معناه لا يذوقون فيها نوما، وأنشد:
بردت مراشفها عليّ فصدّني ... عنها وعن قبلاتها البرد (3)
أراد: النوم. وقال غير أبي عبيدة، البرد: برد الشراب، وزعموا أن العرب تصف المرآة بالبرد، واحتجو بقول الشاعر (4):
زعم الهمام بأنّ فاها بارد ... عذب إذا ما ذقته قلت ازدد
وسمعت أبا العباس يقول: معنى قول الله عز وجل: {لََا يَذُوقُونَ فِيهََا بَرْداً}،
__________
(1) شعره: 44.
(2) سورة النبأ: آية 24.
(3) لامرئ القيس، يوان 231.
(4) النابغة الذبياني ديوانه 37.(1/147)
لا يذوقون فيها نوما، وأنشد للعرجي (1):
فإن شئت حرّمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
قال: النقاخ: الشراب العذب، والبرد: النوم.
قولهم: ما برد في يدي منه شيء
قال أبو بكر: معناه: ما ثبت في يدي منه شيء. قال الراجز:
اليوم يوم بارد سمومه ... من عجز اليوم فلا نلومه
وقولهم: أقبل فلان يتهبّى
قال أبو بكر: قال الأصمعي: يقال: جاء الرجل يتهبّي، إذا جاء ينفض يديه، قال: ونحو منه: جاء يتبربس، قال: ويقال للرجل الفارغ الذي لا عمل له: قد جاء ينفض أزدريه وأصدريه. وقال ابن الأعرابي: جاء يضرب أزدريه وأصدريه معناه:
يضرب بيديه على جنبيه. وقال مرة أخري: أزدراه وأصدراه: عطفاه، قال: ويقال للرجل إذا توعّد وتهدّد: قد جاء ينفض مذرويه، وقال: المذروان: فودا الرأس، وهما جانباه. قال امرؤ القيس (2):
هصرت بفودي رأسها فتمايلت ... عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل
وقولهم: أسكت الله نأمته
قال أبو بكر: فيه قولان قال الفراء: يقال: أسكت الله نأمته، بتسكين الهمزة وفتح الميم، أي: صوته وحركته، قال: والنأمة والنئيم: الصوت، قال الشاعر (3):
__________
(1) ديوانه 109. والعرجي: هو عبد الله بن عمر الأموي القرشي، ت نحو 120هـ. (نسب قريش 118، الأغاني 1/ 283، الخزانة 1/ 47).
(2) ديوانه 15.
(3) محمد بن يزيد الحصني في الأشباه والنظائر 2/ 319، والحماسة البصرية 2/ 150وفيها:
الآموي، ونثار الأزهار 79مع خلاف في الرواية وتقديم الثاني.(1/148)
إذا قلت أنسى ذكرهنّ يردّه ... هوى كان منه حادث ومقيم
وورقاء تدعو ساق حرّ بشجوها ... لها عند شدّات النهار نئيم
فمعناه: لها عند شدات النهار حركة وصوت. وقال الأصمعي: يقال: أسكت الله نامّته، بتشديد الميم مع فتحها من غير همز، أي: أسكت الله ما ينمّ عليه من حركاته.
قولهم: أقرّ الله عينك
قال أبو بكر: اختلف أهل اللغة في هذا اختلافا شديدا فقال الأصمعي: معنى أقر الله عينك: أبرد الله دمعتك، وقال: أقر مأخوذ من القرّ والقرّة: وهما البرد. قال طرفة (1):
تدفع القرّ بحرّ صادق ... وعكيك القيظ إن جاء بقر
وقال لبيد:
وغداة ريح قد كشفت وقرّة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها
قال أبو بكر: قال الأصمعي: دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن حارة. وقال أبو العباس: ليس كما ذكر الأصمعي، الدمع كله حار في فرح كان أو حزن، قال:
والمعنى: لا أبكاك الله، أي: أقرها الله على أن لا تكون باكية، فتسخن بالدموع.
وقال أبو عمر الشيباني: أقر الله عينك، معناه: أنام الله عينك، أي: صادفت عينك سرورا يعني: أذهب الله سهرها فنامت، واحتج بقول عمرو بن كلثوم:
قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبّرك اليقين وتخبرينا
بيوم كريهة ضربا وطعنا ... أقرّبه مواليك العيونا
فمعناه: ظفروا، فنامت عيونهم، وذهب سهرهم. ويروى عن الأصمعي أنه قال: أقر مشتق من القرور: وهو الماء البارد. وقال أبو العباس: قال جماعة من أهل
__________
(1) ديوانه 58. وفيه: تطرد. والعكيك: الشديد الحر.(1/149)
اللغة: معنى أقر الله عينك: صادفت ما يرضيك، أي: بلغك الله أقصى أمانيك حتى تقرّ عينك من النظر إلى غيره استغناء ورضى بما في يدك، واحتجوا بأن العرب تقول للذي يدرك ثأره: صابت بقرّ، أي: صادف فؤادك ما كان متطلعا إليه فقّر. قال طرفة (1):
سادرا أحسب غييّ راشدا ... فتناهيت وقد صابت بقرّ
في السّادر قولان: أحدهما: أن يكون الذي يركب هواه ولا يسمع قول أحد، والقول الآخر: أن يكون السادر: الذي على بصره غشاوة، وقال أصحاب هذا القول: قولهم: فلان قرّة عيني، معناه فلان رضى نفسي، أي ترضى نفسي، وتقرّ وتسكن بقربه مني ونظري إليه. قال الشماخ يصف ظبية:
كأنّها وابن أيام تربّبه ... من قرّة العين مجتابا ديابود
معناه: كأنّ الظبية وابنها من رضاهما بمرتعهما، وتركهما الاستبدال به، مجتابا ثوب فاخر: أي لا بسا ثوب فاخر. وديابود: ثوب نسخ على نيرين، وأصله فارسي، عرّب. وقال أبو عمرو: معنى قولهم: أسخن الله عينه، أبكاه الله حتى تسخن عينه بالدموع. وقال غيره: أسخن: مأخوذ من سخنة العين، وهو كل ما أبكي العين وأوجعها. قال ابن الدمينة (2):
يا سخنة العين للجرميّ إن جمعت ... بيني وبين هوى حوشية الدار
وقولهم: أنشأ الشاعر يقول
قال أبو بكر: معنى أنشأ: ابتدأ، أنشد الفراء للحطيئة:
حتى إذا حصل الأمو ... ر وصار للحسب المصائر
أنشأت تطلب ما تغيّر ... بعد ما نشب الأظافر
معناه: ابتدأت تطلب. الشاعر معناه في كلام العرب: العالم الفطن، من قولك:
__________
(1) ديوانه 73. وتناهيت: اقتصرت وكففت.
(2) أخل به أصل ديوانه. وهو له في الفاخر 6، وعنه في زيادات ديوانه 177. والبيت ليزيد بن الطثرية في شعره: 41.(1/150)
ما شعرت بكذا وكذا، أي ما فطنت له، ولا علمت به. قال أبو بكر: قال عبد الله بن محمد بن رستم: إنما قيل للشاعر شاعرا لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره.
وأجاز الفراء: ليت شعري أباك ما صنع، على معنى: ليتني أعلم أباك ما صنع، وأنشد (1):
ليت شعري مسافر بن أبي عم ... رو وليت يقولها المحزون
وبورك الميّت الغريب كما بو ... رك نضح الرمّان والزيتون
معناه: ليتني أعلم مسافرا، وقال الآخر:
خمّر الشيب لمّي تخميرا ... وحدا بي إلى القبور البعيرا
ليت شعري إذا القيامة قامت ... ودعي بالحساب أين المصيرا
قال أبو بكر: معناه: اللهم استرنا منك برحمة، وهو مأخوذ من قولهم: قد غمدت السيف في غمده، إذا سترته فيه، من ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخل أحد الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلّا أن يتغمدني الله منه برحمة». ومن ذلك قول الشاعر (2):
نصبنا ورماحا فوقها جدّ عامر ... كظلّ السماء كلّ أرض تغمّدا
ومعناه: نصبنا رماحنا وجدنا ثابت. وقوله: كل أرض تغمّدا، معناه: ظل السماء يستر كل أرض ويظللها، فكذلك نحن نقهر ونغلب كل منازع.
وقولهم: ثوب مصمت
قال أبو بكر: قال يعقوب وغيره: الثوب المصمت: الذي له لون واحد لا يخالطه لون آخر، قال يعقوب: ومن ذلك قولهم: حلي مصمت، إذا كان لا يخالطه غيره، قال: ويقال: أدهم مصمت، إذا كان لا يخالط لونه غير الدهمة، وأنشد (3)
__________
(1) لأبي طالب، ديوانه 20.
(2) لم أقف عليه.
(3) لسراقة البارقي، ديوانه 78. والبلق: الخيل التي فيها بياض وسواد، والدّهم: من الدهمة، وهي: السواد. والتراهات: الطرق الصغار المتشعبة، الواحدة: ترهّة، فارسي معرب، ثم استعير في الباطل. (ينظر: الألفاظ الفارسية المعربة 35).(1/151)
ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت البلق دهما مصمتات
أري عينيّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرهّات
وقال أحمد بن عبيد: حلي مصمت، معناه: قد نشب على لابسه فما يتحرك، ولا يتزعزع، مثل الدملج والخلخال، وما أشبه ذلك.
قولهم: فلان وغد
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الوغد أصله في كلامهم: الضعيف، ثم كثر استعمالهم له حتى قالوا للّئيم: وغد. أنشدنا أبو العباس:
إذا أفسدت أول كلّ أمر ... أبت أعجازه إلّا التواء
إذا دوايت دينك بالتناسي ... وباللّيان أخطأت الدواء
إذا سوّمت أمرك كلّ وغد ... لئيم كان أمركما سواء (1)
قال أبو بكر: قوله عز وجل: {وَإِنْ تَلْوُوا} (2)، معناه: أن تؤخروا ما أمرتم به، وأنشدنا (3):
تطليلين لياني وأنت مليّة ... وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
أراد، بلياني: تأخيري. قال الأصمعي: وكذلك النذل، أصله في كلامهم:
الضعيف، ثم كثر استعمالهم له حتى قالوا للبخيل: نذل. قال الشاعر (4):
أرى كلّ ذي مال يعظّم أمره ... وإن كان نذلا خامل الذّكر والاسم
وكذلك الوتح، في قولهم: فلان وتح، معناه: قليل، أي: لا قدر له، وفيه لغتان يقال: وتح، ووتح.
والعبر في قولهم: فلان عبر، فيه ثلاثة أقوال قال الأصمعي: العبر: الذي يأتي
__________
(1) الأبيات بلا عزو في جمهرة الأمثال 1/ 82.
(2) سورة النساء: آية 135.
(3) لذي الرّمة، ديوانه 1306.
(4) لم أهتد إليه.(1/152)
بما يعبر العين، أي: يبكيها. والعبرة: الدمعة. قال امرؤ القيس (1):
وإنّ شفائي عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معوّل
قال أبو بكر: في المعول قولان قال الأصمعي وأبو نصر وسعدان: المعول:
المحمل، يقال: عوّل على: أي: احمل. وقال الطوسي: المعول: المبكى. وقال يعقوب ابن السكيت: العبر والعبر: سخنة العين. وقال غيره: العبر: الّهم والغمّ، فإذا قيل:
فلان عبر، فمعناه: همّ وغمّ لأهله. والعبرة يقال في جمعها: عبر. أنشدنا أبو العباس:
والله ما نظرت عيني إذا نظرت ... إلّا ترقرق منها دمعها دررا
ولا تنفّست إلّا ذاكرا لكم ... ولا تبسمت إلّا كاظما عبرا (2)
ويقال: رجل عبر وعبران، وامرأة عبرة وعبرى.
وقولهم: فلان بوّ
قال أبو بكر: معناه: فلان ذو جسم وطلل وليس له باطن ولا عقل. والبوّ عند العرب: أن يذبح فصيل الناقة، فيسلخ برأسه وقوائمه، ثم يحشى تبنا، لتعطف عليه أمّه وتشمه ولا تنكره، وتدرّ عليه حتى لا ينقطع لبنها. قالت الخنساء:
فما عجول على بوّ تطيف به ... لها حنينان إصغار وإكبار
وقولهم: فلان يسحر بكلامه
قال أبو بكر: معناه: يخدع بكلامه، من ذلك قول الله عز وجل {قََالُوا إِنَّمََا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} * (3)، معناه: من المخدوعين، ويقال: من المعللين. قال لبيد (4):
__________
(1) ديوانه 9.
(2) أمالي القالي 1/ 197بلا عزو.
(3) سورة الشعراء: الآية 153، 185.
(4) ديوانه 56.(1/153)
فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا ... عصافير من هذا الأنام المسحّر
نحلّ بلادا كلّها حلّ قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير
وقال امرؤ القيس (1):
أرانا موضعين لوقت غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
وقال آخر (2):
أرانا موضعين لوقت غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
كما سحرت به إرم وعاد ... فأضحوا مثل أحلام النيّام
ويكون السّحر أيضا: الاستهزاء والسخرية. ويكون السّحر أيضا: الصّرف، ومن ذلك قولهم: سحرته عن كذا وكذا، معناه: صرفته عنه.
وقولهم: فلان وزير فلان
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: إنما سمي الوزير وزيرا، لأنه يتحمل أثقال الملك. والوزر معناه في اللغة: الثّقل، والأوزار: الأثقال، من ذلك قول الله عز وجل: {وَلََا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ} * (3)، معناه: أثقالها، ومن ذلك قوله: ولكنّا {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} (4)، ومعناه: أثقالا، ومن ذلك قوله عز وجل:
{وَلََا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ} * (5)، معناه: ولا تحمل حاملة ثقل أخرى، وقال أمية ابن أبي الصلت:
منهم رجال على الرحمن رزقهم ... خفّف عنهم من الأحداث ما وزرا
معناه: ما حملوا. والوزر في غير هذا: الملجأ. ويقال: هو الجبل، من ذلك قول
__________
(1) ديوانه 97.
(2) ولم أهتد إليه.
(3) سورة محمد: آية 4.
(4) سورة طه: آية 87.
(5) سورة الأنعام: آية 164.(1/154)
الله عز وجل {كَلََّا لََا وَزَرَ} (1)، معناه: لا ملجأ، ويقال: معناه: لا جبل يلجؤون إليه، وقال الراجز:
لعمرك ما للفتى من وزر ... من الموت يلجئه والكبر
معناه: ما له ملجأ. وقال الآخر:
والناس ألب علينا ليس فيك لنا ... إلّا الرّماح وأطراف القنا وزر
معناه: ليس لنا ملجأ
وقولهم: فد خلبني حبّ فلان
قال أبو بكر: معناه: قد وصل حبّه إلى خلبي. قال أحمد بن عبيد وغيره:
الخلب: غشاء القلب، أي: غطاء القلب. وقال أبو العباس: الخلب: الذي بين الزيادة والكبد، قال: وأنشدني ابن الأعرابي:
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منّي كذراع من عضد (2)
وقال بعض الأعراب:
من كان لم يدر ما حبّ نعت له ... أو كان في غفلة أو كان لم يجد
فالحب أوّله روع وآخره ... مثل الحزازة بين الخلب والكبد (3)
ويقال للرجل إذا كان يحبه النساء ويملن إليه: إنّه لخلب نساء.
ويقال: فلان خلّاب، إذا كان يخلب الناس، أي: يذهب بعقولهم. قال جرير (4):
أخلبتنا وصددت أمّ محلّم ... أفتجمعين خلابة وصدودا
__________
(1) سورة القيامة: آية 11.
(2) الأضداد 246بلا غزو.
(3) لم أهتد إليهما.
(4) ديوانه 337.(1/155)
وقولهم: فلان عفر
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: أحدهن: أن يكون العفر: المؤثّق الخلق المصحّح الشديد، أخذ من عفر الأرض، وهو: التراب. يقال: عافر فلان فلانا، إذا تآخذا على أن يلقي كل واحد منهما صاحبه على العفر، قال الشاعر:
انظر إلى عفر الثرى منه خلق ... ت وأنت بعد غد إليه تصير (1)
ويقال: رجل عفرّ بكسر الفاء وتشديد الراء، ويقال في الجمع: رجال عفرّون، وهو على مثال قولك: شرّ شمرّ، إذا كان شديدا يشّمر فيه عن الساعدين. ويقال:
ليث عفرّين، أي: ليث ليوث، يصرع كلّ ما علقه ويعفّره بالأرض. قال الأصمعي:
يقال: فلان أشجع من ليث عفرّين، قال: وهو دابة يتحدّى الراكب ويضرب بذنبه، ويقال: عفرّون: بلد، أي هذا الليث يكون في هذا البلد. وقال الهذلي يصف الأسد:
ألفيت أغلب من أسد المسدّ ... حديد الناب إخذته عفر فتطريح
ويقال: ناقة عفرناة، إذا كانت شديدة، ويقال للغول: عفرناة. ويقال للأسد:
عفرناة، للذكر والأنثى. قال الأعشى (2):
ولقد أجذم حبلي عامدا ... بعفرناة إذا الآل مصح
قال أبو بكر: وقال الخليل: يقال: رجل عفر بيّن العفارة، إذا وصف بالشيطنة، والجمع أعفار. قال: ويقال أيضا: العفر: الكيّس الظريف، ويقال للشيطان: عفريت وعفرية وعفارية، قال: الله عز وجل: {قََالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} (3). وقال جرير في اللغة الثالثة:
قرنت الظالمين بمرموريس ... يذلّ بها العفارية المريد
وقال: المرمريس: الداهية الشديدة. ويقال أيضا: رجل عفرية، إذا كان مصحّحا، شديدا، موثّق الخلق، من ذلك: الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنّه كان يبايع الناس وفيهم رجل دحسمان فكان كلما أتى عليه أخره، حتى لم يبق
__________
(1) الأضداد 384بلا عزو.
(2) ديوانه 161. ومصح: ذهب.
(3) سورة النمل: آية 39.(1/156)
غيره، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم هل اشتكيت قط؟ فقال: لا، قال: فهل رزئت بشيء؟ قال:
لا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: إنّ الله يبغض العفرية النفرية، الذي لا يرزأ في جسمه وماله» (1). قال أبو بكر: في العفرية النفرية ثلاثة أقوال يقال: العفرية النّفرية:
الجموع المنوع. ويقال: العفرية النفرية: القوىّ الظلوم. والدحسمان: الرجل الأسود السمين، وفيه لغتان، ويقال: رجل دحسمان ودحمسان. وقال الأصمعي: يقال لعرف الديك: عفرية، وأنشد:
كعفرية الغيور من الدّجاج (2)
وقولهم: أخذ البلاد عنوة
قال أبو بكر: قال الفراء: في العنوة وجهان: أحدهما: أن يكون المعنى: أخذ البلاد بالقهر والذلّ، والقول الآخر: أن يكون المعنى: أخذ البلاد عن تسليم من أصحابها لها، وطاعة بلا قتال. قال الفراء: الدليل على القول الثاني قول الشاعر (3)
فما أخذوها عنوة عن مودة ... ولكن بضرب المشرفيّ استقالها
قال: فالعنوة هاهنا: التسليم والطاعة. ومن قال: العنوة: القهر والذل، قال: هو بمنزلة قول العرب: عنوت لفلان أعنو له عنوة، إذا خضعت له، من ذلك قول الله عز وجل: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} (4)، معناه: خضعت وذلّت. قال أمية بن أبي الصلت (5):
ملك على عرش السماء مهيمن ... تعنو لعزّته الوجوه وتسجد
معناه: تذل وتخضع. وقال أمية (6)؟ أيضا:
__________
(1) النهاية 2/ 104، 3/ 262.
(2) الأضداد 385بلا عزو.
(3) كثير في اللسان (عنا)، وقد أخل به ديوانه.
(4) سورة طه: آية 111.
(5) ديوانه 361.
(6) أخل به ديوانه.(1/157)
ومالي لا أعنو ويعنوا أولو النّهي ... لمن يملك التّخليد والخير والنعم
وقال أمية أيضا: (1)
الحمد لله الذي لم يتخذ ... ولدا وقدّر خلقه تقديرا
وعنا له وجهي وخلقي كلّه ... في الخاشعين لوجهه مشكورا
معناه: وخضع له. وقال أبو عبيدة: من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنّهنّ عندكم عوان» (2)، معناه: ذليلات مستسلمات، وأنشد أبو عبيدة في هذا:
وسبقت كلّ مبرّز ذي ميعة ... وعنت لوجهك سادة الأقوام
معناه: خضعت وذلّت. وقال الفراء: العرب تقول: لم تعن بشيء، ولم تعن بشيء، بضم النون وكسرها، أي لم تنبت شيئا. وقال الفراء: معنى قول الله عز وجل: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ}، نصبت وعملت، قال: ويقال معنى قوله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} هو وضع المسلم يديه على ركبته وجبهته على الأرض إذا سجد.
قولهم: هو أحسن من دبّ ودرج
قال أبو بكر: معنى دب: مشى، والمعنى درج: مات. قال الشاعر (3):
قبيلة كشراك النعل دارجة ... إن يهبطوا الغور لا يوجد لهم أثر
قولهم: هذا من بابتي وهذا من تلك البابة
قال أبو بكر: قال يعقوب بن السكيت وغيره: البابة عند العرب: الوجه، والبابات: الوجوه، وأنشد:
بني عامر ما تأمرون بشاعر ... تخيّر بابات الكتاب هجائيا (4)
__________
(1) ديوانه 409.
(2) سنن ابن ماجه 594.
(3) الأخطل، ديوانه 289 (صالحاني)، 532 (قباوة).
(4) لابن مقبل، ديوانه 410.(1/158)
معناه: تخير هجائي من وجوه الكتاب. فإذا قال الناس: الشيء من بابتي، فمعناه: من الوجه الذي أريده ويصلح لي.
وقولهم: قد أسف فلان على كذا وهو متأسّف على ما فاته
قال أبو بكر: فيه قولان أحدهما أن يكون المعنى: حزن على ما فاته، لأن الأسف عند العرب: الحزن، قال الضحاك في قول الله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ بََاخِعٌ نَفْسَكَ عَلى ََ آثََارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهََذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} (1)، معناه: جزعا. قال الأعشى (2):
إلى رجل منهم أسيف كأنّما ... يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا
وقال قتادة في قول الله عز وجل: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهََذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} معناه:
غضبا. وقال أبو عبيدة في قول الله عز وجل: {فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ} (3) قال:
معناه: فلما أغضبونا، واحتج بقول الشاعر (4):
بني عمكم إن تعرفوا يعرفوا لكم ... وإن تيسفوا يوما على الحقّ نيسف
معناه: وإن تغضبوا. ومن الجزع قول الله عز وجل: {يََا أَسَفى ََ عَلى ََ يُوسُفَ} (5)، معناه: يا جزعاه.
وقولهم: فلان صديق فلان
قال أبو بكر: معناه: فلان يصدق فلانا وينصحه، والصديق: مأخوذ من الصدق، يقال: صدقت الرجل الحديث أصدقه صدقا، والصدق الاسم. ويقال:
__________
(1) سورة الكهف: آية 6. وينظر في معنى (أسفا) تفسير مجاهد 373، تفسير الطبري 15/ 195زاد المسير 5/ 105.
(2) ديوانه 89وفيه: أرى رجلا منكم.
(3) سورة الزخرف: آية 55.
(4) ابن مقبل، ديوانه 199، مع خلاف في الرواية.
(5) سورة يوسف: آية 84.(1/159)
صادق فلان فلانا مصادقة وصداقا، على وزن قاتله مقاتلة وقتالا. ويقال: أصدقت المرأة إصداقا. وفي الصداق خمس لغات: يقال هو الصّداق بكسر الصاد، وهو الصّداق بفتح الصاد. قال الفراء والأخفش: كسر الصاد أجود من فتحها. ويقال:
هو الصّدقة بفتح الصاد وضم الدال. والصّدقة بضم الصاد وتسكين الدال، والدقة بضم الصاد والدال، وهي أردأ اللغات وأقلّها، وقد رويت عن بعض القراء: {وَآتُوا النِّسََاءَ صَدُقََاتِهِنَّ} (1). ويروي عن قتادة: {وَآتُوا النِّسََاءَ صَدُقََاتِهِنَّ} بفتح الصاد وتسكين الدال، فإن صحّت هذه القراءة فواحدة الصدقات صدقة، وهي لغة سادسة.
ويقال: محمد صديقي، والمحمدان صديقى، والمحمدون صديقي، وهند صديقي، والهندان صديقي، والهندات صديقي. قال الله عز وجل: {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ} (2)، أراد: أو أصدقائكم، وقال الشاعر في التوحيد مع المذكر:
وإني لأرعى قومها من حلالها ... ولو أظهروا غشّا نصحت لهم جهدا
ولو حاربوا قومي لكنت لقومها ... صديقا ولم أحمل على قومها حقدا
وأنشد الفراء في التذكير للمؤنث:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... فراقك لم أبخل وأنت صديق (3)
وقالت امرأة من العرب، مرت بأبي زيد النحوي وأصحابه، وقد ضيقوا الطريق، فلم يمكنها أن تجوز، فقالت لأبي زيد:
تنحّ للعجوز عن طريقها ... إذ أقبلت جائية من سوقها
دعها فما النحويّ من صديقها (4)
معناه: من أصدقائها، ويجوز أن تقول: القوم أصدقاؤك وصديقوك. وحكى أبو العباس: القوم أصادقك، وأنشدنا (5):
فلمّا علوا شعبا تبيّنت أنّه ... تقطّع من أهل الحجاز علائقي
__________
(1) سورة النساء: آية 4.
(2) سورة النور: آية 61.
(3) مغنى اللبيب 29، شرح ابن عقيل 1/ 384بلا عزو.
(4) لرؤبة، زيادات ديوانه 181.
(5) البيتان أنشدهما أبو السائب المخزومي في معجم البلدان 3/ 302.(1/160)
فلا زلن دبري ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
وقولهم: فلان عدوّ فلان
قال أبو بكر: معناه فلان يعدو على فلان بالمكروه ويظلمه، ويقال: عدا فلان على فلان، يعدو عليه عدوا وعدوّا وعداء: إذا ظلمه، قال الله عز وجل: {فَيَسُبُّوا اللََّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1)، وقرأ الحسن: عدوّا، معناهما: ظلما. ويقال: محمد عدوك، والمحمدان عدوك، والمحمدون عدوك، وقال الله عز وجل: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} (2)، فوحّده في موضوع الجمع، وقال نابغة بني شيبان (3):
إذا أنا لم أنفع صديقي بوّده ... فإنّ عدوّي لن يضرّهم بغضي
فمعناه: فإن أعدائي، فوحد في موضع الجمع. ويقال: فلانة عدّوة فلان، فمن قال عدوة فلان، قال: هو خبر للمؤنث، فعلامة التأنيث لازمة له، ومن قال: فلانة عدو فلان، قال: ذكّرت عدوا، لأنه بمنزلة قول العرب: امرأة ظلوم وغضوب وصبور وقتول. ويقال في جمع العدو: عدي وعداة. قال أبو بكر: وحكى أبو العباس: قوم عدى بضم العين، إلا أنه قال: الاختيار إذا كسرت العين: أن لا تأتي بهاء، والاختيار إذا ضممت العين: أن تأتي بالهاء، وأنشدنا:
معاذة وجه الله أن أشمت العدى ... بليلى وإن لم تجزني ما أدينها (4)
وقال أنشدنا ابن شبيب:
وطاوعت أقواما عدي لي تظاهر ... عليّ بقول الزّور حين أغيب (5)
ويقال في جمع العدو: أعداء، ويقال في جمع الأعداء: أعاد، فالأعادي جمع الجمع، قال المجنون (6):
__________
(1) سورة الأنعام: آية 108.
(2) سورة الكهف: آية 50.
(3) ديوانه 117.
(4) للمجنون، ديوانه 268.
(5) لابن الدمينة، ديوانه 105.
(6) أخل بها ديوانه. والبيتان 1، 2لابن الدمينة في ديوانه 14، 167.(1/161)
أيا بانة الوادي أليس بلية ... من العيش أن تحمى عليّ ظلالك
ويا بانة الوادي قد اكثر بيننا ... الوشاء الأعادي فاعلمي علم ذلك
ألا قد أرى والله حبّك شاملا ... فؤادي وإنّي محصر لا أنالك
ويقال: عادى فلان فلانا معاداة وعداء. ويقال: هو الأسد عاديا على فريسته، قال الشاعر (1):
وقد زعمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معدوّا عليّ وعاديا
وقولهم: ما يدري أيّ طرفيه أطول
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: قال ابن الأعرابي:
طرفاه: لسانه وذكره. وروى سلمة عن الفراء أنه قال: ما يدري أيّ طرفيه أطول، معناه: ما يدري أي أبويه أشرف. قال الشاعر (2):
وكيف بأطرافي إذا ما شتمتني ... وهل بعد شتم الوالدين صلوح
وقولهم: أجنّ الله جباله
قال أبو بكر: قال أبو العباس: في هذا ثلاثة أقوال أحدهن: أن يكون المعنى:
أجنّ الله جباله التي يسكنها، أي: أكثر الله فيها الجنّ. وقال الأصمعي: أجن الله جباله، معناه: أجن الله جبلّته، أي: خليقته، من قول الله عز وجل: {وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} (3)، معناه: والخلق الأولين. يقال للخلق: الجبلّة، والجبلّ، والجبلّ، والجبل، والجبل، والجبل، وقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً} (4)، معناه:
__________
(1) عبد يغوث بن وقاص الحارثي في الكتاب 2/ 382، والمفضليات 158.
(2) عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كما في جمهرة اللغة 2/ 164، وشرح أدب الكاتب 151.
(3) سورة الشعراء: آية 84.
(4) سورة يس: آية 62.(1/162)
خلقا كثيرا، وقال أبو ذؤيب (1):
منايا يقرّبن الحتوف لأهلها ... جهارا ويستمتعن بالأنس الجبل
والقول الثالث: أجن الله جباله: أجن الله سادات قومه الذين يعتزّ بهم ويفاخر، فيكون الجبال: السادات والرؤساء، والعرب تقول: هؤلاء جبال القوم، وأنياب القوم، أي ساداتهم، وقال جميل (2):
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
فأنيابها: سادتها. ومعني رمى الله في عينيها بالقذى: سبحان الله! ما أحسن عينها، من ذلك قولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه، معناه: سبحان الله! ما أشجعه.
ويقال: هوت أمّ فلان ما أرجله، معناه: سبحان الله! ما أرجله، وقالت الكندية ترثي إخوتها:
هوت أمّهم ماذا بهم يوم صرّعوا ... ببيسان من أسباب مجد تصرّما
أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم ... ولم يرتقوا من خشية الموت سلّما
ولو أنّهم فرّوا لكانوا أعزّة ... ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما
ومعنى قول جميل: وفي الغر من أنيابها بالقوادح، أي رمي: الله بالهلاك والفساد في أنياب قومها وساداته، إذ حالوا بينها وبين زيارتي. ويقال: فلان علم من الجبال، إذا كان عزيزا، وعزّ فلان يزحم الجبال. قال مسلم بن الوليد يرثي ذا الرياستين:
ذهلت فلم أمتع عليك بعبرة ... وأكبرت أن ألقى بيومك ناعيا
فلمّا رأينا أنّه لا عج الأسّى ... وأن ليس إلّا الدمع للحزن شافيا
بعثت لك الأنواح فارتج بينها ... نوادب يندبن العلى والمساعيا
أللبأس أم للجود أم لمقاوم ... من العزّ يزحمن الجبال الرواسيا
فلم أر إلّا قبل يومك ضاحكا ... ولم أر إلّا بعد يومك باكيا
__________
(1) ديوان الهذليين 1/ 38.
(2) ديوانه 53. وجميل بن معمر العذري: صاحب بثينة، أموي. (الشعر والشعراء 434، الأغاني 8/ 90، الخزانة 1/ 190).(1/163)
وقولهم: هو يأتيك بالأمر من فصّه
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال قال أبو العباس: معناه: يأتيك بالأمر من مفصله، قال:
يقول: هو فصّ، الفاء فيه مفتوحة وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: يأتيك بالأمر من فصّه، معناه: من مخرجه الذي خرج منه. يقال: قد انفصّ من الشيء وانفصى منه، إذا خرج. قال: ويقال: هو فصّ الخاتم، وفصّ الخاتم، بالفتح والكسر، قال: فالفص المصدر، والفص الاسم، قال: ويقال: سمعت فصّ الجندب، وفصّ الجندب، وفصيص الجندب، وقال: فالفص المصدر، والفص والفصيص اسمان. وفص الجندب: صوته، والجندب: الصغير من الجراد. وقال امرؤ القيس (1) في الفصيص:
يغالين فيها الجزء لولا هواجر ... جنادبها صرعى لهنّ فصيص
والجنادب: جمع الجندب. قال عكرمة في قول الله عز وجل: {فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الطُّوفََانَ وَالْجَرََادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفََادِعَ} (2) القمل: الجنادب، وهي: الصغار من الجراد واحدها: قمّلة. وقال الفراء: يجوز أن يكون واحد القمل: قاملا، فيكون قامل وقمّل، مثل قولهم: راكع وركّع، وصائم وصوّم. وقال غيرهما: يأتيك بالأمر من فصه، معناه: يأتيك بالأمر من مفصله، أخذ من فصوص العظام، وهي: مفاصلها، واحدها فصّ، قال عبد الله بن جعفر أبي طالب (3):
فربّ امرىء تزدريه العيون ... يأتيك بالأمر من فصّه
وقولهم: بين الرجلين ممالحة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معناه: بينهما رضاع، يقال: قد ملحت فلانة لفلان، إذا أرضعت له، من ذلك الحديث الذي يرويه ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أنّ وفد هوازن أتوا النبي صلّى الله عليه وسلم يكلمونه في سبي أو طاس أو حنين، فقال رجل من بني سعد بن بكر: يا محمد لو كنّا ملحنا للحارث بن أبي
__________
(1) ديوانه 182.
(2) سورة الأعراف: آية 133.
(3) شعره: 51. وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: من الطالبيين، طلب الخلافة سنة 127هـ فقتل نحو 129هـ. (مقاتل الطالبيين 161، الكامل في التاريخ 5/ 324).(1/164)
شمر أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا منزلك هذا منا لحفظ ذلك لنا، وأنت خير المكفولين فاحفظ ذلك). وذلك أنّ للنبي صلّى الله عليه وسلم كانت دايته من بني سعد بن بكر.
وقال الأصمعي: يقال: فلان لم يحفظ الملح، إذا لم يحفظ الرضاع، واحتج بقول أبي الطّمحان القيني، وكان له إبل يسقي قوما من ألبانها، فأغاروا عليها، فأخذوها، فقال:
وأني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبرا (1)
معناه: أرجو أن تحفظوا لبنها، وما بسطت من جلودكم، بعد أن كنتم مهازيل، فسمنتم وانبسطت جلودكم بعد تقبض. وقال أبو عبيد: أنشدنا الأصمعي:
جزى الله ربّك ربّ العبا ... دو الملح ما ولدت خالده
وقال: الملح: الرضاع. ورواه غير (2) الأصمعي:
لا يبعد الله ربّ العبا ... د والملح ما ولدت خالده
وقال: الملح: البركة. يقال: اللهم لا تبارك فيه ولا تملّح. وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
لا يبعد الله ربّ العبا ... د والملح ما ولدت خالده
هم المطعمو الضّيف شحم السّنا ... م والقاتلو الليلة البارده
وهم يكسرون صدور الرماح ... ح بالخيل تطرد أو طارده
يذكّرني حسن آلائهم ... تفجّع ثكلانة فاقده
فإن يكن القتل أفناهم ... فللموت ما تلد الوالده (3)
قال أبو العباس: العرب تعظّم الملح، والنار، والرماد. ومن الملح قولهم: ملح فلان على ركبته، فيه قولان: أحدهما أن يكون المعنى: هو مضيّع لحقّ الرضاع، غير
__________
(1) غريب الحديث 2/ 214، والشرح بعده لأبي عبيد. وقال ابن بري في أماليه على الصحاح ق 64ب: (صوابه أغبر بالخفض والقصيدة مخفوضة الروي وأولها:
ألا حنّت المرقال واشتاق ربّها ... تذكر أرماما وأذكر معشري.
(2) هو ابن الأعرابي كما سيأتي. وينظر في رواية الأبيات، ما اتفق لفظه 27واللامات 127.
(3) للحارث بن عمرو الفزاري في مقطعات مراث 106، ولشتيم بن خويلد في الفاخر 11، ولنهيكة بن الحارث المازني في الخزانة 4/ 164، نقلا عن ابن الأعرابي.(1/165)
حافظ له، فأدني شيء ينسيه حقّ الرضاع، كما أن الذي يضع الملح على ركبته أدنى شيء يبدّده. والقول الثاني: أن يكون ملحه على ركبته: هو سيّىء الخلق يغضب من كل شيء، ويصيح من أدنى شيء، كما أنّ الذي يضع ملحه على ركبته يتبدّد من أدنى شيء، قال مسكين (1) الدارمي:
لا تلمها إنّها من أمّة ... ملحها موضوعة فوق الرّكب
كشموس الخيل يبدو شغبها ... كلما قيل لها هاب وهب
والملح يذكر ويؤنث، والتأنيث فيه أكثر
وقولهم: خرج القوم يتنزهون
قال أبو بكر: قال أبو عبيد: أصل التنزه في كلامهم: البعد مما فيه الأدناس، والقرب إلى ما فيه الطهارة، ومن ذلك الحديث الذي يروى: أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة: (إنّ الأردن أرض غمقة، وإنّ الجابية أرض نزهة، فاظهر بمن معك من المسلمين إليها). يريد بالغمقة: التي فيها الوباء والندى، وأراد بالنزهة:
البعيدة من ذلك. ومن ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان يصلي في الليل، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة سأل، وإذا مر بآية فيها ذكر النار تعوّذ، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله سبّح» (2). فالتنزيه: هو تطهير الله من الأولاد والشركاء. قال أبو عبيدة: ثم كثر استعمال العرب هذا حتى جعلوا التنزه: الخروج إلى البساتين والخضر، والأصل ذاك.
وقولهم: قد رحّب فلان بفلان وبشّ به
قال أبو بكر: معنى بش به: سرّ به وفرح وانبسط إليه، أنشدنا أبو العباس عن
__________
(1) ديوانه 23. ومسكين: هو ربيعة بن عامر، ت 89هـ. (الشعر والشعراء 544اللآلئ 186، الخزانة 1/ 467).
(2) غريب الحديث 3/ 80، الفائق 3/ 420.(1/166)
ابن الأعرابي:
ألم تعلمي أنّا نبشّ إذا دنت ... بأهلك منّا نيّة وحمول
كما بشّ بالإبصار أعمى أصابه ... من الله جلّى نعمة وفضول
فمعناه: نسرّ ونفرح. ويقال: تبشبش فلان بفلان، إذا سرّ به وانبسط إليه.
ومن ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يوطن المساجد للصلاة والذّكر رجل، إلا تبشبش الله به من حين يخرج من منزله، كما يتبشبش أهل البيت بغائبهم إذا قدم عليهم» (1). والأصل في تبشبش: تبشّش، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث شينات، فأبدلوا من الثانية باء، وهو مأخوذ من البشاشة، وهي: الانبساط والسرور.
قال الشاعر:
قد أسمع القول الذي كاد كلّما ... تذكرنيه النفس قلبي يصدّع
فأبدي لمن أبداه مني بشاشة ... كأني مسرور بما منه أسمع
وما ذاك عن عجب به غير أنني ... أرى أن ترك الشرّ للشرّ أقطع (2)
هو بمنزلة قولهم: قد تململ الرجل على فراشه، معناه: قد تملّل، من الملّة، أي:
كأنه على ملّة، والملّة: موضع الخبز من الرماد والنار. وكذلك قولهم: قد حثحثت الرجل، الأصل فيه: حثّثته، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث ثاءات، فأبدلوا من الثانية حاء.
وكذلك قوهم: قد كفكفت فلانا عن كذا وكذا، الأصل فيه قد كفّفت. قال الشاعر (3):
ألم ترني سكّنت إلى لإلكم ... وكفكفت عنكم أكلبي وهي عقّر
ويقال: بثبثت الرجل، إذا كشفته، وكذلك: بثبثت الشيء المغطى، من ذلك الحديث الذي يروى عن عبد الله بن مسعود: (أنه ذكر بني إسرائيل وتغييرهم وتحريفهم، وذكر عالما كان فيهم عرضوا عليه كتابا اختلقوه على الله فأخذ ورقة فيها كتاب الله، فعلّقها في عنقه، ولبس عليها ثيابا، فلما قالوا له: تؤمن بهذا
__________
(1) الفائق 1/ 109.
(2) الأبيات بلا عزو في بهجة المجلس 604.
(3) أبو زبيد الطائي، شعره: 67.(1/167)
الكتاب؟ أومأ إلى صدره فقال: آمنت بهذا، فلما مات بثبثوه، فوجدوا الورقة فقالوا:
إنما عني هذا) فالأصل في بثبثوه بثّثوه، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث ثاءات، فأبدلوا من الثانية باء. وهو مأخوذ من بثثت الحديث، إذا أفشيته وأظهرته. ومثله: كفكفت فلانا عن كذا وكذا، الأصل فيه: كفّفته، لأنه مأخوذ من كففت عن الأمر، قال متمّم بن نويرة (1):
ولكنني أمضي على ذاك مقدما ... إذا بعض من يلقى الخطوب تكعكعا
وكذلك قولهم: تحلل الرجل، إذا ذهب ومضى، والأصل فيه: تحلّل، وقال الشاعر وهو ابن مقبل (2):
أناس إذا قيل انفروا قد أتيتم ... أقاموا على أثقالهم وتحلحلوا
ويقال: قد تلحلح الرجل، إذا قام وثبت، الأصل فيه: تلحّح، لأنه مأخوذ من ألحّ يلحّ. من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أن ناقته أنيخت على باب أبي أيوب، والنبي صلّى الله عليه وسلم واضع زمامها، ثم تلحلحت وأرزمت (3)». فمعنى تلحلحت: أقامت وثبتت، ومعنى أرزمت: صوّتت، والاسم الرّزمة: وهو صوت دون الحنين لا تفتح به فاها. ويقال: سماء رزمة، إذا كانت مصوّتة بالرعد. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا ابن الأعرابي (4):
يا عمرو يا خير فتى ... نازعت درّ الحلمه
وخير من أوقد للأ ... ضياف نارا زهمه
__________
(1) شعره: 114.
(2) البيت في ديوانه 34وروايته:
بحيّ إذا قيل اظعنوا قد أتيتم ... أقاموا على أثقالهم وتلحلحوا.
(3) الفائق 3/ 309.
(4) الأبيات لأخت سعد بن قرظ العبدي في أشعار النساء للمرزباني ق 35ب. ونسبها البكري في اللآلئ 288إلى سالم بن دارة. وهي بلا عزو في المجتني 109/، وأمالي القالي 1/ 63، وزهمة: دسمة لكثرة الشيء عليها. أضمة: غضبى. العسير: الناقة التي لم ترض. الجرجار:
نبات طيب الريح، وكذا الينمة. (ينظر معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس 34، 161).(1/168)
يا قائد الخيل إذا ال ... خيل تعادي أضمه
سيفك لا يشقى به ... إلّا العسير السّنيمه
جاد على قبرك غي ... ث من سماء رزمه
ينبت نورا أرجا ... جرجاره والينمه
وقولهم: قد وقعوا في البلابل
قال أبو بكر: البلابل معناه في كلامهم: الوساوس. قال النجاشي (1):
لقد جعل الليل الطويل لنأيها ... عليّ بروعات الهوى يتطاول
إذا ما اعترتني لوعة زاد ذكرها ... تجدّد وصل فاعترتني البلابل
معناها: فاعترتني الوساوس.
وقولهم: أرغم الله أنفه
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الرّغم: كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه ويذلّه.
والرغم أيضا: المساءة والغضب. ويقال: قد فعلت كذا وكذا على رغم فلان، معناه:
على غضبه ومساءته. قال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس للمسيّب بن علس (2):
تبيت الملوك على رغمها ... وشيبان إن غضبت تعتب
وكالمسك ريح مقاماتهم ... وريح قبورهم أطيب
وقال آخر (3):
ما ذنبنا في أن غزا ملك ... من آل جفنة حازم مرغم
__________
(1) أخل بهما شعره. والنجاشي: هو قيس بن عمرو، مخضرم. (الشعر والشعراء 328، اللآلي 890، الخزانة 2/ 105).
(2) الصبح المنير 350. والمسيب هو: خال الأعشى، واسمه زهير. (الشعر والشعراء 174، الخزانة 1/ 545).
(3) المرقش الأكبر، شعره: 886.(1/169)
وقال ابن الأعرابي وأبو عمرو: معنى أرغم الله أنفه: عفّره الله بالرّغام، والرغام:
تراب يختلط فيه رمل. ومن ذلك الحديث الذي يروى عن عائشة في المرأة تتوضّأ وعليها خضابها، فقالت: (اسلتيه وأرغميه (1)). فمعناه: ألقيه في الرغام، وهو التراب في رمل. قال لبيد (2):
كأنّ هجانها متأبّضات ... وفي الأقران أصورة الرّغام
قولهم: جئ به من حسّك وبسّك
قال أبو بكر: فيه قولان قال الأصمعي: معناه: جيء به من حيث كان ولم يكن. وقال غير الأصمعي: معناه: جيء به من حيث تدركه حاسة من حواسك، أو يدركه تصرف من تصرفك. قال: والحسّ في غير هذا: القتل. من ذلك قول الله عز وجل: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (3) إذ تقتلونهم. يقال: قد حسّهم الأمير يحسهم حسّا، إذا قتلهم. قال الشاعر (4):
نحسّهم بالبيض حتى كأنّما ... نقلّق منهم بالجماجم حنظلا
وقال الراجز (5):
إن تلق قيسا أو تلاق عبسا ... تحسّهم بالمشرفي حسّا
ويقال: أحسست الشيء أحسّه إحساسا، إذا وجدته، قال الله عز وجل: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} (6)، معناه: هل تجد منهم من أحد، قال الأسود بن يعفر (7):
نام الخليّ وما أحسّ رقادي ... والهمّ محتضر لديّ وسادي
__________
(1) غريب الحديث 4/ 326.
(2) ديوانه 202. ومتأبضات مشدودة بالأباض، وهو: حبل يشد في اليد. والأقران: الحبال. وفي الديوان رواية أخرى هي: الرغام.
(3) سورة آل عمران: آية 152.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة مريم: آية 98.
(7) ديوانه 25. والأسود: هو أعشى بني نهشل.(1/170)
قال أبو بكر: قال الفراء: يقال: هل أحسست صاحبك، بمعنى: هل وجدته.
ويقال: حسست الشيء إذا علمته وعرضته، قال أبو زبيد (1):
خلا أنّ العتاق من المطايا ... حسين به فهنّ إليه شوس
الحسّ أيضا: الرقة والعطف، ويقال: قد حسّ يحسّ حسّا، إذارقّ وعطف. قال الكميت (2):
هل من بكى الدّار راج أن تحسّ له ... أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل
والحسّ بكسر الحاء والحسيس: الصوت، قال الله عز وجل: {لََا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهََا} (3)، معناه: لا يسمعون صوتها.
وقولهم: فلان نسيج وحده
قال أبو بكر: معناه فلان أوحد في معناه ليس له ثان، كأنّه ثوب نسج على حدته، لم ينسج معه غيره، قال الراجز (4):
قال أبو ليلى مدّه ... حتى إذا مددته فشدّه
إن أبا ليلى نسيج وحده
وقال الآخر (5):
جاءت به معتجرا ببرده ... سفواء تردي بنسيج وحده
ووحده: منصوب في جميع كلام العرب، إلّا في ثلاثة مواضع: نسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده، وهو في غير هذه المواضع منصوب، كقولهم: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وكقولهم: مررت بزيد وحده وبالقوم وحدهم. قال أبو بكر: وفي نصب وحده ثلاثة أقوال قال جماعة من البصريين: هو منصوب على الحال. وقال يونس: وحده عندهم بمنزلة عنده. وقال هشام: وحده هو منصوب
__________
(1) شعره: 96. والشوس: جمع شوساء، وهي: التي تنظر بمؤخر عينها.
(2) شعره: 2/ 12.
(3) سورة الأنبياء: آية 201.
(4) ك: قال الشاعر، وهو الراجز ولم أقف عليه.
(5) دكين بن رجاء، كما في اللسان والتاج (عجر). ونسب إلى ابن ميادة، ينظر شعره: 111.(1/171)
على المصدر، وقال: حكى الأصمعي: وحد يحد، قال، فيقول: زيد وحده، فينصب وحده على المصدر، والفعل الذي صدر منه: وحد يحد. وقال الفراء وهشام: نسيج وحده، وعيير وحده، وواحد أمّه: نكرات، الدليل على هذا: أنّ العرب تقول: ربّ نسيج وحده قد رأيت، وربّ واحد أمّه قد أسرت، واحتج هشام بقول حاتم (1):
أماويّ إني ربّ واحد أمّه ... أخذت فلا قتل عليه ولا أسر
وجحيش وحده، وعيير وحده: ذمّ يراد بهما: رجل نفسه.
وقولهم: ما به قلبة
قال أبو بكر: فيه أقوال قال الطائي: معناه: ما به شيء يقلقه، فيتقلب من أجله على فراشه لحزنه وغمه. قال النمر بن تولب (2):
أودى الشباب وحبّ الخالة الخلبه ... وقد برئت فما في الصدر من قلبه
الخلبة: جمع خالب، وهم: الشباب الذين يخلبون النساء أي: يذهبون بقلوبهن. والخالة: جمع خائل، والخائل: الذي يختال في مشيته، والخال: الخيلاء. قال الجعدي (3):
فإن كنت سيّدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل
وقال الفراء: ما به قلبه معناه: ما به وجع يخاف عليه منه، وهو مأخوذ من قولهم: قد قلب الرجل: إذا أصابه وجع في قلبه، وهو لا يكاد يفلت منه. وقال الأصمعي: أصل القلبة في الدواب، يقال: ما بالفرس قلبة: أي: ما به وجع يقلب حافره من أجله، قال الراجز (4):
__________
(1) ديوانه 212.
(2) شعره: 37. والنمر شاعر مخضرم، ت نحو 14هـ. (المعمرون 79، الشعر والشعراء 309، الإصابة 6/ 470).
(3) شعره: 101.
(4) حميد الأرقط، كما في أمثال أبي عكرمة 46، والصحاح (قلب). وأرضها: قوائمها.
وجبار: أثر.(1/172)
ولم يقلّب أرضها البيطار ... ولا لحبليه بها جبار
وقال الأصمعي: ما به قلبة، معناه: ما به داء، قال: وهو مأخوذ من القلاب، وهو داء يصيب الإبل في رؤوسها، فيقلبها إلى فوق.
وقولهم: مرحبا وأهلا وسهلا
قال أبو بكر: قال الأصمعي: المعنى: لقيت رحبا، أي لقيت سعة، ولقيت أهلا كأهلك، ولقيت سهلا: أي: سهلت عليك أمورك. وقال الفراء: مرحبا وأهلا:
منصوب على المصدر، وفيه معنى الدعاء، كأنه قال: رحّب الله بك مرحبا، وأهّلك أهلا، وأنشد الفراء:
فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مقيل صالح وصديق (1)
والرّحب والرّحب: السّعة، وإنما سميت الرحبة رحبة: لا تساعها. قال أبو الأسود الدؤلي:
إذا جئت بوّابا له قال مرحبا ... ألا مرحب واديك غير مضيق
وقال طفيل الغنوي (2):
وبالسّهب ميمون الخليقة قوله ... لملتمس المعروف أهل ومرحب
رفع الأهل بالقول، والقول بالأهل، وجعل المرحب نسقا على الأهل.
وقال الآخر:
فآب بصالح ما يبتغي ... وقلت له ادخل ففي المرحب (3)
وقولهم للذي يقدم من الحجّ: مبرورا مأجورا
قال أبو بكر: فيه وجهان: مبرورا مأجورا، بالنصب على الدعاء، أي جعلك
__________
(1) لعمرو بن الأهتم في المفضليات 126. وروايته: فهذا صبوح راهن. وفي الحماسة البصرية 2/ 237: فهذا مبيت.
(2) ديوانه 38. والسّهب: اسم موضع. وطفيل بن عوف: شاعر جاهلي، لقب بطفيل الخيل لكثرة وصفه لها. (الشعر والشعراء 453، الأغاني 15/ 49، اللآلئ 210).
(3) من دون عزو في الأضداد 258.(1/173)
الله مبرورا مأجورا. والوجه الآخر: أن ينصب على الحال فيكون المعنى: قدمت مبرورا مأجورا. وأجاز النحويون: مبرور مأجور بالرفع، على معنى: أنت مبرور مأجور.
وقولهم: قد هزم القوم
قال أبو بكر: قال يعقوب بن السكيت: معناه قد فرّق القوم وكسروا، قال:
والهزيمة: تفرّق القوم وتكسّرهم، قال: مأخوذ من قول العرب: تهزّمت القربة والأداوة، إذا تكسّرتا من يبس، وأنشد لجرير (1):
عرفت ببرقة الوداء رسما ... محيلا طاب عهدك من رسوم
سقى الرّسم المحيل بذي العلندى ... مساجح كلّ مرتجز هزيم
فالهزيم: السحاب النشق بالمطر، وكذلك هزيمة القوم: تشققهم وتكسرهم.
قال مهدي بن الملوح:
ولا زال من نوء السّماك عليكما ... أجشّ هزيم دائم الوكفان (2)
وقولهم: أنت في حرج
قال أبو بكر: معناه: أنت في ضيق من دينك، من ذلك قول الله عز وجل:
{فَلََا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} (3). وقال الفراء: معناه: فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيبهم. ويقال: الحرج: الشكّ، أي: لا يكن في صدرك شكّ من القرآن، ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} (4)، معناه: شديد الضيق. ويقال حرجا: شاكّا. قال كعب بن مالك الأنصاري (5)
فتكون عند المجرمين بزعمهم ... حرجا ويفقهها ذوو الألباب
__________
(1) أخل ديوانه بالبيت الأول، والثاني في ديوانه 453مع خلاف في الرواية.
(2) البيت في ديوان المجنون 272، وروايته: هزيم الودق بالهطلان.
(3) سورة الأعراف: آية 2.
(4) سورة الأنعام: آية 125.
(5) ديوانه 181.(1/174)
وقال عمران بن حطان (1):
وكذاك دين غير دين محمد ... في أهله حرج وضيق صدور
وروى أبو الاشعث: ولكلّ دين.
وقولهم: حلف بالسماء والطارق
قال أبو بكر: قال أبو عمرو الشيباني: السماء: السماء المعروفة، والطارق:
النجم، وإنما سمي النجم طارقا لأنه يطلع بالليل، ولا يكون الطروق إلّا بالليل، واحتج أبو عمرو بقول جرير (2):
طرق الخيال لأمّ حزرة موهنا ... ولحبّ بالطيف الملمّ خيالا
وقالت هند بنت عتبة بن ربيعة (3) يوم أحد:
نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق
المسك في المفارق ... والدّرّ في المخانق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
قال أبو عمرو: فمعنى قولها: نحن بنات طارق: نحن بنات النجم شرفا.
وقال الأصمعي: معنى قولهم: حلف بالسماء: حلف بالمطر، قال: والسماء عندهم: المطر، واحتج بقول النابغة (4):
كالأقحوان غداة غبّ سمائه ... جفّت أعاليه وأسفله ندي
وقال الراجز (5):
__________
(1) شعر الخوارج 172نقلا عن الزاهر.
(2) ديوانه 50.
(3) سيرة ابن هشام 2/ 68، المنجد في اللغة 250. وهند هي: أم معاوية بن أبي سفيان، ت 14هـ. (مجمع الزوائد 9/ 264، الإصابة 8/ 55، الخزانة 1/ 556).
(4) ديوانه 37. وغب سمائه: مطره يوم ويوم.
(5) العجاج، ديوانه 318مع اختلاف في الرواية. والقري: المسيل، والضحضاح: الرقيق.(1/175)
ماء سماء مدّه قريّ ... غبّ سماء فهو ضحضاحيّ
وقال الله عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا السَّمََاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرََاراً} (1)، معناه: وأرسلنا المطر عليهم، وقال زهير (2):
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
فذو هاش فميث عريتنات ... عفتها الرّيح بعدك والسماء
وقال حسان بن ثابت (3):
عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفّيها الرّوامس والسماء
وقال غيرهما: حلف بالسماء، معناه: حلف بربّ السماء. وكذلك قال المفسرون في قول الله عز وجل: {وَالسَّمََاءَ} * (4)، {وَاللَّيْلِ} * (5)، {وَالضُّحى ََ} (6)، {وَالْفَجْرِ} (7)، {وَالنَّجْمِ} * (8)، {وَالطُّورِ} (9). معناه: ورب الليل ورب الفجر، ورب الطور. وقال الفراء وقطرب: إنما أقسم الله عز وجل بهذه الأشياء ليعجّب منها المخلوقين، ويعرّفهم قدرته فيها، لعظم شأنها عندهم، ولدلالتها على خالقها.
وقولهم: قد انتخب من القوم رجل وهذا نخبة المتاع
قال أبو بكر: قال يعقوب بن السكيت: معنى انتخبت: انتزعت، والنخبة:
المنتزعة من المتاع وغيره المنتقاة. قال: ومن ذلك قولهم للجبان: منخوب، ونخيب،
__________
(1) سورة الأنعام: آية 6.
(2) ديوانه 56.
(3) ديوانه 71.
(4) سورة البروج: آية 1، سورة الطارق: الآيتان 1و 11، سورة الشمس: آية 5.
(5) سورة المدثر: آية 33، سورة التكوير: آية 17.
(6) سورة الضحى: آية 1.
(7) سورة الفجر: آية 1.
(8) سورة النجم: آية 1.
(9) سورة الطور: آية 1.(1/176)
ومنتخب، معناه: منتزع الفؤاد. قال: ويقال للجبان: نخبة بتسكين الخاء، وللجبناء:
نخبات، واحتج بقول جرير (1) يهجو الفرزدق:
ألم أخص الفرزدق قد علمتم ... فأمسي لا يكشّ مع القروم
لهم مرّ وللنخبات مرّ ... فقد رجعوا بغير شظى سليم
وقولهم: فلان غريم فلان
قال أبو بكر: قال الفراء: إنما سمي الغريم غريما لإدامته التقاضي، وإلحاحه فيه، من ذلك قول الله عز وجل: {إِنَّ عَذََابَهََا كََانَ غَرََاماً} (2)، معناه: ملحا دائما، ومن ذلك قوله عز وجل: {إِنََّا لَمُغْرَمُونَ} (3)، ومن ذلك قولهم: فلان مغرم بفلان، إذا كان يحبه ويلازمه. قال الأعشى (4):
إن يعاقب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنّه لا يبالي
وقال بشربن أبي خازم (5):
ويوم النّسار ويوم الجفا ... ر كان عذابا وكان غراما
وقال حاتم (6) بن عبد الله الطائي:
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
معناه: بهلاك. وقال الآخر (7):
تنشّب حبّها في القلب حتى ... حسبت الله جاعله غراما
__________
(1) أخل بهما ديوانه، وهما له في اللسان (نخب).
(2) سورة الفرقان: آية 65.
(3) سورة الواقعة: آية 66.
(4) ديوانه 9.
(5) ديوانه 109.
(6) ديوانه 288.
(7) لم أقف عليه.(1/177)
وقولهم: ضرب فلان على فلان ساية
قال أبو بكر: فيه قولان قال اليمامي: الساية: الفعلة من السوء، أصلها:
سأية، فترك همزها، والمعنى: فعل به ما يؤدي إلى مكروهه والإساءة به، وهذا ضعيف من جهة النحو، لأنّ فعلة من السوء: سوءة وليست سأية. وقال غيره: ضرب فلان على فلان ساية، معناه: جعل لما يريد أن يفعله به طريقا، فالساية: فعلة من سوّيت، كان الأصل فيها: سوية، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن، جعلوهما ياء مشددة، ثم استثقلوا التشديد، فأتبعوه ما قبله فقالوا: ساية، كما قالوا: دينار، وديوان، وقيراط، والأصل فيهن: دنّار ودوّان، وقرّاط، فاستثقلوا التشديد، فأتبعوه الكسرة التي قبله. الدليل على هذا: أنهم يقولون في الجمع: دنانير، ودواوين، وقراريط، ولا يقولون: دياوين، ولا ديانير.
وكذلك الآية، قال الفراء: وزنها من الفعل: فعلة، أصلها: أيّة، فاستثقلوا التشديد، فأتبعوه الفتحة التي قبله. وقال الخليل وأصحابه: آية وزنها من الفعل: فعلة، أصلها: أيية، فجعلت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وقال الكسائي: آية وزنها من الفعل: فاعلة، الأصل فيها: آيية على وزن: ضاربة، فكان يلزم الياءين الإدغام، فتصير: آيّة على وزن: دابّة وخاصّة، فاستثقلوا هذا، فحذفوا إحدى الياءين.
وقولهم: لا يزايل سوادي بياضك
قال أبو بكر: قال الأصمعي وغيره: معناه لا يزايل شخصي شخصك. السواد عند العرب: الشخص، وكذلك البياض. قال حسان بن ثابت (1):
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
معناه: لا يسألون عن الشخص. وأنشد الأصمعي لراجز يصف دلوا:
تملئي ما شئت ثم صبّي ... إلى سواد نازح مكبّ
والسّواد بكسر السين، والسّواد بضم السين عند العرب: السّرار، يقال:
ساودت الرجل أساوده مساودة وسوادا، فالسواد بكسر السين المصدر، وبضمها
__________
(1) ديوانه 123.(1/178)
الاسم، وهو بمنزلة الجوار والجوار، فالجوار: مصدر جاورته مجاورة وجوارا، والجوار بضم الجيم الاسم. قال الشاعر:
من يكن في السّواد والدّد والإع ... رام زيرا فإنني غير زير (1)
الزير: الذي يحب مجالسة النساء. والدد: اللهو واللعب، وفيه ثلاث لغات: دد على وزن: دم ويد، وددا على وزن رحى وعصا، وددن على وزن: حزن، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أنا من دد ولا الدّد مني» (2).
وقال الأعشى (3):
ترحل من ليلى ولما تزوّد ... وكنت كمن قضّى اللّبانة من دد
وقال عدي بن زيد (4):
أيّها القلب تعلّل بددن ... إنّ همّي في سماع وأذن
وأنشد يعقوب بن السكيت:
ما لدد ما لدد ماله ... يبكي وقد نعّمت ما باله (5)
معناه: ما للهو يبكي لعزوفي عنه وتركي إياه، وقد نعّمت باله، أي:
استعملته زمانا، وما (ما) صلة. ومن السّواد حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه قال لابن مسعود: أذنك، على أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي، حتى أنهاك» (6). وقيل لابنة الخسّ: لم زنيت وأنت سيّدة قومك؟ فقالت: قرب الوساد، وطول السّواد.
معناه: وطول المساودة، أي المسارّة، أي السر.
__________
(1) بلا عزو في اللسان (سود).
(2) غريب الحديث 1/ 40، الفائق 1/ 420.
(3) ديوانه 131.
(4) ديوانه 172.
(5) لعمرو بن سلمة بن ذهل التيمي كما في: من اسمه عمرو من الشعراء 739، وبلا عزو في الكامل 318.
(6) غريب الحديث 1/ 39.(1/179)
وقولهم: قد تناوش القوم
قال أبو بكر: معناه: قد تناول بعضهم بعضا في القتال، أخذ من قولهم: قد نشت أنوش نوشا: إذا تناولت، قال الله عز وجل: {وَأَنََّى لَهُمُ التَّنََاوُشُ مِنْ مَكََانٍ بَعِيدٍ} (1)، أي: وأنى لهم التناول، أي: تناول التوبة. أنشد الفراء:
فهي تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجواز الفلا (2)
وقال الآخر (3):
كغزلان خذلن بذات ضال ... تنوش الدانيات من الغصون
معناه: تناول. وقال الآخر:
فما ظبية ترعى برير أراكة ... تنوش وتعطو باليدين غصونها (4)
ويقال: نأشت أنأش نأشا، أي: تأخّرت، من ذلك قراءة القراء: {وَأَنََّى لَهُمُ التَّنََاوُشُ مِنْ مَكََانٍ بَعِيدٍ}، قال الفراء: التناؤش: التأخر، وأنشد:
تمنى نئيشا أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور (5)
وقال الفراء: يجوز أن يكون التناؤش بالهمز: التناول، فيكون الأصل فيه: التناوش، فلما انضمت الواو همزت، كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (6)، فالأصل فيه: وقّتت، لأنّه فعّلت من الوقت، فلما انضمت الواو همزت، وكما قالوا: هذه أجوه حسان. فالأصل فيه: وجوه، فلما انضمت الواو همزت. وروى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس، أنه سئل عن قول الله عز وجل:
{أَنََّى لَهُمُ التَّنََاوُشُ} فقال: هو الرجوع، وأنشد:
__________
(1) سورة سبأ: آية 52.
(2) لغيلان بن حريث، وقيل لأبي النجم (اللسان: نوش، علا). أجواز: أوساط.
(3) المثقب العبدي، ديوانه 31 (بغداد) 154 (مصر). وخذلن: نافرن.
(4) بلا عزو في الفاخر 34.
(5) لنهشل بن حري، شعره: 114.
(6) سورة المرسلات: آية 11.(1/180)
تمنّى أن تؤوب إليك ميّ ... وليس إلى تناوشها سبيل (1)
فمعناه: إلى رجوعها.
وقولهم: قد توسّمت فيه الخير
قال أبو بكر: فيه قولان أحدهما: أن يكون المعنى: قد رأيت فيه أثر الخير وعلامة الخير، وإنما سميت السّمة سمة لأنها أثر في الموضع. والقول الآخر: أن يكون معنى توسمت فيه الخير: رأيت فيه حسن الخير، فيكون مأخوذا من الوسامة، وهي الحسن. يقال: رجل وسيم قسيم، إذا كان حسنا، ومن ذلك قول الله عز وجل:
{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} (2)، فيها ثلاثة أقوال قال مجاهد: المسومة: المطهّمة الحسان.
ويقال: المسومة: المعلمة بالسيما. قال كعب بن مالك يمدح النبي صلّى الله عليه وسلم:
أمين محبّ في العباد مسوّم ... بخاتم رب قاهر للخواتم
ويقال: المسومة: المرعيّة، يقال: أسمت الإبل وسامت هي، قال الله عز وجل {فِيهِ تُسِيمُونَ} (3)، وأنشد أبو عبيدة:
وأسكن ما سكنت ببطن واد ... وأظعن إن ظعنت فلا أسيم (4)
وقولهم: وجميل بلائه عندك
قال أبو بكر: معناه: وجميل نعمه عندك. والبلاء ينقسم على أربعة أقسام:
يكون البلاء: من البليّة. ويكون البلاء: النعم. قال الله عز وجل {وَفِي ذََلِكُمْ بَلََاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} * (5)، فيه قولان أحدهما: أن يكون المعنى: فيما صنع بكم من
__________
(1) بلا عزو في القرطبي 14/ 316.
(2) سورة آل عمران: آية 14.
(3) سورة النحل: آية 10.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة البقرة: آية 49. وفي تفسير مقاتل 1/ 35: (البلاء): أي النقمة.(1/181)
إنجائه إيّاكم من فرعون وقومه، وهم يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم، بلاء عظيم، أي: نعمة عظيمة. والقول الآخر: أن يكون البلاء: من البليّة، ويكون المعنى:
فيما كان يصنع بكم فرعون من إيذائه إياكم، بلية عظيمة. قال الشاعر:
فما من بلاء صالح أو تكرّم ... ولا سؤدد إلّا له عندنا أصل (1)
ويكون البلاء: الاختبار. قال الله عز وجل {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} * (2)، معناه:
ولنختبرنكم، وقال عز وجل: {وَبَلَوْنََاهُمْ بِالْحَسَنََاتِ وَالسَّيِّئََاتِ} (3)، فمعناه:
اختبرناهم بالخصب والجدب. وقال: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ} (4)، معناه: يوم تختبر السرائر. وقال زهير (5):
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
معناه: فأختبرهما. وقال أبو الأسود الدؤلي (6):
أريت أمرا كنت لم أبله ... أتاني فقال: اتخذني خليلا
معناه: لم أختبره. وقال الأحنف بن قيس (7): البلاء ثم الثناء، معناه: النعم والإحسان ثم يقع الثناء بعدهما. ويكون البلاء مصدر بلى الثوب يبلى بلى وبلاء.
وقال الراجز (8):
والمرء يبليه بلاء السّربال ... مرّ الليالي وانتقال الأحوال
وقال الآخر (9):
__________
(1) بلا عزو في شرح القصائد السبع 476.
(2) سورة البقرة: آية 155، سورة محمد: آية 31.
(3) سورة الأعراف: 168.
(4) سورة الطارق: آية 9.
(5) ديوانه 109.
(6) ديوانه 38.
(7) سيد تميم وأحد الدهاة الفصحاء، توفى 72هـ. (طبقات ابن سعد 7/ 66، أخبار أصبهان 1/ 224).
(8) العجاج، ديوانه 86 (لا يبزّك)، وقد أخل بهما ديوانه بتحقيق عزة حسن.
(9) المقصور والممدود للقالي 165بلا عزو. والثاني بلا عزو في البيان والتبيين 3/ 176، وأنساب الأشراف 5/ 352وللربيع بن ضبيع بيت فيه عجز الأول (حلية المحاضرة 1/ 59).(1/182)
وكلّ جديد يا أميم إلى بلى ... وكلّ امرىء إلّا أحاديثه فان
وكلّ جديد يا أميم إلى بلى ... وكل امرئ يوما يصير إلى كان
ويقال: قد بلّى فلان الثوب يبلّيه تبلية، قال الشاعر (1)
ولا بلّى جديك كابتذال ... فما سلّى حبيبك مثل نأي
فأكثر دونه عدد الليالي ... إذا ما شئت أن تسلي حبيبا
وقولهم: لكلّ ساقطة لا قطة
قال أبو بكر: معناه: لكل كلمة ساقطة، أي: يسقط بها الإنسان، لاقط لها، أي: متحفّظ لها، فكان يجب أن يقال: لكل ساقطة لاقط، أي لكل كلمة خطأ تحفظ لها، فأدخلت الهاء في لاقطة لتزدوج الكلمة الثانية مع الأولى كما قالوا: إن فلانا ليأتينا بالغدايا والغشايا، فجمعوا غداة: غدايا، ليزدوج مع العشايا. وقال الفراء:
العرب تدخل الهاء في نعت المذكر في المدح والذم، فمن المدح قولهم: رجل راوية وعلّامة ونسّابة، وأما الذم فقولهم للأحمق: رجل فقّاقة وهلباجة وجخّابة، قال: وإنما أدخلوها في المدح لأنهم ذهبوا في المبالغة في المدح إلى معنى الداهية، وأدخلوها في الذم لأنهم بالغوا فيه فذهبوا إلى معنى البهيمة. ولم يقل هذا غير الفراء ومن أخذ بقوله.
وقولهم: قد خجل الرجل
قال أبو بكر: قال أبو عمرو (2): أصل الخجل في اللغة: الكسل، والتواني، وقلة الحركة في طلب الرزق، ثم كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه إلى معنى: الانقطاع عن الكلام والحصر، قال النبي صلّى الله عليه وسلم للنساء: «إنّكنّ إذا جعتنّ دقعتنّ، وإذا شبعتنّ خجلتن» (3). ففي معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلم غير قول، أحدهن: أن المعنى: إذا جعتن خضعتن وذللتن، فيكون الدقع: الذل وشدة الفقر، من قولهم: ألصقه بالّدّقعاء، أي
__________
(1) والبيتان لزهير بن جندب بن دهبل في المؤتلف والمختلف 191.
(2) الجيم 1/ 227.
(3) غريب الحديث 1/ 119.(1/183)
بالتراب، وفي هذا نهاية الخضوع. ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «وإذا شبعتن خجلتن» كسلتن وتوانيتن. ويقال: الخجل معناه في اللغة: أن يبقى الإنسان متحيرا دهشا باهتا. قال الكميت (1):
ولم يدقعوا عندما نابهم ... لوقع الحروب لم يخجلوا
فمعنى لم يدقعوا: لم يذلّوا ولم يخضعوا، ومعنى لم يخجلوا: لم يبقوا باهتين متحيرين دهشين، ولكنهم أخذوا للحرب أهبتها وجدّوا فيها. وقال أبو عبيد: معنى الخجل في حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: الأشر والبطر. وقال ابن الاعرابي: الدقع: سوء احتمال الفقر، والخجل: سوء احتمال الغنى.
وقولهم: ما يعرف هرّا من برّ
قال أبو بكر: قال الفزاري: الهرّ: العقوق، والبرّ: اللطف، والمعنى: ما يعرف برّا من عقوق. وقال خالد بن كلثوم: الهرّ: السنّور، والبرّ: الجرذ. وقال ابن الأعرابي: ما يعرف هرا من بر، معناه: ما يعرف هارا من بارا، لو كتبت له. وقال أبو عبيدة: ما يعرف هرا من بر، معناه: ما يعرف الهرهرة من البربرة، والهرهرة: صوت الضأن، والبربرة: صوت المعز.
وقولهم: قد تريش الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد صار إلى معاش ومال. قال الله عز وجل: {قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً يُوََارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ} (2)، والرياش في قول بعض المفسرين: المال، وكذلك الريش. قال رؤبة (3):
إليك أشكو شدّة المعيش ... وجهد أعوام نتفن ريشي
نتف الحبارى عن قرا رهيش
__________
(1) شعره: 2/ 7.
(2) سورة الأعراف: آية 26.
(3) ديوانه 7978.(1/184)
فمعنى قوله: نتفن ريشي: أذهبن مالي، والقرا: الظهر، والرهيش: النجيب.
وقال الآخر (1):
فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
ويقال: قد رشت فلانا أريّشه ريشا: إذا أعطيته مالا، أو أنلته خيرا. أنشد الفراء:
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي ... كناحت يوما صخرة بعسيل (2)
العسيل: الذي يمسح العطار به المسك. وقال معبد الجهني: {قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً يُوََارِي سَوْآتِكُمْ}: اللباس: الثياب، والرياش: المعاش، ولباس التقوى: الحياء، ويقال: الريش: ما ستر الإنسان وواراه، يروى عن على بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنه اشترى قميصا بثلاثة دراهم وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه) معناه: من ستره. وقال مطرّف بن عبد الله: لا تنظروا إلى خفض عيشهم، ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم. فمعناه: إلى لين ثيابهم. وقال أبو عبيدة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس والشارة، وقال أيضا: يقال: أعطاني رجلا بريشه، أي: بكسوته. وقرأت العوام: وريشا. وقرأ الحسن: ورياشا. وروى الأصمعي عن عيسى بن عمر: أنه قال: الريش والرياش واحد، معناهما واحد، قال: وهما بمنزلة الدبغ والدباغ، واللبس واللباس، والحل والحلال، والحرم والحرام. وقال الفراء: في الرياش وجهان، أحدهما: أن يكون جمعا للريش. والوجه الثاني: أن يكون معناه كمعنى الريش، ويكون بمنزلة قولهم: لبس ولباس، وأنشد الفراء:
فلما كشفن اللّبس عنه مسحنه ... بأطرف طفل زان غيلا موشّما (3)
وقولهم: قد كبر حتى صار كأنّه قفّة
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: القفّة: الشجرة التي ذهب فروعها وبقي
__________
(1) جرير، ديوانه 225.
(2) لم أقف عليه.
(3) لحميد بن ثور. ديوانه 14وقوله: طفل: أي بنان ناعم. والغيل: الساعد أو المعصم.(1/185)
أصلها، قال: وحكى هذا عن يعقوب، قال: وقال غير يعقوب: القفة: من تقفّفت.
هذا جملة ما سمعت منه في هذا. وقال الأصمعي: القفة: ما بلي من الشجرة، فالمعنى:
قد بلي هذا الشيخ، حتى صار كالبالي النّخر من أصول الشجر. ومعنى تقفّف: تقبّض واجتمع، وفيه وجهان: تقفّف وتقفقف، وهو بمنزلة قولهم: تكمّمت المرأة وتكمكمت، إذا لبست الكمّة، وهي القلنسوة. ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه رأى جارية متكمكمة. فسأل عنها. فقالوا: هي أمة بني فلان فضربها بالدرّة وقال لها: يا لكاع أتشبّهين بالحرائر).
وقول الناس: آهة وميهة
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: الصواب: آهة، وقال: الآهة: زجر، والميهة: الجدري. هذه جملة ما سمعت منه في هذا. وقال غيره: الآهة: الحصبة، والميهة: جدري الغنم. يقال: أمهت الشاة فهي مأموهة. قال الشاعر يصف فصيلا:
طبيخ نحاز أو طبيخ أميهة ... صغير العظام سيّئ القسم أملط
يعني أن هذا الفصيل كان في بطن أمه وبها نحاز، وهو داء، أو أميهة وهو الجدري، فجاء ضاويا. وقال أصحاب هذا القول: يقال: ميهة وأميهة للجدري.
وقال الأصمعي: الآهة: التأوه، وهو التوجع. واحتج بقول المثقب العبدي (1):
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين
قال أبو بكر: وقال الفراء: يقال: آهة وأميهة، قال: ثم تترك الهمزة تخفيفا، فيقال: آهة وميهة، كما يقال: هو خير منك، وهو شر منك، فالأصل فيه: هو أخير منك، وهو أشر منك، فأسقطت الألف وألقيت فتحة الراء والياء على الشين والخاء، فإذا تعجبوا قالوا: ما أشرّ عبد الله، وما شرّ عبد الله، وما أخير عبد الله، وما خير عبد الله، وأجاز الفراء لمن ليّن الهمزة أن يقول: ما أخير عبد الله ومخير عبد الله بترك الهمز.
__________
(1) ديوانه 39 (بغداد)، 194 (مصر). والمثقب: هو عائذ بن محصن بن ثعلبة، جاهلي. (طبقات ابن سلام 271، الشعر والشعراء 395، الخزانة 4/ 431).(1/186)
قال أبو بكر: وروى أبو زيد (1) عن العرب: ما شرّ اللبن للمريض. وكذلك يقال:
ما أشد فلانا، وما شد فلانا، وأنشد الفراء:
ما شدّ أنفسهم وأعلمهم ... بما يحمي الذمار به الكريم المسلم
وقال الآخر:
قاتلك الله ما أشد علي ... ك البذل في صون عرضك الجرب
وقولهم: فلان عظيم المؤونة
قال أبو بكر: في المؤونة ثلاثة أقوال: يجوز أن تكون مأخوذة من منت الرجل، إذا علته. سمعت أبا العباس يذكر هذا، فإذا كانت مأخوذة من منت، فالأصل فيها:
مؤونة بغير همز، فلما انضمت الواو همزت، كما قالوا: هو قؤول للخير، وفلان صؤول، وفلان نؤوم من النوم. قال امرؤ القيس:
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضّل
والقول الثاني: أن تكون المؤونة مأخوذة من الأون، والأون: السكون والدّعة.
قال الراجز:
غيّر يا بنت الحليس لوني ... مرّ الليالي واختلاف الجون
وسفر كان قليل الأون (2)
معناه: قليل الراحة والدعة. فإذا قيل: فلان عظيم المؤونة، فمعناه على هذا التفسير: عظيم التسكين والتوديع لأهله وعياله. والقول الثالث: أن تكون المؤونة مأخوذة من الأين، والأين: التعب والمشقة. قال الأعشى (3):
لا يغمز الساق من أين ومن وصب ... ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
قال أبو عبيدة (4): سمعت يونس يسأل رؤبة عن الصفر، فقال: «هي حية
__________
(1) سعيد بن أوس الأنصاري، توفي 215هـ.
(2) الأبيات بلا عزو في أضداد الأصمعي 36.
(3) هو أعشى باهلة عامر بن الحارث، والبيت ملفق من صدر بيت وعجز آخر.
(4) غريب الحديث 1/ 25.(1/187)
تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي عند العرب أعدى من الجرب. ويقال إنها تشتد بالإنسان إذا كان جائعا»، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة». فمعنى قوله: لا عدوى: لا يعدي شيء شيئا. والصفر: هو الذي مضى تفسيره. وقال أبو عبيدة: «الصفر تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، لتمكنهم الإغارة فيه، ومنه قول الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (1)، أي: تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر. والهامة معناها: أن العرب كانت تقول في الجاهلية: تجتمع عظام الميت فتصير هامة تطير. ويقال للطائر الذي يخرج من هامة الميّت إذا بلي:
صدى، وجمعه أصداء، قال لبيد (2):
فليس الناس بعدك في نفير ... ولا هم غير أصداء وهام
ويروى: في نقير، أي: ليسوا في شيء. والنقير: النقطة التي في ظهر النواة، ويقال: هو الذي في جوفها، قال الله عز وجل: {فَإِذاً لََا يُؤْتُونَ النََّاسَ نَقِيراً} (3).
والقطمير: قشر النواة، قال الله تعالى ذكره: {مََا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4)، والفتيل: فيه قولان يقال: هو الذي في بطن النواة. ويقال: هو الذي تفتله بين إصبعيك من الوسخ. قال الله عز وجل: {وَلََا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} * (5)، وقال الشاعر:
أعاذل بعض لومك لا تلحّي ... فإن اللوم لا يغني فتيلا
وقال الأعشى (6):
لم أصب منهم فسيطا ولا ... زبدا ولا فوفة ولا قمطيرا
وقال الكميت (7):
متى تؤب القداح معديات ... بأعضاء المكارم والجدول
__________
(1) سورة التوبة: آية 37.
(2) ديوانه 209.
(3) سورة النساء: آية 53.
(4) سورة فاطر: آية 13.
(5) سورة النساء: آية 49.
(6) أخل به ديوانه بطبيعته.
(7) أخل به شعره.(1/188)
يؤب مما أصبن بغير حظ ... كما بين النقير إلى الفتيل
وقال توبة بن الحميّر (1):
فلو أن ليلى الأخيلية سلّمت ... علي وفوقي تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وقال الآخر (2):
سلّط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام
وقال أبو زيد (3) في الحديث: «لا عدوى ولا هامة»، قال: الهامة: واحدة الهوام. قال: أبو بكر: وقول أبي زيد خطأ عند جميع أهل العلم لأنه لا معنى له في الحديث. وإذا كانت المؤونة من الأين، فوزنها من الفعل: مفعلة، وأصلها مأينة، فاستثقلوا الضمة في الياء، لأنها إعراب، والياء إعراب، فاستثقلوا إعرابا على إعراب، فألقوا ضمة الياء على الهمزة، فصارت الياء واوا لانضمام ما قبلها. قال الشاعر (4)
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمّر حتى ينصف الساق مئزري
فالمضوفة: مأخوذة من الضيافة، ووزنها من الفعل: مفعلة، وأصلها مضيفة، فاستثقلوا الضمة في الياء للعلة التي ذكرناها، فألقوها على الضاد، وصارت الياء واوا لانضمام ما قبلها. وإذا كانت المؤونة مأخوذة من منت، فوزنها من الفعل: فعولة.
وإذا كانت المؤونة مأخوذة من الأون فوزنها من الفعل: مفعلة، والأصل فيها: مأونة، فاستثقلوا الضمة في الواو، لأنهما إعرابان، فألقوهما على الهمزة، فبقيت الواو ساكنة.
وقولهم: جاء بالضّحّ والرّيح
قال أبو بكر: قال ابن الأعرابي: الضّحّ: ما برز للشمس. والرّيح: ما أصابته
__________
(1) ديوانه 48، وتوبة: صاحب ليلى الأخيلية. ت 85هـ.
(2) أبو دواد الإيادي. شعره 339.
(3) غريب الحديث 1/ 27. والهامّة: مشددة الميم على رواية أبي زيد.
(4) أبو جندب الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 92. وقال السكري في شرح أشعار الهذليين 358:
مضوفة: همّ ضافه، أو أمر شديد. يقال: بي إليك مضوفة، أي حاجة، إذا دعا من إشفاق أن يصيبه.(1/189)
الريح. وقال الأصمعي: الضح: الشمس، وأنشد:
أبيض أبرزه للضّحّ راقبه ... مقلّد قضب الريحان مفعوم (1)
ومن هذا قول الله عز وجل: {وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ} (2)، قال الفراء: في تضحى قولان: أحدهما: ولا تعرق. والقول الآخر: ولا تضحى: ولا تبرز للشمس، وقال عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشي فيخصر
وأنشده الفراء: أيما إذا الشمس، وقال: يقال: أما عبد الله فقائم، وأيما عبد الله فقائم. وقال الآخر (3):
فمن مبلغ أصحابه أنّ مالكا ... ثوى ضاحيا في الأرض غير ظليل
معناه: بارزا للشمس. وقال الطّرمّاح (4):
وبات يراعيني على غير موعد ... أخو قفرة يضحى بها ويجوع
وقال جرير (5): يمدح عبد الملك بن مروان:
فما شجرات عيصك في قريش ... بعشّات الفروع ولا ضواحي
وقال الآخر (6):
تدع الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنها لم تخلق
معنى: بله الأكفّ: دع الأكف وكيف الأكف. جاء في الحديث: يقول الله عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا بله ما اطلعتم عليه» (7). فمعناه: فدع ما اطلعتم عليه،
__________
(1) لعلقمة بن عبدة، ديوانه 71وفيه: مفعوم: أي طيب الرائحة، ومفعوم: مملوء. والبيت في صفة الإبريق.
(2) سورة طه: آية 119.
(3) لم أقف عليه.
(4) ديوانه 307.
(5) ديوانه 90. والعشات: الدقيقات، والضواحي: البادية العيدان لا ورق عليها.
(6) كعب بن مالك، ديوانه 245.
(7) غريب الحديث 1/ 185، النهاية 1/ 154، شواهد التوضيح والتصحيح 203.(1/190)
وكيف ما أطلعتم عليه. وقال الفراء: بله ينصب بها ويخفض، فمن نصب بها جعلها بمنزلة دع، ومن خفض بها جعلها بمنزلة الصفات الخافضة، وأنشد في النصب:
يمشي القطوف إذا غنّى الحداة به ... مشي الجواد فبله الجلّة النّجبا
قال الفراء: معناه دع الجلة النجبا. وقال أبو زبيد (1):
حمّال أثقال أهل الودّ آونة ... أعطيهم الجهد منّي بله ما أسع
معناه: فدع ما أسع. وقال أبو عبيدة: جاء بالضّحّ والريح، معناه: جاء بكل شيء، والضح: البراز الظاهر. والاختيار: أن يكون الضح: الشمس على ما مضى من التفسير. قال أبو بكر: وللشمس أسماء، يقال للشمس: الضح، ويقال لها: إلاهة.
قال الشاعر (2):
فأعجلنا إلاهة أن تؤوبا
ويقال لها: الغزالة. قال الشاعر:
توضّحن في قرن الغزالة بعدما ... ترشّفن درّات الرّهام الركائك
ويقال للشمس: البيضاء، والسّراج. ويقال لها: الجارية، لأنها تجري من المشرق إلى المغرب. ويقال لها: ذكاء، يقال: طلعت ذكاء، وقال الشاعر (3):
فتذكّرا ثقلا رثيدا بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
قوله: فتذكرا، يعني: الظليم والنعامة، والثقل: بيضهما، والرثيد: المنضود، والكافر: الليل. ويقال للشمس: جونة لصفائها وإشراقها. قال الشاعر (4):
يبادر الآثار أن تؤوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
ويقال للشمس أيضا: بوح، يقال: طلعت بوح. ويقال لها: براح. ويقال لها:
مهاة، قال الشاعر (5):
__________
(1) شعره 109.
(2) بنت عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي، ويقال: نائحة عتيبة كما في تهذيب الألفاظ 387.
(3) ثعلبة بن صعير المازني كما في إصلاح المنطق 49، وحلية المحاضرة 34.
(4) الخطيم الضبابي كما في تهذيب الألفاظ 388.
(5) أمية بن أبي الصلت، ديوانه 391.(1/191)
ثم يجلو الظّلام ربّ رحيم ... بمهاة شعاعها منشور
وقولهم زارني فلان
قال أبو بكر: معناه: مال إليّ، وهو مأخوذ من الزور، والزور: الميل. قال ابن مقبل (1):
فينا كراكر أجواز مضبّرة ... فيها دروء إذا خفنا من الزّور
الكراكر: الجماعات، واحدها كركرة. والأجواز: الأوساط. والمضبرة:
الموثقة. والدروء: الامتناع والاعتراض. ويقال للقوس: زوراء لميلها. قال امرؤ القيس (2):
ربّ رام من بني ثعل ... مخرج كفّيه من ستره
عارض زوراء من نشم ... غيرباناة على وتره
وقال الراجز (3):
ودون ليلى بلد سمهدر ... جدب المندّى عن هوانا أزور
السمهدر: الواسع، والأزور: المائل. وقال المجنون:
لك الله إني واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب
وآخذ ما أعطيت عفوا وإنني ... لأزور عمّا تكرهين هيوب
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب
النفس الشّعاع: المنتشرة الرأي. وقال عمرو بن معدي كرب (4):
أيوعدني إذا ما غبت عنه ... ويصرف رمحه والزرق زور
معناه: والزرق مائلة. وقال الله عز وجل
__________
(1) ديوانه 89.
(2) ديوانه 123. وفيه: = متلج كفيه في قتره =. أي: يدخل كفيه في القتر، وهي بيوت الصائد.
وغير باناة: غير منحن على الوتر عند الرمي.
(3) أبو الزحف الكليني، كما في اللسان (سمهدر).
(4) أخل به ديوانه بطبعتيه.(1/192)
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذََا طَلَعَتْ تَتَزََاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذََاتَ الْيَمِينِ} (1) معناه: تمايل. وفي قراءة تزاور أربعة أوجه: قرأ أهل الحرمين وعامة أهل البصرة تزّاور بتشديد الزاي. وقرأ الكوفيون تزاور بتخفيف الزاي. وقرأ أبو رجاء (2) تّزاورّ. وقرأ قتادة تزورّ. فمن قرأ تزّاور أراد تتزاور، فاستثقل الجمع بين تائين، فحذف أحدهما. ومن قرأ تزوارّ، أخذه من ازوارّ يزوارّ.
ومن قرأ تزوّر، أخذه من ازورّ يزورّ، على وزن احمرّ يحمرّ. قال عنترة (3):
فازورّ من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
قال أبو بكر: وأنشدنا أبو العباس (4):
ما للكواعب يا عيساء قد جعلت ... تزورّ عني وتطوى دوني الحجر
قد كنت فتّاح أبواب مغلّقة ... ذبّ الرياد إذا ما خولس النّظر
فقد جعلت أرى الشخصين أربعة ... والواحد اثنين لما بورك البصر
وكنت أمشي على رجلين معتدلا ... فصرت أمشي على أخرى من الشجر
والذين قرأوا: تزوارّ، جعلوه بمنزلة تحمارّ وتصفارّ.
وقولهم: ما يساوي طلية
قال أبو بكر: اختلف الناس فيه فقال بعضهم: الطلية: قطعة حبل يشد في رجل الحمل والجدي. وقال بعضهم: الطلية: حبل يشد في طلية الحمل، وطليته:
عنقه. يقال للعنق طلية، ويقال في الجمع طلى، قال ذو الرمة (5):
أضلّه راعيا كلبيّة صدرا ... عن مطلب وطلى الأعناق تضطرب
__________
(1) سورة الكهف: آية 17.
(2) هو عمران بن تيم العطاردي، تابعي، توفي 105هـ. (تذكرة الحفاظ 1/ 62، طبقات القراء 1/ 604).
(3) ديوانه 217.
(4) لذي الأصبع العدواني، ديوانه 33، أو لابن أحمر، شعره: 181، أو لأبي حية، شعره: 186، أو لعبد من عبيد بجيلة كما في اللآلئ 784. وذب الرياد: كثرة الذهاب والمجيء.
(5) ديوانه 121.(1/193)
وقال بعض العرب (1):
سلبن ظباء ذي بقر طلاها ... ونجل الأعين البقر الصّوارا
أحبّ الليل إنّ خيال نعم ... إذا نمنا ألمّ بنا فزارا
لئن أيامنا أمست طوالا ... لقد كنا نعيش بها قصارا
وقال الفراء وأبو عمرو: يقال للعنق: طلاة، ويقال في الجمع: طلى. قال الأعشى (2):
متى تسق من أنيابها بعد هجعة ... من الليل شربا حين مالت طلاتها
وقال ابن الأعرابي: ما يساوي طلية، معناه: ما يساوي طلية من هناء يطلى بها البعير.
وقولهم: ما في الدّار ديّار
قال أبو بكر: معناه: ما في الدار أحد، قال الله عز وجل: {وَقََالَ نُوحٌ رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً} (3)، معناه: أحدا. وقال جرير (4):
وبلدة ليس بها ديّار ... تنشقّ في مجهولها الأبصار
ويقال: ما في الدار أحد، وما في الدار عريب، قال أبو بكر: أنشدنا أحمد بن يحيى:
أميم أمنك الدار غيّرها البلى ... وهيف بجولان التراب لعوب
بسابس لم يصبح ولم يمس ثاويا ... بها بعد بين الحيّ منك عريب (5)
وقال عبيد بن الأبرص (6):
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطّبيّات فالذنوب
__________
(1) الثالث فقط في شرح القصائد السبع 197لبعض العرب.
(2) ديوانه 60.
(3) سورة نوح: آية 26.
(4) ديوانه 1029.
(5) بلا عزو في أمالي القالي 1/ 250.
(6) ديوانه 10.(1/194)
فراكس فثعيلبات ... فذات فرقين فالقليب
فعردة فقفا حبرّ ... ليس بها منهم عريب
ويقال: ما في الدار كتيع. قال الشاعر (1):
أجدّ الحيّ فاحتملوا سراعا ... فما بالدار إذ ظعنوا كتيع
وقال الآخر (2):
وكم من غائط من دون سلمى ... قليل الأنس ليس به كتيع
ويقال: ما بالدار طوئيّ. قال الراجز (3):
وبلدة ليس بها طوئيّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ
ويقال: ما بالدار طوريّ، وما بالدار دبّيج، وما بالدار شفر. قال الشاعر (4):
فو الله ما تنفك منا عداوة ... ولا منهم ما دام من نسلنا شفر
ويقال ما بالدار أرم، وما بالدار آرم، على مثال فاعل، وما بالدار أريم، وما بالدار أيرميّ. وما بالدار إرميّ، قال الشاعر:
تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحسّ عليها منهم أرم
ويقال: ما بالدار وابر، وما بالدار ديّور، وما بالدار داريّ، وما بالدار كرّاب، وما بالدار عين، أي: ما بها أحد. وكذلك يقال: ما بالدار نافخ نار. وما بها نافخ ضرمة. ويقال: ما بالدار تامور، أي ما بها أحد. والتامور ينقسم في اللغة على ستة أقسام: يكون التامور: موضع الأسد الذي يسكنه، سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معدي كرب عن سعد بن أبي وقاص (5) فقال: هو أسد في تامورته، والتامور والتامورة معناهما واحد. ويكون التامور: صومعة الراهب. قال الشاعر (6):
__________
(1) بشر بن أبي خازم، ديوانه 129.
(2) عمرو بن معدي كرب، ديوانه 142 (بغداد)، 133 (دمشق).
(3) العجاج، ديوانه 319.
(4) أبو طالب، ديوانه 23.
(5) صحابي، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي 55هـ. (حلية الأولياء 1/ 92، نكت الهميان 155).
(6) ربيعة بن مقروم الضبي، شعره: 28. والصّرورة: أرفع الناس في مراتب العبادة في الجاهلية، قال الجاحظ في الحيوان 1/ 346: = ومن الأسماء المحدثة التي قامت مقام الأسماء الجاهلية، قولهم في الإسلام لمن لم يحج: صرورة =.(1/195)
لو أنها تبدو لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة متبتّل ... لدنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهمّ من تاموره بتنزّل
ويكون التامور الدم. قال الشاعر (1):
نبّئت أن بني سحيم أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر
ويكون التامور: القلب، سمعت أبا العباس يقول: العرب تقول: = حرف في تامورك، خير من ألف في كتابك =. أي في قلبك. ويكون التامور: الماء، يقال: ما في الرّكيّة تامور، أي ما فيها ماء. ويكون التامور بتأويل أحد كقولهم: ما في الدار تامور، أي ما فيها أحد. وقال أبو عبيد: التامورة: الإبريق، وأنشد:
وإذا لها تامورة ... مرفوعة لشرابها (2)
وقولهم: لا تبسّق علينا
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معناه: لا تطوّل علينا. وهو مأخوذ من البسوق، وهو الطول، قال الله عز وجل: {وَالنَّخْلَ بََاسِقََاتٍ} (3). يقال بسقت النخلة، وبسق فلان على فلان: إذا طال عليه. أنشد أبو عبيدة (4):
يا ابن الذين بفضلهم ... بسقت على قيس فزاره
فضل الجواد على البطيء ... أو المسنّ على المهاره
وأنشد أبو العباس:
__________
(1) أوس بن حجر، ديوانه 47.
(2) للأعشى، ديوانه 177.
(3) سورة ق: آية 10.
(4) المجاز 2/ 223من دون الثاني وفيه: قال ابن نوفل لابن هبيرة. ونسب إلى أبي نوفل في تفسير الطبري 26/ 153. واللسان (بسق).(1/196)
فإنّ لنا حظائر باسقات ... عطاء الله ربّ العالمينا (1)
وقولهم: هو أجبن من صافر
قال أبو بكر: قال المفضل بن محمد الضبي (2): الصافر: الرجل الذي يصفّر للفاجرة، فهو يخاف كل شيء، ويفزع من كل شيء. قال ذو الرمة (3):
أرجو لكم أن تكونوا في إخائكم ... كلبا كورهاء تقلي كلّ صفّار
لما أجابت صفيرا كان آتيها ... من قابس شيّط الوجعاء بالنار
قالوا: معنى هذا أن امرأة كان يصفر لها رجل للفجور، فتأتيه إذا سمعت صفيره، ففطن زوجها لذلك، فصفر لها، فجاءته، وهي ترى أنه ذلك الرجل، فشيطها بميس معه، فلما صفر لها الرجل كما كان يصفر قالت: قد قلينا كل صفّار، أي: قد قلينا كل زان وعففنا.
وقال الأصمعي: في قولهم أجبن من صافر: الصافر: ما يصفر من الطير، وقال إنما وصف بالجبن، لأنه ليس من الجوارح، والجوارح: الكواسب الصوائد لأهلها.
وقال أبو عبيدة: يقال: فلان جارحة أهله، أي كاسبهم، قال الله عز وجل: {وَمََا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوََارِحِ مُكَلِّبِينَ} (4). ويقال: قد جرح الرجل، إذا كسب. وكذلك قد جرح الفرس. قال الشاعر يصف فرسا:
ويسبق مطرودا ويلحق طاردا ... ويخرج من غمّ المضيق ويجرح
أي: يكسب ويصيد. ويقال: قد اجترح فلان، إذا كسب، قال الله عز وجل:
__________
(1) للمرار بن منقذ في المفضليات 73وشرحها 124وفيهما: ناعمات، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(2) هو صاحب المفضليات وأمثال العرب، توفي نحو 178هـ (مراتب النحويين 71، الأنباه:
3/ 298).
(3) أخل بهما ديوانه. وهما للكميت بن زيد في شعره: 1/ 179. والورهاء: الحمقاء.
(4) سورة المائدة: آية 4.(1/197)
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئََاتِ} (1)، وقال الأعشى (2):
وهو الدافع عن ذي كربة ... أيدي القوم إذا الجاني اجترح
وقال طالب بن أبي طالب (3):
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا ... فأردتهم الأيام واجترحوا ذنبا
معناه: واكتسبوا.
وقولهم: ما في الدار صافر
قال أبو بكر: فيه قولان يقال: ما في الدار شيء يصفر به، قالوا: فمعنى صافر مصفور، كما يقال: ماء دافق، فيكون معناه: ماء مدفوق، وسر كاتم معناه: سر مكتوم. والقول الثاني أن يكون المعنى: ما بالدار أحد. قال الشاعر:
خلت المنازل ما بها ... ممن عهدت بهن صافر (4)
وقولهم: ما في قلبي من الشيء حزّاز
وقال أبو بكر: معناه: ما في قلبي منه حرقة وحزن. قال الشماخ (5):
فلما شراها فاضت العين عبرة ... وفي النفس حزّاز من اللوم حامز
ويقال: في قلبي على فلان ضغن وحقد وترة ووغم ووغر. قال الأعشى (6):
يقوم على الوغم في قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم
ويقال: في قلبي عليه تبل. قال نصيب (7):
__________
(1) سورة الجاثية: آية 21.
(2) ديوانه 161.
(3) الأضداد 208.
(4) اللسان (صفر) بلا عزو.
(5) ديوانه 190. وشراها: باعها، فهو من الأضداد. وحامز: شديد.
(6) ديوانه 31.
(7) شعره: 115. واستوسق: كمل.(1/198)
أمن أجل ليلى قد يعاودني التّبل ... على حين شاب الرأس واستوسق العقل
ويقال: في قلبي عليه ذحل. قال ذو الرمة (1):
إذا ما امرؤ حاولن أن يقتلنه ... بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسّمن عن نور الأقاحيّ في الثرى ... وفترن من أبصار مضروجة نجل
ويقال: في قلبي عليه غمر. قال الأعشى (2):
ومن كاشح ظاهر غمره ... إذا ما انتبست له أنكرن
ويقال: في قلبي عليه دمنة. قال الشاعر:
وكم من بعيد الدار قد صار عندنا ... قريبا إذا ما قيل هذا قريبها
ومن دمن داويتها فشفيتها ... بسلمك لولا أنت طال حروبها (3)
وقال الآخر (4):
فتى لا يبيت على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم
ويقال: في قلبي عليه حسيفة وحسيكة وكنيفة وسخيمة، أي حقد. أنشدنا أبو العباس وإبراهيم الحربي (5):
أخوك الذي لا تملك الحسّ نفسه ... وترفضّ عند المحفظات الكتائف (6)
وأنشدنا أبو العباس في الحزّاز والحزّازة:
إذا كان أبناء الرجال حزازة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العزب
لنا جانب منه يلين وجانب ... ثقيل على الأعداء مركبه صعب
يخبّرني عما سألت بهيّن ... من القول لا جافي الكلام ولا لغب
__________
(1) ديوانه 144. ومضروجة: واسعة.
(2) ديوانه 16.
(3) الثاني فقط بلا عزو في شرح القصائد السبع 273.
(4) بشار، ديوانه 4/ 161.
(5) إبراهيم بن إسحاق الحربي، من شيوخ أبي بكر، توفي 285هـ. (طبقات الحنابلة 1/ 86، فوات الوفيات 1/ 14، الوافي 5/ 320).
(6) اللفظ من، ديوانه 55. والمحفظات: المغضبات.(1/199)
ولا يبتغيى أمنا وصاحب رحله ... بخوف إذا ما ضمّ صاحبه الجنب
سريع إلى الأضياف في ليلة الدجى ... إذا اجتمع الشّفّان والبلد الجدب
وتأخذه عند المكارم هزة ... كما اهتزّ تحت البارح الفنن الرطب (1)
وقولهم: لا تجلّح علينا
قال أبو بكر: فيه قولان قال بعضهم: معناه لا تكاشف، وهو مأخوذ من الجلح، والجلح: انكشاف الشعر عن مقدم الرأس. ويروى عن ابن الأعرابي أنه قال:
لا تجلح علينا، معناه: لا تشدّد وتقم على المفارقة والمخالفة، وقال: هو مأخوذ من قولهم: ناقة مجالح، إذا كانت تصبر على البرد، وتقضم عيدان الشجر اليابسة حتى يبقى لبنها.
وقولهم: قد صفحت عن ذنب فلان
قال أبو بكر: معناه: أعرضت عنه، وولّيته صفحة وجهي أو صفحة عنقي.
قال كثير (2):
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلّت
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
معناه: تعرض عنك بوجهها فلا يرى إلا جانبه، وهو إحدى عرضتيه.
وقولهم أخزى الله فلانا
قال أبو بكر: معناه أذله الله وكسره وأهلكه. قال أبو العباس: الأصل فيه أن
__________
(1) الأبيات في أمالي القالي 2/ 3رواية عن أبي بكر بلا عزو. وهي لأبي الشّغب العبسي، واسمه عكرشة فيما ذكر البكري في اللآلئ 629. وقال التبريزي في شرح ديوان الحماسة 1/ 263 = قال أبو رياش: هو لأبي الشغب العبسي، وقال أبو عبيدة: للأقرع بن معاذ القشيري =.
واللغب: خطل الكلام وفساده. والشفان: الريح الباردة. والبارح: الريح الحارة.
(2) ديوانه 97.(1/200)
يفعل الرجل فعلة يستحيي منها، وينكسر لها، ويذل من أجلها. قال ذو الرمة (1):
خزاية أدركته عند جولته ... من يابس الطرف مخلوطا بها غضب
يقال: خزي يخزى خزاية، إذا استحيا، وخزي يخزى خزيا، إذا انكسر وهلك وذل.
وقولهم: لا جرم أنك محسن
قال أبو بكر: قال الفراء: كان الأصل في لا جرم: لابد ولا محالة، ثم كثر استعمال العرب لها حتى جعلوها بمنزلة قولهم: حقا، فصاروا يقولون: لا جرم أنك محسن، على معنى: حقا أنك محسن، وأجابوها بجوابات الأيمان، فقالوا: لا جرم لأحسن إليك، ولا جرم لا أحسن إليك، ولا جرم ما أحسن إليك. قال الله عز وجل: {لََا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النََّارَ} (2)، فمعناه: حقا أن لهم النار. وقال بعض النحويين: (لا) ردّ لكلام. ومعنى جرم: كسب، قال الله عز وجل: {وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} * (3)، معناه: ولا يحملنكم بغض قوم ولا يكسبنكم. قال الشاعر:
نصبنا رأسه في رأس جذع ... بما جرمت يداه وما اعتدينا (4)
معناه: بما كسبت. وأنشد الفراء:
يأيها المشتكي عكلا وما جرمت ... إلى القبائل من قتل وإبآس (5)
وقال بعض النحويين: معنى جرم: حق، من قولهم: جرمت إذا حققت. قال الشاعر (6):
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزازة بعدها أن يغضبوا
__________
(1) ديوانه 103.
(2) سورة النحل: آية 62.
(3) سورة المائدة: آية 8.
(4) القرطبي 9/ 20، والبحر المحيط 5/ 213بلا عزو.
(5) لم أقف عليه.
(6) لأبي أسماء بن الضريبة، أو لعطية بن عفيف، كما في مجاز القرآن 1/ 358، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 2/ 134، والاقتضاب 313.(1/201)
معناه: حققت فزازة الغضب. ورواه الفراء: جرمت فزارة بعدها، على معنى:
أكسبت الطعنة فزارة الغضب. قال أبو بكر: يقال: أكسب فلان فلانا بألف، وكسب فلان فلانا ما لا بغير ألف يكسبه بفتح الياء. وقال جماعة من النحويين في قوله عز وجل: {لََا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النََّارَ}، (لا) رد لكلام، ثم ابتدأ فقال: جرم أن لهم النار، على معنى: أكسب كفرهم أن لهم النار. وفي لا جرم ست لغات: يقال: لا جرم أنك محسن، وهي لغة أهل الحجاز، ولا جرم أنك محسن، بضم الجيم وتسكين الراء. وبنو فزارة يقولون: لا جر أنك محسن. وبنو عامر يقولون: لا ذا جرم أنك قائم، أنشد الفراء (1):
إن كلابا والدي لا ذا جرم ... لأهدرنّ اليوم هدرا صادقا
هدر المعنّى ذي الشقا شيق اللهم
ويقال: لا أن ذا جرم أنك محسن، ولا عن ذا جرم أنك محسن. وروى عبيد ابن عقيل (2) عن هارون (3) عن أبي عمرو: لأجرم أنّ لهم النار، على وزن لأكرم.
وقولهم: قد وقع القوم في ورطة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الورطة: أهويّة تكون في رأس الجبل، يشق على من وقع فيها الخروج منها. يقال: تورّطت الماشية، إذا وقعت في الورطة فلم يمكنها أن تخرج، قال طفيل (4) يذكر إبلا:
تهاب طريق السهل تحسب أنه ... وعور وراط وهي بيداء بلقع
وقال غيره: الورطة: الوحل تقع فيه الغنم فلا يمكنها التخلص. يقال: تورطت الغنم: إذا وقعت في الورطة، ثم ضرب هذا مثلا لكل شدة يقع فيها الإنسان. وقال
__________
(1) معاني القرآن 2/ 9. وهو لا يستقيم في الرجز، ورواية الفاخر للبيت الثاني: هدرا كالصرم، ورواية الخزانة 4/ 313: هدرا في النعم. وبهما يستقيم.
(2) راو ضابط صدوق، توفي 207هـ. (طبقات القراء 1/ 496).
(3) هو هارون بن موسى القارئ النحوي الأعور، ت 200هـ. (الترهة 32، طبقات القراء 2/ 348).
(4) ديوانه 89. وبلقع: مستوية.(1/202)
أبو عمرو: الورطة: الهلكة، واحتج بقول الراجز:
إن تأت يوما مثل هذي الخطّه ... تلاق من ضرب نمير ورطه (1)
وفي = هذه = خمس لغات، يقال: هذه قامت، وهذي قامت، حكى الكسائي عن العرب {وَلََا تَقْرَبََا هََذِهِ الشَّجَرَةَ} * (2)، وقال الحارث بن ظالم (3):
بدأت بهذي ثم أثني بهذه ... وثالثة تبيضّ منها المقادم
وقال نصيب (4):
وأدري فلا أبكي وهذي حمامة ... بكت شجوها لم تدر ما اليوم من غد
وقال المجنون (5):
وخبّر تماني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيا
فما لشهور الصيف أمست قد انقضت ... وهذي النوى ترمي بليلى المراميا
وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
خليليّ هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لغد من زفرة قد أطلّت
ومن زفرات لو قصدن قتلنني ... تقضّ التي تبقى التي قد تولّت (6)
ويقال: هذا قامت، بكسر الذال من غير إثبات الياء، وهاتا قامت، لغة طيىّء، قال حاتم الطائي (7):
إن كنت كارهة لعيشتننا ... هاتا فحلّي في بني بدر
ويقال: ذه قامت، وذي قامت. وروى هشام: تا قامت، وأنشد:
__________
(1) بلا عزو في الفاخر 18واللسان (ورط). وقد وهم محقق الفاخر إذ قال: الشاعر هو الأحمر كما في الزاهر.
(2) سورة البقرة: آية 35.
(3) شعره: 375. والحارث بن ظالم المري من فتاك العرب في الجاهلية. (المحبر 192، الأغاني 11/ 121، الخزانة 3/ 115).
(4) أخل به شعره.
(5) ديوانه 293.
(6) الأول لمجنون ليلى، ديوانه 87وفيه: أظلت. وهما بلا عزو في أمالي القالي 2/ 287.
(7) ديوانه 215.(1/203)
خليلي لولا ساكن الدار لم أقم ... بتا الدار إلا عابر ابن سبيل (1)
وقولهم: فلان ذرب اللسان
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: معناه: فاسد اللسان، قال: وهو عيب وذم، يقال: قد ذرب لسان الرجل يذرب، ويقال: قد ذربت معدة الرجل تذرب ذربا، إذا فسدت. قال الشاعر (2):
ألم أك باذلا ودّي ونصري ... وأصرف عنكم ذربي ولغبي
وأجعل كل مضطهد أتاني ... يخاف الضّيم بين حشا وخلب
اللغب: الردئ من الكلام، والذرب: الكلام الفاسد. واللغب في غير هذا:
الإعياء، يقال: قد لغب الرجل يلغب لغوبا، ولغب يلغب لغبا، قال الله عز وجل:
{وَلََا يَمَسُّنََا فِيهََا لُغُوبٌ} (3)، وقال الشاعر (4):
جزاك الله دارا ليس فيها ... أذى نصب عليك ولا لغوب
وقال الآخر (5) في الذرب:
ولقد طويتكم على بللاتكم ... وعلمت ما فيكم من الأذراب
معناه: من الفساد. وهذا القول الذي سمعت أبا العباس يخبر به، هو قول الأصمعي. وقال غيرهما: الذرب اللسان: هو الحاد اللسان، وهو يرجع إلى معنى الفساد.
وقولهم: رجل أبكم
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: أن يكون الأبكم: المسلوب الفؤاد الذي لا
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) الزبرقان بن بدر، كما في اللسان (لغب).
(3) سورة فاطر: آية 35.
(4) لم أقف عليه.
(5) حضرمي بن عامر، كما في اللسان (ذرب).(1/204)
يعي شيئا ولا يفهمه. والقول الآخر: أن يكون الأبكم: الأخرس، يقال: قد بكم الرجل يبكم بكما. ويقال: رجال بكم، وامرأة بكماء، ونساء بكماوات وبكم، قال الله عز وجل: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لََا يَرْجِعُونَ} (1). فسر المفسرون البكم:
الخرس. ويقال أيضا: البكم: المسلوبو الأفئدة، والكمه: الذين يولدون عميا، قال الله عز وجل: {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} (2)، قال قتادة: الأكمه: الذي تلده أمه أعمى. وقال أهل اللغة: الأكمه: الأعمى، يقال كمه الرجل يكمه إذا عمي. قال رؤبة (3):
هرّجت فارتدّ ارتداد الأكمه ... في غائلات الخائب المتهته
وقال الآخر:
كمهت عيناه ثم ابيضّتا ... فهو يلحي نفسه لما نزع
وقولهم: كما تدين تدان
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه: كما تصنع يصنع بك، وقال: الدين:
الجزاء، واحتج بقول الله عز وجل: {فَلَوْلََا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} (4)، معناه: غير مجزيين، وأنشد:
فلما صرّح الشّرّ ... فأبدى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا (5)
معناه: جازيناهم كما جازوا، وأنشد أبو عبيدة أيضا:
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل ... واعلم بأنّ كما تدين تدان
معناه: ما تصنع تجازى به. ومن ذلك قول الله عز وجل: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (6)،
__________
(1) سورة البقرة: آية 18.
(2) سورة المائدة: آية 110.
(3) ديوانه 166. والمتهته: الذي يردد في الباطل.
(4) سورة الواقعة: آية 86.
(5) للفند الزماني في شرح ديوان الحماسة (م) 34، ومنتهى الطلب 5/ ق 159.
(6) سورة الفاتحة: آية 4. وينظر تفسير القرطبي 1/ 143.(1/205)
قال قتادة: معناه: مالك يوم يدان العباد بأعمالهم أي يجاوزن بها. ويكون الدين:
الحساب، كما قال الله عز وجل: {يَسْئَلُونَ أَيََّانَ يَوْمُ الدِّينِ} (1)، معناه: يوم الحساب. وقال ابن عباس: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} معناه: يوم الحساب. ويكون الدين:
السلطان، قال زهير (2):
لئن حللت بجوّ في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
معناه: في سلطان عمرو. ويكون الدين أيضا: الطاعة، كما قال الله عز وجل:
{مََا كََانَ لِيَأْخُذَ أَخََاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (3)، معناه: في طاعة الملك. ويكون الدين أيضا: العبودية والذل، جاء في الحديث: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) (4) معناه: من استعبد نفسه وأذلها. قال الأعشى (5):
هو دان الرّباب إذ كرهوا ال ... دّين دراكا بغزوة وصيال
ثم دانت بعد الرّباب وكانت ... كعذاب عقوبة الأقوال
وقال القطامي (6):
رمت المقاتل من فؤادك بعدما ... كانت نوار تدينك الأديانا
معناه: تستعبدك بحبها. ويكون الدين: الملة، كقولك: نحن على دين الإسلام.
ويكون الدين أيضا: الحال والعادة. قال المثقب (7):
تقول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبدا وديني
أكلّ الدهر حلّ وارتحال ... أما يبقي عليّ ولا يقيني
__________
(1) سورة الذاريات: آية 12.
(2) ديوانه 183. وجو: واد، وفدك: قرية بالحجاز، وعمرو: هو عمرو بن هند بن المنذر.
(3) سورة يوسف: آية 76.
(4) غريب الحديث 3/ 134.
(5) ديوانه 12.
(6) ديوانه 58.
(7) ديوانه 195، 198 (القاهرة)، 40 (بغداد). ودرأت: نحيت ودفعت. والوضين للرحل، بمنزلة الحزام للسرج.(1/206)
وكان أبو عبيدة يروي بيت امرئ القيس (1):
كدينك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
أي: كحالك وعادتك. ويقال: ما زال هذا دأبه، ودينه، وديدنه، بمعنى: ما زال ذلك عادته.
وقولهم: قد أخذت الشيء بحذافيره
قال أبو بكر: معناه: قد أخذت الشيء بأجمعه. وواحد الحذافير: حذفار. وقال بعض أهل اللغة: الحذفار: الجنب والناحية من الشيء. وقال أبو عمرو: الحذفار:
الرأس، وأنشد لذي اللحية الأزدي (2) يصف روضة:
خضاخضة بخضيع السيول ... قد بلغ الماء حذفارها
أي: قد بلغ الماء رأسها.
وقولهم: قد انفلّ الجيش، وقد انصرف القوم مفلولين
قال أبو بكر: معناه: قد انكسروا، وقد انصرفوا مكسورين. وهو مأخوذ من الفلول، والفلول: تثلّم يكون في السيف. قال النابغة (3):
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
معناه: بهن تثلم. والفلول أيضا: جمع فلّ، والفلّ بكسر الفاء: الأرض التي لا نبات فيها. والفلول أيضا: جمع فلّ، والفلّ بفتح الفاء: القوم المنهزمون. وكذلك الفلول جمع الجمع، إلا أن الفل لا واحد له. أنشد أبو عبيدة (4):
__________
(1) ديوانه 9.
(2) لم أقف على ترجمته. ونسبه ابن سيده في المخصص 8/ 60إلى ابن وداعة الهذلي. ونسب أيضا إلى حاجز بن عوف، اللسان (حذفر) وخضاخضة: تخضخض بالماء من كثرته، والخضيع: السائل.
(3) ديوانه 60.
(4) المجاز 2/ 270. والبيت للراعي في شعره: 140. وعزين: أصناف من الناس.(1/207)
أخليفة الرحمن إنّ عشيرتي ... أمسى سوامهم عزين فلولا
وقولهم: أنا في مندوحة عن كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: أنا في سعة. قال أهل اللغة: المندوحة: السعة، يقال: ندحت الشيء، إذا وسّعته، من ذلك قول أمّ سلمة (1) لعائشة رضوان الله عليهما: (وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه) معناه: فلا توسّعيه ولا تكشفيه بالخروج. أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
فإن لم تريدي ذاك لي سعة ... مالا ومندوحة عما تريدينا (2)
وقال الآخر في جمع المندوحة:
ذو مناديح وذو منبطة ... وركابي حيث يمّمت ذلل
لا تذمّن بلدا تكرهه ... وإذا زالت بك الدار فزل (3)
وقولهم: قد جزمت على فلان بكذا وكذا
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: جزمت: قطعت، يقال: جزمت الشيء وجذمته وخذمته وجذذته وحذفته وجذفته. من ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله أجذم» (4). قال أبو عبيدة (5): الأجذم: المقطوع اليد. وجاء في الحديث: «كأنكم بالترك وقد جاءتكم على براذين مجذّمة الآذان» (6)، معناه:
مقطعة الآذان. وقال الله عز وجل: {عَطََاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (7)، معناه: غير مقطوع.
وقال الشاعر:
__________
(1) هي هند بنت سهيل، زوجة النبي صلّى الله عليه وسلم، توفيت 62هـ. (طبقات ابن سعد 8/ 60، الإصابة 8/ 221).
(2) لم أقف عليه.
(3) الأول بلا عزو في مقاييس اللغة 5/ 230، ولم أقف على الثاني.
(4) الغريبين 1/ 335.
(5) غريب الحديث 3/ 48.
(6) لم أعثر على هذا الحديث.
(7) سورة هود: آية 108.(1/208)
رضيت بها فارضي كميعك واسلمي ... فلو لم تخوني لم نجذّ الحبائلا (1)
معناه: لم نقطع. وقال النابغة (2):
تجذّ السّلوقي المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصّفّاح نار الحباحب
وإنما سمي الفعل المجزوم مجزوما لأنه قطع عنه الإعراب. وروى بعض أهل اللغة: قد جزمت القرية إذا قطعتها. قال أبو بكر: وسألت أبا العباس: لم سمي الجزم جزما؟ فقال: العرب تقول: قد جزم الرجل إذا أمسك يده عن فيه فلم يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة، فسمي المجزوم مجزوما لأنه أمسك عن إعرابه.
وقولهم: بات فلان وقيذا
قال أبو بكر: الوقيذ معناه في كلامهم: الشديد المرض، أو الشديد الهم. يقال:
وقذه المرض يقذه وقذا. وكذلك وقذه الهم، ووقذه التعبد، فهو موقوذ ووقيذ.
ويقال: وقذت الرجل، ووقذت الشاة أقذها وقذا، إذا ضربتها، قال الله عز وجل:
{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ} (3). فالمنخنقة: التي تختنق فتموت، ولا يدرك ذكاتها، والموقوذة: التي تضرب فتموت، ولا يدرك ذكاتها، والمتردية: التي تتردى في بئر أو من فوق جبل فتموت، ولا يدرك ذكاتها.
وقولهم: لأرينّك الكواكب بالنّهار
قال أبو بكر: معناه: لأحزننك ولأغمنّك ولأبرحنّ بك حتى يظلم عليك نهارك فترى فيه الكواكب لأن الكواكب لا تبدو في النهار إلا في شدة الظلمة. قال النابغة (4) يذكر يوم حرب:
تبدو كواكبه والشمس طالعة ... لا النور نور ولا الإظلام إظلام
__________
(1) لا عزو في شرح القصائد السبع 397.
(2) ديوانه 61. والسلوقي: الدرع، والصفاح: حجارة عراض. ونار الحباحب: من حوافر الخيل، يصك الحجر الحجر فيخرج من النار.
(3) سورة المائدة: آية 3.
(4) ديوانه 222من قصية مجرورة، والرواية هنا على الإقواء.(1/209)
وقال طرفة (1) يذكر امرأة:
إن تنوّله فقد تمنعه ... وتريه النجم يجري بالظّهر
وكان البصريون يروون هذا البيت:
الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا (2)
ويقولون: نصب نجوم الليل والقمر بكاسفة. وقالوا: المعنى: الشمس طالعة، وليست بكاسفة نجوم الليل والقمر، لحزنها وبكائها عليك. وكانت العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، عالي المكان، كثير الصنائع قالوا: أظلم النهار لموته، وكسفت الشمس لفقده، وبكته الرياح والبرق. قال الشاعر (3) يرثي رجلا:
الريح تبكي شجوه ... والبرق يلمع في غمامه
قال الله عز وجل: {فَمََا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمََاءُ وَالْأَرْضُ} (4)، ففيه ثلاثة أقوال: أحدهن: أن الله عز وجل لما أهلك فرعون وقومه، وأورث منازلهم وديارهم وجنّاتهم غيرهم، لم يبك عليهم باك، ولم يجزع عليهم جازع، ولم يوجد لهم فقد.
والقول الثاني: أن يكون المعنى: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض، فحذف الأهل، وأقام السماء والأرض مقامهم، كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (5)، على معنى: أهل القرية. وقال ابن عباس: معنى قوله عز وجل: {فَمََا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمََاءُ وَالْأَرْضُ}: إن المؤمن له باب في السماء يصعد منه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه بابه في السماء وأثره في الأرض ومصلّاه. والكافر إذا مات لم يبك عليه باب في السماء ولا أثر في الأرض. وكان الفراء يروي البيت:
الشمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
وقال: نصب نجوم الليل والقمر على الوقت، كأنه قال: تبكي عليك أبدا أي ما دامت نجوم الليل والقمر، كما يقولون: لأبكينك الشهر والدهر، أي ما دام الشهر
__________
(1) ديوانه 50.
(2) لجرير، ديوانه 736. وينظر في توجيه إعرابه: الإفصاح للفارقي 192.
(3) يزيد بن مفرغ، شعره: 143 (سلوم) 208 (أبو صالح).
(4) سورة الدخان: آية 29.
(5) سورة يوسف: آية 82.(1/210)
والدهر. وقال الفراء: هو كقولهم: لا أكلمك ما سمر ابنا سمير، ولا آتيك سجيس عجيس، ولا آتيك معزى الفزر، ولا أتيك هبيرة بن سعد، أي لا آتيك أبدا.
وكذلك يقولون: لا آتيك السّمر والقمر. أي ما دام القمر، وما دام الناس يسمرون السمر.
وقولهم: افعل هذا آثراما
قال أبو بكر: معناه: افعله أول كل شيء، وحقيقة معناه: مؤثرا له على غيره. وقال الفراء: فيه لغات، يقال: افعله آثرا ما، وافعله آثر ذي أثير، وأنشد الفراء:
فقالوا ما تريد فقلت ألهو ... إلى الإصلاح آثر ذي أثير (1)
ويقال: افعله إثر ذي أثير وأدنى دنيّ، وأول ذات يدين أي: أول كل شيء، وابتداء كل شيء، قال الله عز وجل: {وَمََا نَرََاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرََاذِلُنََا بََادِيَ الرَّأْيِ} (2)، معناه: ابتداء الرأي أي: اتبعوك حين ابتدءوا الرأي فرغبوا، ولو بلغوا آخره لم يتبعوك. ومن قرأ: بادي الرأي بلا همز، أراد: اتبعوك في ظاهر الرأي، ولو تعقبوا أمرهم وفكروا فيه لم يتبعوك. ويجوز أن يكون المعنى: في ظاهر رأينا، أي اتبعك الأراذل فيما ظهر لنا منهم.
وقولهم: ليت فلانا في الحش
قال أبو بكر: الحش: موضع الخلاء، أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
داود محمود وأنت مذمّم ... عجبا لذاك وأنتما من عود
ولربّ عود قد يشقّ لمسجد ... نصفا وسائره لحشّ يهود (3)
وقال أبو عبيدة (4): الحشّ عند العرب: البستان، واحتج بالحديث الذي يروى
__________
(1) لعروة بن الورد، ديوانه 57.
(2) سورة هود: آية 27.
(3) لم أقف عليهما.
(4) غريب الحديث 4/ 10.(1/211)
عن طلحة (1): (أنه لما دخل البصرة قام إليه رجل فقال: إنا أناس في هذه الأمصار، وإنه أتانا قتل أمير وتأمير آخر، وأتتنا بيعتك وبيعة أصحابك، فاتق الله، ولا تكن أول من غدر، فقال طلحة: أنصتوني، ثم قال: إني أخذت فأدخلت في الحشّ، وقرّبوا فوضعوا للّجّ على قفيّ ثم قالوا: لتبايعن ولنقتلنّك، فبايعت وأنا مكره). فالحش:
البستان، وفيه لغتان: الحشّ والحشّ، ويقال في جمعه: حشان (2). وإنما سمي موضع الخلاء حشا، لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين. واللج: السيف، وفيه قولان: قال الأصمعي (3): اللج اسم سمي السيف به كما سمي ذا الفقار والصمصامة.
ويقال: اللج سمي السيف به لأنه شبه بلجة البحر، في هوله، يقال: هذا لج البحر وهذه لجة البحر. وقوله: على قفي، هذه لغة طيئ، يقولون: هذه عصي ورحيّ، يريدون: عصاي ورحاي. قرأ ابن أبي إسحاق: هي عصيّ أتوكّؤا عليها (4) وقرأ النبي صلّى الله عليه وسلم: «فمن تبع هديّ فلا خوف عليهم» (5)، وقال أبو ذؤيب (6):
تركوا هويّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع
وقال الآخر (7):
يطوف بي عكب في معدّ ... ويطعن بالصّملّة في قفيّا
فإن لم تثأروا لي من عكبّ ... فلا أرويتم أبدا صديّا
أراد: صداي، فقلب الألف ياء على هذه اللغة. وقال أبو داود (8):
فأبلوني بليتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا
__________
(1) طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي 36هـ. (طبقات ابن سعد 3/ 152، ذيل المذيل 11، خصائص العشرة الكرام 109).
(2) وحشان بضم الحاء، كما في اللسان (حشش).
(3) غريب الحديث 4/ 10.
(4) سورة طه: آية 18.
(5) سورة البقرة: آية 38.
(6) ديوان الهذليين 1/ 2. وأعنقوا: أسرعوا. وتخرموا: تخطفهم الموت.
(7) المنخل اليشكري كما في اللسان (عكب)، وعكب هو: عكب: اللخمي صاحب سجن النعمان بن المنذر، والصملة: الحربة أو العصا.
(8) شعره: 350.(1/212)
أراد: نواي، فقلب الألف ياء. وقال الفراء: إنما فعلت طيئ هذا، لأن العرب اعتادت كسر ما قبل ياء الإضافة في قولهم: هذا غلامي، وهذه داري، فلما قالوا:
هذه رحاي، وهذه عصاي، طلبوا من الألف ذلك الكسر، فقلبوها ياء وأدغموها في ياء الإضافة.
وقولهم: تقيس الملائكة إلى الحدّادين
قال أبو بكر: الحدادون: السجانون، وكل مانع عند العرب حدّاد. قال الشاعر في صفة محبوس بقتل:
يقول له الحدّاد أنت معذّب ... غداة غد أو مسلم فقتيل (1)
أراد: يقول له السجان. وقال الآخر (2):
لقد ألف الحدّاد بين عصابة ... تسائل في الأقياد ماذا ذنوبها
وقال الأعشى (3):
فملنا ولّما يصح ديكنا ... إلى جونة عند حدّادها
يعني خمرا، وحدادها الذي يمنع منها. ويقال: أصل هذا الكلام: أن الله عز وجل لما أنزل على نبيه صلّى الله عليه وسلم: «لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر» (4)، قال أبو جهل ابن هشام (5): ما تسعة عشر؟ الرجل منا يقوم بالرجل منهم فيكفه عن الناس، وقال أبو الأشدين (6)، رجل من بني جمح: أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني اثنين، فأنزل الله عز وجل: {وَمََا جَعَلْنََا أَصْحََابَ النََّارِ إِلََّا مَلََائِكَةً} (7)، أي فمن يطيق
__________
(1) أمالي القالي 1/ 146بلا عزو.
(2) لم أقف عليه.
(3) ديوانه 51.
(4) سورة المدثر: آية 30.
(5) أسباب النزول للسيوطي 111.
(6) قال مقاتل: اسمه: أسيد بن كلدة. وقال غيره: كلدة بن خلف الجمحي. (زاد المسير 8/ 408).
(7) سورة المدثر: آية 31.(1/213)
الملائكة، ثم قال: {وَمََا جَعَلْنََا عِدَّتَهُمْ إِلََّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: في القلة ليقولوا ما قالوا، ثم قال عز وجل: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ}، لأن عدد الخزنة في كتابهم تسعة عشر، {وَيَزْدََادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمََاناً} إذا وجدوا ما معهم موافقا لما في كتب الله عز وجل. والحداد: هو المانع، والحدد: هو المنع، قال زيد بن عمرو بن نفيل (1):
لا تعبدون إلها غير خالقكم ... فإن أبيتم فقولوا دونه حدد
معناه: دونه مانع، فلما قال أبو جهل وأبو الأشدين هذا، قال المسلمون: تقيس الملائكة إلى الحدادين، أي: تقيس الملائكة إلى السجّانين من الناس. وقال كعب الحبر في قول الله عز وجل: {عَلَيْهََا تِسْعَةَ عَشَرَ}: ما منهم ملك إلا معه عمود ذو شعبتين، يدفع الدفعة، يلقي في النار سبعين ألفا.
وقولهم: كيف أهلك وحامّتك
قال أبو بكر: الحامّة معناها في كلامهم: القرابة، من ذلك قولهم: فلان حميم فلان، معناه: قريب فلان. قال الشاعر (2):
لعمرك ما سمّيته بمناصح ... شقيق ولا أسميته بحميم
وقال الآخر:
تسمّنها بأخثر حلبتيها ... ومولاك الأحمّ له سعار (3)
معناه: ومولاك الأقرب به جنون من الجوع، قال الله عز وجل: {إِنََّا إِذاً لَفِي ضَلََالٍ وَسُعُرٍ} (4). في السعر ثلاثة أقوال قال الفراء: السعر: العناء. والمعنى: إنا إذا لفي ضلال وعناء. وقال أبو عبيدة (5): السعر: الجنون، واحتج بأن العرب تقول: ناقة مسعورة، إذا كانت كأنها مجنونة من نشاطها، واحتج بقول الشاعر (6):
__________
(1) اللسان (حدد).
(2) لم أقف عليه.
(3) بلا عزو في اللسان (سعر).
(4) سورة القمر: آية 24.
(5) لم أقف على قولة أبي عبيدة في المجاز، وهي بهذا المعنى عند ابن قتيبة في غريب القرآن 433.
(6) لم أقف عليه.(1/214)
بغيض إليّ الظلم ما لم أصب به ... من الضّيم مسعور الفؤاد نفور
معناه: مجنون الفؤاد، واحتج بقول الآخر (1):
تخال بها سعرا إذا العيس هزها ... ذميل وتوضيع من السير متعب
وروى الأثرم (2) وأحمد بن عبيد عن أبي عبيدة أنه قال: السّعر جمع سعير.
وجاء في الحديث: «تعوذوا بالله من شر السّامّة والحامّة والعامّة» (3). فالسّامّة:
الخاصّة، والحامة: القرابة. ويقال: كيف سامّتك وعامّتك؟ أي: كيف من تخص وتعم، قال الراجز (4):
هو الذي أنعم نعمى عمّت ... على الذين أسلموا وسمّت
أي: وخصت.
وقولهم: هذا يوم العيد
قال أبو بكر: قال النحويون: يوم العيد معناه: يوم يعود فيه السرور. والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح أو الحزن. وكان الأصل في العيد: العود، لأنه من عاد يعود عودا، فلما سكنت الواو، وانكسر ما قبلها، صارت ياء. قال النحويون: إذا سكنت الياء، وانضم ما قبلها، صارت واوا، وإذا سكنت الواو، وانكسر ما قبلها، صارت ياء، فمن ذلك قولهم: موسر وموقن، الأصل فيه: ميسر وميقن، لأنه من أيسر وأيقن، فلما سكنت الياء، وانضم ما قبلها، صارت واوا، الدليل على هذا: أنهم يجمعون الموسر على مياسير. ومن ذلك قولهم: ميزان وميعاد وميقات، الأصل فيهن: موزان وموعاد وموقات، لأنه من الوزن والوعد والوقت، فلما سكنت الواو، وانكسر ما قبلها، صارت ياء. قال الشاعر:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) أبو الحسن علي بن المغيرة، روى كتب أبي عبيدة والأصمعي، توفي 230هـ. (تاريخ بغداد 12/ 107، معجم الأدباء 15/ 77، الأنباه: 3/ 319).
(3) النهاية 2/ 404.
(4) العجاج، ديوانه 268.(1/215)
عاد قلبي من الطويلة عيد ... واعتراني من حبّها تسهيد (1)
فالعيد هاهنا: الوقت الذي يعود فيه الحزن والشوق، وقال الآخر (2):
طاف الخيال فعاده ... من ذكر ميّة ما يعوده
وقال تأبط شرا (3):
يا عيد مالك من شوق وإيراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
العيد: ما يعتاده من الشوق والحزن. ويروى: يا هند مالك من شوق. وروى أبو عمرو: يا هيد مالك من شوق وإيراق. ومعنى يا هيد: ما حالك وما شأنك.
يقال: أتى فلان القوم فما قالوا له: هيد مالك؟ أي: ما سألوه عن حاله. ومعنى:
مالك من شوق: ما أعظمك من شوق. والطيف: طيف الخيال، وفيه قولان، يقال:
أصله طيّف، فخفّف، فقيل فيه: طيف. وقال الأصمعي: الطيف مصدر طاف الخيال يطيف طيفا، واحتج بقول الشاعر (4):
أنّى ألّم بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف
والطّراق: الذي يطرق بالليل، ولا يكون الطروق إلا بالليل.
وقولهم: قاتل الله فلانا
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال قال أبو عبيدة: معناه: قتل الله فلانا، وقال:
أكثر ما يكون (فاعل) لاثنين، وقد يكون لواحد. من ذلك قولهم: ناولت، وسافرت، وعاقبت اللص، وطارقت النعل. ويقال: قاتل الله فلانا، معناه: لعن الله فلانا، قال الله عز وجل: {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} (5)، قال الفراء: معناه: لعن الإنسان. ويقال:
__________
(1) شرح المفضليات 2بلا عزو.
(2) الأعشى، ديوانه 240.
(3) شعره: 103. وإيراق من الأرق. وتأبط شرا: هو ثابت بن جابر، من فتاك العرب في الجاهلية (المحبر 196، المبهج 17، الخزانة 1/ 66).
(4) كعب بن زهير، ديوانه 113. وشعوف: مصدر شعف أي ولع.
(5) سورة عبس: آية 17.(1/216)
معنى قاتل الله فلانا: عاداه الله، قال الله عز وجل: {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ أَنََّى يُؤْفَكُونَ} * (1)، فمعناه: قتلهم الله. وقال أبو مالك: معناه: لعنهم الله. وقال بعض المفسرين: معناه:
عاداهم الله، وأنشد أبو عبيدة:
قاتل الله، قيس عيلان ما لهم ... دون غدره من حجاب (2)
وقال الآخر (3):
ألا قاتل الله الطلول البواليا ... وقاتل ذكراك السنين الخواليا
وقال آخر (4):
قاتلك الله ما أشدّ علي ... ك البذل في صون عرضك الجرب
وفي = يؤفكون = قولان يقال: معنى يؤفكون: يحدّون. ويقال: أرض مأفوكة، إذا لم يصبها مطر، ولم يكن بها نبات. وقال أبو عبيدة: معنى يؤفكون: يقلبون عن الخير، وقال: يقال: قد أفكت الأرض إذا قلبت عن أهلها. ويقال: أرض مؤتفكة، إذا انقلبت على أهلها، قال الله عز وجل: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى ََ} (5)، قال حميد بن ثور (6):
في ذلكم لذوي الألباب موعظة ... إن معشر عن هدى أو طاعة أفكو
معناه: انقلبوا.
وقولهم: رجل متأنّ
قال أبو بكر: قال أبو عبيد (7): المتأني معناه في اللغة: المتثبّت المتمكّث الذي لا
__________
(1) سورة التوبة: آية 30، سورة المنافقون: آية 4.
(2) لم أقف عليه.
(3) عنترة، ديوانه 224.
(4) بلا عزو في اللسان (عرض).
(5) سورة النجم: آية 53.
(6) ديوانه 115.
(7) غريب الحديث 1/ 75.(1/217)
يعجل، واحتج بالحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه نظر إلى رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له: آنيت وآذيت» (1). فمعنى آنيت: أخرت المجيء، وتأخرت عن الوقت. قال الحطيئة (2):
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشّعرى فطال بي الأناء
معناه: أخرت العشاء.
وقولهم: قد وجب الحقّ
قال أبو بكر: معناه: قد وقع الحق، وكذلك: قد وجب البيع معناه: قد وقع البيع، قال الله عز وجل: {فَإِذََا وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} (3)، معناه: إذا سقطت ووقعت على الأرض، قال الشاعر (4):
طاعت بنو عوف أميرا نهاهم ... عن السّلم حتى كان أول واجب
معناه: أول ميت ساقط على الأرض. وقال الآخر (5):
ألم تكسف الشمس شمس النهار ... والبدر للجبل الواجب
معناه: للسيد الميت الذي هو كالجبل. ويقال: وجب البيع يجب وجوبا وجبة.
وكذلك الحق والشمس. ووجب قلبه يجب وجيبا. قال الشاعر (6):
وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر
ويقال: وجب الحائط يجب وجبة، إذا سقط. ومعنى وجب قلبه: فزع وخفق.
وقولهم: ما يواسي فلان فلانا
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال، قال المفضل بن محمد الضبي: معناه: ما يشارك
__________
(1) سنن ابن ماجه 354.
(2) ديوانه 98.
(3) سورة الحج: آية 36.
(4) قيس بن الخطيم، ديوانه 90.
(5) أوس بن حجر، ديوانه 10.
(6) ابن مقبل، ديوانه 99. واللّدم: صوت الحجر ونحوه يقع في الأرض، وليس بالشديد.(1/218)
فلان فلانا، وقال: هو من المؤاساة وهي: المشاركة، يقال: آسى فلان فلانا، إذا شاركه فيما هو فيه، واحتج بقول الشاعر (1):
فإن يك عبد الله آسى ابن أمّه ... وآب بأسلاب الكمّي المغاور
وقال مؤرّج: معنى قولهم: ما يؤاسيه: ما يصيبه بخير، وقال: هو مأخوذ من قول العرب: أس فلانا بخير، أي: أصبه به. وقال غيرهما: ما يؤاسيه معناه: ما يعوّضه من مودته ولا قرابته شيئا، وقال: هو مأخوذ من الأوس، والأوس: العوض، قال الشاعر (2):
فلأحشأنّك مشقصا ... أوسا أويس من الهباله
الهبالة: اسم ناقة، والمعنى: أرميك بسهم يكون عوضا من الناقة، قال: وكان الأصل فيه: ما يؤاوسه، فقدموا السين وهي لام الفعل، وأخروا الواو وهي عين الفعل، فصار: يؤاسوه، فصارت الواو ياء لتحركها وانكسار ما قبلها، ومثل هذا من المقلوب قول القطامي (3):
ما اعتاد حبّ سليمى حين معتاد ... ولا تقضّى بواقي دينها الطّادي
الطادي: الفاعل، من ولدت إذا ثبت، أصله: الواطد، فأخر الواو بجعلها في موضع اللام من الفعل فصار: الطادو، ثم جعل الواو ياء لتحركها وانكسار ما قبلها.
ويجوز عندي أن يكون يؤاسي غير مقلوب، فيكون = يفاعل = من أسوت الجرح إذا أصلحته، فتكون الهمزة فاء الفعل، والسين عين الفعل، والياء لام الفعل، ويستغنى في هذا الوجه عن القلب، قال الشاعر (4):
فإني أستئيس الله منكم ... من الفردوس مرتفقا ظليلا
معناه: اسأله أن يعوضني ذلك. وقال الآخر (5):
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا
__________
(1) ليلى الأخيلية، ديوانها 83.
(2) أسماء بن خارجة كما في اللسان والتاج (أوس).
(3) ديوانه 78.
(4) عبد العزيز بن زرارة الكلابي في الأمثال لمؤرج 75، والفاخر 10.
(5) النابغة الجعدي 78.(1/219)
معناه: هو المسؤول العوض.
وقولهم: أوبقت فلانا ذنوبه
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه: أهلكته ذنوبه، واحتج بقول الله عز وجل:
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمََا كَسَبُوا} (1)، واحتج بقول الشاعر (2):
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... من عثرة إن يؤاخذني بها أبق
معناه: أهلك. ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً} (3)، في الموبق ثلاثة أقوال قال المفسرون: الموبق: واد في جهنم. وقال الفراء: الموبق: الهلاك، والمعنى عنده: وجعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة. وقال أبو عبيدة:
الموبق: الموعد، واحتج بقول الشاعر:
وحاد شرورى والستار فلم يدع ... تعارا له والواديين بموبق (4)
معناه: بموعد.
وقولهم: بالرّفاء والبنين
قال أبو بكر: قال الأصمعي (5): الرفاء على معنيين يكون الرفاء: من الاتفاق وحسن الاجتماع، ومنه قولهم: رفأت الثوب أرفؤه رفأ، معناه: ضممت بعضه إلى بعض ولاءمت بينهما. قال الشاعر (6):
بدّلت من جدّة الشبيبة وال ... أبدال ثوب المشيب أردؤها
__________
(1) سورة الشورى: آية 34.
(2) أعشى همدان، الصبح المنير 337وفيه: أستغفر الله أعمالي التي سلفت.
(3) سورة الكهف: آية 52.
(4) تفسير الطبري 15/ 265واللسان (وبق) بلا عزو، وحاد: نأى. وشرورى والستار وتعار:
أسماء جبال.
(5) غريب الحديث 1/ 76.
(6) ابن هرمة، ديوانه 51 (العراق)، 58 (دمشق).(1/220)
ملاءة غير جدّ واسعة ... أخيطها تارة وأرفؤها
والوجه الآخر: أن يكون الرفاء: من الهدوء والسكون، يقال: رفوت الرجل إذا سكّنته، قال أبو خراش (1):
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
وقال أبو زيد: الرفاء: مأخوذ من المرافاة، قال: والمرافاة غير مهموز: الموافقة، واحتج بقول الشاعر:
ولما أن رأيت أبا رويم ... يرافيني ويكره أن يلاما (2)
وقال اليمامي (3): الرفاء: المال.
وقولهم: فلان ضخم الدسيعة
قال أبو بكر: معناه: كثير العطاء، أخذ من قولهم: قد دسع الرجل يدسع، إذا أعطى وأجزل، من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل:
يا ابن آدم ألم أحملك على الخيل والإبل، وزوّجتك النساء، وجعلتك تربع وتدسع؟ فيقول: بلى يا ربّ. فيقول: فأين شكر ذلك» (4). فمعنى قوله: تربع، تأخذ المرباع: وهو ربع الغنيمة، وكان الرئيس في الجاهلية إذا غزا فغنم، أخذ ربع الغنيمة. ومعنى قوله: وتدسع: تعطي وتجزل، إذا قسمت الغنائم بين الناس.
وقولهم: قد شقّ فلان عصا المسلمين
قال أبو بكر: قال أبو عبيد (5): معناه: قد فرق جماعة المسلمين، قال: والأصل
__________
(1) ديوان الهذليين 2/ 144. وأبو خراش: هو خويلد بن مرة، مخضرم. (الشعر والشعراء 663، اللآلئ 216، الخزانة 1/ 211).
(2) التصحيف والتحريف 38بلا عزو.
(3) المقصور والممدود للقالي 384.
(4) مسند ابن حنبل 2/ 492، النهاية 2/ 117.
(5) غريب الحديث 1/ 344.(1/221)
في العصا: الاجتماع والائتلاف، من ذلك قولهم للرجل إذا أقام بالمكان، واطمأن به، واجتمع له فيه أمره: قد ألقى عصاه. قال الشاعر (1):
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
ومن ذلك قول صلة بن أشيم (2) لأبي السّليل (3): (إياك وقتيل العصا) (4).
معناه: إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شقّ عصا المسلمين. وقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا ترفع عصاك عن أهلك» (5). لم يرد عليه الصلاة والسلام الضرب بها لأنه لا يأمر بهذا أحدا، وإنما أراد: لا ترفع أدبك. قال الشاعر (6):
الحمد لله قد ونى فرسي ... ونام ليل القلائص الوحد
تركت أهل الصّبا وشأنهم ... فلم تعد لي العصا ولم أعد
معناه: لم ترفع علي عصا اللوم والعذل لأني قد عزفت عن اللهو والصبا.
وقال أبو عبيد (7): يقال للرجل إذا كان لينا رفيقا حسن السيرة فيما ولي: إنه لين العصا، واحتج بقول معن بن أوس (8):
عليه شريب ليّن وادع العصا ... يساجلها جمّاته وتساجله
وقال يعقوب بن السكيت في قول الشاعر:
ويكفيك أن لا يرحل الضيف لائما ... عصا العبد والبئر التي لا تميهها (9)
__________
(1) معقر بن حمار البارقي كما في المؤتلف 128. ونسب إلى مضرس بن ربعي في البيان والتبيين 3/ 40. ونسب في اللسان (عصا) إلى عبد ربه السلمي، أو سليم بن تمامة الحنفي، أو معقر. وينظر كتاب العصا 193.
(2) يكنى أبا الصهباء، قتل 62هـ. (طبقات ابن سعد 7/ 134، طبقات ابن خياط 456).
(3) هو ضريب بن نقير، توفي زمن ابن هبيرة. (طبقات ابن سعد 7/ 222، طبقات ابن خياط 511، تهذيب التهذيب 4/ 457).
(4) غريب الحديث 1/ 344.
(5) غريب الحديث 1/ 344، الفائق 2/ 440.
(6) لم أقف عليه.
(7) غريب الحديث 1/ 345.
(8) ديوانه 112 (بغداد).
(9) بلا عزو في المصون 82، والتصحيف والتحريف 202.(1/222)
قال: البئر هاهنا: بؤرة تحفر في الأرض وتجعل فيها الملّة، وتجعل الخبزة على الملة، والعصا: هي العصا التي تقلّب بها الخبزة على الملة حتى تنضج، وينفض عنها بها الرماد، وأنشد بيت حاتم (1):
إذا كان نفض الخبز مسحا بخرقة ... وأخمد دون الطّارق المتنوّر
قال: يعني سنة جدب، فإذا خبز الرجل الخبزة على الملة نفّض عنها الرماد بخرقة، ولم يضربها بعصا لئلا يسمع جاره صوت العصا، فيأتيه يستطعمه. وأما قول الآخر في العصا:
إذا جاء نقّاف يجرّ قناته ... طويل العصا عدّيته عن شياهيا (2)
النقاف هاهنا: السائل. وكان السائل رسولا للمريب والمريبة، فإذا وقف نقف الأرض بعصاه، فإذا سمعت المرأة ذلك خرجت إليه، فأبلغها الرسالة، فكان نقف الأرض علامة بينه وبينها. وأما قوله: عديته عن شياهيا، معناه: عن نسائي. والعرب تكني عن المرأة بالشاة والنعجة، قال الله عز وجل: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} (3)، قال المفسرون: النعجة: كناية عن المرأة، وقال عنترة (4):
يا شاة ما قنص لمن حلّت له ... حرمت عليّ وليتها لم تحرم
يعني بالشاة هاهنا: امرأة. وقال يعقوب في قول الشاعر:
إني أراك والدا كذاكا ... قد طال هذا الظلّ من عصاكا (5)
معناه: قد طال ما ترفع علي العصا وتتوعدني وتتهددني، فلعصاك ظلّ إذا رفعتها.
وقولهم: هذه ليلة البدر
قال أبو بكر: في البدر قولان: أحدهما: أن تكون سميت ليلة البدر، لأن القمر
__________
(1) أخل به ديوانه بجميع طبعاته.
(2) اللسان (تقف) بلا عزو.
(3) سورة ص: آية 23.
(4) ديوانه 213.
(5) شرح القصائد السبع 212بلا عزو.(1/223)
فيها يبادر طلوعه غروب الشمس. والقول الآخر: أن تكون سميت ليلة البدر، لامتلاء القمر وحسنه وكماله. وقال أصحاب هذا القول: إنما سميت بدرة الدراهم بدرة، لامتلائها، ومن ذلك قولهم: عين حدرة بدرة، إذا كانت ممتلئة. قال امرؤ القيس (1):
وعين لها حدرة بدرة ... شقّت مآقيها من أخر
والحدرة أيضا: هي الممتلئة، يقال: بعير حادر، إذا كان ممتلئا شحما. قال الشاعر (2):
وإذا خليلك لم يدم لك وصله ... فاقطع لبانته بحرف ضامر
وجناء مجفرة الضّلوع رجلية ... ولقى الهواجر ذات خلق حادر
اللّبانة: الحاجة، والحرف: الناقة، شبهت بحرف الجبل في صلابتها. ويقال:
شبهت بحرف السيف في مضائها. والوجناء: الصلبة، أخذت من وجين الأرض.
والمجفرة: العظيمة الجفرة، والجفرة: الوسط. والرجيلة: القوية على المشي. والحادر:
الممتلئ، وقرأ ابن أبي عمار: {وَإِنََّا لَجَمِيعٌ حََاذِرُونَ} (3) بالدال، فمعناه: ممتلئون من السلاح، وهو من قولهم: بعير حادر، إذا كان ممتلئا شحما. وقراءة العامة: حاذرون وحذرون، بالذال في الوجهين. وقال الفراء: الفرق بين الحاذر والحذر، أن الحاذر:
الذي يحذرك الآن، والحذر: المخلوق حذرا، الذي لا تلقاه إلا حذرا. وقال ابن عباس: الحذرون: الممتلئون من السلاح، واحتج بقول الشاعر:
لعمر أبي أثال حيث أمسى ... لقد فخرت به أبناء بكر
حنيفة في كتائب حاذرات ... يقودهم أبو شبل هزبر (4)
__________
(1) ديوانه 166.
(2) ثعلبة بن صعير في المفضليات 129.
(3) سورة الشعراء: آية 56.
(4) لم أقف عليهما.(1/224)
وقولهم: قد حسمت مجيء فلان
قال أبو بكر: معناه: قد قطعت مجيئه، والحسم في هذا: القطع. قال الشاعر:
يا ويح هذا من زمان أهله ... ألب عليه وخيره محسوم
معناه: وخيره مقطوع. وقال الآخر:
هبة البخيل شبيهة بطباعه ... فهو القليل وما يفيد قليل
والعزّ فى حسم المطامع كلّها ... فإن استطعت فمت وأنت نبيل (1)
معناه: في قطع المطامع. وأما قوله عز وجل: {وَثَمََانِيَةَ أَيََّامٍ حُسُوماً} (2)، فإن الحسوم هاهنا: المتتابعة، وقال قوم: هي المشائيم، وأهل اللغة على القول الأول. قال الشاعر:
بما كذّبوا عبدك المرء هودا ... وكان لديك أمينا سليما
فأرسلت ريحا دبورا عقيما ... فدارت عليهم لوقت حسوما (3)
وقال الفراء: أصل هذا من حسم الداء، وذلك أن يحمى، الموضع، ثم يتابع عليه بالمكواة.
وقولهم: بقي فلان متلددا
قال أبو بكر: معناه: بقي متحيرا ينظر يمينا وشمالا، وهو مأخوذ من اللديدين، واللديدان: صفحتا العنق. فالمعنى: بقي متحيرا ينظر مرة إلى هذا اللديد، ومرة إلى هذا اللديد. واللدود: ما سقيه الإنسان في أحد شقّي الفم. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «خير ما تداويتم به اللّدود والسّعوط والحجامة والمشيّ» (4). ومن ذلك الحديث الذي يروى: أنه صلّى الله عليه وسلم لدّ في مرضه الذي مات فيه مغمى عليه، فلما أفاق قال: «لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ إلا عمي العباس» (5). وإنما فعل ذلك بهم معاقبة لهم، إذ أكرهوه
__________
(1) الثاني فقط بلا عزو في شرح القصائد السبع 591.
(2) سورة الحاقة: آية 7.
(3) لم أقف عليهما.
(4) غريب الحديث 1/ 234، النهاية 4/ 245.
(5) غريب الحديث 1/ 235.(1/225)
وسقوه بغير استئذانه. وقال الأصمعي (1): اللدود مأخوذ من لديدي الوادي: وهما جانباه، قال: ومن ذلك قولهم: بقي متلددا. واللدود يقال في جمعه: ألدّة قال عمرو ابن أحمر (2):
شربت الشّكاعى والتددت ألدّة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
والوجور: ما سقيه الإنسان في وسط فمه.
وقولهم: فلان ألحن بحجّته من فلان
قال أبو بكر: معناه: فلان أقوم بحجته وأفطن لها. وهو مأخوذ من قولهم: قد لحن الرجل يلحن لحنا. أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: يقال: قد لحن الرجل يلحن لحنا، إذا أخطأ، وقد لحن يلحن لحنا، إذا أصاب وفطن، وأنشد:
وحديث ألذّه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا (3)
معناه: ويصيب أحيانا. وحدثنا إسماعيل بن إسحاق (4) قال: حدثنا نصر بن علي (5)، قال: أخبرنا الأصمعي، عن عيسى بن عمر (6)، قال معاوية للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذاك أظرف له. ذهب معاوية إلى
__________
(1) غريب الحديث 1/ 235.
(2) شعره: 171. والشكاعي: نبت يتداوى به. وأقبلت: جعلتها قبالة المكاوي.
(3) لمالك بن أسماء بن خارجة كما في التنبيه على حدوث التصحيف 92، والتصحيف والتحريف 91.
(4) إسماعيل بن إسحاق القاضي، فقيه على مذهب مالك، توفي 282هـ. (تاريخ بغداد 6/ 284، المنتظم 5/ 151، الديباج المذهب 92).
(5) روى عن أبيه الذي كان من أصحاب الخليل، توفي 250هـ. (العبر 1/ 457، طبقات الحفاظ 227، خلاصة تذهيب الكمال 3/ 91).
(6) من قراء أهل البصرة ونحاتها، له قراءات تفارق قراءة العامة، توفي 149هـ. (المراتب 21، أخبار النحويين 25، نور القبس 46).(1/226)
اللحن الذي هو فطنة، وذهبوا هم إلى اللحن الذي هو خطأ. ويقال: رجل لحن إذا كان قطنا، ورجل لاحن إذا أخطأ، قال لبيد (1) يذكر كاتبا:
متعوّد لحن يعيد بكفّه ... قلما على عسب ذبلن وبان
اللحن بتسكين الحاء: الخطأ، واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما سكنوا الحاء في الفطنة، قال الله عز وجل: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (2)، معناه: في معنى القول وفي مذهب القول. وقال القتال الكلابي (3):
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا ... ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
معناه: ولقد بينت لكم. ومن اللحن: الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أن رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار، فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله، حقي هذا لصاحبي، فقال: لا، ولكن اذهبا فتوخّيا ثم استهما ثم ليحلّ كل واحد منكما صاحبه» (4).
ومن ذلك قول عمر بن عبد العزيز: «عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم». واللحن في غير هذا اللغة، ذكر ذلك الأصمعي وأبو زيد، من ذلك قول عمر بن الخطاب: «تعلموا الفرائض والسنة واللحن كما تعلّمون القرآن» (5) فاللحن: اللغة. وقال أبو عبيد: اللحن: هو الخطأ، وذلك أنهم إذا تعلموا الخطأ فقد تعلموا الصواب. وقال يزيد بن هارون (6): اللحن: النحو. وروى
__________
(1) ديوانه 138. والعسب: جريد النخل.
(2) سورة محمد: آية 30.
(3) ديوانه 36. ووحيت: أشرت إشارة خفية. والقتال الكلابي: هو عبد الله بن مجيب، لقب بالقتال لتمرده وفتكه، إسلامي، وقيل جاهلي. (الشعر والشعراء 705، اللآلئ 12، الخزانة 3/ 667).
(4) غريب الحديث 2/ 233232.
(5) غريب الحديث 2/ 233232.
(6) من حفاظ الحديث الثقات، توفي 206هـ. (تذكرة الحفاظ 1/ 317، طبقات الحفاظ 132).(1/227)
شريك (1) عن أبي إسحاق (2) عن أبي ميسرة (3) أنه قال في قول الله عز وجل:
{فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} (4)، العرم: المسنّاة بلحن اليمن، معناه: بلغة اليمن.
ومن ذلك الحديث: (إنا لنرغب عن كثير من لحن أبيّ). معناه: من لغته. وقال الشاعر (5) في اللحن الذي هو اللغة:
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... تبكّت على خضراء سمر قيودها
صدوح الضحى معروفة اللحن لم نزل ... تقود الهوى من مسعد ويقودها
وقال الآخر (6):
لقد تركت فؤادك مستحنّا (7) ... مطوّقة على فنن تغنّى
يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عنّ للمحزون أنّا
فلا يحزنك أيام تولّى ... تذكّرها ولا طير أرنّا
وقال الآخر (8):
وهاتفين بشجو بعدما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان
باتا على غصن بان في ذرى فنن ... يردّدان لحونا ذات ألوان
معناه: يردّدان لغات.
__________
(1) شريك بن عبد الله النخعي، توفي 177هـ. (وفيات الأعيان 2/ 464، طبقات الحفاظ 98).
(2) أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، توفي 126هـ. (العبر 1/ 165، طبقات الحفاظ 43، المغني في الضعفاء 486).
(3) عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، توفي 62هـ. (طبقات ابن سعد 6/ 106، طبقات ابن خياط 338).
(4) سورة سبأ: آية 16.
(5) علي بن عميرة الجرمي كما في اللآلئ 19. وقيودها: أصولها.
(6) بريه بن النعمان الأشعري في اللآلئ 20. وفي اللسان والتاج (لحن): يزيد بن النعمان. وفي شرح مقامات الحريري 2/ 122: سويد بن الأعلم.
(7) مستحنا: استحنه الشوق إلى وطنه.
(8) في حاشية التنبيه للبكري 16أنه ابن مخرمة السعدي، أو بريد بن النعمان.(1/228)
وقولهم: اللهمّ لا تناقشنا الحساب
قال أبو بكر: معناه: لا تستقص علينا في الحساب حتى لا تترك منه شيئا.
والمناقشة معناها في اللغة: الاستقصاء، من ذلك قولهم: قد انتقشت حقي من فلان، معناه: قد استخرجته ولم أترك منه شيئا. وقال الحارث بن حلزة (1) يعاتب قوما:
أو نقشتم فالنقش يجشمه القو ... م وفيه الصّلاح والإبراء
يقول: لو كانت بيننا وبينكم محاسبة ومناظرة لعرفتم الصحة والبراءة. وقال أبو عبيد (2): لا أحسب نقش الشوكة أخذ إلا من هذا، وهو أن تستخرج ولا يترك في البدن منها شيء، قال: وإنما سمي المنقاش منقاشا، لأنه يستخرج به الشوك، وينقش به. قال الشاعر:
لا تنقشنّ برجل غيرك شوكة ... فتقي برجلك رجل من قد شاكها (3)
قال أبو عبيد: معنى شاكها: دخل في الشوك. وقال: يقال: قد شكت الشّوك فأنا أشاكه، إذا دخلت فيه. فإذا أردت أن الشوك أصابك قلت: شاكني الشّوك يشوكني شوكا. ومن الانتقاش قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» (4)، معناه: من استقصي عليه فيه.
وقولهم: قد فرّط فلان في حاجتي
قال أبو بكر: معناه: قد قدم فيها التقصير والعجز. وهو من قولهم: قد فرط الفارط في طلب الماء، والفارط: هو الذي يتقدم القوم إلى الماء، وجمعه فرّاط. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول في قول الله عز وجل: {لََا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النََّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} (5)، قال: معناه: وإنهم مقدّمون إلى النار معجّلون إليها. ومن ذلك قول
__________
(1) ديوانه 12 (بغداد).
(2) غريب الحديث 1/ 201.
(3) دون عزو في شرح القصائد السبع 468واللسان (شوك). وبرجل غيرك يعني: من رجل غيرك، فجعل الباء مكان (من).
(4) غريب الحديث 1/ 201.
(5) سورة النحل: آية 62.(1/229)
النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» (1)، معناه: أنا أتقدمكم إليه حتى تردوه عليّ. ومن ذلك قولهم في الصلاة على الصبيّ الميت: «اللهم اجعله لنا فرطا» (2)، معناه: اجعله لنا أجرا متقدما، ومن ذلك قول القطامي (3):
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجّل فرّاط لورّاد
معناه: كما تعجّل المتقدمون في طلب الماء. والصحابة: جمع صاحب، يقال في جمع الصاحب: صحاب وصحابة وصحبة. قال الكسائي والفراء: معنى قول الله عز وجل: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ}: وأنهم منسيون في النار. يقال: أفرطت الرجل، إذا أخرته ونسيته. وقرأ نافع: وأنهم مفرطون، بكسر الراء. وقرأ أبو جعفر: وأنهم مفرّطون. فمعنى قراءة نافع: وأنهم مفرطون على أنفسهم في الذنوب. ومعنى قراءة أبي جعفر: وأنهم مضيّعون مقصّرون، وهو مأخوذ من هذا، أي: مقدّمون العجز والتقصير. ومن ذلك قول الله عز وجل: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنََا وَهُمْ لََا يُفَرِّطُونَ} (4). وقرأ ابن هرمز (5): وهم لا يفرطون، بتسكين الفاء. ومعنى القراءتين: لا يقدمون العجز والتقصير، قال الشاعر:
أمّ الكتاب لديه لا يفرّطها ... فيها البيان وفيها الحفظ والعلم (6)
وقال الله عز وجل: {إِذََا جََاءَتْهُمُ السََّاعَةُ بَغْتَةً قََالُوا يََا حَسْرَتَنََا عَلى ََ مََا فَرَّطْنََا فِيهََا} (7). وقرأ علقمة بن قيس: على ما فرطنا فيها، بتخفيف الراء. ومعنى القراءتين جميعا على ما قدمنا من التقصير.
__________
(1) غريب الحديث 1/ 44، الفائق 3/ 97.
(2) غريب الحديث 1/ 45، النهاية 3/ 434.
(3) ديوانه 90.
(4) سورة الأنعام: آية 61.
(5) المحتسب 1/ 223. وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، تابعي، أخذ القراءة عن ابن عباس، توفي 117هـ. (المعارف 465، أخبار النحويين 16، طبقات القراء 1/ 381).
(6) لم أقف عليه.
(7) سورة الأنعام: آية 31.(1/230)
وقولهم: لأقطّعنّ فلانا إربا إربا
قال أبو بكر: معناه: لأقطّعنه عضوا عضوا. الإرب عندهم: العضو، والآراب:
الأعضاء. ومن ذلك الحديث: «الشيخ أملك لإربه» (1). والأريب في غير هذا:
العاقل، والإربة: العقل. والأرب: الحاجة، يقال: لا أرب لي في فلان، أي: لا حاجة لي فيه. قال الله عز وجل: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجََالِ} (2). يقال: هو الذي لا عقل له محكم بمنزلة المعتوه وما أشبه ذلك. والإربة على هذا التفسير معناها: العقل.
ويقال: غير أولي الإربة من الرجال: هو الصبيّ، والخصيّ، والعنّين، فعلى هذا التفسير الإربة: الحاجة، كأن هؤلاء لا حاجة لهم في النساء. ويقال: أرّبت الشيء تأريبا، إذا وفّرته. جاء في الحديث: «أتي النبي صلّى الله عليه وسلم بكتف مؤرّبة، فأكلها، وصلى، ولم يتوضأ» (3). فالمؤربة: الموفّرة، ويقال لكل موفّر: مؤرّب. قال الكميت (4):
ولانتشلت عضوين منها يحابر ... وكان لعبد القيس عضو مؤرّب
وقال أبو زبيد (5):
وأعطي فوق النصف ذو الحقّ منهم ... وأظلم بعضا أو جميعا مؤرّبا
أراد: موفّرا
وقولهم: فلان في الدّيماس
قال أبو بكر: الديماس معناه في اللغة: السّرب، من ذلك قولهم: قد دمست الرجل، إذا قبرته. ومن ذلك الحديث الذي يروى في صفة المسيح: «أنه كان سبط الشعر، كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس» (6)، معناه: كأنه خرج من سرب، أي: كأنه خرج من كنّ لصفاء لونه. ويدل على هذا الحديث الذي يروى في
__________
(1) ينظر: غريب الحديث 336، والفائق 1/ 37.
(2) سورة النور: آية 31.
(3) غريب الحديث 1/ 24، الغريبين 1/ 37.
(4) الهاشميات 43. ويحابر وعبد القيس: قبيلتان.
(5) شعره: 41.
(6) الفائق 1/ 438.(1/231)
صفته: «كأن وجهه يقطر ماء» (1).
وقولهم: فلان شهيد وهم الشهداء
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي الشهيد شهيدا لأن الله عز وجل وملائكته شهود له بالجنة، وهو فعيل بمعنى مفعول، كقولهم: هذا مطبوخ وطبيخ، ومقدور وقدير. قال أبو العباس: قالوا: والأرض يقال لها: شهادة، لأن دمه يصبّ عليها، فتشهد له بذلك عند الله، فسمي الشهيد شهيدا لهذا المعنى.
وقولهم: فلان يمنع الماعون
قال أبو بكر: قال محمد بن سلام: قال يونس بن حبيب: الماعون في الجاهلية:
كل عطية ومنفعة، واحتج بقول الأعشى (2):
فما مزبد روّحته الجنو ... ب جون غواربه تلتطم
يكبّ الخليّة ذات القلا ... ع قد كاد جؤجؤها ينحطم
بأجود منه بما عونه ... إذا ما سماؤهم لم تغم
والماعون في الإسلام: الزكاة والطاعة. قال الراعي (3) لعبد الملك بن مروان:
أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا ... حقّ الزكاة منزّلا تنزيلا
قوم على الإسلام لما يتركوا ... ماعونهم ويضيّعوا التهليلا
وقال الفراء: حدثني حبّان (4) بإسناده، يعني عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: الماعون: المعروف كله، حتى ذكر القدر والقصعة والفأس. قال الفراء:
__________
(1) تنوير الحوالك 2/ 219وفيه: (له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها فهي تقطر ماء). وينظر: سنن ابن ماجه 1357، وسنن الترمذي بشرح الأحوذي 9/ 94.
(2) ديوانه 31.
(3) ديوانه 136، 137، 140.
(4) حبان بن علي الكوفي، توفي 171هـ. (تهذيب التهذيب 2/ 173).(1/232)
وحدثني قيس بن الربيع (1) عن السدي عن عبد خير (2) عن علي رضي الله عنه قال: الماعون: الزكاة. قال: وسمعت بعض العرب يقول: الماعون: الماء، قال:
وأنشدني في ذلك:
يمجّ صبيره الماعون صبّا (3)
صبيره: سحابه.
وقولهم: فلان غلّ قمل
قال أبو بكر: قال أبو العباس: أصل هذا المثل لكل ما ابتلي به الإنسان، ولقي منه شدة، قال: والأصل في هذا: أنهم كانوا يغلّون الأسير بالقدّ، فيقمل عليه، فيلقى منه شدة، ثم كثر به الكلام، وجرى به المثل، حتى نعتوا به كل مؤذ. قال عمر بن الخطاب (4) رضي الله عنه: «النساء ثلاث: فهينة لينة، عفيفة مسلمة، تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غلّ قمل، يفكّه الله عمن يشاء، ويضعه في عنق من يشاء. والرجال ثلاثة: رجل ذو رأي وعقل، ورجل إذا حزّ به أمر أتى ذا رأي فاستشاره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا».
وقولهم: قد بار الطعام
قال أبو بكر: معناه: قد كسد. قال أبو عبيدة: الأصل في البور: الهلاك، جاء في الحديث: «تعوذوا بالله من بوار الأيّم» (5)، أي من كسادها. ومن ذلك قول
__________
(1) الأسدي الكوفي، توفي 165هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 391، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 356).
(2) عبد خير بن يزيد الكوفي، من أصحاب الإمام علي. (الاستيعاب 1005، الإصابة 5/ 102).
(3) بلا عزو في معاني القرآن 3/ 395.
(4) النهاية 3/ 381، 1/ 161.
(5) النهاية 1/ 161.(1/233)
الله عز وجل: {يَرْجُونَ تِجََارَةً لَنْ تَبُورَ} (1)، معناه: لن تكسد ولن تهلك. ومن ذلك قوله عز وجل: {وَكََانُوا قَوْماً بُوراً} (2)، معناه: وكنتم قوما هالكين. قال الفراء: البور يكون للمذكر والمؤنث، والاثنين والجميع، بلفظ واحد. وقال أبو عبيدة: البور: جمع، واحده بائر، على مثال قولهم: ناقة عائذ، إذا كانت حديثة النتاج، ونوق عوذ، إذا كنّ كذلك. قال الشاعر (3):
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
ومما يدل على صحة قول الفراء قول ابن الزّبعري للنبي صلّى الله عليه وسلم:
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
وقال الأنصاري (4) لبني قريظة:
هم أوتوا الكتاب فضيّعوه ... فهم عمي عن التوراة بور
وقال الفراء: حدثني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البور:
الفاسد. وقال الفراء: والبور عند العرب: لا شيء، يقال: أصبحت أعمالهم بورا، أي: لا شيء، ومنازلهم قبورا.
وقولهم: قد نصصت الحديث إلى فلان
قال أبو بكر: معناه: قد رفعت الحديث إلى فلان. قال عمرو بن دينار (5): (ما رأيت أحدا أنصّ للحديث من الزّهري) (6). معناه: أرفع للحديث. وإنما سميت المنصّة
__________
(1) سورة فاطر: آية 29.
(2) سورة الفرقان: آية 18.
(3) ابن هرمة، ديوانه 183 (العراق) 185، (دمشق).
(4) حسان، ديوانه 253.
(5) فقيه، كان مفتي أهل مكة، توفي 126، وقيل 115هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 30، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 284).
(6) النهاية 5/ 65. والزهري: هو محمد بن مسلم التابعي، توفي 124هـ. (ميزان الاعتدال 4/ 40، طبقات القراء 2/ 262).(1/234)
منصة لارتفاعها. قال امرؤ القيس (1):
وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش ... إذا هي نصّته ولا بمعطّل
معناه: إذا هي رفعته. ومن ذلك الحديث الذي يروى عن أم سلمة، أنها قالت لعائشة: «ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عارضك ببعض الفلوات ناصّة قلوصا من منهل إلى آخر» (2). معناه: رافعة في السير قلوصا. والقلوص من الإبل، بمنزلة الفتاة من النساء.
وقولهم: قد دعي فلان إلى الوليمة
قال أبو بكر: قال الفراء: الوليمة: طعام الإملاك، والعرس: طعام الزفاف. قال الراجز (3):
تجمّع الناس وقالوا عرس ... إذا قصاع كالأكفّ ملس
ففقئت عين وفاضت نفس
ويقال للطعام الذي يصنع للمرأة عند نفاسها: خرس وخرسة. قال الأصمعي:
يقال: امرأة خروس للتي يصنع لها عند ولادتها شيء تأكله أو تحسوه أياما، قال:
واسم الطعام الخرس والخرسة. قال الشاعر (4):
إذا النّفساء لم تخرّس ببكرها ... غلاما ولم يسكت بحتر فطيمها
قال يعقوب بن السكيت: الحتر: الشيء القليل. ويقال للطعام الذي يصنع للمختون: الإعذار والعذيرة. ويقال للطعام الذي يصنع للقادم: النقيعة. قال الراجز (5):
__________
(1) ديوانه 16.
(2) النهاية 5/ 64.
(3) دكين بن رجاء في الفاخر 121. وفي تهذيب الألفاظ 450: = ومن العرب من يقول:
فاضت نفسه بالضاد = واستشهد بالأبيات.
(4) الأعلم الهذلي: وهو حبيب بن عبد الله أخو صخر الغي، شرح أشعار الهذليين 327.
(5) العين 1/ 195، وجمهرة اللغة 2/ 310، والأفعال للسرقسطي 1/ 196من دون عزو.(1/235)
كلّ الطعام تشتهي ربيعه ... الخرس والإعذار والنقيعه
وقال الآخر (1):
إنا لنضرب بالسّيوف رؤوسهم ... ضرب القدار نقيعة القدّام
القدار: الجزّار. والنقيعة: الذبيحة التي تذبح للقادم، والقدّام: جمع قادم، وهو على مثال قولك: قائم وقوّام، وكافر وكفّار. ويقال للطعام الذي يصنع لبناء الدار:
الوكيزة. ويقال للطعام الذي يصنعه الرجل للدعوة التي يدعو فيها أصحابة: المأدبة، قال عبد الله بن مسعود: «إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن» (2).
قال أبو عبيد (3): المأدبة: الصنيع الذي يصنعه الإنسان، ويجمع عليه الناس، وهذا مثل شبّه ما ينتفع قارئ القرآن به من القرآن، بالطعام الذي يدعى الناس إليه فينتفعون به.
ويقال في جمع المأدبة: المآدب. قال الشاعر:
قالوا ثلاثاؤه خصب ومأدبة ... وكل أيامه يوم الثلاثاء (4)
وقال الآخر (5) يصف عقابا:
كأن قلوب الطير في جوف وكرها ... نوى القسب يلقى عند بعض المآدب
ويروى حديث عبد الله: إنّ هذا القرآن مأدبة الله. فالمأدبة بفتح الدال مفعلة من أدبت، إذا دعوت. سمعت أبا العباس يقول: ما كنت أديبا، ولقد أدبت، وما كنت آدبا، ولقد أدبت، أي داعيا، وأنشدنا لطرفة (6):
نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر
معناه: لا ترى الداعي. ويقال: قد دعا فلان النّقري، إذا خصّ بدعوته قوما
__________
(1) مهلهل كما في العين 1/ 196، ونوادر أبي مسحل 1/ 38.
(2) الفائق 1/ 30وفضائل القرآن 12. وروي أيضا: إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته. (ينظر: التذكار في أفضل الأذكار 30).
(3) غريب الحديث 4/ 108.
(4) الفاخر 122بلا عزو.
(5) صخر الغي الهذلي، ديوان الهذليين 2/ 55. وفي شرح أشعار الهذليين 245: = قال صخر الغي وقد رويت لأبي ذؤيب، ويقال: إنها لأخي صخر الغي يرثي بها أخاه صخرا، ومن يرويها لأخي صخر الغي أكثر =.
(6) ديوانه 65.(1/236)
دون قوم. وقد دعاهم الجفلى، إذا عمّ بدعوته (1).
وقولهم: لست من أحلاسها
قال أبو بكر: معناه: لست من أصحابها الذين يعرفونها ويقومون بها. وهو بمنزلة قولهم: بنو فلان أحلاس الخيل، معناه: هم يقتنونها ويضمرونها ويلزمون ظهورها. من ذلك الحديث الذي يروى عن أبي بكر رضي الله عنه: «أنه مر بالناس في عسكرهم بالجرف، فجعل ينسب القبائل حتى انتهى إلى بني فزارة، فقام إليه رجل منهم، فقال أبو بكر: مرحبا بكم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، نحن أحلاس الخيل، وقد قدناها معنا، فقال: بارك الله فيكم» (2). وروى أصحاب الأخبار: أن الضحاك بن قيس (3) دخل على معاوية، فقال معاوية:
تطاولت للضّحاك حتى رددته ... إلى حسب في قومه متقاصر
فقال الضحّاك: قد علم قومنا أننا أحلاس الخيل، فقال: صدقت، أنتم أحلاسها ونحن فرسانها (4). يريد: أنتم الساسة والراضة لها، ونحن الفرسان عليها. وفي مثل هذا المعنى قال جرير (5):
تصف السيوف وغيركم يعصى بها ... يا ابن القيون وذاك فعل الصّيقل
ويقال: قد عصى بالسيف يعصى به، إذا عمل به كما يعمل بالعصا، والأحلاس مأخوذة من الحلس، والحلس: كساء تحت البردعة، يلي ظهر البعير ويلزمه، فشبّه الذين يعرفون الشيء ويلزمونه بهذا الحلس. والحلس في غير هذا:
الفسطاط، من ذلك الحديث الذي يروى: «كن في الفتنة حلس بيتك» (6). أي:
__________
(1) ينظر في أسامي الأطعمة: الغريب المصنف 88، تهذيب الألفاظ 614، التلخيص 368، فقه اللغة 264، نظام الغريب 242.
(2) النهاية 1/ 424.
(3) الفهري القرشي، ولاه معاوية على الكوفة سنة 53هـ، قتل سنة 65هـ. (ابن عساكر 7/ 4، الكامل في التاريخ 4/ 151145).
(4) الفائق 1/ 305.
(5) ديوانه 943.
(6) الفائق 1/ 305، النهاية 1/ 423وفيهما: = ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية =.(1/237)
الزم بيتك، ولا تدخل مع الناس في فتنتهم.
وقولهم: أمتع الله بك
قال أبو بكر: معناه: أطال الله عمرك. وهو مأخوذ من الماتع، والماتع عند العرب: الطويل. يروى عن حذيفة (1) أنه ذكر الدجال فقال: «يسخّر معه جبل ماتع، خلاطه ثريد» (2). ويقال: قد متع النهار وتلع، إذا تعالى. من ذلك حديث مالك بن أوس بن الحدثان (3): «بينا أنا جالس في منزلي حين متع النهار، إذا رسول عمر قد جاءني، فدخلت عليه وهو جالس على رمال سرير» (4). وقال المسيّب بن علس (5):
وكأن غزلان الصّرائم إذ ... متع النهار وأرشق الحدق
والرّمال: شيء ينسج بين يدي السرير من السعف، يقال: قد رملت السرير.
ويقال: قد رملت فلانة السرير فهي راملة، إذا نسجت ذلك بين يديه. وقد أرملته فهي مرملة، لغة معروفة. قال كعب بن زهير (6) يصف طريقا:
ولا حب كحصير الراملات ترى ... من المطيّ على حافاته جيفا
وقال الراجز (7) في اللغة الأخرى:
كأن نسج العنكبوت المرمل
المرمل في الحقيقة: نعت للنسج، وإنما خفضه على الجوار للعنكبوت، كما
__________
(1) حذيفة بن اليمان، صحابي، توفي 36هـ. (الإصابة 2/ 44، تهذيب التهذيب 2/ 219).
(2) الفائق 3/ 344، النهاية 3/ 293. ونسب الحديث فيهما إلى كعب.
(3) تابعي، توفي هـ. (الاستيعاب 1346، الإصابة 5/ 709).
(4) النهاية 4/ 293.
(5) الصبح المنير 356.
(6) ديوانه 73.
(7) العجاج، ديوانه 158.(1/238)
قالوا: هذا جحر ضبّ خرب، فخفضوا خربا على الجوار للضب، وهو في الحقيقة نعت للمرفوع، وأنشدنا أبو العباس:
كأنما ضربت قدّام أعينها ... قطنا بمستحصد الأوتار محلوج (1)
فخفض محلوجا على الجوار للمستحصد، وهو في الحقيقة نعت للقطن.
وأنشدنا أيضا:
تريك سنّة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب (2)
خفض غير مقرفة على الجوار للوجه، وهو في الحقيقة نعت للسنة، قال الله عز وجل: {أَعْمََالُهُمْ كَرَمََادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عََاصِفٍ} (3). قال أبو بكر: قال لنا أبو العباس: كان الفراء يقول: في هذا ثلاثة أقوال: أحدهن، أنه خفض عاصفا على الجوار لليوم، وهو في الحقيقة نعت للريح. والقول الثاني: أن يكون جعل عاصفا نعتا لليوم، لأن العصوف يكون في اليوم. والقول الثالث: أن يكون المعنى: في يوم عاصف الريح، فاكتفى بالريح الأولى من الريح الثانية. وقال الأنصاري (4) في أمتع:
واها لأيام الصّبا وزمانه ... لو كان أمتع بالمقام قليلا
معناه: لو كان أطال المقام. ومعنى واها: التعجب. قال أبو العباس: في هذا أربعة أوجه: يقول الرجل للرجل: إنه حدثنا، إذا استزاده. وإيها كفّ عنا، إذا سأله القطع. وويها أقصد إلى فلان، إذا أغراه. وواها ما أعلم فلانا، إذا تعجب من علمه.
قال الراجز (5):
واها لريّا ثم واها واها ... يا ليت عيناها لنا وفاها
__________
(1) لذي الرمة، ديوانه 995. ومستحصد الأوتار: شديد الفتل.
(2) لذي الرمة، ديوانه 29. والسنة: الصورة. وغير مقرقة: أي ليست بهجينة.
(3) سورة إبراهيم: آية 18.
(4) أخل به ديوانه.
(5) أبو النجم العجلي كما في الصحاح (ووه). ونسب إلى رؤبة كما ذكر العيني في المقاصد 1/ 133وليس في ديوانه.(1/239)
وقولهم: عمل فلان بفلان الفاقرة
قال أبو بكر: الفاقرة معناها في كلامهم: الداهية، قال الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بََاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ} (1). ويقال: الفاقرة من قولهم: قد فقرت البعير، إذا قطعت فقرة من فقر ظهره، أو رميته فيها بسهم، أو طعنته فيها. ويقال فقرة وفقر وفقارة لخرز الصّلب. قال الشاعر (2):
ألا من عذيري من عمير ومن عمرو ... يلومانني إن مال دهر على حجر
وهل لي ذنب إن زياد أراده ... وأصحابه يوما بفاقرة الظهر
ويقال: الفاقرة مأخوذة من قولهم: قد فقرت البعير أفقره فقرا، إذا حززت أنفه بحديدة، ثم وضعت الجرير على موضع الحز، وعليه وتر ملويّ لتذلّه بذلك.
وقولهم: أمر لا ينادى وليده
قال أبو بكر: أخبرنا أبو العباس قال: قال أبو عبيدة: معناه: أمر عظيم لا يدعى فيه الصغار، إنما يدعى فيه الكهول الكبار. وقال ابن الأعرابي: معناه: أمر تام كامل، ما فيه خلل ولا اضطراب، قد قام به الكبار، فاستغني بهم من نداء الصغار.
وقال الفراء: هذه لفظة تستعملها العرب إذا أرادت الغاية، وأنشد:
لقد شرعت كفّا يزيد بن مزيد ... شرائع جود لا ينادى وليدها (3)
وقال الكلابي (4): هذا مثل يقوله القوم إذا أخصبوا وكثرت أموالهم، فإذا أومأ الصبي إلى شيء ليأخذه، لم يصح عليه، ولم ينه عن أخذه لكثرة أموالهم وخصبهم، ثم جعلوه مثلا لكل كثرة وسعة. قال الشاعر (5):
__________
(1) سورة القيامة: الآيتان 2524.
(2) لم أقف عليه.
(3) الفاخر 13بلا عزو.
(4) إصلاح المنطق 317. والكلابي: هو أبو الغمر أو أبو صاعد أو أبو زياد، وهم من الأعراب الذين دخلوا الحاضرة. (ينظر: الفهرست 76، والأنباه: 4/ 114، 121).
(5) مزرد، ديوانه 57.(1/240)
فاقصرت عن ذكر الغواني بتوبة ... إلى الله مني لا ينادى وليدها
وقال الأصمعي: أصل هذا في الشدة والجدب يصيب القوم حتى تشتغل بذلك الأم عن ولدها، فلا تناديه، ثم جعل مثلا لكل جدب عظيم، ولكل شدة وأمر شديد.
وقولهم: قد شنّع فلان على فلان وقد أتى بأمر شنيع
قال أبو بكر: معناه في كلام العرب: قد أخبر عنه بأمر شديد عظيم. وكلام العرب: أمر أشنع، وخصلة شنعاء، إذا كانت شديدة عظيمة. قال الشاعر (1):
أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كلّ شنعاء مضلع
معناه: إذا لبسوا السلاح وتقنعوا به، فأنكر الكلب صاحبه، منعوا جارهم من أن ينزل به أمر شديد عظيم. ويقال: قد أضلعني الأمر، إذا غلبني واشتد عليّ.
وقولهم: قد صرم فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد قطع ما بينه وبينه من المودة. والصّرم معناه: في كلامهم القطع. من ذلك قولهم: قد صرمت النخلة صرما. والصّرم بضم الصاد، الاسم. قال امرؤ القيس (2):
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
معناه: وإن كنت قد عزمت على قطع ما بيني وبينك من الود. وقال أبو عبيدة: يقال للّيل صريم، لانصرامه من النهار. وقال يعقوب بن السكيت (3): يقال للنّهار صريم، والعلة في هذا واحدة لأن كل واحد منها ينصرم عن صاحبه، واحتج يعقوب في أن الصريم النهار بقول بشر (4):
__________
(1) طفيل الغنوي، ديوانه 53.
(2) ديوانه 12.
(3) أضداد: 195.
(4) ديوانه 205.(1/241)
فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلّى عن صريمته الظلام
وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (1)، معناه:
كالليل المظلم، قال الشاعر (2):
علام تقوم عاذلتي تلوم ... تؤرّقني إذا انجاب الصّريم
وقال الآخر:
بكرت عليّ تلومني بصريم ... فلقد عذلت ولمت غير مليم (3)
يقال: ألام الرجل فهو مليم، إذا أتى ما يستحق اللوم عليه. ومعنى البيت:
بكرت تلومني في آخر الليل. وقال زهير (4):
غدوت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريم عواذله
معناه: في آخر الليل. وقال يعقوب: قال الأصمعي: الصريم جمع صريمة، وهي:
قطعة تتقطّع من معظم الرمل. وقال أبو عبيدة: الأصل في الصريم: المصروم، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: قتيل وجريح، قال: وكذلك صريمة الأمر، هو ما انصرم من الأمر. ويقال: قد انصرم عمر فلان، إذا انقطع.
وقولهم أنت في كنف الله
قال أبو بكر: معناه: أنت في حياطة الله وستره. يقال: قد كنف فلان فلانا، إذا أحاطه وستره. وكل شيء ستر شيئا فقد كنفه، وهو كنيف له. يقال للتّرس كنيف، لأنه يستر صاحبه ويحوطه. قال لبيد (5):
حريما يوم لم يمنع حريما ... سيوفهم ولا الحجف الكنيف
ومن ذلك الحديث الذي يروى عن أبي بكر رضي الله عنه: «أنه أشرف على الناس من كنيف، وأسماء بنت عميس (6) ممسكته وهي موشومة اليدين حين
__________
(1) سورة القلم: آية 20.
(2) توبة بن الحمير، وقيل أخوه عبد الله، ينظر: ديوان توبة 98.
(3) الأضداد 84بلا عزو.
(4) ديوانه 140.
(5) ديوانه 351. والحجف: الترس.
(6) صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب، ثم أبو بكر، ثم علي، توفيت بعد سنة 40هـ.(1/242)
استخلف عمر فكلّم الناس» (1). الموشومة: التي تغرز ظهر كفها بإبرة أو مسلّة، حتى تؤثر فيه، ثم يحشى بالكحل والنؤور حتى يخضرّ. يقال: قد وشمت فلانة كفها تشمه وشما فهي واشمة، إذا فعلت هذا، والمفعولة بها يقال لها موشومة ومستوشمة.
ومنه: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة» (2). وقال لبيد (3):
أو رجع واشمة أسفّ نؤورها ... كففا تعرّض فوقهنّ وشامها
وقول الناس للموضع الذي يخلو فيه الإنسان: كنيف، من الستر والتغطية أخذ.
وإنما فعلت أسماء هذا في الجاهلية، فبقي ولم يزل أثره.
وقولهم: قد ولي فلان المعونة
قال أبو بكر: قال الرّستمي: معناه: قد ولي فلان العون، أي: ولاه السلطان عونه على حفظ المدينة، قال: والمعونة لفظها لفظ مفعولة، وتأويلها تأويل المصدر، قال: وهو بمنزلة قولهم: ما لفلان معقول أي: ما له عقل، وما لفلان مجلود أي: ما له جلد. أنشد الفراء:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحما ولا لفؤاده معقولا (4)
معناه: عقلا، وقال الطفيل (5):
هل حبل شمّاء قبل الصّرم موصول ... أم ليس للصّرم عن شماء معدول
معناه: أم ليس للصرم عن شماء معدل. قال الرستمي: معناه: لا أجد عنه معدلا، لأنه لابد منه. وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا:
__________
(1) الفائق 3/ 281.
(2) غريب الحديث 1/ 166.
(3) ديوانه 299.
(4) للراعي، شعره: 137.
(5) ديوانه 55.(1/243)
{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (1)، فالمعنى: بأيكم الجنون، فمفعول هاهنا، معناه المصدر. وقال الفراء: يجوز أن يكون المعنى: في أيكم المفتون، فتكون الباء بمعنى في، ويجوز أن تكون الباء زائدة للتوكيد، والمعنى: أيكم المفتون، قال أبو بكر: وقال لي إدريس (2): سألت سلمة فقلت: أتجيز: بأيّكم المفتون، برفع أي، فقال: أجيزه، واحتج بقول الشاعر (3):
أباهل لو أنّ الرجال تبايعوا ... على أيّنا شرّ قبيلا وألأم
قال أبو بكر: معنى الرفع عندي أنه أضمر النظر، ورفع أيّا بما بعدها، كأن المعنى: فستبصر ويبصرون، بأن تنظروا أيكم المفتون، وكذلك معنى البيت: على أن تنظروا أينا، والنظر لا يعمل في أي، لأنه من دلائل الاستفهام. قال أبو بكر: إنما لم يعمل النظر والأفعال التي بمنزلته في أي، لأن أيّا حرف استفهام مخالطة للألف وما بعد الألف، والاستفهام لا يعمل ما قبله فيما بعده، من ذلك قوله عز وجل: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} (4)، رفع أيا لأن المعنى: لنعلم أهذا أحصى أم هذا، فكانت أي بمنزلة ألف الاستفهام والاسم الذي بعده، فلم يجز أن يعمل ما قبلها فيها، فرفع بها ما بعدها فكانت أي مرفوعة بأحصى، وأحصى بها.
وقولهم: قد قنطرت علينا
قال أبو بكر: معناه: قد طوّلت وكثّرت الكلام، وهو مأخوذ من القنطار، والقنطار: الكثير من المال، وفيه ثلاثة عشر قولا، كلها تؤول إلى معنى الكثير. قال عطاء: القنطار: سبعة ألف درهم. وقال أبو نضرة (5): القنطار: ملء جلد ثور ذهبا.
وقال الكلبي: القنطار: ألف مثقال ذهب أو فضة. وقال سعيد بن المسيب: القنطار:
ثمانون ألفا. وقال ابن عباس: القنطار: سبعون ألفا. وقال أبو هريرة: «القنطار اثنا
__________
(1) سورة القلم: الآيتان 5، 6.
(2) هو إدريس بن عبد الكريم، روى عن سلمة. (الأنباه: 2/ 56).
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الكهف: آية 12.
(5) هو أبو نضرة العبدي، واسمه المنذر بن مالك، توفي 108هـ. (طبقات ابن خياط 500، تهذيب التهذيب 10/ 302).(1/244)
عشر ألف أوقية، الأوقية خير مما بين السماء والأرض» (1). وقال قتادة: القنطار:
مائة رطل من الذهب، وثمانون ألفا من الورق. وقال الحسن: القنطار: ألف دينار، واثنا عشر ألفا من الورق، ويروى عنه أنه قال: القنطار: اثنا عشر ألفا، ويروى عنه أنه قال: القنطار ألف ومائتا دينار، ويروى عنه أنه قال: القنطار: ألف ومائتا أوقية.
وقال قوم: القنطار: رطل من الذهب أو الفضة. وقال قوم (2): القنطار بلغة أهل أفريقية والأندلس: ثمانية ألف مثقال ذهب أو فضة. وقال أهل اللغة: القنطار: العقدة الوثيقة المحكمة من المال، قال: وإنما سميت القنطرة قنطرة، لإحكامها. فهذه الأقوال كلها تدل على أن القنطار: هو الكثير من المال. وقال ابن الأعرابي: قد قنطرت علينا معناه: قد طوّلت وأقمت لا تبرح. قال: ويقال: قد قنطر الرجل، إذا أقام في الحضر والقرى، وترك البدو. وقال غيره: يقال: قد قنطر الرجل، إذا أطال إقامته في أيّ موضع كان، واحتج بقول الشاعر:
إن قلت سيرى قنطرت لا تبرح ... وإن أردت مكثها تطوّح
يا ليت قد عاجلها الذّرحرح (3)
الذّرحرح: واحد الذراريح، وفيه ثمان لغات: ذرّوح، وذرّوح، وذرّيح، وذرّاح، وذرحرح، قال الزاجر:
قالت له: وريا إذا تنحنح ... يا ليته يسقى على الذّرحرح (4)
وذرّح، وذرنوح لغة بني تميم، وذرحرح، حكى ذلك اللّحياني (5).
__________
(1) سنن ابن ماجه 1207، وهو مروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم.
(2) هو أبو حمزة الثمالي كما في القرطبي.
(3) الفاخر 101بلا عزو. والذرحرح: السم القاتل.
(4) الأضداد 7، ليس في كلام العرب 46بلا عزو.
(5) نزهة الألباء 176. واللحياني: هو أبو الحسن علي بن حازم، عاصر الفراء، وأخذ عنه أبو عبيد. (المراتب 89، نزهة الألباء 176، معجم الأدباء 14/ 106).(1/245)
وقولهم: رجل مشوّه الوجه
قال أبو بكر: معناه: مقبّح الوجه. يقال قد شاه وجه فلان يشوه شوها وشوهة، إذا قبح. ويقال: رجل أشوه، وامرأة شوهاء، إذا كانا قبيحين. من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه أخذ قبضة من تراب يوم بدر، فحثاها في وجوه المشركين، وقال: شاهت الوجوه» (1). فمعناه: قبحت الوجوه.
وقولهم: قد ورّى فلان عن كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد ستره وأظهر غيره. والتورية: الستر، يقال: ورّيت الخبر أوريه تورية، إذا سترته وأظهرت غيره. من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا أراد سفرا ورّى بغيره» (2). وقال أبو عبيدة: ورّى مأخوذ من الوراء، وقال: المعنى أنه جعل الخبر وراءه ولم يظهره، والوراء: يكون بمعنى خلف، وبمعنى قدّام، قال الله عز وجل: {وَكََانَ وَرََاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (3)، معناه: وكان أمامهم. وقال الشاعر (4):
أليس ورائي أن أدبّ على العصا ... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
فمعناه: أليس أمامي. والوراء: ولد الولد. قال الله عز وجل: {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} (5)، معناه: ومن ولد ولده.
وقولهم: من حبّ طبّ
قال أبو بكر: معناه: من أحب فطن وحذق واحتال لمن يحبّ. والطّبّ معناه
__________
(1) غريب الحديث 1/ 112، النهاية 2/ 511.
(2) غريب الحديث 1/ 197، النهاية 5/ 177.
(3) سورة الكهف: آية 79. وينظر مجاز القرآن 1/ 412.
(4) عروة بن الورد، ديوانه 114.
(5) سورة هود: آية 71.(1/246)
في اللغة: الحذق والفطنة. وإنما سمي الطبيب طبيبا لفطنته، يقال: رجل طب وطبيب، إذا كان حاذقا. قال عنترة (1):
إن تغدفي دوني القناع فإنني ... طبّ بأخذ الفارس المستلئم
وقال علقمة بن عبدة (2):
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب
وقال آخر (3):
فهل لكم فيها إليّ فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسيّ حذيما
ومعنى حبّ: أحبّ. قال البصريون: لا يقال في الماضي إلا أحب فلان فلانا، وأحببت فلانا بالألف. قالوا: ويقال في المستقبل: أحبّ فلانا، وأحبّ فلانا. ويقال في المفعول: رجل محبّ ومحبوب. قال عنترة (4):
ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحبّ المكرم
فقيل لهم: كيف قالوا: رجل محبوب، ولم يقولوا: حبّ فلان فلانا، فقالوا: قد ينطق بالدائم على بناء فعل لا يتكلم به، من ذلك قولهم: رجل مجنون، ثم قالوا في الماضي: أجنّه الله، فبنوا الدائم على جن، ولم يبنوه على أجنّ، ولو بنوه عليه لقالوا:
رجل مجنّ. وقال الكسائي والفراء: يقال أحببت الرجل وحببته، وأنشدا:
أحبّ أبا العصماء من حبّ تمره ... وأعلم أن الرفق بالعبد أرفق
ووالله لولا تمره ما حببته ... وما كان أدنى من عبيد ومشرق (5)
وقال السجستاني: حدثنا أبو عامر (6) عن أبي الأشهب (7) عن أبي رجاء: أنه
__________
(1) ديوانه 205. وتغدفي: ترسلي قناعك. والمستلئم: المتسلح، وقيل: هو اللابس اللامة، وهي الدرع.
(2) ديوانه 35.
(3) أوس بن حجر، ديوانه 11. وحذيم: رجل كان متطبّبا عالما. وقيل: يراد به ابن حذيم.
(4) ديوانه 191.
(5) لعيلان بن شجاع النهشلي كما في اللسان (حبب) وفي البيت الثاني إقواء.
(6) هو عبد الملك بن عمرو العقدي القيسي، توفي 204هـ. (طبقات القراء 1/ 469، تهذيب التهذيب 6/ 409).
(7) هو جعفر بن حيان العطاردي، توفي 165هـ. (طبقات القراء 1/ 192، تهذيب التهذيب 2/ 88).(1/247)
قرأ: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} (1)، بفتح الياء. وقولهم في هذا المثل: من حبّ طبّ، يدل على صحة قول الكسائي والفراء.
وقولهم: قد تعنّت فلان فلانا وقد أعنته
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معنى أعنته: أهلكه، وقال في قول الله عز وجل:
{وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} (2)، قال: معناه: لأهلككم. وقال في موضع آخر: أعنتكم معناه: أضرّ بكم، وقال: العنت: الضرر، واحتج بقول الله عز وجل: {ذََلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (3). وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: معنى أعنت فلان فلانا:
شدّد عليه، وقال: العنت: التشديد. أنشد الفراء:
ألم تسأل الأنفيّ يوم يقودني ... ويزعم أني مبطل القول كاذبه
أحاول إعناتي بما قال أم رجا ... ليضحك مني أم ليضحك صاحبه (4)
فمعناه: أحاول التشديد علي وما يؤدي إلى هلاكي. وقال بعض أهل اللغة:
معنى أعنت فلان فلانا، كلفه ما يشتد عليه فيعنت، قال: وهو مأخوذ من قولهم: قد عنت البعير يعنت عنتا، إذا حدث في رجله كسر بعد جبر، فلم يمكنه معه تصريفها.
ويقال: أكمة عنوت، إذا كانت لا تجاز إلا بمشقة. والأنفي في البيت الذي أنشده الفراء، منسوب إلى بني أنف الناقة، وإنما سمّوا أنف الناقة بقول الشاعر (5):
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوّي بأنف الناقة الذّنبا
__________
(1) سورة آل عمران: آية 31.
(2) سورة البقرة: آية 220.
(3) سورة النساء: آية 25.
(4) صدر الثاني فقط في اللسان (عنت) بلا عزو.
(5) الحطيئة، ديوانه 128.(1/248)
وقولهم: قد أدحضت حجّة فلان
قال أبو بكر: معناه: قد أزلتها وأبطلتها. قال أبو عبيدة: هو مأخوذ من قولهم:
مكان دحض، إذا كان مزلا ومزلقا لا يثبت فيه خفّ ولا حافر ولا قدم، وأنشد لطرفة (1):
أبا منذر رمت الوفاء فهبته ... وحدت كما حاد البعير عن الدّحض
وقال الله عز وجل: {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} * (2)، معناه: ليزيلوا به الحق ويبطلوه.
وقال عز وجل: {فَسََاهَمَ فَكََانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (3)، معناه: فقارع فكان من المقرعين المغلوبين، وقال الشاعر:
قتلنا المدحضين بكلّ ثغر ... وقد قرّت بقتلهم العيون (4)
وقال الآخر (5):
وأستنقذ المولى من الأمر بعدما ... يزلّ كما زلّ البعير عن الدّحض
وقولهم: كلام مبهم وأمر مبهم
قال أبو بكر: معناه: أمر لا يعرف له وجه يؤتى منه، وهو مأخوذ من قولهم: حائط مبهم، إذا لم يكن فيه باب، ويقال للرجل الشجاع: بهمة، إذا كان لا يدرى من أين يؤتى. وقال يعقوب بن السكيت: قد أبهم فلان عليّ الأمر، إذا لم يجعل له وجها أعرفه. ويقال: لون بهيم، إذا كان لا يخالطه غيره. وقال الشاعر:
أما تري رأسي أغرّ مشهّرا ... من بعد لون يا أميم بهيم (6)
وقال أمية بن أبي الصلت:
__________
(1) ديوانه 173.
(2) سورة الكهف: آية 56.
(3) سورة الصافات: آية 141.
(4) القرطبي 15/ 123بلا عزو.
(5) طرفة. ديوانه 169.
(6) لم أقف عليه.(1/249)
زارني موهنا وقد نام صحبي ... وسجى الليل بالظلام البهيم (1)
وقال ابن السكيت وغيره: كل لون خلص، ولم يخالطه غيره يقال فيه: بهيم، كقولهم: أشقر بهيم، وكميت بهيم، وأدهم بهيم، يقال ذلك لكل لون خالص صاف ناصع. ويقال في الأسود: أسود فاحم، من الفحم، وأسود حالك وحانك، ومثل حلك الغراب وحنك الغراب. فحلكه: سواده، وحنكه: منقاره. ويقال: أسود حلكوك وسحكوك ومحلولك ومسحنكك. قال الراجز:
تضحك مني شيخة ضحوك ... واستنوكت وللشباب نوك
وقد يشيب الشعر السّحكوك (2)
ويقال: أسود حلبوب، وأبيض يقق ولهق ووابص وليح لياح، وأحمر قانئ وقاتم. وأخضر ناضر ودجوجيّ.
وقولهم: قد طبع على قلب فلان
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه قد غشي على قلب فلان بالصدأ والدنس والوسخ، وقال: هو مأخوذ من قولهم: قد طبع السيف يطبع طبعا، إذا دنّس. قال الله عز وجل: {كَذََلِكَ يَطْبَعُ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (3). وجاء في الحديث:
«تعوذوا بالله من طمع يدني إلى طبع» (4)، فمعناه: إلى دنس، وقال أعشى (5) بني قيس يمدح هوذة (6) بن علي:
له أكاليل بالياقوت فصّلها ... صوّاغها لا ترى عيبا ولا طبعا
__________
(1) ديوانه 488. والموهن: نحو من نصف الليل، وسجى: سكن.
(2) الأضداد 161بلا عزو. والنوك: ضعف العقل.
(3) سورة الروم: آية 59.
(4) غريب الحديث 2/ 218.
(5) ديوانه 86.
(6) الحنفي، صاحب اليمامة، وخطيبها قبيل الإسلام وفي العهد النبوي، توفي 8هـ. (الكامل 730، عيون الأثر 2/ 269).(1/250)
معناه: ولا دنسا. وقال الآخر (1):
لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفّة من قوام العيش تكفيني
وقال الآخر:
لا تطمعنّ طمعا يدني إلى طبع ... إنّ المطامع فقر والغنى الياس (2)
وقولهم: قمقم الله عصب فلان
قال أبو بكر: معناه: قبّض الله عصبه، وجمع بعضه إلى بعض وضمّه، أخذ من القمقام، وهو: الجيش يجمع من هاهنا وهاهنا حتى يكثر وينضم بعضه إلى بعض.
والقمقام في غير هذا: البحر، يقال: هو البحر، وهو القمقام. وقال أبو عبيد: يقال للبحر: القلمّس، ويقال لساحل البحر: السّيف، قال: والأطوم: سمكة لها عظم وطول من سمك البحر، يعجب من رآها. والقمقام في غير هذا: السيد من الرجال. والقمقام أيضا: صغار القردان.
وقولهم: جاء بالشّوك والشّجر
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معنى هذا التكثير لما جاء به، والمعنى: جاء بكل شيء. ومثله: جاء بالطّمّ والرّمّ، الطم: الماء الكثير وغيره، والرم: ما كان باليا خلقا مما يتقمّم، واحدته رمّة. قال الشاعر (3):
والنيب إن تعر مني رمّة خلقا ... بعد الممات فإني كنت أثّئر
وقال الآخر (4):
__________
(1) ثابت قطنة، شعره: 65. والغفة (بضم الغين): البلغة من العيش.
(2) لم أقف عليه.
(3) لبيد، ديوانه 63. والنيب: الإبل. تعر مني: أي تأتي عظامي، أثئر: من الثأر، أي كنت أعقرها في حياتي.
(4) أبو حصين كما في الفاخر 24.(1/251)
وهو جبر العظام وكنّ رمّا ... ومثل فعاله جبر الرّميما
ويقال: جاء بالطّم والرّم بكسر الطاء والراء، فإذا أفرد الطم ولم يذكر بعده الرم، فتحت الطاء فقيل: جاء بالطّمّ يا هذا.
وقولهم: أدلى فلان بحجّته
قال أبو بكر: معناه: قد قدم حجته وأرسلها، وهو مأخوذ من قولهم: أدليت الدلو أدليها إدلاء، إذا أرسلتها لتملأها. وقد دلوتها أدلوها دلوا، إذا أخرجتها. وقال الله عز وجل: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ وَتُدْلُوا بِهََا إِلَى الْحُكََّامِ} (1)، معناه: وتقدموها وترسلوها. وقال الله عز وجل: {فَأَرْسَلُوا وََارِدَهُمْ فَأَدْلى ََ دَلْوَهُ} (2)، معناه: فأرسلها ليملأها. والدلو تنقسم في اللغة على ثلاثة أقسام: تكون الدلو: التي يستقى بها، ويكون إخراج الدلو من البئر، ويكون: ضربا من السير لينا. قال الراجز:
يا ميّ قد تدلو المطيّ دلوا ... وتمنع العين الرقاد الحلوا (3)
وقال الآخر:
لا تعجلا في السير وادلواها ... فإنها إن سلمت قواها
بعيدة المصبح عن ممساها (4)
وقال الآخر:
لا تقلواها وادلواها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا (5)
القلو: سير شديد.
__________
(1) سورة البقرة: آية 188.
(2) سورة يوسف: آية 19.
(3) لم أقف عليه.
(4) الأول فقط بلا عزو في المخصص 7/ 104، واللسان (دلا).
(5) اللسان (دلا) دون عزو.(1/252)
وقولهم: قد لاذ فلان بفلان
قال أبو بكر: معناه: قد استتر به، ودار حوله. واللغة العالية: لاذ به بغير ألف.
وبعض العرب يقول: ألاذ فلان بفلان، بألف. قال مزاحم العقيلي (1):
لدن غدوة حتى ألاذ بخفّها ... بقّية منقوص من الظّلّ صائف
وقال الله عز وجل: {قَدْ يَعْلَمُ اللََّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوََاذاً} (2)، معناه:
يلوذ هذا بهذا، أي: يستتر هذا بهذا. قال حسان بن ثابت (3):
وقريش تجول منهم لواذا ... لم يقيموا وخفّ منها الحلوم
ولواذا: مصدر لاوذت، فلذلك ثبتت الواو فيه، كما يقال: قاومت قواما، ولو كان مصدر لذت لكان لياذا، كما تقول: قمت قياما.
وقولهم: قلب فلان قاس
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه: قبله صلب يابس، قال: ويقال: قد قسا القلب يقسو، وقد عتا، وقد عسا، وقد جسا جسوا، بمعنى يبس وصلب، قال الراجز:
وقد قسوت وقسا لدّاتي (4)
ويقال: قلب قاس وقسيّ بمعنى. وقلوب قاسية وقسيّة. قال الله عز وجل:
{وَجَعَلْنََا قُلُوبَهُمْ قََاسِيَةً} (5)، ويقرأ: قسيّة. قال الكسائي والفراء: القاسية والقسية
__________
(1) ديوانه 28 (لندن) وفيه: سراة الضحى بحقها. شعره ص 104 (القاهرة) وفيه: ضحى ناقتي. ومزاحم: شاعر غزل، أموي، توفي نحو 120هـ. (طبقات ابن سلام 770، الأغاني 19/ 97، الخزانة 3/ 43).
(2) سورة النور: آية 63.
(3) ديوانه 92.
(4) بلا عزو في مجاز القرآن 1/ 158، وتفسير الطبري 6/ 154. وفي الأصل: لدتي، ولدتي ولداتي واحد، وهو: المساوي له في سنه.
(5) المائدة 13.(1/253)
لغتان، معناهما واحد. وقال أبو عبيد (1): القاسية مأخوذة من القسوة، والقسيّة: التي ليست بخالصة الإيمان، وقد خالطها زيغ وشك، قال: وهو بمنزلة الدرهم القسيّ، الذي قد خالطه غش من نحاس وغيره، واحتج بقول عبد الله بن مسعود: «ما يسرني أن لي دين الذي يأتي الكاهن بدرهم قسيّ» (2)، واحتج بقول أبي زبيد (3) يصف وقع المساحي في الحجارة:
لها صواهل في صمّ السّلام كما ... صاح القسيّات في أيدي الصّياريف
وقولهم: لا تبلّم عليه
قال أبو بكر: معناه: لا تجمع عليه أنواع المكروه وقبيح القول، وهو تفعّل من الأبلمة، وهي خوصة البقل، فالمعنى: لا تجمع عليه المكروه، كجمع الخوصة للبقل.
ويقال: الأبلمة: خوصة المقل، وفيها ثلاث لغات: أبلمة، وإبلمة، وأبلمة. وقال الأصمعي: معنى لا تبلّم: لا تقبّح فعله وتفسده، قال: وهو مأخوذ من قولهم: قد أبلمت الناقة، إذا ورم حياؤها.
وقولهم: قد صبغوني في عينك
قال أبو بكر: فيه وجهان: أحدهما أن يكون معنى صبغوني في عينك، غيّروني عندك، وأخبروا أني قد تغيّرت عما كنت عليه. والصّبغ معناه في كلام العرب:
التغيير، من ذلك قولهم: صبغت الثوب أصبغه صبغا، معناه: غيّرته وأزلته عن حالته الأولى إلى حال سواد، أو حمرة، أو صفرة. ومن ذلك قول الله عز وجل: {صِبْغَةَ اللََّهِ} (4)، الصبغة: الختانة، ومعناها: الانتقال من حال إلى حال. قال الفراء: معنى هذا
__________
(1) غريب الحديث 4/ 69.
(2) غريب الحديث 4/ 68، النهاية 4/ 63.
(3) شعره: 119.
(4) سورة البقرة: آية 138.(1/254)
أن النصارى كانوا إذا ولد لهم المولود صبغوه في ماء لهم، وقالوا: هذا تطهير له، بمنزلة الختانة، وقال الله عز وجل: {صِبْغَةَ اللََّهِ}، يأمر بها محمدا صلّى الله عليه وسلم. وقال الشاعر (1):
دع الشرّ وأنزل بالنجاة تحرزا ... إذا أنت لم يصبغك في الشرّ صابغ
ولكن إذا ما الشّرّ أرخى قناعه ... عليك فجوّد دبغ ما أنت دابغ
أراد: إذا لم يدخلك في الشر مدخل. والقول الآخر: أن يكون صبغوني في عينك، وصبغوني عندك، أشاروا إليك بأني موضع لما قصدتني به، واحتجوا بأن العرب تقول: قد صبغت الرجل بعيني وبيدي، أي: أشرت إليه. وقال أبو العباس:
قرأت على سلمة: قال الفراء: يقال: صبغت الثوب أصبغه، وأصبغه وأصبغه.
وقولهم: رجل سخيف
قال أبو بكر: معناه: خفيف لا تثبّت معه. والسخفة عند العرب: الخفّة من الجوع، من ذلك الحديث الذي يروى عن أبي ذر الغفاري (2) أنه قال: «مكثت أياما ليس لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم فسمّيت، فلم أجد على كبدي سخفة جوع» (3). معناه: خفّة جوع.
وقولهم: في أيّ حزّة جئتنا
قال أبو بكر: معناه: في كلام العرب: الوقت والحين. قال الشاعر (4):
ورميت فوق ملاءة محبوكة ... وأبنت للأشهاد حزّة أدّعي
معناه: وقت أدعي. والمحبوكة: المحكمة المحسّنة، من قول الله عز وجل:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) صحابي، اختلف في اسمه، توفي 32هـ. (الإصابة 7/ 125، تهذيب 12/ 90).
(3) غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 121، النهاية 2/ 350.
(4) ساعدة بن العجلان كما في شرح أشعار الهذليين 341.(1/255)
{وَالسَّمََاءِ ذََاتِ الْحُبُكِ} (1)، معناه: ذات الخلق الحسن. هذا قول ابن عباس. وقال أبو عبيدة: الحبك: الطرائق التي تكون في السماء من آثار الغيم. وقال الفراء: الحبك:
التكسر، قال: ويقال للتكسر الذي يكون في الرمل، وفي الشعر، وفي الماء: حبك.
قال زهير (2):
مكلّل بأصول النجم تنسجه ... ريح الجنوب لضاحي مائه حبك
وقال الفرزدق (3):
وأنت ابن جبّاري ربيعة حلّقت ... بك الشمس في خضراء ذات الحبائك
وواحد الحبك: حبيكة وحباك. وفي الحبك ثلاثة أوجه: الحبك بضم الحاء والباء، وهو مذهب العوام. وقرأ أبو مالك الغفاري (4): الحبك، بضم الحاء وتسكين الباء. وقرأ الحسن (5): ذات الحبك، بكسر الحاء وتسكين الباء.
وقولهم: إنّي لأربابك عن كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: إني لأجلّك وأرفعك، أخذ من قولهم: قد جلس فلان على ربأ من الأرض، أي: على موضع مرتفع. ويقال: قد أربأ إليّ السّبع، إذا أشرف علي.
وقولهم: قد أربى فلان على فلان
قال أبو بكر: معناه: قد ظلمه وزاد عليه. وفيه لغتان: قد أربى وأرمى. قال الشاعر:
__________
(1) سورة الذاريات: آية 7.
(2) ديوانه 176.
(3) ديوانه 2/ 56.
(4) المحتسب 2/ 286، وأبو مالك هو غزوان الكوفي، تابعي (طبقات ابن سعد 6/ 295، تهذيب التهذيب 8/ 245).
(5) المحتسب 2/ 286. وفي هذه الآية قراءات أخرى ذكرها ابن جني.(1/256)
لقد أرمى وأفرط من سباب ... ومن سفه فحاربه الرّماء (1)
والربا معناه في كلام العرب: الزيادة، وذلك أن صاحبه يزداد على ماله، ويقال له: الرّماء، جاء في الحديث: «إني أخاف عليكم الرّماء» (2)، أي الربا. ومن ذلك قولهم: قد ربا السّويق، معناه قد زاد وارتفع. ومن ذلك قولهم: قد أصاب فلانا ربو، معناه: انتفاخ وزيادة ونفس. وهو من قولهم: جلس على ربوة من الأرض، معناه: على مكان مرتفع. وفيه سبعة أوجه: ربوة بضم الراء، وهو مذهب العامة، ربوة بكسر الراء، وهو مذهب ابن عباس، وروي عنه أنه كان يقرأ: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (3)، وربوة بفتح الراء، وهو مذهب عاصم واليحصبي (4). قال نصيب (5):
أناة كأن ألحقو منها بربوة ... تأزّرها ردف من الرّمل مسهل
وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
فيا ربوة الرّبعين حييت ربوة ... على النأي منا واستهلّ بك الرعد (6)
ورباوة، قرأ الأشهب العقيلي (7): كمثل جنّة برباوة. قال الشاعر (8):
وبنيت عرصة منزل برباوة ... بين النخيل إلى بقيع الغرقد
ويقال: جلس فلان على رباوة من الأرض، ورباوة من الأرض، ورباء من الأرض.
__________
(1) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 295.
(2) غريب الحديث 3/ 375.
(3) سورة البقرة: آية 265.
(4) هو عبد الله بن عامر، أحد السبعة، توفي 118هـ. (الفهرست 49، التيسير 5).
(5) أخل به شعره.
(6) ليزيد بن الطثرية، شعره: 66.
(7) الشواذ 16. والأشهب العقيلي لم أجد له ترجمة على كثرة ما روي عنه في كتب القراءات، أقول: ولعله أشهب بن عبد العزيز صاحب الإمام مالك، توفي 204هـ. (وفيات الأعيان 1/ 238، الديباج 98، تهذيب التهذيب 1/ 359). وقد نقل عنه العباس ابن الفضل الواقفي الأنصاري المتوفى 186هـ. (إيضاح الوقف 214).
(8) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 192.(1/257)
وقول العامة: قد شوّشت الشيء وشيء مشوّش
قال أبو بكر: لا أصل لشوشت في كلام العرب، والصواب: هوّشت الشيء، وشيء مهوّش، من ذلك الحديث الذي يروى: «ليس في الهيشات قود» (1)، معناه:
في الفتنة والاختلاط، كذا روي هذا بالياء. وروي عن عبد الله أنه قال: «إياكم وهوشات الليل» (2)، ومنه قولهم «من أصاب مالا من مهاوش» (3). ومعنى هوّشت: خلّطت وهيّجت، من ذلك قولهم في كنية بعض الشعراء: أبو المهوّش (4)، ومن ذلك قول ذي الرمة (5) يذكر دارا:
تعفّت لتهتال الشتاء وهوّشت بها ... نائجات الصّيف شرقيّة كدرا
معنى هوّشت: هيّجت.
وقولهم: قد اشترط فلان على فلان وقد باعه بشرط
قال أبو بكر: معنى اشترط عليه: جعل بينه وبينه علامة. ومن ذلك قولهم: نحن في أشراط القيامة، معناه: في علاماتها. ومن ذلك تسميتهم الشّرط شرطا، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، قال أوس بن حجر (6): يذكر رجلا تدلى من رأس جبل بحبل إلى نبعة ليقطمها، فيتخذ منها قوسا:
فأشرط فيها نفسه وهو معصم ... وألقى بأسباب له وتوكّلا
معناه: جعل نفسه علما لذلك الأمر.
__________
(1) النهاية 5/ 287.
(2) غريب الحديث 4/ 84.
(3) غريب الحديث 4/ 86.
(4) حوط بن رئاب، أو ربيعة بن وثاب، مخضرم. (الإصابة 2/ 186، الخزانة 2/ 86).
(5) ديوانه 1413. وتهتال: مطر، والنائجات جمع نائجة وهي الريح.
(6) ديوانه 87.(1/258)
وقولهم: قد بكى فلان شجوه
قال أبو بكر: معناه: قد بكى حزنه. يقال: شجوت الرجل أشجوه شجوا، إذا حزنته. قال الشاعر (1):
ومما شجاني أنها يوم أعرضت ... تولّت وماء الجفن بالدمع حائر
معناه: ومما حزنني. وقال نصيب (2):
وأدري فلا أبكي وهذي حمامة ... بكت شجوها لم تدر ما اليوم من غد
ويقال: أشجيت الرجل أشجيه إشجاء، إذا أغصصته. ويقال: شجي الرجل يشجى شجا، إذا غصّ. قال الشاعر (3):
بانوا بلبّي إذ ولّت حدوجهم ... وأشعروا قلبي الأوجاع والحزنا
واستودعوني صبابات شجيت بها ... همّا ووجدا وشوقا ينحل البدنا
وقال الآخر (4):
وكنت في حلق باغيه شجا وعلى ... أعناق حسّاده في ثغرهم جبلا
قال الآخر (5):
وإني لهشّ العود إن لم أكن لكم ... مكان الشّجى بين اللهى والمخنق
وقال قيس المجنون (6):
أراني إذا صلّيت يمّمت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى ورائيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها ... كعود الشجى أعيا الطبيب المداويا
ويقال: حزنت الرجل وأحزنته، قال الشاعر (7):
__________
(1) المجنون، ديوانه 123، ونسب إلى جميل في ذيل الأمالي 102. وروايتهما: وماء العين في الجفن حائر.
(2) أخل به شعره.
(3) ولم أقف على البيتين.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) ديوانه 294.
(7) يزيد بن الطثرية، شعره: 94.(1/259)
لقد طرقت ليلى فأحزن ذكرها ... وكم قد طوانا ذكر ليلى فأحزنا
وقولهم: رجل باسل
قال أبو بكر: فيه قولان قال الفراء: الباسل: الذي حرم على قرنه الدنوّ منه لشجاعته، أي: لشدته لا يمهل قرنه، ولا يمكنه من الدنو منه، أخذ من البسل، وهو:
الحرام. قال ضمرة بن ضمرة (1):
بكرت تلومك بعد وهن في النّدى ... بسل عليك ملامتي وعتابي
ولقد غلمت فلا تظني غيره ... أن سوف تخلجني سبيل صحابي
أأصرّها وبنيّ عمي ساغب ... فكفاك من إبة عليّ وعاب
أرأيت إن صرخت بليل هامتي ... وخرجت منها باليا أثوابي
هل تخمشن إبلي عليّ وجوهها ... أو تعصبنّ رؤوسها بسلاب
الإبة: الفعل القبيح. والسلاب: خرقة سوداء كانت المرأة تغطي رأسها بها في المأتم. ومعنى تخلجني: تجذبني. ويكون البسل بتأويل آمين. قال الشاعر (2):
لا خاب من نفعك من رجاكا ... بسلا وعادى الله من عاداكا
فمعنى بسلا: آمين. ويكون البسل أيضا: الحلال. قال الشاعر (3):
أيقبل ما قلتم وتلقى زيادتي ... دمي إن أحلّت هذه لكم بسل
أي حلال. وقال الأصمعي: الباسل: المرّ، وقد بسل الرجل يبسل بسالة، إذا صار مرّا. أنشد الفراء:
كذاك ابنة الأعيار خافي بسالة الر ... جال وأصلال الرجال أقاصره (4)
__________
(1) أمالي القالي 2/ 279. وضمرة: شاعر جاهلي. (ألقاب الشعراء 305، اللآلئ 922).
(2) المتلمس، ديوانه 307، ونسب إلى أبي نخيلة في الفائق 1/ 108.
(3) عبد الله بن همام السلولي في نوادر أبي زيد 4، وأضداد السجستاني 104.
(4) مجالس ثعلب 102، 134بلا عزو.(1/260)
وقولهم: قد تحفّى فلان بفلان
قال أبو بكر: معناه: قد أظهر العناية في سؤاله إياه. ويقال: فلان حفي بفلان، إذا كان معنيا به. قال الأعشى (1):
فإن تسألي عني فيا ربّ سائل ... حفّي عن الأعشى به حيث أصعدا
معناه: معنيّ بالأعشى وبالسؤال عنه. وقال الله عز وجل: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهََا} (2)، فمعناه: كأنك معني بها. ويقال: المعنى: كأنّك عالم بها. ويقال: المعنى:
يسألونك كأنك سائل عنها. قال الشاعر:
سؤال حفيّ عن أخيه كأنه ... بذكرته وسنان أو متواسن (3)
وأنشد أبو عبيدة:
فتحفّى به ووحّى قراه ... فأتاهم به عريضا نضيجا (4)
وقال الله عز وجل: {إِنَّهُ كََانَ بِي حَفِيًّا} (5)، معناه: كان بي معنيّا. وقال الفراء: معناه: كان عالما لطيفا يجيب دعائي إذا سألته.
وقولهم: قد ربعت الحجر
قال أبو بكر: معناه: قد أشلت الحجر لأعرف بذلك شدّتي، وهذا مما يستعمل في إشالة الحجر. ومن ذلك الحديث الذي يروى: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم مرّ بقوم يربعون حجرا» (6). ويقال أيضا: ارتبعت الحجر، إذا أشلته. ويروى عن ابن عباس «أنه مر بقوم يتجاذون حجرا فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء» (7). ويروى عن النبي
__________
(1) ديوانه 102.
(2) سورة الأعراف: آية 187.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة مريم: آية 47.
(6) النهاية 2/ 189.
(7) الفائق 2/ 22.(1/261)
صلّى الله عليه وسلم: أنه مر بقوم يتجاذون مهراسا فقال: «أتحسبون الشدّة في حمل الحجارة، إنما الشدة أن يمتلئ أحدكم غيظا ثم يغلبه» (1). والمربعة: العصا التي تحمل بها الأحمال فتوضع على ظهور الدواب. قال الراجز:
أين الشّظاظان وأين المربعة ... وأين وسق الناقة المطبّعه (2)
الشظاظان: العودان اللذان يجعلان في عرى الجوالق، والمطبعة: المثقلة.
وقولهم: قد مارى فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد استخرج ما عنده من الكلام والحجّة، وهو مأخوذ من قولهم: مريت الناقة والشاة أمريهما مريا، إذا مسحت ضروعهما لتدرّا. ويقال: قد مرت الريح السحاب، إذا أنزلت منه المطر واستخرجته. قال الشاعر (3):
مرته الجنوب فلم يعترف ... خلاف النّعامى من الشام ريحا
ويقال: قد أمررت الرجل، إذا خالفته وتلوّيت عليه. يروى عن أبي الأسود (4):
«أنه سأل عن رجل فقال: ما فعل الذي كانت امرأته تشارّه، وتهارّه، وتزارّه، وتمارّه» (5). فتزاره: من الزّر، وهو العض، وتماره: تخالفه، وتلوّى عليه. ويروى عن ابن عباس أنه قال: «الوحي إذا نزل من السماء، سمعت الملائكة مثل مرار السّلسلة على الصفا» (6). معناه: أن السلسلة إذا جرت على الصّفا تلوّى حلقها واختلف.
والصفا: الحجارة الصلبة، واحدها صفاة. ويقال: امترى الرجل يمتري امتراء، إذا شك، قال عز وجل: {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} * (7)، وقال الشاعر (8):
__________
(1) غريب الحديث 1/ 16. والمهراس: الحجر العظيم الذي تمتحن برفعه قوة الرجل وشدته.
(2) غريب الحديث 1/ 17.
(3) أبو ذؤيب، ديوان الهذليين 1/ 132. والنعامى: ريح الجنوب.
(4) هو أبو الأسود الدؤلي.
(5) الفائق 2/ 109.
(6) النهاية 4/ 317.
(7) سورة البقرة: آية 147، سورة الأنعام: آية 114، سورة يونس: آية 94.
(8) جرير، ديوانه 896.(1/262)
أما البعيث فقد تبيّن أنّه ... عبد فعلّك في البعيث تماري معناه: تشاك.
وقولهم: رجل بازل
قال أبو بكر: البازل معناه في كلام العرب: المحكم القوة، أخذ من بزول البعير، وهو: أن يخرج نابه بعد تسع سنين تأتي عليه وهو أقوى ما يكون، وهو بمنزلة القارح من الدواب وذوات الحافر.
وقولهم: قد جلس فلان في نحر فلان
قال أبو بكر: معناه: جلس مقابلا له بحيث يرى كل واحد صاحبه، أخذ من قولهم: قد نحر فلان فلانا ينحره نحرا، إذا قابله، وهو من قولهم: منازل القوم تتناحر، إذا كانت تقابل بعضها بعضا، قال الشاعر (1):
أبا حكم هل أنت عمّ مجالد ... وسيّد أهل الأبطح المتناحر
ومن ذلك قوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2)، معناه: واستقبل القبلة بتحرك. ويقال: معناه: وانحر البدن وغيرها يوم الأضحى، ويقال: هو أخذ شمالك بيمينك في الصلاة. ويقال: منازل القوم تتراءى، أي: يقابل بعضها بعضا. ويقال:
داري ترى دارك أي: تقابلها. ويقال: الجبل ينظر إليك، والحائط يراك، أي: يواجهك ويقابلك. قال الله عز وجل: {وَتَرََاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لََا يُبْصِرُونَ} (3)، معناه:
يواجهونك. وأنشدنا أبو العباس:
سل الدار من جنبي حبرّ فواهب ... إلى ما رأى هضب القليب المضيّح (4)
__________
(1) بعض بني أسد كما معاني القرآن 3/ 296.
(2) سورة الكوثر: آية 2.
(3) سورة الأعراف: آية 198.
(4) لابن مقبل، ديوانه 22. وحبر وواهب: جبلان، وهضب القليب: موضع، والقليب في الأصل: البئر، والمضيح: ماء لبني البكاء.(1/263)
أراد: إلى ما واجهه وقابله. وقال الآخر (1):
أيا سدرتي لوذ جرى النخل فيكما ... مع البان والرمّان حتى علاكما
أيا سدرتي لوذ يرى الله أنني ... أحبكما والجزع مما يراكما
أيا سدرتي لوذ إذا كنت نائيا ... وأجنيتما من تطعمان جناكما
فمعنى: يراكما: يواجهكما ويقابلكما. وقال الآخر (2):
أيا ابرتي أعشاش لا زال مدجن ... بجودكما والنخل مما يراكما
رآني ربي حين تحضر منيتي ... وفي عيشة الدنيا كما قد أراكما
فمعنى يراكما: يقابلكما. وقال الآخر (3):
أيا جبلي جثّى سقى الله ما يرى ... قلالكما من شاهق وسقاكما
وليتكما لا تمحلان وليتني ... وإن كنتما بالمحل حيث أراكما
وقولهم: لفلان قدم في الخير
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه: له سابقة في الخير، قال حسان بن ثابت (4)
يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلم:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأولنا في ملّة الله تابع
وقال بعضهم: القدم: العمل الصالح، واحتج بقول الشاعر (5):
صلّ لذي العرش واتخذ قدما ... ينجيك يوم العثار والزّلل
معناه: واتخذ عملا صالحا. وقال الله عز وجل: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (6). ففي القدم أربعة أقوال: يقال: هو السابقة، ويقال: هو
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) لم أقف عليه.
(3) لم أقف عليه.
(4) ديوانه 241.
(5) الوضاح كما في القرطبي 8/ 307.
(6) سورة يونس: آية 2.(1/264)
العمل الصالح، وقال مجاهد: القدم: الخير. ويروى عن الحسن أو قتادة أنه قال:
القدم: محمد صلّى الله عليه وسلم يشفع لهم عند ربهم. والقدم في غير هذا: الشجاع، قال أبو زيد:
يقال رجل قدم، إذا كان شجاعا.
وقولهم: تركه جوف حمار
قال أبو بكر: فيه قولان قال هشام بن محمد الكلبي: حمار: رجل من العمالقة كان له بنون وواد مخصب، وكان حسن الطريقة، فخرج بنوه في بعض أسفارهم، فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر بالله عز وجل، وأخذ في عبادة الأصنام، وقال: لا أعبد ربّا أحرق بنيّ أبدا. وهو الذي يضرب به المثل فيقال: أكفر من حمار، فأرسل الله عز وجل على واديه نارا، فأحرقته ولم تدع فيه شيئا. وأهل اليمن يسمون الوادي الجوف، فضرب هذا مثلا لكل شيء هلك وبعد فلم يوجد منه شيء، ولم يبق منه بقية. وقال الشرقي بن القطامي: هو حمار بن مالك بن نصر من الأزد. وقال الأصمعي: تركه جوف حمار، معناه: لا خير فيه، ولا يوجد فيه شيء ينتفع به، وذلك أن جوف الحمار لا ينتفع منه بشيء، ولا يؤكل من بطنه شيء، ومما يدل على صحة قول الأصمعي قول امرئ القيس (1):
وخرق كجوف العير قفر قطعته ... بأتلع سام ساهم الطرف حسّان
وقولهم: قد صار كأنّه حممة
قال أبو بكر: الحممة عند العرب: الفحمة، وجمعها حمم، من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن رجلا أوصى بنيه، فقال: إذا مت فأحرقوني بالنار، حتى إذا صرت حمما فاسحقوني، ثم ذروني لعلي أضلّ الله». فمعناه: حتى إذا صرت فحما. ومن ذلك قول طرفة (2):
أشجاك الرّبع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه
__________
(1) ديوانه 92.
(2) ديوانه 74.(1/265)
ويقال: قد ضللت المسجد والموضع أضلّه وأضلّه، وضللته أضلّه، إذا خفي عليّ فلم أدر أين هو. قال الله عز وجل: {فِي كِتََابٍ لََا يَضِلُّ رَبِّي وَلََا يَنْسى ََ} (1)، معناه: لا يخفى موضعه عليه. ويقال: أضللت الشيء أضلّه، نحو البعير وما أشبهه، إذا ضيعته. قال المجنون (2):
هبوني امرءا منكم أضلّ بعيره ... له ذمّة إنّ الذّمام كثير
وللصاحب المتروك أعظم حرمة ... على صاحب من أن يضلّ بعير
وقول العامة: قد بلغ فلان الصّكاك
قال أبو بكر: الصواب: قد بلغ فلان السّكاك بالسين. قال أبو الحسن اللّحياني (3): السّكاك: الهواء، قال: ويقال للهواء: السّكاك، والسّكاكة، والسّحاح، والكبد، والسّهمى. قال: والسمهى أيضا: الباطل: يقال: قد ذهب في السمهي، أي في الباطل. قال اللحياني: والسمهى أيضا: الذي يقال له مخاط الشيطان. ويقال للهواء: اللّوح بضم اللام، واللوح بفتح اللام: العطش. قال الشاعر (4):
ولا شاربا من ماء زلفة شربة ... على اللّوح مني أو مجيرا بها ركبا
فمعناه: على العطش مني. واللوح أيضا بفتح اللام: التغيّر، يقال: لاحه السفر لوحا: أي غيّره، قال الله عز وجل: {لَوََّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} (5)، معناه:
مغيّرة للبشر، وقال المفسرون معناه: مسوّدة للبشر. قال الشاعر:
تقول ما لاحك يا مسافر ... يا بنت عمّي لاحني الهواجر (6)
معناه: غيّرني. وقال الآخر:
__________
(1) سورة طه: آية 52.
(2) ديوانه 139.
(3) اللسان (سمه).
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة المدثر: آية 29. وينظر زاد المسير 8/ 407.
(6) بلا عزو في ديوان العجاج 10، والقرطبي 19/ 78.(1/266)
يكبكب فيها الظالمون بظلمهم ... وجوههم فيها تلاح وتسفع (1)
فمعنى تلاح: تغيّر.
وقولهم: قد قضى فلان نحبه
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال أبو عبيدة: معناه: قد قضى فلان نفسه، أي مات، واحتج بقول ذي الرمة (2):
عشّية فرّ الحارثيون بعدما ... قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
معناه: قضى نفسه في وقت التقاء الخيل، وقال: المعنى: قضى نحبه يزيد بن هوبر، فذكره باسم أبيه كما قال الصلتان (3):
أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ... ولكنّ خيرا من كليب مجاشع
أراد: ابن الخطفى فذكره باسم أبيه، وقال أبو عبيدة: والنحب أيضا: الخطر العظيم، واحتج بقول جرير (4):
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ... عشيّة بسطام جرين على نحب
معناه: على خطر عظيم. وقال أبو عبيدة وغيره: يكون معنى قول الله عز وجل: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ} (5): فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر، واحتج أبو عبيدة بقول الفرزدق (6):
وإذا نحّبت كلب على الناس أيهم ... أحقّ بتاج الماجد المتكرّم
وقال نصيب (7):
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ديوانه 647. ويزيد بن هوبر الحارثي، من أشراف اليمن، قتل في يوم الكلاب.
(النقائض 150).
(3) المؤتلف والمختلف 214. والصلتان العبدي: اسمه قثم بن خبيّة.
(4) ديوانه 632.
(5) سورة الأحزاب: آية 23.
(6) ديوانه 2/ 199.
(7) أخل به شعره.(1/267)
إني لساع في رضاك كما سعى ... ليلقي ثقل النّحب عنه المنحّب
معناه: ليلقي ثقل النذر عنه الناذر. وقال نصيب (1) أيضا:
وقلت له لعمرك ما لنحبي ... ونحبك أو تراه من محلّ
ويقال: معنى قضى نحبه: قضى هواه. والقولان الأولان أكثر أهل العلم عليهما. قال صريع سلمى (2):
تجنّت عليّ اليوم ظالمة ذنبا ... فكدت بأن أقضي لسخطتها نحبا
وقولهم: قبل عير وما جرى
قال أبو بكر: فيه قولان: قال أبو العباس: قال الأصمعي: معناه: قبل أن يجري عير، والعير: الحمار، قال: وقال غيره: العير: المثال الذي في العين، الذي يقال له:
اللّعبة والذي يجرى الطرف عليه، وجريه: حركته. والمعنى: قبل أن يطرف الإنسان.
قال الشماخ (3):
وتعدو القبصّى قبل عير وما جرى ... ولم تدر ما بالي ولم أدر مالها
القبصّى: ضرب من العدو فيه نزو.
وقولهم: أخذه أخذ سبعة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معناه: أخذه أخذ سبعة بضم الباء، والسبعة:
اللبؤة، فسكن الباء. ومما يدل على صحة قول الأصمعي أن طلحة بن مصرّف (4)
وغيره قرأوا: {وَمََا أَكَلَ السَّبُعُ إِلََّا مََا ذَكَّيْتُمْ} (5)، بتسكين الباء. وفي اللبوة ستة
__________
(1) أخل به شعره.
(2) لا أعرفه.
(3) ديوانه 288.
(4) الهمداني الكوفي، تابعي، توفي 112هـ. (طبقات ابن سعد 6/ 308، مشاهير علماء الأمصار 110، طبقات القراء 1/ 343).
(5) سورة المائدة: آية 3.(1/268)
أوجه، يقال: هي اللّبؤة بضم الباء والهمزة، وهي اللبوة بضم الباء بغير همز، وهي اللبأة بتسكين الباء والهمز، وهي اللّباة بفتح الباء بغير همز، وهي اللبوة بتسكين الباء وفتح الواو. وحكى هشام بن إبراهيم الكرنباني (1) عن أبي عبيدة: اللّبوة بتسكين الباء وكسر اللام وفتح الواو. وحكى هشام بن إبراهيم: وأنا فيها شاك. وقال ابن الأعرابي: أخذه أخذ سبعة، أراد: سبعة من العدد، وقال: إنما خص السبعة، لأن أكثر ما يستعملون في كلامهم سبع، كقولهم: سبع سماوات، وسبع أراضين، وسبعة أيام.
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أخذه أخذ سبعة، سبعة: رجل يقال له:
سبعة بن عوف بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيّئ، وكان رجلا شديدا، فضرب به المثل. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: بعض العرب يقول: هي اللّبأة، على مثال التّخمة.
وقولهم: جاء فلان يجرّ رجليه
قال أبو بكر: معناه: جاء مثقّلا لا يقدر أن يحمل رجليه. وقال ابن الأعرابي:
يقال: جاء فلان يجر عطفيه، إذا جاء متبخترا كأنه يجرّ ناحيتي ثوبه. ويقال للرجل الفارغ: جاء يضرب أصدريه وأزدريه. وقال أبو عبيدة: يقال للرجل إذا جاء متبخترا متكبرا: جاء ثاني عطفه، واحتج بقول الله عز وجل: {ثََانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ} (2)، واحتج بقول أبي زبيد (3):
وقد جاءهم يستنّ ثاني عطفه ... له غبب كأنما بات يمكر
وقال الفراء: ثاني عطفه، معناه: يجادل ثانيا عطفه، معرضا عن الذكر.
__________
(1) جالس الأصمعي وأبا عبيدة، وكان عالما بأيام العرب ولغاتها. (معجم الأدباء 19/ 285، البغية 2/ 326).
(2) سورة الحج: آية 9.
(3) شعره: 62. ويستن: يجيء دفعة واحدة. والغبب: الجلد الذي تحت الحنك.(1/269)
وقولهم: النّقد عند الحافرة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: النقد عند السبق، قال: وذلك أن الفرس إذا سبق أخذ الرهن. والحافرة: الأرض التي حفرها الفرس بقوائمه، قال الله عز وجل: {أَإِنََّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحََافِرَةِ} (1). ويقال: الحافرة: الأرض، والأصل فيها:
محفورة فصرفت عن مفعولة إلى فاعلة، كما قالوا: ماء دافق، وسر كاتم، والأصل فيه: ماء مدفوق، وسر مكتوم. وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: النقد عند الحافرة، معناه: عند حافر الفرس، قال: وهذا المثل كان أصله في الخيل، ثم استعمل في غيرها، وقال بعضهم (2): النقد عند الحافرة، معناه: عند أول كلمة، قال: ويقال:
التقى القوم، فاقتتلوا عند الحافرة، أي: عند أول كلمة. ويقال: رجع فلان على حافرته، أي: في أمره الأول، قال الله عز وجل: {أَإِنََّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحََافِرَةِ}، معناه: إلى أمرنا الأول، وهو الحياء. قال الشاعر:
أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله ذلك أن يكونا (3)
معناه: أأرجع إلى أمري الأول، وهو الصبا واللعب بعد الصلع والشيب. وقال بعضهم: النقد عند الحافرة معناه: عند التقليب والرضا، وهو مأخوذ من حفر الأرض، وذلك أن الحافر يحفر الأرض لينظر أطيبة هي أم لا.
وقولهم: قد أخذ الشيء برمّته
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما أن الرمة: قطعة من حبل، فيكون معناها في هذا الموضع: أن يشدّ بها الأسير، وذلك أنهم كانوا يشدون الأسير، فإذا قدّموه ليقتل وأخذوه إلى القتل قالوا: قد أخذناه برمّته، أي بالحبل المشدود به، ثم استعمل في غير هذا، والقول الآخر: أن يكون المعنى: قد أخذت الشيء تاما كاملا لم ينقص منه
__________
(1) سورة النازعات: آية 10.
(2) هو المفضل بن سلمة في الفاخر 14.
(3) بلا عزو في الفاخر 14. وفيه: معاذ الله من سفه وعار.(1/270)
شيء، ولم يغيّر منه شيء، والرمة: قطعة حبل تشد في رجل الجمل أو في عنقه، فيقال: أخذت الجمل برمّته، أي بالحبل المشدود به، ثم استعمل في غير هذا، قال الكميت (1):
نصل السهب بالسهوب اليهم ... وصل خرقاء رمّة في رمام
وسمي ذو الرمة ذا الرمة بقوله (2) في وصف وتد:
أشعث باقي رمّة التقليد
ويقال: قد أخذت الشيء برمّته، وبزغبره، وبزوبره، وبزابره، وبزأبحه، وبجلمته، حكاه أبو عبيد بتسكين اللام وحكاه غيره: بجلمته بفتح اللام. وقد أخذ الشيء بظليفته، وبربّانه، وحذافيره، وحذاميره، وجزاميره، وجراميزه، وبصنايته، وسنايته، أي أخذه كله لم يدع منه شيئا.
وقولهم: حلف بالسّمر والقمر
قال أبو بكر: قال الأصمعي: السمر عندهم: الظلمة، قال: والأصل في هذا:
أنهم كانوا يجتمعون، فيسمرون في الظلمة، ثم كثر الاستعمال له حتى سموا الظلمة سمرا. والسمر أيضا: جمع السامر، يقال: رجل سامر، ورجال سمر. قال الشاعر (3):
من دونهم إن جئتهم سمرا ... عزف القيان ومنزل غمر
وقال الله عز وجل: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سََامِراً تَهْجُرُونَ} (4)، معناه: مستكبرين بالبيت العتيق تهجرون النبي صلّى الله عليه وسلم والقرآن في حال سمركم.
ويجوز أن يكون المعنى: تهذون في وقت سمركم لأنكم تتكلمون في النبي صلّى الله عليه وسلم والقرآن بما لا يلحقهما منه عيب، فيكون بمنزلة هجر المريض، يقال: هجر المريض
__________
(1) شعره: 2/ 106، وقد أخل بصدر البيت.
(2) ديوانه 330.
(3) ابن أحمر، شعره: 92.
(4) سورة المؤمنون: آية 67.(1/271)
يهجر هجرا، إذا هذى، وقرأ ابن محيصن (1) وغيره: تهجرون بضم التاء، أي تتكلمون بالكلام القبيح يقال: قد أهجر الرجل، إذا تكلم بالكلام القبيح، وهو مأخوذ من الهجر بضم الهاء. قال الكميت (2):
ولا أشهد الهجر والقائليه ... إذا هم بهينمة اهتملوا
ويقال في جمع السامر أيضا: سمّار. قرأ أبو رجاء: = سمّارا =. وقال امرؤ القيس (3):
فقالت سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السّمار والناس أحوالي
وقرأ أبو نهيك (4): سمّرا تهجّرون، فالسّمر: جمع السامر، ومعنى تهجّرون كمعنى تهجرون بضم التاء.
وقولهم: في قلب فلان غلّ
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: الغل: الشحناء والسخيمة. وقال غيره: الغل:
الحسد، قال الله عز وجل: {وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} * (5)، معناه: نزعنا الحسد من قلوبهم، لأن أهل الجنة لا يحسد بعضهم بعضا. ويقال: قد غلّ قلب الرجل يغلّ بفتح الياء وكسر الغين، من الغل، جاء في الحديث: «ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مؤمن» (6). ويقال: غلّ الرجل يغل، إذا سرق من المغنم، قال الله عز وجل:
__________
(1) المحتسب 2/ 96، وابن محيصن هو: محمد بن عبد الرحمن أحد القراء الأربعة عشر توفي 123 هـ. (السبعة 65، معرفة القراء الكبار 81).
(2) شعره 2/ 33.
(3) ديوانه 31.
(4) زاد المسير 98، وينظر الشواذ 98، وأبو نهيك: هو علباء بن أحمد اليشكري الخراساني، له حروف من الشواذ تنسب إليه. (طبقات القراء 1/ 515، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 240).
(5) سورة الحجر: آية 47.
(6) غريب الحديث 1/ 199، النهاية 3/ 381.(1/272)
{وَمََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (1). ويقال: قد أغل الرجل يغلّ فهو مغلّ، إذا خان، يروى عن شريح (2) أنه قال: «ليس على المستعير غير المغلّ ضمان، ولا على المستودع غير المغلّ ضمان» (3). وقال النمر بن تولب (4):
جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقولهم: ما أنكرك من سوء
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال: قال بعضهم (5): معناه: ليس إنكاري إياك من سوء أراه بك، ولكني لا أثبتك. وقال بعضهم: السوء: الآفة والعلة، فكأن المعنى:
ليس إنكاري إياك لآفة أراها بك، قال الله عز وجل: {وَلََا تَمَسُّوهََا بِسُوءٍ} * (6)، معناه: بآفة وعقر. وقال أبو عبيدة: السوء: البرص، واحتج بقوله عز وجل: {تَخْرُجْ بَيْضََاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} * (7)، معناه: من غير برص.
وقولهم: قد شوّرت بفلان
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: قد عبته وأبديت عورته، قال: وهو مأخوذ من الشّوار، والشّوار: فرج الرجل. ويقال للرجل إذا دعي عليه: أبدى الله شواره. ويقال: معناه: فعلت به فعلا استحيا منه، فظهرت عورته.
__________
(1) سورة آل عمران: آية 161. وينظر زاد المسير 1/ 491.
(2) هو القاضي شريح بن الحارث الكندي، اختلف في سنة وفاته. (العبر 1/ 89، طبقات الحفاظ 20).
(3) النهاية 3/ 381.
(4) شعره: 38.
(5) هو المفضل بن سلمة في كتابه الفاخر 39.
(6) سورة الأعراف: آية 73.
(7) سورة طه: آية 22، سورة النمل: آية 12، سورة القصص: آية 32.(1/273)
وقولهم: قد قفا فلان فلانا
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: معناه قد أتبعه كلاما قبيحا.
يقال: قد قفوت أثر فلان أقفوه قفوا إذا تبعته. قال الشاعر:
وقام ابن ميّة يقفوهم ... كما تختل الفهدة الخاتله
ويقال: قد قفا فلان فلانا، أي: قد رماه بالقبيح، قال الله عز وجل: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1). قال مجاهد: معناه: ولا ترم ما ليس لك به علم.
وقال محمد بن علي المعروف ب (ابن الحنفية): معناه: ولا تشهد بالزور. وقال أبو عبيد: الأصل في القفو والتقافي: البهتان يرمي به الرجل صاحبه، واحتج بقول حسان ابن عطية (2): (من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج) (3). وقال أبو القاسم بن محمد (4): (لا حد إلا في القفو البيّن)، معناه: إلا في القذف. قال الجعدي:
ومثل الدّمى شمّ العرانين ساكن ... بهنّ الحياء لا يشعن التقافيا
معناه: لا يشعن التقاذف. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقذف أبانا، ولا نقفوا أمنا» (5)، فمعنى نقفو: نقذف. وقال الفراء: الفقو: مأخوذ من القيافة، وهو تتبع الأثر، يقال قد قاف القائف يقوف فهو قائف قيافة، فقدمت الفاء وأخرت الواو، كما قالوا: جذب وجبذ، وضبّ وبضّ. وقال الكسائي: قرأ بعض القراء: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} على وزن: ولا تقل. قال الشاعر حجة لهذه القراءة:
ولو كنت في غمدان يحرس بابه ... أراجيل أحبوش وأسود آلف
إذا لأتتني حيث كنت منيتي ... يخبّ بها هاد لإثري قائف
__________
(1) سورة الإسراء: آية 36.
(2) من ثقات التابعين ومشاهيرهم. (ميزان الاعتدال 1/ 479، تهذيب التهذيب 2/ 251).
(3) غريب الحديث 4/ 407. وردغة الخبال: عصارة أهل النار.
(4) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، توفي 107هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 333).
(5) سنن ابن ماجه 871، الفائق 3/ 214وفيهما: لا ننتفي من أبينا.(1/274)
وقولهم: قد جاء بالقض والقضيض
قال أبو بكر: معناه: قد جاء بالكبير والصغير. والقض معناه في كلام العرب:
الحصى الصغار، والقضيض: صغاره وما تكسّر منه. قال أبو ذؤيب:
أما ما لجنبك لا يلائم مضجعا ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع
معناه: إلا كان تحتك قضضا، وهو الحصى الصغار. ويقال: جاء القوم قضّهم بقضيضهم: أي كلهم. قال الشاعر (1):
وجاءت سليم قضّها بقضيضها ... تمسّح حولي بالقبيع سبالها
وقال الحصين بن الحمام المريّ (2):
وجاءت جحاش قضّها بقضيضها ... وجمع عوال ما أدقّ وألأما
وقولهم: رجل جاسوس
قال أبو بكر: الجاسوس معناه في كلام العرب: المتجسس الباحث عن أمور الناس، يقال: قد تجسس الرجل وتحسس بمعنى واحد، هذا إجماع أهل اللغة. وقد فرق بين: التجسس والتحسس يحيى بن أبي كثير (3)، فقال: التجسس: البحث عن عورات الناس، والتحسس: الاستماع لأحاديث الناس. قال أبو بكر: وسمعت إبراهيم الحربي يحكي هذا عن محمد بن الصباح (4) عن الوليد بن مسلم (5) عن
__________
(1) الشماخ، ديوانه 290. والسّبال: جمع سبلة، وهي: مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر.
(2) الفاخر 25، شعراء النصرانية 738. والحصين، جاهلي، (الشعر والشعراء 648، الأغاني 14/ 1).
(3) يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، روى عن أنس، توفي 129هـ، وقيل 132هـ.
(طبقات ابن خياط 514، ميزان الاعتدال 4/ 402، تهذيب التهذيب 11/ 268).
(4) محمد بن الصباح بن أبي سفيان، توفي 240هـ. (ميزان الاعتدال 3/ 584، تهذيب التهذيب 9/ 228).
(5) هو أبو العباس القرشي الدمشقي، توفي 194هـ. (طبقات ابن سعد 7/ 470، طبقات ابن خياط 813).(1/275)
الأوزاعي (1) عن يحيى. قال: وسمعت إبراهيم يقول: أخبرنا الأثرم عن أبي عبيدة أنه قال: التجسس والتحسس واحد، يقال: رجل جاسوس وناموس بمعنى. قال إبراهيم:
قول أبي عبيدة جاسوس وناموس بمعنى، لا أعرفه. قال: والنامس عندي صاحب سر الملك، يقال: قد نمس ينمس نمسا، ونامسته منامسة. قال أبو بكر: وحدثنا إبراهيم قال:
حدثنا ابن البهلول (2) عن ابن إدريس (3) عن ابن إسحاق (4) عن يزيد بن حبيب (5) عن راشد (6) مولى حبيب بن أوس (7) عن حبيب عن عمرو بن العاص (8) قال: قلت للنجاشي (9): أعطني رسول محمد أضرب عنقه، فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى. قال إبراهيم: وكان أكثر القراء يقرءون:
{وَلََا تَجَسَّسُوا} (10) بالجيم. وحدثنا إبراهيم قال: حدثنا يحيى بن خلف (11) عن المعتمر (12) عن أبيه قال: قرأ الحسن: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلََا تَجَسَّسُوا} بالحاء.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عمرو، دمشقي، توفي 157هـ. (طبقات ابن سعد 7/ 488، طبقات ابن خياط 808).
(2) يوسف بن بهلول التميمي، توفي 218هـ. (تهذيب التهذيب 11/ 409).
(3) هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، توفي 192هـ. (طبقات ابن سعد 6/ 389، تهذيب التهذيب 5/ 144).
(4) هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة النبوية، توفي 153هـ. (طبقات ابن خياط 850، تهذيب التهذيب 9/ 38). ورواية ق: عن ابن إسحاق قال: حدثني. وفي ك. ل: أبي إسحاق.
(5) هو أبو رجاء المصري، توفي 128هـ (طبقات ابن خياط 756تهذيب التهذيب 11/ 318).
(6) راشد بن جندل اليافعي المصري. (ميزان الاعتدال 2/ 35، تهذيب التهذيب 3/ 224).
(7) الثقفي المصري، شهد فتح مصر. (تهذيب التهذيب 2/ 177).
(8) هو فاتح مصر. توفي 43هـ. (تاريخ الإسلام 2/ 235، الإصابة 4/ 650).
(9) ملك الحبشة.
(10) سورة الحجرات: آية 12.
(11) الباهلي المعروف بالجورباري. توفي 242هـ. (تهذيب التهذيب 11/ 204).
(12) المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي. توفي 187هـ. (طبقات ابن خياط 541، تهذيب التهذيب 10/ 227). وتوفي والده سنة 143هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 201).(1/276)
حدثنا إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم عن محمد (1) عن أبي عاصم (2) عن عيسى (3) عن ابن أبي نجيح (4) عن مجاهد في قوله: {وَلََا تَجَسَّسُوا} بالجيم، قال: خذوا ما ظهر، ودعوا ما ستر الله. وجاء في الحديث: «ولا تجسسوا ولا تحسسوا» فنسقت إحدى اللفظتين على الأخرى لأن الثانية تخالف لفظ الأولى في مذهب يحيى بن أبي كثير.
وأما أهل اللغة فإنهم يذهبون إلى أن الثانية نسقت على الأولى، لما خالف لفظها لفظها ومعناها كمعناها.
وقولهم: هلمّ جرّا
قال أبو بكر: معناه سيروا على هينتكم: أي تثبتوا في سيركم، ولا تجهدوا لأنفسكم، ولا تشقوا عليها. أخذ من الجرّ في السّوق، وهو أن تترك الإبل والغنم ترعى في السير. قال الراجز (5):
لطالما جررتكنّ جرّا ... حتى نوى الأعجف واستمرّا
فاليوم لا آلو الركاب شرّا
معنى نوى الأعجف واستمرا: صار له نيّ، والني: الشحم، والنّيء بكسر النون والهمز: اللحم الذي لم ينضج. وجرا: في نصبه ثلاثة أوجه: هو في قول الكوفيين منصوب على المصدر، لأن في هلمّ معنى: جروا جرا. وهو في قول البصريين مصدر وضع موضع الحال، والتقدير عندهم: هلم جارين أي متثبّتين، وهذا قياس على قولهم
__________
(1) إبراهيم بن محمد بن عرعرة البصري. توفي 231هـ. (ميزان الاعتدال 1/ 56، تهذيب التهذيب 1/ 155).
(2) هو الضحاك بن مخلد البصري، توفي 212هـ. (طبقات ابن خليفة 545، تهذيب التهذيب 4/ 450).
(3) عيسى بن ميمون الجرشي المكي أبو موسى المعروف بابن داية. (ميزان الاعتدال 3/ 327، تهذيب التهذيب 8/ 235).
(4) هو عبد الله بن يسار المكي (ميزان الاعتدال 2/ 527، تهذيب التهذيب 6/ 85).
(5) الفاخر 33بلا عزو.(1/277)
في: جاء عبد الله مشيا، وأقبل ركضا قال الكوفيون: ينصب مشيا وركضا على المصدر، والمعنى عندهم: مشى عبد الله مشيا، وركض ركضا. وقال البصريون:
ينصب المشي والركض لأنهما جعلا موضع الحال، والمعنى عندهم: جاء عبد الله ماشيا، وأقبل راكضا. والقول الثالث قاله بعض النحويين: انصب جرا على التفسير.
ويقال للرجل: هلم جرا، وللرجلين: هلم جرا وهلما جرا، وللجميع: هلموا جرا وهلم جرا. والاختيار: التوحيد، لأن هلم ليست فعلا يتصرف، وبالتوحيد نزل كتاب الله عز وجل، قال الله جلّ اسمه: {وَالْقََائِلِينَ لِإِخْوََانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنََا} (1)، وقال الشاعر (2):
وكان دعا دعوة قومه ... هلمّ إلي أمركم قد صرم
ويقال للمرأة: هلمّ جرا يا امرأة، وهلمّي جرا. وللمرأتين بمنزلة الرجلين، ويقال للنسوة: هلم جرا يا نسوة، وهلمّن جرا، وهلممن جرا، وهلمّين جرا يا نسوة.
وقولهم: قد قدّمت المائدة
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: إنما سميت المائدة مائدة، لأنها ميد بها صاحبها أي أعطيها، وتفضّل عليه بها. وقال: العرب تقول: قد مادني فلان يميدني، إذا أحسن إلي، واحتج بقول الراجز (3):
تهدى رؤوس المترفين الصدّاد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي: المتفضل على الناس. وقال غير أبي عبيدة: إنما سميت المائدة مائدة، لأنها تميد بما عليها: أي تتحرك، قال الله عز وجل: {وَأَلْقى ََ فِي الْأَرْضِ رَوََاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} * (4)، معناه: لئلا تميد بكم، والرواسي: الجبال الثابتة. ويقال: ماء الغصن يميد
__________
(1) سورة الأحزاب: آية 18.
(2) الأعشى، ديوانه 58.
(3) رؤبة، ديوانه 40.
(4) سورة النحل: آية 15.(1/278)
ميدا. قال نصيب (1):
لعلك باك أن تغنّت حمامة ... يميد بها غصن من البان مائل
معناه: يميل بها. وقال الآخر:
دع ذكرهنّ فما تزال تشبّه ... خرقاء تركب جانبا ميّاد
معناه: ميالا. وقال الجرمي (2): يقال: مائدة وميدة، وأنشد:
وميدة كثيرة الألوان ... تصنع للإخوان والجيران (3)
وقولهم: ما له عنه محيص
قال أبو بكر: المحيص معناه في كلام العرب: الملجأ والمحيد، يقال: حاص يحيص حيصا، إذا عدل. قال الزاجر (4):
يا ليتها قد لبست وصواصا ... وعلقت حاجبها تنماصا
حتى يجيئوا عصبا حراصا ... ويرقصوا من حولنا إرقاصا
فيجدوني عكرا حيّاصا
فمعناه: أحيص عنهم وأعدل.
وقولهم: فلان كذّاب أشر
قال أبو بكر: الأشر معناه في كلام العرب: البطر. يقال: قد أشر الرجل يأشر أشرا، إذا بطر. قال الأخطل (5) يخاطب بني أمية:
أعطاكم الله جدّا تنصرون به ... لا جدّ إلا صغير بعد محتقر
__________
(1) شعره: 116.
(2) اللسان (ميد).
(3) اللسان (ميد) بلا عزو.
(4) امرأة في ابنتها كما في تهذيب الألفاظ 665. والوصواص: البرقع. والتنماص: النتف، ويقال للمنقاش: المنماص. والعصب: الجماعات. والعكر والحياص: المراوغ.
(5) ديوانه 104 (صالحاني)، 201 (قباوة).(1/279)
لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه ... ولو يكون لقوم غيرهم أشروا
معناه: بطروا. وفيه لغتان: كذاب أشر، وكذاب أشر. قال الله عز وجل:
{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنََا بَلْ هُوَ كَذََّابٌ أَشِرٌ} (1)، هذه قراءة العامة بكسر الشين. وقال الفراء: حدثني سفيان بن عيينة (2) عن رجل عن مجاهد أنه قرأ:
{سَيَعْلَمُونَ غَداً} بالياء {مَنِ الْكَذََّابُ الْأَشِرُ} بضم الشين. والعلة في ضمها أنهم أرادوا المبالغة في ذمه، فصار بمنزلة قولهم: رجل فطن، إذا أرادوا المبالغة في وصفه بالفطنة، ورجل حذر، إذا أرادوا المبالغة في وصفه بالحذر. وإلى هذا المعنى ذهب الذين قرءوا: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنََازِيرَ وَعَبَدَ الطََّاغُوتَ} (3)، فضموا الباء على المبالغة. أنشد الفراء (4):
أبني لبينى إنّ أمّكم ... أمة وإنّ أباكم عبد (5)
أراد: عبد، فضم الباء على جهة المبالغة. وقرأ أبو قلابة: {مَنِ الْكَذََّابُ الْأَشِرُ}.
بفتح الألف والشين وتشديد الراء وضمها. وهذا غير مستعمل في كلامهم لأنهم يستعملون حذف الألف من هذا، فيقولون: فلان شر من فلان، وفلان خير من فلان، ولا يكادون يقولون: فلان أشر من فلان، وفلان أخير من فلان، وربما قالوه.
قال رؤبة (6):
بلال خير الناس وابن الأخير
فإذا تعجبوا قالوا: ما شرّ فلانا، وما أشرّ فلانا وما خيّر فلانا وما أخير فلانا ومخير. وحكي عن العرب: ما شر الّلبن للمريض، وأنشد الفراء:
__________
(1) سورة القمر: آية 25.
(2) هو أبو محمد الهلالي الكوفي. توفي 198هـ (ميزان الاعتدال 2/ 170، تهذيب التهذيب 4/ 117).
(3) سورة المائدة: آية 60.
(4) معاني القرآن 1/ 35.
(5) لأوس بن حجر. ديوانه 21.
(6) أخل به ديوانه. وهو في المحتسب 2/ 299.(1/280)
ما شدّ أنفسهم وأعلمهم بها ... يحمي الذمار به الكريم المسلم (1)
وقال الآخر:
قاتلك الله ما أشد علي ... ك البذل في صون عرضك الجرب (2)
وقولهم: هو ابن عمّه لحّا
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: هو ابن عمه لصوقا، وقال: هو مأخوذ من قولهم: قد لححت عينه إذا التصقت. ويقال: قتب ملحاح، إذا كان لازقا.
ويقال: هو ابن عمّ دني ودنيا، وذنيا دنيا، إذا ضمت الدال لم يجز الإجراء، وإذا كسرت الدال جاز الإجراء وترك الإجراء، فإذا أضفت العم إلى معرفة لم يجز الخفض في دني، كقولك: هذا ابن عمي دنيا وابن عمك دنيا، لأن دنيا نكرة لا تكون نعتا لمعرفة.
وقولهم: قد خنس فلان حقي
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: قد أخّر عني حقي وغيّبه، قال: وهو مأخوذ من الخنس، والخنس: تأخر الأنف في الوجه، يقال للبقرة: خنساء، لتأخر أنفها في وجهها، والبقرة كلها خنس. قال لبيد (3):
خنساء ضيّعت الفرير فلم يرم ... عرض الشقائق طوفها وبغامها
وقولهم: عندي كرّاسة من علم
قال أبو بكر: الكراسة معناها في كلام العرب: الورق المجموع بعضه إلى
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) بلا عزو في اللسان (عرض).
(3) ديوانه 308. والفرير: ولد البقرة. لم يرم: لم ييرح. الشقائق: الأرض الغليظة بين رملتين.
بغامها: صوتها.(1/281)
بعض. قال أبو العباس: الكراسة مأخوذ من تكرّس الحلي، وهو اجتماعه، وأنشد للمسيب بن علس (1):
إذ هي كالرشاء المخروف زيّنها ... مكرّس كطلاء الخمر منظوم
وقولهم: فلان يخصف النّعال
قال أبو بكر: معناه: يضم بعض الجلود إلى بعض. قال أبو العباس: الخصف معناه في كلام العرب: ضم شيء إلى شيء، قال: ومن ذلك المخصف والخصّاف.
قال الله عز وجل: {وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ عَلَيْهِمََا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} * (2)، معناه: يضمان بعض الورق إلى بعض ليسترهما.
يقال: قد خصف الرجل وقد اختصف، قال الأعشى (3):
قالت أرى رجلا في كفّه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أيّة صنعا
قال: وقد قرأ الأعرج: يخصفان عليهما، بفتح الياء وكسر الخاء والصاد. وقرأ الحسن: يخصّفان، بفتح الخاء وتشديد الصاد وكسرها. والأصل في هاتين القراءتين:
يختصفان، من اختصف يختصف، فألقيت فتحة الياء على الخاء، وأدغمت التاء في الصاد، فصارتا صادا مشددة. ومن قرأ: يخصفان، أراد هذا المعنى فكسر الخاء بناء على كسرة الألف في اختصف والاختصاف. وقال الأخفش (4): كسرت الخاء لاجتماع الساكنين.
وقولهم: فلان سريّ من الرجال
قال أبو بكر: قال أبو العباس: السري معناه في كلام العرب: الرفيع، وقال:
معنى سرو الرجل يسرو فهو سريّ: ارتفع يرتفع فهو رفيع، وقال: هو مأخوذ من
__________
(1) أخل به شعره.
(2) سورة الأعراف: آية 22.
(3) ديوانه 83.
(4) هو سعيد بن مسعدة، توفي 215هـ. (معجم الأدباء 11/ 224، الأنباه 2/ 36).(1/282)
السراة، وسراة كل شيء: ما ارتفع منه وعلا. قال أبو بكر: أخبرنا أبو العباس قال:
أنشد الأخفش، يعني أبا الخطاب، أبا عمرو بن العلاء بيت الأعشى (1):
قالت قتيلة ما له ... قد جلّلت شيبا شواته
فقال له أبو عمرو: صحّفت، كبرت الراء فظننتها واوا، إنما هو: قد جللت شيبا سراته، وسراة كل شيء أعلاه. قال أبو عبيدة: فمكثنا دهرا نظن أن أبا الخطاب أخطأ، وأن أبا عمرو هو المصيب، حتى قدم علينا أعرابي محرّم، فسمعناه يقول: قد اقشعرت شواتي، يريد: قد اقشعرت جلدة رأسي. قال: فعلمنا أن أبا عمرو وأبا الخطاب أصابا جميعا. وقال أبو عبيدة: الشوى عند العرب: الأطراف من الإنسان، نحو اليدين والرجلين وما أشبه ذلك، قال الله عز وجل: {كَلََّا إِنَّهََا لَظى ََ نَزََّاعَةً لِلشَّوى ََ} (2). قال مجاهد: الشوى: لحم الساقين. وقال أبو عبيدة: الشوى:
الأطراف من الإنسان، والشواة: جلد الرأس، والشوى جمعها. قال الشاعر (3):
إذا هي قامت تقشعرّ شواتها ... ويشرق بين الليت منها إلى الصّقل
وقولهم: رجل نمّام
قال أبو بكر: قال أبو العباس: النمام معناه في كلام العرب: الذي لا يمسك الأحاديث ولا يحفظها، من قولهم: جلود نمّة، إذا كانت لا تمسك الماء. ويقال: قد نم فلان ينمّ نما، إذا ضيع الأحاديث ولم يحفظها. أنشد الفراء:
بكت من حديث نمّه وأشاعه ... ولصّقه واش من القوم راضع (4)
ويقال للنمام: القتّات، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتّات» (5). ويقال: قتّ يقتّ قتّا، إذا مشى بالنميمة. ويقال للنمام: القسّاس، والقمّام، والدّراج، والهمّاز،
__________
(1) ديوانه 238.
(2) سورة المعارج: الآيتان 15، 16.
(3) أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1/ 35. والليت: صفحة العنق. الصقل: الخاصرة.
(4) اللسان (نمم) بلا عزو.
(5) غريب الحديث 1/ 339.(1/283)
واللمّاز، والغمّاز، والمهينم، والمهتمل، والمؤوس، والممأس، والمائس، والنمل. ويقال:
مأس الرجل بين القوم يمأس بينهم مأسا، إذا مشى بينهم بالنميمة. ويقال: نمل الرجل، إذا مشى بالنميمة.
وقولهم: قد تربّد وجه فلان
قال أبو بكر: معناه: قد تغير وجهه، وصار لونه كلون الرماد. قال أبو العباس هو قولهم: نعامة ربداء ورمداء، إذا كان لونها كلون الرماد. قال الأعشى (1):
وإذا أطاف لغامه بسديسه ... فثنى وزاد لجاجة وتربّدا
شبّهته هقلا يباري هقلة ... ربداء في خيط نقانق أبّدا
اللغام: الزبد. والسديس: سن من أسنانه. والهقل: ذكر النعام.
والنقائق جمع نقنق، وهو ذكر النعام. والخيط: القطعة من النعام، وفيه لغتان:
الخيط والخيط بالكسر والفتح، والخيط: من الخيوط، مفتوح لا يعرف فيه الكسر.
والأبّد: المتوحشة.
وقولهم: لا أرقأ الله دمعة فلان
قال أبو بكر: فيه غير قول قال بعضهم: معناه: لا قطعها الله. قال الشاعر (2):
حتى إذا الإعلان نبّه واشيا ... رقأت دموعي خشية الإعلان
وقال الأصمعي: معنى لا أرقأ الله دمعته: لا رفعها الله، وقال: الأصل في هذا من قولهم: قد رقأ دم المقتول، إذا رضي أهله بالدية، فأخذوها، فارتفع دم المقتول، لأن لا يطلب به بعد أخذ الدية. وقال المفضل بن محمد الضبي: لا أرقأ الله دمعته، من قولهم: قد رقأ دم القاتل، إذا ارتفع بعد إعطائه الدية، ولو لم تؤخذ الدية منه لهريق دمه، وأنشد لمسلم الوالبي (3) يصف إبلا:
من اللائي يزدن العيش طيبا ... وترقأ في معاقلها الدماء
__________
(1) ديوانه 152وفيه: وتزيدا. وعجز الثاني: رمداء أرمدا.
(2) لم أقف عليه.
(3) خمس قصائد نادرة 53.(1/284)
معاقل: مفاعل من العقل
وقولهم: فلان بالبادية
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سميت البادية بادية، لبروزها وظهورها، قال:
وهي من بدا لي كذا وكذا يبدو لي، إذا ظهر لي. ويقال: بدا لي بداء، إذا ظهر لي رأي آخر. أنشد الفراء:
لو على العهد لم تخنه لدمنا ... ثم لم يبد لي سواك بداء (1)
ويقال للبادية: مفازة، قال الأصمعي: إنما سميت مفازة: وهي مهلكة. تفاؤلا لصاحبها بالفوز، كما سموا الأسود: أبا البيضاء، وكما سموا اللديغ: سليما، تفاؤلا له بالسلامة. قال الشاعر:
يلاقي من تذكر آل ليلى ... كما يلقى السليم من العداد (2)
العداد: العلة التي تأخذه في وقت معروف نحو حمّى الرّبع والغبّ وما أشبه ذلك. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما زالت أكلة خيبر تعادّني فهذا أوان قطعت أبهري» (3).
وقال ابن الأعرابي: المفازة: المهلكة، من قولهم: قد فوز الرجل، إذا هلك.
وقولهم: من عذيري من فلان
قال أبو بكر: معناه: من يعذرني منه. قال أبو العباس: العذير: مصدر بمنزلة النكير والخفيف. قال الشاعر (4):
عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض
وقال الآخر (5):
__________
(1) اللسان (بدا) بلا عزو.
(2) بلا عزو في تهذيب الألفاظ 118، وأضداد أبي حاتم 114.
(3) الفائق 1/ 50، والنهاية 1/ 57، والأكلة: اللقمة.
(4) ذو الأصبع العدواني، ديوانه 46. وحية الأرض: تقولها العرب للرجل المنيع الجانب (ينظر:
ثمار القلوب 517).
(5) عمرو بن معدي يكرب، ديوانه 65 (بغداد)، 92 (دمشق). وكان الإمام علي إذا نظر إلى ابن ملجم المرادي، تمثل بهذا البيت، كما تمثل به عبيد الله بن زياد، وأبو العباس السفاح، وهارون الرشيد (ينظر: مقاتل الطالبيين 31، 99، الإعلان بالتوبيخ 356).(1/285)
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم» (1). قال أبو عبيدة: معناه: حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، وكان يقول: حتى يعذروا من أنفسهم بضم الياء. وقال: يقال: قد أعذر الرجل يعذر إعذارا إذا صار ذا عيب وفساد. وقال غيره: يقال: عذر يعذر إذا كثرت ذنوبه وعيوبه. وقال أبو عبيدة: معنى قوله عليه الصلاة السلام (حتى يعذروا من أنفسهم): حتى يعذروا من يعذّبهم، أي: حتى يستوجبوا العقوبة، فيكون لمن يعذبهم العذر في ذلك، قال: وهو بمنزلة الحديث الآخر: «لن يهلك على الله إلا هالك» (2)، واحتج بقول الأخطل (3):
فإن تك حرب ابني نزار تواضعت ... فقد أعذرانا في كلاب وفي كعب
أي: جعلت لنا عذرا فيما صنعنا. ويروى: فقد عذرتنا. ويقال: قد أعذر فلان في طلب الحاجة، إذا بالغ فيها، وقد عذر فيها، إذا لم يبالغ. ويقال: قد أعذر الحجام الصبّي وعذره بألف وبغير ألف، ومعناهما الختان.
ويقال: قد عذرت الصبي، إذا كانت به العذرة، وهي: وجع الحلق، فغمزتها.
وقولهم: قال ذاك إنسان من الناس
قال أبو بكر: قال ابن عباس: إنما سمي إنسانا، لأن الله عز وجل عهد إليه، فنسي. وقال الفراء: في الإنسان وجهان يجوز أن يكون إفعلانا من نسي ينسى، فيكون الأصل فيه إنسيانا، والدليل على هذا: أنهم يقولون في تصغيره: أنيسيان وأنيسين، فعلى هذا الوجه، إذا سمّينا رجلا بإنسان لم نجره. أنشد الفراء:
__________
(1) غريب الحديث 1/ 131. ونقل فيه قوله أبي عبيد التالية.
(2) غريب الحديث 1/ 231.
(3) ديوانه 22 (صالحاني)، 48 (قباوة). وابنا نزار: ربيعة ومضر. تواضعت: سكنت. كلاب وكعب: ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة.(1/286)
وكان بنو إنسان قومي وناصري ... فأضحى بنو إنسان قوما أعاديا
وأنيسيان لا يجرى للألف والنون الزائدتين في آخره، وأنيسين يجرى. ويجوز أن يكون إنسان فعلانا من الإنس. قال الفراء: طيّىء تقول: إيسان بالياء للإنسان، ويقولون في الجمع أياسين. فيجوز أن تكون النون بدلا من الياء، وذلك أنهم يجعلون النون بدلا من العين، وهم يجيزون عليها، فيقولون: أنطيت في أعطيت. ويروى عن الحسن أنه قرأ: {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ} (1) بالنون.
واختلفوا في آدم (2) عليه السلام: فقال ابن عباس: آدم: مأخوذ من أديم الأرض. وروى أبو موسى (3) عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «خلق الله عز وجل آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء ولده على قدر الأرض، منهم الأسود، والأبيض، والأحمر، والسهل، والحزن، والخبيث، والطّيب» (4). وقال قطرب: لا يصح في العربية أن يكون آدم مأخوذ من أديم الأرض، لأنه لو كان كذلك لكان منصرفا، لأنه يكون فاعلا بمنزلة خاتم وطابق. وهذا خطأ منه لأن آدم على ما قال النبي صلّى الله عليه وسلم وابن عباس، مأخوذ من أديم الأرض، والذي قالا صحيح في العربية، وهو أن يكون آدم أفعل من الأديم، ويكون الأصل فيه: أأدم، فتصير الهمزة الساكنة ألفا لانفتاح ما قبلها، ويمنع من الانصراف للزيادة والتعريف. وقال قطرب: آدم أفعل من الأدمة، ويجوز أن يكون من أدمت بين الشيئين، إذا خلطت بينهما، فسمي آدم آدم لأنه كان ماء وطينا خلطا جميعا. ويقال في جمع آدم إذا كان نعتا: هؤلاء رجال أدم، ونساء أدماوات. ويجوز أن يقال في الجمع: هؤلاء رجال آدمون. قال الكميت (5):
فما وجدت بنات بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا
وإذا كان آدم اسما، قيل في جمعه: آدمون وأوادم، كما يقال في جمع الأسود:
__________
(1) سورة الكوثر: آية 1.
(2) ينظر في تسمية آدم: مفردات الراغب 9، زاد المسير 1/ 62، اللسان (أدم).
(3) هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، صحابي، توفي 44هـ. (طبقات الفقهاء 44، الإصابة 4/ 211، تهذيب التهذيب 5/ 362).
(4) مشكل الحديث وبيانه 25.
(5) شعره: 2/ 116.(1/287)
أساود. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا أبو العالية:
وألصق أحشائي بطيب ترابه ... وإن كان مخلوطا بسمّ الأساود (1)
وقولهم: قد أكدى فلان
قال أبو بكر: معناه: قد قطع العطاء وأيس من خيره. قال أبو العباس: الأصل في هذا: أن يحفر البئر يطلب الماء، فإذا بلغ إلى موضع الصلابة، ويئس من الماء، قيل:
أكدى فهو مكد، ويقال لها: الكدية، والجمع: كدى. قال الشاعر (2):
فتى الفتيان ما بلغوا مداه ... ولا يكدي إذا بلغت كداها
أي: إذا يئس من خير الفتيان لا ييأس من خيره. وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {وَأَعْطى ََ قَلِيلًا وَأَكْدى ََ} (3)، أي أمسك عن العطية وقطعها. وقال الشاعر (4):
من اللائي يحفرن تحت الكدى ... ولا يتّبعن الدّماث السهولا
وقال الآخر:
فمرزعة طابت وأضعف ريعها ... ومزرعة أكدت على كلّ زارع (5)
وقولهم: قد صرّح فلان بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد كشفه وبينه، ولم يخلطه بشيء يستره ويعمّيه، أخذ من الصريح، والصريح عند العرب: اللبن الخالص الذي لا يخالطه غيره. قال الشاعر:
دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... له بصريح ضرّة الشاة مزبد (6)
__________
(1) لنبهان بن عكي العبشمي في الكامل 48، وبلا عزو في الحنين إلى الأوطان (رسائل الجاحظ) 2/ 384.
(2) الخنساء، ديوانها 86.
(3) سورة النجم: آية 34.
(4) كثير، ديوانه 392وفيه: ولا يبتغين. والدماث: الأراضي السهلة.
(5) لم أقف عليه.
(6) البيت في حديث أم معبد كما في النهاية 3/ 20، 83. والضرة: أصل الضرع.(1/288)
وقولهم: قد أدّى فلان الجزية
قال أبو بكر: الجزية معناها في كلامهم: الخراج المجعول عليه. وإنما سميت جزية، لأنها قضاء منه لما عليه، أخذ من قولهم: قد جزى يجزي إذا قضى، قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} * (1)، معناه: لا تقضي ولا تغني.
وقال الأصمعي: قيل لأبي هلال: ما كان الحسن يقول في كذا وكذا؟ قال: كان يقول: أي ذلك فعل جزي عنه، أي قضي عنه. ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بردة ابن نيار (2) في الجذعة التي أمره أن يضحّي بها: (ولا تجزي عن أحد بعدك) (3) معناه:
ولا تقضي. ومن ذلك الحديث الذي يروى عن عبيد بن عمير أنه قال: «كان رجل يداين الناس، وكان له كاتب ومتجاز، وكان يقول له: إذا رأيت الرجل معسرا فأنظره، فغفر الله له» (4). فالمتجازي: المتقاضي. وقال الأصمعي (5): أهل المدينة يقولون: قد أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان، أي يتقاضاه. ويقال: أجزاني الشيء يجزيني فهو مجزي، إذا كفاني. قال أبو الأسود (6):
دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمّه بلبانها
ومن ذلك قول الناس: قد اجتزأت بكذا وكذا، وقد تجزّأت به. قال الشاعر (7):
__________
(1) سورة البقرة: آية 123.
(2) هو هانئ بن نيار بن عمرو، صحابي، توفي 45هـ. (تهذيب التهذيب 12/ 19، الإصابة 6/ 523).
(3) غريب الحديث 1/ 56.
(4) غريب الحديث 1/ 57.
(5) غريب الحديث 1/ 57.
(6) ديوانه 128.
(7) أبو حنبل الطائي كما في غريب الحديث 1/ 58. وجداع: السنة المجدبة. أمات الرباع: الإبل.
والرباع: جمع ربع بضم الراء وفتح الباء: الفصيل ينتج في الربيع. وينظر قصته مع امرئ القيس.
والمثل (أوفى من أبي حنبل) في ديوان امرئ القيس بشرح الأعلم الشنتمري 217.(1/289)
لقد آليت أغدر في جداع ... وإن منّيت أمّات الرّباع
بأنّ الغدر في الأقوام عار ... وأن الحر يجزأ بالكراع
وقولهم: لا تلوس كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: لا تناله، وهو مأخوذ من قولهم: ما ذقت لواسا، أي: ما ذقت ذواقا.
وقولهم: هو من أتباع الدجّال
قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: الدجال مأخوذ من قولهم: قد دجل في الأرض، فمعنى دجل فيها: ضرب فيها وطافها. فسمي الدجال دجالا، لطوفه البلاد وقطعه الأرضين. وسمعته مرة أخرى يقول: يقال: قد دجل، إذا لبّس وموّه. ويقال للدجال: مسيح، لأن إحدى عينيه ممسوحة، والأصل فيه: ممسوح، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: مقتول وقتيل، ومقدور وقدير.
وأما المسيح عيسى ابن مريم عليه السّلام، فإن في تفسير معنى المسيح سبعة أقوال: يروى عن ابن عباس أنه قال: إنما سمي عيسى مسيحا، لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ، ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده. وقال إبراهيم النخعي:
المسيح: الصّديق. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: سمي المسيح مسيحا، لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها. وقال عطاء عن ابن عباس: سمي مسيحا لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له، والأخمص: ما يتجافى عن الأرض من الرّجل من وسطها ولا يقع عليها. ويقال: إنما سمي المسيح مسيحا، لسياحته في الأرض. وقال آخرون: إنما سمي مسيحا، لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المسيح في كلام العرب على معنيين: المسيح الدجال، والمسيح عيسى ابن مريم، فإذا كان المسيح عيسى ابن مريم، فأصله بالعبرانية (مشيحا) بالشين، فلما عربته العرب أبدلت من شينه سينا، فقالوا: المسيح، كما قالت العرب: موسى وأصله بالعبرانية موشى، فلما عربوه ونقلوه إلى كلامهم، أبدلوا من شينه سينا.(1/290)
وقولهم: على الكافر لعنة الله ولعنة اللاعنين
قال أبو بكر: في اللاعنين قولان قال ابن عباس: اللاعنون: كل ما على وجه الأرض إلا الثقلين الجن والإنس. وقال مجاهد: اللاعنون: هوام الأرض الخنافس، والعقارب، والحيات، تلعنهم وتقول: منعنا القطر من خطايا بني آدم وذنوبهم.
فإن قال قائل: كيف صلح أن يجمعوا بالواو والنون، وإنما سبيل الواو والنون أن يكون للناس؟ قيل له: العلة في هذا أنهن وصفن بوصف الناس، وأجرين مجرى الناس، قال الله عز وجل: {قََالَتْ نَمْلَةٌ يََا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ} (1)، فأثبتت الواو في فعل النمل، لأنهن وصفن بالقول، والقول سبيله أن يكون من الناس.
وقال تبارك وتعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ} (2)، فقال ساجدين ولم يقل: ساجدان، لأنه وصفهم بمثل وصف الناس.
وقال ابن مسعود: «إذا تلاعن الرجلان فلعن أحدهما صاحبه، رجعت اللعنة على المستحق لها منهما، فإن لم يكن منهما مستحق لها، رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله عز وجل»:
وقولهم: لعمري ما هو كذا
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: معنى لعمري: وحياتي، وذلك أن = لعمر = عند العرب: الحياة والبقاء. وفيه ثلاث لغات: عمر بضم العين والميم، وعمر بضم العين وتسكين الميم، وعمر بفتح العين وتسكين الميم، قال الله عز وجل: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} (3)، ويروى عن الأعمش: عمرا من قبله. قال الشاعر (4):
هأنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا
__________
(1) سورة النمل: آية 18.
(2) سورة يوسف: آية 4.
(3) سورة يونس: آية 16.
(4) الربيع بن ضبع الفزاري كما في: المعمرون 9، حماسة البحتري 201.(1/291)
أبا امرىء القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
وقال الآخر (1):
أيها المبتغي فناء قريش ... بيد الله عمرها والفناء
وقال ابن أحمر (2) في فتح العين وتسكين الميم:
بان الشباب وأخلف العمر ... وتنكّر الإخوان والدّهر
وقال (3) في ضم العين والميم:
بان الشباب وأفنى ضعفك العمر ... لله درّك أيّ العيش تنتظر
وقال الله عز وجل: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (4)، قال ابن عباس: معناه: وحياتك. وإنما قالوا في القسم: لعمرك، ولم يستعملوا اللغتين الأخريين لكثرة ما يستعملون الأقسام في الكلام، فاختاروا المفتوح للقسم، لأنه أخف على اللسان من المضموم. وكذلك قولهم: لعمر الله. معناه: وبقاء الله الدائم. وعمرك موضعه رفع لجواب اليمين. قال الفراء: الأيمان ترتفع بجواباتها، فإذا أسقطت العرب اللام منه نصبوه فقالوا: عمرك لا أقوم، وإنما نصبوه على مذهب المصدر. قال الشاعر:
عمرك الله ساعة حدّثينا ... ودعينا من ذكر ما يؤذينا (5)
وقولهم: لله درّك
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الأصل في هذه الكلمة عند العرب: أن الرجل إذا كثر خيره وعطاؤه وإنالته الناس قيل: لله دره: أي عطاؤه وما يؤخذ منه، فشبهوا عطاءه بدرّ الناقة والشاة، ثم كثر استعمالهم لهذا حتى صاروا يقولونه لكل متعجّب منه. قال الشاعر (6):
__________
(1) عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه 88.
(2) شعره: 60.
(3) شعره: 95.
(4) سورة الحجر: آية 72.
(5) بلا عزو في اللسان (عمر).
(6) الجموح الظفري في شرح أشعار الهذليين 871. ونسب إلى راشد بن عبد ربه السلمي في اللسان (عذر)، والخزانة 1/ 222.(1/292)
لله درك إني قد رميتهم ... لولا حددت ولا عذرى لمحدود
وقال الفراء: ربما استعملوه وقالوه من غير أن يقولوا: لله، فيقولون: درّ درّ فلان، ولا درّ درّه، وأنشد الفراء:
لا درّ درّي إن أطعمت نازلهم ... قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز (1)
وقال الآخر (2):
درّ درّ الشباب والشعر الأس ... ود والضامرات تحت الرجال
وقولهم: المنزل محفوف بالناس
قال أبو بكر: معناه: الناس مجتمعون بحفافيه، وحفافاه: جانباه. قال أبو عبيدة في قول الله عز وجل: {وَتَرَى الْمَلََائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (3)، معناه: يطوفون بحفافيه أي بجانبيه، وأنشد أبو عبيدة (4):
تظلّ بالأكمام محفوفة ... ترمقها أعين جرّامها (5)
وقال عمر بن أبي ربيعة (6):
سائلا الرّبع بالبليّ وقولا ... هجت شوقا لي الغداة طويلا
أين حيّ حلّوك إذ أنت محفو ... ف بهم آهل أراك جميلا
__________
(1) للمنتخل الهذلي، ديوان الهذليين 2/ 15. والقرف: القشر. والحتي: المقل، وهو الدوم.
(2) عبيد بن الأبرص. ديوانه 108. وفيه: والراتكات تحت الرحال. والراتكات: الإبل النجائب التي ترتك في سيرها، أي تسرع.
(3) سورة الزمر: آية 75.
(4) المجاز 1/ 402.
(5) للطرماح، ديوانه 443. والأكمام: ما يغطي ثمار النخلة من السعف والليف. والجرام:
الذين يجرمون النخل، أي يجنون ثماره.
(6) ديوانه 374.(1/293)
وقولهم: ما ينام ولا ينيم
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معنى ولا ينيم: ولا يكون منه ما يدفع السهر فينام معه. وقال غيره: معنى قولهم: ولا ينيم: ولا يأتي بسرور ينام له. وقال غيرهما: معنى قولهم: ولا ينيم: ولا ينيم غيره، أي: يمنع غيره من النوم. قال الشاعر:
وموكّل بك لا أملّ ... ولا أنام ولا أنيم (1)
وقولهم: فلان طيّاش
قال أبو بكر: معناه: غير مقتصد في قوله وفعله، من قولهم: قد طاش السهم، إذا لم يصب، ووقع على غير قصد. قال لبيد (2):
صادفن منه غرّة فأصبنها ... إنّ المنايا لا تطيش سهامها
معناه: لا تقع على غير قصد.
وقولهم: هبلت فلانا أمّه
قال أبو بكر: معناه: ثكلته أمه. والهبل: الثّكل، قال عمران بن حطان (3):
قد كان يرجى ويخشى في عشيرته ... لأمّه زينب الويلات والهبل
معناه: والثّكل. وقال الآخر:
يسل الناس ولا يعطيهم ... هبلته أمه ما أطمعه (4)
وقولهم: فلان سفيه
قال أبو بكر: معناه: فلان قليل الحلم. والسفه عند العرب: خفة الحلم. قال
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ديوانه 308، ومنه: أي من الفرير.
(3) أخل به شعر الخوارج.
(4) لم أقف عليه.(1/294)
بعض أهل اللغة: من ذلك قولهم: ثوب سفيه، إذا كان خفيفا رقيقا، ومن ذلك قول ذي الرمة (1):
وأبيض موشيّ القميص عصبته ... على ظهر مقلات سفيه جديلها
الجديل: الزمام، والمعنى: خفيف زمامها مسرع. وقال سابق (2):
سبقت يداك له بعاجل طعنة ... سفهت لمنفذها أصول جوانح
ويروى للصلتان (3) ولزياد الأعجم (4). أراد: أسرع الدم منها وبادر وخفّ.
ويقال: سفه عبد الله، وسفه عبد الله، وسفه عبد الله رأيه، ولا يجوز: سفه عبد الله رأيه، بضم الفاء مع النصب، لأن فعل لا ينصب وفعل ينصب، وذلك أنك تقول:
علم عبد الله علما، ولا تقول كرم عبد الله أخاك.
وقولهم: فلان خوّار
قال أبو بكر: معناه: فلان ضعيف. يقال: خار في العمل يخور خورا، إذا ضعف، قال عمر بن الخطاب: «لن تخور قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو».
فمعناه: لن يضعف قوى، ومعنى: ينزع: ينزع في القوس وينزو على الخيل.
ويقال: خار الثور يخور خورا، إذا صاح، قال الله عز وجل {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوََارٌ} (5)، وقال الشاعر (6):
هوّن عليك إذا رأيت مجاشعا ... يتخاورون تخاور الأثوار
__________
(1) ديوانه 922.
(2) أخل به شعره. وسابق البربري: من الزهاد، له أخبار مع الخليفة عمر بن عبد العزيز.
(تاريخ ابن عساكر 6/ 38. اللباب 1/ 132. الخزانة 4/ 164).
(3) الصلتان العبدي: اسمه قثم بن خبية، وهو الذي قضى بين جرير والفرزدق. (الشعر والشعراء 500، المؤتلف والمختلف 214، معجم الشعراء 49).
(4) زياد بن سليمان أو سليم، أموي، ت نحو 100هـ. (الشعر والشعراء 430، الأغاني 15/ 180).
(5) سورة طه: آية 88.
(6) جرير، ديوانه 898. وفيه: لا تفخرن إذا سمعت(1/295)
والجؤار بمعنى الخوار، يقال: جأر يجأر جؤارا، إذا صاح. قال الله عز وجل:
{ثُمَّ إِذََا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} (1)، فمعناه: ترفعون أصواتكم وتتضرعون، وأنشد أبو عبيدة فمعناه: ترفعون أصواتكم وتتضرعون، وأنشد أبو عبيدة:
إنني والله فاقبل حلفتي ... بأبيل كلّما صلّى جأر (2)
الأبيل: الراهب. وقال عمران بن حطان (3):
وأنت حسيب ذاك إذا دعينا ... إليك فعافني واسمع جؤاري
وقولهم: قد طرق فلان على فلان وقد أخذنا في التطريق
قال أبو بكر: التطريق معناه في كلام العرب: التكهن والتخمين، وأصله من الطرق، والطرق: ضرب الحصى بعضه على بعض، ثم يزجر به. قال لبيد (4):
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطّير ما الله صانع
وقولهم: لا يقدر على هذا من هو أعظم حكمة منك
قال أبو بكر: قال بعض أهل اللغة: الحكمة: القدر والمنزلة، واحتج بحديث عمر، حدثنا إبراهيم الحربي قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان (5) عن ابن عجلان (6) عن بكير بن عبد الله بن الأشج (7) عن معمر بن أبي حبيبة (8) عن عبد
__________
(1) سورة النحل: آية 53.
(2) لعدي بن زيد، ديوانه 61.
(3) شعر الخوارج 172نقلا عن الزاهر بتحريف.
(4) ديوانه 172.
(5) هو سفيان بن عيينة وقد مرت ترجمته.
(6) محمد بن عجلان المدني القرشي، توفي 148هـ. (ميزان الاعتدال 3/ 644، تهذيب التهذيب 9/ 341).
(7) من ثقات أهل مصر، توفي 122هـ. (مشاهير علماء الأمصار 188، تهذيب التهذيب 1/ 492).
(8) جاء في تهذيب التهذيب 10/ 243: معمر بن أبي حبيبة، ويقال: حيية بياءين. (وينظر خلاصة تذهيب الكمال 3/ 47).(1/296)
الله بن عدي بن الخيار (1) قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: «إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال له: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه حقير وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر وعتا وهصه الله إلى الأرض وقال له: اخسأ خسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير، حتى يكون عندهم أحقر من الخترير» (2).
حدثنا إبراهيم الحربي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري (3) قال: حدثنا علي بن الحكم الأنصاري (4) قال: حدثنا سلام أبو المنذر (5) عن علي بن زيد (6) عن يوسف ابن مهران (7) عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك الذي يليه: ضع حكمته» (8). قال إبراهيم فمعنى قوله صلّى الله عليه وسلم: في رأسه حكمة: مثل، قال:
والحكمة: حديدة في اللجام مستديرة على الحنك، تمنع الفرس من الفساد والجري.
قال إبراهيم: وحدثنا يوسف ابن البهلول عن ابن إدريس عن ابن إسحاق عن الزهري عن كثير بن العباس (9) عن أبيه العباس قال: «إني لمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم حنين آخذ بحكمة فرسه» (10). قال إبراهيم: فلما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصلا بالرأس، جعلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم تمنع من هي في رأسه من الكبر، كما تمنع الحكمة الدابة من الفساد والجري، وأنشدنا إبراهيم:
__________
(1) تابعي، توفي 90هـ. (طبقات ابن خياط 582، تهذيب التهذيب 7/ 36).
(2) الفائق 1/ 302.
(3) هو مؤلف الصحيح والتاريخ الكبير، ت 256هـ. (تاريخ بغداد 2/ 4، وفيات الأعيان 4/ 188).
(4) توفي 226هـ. (تهذيب التهذيب 226).
(5) أحد قراء الكوفة، توفي 171هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 284، طبقات القراء 1/ 309).
(6) علي بن زيد بن جدعان، توفي 131هـ. (طبقات ابن خياط 517، تهذيب التهذيب 8/ 322).
(7) بصري، روى عن ابن عباس. (ميزان الاعتدال 4/ 474، تهذيب التهذيب 11/ 424).
(8) النهاية 1/ 420.
(9) كثير بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلّى الله عليه وسلم (تهذيب التهذيب 8/ 420).
(10) النهاية 1/ 420.(1/297)
القائد الخيل منكوبا دوابرها ... محكومة حكمات القدّ والأبقا (1)
وقال: يقال: فرس محكومة، والذي عليه أهل اللغة: محكومة. وقد يقال:
محكمة. والحكمة: القملة العظيمة، قال: وقولهم: قد حكم الحاكم، من هذا أخذ، معناه: قد قال قولا منع به من الظلم والفساد. قال أبو إسحاق: وقال النضر بن شميل (2): حكم اليتيم عن كذا وكذا أي ردّه عنهن وأنشدنا أبو إسحاق لجرير (3):
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا
وقولهم: لفلان مال صامت
قال أبو بكر: في الصامت والناطق قولان: أحدهما أن يكون الصامت: الذهب والفضة، والناطق: الحيوان (4). والقول الآخر أن يكون الناطق: الذي له كبد، قال خالد ابن كلثوم: الناطق عند العرب كل ما كان له كبد، واحتج بقول الشاعر (5):
فما المال يخلدني صامتا ... هبلت ولا ناطقا ذا كبد
ذريني أروّي به هامتي ... حياتي وقدك من اللوم قد
معنى: وقدك: وحسبك. يقال: قد عبد الله درهم، وقد عبد الله درهم. فمن قال: قد عبد الله، أراد: يكفي عبد الله، ومن قال: قد عبد الله أراد: حسب عبد الله، وقال الشاعر (6):
قد القلب من وجد بها برّحت به ... قد القلب من وجد بها أبدا قد
__________
(1) لزهير، ديوانه 49. ويروى أيضا: قد أحكمت حكمات. والقد: ما قدّ من الجلد، أي قطع الأبق: حبال القنب.
(2) نحوي بصري من أصحاب الخليل، توفي 204هـ. (نور القبس 99، وفيات الأعيان 5/ 397).
(3) ديوانه 466.
(4) وهو قول المفضل بن سلمة في الفاخر 40.
(5) بلا عزو في الفاخر 40.
(6) لم أقف عليه.(1/298)
وقولهم: بين القوم هوادة
قال أبو بكر: معناه: بينهم صلح وسكون، يقال: قد هوّد الرجل يهوّد تهويدا، إذا مشى مشيا ساكنا، من ذلك قول عمران بن حصين (1): «إذا مت، فأخرجتموني، فأسرعوا المشي، ولا تهوّدوا بي كما تهوّد اليهود والنصارى» (2).
وقال الشاعر (3):
وتركب خيل لا هوادة بينها ... وتشقى الرّماح بالضياطرة الحمر
فمعناه: لا صلح بينهما. وقال الأموي (4):
بني هاشم كيف الهوادة بيننا ... وعند فلان سيفه ونجائبه
معناه: كيف السكون والصلح بيننا.
وقولهم: فلان لا يقوم بطنّ نفسه
قال أبو بكر: معناه: لا يقوم بقوت جسمه ولا بمؤونة نفسه، هذا قول الأصمعي، وأنشد للراجز (5):
لما رأوني واقفا كأنّي ... بدر تجلّى من دجى الدّجنّ
غضبان أهذي بكلام الجنّ ... فبعضه منهم وبعض منّي
بجبهة جبهاء كالمجنّ ... ضخم الذراعين عظيم الطّنّ
معناه: عظيم الجسم. وقال أبو العباس: الطّنّ: البروان الذي يوضع بين الجوالقين، فإذا قيل: فلان لا يقوم بطنّ نفسه، فمعناه: لا يقوم بهذا المقدار، وأنشد:
معترضا مثل اعتراض الطّنّ (6)
__________
(1) صحابي، توفي 52هـ. (الإصابة 4/ 705، تهذيب التهذيب 8/ 125).
(2) غريب الحديث 4/ 286.
(3) خداش بن زهير كما في الصحاح (ضطر).
(4) الوليد بن عقبة في الكامل 735، وفيه: وعند عليّ درعه.
(5) بلا عزو في الفاخر 39، وجمهرة الأمثال 2/ 410.
(6) لم أقف عليه.(1/299)
وقولهم: أيّدك الله وأدام تأييدك
قال أبو بكر: معناه: قوّاك الله. قال أبو عبيدة وغيره: الأيد عند العرب: القوة، ويقال: رجل ذو أيد وآد، أي ذو قوة. قال الله عز وجل: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} (1)، معناه: بقوة، وقال الشاعر (2):
إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيّد
معناه: وبطش قوي. ويقال: آدني الشيء يؤودني، إذا أثقلني. قال الله عز وجل: {وَلََا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمََا} (3)، فمعناه: لا يثقل عليه حفظهما. وقال سعيد بن جبير (4): معنى ولا يؤوده: ولا يكرثه، وهو شبيه بالمعنى الأول. وقال بعضهم: ولا يؤوده معناه: ولا يشغله، وقال حسان بن ثابت (5):
وقامت ترائيك مغدودنا ... إذا ما تنوء به آدها
معناه: أثقلها.
وقولهم: فلان ينجش علينا وقد أخذنا في النّجش
قال أبو بكر: الأصل في النّجش: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، ولكن ليسمعه غيره فيزيد لزيادته. قال عبد الله بن أبي أوفى: «النّاجش آكل ربا خائن» (6). وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ولا تناجشوا ولا تدابروا» (7). فالتناجش: هو الذي فسرناه، والتدابر: التهاجر والتصارم، والأصل فيه: أن يولّي الرجل صاحبه دبره ويعر عنه بوجهه، وهو التقاطع. قال حمّرة بن مالك الصّدّائي (8) يعاتب قومه:
__________
(1) سورة الذاريات: آية 47.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة البقرة: آية 255.
(4) نسب القول في تفسير الطبري 3/ 12إلى مجاهد.
(5) ديوانه 102. والمغدودن: الشعر الطويل الكثير. وتنوء: تنهض.
(6) غريب الحديث 2/ 10.
(7) غريب الحديث 2/ 10.
(8) غريب الحديث 2/ 10. وينظر المؤتلف والمختلف 141.(1/300)
أأوصى أبو قيس بأن تتواصلوا ... وأوصى أبوكم ويحكم أن تدابروا
معناه: أن تهاجروا. وقال الأصمعي (1): النجش: مدح الشيء وإطراؤه، وأنشد للنابغة الشيباني (2) في صفة خمر:
وترخّي بال من يشربها ... ويفدّى كرمها عند النّجش
وقال غيره (3): النجش: أن ينفر الناس عن الشيء إلى غيره، قال: وأصل النجش: تنفير الوحش من مكان إلى مكان. قال الشاعر (4):
فما لها الليلة من إنفاش ... غير السّرى والسائق النّجّاش
فمعناه: المنفّر. قال أبو العباس: نجّاشو سوق الطعام، من هذا أخذوا.
وقولهم: قد تعذّر عليّ كذا وقد تعذّرت عليّ الحاجة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معنى تعذّر علي: ضاق علي، قال: وإنما سميت العذراء عذراء لضيقها. قال: ويقال للجامعة التي تجمع بها يدي الأسير وعنقه:
عذراء لضيقها، وأنشد للفرزدق (5):
رأيت ابن دينار يزيد رمى به ... إلى الشام يوم العنز والله شاغله
بعذراء لم تنكح حليلا ومن تلج ... ذراعيه تخذل ساعديه أنامله
ومعنى هذا البيت: أن هذا الرجل جنى على نفسه، وبحث عن مكروهه، كما بحثت العتر عن المدية، فذبحت بها.
وقولهم: قد دغر فلان كذا وكذا وهو دغّار
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الدّغر: الاختلاس في سرعة. وقال غيره: الدّغرة:
__________
(1) الفاخر 56.
(2) ديوانه 86وفيه: عند التجش. والتجشي: من الجشأة، وهو صوت يخرج من الفم مع ريح عند الشبع. ولا شاهد في البيت على هذه الرواية.
(3) هو ابن الأعرابي كما في الفاخر 56.
(4) رجل من بني فقعس كما في تهذيب الألفاظ 311.
(5) ديوانه 2/ 90.(1/301)
الغمزة والدفعة بسرة. فالذين قالوا: الدغرة: الاختلاس، احتجوا بقول النبي (1) صلّى الله عليه وسلم:
«لا قطع في الدغرة»، أي في الاختلاس. والمحدّثون يقولون: في الدغرة بفتح الغين، وأهل اللغة يسكنون الغين. والذين قالوا: الدغرة: الغمز والدفع، قالوا: هو من قول العرب: قد دغرت المرأة حلق الصبي تدغره دغرا، إذا غمزته من وجع يهيج به من الدم يقال له: العذرة. ويقال أيضا: قد عذرته تعذره عذرا، إذا غمزت العذرة وداوتها، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تعذّبن أولادكن بالدّغر» (2)، فهو غمز الحلق. ويقال:
قد دغر الصبي فهو مدغور، وعذر فهو معذور، إذا عولج من هذا. قال جرير (3):
غمز ابن مرّة يا فرزدق كينها ... غمز الطبيب نغانغ المعذور
النغانغ: لحمات تكون عند اللهوات، واحدها نغنغ، ويقال لها اللغانين، واللغاديد، واحدها لغنون ولغدود. ويقال للواحد أيضا: لغد، فمن قال: لغد قال في الجمع ألغاد.
وقولهم: جاء في وقت الهاجرة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: وقت الهاجرة: وقت شدة الحر، وقال: إنما سميت هاجرة، لأنها تهجر البرد، قال: ويجوز أن تكون سميت هاجرة لأنها أكثر حرا من سائر النهار، من قولهم: فلان أهجر من فلان إذا كان أضخم منه. ويقال للحوض الضخم: هجير، فسميت الهاجرة هاجرة، لضخامة الحر فيها. ويقال لوقت الحر هجير أيضا، فيكون لفظه كلفظ الهجير إذا عني به الحوض الضخم. قال الشاعر:
وقد خضن الهجير وعمن حتى ... يفرّج ذاك عنهنّ المساء (4)
__________
(1) هو حديث الإمام علي كما في غريب الحديث 1/ 29، والفائق 1/ 428، والنهاية 2/ 123.
(2) غريب الحديث 1/ 28.
(3) ديوانه 858. وابن مرة هو: عمران بن مرة المنقري. وكان أسر (جعثن) أخت الفرزدق يوم السبعان. والكين: لحم الفرج.
(4) لم أقف عليه.(1/302)
وقولهم: هو ينزل في سكّة فلان
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سميت السّكّة سكّة، لاصطفاف الدور فيها، قال: ويقال للطريقة المستوية المصطفة من النخل: سكة، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «خير المال سكّة مأبورة، ومهرة مأمورة» (1). السكة: الطريقة المستوية من النخل. والمأبور:
الملقّحة، يقال: أبّرت النخل أبّرها أبرا، إذا لقّحتها، من ذلك الحديث الذي يروى:
(من باع نخلا قد أبّرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) (2). ويقال: قد ائتبرت غيري، إذا سألته أن يأبر لك نخلك. قال طرفة (3):
ولي الأصل الذي في مثله ... يصلح الآبر زرع المؤتبر
والمهرة المأمورة: هي الكثيرة النتاج، وفيها لغتان: مهرة مأمورة، ومهرة مؤمرة.
يقال: أمرّها الله وآمرها، إذا أكثرها. قال الله عز وجل: {وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا} (4)، ففي هذا ثلاثة أوجه:
أحدهن: أن يكون المعنى: أمرناهم بالطاعة، فعصوا. والقول الثاني: أن يكون معنى أمرناهم: أكثرناهم. والقول الثالث: أن يكون معنى أمرناهم: جعلناهم أمراء، من قول العرب: أمير غير مأمون. وقرأ أبو عثمان النهدي (5): أمّرنا مترفيها. وقرأ أبو عمرو: أمرنا مترفيها على معنى: أكثرنا. وقرأ الحسن: أمرنا مترفيها بكسر الميم، وكان الفراء يضعّف هذه القراءة لأن أمر لا يتعدى إلى مفعول. وحكى أبو زيد: أمر الله بني فلان، أي أكثرهم. والمعروف في كلام العرب: قد أمر القوم يأمرون فهم آمرون، إذا كثروا. قال لبيد (6):
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للهلك والنفد
__________
(1) الفائق 2/ 189، الجامع الصغير 2/ 11.
(2) غريب الحديث 1/ 350.
(3) ديوانه 63.
(4) سورة الإسراء: آية 16.
(5) المحتسب 2/ 16. والنهدي: هو عبد الرحمن بن مل البصري، توفي سنة 100هـ. (تذكرة الحفاظ 1/ 61، تهذيب التهذيب 6/ 277).
(6) ديوانه 160. ويهبطوا: يموتوا.(1/303)
معناه: وإن كثروا. وقال الآخر (1):
أمرون ولّادون كلّ مبارك ... طرفون لا يرثون سهم القعدد
وقال الآخر:
غرّوك لا نصروا ولا أمروا ... أبدا ولا رغبوا عن الخير (2)
وقولهم: قد طمرت الشيء
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معنى طمرته: سترته، قال: وهو من قولهم: قد طمر الجرح، إذا سفل، قال: وهذا الحرف من الأضداد.
يقال: طمر الجرح إذا سفل، وطمر إذا علا وارتفع، قال: وقولهم: طامر بن طامر، وهو البرغوث، وإنما سمي البرغوث طامرا لتروه وارتفاعه.
وقولهم: الحديث ذو شجون
قال أبو بكر: معناه: الحديث ذو فنون وتمسّك وتشبّك من بعضه ببعض.
يقال: شجر متشجّن، إذا التف بعضه ببعض، حكاه أبو عبيد (3). وقال الفرزدق (4):
ولا تأمننّ الحرب إنّ استعارها ... كضبّة إذ قال الحديث شجون
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الرّحم شجنة من الله عز وجل» (5) ويقال: شجنة بضم الشين. قال أبو عبيد: أخبرني يزيد بن هارون (6) عن الحجاج بن أرطاة (7) قال:
__________
(1) الأعشى. ديوانه 240وفيه: أمرون كسّابون كل رغيبة.
(2) لم أقف عليه.
(3) غريب الحديث 2/ 333.
(4) ديوانه 2/ 333. وضبة: هو ضبة بن أد، أول من قال هذا المثل.
(5) غريب الحديث 1/ 209.
(6) من حفاظ الحديث المشهورين، توفي 206هـ. (العبرا / 350، تهذيب التهذيب 11/ 366).
(7) يكنى أبا أرطاة، توفي قبل سنة 145هـ. (تاريخ ابن خياط 648، تهذيب التهذيب 2/ 196).(1/304)
الشّجنة كالغصن يكون من الشجرة، أو كلمة، في نحو هذا يوافق معناه.
وقولهم: فلان مأبون
قال أبو بكر: قال الأصمعي: هو المعيب، والأبنة معناها في كلام العرب:
العيب. ويقال: أبنت الرجل آبنه أبنا، إذا عبته. ويقال: في حسب فلان أبنة أي:
عيب، وهو من قولهم: عود مأبون، إذا كانت فيه أبنة، وهي العقدة يعاب بها. قال الأعشى (1):
عليه سلاح امرئ حازم ... تمهّل للحرب حتى امتحن
سلاجم كالنّحل ألبستها ... قضيب سراء قليل الأبن
معنى قوله امتحن: اختار. قال الله عز وجل: {أُولََئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ََ} (2)، معناه: اختارها وأخلصها. وقوله: سلاجم، يعني بها: النّصال العراض.
وقولهم: قد أخذنا في الدّوس
قال أبو بكر: الدوس: تسوية الحديقة وتزيينها، وهو مأخوذ من دياس السيف، وهو صقله وجلاؤه. يقال: داس الصيقل السيف يدوسه دوسا ودياسا، إذا صقله وجلاه، قال الشاعر:
صافي الحديدة قد أضرّ بصقله ... طول الدّياس وبطن طير جائع (3)
ويقال للحجر الذي يجلى به السيف: مدوس، أنشدنا أبو العباس لأبي ذؤيب (4):
وكأنما هو مدوس متقلّب ... بالكفّ إلا أنه هو أضلع
__________
(1) ديوانه 21.
(2) سورة الحجرات: آية 3.
(3) الفاخر 57بلا عزو.
(4) ديوان الهذليين 1/ 6. والبيت في وصف حمار. وأضلع: أغلظ.(1/305)
وقولهم: قد زكن عليه
قال أبو بكر: قال أبو العباس: التزكين: التشبيه، قال: ويقع على الظن الذي يقع في النفوس، قال الراجز:
يأيّهذا الكاشر المزكّن ... أعلن بما تخفي فإني معلن (1)
وقال أبو العباس: قال الفراء: يقال زكنت الشيء إذا علمته. وأزكنته غيري، إذا أعلمته. قال قعنب بن أمّ صاحب (2):
ولن يراجع قلبي حبّهم أبدا ... زكنت من بغضهم مثل الذي زكنوا
معناه: علمت من بغضهم.
وقولهم: قد دخل فلان في خمار الناس
قال أبو بكر: هذا مما يخطئ فيه العوام فيقولون: غمار بالغين، والذي تقول العرب: دخل في خمار الناس بالخاء، وهو جمعهم، أي استتر بهم وتغطّى. ومن ذلك الخمار، سمي بذلك لتغطيته الشعر. ومن ذلك قولهم لما يستتر به الإنسان في طريقه من الشجر وغيره: خمر. أنشد الفراء:
ألا يا زيد والضّحّاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق (3)
وقال يعقوب بن السكيت: الخمر عند العرب: كل ما استتر به الإنسان من شجر وغيره، والضراء ممدود: كل ما استتر به الإنسان به من الشجر خاصة.
يقال في مثل يضرب للرجل الحازم: لا يدب له الضراء، ولا يمشى له الخمر، أي لا يختل ولكنه يجاهر. وقال بشر بن أبي خازم (4):
عطفنا لهم عطف الضّروس من الملا ... بشهباء لا يمشي له الخمر، أي لا
يختل ولكنه يجاهر. وقال بشر بن أبي خازم:
عطفنا لهم عطف الضّروس من الملا ... بشهباء لا يمشي الضّراء رقيبها
__________
(1) دون عزو في الفاخر 58، واللسان (زكن).
(2) تهذيب الألفاظ 547ومختارات ابن الشجري 28. وقعنب بن ضمرة، أموي. (من نسب إلى أمّه من الشعراء 92، اللآلئ 362).
(3) الأضداد 53بلا عزو.
(4) ديوانه 15. والضروس: الناقة الحديثة النتاج. والشهباء: الكتيبة البيضاء من كثرة الحديد.(1/306)
أي لا يختل ولكنه يجاهر. وقال الكميت (1):
وإني على حبّهم وتطلّعي ... إلى نصرهم أمشي الضّراء وأختل
وحكى بعض أهل اللغة: دخل في غمار الناس بالغين أي في تغطيتهم. من ذلك قولهم: قد غمر الماء الشيء، إذا غطاه. ويقال: قد غسل يده من الغمر، أي مما غطى عليها من الرائحة المكروهة.
وقولهم: أنتن من العذرة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: العذرة: فناء الدار، والعذرات: أفنية الدور. قال الحطيئة (2):
لعمري لقد جرّبتكم فوجدتكم ... قباح الوجوه سيئّ العذرات
يريد الأفنية. وقال الآخر (3):
كان لا يحرم الصديق ولا يع ... لم ما الفحش طيّب العذرات
رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطّلحات
وكانوا فيما مضى يطرحون الأحداث في أفنية دورهم، فسموها باسم الموضع.
وكذلك الغائط، هو عند العرب: ما اطمأن من الأرض. قال الشاعر (4):
وكم من غائط من دون سلمى ... قليل الأنس ليس به كتيع
وكانوا فيما مضى إذا أراد الرجل قضاء حاجته طلب الموضع المطمئن من الأرض، فكثر هذا حتى سموا الحدث باسم الموضع. وكذلك الكنيف: معناه في كلام العرب: الحظيرة التي تعمل للإبل فتكنّها من البرد، فسمّوا ما حظروه وجعلوه موضعا للحدث بذلك الاسم تشبيها به.
__________
(1) الهاشميات 74.
(2) ديوانه 332.
(3) عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه 20مع تقديم الثاني.
(4) عمرو بن معد يكرب، ديوانه 132 (بغداد)، 133 (دمشق).(1/307)
وقولهم: على ما خيّلت
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: على ما أرت وشّبهت، وقال: يقال:
تخيّلت وخيّلت، وقال: خيلت: هو الكلام الجيد، والأصل فيه من قولهم: قد خيّلت السحابة وتخيّلت، إذا أرت مخيلة للمطر. وقال يعقوب (1): قال الأصمعي: معنى قولهم: على ما خيلت: على ما شبّهت، وأنشد بيت زهير (2):
تجدهم على ما خيّلت هم إزاءها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
قال يعقوب: قال الأصمعي (3): معناه: إذا حبس الناس أموالهم لا تسرح وجدتهم ينحرون، وإذا اشتد أمر الناس حتى يبلغ الضيق وجدتهم يسوسون. فمعنى قوله: هم إزاءها: هم القائمون بها. ومعنى قوله: وإن أفسد المال الجماعات والأزل، معناه: وإن أفسد المال الذين يأكلونه وجدب السنين، وقال أبو العباس: الخال عندهم: السحاب الذي يخيل إليك أن فيه المطر، وأنشد للفرزدق (4):
أتيناك زوّارا ووفدا وشامة ... لخالك كخال الصدّق مجد ونافع
وقال الآخر (5):
باتت تشيم لدى هارون من حضن ... خالا يضيء إذا ما مزنه ركدا
وقال سديف (6):
أقم قصد وجهك شطر العراق ... وخال الخليفة فاستمطر
__________
(1) ينظر إصلاح المنطق 371، ولا ذكر فيه للأصمعي، وقول الأصمعي في شرح ديوان زهير.
(2) ديوانه 105.
(3) ينظر ديوان زهير 106فالشرح فيه هو هو، ولا ذكر للأصمعي.
(4) ديوانه 1/ 393. والشامة: جمع شائم، وهو الذي يشيم البرق ينظر أين مقر غيمه. والخال:
السحاب.
(5) لم أقف عليه.
(6) أخل به شعره. وسديف بن مولى بني العباس وشاعرهم. (الشعر والشعراء 761، طبقات ابن المعتز 37).(1/308)
وقولهم: فلان شمّريّ
قال أبو بكر: فيه ثلاثة أقوال، قال قوم: الشّمّريّ: الحاد النّحرير، وأصله في كلام العرب: شمّريّ، فغيرته العوام. قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:
وليّن الشيمة شمّريّ ... ليس بفحّاش ولا بذيّ (1)
وقال أبو عمرو: الشّمّريّ: المنكمش في الشر والباطل، المتجرد لذلك، قال:
وهو مأخوذ من التشمير، وهو الجد والانكماش، وأنشد للراجز:
تعجّبت مني ومن فتوري ... بعد عظيم الجدّ والتشمير (2)
وقال بعضهم: الشّمّريّ: الذي يمضي لوجهه، أي يركب رأسه في الباطل ولا يرتدع.
وقولهم: بات القوم وحشا
قال أبو بكر: معناه: باتوا جياعا، من ذلك قولهم: قد توحّش للدواء، أي تجوّع له. قال الشاعر (3):
فإن بات وحشا ليلة لم يضق بها ... ذرعا ولم يصبح لها وهو ضارع
ويقال: قد أوحش الرجل، وأقوى، وأقتر، وأنفق، وأرمل، إذا فني زاده. قال الله عز وجل: {وَمَتََاعاً لِلْمُقْوِينَ} (4)، فمعناه للمسافرين الذين ذهبت أزوادهم.
وقال أبو عبيدة (5): من ذلك قولهم: منزل قواء، إذا كان لا أنس فيه، وقال الشاعر (6):
خليليّ من عليا هوازن سلّما ... على طلل بالصفحتين قواء
__________
(1) بلا عزو في اللسان، والتاج (شمر).
(2) بلا عزو في الفاخر 29.
(3) حميد بن ثور، ديوانه 104وفيه: وهو خاضع.
(4) سورة الواقعة: آية 73.
(5) ينظر مجاز القرآن 2/ 252.
(6) بلا عزو في الأضداد 123، والمقصور والممدود للقالي 289.(1/309)
وقولهم: رجل شحّاث
قال أبو بكر: هذا مما يخطئ فيه العوام فيقولونه بالثاء، والصواب: رجل شحّاذ بالذال، وهو الملّح في مسألته، من قولهم: قد شحذ الرجل السيف، إذا ألح عليه بالتحديد، فالملح في المسألة مشبّه بهذا. ويقال: سيف مشحوذ وشفرة مشحوذة.
قالت عائشة بنت عبد المدان (1):
حدّثت بشرا وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
ألحى على ودجي ابني مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
ويقال: سائل ملّح وملحف بمعنى. قال الله عز وجل: {لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً} (2)، يريد: بإلحاح وملازمة. وقال أبو الأسود الدؤلي: «ليس للسائل الملحف مثل الردّ الجامس» (3). يريد الجامد، أي القوي المجتمع.
والمحروم فيه خمسة أقوال: قال مجاهد: المحروم: الذي لا يسأل ولا يعطي. وقال الحسن: المحروم: الذي يراه الناس فيظنون أنه غني، وليس هو كذلك. وقال الفراء:
يقال الذي لا تستقيم له تجارة. قال الفراء: ويقال: المحروم: الذي لا ديوان له. وقال عمر بن عبد العزيز: المحروم: الكلب.
وقولهم: قد طلّح فلان على فلان
قال أبو بكر: معناه: قد ألح عليه في المسألة وغيرها حتى أتعبه، فصيره بمنزلة الطّلح والطّليح من الإبل. والطّلح من الإبل: الذي قد منّه السير. قال الأصمعي:
الطلح أيضا: الرجل التّعب الكالّ، وأنشد للحطيئة (4) في صفة إبل:
إذا نام طلح أشعث الرأس خلفها ... هداه لها أنفاسها وزفيرها
__________
(1) تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة.
(2) سورة البقرة: آية 273.
(3) لم أقف على قولته.
(4) ديوانه 368.(1/310)
ويقال: ناقة طليح، إذا كانت معيية كالّة. قال الشاعر (1):
فاء بعنس قد ونت طليح
ويقال: أنيق طليحات وطلائح. قال الشاعر (2):
وأسّس بنيانا بمكة ثابتا ... تلألأ فيه بالظلام المصابح
مثابا لأفناء القبائل كلّها ... تخبّ إليه اليعملات الطّلائح
ومعنى: قد منه السير: أذهب منّته، أي قوته. يقال: جبل منين، إذا كان ضعيفا ذاهب المنّة. قال الله عز وجل: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (3)، فيه ثلاثة أقوال:
أحدهن: أن يكون المعنى: لا يمنّ عليهم به. والقول الثاني: غير محسوب. والقول الثالث: غير ضعيف.
وقولهم: قد تجّهمني فلان بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: غلّظ لي في القول، وزاد فيه، من قول العرب: فلان جهم الوجه، إذا كان غليظ الوجه. قال جرير (4):
إن الزيارة لا ترجى ودونهم ... جهم المحيّا وفي أشباله غضف
ويقال: جهّمني فلان بكذا وكذا يجهمني.، قال الشاعر (5):
فلا تجهمينا أمّ عمرو فإننا ... بنا داء ظبي لم تخنه عوامله
يريد: فإننا لا داء بنا، كما أن الظبي لا داء به.
وقولهم: قد تشرّدّ القوم
قال أبو بكر: معناه: قد ذهبوا في البلاد. قال عز وجل:
__________
(1) العجاج، ديوانه 168وفيه: قلت لعنس. والعنس: الناقة الشديدة. وونت: فترت.
(2) الثاني فقط للقرشي في شرح القصائد السبع 539، ونسب إلى أبي طالب في اللسان (ثوب) برواية: اليعملات الذوامل. وليس في ديوانه.
(3) سورة التين: آية 6.
(4) ديوانه 168. والغضف: استرخاء الأذن إلى مؤخرها.
(5) عمرو بن الفضفاض الجهني في اللسان (جهم).(1/311)
{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} (1)، معناه: فسمّع بهم من خلفهم. ويقال: معناه: فزّع بهم من خلفهم، قال الشاعر (2):
أطوّف في الأباطح كلّ يوم ... مخافة أن يشرّد بي حكيم
معناه: أن يسمّع بي.
وقولهم: فلان طريد شريد
قال أبو بكر: الطّريد معناه في كلام العرب: المطرود، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: مقتول وقتيل، ومجروح وجريح. والشريد فيه قولان: أن يكون الهارب، من قولهم: قد شرد البعير وغيره إذا هرب. قال الشاعر (3):
أين الرّماد الذي قد كنت أعهده ... ما باله عن جفون العين قد شردا
وقال الأصمعي: الشريد: المفرد، وكذلك قال اليمامي، وأنشد:
تراه أمام الناجيات كأنّه ... شريد نعام شذّ عنه صواحبه (4)
وقولهم: قد خاتل فلان فلانا
قال أبو بكر: قال الأصمعي: أصل المخاتلة: المشي للصيد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع حسا، ثم جعلت المخاتلة مثلا لكل شيء ووري به وستر على صاحبه.
أنشد الفراء والأصمعي:
حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أني بقيد (5)
أراد: قد كبرت وضعف مشيي حتى صار بمنزلة مشي، مخاتل الصيد في ضعفه وخفيته.
__________
(1) سورة الأنفال: آية 57.
(2) شاعر من هذيل كما في القرطبي 8/ 31، وبلا عزو في زاد المسير 3/ 372. وحكيم: رجل من بني سليم كانت قريش ولّته الأخذ على أيدي السفهاء.
(3) لم أقف عليه.
(4) للأحيمر السعدي كما في الفاخر 102.
(5) البيتان لأبي الطمحان القيني في المعمرون 72.(1/312)
وقولهم: لا ألقى فلانا حتى ينفخ في الصّور
قال أبو بكر: في الصّور قولان قال قوم: الصور: قرن ينفخ فيه. ورووا عن عبد الله بن عمرو بن العاص (1) أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الصور فقال: «هو قرن ينفخ فيه»، وأنشدوا في أن الصور القرن قول الشاعر:
نحن نطحناهم غداة الغورين ... بالضّابحات في غبار النّقعين
نطحا شديدا لا كنطح الصّورين (2)
وأنشد الفراء (3):
لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم ... ولا خراسان حتى ينفخ الصّور
وقال قتادة: الصور: جمع صورة، وقال: معنى نفخ في الصّور: نفخ في الصّور:
الأرواح ويروى عن ابن هرمز (4) أنه قرأ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} * (5). وقال أصحاب هذا القول: صورة وصور، بمنزلة قولهم: سورة وسور لسورة البناء. قال العجاج (6):
فربّ ذي سرادق محجور ... سرت إليه في أعالي السّور
وأكثر أهل العلم على القول الأول.
وقولهم: قد سرّي عن الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد كشف عنه ما كان يجده من الغضب والغم، من قولهم: قد سروت الثوب عن الرجل وسريته عنه، إذا كشفته. قال ابن هرمة (7):
__________
(1) صحابي، أسلم قبل أبيه، توفي 65هـ. (حلية الأولياء 1/ 283، أسد الغابة 3/ 349).
(2) الأبيات بلا عزو في تفسير غريب القرآن 26. والضابحات: الخيل الصاهلة.
(3) معاني القرآن 1/ 340بلا عزو. وهو بلا عزو أيضا في نسب قريش 345، والمعرب 315.
وقهندز: كلمة أعجمية، وهي: الحصن أو القلعة.
(4) وهي قراءة الحسن كما في الشواذ 38، والإتحاف 211.
(5) سورة الأنعام: آية 73وآيات أخرى (ينظر المعجم المفهرس 416).
(6) ديوانه 224. وسرت: وثبت.
(7) ديوانه 166، (بغداد) 169، (دمشق). وعجزه: وآذن بالبين الخليط المزايل.(1/313)
سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الحساء يرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم» (1).
فمعنى يرتو: يشدّ ويقوّي، ومعنى يسرو: يكشف. قال لبيد (2) يذكر درعا:
فخمة ذفراء ترتى بالعرى ... قردمانيّا وتركا كالبصل
يعني الدروع أن لها عرى في أوساطها، فتشد ذيلها إلى تلك العرى لتشمر عن لابسها، فذلك الشد هو الرّتو، وهو معنى قول زهير (3):
ومفاضة كالنّهي تنسجه الصّبا ... بيضاء كفّت فضلها بمهنّد
يعني: أنه علق الدرع بمعلاق في السيف. وجاء في الحديث: (أن النبي صلّى الله عليه وسلم أخبر بخبر غمّه، فامتقع لونه، ثم سرّي عنه). فمعنى سري عنه: كشف عنه ما وجد، ومعنى امتقع لونه: تغير لونه. وفيه عشر لغات حكاها ابن الجهم عن الفراء: امتقع لونه بالميم، وانتقع لونه بالنون، وابتقع لونه بالباء، واهتقع لونه بالهاء، وانتسف لونه بالنون والسين، واستقع لونه بالسين والتاء، والتمع لونه بالميم والتاء، وابتسر لونه بالباء والتاء والسين، والتمئ لونه، والتهم لونه.
وقولهم: قد تصلّف الرجل
قال أبو بكر: فيه وجهان أحدهما: أن يكون معنى تصلف: قل خيره ومعروفه. قال أبو العباس: أصل الصّلف قلة النزل، يقال: إناء صلف، إذا كان قليل الأخذ من الماء. والوجه الآخر: أن يكون معنى تصلّف الرجل: تبغّض، من قولهم: قد صلف الرجل زوجته يصلفها صلفا، إذا أبغضها، فإذا أبغضته هي، قيل: فركته تفركه فركا. ويقال: امرأة فارك لزوجها، ورجل صلف لامرأته، أي: مبغض لها.
__________
(1) غريب الحديث 1/ 91، الفائق 2/ 34.
(2) ديوانه 191. وذفراء: من الذفر، وهو: الصنان وخبث الريح. والقردماني: قال ابن قتيبة في المعاني الكبير. 103، (القردماني: الدروع، وهو فارسي، أصله: كردماند، أي عمل فبقي).
والترك: البيض، وهي هنا الخوذ. (ينظر المعرب 300).
(3) ديوانه 278. والنهي: الغدير.(1/314)
وقولهم: قد حصر الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد احتبس عليه الكلام وضاق مخرجه. وأصل الحصر عند العرب: الحبس والضيق. قال الله عز وجل: {أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (1)، أي ضاقت صدورهم. وقرأ الحسن (2): (حصرة صدورهم) على معنى: ضيقة صدورهم. والحصر عند العرب: احتباس الحدث، والأسر: احتباس البول. ويقال:
حصرت الرجل أحصره حصرا، إذا حبسته وضيقت عليه، وأحصره المرض، إذا حبسه. قال الله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (3). قال قيس المجنون (4):
ألا قد أرى والله حبّك شاملا ... فؤادي وأني محصر لا أنالك
ويقال للملك: حصير، لأنه محجوب محبوس، لا يكاد الناس يعاينونه. يقال: قد غضب الحصير على فلان، إذا غضب عليه الملك. قال الشاعر (5):
بني مالك جار الحصير عليكم
وأنشد أبو عبيدة (6):
ومقامة غلب الرقاب كأنهم ... جنّ لدى باب الحصير قيام
أراد: لدى باب الملك. والحصير: الحبس. قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنََا جَهَنَّمَ لِلْكََافِرِينَ حَصِيراً} (7)، معناه: سجنا وحبسا.
وقولهم: قد جلس على المسورة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سميت المسورة مسورة لعلوّها وارتفاعها،
__________
(1) سورة النساء: آية 90.
(2) الشواذ 28.
(3) سورة البقرة: آية 196.
(4) أخل به ديوانه.
(5) بلا عزو في غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 117.
(6) المجاز 1/ 371. والبيت للبيد في ديوانه 290.
(7) سورة الإسراء: آية 8.(1/315)
من قول العرب: قد سار الرجل يسور سورا، إذا ارتفع. قال العجاج (1):
فربّ ذي سرادق محجور ... سرت إليه في أعالي السّور
أراد: ارتفعت إليه.
وقولهم: قعد فلان على المنبر
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي المنبر منبرا، لارتفاعه وعلوه، أخذ من النّبر، والنّبر عندهم: ارتفاع الصوت. يقال: نبر الرجل نبرة، إذا تكلم كلمة فيها علو. أنشدنا أبو الحسن بن البراء (2) عن بعض الشيوخ لبعض الشعراء:
إني لأسمع نبرة من قولها ... فأكاد أن يغشى عليّ سرورا (3)
وقولهم: قد اعتدى فلان على فلان
قال أبو بكر: معناه: قد ظلمه. واعتدى: من العداء والعدوان، وهو الظلم.
قال الشاعر (4):
بكت إبلي وحقّ لها البكاء ... وأحرقها المحابس والعداء
ويقال: قد عدا فلان على فلان يعدو عليه عدوا وعدوّا، إذا ظلمه. وقال الله عز وجل: {عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (5)، معناه: ظلما. قرأ الحسن: (عدوّا بغير علم). وقال يعقوب الحضرمي (6). قرأ بعض القراء: عدوّا بفتح العين وضم الدال وتشديد الواو على معنى: أعداء، فاكتفى بالواحد من الجمع.
__________
(1) ديوانه 224.
(2) أحد الرواة، روى عنه المؤلف في الأضداد، وشرح القصائد السبع، واسمه: محمد بن أحمد العبدي ت 291هـ. (تاريخ بغداد 1/ 281).
(3) لم أقف عليه.
(4) مسلم بن معبد الأسدي، خمس قصائد نادرة 52.
(5) سورة الأنعام: آية 108.
(6) أحد القراء العشرة، توفي 205هـ. (معرفة القراء الكبار 130، طبقات القراء 2/ 386).(1/316)
وقولهم: قد سار فلان فرسخا
قال أبو بكر: قال أبو العباس: الفرسخ عند العرب: كل ما له بعد وطول، يقال: انتظرتك فرسخا من النهار، أي: وقتا طويلا. وقال: يقال: فرسخت الحمّى عن فلان، إذا بعدت عنه.
وقولهم: هي أيام التشريق
قال أبو بكر: قال أبو العباس: في تسميتهم إياها أيام التشريق قولان أحدهما:
أن تكون سميت بذلك لأن الذبح فيها يجب بعدما تشرق الشمس، واحتج بالحديث الذي يروى: «من ذبح قبل التشريق فليعد» (1). والقول الآخر: أن تكون سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرّقون فيها اللحم من لحوم الأضاحي.
وقولهم: فلان أقلّ من النّقد
قال أبو بكر: قال أبو العباس: النّقد عند العرب: صغار الضأن ورذالها، وأنشد:
فقيم يا شرّ تميم محتدا ... لو كنتم ضأنا لكنتم نقدا
أو كنتم ماء لكنتم زبدا ... أو كنتم صوفا لكنتم قردا (2)
وقولهم: قد تبحبح فلان في الدار
قال أبو بكر: قال أبو عبيد (3): معناه: قد توسطها وتمكن فيها، وهو مأخوذ من البحبوحة. قال أبو عبيد: بحبوحة كل شيء: وسطه وخياره، من ذلك الحديث
__________
(1) الفائق 2/ 232.
(2) للكذاب الحرمازي في الحيوان 3/ 484و 5/ 463. وللعين المنقري في الأزمنة والأمكنة 2/ 277.
(3) غريب الحديث 2/ 205.(1/317)
الذي رواه عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» (1)، فمعناه: وسط الجنة. ومن ذلك قول جرير (2):
قومي تميم هم القوم الذين هم ... ينفون تغلب عن بحبوحة الدار
معناه: عن وسط الدار.
وقولهم: قد تمطّى فلان
قال أبو بكر: معناه: قد مدّ يديه وأعضاءه، وهو تفعّل من قولهم: قد مطوت بهم في السير أمطو مطوا، إذا مددت بهم. قال امرؤ القيس (3):
مطوت بهم حتى تكلّ مطيّتي ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
ويقال: قد تمطى الرجل، إذا تبختر. قال الفراء (4): إنما قيل للذي يتبختر: قد تمطى، لأنه يمد مطاه، أي ظهره. فعلى قول الفراء هو من مطوت أمطو. وقال أبو عبيدة: معنى قولهم للمتبختر: قد تمطى: قد مشى المطيطاء، وهي مشية يتبختر فيها.
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم، كان بأسهم بينهم» (5). فأصل تمطى عند أبي عبيدة تمطّط، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث طاءات، فأبدلوا من الثانية ياء، كما قال العجاج (6):
تقضّي البازي إذا البازي كسر ... أبصر خربان فضاء فانكدر
أراد: تقضّض البازي، فأبدل من الثالثة ياء. وقال الله عز وجل: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى ََ أَهْلِهِ يَتَمَطََّى} (7)، معناه: يتبختر. وشبيه بهذا قول الله عز وجل:
__________
(1) غريب الحديث 2/ 205.
(2) ديوانه 234.
(3) ديوانه 93. وفيه: مطيهم.
(4) معاني القرآن 3/ 212.
(5) الفائق 3/ 371.
(6) ديوانه 28. والخربان: الحباريات الذكور، واحده خرب، وهو ذكر الحباري.
(7) سورة القيامة: آية 33.(1/318)
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا} (1)، معناه: قد أفلح من زكى نفسه بالعمل الصالح، وقد خاب من دسّى نفسه بالعمل القبيح. قال الفراء: الأصل فيه: من دسّسها، أي من دسّس منزله، وأخفاه من الضيفان والسؤال والمطالبين بحق الله، فالألف بدل من السين الثالثة. ويقال: معنى الآية: قد أفلحت نفس زكاها الله، وقد خابت نفس دساها الله. وقال بعض المفسرين: معنى دساها: أغواها، واحتج بقول الشاعر:
وأنت الذي دسّست عمرا فأصبحت ... حلائله منه أرامل ضيّعا (2)
وقولهم: قد راعني كذا وكذا وأنا مروّع منه
قال أبو بكر: معناه: قد وقع في روعي الخوف منه. والرّوع بضم الراء:
النفس، والرّوع بفتح الراء: الخوف. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب» (3). وقال عنترة (4):
ما راعني إلا حمولة أهلها ... وسط الركاب تسفّ حبّ الخمخم
وقولهم: هم في أمر مريج
قال أبو بكر: معناه: في أمر مختلط، يقال: مرج الناس، إذا اختلطوا. قال الله عز وجل: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} (5)، معناه: في أمر مختلط، قال الشاعر (6):
مرج الدّين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد
__________
(1) سورة الشمس: آية 9، 10.
(2) بلا عزو في القرطبي 20/ 77، والبحر 8/ 477.
(3) غريب الحديث 1/ 298.
(4) ديوانه 192. وتسف: تأكل. والخمخم: آخر ما يبس من النبت.
(5) سورة ق: آية 5.
(6) أبو داود الأيادي، شعره: 304. والكتد: موصل العنق في الظهر. ومحبوك: مدمج.
والحارك: ما شخص فوق فروع كتفيه.(1/319)
وسئل ابن عباس عن قول الله عز وجل: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}، فقال: معناه:
في أمر مختلط، أما سمعت قول الشاعر (1):
فجالت والتمست به حشاها ... فخرّ كأنّه خوط مريج
معناه: كأنه سهم قد اختلط الدم به. والخوط عندهم: الغصن، وجمعه خيطان.
قال الشاعر (2):
يهيج عليّ الشوق سجع حمامة ... تنوح بلحن في هديل تجاوبه
على سلب الخيطان أحوى نباته ... إذا استنّ ريعان الصّبا فهو قالبه
ويقال: مرجت الدابة إذا خليتها، وأمرجتها إذا رعيتها. قال الله عز وجل:
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ} (3)، معناه: أرسل البحرين وخلّاهما. وقال النعمان بن بشير الأنصاري (4):
مرجت لنا البحرين بحرا شرابه ... فرات وبحرا يحمل الفلك أسودا
أجاجا إذا طابت له ريحه جرت ... به وتراها حين تسكن ركّدا
وقولهم: قد ميّزت الدراهم
قال أبو بكر: معناه: قد فصّلتها وقطعت بعضها عن بعض. قال الله عز وجل:
{وَامْتََازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} (5). قال أبو عبيدة: معناه: انقطعوا عن المؤمنين وكونوا فرقة واحدة. قال الله عز وجل: {تَكََادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} (6)، معناه: تنقطع بعضها من بعض. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تهلك أمتي حتى يكون التّمايل والتمايز
__________
(1) عمرو بن الداخل الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 103. وقيل لزهير بن حرام (شرح أشعار الهذليين 611).
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الرحمن: آية 19.
(4) شعره: 98.
(5) سورة يس: آية 59.
(6) سورة الملك: آية 8.(1/320)
والمعامع» (1)، فالتمايل: أن لا يكون للناس سلطان يكفهم عن المظالم، فيميل بعضهم على بعض بالغارة. والتمايز: أن ينقطع بعضهم عن بعض، ويصيروا أحزابا بالعصبية.
والمعامع: شدة الحرب والجد في القتال، والأصل فيه من معمعة النار، وهو سرعة التهابها. قال الشاعر (2) يصف فرسا:
جموحا مروحا وإحضارها ... كمعمعة السّعف الموقد
شبه حفيفها من المرح في عدوها بمعمعة النار إذا التهبت في السعف، ومن ذلك قالوا للمرأة الذكية المتوقدة: معمع. قال أوفى بن دلهم (3):
(النساء أربع: فمنهنّ معمع لها شيئها أجمع، ومنهنّ تبّع ترى ولا تنفع، ومنهن صدّع تفرّق ولا تجمع، ومنهن غيث وقع في بلد فأمرع). وزاد عبد الملك بن عمير (4): ومنهن القرثع: وهي التي تلبس درعها مقلوبا، وتكحل إحدى عينيها ولا تكحل الأخرى.
وقولهم: قد تطوّل عليّ فلان
قال أبو بكر: معناه: قد تفضل علي. قال أبو عبيدة: الطّول في كلام العرب:
الفضل، وأنشد:
وقال لجسّاس أغثني بشربة ... تدارك بها طولا عليّ وأنعم (5)
وقال الله عز وجل: {ذِي الطَّوْلِ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (6)، فمعناه: ذي الفضل على عباده.
__________
(1) الفائق 3/ 396.
(2) امرؤ القيس، ديوانه 187. والجموح: النشيطة. والإحضار: نوع من السير السريع.
(3) العدوي البصري، روى عن نافع. (ميزان الاعتدال 1/ 278، تهذيب التهذيب 1/ 385).
(4) من رواة الحديث، توفي 136هـ. (ميزان الاعتدال 2/ 660، طبقات الحفاظ 56).
(5) للنابغة الجعدي، ديوانه 145وفيه: تمن بها فضلا.
(6) سورة غافر: آية 3.(1/321)
وقولهم: على فلان السّكينة
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة السّكينة: فعيلة من السّكون، وأنشد للهذلي (1):
لله قبر غاله ماذا يجنّ ... لقد أجنّ سكينة ووقارا
وقال الفراء: السكينة معناها في كلامهم: الطمأنينة. قال الله عز وجل:
{فَأَنْزَلَ اللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (2). وقال علي بن أبي طالب (3) رضي الله عنه:
السكينة لها وجه مثل وجه الإنسان، ثم هي بعد ريح هفّافة. وقال مجاهد: السكينة لها رأس مثل رأس الهرّ وجناحان، وهي من أمر الله.
وقولهم: هذا الشيء غاية
قال أبو بكر: معناه: هذا الشيء علامة في جنسه، أي لا نظير له فيه، أخذ من غاية الحرب: وهي الراية والعلامة تنصب للقوم فيقاتلون ما دامت واقفة، قال الشماخ (4):
إذا ما غاية نصبت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
ومن ذلك: غاية الخمّار، وهي خرقة يعلّقها الخمّار على بابه، إذا جلب الخمر أو كان عنده، فتكون علامة لكون الخمر عنده. قال عنترة (5):
ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتّاك غايات التّجار ملوّم
يعني رجلا اشترى جميع ما كان عند الخمار من الخمر، فقلعوا الغايات، وهي التي تدل على ما عندهم من الخمر إذ لم يبق عندهم منها شيء.
ويقال: معنى قولهم: هذا الشيء غاية: أي هو منتهى هذا الجنس في الجودة، أخذ من غاية السّبق، وهي قصبة تنصب في الموضع الذي تكون المسابقة إليه، ويكون
__________
(1) الصواب لأبي عريف الكليي كما في المجاز 1/ 254، واللسان (سكن).
(2) سورة التوبة: آية 40.
(3) بصائر ذوي التمييز 3/ 239.
(4) ديوانه 336وفيه: إذا ما راية. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(5) ديوانه 211. والربذ: السريع الضرب بالقداح. (ينظر الميسر والقداح 42).(1/322)
منتهى السبق عندها ليأخذها السابق. فكذلك الغاية من الأشياء هو منتهى الجودة.
وقولهم: عفا الله عنك
قال أبو بكر: معناه: درس الله ذنوبك ومحاها عنك، من قولهم: قد عفا المنزل يعفو عفوا، إذا درس وانمحت آثاره. قال امرؤ القيس (1):
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
وقال لبيد (2):
عفت الديار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها
معناه: درست. ويقال: قد عفا الشعر يعفو عفوا، إذا كثر، وقد عفوته أعفوه عفوا، وأعفيته، أعفيه إعفاءا، إذا كثّرته. جاء في الحديث: أمر النبي صلّى الله عليه وسلم «أن تحفى الشّوارب، وأن تعفى اللّحى» (3). معناه: وأن تكثّر وتوفّر. ويقال: قد عفا القوم يعفون عفوا، إذا كثروا. قال الله عز وجل: {حَتََّى عَفَوْا} (4)، قالوا: معناه: حتى كثروا، وقال الشاعر (5):
ولكنّا نعضّ السيف منها ... بأسوق عافيات اللحم كوم
ويقال: قد عفا الرّجل الرّجل فهو عاف، إذا طلب منه حاجة. من ذلك الحديث الذي يروى: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة» (6). فالعافية: كل طالب رزقا من إنسان أو طائر أو دابة. ويقال في جمع العافية: العفاة. قال الأعشى (7):
__________
(1) ديوانه 8.
(2) ديوانه 297. وتأبد: توحّش. الغول: ما انهبط من الأرض. الرجام: جبل، وقد تكون بمعنى الهضاب.
(3) صحيح مسلم 222.
(4) سورة الأعراف: آية 95.
(5) لبيد، ديوانه 104. ونعض: نضرب. كوم: عظام الأسنمة.
(6) غريب الحديث 1/ 148.
(7) ديوانه 19.(1/323)
يطوف العفاة بأبوابه ... كطوف النصارى بيت الوثن
وقولهم: قد تجانب الرجلان وبينهما جناب
قال أبو بكر: الأصل في تجانب: تباعد، من ذلك قولهم: قد تجنّبت فلانا، إذا تباعدت منه. ومن ذلك قولهم: جار جنب، للبعيد، قال الله عز وجل: {وَالْجََارِ الْجُنُبِ} (1)، فمعناه: والجار البعيد، وقال الشاعر (2):
ما ضرّها لو غدا بحاجتنا ... عاد كريم أو زائر جنب
معناه: أو زائر بعيد. فإذا قيل: قد تجانب الاثنان، فمعناه: قد تباعدا في الأخذ، فلا يأخذ هذا من هذا شيئا، ولا يأخذ هذا من هذا شيئا. ومن ذلك قولهم: ما يزورنا فلان إلا عن جنابة، معناه: إلا عن بعد. قال الأعشى (3):
أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا
وقال علقمة بن عبدة (4):
فلا تحرّمني نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وقال خلف بن خليفة (5):
ينال نداك المعتفي عن جنابة ... وللجار حظ من جداك سمين
وقال الله عز وجل: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} (6)، معناه: عن بعد، كذا قال أبو عبيدة. وقال الفراء: معناه: عن جانب من البحر، ويدل على هذا قراءة النعمان ابن سالم (7): فبصرت به عن جانب. وقرأ قتادة: فبصرت به عن جنب، بفتح الجيم
__________
(1) سورة النساء: آية 36.
(2) عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه 3.
(3) ديوانه 49.
(4) ديوانه 48.
(5) الأضداد 202، وخلف: أموي، يقال له الأقطع. (الشعر والشعراء 714، شرح ديوان الحماسة (ت) 4/ 279،.
(6) سورة القصص: آية 11.
(7) المحتسب 2/ 149. والنعمان بن سالم الطائفي، من رواة الحديث. (تهذيب التهذيب 10/ 453، خلاصة تذهيب الكمال 3/ 96).(1/324)
وتسكين النون. وقال الأصمعي: أصل المجانبة: المقاطعة، فإذا قيل: قد تجانب الاثنان، فمعناه: قد تقاطعا الأخذ، فلا يأخذ هذا من هذا شيئا، ولا يأخذ هذا من هذا شيئا.
وقولهم: فلان نظيف السّراويل
قال أبو بكر: معناه: عفيف الفرج، فجعل السراويل كناية عن الفرج، كما قالوا: فلان عفيف المئزر والإزار، إذا كان عفيف الفرج. قال متمم بن نويرة (1):
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... حول البيوت قتلت يا ابن الأزور
لا يضمر الفحشاء تحت ثيابه ... حلو شمائله عفيف المئزر
معناه: عفيف الفرج. ويقال: فلان نجس السراويل، إذا كان غير عفيف الفرج. وقول الناس: رجل بليد السراويل، ليس من كلام العرب. وهم يكنون بالثياب عن النفس والقلب، وبالإزار عن العفاف. قال امرؤ القيس (2):
ثياب بني عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان
معناه: هم في أنفسهم طاهرون. وقال عنترة (3):
فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
أراد: شككت قلبه. وقال امرؤ القيس (4):
فإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
ففي الثياب هاهنا ثلاثة أقوال قال قوم: الثياب هاهنا كناية عن الأمر، والمعنى: اقطعي أمري من أمرك. وقال قوم: الثياب كناية عن القلب، والمعنى: سلي قلبي من قلبك. وقال قوم: هذا الكلام كناية عن الصّريمة، كان الرجل يقول لامرأته:
ثيابي من ثيابك حرام. ومعنى البيت: إن كان فيّ خلق ترضينه فانصرفي. ومعنى تنسل:
__________
(1) شعره: 91.
(2) ديوانه 83. وغران: جمع أغر، وهو الأبيض.
(3) ديوانه 210.
(4) ديوانه 13.(1/325)
تبين وتنقطع. تقول: قد نسلت السّنّ تنسل، إذا بانت وسقطت. وقد نسل نصل السهم، إذا بان منه وسقط. وقد نسل ريش الطائر، إذا سقط. ويقال للريش الساقط: النسيل والنسال. وقال كثير (1) في الرّداء:
غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال
معناه: كثير العطاء. وقال الآخر (2):
أجل إنّ الله قد فضّلكم ... فوق ما أحكى بصلب وإزار
أراد بالصّلب: الحسب، وبالإزار: العفاف. وقال الله عز وجلّ: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (3)، ففيه غير قول، أحدهن: أن يكون المعنى: لا تكن غادرا، فإن الغادر دنس الثياب، هذا قول ابن عباس (4) وقال الشاعر (5):
فإني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من سوأة أتقنّع
ويقال: معنى قوله: وثيابك فطهر: وقلبك فطهر. وحكى الفراء أن معنى قوله:
وثيابك فطهر: فقصر، فإن تقصير الثياب طهر. وقال ابن سيرين: وثيابك فطهر، معناه: اغسلها بالماء.
وقولهم: فلان قائم في المحراب
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: المحراب عند العرب: سيّد المجالس ومقدّمها وأشرفها. وإنما قيل للقبلة محراب، لأنها أشرف موضع في المسجد، ويقال للقصر:
محراب لأنه أشرف المنازل. قال امرؤ القيس (6):
__________
(1) ديوانه 288.
(2) عدي بن زيد، ديوانه 94. ويروي: فوق من أحكأ صلبا بإزار. وأحكأ: أحكم الشد.
وأجل: منصوب على نزع الخافض. ويروى: أجل بكسر اللام كما في تأويل مشكل القرآن 123.
(3) سورة المدثر: آية 4.
(4) تفسير الطبري 29/ 145. وهو نص كلام الفراء في المعاني 3/ 200.
(5) غيلان بن سلمة الثقفي كما في تفسير الطبري 29/ 145.
(6) ديوانه 34، وفيه: أقيال. والأقوال: الملوك، وكذا الأقيال.(1/326)
وماذا عليه أن يروّض نجائبا ... كغزلان رمل في محاريب أقوال
أراد بالمحاريب: القصور. وقال الآخر (1):
أو دمية صوّر محرابها ... أو درّة سيقت إلى تاجر
أراد بالمحراب: القصر، والدمية: الصورة. وقال الأصمعي: المحراب عند العرب الغرفة، واحتج بقول الشاعر (2):
ربّة محراب إذا جئتها ... لم أدن حتى أرتقي سلّما
أراد الغرفة، واحتج بقول الله عز وجل: {وَهَلْ أَتََاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرََابَ} (3)، قال: فالتسور: يدل على ما ذكرنا. حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال:
حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعي قال: حدثنا أبو عمر قال: دخلت محرابا من محاريب حمير، فنفخ في وجهي ريح المسك. وقال أحمد بن عبيد: المحراب: مجلس الملك، وإنما سمي محرابا لانفراد الملك فيه، لا يقربه فيه أحد، ولتباعد الناس منه، وكذلك محراب المسجد، لانفراد الإمام فيه. ويقال: فلان حرب لفلان، إذا كانت بينهما مباعدة. قال الراعي (4):
وحارب مرفقها دفّها ... وسامى به عنق مسعر
أي بعد مرفقها من دفها، والدفّ: الجنب.
وقولهم: برح الخفاء
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: صار المكتوم في براح من الأرض،
__________
(1) الأعشى، ديوانه 104والبيت ملفق من بيتين هما:
كدمية صور محرابها ... بمذهب في مرمر مائر
أو بيضة في الدّعص مكنونة ... أو درة شيفت لدى تاجر
وشيفت: رفعت.
(2) وضّاح اليمن، كما في مجاز القرآن 2/ 144، و 180، وجمهرة اللغة 1/ 219.
(3) سورة ص: آية 21.
(4) أخل به شعره، وهو بلا عزو في اللسان.(1/327)
والبراح: ما ظهر. ومن ذلك قالوا: قد أجهد، إذا صار في جهاد من الأرض، والجهاد: ما غلظ وارتفع. قال الشاعر (1):
أبى الشهداء عندك من معدّ ... فليس لما تدبّ به خفاء
أراد: هو ظاهر. وقال أبو العباس أيضا: يقال معنى قولهم: برح الخفاء، زال الخفاء، أي ظهر الأمر، فمعنى برح في هذا القول: زال من قولهم: ما برح فلان أي:
ما زال من الموضع. ويقال أيضا: ما برحت أفعل كذا وكذا، بمعنى ما زلت أفعله.
قال الله عز وجل: {لََا أَبْرَحُ حَتََّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} (2)، معناه: لا أزال. وقال الشاعر (3):
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
معناه: أثقلتك الودائع.
وقولهم: فلان يشرب الخمر
قال أبو بكر: في تسميتهم الخمر خمرا ثلاثة أقوال أحدهن: أن تكون سميت خمرا، لأنها تخامر العقل، أي: تخالطه. قال الشاعر (4):
فخامر القلب من ترجيع ذكرتها ... رسّ لطيف ورهن منك مقبول
والقول الثاني: أن تكون سميت خمرا، لأنها تخمّر العقل، أي تستره، من قولهم:
قد خمّرت المرأة رأسها بالخمار، إذا غطّته. ويقال للحصير الذي يسجد عليه: خمرة لأنها تستر الأرض، وتقي الوجه من التراب. قالت عائشة (5): «كنت أناول النبي صلّى الله عليه وسلم
__________
(1) زهير، ديوانه 81.
(2) سورة الكهف: آية 60.
(3) بيهس العذرى، كما في اللسان (فرح). وأفرحه الشيء والدّين: أثقله. وفي الأضداد:
أفدحتك.
(4) لم أقف عليه.
(5) في النهاية 2/ 77: وفي حديث أم سلمة (قال لها وهي حائض: ناوليني الخمرة). وفي صحيح مسلم 241عن عائشة قالت: (قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ناوليني الخمرة من المسجد.
قالت: فقلت: إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك».(1/328)
الخمرة وأنا حائض». والقول الثالث: أن تكون سميت خمرا، لأنها تخمّر، أي تغطّى لئلا يقع فيها شيء.
وقولهم: قد سرد فلان الكتاب
قال أبو بكر: معناه: قد درسه محكما مجوّدا، أي أحكم درسه وأجاده، من قولهم: قد سردت الدرع، إذا أحكمت مساميرها. ويقال درع مسرودة، إذا كانت محكمة المسامير والحلق. قال الله عز وجل: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (1)، قال الفراء:
معناه: لا تجعل المسامير غلاظا فتقصم الحلق، ولا دقاقا فتقلق في الحلق. قال الشاعر (2):
علي ابن أبي العاصي دلاص حصينة ... أجاد المسدّي سردها وأذالها
وقال أبو ذؤيب (3):
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داوود أو صنع السوابغ تبّع
وقال الآخر (4):
من كلّ سابغة تخيّر سردها ... داوود إذ نسج الحديد وتبّع
وقال الآخر (5):
فقلت لهم ظنوا بألفي مدّجّج ... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
وقال الآخر في سرد الكلام:
وعوراء قد أسمعتها فغفرتها ... وصفحي عن العوراء من أحكم الحكم
وأحسن منه حبسي الحكم لا أرى ... له موضعا بين المهاذير والقدم
وأسرده مستأنسا عند أهله ... كما يسرد الياقوت والدرّ في النّظم (6)
__________
(1) سورة سبأ: آية 11.
(2) كثير، ديوانه 85. الدلاص: الدرع، وأذالها: أطال ذيلها.
(3) ديوان الهذليين 1/ 190. وتبع: من ملوك حمير، كانت تنسب إليه الدروع التبعية.
(4) لم أقف عليه.
(5) دريد بن الصمة كما في الأصمعيات 107، وجمهرة أشعار العرب 583.
(6) لم أقف على الأبيات.(1/329)
أراد: وأحكم درسه ونظمه.
وقولهم: قد أعذر من أنذر
قال أبو بكر: قال الفراء: معناه: قد بلغ أقصى العذر من أنذرك، يقال: قد أعذر الرجل فهو معذر، إذا بلغ أقصى العذر. قال الطائي (1):
على أهل عذراء السلام مضاعفا ... من الله ولتسق الغمام الكنهورا
ولاقى بها حجر من الله رحمة ... فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا
قال الله عز وجل: {وَجََاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرََابِ} (2)، وكان ابن عباس يقرأ: «وجاء المعذرون من الأعراب» ويقول: لعن الله المعذّرين. وفي المعذرين وجهان: إذا كان المعذّرون من عذّر، فهو معذّر، فهم لا عذر لهم، وإذا كان المعذّرون أصلهم المعتذرون، فألقيت فتحة التاء على العين، فأبدل منها ذال، وأدغمت في الذال التي بعدها، فلهم عذر. وقال الفراء: يقال قد اعتذر الرجل إذا أتى بعذر، وقد اعتذر إذا لم يأت بعذر. قال الله عز وجل: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذََا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} (3)، ثم بيّن عز وجل أنه لا عذر لهم، فقال: {قُلْ لََا تَعْتَذِرُوا} (4).
وقال لبيد (5) في المعنى الآخر:
فقوما فقولا بالذي قد علمتما ... ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشّعر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
معناه: فقد أتى بعذر.
__________
(1) هو عبد الله بن خليفة، والبيتان في التعازي والمراثي 303وتاريخ الطبري 5/ 281. وعذراء قرية من قرى دمشق. والكهنور: السحاب المتراكم. وحجر هو: حجر بن عدي الكندي من أصحاب علي، قتل هو وأصحابه بمرج عذراء أيام معاوية.
(2) سورة التوبة: آية 90.
(3) سورة التوبة: آية 94.
(4) سورة التوبة: آية 94.
(5) ديوانه 214.(1/330)
وقولهم: قد جلّ هذا عن الوصف
قال أبو بكر: معناه: قد عظم شأنه، وقصر عنه الوصف. وجل معناه: عظم، من الجلل، والجلل: العظيم، وكذلك الجليل هو العظيم، من الجلل. قال الشاعر (1):
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن بكيت لجلّ ما أبكاني
معناه: لأعفون عفوا عظيما. وقال الآخر (2):
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت ينالني سهمي
والجلل: حرف من الأضداد، يكون العظيم، ويكون اليسير. قال الشاعر (3):
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله
فيه قولان أحدهما أن يكون المعنى: من عظمه عندي. وقال الفراء: معنى من جلله: من أجله. وقال نابغة بني شيبان (4) في المعنى الآخر:
كل المصيبات إن جلّت وإن عظمت ... إلا المصيبة في دين الفتى جلل
أراد: كل المصيبات سهلة. وقال عمران بن حطان (5):
يا خول يا خول لا يطمح بك الأمل ... فقد يكذّب ظنّ الآمل الأجل
يا خول كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل
فمعناه: الموت سهل فيما بعده. وقال الآخر:
كلّ رزء كان عندي جللا ... غير ما جاء به الركب ثنى (6)
وقال الآخر (7):
كلّ شيء ما خلا الموت جلل ... والفتى يسعى ويلهيه الأمل
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) الحارث بن وعلة الجرمي كما في شرح ديوان الحماسة (م) 204.
(3) جميل بن معمر، ديوانه 187.
(4) ديوانه 96.
(5) شعر الخوارج 150. وفيه: يا جمر.
(6) الأضداد 90بلا عزو. وثنى: مرة بعد مرة.
(7) لبيد، ديوانه 199.(1/331)
فمعناه: كل شيء سهل.
وقولهم: هو مقيم بالثّغر والثّغور
قال أبو بكر: الثّغر عند العرب: موضع المخافة، وكذلك الثغور: المواضع التي تقرب من الأعداء، فيخاف أهلها منهم. قال الشاعر:
يا حجر يا ذا الباع والحجر ... يا ذا الفعال ونابه الذّكر
كنت المدافع عن أرومتنا ... والمستماح ومانع الثّغر (1)
فمعناه: ومانع الموضع المخوّف. وقال الآخر:
مسح القوابل وجهه فبدا ... كالبدر أو أبهى من البدر
وإذا وهى ثغر يقال له ... يا معن أنت سداد ذا الثّغر (2)
وقولهم: قد عرقل فلان على فلان وحوّق عليه
قال أبو بكر: معناهما قد عوّج عليه الكلام والفعل، وأدار عليه كلاما ليس بمستقيم. حوّق: مأخوذ من حوق الذّكر، وهو ما دار حول الكمرة. ومن العرقلة سمي عرقل بن الخطيم.
وقولهم: تشعّبت أمور القوم
قال أبو بكر: معناه: تفرقت. يقال: شعبت الشيء إذا فرّقته، وشعبته إذا جمعته. وهذا الحرف من الأضداد. ومن المعنى الثاني قولهم: رجل شعّاب، أي: يضم ويجمع. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لابن الدمينة (3):
وإنّ طبيبا يشعب القلب بعدما ... تصدّع من وجد بها لكذوب
أي: يجمع القلب، ومعنى تصدّع: تفرّق. قال الله عز وجل:
__________
(1) الثاني بلا عزو في شرح القصائد السبع 582.
(2) لم أقف عليهما.
(3) ديوانه 115.(1/332)
{يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} (1)، معناه: يتفرقون. وإنما قيل للمنيّة: شعوب، لأنها تفرّق. قال الشاعر (2):
عفت رامة من أهلها فكثيبها ... وشطّت بها عنك النّوى وشعوبها
وقال جرير (3):
وقد شعبت يوم الرّحوب سيوفنا ... عواتق لم يثبت عليهنّ محمل
وقال ذو الرمة (4):
متى أبل أو ترفع بي النعش رفعة ... على الرّاح إحدى الخارمات الشّواعب
فمعناه: المفرّقة. وقال الآخر (5):
ونائحة تقوم بقطع ليل ... على رجل أماتته شعوب
أي: المنية المفرقة. وقال الآخر (6):
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلجّ في العصيان
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
معناه: يجمع أمره. ويقال للأب الكبير الجامع: شعب بفتح الشين، ويقال في جمعه: شعوب. قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنََاكُمْ شُعُوباً} (7)، وقال الكميت (8):
جمعت نزارا وهي شتى شعوبها ... كما جمعت كفّ إلي الأباخسا
وقال عمرو بن أحمر (9):
من شعب همدان أو سعد العشيرة أو ... خولان أو مذحج هاجوا له طربا
__________
(1) سورة الروم: آية 43.
(2) بشر بن أبي خازم، ديوانه 13.
(3) ديوانه 143. وفيه: وقد شققت. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(4) ديوانه 195. والخارمات: المنايا.
(5) لم أقف عليه.
(6) علي بن الغدير الغنوي كما في أضداد الأصمعي 7، والبيان والتبيين 3/ 80. ونسب في أمالي القالي 2/ 312إلى كعب الغنوي.
(7) سورة الحجرات: آية 13.
(8) شعره: 1/ 242. والأباخس: الأصابع وأصولها والعصب.
(9) شعره: 44.(1/333)
وأنشد أبو عبيدة (1):
بني عامر إن يركب الشّعب منكم ... لذمّتنا نركب له بشعوب
وسمعت أبا العباس يقول: الشعب: الأب الكبير الذي ينتمون إليه، والقبيلة دون الشعب، والفصيلة دون القبيلة. قال الله عز وجل: {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} (2).
وقولهم: قد بيّت فلان هذا الكلام
قال أبو بكر: فيه قولان قال أبو عبيدة: معناه: قدّ قدّره ليلا، واحتج بقول الله عز وجل: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مََا لََا يَرْضى ََ مِنَ الْقَوْلِ} (3)، فمعناه: إذ تقدرون، كقول الشاعر (4):
أتوني فلم أرض ما بيّتوا ... وكانوا أتوني بشيء نكر
لأنكح أيّمهم منذرا ... وهل ينكح العبد حرّ لحر
وأنشد أبو عبيدة للنمر بن تولب (5):
هبّت لتعذلني من الليل اسمعي ... سفه تبيّتك الملامة فاهجعي
وقال الله عز وجل: {فَجََاءَهََا بَأْسُنََا بَيََاتاً أَوْ هُمْ قََائِلُونَ} (6)، فمعنى بياتا:
ليلا. وحكى الهيثم بن عدي الطائي (7): أن معنى بيّت القول: غيّره وبدّله، واحتج بقول الشاعر (8):
بيّتّ قولي عند المليك ... قاتلك الله عبدا كنودا
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 221، ونسبه إلى علي بن الغدير.
(2) سورة المعارج: آية 13.
(3) سورة النساء: آية 108.
(4) عبيدة بن همام: أحد بني العدوية، وهو أموي كما في مجاز القرآن 1/ 133. والأسود بن يعفر في اللسان والتاج (نكر). وينظر: ديوان الأسود بن يعفر 67.
(5) ديوانه 71.
(6) سورة الأعراف: آية 4.
(7) من رواة الأخبار، ت 206هـ. (الأنباه: 3/ 365، ميزان الاعتدال 4/ 324).
(8) لم أقف عليه.(1/334)
معناه: غيّرت قولي.
وقولهم: هذه مفازة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: المفازة: المهلكة، وإنما سموها مفازة من الفوز تفاؤلا لصاحبها بالفوز، كما سموا الأسود أبا البيضاء وكما سموا اللديغ سليما تفاؤلا بالسلامة.، وقال قيس بن ذريح (1):
كأني في لبنى سليم مسهّد ... يقلّب في أيدي الرجال يميد
وقال الآخر:
يلاقي من تذكّر آل ليلى ... كما يلقى السّليم من العداد (2)
العداد: العلّة التي تهيج في وقت معروف، نحو الحمّى الرّبع والغبّ، وما أشبه ذلك. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما زالت أكلة خيبر تعادّني فهذا أوان قطعت أبهري» (3)، أي يهيج بي السّمّ في وقت معروف، والأبهر: عرق مستبطن الصّلب، والقلب متصل به، فإذا انقطع مات الإنسان. قال الشاعر (4):
وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر
شبه وجيب قلبه بضرب الغلام بالحجر، واللدم: الضرب، ومن هذا سمي التدام النساء. وقال ابن الأعرابي: المفازة: المهلكة، وقال: هي مأخوذة من قول العرب: قد فوّز الرجل، إذا هلك. وقال غيره: إنما قيل اللّديغ: سليم، لأنه أسلم إلى ذلك الأمر، والأصل فيه مسلم، فصرف عن مفعل إلى فعيل، كما قالوا: محكم وحكيم.
وقولهم: قد حرد الرّجل
قال أبو بكر: قد أزعجه الغضب، وهو من قول العرب: قد حرد البعير يحرد
__________
(1) شعره: 80.
(2) بلا عزو في تهذيب الألفاظ 118، وأضداد أبي حاتم 114.
(3) الفائق 1/ 50، النهاية 1/ 57.
(4) ابن مقبل، ديوانه 99.(1/335)
حردا، إذا نالته علة في بدنه مزعجة له يضرب بيديه منها الأرض، وقد يستعار هذا لغير البعير، قال نابغة بني ذبيان (1):
فبثّهنّ عليه واستمرّ به ... صمع الكعوب بريّات من الحرد
معناه: بريات من هذه العلة. والأكثر في كلام العرب: قد حرد الرجل حردا بفتح الراء في الحرد، ومن العرب من يقول: قد حرد الرجل حردا بتسكين الراء.
أنشد أبو عبيدة للأشهب بن رميلة:
أسود شرى لاقت أسود خفيّة ... تساقوا على حرد دماء الأساود
معناه: على غضب وحقد. ويقال: قد حرد الرجل، بفتح الراء، يحرد حردا، إذا قصد الشيء، قال الله عز وجل: {وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ قََادِرِينَ} (2)، فمعناه: على قصد قال الشاعر (3):
حرد الموت حردهم فاصطفاهم ... فعل ذي نيقة بهم كالخبير
وأنشده يونس بن حبيب وقال: معناه: قصد الموت قصدهم. وقال أبو عبيدة:
يجوز أن يكون معنى قوله: {وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ} وغدوا على غضب وحقد، وقال:
يجوز أن يكون معنى قوله: وغدوا على قصد. قال الراجز (4):
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلّه
معناه: يقصد قصدها. وقال أبو عبيدة: ويجوز أن يكون معنى قوله:
{وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ قََادِرِينَ}: على منع، واحتج بقول العباس بن مرداس (5):
وحارد فإن مولاك حارد نصره ... ففي السيف مولى نصره لا يحارد
__________
(1) ديوانه 8. وبثهن: فرقهن، يعني الكلاب. وعليه: يعني الثور. والأصمع: كل ما دق أعلاه وأذن صمعاء: لاصقة بالرأس.
(2) سورة القلم: آية 25.
(3) لم أقف عليه.
(4) جاء في الكامل 50بعد ذكر البيت: (قال أبو حاتم: هذه صنعة من لا أحسن الله ذكره يعني قطربا). وفي الخزانة 4/ 343: (وقال ابن السيد في شرح الكامل: هذا الرجز لقطرب ابن المستنير).
(5) ديوانه 45.(1/336)
معناه: فإن مولاك منع من نصرتك فإن السيف لا يمنعك نصرته. ويقال: قد حردت الجلد أحرّده تحريدا إذا عوّجته في القطع، فجعلت بعضه دقيقا، وبعضه عريضا. قال طرفة (1):
ووجه كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قدّه لم يحرّد
السّبت: جلود البقر إذا دبغت بالقرظ، فإذا لم تدبغ بالقرظ فليست سبتا.
ومعنى: لم يحرّد: لم يعوّج. ويروى: قدّه لم يجرد، بكسر القاف، أي لم يجرد من الشعر فهو ألين له، والقد بكسر القاف: الجلد، والقد بالفتح مصدر قددته أقده قدّا. قال: وروى التّوزي والطوسي: وخدّ كقرطاس الشآمي ومشفر، وقالا: شبه بياض خذها ببياض القرطاس.
وقولهم: قد لثم فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد قبّله. قال أبو العباس: الأصل في هذا المعنى من قول العرب: قد لثم الرجل زوجته إذا قبلها في موضع لثامها، قال: والنقاب عند العرب:
ما بلغت به المرأة عينها، واللّفام بالفاء: ما بلغت به طرف أنفها، واللثام بالثاء: ما شدته على فيها. ومن ذلك قولهم: تلثمت المرأة، معناه: قد شدت ثوبها على فيها.
وأنشد أبو العباس لابن الحدادية (2):
فشدّت على فيها اللثام وأعرضت ... وأمعن بالكحل السّحيق المدامع
وقولهم: فلان نخّاس
قال أبو بكر: معناه: يدفع العبيد إلى غيره، ويشتريهم ليدفعهم إلى غيره. قال أبو العباس: النخاس أخذ من النخس، وهو الدفع، وأنشد:
أتنخس يربوعا لتدرك دارما ... ضلالا لمن منّاك تلك الأمانيا (3)
__________
(1) ديوانه 23.
(2) شعره: 213. وقيس بن الحدادية: اسم أبيه منقذ، جاهلي. (ألقاب الشعراء 323، من نسب إلى أمه 86، الأغاني 14/ 144).
(3) الأخطل، ديوانه 66 (صالحاني)، 352 (قباوة). وفيهما: نخست بيربوع.(1/337)
معناه: أتدفع يربوعا.
وقولهم: هو في سوق الرقيق
قال أبو بكر: إنما سمي العبيد رقيقا، لأنهم يرقّون لمالكهم ويخضعون له ويذلّون. وأما السوق فإنما سميت سوقا، لأن الأشياء تساق إليها وتساق منها.
والسّوق بضم السين اسم من سقت، والسّوق بفتح السين: المصدر، يقال: سقت أسوق سوقا.
وقولهم: على فلان حلّة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: لا تكون الحلة إلا ثوبين، إزارا ورداءا من جنس واحد، قال: وإنما سميت حلة، لأنها تحلّ على لابسها كما يحلّ الرجل على الأرض.
قال الشاعر (1):
نحلّ بلادا كلّها حلّ قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير
وقولهم: قد هجم اللّصّ على القوم
قال أبو بكر: معناه: قد دخل عليهم، من قول العرب: هجمت عين الرجل، إذا غارت ودخلت. ويقال: قد هجم البيت على القوم، إذا سقط عليهم ودخل. قال النبي صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص، وذكر قيام الليل: «إنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك» (2). فمعنى هجمت: دخلت، ومعنى نفهت: كلت وأعيت. يقال: رجل نافه ومنّفه، إذا كان معيبا. قال الراجز (3) يذكر بلادا والمهارى:
به تمطّت عول كلّ ميله ... بنا حراجيج المهارى النّفه
__________
(1) لبيد، ديوانه 57.
(2) غريب الحديث 1/ 24.
(3) رؤبة، ديوانه 167.(1/338)
فالنفه: المعيية، واحدها نافه ونافهة. والميله: البلاد التي توله من دخلها حتى يبقى متحيرا فيها.
وقولهم: طوباك إن فعلت كذا وكذا
قال أبو بكر: هذا مما تلحن فيه العوام، والصواب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا. قال الله عز وجل: {طُوبى ََ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} (1).
واختلف الناس في معنى طوبى. فقال أهل اللغة: طوبى لهم، معناه: خير لهم، وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد. وروي عن إبراهيم أنه قال: طوبى: الخير والبركة التي أعطاهم الله. وقال ابن عباس: طوبى: اسم الجنة بالحبشية. وقال سعيد بن مسجوح (2): طوبى: اسم الجنة بالهندية. وقال عكرمة: طوبى لهم، معناه: النعمى لهم.
وروى سعيد (3) عن قتادة أنه قال: طوبى لهم معناه: الحسنى لهم. وروى معمر (4)
عن قتادة أنه قال: طوبى لهم كلمة عربية، تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا. وقال مغيث بن سمي (5): طوبى: شجرة في الجنة، ليس في الجنة دار إلا وفيها غصن منها، فيجيء الطائر، فيقع على الغصن، فيؤكل من أحد جانبيه شواء ومن الآخر قدير. وقال شهر بن حوشب (6): طوبى: شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانها من وراء سور الجنة. وقال أبو هريرة: طوبى شجرة في الجنة، يقول الله
__________
(1) سورة الرعد: آية 29.
(2) لم أقف على ترجمته على كثرة ما روي عنه. وفي تفسير الطبري 13/ 127: سعيد بن مشجوع، وقوله في المتوكلي 8والمهذب فيما وقع في القرآن من المعرب 115، وحرّف فيه إلى: جعفر بن مسموج.
(3) سعيد بن أبي عروبة، توفي 155هـ. (طبقات ابن خياط 529، تهذيب التهذيب 4/ 63).
(4) معمر بن راشد الأزدي، توفي 153هـ. (الجرح والتعديل 4/ 1/ 255، تهذيب التهذيب 10/ 243).
(5) الأوزاعي الشامي، تابعي. (تهذيب التهذيب 10/ 255).
(6) شهر بن حوشب الأشعري، توفي 100هـ، أو 101هـ، أو 111هـ. (طبقات ابن خياط 794، تهذيب التهذيب 4/ 369).(1/339)
عز وجل لها: تفتّقي لعبدي عما شاء، فتتفتّق له عن الخيل بسروجها ولجمها، وعن الإبل برحائلها وأزمتها، وعما شاء من الكسوة. وقال الشاعر في طوبى:
طوبى لمن يستبدل الطّود بالقرى ... ورسلا بيقطين العراق وفومها (1)
الرسل: اللّين، والطّود: الجبل، واليقطين: هو القرع. وقال أبو عبيدة: كل ورقة اتسعت وسترت فهي يقطين، قال الله عز وجل: {وَأَنْبَتْنََا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} (2). والفوم: الخبز والحنطة، ويقال هو الثوم بالثاء، والفاء بدل من الثاء، قال الله عز وجل: {وَفُومِهََا وَعَدَسِهََا وَبَصَلِهََا} (3).
وقولهم: هو يتنغّر ويتناغر
قال أبو بكر: معناه يغلي جوفه غيظا وغمّا وتوقّدا، وهو مأخوذ من نغر القدر، وهو فورانها وغليها. يقال: نغرت القدر تنغر نغرا، ونغرت تنغر نغرا، إذا غلت وفارت. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر (4)
وقال أمية بن أبي الصلت (5) في صفة أهل الجنة:
تصفق الراح والرحيق عليهم ... في دنان مصفو وقلال
وأباريق تنغر الخمر فيها ... ورحيق من الفرات الزلال
وجاء في الحديث: «إن امرأة جاءت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت له: إن زوجي يطأ جاريتي، فقال لها: إن كنت صادقة رجمناه، وإن كنت كاذبة جلدناك، فقالت: ردّوني إلى أهلي غيرى نغرة» (6)، أي: يغلي جوفي غيظا وغمّا.
__________
(1) دون عزو اللسان (طيب).
(2) سورة الصافات: آية 146.
(3) سورة البقرة: آية 61.
(4) للأقيشر الأسدي، شعره: 61. ونسبت إلى أيمن بن خريم الأسدي، شعره: 131. ونسبت إلى الأسدي فقط في التذكرة الحمدونية 143. وينظر: قطب السرور 194، 424.
(5) أخل بهما ديوانه.
(6) غريب الحديث 3/ 446.(1/340)
وقولهم: قد بعت الرجل بنسيئة
قال أبو بكر: معناه: بتأخير، يقال: أنسأتك البيع، ويقال: نسأ الله في أجله، وأنسأ الله في أجله، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من سره النّساء في الأجل والسّعة في الرزق فليصل رحمه» (1). وقرأ ابن عباس (2): ما ننسخ من آية أو ننسأها (3)، على معنى: أو نؤخرها. وقال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (4).
النسيء: التأخير. والمعنى: أنهم كانوا إذا صدروا عن منى، قام رجل من كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال: أنا الذي لا أعاب، ولا يردّ لي قضاء، فيقولون له:
أنسئنا شهرا، أي أخّر عنا حرمة المحرّم فاجعلها في صفر، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحلّ لهم المحرّم، ويحرّم عليهم صفرا، فإذا كان في السنة المقبلة حرم عليهم المحرم، وأحل لهم صفرا، فقال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، وقال الشاعر (5):
وكنا الناسئين على معدّ ... شهورهم الحرام إلى الحلال
وقال الآخر (6):
ألسنا النّاسئين على معدّ ... شهور الحلّ نجعلها حراما
وقال الآخر (7):
نسأوا الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعزّ لم يتحوّل
__________
(1) ينظر: صحيح مسلم 1982، النهاية 5/ 44.
(2) البحر المحيط 1/ 343.
(3) سورة البقرة: آية 106.
(4) سورة التوبة: آية 37.
(5) بلا عزو في أمالي القالي 1/ 4. وفيه: إلى الحليل.
(6) عمير بن قيس بن جذل الطعان في اللسان (نسأ). ونسب إلى الكميت في القرطبي 8/ 138، وليس في شعره.
(7) بلا عزو في أمالي القالي 1/ 4.(1/341)
وقولهم: جاء فلان بمعضلة
قال أبو بكر: معناه: جاء بخصلة شديدة، وكلمة عظيمة لا يهتدى لمثلها، ولا يوقف على جوابها، من قول العرب: داء عضال ومعضل، إذا كان شديدا لا يهتدى لدوائه، ولا يوقف على علاجه. قال الشاعر (1):
إذا هبط الحجّاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
وقال ذو الرمة (2):
ولم أقذف لمؤمنة حصان ... بإذن الله موجبة عضالا
ويقال: قد عضّلت المرأة تعضّل تعضيلا فهي معضل ومعضلة، إذا نشب ولدها فلم يخرج. ويقال: جيش معضّل به الفضاء، إذا ضاق به الفضاء فلم يقدر على نفوذه منه. قال الشاعر:
لدى جيش تضلّ البلق فيه ... يظلّ معضّلا منه الفضاء (3)
وقال الآخر:
ترى الأرض منا بالفضاء مريضة ... معضّلة منّا بجيش عرمرم (4)
ويقال: فلان عضلة من العضل، إذا كان داهية لا يهتدى لمكره. يقال: قد أعضل بي القوم، إذا اشتد أمرهم علي. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أعضل بي أهل الكوفة، ما يرضون بأمير، ولا يرضاهم أمير» (5). فمعناه: اشتد علي أمرهم. ويقال رجل عضل، إذا كان قوي العضل، والعضلة عند العرب: كل لحم مجتمع. قال القطامي (6):
إذا التيّاز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا
__________
(1) ليلى الأخيلية. ديوانها 121.
(2) ديوانه 1534. والموجبة: التي توجب الحد.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) غريب الحديث 3/ 281.
(6) ديوانه 40. والتياز: الكثير اللحم من الرجال.(1/342)
ويقال: عضلت المرأة أعضلها عضلا، إذا حبستها عن التزويج وطوّلت عليها العدّة، قال الله عز وجل: {فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوََاجَهُنَّ} (1).
وقولهم: قد عدا فلان طوره
قال أبو بكر: معناه: قد جاز حدّه وقدره، يقال: قد عدا فلان الشيء يعدوه، إذا جازه. قال زهير (2):
كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من طيّب الرّاح لما يعد أن عتقا
معناه: لم يجز، وكل شيء ساوى شيئا في طوله فهو طوره وطواره. والطور في غير هذا: الحال، وجمعه أطوار، قال الله عز وجل: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوََاراً} (3)، معناه: ضروبا وأحوالا مختلفة. وقال كثّير (4):
فطورا أكرّ الطّرف نحو تهامة ... وطورا أكرّ الطرف كرّا إلى نجد
وقولهم: فلان جالس على أريكته
قال أبو بكر: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: الأريكة: لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شواره ونجده. وقال المفسرون: الأريكة السرير في الححلة، وكذلك قال أبو عبيدة، وأنشد للأعشى (5):
بين الرواق وجانب من سترها ... منها وبين أريكة الأنضاد
وقال الأعشى أيضا (6):
وسبتك يوم تزيّنت ... بين الأريكة والسّتاره
وقال أبو عبيدة: قد جعل الراعي الأرائك: الفرش، فقال:
__________
(1) سورة البقرة: آية 232.
(2) ديوانه 35. واغتبقت: شربت على ريقها غبوقا، والغبوق: شرب العشي.
(3) سورة نوح: آية 14.
(4) ديوانه 445.
(5) ديوانه 97.
(6) ديوانه 111.(1/343)
خدود جفت في السّير حتى كأنما ... يباشرن بالمعزاء مسّ الأرائك
وقولهم: فلان يتحيّن فلانا
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معناه: ينظر وقت غفلته، يقال: قد حيّنت الناقة، إذا جعل لحلبها وقت معلوم، وأنشد في صفة ناقة:
إذا أفنت أروى عيالك أفنها ... وإن حنّيت أربى على الوطب حينها (1)
الأفن: أن تحلب في كل وقت. لا يكون لحلبها وقت معروف. والأفن في غير هذا: النقص. قال بعض الحكماء: البطنة تأفن الفطنة، أي تنقصها. وقال الشاعر:
باض النّعام به فنفّر أهله ... إلا المقيم على الدّوى المتأفّن (2)
معناه: المتنقص، هذا قول أبي العباس.
وقولهم: لست من أشكال فلان
قال أبو بكر: معناه: لست من أمثاله وأشباهه، وواحد الأشكال شكل، والشكل: المثل والشّبه. قال الله عز وجل: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوََاجٌ} (3)، فمعناه:
من جنسه وضربه. وقال نصيب (4):
كانوا بها لا ترى شكلا كشكلهم ... ففارقوها فباد العرف والحسب
والشكل في غير هذا: شكل المرأة. والشّكل: جمع الشّكال. والشّكل: جمع الأشكل، والأشكل: الذي في عينيه شكلة، والشّكلة: حمرة تكون في بياض العين، فإذا كانت في سواد العين، فهي شهلة. أنشد أبو عبيدة (5):
ولا عيب فيها غير شكلة عينها ... كذاك عتاق الطير شكلا عيونها
__________
(1) للمخبل السعدي، شعره: 133.
(2) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 82، والمخصص 15/ 128، الدوى: الداء.
(3) سورة ص: آية 58.
(4) أخل به شعره.
(5) غريب الحديث 3/ 2827بلا عزو.(1/344)
والأشكل: الشيئان المختلطان. قال الشاعر (1):
فما زالت القتلى تمور دماؤها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
أي: خلطان. وقال علي رضي الله عنه في صفة النبي صلّى الله عليه وسلم: «في عينيه شكلة» (2)، أي حمرة في بياض عينيه.
وقولهم: ما كان نولك أن تفعل كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: ما كان منفعة لك هذا الفعل وحظّا وغنيمة. والنول والنوال: المنفعة والحظ. يقال: قد نلت الرجل إذا نفعته وأنلته حظا، قال الشاعر:
تنول بمعروف الحديث وإن ترد ... سوى ذاك تذعر منك وهو ذعور (3)
ويقال: قد نالني فلان وقد نال فلان فلانا، إذا نفعه. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
لو ملك البحر والفرات معا ... ما نالني من نداهما بللا
فعاله علقم مغبّته ... وقوله لو وفّى به عسلا (4)
وقال: معناه: وقوله لو وفى به لكان عسلا. وقوله نالني: أعطاني. ويقال:
معنى: ما كان نولك أن تفعل ذاك: ما كان صلاحا لك. قال لبيد (5):
وقفت بهن حتى قال صحبي ... جزعت وليس ذلك بالنوال
معناه: وليس ذلك بالصلاح. ويقال: النّول والنّوال: الصواب. قال لبيد (6):
فدع الملامة ويب غيرك إنه ... ليس النّوال بلوم كلّ كريم
أي: ليس الصواب هذا. وفي إعراب المسألة وجهان: أحدهما نصب النول على
__________
(1) جرير، ديوانه 143. وتمور: تجري.
(2) غريب الحديث 3/ 24.
(3) بلا عزو في أضداد الأصمعي 55، وأضداد ابن السكيت 207.
(4) بلا عزو في الأضداد 57.
(5) ديوانه 73.
(6) ديوانه 110.(1/345)
خبر كان، ورفع (أن) بكان. والوجه الثاني: ما كان نولك أن تفعل ذلك، تجعل النول اسم كان، و (أن) خبر كان. قال الله عز وجل: {مََا كََانَ حُجَّتَهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} (1) فالحجة خبر كان، و (أن) الاسم. وقرأ الحسن: {مََا كََانَ حُجَّتَهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} فالحجة، اسم كان على قراءته، و (أن) الخبر.
وقولهم: إن فعلت ذاك كان وبالا عليك
قال أبو بكر: معناه: كان ثقيلا عليك في العاقبة. ويقال: طعام وبيل، إذا كان ثقيلا متخما. قال الشاعر (2):
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت ... فوارس عامر أكلا وبيلا
معناه: أكلا ثقيلا متخما. وقال الآخر (3):
خزي الحياة وحرب الصديق ... وكلّا أراه طعاما وبيلا
ويقال: معنى قولهم: كان وبالا عليك، كان داء عليك. قال الشاعر (4):
رعوه صيفا وتربعوه ... بلا وبإسميّ ولا وبال
معناه: ولا داء. ومن هذا قولهم: قد استوبل المدينة. قال أبو زيد: يقال: قد استوبل المدينة، إذا لم توافق جسمه، وإن كان محبا لها. وقد اجتوى المدينة: إذا كره نزولها، وإن كانت موافقة لجسمه. والوبيل في غير هذا: الشديد. قال الله عز وجل:
{أَخْذاً وَبِيلًا} (5)، معناه: شديدا. وقال الشاعر:
أخذ الشام ذو الجلال بإبراهيم ... من بطشة بأخذ وبيل (6)
معناه: شديد.
__________
(1) سورة الجاثية: آية 25.
(2) لم أقف عليه.
(3) لم أقف عليه.
(4) لبيد، ديوانه 93، وفيه: رعوه مربعا وتصيفوه والوبأ: المرض.
(5) سورة المزمل: آية 16.
(6) لم أقف عليه.(1/346)
وقولهم: لست من شرج فلان
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: لست من أشباهه ونظرائه، وقال: الأصل في هذا: أن تشقّ الخشبة نصفين، فيكون أحدهما شريجا للآخر. قال الأصمعي: قال يوسف بن عمر (1): أنا شريج الحجّاج، أي: مثله وشبهه في البلاء والشر. وقال المنخّل الهذلي (2):
وإذا الرياح تكمّشت ... بجوانب البيت القصير
ألفيتني هشّ النّدى ... بشريج قدحي أو شجيري
معناه: بمثل قدحي. وقال أبو العباس: أضرب في هذا الوقت بقدحين، أحدهما لي، والآخر مستعار. قال: والشجير: الغريب.
وقولهم للغلام والرجل: يا نغفة
قال أبو بكر: النغفة معناها في كلام العرب: دودة تكون في أنف البعير والشاة، فإذا احتقر الرجل قيل له: يا نغفة، على جهة التشبيه بالدودة، هذا قول أبي العباس. وروى النّوّاس بن سمعان (3) عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه ذكر يأجوج ومأجوج، وأن نبي الله عيسى يحضر وأصحابه، فيرغب إلى الله عز وجل، فيرسل عليهم النّغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يرسل الله عز وجل عليهم مطرا فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلفة» (4). فمعنى قوله صلّى الله عليه وسلم: فيرسل عليهم النغف: فيرسل عليهم الدود. ومعنى فرسى: موتى وقتلى، من قولهم: قد فرس الذيب الشاة يفرسها فرسا، إذا أخذها وقتلها. ويقال: قد أفرس الراعي، إذا أخذ
__________
(1) الثقفي، من جبابرة الولاة، سلك سبيل الحجاج، قتل 127هـ. (الأخبار الطوال 337 350، وفيات الأعيان 7/ 112101).
(2) كذا. والصواب: المنخل اليشكري، وهو شاعر جاهلي وليس من الهذليين. والبيتان في الأصمعيات 59، والميسر والقداح 73. وفيهما: الكبير بدل القصير. وتكمشت: أسرعت.
(3) صحابي، سكن الشام، (طبقات ابن خياط 138، الإصابة 6/ 478).
(4) الفائق: 4/ 7.(1/347)
الذيب شاة من غنمه. ويقال: هي فريسة الأسد. وأصل الفرس: دق العنق، ثم جعل كلّ قتل فرسا. والفرسى جمع، واحده فريس، وهو على مثال قتيل وقتلى. قال الشاعر:
ويترك ماله فرسى ويقرش ... إلى ما كان من ظفر وناب (1)
معنى يقرش: يجمع. ويقال: ذبح الرجل ففرس، إذا بلغ النخاع، وهو كالخيط الأبيض، ثم دقه ولواه. جاء في الحديث: «كره الفرس في الذبيحة» (2). ويقال: ذبح الرجل فنخع، إذا بلغ النخاع. ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلم: فتصبح الأرض كالزّلفة، الزلفة:
مصنعة الماء. وقال لبيد يذكر ساقية تسقي زرعا:
حتى تحيرت الدّبار كأنها ... زلف وألقي قتبها المحزوم
الدّبار: المشارات. والمعنى: تحيرت من كثرة الماء حين لم يجد الماء منفذا.
وقوله: وألقي قتبها، معناه: وألقي قتبها بعد فراغها. والقتب والقتب معناهما واحد، وهما بمنزلة النّجس والنّجس. وأراد النبي صلّى الله عليه وسلم: أن المطر يكثر في الأرض، حتى تصير الأرض، كأنها مصنعة من مصانع الماء.
وقولهم: قد شاط فلان بدم فلان
قال أبو بكر: معناه: قد عرّضه للهلكة. يقال: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك. ويقال: قد شاط دمه، إذا جعل الفعل للدم، فإذا كان للرجل قيل: قد شاط الرجل بدمه وقد أشاط دمه. قال الأعشى (3):
قد نطعن العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل
معناه: قد يهلك.
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) غريب الحديث 3/ 254. وفيه: «في حديث عمر: أنه نهى عن الفرس في الذبيحة».
(3) ديوانه 47. والفائل: عرق في الفخذ، ومكنون الفائل: الدم.(1/348)
وقولهم: فلان يهاتر فلانا
قال أبو بكر: معناه: يسابّه بالباطل من القول والقبيح من اللفظ. قال أبو العباس: هذا قول أبي زيد، قال: وقال غيره: المهاترة: القول الذي ينقض بعضه بعضا، والهتر: القبيح من القول، ويقال: قد أهتر الرجل فهو مهتر، إذا أولع بالقول في الشيء، وقد استهتر فلان فهو مستهتر: إذا ذهب عقله فيه، وانصرفت هممه إليه حتى أكثر القول فيه بالباطل. وهو بمنزلة القول الأول، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «المستبّان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران» (1).
وقولهم: فلان غلق
قال أبو بكر: الغلق: الكثير الغضب. قال عمرو بن شأس (2):
فأغلق من دون امرئ إن أجرته ... فلا تبتغى عوراته غلق القفل
أي: أغضب في ذلك غضبا شديدا. ويقال: الغلق: الضيق الخلق، العسر الرضى.
وقولهم: فلان يعاقر النّبيذ
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: يداوم أصله، وقال: هو مأخوذ من عقر الحوض، وهو أصله، والموضع الذي تقوم فيه الشاربة. وعقر المنزل: أصله، وفيه لغتان: عقر وعقر. قال الشاعر:
كرهت العقر عقربني شليل ... إذا هبّت لقاربها الرياح
وإنما سمّيت الخمر عقارا، لأنها عاقرت الظّرف أي داومته. وقال أبو عبيدة:
إنما سميت الخمر عقارا، لأنها تعقر شرّابها، من قول العرب: كلأ بني فلان عقار، إذا كان يعقر الماشية.
__________
(1) الفائق 4/ 92، النهاية 5/ 243.
(2) شعره: 96.(1/349)
وقولهم: أفعل كذا على ما يسوءه وينوءه
قال أبو بكر: معناه: على ما يسوءه ويميله ويثقله. قال الله عز وجل: {وَآتَيْنََاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (1)، فمعناه: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة، أي تثقلهم وتميلهم، فلما دخلت الباء في العصبة انفتحت التاء، كما تقول: هو يذهب بالأبصار، وهو يذهب الأبصار. قال الفراء:
أنشدني بعض العرب في صفة قوس:
حتى إذا ما التأمت مواصله ... وناء في شقّ الشّمال كاهله (2)
يعني: الرامي، وأنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها. وقال الفراء: إنما حذفوا الألف فقالوا: على ما ساءه وناءه، ولم يقولوا: ساءه وأناءه، ليزدوج الكلام، فيكون ناء على مثال ساء، كما قالوا: أكلت طعاما فهنأني ومرأني، فلم يأتوا بالألف في أمرأني ليزدوج مع هنأني، ولو أفردوه لأدخلوا فيه الألف فقالوا: أمرأني الطعام، ولا يقولون: مرأني. وقال أبو عبيدة: معنى قوله: {مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ}: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، فقدّم وأخّر، كما قال الشاعر:
إنّ سراجا لكريم مفخره ... تحلى به العين إذا ما تجهره (3)
أراد: يحلى بالعين، فقدّم وأخّر. ومعنى قول أبي عبيدة: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحة: لتنهض بمفاتحة، يقال: نؤت (4) بالشيء إذا نهضت به. قال الشاعر (5):
وقامت ترائيك مغدودنا ... إذا ما تنوء به آدها
معناه: إذا ما تنهض به. والعصبة في الآية: أربعون رجلا، والمفاتح: الخزائن.
__________
(1) سورة القصص: آية 76.
(2) بلا عزو في معاني القرآن 2/ 130. وفي الأصل.
(3) بلا عزو في معاني القرآن 2/ 310.
(4) وهو من الأضداد. الأضداد 144.
(5) حسان بن ثابت، ديوانه 102، والمغدودن: الشعر الكثير، وآدها: أثقلها.(1/350)
وقولهم: حابى فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: مال إليه واتّصل به، أخذ من حبيّ السحاب، وهو السحاب الذي يدنو بعضه من بعض. قال عدي بن زيد (1):
وحبيّ بعد الهدوّ تزجّي ... هـ شمال كما يزجى الكسير
الحبي: السحاب. ومعنى تزجيه: تسوقه. قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ يُزْجِي سَحََاباً} (2). وقال عبد بني الحسحاس (3):
أشارت بمدراها وقالت لتربها ... أعبد بني الحسحاس يزجي القوافيا
فمعناه: يسوق القوافي نحونا. ويقال: معنى قولهم: قد حابى فلان فلانا، قد خصّه بالميل، أخذ من الحبوة، وهي: العطية التي يحبو بها الرجل صاحبه ويخصه بها.
قال زهير (4):
أحابي به ميتا بنخل وأبتغي ... ودادك بالقول الذي أنا قائل
وقولهم: قطع الله دابر فلان وقد قطع الله دابر القوم
قال أبو بكر: قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: دابر القوم: آخرهم، يقال: دبرهم يدبرهم دبرا، إذا كان آخرهم. جاء في الحديث: «ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا» (5). قال أبو بكر: كذا يقول المحدّثون، ومعناه: في آخر الوقت، وهو من هذا مأخوذ. وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: الصواب: «لا يأتي الصلاة إلا دبريّا». وقال الأصمعي: دابر القوم: أصلهم، واحتج بقول الشاعر (6):
فدى لكما رجلاي أمي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تجزّ الدوابر
__________
(1) ديوانه 86.
(2) سورة النور: آية 43.
(3) ديوانه 25.
(4) ديوانه 299. ونخل: اسم موضع.
(5) النهاية 2/ 97. (ينظر: الفائق 1/ 40، والنهاية 2/ 98).
(6) الحارث بن وعلة في المفضليات 165.(1/351)
معناه: إذ تقطّع أصول القوم. قال الله عز وجل: {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1).
وقولهم: قد قرف فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد ألصق به عيبا وأكسبه ذما. قال أبو العباس: من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: «إن كنت قارفت ذنبا فتوبي إلى الله منه» (2). ومنه الحديث الذي يروى عن عائشة: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يصبح جنبا من قراف غير احتلام» (3). معناه: من مجامعة ومواقعة في شهر رمضان. وقال عز وجل:
{وَلِيَقْتَرِفُوا مََا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} (4)، فمعناه: وليكتسبوا وليلصقوا بأنفسهم، قال الشاعر (5):
وإنّي لآت ما أتيت وإنّني ... لما اقترفت نفسي عليّ لراهب
معناه: لما ألصقتني وأكسبتني. وأنشد أبو عبيدة (6):
أعيا اقتراف الكذب المقروف ... تقوى التقيّ وعفّة العفيف
وقولهم: تبا لفلان
قال أبو بكر: معناه: خسارا له وهلاكا. قال الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (7) معناه: خسرت يداه، وقد خسر هو.
__________
(1) سورة الأنعام: آية 45.
(2) الفائق 3/ 185، النهاية 4/ 46.
(3) غريب الحديث 4/ 323، الفائق 3/ 185، وتتمته فيهما: ثم يصوم.
(4) سورة الأنعام: آية 113.
(5) لم أقف عليه.
(6) مجاز القرآن 1م 205لرؤبة، وليس في ديوانه.
(7) سورة المسد: آية 1.(1/352)
وقال عز وجل: {وَمََا زََادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (1)، فمعناه: غير خسار وهلاك.
قال الشاعر (2):
عرادة من بقيّة قوم لوط ... ألا تبّا لما عملوا تبابا
وقال الآخر (3):
فأخذت النّحاس بالذّهب الأحمر ... تبّا لما أخذت تبابا
وقال كعب بن مالك (4) يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
الحقّ منطقه والعدل سيرته ... فمن يعنه عليه ينج من تبب
معناه: من خسار وهلاك.
وقولهم: فلان ربّ الدّار
قال أبو بكر: معناه: مالك الدار. قال الشاعر:
فإن يك ربّ أذواد بحسمى ... أصابوا من لقائك ما أصابوا (5)
والربّ ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب: المالك. ويكون الرب: السيد المطاع. قال الله عز وجل: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} (6)، معناه: فيسقي سيده. قال الشاعر (7):
وأهلكن يوما ربّ كندة وابنه ... وربّ معدّ بين خبت وعرعر
فمعناه: وأهلكن سيّد كندة. وقال عدي بن زيد (8):
إنّ ربّي لولا تداركه المل ... ك بأهل العراق ساء العذير
__________
(1) سورة هود: آية 101.
(2) جرير، ديوانه 819. وعرادة: راوية الراعي النميري.
(3) لم أقف عليه.
(4) ديوانه 174.
(5) مجاز القرآن 1/ 311بلا عزو. وحسمى: أرض ببادية الشام.
(6) سورة يوسف: آية 41.
(7) لم أقف عليه.
(8) ديوانه 92. والعذير: الحال.(1/353)
يريد بالرب: السيد. ويكون الرب: المصلح، من قولهم: قد رب الرجل الشيء يربّه ربّا، والشيء مربوب، إذا أصلحه. قال الشاعر:
يا ربّ الذي يأتي من العرف إنه ... إذا سئل المعروف زاد وتمّما
وليس كبان حين تمّ بناؤه ... تتبعه بالنّقض حتى تهدّما (1)
وقال الفرزدق (2):
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... سلاءها في أديم غير مربوب
معناه: غير مصلح. ويقال: ربّ بالتشديد، ورب بالتخفيف. قال الفراء: أنشدني المفضّل:
وقد علم الأقوام أن ليس فوقه ... رب غير من يعطي الحظوظ ويرزق (3)
وقولهم: قد رطّل فلان شعره
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: قد أرخاه وأرسله، من قول العرب:
رجل رطل، إذا كان مسترخيا ليّن المفاصل.
وقولهم: قد رئي الهلال
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي الهلال هلالا، لأن الناس يرفعون أصواتهم بالأخبار عنه، من قول العرب: قد أهل الرجل واستهل، إذا رفع صوته، قال الله عز وجل: {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} (4) فمعناه: وما نودي به، ورفعت الأصوات على الذبائح لغير الله. ومن ذلك قالوا: قد أهلّ بالحج واستهلّ، معناه: رفع صوته بالتلبية، ومن ذلك حديث النبي صلّى الله عليه وسلم في المولود: «إذا ولد لم يرث ولم يورّث حتى
__________
(1) الأول فقط بلا عزو في تهذيب اللغة 15/ 177، وتكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة 17.
(2) ديوانه 1/ 24. والسالئة: التي تصفّي السمن. والأديم: الجلد.
(3) تهذيب اللغة 15/ 177بلا عزو.
(4) سورة البقرة: آية 173.(1/354)
يستهلّ صارخا» (1)، معناه: حتى يرفع صوته بالصراخ، ليستدلّ بذلك على أن يسقط إلى الأرض حيا. قال النابغة (2) يذكر درّة أخرجها الغواص:
أو درّة صدفيّة غواصها ... بهج متى يرها يهلّ ويسجد
معناه: يرفع صوته بحمد الله والثناء عليه. وقال ابن أحمر (3):
يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الراكب المعتمر
معناه: يرفع صوته.
وقولهم: فلان في عيش رغد
قال أبو بكر: قال أبو عبيد: الرغد: الكثير الواسع الذي لا يعنّيك من مال أو ماء أو عيش أو كلأ، وقال: يقال: قد أرغد فلان، إذا أصاب عيشا واسعا. وفي الرغد لغتان أعلاهما: رغد بفتح الغين، وأقلهما رغد بتسكين الغين. قال الله عز وجل:
{وَكُلََا مِنْهََا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمََا} (4). وقال الشاعر (5):
يأتيهم من وجوه غير واحدة ... من فضله فهم فيما اشتهوا رغدا
وقال الآخر (6) في تسكين الغين:
رأيت غزالا يرتعي وسط دومة ... فقلت أرى ليلى تلسّ به زهرا
فياظبي كل رغدا هنيئا ولا تخف ... فإني لكم جار وإن خفتم الدّهرا
وقولهم: سكران ما يبتّ
قال أبو بكر: قال الفراء: معناه: ما يقطع أمرا من سكره، قال: ويقال: أبتتّ
__________
(1) غريب الحديث 1/ 286.
(2) ديوانه 32.
(3) شعره: 66.
(4) سورة البقرة: آية 35.
(5) لم أقف عليه.
(6) المجنون، ديوانه 171. وتلس: تأكل.(1/355)
عليه القضاء وبتتّه عليه، إذا قطعته. وقال الأصمعي: يقال: سكران ما يبت بفتح الياء وضمها، قال: ويقال: بتتّ عليه القضاء أبتّه، إذا قطعته عليه. ومن ذلك قولهم:
صدقة بتّة بتلة، أي مقطوعة لا رجوع فيها. ومنه قولهم: الطلاق ثلاثا بتّة بتلة، أي لا رجوع فيه.
وقولهم: فلان معصوم وقد عصم
قال أبو بكر: قال أبو العباس: العصمة معناها في كلام العرب: المنع، يقال: قد عصمت فلانا من فلان، إذا منعته منه. قال الله عز وجل: {لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ إِلََّا مَنْ رَحِمَ} (1)، معناه: لا مانع. وقال: {وَاللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النََّاسِ} (2)، فمعناه: يمنعك. وقال الشاعر:
وقلت عليكم مالكا إنّ مالكا ... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم (3)
معناه: سيمنعكم. وقال أبو العباس: من ذلك قولهم: قد أعصم الفارس، إذا تمسّك بعرف دابته لئلا يقع، وأنشد:
كفل الفروسة دائم الإعصام (4)
وأنشد لطفيل (5):
ولم يشهد الهيجا بألوث معصم
وقولهم: ليست لفلان طلالة
قال أبو بكر: قال ابن الأعرابي: أي ليست له حال حسنة وهيئة جميلة، قال:
__________
(1) سورة هود: آية 43.
(2) سورة المائدة: آية 67.
(3) مجاز القرآن 1/ 171بلا عزو.
(4) للجحاف بن حكيم كما في اللسان (عصم)، وصدره: والتغلبيّ على الجواد غنيمة.
(5) ديوانه 80، وصدره: إذا ما غدا لم يسقط الخوف رمحه. وألوث: المسترخي الضعيف.(1/356)
وهو من النبات المطلول، وهو الذي أصابه الطّلّ فحسنه، والطل: القطر الصغار، قال الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهََا وََابِلٌ فَطَلٌّ} (1). فالوابل: القطر، والطّلّ: الصغار.
ويقال: في جمع الوابل: وبل، وفي جمع الطل: أطل وطلول. قال نصيب (2):
سقى تلك المقابر ربّ موسى ... سجال المزن وبلا ثم وبلا
وقال أبو النجم:
هيّجها نضج من الطّلّ سحر ... وهزّت الريح النّدى حين قطر
لو عصر منه المسك والبان انعصر (3)
وقال أبو عمرو الشيباني: ليست له طلالة، معناه: ليس له ما يفرح به، ولا ما يسرّ، وقال: الطلالة: الفرح والسرور، وأنشد لبعض الأزد (4):
فلما أن وبهت ولم أصادف ... سوى رحلي بكيت بلا طلاله
معناه: بغير فرح ولا سرور. وقال الأصمعي: الطلالة: الحسن والماء.
وقولهم: قد فتنت فلانة فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد أمالته عن القصد. والفتنة معناها في كلام العرب:
المميلة عن الحق والقصد، قال الله عز وجل: {وَإِنْ كََادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ} (5)، فمعناه: ليميلونك. والفتنة أيضا: الإحراق، يقال: قد فتنت الرغيف في النار، إذا أحرقته فيه. قال الله عز وجل: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} (6)، معناه:
ذوقوا إحراقكم. قال الشاعر (7):
__________
(1) سورة البقرة: آية 265.
(2) شعره: 122. وسجال: جمع سجل، وهي الدلو الممتلئة ماء. وسجال المزن: مطر السحاب الغزير.
(3) الثالث في إصلاح المنطق 36.
(4) الفاخر 120.
(5) سورة الإسراء: آية 73.
(6) سورة الذاريات: آية 14.
(7) لم أقف عليه.(1/357)
إذا جاء عبسيّ جررنا برأسه ... إلى النار والعبسيّ في النار يفتن
معناه: يحرق. والفتنة أيضا: الاختبار، يقال: فتنت الذهب في النار، إذا أحميته مختبرا له، لأعرف من ذلك خالصه من غير خالصه. قال الله عز وجل: {وَفَتَنََّاكَ فُتُوناً} (1)، معناه: اختبرناك اختبارا. وأهل نجد يقولون: قد أفتنت المرأة فلانا تفتنه إفتانا. وسائر العرب يقولون: قد فتنت. قال الشاعر (2):
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأضحى قد قلى كلّ مسلم
وقولهم: كان ذلك بيضة العقر
قال أبو بكر: معناه: كان ذلك مرة واحدة لا ثانية لها. والعقر: استعقام الرّحم، وهو ألّا تحمل (3). يقال: قد عقرت المرأة، إذا لم تحمل، فهي عاقر. ويقال:
رجل عاقر، إذا كان لا يولد له. قال الشاعر (4):
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما أغنى لدى كلّ مشهد
ويقال: بيضة العقر: معناه: بيضة الديك، وذلك أن الديك يبيض بيضة واحدة لا ثانية لها، فيضرب هذا مثلا لكل من فعل فعلة واحدة، لم يضف إليها مثلها.
ويروى عن الخليل أنه قال: العقر: استبراء المرأة لينظر أبكر هي أم غير بكر، وهو قول لا يعرف له معنى.
وقولهم: قد دخل الشهر
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي الشهر شهرا لشهرته، وذلك أن الناس يشهرون دخوله وخروجه، قال: ويقال: جئتك في قبل الشهر وفي شبابه، أي: في عشر مضين منه، وأتيتك في دبر الشهر، أي في عشر بقين منه، وكذلك: أتيتك في
__________
(1) سورة طه: آية 40.
(2) أعشى همدان. الصبح المنير 340.
(3) وهو قول الخليل في العين 1/ 170.
(4) عامر بن الطفيل. ديوانه 64وفيه: فبئس فما عذري لدى كل محضر.(1/358)
عقب الشهر. فإذا قالوا: أتيتك في عقب الشهر وفي كسئه فمعناه: بعد مضيه.
ويقال: شهر كريت وقميط ومجرّم، ويوم طرّاد وحول مجرّم: إذا كان تاما.
وقولهم: مسك بحت وظلم بحت
قال أبو بكر: معناه: لا يشوبه غيره، ولا يخالطه سواه. قال الشاعر (1):
ألا منعت ثمالة بطن وجّ ... بجرد لم تباحت بالضّريع
معناه: لم تطعم الضريع بحتا. والضريع: نبت لا ينجع، ولا يغني، يسمى: يابسة الشّبرق. قال الله عز وجل: {لَيْسَ لَهُمْ طَعََامٌ إِلََّا مِنْ ضَرِيعٍ لََا يُسْمِنُ وَلََا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (2). وقال الشاعر (3):
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقولهم: مسك أذفر
قال أبو بكر: معناه: ذكيّ شديد الرائحة. والذّفر عند العرب: كل ريح ذكية شديدة من طيب أو نتن، فمن الطيب قولهم: مسك أذفر، ومن النتن قولهم: شممت ذفر إبطه، وشممت ذفر الحديد، أي نتنه وسهكه. قال الشاعر (4):
بكتيبة جأواء ترفل ... في الحديد لها ذفر
يريد بالذفر النتن. والدفر بالدال: النتن، لا يكون إلا ذلك، فمن ذلك قولهم للدنيا: أم دفر، يريدون النتن. ومنه قولهم للأمة: يا دفار، يريدون بذلك أيضا النتن.
وقولهم: فلان كلف بفلان
قال أبو بكر: الكلف معناه في كلامهم: شدة الحب والمبالغة فيه. يقال: فلان
__________
(1) مالك بن عوف الغامدي كما في أساس البلاغة (بحت). وبطن وج: واد. والجرد: الخيل.
(2) سورة الغاشية: الآيتان: 6، 7.
(3) قيس بن عيزارة الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 73. وهزم الضريع: ما تكسر منه، وحرود: لا تكاد تدرّ.
(4) لم أقف عليه. وكتبية جأواء: عليها صدأ الحديد وسواده.(1/359)
كلف بفلان، ومكلّف بفلان، إذا كان مبالغا في محبته. قال الشاعر (1):
فتيقّني أن قد كلفت بكم ... ثم افعلي ما شئت عن علم
وقال عمر بن أبي ربيعة (2):
قلت أجيبي عاشقا ... بحبكم مكلّف
فيها ثلاث كالدّمى ... وكاعب ومسلف
الدّمى: الصّور، والكاعب: التي قد كعب ثدياها، والمسلف: التي قد بلغت خمسا وأربعين ونحو ذلك.
وقولهم: قد مرض قلب فلان
قال أبو بكر: معناه: قد حزن واغتمّ، فاعتلّ قلبه لذلك، فأشبه علة الأجسام ومرضها. ويقال أيضا: قد مرض قلبه، معناه: قد أظلم قلبه. قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يقول: يكون المرض عند العرب الظّلمة، وأنشدنا:
وليلة مرضت من كلّ ناحية ... فما يضيء لها نجم ولا قمر (3)
ويقال أيضا في غير هذا المعنى: قد مرض قلب هذا الرجل، إذا شكّ ونافق، قال الله عز وجل: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزََادَهُمُ اللََّهُ مَرَضاً} (4)، فمعناه: الشك والنفاق، وقالت ليلى الأخيلية (5):
إذا هبط الحجاج أرضا مريضة ... تتبّع أقصى دائها فشفاها
تريد بالمريضة: التي بها شكّ ونفاق.
وقولهم: قام فلان على طاقة
قال أبو بكر: معناه: على أقصى ما يمكنه من الهيئة، والطاقة والطّوق عند
__________
(1) أبو صخر الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 163.
(2) ديوانه 461وفيه: قلت فإني هائم صب بكم مكلف. مع تقديم الثاني.
(3) لأبي حية النميري. شعره: 148.
(4) سورة البقرة: آية 10.
(5) ديوانها 121.(1/360)
العرب: القوّة على الشيء، ومنه قولهم: ليس لي بهذا الأمر طاقة، أي ليس لي به قوة.
وقولهم: هذا العذاب الأليم
قال أبو بكر: الأليم معناه في كلام العرب: المؤلم الموجع، فصرف عن المؤلم إلى الأليم، كما قالوا: محكم وحكيم، ومسمع وسميع. قال عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
أراد السميع: المسمع. وقال ذو الرمة (1):
ونرفع من صدور شمردلات ... يصدّ وجوهها وهج أليم
أراد بالأليم المؤلم.
وقولهم: فلان محدود
قال أبو بكر: معناه: ممنوع من الرزق، وهو مأخوذ من الحدد، وهو المنع. قال القرشي (2):
لا تعبدنّ إلها دون خالقكم ... وإن أتيتم فقولوا دونه حدد
أي منع. ومن ذلك قولهم للسجان: حدّاد، لأنه يمنع من في السجن من الخروج ويقال للخمّار: حدّاد، لأنه يمنع منها، أعني الخمر، حتى يقبض ثمنها.
وقولهم: هو الفاتق والراتق
قال أبو بكر: معناه: هو مالك الأمر، فهو يفتح ويغلق، ويضيّق ويوسّع. يقال:
قد رتق فهو راتق، إذا ضم وجمع. قال ابن الزّبعرى للنبي صلّى الله عليه وسلم:
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
معناه: جامع. وسمعت أبا العباس يقول: هو من قولهم: امرأة رتقاء، إذا كانت
__________
(1) ديوانه 677.
(2) هو زيد بن عمرو بن نفيل كما في اللسان (حدد).(1/361)
لا يصل الرجل إليها. وقال الله عز وجل: {أَنَّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا} (1)، معناه: كانت السموات سماء واحدة، وكانت الأرضون أرضا واحدة، ففتقت السماء فجعلت سبع سموات، وفتقت الأرض فجعلت سبع أراضين.
ويقال: كانت السماء لا تمطر، وكانت الأرض لا تنبت، ففتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات. ويقال: كانت السماء مع الأرض جميعا، ففتقهما الله عز وجل بالهواء الذي جعله بينهما.
وقولهم: كان هذا في الخريف
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي الخريف خريفا، لأنه وقت خرف النخل، أي وقت اجتناء ثمره، فجعل ذلك الفعل اسما للزمان، ونسب إليه، قال أبو العباس: يقال أيضا إنما سمي الخريف خريفا، لتعجّل مطره ونباته، وأنشد لابن مقبل (2):
رعت برحايا في الخريف وعادة ... لها برحايا كلّ شعبان تخرف
أراد ب = تخرف =: تسقى ماء المطر. قال أبو العباس: إنما قيل لأول أمطار السنة: الوسّمي، لأنه يسم الأرض ويؤثر فيها. ويقال للمطر الثاني: الوليّ. ويقال للمطر الذي يكون في الصيف في وقت توقد الشمس وحرارتها: الحميم، وإنما سمي حميما لأنه يشعل ما يقع عليه ويحميه. قال الشاعر (3):
هنالك لو دعوت أتاك منهم ... أناس مثل أرمية الحميم
قال أبو العباس: الأرمية: سحابة تكون في موضع من السماء، فيجتمع إليها السحاب، وينضم حتى يعظم ويكثف، فأراد الشاعر: أن هؤلاء القوم في بأسهم وشدتهم مثل هذه السحابة في كثافتها. ويقال: رميّ لهذه السحابة. ويقال: إنما سميت
__________
(1) سورة الأنبياء: آية 30.
(2) ديوانه 190. وبرحايا: اسم واد.
(3) أبو جندب الهذلي كما في شرح أشعار الهذليين 363. وفيه: قال الأصمعي: وتروى لأبي ذؤيب.(1/362)
أرمية لما يتخوف من رميها بالمطر. يقال: أتانا رميّ من سحاب.
وقولهم: هو من حشم فلان
قال أبو بكر: حشم الرجل: أتباعه الذي يغضب لهم. وقال الأصمعي: معنى قولهم: قد احتشم الرجل: قد انقبض، والاحتشام: الانقباض. قال الشاعر (1):
لعمرك إنّ خبز أبي مليل ... لبادي اليبس محشوم الأكيل
أراد: ينقبض من يريد أكله: لبخل صاحبه. والأكيل: الضعيف الذي يأكل معه.
وقولهم: قد حلب الدهر أشطره
قال أبو بكر: قال الأصمعي: معناه: قد أتت عليه كل حال من شدة ورخاء، كأنه استخرج درّة الدهر في حلبه لطول تجربته. أنشدنا أبو العباس:
مجرّب قد حلبت الدهر أشطره ... ليافعي احوجّى مني لتعليم (2)
وقال لقيط الأيادي (3):
ما انفكّ يحلب درّ الدهر أشطره ... سكون متّبعا طورا ومتّبعا
وقولهم: هو في معيشة ضنك
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: الضنك: الضيق. قال عنترة (4):
إن المنيّة لو تمثّل مثّلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
أراد: بضيق المنزل. وقال الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} (5). قال قتادة: المعيشة الضنك: جهنم. وقال الضحّاك: المعيشة
__________
(1) بلا عزو في الفاخر 122.
(2) لم أقف عليه.
(3) ديوانه 47، ولقيط بن يعمر: شاعر جاهلي من أهل الحيرة، كان يعرف الفارسية. (الشعر والشعراء 199، المؤتلف والمختلف 266).
(4) ديوانه 252.
(5) سورة طه: آية 124، والأقوال التالية لها تفسير الطبري 16/ 226، 227، 228.(1/363)
الضنك: الكسب الحرام. وقال عبد الله بن مسعود: المعيشة الضنك: عذاب القبر.
وقولهم: فلان ملط
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الملط: الذي لا يعرف له نسب، كأنه يذهب إلى أنه لا يعرف له أب، وقال: هو من قولهم: قد انملط ريش الطائر، إذا سقط عنه.
والملط من الرجال، فيه قولان متقاربان في المعنى يقال: هو المختلط النسب، ويقال:
هو ولد الزنا.
وقولهم: رجل ذمّي
قال أبو بكر: معناه: رجل له عهد، وهو منسوب إلى الذمة: وهي العهد.
وكذلك قولهم: فلان من أهل الذمة، معناه: من أهل العهد، قال الله عز وجل: {لََا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلََا ذِمَّةً} (1)، فالإلّ: القرابة، والذّمة: العهد. وقال أبو عبيدة:
الإل: العهد، والذمة: التذمّم ممن لا عهد له، وأنشد:
إن تمت لا تمت فقيدا وإن تح ... ي فلا ذو إلّ ولا ذو ذمام (2)
وأنشد أيضا:
إن الوشاة كثير إن أطعمتهم ... لا يرقبون بنا إلّا ولا ذمما (3)
ويقال: الإلّ: الحلف. ويقال: الإل: الجوار. وقال عكرمة: الإل: الله عز وجل. ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «أنه سأل رجلا أن يقرأ عليه بعض قرآن مسيلمة الكذاب، فلما سمعه عجب منه، وقال: إن هذا كلام لم يخرج من إلّ» (4). يريد: من ربوبية. وقال الشاعر (5):
__________
(1) سورة التوبة: آية 10.
(2) الأضداد 396بلا عزو.
(3) الأضداد 396بلا عزو.
(4) غريب الحديث 3/ 230.
(5) حسان بن ثابت، ديوانه 105. والسّقب: ولد الناقة الذكر حين يولد، والرّأل: ولد النعام.(1/364)
لعمرك إن إلّك في قريش ... كإلّ السّقب من رأل النّعام
أراد بالإلّ: القرابة.
وقولهم: قد أمعن لي بحقّي
قال أبو بكر: معناه: قد اعترف به وأظهره. قال أبو العباس: هو مأخوذ من الماء المعين، يقال: ماء معين ومعنان، إذا كان جاريا طاهرا. ويقال للخمر: معين. قال الله عز وجل: {يُطََافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (1) فمعناه: من خمر، وقال الشاعر (2):
أتنزل بالفلاة وكان كسرى ... يحلّ النّخل والماء المعينا
أراد بالمعين: الطاهر: وقال الفراء: في المعين وجهان: يجوز أن يكون وزنه فعيلا من الماعون، ويجوز أن يكون وزنه مفعولا من المعيون. وقال أبو العباس: يقال: ما لفلان معنة ولا سعنة، أي ما له شيء. وقال: المعن في كلام العرب: الشيء الحقير اليسير، وأنشد:
فإن هلاك ما لك غير معن (3)
أراد: غير يسير.
وقولهم: قد استعمل فلان على الجوالي
قال أبو بكر: معناه: على أهل الذّمّة. وإنما قيل لهم: جوالي، لأنهم جلوا عن مواضعهم، يقال: جلا فلان عن منزله يجلو إجلاء، هذه لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن، قال الله جل اسمه: {وَلَوْلََا أَنْ كَتَبَ اللََّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلََاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيََا} (4).
وقيس وتميم يقولون: قد جل الرجل عن بلدته يجلّ جلّا وجلولا. والجلا: انحسار
__________
(1) سورة الصافات: آية 45.
(2) لم أقف عليه.
(3) للنمر بن تولب، شعره: 118وصدره: ولا ضيعته فألام فيه.
(4) سورة الحشر: آية 3.(1/365)
الشعر عن مقدمة الرأس. والجلا: كحل يجلو البصر، قال الشاعر (1):
وأكحلك بالصّاب أو بالجلا ... ففقّح لذلك أو غمّض
معنى قوله: ففقح: افتح عينك. يقال: قد فقّح الورد، إذا تفتح.
وقولهم: قد أسبل عليه
قال أبو بكر: معناه: قد أكثر كلامه عليه، أخذ من السّبل، وهو المطر. قال ابن هرمة (2):
وعرفان أنيّ لا أطيق زيالها ... وإن أكثر الواشي عليّ وأسبلا
وقال الآخر (3) في سبل المطر:
لم نلق مثلك بعد عهدك منزلا ... فسقيت من سبل السّماك سجالا
وقال عمر بن أبي ربيعة (4):
ألم تربع على الطّلل ... ومغنى الحيّ كالخلل
تعفّي رسمه الأروا ... ح مرّ صبا مع الشّمل
وأنداء تباكره ... وجون واكف السّبل
وقولهم: نعش الله فلانا
قال أبو بكر: فيه قولان متقاربان في المعنى أحدهما: جبره الله. وقال الأصمعي: معنى نعشه الله: رفعه الله، وقال: النّعش: الارتفاع، وإنما سمي نعش الميت نعشا، لارتفاعه. ويقال: قد انتعش الرجل، إذا ارتفع بعد خمول أو استغنى بعد فقر.
__________
(1) أبو المثلم الهذلي. شرح أشعار الهذليين 307، والصّاب: شجر مر.
(2) ديوانه 164 (بغداد)، 162 (دمشق).
(3) جرير، ديوانه 48. والسماك: من أنواء الصيف، وهو أغزرها مطرا.
(4) ديوانه 332.(1/366)
وقولهم: قد ضربته بالعصا
قال أبو بكر: قال أبو العباس: روى الأصمعي عن بعض شيوخ البصريين أنه قال: إنما سميت العصا عصا، لأن اليد والأصابع تجتمع عليها، وقال: هو من قول العرب: قد عصوت القوم أعصوهم، إذا جمعتهم على خير أو شر. ولا يجوز مدّ العصا، ولا إدخال التاء معها. قال الراجز (1):
ربّيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا
ويقال: أول لحن سمع بالعراق: عصاتي، بالتاء.
وقولهم: قد قرمت إلى لقائك
قال أبو بكر: معناه: قد اشتدت شهوتي لذلك. ويقال: قرمت إلى اللحم أقرم، وأنا قرم إليه، إذا اشتدت شهوتي له. كان النبي صلّى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم) (2). فالعيمة: شدة شهوة اللبن وألا يصبر الإنسان عنه ساعة، يقال: عام إلى اللبن يعيم ويعام عيما، وما أشدّ عيمته، قال الحطيئة (3):
سقوا جارك العيمان لما تركته ... وقلّص عن برد الشراب مشافره
والغيمة: أن يكون الإنسان شديد العطش، كثير الاستقساء للماء. يقال: غام يغيم غيما. قال الشاعر (4) يذكر حمرا:
فظلّت صوادي خزر العيون ... إلى الشّمس من رهبه أن تغيما
يقول: هي ترقب الشمس خوفا أن يشتدّ عطشها، فهي ترقب الشمس حتى تغيب، فترد الماء. والأيمة: طول التّعزّب، من قولهم: رجل أيم، إذا كان لا زوجة له.
وامرأة أيم وأيّمة، إذا كانت لا زوج لها. والقرم: شدة شهوة اللحم. والكزم: شدة الأكل، من قولهم: قد كزم الرجل الشيء يكزمه كزما. ويقال: الكزم: البخل، من
__________
(1) العجاج كما في التنبيه على شرح مشكلات الحماسة 345. وهو في ملحق ديوانه ص 76 (طبعة لابيزك)، وقد أخل به ديوانه (طبعة عزة حسن).
(2) الفائق 3/ 42.
(3) ديوانه 184.
(4) ربيعة بن مقرم، شعره: 40.(1/367)
قولهم: رجل أكزم البنان، أي قصيرها، كما يقال للبخيل الممسك: قصير البنان وجعد الكفّ.
ويقال: هو قرم إلى اللحم، وعيمان إلى اللبن، وعطشان وظمآن إلى الشراب، وجائع إلى الخبز، وقطم إلى النكاح. قال الشاعر يذكر ناقة:
وجناء ذعلبة مذكّرة ... زيّافة بالرّحل كالقطم (1)
أراد: كالقطم، فسكّن الطاء.
وقولهم: قد قضى عليه القاضي
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: معناه في اللغة: القاطع للأمور المحكم لها. قال الله عز وجل: {فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (2)، أراد: فقطعهنّ وأحكم خلقهن.
وقال الشاعر في عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق (3)
وقال أبو ذؤيب (4):
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داوود أو صنع السوابغ تبّع
أراد بقضاهما: أحكمهما. ويكون القضاء: بمعنى الأمر، كقوله عز وجل:
{وَقَضى ََ رَبُّكَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ} (5)، فمعناه: أمر ربك. ويكون القضاء بمعنى العمل، كقوله: {فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ} (6)، معناه: فاعمل ما أنت عامل، واصنع ما أنت صانع. ويقال للقاضي: الحاكم والفتّاح، قال الله جل ذكره: {وَيَقُولُونَ مَتى ََ هََذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (7)، معناه: متى هذا القضاء. وقال:
__________
(1) الفاخر 135بلا عزو. والذعلبة: الناقة السريعة، والزيّافة: المختالة.
(2) سورة فصلت: آية 12.
(3) تفسير الطبري 1/ 509بلا عزو.
(4) ديوان الهذليين 1/ 19. ومسرودتان: درعان، والصنع: الحاذق بالعمل.
(5) سورة الإسراء: آية 23.
(6) سورة طه: آية 72.
(7) سورة السجدة: آية 28.(1/368)
{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنََا وَبَيْنَ قَوْمِنََا بِالْحَقِّ} (1)، معناه: ربنا احكم واقض بيننا. أنشد الفراء:
ألا أبلغ بني عصم رسولا ... بأني عن فتاحتكم غنيّ (2)
أراد: عن محاكمتكم ومقاضاتكم.
وقولهم: قد زوّر عليه كذا وكذا
قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال أحدهن: أن يكون التزوير: فعل الكذب والباطل، ويكون مأخوذا من الزّور، وهو الكذب والباطل. وقال خالد بن كلثوم:
التزوير: التشبيه. وقال أبو زيد: التزوير التزويق والتحسين، وقال: المزوّر من الكلام والخط: المزوّق المحسّن. وقال الأصمعي: التزوير: تهيئة الكلام وتقديره، واحتج بالحديث الذي يروى عن عمر أنه قال يوم سقيفة بني ساعدة: كنت زوّرت في نفسي مقالة أقوم بها بين يدي أبي بكر، فجاء أبو بكر فما ترك شيئا مما كنت زورته في نفسي إلا أتى به) (3).
وقولهم: قد أحدّ السكين على المسنّ
قال أبو بكر: قال الفراء: إنما سمّي المسنّ مسنّا، لأن الحديد يسنّ عليه، أي يحكّ عليه، قال: ويقال للذي يسيل عند الحك: سنين. قال: ولا يكون ذلك السائل إلا منتنا. قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ صَلْصََالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [4]،
فيقال: المسنون: المحكوك. وقال ابن عباس: هو الرطب. ويقال: المسنون: المنتن. وقال أبو عبيدة: المسنون: المصبوب. يقال: سننت الماء على وجهي، إذا صببته عليه.
__________
(1) سورة الأعراف: آية 89.
(2) لمحمد بن حمران الجعفي في الوحشيات 46، والصاهل والشاحج 647، ونسب إلى الأشعر في اللسان (فتح)، وإلى الأعشى في جمهرة اللغة 2/ 4، وليس في ديوانه.
(3) غريب الحديث 3/ 242.
(4) سورة الحجر: آية 26.(1/369)
ويقال: شننته على وجهي، إذا صببته أيضا عليه، بالسين والشين جميعا. ويروى عن الحسن أنه كان إذا توضأ سنّ الماء على وجهه سنّا أي صبه صبّا. وحكى اللّحياني فرق بين سننت وشننت، فقال: سننت: صببت، وشننت: فرّقت، يقال: شننت عليهم الغارات، إذا فرقتها عليهم، قال مالك الأشتر (1)، أنشده أبو العباس:
بقّيت وفري وانحرفت عن العدى ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشنّ على ابن هند غارة ... لم تخط يوما من نهاب نفوس
خيلا كأمثال السّعالي ضمّرا ... تعدو بفتيان الكريهة شوس
حمي الحديد عليهم فكأنّه ... لهبان نار أو شعاع شموس
ويقال: المسنون: المصبوب على صورة ومثال، من قولهم: رأيت سنّة وجهه، أي صورة وجهه. ويقال: الوجه المسنون: إنما سمي مسنونا لأنه كالمخروط.
وقولهم: قد جاء القوم بأسرهم
قال أبو بكر: معناه: قد جاءوا بجمعهم وخلقهم، والأسر في كلام العرب:
الخلق، قال الله عز وجل: {نَحْنُ خَلَقْنََاهُمْ وَشَدَدْنََا أَسْرَهُمْ} (2)، معناه: خلقهم.
وقال الفراء: يقال: أسر الرجل أحسن الأسر، أي: خلق أحسن الخلق. قال الشاعر (3):
شديد الأسر يحمل أريحيّا ... أخا ثقة إذا الحدثان نابا
وقال الآخر (4):
شديد الأسر فرّج منكباه ... عن الكتف العريضة والجران
__________
(1) هو مالك بن الحارث النخعي، من أصحاب الإمام علي. توفي 38هـ. (الولاة والقضاة 2623، تهذيب التهذيب، 1/ 11). والأبيات في البخلاء 244، وشرح ديوان الحماسة (م) 149و (ت) 1/ 143.
(2) سورة الإنسان: آية 28.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.(1/370)
وقال عمران بن حطان (1):
براك ترابا ثم صيّرك نطفة ... فسوّاك حتى صرت ملتئم الأسر
معناه: حتى صرت ملتئم الخلق.
وقولهم: هما سيّان
قال أبو بكر: معناه: هما مثلان. والسّيّ في كلام العرب: هو المثل. أنشد الفراء:
فإياكم وحيّة بطن واد ... هموز النّاب ليس لكم بسيّ (2)
معناه: ليس لكم بمثل.
وقولهم: هو أحمق من رجلة
قال أبو بكر: قال الأصمعي: هي البقلة الحمقاء، وإنما سميت حمقاء، لأنها تنبت في مجاري السيل وأفواه الأودية، فإذا جاء السيل قلعها. وقال خالد بن كلثوم: إنما سميت حمقاء، لأنها تنبت في كل موضع.
وقولهم: تحسبها حمقاء وهي باخس
قال أبو بكر: معناه: وهي ظالمة. والبخس في كلام العرب: هو الظلم، قال الله عز وجل: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرََاهِمَ مَعْدُودَةٍ} (3)، معناه: باعوه بثمن ظلم قليل.
قال الشاعر:
فأكرمه لدى اللّزبات جهدي ... وأعطي الحقّ مني غير بخس (4)
معناه: غير ظلم. ويقال: تحسبها حمقاء وهي باخس بغير هاء. ويجوز أن تدخل
__________
(1) شعر الخوارج 171.
(2) للحطيئة. ديوانه 38.
(3) سورة يوسف: آية 20.
(4) فصل المقال 169بلا عزو.(1/371)
الهاء فتقول: وهي باخسة.
وقولهم: ويل للشّجيّ من الخليّ
قال أبو بكر: معناه: ويل للمهموم من الفارغ. والشّجي: الذي كأن في حلقه شجا من الهم، والشجا: الغصص. يقال: قد شجي الرجل يشجى شجا، إذا غصّ.
قال صريع سلمى (1):
إني أرى الموت مما قد شجيت به ... إن دام ما بي وربّ البيت قد أفدا
وقال أكثر أهل اللغة: يقال: ويل للشّجي من الخليّ، بتخفيف الياء من الشجي وتثقيلها من الخلي. وكذلك أخبرنا أبو العباس في الفصيح، ويحكى عن الأصمعي أنه حكى: ويل للشّجيّ من الخليّ بتثقيل الياء فيهما جميعا. قال الشاعر (2):
ويل الشّجيّ من الخليّ فإنه ... نصب الفؤاد بحزنه مهموم
وقولهم: شتّان ما بين الرجلين
قال أبو بكر: معناه: مختلف ما بينهما. وفيه ثلاثة أوجه: يقال: شتان أخوك وأبوك، وشتان ما أخوك وأبوك، وشتان ما بين أخيك وأبيك. فمن قال: شتان أخوك وأبوك، رفع الأخ بشتان، ونسق الأب على الأخ، وفتح النون من شتان لاجتماع الساكنين، وشبّهها بالأدوات. ومن قال: شتان ما أخوك وأبوك، رفع الأخ بشتان، ونسق الأب عليه، وجعل ما صلة، ويجوز في هذا الوجه كسر النون من شتان على أنّه تثنية شتّ، والشّتّ في كلام العرب: التفرق، وتثنيته شتان، وجمعه أشتات، قال الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النََّاسُ أَشْتََاتاً لِيُرَوْا أَعْمََالَهُمْ} (3)، معناه:
يرجع الناس متفرقين مختلفين، وواحد الأشتات: شت. ومن قال: شتان ما بين أخيك
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) أبو الأسود الدؤلي، ديوانه 166.
(3) سورة الزلزلة: آية 6.(1/372)
وأبيك، رفع (ما) بشتان على أنها بمعنى الذي، و (بين) صلة (ما)، والمعنى شتان الذي بين أخيك وأبيك، ولا يجوز في هذا الوجه كسر النون من شتان لأنها رفعت اسما واحدا.
وقولهم: مرّ فلان يكسع
قال أبو بكر: قال الأصمعي: الكسع: سرعة المر، يقال: كسعته بكذا وكذا، إذا جعلته تابعا له ومذهبا له. قال الشاعر (1) في صفة أيام العجوز:
كسع الشتاء بسبعة غبر ... أيام شهلتنا من الشّهر
فإذا مضت أيام شهلتنا ... صنّ وصنّبر مع الوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر ... ومعلّل وبمطفئ الجمر
ذهب الشّتاء مولّيا عجلا ... وأتتك موقدة من النّجر
وقولهم: ما له سبد ولا لبد
قال أبو بكر: السّبد: معناه في كلام العرب: شعر المعز، واللّبد: صوف الضأن.
وحدثنا محمد بن يونس الكديمي قال: كنت عند أبي عمر الضرير (2). فجاء أبو حاتم السجستاني، فقال له أبو عمر: ما السّبد واللّبد؟ فقال: السبد: الشعر، واللبد:
الصوف، فقال أبو عمر: هكذا قال يونس النحوي. وإنما يقصد بهذا قصد الإخبار عنه أنه لا شيء له. وكذلك قولهم ماله ثاغية ولا راغية. الثاغية: الشاة، والراغية:
الناقة.
وكذلك قولهم: ما له دقيقة ولا جليلة. الدقيقة: الشاة، والجليلة: الناقة.
__________
(1) أبو شبل عصم البرجمي في التكملة والذيل والصلة 3/ 279، ولأبي شبل الأعرابي أيضا في اللسان (كسع). ونسبت إلى ابن أحمر، ديوانه 183.
(2) هو حفص بن عمر الدوري المقرئ، توفي 246هـ. (طبقات القراء 1/ 255، تهذيب التهذيب 2/ 408).(1/373)
وكذلك قولهم: ما له دار ولا عقار، يقصد به: قصد الإخبار عن قلة ذات اليد. وفي العقار قولان. يقال: العقار: متاع البيت، ويقال: العقار: النخل.
وقولهم: فلان خليل فلان
قال أبو بكر: معناه: صديقه. والخليل: فعيل من الخلّة، والخلّة: المودة. وقال بعض أهل اللغة: الخليل: المحبّ، والمحبّ: الذي ليس في محبته نقص ولا خلل، قال الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللََّهُ إِبْرََاهِيمَ خَلِيلًا} (1)، فمعناه: أنه كان يحب الله، ويحبه الله محبة لا نقص فيها ولا خلل. ويقال: الخليل: الفقير، من الخلة، والخلة: الفقر، قال زهير (2):
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
أراد: وإن أتاه فقير. ويقال: معنى قوله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللََّهُ إِبْرََاهِيمَ خَلِيلًا}:
فقيرا إليه، ينزل فقره وفاقته به، ولا ينزل ذلك بغيره. وقال الفراء: يقال: السبب في هذا: أن إبراهيم عليه السّلام كان يقري الأضياف، ويطعم الطعام، فأصاب الناس عام جدب، فوجّه إبراهيم عليه السّلام إلى خليل له بمصر تأتيه الميرة من عنده، فوجّه إليه غلمانه معهم الإبل والغرائر، فلما انتهوا إليه وخبروه برسالة إبراهيم، قال:
إن إبراهيم لا يريد هذه لنفسه، وإنما يريده لغيره، فردهم أصفارا، فانصرفوا مهمومين مغمومين، واستحيوا أن يردوا الإبل والغرائر إلى إبراهيم عليه السّلام فارغة، فمروا ببطحاء لينة فملؤوا الغرائر منها ودخلوا على إبراهيم، فأخبروه بالخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا وغمّا ثم انتبهت امرأته، فسمعت ضحة الناس على الباب ينتظرون الطعام، فقالت لهم: ادخلوا وافتحوا الغرائر واختبزوا، ففتحوا الغرائر فوجدوا أجود دقيق وأحسنه فاختبزوا. وانتبه إبراهيم فشم رائحة الخبز، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأته: من عند خليلك المصري، فقال: ليس هو من عند خليلي
__________
(1) سورة النساء: آية 125.
(2) ديوانه 153.(1/374)
المصري، ولكنه من عند خليلي الله تبارك وتعالى.
والخلّة بضم الخاء: المودة، والخلّة: الصديق، يقال: فلان خلّي أي صديقي. قال الشاعر (1):
ألا أبلغا خلّتي جابرا ... بأن خليلك لم يقتل
تخاطأت النّبل أحشاءه ... وأخّر يومي فلم يعجل
والخلة أيضا: ما كان خلوا من المرعى. والخلّة: الحاجة، والخلّة أيضا: الخصلة.
وقولهم: قد قعد فلان مستوفزا
قال أبو بكر: معناه: قد قعد على وفز من الأرض، والوفز: ألا يطمئن في قعوده. ويقال: أقعد على أوفاز من الأرض ووفاز. قال الراجز:
أسوق عيرا مائل الجهاز ... صعبا ينزّيني على أوفاز (2)
وقولهم: هذا الأمر لا يهمني
قال أبو بكر: فيه وجهان: لا يهمّني ولا يهمّني بفتح الياء وضمها، فمن ضم الياء أراد: لا يقلقني، ومن فتح الياء أراد: لا يدنيني، من قولهم: شيخ همّ، إذا كان كبيرا، قد ذهب لحمه.
وقولهم: هذا الأمر لا يعنيني
قال أبو بكر: معناه: لا يشغلني، يقال: عناني الشيء يعنيني، إذا شغلني. قال الشاعر:
عناني عنك والأنصاب حرب ... كأنّ صلابها الأبطال هيم (3)
__________
(1) أوفى بن مطر المازني في اللسان (خطأ وخلل).
(2) اللسان (وفز) بلا عزو.
(3) اللسان (عنا) بلا عزو.(1/375)
أراد: شغلني. وقال الآخر:
أرتجى خالقي وأعلم حقّا ... أنه ما يشاء إلهي كفاني
لا تلمني على البكاء خليلي ... إنه ما عناك قدما عناني (1)
ويقال: الشيء يعنيني بفتح الياء، ولا يقال: يعنيني بضم الياء. قال الشاعر:
إلا تكلّفه ما ليس يعنيه (2) ... إنّ الفتى ليس يقميه ويقمعه
وقولهم: هو الموت الأحمر
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: الموت الأحمر معناه: أن يسمدرّ بصر الرجل من الهول، فيرى الدنيا في عينيه حمراء أو سوداء. وأنشد لأبي زبيد (3) في صفة الأسد:
إذا علقت قرنا أظافير كفّه ... رأى الموت في عينيه أسود أحمرا
وقال الأصمعي: في هذا قولان يقال: هو الموت الأحمر والأسود، يشبّه بلون الأسد، كأنه أسد يهوي إلى صاحبه. وقال: قد يكون هذا من قول العرب: وطأة حمراء، إذا كانت طريّة لم تدرس، فكأن معنى قولهم: الموت الأحمر: الموت الجديد الطريّ، وأنشد:
على وطأة حمراء من غير جعدة ... ثنى أختها في غرز كبداء ضامر
والبيت لذي الرمة (4).
وقولهم: قد ساق بدنة
قال أبو بكر: البدنة: الناقة، وإنما سمّيت بدنة لعظمها وضخامتها. ويقال: قد بدن الرجل، إذا ضخم. ويقال: إنما سميت بدنة لسنّها. ويقال: رجل بدن إذا كان كبيرا. قال الشاعر (5):
__________
(1) الثاني فقط في تهذيب اللغة 3/ 215، واللسان (عنا) بلا عزو. ولم أقف على الأول.
(2) بلا عزو في تهذيب اللغة 3/ 215، واللسان (عنا).
(3) شعره: 74.
(4) ديوانه 1690. والغرز: سير الركاب، وكبداء: عظيمة الوسط.
(5) الأسود بن يعفر، في ديوانه 21.(1/376)
هل لشباب فات من مطلب ... أم ما بكاء البدن الأشيب
فالبدن: المسنّ. ويقال: قد بدّن الرجل تبدينا، إذا كبر. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تبادروني بالركوع والسجود، فإنّي مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني إذا رفعت، إني قد بدّنت» (1).
معناه: إني قد كبرت. قال الشاعر (2):
وكنت خلت الشّيب والتّبدينا ... والهمّ مما يذهل القرينا
وقولهم: ما هذا بضربة لازب
قال أبو بكر: معناه: ما هذا بلازم واجب، أي: ما هو بضربة سيف لازب، وهو مثل. وفيه لغتان: يقال: ما هو بضربة لازب ولازم. قال الشاعر (3):
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب
وقال الله عز وجل: {مِنْ طِينٍ لََازِبٍ} (4)، معناه: لازم. وقال الفراء: يقال:
لازب ولازم ولاتب، وأنشد:
صداع وتوصيم العظام وفترة ... وغثي مع الإشراق في الجوف لاتب
وقولهم: قد فحم الصبيّ
قال أبو بكر: فيه قولان يقال: معناه: قد تغيّر وجهه من شدة البكاء، ويقال:
معنى قد فحم الصبي: قد بكى حتى انقطع صوته من البكاء، من ذلك قولهم: قد عدا حتى فحم، أي: حتى انقطع. ويقال: ناظرت فلانا فأفحتمه، أي: قطعته. ويقال للذي لا يقول الشعر: مفحم، لأنه منقطع عن قول الشعر.
__________
(1) غريب الحديث 1/ 152.
(2) الكميت، شعره: 3/ 39. ونسب إلى حميد الأرقط في اللسان، والتاج (بدن).
(3) النابغة الذبياني، ديوانه 64.
(4) سورة الصافات: آية 11.(1/377)
وقولهم: اللهم أدخلنا جنّة عدن
قال أبو بكر: الجنة: البستان. قال الشاعر:
وإذا أهل جنّة حصّنوها ... حين تغشى نوائب وحقوق
بذلوها لابن السبيل وللعافي ... فللمعتفين فيها طريق (1)
وقال أبو عبيدة: العدن: الإقامة، يقال: عدن الرجل في الموضع، إذا أقام فيه، وإنما سمي معدن الذهب والفضة معدنا، لإقامتهما فيه. قال الأعشى (2):
وإن يستضيفوا إلى حلمه ... يضافوا إلى راجح قد عدن
وقال الحسن: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب الأحبار: إني سمعت الله عز وجل يذكر عدنا في غير موضع من القرآن، فما هو؟ قال: قصر في الجنة لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقال الحكم (3): عدن: قصر في الجنة لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو محكّم في نفسه، والمحكم في نفسه: الذي يخيّر بين القتل والكفر، فيختار القتل على الكفر، وقال ابن عمر: خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وعدنا، وقال لسائر الأشياء: كوني، فكانت.
وقولهم: فلان يسبع فلانا
قال أبو بكر: فيه قولان أحدهما: أن يكون معنى يسبعه: يرميه بالقول القبيح، أخذ من قولهم: سبعت الذئب، إذا رميته. والقول الآخر: أن يكون معنى قولهم:
سبعته، قلت فيه قولا غمه وذعر منه. يقال: قد سبعت الوحش، إذا ذعرتها.
وكذلك: قد سبعت الأسد، إذا ذعرته وأفزعته. قال الطرماح (4) يذكر ذئبا:
فلما عوى لفت الشّمال سبعته ... كما أنا أحيانا لهنّ سبوع
__________
(1) لم أقف عليهما.
(2) ديوانه 17.
(3) هو الحكم بن عتيبة الكوفي، توفي 113هـ. (تهذيب التهذيب 2/ 54، طبقات الحفاظ 44).
(4) ديوانه 309. ولفت الشمال: شق الشمال.(1/378)
وقولهم: قد داهن فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد أبقى على نفسه ولم يناصحه. حكى اللحياني عن العرب: ما أدهنت إلا على نفسك، بمعنى ما أبقيت إلا على نفسك، وأنشد الفراء:
من لي بالمزرّر اليلامق ... صاحب إدهان وألق آلق
الألق: استمرار لسان الرجل بالكذب، واستمراره في السير، يقال: ولق يلق ولقا. وقرأت عائشة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (1)، بفتح التاء وكسر اللام، على معنى: إذ تستمر ألسنتكم بالخوض في ذلك، والكذب فيه. ومن قرأ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}، أراد: يتلقاه بعضكم من بعض. وقرأ اليماني (2): {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}
بضم التاء، على معنى: إذ تذيعونه وتشيعونه.
وقولهم: رطب جنيّ
قال أبو بكر: معناه: طريّ، والأصل فيه: مجنو، فصرف من مفعول إلى فعيل كما يقال: مقدور وقدير، ومطبوخ وطبيخ. ويقال: قد جنيت التمر أجنيه، إذا تناولته من نخله، والجنى: تناول التمر من النخل. قال الله عز وجل: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دََانٍ} (3)، فمعناه: ما يجتنى منهما، دان: قريب. قال المفسرون: إذا كان الرجل قائما ارتفع الثمر إليه حتى يتناوله، وإذا كان قاعدا أو مضطجعا تدلى عليه حتى يتناوله، وهو معنى قول الله جل ذكره: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهََا تَذْلِيلًا} (4). وقال الشاعر (5) في الجنى:
إذا أشرف المحزون من رأس تلعة ... على شعب بوّان أفاق من الكرب
__________
(1) سورة النور: آية 15.
(2) المحتسب 2/ 104. واليماني: هو ابن السميفع محمد بن عبد الرحمن. (طبقات القراء 2/ 161) وفي الآية قراءات أخرى (ينظر البحر 6/ 438).
(3) سورة الرحمن: آية 54.
(4) سورة الإنسان: آية 14.
(5) بعض الأعراب في الأضداد 219، وبلا عزو في معجم البلدان 2/ 298.(1/379)
وألهاه بطن كالحريرة مسّه ... ومطّرد يجري من البارد العذب
وطيب ثمار في رياض أريضة ... وأغصان أشجار جناها على قرب
وقولهم: فلان ذريعتي إلى كذا وهذا الأمر ذريعتي
قال أبو بكر: الذّريعة معناها في كلام العرب: ما يدني الإنسان من الشيء ويقربه منه، والأصل في هذا: أن يرسل البعير مع الوحش، يرعى معها حتى يأنس بالوحش، ويأنس به الوحش، فإذا أراد الرجل أن يصيدها استتر بالبعير، حتى إذا حاذى الوحش وداناها رماها، فصادها، ويسمون هذا البعير: الذريعة: والدّريّة، ثم جعلت الذريعة مثلا لكل شيء أدنى من شيء وقرّب منه. قال الشاعر (1):
وللمنيّة أسباب تقرّبها ... كما تقرّب للوحشية الذّرع
وقولهم: ما لفلان عليّ مثقال ذرّة
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: المثقال: الوزن، والمعنى: ما له علي وزن ذرة، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} (2)، فمعناه: وزن ذرّة. وقال جل ثناؤه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (3)، معناه: وزن ذرّة، وأنشد أبو عبيدة:
وعند الإله ما يكيد عباده ... وكلّا يوفّيه الجزاء بمثقال (4)
معناه: بوزن.
__________
(1) الراعي النميري، وقد أخل به شعره المطبوع. وهو في منتهى الطلب 3/ ق 152من قصيدة تعداد أبياتها أربعة وثلاثون بيتا، ومطلعها:
عاد الهموم وما يدري الخليّ بها ... واستوردتني كما يستورد الشّرع.
(2) سورة النساء: آية 40.
(3) سورة الزلزلة: آية 7.
(4) لعدي بن زيد، ديوانه 163.(1/380)
وقولهم: قد أطنب فلان في كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد اجتهد في الوصف، وبالغ في النعت. يقال: قد أطنب الرجل في عدوه إذا مضى فيه باجتهاد ومبالغة. وكل ذاهب مجتهد في الذهاب فهو مطنب. والإطناب: مأخوذ من الطنب، يقال: في الفرس: طنب إذا كان في ظهره طول، قال الشاعر (1):
وفي بطن ذي عاج رعال كأنها ... جراد يباري وجهة الرّيح مطنب
وقولهم: اللهم أدخلنا الفردوس
قال أبو بكر: قال الفراء: الفردوس عند العرب: البستان الذي فيه الكروم.
وقال الكلبي: الفردوس: البستان الذي فيه الكروم بالرومية. وقال السدي: الفردوس:
أصله بالنبطية (فرداسا). قال عبد الله بن الحارث (2): الفردوس: الأعناب. وروى الحسن عن سمرة (3) أنه قال: الفردوس: ربوة خضراء في الجنة، هي أعلاها وأحسنها.
وروى لقمان بن عامر (4) عن أبي أمامة (5) أنه قال الفردوس: سرّة الجنة، ومما يدل على أن الفردوس بالعربية قول حسان بن ثابت (6):
وإن ثواب الله كلّ موحّد ... جنان من الفردوس فيها يخلد
__________
(1) طفيل الغنوي، ديوانه 43. وذي عاج: موضع، والرعال: قطع الخيل المتفرقة، والواحدة رعلة، ويباري: يعارض.
(2) عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، توفي 84هـ (تهذيب التهذيب 5/ 180، الإصابة 5/ 9).
(3) سمرة بن جندب، صحابي، توفي 59هـ. (مشاهير علماء الأمصار 38، تهذيب التهذيب 4/ 236).
(4) لقمان بن عامر الوصابي الحمصي، من رواة الحديث. (المشتبه 660، تهذيب التهذيب 8/ 455).
(5) صديّ بن عجلان الباهلي، صحابي، توفي 86هـ. (الإصابة 3/ 420، تهذيب التهذيب 4/ 420).
(6) ديوانه 339.(1/381)
وقال عبد الله بن رواحة (1):
إنّهم عند ربّهم في جنان ... يشربون الرّحيق والسّلسبيلا
في جنان الفردوس ليس يخافو ... ن خروجا منها ولا تحويلا
الرحيق: الخمر، والسلسبيل: السهل المدخل في الحلق، يقال: شراب سلسال، وسلسل، وسلسبيل، قال الله عز وجل: {عَيْناً فِيهََا تُسَمََّى سَلْسَبِيلًا} (2)، وقال الشاعر (3):
أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره ... أشهى إليّ من الرحيق السّلسل
وقولهم: قد ذهب من فلان الأطيبان
قال أبو بكر: معناه: قد ذهب منه الأكل والنكاح. والأطيبان من الأشياء التي جاءت مثناة، لا يفرد واحدها، على مثل معناه في التثنية، من ذلك قولهم: ما عندنا إلا الأسودان، يراد بالأسودين: التمر والماء. والملوان: الليل والنهار. والخافقان:
المشرق والمغرب، ويقال ما بين الخافقين أعلم منه، يراد بالخافقين: المشرق والمغرب، وإنما سمّيا خافقين، لأن الليل والنهار يخفقان فيهما. والمذروان: طرفا الإليتين.
والحيرتان: الكوفة والحيرة. والموصلان: الموصل والجزيرة. أنشد الفراء:
فبصرة الأزد منّا والعراق لنا ... والموصلان ومنّا مصر والحرم (4)
وقولهم: قد رشقني فلان بكلمة
قال أبو بكر: معناه: قد رماني، وهو مأخوذ من رشق السهام، يقال: رشقت رشقا إذا رميت، والرشق بكسر الراء: هو الاسم للمذهب الذي يرمون إليه، ويقال:
الرشق: هو اسم للسهام. قال أبو زبيد (5) يصف المنية:
__________
(1) أخل به شعره. والأول في مستدرك ديوانه 263، والثاني في زاد المسير 5/ 200. والأول لعمار بن ياسر في وقعة صفين 320.
(2) سورة الإنسان: آية 18.
(3) أبو كبير الهذلي، ديوان الهذليين 2/ 89.
(4) بلا عزو في المثنى 5.
(5) شعره: 42.(1/382)
فمصيب أوصاف غير بعيد ... كلّ يوم ترميه منها برشق
معنى صاف: عدل، يقال: قد صاف السهم عن الهدف، إذا عدل عنه.
وقولهم: قد حقن الله دم فلان
قال أبو بكر: معناه: قد حبسه في جلده وملأه به. وكل شيء قد ملأت به شيئا، أو دسسته فيه فقد حقنته. ومن ذلك سميت الحقنة. قال الشاعر:
جردا تحقّنت النّجيل كأنما ... بجلودهنّ مدارج الأنبار (1)
فمعنى تحقنت النجيل: ملأت به أجوافها. ومثل للعرب: يأبى الحقين العذرة.
قال أبو عبيدة: الأصل في هذا: أن رجلا حقن إهالة، وشرط أنها سمن، فلما صبها وجدها الرجل إهالة، فقال: أعذرني، فقال: يأبى الحقين العذرة، فجعل هذا مثلا لكل من اعتذر بغير عذر. وقال غير أبي عبيدة: معنى هذا أن رجلا وقف برجل، فسأله أن يطعمه فقال له: ما عندي طعام فأعذرني، فنظر الطالب إلى نحي سمن في خيمته، فقال له: يأبى الحقين العذرة، فأرسلها مثلا.
وقولهم: سكت ألفا ونطق خلفا
قال أبو بكر: فيه قولان يقال: معناه: سكت ألف يوم، وتكلم كلاما قبيحا لا معنى له في الحسن والجودة. ويقال: معناه: سكت عن ألف كلمة كان ينبغي أن يتكلم بها، ولا يسكت عنها، وتكلم كلاما قبيحا. والخلف في كلام العرب:
الرديء، يقال: رجل خلف، ورجلان خلف، ورجال خلف، وامرأة خلف، وامرأتان خلف، ونساء خلف. قال الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} * (2). وقال لبيد (3):
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
__________
(1) بلا عزو في الفاخر 203، واللسان (حقن).
(2) سورة مريم: آية 59.
(3) ديوانه 153.(1/383)
ويقال: الخلف: القرن الذي يجيء، والخلف: الصالح، يقال: هو خلف صالح من أبيه، وخلف سوء من أبيه، وربما سووا بينهما.
وقولهم: عندي رزمة من ثياب
قال أبو بكر: الرزمة معناها في كلام العرب: التي فيها ضروب من الثياب وأخلاط. يقال: قد رازم الرجل في أكله، إذا خلط بعضا ببعض. ويقال: قد رازمت للدابة علفها، إذا خلطت بعضه ببعض، جاء في الحديث: «إذا أكلتم فرازموا» (1)، أي اخلطوا بعضا ببعض. وقال الشاعر (2):
كلي الحمض بعد المقحمين ورازمي ... إلى قابل ثم اعذري بعد قابل
فمعنى رازمي: اخلطي بعضها ببعض.
وقولهم: ما عند فلان خير ولا مير
قال أبو بكر: الخير: المال. قال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (3)، أراد: لحب المال. والخير: أيضا الخيل، قال الله عز وجل: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} (4)، فمعناه: الخيل. والخير: كل ما رزقه الله عز وجل عباده، وهو الذي يراد في هذا المثل. والمير: كل ما جلب ليتزوّد ويتقوّت. قال الله عز وجل:
{وَنَمِيرُ أَهْلَنََا} (5)، فمعناه: ونجلب إليهم الزاد والقوت. يقال: مار أهله يميرهم ميرا، إذا جلب لهم القوت والزاد. قال أبو ذؤيب (6):
__________
(1) النهاية 2/ 220.
(2) الراعي النميري من قصيدة في منتهى الطلب 3ق 141تعداد أبياتها ثمانية وأرعين بيتا، لم يذكر منها في شعره المطبوع غير أربعة أبيات. والمقحمين: الذين حدرهم الجدب إلى الأمصار.
(3) سورة العاديات: آية 8.
(4) سورة ص: آية 32.
(5) سورة يوسف: آية 65.
(6) ديوان الهذليين 1/ 54.(1/384)
أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفغ التراب كلّ شيء يميرها
قال أبو عبيدة: الرفغ من الرّفاغة، والرفاغة: الخصب والسعة. يقال: عيش رفيغ ورافع، إذا كان واسعا. وقال غيره: الرفغ من التراب: ما كان منه مدقّقا ناعما.
وقولهم: هذا خبر شائع وقد شاع الخبر في الناس
قال أبو بكر: معناه: قد اتصل بكل أحد، فاستوى علم الناس فيه، ولم يكن علمه عند بعض دون بعض. يقال: سهم شائع ومشاع، إذا كان في جميع الدار، فاتصل كل جزء منه بكل جزء منها. وأصل هذا في الناقة، يقال للناقة إذا قطعت بولها: قد أوزغت به إيزاغا، فإذا أرسلته إرسالا متصلا قيل: قد أشاعت به، قال الشاعر (1):
إذا ما دعاها أوزغت بكراتها ... كإيزاغ آثار المدى في التّرائب
وقولهم: فلان مشعوف بفلان
قال أبو بكر: معناه: قد ذهب به حبّه كل مذهب. قال الفراء: هو من الشّعف، والشعف عند العرب: رؤوس الجبال، وواحد الشعف شعفة، فكأن معنى شعف بفلان: ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه، هذا مذهب الفراء. وقال غيره:
الشعف: هو الذعر، فكأن المعنى: هو مذعور خائف قلق. قال أبو عبيدة: قال إبراهيم النخعي: الشعف: شعف الدابة حين تذعر. قال أبو عبيدة: ثم نقلته العرب من الدواب إلى الناس، وأنشد لامرئ القيس (2):
لتقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما شعف المهنوءة الرجل الطّالي
قال: فالشعف الأول: هو من الحب، والثاني من الذعر، شبّه أحدهما بصاحبه.
__________
(1) ذو الرمة، ديوانه 213. والمدى: السكاكين، والترائب: الصدور.
(2) ديوانه 33. والمهنوءة: المطلية بالقطران. وفي الديوان: أيقتلني وقد شغفت كما شغف.(1/385)
وقرأ أبو رجاء والحسن: {قَدْ شَغَفَهََا حُبًّا} (1)، وقرأ سائر القراء: {قَدْ شَغَفَهََا حُبًّا}، فمعنى قد شغفها: قد دخل حبّه شغاف قلبها. وشغاف القلب: غلافه، وأنشد أبو عبيدة (2):
ولكنّ همّا دون ذلك والج ... مكان الشّغاف تبتغيه الأصابع (3)
وأنشد أبو عبيدة (4):
يعلم الله أن حبّك مني ... في سواد الفؤاد وسط الشّغاف (5)
ويقال: شغاف وشغف. قال قيس بن الخطيم (6):
إني لأهواك غير ذي كذب ... قد شفّ مني الأحشاء والشّغف
وقولهم: لا بدّ لي من كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد ألزمته نفسي، وجعلته واجبا عليها، وهو من قول العرب: قد أبدّ الرجل القوم، وقد أبدّ الراعي الوحش: إذا ألزم كل واحد منهما حتفه. قال أبو ذؤيب (7) يذكر الصائد والكلاب والوحش:
فأبدّهنّ حتوفهنّ فهارب ... بذمائه أو بارك متجعجع
الذّماء: بقية النفس، والمتجعجع: الواقع على الجعجاع، والجعجاع: الأرض، والمعنى: ألزم كل واحد منهن حتفه. ويقال: مالي منه بد، ومالي منه عندد ولا معلندد، ولا محتدّ ولا ملتد ولا حنتأل ولا حنتان، ومالي عنه وعي أي مالي عنه مصرف، وأنشد الأصمعي:
__________
(1) سورة يوسف: آية 30.
(2) مجاز القرآن 1/ 308.
(3) للنابغة الذبياني، ديوانه 45وفيه: داخل دخول الشغاف.
(4) ليس في المجاز.
(5) لعبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه 37.
(6) ديوانه 112.
(7) ديوان الهذليين 1/ 9.(1/386)
تواعدن أن لا وعي عن فرج راكس ... فرحن ولم يغضرن عن ذاك مغضرا (1)
وقال يعقوب بن السكيت: يقال لا حمّ من ذاك ولا رمّ منه، أي لابد منه.
وقال غيره: مالي عنه منتعر، ومالي عنه منتفد، أي مالي عنه مصرف. ويقال: مالي عنه حجر. قال الشاعر (2):
فإن تسألوني بالبيان فإنّه ... أبو معقل لا حجر عنه ولا حدد
ويقال: مالي عنه مراغم، أي مهرب، قال الله عز وجل: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرََاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} (3)، سمعت أبا العباس يقول: المراغم: المضطرب، وهو مذهب الفراء. وقال الشاعر:
وأندى أكفّا والأكفّ جوامد ... إذا لم يجد باغي النّدى مترغّما (4)
وقال الآخر:
وهم بدّلوا دوني البلاد وغرّروا ... بأنفسهم إذ كان فيهم مرغمي (5)
وقال أبو عبيدة: المراغم: المهاجر، وأنشد:
كطود يلاذ بأركانه ... عزير المراغم والمهرب (6)
وقولهم: بيننا مسافة
قال أبو بكر: معناه: بيننا بعد. والأصل في هذا، أن القوم كانوا إذا أشكل عليهم الطريق، فلم يعرفوا مقداره، شمّوا تربته، فعرفوا بذلك مقدار قربه وبعده.
يقال: قد ساف التراب يسوفه سوفا وقد. استافه يستافه استيافا. قال رؤبة (7):
__________
(1) لابن أحمر، شعره: 80. وراكس: موضع، ويغضرن: يعدلن.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة النساء: آية 100.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) للنابغة الجعدي، شعره: 33.
(7) ديوانه 104.(1/387)
إذا الدّليل استاف أخلاق الطرق
أي شمّه وعرف مقداره. وقال امرؤ القيس (1):
على لا حب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود الدّيافي جرجرا
معناه: إذا شمه البعير المسن ضغا من بعده، وإنما خص البعير المسن لأنه أعلم بالطريق.
وقولهم: هم قوم سوقة
قال أبو بكر: العامة تخطئ في معنى هذا، فتظن أن السّوقة أهل الأسواق المتبايعون فيها، وليس الأمر عند العرب على ذلك، إنما السوقة عندهم: من لم يكن ملكا، تاجرا كان أو غير تاجر. أنشد علي بن المبارك الأحمر:
ما كان من سوقة أسقى على ظمإ ... خمرا بماء إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعب ثم عيّ به ... زوّ المنية إلا حرّة وقدى (2)
وقال زهير (3):
يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال أيضا (4):
تطلب شأو امرأين نال سعيهما ... سعي الملوك وبذّا هذه السّوقا
ويقال: رجل سوقة، ورجلان سوقة، ورجال سوقة، وامرأة سوقة، وامرأتان سوقة، ونساء سوقة. والسّوق: التي تساق إليها الأشياء، ويقع فيها البيع، والسوق:
الغالب عليها التأنيث وربما ذكّرت.
__________
(1) ديوانه 66. واللاحب: الطريق الذي لحبته الحوافر أي أثرت فيه.
(2) لمامة الأيادي أبي كعب في جمهرة الأمثال 1/ 95. ولأبي داود الأيادي في شعره: 308.
والناجود: المصفاة. وعي به: لزق به. وزو المنية: قدرها. وقدى: على زنة فعلى من التوقد.
(3) ديوانه 180.
(4) ديوانه 51. والشأو: السبق. وبذا: غلبا وفاقا.(1/388)
وقولهم: فلان أخضر
قال أبو بكر: يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون مدحا، والآخر: أن يكون ذمّا. فإذا كان مدحا فمعناه: كثير الخصب والعطاء، من قولهم: أباد الله خضراءهم، أي خصبهم. قال اللهبي (1):
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب
وإذا ذمّ الرجل فقيل: هو أخضر فمعناه: هو لئيم، والخضرة عند العرب:
اللؤم، قال الشاعر (2):
كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الخضر
وقولهم: هو زند متين
قال أبو بكر: الزّند: الشديد الضيق، والمتين: الشديد البخل، قال عدي بن زيد (3):
إذا أنت فاكهت الرجال فلا تلع ... وقل مثل ما قالوا ولا تتزنّد
وقولهم: حاشا فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد استثنيته وأخرجته وتركته فلم أدخله في جملة المذكورين. قال الفراء: هو من حاشيت أحاشي. قال النابغة (4):
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند
__________
(1) اللهيي: هو الفضل بن العباس، والبيت في الملمع 2، وكنايات الجرجاني 51، وشرح نهج البلاغة 5/ 55.
(2) جرير، ديوانه 596، والسرابيل: القمصان.
(3) ديوانه 105. ولا تلع: لا تضجر.
(4) ديوانه 13.(1/389)
وفيها لغات. يقال: قام القوم حاشا عبد الله بالنصب، وحاشا عبد الله بالخفض، وحاشا لعبد الله، وحشا عبد الله. أنشد الفراء (1):
حشا رهط النبيّ فإنّ منهم ... بحورا لا تكدّرها الدّلاء (2)
وقال الفراء: من نصب عبد الله، نصبه بحاشا، لأنه مأخوذ من حاشيت أحاشي، ومن خفض عبد الله، كان له مذهبان أحدهما: أن يقول خفضته بإضمار اللام، لكثرة صحبتها حاشا كأنها ظاهرة، والوجه الآخر: أن تقول: أضفت حاشا إلى عبد الله، لأنه أشبه الاسم لّما لم يأت معه فاعل. ومعنى قول النابغة: عن الفند:
عن السفه والجهل. قال الله عز وجل: {لَوْلََا أَنْ تُفَنِّدُونِ} (3)، فمعناه: تسفّهون وتجهلون. قال جرير (4):
يا صاحبيّ دعا الملامة واقصدا ... طال الهوى وأطلتما التّفنيدا
وقال الآخر:
لا سنة في طوال الدهر تأخذه ... ولا ينام ولا في أمره فند (5)
وقولهم: فلان يستنّ
قال أبو بكر: معناه: يمضي على أي أمر شاء لا يردعه عنه رادع، ولا يزجره عنه زاجر. والسّنن عند العرب: الطريق والمذهب. قال الشاعر (6):
ألا قاتل الله الهوى ما أشدّه ... وأصرعه للمرء وهو جليد
دعاني إلى ما يشتهي فأجبته ... فأصبح بي يستنّ حيث يريد
وقال الفراء: ملك الطريق وملكه: وجهه، وأنشد:
__________
(1) اللسان (حشا).
(2) بلا عزو في اللسان (حشا).
(3) سورة يوسف: آية 94.
(4) ديوانه 337.
(5) لم أقف عليه.
(6) يزيد بن الطثرية، شعره: 30.(1/390)
أقامت على ملك الطريق فملكه ... لها ولمنكوب المطايا جوانبه (1)
وقولهم: حتى أبور ما عند فلان
قال أبو بكر: معناه: حتى أعلمه وأدريه. والأصل في هذا: من الناقة إذا ضربها الفحل، فأرادوا أن يعلموا صحة لقاحها إذا عرضوها على الفحل، فإن صح لقاحها استكبرت، وقطعت بولها، فيقال: برتها أبورها بورا وأبترتها ابتيارا، قال مالك بن زغبة الباهلي (2):
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها
الفراء: جمع الفرا، وهو الحمار الوحشي، أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
إذا اجتمعوا عليّ وأشقذوني ... فصرت كأنني فرأ يتار (3)
معنى أشقذوني: طردوني ومعنى يتار: يرمى بالأبصار.
وقولهم: قد بلّح فلان في يدي
قال أبو بكر: معناه: قد انقطع فلم يبق عنده جواب. وكذلك: قد بلّح الغريم في يدي، معناه: لم يبق عنده شيء يقضيني، وهو مأخوذ من قول العرب: قد بلّحت الرّكية إذا ذهب ماؤها، وقد بلّح الفرس إذا انقطع جريه. قال متمم بن نويرة (4):
ونجّاك منّا بعدما ملت جانبا ... ورمت حذار الموت كلّ مرام
ملحّ إذا بلّحن في الوعث لاحق ... سنابك رجليه بعقد حزام
__________
(1) اللسان (ملك) بلا عزو.
(2) المعاني الكبير 979، الاختيارين 152. ومالك: شاعر جاهلي. (الخزانة 3/ 441).
(3) لعامر بن كثير المحاربي في اللسان (شقذ).
(4) الفاخر 270. والأول لمالك بن نويرة في شعره: 79. والبيتان أخل بهما شعر متمم.(1/391)
وقولهم: قد واطيت فلانا على كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد وافقته عليه. والمواطأة عند العرب: الموافقة. قال الله عز وجل: {إِنَّ نََاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً} (1)، فمعناه: هي أشد موافقة، وذلك أن اللسان يواطئ فيها العمل، والسمع يواطئ فيها القلب. ومن قرأ: أشد وطاء، قال:
المعنى أثبت قياما من صلاة النهار، لأن النهار تشتغل فيه القلوب بالمعاش، والليل تخلو فيه القلوب. ويقال: معنى أشد وطاء، أشد قياما، أي: هي أشد على المصلي من صلاة النهار، لأن الليل تنصرف فيه القلوب إلى النوم. فالوطاء: من واطأت مواطأة ووطاء، والوطء من وطئت وطأ. قال الله عز وجل: {لِيُوََاطِؤُا عِدَّةَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ} (2)، فمعناه: ليوافقوا، وفيه ثلاثة أوجه يقال: واطأت فلانا على كذا، وهو مذهب التحقيق في الهمز. وواطات فلانا على كذا، وهو مذهب التليين في الهمز.
وواطيت فلانا على كذا، وهو مذهب الانتقال من الهمز إلى الياء، فواطيت على مثال قاضيت وراميت. ويقال: فلان لم يواطئ فلانا بالهمز، ولم يواطي فلانا بإثبات الياء على تليين الهمز، وفلان لم يواط فلانا بحذف الياء على الانتقال عن الهمز. قال زهير (3):
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ... سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم
قال: وجمع الآخر بين اللغتين، فقال:
إني من القوم الذين إذا ابتدوا ... بدؤوا بحق الله ثم النّائل (4)
قال أبو بكر: قوله: {إِنَّ نََاشِئَةَ اللَّيْلِ}، معناه: إن قيام الليل، قال المفسرون:
كل ما أحياه المصلي من صلاة الليل، فهو له ناشئة فمن قرأ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً}،
__________
(1) سورة المزمل: آية 6.
(2) سورة التوبة: آية 37.
(3) ديوانه 24.
(4) لم أقف عليه.(1/392)
فهو من وطئ يطأ وطأ، على مثال فهم يفهم فهما. ومن قرأ: وطاء، فهو من واطأ يواطئ مواطأة ووطاء. وقال الفراء: فأما الوطء فلا وطء، لم نروه عن أحد. قال أبو بكر: وقد قرأ بعض القراء: {إِنَّ نََاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً} بكسر الواو، وهو صحيح في العربية، فوطئ يطأ وطأ على مثال علم يعلم علما، وفقه يفقه فقها، غير أنه لم يقع للفراء رواية.
وقولهم: فلان أبو البدوات
قال أبو بكر: معناه: أبو الآراء التي تظهر له، وواحد البدوات: بداة. فاعلم.
يقال: بداة وبدوات، كما يقال: قطاة وقطوات. وكانت العرب تمدح بهذه اللفظة فيقولون للرجل الحازم: فلان ذو بدوات، أي ذو آراء تظهر فيختار بعضها ويسقط بعضها. أنشد الفراء:
من أمر ذي بدوات ما تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثّامة اللّبد (1)
وقولهم: مالي في هذا الأمر درك
قال أبو بكر: معناه: ما لي فيه منفعة، ولا دفع مضرّة. قال الفراء: الدرك عند العرب: حبل قنّب يشدّ في عراقي الدلو ليمنع الماء من أن يصيب الرّشاء. يقال:
اجعل في رشائك دركا، أي اجعل في عراقي الدلو حبلا يدفع ضرر الماء عن الرشاء.
وقال بعض الناس (2): معنى قولهم: مالي في هذا الأمر درك: مالي فيه مرقى ولا مصعد، من قول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ} (3).
فالدرك: المرقاة. ويقال: الدرك: أسفل درج النار. وقال عبد الله بن مسعود في قوله
__________
(1) للراعي، شعره: 52. والبزلاء: الرأي الجيد الذي ينزل عن الصواب، أي الذي يشق عنه.
والجثامة: البليد الذي لا يتجه لشيء، أخذ من الجثوم. واللبد: اللازم لموضعه.
(2) هو المفضل بن سلمة في كتابه الفاخر 272.
(3) سورة النساء: آية 145.(1/393)
عز وجل: {إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ}، معناه: في توابيت من حديد مبهمة عليهم. والمبهمة: التي لا أقفال لها.
تم الجزء الأول من الكتاب الزاهر بحول الله وقوته وفضله ومعونته. والحمد لله رب العالمين كثيرا وصلّى الله على سيدنا محمد نبيه وسلم تسليما.
يتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله عز وجل:
قولهم: ما ترمرم فلان، قال أبو بكر: معناه: ما تحرّك.
وكتب الحسين بن سعيد بن المهنّد الطائيّ في شعبان سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة والحمد لله رب العالمين كثير.(1/394)
الجزء الثاني
وقولهم: ما ترمرم فلان
قال أبو بكر: معناه: ما تحرك، قال الكميت:
تكاد العلاة الجلس منهنّ كلّما ... ترمرم تلقى بالعسيب قذالها
وقولهم: لن تعدم الحسناء ذامّا
قال أبو بكر: معناه: لن تعدم ذمّا. قال الفراء: الذّام: الذّمّ، يقال: ذأمت الرجل أذأمه ذأما، وذممته أذمه ذمّا، وذمته أذيمه ذيما. ويقال: رجل مذموم ومذءوم ومذيم بمعنى، قال الله عز وجل: {قََالَ اخْرُجْ مِنْهََا مَذْؤُماً مَدْحُوراً} (1) وقال حسان:
وأقاموا حتى انبروا جميعا ... في مقام وكلّهم مذؤوم
وأنشد أبو عبيدة:
تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطّعت نفسي أذيمها
وأنشد الفراء:
تعاف وصال ذات الذّيم نفسي ... وتعجبني الممنّعة النّوار
وقال أصحاب الأخبار: أول من تكلم بهذا المثل حبّى بنت مالك بن عمرو العدوانية وكانت من أجمل النساء، فسمع بجمالها مالك بن غسان، فخطبها إلى أبيها، وحكّمه في مهرها، وسأله تعجيلها، فلمّا عزم قالت أمها لتبّاعها:
إنّ لنا عند الملامسة رشحة فيها هنة، فإذا أردتن إدخالها على زوجها فطيّبنها بما في أصدافها.
فلما كان الوقت أعجلهنّ زوجها فأغفلن تطييبها، فلمّا أصبح قيل له:
كيف رأيت طروقتك (2) البارحة؟ فقال: ما رأيت كاللّيلة قطّ، لولا ريحة أنكرتها.
فسمعت كلامه، فقالت: لن تعدم الحسناء ذامّا. فأرسلتها مثلا.
__________
(1) سورة الأعراف: آية 18.
(2) الطروقة: الناقة يطرقها الفحل. قال الزمخشري في الأساس (طرق): ويقال للمتزوج كيف طروقتك.(1/395)
وقولهم: ليس لما يفعل فلان طعم
قال أبو بكر: معناه: ليس له لذّة، ولا منزلة في القلب، قال الشاعر (1):
وأغتبق الماء القراح وأجتزي ... إذا الزّاد أمسى للمزلّج ذا طعم
معناه: ذا منزلة من القلب، والمزلج: البخيل، قال الشاعر (2):
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
معناه: لها حلاوة ومنزلة من القلب.
وقولهم: ائذنوا بحرب
قال أبو بكر: معناه اعلموا ذلك وتيقنوه واسمعوه. يقال: قد أذن الرجل يأذن إذنا، إذا سمع وعلم، وقد آذنته للصلاة، إذا أعلمته حضورها، قال الله تعالى ذكره: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (3).
معناه: فاعلموا ذلك واسمعوه. ومن قرأ: فآذنوا، أراد: فأعلموا غيركم. قال عدى ابن زيد:
أيّها القلب تعلّل بددن ... إن همّي في سماع وأذن
فالأذن: الاستماع والعلم، والدّدن: اللهو واللعب. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أنا من دد ولا الدّد مني» (4).
وقال صلّى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنّى بالقرآن» (5).
فمعناه: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يجهر بالقرآن. يقال: قد تغنّى، إذا جهر، وقد تغنّى، إذا استغنى. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغنّ
__________
(1) أبو خراش الهذلي: ديوان الهذليين 2/ 127. وفيه: فأنتهى بمكان، واجتزى: أي فأكف عنه.
والمزلج: البخيل، والذي ليس بتام الحزم.
(2) أعشى همدان. الصبح المنير 340وفيه: العناء بدل شقاها.
(3) سورة البقرة: آية 279.
(4) غريب الحديث 1/ 40. وينظر: تأويل مختلف الحديث 290.
(5) غريب الحديث 2/ 138. الفائق 1/ 32.(1/396)
بالقرآن» (1)، فمعناه: من لم يستغن به. يقال: قد تغنّيت تغنّيا، وتغانيت تغانيا، إذا استغنيت، قال الأعشى (2):
وكنت امرءا زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التّغنّ
وقال الآخر (3):
كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا
معناه: أشدّ استغناء.
وقولهم: جاءنا فلان بغتة
قال أبو بكر: معناه: جاءنا فجأة. قال أبو عبيدة: البغتة: الفجأة: وقال: العرب تقول: بغتني الأمر يبغتني بغتا وبغتة، قال الله عز وجل: {فَأَخَذْنََاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لََا يَشْعُرُونَ} (4)، وأنشد أبو عبيدة (5) في حذف الهاء:
فبانوا كذا بغتا ولم أخش بينهم ... وأفظع شيء حين يفجؤك البغت (6)
وقولهم: قد تسبّبت إلى فلان بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد توصلت. والسبب عند العرب كل شيء جرّ مودة وصلة. والأصل في هذا: أنهم يسمون الحبل سببا، إذا كان مشدودا في شيء يجذبه، فإذا لم يكن مشدودا في شيء يجذبه لم يقل له سبب، قال لبيد (7):
__________
(1) غريب الحديث 2/ 142.
(2) ديوانه 22.
(3) عبد الله بن معاوية، شعره: 90. ونسب إلى المغيرة بن حبناء، والأعشى، ونصيب الأصغر، وسيار بن هبيرة، والأبيرد الرياحي، ينظر تخريج ذلك في شعر عبد الله بن معاوية 92.
(4) سورة الأعراف: آية 95.
(5) مجاز القرآن 1/ 319.
(6) ليزيد بن ضبة، كما في الكامل 787. وفيه: ولكنهم بانوا ولم أدر بغتة.
(7) ديوانه 301. والرمام: الحبال التي أخلقت حتى كادت تتقطع.(1/397)
بل ما تذكّر من نوّار وقد نأت ... وتقطّعت أسبابها ورمامها
وقال الآخر (1):
وقال الشامتون هوى زياد ... لكلّ منيّة سبب مبين
وقال الله عز وجل: {مَنْ كََانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللََّهُ فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمََاءِ} (2). قال الفراء وأبو عبيدة: السبب: الحبل، وقال الفراء:
معنى الآية من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا بالغلبة فليشدد في سماء بيته حبلا، ثم ليختنق به، فذلك قوله: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} اختناقا، {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} إذا فعل ذلك غيظه. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله: ثم ليقطعه، أي: ثم ليقطع السبب.
قال أبو عبيدة: معنى الآية: من كان يظن أن لن يصنع الله له وأن لن يرزقه.
وقال: وقف أعرابي يسأل الناس في المسجد الجامع، فقال: من نصرني نصره الله. وقال:
يقال: قد نصر المطر أرض بني فلان، إذا جادها وعمّها، قال الشاعر (3):
إذا انسلخ الشّهر الحرام فودعي ... بلاد تميم وانصري أرض عامر
وقال الآخر (4):
أبوك الذي أجرى عليّ بنصره ... فأنصت عني بعده كلّ قائل
وقولهم في النداء على الباقلّاء: شرق الغداة طريّ
قال أبو بكر: معناه: قطع الغداة، أي ما قطع بالغداة والتقط. يقال: شرقت التمرة، إذا قطعتها. ويقال: شاة شرقاء، إذا كانت مقطوعة الأذن.
__________
(1) النابغة الذبياني، ديوانه 263. وزياد: اسم النابغة، وهوى: هلك، ومبين: ظاهر.
(2) سورة الحج: آية 15.
(3) الراعي النميري، شعره: 88.
(4) الراعي النميري أيضا، من لاميته في منتهى الطلب 3/ ق 141وفيه: وأسكت بدل فأنصت. والبيت أخل به شعره المطبوع.(1/398)
وقولهم: في النّداء على الباقلاء: يا باقلاء حارّا
قال أبو بكر: فيه وجهان: يا باقلاء حارّا، ويا باقلاء حارّ فمن قال: يا باقلاء حارّا، أراد: يا هؤلاء اشتروا باقلاء حارا فحذف الفعل لدلالة المعنى عليه، كما قال الشاعر (1):
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أنّي بقيد
أراد: أني مقيّد بقيد، فحذف الفعل لدلالة المعنى عليه، وأنشد الفراء:
أتيت بعبد الله والقدّ موثقا ... فهلّا سعيدا ذا الخيانة والغدر
ومن قال: يا باقلاء حارّ، أراد: يا هؤلاء، هذا باقلاء حارّ، فحذف هذا لدلالة المعنى عليه، كما قال الشاعر (2):
أأنت الهلاليّ الذي كنت مرة ... سمعنا به والأرحبيّ المعلّف
أراد: وهذا الأرحبي. وأنشد الفراء:
فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي ... قولي محبّك هائما مخبولا (3)
أراد: قولي هذا محبّك، فأضمر هذا.
وقولهم: هو يجود بنفسه
قال أبو بكر: معناه: يسوق بنفسه، من قولهم: إنّ فلانا ليجاد إلى فلانة، وإنّه ليجاد إلى حتفه، أي: يساق إليهما، قال لبيد (4):
ومجود من صبابات الكرى ... عاطف النّمرق صدق المبتذل
معناه: سبق إلى صبابات الكرى، وقال الأصمعي: معنى ومجود من صبابات الكرى: قد صبّت عليه صبابات الكرى صبّا من جود المطر، وهو الكثير منه.
__________
(1) أبو الطمحان القيني (حنظلة بن الشرقي) كما في: المعمرون 72.
(2) حميد في الصاحبي 233، وليس في ديوانه.
(3) جميل في الزاهر 2/ 291، وليس في شعره.
(4) ديوانه 181. والصبابة: البقية. والنمرقة. مثلثة النون: الوسادة والطنفسة فوق الرحل.(1/399)
وقولهم: قد دوّخت البلاد
قال أبو بكر: معناه: قد ذللتها بكثرة وطئي إياها. من قول العرب: قد دوّخني الحر إذا ذّللني. ويقال: قد دخت لهذا الأمر، أي ذللت له. قال المسيّب بن علس (1):
فدوخوا عبيدا لأربابكم ... وإن ساءكم ذاكم فاغضبوا
وقولهم: فلان جيّد القريحة (2)
قال أبو بكر: معناه: جيد الاستخراج. من قول العرب: قد قرحت بئرا واقترحتها إذا حفرتها في موضع لا يخرج منه الماء، قال الشاعر:
ودّويّة مستودع رذياتها ... تنائف لم يقرح بهنّ معين (3)
معناه: لم يستخرج بهن. والمعين: الماء الجاري الطاهر، قال الله عز وجل:
{بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (4).
قال أبو عبيدة: المعين: الجاري الطاهر. وقال المفسرون: المعين: الخمر.
وقولهم: فلان ضجر
قال أبو بكر: معناه: ضيّق النفس، من قول العرب: مكان ضجر، إذا كان ضيقا، قال دريد بن الصّمّة (5):
فإمّا تمس في جدث مقيما ... بمسهكة من الأرواح ضجر
وقولهم: رضيت من الغنيمة بالإياب
قال أبو بكر: معناه: بالرجوع، من قولهم: آب يؤوب أوبا، إذا رجع. ويقال: قد
__________
(1) الصبح المنير 349وفيه: فذيخوا، وهي أيضا بمعنى ذلوا.
(2) الفاخر 215.
(3) بلا عزو في الفاخر 215.
(4) سورة الواقعة: آية 18.
(5) اللسان (ضجر).(1/400)
تأوّبني دائي، إذا راجعني، والأوّاب: الرجّاع، قال الشاعر (1):
رسّ كرسّ أخي الحمّى إذا غبرت ... يوما تأوّبه منها عقابيل
وقال امرؤ القيس (2):
وقد نقّبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وقوله في الصياح بصاحب الباقلاء أيضا: يا باقلاء حارّ
قال أبو بكر: فيه خمسة أوجه: أحدهن: أن تقول: يا باقلاء حارّ، فترفع الباقلاء لأنه منادى مفرد، وترفع الحار على تجديد النداء، كأنك قلت: يا باقلاء يا حارّ، والنداء في اللفظ واقع على الباقلاء، وهو في الحقيقة لصاحبه، كما تقول العرب: قد ربحت دراهمك ودنانيرك، وقد خسرت تجارتك، معناه: قد خسر أصحاب التجارة، فلما عرف المعنى جاز الاختصار، قال الله عز وجل: {فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} (3).
ومنه قول العرب: ليل نائم، وماء دافق، وسر كاتم، معناه: ليل ينام فيه، وماء مدفوق، وسر مكتوم، فلما عرف المعنى صرف إلى هذا اللفظ، قال الشاعر:
إن الذين قتلتم أمس سيّدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
أدّوا التي نقصت سبعين من مائة ... ثم ابعثوا حكما بالعدل حكّاما (4)
وقال الآخر (5):
نهارهم ظمآن أعمى وليلهم ... وإن كان بدرا ظلمة ابن جمير
والوجه الثاني: أن تقول: يا باقلاء حارّا، فتنصبهما على مثل قول العرب: يا رجلا ظريفا أقبل. وكل نكرة منصوبة إذا نوديت نصبت هي ونعتها، لأنهما يشبّهان بالمضاف.
والوجه الثالث: أن تقول: يا باقلاء الحارّ، فترفع الباقلاء لأنه منادى مفرد، والحار
__________
(1) لم أقف عليه. والعقابيل: بقايا المرض.
(2) ديوانه 99.
(3) سورة البقرة: آية 16.
(4) بلا عزو في الأضداد 127.
(5) ابن احمر، وشعره: 115. وابن جمير: آخر ليلة من الشهر.(1/401)
نعته، وذلك أن النكرة إذا نوديت صارت معرفة، أجاز الفراء (1): يا فاسق الخبيث أقبل.
والوجه الرابع: أن تقول: يا باقلاء الحارّ أقبل، فترفع الباقلاء لأنه منادى مفرد، وتنصب الحار لأنه لا يحسن فيه ياء.
والوجه الخامس: أن تقول: يا باقلاء الحارّ أقبل، فتنصبهما على أنهما اسم واحد ألزما الفتح، أجاز الفراء: يا زيد الظريف أقبل، وقال: جعلتهما العرب بمنزلة الحرف الواحد، وأنشد:
فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا (2)
وقال الفراء: الباقلّى والمرعزّى إذا شدّدا قصرا، وإذا خففا مدّا، فمن قصرهما كتبهما بالياء، ومن مدّهما كتبهما بالألف.
وقولهم: قد انتقيت المتاع
قال أبو بكر: معناه: قد أخذت مخّه وخياره. وهو بمنزلة قولهم: قد انتقيت العظم، إذا أخرجت نقيه، والنّقيّ: المخ. والعرب تسمي الخيار مخّا، فيقولون: هؤلاء مخّ القوم، أي خيارهم. وجاء في الحديث: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أن يضحّى بالعجفاء التي لا تنقى، وأن يضحّى بالأعضب القرن والأذن» (3). فمعنى قوله: التي لا تنقى، التي ليس لها نقي من هزالها، وهو المخ، يقال: ناقة منقية، إذا كانت ذات مخ، قال الشاعر (4):
حاموا على أضيافهم فشووا لهم ... من لحم منقية ومن أكباد
وقال الراجز (5):
إنّ القبور تنكح الأيامى ... النّسوة الأرامل اليتامى
__________
(1) ينظر: شرح الكافية 1/ 137135.
(2) لجرير، ديوانه 118.
(3) هو حديث في غريب الحديث 2/ 207، 209.
(4) الأعشى، ديوانه 100وفيه: حجزوا على من شط مثقية
(5) الاشتقاق 36. وفيه: قالت القرشية. وروايته: والصبية الأصاغر.(1/402)
المرء لا تنقى له سلامى
فمعنى لا تنقى: لا يوجد بها نقي. والسّلامى: عظم الأصبع. ومعنى قوله: صلّى الله عليه وسلم:
الأعضب: القرن، والأذن: المكسور القرن، قال سعيد بن المسيب:
هو النصف فما فوقه، وقال أبو زيد: إذا انكسر القرن الخارجي فهو أقصم، والأنثى قصماء، وإذا انكسر الداخل فهو أعضب، والأنثى عضباء.
وقد يكون العضب في الأذن، إلّا أنه في القرن أكثر، قال الشاعر (1):
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب.
والقصواء: المشقوقة الأذن، ويقال للذكر مقصى ومقصوّ. قال الأحمر: خرج الذكر على غير قياس، ولو خرج على القياس لقيل: أقصى، كما يقال: أعشى وعشواء.
وقولهم: قد أجاز السّلطان فلانا بجائزة
قال أبو بكر: أصل الجائزة أن يعطي الرجل الرجل ماء، ويجيزه ليذهب لوجهه، فيقول الرجل إذا ورد الماء لقيّم الماء: أجزني، أي اعطني ماء حتى أذهب لوجهي، وأجوز عنك، ثم كثر هذا في كلامهم، حتى سموا العطية جائزة، قال الراجز:
يا قيّم الماء فدتك نفسي ... أحسن جوازي وأقلّ حبسي (2)
وقال الآخر (3):
وقالوا فقيم قيّم الماء فاستجز ... عبادة إنّ المستجيز على قتر
وقولهم: فلان ظلف النّفس
قال أبو بكر: معناه: ممتنع من أن يأتي أمرا دنيّا يدنّسه ويؤثر فيه.
__________
(1) الأخطل. ديوانه 28 (صالحاني) 90 (قباوة). والأعضب: الكسير القرن. ويجور النصب في غدوها ورواحها على البدل أو الظرفية.
(2) بلا عزو في الفاخر 244، وأساس البلاغة (جوز).
(3) القطامي. ديوانه 73. وعلى قتر: على ناحية وحرف.(1/403)
يقال: أرض ظلفة، إذا لم تؤدّ أثرا، قال الشاعر (1):
ألم أظلف عن الشعراء عرضي ... كما ظلف الوسيقة بالكراع
الكراع: أنف من الحرّة ينقاد، فإذا سيقت فيه وسيقة لم يتبين لها فيه أثر. فيقول:
أمنع الشعراء من أن يؤثروا في عرضي، كما تمنع هذه الوسيقة من أن يؤثر فيها.
وقولهم: إنّما هم أكلة رأس
قال أبو بكر: معناه: عددهم قليل، فكأنهم لو اجتمعوا على أكل رأس لكان كافيا لهم. والعامّة تلحن في هذا، فتسكّن الكاف منه، والصواب أكلة بفتح الكاف، جمع آكل. ويقال: آكل وأكلة وآكلون، كما يقال: كافر وكفرة وكافرون، وكامل وكملة وكاملون.
وقولهم: فلان بيضة البلد
قال أبو بكر: هذا حرف من الأضداد يكون مدحا، ويكون ذما. فإذا مدح الرجل فقيل: هو بيضة البلد، أريد به: واحد البلد، الذي يجتمع إليه، ويقبل قوله.
أنشدنا أبو العباس لامرأة ترثي عمرو بن عبد ود، وتذكر قتل عليّ رضي الله عنه إياه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في الجسد
لكنّ قاتله من لا يعاب به ... وكان يدعى قديما بيضة البلد (2)
فإذا ذمّ الرجل فقيل: هو بيضة البلد، أرادوا هو منفرد لا ناصر له بمنزلة البيضة التي يقوم عنها الظليم، ويتركها منفردة لا خير فيها، ولا منفعة. قال امرأة ترثي بنين لها:
لهفي عليهم لقد أصبحت بعدهم ... كثيرة الهمّ والأحزان والكمد
__________
(1) عوف بن الاحوص كما في اللسان (كرع، ظلف). وفي الأصل: على الشعراء. وما اثبتناه من ك. ل.
(2) والبيتان في الأضداد 77.(1/404)
قد كنت قبل مناياهم بمغبطة ... وصرت مفردة كبيضة البلد
وقال الآخر (1):
تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد
وقولهم: فلان يسطو بفلان
قال أبو بكر: معناه: يبطش به. قال الله عز وجل: {يَكََادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيََاتِنََا} (2)، معناه: يبطشون. وقال الشاعر (3):
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
وقولهم: رجل فاتك
وقال أبو بكر: أصل الفتك في اللغة: أن يأتي الرجل رجلا غارّا فيقتله، أو يكمن له في شجرة أو على جبل حتى يقتله غافلا، فكان هذا أصله، حتى جعلوا كل من هجم على الأمور العظام فاتكا. قال خوّات صاحب ذات النّحيين:
فشدّت على النّحيين كفّا شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتي
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «قيّد الإيمان الفتك، لا يفتك مؤمن» (4).
والغيلة: أن يخدع الرجل الرجل حتى يخرجه إلى موضع يخفى فيه أمرهما، ثم يقتله. والغدر: أن يؤمّن الرجل الرجل ثم يقتله.
وقولهم: لحا الله فلانا
قال أبو بكر: معناه: قشره الله وأهلكه. من قولهم: لحوت العود ألحوه لحوا، إذا قشرته. ويقال: لاحى فلان فلانا ملاحاة ولحاء، إذا استقصى عليه. ويحكى عن
__________
(1) الراعي النميري: شعره: 64وفيه: أن ترضى.
(2) سورة الحج: آية 72.
(3) الحرث بن وعلة الذهلي، كما في شرح ديوان الحماسة (م) 203.
(4) غريب الحديث 3/ 302.(1/405)
الأصمعي أنه قال: أصل الملاحاة: المباغضة والملاومة، ثم كثر ذلك حتى جعلت كل ممانعة ومدافعة ملاحاة، وأنشد:
ولاحت الراعي عن درورها ... مخاضها إلّا صفايا خورها (1)
وقال آخر:
لحوت شمّاسا كما تلحى العصا ... سبّا لو أنّ السبّ يدمي لدمي (2)
وقال حسان بن ثابت (3):
نولّيها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء
واللّحاء في غير هذا: القشر. يقال في مثل: لا تدخل بين العصا ولحائها، أي قشرها.
وقولهم: ناهيك بفلان
قال أبو بكر: معناه: كافيك به، من قولهم: قد نهى الرجل من اللحم وأنهى، إذا اكتفى منه وشبع، قال الشاعر:
يمشون دسما حول قبّته ... ينهون عن أكل وعن شرب (4)
فمعنى ينهون: يشبعون ويكتفون. وقال الآخر:
لو كان ما واحدا هواك لقد ... أنهى ولكن هواك مشترك (5)
ويقال: مررت برجل كفاك به، ومررت برجلين كفاك بهما، ومررت برجال كفاك بهم، ومررت بامرأة كفاك بها، ومررت بامرأتين كفاك بهما، ومررت بنسوة كفاك بهن، فلا تثنّي (كفاك)، ولا تجمعه، ولا تؤنّثه، لأنه فعل للباء.
__________
(1) لأبي النجم، كما في الفاخر 271.
(2) بلا عزو في اللسان (لحا).
(3) ديوانه 72. والمغث: القتال.
(4) بلا عزو في الفاخر 217.
(5) بلا عزو في الفاخر 217.(1/406)
وقولهم: فلان يرصد فلانا
قال أبو بكر: معناه: يقعد له على طريقه. والمرصد والمرصاد عند العرب: الطريق.
قال الله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (1). وقال الفراء: معناه: اقعدوا لهم على طريقهم إلى البيت الحرام. وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصََادِ} (2). فمعناه: لبالطريق.
وقال عدي بن زيد (3):
أعاذل إنّ الجهل من لذّة الفتى ... وإنّ المنايا للرجال بمرصد
وقال الآخر (4):
ولقد علمت وما علمت سواه ... أنّ المنيّة للفتى بالمرصد
وقولهم: قد رزت ما عند فلان
قال أبو بكر: معناه: قد طلبته وأردته. قال أبو النجم يصف البقر وطلبها الكنس من الحرّ:
إذ رازت الكنس إلى قعورها ... واتّقت اللافح من حرورها
يعني: طلبت الظّلّ في قهور الكنس. والحرور: ريح حارة تهبّ بالليل، والسموم:
تهبّ بالنهار. ويقال: السّموم تهب بالليل والنهار، قال الله تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} (5).
وقال تعالى: {وَوَقََانََا عَذََابَ السَّمُومِ} (6).
وقال الشاعر:
من سموم كأنها نفخ نار ... سفعتها ظهيرة غرّاء (7)
__________
(1) سورة التوبة: آية 4.
(2) سورة الفجر: آية 13.
(3) ديوانه 103. وفيه: ذلة الفتى.
(4) عامر بن الطفيل في مجاز القرآن 1/ 253. وليس في ديوانه.
(5) سورة فاطر: آية 21.
(6) سورة الطور: آية 27.
(7) بلا عزو في مجاز القرآن 2/ 154.(1/407)
وقولهم: قد تأنّيت الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد انتظرته، وتأخرت في أمره، ولم أعجل. يقال: آنيت عشائي إذا أخّرته، قال الشاعر (1):
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشّعرى فطال بي الأناء
ويقال: إنّ خير فلان لبطئ أنيّ. قال ابن مقبل (2):
ثم احتملن أنّيا بعد تضحية ... مثل المخاريف من جيلان أو هجر
وقال الآخر:
لا يوحشنّك من كريم نفرة ... ينبو الفتى وهو الجواد الخضرم
فإذا نبا فارفق به وتأنّه ... حتى يعود له الطّباع الأكرم (3)
وقولهم: فلان يؤمّ القوم
قال أبو بكر: معناه: يتقدمهم. أخذ من الأمام، يقال: فلان أمام القوم، إذا تقدّمهم. وكذلك قولهم: فلان إمام القوم، معناه: المتقدم لهم. والإمام ينقسم على أقسام:
يكون الإمام: المتقدم. ويكون الإمام: رئيسا، كقولهم: إمام المسلمين. ويكون: الكتاب، كقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنََاسٍ بِإِمََامِهِمْ} (4).
ويكون الإمام: الطريق الواضح الذي يؤتمّ به، كقوله تعالى: {وَإِنَّهُمََا لَبِإِمََامٍ مُبِينٍ} (5)، قال أبو العباس: معناه: وإنّ إبراهيم ولوطا عليهما السلام لبطريق واضح.
ويكون الإمام: المثال، قال الشاعر (6):
__________
(1) الحطيئة. ديوانه 98. وسهيل والشعرى: نجمان يطلعان في الشتاء في آخر الليل.
(2) ديوانه 92. والمخاريف: جمع مخرف ومخرفة، وهو بستان النخيل. وجيلان: قوم من أبناء فارس، نزلوا بطرف من البحرين، فزرعوا وأقاموا هناك. وهجر: مدينة البحرين. (ينظر:
معجم البلدان: جيلان).
(3) بلا عزو في الفاخر 272.
(4) سورة الإسراء: آية 71.
(5) سورة الحجر: آية 79.
(6) النابغة الذبياني، ديوانه 165.(1/408)
أبوه قبله وأبو أبيه ... بنوا مجد الحياة على إمام
معناه: على مثال، وقال لبيد (1):
من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكلّ قوم سنّة وإمامها
وقولهم: قعد فلان في الزّاوية
قال أبو بكر: إنما سميت الزاوية زاوية لتقّبضها واجتماعها وانحرافها عن حال الحائط. يقال: انزوى القوم بعضهم إلى بعض، إذا انضمّ بعضهم إلى بعض واجتمعوا.
وأنزوت الجلدة في النار إذا اجتمعت وتقبّضت.
ولا يكون الانزواء إلا باجتماع مع تقبّض. قال: النبي صلّى الله عليه وسلم: «زويت لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» (2)، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنّ المسجد لينزوي من النّخامة» (3). أي: يجتمع وينقبض من كراهيته لها. قال الأعشى:
يزيد يغض الطرف دوني كأنّما ... زوى بين عينيه عليّ المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلّا وأنفك راغم
وقولهم: فلان أحمق
قال أبو بكر: معناه: متغيّر العقل. أخذ من الحمق، والحمق عند العرب: الخمر.
قال أبو جعفر أحمد بن عبيد: قال أكثم بن صيفي في وصيته لأولاده: لا تجالسوا السفهاء على الحمق. يريد: على الخمر. يقال: قد حمّق الرجل إذا شرب الخمر، واحتجّ بقول النمر بن تولب (4):
لقيم بن لقمان من أخته ... وكان ابن أخت له وابنما
عشيّة حمّق فاستحضنت ... إليه فجاء معها مظلما
فمعنى حمّق: شرب الخمر. وذلك أن أخت لقمان بن عاد كانت تكره أن لا
__________
(1) والبيت في ديوانه 320.
(2) غريب الحديث 1/ 3.
(3) غريب الحديث 1/ 4.
(4) شعره: 106.(1/409)
يكون لأخيها نسل، وتحب أن يكون له ولد، وكانت زوجته لا تأخذ عن الرجال، فلما شرب الخمر وسكر، تزيّنت وجاءت إليه في الظلمة، فوطئها، وهو يظن أنها امرأته، فولدت لقيم بن لقمان. وحكى يعقوب من أسماء الخمر اللازمة لها أربعة وثلاثين حرفا، وهي: الخمر، والشّمول، والقرقف، والعقار، والقهوة، والمدام، والمدامة، والرّحيق، والكميت، والصهباء، والجريال، والسّلافة، والسّلاف، والراح، والسبيئة، والمشعشعة، والشّموس، والخندريس، والحانيّة، والماذية، والعانيّة، والسّخامية، والمزّة، والإسفنط، والقنديد، وأمّ زنبق، والفيهج، والغرب، والحميّا، والمصطار، والخمطة، والخلّة، والمعتّقة، والخرطوم.
وقال غير يعقوب: الإثم من أسماء الخمر، واحتج بقول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمََا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَمََا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (1).
قال: فالإثم هو الخمر، واحتج بقول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضلّ عقلي ... كذاك الإثم يذهب بالعقول (2)
وأنشدنا رجل في مجلس أبي العباس:
نشرب الإثم بالصّواع جهارا ... وترى المتك بيننا مستعارا (3)
الصّواع فيه غير قول: يقال: الصواع: الطّرجهالة. ويقال: المكّوك الفارسيّ، الذي يلتقي طرفاه. ويقال: الصواع: الإناء الذي يشرب الملك فيه. والمتك فيه قولان: يقال المتك: الأترجّ. ويقال: المتك: الزّماورد، وهو الذي يسميه العوام البزماورد.
وقرأ الأعرج: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} (4).
والخمر، قد فسّرنا لم سميت خمرا فيما مضى من الكتاب. والشّمول سميت الخمر بها لأن لها عصفة كعصفة الريح الشمال.
وقيل: إنما سميت شمولا لأنها تشمل القوم بريحها، أى تعمهّم بريحها. وسميت
__________
(1) سورة الأعراف: آية 33.
(2) بلا عزو في التذكرة الحمدونية 155، ونهاية الأرب 4/ 87، وحلبة الكميت 8.
(3) بلا عزو في زاد المسير 3/ 191نقلا عن ابن الأنباري، وفيه بعد ذكر البيت: (فقال أبو العباس: لا أعرفه، ولا أعرف الإثم: الخمر، في كلام العرب).
(4) سورة يوسف: آية 31.(1/410)
قرقفا لأن صاحبها يقرقف إذا شربها، يقال: قد قرقف من البرد وقفقف.
وسميت عقارا لأنها عاقرت الدّنّ الذي أنبذت فيه. وقال أبو عبيدة: سميت عقارا لأنها تعقر شاربها، من قول العرب: كلأ بني فلان عقار، أي: تعقر الماشية.
وسميت قهوة لأنها تقهّي عن الطعام والشراب، يقال: قد أقهى عن الطعام وأقهم عنه، إذا لم يشتهه. وسميت مداما ومدامة لأنها داومت الظرف الذي أنبذت فيه.
والرحيق من أسمائها.
وسميت كميتا لأنها تضرب إلى السواد. وقال أبو عبيد: الرحيق: الخالص من الشراب، وأنشد:
ندامى للملوك إذا لقوهم ... حبوا وسقوا بكأسهم الرّحيق
وسميت الخمر جريالا لحمرتها، والجريال عند العرب: صبغ أحمر، قال الأعشى (1):
وسبيئة مما تعتّق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
معناه: سلبتها لونها الأحمر. أي: لما شربناها صارت حمرتها في وجوهنا. ويقال:
معنى قوله: سلبتها جريالها: شربتها حمراء وبلتها بيضاء.
والسبيئة: المشتراة، وأصلها مسبوءة فصرفت عن مفعولة إلى فعيلة، كما قالوا النطيحة، وأصلها المنطوحة، يقال: سبأت الخمر أسبؤها، إذا اشتريتها، والسّباء: اشتراء الخمر، قال لبيد (2):
أغلى السبّاء بكلّ أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفضّ ختامها
وقال الآخر (3):
باكرتهم بسباء جون ذارع ... قبل الصّباح وقبل لغو الطّائر
والمشعشعة: التي أرقّ مزجها، قال الشاعر (4):
__________
(1) ديوانه 23.
(2) ديوانه 314، والأدكن: الزق الأغبر، والعاتق: الخالص، والجونة: الخابية المطلية بالقار، وقدحت: غرف منها، وفض: كسر، وختامها: طينها.
(3) ثعلبة بن صعير في شرح المفضليات 260. والذارع: العظيم، ولغو الطائر: صوته.
(4) عمرو بن كثلوم من معلقته، شرح القصائد السبع 372، شرح القصائد التسع 615، شرح القصائد العشر 321.(1/411)
مشعشعة كأنّ الحصّ فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
فمعنى سخينا: حارا، وذلك أن الملوك كانوا إذا شربوا الخمر في الشتاء صبّوا عليها الماء الحارّ. ويقال: معنى قوله سخينا: ازددنا سخاء عند شربها. ويروى شحينا، والشحين: المشحون المملوء. والصّهباء: التي عصرت من عنب أبيض. والخرطوم: أول ما ينزل من الخمر قبل أن يداس عنبها، قال الشاعر (1):
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا
وقال الآخر (2):
وكأنّ ريقتها إذا نبهتها ... بعد الرقاد تعلّ بالخرطوم
والفيهج: اسم من أسماء الخمر لا يعرف له اشتقاق. وكذلك أمّ زنبق، والغرب، قال الشاعر (3):
ألا يا اصبحاني قبل لوم العواذل ... وقبل وداع من زنيبة عاجل
ألا يا اصبحاني فيهجا جيدريّة ... بماء سحاب يكسف الحقّ باطل.
وقال الآخر (4):
دعيني أصطبح غربا فأغرب ... مع الفتيان إذ صحبوا ثمودا
والعانيّة: منسوبة إلى قرية يقال لها عانة. والحانّية: منسوبة إلى حانة. قال علقمة ابن عبدة (5):
كأس عزيز من الأعناب عتّقها ... لبعض أربابها حانّية حوم
وقال الأصمعيّ: الحوم: الكثيرة. وقال خالد بن كلثوم: الحوم: التي تحوم في السماء، أي: تدور. والمعتّقة: التي طال مكثها. والخندريس: القديمة، يقال: حنطة
__________
(1) الفرزدق في ديوانه 373 (الصاوي). وأخلت به طبعة صادر.
(2) لم أقف عليه.
(3) معبد بن شعبة في تهذيب الألفاظ 216. وجيدرية: نسبة إلى جيدر، موضع بالشام.
(4) خداش بن زهير في تهذيب الألفاظ 217.
(5) ديوانه 68.(1/412)
خندريس، إذا كانت قديمة. والشّموس: قال يعقوب: هي مثل شبّهت بالدابة الشموس، وهي التي تجمح براكبها. وسميت الخمر راحا لأنها تكسب صاحبها أريحيّة إذا شربها.
يقال: قد أخذت فلانا أريحية، إذا هشّ للعطاء وخفّ له. ويقال: قد رحت لكذا، وكذا أراح، وارتحت له أرتاح، قال الشاعر (1):
ولقيت ما لاقت معدّ كلّها ... وفقدت راحي في الشباب وخالي
وسميت الخمر ماذيّة للينها. يقال: عسل ماذيّ: إذا كان ليّنا. وسميت سخاميّة للينها أيضا. يقالك شعر سخام، إذا كان ليّنا. والخمطة: المتغيّرة الطعم. والخلّة: التي قد أخذت في الحموضة. والحميّا: شدة الخمر وسورتها.
وقولهم: قد غضب عليه السلطان
قال أبو بكر: في السلطان قولان: أحدهما: أن يكون سمى سلطانا، لتسلّطه.
والقول الآخر: أن يكون سمي سلطانا، لأنّه حجّة من حجج الله على خلقه. قال الفراء: السلطان عند العرب: الحجة، قال الله عز وجل: {وَمََا كََانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطََانٍ} (2). وقال الفراء: السلطان، يذكر ويؤنث، يقال: غضب السلطان وغضبت السلطان، وحتى عن العرب: قضت به عليك السلطان. وقال الشاعر (3) في التذكير:
أو خفت بعض الجور من سلطانه ... فدعه ينفذه إلى أوانه
وقال الآخر (4) في التأنيث:
أحجّاج لولا الملك هنت وليس لي ... بما جنت السلطان منك يدان
فمن ذكّر السلطان، ذهب إلى معنى الوجل، ومن أنّثه، ذهب إلى معنى الحجّة.
وقال محمد بن يزيد البصري: من ذكّر السلطان، ذهب إلى معنى الواحد، ومن أنّثه، ذهب إلى معنى الجمع، وقال: هو جمع، وواحده سليط، يقال: سليط وسلطان، كما
__________
(1) الجميح بن الطماح الأسدي في تهذيب الألفاظ 312. والخال: الخيلاء.
(2) سورة سبأ: آية 21.
(3) العماني في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 221.
(4) جحدر السعدي في المذكر والمؤنث لابن الانباري 221220.(1/413)
يقال: قفيز وقفزان، وبعير وبعران، وقميص وقمصان، ولم يقل هذا غيره.
وقولهم: فلان يرتع
قال أبو بكر: معناه: هو مخصب لا يعدم شيئا يريده. وقال أبو عبيدة: معنى يرتع: يلهو، وقال في قوله عز وجل: {أَرْسِلْهُ مَعَنََا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (1)، معناه: يلهو وينعم.
وقال غير أبي عبيدة: معنى يرتع ويلعب: يسعى وينبسط. وقال الفراء: يرتع من القيد والرّتعة. والرتعة: مثل تضربه العرب في الخصب. وأول من قاله عمرو بن الصعق ابن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، وكانت شاكر وهي قبيلة من همدان أسروه فأحسنوا إليه وروحوا عنه، وكانوا أسروه وهو نحيف، فهرب من أيديهم، فبينما هو بقيّ من الأرض، إذ اصطاد أرنبا فاشتواها، فإذا هو بذئب قد أقعى غير بعيد منه، فرمى إليه بقطعة من شوائه فأخذه وولّى، فقال عمرو عند ذلك:
لقد أوعدتني شاكر فخشيتها ... ومن شعب ذي همدان في الصدر هاجس
قبائل شتّى ألّف الله بينها ... لها حجف فوق المناكب يابس
ونار بموماة قليل أنيسها ... أتاني عليها أطلس اللون بائس
رميت إليه حزّة من شوائنا ... حياء وما فحشي على من أجالس
فولّى بها جذلان ينفض رأسه ... كما آب بالنّهب المغير المخالس
فلما ورد على أهله قالوا له: أي عمرو، خرجت من عندنا وأنت نحيف، وجئتنا وأنت بادن، فقال: القيد والرّتعة. فأرسلها مثلا. وقال بعضهم: معنى قول العرب فلان يرتع: يأكل، واحتج بقول الشاعر (2):
وحبيب لي إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع
فمعناه: أكله. وقرأ بعض القراء: أرسله معنا غدا نرتع ونلعب (3)، بالنون
__________
(1) سورة يوسف: آية 12.
(2) سويد بن أبي كاهل، ديوانه 31.
(3) سورة يوسف: آية 12.(1/414)
وكسر التاء، على معنى: نرتع إبلنا. قال الشاعر:
قتلوا كليبا ثم قالوا ارتعوا ... كلّا وربّ البيت والإحرام (1)
وقال أبو عبيدة: قرأ بعضهم = أرسله معنا ترتع =، فتح التاءين جميعا، على معنى:
ترتع إبلنا.
وقرأ المدنيون: = يرتع ويلعب = بكسر العين في يرتع، وهو يفتعل من الرّعي، قال الشاعر:
وقولهم أرسل أخانا لنرتعي ... فقال رياض الحبّ ناعمة النّضر (2)
وقولهم: بفلان نظرة
قال أبو بكر: معناه: إصابة من الشيطان. ومنه الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم:
«أنه دخل على أمّ سلمة، فرأى عندها جارية بها سفعة فقال: إنّ بها نظرة، فاسترقوا لها» (3).
وقال بعض أهل اللغة: النّظرة: الردّة والقبح، يقال: بفلان نظرة وردّة، إذا كان قبيحا، قال الشاعر (4) في صفة نحل:
مخضّرة الأوساط عارية الشّوى ... وبالهام منها نظرة وشنوع
والسّفعة: بمنزلة النظرة. ويقال: النظرة: العيب، قال الراجز:
وأنا سيف من سيوف الهند ... ما شئت إلّا نظرة في غمد
فإن تنازعني يعدلي حدي (5)
__________
(1) بلا عزو في الأضداد 235.
(2) لم أقف عليه.
(3) غريب الحديث 3/ 189، والدارمي 1/ 377.
(4) الطرماح، ديوانه 300، والشوى: الأطراف، والهام: الرؤوس.
(5) الأول والثاني في الفاخر 198، وأساس البلاغة (نظر) بلا عزو.(1/415)
وقولهم: شيخ فان
قال أبو بكر: معناه: شيخ قد نفد عمره. والفناء عند العرب: نفاد الشيء، قال الشاعر:
كتب الفناء على الخلائق ربّنا ... وهو المليك وملكه لا ينفد (1)
وقال قوم: الفناء: الهرم، واحتجوا بقول عمر رحمه الله: (حجّة ههنا، ثم احدج ههنا حتى تفنى). يريد: ثم أقم ههنا حتى تهرم، يحضّ على الغزو، ويأمر به، ويفضّله على الحج، بعد حجّة الإسلام، قال لبيد:
حبائله مبثوثة لسبيله ... ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل
يريد بالحبائل: أسباب الموت، يقول: إذا أخطأه الموت هرم.
وقولهم: قد رزح فلان
قال أبو بكر: معناه: قد ضعف ما في يده. والأصل في هذا من قولهم: رزحت إبل بني فلان وكلابه، إذا ضعفت ولزقت بالأرض، فلم يكن بها نهوض، قال الشاعر:
لقد رزحت كلاب بني زبيد ... فما يعطون سائلهم نقيرا (2)
وقال الطرماح (3):
إذا القرم بادر دفء العشيّ ... وكانت طروقته رازحه
وقال قوم: رزح: أخذ من المرزح، وهو المطمئن من الأرض. ويقال للرجل إذا ضعف: قد رزح، على جهة المثل، أي: لزم المطمئن من الأرض، وضعف عن الارتفاع إلى ما علا منها.
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) لم أقف عليه.
(3) ديوانه 84. وفيه: دفء الكيف وراحت. والقرم: السيد المعظم، وطروقته: امرأته، ورازحة: ضعيفة.(1/416)
وقولهم: قد صمّم فلان على كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه قد مضى على رأيه فيه، وأنفذ إرادته، قال حميد بن ثور (1):
وحصحص في صمّ الحصى ثفناته ... ورام بسلمى أمره ثم صمّما
وقولهم: قد تحرّج فلان من كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد تديّن، وضيّق على نفسه. والحرج عند العرب: الضّيق.
ويقال: قد تحوّب الرجل، بمعنى تحرّج، قال عمر بن أبي ربيعة:
قولي يقول تحوّبي في عاشق ... كلف بكم حتى الممات متيّم
والتحوّب: التفعّل من الحوب، والحوب عند العرب: الإثم العظيم، قال الله تعالى ذكره: {إِنَّهُ كََانَ حُوباً كَبِيراً} (2).
فمعناه: إثما عظيما. وقال ابن سيرين: أراد أبو أيوب، أن يطلّق أمّ أيوب فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «أما علمت يا أبا أيوب أنّ طلاق أمّ أيوب حوب» (3).
وقال الشاعر (4):
فلا تخنوا عليّ ولا تشطّوا ... بقول الفخر إنّ الفخر حوب
وقال الآخر (5):
نماك أربعة كانوا أئمتنا ... فكان ملكك حقّا ليس بالحوب
ويقال: قد حاب الرجل يحوب حوبا، أنشد أبو عبيدة (6):
__________
(1) ديوانه 19. وحصحص: أثبت ركبتيه للنهوض بالثقف. والثفنات: جمع ثفنة، وهي من البعير، ما يقع على الأرض إذا استناخ.
(2) سورة النساء: آية 2.
(3) الفائق 1/ 329.
(4) أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1/ 98.
(5) النابغة الشيباني، ديوانه 76.
(6) مجاز القرآن 1/ 113، ونسبه إلى أمية بن الأسكر الليثي، وهو مخضرم (ينظر: طبقات ابن سلام 190، المعمرون 85).(1/417)
وإنّ مهاجرين تكنّفاه ... غداة إذ لقد خطئا وحابا
وقال الفراء: الحوب بالفتح: المصدر، والحوب بالضّم: الاسم، قرأ الحسن:
{إِنَّهُ كََانَ حُوباً كَبِيراً} بفتح الحاء، وقال الفراء: الحائب في لغة بني أسد: القاتل.
وقولهم: قد فتّ في عضده
قال أبو بكر: كسر من قوّته، والفتّ: الكسر، والعضد: القوّة. ومعنى (في): من، والصفات يقوم بعضها مقام بعض، قال امرؤ القيس:
وهل ينعمن من كان أقرب عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
معناه: من كان أقرب عهده بالرفاهية ثلاثين شهرا من ثلاثة أحوال.
وقال الآخر (1):
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
أراد: إذا رضيت عني. وقال الآخر (2):
فلا تتركنّي بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطليّ به القار أجرب
أراد: كأنني عند الناس. وقال الآخر (3):
فتى يملأ الشّيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج
أراد: ويضرب على رأس الكمّي. ويقال: معنى فتّ في عضده: فتّ الخذلان في أعوانه. والعضد: الأعوان، يقال: رجل له عضد، أي: له أعوان، قال الله تعالى:
{وَمََا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (4).
فمعناه: أعوانا. ويقال: معنى فت في عضده: كسر من أعوانه، أي: كسر من نياتهم، وفرّقهم عنه.
__________
(1) القحيف العقيلي، شعره: 409.
(2) النابغة الذبياني، ديوانه 78.
(3) الشماخ، ديوانه 81. والشيزى شجر تتخذ منه القصاع والجفان، والكمي: اللابس السلاح.
(4) سورة الكهف: آية 51.(1/418)
وقولهم: رجل ظلوم غشوم
قال أبو بكر: الظّلوم: الذي يأخذ ما ليس له ويضع الأشياء في غير مواضعها.
والغشوم: الذي يخبط الناس، ويأخذ كلّ ما قدر عليه.
والأصل في هذا: من غشم الحاطب، وهو أن يحتطب ليلا، فيقطع كل ما قدر عليه، بلا نظر ولا فكر، قال الشاعر:
وقلت تجهّز فاغشم الناس سائلا ... كما يغشم الشّجراء بالليل حاطب (1)
الشجراء: جمع شجرة، ويقال: شجرة وشجراء، وقصبة وقصباء، وطرفة وطرفاء.
وقولهم: قد حدست في الأمر وأنا أحدس
قال أبو بكر: قال الفراء: حدست وعكلت، أحدس وأعكل: إذا قلت في الشيء برأيك. وقال غير الفراء: معنى حدست: ظننت ظنّا بلغت منه غاية الشيء وعدده ووزنه. والأصل عندهم من قول العرب: قد بلغت الحداس، أي: الموضع الذي يعدى إليه، ويطلب لحاقه. وحكى الفراء: حدس فلان فلانا، إذا صرعه، فأحدهما حادس، والآخر محدوس، قال الشاعر (2):
بمعترك شطّ الحبيّا ترى به ... من القوم محدوسا وآخر حادسا
فمعنى حدست على هذه الرواية: أصبت.
وقولهم: الزم هذا النّمط
قال أبو بكر: معناه: الزم هذا المذهب والفنّ والطريق. جاء في الحديث:
«خير هذه الأمة النّمط الأوسط، يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الغالي» (3).
والغالي: الخارج عن حال الاقتصاد. والنمط: الطريقة. والنمط أيضا: النوع من
__________
(1) بلا عزو في الفاخر 213، وأساس البلاغة (غشم).
(2) العباس بن مرداس، ديوانه 153. ونسب إلى عمرو بن معدي كرب، ديوانه 113 (بغداد) 111 (دمشق). والحبيا: موضع بالشام، وآخر في الحجاز، كما في معجم البلدان (حبيا).
(3) غريب الحديث 3/ 482.(1/419)
الأنواع، والضرب من الضروب. ويقال: هذا من ذلك النمط، وعليك بهذا النمط، أي بهذا النوع.
وقولهم: قد تجشّمت كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: فعلته على كره ومشقة. والجشم: الاسم من هذا الفعل. قال المرّار الفقعسي (1):
يمشين هونا وبعد الهون من جشم ... ومن حياء غضيض الطرف مستور
وقولهم: قد أصاب فلانا الرّعاف
قال أبو بكر: معناه في كلام العرب: الدم السابق السائل. يقال: قد رعف فلان أصحابه، إذا سبقهم في السير. وقد جاء راعفا، أي: سابقا.
قال الأعشى (2):
به ترعف الألف إذا أرسلت ... غداة الصباح إذا النّقع ثارا
معناه: يسبق الألف ويتقدمهم. ويقال: رعف الرجل بفتح العين يرعف فهو راعف، ولا تضم العين في الماضي.
وقولهم: شربنا على الخسف
قال أبو بكر: معناه: على غير أكل. يقال: بات القوم على الخسف، إذا باتوا جياعا ليس لهم شيء يتقوّتونه. ويقال: بات الدابة على الخسف، إذا لم يكن له علف، قال الشاعر:
__________
(1) شعره: 166. والمرار بن سعيد الفقعسي، من بني أسد، أموي. (الشعر والشعراء 699، الخزانة 2/ 193).
(2) ديوانه 40.(1/420)
بتنا على الخسف لا رسل نقات به ... حتى جعلنا حبال الرّحل فصلانا (1)
الرّسل: اللّبن. ونقات: من القوت. ومعنى قوله: حتى جعلنا حبال الرحل فصلانا:
حتى شددنا النوق بالحبال لتدّر علينا فنتقوّت لبنها. والخسف في غير هذا: الهوان والذل، قال عمرو بن كلثوم (2):
إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقرّ الخسف فينا
وقال الآخر (3):
ولا يقيم على خسف يقرّبه ... إلّا الأذلّان عير الحيّ والوتد
وقولهم: قد رقص فلان
قال أبو بكر: معنى الرقص في اللغة: الارتفاع والانخفاض. يقال: قد أرقص القوم في سيرهم، إذا كانوا يرتفعون وينخفضون. قرأ عبد الله بن الزبير:
ولأرقصوا خلالكم (4)، بالراء والقاف والصاد. وقراءة العامة: {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ}، فمعنى أرقصوا: ارتفعوا وانخفضوا، قال الراعي (5):
وإذا ترقّصت المفازة غادرت ... ربذا يبغّل خلفها تبغيلا
فمعنى ترقصت: ارتفعت وانخفضت، وإنما يرفعها ويخفضها السّراب. والربذ:
الخفيف السريع. والتبغيل: ضرب من السير. وقراءة العامة: {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ}
معناه: ولأسرعوا، يقال: أوضع الراكب يوضع إيضاعا فهو موضع. قال امرؤ القيس:
أرانا موضعين لوقت غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
ويقال: وضعت راحلته تضع، إذا أسرعت. وقال: هذا هو المختار عند العرب،
__________
(1) بلا عزو في الفاخر 274، واللسان (خسف).
(2) شرح القصائد السبع 425، شرح القصائد التسع 678، شرح القصائد العشر 365.
(3) المتلمس، ديوانه 208. وفيه: ولن يسام به عير الأهل.
(4) سورة التوبة: آية 47.
(5) شعره: 128.(1/421)
وربما قالوا: وضع الراكب يضع فهو واضع، إذا أسرع، أنشد الفراء (1):
إني إذا ما كان يوم ذو فزع ... ألفيتني محتملا بزّي أضع
يريد: أسرع.
وقولهم: فلان يمطلني
قال أبو بكر: معناه: يطوّل عليّ. يقال: مطل القين الحديد يمطله مطلا، إذا مدّه وطوّله، قال العجاج (2):
بمرهفات مطلت سبائكا ... تفضّ أمّ الهام والتّرائكا
وقولهم: فلان يعمه في أمره
قال أبو بكر: معناه: يتحيّر فيه. قال أبو عبيدة: يقال قد عمه الرجل يعمه، فهو عمه، إذا جار عن الحق، وأنشد:
ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمّه (3)
وقال الله عز وجل: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيََانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (4)، معناه: يتحيرون.
وقال الشاعر:
واسأل ولا تنس إن كنت امرءا عمها ... إنّ السؤال هدى إن كنت حيرانا (5)
وقال الآخر:
حيران يعمه في ضلالته ... مستورد لشرائع الظّلم (6)
والطغيان: البغي والكفر، قال الشاعر:
__________
(1) معاني القرآن 1/ 440بلا عزو. وفيه: بذي أضع. كأنه يريد بذي الناقة أو بذي الفرس.
(2) ديوانه 80، وأم الهام: الدماغ. والتريكة: البيضة التي قد تركها الظليم ففسدت.
(3) لرؤبة، ديوانه 166.
(4) سورة البقرة: آية 15.
(5) لم أقف عليه.
(6) لم أقف عليه.(1/422)
وإن تركوا طغيانهم وضلالهم ... فليس عذاب الله عنهم بلابث (1)
وقولهم نغّص فلان علينا
قال أبو بكر: معناه: قطع علينا ما كنا نحب الاستكثار منه. وكل من قطع شيئا يحبّ الازدياد منه فهو منغّص، قال ذو الرمة (2):
غداة امترت ماء العيون ونغّصت ... لبانا من الحاج الخدور الروافع
وقولهم: قد جاء البسر
قال أبو بكر: البسر معناه في كلام العرب: الذي لم يبلغ حال الرّطب ولا وقته، من قولهم: قد بسر الرجل الحاجة، إذا طلبها في غير وقتها، وقد بسر الفحل الناقة، إذا أتاها في غير وقتها، قال الراعي (3):
إذا احتجبت بنات الأرض منه ... تبسّر يبتغي منها البسارا
وقولهم: فلان عالم مفلق (4)
قال أبو بكر: معناه: يأتي بالعجب من حذقه. يقال: قد أفلق، إذا جاء بالعجب.
ويقال: معنى قولهم: مفلق: يجيء بالدواهي، أخذ من الفليقة، والفليقة عندهم: الداهية، قال الشاعر (5):
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ديوانه 1281. وامترت: استدرت.
(3) أخل به شعره المطبوع. وهو في منتهى الطلب 3/ ق 140من قصيدة تعداد أبياتها سبعة وخمسون بيتا، ومطلعها:
ألم تسأل بعارمة الديارا ... عن الحي المفارق أين سارا.
(4) الفاخر 309.
(5) ابن قنان الراجز في اللسان (قوب). والقوباء: داء يظهر بالجسد يداوى بالريق. (وينظر في شرح البيتين: البارع 505وشرح شواهد الشافية 399).(1/423)
يا عجبا لهذه الفليقه ... هل تغلبنّ القوباء الريقة
والفلق عند العرب: العجب قال الشاعر:
إذا عرضت داويّة مدلهمّة ... وغرّد حاديها فرين بها فلقا
وقولهم: للذي يتبع الولاة: دائص
قال أبو بكر: الدائص عند العرب: الذي يدور حول الشيء ويتبعه. يقال: داص يديص، إذا فعل ذلك. قال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
أرى الدنيا معيشتها عناء ... فنخطئها وإيّاها نليص
فإن بعدت بعدنا في بغاها ... وإن قربت فنحن لها نديص
وقولهم: دع فلانا يخيس
قال أبو بكر: معناه: يلزم موضعه. والأصل فيه: من خيس الأسد، وهو: الموضع الذي يلازمه ويأويه، قال الشاعر:
كأنّ حمى حيرانة حال دونه ... أبو أشبل في خيسه متمنّع (1)
ويقال للموضع الذي يحبس فيه الناس ويلزمون نزوله: مخيّس، قال الشاعر (2):
فلم يبق إلّا داخر في مخيّس ... ومنحجر في غير أرضك في حجر
أراد بالمخيّس: السجن، والداخر: الصاغر.
وقولهم: قد خاس فلان بما كان عليه
قال أبو بكر: معناه: قد غدر به. قال ابن الدمينة:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) الفرزدق في اللسان (خيس)، وليس في ديوانه.(1/424)
فيا ربّ إن خاست بما كان بيننا ... من الودّ فابعث لي بما فعلت نصرا
وقولهم: نظر إليّ شزرا
قال أبو بكر: معناه: نظر إلي في جانب عينيه من شدة العداوة والبغض. يقال:
شزر يشزر، إذا نظر من جانب عينه من العداوة أو من الفرق، قال المرّار (1) يذكر ناقة:
لها منزل قاص وعين بصيرة ... متى ما تواجه لمحة السيف تشزر
وقولهم: مع فلان قناعة
قال أبو بكر: معناه، رضي بما قسم له. يقال: قد قنعت بالشيء، إذا رضيت به، أقنع به قناعة، قال الشاعر:
وأقنع بالشيء اليسير صيانة ... لنفسي ما عمّرت والحرّ قانع (2)
ويقال: قنع الرجل يقنع قنوعا، إذا سأل واحتاج. وقف أعرابي بقوم يسألهم، فلم يعطوه فقال: الحمد لله الذي أقنعني إليكم، يريد: أحوجني إليكم. قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهََا وَأَطْعِمُوا الْقََانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (3)، فالقانع: السائل، والمعتر: الذي يعرّض بالمسألة، ولا يصرّح بها، قال الشاعر (4):
وما خنت ذا وصل وأيت بوصله ... ولم أحرم المضطرّ إذ جاء قانعا
معناه: إذ جاء سائلا. وقال نصيب (5):
من ذا ابن ليلى جزاك الله مغفرة ... يغني مكانك أو يعطي كما تهب
قد كان عند ابن ليلى غير معوزه ... للفضل وصل وللمعترّ مرتغب
__________
(1) الفاخر 275، وليس في شعره.
(2) بلا عزو في الأضداد 67.
(3) سورة الحج: آية 36.
(4) عدي بن زيد، ديوانه 145. وفيه: وأبت بعهده.
(5) شعره: 64.(1/425)
وقال الآخر (1):
لعمرك ما المعترّ يأتي بلادنا ... لنمنعه بالضائع المتهضّم
وقولهم: ما أخطأ فلان من فلان نقرة
قال أبو بكر: معناه: ما أخطأ منه شيئا يسيرا، قال جميل (2):
بالله ربّك إن سألتك فاصدقي ... لا تكتميني نقرة وفتيلا
وقولهم: فلانة قينة
قال أبو بكر: القينة معناها في كلام العرب: الصانعة، والقين: الصانع، قال جرير (3):
تلفّت أنها تحت ابن قين ... حليف الكير والفأس الكهام
وقال خبّاب بن الأرتّ: كنت قينا في الجاهلية، فاجتمعت لي على العاص ابن وائل دراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: والله لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلم، فقلت له: لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث، قال: وإني لمبعوث. قلت: نعم، قال: فإنه سيكون لي ثمّ أهل وولد ومال فأقضيك دينك، فأنزل الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيََاتِنََا وَقََالَ لَأُوتَيَنَّ مََالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمََنِ عَهْداً} (4)، إلى قوله عز وجل: {وَيَأْتِينََا فَرْداً} (5).
وقال أبو عبيدة في قولهم: امرأة مقينّة: معناه: مزينّة، وقال: التقيين: التزيين، واحتج بالحديث الذي يروى عن بعض النساء أنها قالت: «أنا قينّت عائشة رحمها الله
__________
(1) حسان بن ثابت، ديوانه 183.
(2) ديوانه 190.
(3) ديوانه 207وفيه: تلفت وهي تحتك يا بن قين إلى الكيرين. وما أثبته المؤلف رواية النقائض 1014.
(4) سورة مريم: الآيتان 77، 78.
(5) سورة مريم: آية 88.(1/426)
حين هديت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم».
قال الراجز (1):
عليّ ديباج الشباب الأدهن ... في عتهيّ اللّبس والتقيّن
وقال: القينة: هي الأمة صانعة كانت أو غير صانعة، قال زهير (2):
ردّ القيان جمال الحيّ فاحتملوا ... إلى الظهيرة أمر بينهم لبك
أراد بالقيان: العبيد والإماء.
وقولهم: قد نكس المريض
قال أبو بكر: معناه: قد عاودته العلّة. يقال: نكست الخضاب، إذا أعدت عليه مرة بعد مرة، قال عبد الله بن سليم الأزدي (3):
لمن الديار بتولع فيبوس ... كالوشم رجّع في اليد المنكوس
وقولهم للهرّة: اخسئي
قال أبو بكر: معناه: تباعدي. قال الفراء: يقال: خسأت الكلب فانخسأ، أراد:
طردته وباعدته. قال الله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ} * (4)، معناه: مطرودين مبعّدين، وأنشد أبو عبيدة:
كالكلب إن قيل له اخسأ انخسأ
وأنشد أبو عبيدة أيضا:
فاخسأ إليك فلا كليبا نلنه ... والعامرين ولا بني ذبيان (5)
__________
(1) رؤية. ديوانه 161. وعتهي اللبس: نظيفة.
(2) ديوانه 164واللبك: المختلط.
(3) المفضليات 105. والبيت ملفق من صدر بيت وعجز آخر. وتولع ويبوس: موضعان.
والوشم المنكوس: الذي أعيد عليه الوشم. وينظر عن عبد الله: شرح المفضليات 190.
(4) سورة البقرة: آية 65، سورة والأعراف: آية 166.
(5) لجرير، ديوانه 1015. وفيه: فلا سليم منكم والعامران ولا بنو ذبيان.(1/427)
وقال الله عز وجل: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خََاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} (1) فالخاسئ:
المطرود، المبعد، والحسير: التعب الكالّ، أنشد الفراء:
إذا ما المهاري بلّغتنا بلادنا ... فبعد المهاري من حسير ومتعب (2)
وقول العامة: اخس، خطأ. حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا نصر ابن علي قال: أخبرنا الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: قال ابن أبي اسحاق لبكر بن حبيب: ما ألحن حرفا، قال: فمرت به سنّورة فقال لها: اخس، فقال: هذه، ألا قلت: اخسئي.
ويقال: هي السّنّور، والسنّورة، والهرّ، والهرّة، والضّيون.
وقولهم: قد خبّب فلان على فلان صديقه
قال أبو بكر: معناه: أفسده عليه، قال امرؤ القيس:
أدامت علي ما بيننا من نصيحة ... أميمة أم صارت لقول المخبّب
وقولهم: قد ازدمل فلان الحمل
قال أبو بكر: معناه: قد حمله. والزّمل عند العرب: الحمل. وازدمل افتعل من الزمل، أصله: ازتمله، فلما جاءت التاء بعد الزاي جعلت دالا، قال الكميت (3):
كما توضع الأثقال وهي مهمة ... بمسلمة استيلاؤها وازدمالها
وقولهم: لو أطعمتني المنّ والسّلوى ما ذقته
قال أبو بكر: المن عند العرب: ما منّ الله عز وجل به على خلقه من غير تكلّف لزرعه وسقيه. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين» (4).
فمعناه: الكمأة مما من الله به على خلقه بغير تعب ولا نصب. وقال المفسرون:
__________
(1) سورة الملك: آية 4.
(2) لم أقف عليه.
(3) الفاخر 287.
(4) صحيح مسلم 1620.(1/428)
المن: التّرنجبين. وقال الفراء: المن: شيء كان يسقط على الثّمام والعشر، وهو حلو كانوا يجتنونه. والسلوى: قال المفسرون: هو السّماني، والسلوى عند العرب: العسل، قال الشاعر (1):
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ... ألذّ من السّلوى إذا ما يشورها
وقال الآخر (2):
لو أطعموا المنّ والسلوى مكانهم ... ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا
وقولهم: قد ندّد فلان بفلان
قال أبو بكر: معناه: قد كثر القول فيه وتابع الاغتياب له، قال الأعشى (3):
كأنّ نعام الدّوّ باض عليهم ... إذا ريع يوما للصّريخ المندّد
وقولهم: فلان كثير الأثاث
قال أبو بكر: قال أبو زيد: الأثاث عند العرب: المال كلّه، الإبل، والغنم، والعبيد، والمتاع. وقال: واحد الأثاث: أثاثة. وقال أبو عبيدد: الأثاث عند العرب: المتاع، واحتج بقول الله عز وجل: {أَحْسَنُ أَثََاثاً وَرِءْياً} (4)، قال: فالأثاث: المتاع، والريّ: المنظر.
واحتج بقول الشاعر (5):
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الريّ الجميل من الأثاث
وقرأ سعيد بن جبير: (أحسن أثاثا وزيّا) بالزاي، وهو من قول العرب: زيّ فلان جميل، يريدون هيئته. وقال الفراء: يقال في جمع الأثاث: آثّة وأثث، ويقال في جمع المتاع: أمتعة ومتع وأماتيع، ولا واحد للمتاع.
__________
(1) خالد بن زهير الهذلي، ديوان الهذليين 1/ 158. وفيه: نشورها.
(2) الأعشى، ديوانه 87.
(3) ديوانه 132.
(4) سورة مريم: آية 74. وفي المصحف الشريف ورئيا.
(5) محمد بن نمير الثقفي في الكامل 603، وجمهرة اللغة 1/ 14.(1/429)
وقولهم: فلان كثير العقار
قال أبو بكر: العقار عند العرب: النخل، ثم كثر استعمالهم ذلك، حتى ذهبوا به إلى متاع البيت. وقال الأصمعي: العقار: الأرض والمنزل والضياع، وقال: هو مأخوذ من العقر: والعقر أصل الشيء، يقال: رأيت عقر المنزل وعقر المنزل، أي أصله، قال الشاعر (1):
كرهت العقر عقر بني شليل ... إذا هبّت لقاريها الرياح
وقولهم: فلان جائع نائع
قال أبو بكر: في النائع قولان، قال أكثر أهل اللغة: النائع: هو الجائع، وقالوا: هذا اتباع، كقولهم: شيطان ليطان، وحسن بسن، وعطشان نطشان. وقال بعضهم: النائع:
العطشان، واحتج بقول الشاعر (2):
لعمر بني شهاب ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النّياعا
فالأسل: أطراف الأسنّة، والنياع: العطاش إلى الدّم.
وقولهم: فلان على يدي عدل
قال أبو بكر: قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: العدل: هو العدل بن سعد العشيرة، وكان على شرط تبّع، وكان تبّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فجرى المثل به في ذلك الدهر، فصار الناس يقولون لكل شيء يبأسون منه: هو على يدي عدل.
وقولهم: لا أطلب أثرا بعد عين
قال أبو بكر: العين: نفس الشيء، يقال: هذا ثوبي بعينه وحقيقته. فمعنى هذا المثل: لا أترك نفس الشيء، وأطلب أثره. وقال قوم: العين: المعاينة، ومعنى المثل عندهم:
__________
(1) بلا عزو في اللسان (عقر).
(2) القطامي، زيادات ديوانه 182.(1/430)
لا أترك الشيء وأنا أعاينه، وأطلب أثره بعد أن يغيب عني. والعين أيضا عندهم:
الرقيب، قال جميل (1):
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
معناه: رمى الله في رقيبيها اللذين يرقبانها ويحولان بينها وبيني.
ويقولون: فلان عين الجيش، يريدون: رئيسه. والعين أيضا عندهم: مطر أيام لا يقلع. وقال أبو ذؤيب في العين التي تأويلها الرقيب:
ولو أنني استودعته الشمس لارتقت ... إليه المنايا عينها ورسولها
وقولهم: قد داريت الرّجل
قال أبو بكر: معناه: قد لاينته، أصل هذا من قولهم: قد داريت الظبي ودريته، إذا احتلت له وختلته حتى أصيده. قال الشاعر (2):
فإن كنت لا أدري الظباء فإنني ... أدسّ لها تحت التراب الدواهيا
ويقال في غير هذا: دارأت الرجل إذا دفعته بالهمز، وقد تدارأ الرجلان، إذا تدافعا. قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادََّارَأْتُمْ فِيهََا} (3).
معناه: فتدافعتهم فيها. ويجوز ترك الهمز. قال بعض الحكماء: (لا تتعلموا العلم لثلاث، ولا تتركوه لثلاث، لا تتعلموه للتداري ولا للتماري ولا للتباهي، ولا تدعوه رغبة عنه، ولا رضى بالجهل منه، ولا استحياء من التعلم).
وقولهم: استأصل الله شأفته
قال أبو بكر: الشأفة عند العرب: قرحة تخرج في الرجل، فتكوى، فتبرأ ويزول أثرها، فيقال: شئفت رجل الرجل تشأف شأفا. فإذا دعي على الرجل فقيل: استأصل
__________
(1) ديوانه 53.
(2) عبد الله بن محمد الخولاني في اللآلي 806. بلا عزو في الملاحن 28، وإعراب ثلاثين سورة 40، والتمام في تفسير أشعار هذيل 190.
(3) سورة البقرة: آية 72.(1/431)
الله شأفته، فمعناه: أذهبه الله، كما أذهب القرحة التي كانت في رجله، أو تكون في رجل غيره.
وقولهم: قد استشاط فلان
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: أن يكون استشاط: احتدّ وتحرّق، من قول العرب: ناقة مشياط، إذا طار فيها السّمن. والقول الآخر: أن يكون معنى استشاط:
احتدّ، وأشرف على الهلاك، من قول العرب: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك، قال الأعشى (1):
قد نطعن العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل
وقولهم: في الجواب: بلى ونعم
قال أبو بكر: قال الفراء: بلى تكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد، فإذا قال الرجل للرجل: ألست تقوم؟ قال: بلى. نعم تقع جوابا للكلام الذي لا جحد فيه. فإذا قال الرجل للرجل: هل تقوم؟ قال: نعم. قال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قََالُوا بَلى ََ} (2). وقال عز وجل: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} (3). وقال في نعم: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مََا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قََالُوا نَعَمْ} (4). وإنما صارت بلى تتصل بالجحد، لأنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهي بمنزلة (بل) وبل سبيلها أن تأتي بعد الجحد كقولهم: ما قام أخوك بل أبوك، وما أكرمت أخاك بل أباك. فإذا قال الرجل: ألا تقوم، فقال له: بلى، أراد: بل أقوم، فزاد الألف على بل ليحسن السكوت عليها، لأنه لو قال له: بل، كان يتوقع كلاما بعد (بل)، فزاد الألف على بل ليزول عن المخاطب
__________
(1) ديوانه 47.
(2) سورة الملك: آية 67.
(3) سورة الأعراف: آية 172.
(4) سورة الأعراف: آية 44.(1/432)
هذا التوهم. قال الله تعالى: {وَقََالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النََّارُ إِلََّا أَيََّاماً مَعْدُودَةً} (1). ثم قال بعد: {بَلى ََ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} (2)، فأتى بها بعد الجحد، والمعنى: بل من كسب سيئة.
وفي نعم لغتان: نعم بفتح العين، ونعم بكسر العين. قرأ الكسائي وغيره: = قالوا نعم =، وروى قتادة عن رجل من خثعم قال: (دفعت إلى رسول الله وهو بمنى فقلت له:
أنت تزعم أنك نبيّ فقال: نعم)، وكسر العين. وقال رجل لأبي وائل شقيق بن سلمة:
أشهدت صفّين؟ فقال: نعم وبئست الصّفّون.
وقال رجل لأبي وائل: أسمعت عبد الله بن مسعود يقول: (من شهد أنه مؤمن فليشهد أنّه في الجنة)؟ قال: نعم، وكسر العين. وقال بعض ولد الزبير: (ما كنت أسمع أشياخ قريش يقولون إلّا نعم) بكسر العين.
وقال أبو عثمان الهندي: (أمرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلنا: نعم، فقال:
لا تقولوا نعم ولكن قولوا: نعم)، بكسر العين. وقال بعض العرب: كان أبي إذا سمع رجلا يقول: نعم، قال: نعم وشاء، إنما هي نعم بكسر العين. وقال الشاعر في اللغتين جميعا:
دعاني عبد الله نفسي فداؤه ... فيالك من داع دعانا نعم نعم (3)
وقولهم: القوم خول فلان
قال أبو بكر: معناه: القوم أتباعه. وواحد الخول: خائل. قال الفراء: يقال: فلان يخول على عياله، أي: يرعى عليهم، وقال: الخول: الرّعاة.
وقال غير الفراء: خول الرجل: الذين يملك أمرهم، وقال: هو من قولهم: خوّلك الله مال فلان، أي: ملّكك إيّاه.
__________
(1) سورة البقرة: آية 80.
(2) سورة البقرة: آية 80.
(3) بلا عزو في منثور الفوائد ق 8ب.(1/433)
وقولهم: قد طلّق فلان فلانة ثلاثا بتّة
قال أبو بكر: معناه: قاطعة، أي: قطعت الثلاث حبائلها من حبائله. قال الفراء:
يقال: أبتتّ على فلان القضاء وبتتّ، أي قطعت. قال الأصمعي: لا يقال: أبتتّ بالألف، ولكن يقال: بتتّ بغير ألف.
ويقال: طلقها ثلاثا بتّة بتلة. فالبتلة أيضا: القاطعة، من قولهم: بتلت الشيء، إذا قطعته، من ذلك قولهم في صفة مريم عليها السلام: العذراء البتول، فالبتول: المقطوعة عن الرجال. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تبتّل في الإسلام» (1)، فمعناه: لا يتقرب المسلم إلى ربّه بترك التزويج، كما يفعل الرهبان، وغيرهم من الكفار. وقال الله عز وجل: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (2).
فمعناه: وانقطع إليه انقطاعا. وقال امرؤ القيس (3):
تضيء الظلام بالعشاء كأنّها ... منارة ممسى راهب متبتّل
وقال أمية بن أبي الصلت في صفة مريم عليها السلام:
أنابت لوجه الله ثم تبتّلت ... فسبّح عنها لومة المتلوّم
وقولهم: قد رفع الرجل عقيرته
قال أبو بكر: معناه: قد رفع صوته. والأصل في هذا: أن رجلا قطعت إحدى رجليه، فرفعها، فوضعها على الأخرى، ورفع صوته بالبكاء والنوح عليها، فجعل ذلك مثلا. فقيل لكل من رفع صوته: قد رفع عقيرته والأصل في العقيرة: المعقورة، فصرف عن مفعولة إلى فعيلة، ودخلت هاء التأنيث، لأن العقيرة أجريت مجرى النطيحة والذبيحة.
__________
(1) النهاية 1/ 94وفيه: (لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام).
(2) سورة المزمل: آية 8.
(3) ديوانه 17. والمنارة: المسرجة، ويحتمل أن يريد صومعة الراهب، لأنه يوقد النار في أعلاها للطارق.(1/434)
وقولهم: فلان يحابي فلانا
قال أبو بكر: معناه: يسامحه ويساهله. من قولهم: قد حبوت الرجل أحبوه، إذا أفضلت عليه وأحسنت إليه، قال النابغة (1):
حبوت بها غسّان إذ كنت لا حقا ... بقومي وقد أعيت علىّ مذاهبي
وقولهم: قد مضى فلان إلى المآصر
قال أبو بكر: العامة تخطئ فيه فتفتح الصاد، والصواب كسرها. ومعنى المآصر في اللغة: الموضع الحابس، من قولهم: قد أصرت فلانا على الشيء أصره أصرا، إذا حبسته عليه وعطفته. يقال: ما تأصرني على فلان آصرة، أي: ما تحبسني عليه حابسة ولا تعطفني عليه عاطفة، قال الشاعر:
عطفوا عليّ بغيرآ ... صرة فقد عظم الأواصر
والإصر بكسر الهمزة: الثقل. قال الشاعر (2):
يا مانع الضّيم أن يغشى صحابته ... والحامل الإصر عنهم بعدما غرقوا
والإصر أيضا: العهد، قال الله عز وجل: {وَأَخَذْتُمْ عَلى ََ ذََلِكُمْ إِصْرِي} (3).
معناه: عهدي.
وقال الشاعر:
أجود على الأباعد باجتداء ... ولم أحرم ذوي قربى وإصر (4)
وقال الآخر:
ولا تعطين في كل يوم كفالة ... تقرّر فيها بالمواثيق والإصر (5)
والأيصر، وجمعه أياصر: شيء من الحشيش، قال الأعشى (6):
__________
(1) ديوانه 64، وفيه: وإذ أعيت.
(2) النابغة في تفسير القرطبي 3/ 432. ولم أعثر على البيت في دواوين النوابغ الثلاثة المطبوعة.
(3) سورة آل عمران: آية 81.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) ديوانه 36. والخصوص: جمع خص وهو البيت، والخصوص أيضا: موضع قريب من الكوفة. والاصار كالأيصر.(1/435)
دفعن إلى اثنين عند الخصوص ... قد حبسا بينهنّ الإصارا
وقولهم: قد صدق بنو فلان بني فلان القتال
قال أبو بكر: معناه: قد اشتدّوا وتخشّنوا. من قول العرب: رجل صدق، إذا كان صلبا. ويقال: رجل صدق اللقاء، إذا كان شديد اللقاء، قال متمّم بن نويرة (1) يرثي أخاه مالكا:
وإن ضرّس الغزو الرجال رأيته ... أخا الحرب صدقا في اللقاء سميدعا
وقولهم: فلان أعجمي
قال أبو بكر: قال بعضهم: الأعجمي معناه في كلام العرب: الذي في لسانه عجمة، وإن كان من العرب. والعجمي: الذي أهله من العجم، وإن كان فصيح اللسان. يقال: رجل أعجميّ ورجل أعجم، إذا كان في لسانه عجمة.
ويقال للدواب: عجم لأنها لا تتكلم. ويقال: للظهر والعصر: العجماوان لأنهما لا يجهر فيهما بالقراءة. قال الحسن: (من ذكر الله عز وجل في السوق كان له من الأجر بعدد كلّ من فيها من فصيح وأعجم). يريد بالأعجم: البهائم. وقال الله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنََاهُ عَلى ََ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} (2)، أراد الذين في ألسنتهم عجمة. وقال ذو الرمة (3):
أحبّ المكان القفر من أجل أنّني ... به أتغنّى باسمها غير معجم
__________
(1) شعره 108. وضرس: أثر وأجهد، السميدع: الجميل الشجاع.
(2) سورة الشعراء: آية 198.
(3) المجنون، ديوانه 86، وفيه: هواي الذي بين الضلوع.(1/436)
معناه: غير مخف من الكلام. وقال الآخر (1):
ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الفرع ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت غناء أعجميّا فهيّجت ... جواي الذي كانت ضلوعي أجنّت
وقال الفراء وأبو العباس: الأعجم: الذي في لسانه عجمة، والأعجمي: بمعنى العجميّ قال أبو بكر: فقولهما هو الصحيح عندنا.
وقولهم: فلان أعرابي
قال أبو بكر: قال الفراء: الأعراب: أهل البادية، والعرب: أهل الأمصار. فإذا نسب الرجل إلى أنه من أعراب البادية قيل: أعرابي، قال الفراء: ولا تقول: عربي، لئلا يلتبس بالنسبة إلى أهل الأمصار. قال الفراء: وإذا نسبت رجلا إلى أنه يتكلم بالعربية، وهو من العجم قلت: رجل عرباني. وإنما سميت العرب عربا، لحسن بيانها في عبارتها وإيضاح معانيها، من قول العرب: قد أعربت عن القوم، إذا تكلمت عنهم، وأبنت معانيهم.
جاء في الحديث: (البكر إذنها صماتها، والثّيب يعرّب عنها لسانها) (2). يريد:
يبيّن. وقال إبراهيم النخعي: (كانوا يستحبون أن يلقّنوا الصبي حتى يعرب: لا إله إلا الله، ثلاث مرات). فمعنى يعرب: يبيّن الكلام، قال الشاعر يذكر حمامتين:
لا يعربان لنا قولا فنفهمه ... وما هما في مقال أعجميّان (3)
أراد: لا يبينان لنا قولا.
وقولهم: قد تطيّب فلان بالعبير
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: العبير عند العرب: الزعفران وحده، وأنشد
__________
(1) ديوانه 1172.
(2) ينظر: صحيح مسلم 1037، غريب الحديث 1/ 162.
(3) لم أقف عليه.(1/437)
للأعشى (1):
وتبرد برد رداء العرو ... س بالصيف رقرقت فيه العبيرا
قال: معناه: رقرقت فيه الزعفران. ومعنى رقرقت: رقّقت، فاستثقل الجمع بين ثلاث قافات، فأبدل من القاف الثانية راء، كما قالوا: تكمكم الرجل: إذا لبس الكمّة، وهي القلنسوة، والأصل فيه تكمّم، فأبدلوا من الميم الثانية كافا. وقال غير أبي عبيدة:
العبير عند العرب: أخلاط من ضروب من الطيب، واحتج بالحديث الذي يروى:
(أتعجز إحداكنّ أن تتخذ تومتين ثم تلطخهما بعبير أو زعفران) (2).
قال: فتفريقه بين العبير والزعفران دليل أنه غيره. والتومة شبيهة: بالحبة تتخذ من الذهب والفضة.
وقولهم: فلانة ظعينة فلان
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: أصل الظعينة، المرأة في الهودج، ثم كثر ذلك، حتى صارت العرب تقول: فلانة ظعينة فلان، يريدون زوجته. ويقال لامرأة الرجل: هي زوجته وزوجه، قال الله عز وجل: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} * (3).
وقال علقمة بن عبدة:
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إليّ ثم تصدّعوا
وأنشد الفراء (4):
وإنّ الذي يمشي يحرّش زوجتي ... كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها
ويروى: وإنّ الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع ويقال لامرأة الرجل: هي سكنه، لأنه يسكن إليها.
__________
(1) ديوانه 69.
(2) الفائق 1/ 157، النهاية 3/ 171.
(3) سورة البقرة: آية 35، سورة الأعراف: آية 11.
(4) المذكر والمؤنث 95. والبيت للفرزدق، ديوانه 2/ 61، وفيه: فإن امرأ يسعى يخبب.
والشرى: موضع كثير الأسد، ويستبيلها: يطلب بولها.(1/438)
وقال أبو عبيدة: يقال لامرأة الرجل: هي فراشه، وإزاره، ومحلّ إزاره، ومحلّ مئزره. قال الله عز وجل: {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ} (1).
وأنشدنا أبو العباس:
إذا ما الضّجيع ثنى عطفها ... تثنّت عليه وكانت لباسا (2)
وقال الآخر (3):
ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري
أراد: نسائي. ويقال لامرأة الرجل: هي أمّ الحيّ وأمّ العيال. ويقال: هي حنّة فلان.
قال الشاعر (4):
ما أنت بالحنّة الودود ولا ... عندك خير يرجى لملتمس
ويقال: هي طلّته أي: زوجته، قال الشاعر (5):
وإنّ امرءا في الناس كنت ابن أمّه ... تبدّل مني طلّة لغبين
دعتك إلى هجري فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسي بذاك تهين
وقال الآخر (6):
ألا بكرت طلّتي تعذل ... وأسماء في قولها أعدل
تريد سليماك جمع التلاد ... والضيف يطلب ما يأكل
ويقال لامرأة الرجل: هي ربضه وهي عرسه، قال الشاعر:
__________
(1) سورة البقرة: آية 187.
(2) للنابغة الجعدي، ديوانه 81. وفيه: ثنى جيدها.
(3) أبو المنهال بقيلة الأكبر الأشجعي في المؤتلف والمختلف 82، وبلا عزو في تأويل مشكل القرآن 143، والعمدة 1/ 312.
(4) قتاجة اليشكري في التنبيه للبكري 24وفيه: بالحنة الولود.
(5) لم أقف عليه.
(6) لم أقف عليه.(1/439)
جاء الشتاء ولّما أتخذ ربضا ... يا ويح كفّيّ من حفر القراميص (1)
القراميص: جمع قرموص، والقرموص: حفرة تحفر في الأرض توقد فيها النار. قال امرؤ القيس في العرس:
كذبت لقد أصبي على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزنّ بها الخالي
ويقال لامرأة الرجل: هي قعيدته، قال الشاعر (2):
لهنّ خباء لا قعيدة عنده ... سواي لمسترخي العماد خفوق
تطوف به جنح العشيّ ظعينة ... طويلة أنقاء اليدين سحوق
ويقال لامرأة الرجل: هي بيته، قال الراجز (3):
أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت
ما لي إذا أنزعها صأيت ... أكبر غيّرني أم بيت
ويقال لامرأة الرجل: هي شهلته، قال الشاعر:
له شهلة شابت وما مسّ جيبها ... ولا راحتيها الشثنتين عبير
وقولهم: ما كلّمت فلانا حينا
قال أبو بكر: الحين عند العرب: الوقت من الزمان غير محدود، وقد يجيء محدودا، قال الله عز وجل: {تُؤْتِي أُكُلَهََا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهََا} (4).
معناه: كل عام. وقال تعالى: {ثُمَّ بَدََا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا رَأَوُا الْآيََاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتََّى حِينٍ} (5)، معناه: إلى سبع سنين. وقال عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتََّى حِينٍ} (6)
معناه: إلى يوم القيامة.
__________
(1) بلا عزو في اللسان (قرمص).
(2) الاسعر الجعفي في اللسان (قعد).
(3) اللسان (حين).
(4) سورة إبراهيم: آية 25.
(5) سورة يوسف: آية 35.
(6) سورة الصافات: آية 174.(1/440)
وقال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتََاعٌ إِلى ََ حِينٍ} * (1). معناه: إلى انقضاء الآجال. وقال جل ثناؤه: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (2). فالحين هاهنا: أربعون سنة. ويقال: أن الله خلق آدم عليه السلام ولم ينفخ فيه الروح أربعين سنة، فكان خلقا، ولم يكن شيئا مذكورا، لأنه لا روح فيه. والحين أيضا: ثلاثة أيام، قال الله عز وجل: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتََّى حِينٍ} (3).
معناه: إلى ثلاثة أيام. وقال الشاعر (4) في الحين الذي ليس بمحدود:
ماذا مزاحك بعد العلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين
معناه: في غير وقت الجهل.
وقولهم: شتم فلان عرض فلان
قال أبو بكر: معناه: ذكر أسلافه وآباءه بالقبيح. والعرض عند العرب الأسلاف والآباء، ذكر ذلك أبو عبيدة. وأنكر عليه عبد الله بن مسلم بن قتيبة أن يكون العرض:
الآباء والأسلاف، وقال: العرض: نفس الرجل، واحتج بالحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم في صفة أهل الجنة: «ولا يبولون ولا يتغوّطون إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك» (5).
قال فمعنى من أعراضهم: من أنفسهم وأبدانهم. قال أبو بكر: وليس في احتجاجه بهذا الحديث حجة له، لأن الأعراض عند العرب: المواضع التي تعرق من الجسد، والذي يدل على غلطه في هذا التأويل قول مسكين الدارمي (6):
ربّ مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب
__________
(1) سورة الأعراف: آية 24.
(2) سورة الإنسان: آية 1.
(3) سورة الذاريات: آية 43.
(4) جرير. ديوانه 557. وفيه: ما بال جهلك.
(5) غريب الحديث 1/ 154.
(6) ديوانه 23.(1/441)
فمعناه: رب مهزول البدن والجسم، كريم الآباء. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: (كأنّي بك عند رجل من قريش قد بسط لك نمرقة وكسر أخرى، وقال: يا حطيئة غنّنا، فاندفعت تغنيه بأعراض الناس). فمعناه: بثلب أسلافهم وآبائهم.
وقال الآخر (1):
ولكنّ أعراض الكرام مصونة ... إذا كان أعراض اللئام تفرفر
وقال الآخر (2):
قاتلك الله ما أشدّ علي ... ك البذل في صون عرضك الجرب
يريد: في صون أسلافك اللئام. وقال حسان بن ثابت (3):
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
معناه: فإن أبي ووالده وآبائي، فأتى بالعموم بعد الخصوص، ذكر الأب، ثم جمع الآباء، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (4).
فخص السبع، ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره إيّاها. وروى الحسن عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
«أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني قد تصدّقت بعرضي على عبادك» (5). أي قد تصدقت به عليهم بما يلحقوني من الأذى في أسلافي، فجعلتهم من إثم ذلك في حلّ. وقال أبو الدرداء: (اقرض من عرضك ليوم فقرك).
أي من سبّ آباءك وأسلافك، فلا تسبّ آباءه وأسلافه، ولكن اجعل ذلك قرضا عليه ليوم القصاص والجزاء.
وقال عبد الله بن مسلم: العرض في هذا الحديث: النفس، وقال لا يجوز أن يكون الأسلاف لأنه إذا ذكر أسلافه بسوء لم يكن التحليل إليه، لأنه ذكر قوما موتى. قال
__________
(1) والبيت بلا عزو في اللسان (عرض). وتفرفر: تشقق.
(2) بلا عزو في اللسان (عرض).
(3) ديوانه 76.
(4) سورة الحجر: آية 87.
(5) الفائق 2/ 412.(1/442)
أبو بكر: وليس المعنى عندنا في هذا كما قال، لأنه لم يحلّله من سبه الآباء، وإنما أحلّه مما أوصل إليه من الأذى في ذكره أسلافه. وقال أبو سفيان بن عيينة: (لو رجلا أصاب من عرض رجل شيئا، ثم جاء إلى ورثته بعد موته، وإلى أهل الأرض جميعا، لم يكن في ذلك كفارة له ولو أصاب من مال رجل شيئا ثم دفعه إلى ورثته بعد موته، لكنا نرى ذلك كفارة له، فعرض الرجل أشدّ من ماله).
يريد بالعرض: الأسلاف. ويقال: عرضت الكتاب أعرضه عرضا، وكذلك عرضت الجند، وعرضت الجارية على البيع عرضا، وأعرض فلان عن الشيء يعرض إعراضا، وأعرض لك الشيء إذا بدا كأنّه ولّاك عرضه، قال عمرو بن كلثوم (1):
وأعرضت اليمامة واشمخرّت ... كأسياف بأيدي مصلتينا
ويقال: عرض الشيء يعرض عرضا، والعرض: خلاف الطول. والعرض: الوادي وجمعه أعراض، أنشد الفراء (2):
لعرض من الأعراض يمسي حمامة ... ويضحي على أفنانه الغين يهتف
أحبّ إلى قلبي من الديك ريّة ... وباب إذا ما مال للغلق يصرف
ويقال: ناقة عرضيّة، إذا كانت شديدة النشاط في السير، قال الشاعر (3):
ومنحتها قولي على عرضيّة ... علط أداري ضغنها بتودّد
وقولهم: قد أدلج الرجل
قال أبو بكر: العامة تخطئ في تأويله فتقول: أدلج الرجل: إذا سار من آخر الليل.
والإدلاج عند العرب: سير الليل من أوله إلى أن يقرب آخره. والإدلاج والدّلجة: سير آخر الليل، يقال: قد أدلج الرجل إذا سار من أول الليل إلى أن يقرب آخره، وقد ادّلج
__________
(1) شرح القصائد السبع 383، شرح القصائد التسع 625.
(2) معاني القرآن 2/ 35بلا عزو. والغين: جميع غيناء، وهي الخضراء الكثيرة الورق. ورية:
رؤية.
(3) ابن أحمر، شعره: 52. والعرضية: الناقة الصعبة. والعلط: الناقة بلا سمة أو بلا خطام.(1/443)
ادّلاجا، إذا سار من آخر الليل، قال الراجز (1) يذكر إبلا:
كأنّها وقد براها الأخماس ... ودلج الليل وهاد قيّاس
يريد بالدلج سير أول الليل. وقال الآخر (2):
فباتوا يدلجون وبات يسري ... بصير بالدّجي هاد هموس
الهادي الهموس: الأسد، ويروى غموس بالغين. وقال بعض أهل اللغة: أخطأ الشمّاخ (3) في قوله:
وتشكو بعين ما أكلّ ركابها ... وقول المنادي أصبح القوم أدلجي
فقال: لا يكون الإدلاج إذا قرب الصبح. قال أبو بكر: ليس الأمر عندنا في البيت كما قال، إنما هو على أن المنادي نادى: قد أصبحتم في أول الليل، أو في وسطه قد أصبحتم، ليحرضهم على السرى، كما يقول الرجل للقوم: أصبحتم كم تنامون في جوف الليل؟ ليحرضهم على القيام والعمل.
وفي الدّلجة والدّلجة قولان: قال قوم: الدّلجة: سير أول الليل، والدّلجة: سير آخر الليل. وقال آخرون: الدّلجة والدّلجة لغتان معناهما واحد، كما تقول العرب: برهة من الدهر، وبرهة من الدهر.
وقولهم: قد تهجّد الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد سهر في ذكر الله عز وجل، وترك النوم. وتهجّد تفعّل من الهجود، وهو السهر. يقال: قد هجد الرجل هجودا إذا سهر، وهجد هجودا إذا نام،
__________
(1) الشماخ، ديوانه 399. والأخماس: جمع خمس، وهو أن ترد الإبل الماء يوما، وتدعه ثلاثة أيام، ثم ترد في اليوم الخامس. والقياس: الذي يقيس طريقا بطريق، فيأخذ بالأشبه.
(2) أبو زبيد الطائي، شعره: 94.
(3) ديوانه 77. قال التبريزي في شرح بانت سعاد 33: (والقيل والقال والقول: ثلاثتهما أسماء، ومنه قول الشاعر: وقال المنادي أصبح القوم الدلجي. ويروى: وقول المنادي، وقيل المنادي). وكذا قال ابن هشام في شرح بانت سعاد 78. وقال أبو البركات الأنباري في شرح بانت سعاد 220: (والقيل والقول والقال بمعنى).(1/444)
وهو حرف من الأضداد. قال الله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نََافِلَةً لَكَ} (1).
معناه: فاسهر بذكر الله والقرآن. وسبّ أعرابيّ امرأته فقال: عليها لعنة المتهجّدين، أي: الساهرين بذكر الله. وقال الحطيئة (2):
فحيّاك ودّ ما هداك لفتية ... وخوص بأعلى ذي طوالة هجّد
يريد بالهجد: السواهر. وقال المرقش (3):
سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرّقني وأصحابي هجود
أراد بالهجود: النّيام. وقال الراجز (4):
وحاضرو الماء هجود ومصلّ
وقال الآخر (5):
لقد هلك امرؤ ظلّت عليه ... بشطّ عنيزة بقر هجود
أراد: ظلّت عليه نساء كالبقر سواهر. وقال الأخطل (6):
أسرى لأشعث هاجد بمفازة ... بخيال ناعمة السّرى مكسال
أراد بالهاجد: الساهر. وقال لبيد (7):
قال هجّدنا فقد طال السّرى ... وقدرنا إن خنى الدهر غفل
السّرى: سير الليل. ومعنى هجّدنا: نوّمنا. يقال: سرى الرجل وأسرى، إذا سار بالليل، قال الله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} * (8).
وقرأ نافع وغيره: (فاسر بأهلك)، فأخذه من سريت، والذين خالفوه وقطعوا
__________
(1) سورة الإسراء: آية 79.
(2) ديوانه 148. وود صنم (ينظر: الأصنام 10). وخوص: إبل غائرة العيون، وذو طوالة: مكان.
(3) شعره: 874.
(4) بلا عزو الأضداد 50.
(5) بلا عزو في الأضداد 50.
(6) ديوانه 322 (صالحاني)، 689 (قباوة).
(7) ديوانه 182. وخنى الدهر: أحداثه.
(8) سورة هود: آية 81.(1/445)
الألف، أخذوه من أسريت، قال النابغة (1):
سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشّمال عليه جامد البرد
فهذا حجّة لنافع. وقال الآخر (2) حجّة للذين قطعوا الألف:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقّافا بغير معصّر
وقال الآخر في الهجود:
بسير لا ينيخ الركب فيه ... لساعات الكرى إلّا هجودا
وقال الأخطل (3):
عوامد للألجام ألجام حامر ... يثرن قطا لولا سراهنّ هجّدا
وقولهم: فلان معربد
قال أبو بكر: المعربد معناه في كلام العرب: الذي تأتي منه أفعال قبيحة لا يعتمدها، ولا يعتقد الأذى بها. أخذ من العربدّ، وهو عندهم حيّة تنفخ ولا تؤذي.
ويقال للمعربد: السّوّار، أخذ من السّورة، وهي الغضب والحدّة.
وقولهم: هذا من فيء المسلمين
قال أبو بكر: معنى الفيء في اللغة: ما كان للمسلمين خارجا عن أيديهم، فرجع إليهم، من قول العرب: قد فاء الرجل يفيء فيئا، إذا رجع. قال الله عز وجل:
{فَقََاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتََّى تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ} (4). معناه: حتى ترجع إلى أمر الله. ويقال للموضع الذي تكون فيه الشمس ثم تزول عنه: فيء، لأنه عاد إلى مثل الحال التي كان عليها قبل أن تقع فيه الشمس. ويقال لما كان قبل طلوع الشمس: ظلّ، ولما كان بعد
__________
(1) ديوانه 8.
(2) لبيد، ديوانه 49. وبغير معصر: بغير منجاة.
(3) ديوانه 91 (صالحاني) 303 (قباوة). والعوامد: جمع عامدة، وهي القاصدة. والألجام: جمع لجم، وهو ما بين السهل والجبل. وحامر: أرض.
(4) سورة الحجرات: آية 9.(1/446)
زوال الشمس: فيء وظل جميعا. والظل معناه: في اللغة: الستر، يقال: لا أزال الله عنا ظلّ فلان، أي: ستره لنا. ويقال: هذا ظل الشجرة، أي سترها وتغطيتها.
ويقال لظلمة الليل: ظل، لأنها تستر الأشياء وتغطيها، وقال ذو الرمة (1):
قد أعسف النازح المجهول معسفه ... في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم
يريد بالأخضر: الليل، وقال امرؤ القيس (2):
تيمّمت العين التي عند ضارح ... يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي
ويقال للظل والفيء: الأبردان، قال الشاعر (3):
إذا الأرطى توسّد أبرديه ... خدود جوازيء بالرمل عين
يريد بالأبردين: الظل والفيء في وقت نصف النهار. والجوازيء: الظباء، يقول:
كانت هذه الظباء في ظلّ، فلما زالت الشمس تحوّل الظلّ، فصار فيئا، فحوّلت وجوهها.
وقولهم: الدابّة في الآريّ
قال أبو بكر: العامة تخطئ في الآري، فتظن الآري: المعلف، وليس هو كذلك عند العرب، إنما الآري عندهم: الأخبية التي تحبس بها الدابة وتلزم بها موضعا واحدا، وهو مأخوذ من قولهم: قد تأرّى الرجل المكان، إذا أقام به، قال الأعشى (4):
لا يتأرّى لما في القدر يرقبه ... ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
فمعناه: لا يلزم الموضع ويقيم به انتظارا لما في القدر.
__________
(1) ديوانه 401. وفيه: في ظل أغضف. وأعسف: أخذ في غير هدى. والنازج: القفر، ومعسفه: مأخذه على غير هدى.
(2) ديوانه 476. وضارج: جبل (صفة جزيرة العرب 178). والعرمض: الطحلب. وطامي:
مرتفع.
(3) أمالي ابن بري على الصحاح ق 3ب وفيه: (والأبردان: الظل والفيء. سميا بذلك لبردهما.
والأبردان أيضا: الغداة والعشي). وينظر: جني الجنتين 13.
(4) هو أعشى باهلة، واسمه عامر بن الحارث، والبيت في الصبح المنير 268، وقد مر شرحه.(1/447)
وقولهم: قد قرظت الرجل تقريظا
قال أبو بكر: التقريظ معناه في كلام العرب: المدح للحيّ، والتأبين: المدح للميّت، قال متمم بن نويرة (1):
لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا
وقولهم: قد جاءت القافلة
قال أبو بكر: القافلة عند العرب: الرفقة الراجعة من السفر، يقال: قفل الجند يقفلون، إذا رجعوا. والعامة تخطئ في القافلة، فتظن أن القافلة: الرفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، وليس الأمر في ذلك عند العرب على ما يظنون. ويقال في جمع القافلة: قوافل. ويقال: رجل قافل، إذا كان راجعا من السفر. ويقال في جمع القافل:
قافلون وقفّل قفّال، قال امرؤ القيس (2):
نظرت إليها والنجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال
وقال الصلتان في جمع القافلة:
قل للقوافل والغزاة إذا غزوا ... والباكرين وللمجدّ الرائح (3)
وقولهم: رجل لئيم
قال أبو بكر: اللئيم عند العرب: الشحيح، المهين النفس، الخسيس الآباء، فإذا كان الرجل شحيحا، ولم تجتمع فيه هذه الخصال قيل له: بخيل، ولم يقل له لئيم. يقال لكل لئيم: بخيل، ولا يقال لكل بخيل: لئيم. والعامة تخطئ فيهما، فتسوي بينهما. ويقال:
قد لؤم الرجل يلؤم فهو لئيم. ويقال: قد ألام الرجل فهو مليم: إذا أتى ما يستحق اللوم
__________
(1) شعره: 106.
(2) ديوانه 31.
(3) البيت لزياد الأعجم في رثاء المغيرة بن المهلب في أمالي اليزيدي 1. وروايته: قل للقوافل والغزي.(1/448)
عليه، قال الشاعر (1):
سفها عذلت ولمت غير مليم ... وهداك قبل اليوم غير حكيم
وقال الآخر (2):
بكرت عليّ تلومني بصريم ... فلقد عذلت ولمت غير مليم
وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} (3).
ويقال: قد ليم الرجل فهو ملوم، إذا لامه الناس، قال الله عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمََا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (4). ويقال: رجل ملآم، إذا كان يقوم بعذر اللئام.
وقولهم: عرفت ذلك في حماليق عينيه
قال أبو بكر: الحماليق: باطن الأجفان، واحدهما: حملاق، قال عبيد بن الأبرص (5):
فدبّ من رأيها دبيبا ... والعين حملاقها مقلوب
والأجفان: أغطية العينين من تحت ومن فوق. والأشفار: حروف الأجفان التي تلتقي عند التغميض، واحدها: شفر، وفيها الشعر نابت. ويقال للشعر: الهدب.
والحدقة: سواد العين. والشحمة التي فيها البياض والسواد يقال لها: المقلة. وإنسان العين:
المثال الذي في السواد والذي تسميه العامة: البؤبؤ. أنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال:
أنشدنا الزبير بن بكار، لعروة بن حزام (6):
أفي كلّ عام أنت رام بلادها ... بعينين إنسانا هما غرقان
ألا فاحملاني بارك الله فيكما ... إلى حاضر الرّوحاء ثم ذراني
__________
(1) لبيد، ديوانه 107وروايته: وقلت غير وبكاك قد ما غير جد حكيم.
(2) بلا عزو في الأضداد 84.
(3) سورة الصافات: آية 142.
(4) سورة الذاريات: آية 54.
(5) ديوانه 19.
(6) شعره: 10. والروحاء: قرية. وعروة بن حزام العذري: أحد عشاق العرب، وصاحب عفراء، ت زمن معاوية. (الشعر والشعراء 622، نواد القالي 157. الخزانة 1/ 533).(1/449)
وقال ذو الرمة (1):
وإنسان عيني يحسر الماء مرّة ... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق
وغار العين: المستدير حولها، يقال له: المحجر، ويقال في جمعه: محاجر.
والعظمان المشرفان على العينين، يقال لهما: الحجاجان، قال الشاعر:
وعين لها من ذكر صعبة واكف ... إذا غلضها كانت وشيكا جمومها
تنام قريرات العيون وبينها ... وبين حجاجيها قذى لا ينيمها (2)
وطرف العين: الذي يلي الأنف، يقال له: الماق والموق، وطرف العين من الجانب يقال له: اللّحاظ.
وقولهم: حمة العقرب
قال أبو بكر: العامة تخطئ في لفظ الحمة، فتشدد الميم منها، وهي مخففة عند العرب، لا يجوز تشديدها، وتخطئ في تأويلها، فتظن أن الحمة: الشوكة التي تلسع بها، وليس هو كذلك، إنما الحمة: السّمّ، سمّ الحية والعقرب والزنبور، ويقال للشوكة:
الإبرة. قال ابن سيرين: (يكره التّرياق إذا كانت فيه الحمة). يريد بالحمة: السم، وقصد بالحمة: قصد لحوم الحيات لأنها سمّ. وجاء في الحديث: (لا رقية إلّا من نملة أو حمة أو نفس) (3).
فالنملة: قروح تخرج على الجنب، تزعم المجوس: أن ولد الرجل إذا كان من أخته، فخطّ على تلك القروح، شفي صاحبها، قال الشاعر (4):
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وإنّا لا نخطّ على النّمل
أراد: لسنا مجوسا، ننكح الأخوات. والنفس: العين، يقال: قد أصابت فلانا
__________
(1) ديوانه 461. وحسر: انحدر. ويجم: يجتمع.
(2) هما بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 181.
(3) النهاية 2/ 255.
(4) عمرو بن حممة الدوسي. ويروى لمزاحم العقيلي. (شعره ص 140طبعة مصر)، وليس في ديوانه (طبعة ليدن)، ولعروة بن أحمد الخزاعي: (شرح أدب الكاتب 120).(1/450)
النفس، إذا أصابته العين، ويقال للفاعل: نافس، وللمفعول: منفوس. والحمة أيضا: كلّ هامّة لها سمّ.
وقولهم: قد دلّس فلان على فلان
قال أبو بكر: معناه: قد زوى عنه العيب الذي في متاعه، وستره عليه، كأنه أعطاه في ظلمة. وهو مأخوذ من الدّلس، والدّلس عندهم: الظلمة، يقال: فلان لا يدالس ولا يوالس، فيدالس معناه: لا يورّي، ولا يستر العيب على صاحبه، ولا يوالس معناه: لا يخون، وهو مأخوذ من الإلس، والإلس عندهم: الخيانة.
وقولهم: فلان جميل
قال أبو بكر: الجميل معناه في كلامهم: الحسن الذي كأن ماء السّمن يجري على وجهه. أخذ من الجميل: وهو الودك، يقال: قد اجتمل الرجل إذا أذاب الودك، قال لبيد (1):
أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل
أراد: فشوّى اللحم، وأذاب الشحم، يقال: قد اشتوى الرجل يشتوي اشتواء، إذا شوى اللحم. ويقال: انشوى اللحم ينشوي انشواء، ولا يقال اشتوى اللحم، إنما المشتوي: الرجل، على ما فسرناه. وحكى سيبويه: شويت اللحم فاشتوى اللحم. قال أبو بكر: وهذه عندي لغة شاذّة لا يؤخذ بها.
وقولهم: قد سخّم فلان وجهه
قال أبو بكر: معناه: قد سوّد وجهه، أخذ من السّخام: وهو سواد القدر.
والسّخام أيضا في غير هذا: اللّين. يقال: شعر سخام إذا كان ليّنا، ويقال: عسل سخام، ويقال للخمر: سخامية، للينها.
__________
(1) ديوانه 178.(1/451)
وقولهم: بقينا بين كلّ حاذف وقاذف
قال أبو بكر: الحاذف: الذي يحذف بالعصا، والقاذف: الذي يقذف بالحجارة.
قال الفراء: يقال: بين كل حاذف وقاذف، وبين كل حاذ وقاذف، بحذف الفاء من الحاذف. وقال بعضهم: بقينا بين كل حاذف وقاذف، وبين كل ستّوق وزائف.
الستوق والزائف: الرديان. وفي الزائف وجهان: يقال درهم زائف وزيف. قال الشاعر (1):
ترى القوم أسواء إذا جلسوا معا ... وفي القوم زيف مثل زيف الدارهم
وقال الآخر (2):
أتيت بني عمّي فكان عطاؤهم ... ثلاث ميء منها قسيّ وزائف
ويقال: درهم زائفات وزيّف وأزياف وزيوف وزياف. ويقال:
درهم بهرج ونبهرج، ودراهم بهرجة ونبهرجة وبهرجات ونبهرجات ونبهرجات وبهارج.
وقولهم: لفلان الويل والأليل
قال أبو بكر: الأليل في كلام العرب: الأنين، قال ابن ميادة (3):
وقولا لها ما تأمرين بوامق ... له بعد هجعات العيون أليل
وقولهم: قد صلب فلان، وفلان مصلوب
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: إنما سمى المصلوب مصلوبا، لما يسيل منه من الودك، أخذ من الصليب، والصليب عندهم: الودك، يقال: قد اصطلب الرجل، إذا جمع العظام وطبخها ليخرج ودكها، فيأتدم به، قال الشاعر (4):
__________
(1) امرؤ القيس في اللسان (زيف)، وليس في ديوانه.
(2) مزرد، ديوانه 53وفيه: فكانت سراويل وجرد خيصة وخمس مئ
(3) اللسان (ألل).
(4) الكميت بن زيد: شعره 1/ 82، وصدره:.
واحتلّ برك الشتاء منزله.(1/452)
وبات شيخ العيال يصطلب
وقال الآخر (1):
جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا
وقولهم: فلان حسيب
قال أبو بكر: معناه: كريم، يعدّ أفعالا ومآثر جميلة، كأنه يحسبها وتحسب له.
يقال: حسبت الحساب أحسبه حسبا وحسبانا. وقد يكون الحسبان جمعا للحساب، قال الله عز وجل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبََانٍ} (2). أراد بالحسبان جمع الحساب. وقد يكون الحسبان جمع حسبانة، قال الله عز وجل: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهََا حُسْبََاناً مِنَ السَّمََاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} (3).
قال أبو عبيدة: يقال: يرسل عليها مرامي من السماء، والصعيد: تراب ظاهر الأرض. والزلق: الذي لا تثبت فيه الرّجل.
قال الشاعر في الصعيد:
قتلى حنوطهم الصعيد وطيبهم ... نجع الترائب والرؤوس تقطّف
أراد: حنوطهم التراب. وقال الآخر:
أتدري من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك كان بك الصعيد (4)
أراد: كان بك التراب. وقال الله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} * (5)، فمعناه:
تعمدوا صعيدا.
__________
(1) أبو خراش الهذلي يذكر عقابا شبه فرسه بها، ديوان الهذليين 2/ 133وجريمة ناهض:
كاسبة فرج. والنيق: أرفع موضع في الجبل.
(2) سورة الرحمن: آية 5.
(3) سورة الكهف: آية 40.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة النساء: آية 43، سورة المائدة: آية 6.(1/453)
وقولهم: فلان أسير
قال أبو بكر: معناه مقهور مأخوذ. والأسر معناه في اللغة: الشد، يقال: أسرت الشيء آسره أسرا، إذا شددته. والعرب تقول: جاد ما أسر فلان قتبه، يريدون: ما شدّ قتبه. فسمي الأسير أسيرا لأنهم كانوا يشدونه بالقدّ. ويقال للأسير: أخيذ، والأصل فيه مأخوذ، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: مقدور وقدير. والأسر في غير هذا:
الخلق، قال الله عز وجل: {نَحْنُ خَلَقْنََاهُمْ وَشَدَدْنََا أَسْرَهُمْ} (1)، قال الفراء: معناه:
وشددنا خلقهم، وقال الفراء: قد أسر فلان أحسن الأسر، أي: خلق أحسن الخلق. قال الشاعر:
شديد الأسر يحمل أريحيّا ... أخا ثقة إذا الحدثان نابا (2)
معناه: شديد الخلق. وقال الآخر:
براك ترابا ثم صيّرك نطفة ... فسوّاك حتى صرت ملتئم الأسر (3)
معناه: ملتئم الخلق: وقال الآخر:
شديد الأسر فرّج منكباه ... عن الكتف العريضة والجران (4)
وقال عمران بن حطان (5)
صافي الأديم كميت لونه حسن ... ضخم المحال شديد أسره نزل
وقولهم: الحمد لله والشّكر
قال أبو بكر: العامة تخطئ في تأويل الحمد والشكر، فتظن أن الحمد والشكر بمعنى، وليس هما كذلك، لأن الحمد عند العرب: الثناء على الرجل بأفعاله الكريمة، إذا قال الرجل: حمدت فلانا، فمعناه: أثنيت عليه، ووصفته بكرم أو شجاعة أو حسب،
__________
(1) سورة الإنسان: آية 28.
(2) لم أقف عليه.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) أخل به شعر الخوارج.(1/454)
قال الشاعر (1):
نزور امرءا أعطى على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المحامد يحمد
معناه: أعطى على الثناء ماله. وقال الآخر (2):
فألفيته فيضا كثيرا عطاؤه ... جوادا متى يذكر له الحمد يزدد
معناه: متى يذكر له الثناء، وقال زهير (3):
فلو كان حمد يخلد الناس لم يمت ... ولكنّ حمد الناس ليس بمخلد
ولكنّ منه باقيات وراثة ... فأورث بنيك بعضها وتزوّد
تزوّد إلى يوم الممات فإنّه ... وإن كرهته النفس آخر موعد
معناه: فلو كان ثناء يخلد الناس، وقال الآخر (4):
يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجّدونكا
والشكر معناه في كلامهم: أن تصف الرجل بنعمة سبقت منه إليك. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «من أزّلت إليه نعمة فليشكرها» (5). معناه: فليصف صاحبها بإنعامه عليه. وقد يقع الحمد على ما يقع عليه الشكر، ولا يقع الشكر على ما يقع عليه الحمد، الدليل على هذا: أن العرب تقول: قد حمدت فلانا على حسن خلقه وعلى شجاعته وعلى عقله، ولا يقولون: قد شكرت فلانا على حسن خلقه وعقله وشجاعته. فالحمد أعمّ من الشكر، ولذلك افتتح الله تبارك وتعالى فاتحة الكتاب فقال: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} * (6).
__________
(1) الحطيئة، ديوانه 161.
(2) لم أقف عليه.
(3) ديوانه 236.
(4) رؤبة في الوساطة 275، وما لم ينشر من الأمالي الشجرية: القسم الأول 184. وقد أخل بها ديوانه. ونسب في الخزانة 3/ 15إلى راجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو. والمائح الذي ينزل في البئر إذا قل الماء، فيملأ الدلو.
(5) غريب الحديث 1/ 14. وأزلت: أسديت.
(6) سورة الفاتحة: آية 2.(1/455)
وقولهم: ما يليق بقلبي كلام فلان
قال أبو بكر: معناه: ما يلصق بقلبي ولا يثبت فيه. يقال: ما لاقت فلانة عند زوجها، أي: ما لصقت بقلبه. ويقال: قدمت المدينة فما لاقتني، أي: ما لصقت بقلبي، ولا ثبتت فيه. قال الشاعر:
وما زال هذا الدهر من شؤم جدة ... يفرّق بين العاشقين الألاصق
يباعد منا من نحبّ اجتماعه ... ويدني إلينا صاحبا غير لائق (1)
معناه: غير لاصق لقلوبنا. ويقال: فلان لا يليق كفه درهما ولا دينارا، إذا كان سخيا، لا يمسك الدراهم والدنانير، أنشد الكسائي والفراء:
كفّاك كفّ ما تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف الدّما
معناه: ما يمسك، والأصل في تعط: تعطي، فاكتفى بالكسر من الياء.
وقولهم: سألت أبا فلان عن كذا وكذا فما تلعثم
قال أبو بكر: معناه: فما وقف، ولا تلبّث، ولا أبطأ بقضائه. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أحد عرضت عليه الإسلام إلّا كانت له عنده كبوة غير أبي بكر، فإنّه لم يتلعثم» (2).
فالكبوة: الوقفة. والكبوة في غير هذا الموضع: سقوط الرجل وغيره على وجهه، قال أبو ذؤيب يذكر ثورا رمي فسقط:
فكبا كما يكبو فنيق تارز ... بالخبت إلّا أنّه هو أضلع
وقولهم: رجع الحقّ إلى أربابه
قال أبو بكر: معناه: إلى ملّاكه، وواحد الأرباب: ربّ، والربّ: المالك، قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} * (3)، معناه: مالك العالمين. وقال الشاعر:
__________
(1) لم أقف عليهما.
(2) غريب الحديث 1/ 127، الفائق 3/ 242.
(3) سورة الفاتحة: آية 2.(1/456)
فإن يك ربّ أذواد بحسمى ... أصابوا من لقائك ما أصابوا (1)
معناه: فإن يك مالك أذواد. والربّ أيضا: السيّد المطاع، قال الله عز وجل:
{فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} (2)، معناه: فيسقي سيّده. وقال الشاعر:
وأهلكن يوما ربّ كندة وابنه ... وربّ معدّ بين خبت وعرعر (3)
وقال عدي بن زيد (4):
إنّ ربّي لولا تداركه المل ... ك بأهل العراق ساء العذير
أراد بالرب: النعمان بن المنذر. وقال القرشي يوم حنين: = لأن يربّني رجل من قريش، أحبّ من أن يربّني رجل من هوازن =.
فمعناه: لأن يملكني. ويقال: ربني فلان يربني ربّا، إذا ملكني. ويقال: في جمع الربّ: أرباب وربوب وأربّ، قال علقمة بن عبدة (5):
وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربّتني فضعت ربوب
معناه: ملكتني ملوك. ويكون الرب: المصلح، ويكون المربوب: المصلوح، قال الفرزدق (6):
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... سلاءها في أديم غير مربوب
معناه: غير مصلح.
وقولهم: فلان داعر وهو من أهل الدّعارة
قال أبو بكر: معناه: هو خبيث مؤذ. أخذ من قول العرب: عود دعر، إذا كان كثير الدخان. والذّاعر بالذال: المفزع، يقال: قد ذعرت الرجل، إذا أفزعته. ويقال: فلان
__________
(1) المذكر والمؤنث لابن الأنباري 327بلا عزو. وحسمى: موضع.
(2) سورة يوسف: آية 41.
(3) لم أقف عليه.
(4) ديوانه 92. والعذير: الحال.
(5) ديوانه 43.
(6) ديوانه 1/ 24. السالئة: التي تصفي السلاء، أي السمن، والأديم: الجلد.(1/457)
مذعور، إذا كان خائفا فزعا، قال الشماخ (1):
ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذئب كالرجل اللّعين
معناه: أفزعت به القطا.
وقولهم: قد خلّد فلان في الحبس
قال أبو بكر: معناه: قد بقي فيه. من قول العرب: قد خلّد الرجل خلودا إذا بقي، قال عز وجل: {خََالِدِينَ فِيهََا أَبَداً} * (2).
معناه: باقين فيها. وقال ابن أحمر (3):
خلد الجبيب وباد حاضره ... إلّا منازل كلّها قفر
معناه: بقي الجبيب. وقال الله عز وجل: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ} * (4)، معناه: باقون، دائم شبابهم، لا يتغيّرون عن تلك السنّ.
ويقال: قد أخلد الرجل فهو مخلّد، إذا كبرت سنّه، وبقي عليه سواد شعره واستواء أسنانه. وقال بعض المفسرين: معنى قول الله عز وجل: {وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ} *:
مقرّطون. وقال غيره: مخلدون: مسوّرون. قال الشاعر:
ومخلّدات باللّجين كأنّما ... أعجازهنّ أقاوز الكثبان (5)
وقال عمران بن حطان (6):
مخلّدون ملوك في منازلهم ... لا مصرف لهم عنها ولا حول
__________
(1) ديوانه 321، واللعين: المطرود.
(2) ورد في آيات كثيرة أولها الآية 57من النساء، وآخرها الآية 8من البينة.
(3) شعره: 86، والجبيب: واد.
(4) سورة الواقعة: آية 17.
(5) بلا عزو في تفسير غريب القرآن 447. والأقاوز: جمع قوز، وهو الكثيب الصغير من الرمل.
(6) أخل به شعر الخوارج.(1/458)
أراد: مبقين ملوكا. والحول: التحوّل، قال الله تعالى: {لََا يَبْغُونَ عَنْهََا حِوَلًا} (1)، فمعناه: لا يبغون عنها تحوّلا.
وقولهم: قد كاد فلان يهلك (2)
قال أبو بكر: معناه: قد قارب الهلاك ولم يهلك. فإذا قال: ما كاد فلان يقوم، فمعناه: قام بعد إبطاء. وكذلك: كاد يقوم، معناه: قارب القيام ولم يقم، قال الله عز وجل: {فَذَبَحُوهََا وَمََا كََادُوا يَفْعَلُونَ} (3).
معناه: فذبحوها بعد إبطاء. وإنما أبطأوا في ذبحها لغلائها، وذلك أن الذي أصابوها عنده قال: لا أبيعكم البقرة إلا بملء مسكها ذهبا، أي بملء جلدها. ويقال:
إنّما أبطأوا في ذبحها لأنه لم يتسهّل لهم وجودها لأنهم كرهوا أن يفتضح القاتل. وقال قيس بن الملوح (4):
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنّها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب
معناه: قد قاربت أن تذوب ولم تذب. وقال الله عز وجل: {يَتَجَرَّعُهُ وَلََا يَكََادُ يُسِيغُهُ} (5) فمعناه: يسيغه بعد إبطاء. ويجوز أن يكون معنى قول الرجل: ما كاد فلان يقوم: ما يقوم فلان، ويكون كاد صلة للكلام. أجاز ذلك الأخفش وقطرب والسجستاني، واحتج قطرب، بقول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه ... فما إن يكاد قرنه يتنفّس (6)
معناه: ما يتنفس قرنه. واحتج أيضا بقول أبي النجم (7):
__________
(1) سورة الكهف: آية 108.
(2) ينظر: تحقيق معنى (كاد) لابن كمال باشا.
(3) سورة البقرة: آية 71.
(4) ديوانه 57.
(5) سورة إبراهيم: آية 17.
(6) بلا عزو في الأضداد 97.
(7) الأضداد 97.(1/459)
وإن أتاك نعيّ فاندبنّ أبا ... قد كاد يضطلع الأعداء والخطبا
قال: معناه: قد يضطلع الأعداء، واحتج بقول حسان:
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام
معناه: وتكسل. قال الله عز وجل: {إِذََا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرََاهََا} (1)، فمعناه: لم يرها، ولم يقارب ذلك.
وقولهم: قد نفّزت فلانا عنّا
قال أبو بكر: معناه: طردته وأبعدته. أخذ من نفوز الظبي، وهو: حركته واضطرابه، قال الراجز:
يريح بعد الجهد والترميز ... إراحة الجداية النّفوز
يريد بالنفوز: المتحركة المضطربة.
وقولهم: لفلان عقدة
قال أبو بكر: أصل العقدة عند العرب: الحائط الكثير النخل. ويقال للقرية الكثيرة النخل: عقدة. فكان الرجل منهم إذا اتخذ ذلك فقد أحكم أمره عند نفسه، واستوثق منه، ثم صيّروا كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه عقدة. وقال بعضهم: هي القرية الكثيرة النخل، فلا يكاد غرابها يفارقها ولا يطير.
وقولهم: في نهر فلان سكر
قال أبو بكر: السّكر: الذي يمنع الماء من الجري. وحكي عن مجاهد أنه قال في قول الله عز وجل: {إِنَّمََا سُكِّرَتْ أَبْصََارُنََا} (2)، معناه: سدّت. قال أبو عبيد: يذهب
__________
(1) سورة النور: آية 40.
(2) سورة الحجر: آية 15.(1/460)
مجاهد إلى أن الأبصار غشيها ماء منعها من النظر، كما يمنع السكر الماء من الجري، وقال أبو عبيدة: يقال: قد سكّرت أبصار القوم، إذا أدير بهم وغشيهم السّمادير، فلم يبصروا.
قال: ويقال للشيء الحار إذا خبا حرّه وسكن فوره: قد سكر يسكر، وأنشد للراجز (1):
جاء الشتاء واجثألّ القنبر ... وجعلت عين الحرور تسكر
اجثألّ: معناه: اجتمع وتقبّض. وقال أبو عمرو بن العلاء: سكّرت: مأخوذة من سكر الشراب، كأنّ العين لحقها ما يلحق الشارب إذا سكر. وقال الفراء: حبست ومنعت من النظر، وقال: العرب تقول: قد سكرت الريح تسكر، إذا سكنت وركدت.
وقولهم: فلان فنيخ
قال أبو بكر: الفنيخ معناه في كلام العرب: المقهور المغلوب. يقال: قد فنخ فلان فلانا، إذا غلبه وقهره، قال الراجز (2):
لعلم الجهال أني منفخ ... لهامهم أرصّها وأنقخ
وقولهم: فلان يروغ من كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: يعدل عنه، ويرجع، ويخفي رجوعه. قال الفراء: لا يقال للذي يرجع: راغ يروغ إلا أن يكون مخفيا لرجوعه، فلا يجوز أن يقال للراجع من الحجّ: قد راغ.
فإن كان رجل قد قدم من سفر، مخفيا لرجوعه منه، جاز أن يقال له: راغ يروغ.
قال الله عز وجل: {فَرََاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} (3).
معناه: رجع عليهم يضربهم، مخفيا لرجوعه. ومعنى باليمين: يمينه التي كان حلف
__________
(1) تفسير الطبري 14/ 13، ونسبه إلى المثنى بن جندل. ولعله محرف عن جندل بن المثنى الطهوي. والقنير، وفي رواية: القبر: طائر.
(2) العجاج، ديوانه 460459. والانتفاخ: إخراج المخ أو الدماغ.
(3) سورة الصافات: آية 93.(1/461)
عليها في قوله عز وجل: {وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} (1).
ويقال: باليمين: بالقوة، قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنََا بَعْضَ الْأَقََاوِيلِ. لَأَخَذْنََا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} (2).
فمعناه: بالقوة. ويقال: بالحق. قال الشاعر (3):
رأيت عرابة الأوسيّ ينمى ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
معناه: بالقوة. وقال الله عز وجل في راغ: {فَرََاغَ إِلى ََ أَهْلِهِ فَجََاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} (4).
قال الفراء: معناه: رجع إلى أهله في إخفاء منه لرجوعه.
وقولهم: فلان يحوم على كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: يدور عليه ويريده، قال جميل (5):
فما صاديات حمن يوما وليلة ... عن الماء يغشين العصيّ حوابي
يريد: درن يوما وليلة على الماء وأردنه.
وقولهم: بنو فلان غثاء
قال أبو بكر: الغثاء عند العرب: ما يعلو الماء من القماش والزّبد مما لا ينتفع به، فيشبّه كل من لا خير فيه ولا منفعة عنده بالغثاء. والغثاء هو: الجفاء، يقال: قد غثي الوادي يغثي، وقد انجفأ ينجفىء، إذا علاه ذلك. قال نابغة بني شيبان (6):
__________
(1) سورة الأنبياء: آية 57.
(2) سورة الحاقة: آية 45.
(3) الشماخ، ديوانه 336335. وفيه: يسمو بدل ينمو.
(4) سورة الذاريات: آية 26.
(5) أخل به ديوانه.
(6) ديوانه 43، ويضرح: يشق، وحجرتيه: ناحيتيه.(1/462)
غثاء السّيل يضرح حجرتيه ... تجلّله من الزّبد الجفاء
وقال الله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفََاءً} (1).
وقال مجاهد: معناه: يذهب جمودا. وقال أبو عمرو بن العلاء: يقال قد جفأت القدر، إذا غلت حتى ينضب زبدها، أو سكنت حتى لم يبق من زبدها شيء.
وقال الفراء: الجفاء: ما جفأه الوادي، أي: رمى به. وقرأ رؤبة بن العجاج: فأمّا الزّبد فيذهب جفالا فمعناه: يذهب قطعا، يقال: قد جفّلت الريح السحاب، إذا قطّعته وذهبت به، قال الشاعر (2):
وإنّ سناء اللئام الغنى ... فإن زال صاروا غثاء جفالا
وقال الله عز وجل: {فَجَعَلَهُ غُثََاءً أَحْوى ََ} (3)، الغثاء: اليابس، والأحوى:
الأسود، قال نابغة بني شيبان (4):
وإنّ أنيابها منها إذا ابتسمت ... أحوى اللّثات شتيت نبته رتل
وقال الفراء: يجوز أن يكون هذا من المقدّم والمؤخّر، فيكون المعنى: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر، فجعله بعد خضرته غثاء، أي: يابسا.
وقولهم: خراب يباب
قال أبو بكر: اليباب عند العرب: الذي ليس فيه أحد، قال عمر بن أبي ربيعة (5):
ما على الرسم بالبليّين لو ب ... يّن رجع السلام أو لو أجابا
فإلى قصر ذي العشيرة فالصّا ... لف أمسى من الأنيس يبابا
معناه: خاليا لا أحد فيه.
__________
(1) سورة الرعد: آية 17.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الأعلى: آية 5.
(4) ديوانه 94وفيه: وزان أنيابها. والشتيت: الأفلج. والرتل: الحسن التنضيد المستوي النبات.
(5) ديوانه 410، والبليان وذو العشيرة: موضعان، والصالف: الجبل.(1/463)
وقولهم: العصا من العصيّة
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: أن يكون المعنى: الأمر العظيم يتولّد عن الأمر الصغير، كما أن العصيّة تكون عصية، ثم تكبر فتصير عصا. أي: لا ينبغي لأحد أن يحقّر أمرا صغيرا، فإنه لا يدري متى يكبر وينمي ويعظم. ومثله قولهم: الأمر تحقره وقد ينمي.
وقال الحارث بن وعلة (1):
لا تأمنن قوما ظلمتهم ... وبدأتهم بالظّلم والغشم
أن يأبروا نخلا لغيرهم ... والأمر تحقره وقد ينمي
وقال الرياشي: العصية: فرس كانت كريمة، فنتجت مهرا كريما، فسمّي العصا، فضرب به المثل، فقيل: العصا من العصية.
وقولهم: بضاعة فلان مزجاة
قال أبو بكر: معناه: بضاعته قليلة يسيرة، قال الشاعر:
ومرسل ورسول غير متّهم ... وحاجة غير مزجاة من الحاج (2)
معناه: غير منتقصة من الحوائج. ويقال: المزجاة: الرّديّة، التي لا تؤخذ بسعر الجياد من الدراهم والدنانير. قال أبو عبيد: المزجاة: أخذت من الإزجاء، وهو السوق، وأنشد لحاتم (3):
ليبك على ملحان ضيف مدقّع ... وأرملة تزجي مع الليل أرملا
فمعناه: تسوق أرمل لضعفه. وقال عبد بني الحسحاس (4):
أشارت بمدراها وقالت لتربها ... أعبد بني الحسحاس يزجي القوافيا
__________
(1) شرح ديوان الحماسة (م) 204. والحارث بن وعلة الذهلي، شاعر جاهلي، المؤتلف والمختلف 303، المبهج 22، اللآلي 585).
(2) عجز البيت بلا عزو في مجاز القرآن 1/ 317، واللسان (زجا).
(3) ديوانه 282، وملحان: اسم شخص.
(4) ديوانه 25، والمدري: الذي تدري بها شعرها. وسحيم: شاعر مخضرم، قتل نحو 40هـ.
(طبقات ابن سلام 187، أسماء المغتالين 2/ 272، فوات الوفيات 2/ 42).(1/464)
معناه: يسوق القوافي. وقال عدي بن زيد (1):
وحبيّ بعد الهدوّ تزجّي ... هـ شمال كما يزجّى الكسير
معناه: تسوقه شمال كما يساق الكسير. وقال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ يُزْجِي سَحََاباً} (2)، فمعناه: يسوق سحابا.
قال أبو عبيد: فسميت الدراهم الردية: مزجاة، لأنها مردودة مدفوعة غير مأخوذة ولا مقبولة. وقال الله تعالى: {وَجِئْنََا بِبِضََاعَةٍ مُزْجََاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنََا} (3)، فمعناه: ببضاعة رديّة. ومعنى قولهم: وتصدّق علينا: بأن تأخذ منا الردية، وتمنّ علينا بفضل ما بين الصرف. وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل: كانت البضاعة إقطا وسمنا وتمرا وصوفا، وغير ذلك من أمتعة الأعراب. وقال الكلبي: جاءوا بصنوبر والحبة الخضراء، فباعوه بدراهم لا تجوز في الدراهم، وتجوز في سائر الأشياء، فلذلك قالوا: = وتصدق علينا =.
وقال مجاهد: المزجاة: القليلة، وبقوله كان يقول أبو عبيدة.
وقولهم: ما عدا ممّا بدا
قال أبو بكر: معناه: ما صرفك عني ما ظهر لك مني. يقال: عداني عن لقائك كذا وكذا، أي: صرفني عنه. قال الشاعر (4):
عداني عنك والأنصاب حرب ... كأنّ صلاتها الأبطال هيم
يريد: صرفني. وقال الآخر (5):
فوددت إذ شحطوا وشطّ مزارهم ... وعدت عواد دون ذلك تشغل
يريد: وصرفت صوارف. ومعنى بدا: ظهر. وأول من قال: ما عدا مما بدا علي بن
__________
(1) ديوانه 86، والحبي: السحاب الكثيف.
(2) سورة النور: آية 43.
(3) سورة يوسف: آية 88.
(4) بلا عزو في اللسان (عنا) وروايته: عناني.
(5) الحارث بن خالد المخزومي، شعره: 80.(1/465)
أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أنه لما قدم البصرة، قال لعبد الله بن عباس: امض إلى الزبير، ولا تأت طلحة، واقرأ عليه مني السلام، وقل له: يقول لك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا، فابلغه ابن عباس الرسالة فقال له: اقرئه مني السلام وقل له: عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة، وانفراد واحد، وأمّ مبرورة، ومشاورة العشيرة.
وقولهم: هو شريكه شركة عنان
قال أبو بكر: معناه: هو شريكه في شيء خاص، كأنهما إذا عنّ لهما شيء، أي اعترض، اشترياه، واشتركا فيه. يقال: قد عنّ لنا كذا وكذا، أي: اعترض، قال امرؤ القيس (1):
فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مذيّل
وقال الآخر (2):
أتخذل ناصري وتعزّ عبسا ... أيربوع بن غيظ للمعنّ
المعنّ: المعترض، وهذه اللام لام التعجب، والمعنى: اعجبوا للمعنّ.
وقولهم: فلان باقعة
قال أبو بكر: معناه: حذر محتال حاذق. والباقعة عند العرب: الطائر الحذر المحتال، الذي يشرب الماء من البقاع، والبقاع: مواضع يستنقع فيها الماء، ولا يرد المشارع والمياه المحضورة، خوفا من أن يحتال عليه فيصطاد. ثم شبّه كلّ حذر محتال به.
__________
(1) ديوانه 22. وفيه: في الملاء المذيل. ودوار: صنم، كان أهل الجاهلية يدورون حوله.
(2) النابغة الذبياني، ديوانه 197.(1/466)
وقولهم: يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة
قال أبو بكر: معناه: يا فرسان خيل الله اركبوا وأبشروا بالجنة، فحذف الفرسان، وأقيمت الخيل مقامهم، ثم صرف الفعل إلى الخيل.
العرب تقول: ركبت خيل إلى الشام، يريدون: ركب فرسان الخيل، قال الأعشى (1):
فإذا ما الأكسّ شبّه بالأ ... روق يوم الهيجا وقلّ البصاق
ركبت منهم إلى الرّوع خيل ... غير ميل إذ يخطأ الإيفاق
الأكس: القصير الثنايا، والأورق: طويلها، والإيفاق: أن يوضع فوق السهم في الوتر، وإنما يخطأ ذلك من شدّة الفزع والدهش، وإنما يشبّه الأكسّ بالأروق لأنه يكلح، فتبدو أسنانه. ومعنى ركبت خيل: ركب فرسان الخيل. قال الله عز وجل: {إِذاً لَأَذَقْنََاكَ ضِعْفَ الْحَيََاةِ وَضِعْفَ الْمَمََاتِ} (2)، فمعناه: ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
وقال الله عز وجل: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (3)، يريد: حب العجل. وقال الشاعر (4):
وشرّ المنايا ميّت وسط أهله ... كهلك الفتى قد أسلم الحيّ حاضره
يريد: وشر المنايا ميتة ميّت. وأنشدنا أبو العباس:
وكيف تصاحب من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب (5)
يريد: كخلالة أبي مرحب. وأنشد الفراء (6):
__________
(1) ديوانه 144.
(2) سورة الإسراء: آية 75.
(3) سورة البقرة: آية 93.
(4) لم أقف عليه.
(5) النابغة الجعدي، ديوانه 26. والخلالة (مثلثة): الصداقة. وأبو مرحب: الذئب، والرجل الحسن الوجه الذي لا باطن له، وفي المرصع 302أنه كنية الظل.
(6) معاني القرآن 1/ 62، والبيت لذي الخرق الطهور، اسمه قرط، يصف الذئب كما في نوادر أبي زيد 116، ومجالس ثعلب 154. وبغام الناقة: صوت لا تفصح به. والعناق: الأنثى من(1/467)
حسبت بغام راحلتي عناقا ... وما هي ويب غيرك بالعناق
يريد: حسبت بغام راحلتي بغام عناق.
وقولهم: هذا أجلّ من الحرش
قال أبو بكر: الحرش: التحريض، من قولهم: حرشت بين الرجلين. وأصل الحرش في صيد الضّباب: أن يجاء بحيّة إلى باب الضّبّ، فتتحرك، فإذا سمع الضبّ حركتها، خرج ليقاتلها فاصطيد.
وكانت العرب تتحدث في أول الزمان أن الضب قال لابنه: احذر الحرش يا بني، فبيناهما ذات يوم مجتمعان سمعا صوت محفار حافر يحفر عنهما ليصطادهما، فقال الحسل، وهو ابن الضب، لأبيه: يا أبه هذا الحرش؟ فقال له الضب: يا بني هذا أجلّ من الحرش.
ثم ضربوا هذا مثلا لكل من كان يخشي شيئا فوقع فيما هو أشد منه.
وقولهم: جاء فلان مهربا
قال أبو بكر: معناه: مسرعا. يقال: أهرب الرجل وألهب وأهذب وأحضر وأحصف: إذا أسرع.
وقولهم: الآن حمي الوطيس
قال أبو بكر: قال أبو عمرو: الوطيس: شبه التنور يخبز فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب، فيشبّه حرّها بحرّه. وقال غير أبي عمرو: الوطيس: هو التنور بعينه. وقال الأصمعي: حجارة مدوّرة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها.
جاء في الحديث: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم رفعت له الأرض يوم موته، فرأى معترك القوم فقال: «الآن حمي الوطيس» (1). قال الأصمعي: وإنما يضرب هذا مثلا للأمر إذا اشتد.
وقال غير الأصمعي: الوطيس: جمع، واحدته: وطيسة.
المعز.
__________
(1) مسند أحمد 1/ 207، المجازات النبوية 45، النهاية 5/ 204.(1/468)
وقولهم: ما عند فلان طائل ولا نائل
قال أبو بكر: الطائل معناه في كلام العرب: الفضل. وهو مأخوذ من الطّول، قال الله عز وجل: {ذِي الطَّوْلِ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (1)، فمعناه: ذي الفضل على عباده، قال الشاعر (2):
وقال لجسّاس أغثني بشربة ... تدارك بها طولا عليّ وأنعم
معناه: فضلا علي. ويقال: الطائل: هو الفضل، من قولهم: قد طال فلان فلانا، إذا فضّله وغلبه بالطّول. يقال: طاولني زيد فطلته، وطاولتني هند فطلتها، قال الفرزدق (3):
إنّ الفرزدق صخرة ملمومة ... طالت فليس تنالها الأوعالا
معناه: فضلتها بالطول وغلبتها، وتقدير البيت: طالت الأوعال فليس تنالها.
والنائل: هو العطاء، أخذ من النوال، وهو العطاء. والمعنى: ما عنده فضل ولا عطاء.
ويقال: النائل: هو البلغة، من قولهم: قد نلت كذا وكذا، وأناله نيلا، إذا بلغته.
وقولهم: فلان مقذّذ
قال أبو بكر: المقذذ معناه في كلام العرب: الحسن الزيّ الكامل الهيئة، وهو مأخوذ من السهم المقذذ، وهو الذي قد صنعت له القذذ، والقذذ: الريش واحدتها: قذّة.
وإنما يصنع له الريش بعد أن يستوي بريه وتثقيفه، والتثقيف: هو إصلاحه. ويقال للذي يصلح السهام والرماح: مثقّف، قال عمرو بن كلثوم (4):
إذا عضّ الثّقاف بها الشمأزّت ... وولّتهم عشوزنة زبونا
عشوزنة إذا انقلبت أرنّت ... تدقّ قفا المثقّف والجبينا
__________
(1) سورة غافر: آية 3. و = لا إله إلا الله = ساقط من ك.
(2) النابغة الجعدي، ديوانه 145، وفيه: تمن بها فضلا، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(3) ليس في ديوانه. وهو لسبيح بن رياح الزنجي، وقيل: رياح بن سبيح، قاله حين غضب لما قال جرير: فالزنج أكرم منهم أخوالا، = ينظر اللسان: طول =.
(4) شرح القصائد السبع 404، شرح القصائد التسع 653، والثقاف: ما تقوم به الرماح.
وعشوزنة: شديدة صلبة. وزبون: تضرب برجليها وتدفع.(1/469)
فشبه الرجل التامّ الزي الكامل الهيئة بالسهم الذي قد تمّ إصلاحه، وحسن استواؤه.
وقولهم: قد ضحك الرجل حتى بدت نواجذه
قال أبو بكر: النواجذ: أواخر الأضراس، واحدها: ناجذ. ولا تبدو النواجذ إلا عند الشديد من الضحك. وفي الفم اثنان وثلاثون ضرسا: ثنيّتان من فوق، وثنيّتان من تحت، ورباعيتان من فوق، ورباعيتان من تحت، ونابان من فوق، ونابان من تحت، وضاحكان من فوق، وضاحكان من تحت، وثلاث أرحاء من فوق، وثلاث أرحاء من تحت في الجانب الأيمن، وثلاث أرحاء من فوق، وثلاث أرجاء من تحت في الجانب الأيسر.
ويقال لما بين الثنيّة والأضراس: العارض. ويقال: فلان نقي العارض، ويقال في جمع عارض: عوارض، قال جرير (1):
أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة سقي البشام
وأنشدنا أبو العباس: قال: أنشدنا أصحابنا عن النصر بن حديد عن الأصمعي:
إذا ورد المسواك ظمآن بالضحى ... عوارض منها ظلّ يخصره البرد (2)
وجاء في الحديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلم: «بعث أمّ سليم إلى امرأة تنظر إليها فقال لها:
شمّي عوارضها، وانظري إلى عقبيها» (3).
فأمرها بشم عوارضها، لتبور بذلك رائحة فمها، وأمرها بالنظر إلى عقبيها في قول بعض الناس لتعرف بذلك لون جسدها. قال الأصمعي في رواية بعض أهل
__________
(1) ديوانه 279.
(2) لم أقف على ترجمته، أقول: لعله نصر بن على الجهضمي، المتوفي 250هـ.
(ينظر: تذكرة الحفاظ 2/ 519، العبر 1/ 458، خلاصة تذهب الكمال 3/ 91، طبقات الحفاظ 227).
(3) الفائق 2/ 411، وأم سليم بنت ملحان، صحابية، وهي أم أنس بن مالك خادم الرسول صلّى الله عليه وسلم (الإصابة 8/ 227، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 400).(1/470)
العلم عنه: إذا اسودّ عقبها اسودّ سائر جسدها، وأنشد للنابغة (1):
ليست من السّود أعقابا إذا انصرفت ... والبائعات بجنبي نخلة البرما
وقولهم: فلان شاذب
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: أن يكون الشاذب: المهمل المطرح الذي لا خير فيه، أخذ من شذب النخلة، وهو ما يلقى عنها من السعف والليف، قال الشاعر (2):
إذا حطّ عنها الرّحل ألقت برأسها ... إلى شذب العيدان أو صفنت تمري
معنى: صفنت: قامت على ثلاث، قال الأعشى (3):
وكلّ كميت كجذع السّحو ... ق يزين القناء إذا ما صفن
يريد: إذا ما قام على ثلاث. وقال الآخر (4):
تظلّ جياده نوحا عليه ... مقلّدة أعنّتها صفونا
ومعنى تمري: تستخرج. والقول الآخر: أن يكون الشاذب: العاري من الخير، من قول العرب: قد شذبت النخلة أشذبها تشذيبا، إذا ألقيت عنها كرانيفها، وعرّيتها منها، قال الشاعر (5):
أما إذا استقبلته فكأنّه ... في العين جذع من أوال مشذّب
وقولهم: هذه قرية من القرى
قال أبو بكر: القرية معناها في كلام العرب: الموضع الذي يجتمع الناس فيه. يقال:
__________
(1) ديوانه 105، وفيه: بشطي. والبرم: قدور من حجارة، واحدها برمة.
(2) الأعشى، وليس في ديوانه.
(3) ديوانه 17. والقناء: جمع قناة، وهي الرمح.
(4) عمرو بن كلثوم، شرح القصائد السبع 389، شرح القصائد التسع 631، شرح المعلقات السبع 243، وصدره فيها: تركنا الخيل عاكفة عليه. والصافن: القائم على ثلاث.
(5) أنيف بن جبلة الضبي في المعاني الكبير 107، وأمالي الزجاجي 04وأوال: جزيرة يحيط بها البحر في البحرين.(1/471)
قد قريت الماء في الحوض، إذا جمعته فيه. ويقال البعير يقري الطعام في فيه أي: يجمع العلف في شدقه عند الهرم، قال الراجز (1):
يا عجبا لصلّتان يقري ... يقري ولا يقرى فأمسى يجري
ويقال لمكة: أمّ القرى، لأنها أصل القرى، وذلك لأن الأرض دحيت من تحتها.
وكذلك يقال لفاتحة الكتاب: أم الكتاب، لأنها أصل له، قال الراجز (2):
ما فيهم من الكتاب أمّ ... ولا لهم من حسب يكمّ
يريد ما فيهم من الكتاب أصل. ويقال لكل مدينة: قرية، لاجتماع الناس فيها.
وقولهم: عقدته بأنشوطة
قال أبو بكر: معناه: قد عقدته بعقدة تنحلّ بجذبة واحدة، من قول العرب: بئر نشوط، إذا كانت دلوها تخرج بجذبة واحدة أو جذبتين.
وقولهم: قد احتلط الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد بالغ في الغضب واجتهد فيه، من قول العرب: قد أحلط الرجل في الأمر، إذا بالغ فيه واجتهد، قال ابن أحمر (3):
فألقى التّهامي منهما بلطاته ... وأحلط هذا لا أريم مكانيا
أي: اجتهد في اليمين وبالغ فيها. وقال الراجز (4):
والحافر الشرّ متى يستنبطه ... يرجع ذميما وجلا ويحلطه
أي: يجهده.
__________
(1) لم أقف عليه، والصلتان من الرجال والحمر: الشديد الصلب.
(2) العجاج، ديوانه 427وفيه: وما لهم من حسب يلم، أي يجمع.
(3) شعره: 174، ولطاته: ثقله ونفسه، ولا أريم: لا أبرح.
(4) رؤبة، ديوانه 84وروايته:
والحافر الشر متى يستنبط ... ينزع ذميما وجلا أو يحلط.(1/472)
وقولهم: هو أكيس من قشّة
قال أبو بكر: معناها في كلام العرب: الصغيرة من أولاد القردة.
وقولهم: فلان جزل من الرجال
قال أبو بكر: الجزل: القويّ المحكم، من ذلك قولهم: قد أجزل لنا فلان العطيّة، أي: أحكمها وقوّاها. ويقال: حطب جزل، إذا كان محكما قويا، أنشد الفراء:
من يأتنا يوما يقصّ طريقا ... يجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (1)
وقولهم: فلان لا يصطلى بناره
قال أبو بكر: معناه: لا تقرب ناحيته ولا ساحته، ولا يطمع فيما وراء ظهره، وليس يراد أنه بخيل، ولكنه عزيز منيع.
وقولهم: فلان يفقّع علينا، وقد أخذ في التفقيع
قال أبو بكر: التفقيع: التشدّق في الكلام. يقال: قد فقّع، إذا شدّق، وأتى بكلام لا معنى له. وهو مأخوذ من تفقيع الوردة، وذلك أن الوردة يأخذها الإنسان فيجمع جوانبها، ثم يغمزها فتفقع، أي: يسمع لها صوت.
يحكى هذا عن الخليل. والتفقيع أيضا: الريح التي تخرج من أسفل الإنسان، يقال:
قد فقّع، إذا فعل ذلك. ويقال: إنّه لفقّاع خبيث. والتفقيع أيضا: صوت الأصابع إذا غمز بعضها ببعض. ويقال: قد فقح الورد إذا تفتح.
ويقال: قد فقح الرجل إذا فتح عينيه، قال الشاعر (2):
واكحلك بالصّاب أو بالجلا ... ففقّح لذلك أو غمّض
__________
(1) لعبيد الله بن الحر، شعره: 98وروايته: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد
(2) أبو المثلّم الخناعي الهذلي، شرح أشعار الهذليين 307.(1/473)
ويقال للمتشدّق في كلامه: المتفيهق، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ أبغضكم إلىّ الثرثارون والمتفيهقون» (1).
فالثرثارون: المكثارون من الكلام، والمتفيهقون: الذين تتسع أشداقهم بالكلام، قال الأعشى (2):
تروح على آل المحلّق جفنة ... كجابية الشيخ العراقيّ تفهق
يريد: تطفح.
وقولهم: قد غشّ فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد عمل فيما يحبه شيئا قليلا، وخلطه بما يسوءه، أخذ من الغشش، والغشش عند العرب: المشرب الكدر، قال الراجز (3):
قد كان في بئر بني نصر مخش ... ومشرب يروى به غير غشش
معناه: غير كدر.
وقولهم: فلان من أهل مصر
قال أبو بكر: في مصر ثلاثة أقوال، قال المفضل بن محمد: المصر معناه في كلامهم: الحدّ. وقال غير المفضل: أهل هجر يكتبون في كتبهم: اشترى فلان من فلان الدار بمصورها، يريدون: بحدودها، أنشدنا أبو العباس لعدي بن زيد (4):
وجعل الشمس مصرا لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا
أي: جعل الشمس حدا. ويقال المصر معناه في كلامهم: العلامة. وقال قطرب:
المصر مأخوذ من قولهم: مصرت الناقة أمصرها مصرا، إذا حلبتها وجعلت ضرعها بين إصبعي، فخرج من اللبن شيء قليل، قال: فسمي المصر مصرا، لأن الناس يجيئون إليه،
__________
(1) غريب الحديث 1/ 106.
(2) ديوانه 150وفيه: نفي الذم عن آل.
(3) بلا عزو في الفاخر 210.
(4) ديوانه 159.(1/474)
ثم يثبتون أوّلا فأوّلا، قال: ومن ذلك قولهم: رجل ممصر، إذا كان بخيلا، أي: يعطي قليلا قليلا.
وقال ابن الأعرابي: إنما سمى العراق عراقا، لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر، أخذ من عراق القربة، وهو: الخرز الذي أسفلها.
وقال غيره: العراق معناه في كلامهم: الطير، قالوا: وهو جمع عرقة، والعرقة ضرب من الطير. ويقال أيضا: العراق جمع عرق.
وقال قطرب: إنما سمي العراق عراقا، لأنه دنا من البحر، وفيه سباخ وشجر، يقال: استعرقت إبلكم، إذا أتت ذلك الموضع.
ومكّة: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين، أي: تذهب نخوتهم، قال الراجز:
يا مكّة الفاجر مكّي مكّا ... ولا تمكّي مذحجا وعكّا (1)
ويقال: إنما سميت مكة مكة، لازدحام الناس فيها، من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع الناقة، إذا مصّه مصّا شديدا. وبكة سميت بكة، لازدحام الناس فيها، أنشد أبو عبيدة:
إذا الشريب أخذته أكّه ... فخلّه حتى يبكّ بكّه (2)
ويقال: مكة: اسم المدينة، وبكة: اسم البيت. وقال آخرون: مكة هي بكة، والميم بدل من الباء كما قالوا: ما هذا بضربة لازم ولازب.
والبصرة: معناها في كلام العرب: الأرض الغليظة الصلبة. وقال قطرب: البصرة:
الأرض الغليظة، التي فيها حجارة بيض تقلع أو تقطع حوافر الدواب، قال: ويقال بصرة: للأرض التي فيها القصّة، والقصّة: الجصّ. ويقال بصر وبصر وبصر: للأرض الغليظة، وأنشد:
إن تك جلمود بصر لا أويّسه ... أوقد عليه فأضربه فينصدع (3)
__________
(1) البيتان بلا عزو في اللسان (مكك).
(2) البيتان لعامان بن كعب في سيرة ابن هشام 1/ 114. وأكة: شدة الحر.
(3) لخفاف بن ندبة، شعره: 135، ونسب إلى العباس بن مرداس، ديوانه 86. وأويسه:
أذلله.(1/475)
وأنشد للطرماح (1):
مؤلّلة تهوى جميعا كما هوى ... من النّيق فهر البصرة المتطحطح
وقال غير قطرب: البصرة: حجارة رخوة فيها بياض، قال: وإذا لم تدخل الهاء فتحت الباء وكسرت، فقيل: بصر وبصر، الدليل على هذا: أنهم إذا نسبوا الرجل إلى البصرة فتحوا وكسروا، فقالوا: رجل بصريّ وبصريّ.
والرّقّة: معناها في كلامهم: الموضع الذي نضب عنه الماء.
والأبلّة: عندهم الجلّة من التمر، قال الشاعر (2):
فتأكل ما رضّ من تمرنا ... وتأبى الأبلّة لم ترضض
والكوفة: سميت كوفة لاستدارتها، أخذ من قول العرب: رأيت كوفونا وكوفونا بضم الكاف وفتحها، للرملة المستديرة. ويقال: سميت الكوفة كوفة لاجتماع الناس بها، من قولهم: قد تكوّف الرمل يتكوّف تكوّفا، إذا ركب بعضه بعضا.
ويقال: الكوفة أخذت من الكوّفان، يقال: هم في كوّفان، أي: في بلاء وشر، قال الشاعر:
وما أضحى ولا أمسيت إلّا ... رأتني منكم في كوّفان (3)
أي: في بلاء وشر. ويقال: سميت الكوفة كوفة لأنها قطعة من البلاد، من قول العرب: قد أعطيت فلانا كيفة، أي: قطعة. ويقال: كفت أكيف كيفا، إذا قطعت، فالكوفة فعلة من هذا، والأصل فيها كيفة، فلمّا سكّنت الياء، وانضم ما قبلها جعلت واوا. وقال قطرب: يقال: القوم في كوفان، أي: محدقون في أمر جمعهم.
وهيت: سميت هيت لأنها في هوّة من الأرض، والأصل فيها هوت على مثال فعل، فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، أنشد أبو عبيدة:
إنّك لو غطّيت أرجاء هوّة ... مغمّسة لا يستبان ترابها
__________
(1) ديوانه 127. وفيه: مولية. وتهوي: تسرع في الطيران. والنيق: رأس الجبل. والفهر: الحجر.
والمتطحطح: المنحدر.
(2) أبو المثلم الهذلي، شرح أشعار الهذليين 306وفيه: من تمرها.
(3) بلا عزو في اللسان (كوف).(1/476)
بثوبك في الظّلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادرا لا أهابها (1)
واليمامة: فعالة من اليمم، واليمم: طائر. ويجوز أن تكون اليمامة، فعالة من يمّمت الشيء، إذا تعمّدته، يقال: أممت الشيء مخفف ويممته وتيممته إذا تعمّدته.
قال الله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (2)، وقال الشاعر:
إني كذاك إذا ما ساءني بلد ... يمّمت صدر بعيري غيره بلدا (3)
وقال الآخر:
وفي الأظعان آنسة لعوب ... تيمّم أهلها بلدا فساروا (4)
معناه: تعمد أهلها. ويجوز أن تكون اليمامة فعالة من الأمام، تقول: زيد أمامك، أي قدّامك، فأبدلت الياء من الهمزة، وأدخلت الهاء، لأن العرب تقول: أمام وأمامة، قال الشاعر:
فقل داعيا لبّيك واعرف أمامتي ... وأحسن فراشي إن شتوت ومطعمي (5)
ودمشق: فعلّ، من قول العرب: ناقة دمشق اللحم، إذا كانت خفيفة.
والشام: فيه وجهان: يجوز أن يكون الشام مأخوذا من اليد الشؤمى، وهي اليسرى، قال الشاعر (6):
وأنحى على شؤمى يديه فذادها ... بأظمأ من فرع الذّؤابة أسحما
ويجوز أن يكون فعلا من الشوم.
والحجاز: فيه وجهان: يجوز أن يكون الحجاز مأخوذا من قول العرب: قد حجز الرجل بعيره يحجزه، إذا شدّه شدّا يقيده به، ويقال للحبل: حجاز. ويجوز أن يكون الحجاز سمي حجازا، لأنه احتجز بالحبال، يقال: قد احتجزت المرأة، إذا شدّت
__________
(1) للقيط بن زرارة كما سيأتي في ص 250.
(2) سورة المائدة: آية 2.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) بلا عزو في اللسان (يمم).
(6) الأعشى، ديوانه 202. وأنحي: اعتمد. والأطمأ: القرن الصلب. والأسحم: الأسود.(1/477)
ثيابها على وسطها واتّزرت، ويقال: هي حجزة السراويل، والعامة تخطىء فتقول: حزّة السراويل.
والأردنّ: أخذ من النعاس، قال الراجز (1):
وقد علتني نعسة أردنّ ... وموهب مبز بها مصنّ
وقنّسرين: أخذت من قول العرب: رجل قنسريّ، إذا كان كبيرا، وقال الراجز (2):
أطربا وأنت قنسريّ ... والدهر بالإنسان دوّاريّ
وفي إعرابها وجهان: أحدهما: أن تجرى مجرى الجمع، فيقال: أعجبتني قنّسرون إذ دخلتها، ورأيت قنسرين فاستطبتها، ومررت بقنسرين فلم أدخلها، فتثبت الواو في الرفع، والياء في النصب والخفض، وتفتح النون لأنها نون الجميع. والوجه الآخر أن تجعلها بالياء في كل حال، وترفع النون في الرفع، وتفتحها في النصب والخفض، ولا تدخلها تنوينا، فتقول: أعجبتني قنسرين إذ دخلتها، ودخلت قنسرين فاستطبتها، ومررت بقنسرين فلم أدخلها.
والبحران: فيه وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب: قد بحرت الناقة بحرا، إذا شققت أذنها، والبحيرة: المشقوقة الأذن.
قال الله عز وجل: {مََا جَعَلَ اللََّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلََا سََائِبَةٍ وَلََا وَصِيلَةٍ وَلََا حََامٍ} (3)، فالسائبة معناها: أن الرجل في الجاهلية كان يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى سدنة الآلهة. ويقال: السائبة: الناقة كانت إذا ولدت عشرة أبطن، كلهن إناث، سيّبت فلم تركب، ولم يجزّ لها وبر، وبحرت أذن ابنتها، أي: خرقت، فالبحيرة هي ابنة السائبة، وهي تجري مجرى أمها في التحريم.
والوصيلة: الشاة كانت إذا ولدت ستة أبطن، عناقين عناقين، وولدت في السابع عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فيحلّون لبنها للرجال ويحرّمونه على النساء، فإذا
__________
(1) أباق الدييري في اللسان والتاج (ردن).
(2) العجاج، ديوانه 310.
(3) سورة المائدة: آية 103. وينظر في تفسيرها: زاد المسير 2/ 436.(1/478)
ماتت اشترك في أكلها الرجال والنساء.
والحامي: الفحل من الإبل كان إذا لقّح ولد ولده قيل: حمي ظهره، فلا يركب، ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعى، وأيّ إبل ضرب فيها لم يمنع منها.
ويجوز أن يكون البحران مأخوذا من قول العرب: قد بحر البعير يبحر بحرا، إذا أولع بالماء، فأصابه منه داء. ويقال: قد أبحرت الروضة تبحر إبحارا، إذا كثر ارتفاع الماء فيها، فأنبتت النبات. ويقال للروضة: البحرة. ويقال للدم الذي ليست فيه صفرة: دمّ باحريّ وبحرانيّ.
والرّبذة: معناها في كلامهم: الصوفة من العهن، تعلق على البعير.
ونجد: معناها في كلامهم: الموضع المرتفع. والنجد أيضا: السبيل، قال الله عز وجل: {وَهَدَيْنََاهُ النَّجْدَيْنِ} (1)، فمعناه: عرّفناه سبيل الخير والشر. قال أبو سفيان بن الحارث:
صحا قلبي وخاف اليوم غولا ... وكان ألدّ معتبسا جهولا
وكنت أرى سبيل الرّشد صعبا ... ونجد الغيّ مورده ذلولا (2)
وقال أبو خيرة العدوي: النجاد: ما قابلك. ويقال رجل نجد ونجد: للشجاع.
ويقال نجد في الحاجة لا غير، إذا كان ماضيا.
ويقال: قد أنجد الرجل، إذا أتى نجدا، وغار، إذا أتى الغور، قال الأعشى (3):
نبيّ يرى ما لا ترون وذكره ... لعمري غار في البلاد وأنجدا
وكذا رواه الأصمعي، ورواه الفراء: وذكره أغار لعمري. ويقال: قد أعرق الرجل، إذا أتى العراق، وقد أعمن، إذا أتى عمان، وقد أشأم، إذا أتى الشام، وقد بصّر وكوّف، إذا أتى البصرة والكوفة، وقد احتجز وانحجز، إذا أتى الحجاز، وقد أيمن ويامن، إذا أتى اليمن.
وأمّا حمص، فإنها من قول العرب: قد حمص الجرح يحمص حموصا، وانحمص
__________
(1) سورة البلد آية 10.
(2) لم أقف عليهما.
(3) ديوانه 103وفيه: أغار لعمري.(1/479)
ينحمص انحماصا، إذا ذهب ورمه.
وقولهم: محمد صلّى الله عليه وسلم نبيّ الله
قال أبو بكر: النبي معناه في كلام العرب: الرفيع الشأن، أخذ من النباوة، والنباوة:
ما ارتفع من الأرض، والأصل فيه نبيو، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن، أبدل من الواو ياء، وأدغمت الياء الأولى فيها.
ويجوز أن يكون النبي سمي نبيا لبيان أمره ووضوح خبره، أخذ من النّبي وهو عندهم: الطريق، قال القطامي:
لما وردن نبيّا واستتبّ بنا ... مسحنفر كخطوط السّيح منسحل
وقال الآخر:
فأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبيّ من الكاثب
ويجوز أن يكون النبيّ سمي نبيا لأنه ينبىء عن الله عز وجل، أي: يخبر عنه، أخذ من النبأ: وهو الخبر، قال الله عز وجل: {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (1)، ويكون الأصل فيه: نبيئا، فترك همزه، وأبدل من الهمزة ياء، وأدغمت الياء الأولى فيها.
وكان نافع يهمز النبي في جميع القرآن، لأنه كان يأخذه من النبأ، والاختيار ترك الهمز فيه لأنه مذهب قريش وأهل الحجاز، وهو لغة النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد جاء في الخبر: = أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له رجل: يا نبي الله، فقال: لست بنبيء الله، ولكني نبيّ الله = (2)، فأنكر الهمز لأنه لم يكن من لغته.
وقولهم: فلان من قريش
قال أبو بكر: في قريش أربعة أقوال. قال محمد بن سلام: سميت قريش قريشا بدابّة في البحر، عظيمة الشأن، تبتلع جميع الدواب، فشبّهت قريش بها. وقال غيره:
__________
(1) سورة النبأ: آية 1.
(2) النهاية 5/ 3.(1/480)
سميت قريش قريشا، لأنهم كانوا يتّجرون ويأخذون ويعطون، وقال: هو مأخوذ من قولهم: قد قرش الرجل يقرش، إذا تجر وأخذ وأعطى. وقال آخرون: إنما سميت قريش قريشا بالاقتراش، وهو: وقع الرماح بعضها على بعض، قال الشاعر (1):
ولمّا دنا الرايات واقترش القنا ... وطار مع القوم القلوب الرّواجف
وقال الآخر (2):
قوارش بالرماح كأنّ فيها ... شواطن ينتزعن بها انتزاعا
ويقال: قريش مأخوذ من التقريش، وهو: التحريش، ويروى بيت الحارث ابن حلزة (3):
أيّها الناطق المقرّش عنا ... عند عمرو وهل لذاك بقاء
وقولهم: ما في البريّة مثل فلان
قال أبو بكر: البرية معناها في كلام العرب: الخلق، قال الله عز وجل:
{فَتُوبُوا إِلى ََ بََارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (4)، معناه: إلى خالقكم.
وقال ابن هرمة (5):
وكلّ نفس على سلامتها ... يميتها الله ثمّ يبرؤها
أي: يخلقها. والبرية تهمز، ولا تهمز، فمن همزها أخذها من: برأ الله الخلق، ومن لم يهمزها قال: هي مأخوذة من: برا الله الخلق، مبنيّة على ترك الهمز. ويجوز أن تكون مأخوذة من البرى، وهو: التراب.
يقال في مثل من الأمثال: (بفيه البرى وحمّى خيبرى وشرّ ما يرى فإنه خيسرى).
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) القطامي، ديوانه 33.
(3) ديوانه 11وفيه: المرقش عنا.
(4) سورة البقرة: آية 54.
(5) ديوانه 52 (العراق) 56 (دمشق).(1/481)
وقالت بنت عبد المطلب (1) ترثي أباها:
والرّيس المعلوم والمعتفي ... في كلّ ما عال بني غالب
إن تمس في رمس عليك البرى ... تسفي عليك المور بالحاصب
وقولهم: هؤلاء ذريّة فلان
قال أبو بكر: الذرية: الأولاد، وأولاد الأولاد، والذّريّة فيها أوجه: أحدهن: أن تكون مأخوذة من ذرأ الله الخلق، فيكون أصلها ذروءة، ترك همزها، وأبدل من الهمزة ياء، فصارت ذروية، فلمّا اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن أبدل من الواو ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها، وكسرت الراء لتصح الياء.
والوجه الثاني: أن تكون منسوبة إلى الذّرّ، والوجه الثالث: أن تكون مأخوذة من ذروت، فتكون فعلولة، ويكون أصلها ذرورة، فأبدل من الراء التي بعد الواو ياء، وأبدل من الواو ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها.
ومن العرب من يكسر الذال فيقول: هؤلاء ذرّيّة فلان، قال الله عز وجل:
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنََا مَعَ نُوحٍ} (2)، وقرأ زيد بن ثابت: = ذريّة من حملنا مع نوح =، وقرأ بعض القراء: = ذريّة من حملنا مع نوح = بفتح الذال، وتخفيف الراء، فأخرجها مخرج البريّة.
وقولهم: الخابية والخوابي
قال أبو بكر: الخابية معناها في كلامهم: التي تخبّأ الأشياء فيها. قال أبو عبيدة وأبو عبيد: الخابية مأخوذة من خبأت، بنيت على ترك الهمز، كما بني النبي على ترك الهمز، وهو مأخوذ من النبأ. ويقال: خبأت الشيء وخبّأته وخبيته.
ويقال: أبطأت وابطات وأبطيت، وقرأت الكتاب وقراته وقريته. ويقال: صحيفة
__________
(1) المقصور والممدود للقالي 99وفيه: قالت صفية بنت عبد المطلب ترثي أبا طالب.
(2) سورة الإسراء: آية 3.(1/482)
مقروءة ومقروّة ومقريّة.
وقولهم: هذا شعر طرفة
قال أبو بكر: قال أهل اللغة: الطرفة معناها في كلام العرب: واحدة الطّرفاء، وكذلك القصبة واحدة القصباء، والحلفة واحدة الحلفاء، وقال الفراء: واحدة الحلفاء حلفة بكسر اللام.
والمرقّش: الشاعر، سمي مرقّشا لأنه كان يزيّن شعره، أخذ من قولهم: رقّشت الكتاب أرقّشه ترقيشا، قال في ذلك:
الدار قفر والرّسوم كما ... رقّش في ظهر الأديم قلم (1)
وزهير: مأخوذ من الزّهرة، والزهرة: الحسن والبياض. وقال قطرب: زهير تصغير الأزهر مرخّما، كما يقال في تصغير أحمد على الترخيم: حميد، وفي تصغير الأسود سويد.
وجرير: معناه في كلامهم خطام البعير، قال الشاعر (2):
فقد عظم البعير بغير لبّ ... فلم يستغن بالعظم البعير
يصرّفه الصّبيّ لكلّ وجه ... ويحمله على الخسف الجرير
والفرزدق: معناه في كلامهم الفتوت، وهو الذي تسميه العامة: الفتيت، ويقال:
الفرزدق: الجردق العظيم، وقال قطرب: جرذق بالذال.
والأخطل: معناه في كلامهم: العظيم الأذن طويلها. ويقال: فلان خطل الثوب، إذا كان يجرّه. ويقال أيضا: الأخطل مأخوذ من الخطل، وهو الخطأ من الكلام، قال الشاعر:
أخطل والدهر كثير خطله
والحارث بن حلّزة: الحارث فاعل من حرث يحرث حرثا، والحلّزة: ضرب من
__________
(1) شعر المرقش الأكبر 884.
(2) العباس بن مرداس، ديوانه 58.(1/483)
النبات.
ولبيد: معناه في كلامهم: المخلاة. ويكون لبيد فعيلا من لبد القطن يلبد لبدا، إذا التزق بعضه ببعض، قال الله عز وجل: {كََادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} (1)، معناه: كادوا يلتصقون به، ويقعون عليه من رغبتهم في استماع القرآن.
والطرمّاح: معناه في كلامهم: الرافع رأسه زهوا. ويكون الطرماح من قولهم: قد طرمح الرجل بناءه إذا رفعه، قال الشاعر:
طرمحوا الدور بالخراج فأمست ... مثل ما امتدّ من عماية نيق (2)
وقال الآخر (3):
معتدل الهادي طرمّاح القصب
وقال الراجز (4):
إنّ الطرمّاح الذي رأيتا ... عمرو بن سفيان الذي دربيتا
يقال: دربيت الرجل، إذا رفعته.
وعنترة: فيه أربعة أوجه: يجوز أن يكون فعللة من العنتر، والعنتر: الذباب، وزنه فعلل. ويجوز أن يكون فيعلة من العتيرة، والعتيرة: أول ما تنتج الناقة، فيذبح للآلهة في الجاهلية، يقال: قد عتر الرجل يعتر عترا، إذا فعل ذلك.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا فرعة ولا عتيرة» (5)، فالعتيرة قد مضى تفسيرها، والفرعة:
ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب لأصنامهم، ويقال في جمعها: فرع.
قال الشاعر (6):
وشبّه الهيدب العبام من ال ... أقوام سقبا ملبّسا فرعا
__________
(1) سورة الجن: آية 19.
(2) بلا عزو في الاشتقاق للأصمعي 30، والاشتقاق 392.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) غريب الحديث 1/ 194.
(6) أوس بن حجر، ديوانه 54. والهديب من الرجال: الجافي الثقل، الكثير الشعر. وقيل: الذي عليه أهداب تذبذب من بحار كأنها هيدب السحاب. والعبام: الكليل اللسان. وقيل:
الخليظ الخلقة. والسقب: ولد الناقة.(1/484)
ويجوز أن يكون عنترة مأخوذا من العتر، والعتر: الذكر. ويجوز أن يكون مأخوذا من العترة، والعترة: شجرة بتهامة ونجد، كثيرة اللبن.
وقولهم: لا شرب فلان إلّا مهلا
قال أبو بكر: روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «المهل مثل عكر الزيت، لا يدنيه الكافر إلى فيه إلا سقطت جلدة وجهه فيه».
وقال ابن عباس: المهل: درديّ (1) الزيت. وقال ابن مسعود: المهل: الفضة والذهب يسبكان جميعا. وقال غيره: المهل: الأسود الغليظ. ويقال: المهل والمهل بتسكين الهاء وضمها، قال عمران بن حطان:
فيها شراب لهم يشوي وجوههم ... من الحميم ويروي شربها المهل
وقولهم: رؤبة بن العجّاج
قال أبو بكر: رؤبة يهمز ولا يهمز، فمن همزه أخذه من رأبت الشيء، إذا أصلحته، وضممت بعضه إلى بعض، أنشدنا أبو العباس:
واه رأبت وهابا صدع أعظمه ... وربّه عطبا أنقذت من عطب (2)
ومن لم يهمز أخذه من راب اللبن يروب، إذا أدرك. ويجوز أن يكون مأخوذا من قولهم: الرجال روبى، إذا استرخوا من النعاس، قال الشاعر:
فأمّا تميم تميم بن مرّ ... فألفاهم القوم روبى نياما
والعجّاج: مأخوذ من العجّ، وهو رفع الصوت، يقال: قد عجّ القوم يعجّون عجيجا، إذا رفعوا أصواتهم، جاء في الحديث: «الحجّ العجّ والثجّ» (3)، فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ: صب الدماء يوم النحر.
__________
(1) الدردي: ما يبقى في الأسفل.
(2) لم أقف عليه.
(3) غريب الحديث 1/ 279.(1/485)
وقولهم: جنّة عدن
قال أبو بكر: قال ابن عمر: خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده: عدنا، والعرش، وآدم، والقلم، وقال لسائر الأشياء: كوني، فكانت. وقال غيره: عدن: بطنان الجنة.
وقال كعب الحبر: عدن: قصر في الجنة لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وقال الحكم: عدن: قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صدّيق أو شهيد أو محكّم في نفسه. والمحكم في نفسه: الذي يخيّر بين القتل والكفر، فيختار القتل على الكفر.
وقال أبو عبيدة العدن: الإقامة، يقال: قد عدن الرجل في الموضع، إذا أقام فيه.
والمعدن: من معادن الذهب والفضة، سمى معدنا لثباتهما فيه، وعدنان: مأخوذ من هذا، قال الأعشى (1):
وإن يستضيفوا إلى حمله ... يضافوا إلى عادن قد عدن
يريد: قد ثبت. ويروى: إلى راجح قد عدن.
وقولهم: قد صعق الرجل
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: قد غشي عليه. والقول الآخر: قد مات.
والقول الأول هو الكثير المشهور، قال الله عز وجل: {وَخَرَّ مُوسى ََ صَعِقاً} (2)، فيقال:
مغشيّا عليه، ويقال: ميّتا، والأول هو الأكثر. ويقال: قد صعق الرجل، إذا أصابته صاعقة، والصاعقة: العذاب. وجماعة من العرب يقولون: قد صقع الرجل، ويقولون:
الصاقعة والصواقع، قال الشاعر:
أعدّ الله للشعراء مني ... صواقع يخضعون لها الرّقابا
وأنشد الفراء:
ترى الشّيب في رأس الفرزدق قد علا ... لهازم قرد رنّحته الصواقع
تعرّض حتى أثبتت بين أنفه ... وبين مخطّ الحاجبين القوارع (3)
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 263.
(2) سورة الأعراف: آية 143.
(3) لجرير، ديوانه 923. وفيه: أرى الشيب في رأس. بين خطمه.(1/486)
والصعقة: معناها في كلامهم: الغشية، قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
{فَأَخَذَتْهُمُ الصََّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (1)، يريد بها: الغشية.
وقولهم: قد زلزل بالموضع
قال أبو بكر: الزلزلة والزلازل معناها في كلام العرب: الشدائد، قال عمران بن حطان:
فقد أظلّتك أيام لها حمس ... فيها الزلازل والأهوال والوهل
الحمس: الشدة، والزلازل: الشدائد، والوهل: الفزع، يقال: قد وهل الرجل يوهل وهلا، إذا فزع.
وقولهم: في نسب النبي صلّى الله عليه وسلم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن أدد.
قال أبو بكر: فأول ذلك محمد صلّى الله عليه وسلم مفعّل من الحمد، يقال: حمدت الرجل أحمده، إذا حمدته مرة بعد مرة. فأنا محمد والرجل محمد. ويقال: كرّمت الرجل أكرّمه، إذا أكرمته مرة بعد مرة. قال زهير:
ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه ... ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم
وعبد الله: معناه: الخاضع لله الذليل له. يقال: طريق معبّد، إذا كان مذلّلا، قد وطئه الناس وأثروا فيه. ويقال: بعير معبّد، إذا كان مذللا، قد طلي بالهناء من الجرب، حتى ذهب وبره.
وعبد المطلب: اسمه شيبة الحمد. وإنما سمي عبد المطلب لأن عمه المطلب طلبه في أخواله بني النجار، فأضيف إليه.
__________
(1) سورة الذاريات: آية 44.(1/487)
وهاشم: اسمه عمرو. وإنما سمي هاشما لأنه هشم الثريد، فأطعمه الناس. وهو عمرو العلى. قال ابن الزّبعري:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف
وعبد مناف: اسمه المغيرة. ومناف: مفعل من أناف ينيف إنافة، إذا ارتفع وزاد، من ذلك قولهم: عندي مائة ونيّف. يريدون بالنّيف: الزيادة والارتفاع على المائة، قال الشاعر:
أنافت بهواد تلع ... كجذوع شذّبت عنها القشر
وقصيّ: اسمه زيد، وهو فعيل، من قصا يقصو قصا، وإنما سمي قصيّا لأنه تقصّى بالشام عن عشيرته، وكان يقال له أيضا: مجمّع، قال الشاعر:
أبوكم قصيّ كان يدعى مجمّعا ... به جمّع الله القبائل من فهر
ومدركة: اسمه عمرو. قال الأثرم: كان مدركة وطابخة وقمعة بنو الياس بن مضر شردت إبلهم، وكانت أمهم ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة، وكان اسم مدركة عمرا، واسم قمعة عميرا، فخرج عمرو، فأدرك الإبل، فسمى مدركة.
وقعد عامر يطبخ شيئا كان قد احترشه، فسمي طابخة. وانقمع عمير في بيته فسمي قمعة، وأقبلت أمهم تمشي ضربا من المشي يقال له: الخندفة، فقال لها زوجها:
علام تخندفين وقد أدركت الإبل؟ فسميت خندف.
وإلياس: فيه ثلاثة أوجه: يجوز أن يكون إفعالا، ويكون أعجميا بمنزلة إسحاق، ويجوز أن يكون مأخوذا من الأليس: وهو الشجاع، الذي لا يفرّ في الحرب، فيكون وزنه إفعالا، ويكون عربيا، قال الشاعر:
أليس كالنّشوان وهو صاحي (1)
وقال الآخر (2):
أليس عن حوبائه سخيّ
والوجه الثالث: أن يكون فعيالا من الألس: وهو الحمق والجهل، قال الشاعر:
__________
(1) الروض الأنف 1/ 58بلا عزو.
(2) العجاج، ديوانه 332.(1/488)
فاسمع لأمثال إذا أنشدت ... ذكّرت العلم ولم تنسه
سوائر لم يك تحبيرها ... عن فهّة العقل والألسه (1)
ولؤي: فيه وجهان: أن يكون تصغير اللأى، وهو الثور، قال الشاعر:
يعتاد أدحية تبين بقفرة ... ميثاء يسكنها اللأى والفرقد
الأدحية: موضع بيض النعام وقال الآخر (2):
كظهر اللأى لو يبتغى ريّة بها ... نهارا لعنّت في بطون الشّواجن
ويجوز أن يكون لؤي تصغير اللأي، يقال: لأيت لأيا، إذا لبثت، قال الشاعر:
فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله (3)
ومضر: فيه وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من مضر اللبن يمضر مضرا، ومضر النبيذ، إذا حذى اللسان قبل إداركه.
ويجوز أن يكون مأخوذا من قولهم: ذهب دمه خضرا مضرا، أي باطلا. وتماضر:
اسم امرأة، من هذا أخذ.
نزار: مأخوذ من النّزر وهو القليل، يقال: نزر الشيء ينزر إذا قلّ، قال الشاعر (4):
شرار الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور
المقلات: التي لا يعيش لها ولد، والنزور: القليلة الولد.
ومعدّ: فيه ثلاثة أوجه: يجوز أن يكون من قول العرب: قد معد الرجل في الأرض، إذا ذهب فيها، قال الراجز:
أخشى عليكم طيّئا وأسدا ... وقيس عيلان وذيبا فسدا
__________
(1) عجز الثاني بلا عزو في الروض الأنف 1/ 57.
(2) الطرماح، ديوانه 489وفيه: لأعيت. ورية: ما توري به النار من عود وغيره، والشواجن:
الأودية.
(3) صدر البيت بلا عزو في اللسان (لأي).
(4) العباس بن مرداس، ديوانه 95وفيه: بغاث الطير. ونسب إلى كثير، ديوانه، 53. ونسب إلى غيرهما (ينظر اللآلي 190).(1/489)
وخاربين خربا فمعدا ... لا يحسبان الله إلّا رقدا (1)
ويجوز أن يكون مأخوذا من المعدّ، وهو موضع رجل الفارس من الفرس، وموضع رجل الراكب من المركوب، قال الراجز:
نائي المعدّين وأى نظّار ... محجّل لاح له خمّار (2)
وقال الآخر (3):
رأت رجلا قد لوّحته مخامص ... وطافت بريّان المعدّين ذي شحم
ويجوز أن يكون معدّ من قول العرب: قد تمعدد الرجل، إذا قوى واشتد، قال الراجز (4):
ربّيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا
وقال قطرب: يجوز أن يكون معد مفعلا من عددت الشيء أعدّه عدّا.
وعدنان: مأخوذ من قولهم: قد عدن الرجل في الموضع، إذا أقام فيه، ومن ذلك المعدن، و = جنات عدن =.
وأدد: فيه أوجه: يجوز أن يكون فعل من الودّ، فيكون الأصل فيه ودد، فلما انضمت الواو همزت، كما قالت العرب: هذه أجوه حسان، يريدون الوجوه، فيبدلون من الواو المضمومة همزة، ومنه قوله عز وجل: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (5) أصله وقّتت، فلمّا انضمت الواو جعلت همزة، كما قال الشاعر:
يحلّ أحيده ويقال بعل ... ومثل تموّل منه افتقار (6)
أراد: يحلّ وحيده، فلما انضمت الواو جعلها همزة. ويجوز أن يكون أدد
__________
(1) الأبيات عدا الثاني في اللسان (معد) بلا عزو. والخارب: اللص أو سارق الإبل.
(2) بلا عزو في الاشتقاق للأصمعي 43.
(3) لم أقف عليه.
(4) العجاج، ملحقات ديوانه 76 (طبعة ليبيبزك). وأخلت بهما طبعة عزة حسن.
(5) سورة المرسلات: آية 11.
(6) بلا عزو في معاني القرآن 3/ 223. والتمول: اقتناء المال.(1/490)
من الإدّ، وهو: الأمر العظيم والداهية، قال الله عز وجل: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا} (1)، معناه: داهية عظيمة، يقال: أدّ الأمر يؤدّ إدّا، إذا عظم، وقرأ السّلمى: = لقد جئتم شيئا أدّا =، وقال الراجز:
قد لقي الأقوام منه نكرا ... داهية دهياء إدّا أمرا (2)
ويجوز أن يكون أدد، مأخوذا من قولهم: قد أددت الثوب، إذا مددته. ويجوز أن يكون مأخوذا من: أدّت الإبل إذا حنّت، قال الراجز:
يكاد في مجهوله يستوهل ... أدّ وسجع ونهيم هتمل (3)
وقولهم: بشرت فلانا بكذا وكذا
قال أبو بكر: العامة تخطيء في معني بشرت، فيذهبون إلى أنه لا يكون إلّا في السرور والفرح. والعرب تقول: بشرت فلانا بالخير، وبشرته بالشر، قال الله عز وعلا:
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} (4)، ويقال: قد بشرت الرجل أبشره بشرا، إذا سررته وأفرحته.
قال عبد الله بن مسعود: = من أحبّ القرآن فليبشر =. معناه: فليسر وليفرح، وأنشد الفراء:
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة ... أتتك من الحجّاج يتلى كتابها (5)
معناه: سررت عيالي وفرّحتهم. ويقال: أبشرت الرجل أبشره إبشارا، إذا أخبرته بالشيء، قرأ حميد: {إِنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} (6)، ويقال: قد استبشر الرجل بالأمر، وأبشر به، وبشر به يبشر بمعنى، قال عبد قيس بن خفاف البرجمي:
وإذا رأيت الباهشين إلى النّدى ... غبرا أكّفهم بقاع ممحل
__________
(1) سورة مريم: آية 89.
(2) بلا عزو في تاريخ الطّبريّ 6/ 123.
(3) بلا عزو في الاشتقاق للأصمعي 31.
(4) سورة التوبة: آية 3.
(5) بلا عزو في تفسير الطبري 3/ 61والقرطبي 4/ 75.
(6) سورة آل عمران: آية 45.(1/491)
فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
معناه: واستبشر بما استبشروا به. والبشر: الفرح والسرور. وقرأ بعض القراء:
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (1)، يريد: سرورا وفرحا.
وكذلك تخطىء العامة، فيقول الرجل منهم للرجل: أو عدني موعدا أقف عليه، وهذا خطأ في كلام العرب، وذلك أنهم يقولون: قد وعدت (2) الرجل خيرا وأوعدته شرا. فإذا لم يذكروا الخير قالوا: وعدته، فلم يدخلوا ألفا، وإذا لم يذكروا الشر قالوا:
أو عدته، ولم يسقطوا الألف، قال الشاعر (3):
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لأخلف إيعادي وأنجز موعدي
وإذا أدخلوا الباء لم يكن إلّا في الشر، كقولهم: أوعدته بالضرب. ويقال: واعدت فلانا أواعده مواعدة، إذا وعدته ووعدني لأن سبيل فاعلت أن يكون من اثنين، كقولك: شاركت الرجل وقاتلته وبايعته، وقد يكون لواحد كقولك: عاقبت اللص، وطارقت النعل، وقاتل الله الكافر، معناه: قتله الله، قال الله تعالى: {وَإِذْ وََاعَدْنََا مُوسى ََ} (4).
وقرأ جماعة من القراء: = واعدنا موسى =. فالذين قرأوا: وعدنا، قالوا: الفعل لله عز وجل، والذين قرأوا: واعدنا، قالوا: الفعل من اثنين، من الله عز وجل ومن موسى.
وقولهم: قد درس الرجل القرآن
قال أبو بكر: معناه: قد راضه وذلّل لسانه به. والدّرس معناه في كلامهم: الرياضة والتذلل، يقال: طريق مدروس، إذا كثر مشي الناس فيه، حتى ذلّلوه وأثّروا فيه، ويقال للطريق في الثلج: درس، قال الراجز (5):
__________
(1) سورة الأعراف: آية 57.
(2) اللسان والتاج (وعد).
(3) عامر بن الطفيل، ديوانه 58.
(4) سورة البقرة: آية 51. وهي قراءة أبي عمرو. وقرأ باقي السبعة بالألف. (السبعة 154، التيسير 73).
(5) رؤبة، ديوانه 70.(1/492)
فحيّ عهدا قد عفا مدروسا ... كما رأينا الطّلل المطروسا
المطروس: الممحو، ومن ذلك سميت الطّروس طروسا، لأنها ممحوة. ويقال: قد درس الرجل الكتاب وردسه. قال الشاعر:
وعركتهم بالخيل يوم ردستهم ... بالمرهفات وللنساء عويل (1)
ويقال: قد داس الرجل الطعام وقد درسه. ويقال: هذا زمن الدّياس والدّراس.
وقولهم: قد تقبّل فلان بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد تكفّل به. والقبالة: الكفالة، والقبيل: الكفيل، يقال: هو الكفيل، والقبيل، والزعيم، والضمين، قال الله عز وجل: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (2)، وقال الشاعر (3):
فلست بآمر فيها بسلم ... ولكني على نفسي زعيم
معناه: ولكني على نفسي كفيل. وقال الآخر (4):
وكنت به الزعيم بما سأوفي ... به وتمام ذاك على الأجل
معناه: فكنت به الكفيل. ويقال: قد زعم الرجل يزعم زعامة، وقبل يقبل قبالة، قال الشاعر (5):
قلت كفّي لك رهن بالرضى ... وازعمي يا هند قالت قد وجب
وقولهم: فلان السفير بيننا
قال أبو بكر: معناه المصلح، والسّفارة معناها في كلامهم: الإصلاح، قال الشاعر:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة يوسف: آية 72.
(3) لم أقف عليه.
(4) لم أقف عليه.
(5) عمر بن أبي ربيعة، ديوانه 386وفيه: أن كفي فاقبلي يا هند.(1/493)
وما أدع السّفارة بين قومي ... وما أمشي بغشّ إن مشيت (1)
والسفرة: الملائكة، قال الفراء: سمّوا سفرة لإصلاحهم بين الناس، وواحدهم سافر. والأسفار في غير هذا: الكتب، واحدها سفر.
وقولهم: قد حسّ فلان
قال أبو بكر: العامة تخطىء في هذا فتظن أن معنى حسّ: سمع ووجد، وليس كذلك، والعرب تقول: أحس فلان الشيء يحسّه إحساسا، إذا وجده، قال الله عز وجل: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} (2)، فمعناه: هل تجد، وقال الأسود بن يعفر (3):
نام الخليّ وما أحسّ رقادي ... والهمّ محتضر لديّ وسادي
ويقال: حسّ فلان القوم يحسّهم حسّا، إذا قتلهم، قال الشاعر (4):
إن تلق قيسا أو تلاق عبسا ... تحسّهم بالمشرفيّ حسّا
معناه: تقتلهم. وقال الآخر (5):
نحسّهم بالبيض حتى كأنّما ... نعلّق منهم بالجماجم حنظلا
ويقال: حسّ فلان يحسّ ويحسّ إذا رقّ وعطف، قال الكميت (6):
هل من بكى الدار راج أن تحسّ له ... أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل
معناه: راج أن ترق له وترحمه. وقال الله عز وجل، وهو أصدق قيلا: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (7)، معناه: إذ تقتلونهم بإذنه. ويقال: سنة حسوس، إذا كانت شديدة قليلة الخير، أنشد أبو عبيدة (8):
__________
(1) بلا عزو في معاني القرآن 3/ 236.
(2) سورة مريم: آية 98.
(3) ديوانه 25.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) شعره: 2/ 12.
(7) سورة آل عمران: آية 152.
(8) مجاز القرآن 1/ 104.(1/494)
إذا تشكّوا سنة حسوسا ... تأكل بعد الأخضر اليبيسا (1)
وقولهم: قد همز فلان في قراءته
قال أبو بكر: الهمز معناه في كلامهم: الاعتماد على الحرف والغمز له، من ذلك قولهم. قد همز فلان فلانا، إذا غمزه بالغيبة والأذى، قال الله عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (2).
وقال الشاعر (3):
تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا ... وإن تغيبت كنت الهامز اللّمزه.
ويقال: نعوذ بالله من الشيطان، ومن همزه ولمزه ونفثه. يراد بالهمز: الغمز، وبالنفث: النفخ. وقال رجل من العرب: الفارة تهمز. فقال له آخر: السّنّور يهمزها.
وقال حسان بن ثابت في أبي سفيان بن الحارث:
همزتك فاختضعت لذلّ نفس ... بقافية تأجّج كالشّواظ
يريد: غمزتك، وقال الراجز (4):
ومن همزنا رأسه تهشّما
يريد: ومن غمزنا رأسه.
وقولهم: قد خرّق سرباله
قال أبو بكر: السربال في كلام العرب ينقسم على قسمين: يكون السربال:
القميص، ويكون السّربال: الدرع، قال الله عز وجل: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرََابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرََابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} (5)، يريد بالسرابيل الأولى: القمص، وبالسرابيل الثانية:
__________
(1) لرؤبة، ديوانه 72.
(2) سورة الهمزة: آية 1.
(3) زياد الأعجم في مجاز القرآن 1/ 263.
(4) رؤبة، ديوانه 184.
(5) سورة النحل: آية 81.(1/495)
الدروع. وقال امرؤ القيس (1):
ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي
يريد: تنسيني قميصي. وقال لبيد (2):
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا
يريد: قميصا، وقال الآخر (3):
باسلة الوقع سرابيلها ... بيض إلى دانيها الظاهر
يريد بالسرابيل: الدروع.
وقولهم: هذا الكلام غير مجد عليك
قال أبو بكر: معناه: هذا الكلام غير نافع لك، ولا عائد بخير يصل إليك، أخذ من الجدا، وهو العطاء والفضل. يقال: قد تعرضت لجدا زيد وجدواه، إذا تعرضت لمعروفه وعطائه، قال الشاعر (4):
ينال نذاك المعتفي عن جنابة ... وللجار حظّ من جداك سمين
وأنشدنا أبو العباس:
أنّى له شرواك يا لميس ... وأنت خود بادن شموس (5)
وقد يروى: أنّى له جدواك، فالجدوى: العطاء، والشروى: المثل. وقال الآخر (6):
ما شمت برقك إلّا نلت ريّقه ... كأنما كنت بالجدوى تبادرني
__________
(1) ديوانه 30. والطفلة: الناعمة الرخصة اليدين.
(2) ينظر ديوانه 358. ونسب إلى قردة بن نفاثة في معجم الشعراء 223، والإصابة 5/ 430.
(3) لم أقف على البيت.
(4) خلف بن خليفة في الأضداد 202.
(5) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 114، وارتشاف الضرب ق 161أ.
(6) علي بن جبلة العكوك، ديوانه 191 (العراق) 110 (مصر). وشام: نظر، وريق كل شيء:
أوله.(1/496)
والجدا في هذا المعنى: مقصور، يكتب بالألف. والجداء: الغناء، ممدود. وكل ممدود يكتب بالألف. يقال: إنه لقليل الجداء عنك، قال نابغة بني شيبان (1):
فعجت على الرسوم فشوّقتني ... ولم يك في الرّسوم لنا جداء
وقال الآخر (2):
لقلّ جداء على مالك ... إذا الحرب شبّت بأجذالها
وقولهم: قد أولاني فلان معروفا
قال أبو بكر: معناه قد ألصق المعروف بي، وجعله يليني، ومن قولهم: جلست مما يلي زيدا، أي يلاصقه ويدانيه. ويقال: أولاني: معناه ملّكني المعروف، وجعله منسوبا إليّ، وبيّنا عليّ، من قولهم: هذا وليّ المرأة، أي: صاحب أمرها، والحاكم عليها.
ويجوز أن يكون معناه: عضدني بالمعروف، ونصرني وقوّاني به، من قول العرب:
بنو فلان ولاء على بني فلان، أي يعضدونهم ويعينونهم، قال الشاعر:
زعمت بأنّ جمعك إذ رأونا ... يد لك في الولاء وأنت عان
فقد غرّت حبالك من أناس ... ولاؤهم ككذّاب اللسان (3)
قال أبو بكر: ككذّاب اللسان معناه: ككذب اللسان، العرب تقول: هو الكذب: والكذاب والكذّاب، قال الله عز وجل: {لََا يَسْمَعُونَ فِيهََا لَغْواً وَلََا كِذََّاباً} (4)، معناه: ولا كذبا، وقال الشاعر في اللغة الأخرى:
فكذبتها وصدقتها ... والمرء ينفعه كذابه
يريد: كذبه. والولاء في هذا المعنى ممدود، يكتب بالألف، والولاء في العتق مثله.
وقال الحارث بن حلزة (5):
__________
(1) ديوانه 46.
(2) مالك بن العجلان في جمهرة اللغة 3/ 221، وشمس العلوم 1/ 297.
(3) بلا عزو في المقصور والممدو للقالي 317.
(4) سورة النبأ: آية 35.
(5) ديوانه 10.(1/497)
زعموا أنّ كلّ من ضرب العي ... ر موال لنا وأنّا الولاء
والولي من المطر: مقصور، يكتب بالياء. ويقال: أولاني معناه: أنعم عليّ، من الآلاء، وهي: النعم، قال الله جل اسمه: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} * (1).
وواحد الآلاء إلي وإلى وإلى، قال الأعشى (2):
أبيض لا يرهب الهزال ولا ... يقطع رحما ولا يخون إلّا
والأصل في إلي: ولي، فأبدلوا من الواو المكسورة همزة، كما قالوا: الوسادة والإسادة. وكذلك ألى، والأصل في ألي ولي، فأبدلوا من الواو المفتوحة همزة، كما قالوا: امرأة أناة، وأصلها وناة، من الونى والفتور، فأبدلوا من الواو المفتوحة همزة، وكذلك أحد، الأصل فيه وحد، فأبدلت الهمزة من الواو، قال الله جل اسمه: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ اللََّهُ الصَّمَدُ} (3).
وقولهم: سيما فلان حسنة
قال أبو بكر: معناه: علامته، وهي مأخوذة من وسمت الشيء أسمه وسما، إذا أعلمته، ومن هذا قول جرير (4):
لمّا وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
أراد بالميسم: العلامة التي يعرفون بها. والأصل في ميسم: موسم، فصارت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. والأصل في سيما وسمى، فحوّلت الواو من موضع الفاء، فوضعت في موضع العين، كما قالوا: ما أطيبه وما أيطبه، فصار سومى، وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فقيل: سيما، قال الله عز وجل: {سِيمََاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (5).
وقال الشاعر أنشدناه أبو العباس عن ابن الأعرابي:
__________
(1) سورة الرحمن: الآيتان 13، 16.
(2) ديوانه 157.
(3) سورة الإخلاص: الآيتان 1، 2.
(4) ديوانه 940، وفيه: وضغا البعيث.
(5) سورة الفتح: آية 29.(1/498)
غلام رماه الله بالحسن مقبلا ... له سيمياء لا تشقّ على البصر
كأنّ الثّريا علّقت فوق نحره ... وفي جيده الشّعرى وفي وجهه القمر
فزاد على سيما ألفا ممدودة، ومعنى الحرف في مدّه، كمعناه في قصره.
وقولهم: يوم السبت
قال أبو بكر: السبت معناه في كلام العرب: القطع، يقال: قد سبت رأسه، إذا حلقه، وقطع الشعر منه. ويقال: نعل سبتيّة، إذا كانت مدبوغة بالقرظ محلوقة الشعر، قال عنترة (1):
بطل كأنّ ثيابه في سرجه ... تحذى نعال السّبت ليس بتوءم
فسمي السبت سبتا لأن الله ابتدأ الخلق فيه، وقطع فيه بعض خلق الأرض، أو لأن الله جل وعلا أمر بني إسرائيل فيه بقطع الأعمال وتركها، وقال: {وَجَعَلْنََا نَوْمَكُمْ سُبََاتاً} (2)، فمعناه: قطعا لأعمالكم.
وقال بعض الناس: سمي السبت سبتا لأن الله أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة من الأعمال، وخلق هو السموات والأرض في ستة أيام آخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت!!.
قال أبو بكر: وهذا عندي خطأ، لأنه لا يعرف في كلام العرب سبت: بمعنى استراح، إنما المعروف فيه قطع، ولا يوصف الله عز وجل بالاستراحة لأنه لا يتعب فيستريح، ولا يشتغل، فينتقل من الشغل إلى الراحة، والراحة لا تكون إلا بعد تعب أو شغل، وكلاهما زائل عن الله عز ذكره.
واتفق أهل العلم على أن الله جل وعز ابتدأ الخلق يوم السبت، ولم يخلق يوم الجمعة، سماء ولا أرضا. وقال اليهود: ابتدأ الله عز وجل الخلق يوم الأحد، وفرغ يوم الجمعة واستراح يوم السبت. فقول هؤلاء خارج عن اللغة، وموافق لتأويل اليهود،
__________
(1) ديوانه 212. وفيه: في سرحة. والسرحة: شجرة طويلة.
(2) سورة سبأ: آية 9.(1/499)
ومباين لقول المسلمين.
وقولهم: وجه فلان مكفهرّ
قال أبو بكر: معناه: منقبض كالح، لا يرى فيه أثر بشر ولا فرح، من قولهم: جبل مكفهر، إذا كان متراكما صلبا شديدا، لا تصل إليه آفة، ولا تناله حادثة، قال الحارث ابن حلزة (1):
وكأنّ المنون تردي بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء
مكفهرّا على الحوادث لا تر ... توه للدهر مؤيد صمّاء
تردي: ترمي، والأرعن: الجبل العظيم الذي له رعن، وهو أنف يتقدم منه، والجون: الأسود، وينجاب: ينشقّ ويتفرّق عن الجبل لطوله.
والمكفهر: الصلب الذي لا تغيره الحوادث، وترتوه: تقبضه وتنقص منه، والمؤيد:
الداهية العظيمة التي تغلب كل شيء تصل إليه وتهلكه، والصماء: التي لا يسمع فيها صوت لاشتباك الأصوات بها.
وجاء في الحديث: «ألقوا الكافر والمنافق بوجه مكفهرّ» (2)، أي: بوجه منقبض لا بشر فيه ولا طاقة.
وقولهم: فلان خبيث مخبث
قال أبو بكر: الخبيث: ذو الخبث في نفسه، والمخبث: الذي أصحابه وأعوانه خبثاء. وكذلك قولهم: قويّ مقو، القوي: ذو القوة في نفسه، والمقوي: الذي دوابّه قويّه.
وكذلك قولهم: ضعيف مضعف، الضعيف: ذو الضعف في نفسه، والمضعف:
الذي دوابّه ضعاف. وفي المسألة جواب ثان، وهو أن يكون المخبث: الذي يعلّم غيره الخبث.
__________
(1) ديوانه 11.
(2) غريب الحديث 4/ 183.(1/500)
والحديث المروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل الخلاء قال: «أعوذ بالله من الخبث والخبائث» (1)، معناه: أعوذ بالله من الكفر والشرك، والخبائث: الشياطين.
والخبث، بفتح الخاء والباء: ما تخلصه النار من رديء الحديد والفضة، من ذلك الحديث المروي: «إنّ الحمّى تنفي الذنوب كما ينفي الكير الخبث» (2).
وفي المسألة جواب ثالث، وهو أن يكون المخبث: بمعنى الخبيث، لا زيادة لمعناه على معناه، إلا زيادة الإطناب والمبالغة، ويجري مجرى قول العرب: هو جادّ مجدّ، وهو ضراب ضروب، المعنى في الحرفين واحد، قال الشاعر (3):
حطّامة الصّلب حطوما محطما فالألفاظ الثلاثة يرجعن إلى تأويل واحد. وقال الأعشى (4):
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشلّ شلول شلشل شول
فالشاوي: الذي يشوي، والشلول: الخفيف، والمشل: المطرد، والشلشل: الخفيف وكذلك القلقل، وكذلك الشول، فالألفاظ متقاربة في المعنى، أريد بذكرها والجمع بينها المبالغة في التوكيد.
وقولهم: فلان صلب القناة
قال أبو بكر: معناه: صلب القامة، والقناة عند العرب: القامة، قال امرؤ القيس (5)
وبيت عذارى يوم دجن دخلته ... يطفن بحماء الموافق مكسال
قليلة جرس الليل إلّا وساوسا ... وتبسم عن عذب المذاقة سلسال
سباط البنان والعرانين والقنا ... لطاف الخصور في تمام وإكمال
__________
(1) سنن ابن ماجه 109.
(2) غريب الحديث 2/ 192.
(3) لم أقف عليه.
(4) ديوانه 45.
(5) ديوانه 34، 379. وفيه: يوم دجن ولجته. والحماء: الغائبة عظم الرفق لكثرة لحمها.
والجرس: الصوت. والوساوس هنا: أصوات الحلي، وسباط: ملس. والعرانين: الأنوف.(1/501)
أراد بالقنا: القامات. وأخبرنا أبو العباس قال: القنا في غير هذا: الرماح، وكل خشبة هي عند العرب: قناة وعصا، وأنشدنا للأسود بن يعفر (1):
وقالوا شريس قلت يكفي شريسكم ... سنان كنبراس النّهامي مفتّق
نمته العصا ثم استمرّ كأنّه ... شهاب بكفّي قابس يتحرّق
نمته: رفعته، يعني السنان. والنبراس: السراج. والنّهامي في قول ابن الأعرابي:
الراهب، وقال الأصمعي: النهامي: النجار، والمنهمة: موضع النجارة.
وقولهم: ما مقلت عيني مثل فلان
قال أبو بكر: معناه: ما رأت ولا نظرت، وهو فعلت من المقلة، والمقلة: الشحمة التي تجمع سواد العين وبياضها، والحدقة: السواد دون البياض، قال الشاعر:
لها مقلتا حوراء طلّ خميلة ... من الوحش ما تنفكّ ترعى عرارها (2)
أراد: لها مقلتا ظبية حوراء، ما تنفك ترعى خميلة طلّ عرارها. ويقال: مقلت الشيء في الماء، إذا غمسته فيه. ويقال: الرجلان يتماقلان في الماء، أي: يتغاطان فيه.
جاء في الحديث: «إذا سقط الذباب في الطعام فامقلوه، ثم انقلوه، فإنّ في أحد جناحيه سمّا، وفي الآخر شفاء، وإنه يقدّم السّمّ، ويؤخّر الشفاء» (3).
فمعنى فامقلوه: فاغمسوه ليخرج الشفاء، كما أخرج الداء. والمقلة: الحصاة التي يقدر بها الماء إذا قلّ، ولم يكد يوجد، فتؤخذ الحصاة، فتجعل في الإناء، ويصبّ عليها من الماء ما يغمرها، ويجعل ذلك حصة لكل إنسان، وإنما يفعل ذلك في المفاوز، التي إذا وجد فيها اليسير من الماء لم يرو القوم الواردين عليه، فيقتسمونه بالحصص، ويجعلون العلامة: علوّ الماء الحصاة.
__________
(1) ديوانه 51.
(2) بلا عزو في شرح القصائد السبع 141. والخميلة الرملة المنبتة، والعرار: نبات له نور أبيض طيب الريح.
(3) غريب الحديث 2/ 215. تأويل مختلف الحديث 228.(1/502)
وقولهم: حتى تزهق نفسه
قال أبو بكر: معناه: حتى تهلك وتبطل. قال الشاعر:
ولقد شفى نفسي وأذهب حزنها ... إقدامه مهرا له لم يزهق (1)
أي لم يهلك. والزاهق في غير هذا: السمين، الحسن الحال، قال زهير (2):
القائد الخيل منكوبا دوابرها ... منها الشّنون ومنها الزّاهق الزّهم
قال ابن السكيت: الشنون، الذي بين السمين والمهزول، والزاهق: السمين.
والزهم: أسمن منه، وهو منتهى السمن. وقال أبو عبيدة: الشنون: الذي ذهب الشحم من بطنه، وبقي في ظهره.
قال الشماخ (3):
فسلّ الهمّ عنك بذات لوث ... عذافرة مضبّرة أمون
إذا ضربت على العلّات حطّت ... إليك حطاط هادية شنون
وقولهم: قد عفّر خدّه
قال أبو بكر: معناه: قد أداره في التراب، وحرّكه، أخذ من العفر، وهو التراب وظهر الأرض. يقال: ما على عفر الأرض مثله. قال الشاعر:
انظر إلى عفر الثرى منه خلق ... ت وأنت بعد غد إليه تصير (4)
ومعنى العفر في اللغة: البياض ليس بالناصع. من ذلك الحديث المروي: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا سجد جافى عضديه حتى يرى من خلفه عفرة إبطيه» (5).
__________
(1) بلا عزو في الأضداد 154.
(2) ديوانه 153.
(3) ديوانه 322، 326. وفيه: عذافرة كمطرقة القيون. وذات لوث: ذات قوة على الخير.
وعذافرة: صلبة شديدة. ومضبرة: وثيقة مجتمعه الخلق. أمون: أمينة وثيقة الظهر يؤمن من عثارها. وحطت: أسرعت. هادية: أتان وحشية متقدمة في السير على جماعة الحمر.
(4) بلا عزو في الأضداد 384.
(5) غريب الحديث 2/ 142، النهاية 3/ 261.(1/503)
ويقال: قد عفّرت الوحشية ولدها، إذا أرادت فطامه، فقطعت عنه الرضاع يوما أو يومين، ثم أشفقت عليه، فردّته إلى الرضاع، ثم قطعته عنه، تفعل به ذلك مرّات حتى يستمر، قال لبيد (1):
لمعفّر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب لا يمنّ طعامها
فالمعفر: هو الذي قدمنا تفسيره. والقهد: يقال: هو اللطيف، ويقال: هو من ضرب من الضأن تصغر آذانهنّ وتعلوهنّ حمرة. والغبس: كلاب صفر يعلو صفرتهن سواد، ومن المعنى الأول قول أبي هريرة: = لدم عفراء في الأضاحي أحبّ إلى من دم سوداوين =. ويقال: ظباء عفر إذا لم تكن خالصة البياض، تشبه ألوانها لون التراب.
وقولهم: قد غادرته في الموضع
قال أبو بكر: معناه: قد تركته وخلّفته، وكذلك أغدرته، قال الله جل اسمه: {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً} (2).
وفي بعض المصاحف: لا يغدر صغيرة ولا كبيرة، ومعناهما واحد. جاء في الحديث: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم «ذكر قوما غزوا فقتلوا فقال: ليتني غودرت مع أصحاب نحص الجبل» (3). أي: ليتني تركت معهم شهيدا، والنحص: أصل الجبل وسفحه. وقال أبو محمد الفقعسي: أنشدناه أبو العباس عن ابن الأعرابي:
هل لك والعارض منك عائض ... والحبّ قد تعرضه العوارض
في هجمة يغدر منها القابض
أي: يترك منها لكثرتها، وأنه لا يضبطها ولا يطيق جميعها. والقابض: الذي يقبض
__________
(1) ديوانه 308. ولا يمن: لا ينقض. وكواسب: تتعيش من الصيد.
(2) سورة الكهف: آية 49. ورسمت: مال هذا، بقطع لام الجر في المصحف الشريف (ينظر:
المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار 75وشرح تلخيص الفوائد 94). وقال المهدوي في هجاء مصاحف الأمصار 85: (ومن ذلك لام الجر، هي مقطوعة من المجرور في أربعة مواضع: في سورة النساء: آية 78: {فَمََا لِهََؤُلََاءِ الْقَوْمِ}. وفي سورة الفرقان: آية 7: {مََا لِهََذَا الرَّسُولِ}، وفي المعارج 36: {فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
(3) غريب الحديث 2/ 198. النهاية 3/ 344.(1/504)
الصدقة. وقال الأصمعي: القابض: السائق المسرع، يقال: قبض يقبض، إذا أسرع. فأراد الشاعر: يترك السائق المسرع بعضا، لأنه لا يلحقها لشدة إسراعها، فتمضي على وجوهها.
وقولهم: رجل ديّوث
قال أبو بكر: الديوث معناه في كلامهم: الذي يدخل الرجال على امرأته. وأصل الحرف بالسريانية، وكذلك القنذع والقنذع. وحديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «الغيرة من الإيمان، والمذاء من النفاق» (1).
أريد بالمذاء فيه: الجمع بين الرجال والنساء، للزنا والفساد. وإنما سمى ذلك مذاء، لأن بعضهم يماذي بعضا، عند الاجتماع، مماذاة ومذاء. والمذي: ما يخرج من ذكر الرجل عند النظر والفكر، يقال: مذى يمذي، وأمذى يمذي، والأول أجود.
والمنيّ: ما يخرج عند بلوغ غاية الشهوة، وهي: الماء الذي يكون منه الولد، يقال منه: أمنى يمني، ومنى يمني، والأول أجود، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مََا تُمْنُونَ} (2).
وأخبرنا أبو العباس قال: قرأ قعنب أبو السّمّال الأعرابي: ما تمنون، بفتح التاء.
والوذي: الذي يخرج من ذكر الرجل بعد البول، إذا كان قد جامع قبل ذلك أو نظر، يقال منه: وذى يذي، وأوذى يوذي، والأول أجود.
ويقال: المذاء معناه: أن يرسل الرجل الرجال على النساء، والنساء على الرجال، ليكون الاجتماع على الأمر المذموم، يقال: أمذيت فرسي ومذّيته، إذا أرسلته يرعى.
ويروى: (والمذال من النفاق) باللام. فمن رواه هكذا قال: أصل المذل: الضجر، فإذا ضجر الرجل من حبسه نفسه على امرأته، وأراد الحرام، وضجرت المرأة من حبسها نفسها على زوجها، وأرادت الحرام، كان ذلك مذالا.
يقال: مذلت من مضجعي، إذا ضجرت منه، فانتقلت إلى غيره. ومذلت بسرّي، إذا ضجرت من حفظه وصونه، فأبديته، وأطلعت عليه. ومذلت بمالي، إذا ضجرت من
__________
(1) غريب الحديث 2/ 263.
(2) سورة الواقعة: آية 58.(1/505)
حفظه وإمساكه، فأنفقته، قال الأسود بن يعفر (1):
ولقد أروح على التّجار مرجّلا ... مذلا بمالي ليّنا أجيادي
وقال الراعي (2):
ما بال دفّك بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا
وقال الآخر (3):
فلا تمذل بسرّك كلّ سرّ ... إذا ما جاوز الاثنين فاشي
وقد يقال: مذل يمذل مذلا. ويقال: مذلت رجله، إذا خدرت، قال الشاعر:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ... بدعواك من مذل بها فيهون (4)
وقولهم: نعوذ بالله من جهنّم
قال أبو بكر: في جهنم قولان، قال يونس وأكثر النحويين: جهنم: اسم للنار التي يعذب الله بها في الآخرة، وهي أعجمية لا تجري للتعريف والعجمة. وقال آخرون:
جهنم: اسم عربي، سميت نار الآخرة به لبعد قعرها، وإنما لم تجر لثقل التعريف وثقل التأنيث. قال قطرب: حكي لنا عن رؤبة أنّه قال: ركيّة جهنّام، يريد: بعيدة القعر.
وقال الأعشى (5):
دعوت خليلي مسحلا ودعوا له ... جهنّام جدعا للهجين المذمّم
قال أبو بكر: فتركه إجراء جهنام يدل على أنه أعجمي.
وقولهم: نعوذ بالله من سقر
قال أبو بكر: فيها قولان: أحدهما: أن تكون نار الآخرة، سميت بسقر اسما
__________
(1) ديوانه 29. والترجيل: تسريح الشعر، ولين الجيد: كناية عن الشباب.
(2) شعره: 124. ودفك: جنبك.
(3) قيس بن الخطيم، ديوانه 235. ونسب في غريب الحديث 2/ 265إلى سابق البربري، وليس في شعره.
(4) بلا عزو في اللسان (مذل).
(5) ديوانه 95.(1/506)
أعجميا، لا يعرف له اشتقاق إذا كان أعجميا، ومنع الإجراء للتعريف والعجمة. يقال:
إنما سميت النار بسقر، لأنها تذيب الأجسام والأرواح، والاسم عربي، من قولهم: سقرته الشمس، إذا أذابته، وأصابه منها ساقور.
والسّاقور أيضا: حديدة تحمى، ويكوى بها الحمار. فمن جعل سقر اسما عربيا قال: منعته الإجراء بالتعريف والتأنيث.
قال الله تبارك وتعالى: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا سَقَرُ لََا تُبْقِي وَلََا تَذَرُ} (1).
وقولهم: نعوذ بالله من لظى
قال أبو بكر: لظى: سميت جهنم بها لشدتها، وتوقدها، وتلهبها، يقال: هو يتلظى علىّ، أي: يتهلب ويتوقد. وكذلك النار تتلظى، يراد به هذا المعنى، قال الشاعر:
جحيما تلظّى لا تفتّر ساعة ... ولا الحرّ منها غابر الدّهر يبرد (2)
وقولهم: نعوذ بالله من الجحيم
قال أبو بكر: قال أبو عبيدة: الجحيم: النار المستحكمة المتلظية. وقال الفراء:
الجحيم: النار على النار، والجمر بعضه على بعض، وهي جاحمة. وقال أبو جعفر أحمد ابن عبيد: إنما سميت النار جحيما لأنها أكثر وقودها، من قول العرب: جحمت النار أجحمها، إذا أكثرت لها الوقود، قال عمران بن حطان (3):
يرى طاعة الله الهدى وخلافه ... الضلالة يصلى أهلها جاحم الجمر
والجحيم يجري، وهو معروف مؤنث في قول قوم، لأنّ فيه الألف واللام، وكل ما لا يجري إذا دخلت عليه الألف واللام، وأضيف جرى. وهو مذكر في قول آخرين.
وأما الحطمة: فتجري، لدخول الألف واللام عليها، وهي معروفة مؤنثة، وكذلك
__________
(1) سورة المدثر: الآيتان 27، 28.
(2) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 277.
(3) شعر الخوارج 171.(1/507)
الهاوية، وهما من أسماء جهنم، سميت بالهاوية لتسفّلها، وسميت بالحطمة لكسرها ما يقع فيها.
وقولهم: قد تعاطى فلان كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد تناوله وأخذه، من قول العرب: قد عطوت أعطو عطوا، إذا تناولت، قال امرؤ القيس (1):
وتعطو برخص غير شثن كأنّه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
معناه: وتتناول هذه المرأة ببنان رخص غير خشن، كأنه أساريع ظبي. ظبي: اسم كثيب، والكثيب: الجبيل من الرمل. وأساريعه: دوابّ يكنّ فيه، يشبهن العظاء، وواحد الأساريع: أسروع، يقال: يسروع ويساريع بهذا المعنى. وأخذه ذو الرمة من امرىء القيس فقال:
خراعيب أملود كأنّ بنانها ... بنات النّقا تخفى مرارا وتظهر
الخراعيب: الأغصان، والأملود: نبات ناعم يتثنى، وبنات النقا: دوابّ يكنّ في الرمل يشبهن العظاء، والنقا من الرمل: تثنيته نقوان ونقيان، والإسحل: شجر له أغصان دقاق، تتخذ منها المساويك، فشبه البنان بها في دقتها.
والبنان: أطراف الأصابع، ويقال: البنان: الأصابع بعينها، قال الله جل اسمه:
{وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنََانٍ} (2)، وقال عنترة (3):
عهدي به شدّ النّهار كأنّما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم
وأنشدنا أبو العباس بيتا يشبه بيت ذي الرمة، وبيت امرىء القيس:
وكفّ كعوّاد النقا لا يضيرها ... إذا برزت أن لا يكون خضاب (4)
__________
(1) ديوانه 17.
(2) سورة الأنفال: آية 12.
(3) ديوانه 213وفيه: خضب اللبان: أي الصدر. ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وشد النهار: ارتفاعه. والعظلم: شجر.
(4) لم أقف عليه.(1/508)
أراد بعواد النقا: الدواب التي تشبه العظاء، واحدها عائدة، ووصفت بذلك لأنها تلزم الرمل فلا تكاد تبرح منه.
وقولهم: قد تمنّيت كذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: قد قدّرته وأحببت أن يصير إليّ، من المنى: وهو القدر، يقال: منى الله لك ما تحب يمني منيا، أي: قدّره لك، قال الله جل اسمه: {مِنْ نُطْفَةٍ إِذََا تُمْنى ََ} (1)، أراد: إذا تقدّر. قال الشاعر (2):
لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنى ... إلى جدث يوزى له بالأهاضب
وقال الآخر (3):
منت لك أن تلاقيني المنايا ... أحاد أحاد في الشهر الحلال
وقال الآخر (4):
ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... حتى تبيّن ما يمني لك الماني
وتمنّى يقع على معان ثلاثة: أحدهن: تمنّى: قدّر شيئا أحب أن يبلغه، وهو الذي قدمنا ذكره. والمعنى الثاني: تمنى: تلا وقرأ، قال الله جل اسمه: {أَلْقَى الشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (5)، أراد: إذا تلا ألقي الشيطان في تلاوته، وقال الشاعر يرثي عثمان ابن عفان:
تمنّى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر (6)
وقال الآخر (7):
__________
(1) سورة النجم: آية 46.
(2) صخر الغي، ديوان الهذليين 2/ 51. ويوزي له: يسوي له ويصلح.
(3) عمرو ذو الكلب، وكان جارا لهذيل، ديوان الهذليين 3/ 117.
(4) أبو قلابة الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 39.
(5) سورة الحج: آية 52.
(6) بلا عزو في اللسان (منى).
(7) لم أقف عليه.(1/509)
تمنّى كتاب الله أول ليله ... تمنّي داود الزّبور على رسل
والمعنى الثالث: تمنّى: كذب، ووضع حديثا لا أصل له، قال الفراء: قال رجل لابن دأب، وهو يحدّث: = أهذا شيء رويته أم شيء تمنّيته؟ =، فمعناه: افتعلته لا أصل له.
وقال الله جل وعلا: {لََا يَعْلَمُونَ الْكِتََابَ إِلََّا أَمََانِيَّ} (1)، أراد: إلا أنّهم يتمنّون على الله الباطل.
ويقال: الأماني: معناها التلاوة. ويقال: هي الأحاديث المفتعلة الموضوعة. وفي الأماني لغتان، يقال: هي الأمانيّ بالتشديد، وهي الأماني بالتخفيف، قال كعب بن زهير (2):
فلا يغرّنك ما منّت وما وعدت ... إنّ الأمانيّ والأحلام تضليل
وقال جرير (3):
تراغيتم يوم الزّبير كأنّكم ... ضباع بذي قار تمنّى الأمانيا
وقولهم: قد أشكل عليّ الأمر
قال أبو بكر: معناه: قد اختلط بغيره. والأشكل عند العرب: اللونان المختلطان، قال الشاعر (4):
فما زالت القتلى تمور دماؤها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
والشّكلة: حمرة تخالط بياض العين، فإذا خالطت السواد فهي شهلة، قال الشاعر:
لا عيب فيها غير شكلة عينها ... كذاك عتاق الطير شكلا عيونها (5)
وأخبرنا أبو العباس قال: يقال: أشكل عليّ الأمر، واشتكل وأحكل واحتكل، بمعنى.
__________
(1) سورة البقرة: آية 78.
(2) ديوانه 9.
(3) أخل به ديوانه.
(4) جرير، ديوانه 143.
(5) بلا عزو في غريب الحديث 3/ 28.(1/510)
وقولهم: فلان مخنّث
قال أبو بكر: معناه: متثنّي متكسّر، يقال للمرأة خنث: لتكسّرها وتثنّيها، جاء في الحديث: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «عن اختناث الأسقية» (1)، فمعناه: نهى أن يثنّى فم السقاء، ثم يشرب منه، كراهة أن يكون فيه دابة أو تنين. ومن ذلك الحديث المروي عن عائشة:
= أنها ذكرت وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت في بعض قولها: فانخنث في حجري ولم أشعر به = (2). تريد: انثني، وتذهب إلى الرأس أو غيره.
وقولهم: قد تكمّش الجلد
قال أبو بكر: معناه: قد تقبّض واجتمع. وكذلك: انكمش في الحاجة، معناه:
اجتمع فيها، قال الشاعر (3):
كميش الإزار خارج نصف ساقه ... صبور على الجلّاء طلاع أنجد
الكميش الإزار: المشمر الإزار، الذي قد جمعه وقبضه. والأنجد: جمع نجد، والنجد: ما ارتفع من الأرض. والجلّاء: الخصلة الجليلة العظيمة، إذا فتح جيمها مدّت، وإذا ضمّت قصرت.
وقولهم: قد بدّدت الشيء
قال أبو بكر: معناه: قد فرّقته، وأزلت عنه الاجتماع، من قول العرب: قد أبددتهم العطاء، إذا فرقته فيهم، ولم أجمع اثنين منهم في عطية، قال أبو ذؤيب يذكر الصائد والحمر، وأنه فرّق السهام فيها ولم يجمعها:
فأبدّهنّ حتوفهنّ فهارب ... بذمائه أو بارك متجعجع
معناه: فرق التحف فيهن. والذّماء: بقية النفس، ممدود. والذماء ضرب من المشي
__________
(1) غريب الحديث 2/ 282، 283.
(2) غريب الحديث 2/ 282، 283.
(3) اللسان (كمش).(1/511)
أو السير، يقال: مر يذمي ذماء، ممدود أيضا. والذّمي: الريح المنتنة، مقصور يكتب بالياء، يقال: ذمته ريح الجيفة تذميه ذميا. أنشدنا أبو العباس لخداش بن زهير (1):
سيخبر أهل وجّ من كتمتم ... وتذمي من ألمّ بها القبور
ومن الإبداد حديث أم سلمة: = أنّ مساكين سألوها فقالت لخادمها: أبدّيهم تمرة تمرة = (2). وقال رجل من العرب: = إنّ لي صرمة، أمنح منها وأطرق وأبدّ وأفقر وأقرن = (3). فالصّرمة: القطعة من الإبل، وأمنح: أهب ألبانها، وأطرق: أعطي الفحل منها القوم يضرب في إبلهم، وأبد: أفرق منها، وأفقر: أعير بعضها وأهبه، فيركب من فقار ظهره، وأقرن: أضم البعير إلى البعير، فأهبهما أو أعيرهما.
وقولهم: الخضر عبد صالح من صالحي عبيد الله
قال أبو بكر: قال أهل العربية: هو الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد. واختلف في العلّة التي من أجلها سمى خضرا، فيروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتزّ من تحته خضراء» (4).
وأخبرنا أحمد بن الحسين أبو جعفر قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، والفضل بن دكين، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان إذا صلّى في موضع اخضرّ ما حوله. وأخبرنا أحمد قال: حدثنا عثمان قال: حدثنا معاوية بن هشام قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، قال: إنما سمي الخضر خضرا لأنه كان إذا جلس اخضر ما حوله وقال آخرون، إنما سمي خضرا لحسنه وإشراق وجهه لأن العرب تسمى الحسن المشرق المقتبل خضراء، تشبيها بالنبات
__________
(1) المقصور والممدود للقالي 93. وخداش، من شعراء قيس في الجاهلية. (الشعر والشعراء 645، اللآلي 701).
(2) النهاية 1/ 105.
(3) غريب الحديث 4/ 239.
(4) الإصابة 2/ 287.(1/512)
الأخضر الغض، قال الله تبارك وتعالى: {فَأَخْرَجْنََا مِنْهُ خَضِراً} (1).
ويقال: قد اختضر الرجل، إذا مات شابا لأنه يؤخذ في وقت الحسن والإشراق، قال بعض الرواة: كان شيخ من العرب قد أولع به شاب من الحي، يقول له: قد أجززت يا أبا فلان، يريد: قد حان لك أن تجزز، أي: تموت، فكان يقول له الشيخ: يا ابن أخي، وتختضرون، أي: تموتون شبابا.
ويجوز في العربية: الخضر، على تحويل كسرة الضاد إلى الخاء، بعد إزالة الفتحة عنها، كما قالت العرب: الكبد والكلمة، والأصل: الكبد والكلمة، قال عروة بن حزام (2):
فويلي على عفراء ويلا كأنّه ... على الكبد والأحشاء حدّ سنان
وقال الآخر (3):
وكلمة حاسد في غير جرم ... سمعت فقلت مرّي فانفذيني
فعابوها عليه ولم تعبني ... ولم يعرق لها يوما جبيني
ومن العرب من يقول: الكبد، فيترك الكاف على فتحها، ويسقط عن الباء كسرتها، ميلا إلى التخفيف أيضا.
وقولهم: هذا كلام مستأنف
قال أبو بكر: معناه: مبتدأ، لم يتقدم قبل هذا الوقت، من قول العرب: كأس أنف، إذا لم يشرب بها قبل ذلك، وروضة أنف، إذا لم ترع قبل ذلك الوقت الذي وصفت فيه بهذا. والروضة: ماء ونبات في موضع مطمئن متسفّل، فإذا كان فيه ماء وشجر فهو حديقة، وليس بروضة، يقال: قد أراض المكان واستراض إذا كثرت رياضه.
ويقال جمع الروضة: روض ورياض. والروضة أيضا: بقيّة تبقى في الحوض من الماء، قال
__________
(1) سورة الأنعام: آية 99.
(2) شعره: 23. وفيه: على النحر. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(3) لم أقف عليه.(1/513)
الشاعر (1):
وروضة في الحوض قد سقيتها ... نضوي وأرضا قفرة طويتها
وقال عنترة (2):
وكأنّ فارة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمّن نبتها ... غيث قليل الدّمن ليس بمعلم
أراد بالأنف مثل الذي وصفنا، وإنما خصها دون غيرها، لأنها إذا لم ترع كان أطيب لريحها. ويقال: أرض أنيفة، إذا كان نباتها يسبق نبات غيرها، وهذه الأرض آنف من تلك الأرض، أي: نباتها أسبق، ويقال: أنف الأرض: ما استقبل الشمس من الجلد، والضواحي من الجبال.
وقولهم: استراح من لا عقل له
قال أبو بكر: فيه قولان: أحدهما: أن المقصود بهذا هو الأحمق، إذ كان يصرف همه إلى المأكول والمشروب والمنكوح، فإذا استقام له ذلك لم يفكر في عاقبة، فعيشه رغد، وباله رخيّ، والعاقل ليس كذلك، لفكره في العواقب، واهتمامه بالحوادث والنوازل. وشبيه بهذا قولهم: همّ الدنيا على العاقل. والقول الآخر: أن المقصود بهذا: هو الصبي الذي لا يفكر في شيء مستقبل، ولا يهتم إلا بما يأكله أو يشربه أو يلهو به، قال الراعي (3):
ألف الهموم وساده وتجنّبت ... كسلان يصبح في المنام ثقيلا
أي: تجنبت هذا الأحمق، الذي لا يزعجه ما يزعج العاقل، فيحول بينه وبين النوم.
وقال امرؤ القيس (4):
__________
(1) هميان السعدي في اللسان (روض).
(2) ديوانه 196195، والتاجر: العطار. وقسيمة: حسنة. والدمن: البعر. ومعلم: مكان مشهور.
(3) شعره: 134وفيه: ضاف الهموم ريان.
(4) ديوانه 27وفيه: ألاعم، ويعمن في الموضعين. ووعم يعم في معنى نعم ينعم.(1/514)
ألا انعم صباحا أيّها الطّل البالي ... وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
وهل ينعمن إلّا سعيد مخلّد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
أراد بالسعيد المخلد: الأحمق. ويقال: أراد به الصبي الذي يلبس الخلدة، والخلدة:
القرط والسوار، قال الله تبارك وتعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ} * (1)، قال بعض المفسرين: المخلدون: المسوّرون، وقال آخرون: هم المقرّطون، قال الشاعر:
ومخلّدات باللجين كأنّما ... أعجازهنّ أقاوز الكثبان (2)
اللجين: الفضة، والأقاوز: جمع القوز، وهو شبيه بالأكمة، والجبيل: الصغير من الرمل، والكثيب: الجبيل من الرمل. وقال بعضهم: مخلدون دائم شبابهم، لا يتغيرون عن تلك السن، يقال للرجل إذا علت سنه وبقي عليه سواد شعره وصحة أسنانه: أنه لمخلّد، فيكون مخلد بمعنى مخلد، لأن فعّل وأفعل قد يتضارعان. ويقال: هو السّوار من الحليّ، والسّوار والأسوار. ويقال الأسوار والإسوار: للرجل الرامي، وهو الواحد من أساورة الفرس، قال الشاعر:
والله لولا صبية صغار ... كأنمّا وجوههم أقمار
أخاف أن يمسّهم إقتار ... أو لاطم ليس له أسوار
لما رآني ملك جبّار ... ببابه ما وضح النّهار (3)
وقولهم: هي عيبة المتاع
قال أبو بكر: العيبة معناها في كلام العرب: التي يجعل فيها الرجل أفضل ثيابه، وحرّ متاعه، وأنفسه عنده. من ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» (4) فجعل صلّى الله عليه وسلم الأنصار عيبته لخصوصيته إياهم، ولأنه يطلعهم على أسراره، ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلم كرشي: صحابّي وجماعتي الذين أعتمد عليهم.
__________
(1) سورة الواقعة: آية 17.
(2) بلا عزو في تفسير غريب القرآن 447.
(3) الأبيات بلا عزو في مخير الألفاظ 202، ومبادئ اللغة 26.
(4) الفائق 3/ 253.(1/515)
وأصل الكرش في كلام العرب: الجماعة، يقال: هم كرش منثورة. ومن العيبة، الحديث المروي: «كانت خزاعة عيبة النبي صلّى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم» (1) للحلف الذي كان بينه وبينهم.
وقولهم: هذا أدم الخبز
قال أبو بكر: الأدم معناه في كلام العرب: الذي يطيّب الخبز، ويصلحه، ويلتذّ به الآكل له، من قول العرب: أدم الله بينهما يأدم، وآدم يؤدم، أي: جمع بينهما على محبة ورضى من كل واحد بصاحبه. أخبرنا أبو العباس قال: قيل لأعرابي: ما طعم الخبز؟
فقال: أدمه. قال أبو العباس: يقول: إن أدمته بحامض وجدته حامضا، وأن أدمته بحلو وجدته حلوا. والأدم جمع الإدام، فيه وجهان: أدم وأدم، كما تقول: كتاب وكتب وكتب. فالذي يأتي بالضمتين يخرج الحرف على أصله، والذي يسكن الدال يستثقل الضمتين، فيؤثر التخفيف. ويقال: أدمت الطعام، فأنا آدم، والطعام مأدوم. من ذلك قول امرأة دريد بن الصّمّة، وأراد دريد تطليقها: (يا فلان أتطلقني؟ فو الله لقد أطعمتك مأدومي، معناه: وأبثثتك مكتومي، وأتيتك باهلا غير ذات صرار). قولها: لقد أطعمتك مأدومي، معناه: خصصتك بمحض ما أجده من الطعام، وخصصتك بأفضله. والباهل:
التي يباح لبنها، ولا يصرّ ضرعها، فضربته مثلا لما تبذله من مالها، وما تناله يدها. وقولها:
وأبثثتك مكتومي، معناه: أطلعتك على سري، وفيه لغتان: يقال: أبثثتك سري، وبثثتك سري، بألف وبغير ألف، وينشد هذا البيت:
أبثّك ما ألقى وفي النفس حاجة ... لها بين لحمي والعظام دبيب (2)
ويروى: أبثّك ما ألقى. وقال الآخر (3):
والبيض لا يؤدمن إلا مؤدما
أي: لا يحببن إلّا محبّبا. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة: (لو
__________
(1) غريب الحديث 1/ 138.
(2) لابن الدمينة، ديوانه 107وصدره فيه: ومن خطرات تعتريني وزفرة.
(3) بلا عزو في غريب الحديث 1/ 143.(1/516)
نظرت إليها كان أحرى أن يؤدم بينكما)، أي: يجمع بينكما على اتفاق ورضى.
وقولهم: هو من قومي
قال أبو بكر: قال الفراء: القوم في كلام العرب: رجال لا امرأة فيهم. وكذلك الملأ، والنفر، والرهط، فإذا قال القائل: هو من قومي، أراد: من رجالي الذين أفخر بهم.
يدل على صحة هذا القول قول الشاعر (1):
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فإن احتج محتج بقوله جل وعلا: {إِنََّا أَرْسَلْنََا نُوحاً إِلى ََ قَوْمِهِ} (2)، فقال:
أرسل إلى الرجال دون السناء، قيل له: إرسال الله إياه إلى الرجال والنساء، إلا أنه اكتفى بذكر الرجال من ذكر النساء، لأن الغالب على النساء ابتاع الأزواج، فكان ذكرهم يكفي من ذكرهن.
وقال أبو عبيدة: الملأ بالقصر والهمز: الرؤساء والأشراف، واحتج بقوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ} (3)، وبالحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه سمع رجلا من الأنصار بعد وقعة بدر يقول: إنما قتلنا عجائز صلعا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: أولئك الملأ من قريش، لو احتضرت فعالهم احتقرت فعالك مع فعالهم» (4).
وقال كعب بن مالك (5):
فدونك واعلم أنّ نقض عهودنا ... أباه الملا منّا الذين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع
فإنما أوقع الملأ على سادة، وترك همزة الملأ، لضرورة الشعر، وحقه الهمز. والملا الذي لا يهمز: المتسع من الأرض، كقول الشاعر:
__________
(1) زهير. ديوانه 73.
(2) سورة نوح: آية 1.
(3) سورة البقرة: آية 246.
(4) النهاية 4/ 351.
(5) ديوانه 219.(1/517)
ألا غنّياني ارفعا الصوت بالملا ... فإنّ الملا عندي يزيد المدى بعدا (1)
وقولهم: قد شمّت العاطس
قال أبو بكر: معناه: قد دعوت له فقلت: يرحمك الله. وفيه لغتان معناهما كلتاهما الدعاء: شمّت العاطس وسمّته، بالشين والسين، والشين أعلى وأفصح، جاء في الحديث:
«أن النبي صلّى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر، فسئل عن ذلك فقال: إنّ هذا حمد الله فشمّته، وإن هذا لم يحمد الله فلم أشمّته» (2).
ويدل على أن التشميت معناه الدعاء، حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه لما أدخل فاطمة على عليّ قال لها: لا تحدّثا شيئا حتى آتيكما، فأتاهما، فدعا لهما، وشمّت عليهما، وانصرف» (3). فشمت معناه كمعنى دعا، إلا أنه نسق عليه لخلافه لفظه.
وقولهم: هو من بني الأصفر
قال أبو بكر: معناه: هو من الروم. وإنما قيل للروم بنو الأصفر لأن حبشيّا غلب على ناحيتهم في بعض الدهور، فوطئ نسائهم، فولدن أولادا فيهن من بياض الروم وسواد الحبشة، فكن صفرا لعسا، فنسب الروم إلى الصّفر والأصفر لذلك. قال عدي بن زيد (4):
أين كسرى كسرى الملوك أبو سا ... سان أم أين قبله سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور
وقولهم: جاء فلان على رسله
قال أبو بكر: معناه: على استهانة منه بالمجيء، وكذلك: قال كذا وكذا على
__________
(1) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 103، وإصلاح خطأ المحدثين 15.
(2) سنن ابن ماجه 1223.
(3) غريب الحديث 2/ 184.
(4) ديوانه 87.(1/518)
رسله. ويقال للرجل إذا أكثر الكلام: على رسلك، أي: استهن ببعضه وانتظر. جاء في الحديث: «أنّ الجفاء والقسوة في الفدّادين إلا من أعطى في نجدتها ورسلها» (1).
فالفدّادون: المكثرون من الإبل، الذين يملك الواحد منهم المائتين منها، وكانوا أهل خيلاء وكبر وعجب، واحدهم فدّاد. يروى في الحديث أيضا: «أن الأرض إذا دفن فيها الرجل قالت له: ربما مشيت عليّ فدّادا ذا مال كثير وخيلاء» (2). والنجدة:
كثرة شحوم الإبل ولحومها، فإذا كثر ذلك فيها كان نجدة لها تمتنع به من النحر، لأن ربّها إذا رآها كذلك ضنّ بها، وداخلته النفاسة فيه والإشفاق، فلم ينحرها.
قال الشاعر (3):
ولا تأخذ الكوم الجلاد رماحها ... لتوبة في صرّ الشتاء الصّنابر
أي: لا يضنّ بها، إذا كانت شحومها كالرماح في الدفع عنها. وقال النمر ابن تولب (4):
أيام لم تأخذ إليّ رماحها ... إبلي لجلّتها ولا أبكارها
وقال الفرزدق (5):
فمكّنت سيفي من ذوات رماحها ... نشاشا ولم أحفل بكاء رعائيا
الرسل: قلة شحومها ولحومها، وهوانها عليه في ذلك، فكأنه قال: إلّا من أعطى في سمنها وهزالها، وفي صعوبة الإعطاء، وهوانه عليه. ويقال: الرّسل: اللبن، أي: إلّا من أعطى حقّ الله منها في وفور شحومها ولحومها وكثرة لبنها، ولم يذكر الهزال وقلة اللبن، لأن من أعطى النفيس من ماله، كان أجدر أن يعطي الحقير، فاكتفى به منه.
وقال الأصمعي: الفدادون: الرجال الذين ترتفع أصواتهم في حروثهم وأموالهم، ومواشيهم، وما يعالجون منها، وواحدهم: فدّاد.
__________
(1) جعله أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 202، 204حديثين. وفي الفائق 3/ 93: هلك الفدادون إلا
(2) غريب الحديث 1/ 204.
(3) ليلى الأخيلية، ديوانها 79. والكوم من الإبل: العظيمة السنام، وصنابر الشتاء: شدة برده.
(4) ديوانه 62وفيه: أزمان
(5) ديوانه 2/ 357. والغشاش: العجلة.(1/519)
وقال أبو عمرو: هي الفدادين بتخفيف الدال، والنون معربة، يراد بها البقر التي تحرث، واحدها فدّان، فاعلم. قال طرفة (1):
إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا ... على رسلها مطروفة لم تشدّد
وقولهم: تركته يتضوّر
قال أبو بكر: معناه: يظهر الضّرّ الذي قد وقع به بالتقلقل والاضطراب والصياح، جاء في الحديث: «دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على امرأة يقال لها أمّ العلاء عائدا وهي تضوّر من شدة الوجع والحمّى فقال لها صلّى الله عليه وسلم: إنّ الحمى تنقّي خبث المؤمن كما تنقّي النار خبث الحديد» (2).
ويتضور يتفعّل من الضوّر، والضور: بمعنى الضّرّ. يقال: ضرّني ضرّا، وضارني يضيرني ضيرا، وضارني يضورني ضورا بمعنى، قال الأعشى (3):
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
قال أبو بكر: فهذا من الضّير. وكذلك قراءة من قرأ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (4)، ويجوز: لا يضركم بضم الضاد وتسكين الراء وما نعرف له إماما. ومن قرأ: = لا يضرّكم =، ضم الراء على الاتباع لضمة الضاد. وموضع الفعل جزم، لأنه جواب الجزاء، ويجوز أن تكون في موضع رفع على أنّ (لا) في موضع ليس، وجواب الجزاء فاء مضمرة، والتقدير: وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئا. قال أبو ذؤيب (5):
وقيل تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
أراد: فليس يضيرها. قال أبو بكر: وقال أبو العباس: التضور: التضعّف، من
__________
(1) ديوانه 3. والمطروفة: الفاترة الطرف. لم تشدد: لم تجتهد.
(2) النهاية 3/ 105، وأم العلاء صحابية، وهي عمة حكيم بن حزام. (الإصابة 8/ 264).
والخبث: ما تلقيه النار من وسخ الحديد إذا أذيب.
(3) ديوانه 46.
(4) سورة آل عمران: آية 120. وينظر في قراءات هذه الآية: البحر 2/ 43.
(5) ديوان الهذليين 1/ 154. وطوقك: طاقتك، ومطبعة: مملوءة.(1/520)
قولهم: رجل ضورة، إذا كان ضعيفا، وامرأة ضورة كذلك. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: سمعت أعرابيا من بني عامر يقول: أحسبتني ضورة لا أردّ عن نفسي؟.
وقولهم: هو من الأبناء
قال أبو بكر: قال الفراء: الأبناء: قوم آباؤهم من الفرس وأمهاتهم من اليمن، سموا بالأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم، كما قيل: ذرّيّة: لقوم كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل، فألزموا هذا الاسم، لخلاف الأمهات جنس الآباء، قال الله تبارك وتعالى: {فَمََا آمَنَ لِمُوسى ََ إِلََّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى ََ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} (1).
فالذرية: كانوا سبعين أهل بيت أمهاتهم من غير جنس آبائهم، وإنما قال:
وملإيهم، فجمع، لأن فرعون كان ملكا، والملك إذا ذكر ذهب الوهم إليه وإلى أتباعه، الدليل على هذا قولهم: قد قدم الخليفة المدينة، فكثر الناس بها، وغلت الأسعار، يراد بالخليفة: الخليفة وأتباعه.
وقولهم: هذا سفاح غير حلال
قال أبو بكر: السفاح معناه في كلام العرب: الزنا، قال الشاعر:
وما ولدتكم حيّة ابنة مالك ... سفاحا وما كانت أحاديث كاذب
ولكن نرى أقدامنا في نعالكم ... وآنفنا بين اللّحى والحواجب (2)
وقال الله جلا وعلا: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسََافِحِينَ} * (3)، أراد: غير مزانين. وقيل للزنا سفاح، لأن سبيل الفاعل له أن يسفح عليه الماء، فجعل كناية عنه، فكان الرجل منهم في الجاهلية يقول للمرأة: سافحيني، يريد زانيني، استقباحا للتصريح بالزنا، وتقديرا
__________
(1) سورة يونس: آية 83.
(2) البيتان بلا عزو في معاني القرآن 2/ 408، وتفسير الطبري 23/ 173. وحية ابنة مالك:
قبيلة.
(3) سورة النساء: آية 24.(1/521)
أن هذا أحسن. ويمكن أن يكون الزنا سمي سفاحا، لما يسفحه الرجل من مائه عند الجماع، وتفعل المرأة مثله.
ومعنى السفح في اللغة: الصّبّ، قال الله عز وجل: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} (1)، أراد:
مصبوبا، قال الشاعر (2):
أقول ونضوي واقف عند رمسها ... عليك سلام الله والعين تسفح
وشبيه بالسفاح الشّغار، وهو على مثاله في اللفظ، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا جلب، ولا جنب ولا شغار في الإسلام» (3). فالشغار: تفسيره أن الرجل في الجاهلية كان يقول للرجل: زوجني ابنتك، على أن أزوجك ابنتي، فلا يكون بينهما مهر سوى هذا.
وكذلك: زوجني أختك، على أن أزوجك أختي، وزوّجني المرأة التي أنت وليها، على أن أزوجك المرأة التي أنا وليها، فحرّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا. وسمي الشغار شغارا من قول العرب: قد شغر الكلب يشغر، إذا رفع رجله وبال، فكني به عن هذا الجماع المحرّم.
والجلب: أن يسابق الرجل بالفرس، ويتبعه بالجلبة والصياح، ليشيطه، فيزداد في الجري. والجنب أن يسابق الرجل على الفرس، ويجنّب خلفه فرسا آخر، فإذا شارف الغاية استوى على الفرس الآخر، فسبق عليه، لأنه أقل تعبا وكلالا.
ويكون الجلب: أن يقدم المصدّق الموضع، فيقيم به، ويوجه إلى أهل النواحي، فيحضروا أموالهم من الإبل والبقر والغنم، فيأخذ الصدقة منها. فهذا محظور غير جائز، لأنه يجب عليه أن يمضي هو إلى كل ناحية، فيأخذ الصدقة من الأموال في مواضعها.
وقولهم: هي طالق
قال أبو بكر: معناه: مرسلة مخلاة، من قول العرب: أطلقت الناقة فطلقت. إذا كانت مشدودة، فأزلت الشدّ عنها وخلّيتها. فشبّه ما يقع بالمرأة بذلك، لأنها كانت متصلة الأسباب بالرجل، وكانت الأسباب كالشّدّ لها والعقل، فلما طلقها قطع
__________
(1) سورة الأنعام: آية 145.
(2) لم أقف عليه.
(3) غريب الحديث 3/ 127.(1/522)
الأسباب. يدل على هذا قولهم: هي في حبال فلان، أي: أسبابها متصلة به.
ويقال: قد طلقت المرأة وطلقت، وقد طلقت الناقة وطلقت طلقا عند الولادة، وهي طالق، من الطلاق على غير بناء على الفعل، وهي طالقة على البناء على طلقت تطلق، قال الأعشى (1):
يا جارتي بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وقولهم: قد استلم الحجر
قال أبو بكر: معناه: قد أخذه ومسّه بيده. ووزن استلم: افتعل، من السّلمة، والسلمة: الحجر والصخرة، قال الشاعر (2):
ذاك خليلي وذو يعاتبني ... يرمي ورائي بالسّهم وامسلمه
أراد: والسّلمة: فأبدل الميم من اللام. ويقال في جمع السلمة: سلام، قال لبيد (3):
فمدافع الرّيّان عرّي رسمها ... خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها
ويكون استلم افتعل من المسالمة، يراد به: أخذ الحجر، وضمه إليه، وفعل به مثل ما يفعل المسالم بمن يسالمه. ويكون استلم: استفعل من اللأمة، واللأمة: السلاح، يراد به:
حصّن نفسه بمسّ الحجر، وأخذه من عذاب الله، لأن السلاح إنما يلبس ليمتنع به من الأعداء، ويحسّن به البدن مما لعله يصيبه من السلاح، قال امرؤ القيس (4):
إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرّقت الأرض واليوم قرّ
والأصل في استلم على هذا المعنى الثالث: استلأم، فحوّلوا فتحة الهمزة إلى اللام، وأسقطوا الهمزة، كما قالوا: خابية بلا همز، وأصلها خابئة، لأنها فاعلة من خبأت، وكما قالوا النبيّ بلا همز، وأصله النبيء بالهمز، لأنه من أنبأ عن الله إنباء. وأخبرنا أبو العباس
__________
(1) ديوانه 183.
(2) بجير بن عنمة الطائي في اللسان (سلم).
(3) ديوانه 297. والمدافع: الأمكنة التي يندفع منها الماء. الريان: واد، وقيل: جبل. الوحي:
جمع وحي، وهو الكتابة.
(4) ديوانه 154.(1/523)
عن سلمة عن الفراء قال: يقال: استلمت الحجر واستلأمه، بالهمز وبترك الهمز، فمن قال: هو استفعل من اللأمة، قال: الهمز فيه هو الأصل، وترك الهمز تخفيف واختصار، ومن قال: هو افتعل من السّلمة والمسالمة، قال: ترك الهمز هو الصحيح المعروف، والهمز ومن قال: هو افتعل من السّلمة والمسالمة، قال: ترك الهمز هو الصحيح المعروف، والهمز شاذّ قليل، يغلط فيه قوم من العرب، فيلحق بحروف همزوها، ولا أصل لها في الهمز، منها قولهم: لبّأت بالحج، والصحيح: لبّيت، وكذلك: حلأت السويق، ورثأت الميت، واستنشأت الريح، الصحيح: استنشيت وحلّيت ورثيت.
وقرأ الحسن: ولا أدراتكم به (1)، فله مذهبان: أحدهما: ولا أدرأتكم، على الغلط في همز ما ليس أصله الهمز، فليّنت الهمز، فأبدلت الألف منها. والمذهب الآخر:
أن يكون الأصل فيه: ولا أدريتكم، فجعلت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، على لغة من يجعل كل ياء ساكنة قبلها فتحة ألفا، فيقول: السلام علاكم، يريد: عليكم، ويقول في تصغير دابة: دوابة، والأصل: دويبة.
وقولهم: قد صلّيت العصر
قال أبو بكر: معناه: قد صليت الصلاة العشيّ، وصلاة آخر النهار، يقال للعشيّ:
عصر وقصر. ويقال: القصر: حين يدنو غروب الشمس، قال الحارث بن حلزة (2):
آنست نبأة وأفزعها الق ... نّاص عصرا وقد دنا الإمساء
ويروي: قصرا. أراد: حسّت النعامة، وسمعت صوتا وحركة. ويقال للغداة والعشي: العصران. ويقال: العصران: الليل والنهار، قال الشاعر:
وأمطله العصرين حتى يملّني ... ويرضى بنصف الدّين والأنف راغم (3)
والعصر أيضا: الدهر، وفيه لغتان: عصر وعصر، قال الله جل اسمه: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (4)، أراد بالعصر: الدهر. ويروى عن علي رضي الله عنه:
__________
(1) سورة يونس: آية 16.
(2) ديوانه 10 (بغداد).
(3) بلا عزو في المثنى 56، وجنى الجنتين 79.
(4) سورة العصر الآيتان 1، 2.(1/524)
= والعصر ونوائب الدهر =، فهذا كشف للمعنى. وقال امرؤ القيس (1):
ألا انعم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
ويقال في جمع العصر: أعصر وعصور، قال الطائي:
تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا ... وذكر الصّبا برح على من تذكّرا (2)
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
تعفّفت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التّصابي بعدما كلأ العمر (3)
يريد: الخمر. ويقال لصلاة العصر: الصلاة الوسطى، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب:
«شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس. ملأ الله قبورهم نارا» (4). ويقال:
الصلاة الوسطى: صلاة الصبح، لأنها وسط بين الليل والنهار. ويقال: هي صلاة المغرب، لمثل تلك العلة.
ويقال: هي صلاة الظهر، لأنها في وسط النهار، وقال الله جل اسمه: {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} (5)، فقال المفسرون في الصلاة الوسطى الأقوال الأربعة التي قدمناها. وإنما أفرد الصلاة الوسطى من الصلوات، وهي داخلة في جملتها، للاختصاص والتفضيل، كما أفرد جبريل وميكال من الملائكة، فقال: {مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ وَمَلََائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكََالَ فَإِنَّ اللََّهَ عَدُوٌّ لِلْكََافِرِينَ} (6).
* * *وقولهم: قد تشتّت القوم
قال أبو بكر: معناه: قد تفرقوا، من قول العرب: شتّان زيد وعمرو، يراد بهما:
متفرقان، والشتات: التفرق، قال سديف (7):
__________
(1) ديوانه 27وفيه: ألا عم وهل يعمن.
(2) البيت في التعازي والمراثي 303، وتاريخ الطبري 5/ 281. والطائي هو عبد الله بن خليفة.
(3) بلا عزو في اللسان (كلأ). وكلأ: انتهى.
(4) تفسير القرطبي 3/ 213.
(5) سورة البقرة: آية 238.
(6) سورة البقرة: آية 98.
(7) شعره: 19.(1/525)
حضر الشرّ يا أميّة فانعي ... عيش دنياك وائذني بالشّتات
أنعيم زمان جورك تترى ... ونعيم زماننا هيهات
وقال امرؤ القيس (1):
ولله عينا من رأى من تفرّق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب
وقولهم: ما فيهما حظّ لمختار
قال أبو بكر: معناه كلا الأمرين مذموم، والضرورة تدعو إلى الصبر على أحدهما.
وأول من تكلم بهذا الأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة. قال جماعة من الرواة: لما طال ترداد امرئ القيس بالجبلين، وأعوزته النصرة، وكان يستنصر الناس على بني أسد، سما إلى قيصر، فمر في طريقه بالسموأل بن عادياء اليهودي، وهو في حصنه الأبلق الفرد بتيماء، وأودعه سلاحه وأمتعته، ومضى إلى قيصر، فتعرف إليه بالملك، والملوك ترافد، واستمدّه واستنصره، وكان معه عمرو بن قميئة.
قال أبو عمرو الشيباني: فأخبرني أبو برزة: أن امرأ القيس مر في طريقه ببكر بن وائل، فضرب قبابه فيهم، وقال: يا معشر بكر بن وائل، أما فيكم شاعر؟ قالوا: بلى، شيخ من بني قيس بن ثعلبة، فسألهم أن يأتوه به ينشده، فجاءوا به فاستنشده، فأنشده، فأعجب به، وقال له: اصحبني في طريقي إلى قيصر، فأجابه، فلما صعدا الدّرب، وأوغلا في بلاد الروم، بكى عمرو بن قميئة، فقال امرؤ القيس (2):
بكى صاحبي لما رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
ثم هلك عمرو بن قميئة، فسمته ربيعة: الضائع. وبلغ الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الحارث الأكبر، ما خلفه امرؤ القيس عند السموأل بن عادياء من السلاح والمتاع، فوجّه إليه رجلا من أهل بيته، يقال له: الحارث بن مالك، فلما دنا من حصنه أغلقه، فقال له: أعطني سلاح امرئ القيس وودائعه، فقال: لا سبيل إلى ذلك، وكان
__________
(1) ديوانه 43. والمحصب: موضع رمي الجمار بمنى، وسمي المحصب لأنه يرمى فيه بالحصاء.
(2) ديوانه 6665.(1/526)
للسموأل ابن خارج الحصن يتصيد، فلما رجع قال له الحارث: إن أعطيتني ما طلبت، وإلا قتلت ابنك، فقال: لا سبيل إلى إعطائك ما تطلب، فاصنع ما أنت صانع، فقتل ابنه، فضربت العرب بالسموأل المثل في الوفاء (1)، فقال أعشى بني قيس (2):
كن كالسموأل إذ سار الهمام له ... في جحفل كهزيع الليل جرّار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدّار
خيّره خطّتي خسف فقال له ... مهما تقولن (3) فإني سامع حار
فقال ثكل وغدر أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار
فشكّ غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك (4) إنّي مانع جاري
وقال الآخر (5):
وفاء السموأل لا بل تزيد كما ... يفضلنّ خميس عشيرا
وقال الآخر:
فاعتبر بابن عادياء أخي الحص ... ن بتيماء من سراة يهود
إذ أتاه الهمام فابتاع منه ... حفرة الدهر بابنه المودود
فابتنى بالوفاء مكرمة الده ... ر ولم يرض باللّفاء الزهيد
أيّ عقد شدّ السموأل لو ... أخلد حيّا وفاؤه بالعهود (6)
وصار امرؤ القيس إلى قيصر فأكرمه ونادمه ووعده أن يعينه ويمده، فقال امرؤ القيس (7) في ذلك:
__________
(1) ينظر المثل: (أو في من السموأل) في: الدرة الفاخرة 415. جمهرة الأمثال 2/ 345. ثمار القلوب 132.
(2) ديوانه 127126.
(3) الديوان: تقله.
(4) الديوان: غير قليل. اذبح هديك.
(5) لم أقف عليه.
(6) لم أقف على الأبيات.
(7) ديوانه 250. وأوجهني: جعل لي وجها عند الناس. والفرائق: البريد، وقيل: الذي معه دليل أو غيره.(1/527)
ونادمت قيصر في ملكه ... فأوجهني وركبت البريدا
إذا ما ازدحمنا على سكّة ... سبقت الفرانق سبقا شديدا
ثم إن قيصر وجه معه جيشا فيه أبناء الملوك من الروم، فبلغ ذلك بني أسد، فراعهم وأقلقهم ووجهوا الطماح، وهو منقذ بن طريف الأسدي إلى قيصر، فوشى بامرئ القيس، وصغر شأنه، وأخبره بعهره، فكتب قيصر إلى امرئ القيس: أني قد وجهت إليك بحلتي التي ألبسها يوم الزينة، ليعرف بذلك فضل منزلتك عندي، فالبسها على بركة الله، واكتب إليّ من كل منزل بخبرك، وما تعزم عليه، ووجّه الحلة مع الكتاب، وكانت حلة منسوجة بالذهب مسمومة، فلما قرأ امرؤ القيس الكتاب. سرّه ما تضمّن، ولبس الحلة، فأسرع فيه السم، وسقط جلده، وتنقّب لحمه، فالعرب تسميه: ذا القروح، وأنشأ يقول:
تأوّبني دائي القديم فغلّسا ... أحاذر أن يزداد دائي فأنكسا (1)
إلى آخر القصيدة.
وقال هشام بن الكلبي: الذي أتاه بالحلة بالسمومة الطمّاح، من بني سليم ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ثم سار امرؤ القيس على ما به، حتى نزل أنقرة، فاشتد وجعه، ومات، فقبره ثمّ.
وقال المدائني: لما وصل إلى أنقرة، نظر إلى قبر امرأة من بنات الملوك، فسأل عنها، فأخبر، فأنشأ يقول، وهو آخر ما قال من الشعر:
أجارتنا إنّ المزار قريب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب (2)
فأنشد عمر بن الخطاب رحمه الله هذين البيتين، فأعجب بهما، وقال وددت أنها عشرة، وأنّ عليّ بذلك كذا وكذا.
__________
(1) ديوانه 106. وفيه: أن يرتد. وتأوّبني: جاءني مع الليل. وغلس: أتاه ليلا في الغلس، وهو الظلمة.
(2) ديوانه 357.(1/528)
وقولهم: زيت ركابيّ
قال أبو بكر: معناه في كلام العرب: المحمول على الرّكاب، وإليها نسب، والرّكاب: الإبل، واحدتها: راحلة، على غير لفظها، وليس له واحد من لفظها، وكذلك الغنم والنّعم والشاء والبقر والقوم، لا واحد لهؤلاء الجموع من ألفاظهن.
والرّكب: الركاب، أصحاب الإبل، يقال لهم: ركب، إذا كانو نحو عشرة، وركب في الجمع كقولهم: طائر وطير، وصاحب وصحب، وسافر وسفر، أنشدنا أبو العباس: قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لأبي صخر (1):
ألا أيّها الرّكب المخبّون هل لكم ... بساكن أجراع الحمى بعدنا خبر
وقال متمم (2) يرثي أخاه ويصفه:
وإن تلقه في الشّرب لا تلق فاحشا ... على الكأس ذا قاذورة متزبّعا
والأركوب: أكثر من الرّكب، وجمعه أراكيب، ولا واحد له من لفظه. والرّكبة:
أقلّ من الرّكب، وواحدهم راكب. ومثل ركبة في جمع راكب قولهم: كامل وكملة، وكافر وكفرة، وحافد وحفدة، وهم الخدام، قال الله جل اسمه:
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوََاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (3).
وقولهم: قد أدّى فلان الزكاة
قال أبو بكر: الزكاة معناها في كلام العرب: الزيادة والنماء، فسميت زكاة، لأنها تزيد في المال الذي تخرج منه، وتوفره، وتقيه من الآفات. يقال: زكا المال يزكو زكاء، إذا زاد ونمى. ويقال: قد زكت النفقة، إذا زادت، وفلان زكيّ، معناه: متزايد في الخير، وهذا أزكى من ذاك، أي: أزيد فضلا منه، وقد زكّى القاضي العدول، إذا بيّن زيادتهم في الفضل، قال الله جل اسمه: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (4)، أراد: زائدة الخير،
__________
(1) شرح أشعار الهذليين 1331.
(2) شعره: 108. والقاذورة من الرجال: الفاحش، والمتزبع: المتكبر، وقيل المعربد.
(3) سورة النحل: آية 72.
(4) سورة الكهف: آية 74.(1/529)
لم تذنب، ولم تكن منها خطيئة، قال نابغة بني شيبان (1):
وما أخّرت من دنياك نقص ... وإن قدّمت كان لك الزّكاء
أراد بالزكاء: الزيادة، وهو حرف ممدود فإذا قصر فقيل: زكا، فمعناه: زوجان ذكر وأنثى، أؤ شيئان مصطحبان يجريان مجرى الذكر والأنثى، قال الشاعر (2):
إذا نحن في تعداد خصلك لم نقل ... خسا وزكا أعيين منا المعدّدا
وقال الآخر (3):
لأدنى خسا أو زكا من سنيك ... إلى أربع فبقوك انتظارا
أراد بخسا: فردا، وبزكا: زوجين. وقال الآخر (4):
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة ... لم يخلفوا وجدود الناس تعتلج
وقال الآخر (5):
ومجوّف بلقا ملكت عنانه ... يعدو على خمس قوائمه زكا
__________
(1) أخل به ديوانه. وهو بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 301، وشمس العلوم 2/ 323.
(2) الكميت بن زيد، شعره: 1/ 162. وخسا وزكا: ينون ولا ينون.
(3) الكميت أيضا، شعره: 1/ 191.
(4) بلا عزو في المنقوص والممدود 35.
(5) الرخيم العبدي في المعاني الكبير 1/ 2.(1/530)
وقولهم: قد أعتقت العبد
قال أبو بكر: معناه: قد خلّيته، وأزلت عنه الملك الذي كان محبوسا به، من قول العرب: قد عتقت عليّ يمين أي: سبقت ومضت. ويقال: قد عتق فرخ القطاة، إذا طار فذهب، وقد عتق الفرس، إذا سبق. قال أعرابي في كلام له: هذا أوان عتقت الشقراء، أي: سبقت ومضت. ويقال: أعتقت العبد، فعتق هو، وقول الله جل اسمه: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)، في تفسير العتيق أقوال: أحدهن: أن الله أعتق البيت من الجبابرة، فلم يقصده جبّار إلّا قصمه وأهلكه، فهذا يوافق معنى: أعتقت العبد، فهو معتق وعتيق.
ويقال: إنما وصف بيت الله عز وجل بأنه عتيق، لأن الله عز وجل أعتقه من الغرق، في زمان الطوفان، فغرقت الأرض كلها، ورفعه إلى السماء، وألزم الملائكة حجه في السماء كما كان يحج في الأرض، فهذا القول يشبه اشتقاقه اشتقاق الأول.
وقال آخرون: إنما قيل لبيت الله عتيق، لأنه أقد مساجد الأرض وأعتقها، قال الله جل اسمه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنََّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبََارَكاً} (2)، أراد: أن أول مسجد وضع للناس بيت الله ببكة. وقال آخرون: قيل لبيت الله عتيق لكرمه، من قول العرب: حسب عتيق، إذا كان كريما، وكذلك: فرس عتيق أنشد الفراء (3):
أما والله لو كنت حرّا ... وما بالحرّ أنت ولا العتيق
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
وما استخبأت من رجل خبيئا ... كدين الصدق أو حسب عتيق (4)
وقولهم:
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا ... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا (5)
__________
(1) سورة الحج: آية 29.
(2) سورة آل عمران: آية 96.
(3) معاني القرآن 3/ 192، والبيت فيه بلا عزو.
(4) لم أقف عليه.
(5) الفاخر 172، جمهرة الأمثال 2/ 116. فصل المقال 90.(1/531)
قال أبو بكر: معناه: قد قيل ما لزمك عيبه عند بعض السامعين له، فمتى اعتذرت لم تمح ما استقر في نفوسهم. وأول من قال هذا وتمثل به: النعمان بن المنذر، يخاطب به الربيع بن زياد العبسي. وكان أبو براء، وهو عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة، وإنما سمّي ملاعب لقول الشاعر في أخيه طفيل بن مالك:
فرارا وأسلمت ابن أمّك عامرا ... يلاعب أطراف الوشيج المزعزع
وفد في رهط من بني جعفر على النعمان بن المنذر، ومعهم لبيد بن ربيعة، وهو يومئذ غلام، فوجدوا عند النعمان الربيع بن زياد العبسي وكانت أمه فاطمة ابنة الخرشب الأنمارية من بني أنمار بن بغيض، وهي أم الكلمة، عمارة الوهاب، وأنس الفوارس، وقيس الحفاظ، والربيع الكامل مع تاجر من تجار الشام، يقال له: سرجون ابن توفيل، وكان له حريفا يبايعه، وكان أديبا حسن الحديث والمنادمة، فاستخفه النعمان، فكان إذا أراد أن يخلو على شرابه، بعث إليه وإلى النطاسي، متطبب كان له، وإلى الربيع، وكان الربيع من ندمائه، فلما قدم الجعفريون على النعمان، كان يحضرون مجلسه لحوائجهم، فإذا خرجوا من عنده، وخلا به الربيع، طعن عليهم، وذكر معايرهم، فصده عنهم، وأنهم دخلوا يوما على النعمان، فرأوا منه جفاء وتغيرا، وقد كان قبل ذلك يكرمهم، ويقدم مجلسهم، فانصرفوا من عنده غضابا، ولبيد متخلف في رحالهم، يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم في كل صباح، فيرعاها، فجعلوا يتذاكرون ذلك، فسألهم عما هم فيه، فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعا، ولا أسرح لكم بعيرا، أو تخبروني بالذي كنتم في ذكره، وكانت أم لبيد امرأة من عبس يتيمة في حجر الربيع، فقالوا له:
خالك قد غلبنا على الملك، وصد بوجهه عنا، فقال: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه، فأزجره عنكم بقول ممضّ مؤلم، لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدا، قالوا: وهل عندك من ذلك شيء؟ قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة، لبقلة بين أيديهم دقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التّربة، فقال: (هذه التّربة التي لا تذكي نارا، ولا تؤهل دارا، ولا تسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعا، وأشدّها قلعا، فالقوا بي أخا بني عبس، أرده عنكم بتعس، وأدعه من أمره في لبس).
قالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم، فإن رأيتموه
نائما، فليس أمره بشيء، إنما يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبه، فرمقوه بأبصارهم، فرأوه قد ركب رحلا، وتكدم واسطه، حتى أصبح، فقالوا له:(1/532)
قالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم، فإن رأيتموه
نائما، فليس أمره بشيء، إنما يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبه، فرمقوه بأبصارهم، فرأوه قد ركب رحلا، وتكدم واسطه، حتى أصبح، فقالوا له:
أنت صاحبه، وعمدوا إليه، فحلقوا رأسه، وأبقوا له ذؤابتين وألبسوه حلّة، ودخلوا على النعمان وهو يتغدى والربيع يأكل معه، وليس يأكل معه سواه، والدار والمجالس مملوءة بالوفود، فلما فرغ أذن للجعفريين، وقد كان أمرهم قد تقارب، فذكروا ما قصدوا له من حاجتهم، فاعترض الربيع عليهم، فأخذ لبيد يرتجز ويقول:
يا ربّ هيجا هي خير من دعه ... أكلّ يوم هامتي مقزّعه
لا تمنع الفتيان من حسن الرّعه ... نحن بني أمّ البنين الأربعه
أم البنين: بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ولدت لمالك بن جعفر عامرا ملاعب الأسنة، وطفيلا فارس قرزل، وربيعة ربيع المقترين وهو أبو لبيد، ومعاوية معوّد الحكماء، وعبيدة الوضاح وهو صدق وبرّ.
وكان يجب أن يقول: نحن بني أم البنين الخمسة، فاضطره الشعر إلى الأربعة، ونصب بني أم البنين على المدح لنحن.
ونحن خير عامر بن صعصعه ... المطعمون الجفنة المدعدعه
والضّاربون الهام وسط الخيضعه
الخيضعة: صوت القتال والسلاح، وكذلك الغمغمة. والمدعدعة: المملوءة حتى تطفح، ويسيل بعضها.
مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه ... إنّ استه من برص ملمّعه
وإنّه يدخل فيها إصبعه ... يدخلها حتى يواري أشجعه
كأنّه يطلب شيئا ضيّعه
الأشجع: واحد الأشاجع، والأشاجع: أصول العظام، المتصلة بالأصابع من الراحة. ويقال: الأشاجع: عروق ظاهر الكف. فلما سمع النعمان الشعر نظر إلى الربيع شزرا وقال: أكذاك أنت؟ فقال: لا والله لقد كذب ابن الحمق اللئيم، فقال النعمان: أفّ لهذا الطعام، لقد خبثت عليّ طعامي، فقال الربيع: أبيت اللعن أما إني قد فعلت بأمّه، فقال لبيد: هو لهذا الكلام أهل، وهي من نسوة غير فعل، ومثله فعل بيتيمة في حجره، فغضب الربيع، وغضبت لغضبه بنو فقيم، ونهشل، وضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن
ابن نهشل، وكان أبرص، وكانت بنو كلاب قد أسروه، فمنوا عليه، فقال لببيد يرجز بضمرة:(1/533)
مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه ... إنّ استه من برص ملمّعه
وإنّه يدخل فيها إصبعه ... يدخلها حتى يواري أشجعه
كأنّه يطلب شيئا ضيّعه
الأشجع: واحد الأشاجع، والأشاجع: أصول العظام، المتصلة بالأصابع من الراحة. ويقال: الأشاجع: عروق ظاهر الكف. فلما سمع النعمان الشعر نظر إلى الربيع شزرا وقال: أكذاك أنت؟ فقال: لا والله لقد كذب ابن الحمق اللئيم، فقال النعمان: أفّ لهذا الطعام، لقد خبثت عليّ طعامي، فقال الربيع: أبيت اللعن أما إني قد فعلت بأمّه، فقال لبيد: هو لهذا الكلام أهل، وهي من نسوة غير فعل، ومثله فعل بيتيمة في حجره، فغضب الربيع، وغضبت لغضبه بنو فقيم، ونهشل، وضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن
ابن نهشل، وكان أبرص، وكانت بنو كلاب قد أسروه، فمنوا عليه، فقال لببيد يرجز بضمرة:
يا ضمر يا عبد بني كلاب ... يا أير كلب علق ببابي
تمكو استه من حذر الغراب ... يا ورلا ألقي في سراب
أكان ها أول الثواب ... لا يعلقنكم ظفري ونابي
إني إذا عاقبت ذو عقاب ... بصارم مذكّر الذّباب
ثم خرج الجعفريون، ومعهم لبيد، من عند النعمان، وخرج الربيع من عنده أيضا، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به، وقال: الحق بأهلك، فكتب إليه: قد علمت أنه قد وقّر في نفسك شيء مما قال لبيد، فلست برائم، حتى تبعث إليّ من يجردني، فيعلم من حضر أن الأمر ليس كما قال لبيد. فبعث إليه النعمان: لست صانعا بانتفائك مما قال لبيد شيئا، ولا رادّا ما زلّت به الألسن، فالحق بأهلك، فلحق بأهله، وكتب إلى النعمان:
لئن رحلت إنّ لي سعة ... لا مثلها سعة عرضا ولا طولا
بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... ما وازنت ريشة من ريش سمويلا
لخم: قبيلة النعمان. وسمويل: طائر، ويقال: سمويل بلدة كثيرة الطير.
ترعى الروائم أحرار البقول بها ... لا مثل رعيكم ملحا وغسويلا
والروائم: العواطف على أولادهن. والغسويل: نبت في السّباخ.
فابرق بأرضك بعدي واخل متكئا ... مع النّطاسي طورا وابن توفيلا (1)
فأجابه النعمان (2):
شرّد برحلك عني حيث شئت ولا ... تكثر عليّ ودع عنك الأباطيلا
فقد ذكرت به والركب حامله ... ما جاور الغيل أهل الشام والنيلا
فما انتفاؤك منه بعدما جزعت ... هوج المطيّ به أبراق شمليلا
جزعت: قطعت، وشمليل: موضع.
__________
(1) أخل بها شعره. وهي له في الأغاني 15/ 365.
(2) الأغاني 15/ 366.(1/534)
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا ... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا
فالحق بحيث رأيت الأرض واسعة ... فانشربها الطرف إن عرضا وإن طولا
وقال لبيد يرجز بالربيع:
ربيع لا يسقك نحوي سائق ... فتطلب الأذحال والحنائق
ويعلم المعيا به والسابق ... ما أنت إن ضمّ عليك المأزق
المأزق: الضيق، والمكان الشديد الضيق.
إلّا لشيء عاقه العوائق ... إنّك حاس حسوة فذائق
لا بدّ أن يغمز منك الفائق ... غمزا ترى أنك منه ذارق
الفائق: عظم في مؤخر الرأس. والذارق: الملقي أذى بطنه.
وقولهم: نار الحباحب
قال أبو بكر: قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: كان الحباحب من أحياء العرب، وكان رجلا بخيلا، فكان لا يوقد نارا بليل، كراهية أن يراها راء، فينتفع بضوئها، فإذا احتاج إلى إيقادها، فأوقدها، ثم بصر بمستضيء بها أطفأها. فضربت العرب بناره المثل، وذكروها عند كل نار لا ينتفع بها. وقال غيره: نار الحباحب: هي النار التي توريها الخيل بسنابكها من الحجارة، إذا وطئتها وقدحتها.
وقال آخرون: الحباحب: طائر يطير بين المغرب والعشاء، أحمر الريش، يخيل إلى الناظر إليه أن في جناحيه نارا، قال الله جل اسمه: {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً} (1)، أراد بالموريات: الخيل التي توري النار بسنابكها. وقال النابغة يذكر السيوف:
تجذّ السلوقيّ المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصّفاح نار الحباحب
وقولهم: ندم ندامة الكسعيّ
قال أبو بكر: قال بعض الرواة: الكسعي: رجل من أهل اليمن. وقال آخرون:
__________
(1) سورة العاديات: الآيتان 1، 2.(1/535)
الكسعي: من بني سعد بن ذبيان. وقال آخرون: الكسعي: رجل من بني كسع، ثم أحد بني محارب يقال له: غامد بن الحارث، كان يرعى إبلا له بواد كثير العشب والخمط، فبينا هو يرعاها بصر بنبعة في صخرة، فقال: ينبغي أن تكون هذه النبعة قوسا، فجعل يتعهدها ويقومها في كل يوم، حتى إذا استوت وأدركت، قطعها وحفّفها، واتخذ منها قوسا، وأنشأ يقول:
يا ربّ وفقني لنحت قوسي ... فإنّها من لذّتي لنفسي
وانفع بقوسي ولدي وعرسي ... أنحتها صفراء مثل الورس
صلداء ليست بقسيّ النّكس
ثم خطمها بوتر، واتخذ من برايتها خمسة أسهم، وأنشأ يقول:
هنّ وربي أسهم حسان ... يلذّ للرامي بها البنان
كأنما قوّمها ميزان ... فأبشروا بالخصب يا صبيان
إن لم يعقني الشّؤم والحرمان
ثم أتى قترة على موارد حمير، فمرّ به قطيع منها، وهو كامن في القترة، فرمى عيرا منها بسهم، فأصابه، وأمخطه السهم، أي: نفذ منه، فصار إلى الجبل، فأورى فيه نارا، فظن أنه أخطأ ولم يصب، فأنشأ يقول:
أعوذ بالله العزيز الرحمن ... من نكد الجدّ معا والحرمان
مالي رأيت السهم بين الصّوّان ... يوري شرارا مثل لون العقيان
فأخلف اليوم رجاء الصبيان ثم مرّ به قطيع آخر منها، فرمى عيرا منه بسهم، فأصابه، ونفذ السهم منه إلى الجبل، وصنع مثل صنيعه الأول، وأنشأ يقول:
لا بارك الرحمن في رمي القتر ... أعوذ بالرحمن من شرّ القدر
انمخط السهم لإرهاق الضّرر ... أم ذاك من سوء احتيال ونظر
ثم مرّ به قطيع آخر فرمى عيرا منه بسهم فأصابه ونفذ السهم منه إلى الجبل، وصنع صنيعه الأول، وأنشأ يقول:
يا أسفا والشؤم للجدّ النّكد ... أخلف ما أرجو لأهل وولد
ثم مرّ به قطيع آخر، فرمى عيرا منه بسهم، فأصابه، وصنع مثل صنيعه الأول،
وأنشأ يقول:(1/536)
يا أسفا والشؤم للجدّ النّكد ... أخلف ما أرجو لأهل وولد
ثم مرّ به قطيع آخر، فرمى عيرا منه بسهم، فأصابه، وصنع مثل صنيعه الأول،
وأنشأ يقول:
ما بال سهمي يوقد الحباحبا ... قد كنت أرجو أن يكون صائبا
وأمكن العير وأبدى جانبا ... فصار رأيي فيه رأيا خائبا
ثم مرّ به قطيع آخر فرمى عيرا منه بسهم، فأصابه، وصنع مثل صنيعه الأول، فأنشأ يقول:
أبعد خمس قد حفظت عدّها ... أحمل قوسي وأريد ردّها
أخزي الإله لينها وشدّها ... والله لا تسلم مني بعدها
ولا أرجّي ما حييت رفدها
ثم أخذ القوس فضرب بها حجرا، فكسرها، ثم بات، فلمّا أصبح نظر فإذا الحمر مطرّحة حوله مصرّعة، وأسهمه بالدماء مضرّجة، فأسف وندم على كسره القوس، وقطع إبهامه، وأنشأ يقول:
ندمت ندامة لو أنّ نفسي ... تطاوعني إذا لقطعت خمسي
تبيّن لي سفاه الرأي مني ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي
وضربت العرب بندامة الكسعي المثل. فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن خلف بن خليفة البصري قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عبيدة قال: حدثني أبو شفقل راوية الفرزدق، قال: أنشدني الفرزدق لما بانت منه النوار امرأته:
ندمت ندامة الكسعي لمّا ... غدت مني مطلّقة نوار
فما فارقتها شبعا ولكن ... رأيت الدهر آخذ ما يعار
فكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار
وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار
فلا يوفي بحبّ نوار عندي ... ولا كلفي بها إلّا انتحار
ولو أنّي ملكت يدي وقلبي ... لكان عليّ للقدر الخيار
وقولهم: سبق السيف العذل
قال أبو بكر: معناه: قد فرط من الفعل وسبق ما لا سبيل إلى الرجوع عنه. وأول
من قال هذا وتمثل به: ضبّة بن أدّ. أخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي محمد بن عبد الله بن آدم، وأحمد بن عبيد، قالا: حدثنا ابن الأعرابي قال: قال المفضل بن محمد: إن ضبّة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، كان له ابنان، يقال لأحدهما سعد، وللآخر سعيد، ابنا ضبة. وأنّ إبل ضبّة نفرت تحت الليل، فخرجا يطلبانها، فلحقها سعد، فجاء بها. وأما سعيد، فذهب فلم يرجع. فكان ضبة بعد ذلك إذا رأى سوادا تحت الليل مقبلا يقول: أسعد أم سعيد، فذهب قوله مثلا. قال أبو عبد الله ابن الأعرابي:(1/537)
قال أبو بكر: معناه: قد فرط من الفعل وسبق ما لا سبيل إلى الرجوع عنه. وأول
من قال هذا وتمثل به: ضبّة بن أدّ. أخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي محمد بن عبد الله بن آدم، وأحمد بن عبيد، قالا: حدثنا ابن الأعرابي قال: قال المفضل بن محمد: إن ضبّة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، كان له ابنان، يقال لأحدهما سعد، وللآخر سعيد، ابنا ضبة. وأنّ إبل ضبّة نفرت تحت الليل، فخرجا يطلبانها، فلحقها سعد، فجاء بها. وأما سعيد، فذهب فلم يرجع. فكان ضبة بعد ذلك إذا رأى سوادا تحت الليل مقبلا يقول: أسعد أم سعيد، فذهب قوله مثلا. قال أبو عبد الله ابن الأعرابي:
يضرب عند الرجل تسأله عن حاله، أو تراه أقبل من حاجة، فتقول: أنجح أم خيبة، أخير عندك أم شرّ. ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي. لا يرجع سعيد، ولا يعلم له خبر. ثم إنّ ضبة بعد ذلك بينما هو يسير والحارث ابن كعب في الأشهر الحرم، وهما يتحادثان، إذ مرّا على سرحة بمكان، فقال الحارث: أترى هذا المكان، فإني لقيت فيه شابا من صفته كذا وكذا، فقتلته ووصف صفة سعيد وأخذت بردا كان عليه، من صفة البرد كذا وكذا فقتلته ووصف صفة البرد وسيفا كان عليه، فقال له ضبة: فما صفة السيف؟ قال: ها هو ذا عليّ، فقال: أرنيه، فأراه إياه، فعرفه ضبة.
وقال: إنّ الحديث لذو شجون، ثم ضربه به فقتله، فذهب قوله: (إنّ الحديث لذو شجون) مثلا، فمعناه: إن الحديث لذو شعب وتفرق، كشجون الوادي، وهي طرقة، واحدها شجن. قال أبو بكر: قال لي أبي، وقال لي العبدي: ثم استعملوا الشجن في الحاجة والحب، فصار القائل يقول بمكان كذا وكذا شجن. يريد: حبا وحاجة.
وأنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدني العبدي:
إنّي سأبدي لك فيما أبدي ... لي شجنان شجن بنجد
وشجن لي ببلاد السند (1)
وقال أبو عبد الله ابن الأعرابي: إنّ (الحديث لذو شجون)، يضرب مثلا للرجل يكون في أمر، ثم يرى أمرا، فيشغله عنه. قال: فلام الناس ضبة، وقالوا: قتلت رجلا في الشهر الحرام! فقال: سبق السيف العذل، فأرسلها مثلا، يضرب عند الرجل يأتي أمرا قد كان ينكره، ويلزم غيره، إذا فعله مما لا يحلّ له فعله وإتيانه.
__________
(1) الأبيات بلا عزو في تفسير الطبري 1/ 561.(1/538)
فإذا ليم وعذل قال هذه المقالة. وقال الفرزدق بن غالب بن صعصعة بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة:
أأسلمتني للموت أمّك هابل ... وأنت دلنظى المنكبين بطين
يقال: رجل دلنظى ودلنظى، بالتنوين وبغير التنوين، إذا كان غليظا، ويقال: رجل دلّاظ، بهذا المعنى. ويقال: الدلنظى: الشديد المنكبين، وهو يدلظ، أي يدفع.
خميص من الودّ المقرّب بيننا ... من الشّنء رابي القصريين سمين
فإن كنت قد سالمت دوني فلا تقم ... بدار بها بيت الذليل يكون
ولا تأمننّ الحرب إنّ اشتغارها ... كضبّة إذ قال: الحديث شجون
اشتغارها: هيجها، وانتشارها، ومفاجأتها، وإمكانها، يقال: شغر برجله، إذا أمكن. يقول: تفاجئك، كما فاجأ ضبّة بن أدّ الحارث بن كعب، فقتله.
وقولهم: هذه الغنيمة الباردة
قال أبو بكر: معناه: هذه الغنيمة التي وصل إليها بلا تعب ولا مقاساة عناء، وذلك أن الغنيمة سبيلها أن لا يوصل إليها إلا بعد حرب، واصطلاء بحرها، وطول منازعة فيها، فإذا وصلت الغنيمة بغير قتال ولا منازعة، فهي باردة، ولم يكابد فيها حرّ الحرب وتوقّدها. ثم استعملت العرب ذلك في كل شيء يصير إلى الإنسان فيكثر عنده، ويشتد سروره به، من غير عناء ولا شدة نصب.
ويقال: الباردة: الثابتة الحاصلة، من قولهم: ما برد في يدي منه شيء، أي: ما حصل. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» (1)، فشبه صلّى الله عليه وسلم الصوم في الشتاء بالغنيمة الباردة، إذ كان صاحبه يحرز ثوابا، بلا مكابدة مشقة، ولا عناء. ويقال:
معنى الحديث: أن الصوم في الشتاء لا يتوقد معه الجوف ويتلهب، كما يتوقد ويتلهب في الصيف لشدة العطش، فشبهه صلّى الله عليه وسلم بالغنيمة الباردة، لبرد الجوف فيه وسكونه، وأن العطش لا يشتد على صاحبه. يقال في مثل من الأمثال: «ولّ حارّها من تولّى قارّها»، يضرب مثلا للرجل يكون في خير فلا ينيلك منه شيئا، ثم ينتقل منه إلى شر. فيقول: ول
__________
(1) غريب الحديث 2/ 184.(1/539)
حارها من تولى قارها، أي: لينفرد بالمكروه، كما انفرد بالمحبوب. فالحارّ هو: المكروه.
والقارّ: هو البارد المحبوب.
وقولهم: جاء فلان بآبدة
قال أبو بكر: معناه: جاء بكلمة أو خصلة وحشة منكرة. واشتقاق هذا الحرف من الأوابد، وهي الوحش، وكذلك الأبّد يقال: قد أبّد الشاعر، إذا أتى بالعويص في شعره، وما لا يكاد يعرف معناه. وقال امرؤ القيس:
وقد اغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
الوكن في الجبال بمنزلة الثمار في السهل، وهي: الأوكار. والأوابد: الوحش، والمنجرد: القصير الشعر قليله. والهيكل: العظيم، وإنما سمي بيت النصارى هيكلا لعظمه. وقال الأعشى (1):
وإذا أطاف لغامه بسديسه ... فثنى وزاد لجاجة وتزيّدا
شبّهته هقلا يباري هقلة ... ربداء في خيط نقانق أبّدا
إلا كخارجة المكلّف نفسه ... وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
اللغام: الزبد، والسديس: سنّ من أسنانه. والخيط: القطعة من النعام، وفيه لغتان:
خيط وخيط. والخيط من الخيوط مفتوح الأول لا غير والربداء: التي تضرب إلى السواد. والأبد: المتوحشة. والنقنق: ذكر النعام، وكذلك الهقل. ويقال: هي أمثال مؤبّدة، إذا كانت وحشيّة معتاصة على المستخرج لها، والباحث عنها.
وقولهم: قد أخذت سائره
قال أبو بكر: معناه: قد أخذت بقيّته. واشتقاقه من السّؤر، وهو البقية، يقال: قد
__________
(1) ديوانه 152وفيه: وإذا يلوث ثنى. وكأنه هقل نقانق أربدا. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.(1/540)
أسأرت من الطعام سؤرا، إذا أبقيت منه بقيّة، جاء في الحديث: «إذا أكلتم فاسأروا» (1)
أي: أفضلوا فضلة.
وقال حميد بن ثور (2):
إزاء معاش ما يزال نطاقها ... شديدا وفيها سؤرة وهي قاعد
أراد: وفيها بقية من شباب، وهي قاعد عن الولد والحيض. ويروى: وفيها سورة، أي: وفيها غضب وحدّة.
وقولهم: ما لفلان رؤآء ولا شاهد
قال أبو بكر: معناه: ما له منظر ولا لسان، والرؤاء: المنظر، وكذلك الرّيّ، قال الله تعالى: {أَحْسَنُ أَثََاثاً وَرِءْياً} (3)، أراد بالأثاث: المتاع، وبالري: المنظر، وقال الشاعر (4):
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الرّيّ الجميل من الأثاث
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي للمخبّل (5):
قالت سليمى قد أراه يزينه ... ماء الشباب وفاحم حلكوك
لله درّ أبيك ربّ غميدر ... حسن الرّؤاء وقلبه مدكوك
الغميدر: الناعم. وقال الآخر:
لا يعجبنّك بزّه ورؤاؤه ... إنّ المجوس ترى لها أجساد (6)
واشتقاق الحرفين كليهما من رأيت أرى، ورأيت أرأى، قال الشاعر:
أحنّ إذا رأيت بلاد نجد ... ولا أرى إلى نجد سبيلا (7)
__________
(1) النهاية 2/ 327وفيه: إذا شربتم.
(2) ديوانه 66.
(3) سورة مريم: آية 74.
(4) محمد بن نمير الثقفي في الأنوار ومحاسن الأشعار 182، وزهر الآداب 174.
(5) أخل بهما شعره. وهما له في المقصور والممدود للقالي 414.
(6) لم أقف عليه.
(7) لم أقف عليه.(1/541)
ويقال: راءى بعمله مراءاة ورئاء، وفعله رئاء الناس. ويقال: منازلهم رئاء، أي:
يقابل بعضها بعضا. وداري ترى دارك، أي: تقابلها، قال الشاعر:
أيا أبرقي أعشاش لا زال مدجن ... بجودكما والنخل مما يراكما
رآني ربّي حين تحضر منيتي ... وفي عيشة الدنيا كما قد أراكما (1)
أراد: مما يقابلكما. يقال: رأيت رأيا ومرأى، ورأيت رؤية وريّة وريّة ورؤيا وريّا وريّا. ويقال في جمع الرؤية: رؤى، بالقصر. وقرأ بعض القراء من العرب: = إن كنتم للرّيّا تعبرون =، وقال الشاعر:
لعرض من الأعراض يمسي حمامه ... وتضحي على أفنانه العين تبتف
أحب إلى قلبي من الديك ريّة ... وباب إذا ما مال للغلق يصرف (2)
والرئي. بفتح الراء وكسر الهمزة: الذي يعتاد بعض الناس من الجن. يقال: له رئيّ من الجن. والرّئيّ: بكسر الراء والهمزة: الثوب الفاخر الذي ينشر ليرى حسنه.
والشاهد: اللسان، من قولهم: لفلان شاهد حسن، أي: عبارة جميلة.
وقولهم: أصاب الصواب فأخطأ الجواب
قال أبو بكر: معناه: أراد الصواب. قال الله تبارك وتعالى: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخََاءً حَيْثُ أَصََابَ} (3)، أراد: حيث أراد.
وقال الشاعر (4):
وغيّرها ما غيّر الناس قبلها ... فبانت وحاجات النفوس تصيبها
أراد: تريدها. ولا يجوز أن يكون أصاب من الصواب، الذي هو ضد الخطأ، لأنه لا يكون مصيبا ومخطئا في حال واحدة.
__________
(1) لم أقف عليهما.
(2) البيتان بلا عزو في معاني القرآن 2/ 35.
(3) سورة ص: آية 36.
(4) بشر بن أبي خازم، ديوانه 13.(1/542)
وقولهم: يصيب وما يدري ويخطئ وما درى
قال أبو بكر: قال اللغويون: الصواب، وما تتكلم به العرب: يصيب وما يدري ويخطئ ما درى، أي: ما ختل، من قولهم: دريت الظباء أدريها دريا، إذا ختلتها. ومن هذا قولهم: قد داريت الرجل، إذا لاينته وختلته، أداريه مداراة. أنشدنا أبو العباس:
فإن كنت لا أدري الظباء فإنّني ... أدسّ لها تحت التراب الدواهيا (1)
وقال الآخر (2):
فإن كنت قد أقصدتني أو رميتني ... بسهمك فالرامي يصيب وما يدري
ويقال: دارأت الرجل، إذا دافعته ونازعته، وقد تدارؤا تدارؤوا وادّارؤوا، إذا اختلفوا وتنازعوا، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادََّارَأْتُمْ فِيهََا} (3).
وقالت الحكماء: (لا تتعلموا العلم لثلاث، ولا تتركوه لثلاث، لا تتعلموه للتداري، ولا للتماري، ولا للتباهي، ولا تدعوه رغبة عنه، ولا رضا بالجهل منه، ولا استحياء من التعلم له). فالتداري هو التنازع والتدافع. والأصل فيه: للتدارئ. فترك الهمز، ونقل الحرف إلى التشبيه بالتقاضي والتداعي، ويقال: قد دريت الشيء أدريه، إذا عرفته، وأدريته غيري إذا أعلمته. قال الله تبارك وتعالى: {وَمََا أَدْرََاكَ مَا الْحُطَمَةُ} (4)، فتأويله: أي شيء أعلمك ما الحطمة؟
وقولهم: شراب سلسال
قال أبو بكر: معناه: عذب، سهل الدخول في الحلق، وفيه لغات: شراب سلسال وسلسل وسلسبيل، وقال أبو كبير (5):
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إليّ من الرحيق السلسل
__________
(1) سلف البيت في ص 53، وتخريجه ثمة.
(2) الأخطل، ديوانه 128 (صالحاني) 179 (قباوة).
(3) سورة البقرة: آية 72.
(4) سورة الهمزة: آية 5.
(5) ديوان الهذليين 2/ 89.(1/543)
وقال الله جلّ وعلا: {عَيْناً فِيهََا تُسَمََّى سَلْسَبِيلًا} (1)، فيجوز أن يكون سلسبيل اسما للعين، فنوّن، وحقه ألّا يجري، لتعريفه وتأنيثه، ليكون موافقا رؤوس الآيات المنوّنة، إذا كان التوفيق بينها أخف على اللسان، وأسهل على القارئ. ويجوز أن يكون سلسبيل صفة للعين ونعتا، فإذا كان وصفا زال عنه ثقل التعريف فاستحق الإجراء قال عبد الله ابن رواحة (2):
إنّهم عند ربّهم في جنان ... يشربون الرحيق والسّلسبيلا
وقال ابن عباس في تفسير قوله: تسمى سلسبيلا: تنسلّ في حلوقهم انسلالا. وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين في قوله: تسمى سلسبيلا: معناه ليّنة، فيما بين الحنجرة والحلق. وقال سعيد بن المسيب: هي عين تجري من تحت العرش في قضيب من ياقوت.
وقال بعض المفسرين: معنى قوله: سلسبيلا: سل ربّك سبيلا إلى هذه العين. قال أبو بكر: وهذا عندنا خطأ، لأنه لو كان كذلك لقطعت اللام من السين، ولم توصل بها، ولبقي (تسمّى) غير واقع على منصوب، وسبيله أن يصحبه المنصوب، كقولك:
المرأة تسمّى هندا، والجارية تسمّى جملا، وغير جائز أن يقع على (سل)، لأنّ (سل) فعل معناه الأمر، ولا يقع فعل على فعل، فخلا (تسمى) من المنصوب، واتصال اللام بالسين أكبر دليل على غلط القوم، وأوضح برهان على أنها حرف واحد لا ينفصل بعضه من بعض.
وقولهم: قد قتل في سبيل الله
قال أبو بكر: معناه: في طريق الله، الذي يريده، ويثيبه عليه، ويحسن مجازاة من سلكه، فالسبيل: الطريق، يذكر ويؤنث. قال الله تبارك وتعالى:
__________
(1) سورة الإنسان: آية 18. وينظر ما قيل في تفسيرها: تفسير الطبري 29/ 218، وزاد المسير 8/ 438.
(2) أخل به شعره. وهو في مستدرك ديوانه 11. وهو من خمسة أبيات في وقعة صفين 320، قالها عمار بن ياسر.(1/544)
{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} (1)، أراد بالسبيل:
الطريق. وفي بعض المصاحف: وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوها سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوها سبيلا.
وقال في موضع آخر: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (2)، وقرأوا (3): وليستبين سبيل المجرمين، بالتذكير والتأنيث. وقال الشاعر:
فلا تبعد فكلّ فتى أناس ... سيصبح سالكا تلك السبيلا (4)
وقال الآخر (5):
يا نفس إنّ سبيل الرشد واضحة ... منيرة كبياض الفجر غرّاء
والطريق بمنزلة السبيل، يذكر ويؤنث. قال ابن قيس الرقيات يمدح عبد الله بن جعفر:
إذا متّ لم يوصل صديق ولم تقم ... طريق إلى المعروف أنت منارها
تقدّت بي الشهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها
ووالله لولا أن تزور ابن جعفر ... لكان قليلا في دمشق قرارها
وقولهم: عندي زوج من الحمام
قال أبو بكر: العامة تخطىء في هذا فتظن أن الزوج اثنان، وليس ذلك من مذاهب العرب، إذ كانوا لا يتكلمون بالزوج موحدا في مثل هذا الموضع، ولكنهم يثنونه فيقولون: عندي زوجان من الحمام، يعنون: الذكر والأنثى، وعندي زوجان من الخفاف، يعنون: اليمين والشمال.
ويوقعون الزوجين على الجنسين المختلفين نحو: الأسود والأبيض، والحلو
__________
(1) سورة الأعراف: آية 146.
(2) سورة الأنعام: آية 55.
(3) الكشف 1/ 433والمشكل 254. وقرأ نافع بنصب سبيل (السبعة 258).
(4) بلا عزو في مجاز القرآن 1/ 319. وتبعد. بفتح العين: تهلك.
(5) سابق البربري في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 230. وليس في شعره.(1/545)
والحامض. يدلّ على هذا قول الله جلا وعلا: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ََ} (1)، فأوقع الزوجين على اثنين.
وقال في موضع آخر: {ثَمََانِيَةَ أَزْوََاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحََامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} (2).
فدل هذا على أنّ الأزواج أفراد. ولا تقول العرب للواحد من الطير زوج، كما يقولون للاثنين زوجان، بل يقولون للذكر: فرد.
قال الطرماح (3):
خرجن اثنتين واثنتين وفردة ... يبادرن تغليسا سمال المداهن
وتقول العرب في غير هذا: الرجل زوج المرأة، والمرأة زوج الرجل وزوجته، قال الله، جل اسمه: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} * (4).
وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:
وإنّ الذي يمسي يحرّش زوجتي ... كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها (5)
وأنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدنا أبو عكرمة:
فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي ... والأقربون إليّ ثم تصدّعوا (6)
وتسمّي العرب الاثنين: زكا، والواحد: خسا. قال الشاعر (7):
__________
(1) سورة النجم: آية 45.
(2) سورة الأنعام: آية 143، 144.
(3) ديوانه 492، وفيه: وقعن. وأراد بالاثنتين والاثنتين: مواقع ركبتيها ورجليها. وبالفردة:
موضع الكركرة من صدرها. والسّمال: جمع سملة، وهي بقية الماء في الحوض. والمداهن جمع مدهن، وهو نقرة في الصخر يستنقع فيها الماء.
(4) سورة البقرة: آية 35. سورة الأعراف: آية 19.
(5) للفرزدق. ديوانه 2/ 61وفيه:
فإن امرءا يسعى يخيّب زوجتي كساع
(6) عبدة بن الطبيب شعره: 50.
(7) الكميت بن زيد، شعره: 1/ 162.(1/546)
إذا نحن في تعداد خصلك لم نقل ... خسا وزكا أعيين منا المعدّدا
وقولهم: فلان يمتّ إليه بجوار
قال أبو بكر: معناه: يسدّ إليه ويتقرب من قلبه، والأصل في المتّ: المدّ، وإنما يراد به التقرّب والوصول، قال الشاعر:
يمتّ بقربى الزّينبين كليهما ... إليك وقربى خالد وحبيب (1)
ويقال: متّ ومدّ ومطّ بمعنى.
وقولهم: قد داهن فلان فلانا
قال أبو بكر: قال بعض أهل اللغة: معناه: أظهر له ما أضمر غيره، فكأنه بيّن الكذب على نفسه. قال الله تبارك وتعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (2)، أراد بالإدهان: الكذب. وقال في موضع آخر: {أَفَبِهََذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} (3)، أراد:
أتكذّبون. وقال الشاعر:
من لي بالمزرّر اليلامق ... صاحب إدهان وألق آلق (4)
وقولهم: قتل فلان صبرا
قال أبو بكر: معناه: حبسا. من ذلك الحديث المروي: (نهي أن تصبر البهيمة ثم ترمى حتى تقتل) (5). ومنه الحديث الآخر: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل شيء من الدوابّ صبرا» (6).
__________
(1) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 565، والمقرب 1/ 239.
(2) سورة القلم: آية 9.
(3) سورة الواقعة: آية 81.
(4) مر البيتان في 1/ 611، وتخريجه وشرحه ثمة.
(5) في الفائق 2/ 276، والنهاية 3/ 8: (نهى عن المصبورة).
(6) غريب الحديث 1/ 254.(1/547)
ومنه الحديث الآخر: «أن رجلا أمسك رجلا، وقتله آخر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اقتلوا القاتل، واصبروا الصابر» (1). فمعناه: واحبسوه حتى يموت، كما حبس الذي مات قبله. ومن ذلك الصوم، سمي صبرا، لأنه حبس للنفس عن المطاعم، والنكاح، والملتذ من الشهوات، قال الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ وَإِنَّهََا لَكَبِيرَةٌ إِلََّا عَلَى الْخََاشِعِينَ} (2).
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يوسف القطّان قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، أو غيره، عن مجاهد في قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ}، قال:
الصبر: الصوم، ويقال: صبرت نفسي على الأمر، إذا حبستها عليه، قال الشاعر (3):
فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
ويقال: نفس صابرة وصبور، وعارفة وعروف. بهذا المعنى أنشدنا أبو العباس:
إذا كنت في قوم طوال فضلتهم ... بعارفة حتى يقال طويل (4)
أراد: بنفس عارفة، أي: صابرة. وقال الآخر (5):
نفس عروف إذا ما أكرمت ألفت ... وإن تر الهون لا تألف على الهون
أراد بالعروف: الصابرة. ويقال: بهيمة مصبورة، يراد بها محبوسة. وقد استحلف القاضي فلانا يمينا صبرا، أي: حبسه، وألزمه اليمين، فإن حلف من غير أن يحبس ويلزم اليمين لم يقل: حلف صبرا. والبهيمة المجثّمة: هي التي تحبس وتجثم من الأرانب، وغيرها من الطير مما يجثم، والجثوم: بمنزلة البروك للإبل، يقال: قد جثّمته فجثم، أي: طالبته بالبروك وأردته منه حتى برك.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) سورة البقرة: آية 45.
(3) عنترة ديوانه 264.
(4) لرجل من الفزاريين في شرح ديوان الحماسة (م) 1182وفيه: في القوم الطوال أصبتهم.
(5) لم أقف عليه.(1/548)
وقولهم: هو رجس نجس
قال أبو بكر: الرجس: النتن، قال الله جل اسمه: {فَزََادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} (1)، أراد: نتنا إلى نتنهم. والنّجس: بمعنى النّجس، وإنما تكسر نونه، إذا جاء بعد رجس، فإذا أفرد قيل: نجس، ولم يقل: نجس. والرجز بالزاي يقال هو: الرجس بالسين، معناه كمعناه، والزاي والسين أختان في هذا الموضع، وفي قولهم: الأزد والأسد، ولزق به ولسق به. ويقال: الرجز بالزاي: العذاب، قال الله تبارك وتعالى: {رِجْزاً مِنَ السَّمََاءِ} * (2)، أراد: عذابا. وقال رؤبة (3):
كم رامنا من ذي عديد مبز ... حتى وقمنا كيده بالرّجز
وقولهم: هذه البوائق
قال أبو بكر: معناه: النوازل والدواهي والمكاره. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لن يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» (4) أي: غوائله وشرّه. ويقال: قد باقتهم البائقة، وفقرتهم الفاقرة، وصلّتهم الصّالّة، إذا لحقتهم البلية، ووقعت بهم الداهية.
وقولهم: في فلان وصمة
قال أبو بكر: معناه: فيه عيب ومطعن. ويقال: رجل موصم، إذا كان فيه ثقل وإبطاء وفتور. وقد وصم توصيما، إذا وصف بذلك. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا قام الرجل من الليل أصبح نشيطا وإذا نام جميع الليل أصبح ثقيلا موصّما» (5) وقال لبيد (6):
__________
(1) سورة التوبة: آية 125.
(2) سورة البقرة: آية 59.
(3) ديوانه 64، وفيه: ما رامنا إلا وقمنا.
(4) غريب الحديث 1/ 348.
(5) القول للكسائي في غريب الحديث 1/ 349.
(6) ديوانه 179.(1/549)
وإذا رمت رحيلا فارتحل ... واعص ما يأمر توصيم الكسل
وقولهم: فلان يهاتر فلانا
قال أبو بكر: معناه: يخاطبه بالسفه والكلام المذموم المكروه، وهو مأخوذ من الهتر، والهتر: الساقط من الكلام الذي يتكلم به، ويعتاده الخرف المتغيّر العقل. يقال: قد أهتر الرجل، إذا فعل ذلك. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «سبق المفرّدون، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: الذين أهتروا في ذكر الله عز وجل، يضع الذّكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافا» (1).
فالمفردون: الشيوخ الهرمى الذين مات لداتهم، وذهب القرن الذي كانوا فيه، فصاروا مفردين لذلك. أنشدنا أبو علي العنزي، وأبو العباس أحمد بن يحيى:
إذا ما انقضى القرن الذي أنت فيهم ... وخلّفت في قرن فأنت غريب (2)
وقوله صلّى الله عليه وسلم: «الذين أهتروا في ذكر الله» ومعناه: الذين خرفوا، وهم يذكرون الله، يقال: قد خرف فلان في طاعة الله، وقد هرم في ذكر الله، يراد: قد خرف وهرم، وهو يطيع الله ويذكره.
ويروى من طريق آخر: المفردون: المستهترون بذكر الله. فالمفردون: يجوز أن يكون عني بهم المنفردون المتخلون بذكر الله، والمستهترون: المولعون بالذكر والتسبيح، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «المستبّان شياطانان يتكاذبان ويتهاتران» (3).
وقولهم: قد فخّمت الرجل
قال أبو بكر: معناه: عظّمته ورفعت من شأنه. يقال: رجل فخم، إذا كان
__________
(1) الفائق 3/ 99.
(2) بلا عزو في اللسان (قرن).
(3) النهاية 5/ 243.(1/550)
عظيما، وكذلك مفخّم، إذا كان موصوفا بالعظم، قال الشاعر (1):
نحمد مولانا الأجلّ الأفخما
وقولهم: قرأ المفصّل
قال أبو بكر: المفصّل: السور القصار، سميت مفصلا لكثرة الفصول بينها ببسم الله الرحمن الرحيم. والمثاني: السور التي تقارب المئين، ولا تبلغها، والمئون: السور التي تبلغ المئين، وتزيد عليها، من ذلك حديث أبي عبيد عن جرير عن منصور عن إبراهيم:
(أنّ علقمة قدم مكة، فطاف بالبيت أسبوعا، ثم صلّى ركعتين قرأ فيهما بالمئين، ثم طاف بالبيت أسبوعا، ثم صلّى ركعتين قرأ فيهما بالمثاني، ثم طاف بالبيت أسبوعا، ثم صلّى ركعتين قرأ فيهما بالمفصّل).
فالسبع الطّول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال. وقال ابن عباس: (قلت لعثمان رحمهما الله: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين فقربتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم)، فقال عثمان: (كانت الأنفال مما نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، ولم يبيّن لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أين نضعها؟ وكانت قصتهما شبيها بعضها ببعض، فقرنا بينهما، ولم نكتب سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعناهما في السبع الطّول).
فهذا معنى من معاني المثاني. وللمثاني معنيان آخران: أحدهما: أن تكون المثاني من صفة القرآن كله، سمى مثاني لأنه يثنى فيه ذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، والقصص والأنباء، قال الله تعالى في صفة القرآن: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ} (2)، فالمثاني: هي التي شرح معناها، والمتشابه: الذي يشبه بعضه بعضا في الفضل. والمعنى الآخر للمثاني: أن يكون وصفا لفاتحة الكتاب، إذ كانت سبع آيات
__________
(1) رؤبة، ديوانه 184.
(2) سورة الزمر: آية 23.(1/551)
تثنّى في كل ركعة، يقال: هي السبع المثاني على المعنى الذي وصفناه، وهي السبع من المثاني على معنى: هي السبع من القرآن الذي هو كله مثان.
ويجوز أن يكون المثاني نعتا للسبع، ومن مزيدة للتوكيد. ويقال: السبع من المثاني:
هي: السبع الطول. وأخبرنا إدريس قال: حدثنا خلف قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ أبيّا قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمّ القرآن، فقال: «والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزّبور ولا في القرآن مثلها، إنّها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» (1).
وقولهم: قد احتفل الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد جمع وزاد، وكثّر من الشيء، الذي قصد له. وكذلك محفل القوم: مجتمعهم، وجمع المحتفل: محافل، قال الشاعر:
تعلّم فليس المرء يخلق عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفّت عليه المحافل
ومن ذلك الشاة المحفّلة: هي التي يحبس لبنها أياما في ضرعها، فلا تحلب. جاء في الحديث: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن بيع المحفّلة وقال: إنّها خلابة (2)»، والخلابة:
الخديعة، يقال: خلبت الرجل، إذا خدعته. وقال صلّى الله عليه وسلم: «من اشترى محفّلة فردها فليرد معها صاعا» (3).
والمحفلة: هي المصرّاة، يقال: شاة مصرّاة، إذا حبس اللبن في ضرعها أياما. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تصرّوا الإبل والغنم، ومن اشترى مصرّاة فهو بآخر النّظرين، إن شاء ردّها وردّ معها صاعا من تمر» (4).
__________
(1) الفائق 1/ 177.
(2) بلا عزو في الزهرة (النصف الثاني) 118.
(3) النهاية 1/ 408.
(4) غريب الحديث 2/ 240.(1/552)
يقال: صريت الماء، إذا حبسته. وكذلك: صرّيته بالتشديد، قال الشاعر (1):
ربّ غلام قد صرى في فقرته ... ماء الشّباب عنفوان سنبته
وقال عبيد: يا ربّ ماء صرى وردته ... سبيله خائف جديب
ويقال: ماء صرى وصرى، إذا طال حبسه في الموضع.
وقولهم: خيل جريدة
قال أبو بكر: الجريدة: الخيل التي لا يخالطها راجل ولا ثقل، واشتقاقها من تجرد، إذا تكشف وأظهر الأمر الذي كان يكتمه، وكذلك: تجرّد من ثيابه، قال الشاعر:
تجرّد في السربال أبيض حازم ... مبين لعين الناظر المتوسّم (2)
وقولهم: بيت مزوّق
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: معمول بالزاووق، والزاووق في لغة بعض أهل المدينة: الزّئبق يقع في التزاويق، فمزوّق مفعّل من الزاووق.
وقولهم: رفادة السّرج
قال أبو بكر: قال أبو العباس: الرّفادة من قول العرب: قد رفدت الرجل أرفده، إذا أعنته، فسمّيت الرّفادة رفادة، لأنها تمسك السرج، وكأنها تعينه، قال طرفة (3):
ولست بحلّال التّاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
أي: متى يسألوني رفدي أجبهم، ويلقوني غير ضنين به. والرفد: العطاء والمعونة، ويكون أيضا: القدح العظيم، قال الأعشى (4):
__________
(1) الأغلب العجلي في غريب الحديث 2/ 241، وأم الورد العجلانية في أشعار النساء ق 25.
(2) لم أقف عليه.
(3) ديوانه 28وفيه: ولست بمحلال التلاع لبيتة.
(4) ديوانه 13.(1/553)
ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال
وشيوخ جرحى بشطّي أريك ... ونساء كأنّهنّ السعالي
أراد بالرفد: القدح. ويقال: الرفد: العطاء والمهونة، أي: رب سيد قتلته، فأزلت خيره ومعونته بقتلك إيّاه. وسمي القدح رفدا. لما يكون فيه من الشراب الذي هو عون ومنفعة. وشبيه بهذا البيت:
يا جفنة كنضيح البئر متأقة ... بثني صفّين يجري فوقها القتر (1)
أي: قتلت هذا السيد المطعام بصفين، فذهب إطعامه، وهرقت جفان، وآنية ضيافته. وشبيه بهما قول الآخر (2):
هرقن بساحوق جفانا كثيرة ... وأدّين أخرى من حقين وحازر
وقولهم: بنائق القميص
قال أبو بكر: قال أبو العباس: البنائق: الدحاريض واحدتها بنيقة، وواحدة الدحاريض: دحرضة. وسميت الدحاريض بنائق لجمعها وتحسينها من قولهم: قد بنّق الشيء. إذا حسّنه وقد بنّق كتابه إذا جوّده وجمعه وحسّنه. هذا تفسير أبي العباس، وقال طرفة (3):
تلاقى وأحيانا تبين كأنّها ... بنائق غرّ في قميص مقدّد
وقولهم: امرأة نفساء
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت النفساء نفساء لما يسيل منها من الدم، يقال:
نفست المرأة، إذا حاضت وعركت ودرست. من ذلك الحديث الذي يروى عن أم سلمة أنها قالت: «كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلم في لحاف، فحضت، فخرجت، فشددت عليّ
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سلمة العبسي في اللسان (سحق). وساحوق: موضع.
(3) ديوانه 21. والمقدد: المشقق.(1/554)
ثيابي ثم رجعت، فقال: أنفست» (1).
ومنه الحديث الآخر: «أن أسماء بنت عميس نفست بالشجرة، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها بأن تغتسل، وتهلّ بالحج» (2).
ومنه الحديث الآخر: «كانت عائشة إذا عركت قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ائتزري على وسطك، ثم يباشرها» (3).
قال الشاعر (4):
اللّات كالبيض لّما تعد أن درست ... صفر الأنامل من قرع القوارير
قال أبو بكر: هذا الشاعر يصف جواري، فاللات جمع التي، ومعنى درست:
حضن، وقوله صفر الأنامل من قرع القوارير، معناه: من مسّ قواريرهن الطيب الخلوق وغيره لحداثتهن.
ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: (كل شيء ليست له نفس سائلة، ثم مات في الماء، لم ينجّسه). أراد بالنّفس: الدم. ويقال: امرأة نفساء، ونفساء، ونفساء.
ويقال في الجمع: نفساوات، ونفاس، ونفاس، ونفّس، قال الشاعر:
ربّ شريب لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي
ليس بمحمود ولا مواس ... حيران يمشي مشية النّفاس (5).
ورواه بعض الرواة: يمشي رويدا مشية النّفاس.
وقولهم: قد بقر بطنه
قال أبو بكر: معناه: قد شقها وفتحها. قال أبو العباس: البقر معناه في كلامهم:
__________
(1) سنن ابن ماجه 209.
(2) لم أقف عليه.
(3) سنن ابن ماجه 208.
(4) الأسود بن يعفر ديوانه 38. وفيه: من نقف. والقوارير: شجر تعمل منه الرحال والموائد.
(5) نوادر ابن الأعرابي 246، أمالي الزجاجي 187بلا عزو وسلف شرح الأبيات في 1/ 99.(1/555)
الفتح. ومنه الحديث المروي: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن التّبقّر في الأهل والمال» (1)، معناه: عن التوسع. ويقال: قد بيقر الرجل، إذا خرج من بلد إلى بلد، قال امرؤ القيس (2)
ألا هل أتاها والحوادث جمّة ... بأنّ امرأ القيس بن مالك بيقرا
وقولهم: فلان يتقحّم في الأمور
قال أبو بكر: معناه: يدخل فيها بغير تثبّت ولا رويّة. يقال: قد تقحّمت الناقة، إذا ندّت، فلم يضبطها راكبها، وكذلك: تقحم البعير. قال عمر بن الخطاب: (أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا عنده غليّم أسود يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله ما شأن هذا الغليّم؟ فقال: إنّه تقحّمت بي الناقة الليلة).
ومن ذلك: قحمة الأعراب، سميت قحمة، لأنهم إذا أجدبوا، تركوا البادية ودخلوا الريف، قال الشاعر:
أقول والناقة بي تقحّم ... وأنا منها مكلئزّ معصم
ويحك ما اسم أمّها يا علكم؟ (3)
المكلئز: المنقبض، يقال: اكلأزّ، إذا انقبض، والمعصم: المستمسك. وقوله: ويحك ما اسم أمها يا علكم، معناه: أن العرب كانت تقول: إذا ندّت الناقة، فذكر اسم أمها وقفت، وإذا ندّ البعير، فذكر أب من آبائه، وقف.
وقولهم في اسم الحدث: رجيع
قال أبو بكر: قال اللغويون: سمي بذلك لأنه رجع عن حالته الأولى، بعد أن كان طعاما أو علفا، إلى الحالة الأخرى. جاء في الحديث: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو رجيع» (4).
__________
(1) غريب الحديث 2/ 51.
(2) ديوانه 392وفيه: ابن تملك. وتملك: اسم أمه.
(3) بلا عزو في اللسان (قحم). وعلكم: اسم ناقة.
(4) الفائق 2/ 42.(1/556)
وكذلك: كل ما رجع فيه من قول أو فعل، فهو رجيع. قال الشاعر:
ليت الشباب هو الرّجيع على الفتى ... والشيب كان هو البديء الأول (1)
والرجيع: يقع على الرّوث، وحدث الناس كليهما. وفي الحديث: «أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعظم في الاستنجاء، أو روث، فردّه، وقال: إنّه ركس» (2)، فمعناه: أنه يرجع إلى حالته الأولى. يقال: ركسته وأركسته، إذا أعدته إلى أمره الأول. قال الله عز وجل: {وَاللََّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمََا كَسَبُوا} (3)، فمعناه: أعادهم إلى الكفر. ويقال: القوم أركسوا وركسوا بمعنى. وأبسلوا مخالف لأركسوا، إذا كان معناه اسلموا وارتهنوا، قال الشاعر (4):
وإبسالي بنيّ بغير جرم ... بعوناه ولا بدم مراق
وقال الآخر (5):
هنالك لا أرجو حياة تسرّني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر
أراد: مسلما مرتهنا
وقولهم: قوم نصارى
قال أبو بكر: قال بعض أهل العلم: سموا نصارى لنزولهم قرية يقال لها:
ناصرة، وقال آخرون: سموا نصارى لنصرتهم عيسى عليه السلام في أول الأمر، يدل على هذا: أنهم يسمّون النصارى أنصارا، قال الشاعر:
لمّا رأيت نبطا أنصارا ... شمّرت عن ركبتي الإزارا
كنت لها من النصارى جارا (6)
وواحد النصارى نصران، كما يقال: سكران وسكارى. ويقال: واحدهم
__________
(1) بلا عزو في معاني القرآن 1/ 410.
(2) غريب الحديث 1/ 274.
(3) سورة النساء: آية 88.
(4) عوف بن الأحوص في مجاز القرآن 1/ 194ومجمل اللغة 1/ 70. وبعوناه: جنيناه.
(5) الشنفرى. شعره: 36وفيه: سجيس الليالي.
(6) الأبيات بلا عزو في معاني القرآن 1/ 44، وتفسير الطبري 1/ 318.(1/557)
نصريّ، كما يقال: جمل مهريّ وجمال مهارى، قال الشاعر:
تراه إذا دار العشيّ محنّفا ... تراه ويضحي وهو نصران شامس (1)
وقال الآخر:
وكلتاهما خرّت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنّف
وقولهم: فلان يهوديّ
قال أبو بكر: اليهوديّ سمى يهوديا لتوبته في وقت من الأوقات لزمه من أجلها هذا الاسم، وإن كان غيّر التوبة ونقضها بعد ذلك. قال الله تعالى: {إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ} (2)، فمعناه: تبنا. وقال بعض الأعراب:
إنّي امرؤ من مدحه هائد (3)
أراد: تائب. وقال زهير (4):
سوى ربع لم يأت فيه مخانة ... ولا رهقا من عائذ متهوّد
وقرأ أبو وجزة السعديّ: (إنّا هدنا إليك) بكسر الهاء، ومعناهما واحد، يقال: هاد يهود ويهيد، بمعنى.
وقولهم: هو من الصّابئين
قال أبو بكر: الصابئون: قوم من النصارى، قولهم ألين من قول النصارى. سموا صابئين لخروجهم من دين إلى دين. وكانت قريش تسمي رسول الله صلّى الله عليه وسلم صابئا.
ويسمون أصحابه كذلك. لخروجهم من دين إلى دين. يقال: صبأت الثنيّة، إذا طلعتها.
وصبأت الثنيّة، إذا طلعت. وصبأ النجم وأصبأ: طلع، قال الله تعالى:
__________
(1) بلا عزو في تفسير الطبري 1/ 318.
(2) سورة الأعراف: آية 156.
(3) بلا عزو في اللسان (هود).
(4) ديوانه 235. والربع: ما يأخذه الرئيس من الغنيمة. والرهق: المظلم.(1/558)
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هََادُوا وَالنَّصََارى ََ وَالصََّابِئِينَ} (1)، فيقال: الذين آمنوا: هم المنافقون. أظهروا الإيمان، وأضمروا الكفر. والذين هادو: اليهود، المغيّرون المبدّلون. والنصارى: المقيمون على الكفر بما يصفون به عيسى من المحال.
والصابئون: الكفار أيضا، المفارقون للحق. ويقال: الذين آمنوا: المؤمنون حقا، والذين هادوا: الذين تابوا، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا، والنصارى: نصّار عيسى، والصابئون:
الخارجون من الباطل إلى الحق، من آمن بالله: معناه: من دام منهم على الإيمان بالله، فله أجره عند ربه.
وقولهم: هو أشأم من طويّس
قال أبو بكر: حدثني أبي رحمه الله قال: قال الكلبي: كان طويّس مخنّثا من أهل المدينة، ولد يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقعد يوم مات أبو بكر رضي الله عنه وأسلم الكتّاب يوم مات عمر رضي الله عنه.
وقولهم: هو أطمع من أشعب
قال أبو بكر: حدثني أبي رحمه الله قال: هو أشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزّبير، من أهل المدينة، كان يكنى أبا العلاء. وحدثني أبي رحمه الله عن بعض الشيوخ قال: سئل أبو عبيدة: ما بلغ من طمع أشعب؟ فقال: اجتمع عليه ذات يوم غلمان من غلمان المدينة يعابثونه، وكان مزّاحا ظريفا مغنيا، فلما آذوه قال لهم: إن في دار فلان عرسا، فاذهبوا إليه، فهو أنفع لكم، فلما مضوا قال في نفسه: لعل الذي قلت لهم من الأمر حق، فمضى إلى الموضع الذي حده لهم، يقفو آثارهم، فلم يجد شيئا، وظفر به الغلمان هناك. وأخبرني محمد بن عبد الله قال: أخبرنا الزبير قال: أشعب مولى عبد الله ابن الزبير، قتل عثمان بن عفان وهو غلام، وبقي إلى أيام المهدي، وكان يقول: نشأت أنا وأبو الزّناد في حجر عائشة بنت عثمان بن عفان، فما زال يذهب صعودا وأذهب سفلا.
__________
(1) سورة البقرة: آية 62.(1/559)
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا نصر بن على قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال أشعب: كفّلتنا عائشة بنت عثمان أنا وأبو الزناد، فما زال يعلو وأسفل، حتى بلغنا ما ترون.
وحدثنا إسماعيل قال: حدثنا نصر قال: خبرنا الأصمعي قال: قال أشعب: أنا أشأم الناس، ولدت يوم قتل عثمان، وختنت يوم قتل الحسين.
وحدثنا إسماعيل قال: حدثنا نصر قال: خبرنا الأصمعي قال: رأيت أشعب، فجعلت أنظر إلى وجهه، فكلّج في وجهي لما رآني أتفرس فيه. وأخبرني محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو جعفر اليمامي قال: حدثنا المدائني قال: كان سالم بن عبد الله يستخف أشعب، ويمازحه، ويضحك منه كثيرا، ويحسن إليه، فقال له ذات يوم: أخبرني عن طمعك يا أشعب، فقال: نعم، قلت لصبيان مجتمعين: أن سالما قد فتح باب صدقة عمر، فامضوا إليه حتى يطعمكم تمرا، فمضوا. فلما غابوا عن بصري وقع في نفسي أن الذي قلت لهم حق، فتبعتهم.
وحدثني محمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن شجاع قال: حدثنا المدائني قال:
مر أشعب: برجل يعمل زبيلا، فقال له: أحبّ أن توسعه. قال: لم ذاك؟ قال: لعل الذي يشتريه منك يهدي إليّ فيه شيئا.
وقال بعض الرواة: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما تناجى اثنان قط، إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء. وقيل لأشعب: هل رأيت أحدا أطمع منك؟ فقال: نعم كلبة آل فلان، رأت رجلين يمضغان كندرا، فظنّت أنهما يأكلان شيئا، فتبعتهما فرسخين.
وقال المدائني: تعلق أشعب بأستار الكعبة، وسأل الله أن يخرج الحرص من قلبه.
فلما انصرف مر بمجالس قريش، فسألهم، فما أعطاه أحد منهم شيئا. فرجع إلى أمه فقالت له: يا بني كيف جئتني خائبا؟ فقال: إني سألت الله أن يخرج الحرص من قلبي، فقالت: ارجع يا بني فاستقله ذاك.
قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يا رب كنت سألتك أن تخرج الطمع من قلبي فأقلني، ثم مررت بمجالس قريش، فسألتهم، فأعطوني، ووهب لي جل غلاما، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كل شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا
الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي فتموت فرحا، فقلت: غين، فقال: وما غين؟(1/560)
قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يا رب كنت سألتك أن تخرج الطمع من قلبي فأقلني، ثم مررت بمجالس قريش، فسألتهم، فأعطوني، ووهب لي جل غلاما، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كل شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا
الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي فتموت فرحا، فقلت: غين، فقال: وما غين؟
قلت: لام، قالت: وما لام؟ قلت: ألف. قالت: وما ألف؟ قلت: ميم، قالت: وما ميم؟
قلت: وهب لي غلام.
فغشي عليها من الفرح، ولو لم أقطّع الحروف لماتت. وأخبرني أحمد بن حسان قال: حدثنا الزبير قال: قال أشعب لدلّالة: اطلبي لي امرأة، إذا تجشأت عليها شبعت، وإذا أكلت رجل دجاجة أتخمت. وأخبرني محمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا محمد بن الوليد بن عمرو بن الزبير قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: قال أشعب: جاءني فتيان من فتيان المدينة، فقالوا: نحب أن تغني سالم بن عبد الله بن عمر صوتا، وتعرفنا ما يقول، وجعلوا لي على ذلك جعلا، فصرت إلى سالم فقلت له: يا أبا عمر جعلني الله فداك لي حرمة ومجالسة ومودة، وأنا مولع بالترنّم، فقال:
وما الترنم؟ قلت: الغناء، قال: في أي الأحوال؟ قلت: في الخلوات، والجلوس مع الإخوان، فاسمع فإن كان فيما تسمع بأس رفضناه، وغنيته فقال: ما أرى بأسا، فخرجت إلى أصحابي، فأخبرتهم، فقالوا: وماذا كان الصوت؟ فقلت:
قرّبا مربط النّعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال (1)
فقالوا لي: هذا بارد ليست فيه حركة، فلما رأيت دفعهم إياي، وأشفقت على الجعل أن يذهب، رجعت إلى سالم فقلت: يا أبا عمر جعلني الله فداك تسمع، فقال:
مالي ولك؟ فلم أملكه حتى غنيته، فقال: ما أرى بأسا، وكان الذي غنيته:
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا (2)
فخرجت إلى أصحابي فأخبرتهم فقالوا: هذا بارد، فرجعت إلى سالم فقلت له:
يا أبا عمر جعلني الله فداك آخر، فقال: مالي ولك؟ فلم أملكه حتى غنيت:
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا (3)
فقال سالم: مهلا مهلا، فقلت له: ما أسكت إلا بذاك السّندي الذي بين
__________
(1) للحارث بن عباد في حماسة البحتري 33، والحماسة البصرية 1/ 16.
(2) لم أقف عليه.
(3) لجرير، ديوانه 386، وللمعلوط الأسدي في شرح ديوان الحماسة (م) 1382.(1/561)
يديك. وفيه تمر عجوة من تمر صدقة عمر. فقال: هو لك. فأخذته، وخرجت على أصحابي. فقالوا لي: ما خبرك؟ فقلت: غنيت الشيخ حتى طرب، وأعطاني هذا، وإنما كان أعطانيه لأسكت.
وقال مصعب الزبيري: خرج سالم بن عبد الله متنزها إلى ناحية من نواحي المدينة، هو وحرمه وجواريه، وبلغ أشعب الخبر، فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفيل، فصادف الباب مغلقا، فتسوّر الحائط. فقال له سالم: ويك يا أشعب. معي بناتي وحرمي. فقال: لقد علمت ما لنا في بناتك من حقّ، وإنك لتعلم ما نريد، فوجّه إليه من الطعام، فأكل وحمل إلى منزله. وقدم أشعب على يزيد بن حاتم والي مصر، فجلس في مجلسه مع الناس، فدعا يزيد بن حاتم مولى له يقال له: دفيف، فسارّه بشيء، فقام أشعب فقبل يد يزيد بن حاتم.
فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ قال: رأيتك تسارّ غلامك وقهرمانك، فعلمت أنك قد أمرت لي بصلة، فأردت أن أشكرك على ذلك. فقال: ما فعلته، ولكني أفعل الآن.
وأمر له بصلة. وحدثني أبو محمد بن ناجية قال: حدثنا محمد بن عباد بن موسى الواسطى العكلي المعروف بسندويه قال: حدثنا غياث بن إبراهيم قال: حدثنا أشعب الطامع، وهو أشعب بن أم حميدة. قال: أتيت سالم بن عبد الله، وهو يقسم صدقة عمر، فقلت له: سألتك بالله ألّا أعطيتني، فقال: تعطى وإن لم تسأل، إن أبي حدثني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يزال العبد يسأل، حتى يجيء يوم القيامة، وليس على وجهه مزعة من لحم، قد أخلقه بالسؤال» (1). قال غياث بن إبراهيم: وإنما كتبنا هذا عن أشعب، لأنه كان عليه، يحدّث به ويسأل.
وقولهم: العاشية تهيج الآبية
قال أبو بكر: معناه: إذا رأت التي تأبى العشاء التي تتعشّى، نشطت للأكل، وإنما يضرب هذا مثلا للرجل ينشط بنشاط صاحبه، وللدابة تسير بسير دابة أخرى، وللرجل يفعل الشيء يقتاس فيه بفعل غيره، قد فعله قبله. وحدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا
__________
(1) الفائق 3/ 363، النهاية 4/ 325.(1/562)
أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل قال: خرج السّليك يريد أن يغير على أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع، والناس مخصبون في عشيّة فيها ضباب ومطر، فإذا ببيت، قد انفرد من البيوت، عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا مكان كذا وكذا حتى آتي هذا البيت، فلعلي أصيب لكم خيرا وآتيكم بطعام، فقالوا له: افعل، فانطلق إليه، وقد أمسى وجن الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد ابن رويم الشيباني، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فاحتال السّليك حتى دخل البيت من مؤخره، فلم يلبث أن راح ابن الشيخ بإبله في الليل، فلما رآه الشيخ غضب وقال: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل، فقال ابنه: إنّها أبت العشاء، فقال الشيخ: إنّ العاشية تهيج الآبية، فأرسلها مثلا.
ثم نفض الشيخ ثوبه في وجوهها، فرجعت إلى مرتعها، وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة، فرتعت فيها. وقعد الشيخ عندها يتعشى، وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك حين رآه انطلق، فلما رآه مغترّا ضربه من ورائه بالسيف، فأطار رأسه وأطرد الإبل، وقد بقي أصحاب السليك قد ساء ظنهم وخافوا عليه، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه، فقال السليك في ذلك:
وعاشية رجّ يطان ذعرتها ... بثوب قتيل وسطها يتسيّف
العاشية: الإبل، والرج: الواسعة الأخفاف، ويتسيف: يضرب بالسيف، وكذلك يتسوّط: يضرب بالسوط، ويتعصّى: يضرب بالعصا.
كأنّ عليه لون برد محبّر ... إذا ما أتاه صارخ متلهّف
معناه: كأن عليه من الدم لون برد محبّر، والمتلهف: الذي يتلهف عليه ويحزن على ما وقع به من القتل.
فبات لها أهل خلاء فناؤهم ... ومرّت لهم طير فلم يتعيّفوا
معناه: لم يزجروا الطير، فيعلموا من جهتها أيقتل هذا أم يسلم؟
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا أهلّوا وأوجفوا
أهلوا، معناه: رفعوا أصواتهم، والإهلال: رفع الصوت. وأوجفوا، معناه: استحثوا إبلهم. يقال: قد أوجف الرجل بعيره، إذا استحثه، وقد وجف البعير وأوجف: إذا
أسرع.(1/563)
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا أهلّوا وأوجفوا
أهلوا، معناه: رفعوا أصواتهم، والإهلال: رفع الصوت. وأوجفوا، معناه: استحثوا إبلهم. يقال: قد أوجف الرجل بعيره، إذا استحثه، وقد وجف البعير وأوجف: إذا
أسرع.
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنيّة أعرف
أعرف، معناه: أصبر.
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرّني ... إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف
معناه: ضرني الجوع في الصيف، وما يكاد أحد يجوع في الصيف لكثرة اللبن فيه.
وقوله: فأسدف، معناه: يظلم بصري من شدة الجوع.
وقولهم: أفرخ روعك
قال أبو بكر: معناه: زال عنك ما كنت تخاف وتحذر. وأول من قال هذا معاوية بن أبي سفيان. أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: قلّد معاوية بن أبي سفيان زيادا على البصرة، واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة. فلم يلبث أن مات المغيرة فتخوّف زياد أن يستعمل معاوية مكانه عبد الله بن عامر، فكتب يشير عليه باستعمال الضّحّاك، فكتب إليه معاوية أفرخ روعك، قد ضممنا إليك الكوفة والبصرة. فقال زياد: النّبع يقرع بعضه بعضا.
فذهبت كلمتاهما مثلين. فالرّوع بفتح الراء: الفزع والخوف، والرّوع، بضم الراء:
الخلد والنفس. حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو منصور قال: حدثنا أبو عبيد عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي عمن أخبره عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» (1).
فمعناه: نفخ في نفسي وأوقع في خلدي. يقال: نفث ينفث وتفل يتفل، إلا أن التفل لا يكون إلا مع شيء من الريق. حدثنا إدريس بن عبد الكريم قال: حدثنا أحمد بن حاتم الطويل قال: حدثنا مالك عن الزّهري عن عروة عن عائشة: «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان
__________
(1) غريب الحديث 1/ 298.(1/564)
إذا اشتكى قرأ على نفسه المعوّذات وتفل أو نفث» (1).
قال الشاعر (2):
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود
وقولهم: الصيف ضيّعت اللّبن
قال أبو بكر: معناه: طلبت الشيء في غير وقته. وذلك أن الألبان تكثر في الصيف، فيضرب هذا مثلا للرجل يترك الشيء وهو ممكن، ويطلبه وهو معتذر. وحدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل قال: تزوج عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابنة عمه دختنوس بنت لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم وقد كان أسن، فأبغضته، فاشتد بغضها له. وكان أكثر قومه مالا، وأعظمهم شرفا، فلم تزل تولع به وتهجره، وكانت شاعرة، حتى طلقها، فتزوجها بعده عمير بن معبد بن زرارة، وهو ابن عمها، وكان شابا قليل المال، فمرت بها إبل عمرو، وكأنها الليل من كثرتها، فقالت لخادمتها: ويلك انطلقي إلى أبي شريح، فقولي له، فليسقنا من اللبن، فانطلق الرسول إليه، فقال له: إن ابنة عمك دختنوس تقرأ عليك السلام وتقول لك: اسقنا من اللبن، فقال: للرسول: قل لها: الصيف ضيعت اللبن، فأرسلها مثلا.
وبعث إليها بلقوحين وراوية من لبن، فأتاها الرسول فقال لها: أن أبا شريح أرسل إليك بهذا وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن.
فقالت، وعندها عمير وحطأت بين كتفيه: هذا ومذقة خير. فأرسلتها مثلا.
يضرب للشيء القليل المعجب الموافق للمحبة دون الكثير المنقص. قال أبو بكر: وقال لي أبي رحمه الله قال لي العبدي: عدس، وقال لي أحمد بن عبيد: عدس. وأخبرنا أبو
__________
(1) عروة بن الزبير، سلفت ترجمته.
(2) عنترة. ديوانه 283.(1/565)
العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقول: الصيف ضيّعت اللبن، بفتح التاء.
وقولهم: لحقت فلانا المنيّة
قال أبو بكر: المنية: المقدورة المحكوم بها. وهي مفعولة من المنى، والمنى: المقدار.
يقال: مناك الله بما يسرّك، أي: قدّر الله لك ما يسرك.
قال الشاعر (1):
لعمر أبي عمر لقد ساقه المنى ... إلى جدث يوزى له بالأهاضب
أراد: المقدار. وقال الآخر (2):
ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... حتى تبيّن ما يمني لك الماني
أي: يقدّر لك القادر. وقال الآخر (3):
منت لك أن تلاقيني المنأيا ... أحاد أحاد في الشهر الحلال
والأصل في المنيّة ممنوية أي مفعولة من القدر، فصرفت عن مفعولة إلى فعلية، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ، ومقتول وقتيل، فكان أصلها بعد النقل منيية، فلما اجتمعت ياءان، الأولى منهما، ساكنة أدغمت في الياء التي بعدها، فصارتا ياء مشددة.
وقولهم: أصاب فلانا الحمام
قال أبو بكر: الحمام أصله: القدر، ثم استعمل حتى صار معبّرا عن الموت والمكروه، يقال: حمّ الموت، إذا قدّر، قال الشاعر (4):
ألا يا لقوم كلّ ما حمّ واقع ... وللطير مجرى والجنوب مصارع
وقال أيضا:
__________
(1) صخر الغي، ديوان الهذليين 2/ 51.
(2) أبو قلابة الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 39.
(3) عمرو ذو الكلب. جار هذيل. ديوان الهذليين 3/ 117.
(4) البعيث في شعره ص 15وفيه: مضاجع بدل مضارع.(1/566)
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النفوس حمامها (1)
وقال بعض الأعراب:
أعزز عليّ بأن أروّع شبهها ... أو أن يذقن على يديّ حماما (2)
وقولهم: أصابته المنون
قال أبو بكر: المنية مؤنثة، وقد تحمل على معنى الزمان والدهر، فتذكّر، وقد تحمل على معنى المنايا، فتعبّر عن الجمع، قال الأعشى (3):
لعمرك ما طول هذا الزمن ... على المرء إلّا عناء معن
يظلّ رجيما لريب المنون ... والسّقم في أهله والحزن
وقال الآخر:
فقلت إنّ المنون فانطلقي ... تسعى فلا نستطيع ندرؤها (4)
فأنّث حملا على معنى المنية. وقال الفرزدق (5):
إنّ الرزّية لا رزيّة مثلها ... في الناس موت محمّد ومحمّد
ملكان عرّيت المنابر منهما ... أخذ المنون عليهما بالمرصد
أراد بالمنون: الدهر. ويروى بيت أبي ذؤيب على وجهين (6):
أمن المنون وريبها تتوجّع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
ويروى: أمن الممنون وريبه. فالتأنيث والتذكير على ما مضى من التفسير. قال عدي بن زيد (7):
__________
(1) للبيد. ديوانه 313.
(2) بلا عزو في شرح القصائد السبع 570.
(3) ديوانه 13.
(4) بلا عزو في الأضداد 157، والمذكر والمؤنث 144، والمخصص 17/ 28.
(5) ديوانه 1/ 161. وأراد بالمحمدين: أخا الحجاج، وابنه.
(6) ديوان الهذليين 1/ 1.
(7) ديوانه 87. وفيه: خلدن أم(1/567)
من رأيت المنون عرّين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
فحمل المنون على معنى المنايا. وأخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: قال الشرقي بن القطامي: المنايا: الأحداث، والحمام: الأجل، والحتف: الغدر، والمنون:
الزمان.
وقولهم: قد قضيت كلّ حاجة وداجة
قال أبو بكر: في الداجة قولان: أحدهما ما لا يذكر احتقارا له، أي: قد قضيت الحوائج التي لها موقع من قلبي، وقضيت ما لا يذكر احتقارا له. ويقال: الداجة: معناها كمعنى الحاجة، فنسقت عليها، لخلافها لفظها. حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا مستور بن عبّاد الهنائي عن ثابت عن أنس قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال له: والله يا رسول الله ما أتيتك حتى ما تركت حاجة ولا داجة إلّا قضيتها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ألست تشهد أن لا إله إلّا الله، وأني رسول الله؟
قال: بلى، قال: فإن الله قد غفر لك كلّ حاجة وداجة» (1).
فمعنى الحديث: ما أتيتك حتى تركت حاجة ألتذها وأشتهيها مما حظرها، وتمنع منها إلا قضيتها. وأكثر ما يكون الإتباع بغير واو، وربما كان بالواو كقولهم: لا بارك الله فيه، ولا تارك ولا دارك، ويقال: جوعا له ونوعا، ونكدا وجحدا، ومعناهن واحد.
ويقال: قبحا له وشقحا، وقبحا وشقحا. ومما قالوا بغير واو: جائع نائع، وشيطان ليطان، وحسن بسن قسن، وعطشان نطشان، وحارّ يارّ جارّ، وكثير نثير، وبذير بجير، وعييّ شييّ وشويّ، وأحمق فاكّ تاكّ وتائك، ومائق دائق، ومليح قزيح، وقبيح شقيح، وقليل وعر شقن ووتح، ومضيع مسيع، وحقير نقير، وحاذق باذق وحاسر دابر، وتافه نافه، وضالّ تالّ، وقد جاء بالصلالة والتلالة، ومكان عمير بجير، وأنه لثقف لقف، ورطب صقر مقر: إذا كان كثير الصقر، وصقره: عسله. ويقال:
__________
(1) النهاية 1/ 456و 2/ 101.(1/568)
رجل أسوان أتوان، من الحزن. ويقال: ذهب من كان يجفّنا ويرفّنا، أي: يؤوينا ويطعمنا. قال أبو العباس: يقال: رفّ يرفّ، إذا أكل، ورفّ يرفّ، إذا برق، ورفّ يرف، إذا اتسع، وأنشدنا عن ابن الأعرابي:
لم أدر إلّا الظنّ ظنّ الغائب ... أأبك أم بالغيب رفّ حاجبي (1)
ويقال: حظيت المرأة عند زوجها وبظيت. ويقال: ما له عافطة ولا نافطة، العافطة: العنز، والنافطة: اتباع. ويقال: ما له حمّ ولا رمّ، يراد بهما: ما له شيء.
ويقال: ما به حبض ولا نبض، يراد: ما به نهوض. ويقال: ما له ثلّ وغلّ، فيقول:
بعضهم: ثلّ: هلك، وغلّ: تابع له، معناه كمعناه. ويقول آخرون: غلّ من غللت يده، ليس بتابع للفعل الذي قبله. ويقال: سليخ مليخ، للذي لا طعم له، قال الشاعر (2):
سليخ مليخ كطعم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مرّ
وقولهم: قال الخليفة
قال أبو بكر: سمي الخليفة خليفة في الأصل: لخلافته رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والأصل فيه:
خليف بغير هاء. فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف، كما قالوا: رجل علّامة، نسّابة، راوية، لمّا أرادوا أن يبالغوا في المدح، ولو لم يريدوا المبالغة لقالوا: رجل راو، وعلّام، ونسّاب، قال الفرزدق (3):
أما كان في معدان والفيل شاغل ... لعنبسة الراوي عليّ القصائدا
ويدخلونها في باب الذم، للمبالغة في العيب، كقولهم: رجل فقاقة، هلباجة، جخّابة. وأدخلوها في باب المدح على التشبيه بالداهية، وفي باب الذم على التشبيه بالبهيمة. وسمي الخليفة أمير المؤمنين، لأنه يأمرهم فيسمعون أمره، فيقفون عند قوله.
وأول من كتب أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حدثنا إسماعيل بن
__________
(1) بلا عزو في اللسان (رفف).
(2) الأشعر الرقبان الأسدي في المؤتلف والمختلف 58.
(3) ديوانه 179 (الصاوي)، وأخلت به طبعة صادر.(1/569)
إسحاق القاضي قال: حدثنا محفوظ بن أبي قوبة قال: حدثنا عبد الغفار ابن داود بن شهاب أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة: لأيّ شيء كان يكتب أبو بكر: من أبي بكر خليفة رسول الله، وكان عمر يكتب: من خليفة أبي بكر.
من أوّل من كتب: من أمير المؤمنين؟ فقال: حدثتني الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها، قالت: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: ابعث إليّ برجلين جلدين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ودخلا، فوجدا في المسجد عمرو بن العاص، فقالا له: يا ابن العاص، استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقال: أنتما والله أصبتما اسمه، ودخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: يا ابن العاص، ما بدا لك في هذا الاسم؟ لتخرجن مما قلت، فقال: يا أمير المؤمنين، دخل لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم المسجد، فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت لهما:
أنتما والله أصبتما اسمه، فأنت الأمير، ونحن المؤمنون. قال: فجرى به الكتاب من ذلك اليوم، ويقال: قال الخليفة، وقالت الخليفة.
ويقال: قال الخليفة الآخر، والخليفة الأخرى، فمن ذكّر قال: الخليفة معناه: فلان، ومن أنّث قال: هو وصف قد دخلته علامة التأنيث، فحمل الفعل على لفظ المؤنث، أنشد الفراء:
أبوك خليفة ولدته أخرى ... وأنت خليفة ذاك الكمال (1)
فقال: ولدته أخرى ولم يقل: آخر، تغليبا للتأنيث. ومن استعمل لفظ المؤنث قال في الجمع: خلائف، ومن استعمل المعنى المذكر قال في الجمع: خلفاء، قال الله عز وجل:
{خُلَفََاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (2).
وقال: {خَلََائِفَ الْأَرْضِ} (3)، وقال الشاعر (4):
__________
(1) بلا عزو في اللسان (خلف).
(2) سورة الأعراف: آية 69.
(3) سورة الأنعام: آية 165.
(4) عبد الرحمن بن حسان الأنصاري، شعره: 18، والودج: القطع.(1/570)
فأمّا قولك الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداجي
وقال الآخر (1):
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف طرف لممّا أحقر
ويقال: خلف الرجل يخلف خلافة وخلّيفى، إذا صار خليفة، قال عمر بن الخطاب: «لولا الخلّيفي ما سبقت إلى الأذان» (2) ويقال: خلف الفم والطعام يخلف خلوفا، إذا تغيّر، جاء في الحديث: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (3). ويقال: قد خلف الرجل يخلف خلافة، إذا كان متخلّفا لا خير فيه مؤيّسا من رشده. ويقال: رجل خالف وخالفة، إذا كان كذلك. ويقال، في المعنى الذي قبل هذا: إنّ نومة الضحى لمخلفة للفم، يراد: لمغيّرة. ويقال: أكل فلان الطعام فبقيت بين أسنانه وفي فيه خلفة، وهي: ما بقي بين الأسنان من اللحم وغيره، ويقال: لها: الطّرامة والخلالة. ويقال: قد اطّرم فوه، إذا كانت الطّرامة بين أسنانه.
وقولهم: صلاة العتمة
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت العتمة عتمة، لتأخر وقتها، من قول العرب:
قد أعتم الرجل قراه، إذا أخّره، وقد أعتم حاجته، إذا أخّرها. ويقال: عتم القرى، إذا تأخر، وكذلك عتمت الحاجة. وقد يقال: أعتم القرى، وأعتمت الحاجة. أنشدنا أبو العباس لشاعر يهجو قوما:
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم
تحدّث ركبان الحجيج بلؤمكم ... ويقري به الضيف اللّقاح العواتم (4)
أسود العين: جبل. يقول: لا تكونون كراما حتى يغيب هذا الجبل. وهو لا يغيب
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ينظر: غريب الحديث 3/ 309، الفائق 1/ 393، النهاية 2/ 69وحديث عمر فيها: (لو أطقت الأذان مع الخليفى لأذنت).
(3) الفائق 1/ 387.
(4) الأول للفرزدق في اللسان (عين)، وليس في ديوانه، والبيتان بلا عزو في اللسان (عتم).(1/571)
أبدا، وقوله: ويقري به الضيف اللقاح العواتم، معناه: أن أهل الأندية يتشاغلون بذكر لؤمكم عن حلب لقاحهم حتى يمسوا، فإذا طرقهم الضيف، صادف الألبان بحالها لم تحلب، فنال حاجته، فكان لؤمكم قرى الأضياف، والاشتغال بوصفه.
وقولهم: أفعل كذا وكذا إذا هلك الهلك وإن هلك الهلك
قال أبو بكر: العامة تخطىء في هذا فتقول: إن هلك الهلك، والعرب تقول: أفعل كذا وكذا إمّا هلكت هلك، بالإجراء، وهلك بلا إجراء، وهلكه، بالإضافة. يريدون:
افعله على ما خيّلت. أخبرنا بذلك أبو العباس عن الفراء. ومعنى خيّلت: أرت وشبّهت.
وحدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدجّال فقال: «أعور جعد هجان، كأنّ رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزّى بن قطن، ولكنّ الهلك كلّ الهلك أنّ ربّكم ليس بأعور» (1).
وفي غير هذه الرواية: «فإن هلكت هلك» وفي رواية أخرى: «فإن هلكت هلّك». فمن رواه: «ولكن الهلك كل الهلك»، أراد: ولكن هلك الدجال وخزيه وبيان كذبه في عوره. ومن رواه: «فإن هلكت هلّك»، قال هلّك جمع هالك، يقال: هالك وهلّك، كما يقال: صائم وصوّم، والتأويل: فإن تلك به هالكون فلا ينبغي أن تهلكوا أنتم، لما تبينون فيه من العور.
ومن روى: «فإن هلكت هلك»، أراد: ما اشتبه عليكم من أمره، فلا يشتبهن عليكم أن ربكم ليس بأعور. والجعد: الخفيف من الرجال في قول الرستمي. وقال أحمد ابن عبيد: هو المجتمع الشديد، قال طرفة (2):
أنا الرجل الجعد الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد
الخشاش: الذي ينخش في الأمور ذكاء ومضاء. ورواه الأصمعي: خشاش،
__________
(1) الفائق 2/ 137.
(2) ديوانه 42.(1/572)
بالكسر، وقال: الخشاش مكسور أبدا، إلا في قولهم: خشاش الطير، لرذالها. ويروى: أنا الرجل الضّرب، وهو الخفيف القليل اللحم. والهجان: الأبيض، والهجان أيضا: الكريم، تمثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند تفرقته ما في بيت المال:
هذا جناي وهجانه فيه ... إذ كلّ جان يده إلى فيه (1)
والأصلة: حيّة ضخمة عظمية قصيرة الجسم، تثين على الفارس، فتقتله، وجمعها أصل. فشبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأس الدجال بها، لعظمه واستدارته، وفي الأصلة مع عظمها استدارة. قال الشاعر:
يا ربّ إن كان يزيد قد أكل ... لحم الصديق عللا بعد نهل
ودبّ بالشرّ دبيبا ونشل ... فاقدر له أصلة من الأصل
كبساء كالقرصة أو خفّ الجمل ... لها سحيف وفحيح وزجل (2)
السحيف: صوت جلدها، والفحيح: صوت تخرجه من فمها. والزجل: اختلاط الأصوات، والكبساء: العظيمة الرأس. ويقال: رجل أكبس وكباس، إذا كان عظيم الرأس. وفي خبر آخر: (جعد هجان أزهر)، وفي آخر: (أقمر فيه جلا). فالأزهر:
الأبيض، والأقمر: الأبيض.
يقال للسحاب إذا اشتد ضوءه لكثرة مائه: أقمر. والجلا: انحسار الشعر عن مقدم الرأس. والدّفا: الميل، يقال: وعل أدفى، إذا كان قرنه إلى ناحية ذنبه، وأرويّة دفواء.
ويقال: مرّ فلان يتدافى، أي: يتحادب.
وقولهم: لأن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه
قال أبو بكر: المعيدي: تصغير المعدي، وهو منسوب إلى معدّ، والدال مخففة مكسورة، وقوم يثقلون الدال، فيقولون: بالمعيدّيّ. فمن خفّف الدال حذف الدال الأولى من معدّ، تخفيفا واختصارا، ومن شدّدها أخرج الحرف على أصله. وهذا يضرب
__________
(1) لعمرو بن عدي اللخمي في معجم الشعراء 10وفيه: وخياره، ولا شاهد على هذه الرواية.
وينظر القوافي للأخفش 69، ومختصر القوافي 33.
(2) الأبيات بلا عزو في اللسان (أصل).(1/573)
مثلا عند الرجل يبلغك عنه أمر جميل، فإذا رأيته اقتحمته عينك. وحدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضّل قال: عارض كبيس بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة، أمه لزرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة يقال لها: رشيّة، وكانت سبيّة أصابها زرارة من الرّفيدات من كلب، فولدت له عمرا، وذؤيبا، وبرغوثا ابني كبيس بن جابر بن قطن، فمات كبيس، وترعرعت الغلمة، فقال لقيط بن زرارة يوما لها: يا رشيّة من أبو بنيك؟ قالت: كبيس بن جابر.
وكان لقيط عدوا لضمرة بن جابر بن قطن، فقال لها: اذهبي بهؤلاء الغلمة، فعبّسي بهم وجه ضمرة، وأعلميه من هم. فمضت إليه، والغلمة معها، فقال لها: من هؤلاء الغلمة؟ قالت: بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع الغلمة منها، وقال لها: الحقي بأهلك، فلحقت بأهلها، فأخبرتهم الخبر، فركب زرارة بن عدس إلى بني نهشل، وكان حليما، فقال: ردوا عليّ غلمتي، فشتموه، وأفحشوا، وأهجروا، فلما رأى ذلك انصرف إلى قومه، فقالوا له: ما قالوا لك؟ قال: خيرا والله، ما زال بنو عمي يجيبونني بما أحب، حتى انصرفت عنهم من حسن ما قالوا، ثم تركهم حولا، وعاد إليهم مطالبا بالغلمة، فردوا عليه ردا قبيحا، فانصرف، فقال له قومه: ما قالوا لك؟ قال: خيرا، أحسن بنو عمي وأجملوا، ثم لم يزل سبع سنين يأتيهم في كل سنة مطالبا بالغلمة، فيردونه أسوأ الرد، فبينا بنو نهشل يسيرون ضحى، إذ أخبرهم مخبر أن زرارة قد مات، فقال لهم ضمرة: يا قوم، إنه قد مات أحلم أخوتكم، فاتقوهم بحقهم.
ثم قال لنسائه: قمن أقسم بينكن الثّكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان بن سحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وامرأة سبيّة من بني عجل، يقال لها: خليدة، وامرأة سبيّة من الأزد من بني الطّمثان، وسبيّة من عبد القيس، وكان لهن كلهن أولاد، غير خليدة، فإنها لم يكن لها ولد، فقالت خليدة لهند، وكانت لها مصافية: ولّي الثّكل بنت غيرك. فأرسلتها مثلا، قال ابن الأعرابي:
يضرب عند الأمر يحل بالقوم، فيخص منهم رجلا بالدعاء له ألا يصيبه ما أصاب غيره.
وأرادت بقولها: ولي الثكل بنت غيرك، لحق بنت غيرك من ضرّ لم يزل.
ثم إن ضمرة وجه إلى لقيط بن زرارة شقّة بن ضمرة، وأمه هند، وشهاب بن
ضمرة، وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة، وأمه الطمثانية، فقال له: هؤلاء رهن عندك بغلمتك حتى أرضيك منهم، فلما صار أولاد ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم، وجفاهم، وأهانهم، فقال ضمرة في ذلك:(1/574)
ثم إن ضمرة وجه إلى لقيط بن زرارة شقّة بن ضمرة، وأمه هند، وشهاب بن
ضمرة، وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة، وأمه الطمثانية، فقال له: هؤلاء رهن عندك بغلمتك حتى أرضيك منهم، فلما صار أولاد ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم، وجفاهم، وأهانهم، فقال ضمرة في ذلك:
صرمت إخاء شقّة يوم غول ... وإخوته فلا حلّت حلالي
قال ابن الأعرابي: حلالي: امرأته، أو ناقته، أو شاته، أو خصلة مما يحلّ له. وقال الفراء: معناه: فلا حلّت يميني، قال: وحلالي بكسر اللام، بمنزلة: حذام وقطام، والياء صلة لكسرة اللام.
كأني إذ رهنت بنيّ قومي ... دفعتهم إلى صهب السّبال (1)
قوله: إلى صهب السبال، معناه: إلى الأعداء. ويروى: إلى الصهب السبال، وهو كقولك: مررت بحسن الوجه، وبالحسن الوجه.
فلم أرهنهم بدم ولكن ... رهنتهم بصلح أو بمال
صرمت إخاء شقّة يوم غول ... وحقّ إخاء شقة بالوصال
فأجابه لقيط بن زرارة:
أبا قطن إنّي أراك حزينا ... وإنّ العجول لا تبالي الحنينا (2)
أي: قد فقدت ولدك، فالحنين لا يثقل عليك، كما لا يثقل على الناقة العجول، وهي التي أعجل عنها ولدها، فمات، أو أكله السّبع.
أفي أن صبرتم نصف حول بحقّنا ... ونحن صبرنا قبل سبع سنينا
وقال ضمرة بن جابر:
لعمرك إنني وطلاب حبّي ... وترك بنيّ في الشّطر الأعادي
لمن نوكى الشيوخ وكان مثلي ... إذا ما ضلّ لم ينعش بهادي
يقول: أنا أتقدم الناس كلهم في البصر والهداية، فإذا ضللت فمن يهديني؟ أي: لا يهتدي أحد للذي أضل فيه. ثم أن بني نهشل كلموا المنذر بن ماء السماء في أن يطلب
__________
(1) نسب هذا البيت إلى خلف الأحمر في مناقب الترك (رسائل الجاحظ) 1/ 76وصدره: كأني حين أرهنهم بنييي.
(2) في أمثال العرب 8: لا تبالي خدينا.(1/575)
الغلمة من لقيط بن زرارة، فقال لهم: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بطعام وشراب، وجلس مع لقيط، فأكلا وشربا، حتى أخذت فيهما الخمر، ثم قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان، ما تقول في رجل اختارك الليلة من بين ندامى مضر؟ قال: أقول إنه لا يسألني شيئا إلا أعطيته غير الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلا منك شيئا، حتى تعطيني كلّ الذي أسأل. قال: فذاك لك. قال: فإني أسألك الغلمة، فهبهم لي.
قال: سلني غيرهم. قال: ما أسأل غيرهم. فأمر بإحضارهم، فأحضروا، ودفعهم إلى المنذر. فلما خرج من عنده لامه قومه، وعذلوه، فقال للمنذر:
إنّك لو غطّيت أرجاء هوّة ... مغمّسة لا يستبان ترابها
بثوبك في الظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادرا لا أهابها
فأصبحت مغضوبا عليّ ملوّما ... كأن نصيّت عن حائض لي ثيابها
معناه: تدنّت عندهم بإعطائك الغلمة، فكأنما لبست ثياب حائض، نزعت ثيابها عنها لألبسها. والمغمسة: المغطّاة. ثم إنّ المنذر أحضر الغلمة، وقد مات ضمرة، وكان يتصل به عن شقة ما يعجبه ويستحسنه، فلما وقف بين يديه اقتحمته عينه، فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، فقال له شقّة: أبيت اللعن أسعدك إلهك، إنّ القوم ليسوا بجزر، إنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه.
فأعجب المنذر كلامه واستحسنه، وسماه باسم أبيه ضمرة، فهو ضمرة بن ضمرة.
وذهب قوله: (إنما يعيش المرء بأصغريه)، مثلا. قال ابن الأعرابي: يضرب عند الرجل ذي المخبر، ولا منظر له. وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء، فقال:
وما المرء إلّا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصوّر
فإن طرّة راقتك فاخبر فربّما ... أمرّ مذاق العود والعود أخضر
وقولهم: رجل طرّار
قال أبو بكر: معناه: يقطع الأشياء فيأخذها. والطّرّ معناه في كلام العرب:
القطع. يقال: طرّ يطرّ طرّا، إذا فعل ذلك. حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب قال:
حدثنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب بن موسى عن نافع عن ابن
عمر قال: «أهدى أكيدر دومة الجندل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حلّة سيراء، فأعطاها عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله تعطيني هذه الحلّة، وقد قلت بالأمس في حلّة عطارد ما قلت، إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لم أعطكها لتلبسها، وإنما أعطيتكها لتعطيها بعض نسائك، يتخذنها طرّات بينهن» (1).(1/576)
حدثنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب بن موسى عن نافع عن ابن
عمر قال: «أهدى أكيدر دومة الجندل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حلّة سيراء، فأعطاها عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله تعطيني هذه الحلّة، وقد قلت بالأمس في حلّة عطارد ما قلت، إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لم أعطكها لتلبسها، وإنما أعطيتكها لتعطيها بعض نسائك، يتخذنها طرّات بينهن» (1).
أراد صلّى الله عليه وسلم: يقطعنها، ويتخذنها ستورا. والطّرّة من الشعر، سميت طرة لأنها مقطوعة من جملته، ومفصولة منه. والطّرّة بفتح الطاء: المرة، وبضم الطاء: اسم الشيء المقطوع، وهما بمنزلة الغرفة والغرفة، فالغرفة: المرّة، والغرفة بالضم: الاسم. وكذلك الفرجة والفرجة، والخطوة والخطوة، والحسوة والحسوة.
قال الأصمعي عن أبي عمرو: كنت هاربا من الحجاج، فبينا أنا أطوف بالبيت إذ سمعت منشدا ينشد:
ربّما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال (2)
فقلت له: ما الخبر؟ فقال: مات الحجاج. قال: فما أدري بأي قوليه كنت أفرح، بقوله: فرجة، أو بقوله: مات الحجاج.
__________
(1) الفائق 2/ 214.
(2) نسب إلى أمية بن أبي الصلت، ديوانه 444. ونسب إلى عبيد بن الأبرص في مجموعة المعاني 135، وشعراء النصرانية 650، وعنهما في ديوان عبيد 111. ونسب إلى عمير الحنفي في كتاب التعازي 76.(1/577)
وقولهم: الزم الوفاء
قال أبو بكر: الوفاء معناه في اللغة: الخلق الشريف العالي الرفيع، من قولهم: قد وفي الشعر فهو واف، إذا ازداد. ذكر هذا أبو العباس، وقال بعض رجّاز العرب:
قام إلى النضو حثيثا فارتحل ... واصطبّ من ماء السّقاء فاغتسل
ويمّم الموقف في سفح الجبل ... بظفر واف وشعر قد كمل (1)
ويقال: وفيت بالعهد أفي، وأوفيت به أوفي، قال الشاعر (2):
أمّا ابن طوق فقد أوفى بذمّته ... كما وفى بقلاص النّجم حاديها
فجمع بين اللغتين، ويقال: أرض من الوفاء باللّفاء، أي: بدون الحقّ، قال الشاعر (3):
فما أنا بالضعيف فتزدريني ... ولا حظّي اللّفاء ولا الخسيس
وأنشد الفراء (4):
أظنّت بنو جحوان أنّك آكل ... كباشي وقاضيّ اللّفاء فقابله
وقولهم: قد كتب بالحبر والمداد
قال أبو بكر: العلّة في تسميتهم الحبر حبرا، أنه مزيّن للكتاب ومحسّن للقرطاس.
أخذ من قول العرب: حبّرت الشيء، إذا زيّنته، كان يقال لطفيل في الجاهلية: محبّر، لتزيينه شعره. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره» (5). أراد:
قد ذهب بهاؤه وجماله. وقال ابن أحمر يذكر زمانا مضى:
لبسنا حبره حتى اقتضينا ... لأعمال وآجال قضينا
أراد بالحبر: الجمال والنضارة. ويروى: قد ذهب حبره وسبره. فإذا كسرا كانا
__________
(1) لم أقف عليها.
(2) طفيل، ديوانه 113.
(3) أبو زبيد، شعره: 100وفيه: ولا جافي اللقاء. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(4) بلا عزو في اللسان (لفأ).
(5) غريب الحديث 1/ 85.(1/578)
اسمين، وإذا فتحا كانا مصدرين. ويقال: إنما سمى الحبر حبرا، لأنه يؤثر في القرطاس، ويكون علامة في الشيء الذي يصيبه ويقع فيه. يقال للأثر: حبر وحبار، قال الشاعر (1):
ولم يقلّب أرضها البيطار ... ولا لحبليه بها حبار
أراد بالحبار: الأثر. وقال الآخر:
لا تملأ الدّلو وعرّق فيها ... ألا ترى حبار من يسقيها (2)
قوله: عرّق فيها، معناه: قلّل الماء فيها. وقال الشاعر (3):
لقد أشبتت بي أهل فيد وغادرت ... بجسمي حبرا آخر الدهر باقيا
أراد بالحبر: الأثر، والحبر أيضا: العالم، يقال فيه: حبر وحبر، بالكسر والفتح، كما يقال: جسر وجسر، ورطل ورطل، وثوب شفّ وشفّ، إذا كان رقيقا. وقال الأصمعي: لا أردي كيف يقال للعالم: حبر أو حبر. وقال غيره: يقال للعالم حبر، بالفتح. وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقال للعالم: حبر وحبر. وقال أبو عبيد: قال الفراء: هو كعب الحبر، بكسر الحاء، لأنه أضيف إلى الحبر الذي يكتب به، إذ كان صاحب كتب وعلوم.
قال أبو بكر: فكأن الفراء اختار الكسر مع كعب خاصة، لأنه علم في رواية الأحاديث المتقدمة، ومشهور بنقل الكتب الأولية، فأضيف إلى الحبر الذي يكتب به، على معنى: صاحب الكتب، وكعب العلوم، كما قيل: طفيل الخيل، أي: الحاذق بركوبها ووصفها. ومع غير كعب يفتح، الحبر، ويكسر إذا أريد به العالم. وأما المداد، فإنما سمي مدادا لإمداده الكاتب، ومن قولهم: أمددت الجيش بمدد، ومدّ النهر نهر آخر.
قال الأخطل (4):
رأت بارقات بالأكفّ كأنّها ... مصابيح سرج أوقدت بمداد
أي: بزيت. وقال رؤبة (5):
__________
(1) حميد الأرقط في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 108، والأفعال للسرقطي 1/ 395.
(2) بلا عزو في غريب الحديث 1/ 86.
(3) مصبح بن منظور الأسدي في اللسان (حبر).
(4) ديوانه 136 (صالحاني) 174 (قباوة). والبارقات: السيوف.
(5) ديوانه 149. والمرثعن من المطر: المسترسل السائل. وتثمه: تضربه.(1/579)
كأنّه بعد رياح تدهمه ... ومرثعنات الدجون تثمه
إنجيل أحبار وحى منمنمه ... ما خط فيه بالمداد قلمه
وأنشدنا أبو العباس في الحبر:
لله درّي ما ينّ صدري ... من كلمات بائنات الحبر (1)
وقال آخر (2): يذكر ظبية تسوق ولدها:
تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها
وقال الآخر:
كأنّ ديار الحيّ بالزّرق خلقة ... من الأرض أو مكتوبة بمداد (3)
وقولهم: هو شار وهو يرى رأي الشراة
قال أبو بكر: الشاري معناه في كلام العرب: الذي يبيع الدنيا بالآخرة، فتسمّوا بهذا الاسم حتى عرفوا به، وإن كانوا غير مستعملين لحقيقته، كما سمي اليهود يهودا لتوبتهم في بعض الأزمنة، وهم غير تائبين الآن. يقال: شريت الشيء أشريه، إذا بعته، وشريته: إذا اشتريته، وقبضته من البائع، وبعته: إذا دفعته إلى المشترى بالثمن، وبعته: إذا اشتريته. وقد يحتمل اشتريت المعنيين اللذين يحتملهما شريت، قال الله عز وجل:
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرََاهِمَ مَعْدُودَةٍ} (4)، أراد: باعوه.
وقال الشماخ (5):
فلمّا شراها فاضت العين عبرة ... وفي الصدر خزّاز من اللوم حامز
وقال الآخر (6):
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) عدي بن الرقاع في التشبيهات 34، وحلية المحاضرة 76. ونسب غلطا إلى يزيد بن مفرغ في كتاب الكتاب 95، 96. وليس في ديوانه بطبعتيه.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة يوسف: آية 20.
(5) ديوانه 190وفيه: من الوجد. وقد سلف شرح البيت.
(6) يزيد بن مفرغ، شعره: 145 (سلوم) 213 (أبو صالح).(1/580)
وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامه
أراد: بعت بردا. وقال الآخر في معنى البيع:
اشروا لها خاتنا وابغوا لخاتنها ... معاولا ستّة فيهن تذريب (1)
أراد باشروا: اشتروا. وقال الآخر في حمله البيع على معنى الاشتراء:
فيا عزّ ليت النأي إذ حال بيننا ... وبينك باع الودّ لي منك تاجر
أراد بباع: اشترى. وقال الفراء: سمعت أعرابيا يقول: بع لي تمرا بدرهم، يريد:
اشتر لي. وقال أوس بن حجر (2):
قد قارفت وهي لم تجرب وباع لها ... من الفصافص بالنّمّيّ سفسير
الفصافص: الرطبة، والنمي: الفلوس، والسفسير: القهرمان، وقال حذيفة عند موته: (بيعوا لي كفنا)، يريد: اشتروه. وقيل لجرير: من أشعر الناس: فقال: الذي يقول:
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
أراد: من لم تشتر له بتاتا، والبتات: الزاد.
وقولهم: حبلك على غاربك
قال أبو بكر: قال أبو العباس: كانت العرب في الجاهلية يطلّقون نساءهم بهذا الكلام، ومعناه: أمرك في يدك، فاستعملي من الأمور ما تحبين، فقد انقطع سببك من سيي، قال: والأصل في هذا: أن يلقى حبل الناقة على غاربها، فتفزع، ولا ترعى إذا لم تره في الأرض.
والغارب من البعير: أسفل من السنام، وهو ما انحدر من السنام إلى العنق. قال النمر بن تولب (3):
فلمّا عصيت العاذلين فلم أطع ... مقالتهم ألقوا على غاربي حبلي
أي: خلّوني، فلم يراجعوا عظتي ولا نصيحتي. وصار المخلّي للرجل والمعرض عنه
__________
(1) بلا عزو في الأضداد 73.
(2) ديوانه 41.
(3) شعره: 97وفيه: ولم أبل.(1/581)
يقول: قد تركت حبل فلان على غاربه. والأصل ما وصفنا.
وقولهم: رجل نجّاد
قال أبو بكر: قال أبو العباس: النجاد معناه في كلام العرب: المزيّن للثياب، من ذلك قولهم: قد نجّدت البيت، إذا حسّنته وزيّنته. قال: يجوز أن يكون النجاد سمى نجادا، لرفعه الثياب، قال: ومن ذلك: نجد، سمي نجدا لارتفاعه.
يذهب أبو العباس إلى أن النجاد يرفع الثياب بزيادته عليها، وضمّه إليها ما يعليها، ويزيد في حدّها. وقد قالوا في نجد ثلاثة أقوال: أحدهن: سميت نجدا لارتفاع مواضعها.
والقول الثاني: سميت نجدا لمقابلتها ما يقابلها من الجبال، قال بعض الأعراب:
النجاد: ما قابلك. والقول الثالث: سميت نجدا لصلابة أرضها، وكثرة حجارتها، وصعوبة سلوكها، من قولهم: رجل نجد، إذا كان شجاعا قويا.
وقد يقال للشجاع: نجد ونجد. والنجد أيضا والمنجود: المفزع أيّ موضع كان. قال أبو زبيد (1):
صاديا يستغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود
فيجوز أن تكون نجد سميت نجدا لاستيحاش السالك لها، واتصال فزعه، إذ لم تكن آهلة معمورة كالأمصار، فهذا قول رابع في الاعتلال لتسمية نجد نجدا. والغالب على نجد التذكير، وهو المأثور عن العرب فيها، ولو أنّثت، إذا ذهب بها إلى معنى المدينة، لم يكن ذلك خطأ ولا محالا.
قرأنا على أبي العباس لبعض الشعراء:
ألم تر أنّ الليل يقصر طوله ... بنجد وتزداد النّطاف به بردا (2)
ويقال: أنجد الرجل إذا أتى نجدا، وغار وأغار إذا أتى الغور، وأنشدنا أبو العباس:
نبيّ يرى ما لا يرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا (3)
__________
(1) شعره: 44.
(2) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 371، ومعجم البلدان 5/ 264.
(3) نوادر أبي مسحل 345.(1/582)
ويروى: وذكره لعمري غار في البلاد وأنجدا. وقال ذو الرمة (1):
حتى كأنّ رياض القفّ ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد
أراد بالتنجيد: الارتفاع.
وقولهم: قد طال سفر الرجل
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي السّفر سفرا، لأنّه يسفر عن أخلاق الرجال، أي: يكشفها ويوضحها، أخذ من قولهم: قد سفرت المرأة عن وجهها، إذا كشفته وأظهرته. ويقال: للمكنسة: مسفرة، لأنها تكشف التراب عن الموضع وتزيله.
وكذلك يقال: قد سفر الرجل بيته يسفره سفرا، إذا كنسه. جاء في الحديث: «دخل عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو أمرت بهذا البيت فسفر» (2). وكان في بيت فيه أهب وغيرها. أراد بسفر: كنس. ويقال: لما سقط من ورق الأشجار سفير، لأن الريح تسفره، أي: تكنسه.
قال ذو الرمة (3):
وحائل من سفير الحول جائله ... حول الجراثيم في ألوانه شهب
ويروى: وحائل من سفير جائله. فالحائل: المتغيّر لمرور الأيام به. والجائل: الذي تجيله الريح. ويقال: قد أسفر وجه الرجل، إذا أضاء وأشرق. والجرثومة: الشيء المجتمع، والجرثومة أيضا: أصل الشيء، جاء في الحديث: «الأزد جرثومة العرب، فمن أضلّ نسبه فليأتهم» (4).
__________
(1) ديوانه 1366. القف: ما غلظ من الأرض، ولم يبلغ أن يكون جبلا في ارتفاعه.
(2) النهاية 2/ 372.
(3) ديوانه 84. وجائله: ما جال منه، والجراثيم: التراب يجتمع إلى أصول الشجر، الواحدة جرثومة.
(4) النهاية 1/ 254.(1/583)
وقولهم: تعس فلان وانتكس
قال أبو بكر: التعس معناه في كلام العرب: الشر، قال الله تبارك وتعالى:
{فَتَعْساً لَهُمْ} (1)، أراد: ألزمهم الله الشر، هذا قول أبي العباس. ويقال: التعس: البعد، قال الأعشى (2):
بذات لوث عفرناة إذا عثرت ... فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا
اللوث: القوة، والعفرناة: الناقة الشديدة، ولعا: ارتفاعا. وانتكس معناه: قلب أمره وأفسد، من ذلك: نكس المريض من علّته، وقال أبو العباس: الأصل فيه: أن يجعل أسفل الشيء أعلاه. حدثنا أحمد بن الهيثم ويوسف بن يعقوب قالا: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، وعبد الدّرهم، وعبد الخميصة.
إن أعطي رضي وإن منع سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد أشعث رأسه مغبّرة قدماه في سبيل الله، إن كانت الحراسة كان في الحراسة، وإن كانت السّياقة كان في السياقة. طوبى له، ثم طوبى له» (3). وقوله صلّى الله عليه وسلم: إذا شيك فلا انتقش، معناه: وإذا وقع في شر فلا تخلص منه، فذكر الشوك مثلا، ومعنى شيك: أصابه الشوك، يقال: شاك عبد الله الشوك يشوكه شوكا، إذا أصابه، وشكت الشوك أشاكه، إذا وقعت فيه. وانتقش معناه: خرج الشوك من رجله، يقال: قد انتقشت حقي عن فلان، إذا استخرجته ولم أدع منه شيئا. ومن ذلك المنقاش، سمي منقاشا، لأنه يستخرج به الشوك وغيره. حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن المهدي قال: حدثنا حمّاد الأبحّ عن ابن أبي ملكية عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» (4). فنوقش مما وصفنا من الاستقصاء. وحدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي قال:
سمعت ابن الأعرابي يقول: الخميصة: كساء أسود مربع له علمان. وقال الرستمي عن
__________
(1) سورة محمد: آية 8.
(2) ديوانه 83.
(3) سنن ابن ماجه 1386، الفائق 1/ 151، مع خلاف في الرواية.
(4) النهاية 5/ 106.(1/584)
يعقوب: التعس: أن يخرّ على وجهه، والنّكس: أن يخرّ على رأسه، قال: والتّعس أيضا:
الهلاك، وأنشد للمخبل الحارثي (1):
وأرماحهم ينهزنهم نهز جمّة ... يقلن لمن أدركن تعسا ولا لعا
وقولهم: أبيت اللّعن
قال أبو بكر: في تفسيره قولان: أحدهما: أبيت أن تأتي من الأشياء ما تستحق اللعن عليه. فاللعن على هذا القول نصب. ويقال للاثنين: أبيتما اللعن، وللجميع: أبيتم اللعن، ويبنى التأنيث على التذكير، قال النابغة (2):
هذا الثناء فإن تسمع لقائله ... فلم أعرّض أبيت اللعن بالصّفد
وقال لبيد (3):
مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه
والقول الآخر هو أردأ القولين وأشدّهما: أبيت اللعن، بخفض اللعن، يقوله بعض العرب، على أن الألف معناها (يا)، وبيت: من البيوت، مضاف إلى اللعن، والتقدير: يا بيت اللعن، أي: يا بيت السلطان والقدرة والغضب والطّرد والإبعاد. وحكى الفراء هذا الوجه مستقبحا له، ناهيا عن استعماله، ويقال: في التثنية: أبيتي اللعن، وفي الجميع:
أأبيات اللعن.
ولا ينكر أن يكون ألف الاستفهام بمنزلة (يا) في النداء، فقد قال الشاعر:
أأحمر إمّا أهلكنّ فلا تكن ... لمولاك مهوانا ولا للأرقارب (4)
أراد: يا أحمر. وقال الآخر:
أشيبان ما أدراك أن ربّ ليلة ... غبقتك فيها والغبوق حبيب (5)
أراد: يا شيبان. وقال عويّة بن سلميّ الضّبيّ يرثي أخاه أبيّا:
__________
(1) لم أقف على ترجمته فيمن يقال له: المخبل. والبيت بلا عزو في اللسان (تعس).
(2) ديوانه 24.
(3) ديوانه 343.
(4) لم أقف عليه.
(5) بلا عزو في شرح القصائد السبع 32.(1/585)
أأبيّ لا تبعد وليس بخالد ... حيّ ومن تصب المنون بعيد
أأبيّ إن تصبح رهين مسنّم ... زلج الجوانب قعره ملحود
أراد: يا أبيّ. وقال ذو الرمة (1):
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق
أراد: يا دارا. وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:
أعبدا حلّ في شعبى غريبا ... ألؤما لا أبا لك واغترابا (2)
أراد: يا عبدا أتجمع لؤما واغترابا.
وفي المنادى تسع لغات: يقال: يا فلان. ويقال: فلان، بإسقاط (يا)، قال الله عز وجل: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هََذََا} (3)، وقال الشاعر:
أمير المؤمنين ألست حقّا ... بأكرم من أظلّته السماء
بلى وابن الأطايب من قريش ... ملوك الناس ليس بهم خفاء (4)
أراد: يا أمير المؤمنين فأسقط (يا). ويقال: وافلان. ويقال: آفلان، بهمزة بعدها ألف. ويقال: أي فلان. ويقال: آي فلان. ويقال: أيا فلان. ويقال: هيا فلان. ويقال:
افلان، على لفظ الاستفهام. قال الشاعر:
ألم تسمعي أي عبد في رونق الضّحى ... بكاء حمامات لهنّ سجيع (5)
وقال الآخر:
هيا أمّ عمرو هل لي اليوم عندكم ... بغيبة أبصار العداة سبيل (6)
وقال الآخر:
أيا أثلة الطّرّاد إنّي لسائل ... عن الأثل من جرّاك ما فعل الأثل (7)
__________
(1) ديوانه 456. ويرفض: يسيل متفرقا.
(2) لجرير، ديوانه 2/ 297.
(3) سورة يوسف: آية 29.
(4) لم أقف عليهما.
(5) بلا عزو في شرح القصائد السبع 42.
(6) بلا عزو في شرح القصائد السبع 43.
(7) لم أقف عليه.(1/586)
وقال الآخر (1):
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصّبا يخلص إليّ نسيمها
وقولهم: قد تغاووا عليه
قال أبو بكر: معناه: قد جهلوا عليه وزلّوا. وتغاووا: تفاعلوا، من غوى الرجل يغوي غيّا وغواية، إذا جهل وأساء، قال الشاعر (2):
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
ويقال: قد غوي الفصيل يغوي غوى، إذا بشم من لبن أمّه عند الإكثار والازدياد منه. قال الشاعر:
معطّفة الأثناء ليس فصيلها ... برازئها درّا ولا ميّت غوى (3)
وقولهم: هلمّ يا رجل
قال أبو بكر: معنى هلم: أقبل. وأصله: أمّ يا رجل، أي: أقصد، فضموا (هل) إلى (أمّ)، وجعلوهما حرفا واحدا، وأزالوا أمّ عن التصرف، وحولوا ضمة همزة أمّ إلى اللام، وأسقطوا الهمزة، فاتصلت الميم باللام، هذا مذهب الفراء.
ويقال للرجلين، وللرجال، وللمؤنثة، وللمؤنثات: هلمّ يا رجلان، وهلم يا رجال، وهلم يا امرأة، وهلم يا نسوة، فيوحّد هلمّ لأنه مزال عن تصرف الفعل، فشبّه بالأدوات، كقولهم: صه ومه وإيه وإيها، وكل حرف من هذه لا يثنّىّ ولا يجمع ولا يؤنث، قال الله عز وجل: {وَالْقََائِلِينَ لِإِخْوََانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنََا} (4).
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن العلاء
__________
(1) المجنون، ديوانه 252.
(2) المرقش الأصغر، شعره: 573.
(3) بلا عزو في اللسان (غوى).
(4) سورة الأحزاب: آية 18.(1/587)
ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضالّ، فأناديهم: ألا هلمّ هلمّ فيقال: إنّهم قد بدّلوا فأقول: فسحقا فسحقا فسحقا» (1). قال الشاعر (2):
وكان دعا دعوة قومه ... هلمّ إلى أمركم قد صرم
ويجوز أن يقال للرجلين: هلمّا، وللرجال: هلمّوا، وللمرأة هلمّي، وللمرأتين:
هلمّا، وللنساء: هلمّنّ وهلممن. وحكى أبو عمرو عن العرب: هلمّين يا نسوة، والحجة لأصحاب هذه اللغة: أن أصل هلم التصرف، إذا كان من أممت أؤمّ أمّا، فعملوا على الأصل، ولم يلتفتوا إلى الزيادة، فإذا قال الرجل: هلمّ، فأراد أن يقول: لا أفعل، قال: لا أهلّم ولا أهلمّ.
وقولهم: قد انتحل كذا وكذا
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: قد ألزمه نفسه، وجعله كالملك لها. أخذ من النّحلة، وهي الهبة والعطية يعطاها الإنسان. قال الله عز وجل: {وَآتُوا النِّسََاءَ صَدُقََاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3)، أراد: هبة، والصداق فرض لأن أهل الجاهلية كانوا لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، فقال الله تعالى: وأعطوا النساء صدقاتهن هبة من الله عز وجل، إذ كان أهل الجاهلية يدفعونهن عن الصدقات. فالنّحلة: هبة من الله عز وجل للنساء، وفرض للنساء على الأزواج. ويقال: النحلة: الديانة، من قولهم: هو ينتحل قول فلان. قال أبو بكر: والقولان متقاربان.
وقولهم: هو من الملائكة
قال أبو بكر: الملائكة سميت ملائكة لتبليغها رسائل الله عز وجل إلى أنبيائه
__________
(1) صحيح مسلم 218، والفائق 4/ 108.
(2) الأعشى، ديوانه 43، وفيه: رهطه دعوة.
(3) سورة النساء: آية 4.(1/588)
صلوات الله عليهم، أخذوا من الألوك، وهي: الرسالة، قال لبيد (1):
وغلام أرسلته أمّه ... بألوك فبذلنا ما سأل
أراد بالألوك: الرسالة. ويقال لها أيضا: مألكة ومألكة، قال الشاعر (2):
أبلغ النّعمان عني مألكا ... أنّه قد طال حبسي وانتظاري
وقوم يقلبونه، فيقولون: ملأكا. ويقولون: هو ملك من الملائكة، وهو ملأك من الملائكة. فمن قال: هو ملأك، أخرج الحرف على أصله، ومن قال: ملك، حوّل فتحة الهمزة إلى اللام، وأسقط الهمزة. قال علقمة بن عبدة (3):
فلست لإنسيّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السماء يصوب
وقال الآخر:
أيّها القاتلون ظلما حسينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم ... من نبيّ وملأك ورسول (4)
قد لعنتم على لسان ابن داو ... د وموسى وحامل الإنجيل
ويقال: ألكني إلى فلان، يراد به: أرسلني، وللاثنين والجميع: ألكاني وألكوني، وألكيني، وألكنني. والأصل في ألكني: ألئكني، فحوّلت كسرة الهمزة إلى اللام، وأسقطت الهمزة. قال الشاعر (5):
ألكني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر
ومن بنى على الألوك قال: أصل ألكني أألكني، فحذفت الهمزة الثانية تخفيفا. وقال الآخر:
ألكني يا عيين إليك قولا ... ستحمله الرواة إليك عنّي (6)
ويقال: هم الملائكة وهم الملائك بغير هاء، قال حسان (7):
__________
(1) ديوانه 178.
(2) عدي بن زيد، ديوانه 93.
(3) ديوانه 118.
(4) الأول والثاني بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 175. ولم أقف على الثالث.
(5) أبو ذؤيب، ديوان الهذليين 1/ 146.
(6) بلا عزو في اللسان (ألك).
(7) ديوانه 164وفيه: ذروا فلجات كأفواه اللقاح. والفلجات: الأودية. وبالأوارك:
المقيمات في الأراك يرعنه.(1/589)
رعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... فأنصاره حقّا وأيدي الملائك
وقولهم: صومعة وصوامع
قال أبو بكر: قال أبو يوسف يعقوب بن السكيت: سميت الصومعة صومعة لضمورها وتدقيق رأسها، من قول العرب: جاءنا بثريدة مصمّعة، إذا دقّقها وأحدّ رأسها. ويقال: خرج السهم متصمعا بالدم، إذا تلطّخ بالدم، وضمرت قذذه. قال امرؤ القيس (1):
وساقان كعباهما أصمعا ... ن لحم حماتيهما منبتر
أراد بالأصمع: الضامر الذي ليس بمنتفخ. وقوله: لحم حماتيهما منبتر، الحماة:
عضلة الساق، والعرب تستحب انبتارها، وقال النابغة يذكر الثور والكلاب:
فبثّهنّ عليه واستمرّ به ... صمع الكعوب بريّات من الحرد
بثهن: فرقهن، واستمر: مضى. وقوله: صمع الكعوب: عني بها القوائم والمفصل، والأصمع: الضامر الذي ليس بمنتفخ. ويقال: أذن صمعاء، للطيفة اللاصقة بالرأس.
ويقال: كبش أصمع، ونعجة صمعاء. ويقال: رجل أصمع القلب، إذا كان حاد الفطنة.
والأصمعان: القلب الذكي، والرأي الحازم. ويقال لنبات البهمى: صمعاء، لضموره، وإنما يقال له هذا قبل أن يتفقّأ، قال ذو الرمة يذكر الأتن:
رعت بارض البهمى جميما وبسرة ... وصمعاء حتى آنفتها نصالها
البهمى: نبات ينبت في السهل. والبارض: أول ما يطلع منها. والجميم: نبات كثير كالجمّة للرأس. والبسرة: نبات لم يدرك، ويقال: بسر الرجل حاجته، إذا طلبها في غير وقتها، وبسر الحبن، إذا فتحه قبل أن ينضج، والحبن: الدمّل.
__________
(1) ديوان 163.(1/590)
وقولهم: رجل كهل
قال أبو بكر: الكهل عند العرب: الذي قد جاوز الثلاثين، وإنما سمي كهلا لكماله، واجتماع قوته. يقال: قد اكتهل النبات، إذا تمّ وحسن واستوى. قال الأعشى (1):
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزّر بعميم النبّت مكتهل
يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
قوله: يضاحك الشمس، معناه: يدور معها، ومضاحكته إيّاها حسن له ونضرة. والكوكب: معظم النبات، والشرق: الريّان الممتلىء ماء، والمؤزّر: الذي قد صار النبات كالإزار له، والعميم: النبات الكثير الحسن، وهو أكثر من الجميم، والمكتهل: التامّ الحسن، ويقال: نبات عميم ومعتمّ وعمم، إذا كان بالغا حسنا كثيرا.
ويقال: خلق فلان عمم، أي: حسن، قال الشاعر:
زيّنها أهلها وفنّقها ... حسن غذاء فخلقها عمم (2)
وقال الآخر في الكهل:
هل كهل خمسين إن شاقته منزلة ... مسفّه رأيه فيها ومسبوب (3)
قال النبي صلّى الله عليه وسلم لرجل أراد الجهاد معه: «هل في أهلك من كاهل» (4)، ويروى: من كاهل. ويقال: رجل كهل وامرأة كهلة، قال الشاعر:
ولا أعود بعدها كرّيا ... أمارس الكهلة والصّبيّا (5)
وقولهم: غرّ محجّلة
قال أبو بكر: الأغرّ من الخيل: الأبيض موضع الجبهة. فإن صغرت الغرة فهي
__________
(1) ديوانه 43.
(2) لم أقف عليه. وفنقها: نعمها.
(3) بلا عزو في اللسان (كهل).
(4) النهاية 4/ 213.
(5) بلا عزو في الغريب المصنف 68، واللسان (كهل).(1/591)
قرحة، وإن استطالت فهي: شمراخ، وإن انتشرت فهي: غرة شادخة، قال الشاعر:
سائل شمراخه ذي جبب ... سلط السّنبك في رسغ عجر (1)
ويقال: فرس شادخ الغرّة، قال الشاعر (2):
شدخت غرّة السوابق فيهم ... في وجوه إلى اللّمام الجعاد
والمحجّل: الأبيض موضع الخلخال، يقال للخلخال: حجل، أنشد الفراء:
مبتلّة هيفاء إيما وشاحها ... فيجري وإيما الحجل منها فلا يجري (3)
إيما: معناها: إمّا، في لغة بعض العرب. فإذا كان البياض في ثلاث ولم يكن في واحدة، قيل: هو محجّل ثلاث، مطلق واحدة. فإذا كان البياض في يده ورجله التي من شقّها قيل: به شكال. وإذا كان البياض في رجله من شقه الأيمن، ويده من شقّه الأيسر، قيل: به شكال مخالف.
حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: «قيل: يا رسول الله، ألا تعرف أمّتك يوم القيامة؟ فقال: أرأيت لو كان لرجل خيل غرّ محجّلة، في خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّهم يأتون يوم القيامة غرّا محجّلين من الوضوء» (4). فالدهم: السود، والبهم: الذي لا يخالط سوادها لون آخر، يقال: أسود بهيم، وكميت بهيم، وأشقر بهيم، قال أمية بن أبي الصلت (5):
زارني موهنا وقد نام صحبي ... وسجى الليل بالظلام البهيم
ويقال: أمر أغرّ محجّل، إذا كان واضحا بيّنا، قال الجعدي (6):
ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا ... فقد ركبت أمرا أغرّ محجّلا
__________
(1) المرار العدوي في الخيل لأبي عبيدة 109.
(2) يزيد بن المفرغ، ديوانه 68 (سلوم) 118 (أبو صالح). و (إلى) هنا: بمعنى (مع). (ينظر:
تأويل مشكل القرآن 571).
(3) لم أقف عليه.
(4) صحيح مسلم 218.
(5) ديوانه 488. والموهن: نحو من نصف الليل. وسجى: سكن.
(6) ديوانه 123.(1/592)
وقولهم: أسرع من نكاح أمّ خارجة
قال أبو بكر: حدثني أبي قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد، قالا:
حدثنا ابن الأعرابي عن المفضّل، قال: كانت أم خارجة بنت سعد بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن أنمار البجليّة. وهي أم عدس، عند رجل من إياد، وكان أبا عذرها.
وكانت من أجمل أهل زمانها، فخلعها منه دعج بن عبد بن سعد بن قداد. وهو ابن أخيها، فخلف عليها عمرو بن تميم، فولدت له أسيد بن عمرو بن تميم، والعنبر، والهجيم، والقليب، بني عمرو. ثم خلف عليها بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فولدت له الليث بن بكر، والحارث بن بكر، والدئل بن بكر. ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك. وولدت في قبائل من قبائل العرب. وكان الرجل يأتيها فيقول: خطب، فتقول: نكح.
فضرب بها المثل فقيل: أسرع من نكاح أمّ خارجة. وزعموا أن ابنها كان يسوق بها ذات يوم، فرفع لهما راكب، فقالت: من تراه؟ قال: أظنه خاطبا، فقالت: يا بني، أتظنّه يعجلنا أن نحلّ، فذهب قولها مثلا.
وقولهم: قد بذلت مهجتي
قال أبو بكر: معناه: قد بذلت نفسي وخالص ما أقدر عليه. قال أبو بكر: قال أبي رحمه الله قال لي أحمد بن عبيد: المهجة: خالص الشيء. من قول العرب: لبن ماهج وأمهجان، إذا كان خالصا لا يشوبه غشّ. وأنشد لجندل (1):
وعرّضوا المجلس محضا ماهجا
وأخبرني أبي رحمه الله عن الطوسي عن أبي عبيد قال: يقال: لبن أمهجان، إذا كان رقيقا غير متغيّر الطعم، وأنشد الفراء:
__________
(1) اللسان (مهج) بلا عزو.(1/593)
عجبت لقومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (1)
وقولهم: قد حرّضت فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد أغريته، وأفسدت قلبه. وهو مأخوذ من الحرض. والحرض والحارض: الفاسد في جسمه وعقله، قال الله تعالى: {حَتََّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهََالِكِينَ} (2).
فقال الفراء: الحارض: الفاسد الجسم والعقل، وكذلك الحرض، إلّا أن الحارض يثنّى ويجمع، والحرض لا يثنى ولا يجمع، لأن مجراه مجرى المصادر. وقال الفراء: يقال:
قد حرض الرجل، فهو حارض، وما كان حرضا، ولقد حرّضته، وأحرضته على الشيء. قال أبو عبيدة: الحرض: الذي قد أذابه الخزن، وأنشد للعرجي (3):
إني امرؤ لّج بي حبّ فأحرضني ... حتي بليت وحتى شفّني السّقم
وسئل ابن عباس عن تفسير الحرض فقال: هو مرض دون الموت، وأنشد:
أمن ذكر ليلى أن نأت غربة بها ... كأنّك حمّ للأطباء محرض (4)
وينشد في الحرض أيضا:
سرى همّي فأمرضني ... وقدما زادني حرضا
كذاك الحبّ قبل اليو ... م مما يورث المرضا (5)
وينشد فيه أيضا:
يميلون أطراف القنا بنحورهم ... إذا معشر من خشية الموت حرّضوا (6)
ويروى عن أنس بن مالك أنه قرأ: = حتى تكون حرضا = وقال: المعنى: حتى تكون
__________
(1) لابن ميادة، شعره: 49وفيه: فبهرا لقومي بغانية.
(2) سورة يوسف: آية 85.
(3) ديوانه 5.
(4) بلا عزو في اللسان (حرض).
(5) لم أقف عليهما.
(6) لم أقف عليه.(1/594)
مثل عود الأشنان. وقال الفراء: الحرض عند العرب، الأشنان، وقال: نحن بالكوفة نسمي سوق أصحاب الأشنان: الحرّاضة. وقال عدي بن زيد (1):
مثل نار الحرّاض يجلو ذرى المز ... ن لمن شامه إذا يستطير
فالحرّاض: الذي يحرق الأشنان، ليصير قليا. قال الفراء: الحرّاض: الذي يوقد على الجصّ، وأنكر هذا التفسير. ويقال للأشنان أيضا: الحراض، قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:
كوقف العاج تصفقه خريق ... كما نخلت مغربلة حراضا (2)
تصفقه: تحركه. والخريق: الريح. ويقال للتي تسميها العامة أشناندانة: محرضة، وهو مأخوذ من لفظ الحرض. ويروى بيت الفضل بن العباس: رحاضا، بتقديم الراء على الحاء. فالرحاض على هذا من قولهم: رحضت الثوب، إذا غسلته. وسمى الأشنان بذلك لأنه تغسل به اليد وغيرها.
وقولهم: ليلة المزدلفة
قال أبو بكر: قال أبو العباس: سميت المزدلفة مزدلفة، لأنها منزلة وقربة، قال الله عز وجل: {فَلَمََّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} (3)، أراد: فلما رأوا العذبا قربة. قال العجاج (4):
طيّ الليالي زلفا فزلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا
وقال ابن جرموز (5):
أتيت عليّا برأس الزّبير ... أبغي لديه به الزّلفه
فبشّر بالنار قبل العيان ... وبئست بشارة ذي التحفه
__________
(1) ديوانه 85. وشامه: نظر إليه.
(2) معجم البلدان 3/ 241، مع خلاف في الرواية.
(3) سورة الملك: آية 27.
(4) ديوانه 496. وسماوة الهلال: أعلاه. واحقوقف: اعوج.
(5) التقفية 595، الأوائل 1/ 307. وعمرو بن جرموز المجاشعي: قاتل الزبير بن العوام. (كتاب الفتوح 2/ 314312).(1/595)
وقال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلََاةَ طَرَفَيِ النَّهََارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} (1)، أراد بطرفي النهار: الظهر والعصر، وزلفا من الليل: أراد بها المغرب والعشاء والفجر، فسمى هؤلاء الصلوات زلفا، لأن كلّ صلاة منهن في منزلة، وهي قربة ونجاة، قال الله عز وجل:
{وَأَزْلَفْنََا ثَمَّ الْآخَرِينَ} (2)، أراد: وقرّبنا، أي: قربناهم من الهلاك. أخبرنا محمد بن عيسى الهاشمي قال: حدثنا القطعي قال: حدثنا عبد الملك بن درست، قال: حدثنا محمد بن عمر الرومي، عن محمد بن ثابت البناني عن إسحق بن عبد الله ابن الحارث بن نوفل، عن أبيه: أنه قرأ على ابن عباس، وقرأ ابن عباس علي أبيّ، فقرأ ابن عباس: {وَأَزْلَفْنََا ثَمَّ الْآخَرِينَ}، فقال له أبيّ: وأزلفنا، فيها هوادة، وأزلقنا، بالقاف، هي أشدهما. فكأنه رحمه الله ذهب إلى أن أزلقنا بمعنى أهلكنا، وأن أزلفنا لا يكون هذا المعنى واضحا فيه.
وغيره يقول: أزلفنا مأخوذ من التقريب، إمّا إلى نجاء وإمّا إلى بلاء. ومن الزلفة قولهم:
منزلة فلان أزلف عند أخيه من منزلة غيره، أي: أقرب وأشد تقدما. أنشدنا أبو العباس لبعض الشعراء:
اغتنم ركعتين زلفى إلى الل ... هـ إذا كنت فارغا مستريحا
وإذا ما هممت بالخوض في البا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا
والتزام السكوت أفضل من ... نطق وإن كنت بالمقال فصيحا
وقولهم: تعال يا رجل
قال أبو بكر: قال الفراء: أصل، تعال: تفاعل من العلو، أي: ارتفع، ثم أكثروا استعماله، حتى جعلوه بمنزلة أقبل، فصار الرجل يقول، وهو في الموضع المنخفض للذي هو على المكان المرتفع: تعال، يريد: أقبل. ويقال للرجلين: تعاليا، وللرجال:
تعالوا، بفتح اللام، وللمرأة تعالي، بفتح اللام، وللمرأتين تعاليا، وللنسوة: تعالين. وإذا قيل للرجل: تعال، فأراد أن يقول: لا أفعل، قال: لا أتعالى، على مثال: لا أتقاضى.
__________
(1) سورة هود: آية 114.
(2) سورة الشعراء: آية 64.(1/596)
وقولهم: مهما يكن من الأمر فإنّي فاعل كذا وكذا
قال أبو بكر: اختلف الناس في تفسير (مهما)، فقال بعضهم: معنى (مه): كفّ، ثم ابتدأ مجازيا ومشارطا، فقال: ما يكن من الأمر فإني فاعل، ف «مه» في قول هؤلاء منقطع من (ما)، التي هي حرف الشرط (ما)، للتوكيد، كما زادوا على (إن) ما، فقالوا: إمّا تزرني أزرك، قال الله عز ذكره: {فَإِمََّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} (1)، فزاد (ما) للتوكيد، فثقل عليهم أن يقولوا: ما ما، مرتين لاتفاق اللفظتين، وهم يتنكبون الجمع بين الحروف المتفقة الألفاظ، فأبدلوا من ألف (ما) هاء، لتختلف اللفظتان ويحسن الجمع بينهما فقالوا: مهما. وكذلك (مهمن): أصله: من من، فاستثقلوا الجمع بين لفظتين متفقتين، فأزالوا النون الأولى، وجعلوا الهاء في موضعها وبدلا منها، أنشد الفراء:
أماويّ مهمن يستمع في صديقه ... أقاويل هذا الناس ماويّ يندم (2)
أراد: من يستمع في صديقه. قال الله عز وجل: {مَهْمََا تَأْتِنََا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنََا بِهََا} (3)، وقال زهير (4):
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها على الناس تعلم
وقولهم: هوذا ألقى فلانا
قال أبو بكر: قال السجستاني: بعض أهل الحجاز يقولون: هوذا بفتح الواو.
وهذا خطأ منه. لأن العلماء الموثوق بعلمهم اتفقوا على أن هذا من تحريف العامة وخطئها. والعرب إذا أرادت معنى: هوذا، قالوا: ها أنا ذا ألقى فلانا. ويقول الاثنان: ها نحن ذان نلقاه. ويقول الرجال: ها نحن أولاء نلقاه. ويقال للمخاطب: ها أنت ذا تلقى فلانا، وللاثنين: ها أنتما ذان تلقيانه، وللجميع: ها أنتم أولاء تلقونه. ويقال للغائب:
هوذا يلقاه، وللاثنين: ها هما ذان يلقيانه، وللجميع: ها هم أولاء يلقونه. ويبني التأنيث
__________
(1) سورة الزخرف: آية 41.
(2) بلا عزو في شرح القصائد السبع 45.
(3) سورة الأعراف: آية 132.
(4) ديوانه 32.(1/597)
على التذكير، قال الشاعر (1):
ها أنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا
أبا امرىء القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {هََا أَنْتُمْ أُولََاءِ تُحِبُّونَهُمْ} (2)، أراد:
هؤلاء أنتم، ففصل لذلك المعنى. وقال أمية بن أبي الصلت (3):
لبّيكما لبّيكما ... هأنذا لديكما
وإنما يجعلون المكنّى بين (ها) و (ذا) إذا قربوا الخبر، فتأويل قول القائل: ها أنا ذا ألقى فلانا: قد قرب لقائي إياه.
وقولهم: قتل فلان فلانا غيلة
قال أبو بكر: الغيلة معناها في كلام العرب: إيصال الشر إليه، والقتل من حيث لا يعلم ولا يشعر. قال أبو العباس: يقال: قد قتله غيلة، إذا قتله من حيث لا يعلم، وقد فتك به: إذا قتله من حيث يراه، وهو غارّ غافل غير مستعد. ويقال: قد غال فلانا كذا وكذا، إذا وصل إليه منه شر، قال الشمردل بن شريك اليربوعي يرثي أخاه أبيّا:
فأصبح بيت الهجر قد حال دونه ... وغال امرءا ما كان تخشى غوائله
أي: وصل إليه الشر من حيث لا يعلم فيستعد. ويقال: قد اغتاله. إذا فعل به ذلك، قال الشاعر:
وما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأوّل الأوّل (4)
أي: توصل إلينا شرّا، وتعدمنا عقولنا. وقال الله عز وجل: {لََا فِيهََا غَوْلٌ} (5)، أراد بالغول: الشر، وذهاب العقل. وإنما سميت الغول التي تغول في الفلوات غولا، لما
__________
(1) ربيع بن ضبيع الفزاري في نوادر أبي زيد 159، والمعمرون 9.
(2) سورة آل عمران: آية 119.
(3) أخل به ديوانه (طبعة دمشق). وهو في شعره: 265 (طبعة بغداد).
(4) بلا عزو في الأضداد 163.
(5) سورة الصافات: آية 47.(1/598)
توصله إلى الناس من الشر، ويقال: إنما سميت غولا لتلونها، واختلاف أحوالها، يقال: قد تغوّلت بالقوم الأرض، إذا أرتهم بصور مختلفة، قال الكميت يذكر الإبل:
شعث مداليج قد تغوّلت ال ... أرض بهم فالقفاف فالكثب
وقال الآخر (1):
هي الغول والسعلاة حلقي منهما ... مخدّش ما فوق التراقي مكدّح
وقولهم: قد حلم الأديم
قال أبو بكر: معناه: قد تثقّب وفسد، فما يستقيم أن يدبغ. ويضرب هذا مثلا عند ذهاب الأمر وفساده وانتشاره. حدثني أبي قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضّل قال: سابّ خالد بن معاوية ابن سنان بن جحوان بن عوف بن كعب بن عبد شمس بن سعد بن عثم، هو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة، عند النعمان بن المنذر، فقال خالد يرجز بهم:
دوموا بني عثم ولن تدوموا ... لنا ولا سيّدكم مدحوم
المدحوم: المدفوع، يقال: دحمه إذا دفعه، والمعنى: ولا سيدكم مدحوم يدوم لنا.
إنّا سراة وسطنا قروم ... قد علمت أحسابنا تميم
في الحرب حين حلم الأديم فصار قوله: حلم الأديم، مثلا: وقال خالد يرجز بهم:
إنّ لنا يا آل عثم علما ... أستاه آم يعترين لحما
أفواه أفراس أكلن هشما
يخبر أنهن يتبذّلن، ولا يصنّ أنفسهنّ، وأنهنّ فواجر قذرة فروجهن. وقوله: أكلن هشما، معناه: هن بخر.
إذا لقينا أنفحيّا وخما ... منهم طويلا في السماء ضخما
لا يحتر النازل إلّا لطما
__________
(1) لم أقف عليه.(1/599)
أنفحيا: عظيما سمينا. وقال الفراء: أنفحيا. بالحاء. أمّه نفحة بنت الأضبط بن قريع. وقوله: لا يحتر، معناه: لا يعطي، والحتر: العطاء، فكأنه قال: يجعل قرى النازل لطمة.
تركتهم خير قويس سهما
فصار قوله: تركتهم خير قويس سهما، مثلا. قال ابن الأعرابي: معناه: تركتهم خير الأشرار، أي: لمّا هجوت الرؤساء صاروا أذلّة، فكيف بغيرهم؟ وقال الفراء: معناه:
استقاموا لي، وقد كان خالد عقر بهم. وقال الأصمعي: رجعوا إلى الحال الحسنة. وقال أحمد بن عبيد: معناه: ليّنتهم وأذللتهم. وقال خالد يرجز بالمنذر بن فدكي عند النعمان ابن المنذر، وكان المنذر بن فدكي سيد بني عثم:
فأين عينا المنذر بن فدكي ... عينا فتاة نقّطت أمس هدي
قوله: نقطت، معناه: زيّنت، والهدي: عروس تهدى إلى زوجها. وقال أحمد بن عبيد: شبهه بالنساء لتخنيثه، وأنه لا رجلة فيه، قال المفضل: ومع خالد أخوه، فاستعدى بنو عثم عليهم النعمان بن المنذر، فقال خالد للنعمان: أبيت اللعن، أنا أركب لهم وأخي ناقة، ونكتفل، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا، فأعجب ذلك النعمان وقال لهم: قد أعطاكم بحقكم، قالوا: قد رضينا، فقال النعمان: أما والله لتجدنّه ألوى بعيد المستمرّ، فأرسلها مثلا.
والألوى: المانع ما عنده، والمستمر: قد استمر عقله وحزمه. يضرب مثلا عند الرجل يكون كذلك. فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل، وتأخر خالد إلى العجز، وجعل وجهه من قبل الذّنب، وتقدم أخوه إلى الكنف، وجعل كل واحد منهما يدب بسيفه مما يليه، فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما. فجاء خالد إلى النعمان فقال له: أبيت اللعن، قد أعطيتهم بحقهم، فعجزوا عنه، فأقبل النعمان على جلسائه قال: أترون قومه كانوا يبيعونه بأبلخ جهول، فأرسلها مثلا، والأبلخ: المتكبر، ويضرب هذا عند المتكبر في نفسه، ولا يعرف الناس له ذاك، ولا قدر له عندهم. قال أبو بكر: وآم: جمع أمة، أنشدنا أبو العباس:
يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي ... إلّا عبيد وآم بين أذواد(1/600)
أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أو تعدوان فإنّ الريح للعادي (1)
وقولهم: قد تكفّلت بالشيء
قال أبو بكر: معناه: قد ألزمته نفسي، وأزلت عنه الضيعة والذهاب، وهو مأخوذ من الكفل، والكفل: ما يحفظ الراكب من خلفه. أخبرني أبي رحمه الله عن الطوسي عن أبي عبيد قال: الكفل: يجعل على ظهر البعير ليمنع الراكب من السقوط والوقوع.
وإنما سمي الحظ كفلا لمنفعته، قال الله عز وجل: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} (2)، أراد: حظّين ونصيبين. وقال في غير هذا الموضوع: {مَنْ يَشْفَعْ شَفََاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهََا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفََاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهََا} (3)، أراد:
بالكفل: الحظّ، لأنه يمنع من غضب الله، كما يمنع كفل البعير الراكب من السقوط.
ويقال: رجل كفل، إذا كان لا يثبت على الخيل، وليس هو من الأول. ويقال: رجال أكفال، إذا كانوا كذلك، قال جرير (4):
ما كنت تلقى في الحروب فوارسي ... عزلا إذا ركبوا ولا أكفالا
العزل: الذين لا سلاح معهم.
وقولهم: رجل حلقي
قال أبو بكر: أخبرني أبي رحمه الله عن أحمد بن عبيد قال: الحلقي: الذي في ذكره فساد لا يصل من أجله إلى أن ينكح، لكنه ينكح هو، وقال: هو مأخوذ من قول العرب: قد حلق الحمار يحلق حلقا، إذا أصابه داء في قضيبه، فربما خصي فبرأ، وربما مات، وأنشدني أبي رحمه الله عن الطوسي عن أبي عبيد:
__________
(1) للسليك بن السلكة في اللسان (أما).
(2) سورة الحديد: آية 28.
(3) سورة النساء: آية 85.
(4) ديوانه 59وفيه: ميلا إذا(1/601)
خصيتك يا ابن حمزة بالقوافي ... كما يخصى من الحلق الحمار (1)
وقولهم: أنجز حرّ ما وعد
قال أبو بكر: ظاهره ظاهر الإخبار بالمضي، ومعناه معني الأمر بالاستقبال، أي:
لينجز الحر ما وعده، وأخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضّل قال: كان مرباع بن حنظلة في الجاهلية في زمن صخر بن نهشل بن دارم فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المرار: هل لك أن أدلّك يا صخر على غنيمة على أنّ لي خمسها؟ قال: نعم. فدلّه على ناس من أهل اليمن. فأغار عليهم صخر بقومه، فظفر وغنم، وملأ يديه وأيدي أصحابه من الغنائم.
فقال له الحارث: أنجز حرّ ما وعد، أي: لينجز الحر ما وعد، فأرسلها مثلا. ويضرب هذا القول مثلا عند المطالبة بإنجاز الموعود والوفاء به. فأراد صخر قومه على أن يعطوه ما جعل للحارث، فأبوا ذلك عليه. وكان طريقهم ثنيّة متضايقة يقال لها: شجعات، فلما دنا القوم منها سار إليها صخر حتى وقف على رأسها وقال: أزمت شجعات بما فيهن، لا يجوزنّ أحد بذمة صخر، فقال الحمّرة بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع: والله لا نعطيه من غنيمتنا شيئا، ومضى في الثنية فحمل عليه صخر فقتله. فلما رأى ذلك الجيش أعطوه جميعا الخمس، ففي ذلك يقول نهشل بن حرّيّ بن جابر ابن ضمرة بن قطن بن نهشل بن دارم:
ونحن منعنا الجيش أن يتأوّبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري
حبسناهم حتى أقرّوا بحكمنا ... وأدّي أنفال الخميس إلى صخر
وقولهم: لو ترك القطا لنام
قال أبو بكر: يضرب مثلا عند الرجل يؤمر بترك ما لا يصل إلى تركه مما هو مؤذ له. وأول من قاله علباء بن الحارث أحد بني كاهل، وذلك أن الحارث بن عمرو الملك
__________
(1) بلا عزو في اللسان (حلق).(1/602)
جد امرئ القيس كان فرق ولده في قبائل من العرب، وملكهم عليهم، فكان حجر أبو امرىء القيس في بني أسد وغطفان. وكان شرحبيل، وهو عم امرئ القيس هو قتيل الكلاب الأول، في بني بكر بن وائل وفي بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن عمرو بن تميم، وفي بني أسيد بن عمرو بن تميم، وفي طوائف من بني عمرو ابن تميم، وكان معدي كرب، وهو غلفاء، وإنما سمي غلفاء لأنه كان يغلف رأسه، وفي بني ثعلبة والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة، وطوائف من بني دارم بن حنظلة، والصنائع، وهم بنو رقبة، قوم كانوا يكونون من سدّان العرب، وسدّان: ما تفرق. وعبد الله على عبد القيس.
وسلمة على قيس. فلما هلك الحارث أو قتل، وقد اختلف في ذلك، تفرّق أمر ولده وتشتت، واختلفت كلمتهم ومشت الرجال بينهم وعدت بنو أسد على حجر بن الحارث فقتلوه، وكان ابنه امرؤ القيس غائبا عنه، وإنما كان يكون في مواليه وحشمه.
وذكر ابن الكلبي: أنه قاتلهم بمن معه، فلما كثروا عليه ورأى أنهم غلبوه بالكثرة قال: أما إذا كان هذا من أمركم فإني مرتحل عنكم ومخليكم وشأنكم، فوادعوه على ذلك.
ومال حجر، مع قيس بن خدّان أحد بني ثعلبة، فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل، فقال: يا خالد اقتل صاحبك لا يفلت فيعرك وإيانا بشرّ، فجعل خالد يمتنع، ومرّ علباء بقصدة رمح مكسورة، فأخذها فطعن بها خاصرة حجر، وهو غافل، فقتله، ففي ذلك يقول الأسدي (1):
وقصدة علباء بن قيس بن كاهل ... منيّة حجر في جوار بن خدّانا
فتفرق الناس، وأقبل امرؤ القيس في جموع من اليمن إلى بني أسد، وتقصد لعلباء، ولا يعلم الناس به. فلما كانت الليلة التي يصبحهم فيها بادر أن يخبروا، فسار مسرعا، فجعل القطا ينفر من مواضعه، فيمر على علباء، وكان منكرا فجعلت ابنته تقول: ما رأيت كالليلة ذات قطا، فيقول لها علباء: لو ترك القطا لنام، فأرسلها مثلا.
ثم قال: ارتحلوا، فارتحلوا، وصبّحهم امرؤ القيس، فألفى بني كنانة في ديارهم، فأوقع بهم، وهو يظن أنهم بنو أسد، فلما عرفهم كفّ عنهم، وقد قتل منهم جماعة،
__________
(1) لم أقف عليه.(1/603)
وقال في ذلك (1):
ألا يا لهف نفسي إثر قوم ... هم كانو الشفّاء فلم يصابوا
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وأفلتهنّ علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب (2)
ثم مضى إلى اليمن مستمدّا، وأقبل بجموع من اليمن وربيعة، وأنشأ يقول (3):
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا
تالله لا يذهب شيخي باطلا ... يا خير شيخ حسبا ونائلا
وخيرهم قد علموا شمائلا ... يحملننا والأسل النواهلا
نحن جلبنا القرّح القوافلا ... مستفرمات بالحصى جوافلا (4)
تستنفر الأواخر الأوائلا ... حتى أبير مالكا وكاهلا (5)
فأغار على بنى أسد، فقتل في بطون منهم مقتلة عظيمة، وقتل علباء وأهل بيته، وألبسهم الدروع والبيض محماة، وكحّل أعينهم بالنار، وقال في ذلك (6):
يا دار سلمى دارسا نؤيها ... بالرمل فالخبتين من عاقل
صمّ صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
قولوا لبوصان عبيد العصا ... ما غرّكم بالأسل الباسل
قد قرّت العينان من مالك ... طرّا ومن عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ ... يقذف أعلاهم على السافل
__________
(1) ديوانه 138. وفيه: يا لهف هند.
(2) الجريض: الذي يغص بريقه عند الموت. وصفر الوطاب، أي: هلك فخلا جسمه من روحه.
(3) ديوانه 134و 418مع خلاف في ترتيب الأبيات. والرواية: يا لهف هند. والحلاحل:
السيد الشريف.
(4) القرح القوافل: يعني الخيل المسنة الضامرة. ومستفرمات بالحصى: يعني أنها تسرع في السير، فتقرع الحصى بحوافرها، فيصير إلى فروجها. والجوافل: السراع.
(5) في الديوان: تستثفر. وأبير: أهلك. ومالك وكاهل: من بني أسد.
(6) توزعت هذه الأبيات في قصيدتين من ديوانه، القصيدة (16) في ص 121119، والقصيدة (55) في ص 258255.(1/604)
حتى تركناهم لدى معرك ... أرجلهم كالخشب الشائل
جئنا بها شهباء ملمومة ... مثل بشام القلّة الحافل
فهنّ أرسال كمثل الدّبي ... أو كقطا كاظمة الناهل
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لأمين على نابل
حلّت لي الخمر وكنت امرأ ... عن شربها في شغل شاغل
فاليوم فأشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
وقولهم: ماء ولا كصدّاء
قال أبو بكر: يضرب مثلا عند الرجل يراد بهذا القول له: إن فيك لمقنعا ولست كفلان. وأخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر العبدي، وأحمد بن عبيد قالا:
حدثنا ابن الأعرابي عن المفضّل قال: رأى زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم ابن مالك بن حنظلة ابنه لقيط بن زرارة يوما مختالا، فقال: والله إنك لتختال، كأنّك أصبت ابنة قيس بن خالد ذي الجدّين الشيباني، ومائة من الإبل من هجائن المنذر بن ماء السماء، فقال لقيط: فإن لله عليّ أن لا يمسّ رأسي غسل، ولا أشرب خمرا، حتى أجيء بابنة قيس بن خالد، وبمائة من هجائن المنذر، أو أبلى في ذلك عذرا.
وسار حتى أتى قيسا، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكانت على قيس يمين لا يخطب إليه أحد علانية إلا أصابه بشرّ، وسمع به. فلما أتاه لقيط وجده جالسا مع أصحابه فسلم عليه وعليهم، وخطب إليه ابنته، فقال له: من أنت؟ قال: أنا لقيط ابن زرارة. قال: ما حملك على أن تخطب إليّ علانية؟ قال: لأني قد علمت أني إن أعالنك لا أشنك، وأن أناجك لا أخدعك، قال: كفء كريم، لا جرم، والله لا تبيت عندي عزبا ولا محروما.
ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيط بن زرارة القذور بنت قيس، فاصنعيها حتى يبيت بها، ففعلت وساق عنه قيس، وابتنى لقيط بها، وأقام فيهم ما شاء الله أن يقيم، ثم احتمل بأهله إلى المنذر بن ماء السماء فذكر له ما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، فانصرف إلى أبيه بابنة قيس، وبمائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطا لما أراد أن يرتحل بابنة قيس إلى أهله قالت: آتي أبي فأسلّم عليه وأوّدعه ويوصيني، ففعلت، وأوصاها
فقال: أي بنيّة كوني له أمة يكن لك عبدا، وليكن أطيب طيبك الماء، واعلمي أن زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإذا كان ذلك فلا تخمشي وجهك، ولا تحلقي شعرك. فحملها إلى أهله.(1/605)
ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيط بن زرارة القذور بنت قيس، فاصنعيها حتى يبيت بها، ففعلت وساق عنه قيس، وابتنى لقيط بها، وأقام فيهم ما شاء الله أن يقيم، ثم احتمل بأهله إلى المنذر بن ماء السماء فذكر له ما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، فانصرف إلى أبيه بابنة قيس، وبمائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطا لما أراد أن يرتحل بابنة قيس إلى أهله قالت: آتي أبي فأسلّم عليه وأوّدعه ويوصيني، ففعلت، وأوصاها
فقال: أي بنيّة كوني له أمة يكن لك عبدا، وليكن أطيب طيبك الماء، واعلمي أن زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإذا كان ذلك فلا تخمشي وجهك، ولا تحلقي شعرك. فحملها إلى أهله.
فلما أصيب احتملت إلى أهلها، وقالت: يا بني عبد الله أوصيكم بالغرائب شرا، فوالله ما رأيت مثل لقيط، لم يخمش عليه وجه، ولم يحلق عليه رأس، ولولا أني غريبة لفعلت فخمشت وحلقت. وتزوجها رجل من قومها، فجعل يسمعها تذكر لقطيا وتكثر، فقال لها: أيّ شيء رأيته من لقيط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دجن، وقد تطيّب، وشرب، وصرع البقر، فأتاني وبه نضح الدماء والطيب، فضممته ضمّة، وشممته شمّة، فوددت أني كنت متّ ثمّة، فما رأيت منظرا كان أحسن من لقيط يومئذ.
فسكت، حتى إذا كان يوم دجن تطيب، وشرب، وركب، وصرع البقر، وجاءها وبه نضح الدماء والطيب وريح الخمر، فضمته إليها، فقال لها: أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصدّاء. فأرسلتها مثلا. قال: وصداء: بئر ليس في الأرض ماء أطيب من مائها، وهي مشهورة وقد ذكرتها الشعراء في أشعارها، قال ضرار بن عتبة السعدي (1):
فإنّي وتهيامي بزينب كالذي ... يخالس من أحواض صدّاء مشربا
يرى دون برد الماء هولا وذادة ... إذا جاء صاحوا قبل أن يتحبّبا
قوله: قبل أن يتحببا، معناه: قبل أن يمتلئ، كما قال الآخر:
حتى إذا ما غيرها تحبّبا (2)
قال أبو بكر: الماء يرتفع بإضمار هذا، ويجوز: ماء ولا كصداء، على معنى: أرى ماء. قال جميل (3):
فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي ... قولي محبّك هائما مخبولا
أراد: هذا محبك. وقال الآخر:
__________
(1) أمثال العرب 21.
(2) لم أقف عليه.
(3) أخل به شعره.(1/606)
أأنت الهلاليّ الذي كنت مرة ... سمعنا به والأرحبيّ المعلّف (1)
أراد: وهذا الأرحبي. وأما النصب فأكثر ما يستعمل مع الاستفهام كقولهم: أقائما والناس قد قعدوا، أساكتا والناس قد تكلّموا، على معنى: أراك ساكتا، أتكون ساكتا.
وقد سمعوا في غير الاستفهام: راكبها علم الله، حاملها علم الله، على معنى: أراك راكبها. والهجائن: واحدها هجان، والهجان أيضا: الكريم. والعزب: الذي لا امرأة له، والأنثى عزبة. ومن العرب من يقول: رجل أعزب، وهو قليل ردي. قال ذو الرمة (2) في اللغة العليا:
تجلو البوارق عن مجرمّز لهق ... كأنّه متقبّي يلمق عزب
وقال الآخر في اللغة الشاذة:
أقبل في ثوبي معافريّ ... بين اختلاط الليل والعشيّ
وبصرت بأعزب بهيّ ... غرّ جنابيّ جميل الزّيّ (3)
وقولهم: فلان ظنين
قال أبو بكر: معناه متّهم، من قول العرب ظننت الشيء، إذا اتهمته، ومن قولهم:
قد سبقت إليه الظّنة، أي: التهمة، قال الشاعر:
إنّ الحماة أولعت بالكنّه ... وأبت الكنّة إلّا ظنّه (4)
وقال الطرماح (5):
فما للنّوى لا بارك الله في النوى ... وهمّ لنا منها كهمّ المراهن
تباعد منا من نحبّ اجتماعه ... وتجمع منّا بين أهل الظنائن
__________
(1) نسب إلى حميد في الصاحبي 2333، وليس في ديوانه، وهو من غير نسبة في البحر 1/ 24.
(2) ديوانه 87. والبوارق: السحابات. وعن مجرمز: عن ثور قد انقبض مما أصابه من المطر والبرد، ولهق: أبيض. ومتقبي: لابس قباء، واليلمق: القباء المحشو، وهو فارسيّ معرب.
(3) لم أقف عليها.
(4) بلا عزو في أضداد أبي حاتم 78. وفي ك: إلا الظنه.
(5) ديوانه 474وفيه: تفرق منا.(1/607)
الظنائن: جمع الظّنة. ويكون الظنين أيضا: الضعيف، وأصله ظنون، من قول العرب: وصل فلان ظنون، إذا كان ضعيفا. وبئر ظنون، إذا كانت لا يوثق بمائها. قال الشماخ (1):
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطّرح الظّنون
فصرف عن ظنون إلى ظنين، كما قالوا: ماء شروب وشريب، للذي بين الملح والعذب، وناقة طعوم وطعيم، للذي بين الغثّة والسمينة. قال الشاعر في المعنى الأول:
وأعصي كلّ ذي قربى لحاني ... بحبّك فهو عندي كالظّنين (2)
وقولهم: هذا أحبّ إليّ من حمر النّعم
قال أبو بكر: النعم: الإبل، وحمرها: كرامها وأعلاها منزلة. والنعم في قول بعضهم لا يقع إلا على الإبل، والأنعام: تقع على الإبل والبقر والغنم، فإذا انفردت الإبل قيل لها: نعم وأنعام، وإذا انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم ولا أنعام. وقال آخرون:
النّعم والأنعام بمعنى واحد، أنشدنا أبو العباس:
أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه (3)
وقال الله عز وجل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعََامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمََّا فِي بُطُونِهِ} (4)، فذكر الهاء لأنه حمل الأنعام على معنى النّعم، كما قال الشاعر:
بال سهيل في الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللقاح وبرد (5)
أراد: وطاب لبن اللقاح. وقال الآخر (6):
فإن تعهدي لامرىء لمّة ... فإنّ الحوادث أزرى بها
__________
(1) ديوانه 319. وطوالة: موضع.
(2) بلا عزو في الأضداد 16.
(3) لقيس بن حصين في المقاصد النحوية 1/ 530، والخزانة 1/ 197.
(4) سورة المؤمنون: آية 21.
(5) الأول فقط بلا عزو في اللسان (فضخ)، والفضيخ: عصير العنب.
(6) الأعشى، ديوانه 120وفيه: فإن تعهديني ولي ألوى بها.(1/608)
أراد: فإنّ الحدثان أزرى بها. وقال الآخر:
ألا إنّ جيراني العشيّة رائح ... دعتهم دواع من هوى ومنادح (1)
وقال الآخر (2):
فميّة أحسن الثقلين خدّا ... وسالفة وأحسنه قذالا
أراد: أحسن شيء خدا، وأحسنه قذالا.
وقولهم: قد أكل عصيدة
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سميت العصيدة عصيدة، لأنها تلوى وتجذب.
يقال: عصد الرجل يعصد، إذا لوى عنقه ومال للموت، قال ذو الرمة (3):
إذا الأروع المشبوب أضحى كأنّه ... على الرّحل مما منّه السير عاصد
الأروع: الذي يروع جماله الناظرين، والمشبوب: البديع الجمال، ومنّه: ذهب بمنّته. ويروى: إذا الناشيء الغرّيد. فالناشيء: أراد به الحدث الشاب، والغرّيد: الذي يغرّد بغنائه أي: يطرب، قال عنترة (4):
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشّارب المترنّم
وقولهم: هذا كرم فلان
قال أبو بكر: إنما سمي الكرم كرما، لأن الخمر المشروبة من عنبه تحثّ على السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق، فاشتقّوا لها اسما من الكرم، أعني الكرم الذي يتولّد منه، ولذلك نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أن يسمّى كرما. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال:
حدثنا محمود بن غيلان، وهاشم بن الوليد قالا: حدثنا النضر بن شميل عن عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تسمّوا العنب الكرم إنّما
__________
(1) بلا عزو في شرح القصائد السبع 306. والمنادح: المفاوز.
(2) ذو الرمة، ديوانه 1521، والسالفة: صفحة العنق. والقذال: أعلى كل شيء.
(3) ديوانه 1112.
(4) ديوانه 197وفيه افترى الذباب هزجا.(1/609)
الكرم، الرجل المسلم» (1). وحدثنا على بن محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا عبد الله ابن عبد الوهاب الحجبي قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: «لا تسموا العنب الكرم إنّما الكرم، قلب المؤمن» (2). قال أبو بكر:
فكأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كره أن يسمّى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن أحق بهذا الاسم الحسن. قال الشاعر (3):
ولقيت ما لقيت معدّ كلّها ... وفقدت راحي في الشباب وخالي
ويقال: في الرجل أريحيّة، ورجل أريحيّ، إذا كان سخيا، سريعا إلى العطاء والبذل، قال الشاعر:
شديد الأسر يحمل أريحيّا ... أخا ثقة إذا الحدثان نابا (4)
ويقال للكرم: الجفنة، والحبلة، والزّرجون، أنشدنا أبو العباس لأبي دهبل (5):
وقباب قد أشرجت وبيوت ... نطقت بالريحان والزّرجون
والحبلة بضم الحاء، ضرب من الحليّ يجعل في القلائد، قال الشاعر (6):
ويزينها في النّحر حلي واضح ... وقلائد من حبلة وسلوس
السلوس: جمع سلس، والسّلس: خيط ينظم في الخرز، والكرم، في غير هذا، ضرب من الحليّ، قال الشاعر، يهجو امرأة:
إذا هبطت جوّ المراغ فعرّست ... طروقا وأطراف التوادي كرومها
التوادي جمع تودية: وهي ما تشدّ بها أخلاف الناقة. فأخبر أنها إذا حلبت الإبل، ألقت التوادي على عنقها، فاختلطت بقلائدها وحليّها، وقامت مقام الحليّ، إذا لم يكن لها حلي.
__________
(1) النهاية 4/ 167.
(2) لم أقف عليه.
(3) الجميع بن الطماح في اللسان (روح). والخال: الاختيال.
(4) لم أقف عليه. والأسر: الخلق.
(5) ديوانه 71.
(6) عبد الله بن سليم في اللسان (سلس، حبل).(1/610)
وقولهم: قد خدع فلان فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد أظهر له أمرا أضمر خلافه من الفساد، وما يشاكل الفساد من الأفعال المذمومة، وهو مأخوذ من الخدع، والخدع: الفساد. أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الخادع عند العرب: الفاسد من الطعام وغيره، وأنشد:
أبيض اللّون لذيذا طعمه ... طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع (1)
أي: فسد. وقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنََافِقِينَ يُخََادِعُونَ اللََّهَ وَهُوَ خََادِعُهُمْ} (2)، مشاكل لما وصفنا، أي: يظهرون الإيمان ويضمرون الكفر، فيغيّب الله عز وجل عنهم غير الذي يظهر لهم، لأنه تعالى يظهر لهم النعم، ويرزقهم الأموال والأولاد، ويحسن لهم الحال، ويغيّب عنهم ما قد أوجبه عليهم، وحكم به من عذاب الآخرة. فجازاهم بمثل فعلهم، وغيّب عنهم خلاف الذي أظهر لهم، كما أضمروا هم وغيّبوا خلاف الذي أظهروا وأعلنوا. وقد يقال: إن معنى قوله: وهو خادعهم، وهو مجازيهم على المخادعة، فسمي الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء، كما قال عز وجل: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (3)، فأخبر عن نفسه بالعجب، وهو يريد: بل جازيتهم على عجبهم من الحق، فسمّى فعله باسم فعلهم، وقد أخبر عز وجل عنهم في غير موضع بالعجب من الحق فقال: {أَكََانَ لِلنََّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنََا إِلى ََ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النََّاسَ} (4)، وقال تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} (5)، وحكي عنهم أنهم قالوا: إن هذا لشيء عجاب، فسمى فعله عجبا، وليس بعجب في الحقيقة، إذ كان المتعجب يدهش ويتحير، والله عز وجل، وهو خادعهم، وهو معاقبهم، ومعنى قوله: بل عجبت، بل عظّمت ثوابهم وجزاءهم، فسمى المعاقبة خداعا، لأن الخادع غالب، والغالب قادر على المعاقبة. وسمى تعظيم الثواب عجبا لأن المتعجّب من الناس، إنما
__________
(1) لسويد بن أبي كاهل، ديوانه 24.
(2) سورة النساء: آية 142.
(3) سورة الصافات: آية 12.
(4) سورة يونس: آية 2.
(5) سورة ق: آية 2.(1/611)
يتعجب من الشيء إذا كان في النهاية من المعنى الذي بلغه ووصل إليه. وكذلك هؤلاء الذين عجب الله عز وجل منهم لما بلغوا غاية من الفعل عظيمة عظم بها جزاؤهم، سمّى فعله عجبا على جهة التشبيه والمجاز. حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا الربيع وحماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «عجب ربّكم من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل» (1). وحدثني أبي قال:
حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنا مندل بن علي عن الأعمش عن شقيق قال:
قرأت عند شريح: «بل عجبت ويسخرون» فقال: أن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إنّ شريحا شاعر يعجبه علمه، وعبد الله أعلم منه، وكان يقرأ: = بل عجبت ويسخرون =، والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إذا داناه من بعض وجوهه، وإن كان مخالفا له في أكثر معانيه، من ذلك قول الصلتان يرثي المغيرة بن المهلب (2):
سبقت يداك له بعاجل طعنة ... سفهت لمنفذها أصول جوانح
شبّه خروج الدم بالسّفه، لأن السّفه: الخفّة وشدة الإسراع. وقال عدي بن زيد (3):
ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال
فجعل إهلاك الدهر وإفساده لعبا. وقال الآخر يصف السيف:
وأبيض موشيّ القميص عصبته ... على ظهر مقلات سفيه جديلها
فشبه اضطراب الجديل وتحركه بالسّفه. وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان يصف قدرا، نصبها للأضياف:
لها أزير يزيل اللحم أرمله ... عن العظام إذا ما استحمشت غضبا
فشبه التهابها بالغضب. قال أبو بكر: هذا كله معروف في المجاز والاختصار.
__________
(1) النهاية 2/ 389.
(2) المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، ت 82هـ. (وفيات الأعيان 5/ 354، الخزانة 4/ 192).
(3) أخل به ديوانه. وهو له في الأغاني 2/ 135، وزاد المسير 7/ 50.(1/612)
وقولهم: القوم ظلمة حاشا فلانا
قال أبو بكر: معنى حاشا في كلام العرب: أعزل فلانا من وصف القوم بالحشا، وأعزله بناحية فلا أدخله في جملتهم. ومعنى الحشا في كلامهم: الناحية والجانب، قال الشاعر (1):
يقول الذي أمسى إلى الحرز أهله ... بأيّ الحشا أمسى الخليط المباين
وقال النابغة (2):
وما أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
ويقال: حاشا لفلان، وحاشا فلانا، وحاشا فلان، وحشا فلان، قال عمر بن أبي ربيعة (3):
من رامها حاشى النبيّ وآله ... في الفخر غطمطه هناك المزبد
وقال الآخر (4):
حاشا أبي ثروان إنّ به ... ضنّا عن الملحاة والشتم
وأنشد الفراء:
حشا رهط النبي فإنّ منهم ... بحورا لا تكدّرها الدّلاء
فمن قال: حاشا لفلان، خفض فلانا باللام الزائدة، ومن قال: حاشا فلانا، أضمر في حاشا مرفوعا، ونصب فلانا بحاشا، والتقدير: حاشا فعلهم فلانا. ومن قال: حاشا فلان، خفض فلانا بإضمار اللام لطول صحبتها حاشا، ويجوز أن يخفضه بحاشا، لأن حاشا لّما خلت من الصاحب، أشبهت الاسم، فأضيفت إلى ما بعدها، ومن العرب من يقول: حاش لفلان، فيسقط الألف التي بعد الشين. وقد قرئ هذا الحرف في كتاب الله
__________
(1) في نسبته خلاف، فهو للمعطل الهذلي في ديوان الهذليين 3/ 45. ولمالك بن خالد في شرح أشعار الهذليين 1/ 446، وللهذلي ربيعة بن جحدر في جمهرة اللغة 3/ 233. والحرز:
الموضع الحصين.
(2) ديوانه 13.
(3) ديوانه 491وفيه: من ذاقها غطغطه الخليج المزبد.
(4) سبرة بن عمرو الأسدي في اللسان (حشا).(1/613)
عز وجل بالوجهين جميعا: {وَقُلْنَ حََاشَ لِلََّهِ} (1) وحاشا لله، ومعناهما واحد.
وقولهم: رجل مجذوم وقولهم: القوم ظلمة حاشا فلانا
قال أبو بكر: المجذوم معناه في كلام العرب: المقطوع بعض اللحم وبعض الأعضاء. يقال: جذمت الشيء أجذمه جذما، إذا قطعته. ويقال: قد جذم فلان وصل فلان، إذا قطعه. ويقال: جذمت اليد تجذم جذما، إذا انقطعت. ورجل أجذم، إذا كان مقطوع اليد. حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا يوسف بن موسى (2) قال: حدثنا جرير (3) وابن فضيل (4)، عن يزيد بن أبي زياد (5)، عن عيسى بن فائد (6). قال: حدثنا فلان (7) عن سعد بن عبادة (8) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من أحد حفظ القرآن ثم نسيه إلا لقي الله عز وجل أجذم» (9). قال أبو عبيد: الأجذم: المقطوع اليد، واحتج بقول المتلمس (10):
فهل كنت إلا مثل قاطع كفّه ... بكفّ له أخرى فأصبح أجذما
وقال أبو عبيد (11) حدثني يزيد (12) عن شريك (13) عن أبي إسحاق (14) عن علي
__________
(1) سورة يوسف: آية 31. وينظر في قراءات هذه الآية: السبعة 348، والمحتسب 1/ 341.
(2) يوسف بن موسى القطان، ت 253هـ. (تهذيب التهذيب 11/ 425).
(3) جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، ت 188هـ. (تهذيب التهذيب 2/ 76).
(4) محمد بن فضيل بن غزوان، 195هـ. (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 450).
(5) يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي، ت 136هـ. (طبقات ابن خياط 382).
(6) أمير الرقة. (تهذيب التهذيب 8/ 227، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 320).
(7) يقال: إنه عبادة بن الصامت. (تهذيب التهذيب 8/ 227).
(8) سعد بن عبادة الخزرجي، ت 14هـ. (طبقات ابن خياط 216و 776، خلاصة الكمال 1/ 369).
(9) غريب الحديث 3/ 48وفيه: وهو أجذم.
(10) ديوانه 32وفيه: وما كنت.
(11) غريب الحديث 3/ 48.
(12) يزيد بن هارون بن وادي، سلفت ترجمته.
(13) شريك بن عبد الله النخعي، ت 177هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 333، خلاصة تذهيب الكمال 1/ 448).
(14) أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله، ت 127هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 63، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 290).(1/614)
ابن ربيعة (1) عن علي رضي الله عنه قال: «من نكث ببيعته لقي الله أجذم ليست له يد». وقال ابن قتيبة: معنى الحديث: لقي الله مجذوما. ورد على أبي عبيد قوله، وقال:
اليد ليس لها ذنب في نسيان القرآن، وإنما يعاقب ناسي القرآن بالجذام، لأن القرآن كان يدفع عن جميع جسده العاهات، فلما نسيه، أصابه الداء الذي يفسد جميع جسده، لتكون العقوبة على حسب الذنب، كما عوقب اللسان بالقطع، وكما عوقب الخطباء المذمومون بتقريض الشفاه في النار. وغير هذا مما يطول تعديده. وقول أبي عبيد هو الصواب عندي، وقول ابن قتيبة خطأ من ثلاثة أوجه: أحدهن الحديث الذي فسّر فيه الأجذم: الذي ليست له يد، وقد تقدم ذكره. والحجة الثانية: أن العقاب لو كان لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية، لم يعاقب الزاني بالنار في الآخرة، وبالجلد والرجم في الدنيا، لأنه إذا جلد ظهره، كان غير العضو الذي باشر المعصية، وكذلك إذا أحرقت النار يديه ورجليه، أحرقتهن وهن غير مباشرات للزنا، ومثل هذا كثير. والحجة الثالثة:
قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة بهما» (2). أي: يحشرون أصحّاء الأجسام، لخلود الأبد، إما في الجنة وإما في النار، ليست بهم عاهة من عمى ولا جذام ولا برص، هذا تفسير أبي عبيد. وقد اعترف ابن قتيبة بصحته. فمن علم أن الناس يحشرون أصحاء من العاهات، كيف يخبر أن ناسي القرآن يحشر مجذوما، والجذام من أعظم العاهات؟
فإذا احتج علينا بأن انقطاع اليد عاهة، احتججنا عليه بأن اليد يراد بها الحجة، أي: بلقاء الله تعالى أقطع الحجة، ويده في ذاتها صحيحة. والعرب تسمي الحجة في المجاز يدا فتقول: الصحيح اليد، ويقول الرجل لمخاطبه: قطعت يدي ورجلي، أي: ذهبت بحجتي وما أعول عليه. ومنه قولهم: ما لي بهذا يد ويدان، أي: ما لي به تمسك وثبات، قال عروة بن حزام (3):
تحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها ... وما لي بزفرات العشيّ يدان
__________
(1) علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي. (تهذيب التهذيب 7/ 320، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 248).
(2) النهاية 1/ 167. وفيه (يحشر عراة حفاة بهما).
(3) شعره: 20.(1/615)
وقولهم: رجل أجنبيّ
قال أبو بكر: معناه: غريب، ليست بينه وبين المذكور قرابة. يقال: رجل جنب وجانب وأجنبي، إذا كانت هذه صفته. ويقال: ما يزورنا فلان إلا عن جنابة، يراد: عن بعد. وكذلك قيل للغريب: أجنبيّ، لبعده عن وطنه. قال الله عز وجل:
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} (1)، أراد: عن بعد. وقال عز وجل: {وَالْجََارِ ذِي الْقُرْبى ََ وَالْجََارِ الْجُنُبِ وَالصََّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (2)، فأراد بالجنب ما وصفناه.
والصاحب بالجنب: في تفسيره قولان: أحدهما الرفيق في السفر، والآخر: المرأة. وابن السبيل: الضعيف، وقال الشاعر:
ما كان يشقى بهذا غير مغترب ... حاد ولا الجار ذو القربى ولا الجنب
وقال الآخر:
ما ضرها لو غدا بحاجتنا ... غاد قريب أو زائر جنب
وقال الآخر:
أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا
وقولهم: هم في غمرات الموت
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت الغمرات غمرات، لأن أهوالها يغمرن من يقعن به، من ذلك قولهم: دخل في غمار الناس، أي: في كثرتهم وسترهم. وواحد الغمرات:
غمرة، وفتحت الميم في الجمع، لأن سبيل فعلة إذا كانت اسما أن تجمع بالتحريك، كقولهم: نخلة ونخلات وضربة وضربات. ومن الغمرات قولهم: قد غمر الماء اللبن، إذا غلب عليه، وستر أكثر صورته. ويقال في جمع الغمرة أيضا: غمار. ويجوز أن يقال:
غمرات الموت، على لغة من يقول: نخلة ونخلات، وضربة وضربات، أنشد الفراء:
علّ صروف الدهر أو دولاتها ... يدللننا اللمّة من لّماتها
__________
(1) سورة القصص: آية 11.
(2) سورة النساء: آية 36.(1/616)
فتستريح النفس من زفراتها (1)
قال أبو بكر: علّ معناه: لعل، قال الأضبط بن قريع (2):
ولا تعاد الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
أراد: لعلك. وتركع معناه: تخضع، سمي الراكع راكعا لخضوعه لله عز وجل.
وقولهم: قد نصرت فلانا
قال أبو بكر: معناه: قد نفعته وأوصلت إليه خيرا كأني أحييته به.
يقال: قد نصر المطر أرض بني فلان، إذا جادها وعمّها وأحياها، أنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدنا الطوسي للراعي (3):
إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي ... بلاد تميم وانصري أرض عامر
أراد: احييها بسقيك إياها. ويقال: قد نصرت الرجل، إذا وصلته بمال وأغنيته. قال أبو عبيدة: وقف أعرابي يسأل الناس فقال: من ينصرني نصره الله. يريد: من يصر إليّ بعض ماله. وفسّر قول الله عز وجل: {مَنْ كََانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللََّهُ فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} (4) على هذا المعنى، فقال: تقديره: من كان يظن أن لن يرزقه الله، وأن لن يتفضل عليه، فليصنع هذا الذي ذكره الله عز وجل، فجعل الهاء عائدة على (من). وقال الفراء: الهاء تعود على محمد صلّى الله عليه وسلم، ومعناها: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلّى الله عليه وسلم بإظهار الدين والغلبة، فليفعل هذا الذي ذكره، فلينظر أيذهب غيظه أم لا؟
وقولهم: قد وقعت في حبال فلان
قال أبو بكر: معناه: قد وقعت فيما يعلقني به، ويضطرني إلى الكينونة في ناحيته.
__________
(1) لم أقف عليها.
(2) الشعر والشعراء 383، والتمثيل والمحاضرة 60. وروايته المشهورة: لا تهن الفقير.
(3) شعره: 88.
(4) سورة الحج: آية 15.(1/617)
والحبل توقعه العرب على السبب، وما يوصف الرجل بالرجل تشبيها بالحبل المعروف، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللََّهِ جَمِيعاً وَلََا تَفَرَّقُوا} (1)، أراد: بعهده وما يصلكم به. وقال عز وجل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مََا ثُقِفُوا إِلََّا بِحَبْلٍ مِنَ اللََّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النََّاسِ وَبََاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ} (2)، أراد: ألا أن يعتصموا بعهد من الله، فأضمر الفعل، وأقام الحبل مقام العهد، وقال الشاعر:
فلو حبلا تناول من سليم ... لمدّ بحبلها حبلا متينا
أراد بالحبل: العهد. وقال الآخر (3):
وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها
أراد بالحبال: العهود، والسبب المذكور في القرآن هو الحبل، سماه الله عز وجل سببا، لأنه يوصل من تمسّك به إلى الأمر الذي يؤمّه. وكذلك الأسباب المعروفة، هي:
وصلات وأسباب تصل شيئا بشيء.
يقال: فلان سبب فلان، يراد به: موصله وعاقد الأمر بينه وبينه. قال الله عز ذكره: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبََابُ} (4)، فمعناه: الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا، وتنعقد المودّات بينهم من أجلها.
وقولهم: رجل واش
قال أبو بكر: في الواشي ثلاثة أقوال: أحدهن أنه سمي واشيا لاستخراجه الأخبار، وتوصله إلى معرفتها وإشاعتها، من قول العرب: فلان يستوشى الخبر إذا كان يستخرجه، قال الشاعر (5):
__________
(1) سورة آل عمران: آية 103.
(2) سورة آل عمران: آية 112.
(3) الأعشى، ديوانه 24.
(4) سورة البقرة: آية 166.
(5) ساعدة بن جؤية، ديوان الهذليين 1/ 203، وفيه: إذا ما نابهم فزع. والسنور: ما عمل من حلق الحديد من درع أو مغفر. والجذم: السياط.(1/618)
يوشونهنّ إذا ما آنسوا فزعا ... تحت السّنوّر بالأعقاب والجذم
أراد: يستخرجون ما عندهن من الجري بالأعقاب والجذم. وقال الآخر:
وصهباء يستوشي بذي اللبّ ميلها ... قرعت بها نفسي إذا الديك أعتما
تمزّزتها صرفا وقارعت دنّها ... بعود أراك هزّه فترنّما
الصهباء: عنى بها الخمر التي عصرت من عنب أبيض، ويوشي: يسخرج. قال جندل بن الراعي (1):
جنادف لاحق بالرأس منكبه ... كأنّه كودن يوشى بكلّاب
أي: يستخرج ما عنده من الجري. والقول الثاني: أن الواشي سمي واشيا لتحسسه الأخبار، وتجويده ما ينقل من الألفاظ والكلام، من قولهم: ثوب موشى، إذا كان محسّنا بما فيه من النقوش وغيرها، وإنما سمي الوشي من الثياب وشيا لهذه العلة.
والقول الثالث: أن الواشي سمي واشيا لأنه يجعل نفسه علامة للوصف بالقبيح، فأخذه من: وشيت الثوب، إذا جعلته علامة بما أصنعه فيه. قال الله عز وجل: {لََا شِيَةَ فِيهََا} (2)، معناه: لا علامة فيها، ولا لون يخالف لون سائر جلدها. وقال النابغة (3):
من وحش وجرة موشيّ أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
أراد بالموشيّ: المعلم بما فيه من الألوان المختلفة. ويقال: قد وشى يشي وشيا، إذا نمّم، فهو واش من قوم وشاة وواشين، قال كثير (4):
فيا عزّ إن واش وشاني عندكم ... فلا تكريمه أن تقولي له مهلا
كما لو وشى واش بعزّة عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريبا ولا سهلا
وقال النابغة (5):
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلّغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
__________
(1) اللسان (وشي). والكودن: البرذون. والكلاب: المهماز.
(2) سورة البقرة: آية 71.
(3) ديوانه 7. والمصير: المعى.
(4) ديوانه 382وفيه: له أهلا. بودك عندنا.
(5) ديوانه 7776.(1/619)
وقال الآخر (1):
إن الوشاة كثير إن أطعتهم ... لا يرقبون بنا إلّا ولا ذمما
وقال الآخر:
لقد فرّق الواشون بيني وبينها ... فقرّت بذاك الوصل عيني وعينها
وقولهم: قد استكان الرجل
قال أبو بكر: معناه: قد خضع وذلّ، قال الله عز وجل: {فَمَا اسْتَكََانُوا لِرَبِّهِمْ وَمََا يَتَضَرَّعُونَ} (2)، وقال الشاعر:
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني بخير فاره اللّبب
قال أبو بكر: وفي اشتقاقه قولان: أحدهما: أنه استفعلوا، من كان يكون أصله استكونوا، فخوّلت فتحة الواو إلى الكاف، وجعلت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها وتحركها في الأصل كما قالوا: استقام، وأصله استقوم. والقول الآخر: أن استكان افتعل من السكون، لأن من صفة الخاضع تقليل الكلام، فكان أصل الحرف على هذا الجواب:
استكن الرجل، فوصلت فتحة الكاف بالألف، لأن العرب ربما وصلت الضمة بالواو، والفتحة بالألف، والكسرة بالياء، فمن وصلهم الضمة بالواو ما أنشدنا أبو العباس، عن سلمة عن الفراء:
لو أنّ عمرا همّ أن يرقودا ... فانهض فشدّ المئزر المعقودا
أراد: أن يرقد، فوصل ضمة القاف بالواو. وأنشدنا أبي رحمه الله قال: أنشدنا الرستمي:
الله يعلم أنا في تلفّتنا ... يوم الفراق إلى إخواننا صور
وأنني حيثما يثني الهوى بصري ... من حيثما سلكوا أدنو فأنظور
أراد: فأنظر، فوصل الضمة بالواو. وأنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدنا الرستمي:
__________
(1) بلا عزو في الأضداد 396.
(2) سورة المؤمنون: آية 76.(1/620)
لا عهد لي بنيضال ... أصبحت كالشنّ البال
أراد: بنضال، فوصل كسر النون بالياء. وقال الآخر:
قلت وقد جرّت على الكلكال ... يا ناقتي ما جلت من مجال
أراد: على الكلكل، فوصل فتحة الكاف بالألف. وأنشدني أبي رحمه الله قال:
أنشدنا الرستمي:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... على عجل مني أطأطىء شيم
أراد: شمالي، فوصل الكسرة بالياء. وقال عنترة (1):
ينباع من ذفرى غضوب جسرة ... زيّافة مثل الفنيق المكدم
أراد: ينبع، فوصل فتحة الباء بالألف. هذا قول أكثر أهل اللغة. ووزن ينباع على هذا: يفعل. وقال لي أبي رحمه الله قال لي أحمد بن عبيد: ينباع: ينفعل من باع يبوع، إذا جرى جريا لينا، وتثنى وتلوى، قال: وإنما يصف الشاعر عرق الناقة، وأنه يتلوى من هذا الموضع، فأصله ينبوع، فصارت الواو ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وقولهم: فلان يتبجّح بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: يتعظّم ويترفّع، وهو يتفعّل من بجح. وبجحت نفسه، إذا عظمت وارتفعت. وفي حديث أم زرع (2): «أن المرأة الحادية عشرة قالت: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع: أناس من حليّ أذنيّ وملأ من شحم عضدي، وبجّحني، فبجحت إلي نفسي». أي: عظمني، ورفع من قدري، فعظمت عندي نفسي، قال الشاعر (3):
وما الفقر من أرض العشيرة ساقنا ... إليك ولكنا بقرباك نبجح
أي: نفخر ونتعظّم.
__________
(1) ديوانه 204وفيه: حرة المقرم. والذفري: أصل القفا والأذن، وجسرة: طويلة. وزيافة.
مسرعة. والفنيق: الفحل من الإبل. والمكدم: الغليظ.
(2) هي أم زرع بنت أكهل بن ساعد: ينظر الحديث مشروحا في الفائق 3/ 5448وشرح النووي لصحيح مسلم 15/ 222212.
(3) الراعي النميري في منتهى الطلب 3/ 145، من قصيدة تعداد أبياتها سبعة وخمسون بيتا في مدح بشر بن مروان ومطلعها:
أفي أثر الأظعان عينك تلمح ... نعم لات هنّا إن قلبك متيح
وقد أخل به شعره المطبوع.(1/621)
وقولهم: رجل أوقص
قال أبو بكر: الأوقص: القصير العنق مائلها، الذي كأن عنقه كسرت بتقصيرها عن أعناق الناس، أخذ من الوقص، وهو الكسر، من ذلك قولهم: قد وقص فلان، إذا سقط من دابته، فاندقّت عنقه. ومنه حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أن رجلا كان واقفا معه فوقصت به ناقته في لخاقيق جرذان فمات» (1). ومنه حديث علي رضي الله عنه: «أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدّية أثلاثا» (2). وفسر أنهنّ ثلاث جوار كن يلعبن، فركبت واحدة منهن واحدة، فقرصت الثالثة المركوبة، فقمصت، فسقطت الراكبة، فاندقت عنقها، فماتت، فجعل الدية أثلاثا: ثلثا على المركوبة، وثلثا على القارصة، وأسقط ثلث الراكبة، لأنها أعانت على نفسها بركوبها. وقال ابن مقبل (3)
يذكر ناقة:
فبعثتها نقص المقاصر بعدها ... كربت حياة النار للمتنوّر
المقاصر من قصر العشي. وقال أبو عبيد (4): هو من اختلاط الليل وظلمته.
وقولهم: لا أراني الله بك غيرا
قال أبو بكر: الغير: من تغير الحال، وهو اسم واحد بمنزلة النّطع والعنب وما أشبههما، ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة، قال بعض بني كنانة:
فمن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق الغير
ويقال للدية: غير، لأنها تغير من القود إلى الرضا بها، فسميت غيرا لذلك. من ذلك الحديث الذي يروى: «أن رجلا قتل له حميم، فطالب بالقود، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ألا تقبل الغير؟» (5). ومن ذلك حديث عمر وعبد الله بن مسعود: «أن امرأة
__________
(1) غريب الحديث 1/ 95والفائق 4/ 74.
(2) غريب الحديث 1/ 96.
(3) ديوانه 126.
(4) غريب الحديث 1/ 97. وفي الأصل: أبو عبيدة، وهو خطأ، صوابه من ك، ل.
(5) غريب الحديث 1/ 168.(1/622)
قتلت، فعفا بعض أوليائها، وأقام بعضهم على المطالبة بالقود، فأراد عمر أن يقيد من لم يعف، فقال له عبد الله: لو غيّرت بالدية كان في ذلك وفاء لمن لم يعف، وكنت قد أتممت للعافي عفوه، فقال عمر: كنيف ملئ علما» (1).
فالكنيف: تصغير الكنف، وهو: الوعاء، وهذا التصغير معناه التعظيم، كما قال لبيد (2):
وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل
فصغر الداهية، تعظيما لها. وقال أبو محمد الفقعسي (3):
يا حمل أسقاك البريق الوامض ... والدّيم الغادية الفضافض
فصغّر البرق على جهة التعظيم له. وقال الآخر (4) حجّة لأن الغير الدية:
لنجذعنّ بأيدينا أنوفكم ... بني أميمة إن لم تقبلوا الغيرا
أراد بالغير: الدّية. قال الكسائي (5): الغير: اسم واحد مذكر، وجمعه: أغيار. وقال أبو عمرو: الغير جمع غيرة.
وقولهم: قد استعمل النّورة
قال أبو بكر: النورة سميت نورة لأنها تنير الجسد وتبيضه، وهي مأخوذة من النور.
وكذلك نور النبات، سمي نورا البياضه وحسنه.
وسميت المنارة منارة لأنها آلة ما يضيء وينير من السراج. قال لبيد (6) يصف بقرة بيضاء:
وتضيء في وجه الظلام منيرة ... كجمانة البحريّ سلّ نظامها
__________
(1) غريب الحديث 1/ 169.
(2) ديوانه 256.
(3) الأول فقط بلا عزو في مقاييس اللغة 4/ 188.
(4) بعض بني عذرة في غريب الحديث 1/ 169.
(5) غريب الحديث 1/ 169.
(6) ديوانه 309.(1/623)
الجمانة: اللؤلؤة. وقوله: سل نظامها، معناه: انسلّت من خيطها وسقطت من بين اللؤلؤ فكان ذلك أبين لضوئها. وقال طرفة (1):
وتبسم عن ألمي كأنّ منوّرا ... تخلّل حرّ الرمل دعص له ندي
أراد بالمنور النبات الذي قد ظهر نوره، ونوره ونوّاره: زهرة الأبيض منه.
وقولهم: امرأة أرملة
قال أبو بكر: الأرملة التي مات عنها زوجها، سميت أرملة لذهاب زادها وفقدها كاسبها، ومن كان عيشها صالحا به. من قول العرب: قد أرمل الرجل، إذا ذهب زاده.
وكذلك أقتر وأنفض وأقوى، أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان (2):
ومرملو الزاد معنيّ بحاجتهم ... من كان يرهب ذما أو يقي حسبا
وفي حديث أم معبد (3): «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه طلبوا منها لحما وخبزا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مشتين» (4). فالمرملون قد مضى تفسيرهم، والمشتون الداخلون في الشتاء، والشتاء عند العرب وقت الجدب.
قال الشاعر (5):
إذا نزل الشتاء بجار قوم ... تجنّب جار بيتهم الشتاء
أي: مجاورهم يأمن الجدب لكرمهم وأفضالهم عليه. ولا يقال للرجل إذا ماتت امرأته: أرمل، إلا في شذوذ وقلة من الكلام، لأن الرجل لا يذهب زاده بموت امرأته إذ لم تكن قيّمة عليه، وهو قيم عليها تلزمه عيلولتها ومؤونتها والإنفاق عليها، ولا يلزمها شيء من ذلك. وقال ابن قتيبة: إذا قال الرجل قد أوصيت بمالي للأرامل وأوصي بمالي
__________
(1) ديوانه 9. وحر الرمل: أكرمه وأحسنه.
(2) شرح ديوانه الحماسة (م) 1565.
(3) عاتكة بنت خالد الخزاعية. (ينظر: المحبر 410، أمتاع الأسماع 1/ 43).
(4) الفائق 1/ 94. وفي الأصل: مرملين مسنتين. وهي رواية أخرى، ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 317.
(5) الحطيئة، ديوانه 102.(1/624)
للأرامل، أعطي منه الرجال الذين مات أزواجهم والنساء اللاتي مات أزواجهن، لأنه يقال: رجل أرمل وامرأة أرملة. وقال حدثنا إسحاق بن راهويه (1) قال: حدثنا وكيع (2)
عن سفيان (3) عن طلحة الأعلم (4) عن الشعبي في رجل أوصى بماله للأرامل من بني حنيفة قال: «يعطى منه من خرج من كمره حنيفة» (5) قال إسحاق: وأنشدنا غير وكيع:
هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذّكر (6)
وأنشد ابن قتيبة:
أحبّ أن أصطاد ضبا سحبلا ... رعى الربيع والشتاء أرملا (7)
قال: تمناه أرمل لأنه إذا سفد قل شحمه، وإذا لم تكن له أنثى ولم يسفد كثر شحمه. وقال: قال الرقاشي: قيل لأعرابي: تمن، فقال: ضب أعور عنّين في أرض كلدة.
فتمناه أعور لقلّة تلفته، وتمناه عنينا لكثرة شحمه. قال أبو بكر: وقول ابن قتيبة في هذا غير صحيح، لأن الرجل لا يوصف بأرمل إلا في الشذوذ، وحمل هذا الكلام على الأعرف والأشهر أولى، وقد نقض ابن قتيبة هذا على نفسه فقال: لو قال رجل: أوصي بمالي للجواري من بني فلان، لم يعط الغلمان منه شيئا، كذلك لو قال: أوصي بمالي للغلمان من بني فلان لم يعط الجواري منه شيئا وإن كانت الجارية يقال لها غلامة، لأن قولهم للجارية غلامة شاذ، ولا يحمل الكلام على الشذوذ. قال أبو بكر: فشذوذ الأرامل في وصف الرجل، كشذوذ الغلامة في وصف الجارية بها. وقد سمع في الغلامة من الأبيات أكثر مما سمع في الأرمل. وكذلك لو قال: أوصي بمالي للكهول من بني فلان لم
__________
(1) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه. ت 238هـ. (تهذيب التهذيب 1/ 216، خلاصة تذهيب الكمال 1/ 69).
(2) وكيع بن الجراح الكوفي الحافظ، ت 196هـ. (طبقات ابن خياط 400، مشاهير علماء الأمصار 173).
(3) هو سفيان الثوري، سلفت ترجمته.
(4) طلحة بن عمرو القناد، هو الذي روى عن الشعبي فيمن اسمه طلحة كما في تهذيب التهذيب 5/ 24. ولم أجد من لقبه الأعلم.
(5) لم أقف عليه.
(6) لجرير، ديوانه 1081.
(7) بلا عزو في لحن العوام 230واللسان (رمل).(1/625)
يعط النساء منه شيئا وإن كانت المرأة يقال لها: كهلة لشذوذ هذا القول. وكذلك لو قال: أوصي بمالي للشيوخ منهم، لم يعط العجائز منه شيئا وإن كانت العجوز يقال لها:
شيخة، لأن هذا القول قليل، والأشهر والأعرف سواه. قال الشاعر:
فلم أر عاما كان أكثر هالكا ... ووجه غلام يشترى وغلامة
وقال الآخر:
وتضحك مني شيخة عبشيمة ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
وأما البيت الذي أنشده ابن قتيبة فلا حجة له فيه، لأنه أراد بالأرمل: الذاهب الزاد الفقير، أي: فمن لحاجة هذا الفقير الذكر. ولا حجة له أيضا في البيت الآخر، لأن الأرمل ليس من صفة الضب، إنما هو من صفة الشتاء، معناه: رعى الربيع والشتاء الأرمل، أي: المذهب أزواد الناس، فلما أسقط الألف واللام منه، نصبه على القطع من الشتاء لتنكيره وتعريف الشتاء.
وقولهم: إن فعلت ما أريد فبها ونعمت وإلا فاستعمل رأيك
قال أبو بكر: معنى قولهم: فبها، فبالوثيقة أخذت، فكنّى عن الوثيقة ولم يتقدم لها ذكر لوضوح معناها، قال الله عز وجل: {حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ} (1) أراد: حتى توارت الشمس، فكنى عنها ولم يتقدم ذكرها. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها» (2). أراد: ذو قرني هذه الأمة، فكنى عن الأمة من غير ذكر تقدم لها. ومعنى الحديث: أن عليا رضي الله عنه ضرب على رأسه في الله عز وجل ضربة بعد ضربة، الأولى منهما: ضربة عمرو بن ود، والثانية: ضربة ابن ملجم، كما ضرب ذو القرنين على رأسه ضربة بعد ضربة. ويقال: معناه: وأنك ذو قرني الجنة، أي: جانبيها، وقال طرفة (3):
__________
(1) سورة ص: آية 32.
(2) غريب الحديث 3/ 78.
(3) ديوانه 26.(1/626)
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
أراد: من هذه الفلاة، فكنى عنها من غير ذكر تقدم لها. وقولهم: ونعمت، معناه:
ونعمت الخصلة هي، والتاء في نعمت، كالتاء في قامت وقعدت، ولا يوقف عليها ولا تكتب بالهاء، ومن فعل ذلك لزمه أن يعربها في الوصل ويقول: ونعمة، كما يعرب النعمة من النعم. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري (1) قال:
حدثنا شعبة (2) عن قتادة عن الحسن عن سمرة (3) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» (4). فمعنى الحديث: من توضأ يوم الجمعة فبالرخصة أخذ، ونعمت الخصلة هي. وبعض الناس يقول: ونعمت، على معنى الدعاء، أي: نعّمك الله.
وقولهم: ما منع فلان الذّمار
قال أبو بكر: معناه في كلام العرب: ما يلزم الإنسان أن يحميه. وقال أحمد بن عبيد: إنما سمي ذمارا لأن الإنسان يذمر نفسه، أي: يحضها على القيام به، يقال: ذمرت الرجل أذمره إذا حرّضته. ويقال للشجاع: ذمر، وللجميع أذمار، قال عمرو بن كلثوم (5):
ونوجد نحن أمنعهم ذمارا ... وأوفاهم إذا عقدوا يمينا
وقال عنترة (6):
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمّم
أي: يحض بعضهم بعضا. وقال الفرزدق (7):
__________
(1) توفي 205هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 40، خلاصة تذهيب الكمال 1/ 380).
(2) هو شعبة بن الحجاج، سلفت ترجمته.
(3) هو سمرة بن جندب، سلفت ترجمته.
(4) الفائق 4/ 3.
(5) شرح القصائد السبع 408، شرح المعلقات السبع 256.
(6) ديوانه 216.
(7) ديوانه 1/ 355وفيه: جر.(1/627)
فجرّ المخزيات على كليب ... جرير ثمّ ما منع الذّمارا
وقولهم: قد أخذ منه أرش الثوب
قال أبو بكر: الأرش الذي يأخذه الرجل من البائع، إذا وقف على عيب في الثوب، لم يكن البائع وقفه عليه، سمي أرشا لأنه سبب من أسباب الخصومة والقتال والتنازع، فسمي باسم الشيء الذي هو سببه. يقال: فلان يؤرّش بين القوم، إذا كان يوقع بينهم الشر والفساد. ويقال: يا هذا لا يؤرّش بين صديقيك، يراد به: لا تفسدنّ بينهما. والعرب قد تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان من سببه، من ذلك: المزابنة في البيع: وهو أن يشتري الرجل ثمرة نخلته بتمر، فسمي مزابنة، لأن المشتري إذا صرم النخلة فقصّر ثمرها عما كان قدّره شارّ البائع وخاصمه ونازعه، ولذلك نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنها لما فيها من البلاء ولأنها غرر يشتري الرجل منها ما لا يدري ما هو وهي مما يكال ويوزن، والمكيل والموزون إذا اشتريا بمثلهما من جنسهما لم يكن الثمر إلا مثلا بمثل ويدا بيد، وإذا اشترى التمر بالتمر فقد اشتري ما لا يعرف حقيقة كيله ومبلغ وزنه. واشتقاق المزابنة من قول العرب: الناقة تزبن الحالب، أي: تضربه برجلها.
والزبانية سموا زبانية، لأنهم يعملون بأيديهم وأرجلهم. وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة والملامسة والمنابذة. فالمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة والزرع في سنبله، والحقل هو: القراح عند أهل الشام وغيرهم، ويقال له أيضا: الحقلة أو لقطعة منه، ويقال في مثل: لا ينبت البقلة إلا الحقلة ويقال: احقل لي، أي: ازرع لي، ويقال: المحاقلة:
اكتراء الأرض بالحنطة. ويقال: المحاقلة: اكتراء الأرض بالنصف والربع وأقل وأكثر.
والمنابذة أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الثوب فقد وجب البيع من قبل أن تنظر إليه وتدري ما هو. ويقال: المنابذة أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع. والملامسة أن يقول الرجل للرجل: إذا لمست الثوب من قبل أن تنشره وتعرفه فقد وجب البيع. ويقال: الملامسة أن يقول الرجل للرجل: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع. والمخابرة: المزارعة بالثلث والربع وأقل وأكثر، سميت مخابرة لأن النبي صلّى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى أهلها بعد أن ظفر بهم بالنصف، ثم عصوا الله تعالى
ونكثوا، فحظر ذلك بنهيه صلّى الله عليه وسلم عن المخابرة، ثم جازت قبل وبعد. ويقال: المخابرة مأخوذ من الخبير، والخبير الأكّار. والمواكرة: المزارعة أيضا بالنصف والربع وأكثر وأقل، والأكّار: هو الذي يزارع، وهو فعال من المواكرة. والمخاضرة: بيع التمر وهو أخضر لم يصفرّ ولم يحمرّ. وجاءت هذه الحروف كلها على مفاعلة لأنها من اثنين، يشترك فيها فاعلان، فجرت مجرى المضاربة والمشاتمة والمقابلة.(1/628)
والمنابذة أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الثوب فقد وجب البيع من قبل أن تنظر إليه وتدري ما هو. ويقال: المنابذة أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع. والملامسة أن يقول الرجل للرجل: إذا لمست الثوب من قبل أن تنشره وتعرفه فقد وجب البيع. ويقال: الملامسة أن يقول الرجل للرجل: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع. والمخابرة: المزارعة بالثلث والربع وأقل وأكثر، سميت مخابرة لأن النبي صلّى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى أهلها بعد أن ظفر بهم بالنصف، ثم عصوا الله تعالى
ونكثوا، فحظر ذلك بنهيه صلّى الله عليه وسلم عن المخابرة، ثم جازت قبل وبعد. ويقال: المخابرة مأخوذ من الخبير، والخبير الأكّار. والمواكرة: المزارعة أيضا بالنصف والربع وأكثر وأقل، والأكّار: هو الذي يزارع، وهو فعال من المواكرة. والمخاضرة: بيع التمر وهو أخضر لم يصفرّ ولم يحمرّ. وجاءت هذه الحروف كلها على مفاعلة لأنها من اثنين، يشترك فيها فاعلان، فجرت مجرى المضاربة والمشاتمة والمقابلة.
وقولهم: قد تلألأ وجه فلان
قال أبو بكر: معناه: قد حسن وأضاء فأشبه بشدة إضاءته اللؤلؤ، وتلألأ تفعلل من اللؤلؤ، قال الله عز وجل: {الزُّجََاجَةُ كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (1)، فقال أصحاب هذه القراءة: الدري منسوب إلى الدر، شبه الله عز وجل الزجاجة في صفائها وإضاءتها بالدر. وقال الذين قرأوا: درّيّء، بالهمز: هو من قول العرب: قد درأ الكوكب إذا جرى في أفق السماء، والعرب تسمي الذي يصنع اللؤلؤ لألاء، ويجوز: لأآء، بهمزة في آخر الحرف، قال عبيد الله بن قيس الرقيات (2):
حبذا الحج والثّريا ومن بال ... خيف من أجلها وملقي الرّحال
يا سليمان إن تلاق الثريا ... تلق عيش الخلود قبل الهلال
درّة من عقائل البحر بكر ... لم تنلها مثاقب اللآل
تعقد المئزر السّخام من الخ ... زّ على حقو باذن مكسال
وقولهم: قد شمط الرجل وفي رأسه شمط
قال أبو بكر: الشمط معناه في كلام العرب: اختلاط البياض بالسواد. ويقال للّيل إذا خالطه بياض الصبح: شميط. ويقال للقتّ إذا خلط به التبن: شميط أيضا. قال طفيل (3):
__________
(1) سورة النور: آية 35.
(2) ديوانه 112والسخام: اللين. والحقو: معقد الإزار من الكشح. والبادن: السمين.
(3) ديوانه 104.(1/629)
شميط الذنابي جوّفت وهي جونة ... بنقبة ديباج وريط مقطّع
وقال الآخر:
فإني على ما كنت تعهد بيننا ... وليدين حتى أنت أشمط عانس
وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:
أما ترى شمطا في الرأس لاح به ... من بعد أسود داج اللون فينان
فقد أروع قلوب الغانيات به ... حتى يملن بأجياد وعينان
وإذا كان السواد والبياض نصفين أو شبيها بهما، قيل: قد أخلس الشعر فهو مخلس. قال الشاعر:
والرأس قد صار خليسين اثنين ... من البياض والسواد نصفين
وقال الآخر:
لما رأت شيب قذالي عيسا ... وحاجتي أعقبا خليسا
قلت وصالي واصطفت إبليسا ... وصامت الاثنين والخميسا
أي: صامت هذين اليومين كراهية لقربي منها. وقال المرار (1):
أعلاقة أمّ الوليد بعدما ... أفنان رأسك كالثّغام المخلس
الثغام جمع ثغامة، والثغامة في قول أبي عبيد: شجرة لها نور أبيض يشبّه به الشيء، وقال غيره: الثغامة شجرة تبيض إذا أصابها المحل، ويسود بعضها فتوصف بالإخلاس لذلك. وإذا غلب البياض على السواد فهو أغثم، قال الشاعر (2):
أما ترى شيبا علاني أغثمه ... لهزم خدي به ملهزمه
وقولهم: فلانة سرّيّة فلان
قال أبو بكر: في الاعتلال لتسميتهم السّريّة سرية قولان: أحدهما أنها سميت بذلك لاتخاذ صاحبها إياها للنكاح، وهي فعليّة من السر، والسر عند العرب: الجماع،
__________
(1) شعره: 168.
(2) رجل من بني فزارة في نوادر أبي زيد 52. ولهزم: خالط.(1/630)
قال الله عز وجل: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (1)، فمعناه: جماعا. وقال امرؤ القيس (2):
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحسن السرّ أمثالي
وقال الأعشى (3):
فلن يطلبوا سرّها للغنى ... ولن يسلموها لأزهادها
خبّر عنهم أنهم لا يطلبون نكاحها ليستغنوا بمالها، ولا ينصرفون عنه لفقرها. وإنما سمي النكاح سرا، لأنه يخفى ويغيّب ويستر عن الناس، فشبه بالسر من القول، وربّما سمّت العرب الزنا: سرّا، قال الشاعر (4):
ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
أراد بالسر الزنا. وقال العجاج (5):
إني امرؤ عن جارتي كفيّ ... عن الأذى إنّ الأذى مقليّ
وعن تبغّي سرها غنّي ... عفّ فلا لاص ولا ملصيّ
اللاصي القاذف، والملصي المقذوف. يقال: لصيت الرجل، إذا قذفته وافتريت عليه. وقال رؤبة (6):
فعفّ عن أسرارها بعد الغسق ... ولم يضعها بين فرك وعشق
أراد بالأسرار: الزنا. والقول الآخر أنها سميت سريّة لسرور صاحبها بها، وهي فعليّة من السر. أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السرّ عند العرب: هو السرور بعينه. وقال بعضهم: يجوز أن تكون السرية فعّولة من السرور، وأصلها سرّورة، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث راءات، فأبدوا من الثالثة ياء، وأبدلوا من الواو ياء وأدغموها
__________
(1) سورة البقرة: آية 235.
(2) ديوانه 28وفيه: اللهو، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(3) ديوانه 56.
(4) الحطيئة، ديوانه 62.
(5) ديوانه 315. وكفّي: غني، ومقلي: مكروه.
(6) ديوانه 104.(1/631)
في الياء التي بعدها، فصارتا ياء مشددة، وكسروا ما قبل الياء لتصح. ويقال: سرّيّة وسرّيّة، بالضم والكسر، وفي الجمع: سراري وسرار بتثقيل الياء وتخفيفها، فمن ثقلها أثبتها في الخط، ومن خففها حذفها لسكونها وسكون التنوين في الرفع والخفض، فأما باب النصب فإنها ثابتة فيه في الخط على اللغتين كلتيهما، كقولهم: رأيت سراري فلان وسراري. وكذلك مع الألف واللام تثبت في المذهبين جميعا كقولهم: رأيت السّراري وقام السّراري ومررت بالسّراري. ومثلهن: القماري والدناسي والذّراري والأماني.
وقولهم: قد عدا فلان ملء فروجه
قال أبو بكر: أخبرني أبي رحمه الله عن أحمد بن عبيد قال: قال أبو زيد الأنصاري: العرب تقول: جرت الدابة ملء فروجها، وفروجها: ما بين قوائمها، فالفروج رفع بملء. ويقال في المذكر: جرى الفرس ملء فروجه، وهي: ما بين قوائمه، أي: من شدة إسراعه في الجري امتلأ ما بين قوائمه بالغبار والتراب. والعرب تسمي ما بين القوائم: خواء، وكذلك يسمون كل فرجة بين شيئين، أنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدنا الطوسي لبشر بن أبي خازم (1) في صفة فرس:
نسوف للحزام بمرفقيها ... يسدّ خواء طبييها الغبار
يعني أن الفرس من شدة إسراعها يرتفع الغبار فيسد ما بين طبييها. ويقال: قد خوّى البعير إذا تجافى عن الأرض في بركه، قال العجاج (2):
خوّى على مستويات خمس ... كركرة وثفنات ملس
ويروى عن البراء (3) أنه سئل عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فرفع عجيزته وخوّى.
فمعناه: أنه تجافى عن الأرض، والعجيزة أصلها للمرأة، ثم تستعمل للرجل بمعنى العجز.
ويروى عن البراء أنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إذا سجد جخّى بمرفقيه عن جنبيه» (4)،
__________
(1) ديوانه 74. والطبيان: طرفا الضرع.
(2) ديوانه 476475. والكركرة والثفنة: ملتقى العضد والذراع.
(3) البراء بن عازب، سلفت ترجمته.
(4) النهاية 1/ 242.(1/632)
فمعنى جخّى: تقوّس وتفتح، أنشدنا أبو شعيب قال: أنشدنا يعقوب بن السكيت:
لا خير في الشيخ إذا ما اجلخّا ... وسال غرب عينه وجخّا (1)
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
لا خير في الشيخ إذا ما اجلخّا ... وسال غرب عينه ولخّا
وكان أكلا قاعدا وشخّا ... تحت رواق البيت يخشى الدّخّا
وانثنت الرجل فصارت فخّا ... وعاد وصل الغانيات أخّا (2)
اجلخ معناه: سقط فلا ينبعث ولا يتحرك. ولخا معناه كمعنى سال، والدخ هو:
الدخان، وفيه لغتان: دخّ ودخّ. وقوله: وعاد وصل الغانيات أخا، معناه: أفّ وتفّ.
وقولهم: لا سمعت أذن فلان الرعد
قال أبو بكر: قال اللغويون: الرعد: صوت السحاب، والبرق: ضوء ونور يكونان مع السحاب، وربّما كانا أمارة للمطر. وقال أبو عبيدة: العرب تقول:
جون هزيم رعده أجشّ.
يريدون بالجون السحاب الأسود، والأجش: الذي فيه بحّة وجشّة، قال الشاعر:
ولا زال من نوء السّماك عليكما ... أجشّ هزيم دائم الوكفان (3)
وقال ابن عباس: الرعد اسم ملك. واحتج بعض أهل اللغة، لأن الرعد صوت السحاب بقول الله عز ذكره: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلََائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (4)، قال: فذكره الملائكة بعد الرعد يدل على أن الرعد ليس بملك. والذين قالوا: الرعد ملك، يحتجون بأن الله عز وجل ذكر الملائكة بعد الرعد، وهو من الملائكة، كما يذكر الجنس بعد النوع والكثير بعد القليل، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (5)، فذكر القرآن بعد السبع، وموضع السبع من القرآن كموضع
__________
(1) اللسان (جخا).
(2) الأبيات عدا الثالث في اللسان (دخخ).
(3) للمجنون في ديوانه 272، وروايته: هزيم الودق بالهطلان.
(4) سورة الرعد: آية 13.
(5) سورة الحجر: آية 87.(1/633)
الرعد من الملائكة. وأصحاب الحديث وكبراء أهل العلم من الصحابة والتابعين يقولون:
الرعد ملك أو صوت ملك.
وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا عون بن عمارة (1) قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب قال: الرعد صوت ملك يقول: سبحان ربي العظيم.
وأخبرنا محمد بن عثمان قال: حدثنا منجاب (2) قال: أخبرنا بشر بن عمارة (3) عن أبي روق (4) عن الضحاك عن ابن عباس قال: الرعد: ملك من الملائكة وهو الذي تسمعون صوته، والبرق: سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وحدثنا أبو جعفر التمتام (5)
قال: حدثنا علي بن الجعد (6) قال: حدثنا شعبة (7) قال: أخبرنا الحكم (8) عن مجاهد قال:
الرعد: ملك يزجو السحاب بصوته. وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا بشر بن المفضل (9) عن عمر بن الوليد (10) عن عكرمة قال: الرعد:
ملك موكل بهذا السحاب يسوقه كما يسوق راعي الإبل إبله. وأخبرنا عبر الله بن محمد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو داوود (11) قال: حدثنا إبراهيم بن
__________
(1) عون بن عمارة العبدي البصري. ت 212هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 173، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 309).
(2) منجاب بن الحارث التميمي، ت 231هـ. (تهذيب التهذيب 10/ 297، خلاصة تذهيب الكمال 3/ 85).
(3) بشر بن عمارة الخثعمي. (تهذيب التهذيب 1/ 455).
(4) عطية بن الحارث الهمذاني. (تهذيب التهذيب 7/ 224).
(5) لم أقف على ترجمته.
(6) علي بن الجعد الجوهري، 230هـ. (تهذيب التهذيب 7/ 289).
(7) شعبة بن الحجاج، سلفت ترجمته.
(8) الحكم بن عتيبة، ت 115هـ. (تهذيب التهذيب 2/ 432).
(9) بشر بن المفضل بن لاحق، ت 187هـ. (تهذيب التهذيب 1/ 458). وفي ك: بشر بن الفضل، تحريف.
(10) عمر بن الوليد الشني. (ميزان الاعتدال 3/ 230، المشتبه 375، تبصير المنتبه 756).
ولم يذكره ابن حجر في التهذيب، وهو من شرطه. وصحف إلى السني في تفسير الطبري 1/ 151.
(11) سليمان بن داوود الطيالسي، ت 203هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 182).(1/634)
سعد (1) عن أبيه قال: كنت جالسا مع حميد بن عبد الرحمن إذ عرض شيخ في ناحية المسجد فقال: يا ابن أخي وسّع لهذا الشيخ بيني وبينك فإنه قد صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بعض، أسفاره فوسعت له، فجلس بيننا، فقال حميد له: الحديث الذي تذكره في السحاب فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل ينشيء السحاب فينطق أحسن المنطق ويضحك أحسن الضحك» (2)، فذكر أن منطقه الرعد وضحكه البرق. فهذا شاهد لأقوال اللغويين. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا أبو نعيم (3) قال حدثنا بشير بن سلمان النهدي (4) عن أبي كثير (5) عن أبي الجلد (6) قال: البرق: الماء.
وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال: كتب ابن عباس إلى ابي الجلد يسأله عن الرعد والبرق، فكتب إليه أبو الجلد: الرعد: الريح، والبرق: الماء. وحدثنا أبو جعفر التمتام قال: حدثنا قبيصة (7) قال: حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل (8) عن ابن أشوع (9) عن ربيعة بن أبيض (10) عن علي رضي الله عنه قال: البرق: مخاريق الملائكة. والمخاريق عند العرب:
جمع مخراق، وهو ثوب يلفه الصبيان ويضرب به بعضهم بعضا، فشبه السوط الذي يضرب به الملائكة السحاب بالمخراق الذي يلعب به الصبيان ويضرب به بعضهم
__________
(1) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، ت 185هـ. (تهذيب التهذيب 1/ 121).
(2) الفائق 2/ 333والنهاية 3/ 75مع خلاف في الرواية.
(3) ضرار بن صرد الكوفي، ت 229هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 456).
(4) بشير بن سلمان الكندي (لا النهدي). (تهذيب التهذيب 1/ 465، خلاصة تذهيب الكمال 1/ 130). وفي ك: سليمان. وكذا ورد في تقريب التهذيب 1/ 103والخلاصة.
(5) لم أقف على ترجمته.
(6) هو جيلان بن أبي فروة البصري. (التاريخ الكبير 1/ 2/ 250، الكنى والأسماء 1/ 139.
وصحّف إلى أبي الخلد في الطبري).
(7) قبيصة بن عقبة الكوفي، ت 215هـ. (الجرح والتعديل 3/ 1262، تهذيب التهذيب 8/ 347).
(8) سلمة بن كهيل الحضريم، ت 123هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 155).
(9) سعيد بن عمرو بن أشوع، ت 120هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 67).
(10) لم أقف على ترجمة له.(1/635)
بعضا، قال عمرو بن كلثوم (1):
كأنّ سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
وحدثنا أبو جعفر التمتام قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان عن عثمان بن الأسود (2) عن مجاهد (3) قال: البرق مصع ملك، فالمصع معناه: التحريك والضرب، فكأنه شبه زجر السحاب بالسوط بالتحريك والضرب، قال القطامي (4):
تراهم يصدقون من استركّوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا
وقولهم: أصابت القوم صاعقة
قال أبو بكر: قال مقاتل بن سليمان وغيره: الصاعقة الموت. وقال آخرون:
الصاعقة: كل عذاب مهلك. قال الله عز وجل: {فَأَخَذَتْكُمُ الصََّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (5). وفيها ثلاث لغات: صاعقة وصعقة وصاقعة، ويقال: هي الصواعق والصواقع، وقد صعق القوم وصقعوا، قال الشاعر (6):
أعدّ الله للشعراء مني ... صواقع يخضعون لها الرّقابا
وأنشدنا إدريس بن عبد الكريم قال: أنشدنا سلمة بن عاصم:
ترى الشّيب في رأس الفرزدق قد علا ... لهازم قرد زنّحته الصواقع (7)
وأنشدنا إدريس أيضا قال: أنشدنا سلمة:
يحكون بالمصقولة القواطع ... تشقّق البرق عن الصواقع (8)
وقال بعض اللغويين: الصاعقة: العذاب، والصعقة: الغشية ويقال، في جمعها: صعقات.
__________
(1) شرح القصائد السبع 397، شرح المعلقات السبع 249.
(2) عثمان بن الأسود بن موسى المكي، ت 150هـ. (تهذيب التهذيب 7/ 107).
(3) تفسير الطبري 1/ 153.
(4) ديوانه 35. وفيه يغمزون.
(5) سورة البقرة: آية 55.
(6) جرير، ديوانه 819وفيه: صواعق.
(7) لجرير، ديوانه 923.
(8) بلا عزو في اللسان (صقع).(1/636)
وقولهم: قد أصابت القوم زلزلة
قال أبو بكر: الزلزلة معناها في كلام العرب: التخويف والتحذير، من ذلك قول الله عز وجل: {وَزُلْزِلُوا حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (1)، أراد: خوّفو وحذّروا. وقال عمران بن حطان (2):
فقد أظلّتك أيام لها حمس ... فيها الزلازل والأهوال والوهل
الحمس: الشدة، والوهل: الفزع. ويقول بعضهم: الزلزلة مأخوذة من الزلل في الرأي، فإذا قيل: قد زلزل القوم، فمعناه: أنهم صرفوا عن الاستقامة وأوقع في قلوبهم الخوف والحذر. والأصل فيه: زلّلوا، فأبدلوا من اللام الثانية زايا كراهية للجمع بين اللامات، كما قالوا: قد صرصر الباب إذا صوت، وأصله: صرّر. ونظائر هذا كثيرة قد مضى بعضها أو أكثرها. والعرب تقول: قد أزلّ الرجل في رأيه حتى زلّ، وأزيل عن موضعه حتى زال.
وقولهم: قد أصابتهم الرّجفة
قال أبو بكر: الرّجفة معناها في كلام العرب: تحريك الأرض. يقال: قد رجف الشيء إذا تحرك، قال الشاعر:
تحنّى العظام الراجفات من البلى ... وليس لداء الرّكبتين طبيب (3)
وقولهم: ما في الثّقلين مثله
قال أبو بكر: الثقلان: الجن والإنس، وإنما قيل لهما: ثقلان، لأنهما كالثقل للأرض وعليها. والثّقل بمعنى الثّقل وجمعهما أثقال، ومجراهما مجرى قول العرب: مثل ومثل وشبه وشبه ونجس ونجس وقتب وقتب ونكل شرّ ونكل شرّ. حدثنا علي بن
__________
(1) سورة البقرة: آية 214.
(2) شعر الخوارج 150.
(3) بلا عزو في اللسان (رجف).(1/637)
محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا سهل بن بكار (1) قال: حدثنا أبو عوانة (2) عن قتادة عن خليد بن عبد الله العصري (3) عن أبي الدرداء أحسبه وقع الشك في الحديث قال: «ما طلعت الشمس قط إلا وبجدبتيها ملكان يناديان وأنهما ليسمعان من على الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، وما غربت الشمس قط إلا وبجبنبتيها ملكان يناديان أنهما ليسمعان من على الأرض إلا الثقلين: اللهم عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا» (4). وقال الله عز وجل: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقََالَهََا} (5)، فمعناه: ما فيها من كنوز الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذلك، ومن أشراط الساعة أن تلقي الأرض أفلاذ كبدها، أي: ما فيها من الكنوز، فشبّه ذلك بقطع الكبد إذ كانت الكبد يشتمل عليها البطن. وواحد الأثقال ثقل وثقل، وواحد الأفلاذ: فلذ، والفلذ: قطعة من الكبد.
يقال: أطعمني فلذا وفلذة وحزّة من الكبد، وحذية من اللحم، وهي قطعة صغيرة، وفلعة من السنام، وشطبة وسائغة بمنزلة الحذية من اللحم. وكانت العرب تقول للفارس الشجاع: ثقل على الأرض، فإذا قتل أو مات سقط بذلك عنها ثقل. قال الشمردل بن شريك (6) يرثي أخاه أبيّا:
وحلّت به أثقالها الأرض وانتهى ... لمثواه منها وهو عفّ شمائله
وقالت الخنساء (7) ترثي أخاها صخرا:
أبعد ابن عمرو من آل الشريد ... حلّت به الأرض أثقالها
أي: لما كان شجاعا سقط بموته عنها ثقل. ويقال: معناه: زيّنت به موتاها، من الحلية والحلي.
__________
(1) ت 227هـ. (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 425).
(2) الوضاح بن عبد الله، ت 176هـ. (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 140).
(3) راوي الحديث. (تهذيب التهذيب 3/ 159).
(4) غريب الحديث 1/ 217.
(5) سورة الزلزلة: آية 2.
(6) شعره: 305، وعجزه فيه: بمثواه منها وهو عف مآكله.
(7) ديوانها 73.(1/638)
وأما الإنس فسمّوا إنسا لإيناسهم، وسمي الجن جنا لاستتارهم. وكذلك سمت العرب الملائكة جنا وجنّة لتواريهم عن أعين الناس، قال الله عز وجل: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} (1)، معناه: وبين الملائكة. وقال تعالى: {إِلََّا إِبْلِيسَ كََانَ مِنَ الْجِنِّ} (2)، أراد: من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن. وقال الأعشى (3) في صفة سليمان بن داوود عليهما السلام:
وسخّر من جن الملائك تسعة ... قياما لديه يعملون بلا أجر
أراد بالجن: الملائكة وأضافهم إليه لاختلاف اللفظتين. واشتقاق الجن من قول العرب: قد جنّ عليه الليل وأجنّه، وربما قالوا: جنّه، فأسقطوا الألف وعدوا الفعل. قال الشاعر (4):
يوصّل حبليه إذا الليل جنّه ... ليرقى إلى جاراته بالسلالم
وربما أوقعت العرب الجن على الإنس والإنس على الجن، إذا فهم المعنى ولم يدخله التباس، قال الله عز وجل: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النََّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنََّاسِ} (5)، أراد: في صدور جنهم وناسهم. وقال أيضا: {وَأَنَّهُ كََانَ رِجََالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجََالٍ مِنَ الْجِنِّ} (6). وقال الفراء: قال بعض العرب في كلامه: فجاء قوم من الجن فوقفوا فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: أناس من الجنّ.
وقولهم: لا تقل له إلا كذا وكذا قط
قال أبو بكر: قط معناها في كلام العرب: حسب، وطاؤها ساكنة لأنها بمنزلة هل وبل وأجل. وكذلك قد، يقال: قد عبد الله درهم وقط عبد الله درهم، يراد بهما:
حسب عبد الله درهم، أي: يكفي عبد الله درهم، قال الشاعر:
__________
(1) سورة الصافات: آية 158.
(2) سورة الكهف: آية 50.
(3) ديوانه 243.
(4) جرر، ديوانه 1001وفيه: جن ليله.
(5) سورة الناس: الآيتان 5، 6.
(6) سورة الجن: آية 6.(1/639)
قد القلب من وجد بها برّحت به ... قد القلب من وجد بها أبدا قد
ويروى: قد القلب بالخفض. فمن خفض وأضاف الحرفين إلى نفسه قال: قدي وقطي. ومن نصب بهما وأضاف إلى نفسه قال: قدني وقطني، قال أبو النجم (1):
امتلأ الحوض وقال قطني ... سلّا رويدا قد ملأت بطني
وقال الآخر (2):
قدني من نصر الخيبين قدي ... ليس الإمام بالشحيح الملحد
وقال الآخر:
قطني من قتل الحسين قطني (3)
ومن العرب من يقول: قطن عبد الله درهم، فيزيد نونا على قط، وينصب بها ويخفض، ويضيف إلى نفسه فيقول: قطني، ولم يحك ذلك في قد، والقياس فيهما واحد.
وقولهم: فلان متوان
قال أبو بكر: معناه: مفرّط ضعيف السعي فيما يراد منه السّعي فيه، من قول العرب: قد ونى الرجل يني ونيا، إذا ضعف وفتر، قال الله عز وجل: {وَلََا تَنِيََا فِي ذِكْرِي} (4)، وأنشد الفراء:
وزعت بكالهراوة أعوجيّ ... إذا ونت الركاب جرى وثابا
__________
(1) البيتان بلا عزو في مجالس ثعلب 158والإنصاف 130.
(2) أبو نخيلة في تحصيل عين الذهب 1/ 387، وحميد الأرقط في الخزانة 2/ 449و 3/ 34، وأبو بحدلة في شرح المفصل 3/ 124، وحميد بن ثور في الصحاح (لحد) وليس في ديوانه، وهما بلا عزو في الكتاب 1/ 387وما يجوز للشاعر في الضرورة 141. والخبيبان: عبد الله ابن الزبير وكنيته أبو خبيب، وأخوه مصعب.
(3) لم أقف عليه. والبيت ساقط من ك.
(4) سورة طه: آية 42.(1/640)
وقولهم: قد صار فضيحة في الغابرين
قال أبو بكر: الغابر في كلام العرب: الباقي، وهو الأشهر عندهم، وقد يقال أيضا للماضي: غابر، قال الشاعر (1) في أعرف المعنيين:
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر
وقال الله عز وجل: {إِلََّا عَجُوزاً فِي الْغََابِرِينَ} * (2)، أراد: في الباقين، وقال الشاعر:
مخافة ألّا يجمع الله بيننا ... ولا بينها أخرى الليالي الغوابر (3)
أراد: البواقي. وقال الآخر (4):
تعزّ بصبرك لا وجدّك لن ترى ... سنام الحمى أخرى الليالي الغوابر
كأن فؤادي من تذكره الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر
وقال الآخر، وهو محكي عن عبد الله بن عباس:
أحياؤهم خزي على أمواتهم ... والميتون فضيحة للغابر (5)
وقال الآخر في أقل المعنيين، وهو الأعشي (6):
عضّ بما أبقى المواسي له ... من أمّه في الزمن الغابر
أراد: في الزمن الماضي.
وقولهم: طير الله لا طيرك
قال أبو بكر: معناه: فعل الله وحكمه لا فعلك، وما نتخوفه منك. قال أبو عبيدة:
الطائر عند العرب: الحظ، وهو الذي تسميه العوام: البخت. وقال الفراء: الطائر معناه
__________
(1) العجاج، ديوانه 8.
(2) سورة الشعراء: آية 171.
(3) بلا عزو في الأضداد 129.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.
(6) ديوانه 106.(1/641)
عندهم: العمل، قال الله عز وجل: {وَكُلَّ إِنسََانٍ أَلْزَمْنََاهُ طََائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (1)، أي:
عمله. قال أبو بكر: فيجوز أن يكون أصله: البخت، ثم أوقع بعد ذلك على العمل، قالت رقيقة بنت أبي صيفي (2) تعني النبي صلّى الله عليه وسلم: منّا من الله بالميمون طائره ... وخير من بشّرت يوما به مضر
وأخبرني أبي رحمه الله قال: أخبرنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني قال:
يقال: طير الله لا طيرك وطير الله لا طيرك، وطائر الله لا طائرك وطائر الله لا طائرك، وصباح الله لا صباحك وصباح الله لا صباحك، ومساء الله لا مساؤك، ومساء الله لا مساءك. قال اللحياني: يقولون هذا كله إذا تطيّروا من الإنسان. قال أبو بكر: فالرفع على معنى: هذا طائر الله، والنصب على معنى: نحب طائر الله ونريده.
وقولهم: هو جالس في البهو
قال أبو بكر: قال الأثرم: قال أبو عمرو: البهو عند العرب: الصّفّة الواسعة، وأنشد لرؤبة (3):
أجوف بّهى بهوه فاستوسعا ... منه كناس تحت عين أينعا
فقوله: بهىّ بهوه، معناه: جعله ذا بهو، أي: عمل فيه ما يشبه الصفّة الواسعة.
ويروى: تحت عين وتحت غين وتحت غين. فمن رواه: تحت عين، قال: العين مطر أيام لا يقلع. ويقال: العين: ما عن يمين القبلة وشمالها من الغيم، قال العجاج (4):
سار سرى من قبل العين فجر ... عيط السحاب والمرابيع الكبر
العيط: سحائب طويلات الأعناق، والمرابيع: سحائب ينشأن في الربيع. ومن رواه: تحت غين، قال: الغين إطباق الغيم السماء، يقال: غينت السماء غينا، إذا ألبسها
__________
(1) سورة الإسراء: آية 13.
(2) صحابية. (الإصابة 7/ 646).
(3) ديوانه 90.
(4) ديوانه 19.(1/642)
الغيم وسترها. ومن ذلك قول الشاعر (1):
كأني بين خافيتي عقاب ... أصاب حمامة في يوم غين
ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله» (2).
ومن رواه: تحت غين، قال: الغين: أشجار كثيرة الورق ملتفة الأغصان، واحدتها غيناء. أنشد الفراء:
لعرض من الأعراض يمسي حمامه ... وتضحى على أفنانه الغين تهتف
أحبّ إلى قلبي من الديك ريّة ... وباب إذا ما مال للغلق يصرف (3)
وقولهم: به بهق
قال أبو بكر: قال أبو الحسن: الأثرم: البهق بياض كدر، وكل بياض كدر يقال له: بهق، وأنشد لرؤبة (4):
بل بلد يكسى الشعاع الأبهقا ... من السّراب والقتام الأعبقا
الشعاع: المنتشر من السحاب، ويقال: هو قطع من السراب. والأعبق: الملتزق.
ويقال للكدر: أرمد وأربد وأطحل وأغثر. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت يوم القيامة كبشا أغثر» (5). فإن كانت الغثرة تضرب إلى الصفرة فهي: غبسة والموصوف أغبس، وإن كانت تضرب إلى الحمرة فهي: قتمة والموصوف أقتم.
وقولهم: قد تيامن الرجل
قال أبو بكر: العامة تخطئ في معنى تيامن فتظن أنه أخذ على يمينه، وليس كذلك معناه عند العرب، إنما يقولون: تيامن، إذا أخذ ناحية اليمن، وتشاءم إذا أخذ ناحية الشام، ويامن إذا أخذ على يمينه، وشاءم إذا أخذ على شماله. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا نشأت
__________
(1) رجل من بني تغلب في اللسان (غين).
(2) النهاية 3/ 403.
(3) سلف البيتان وتخريجهما ص 205.
(4) ديوانه 109.
(5) النهاية 3/ 342.(1/643)
بحريّة ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» (1) أراد صلّى الله عليه وسلم: إذا ابتدأت السحابة من ناحية البحر ثم أخذت ناحية الشام فتلك أمطار أيام لا تقلع. والغديقة: الكثيرة، من قول الله عز وجل: {مََاءً غَدَقاً} (2).
ويقال: قد أشم الرجل إذا أتى الشام، وقد أيمن إذا أتى اليمن، ويامن أيضا. وقد انحجز واحتجز إذا أتى الحجاز. وقد أمنى وامتنى إذا أتى منى. وقد جلس إذا أتى نجدا، ويقال لنجد: جلس. وقد نزل إذا أتى منى. وقد أعمن وأعرق وأغار وأخاف وأنجد، إذا أتى العراق وعمان والغور وخيف منى ونجدا. يقال: «أنجد من رأى حضنا» (3).
وحضن: اسم جبل (4)، أي: من رأى هذا الجبل فقد دخل نجدا. ويقال: قد أتهم إذا أتى تهامة، وقد أجبل وأسهل إذا صار إلى الجبل والسهل، وعالى إذا صار إلى العالية، وساحل إذا أخذ على الساحل. وألوى إذا صار إلى اللوى من الرمل، وأجد إذا صار إلى الجدد، قال الشاعر (5):
شمال من غاربة مفرعا ... وعن يمين الجالس المنجد
أراد بالجالس: الذي أتى نجدا. وقال الآخر (6):
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
أي: فأت جلسا. وقال الآخر (7):
أنازلة أسماء أم غير نازله ... أبيني لنا يا اسم ما أنت فاعله
وقال الآخر (8):
__________
(1) الفائق 3/ 428، النهاية 5/ 51.
(2) سورة الجن: آية 16.
(3) وهو مثل في معنى الدلالة على الشيء. (جمهرة الأمثال 1/ 78، مجمع الأمثال 2/ 337).
(4) الجبال والأمكنة والمياه: 63.
(5) العرجي، ديوانه 11وفيه: يمين من مر به متهما وعن يسار. ورواية ابن الأنباري هي نفس رواية الأصمعي في كتابه الإبل 101.
(6) عبد الله بن الزبير، شعره: 149وفات جامع شعره أن البيت نسب أيضا إلى عمر بن عبد العزيز في درة الغواص 143 (توربيكه) 194 (أبو الفضل).
(7) عامر بن الطفيل، ديوانه 104.
(8) ابن أحمر، شعره: 44.(1/644)
وافيت لما أتاني أنها نزلت ... إن المنازل مما تجمع العجبا
وقال لبيد (1):
فصوائق إن أيمنت فمظنّة ... منها وحاف القهر أو طلخامها
أراد بأيمنت صارت إلى اليمن. وقال الآخر (2):
نبيّ يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
فيقال: أغار: أتى الغور، ويقال: أغار أسرع. ويروى: وذكره لعمري غار في البلاد. وقال الآخر (3):
فإن تتهموا أنجد خلافا عليكم ... وإن تعمنوا مستحقبي الحرب أعرق
وإذا أمرت الرجل أن يأخذ على يمينه قلت له: يا من، وعلى شماله: شائم وإذا أخبرت عنه قلت: يا من وشاءم. ويقال: قد كوّف وبصّر إذا أتى الكوفة والبصرة.
ويقال أيضا: أكاف، قال الشاعر (4):
أخبر من لاقيت أني مبصّر ... وكائن ترى قبلي من الناس بصّرا
وقولهم: رجل فاره
قال أبو بكر: الفاره معناه في كلام العرب: الحاذق، قال الله عز وجل:
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبََالِ بُيُوتاً فََارِهِينَ} (5). قال الفراء: معناه: حاذقين، قال: ومن قرأ:
فرهين، أراد: أشرين بطرين. وقال أبو عبيدة: الفاره: المرح، والفره: الحاذق، وأنشد:
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني بخير فاره اللّبب
أي: لا تراني مرحا بطرا.
__________
(1) ديوانه 302. وصوائق اسم جبل بالحجاز، وحاف: موضع، والقهر: جبل، وطلخام: واد أو أرض.
(2) الأعشى، ديوانه 103وقد سلف غير مرة.
(3) العبدي في اللسان (عمن)، أي: الممزق العبدي (الصحاح: عرق).
(4) ابن أحمر، شعره: 85.
(5) سورة الشعراء: آية 149.(1/645)
وقولهم: قد أخذ القوم نزلهم
قال أبو بكر: معناه: ما تجري عادتهم بأخذه مما ينزلون عليه ويصلح عيشهم به، وهو مأخوذ من النزول، يدل على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض أحاديث الاستسقاء:
«اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها» (1). أي: أنزل علينا من المطر ما يكون سببا للنبات الذي تسكن الأرض به وتخرب بعدمه، فالسّكن من سكن بمنزلة النزل من نزل، وفيه لغتان: نزل ونزل، والفتح أكثر وأعرب. وهو بمنزلة قول العرب بخل وبخل وشغل وشغل. ويروى بيت عمران بن حطان (2):
فكيف أواسيك والأيام مقبلة ... فيها لكل امرئ عن أهله شغل
ويروي: شغل، وهي لغة ثالثة. ومن العرب من يقول: شغل، فيفتح الشين ويسكن الغين، وكذلك يقال: بخل وبخل وبخل. أنشدني أبي رحمه الله قال أنشدنا ابن الجهم عن الفراء لجرير (3):
تريدين أن نرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضي الأخلّاء بالبخل
وأنشده أبو العباس عن سلمة عن الفراء: بالبخل.
وقولهم: قد كظّني الأمر
قال أبو بكر: معناه: قد ملأني همّه. يقال: قد اكتظ الموضع بالماء، إذا امتلأ به.
وقال رؤبة (4):
إنّا أناس نلزم الحفاظا ... إذ سئمت ربيعة الكظاظا
أي: إذ ملت المكاظة، وهي: همّ القتال وما يملأ القلب من غم الحرب. وقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في خبر استسقاء عبد المطلب فوق الكعبة: «ما راموا
__________
(1) الفائق 1/ 341، النهاية 2/ 386.
(2) شعر الخوارج 150، وفيه: عن غيره شغل.
(3) ديوانه 948وفيه: الأحباء بالبخل.
(4) أخل به ديوانه، وهو في اللسان (كظظ).(1/646)
حتى تفجّرت السماء بمائها واكتظّ الوادي بثجيجه» (1). فمعنى اكتظ: امتلأ، والثّجيج:
الماء المثجوج أي المصبوب، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً} (2)
أي: منصبّا.
وقولهم: فلان يكظم غيظه
قال أبو بكر: معناه: يحبسه ولا يزيله بما يجد له روحا من قول أو فعل. وأصل الكظم في اللغة: حبس البعير ما في جوفه وإمساكه عن الاجترار. أنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدني الطوسي للراعي (3):
وأفضن بعد كظومهنّ بجّرة ... من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا
أراد: دفعن بالجرة واجتررن بعد أن كن كظما لا يجتررن. وأنشد الطوسي أيضا:
فهنّ كظوم ما يفضن بحرّة ... لهن بمبيّض اللّغام صريف (4)
ومعنى الإفاضة الدفع بالكثرة. قال الله عز وجل: {مِنْ حَيْثُ أَفََاضَ النََّاسُ} (5).
وأنشدنا أبو العباس لأبي ذؤيب (6) يصف الحمار والأتن:
وكأنهنّ ربابة وكأنّه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
شبه الأتن بالقداح المجتمعة. وأصل الربابة: جلدة تجمع القداح، واليسر: الداخل في الميسر وصاحب الميسر. والميسر: القمار. وقوله: يفيض على القداح ويصدع، معناه:
يفيض بالقداح، ومعنى ذلك: أن هذا الحمار يجمع الأتن ويفرقها. وأصل الصدع الإظهار، قال الله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} (7)، وقال جرير (8):
__________
(1) الفائق 3/ 159، النهاية 3/ 177.
(2) سورة النبأ: آية 14.
(3) شعره: 132وفيه: ذي الأبارق.
(4) للملقطي في اللسان (كظم).
(5) سورة البقرة: آية 199.
(6) ديوان الهذليين 1/ 6.
(7) سورة الحجر: آية 94.
(8) ديوانه 175، والجنف: الميل.(1/647)
هو الخليفة فارضوا ما قضى لكم ... بالحق يصدع ما في قوله جنف
وقال الآخر يرثي حجر بن عدي:
ومن صادع بالحق بعدك ناطق ... بتقوى ومن إن قيل بالجور غيّرا (1)
وقولهم: ملح ذرآنيّ
قال أبو بكر: العامة تخطئ فيه فتتكلم به بالدال، وتزيد عليه ما ليس منه، والعرب تقول: ذرآني وذرآني. قال أبو العباس: وصف بذلك لبياضه، وهو من قولهم: قد ذرئ الرجل يذرأ ذرأ، إذا أخذ الشيب في مقدم رأسه. ويقال: ذرئت لحيته، إذا شابت، قال الشاعر (2):
لمّا رأته ذرئت مجاليه ... يقلي الغواني والغواني تقليه
وأنشدنا أبو العباس:
وقد علتني ذرأة بادي بدي ... وصار للفحل لساني ويدي (3)
معناه: قد علاني الشيب أول كل شيء وقبل كل شيء. وقوله: وصار للفحل لساني ويدي، معناه: خرجت عن الشباب ودخلت في الكهولة.
وقولهم: قد منحني الله حسن رأي فلان
قال أبو بكر: معناه: قد وهب الله تعالى ذلك لي. وأصل المنحة: أن يدفع الرجل إلى الرجل شاة أو ناقة يجعل له لبنهما وهما ملك للدافع. ثم أكثرت العرب استعمال، المنح حتى جعلوه هبة وعطاء، قال الشاعر (4):
لنا ناقة من منحة الله درّها ... ومرتعها بين الوسادة والحلس
__________
(1) لعبد الله بن خليفة الطائي في تاريخ الطبري 5/ 282.
(2) أبو محمد الفقعسي في التكملة والذيل والصلة 1/ 21 (ذرأ). والمجالي: ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه.
(3) أبو نخيلة السعدي في الصحاح (ذرأ).
(4) لم أقف عليه.(1/648)
معوّدة ألّا تزال مناخة ... لشلو سمين أو لأرغفة ملس
كأنّ دم الغزلان لون ذبيحها ... إذا ما أثاروها إلينا من الرّمس
يعني جرّة نبذ فيها نبيذا ودفنها عند وسادة وشبهها بالناقة وما يشرب بالمنحة.
وجاء في الحديث: «المنحة مردودة والدّين مقضيّ والعارية مؤدّاة والزعيم غارم» (1).
فالمنحة هي التي تقدم ذكر تفسيرها، والزعيم: الكفيل. وأنشدنا أبو العباس:
غدا بعدما جفّ الندى عن نقاله ... بذرآء تدري كيف مشي المنائح (2)
الذرآء: ناقة في رأسها بياض. والنقال: النعل، أراد: بعدما انبسطت الشمس.
وقوله: تدري كيف مشي المنائح، معناه: قد منحت مرة بعد مرة. والعرب تقول: منا من يجزّ ويجمّ ويفقر ويعمر ويرقب ويمنح ويتمّ ويعري ويحيل ويفحل. فيجز معناه:
يعطي الجزة من الصوف بعد الجزّة. ويجم معناه: يعطي الجمم، وهي: الديات، واحدتها جمّة. ويفقر معناه: يعطي الرجل البعير يركبه من فقار ظهره. ويعمر معناه: يعطي الرجل البعير ينتفع به ما دام المعطى حيا. ويرقب معناه: يفعل به ذل ما دام المعطى حيا. ويمنح معناه: يعطي البعير والشاة من ينتفع بألبانها. ويتم: يعطي الناس تمام أكسيتهم وحبالهم.
ويعري: يجعل للرجل تمر نخلة من نخلة أو أكثر منها سنة أو سنتين. ويحيل: يعطي الناس الميرة قبل أن ترد إبلهم بها. ويفحل معناه: يعطي الرجل البعير يضرب في إبله، يقال: قد أفحلتك فحلا، إذا فعلت ذلك به.
وقولهم: قد حيل بين العير والنّزوان
قال أبو بكر: النّزوان مصدر بمنزلة النّزو. يقال: نزا الحمار نزوا ونزوانا، كما يقال: غلت القدر غليا وغليانا، وغثت نفسه غثيا وغثيانا. وأول من قال هذا صخر بن عمرو أخو الخنساء، ثم جعل كالمثل يضرب عند الشيء يحاوله الإنسان ويتمناه فلا يصل إليه. وأخبرنا أبو العباس قال: قال أبو عبيدة: حدثني أبو بلال بن سهم ابن أبيّ بن مرداس السلمي قال: غزا معاوية بن عمرو بن الحارث بن عمرو الشريدي،
__________
(1) النهاية 3/ 389.
(2) لم أقف عليه.(1/649)
وهو أخو الخنساء، مرّة وبني غطفان. ومعه خفاف بن ندبة الشريدي فاعتور معاوية دريد وهاشم ابنا حرملة فاستطرد له أحدهما ثم وقف وحمل عليه الآخر فقتله، فلما تنادوا: قتل معاوية، قال خفاف بن ندبة: قتلني الله إن رمت حتى أثأر منه، وشدّ على مالك بن حمار الشمخي سيد بني فزارة فقتله وقال (1):
إن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فإني على عمد تيمّمت مالكا
وقفت له علوى وقد خام صحبتي ... لأبني مجدا أو لأثأر هالكا
أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إنني أنا ذلكا
فلما بلغ صخرا قتل أخيه معاوية، أتى بني مرة في الشهر الحرام، فوقف على ابني حرملة فإذا أحدهما في عضده طعنة فقال: أيكما قتل معاوية؟ فسكتا، فقال الصحيح للجريح: مالك لا تجيبه؟ قال: وقفت له فطعنني هذه الطعنة وقتله أخي فأينا قتلته فقد أخذت بثأرك، أما إنّا لم نسلب أخاك، قال: فما فعلت السمّى؟ قال: هي تيك ردّوها عليه. فلما رجع إلى قومه قالوا: اهجهم، قال: ما بيننا أجل من القذع، ولو لم أكفف عنهم إلا رغبة بنفسي عن الخنا لكففت، وأنشأ يقول (2):
تقول ألا تهجو فوارس هاشم ... ومالي إذ أهجوهم ثمّ ماليا
أبي الشتم أني قد أصابوا كريمتي ... وأن ليس إهداء الخنا من شماليا
وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... كما تركوني واحدا لا أخا ليا
قال أبو العباس: حدثني محمد بن سلام بنحو من هذا الحديث وقال: أنشدني عبد القاهر بن السّري السلمي هذه الأبيات الثلاثة وقال: دخلت على بلال بن أبي بردة الحبس، فأنشدني هذه الأبيات. قال أبو العباس: وقال أبو عبيدة: ثم إن صخرا غزاهم في العام المقبل فلما دنا وهو على السّمّي قال: إني أخاف أن أشرفت على القوم أن يعرفوا غرّة السمى فيتأهبوا فحمّم غرّتها، فلما طلعت على أداني الحي قالت امرأة لأبيها: هذه والله السمى، فنظر فقال: السمى غراء وهذه بهيم، فلم يشعروا إلا والخيل دواس فقتل صخر دريدا وأصابوا في بني عامر، وقال صخر:
__________
(1) شعره 6664. وعلوى: اسم فرس خفاف. (أسماء خيل العرب 74).
(2) الكامل 1222.(1/650)
ولقد قتلتكم ثنى وموحدا ... وتركت مرّة مثل أمس المدبر
ولقد دفعت إلى دريد طعنة ... نجلاء تزغل مثل غطّ المنحر
قال أبو العباس: قال أبو عبيدة: غزا صخر بن عمرو، وهو أخو الخنساء، بني أسد ابن خزيمة فاكتسح إبلهم فجاءهم الصريخ فركبوا فالتقوا بذات الأثل فطعن ابن ثور الأسدي صخرا طعنة في جنبه وأملت الخيل فلم يقعص في مكانه وجوى منها فمرض حولا حتى مله أهله، فسمع امرأة تقول لامرأته سلمى: كيف بعلك؟ فقالت: لا حي فيرجى ولا ميّت فينعى، قد لقينا منه الأمرّين. فقال صخر: أرى أمّ صخر لا تمل عيادتي.
قال أبو العباس: وحدثني محمد بن سلام قال: حدثنا عبد القاهر بن السري قال: طعن صخرا ربيعة الأسدي فأدخل حلقات من حلق الدرع في جوفه فمرض زمانه حتى ملّته امرأته، وكان يكرمها ويعينها على أهله، فمرّ بها رجل وهي قائمة وكانت ذات خلق وأوراك، فقال لها: أيباع الكفل؟ قالت: نعم، عما قليل، وكل ذلك يسمعه صخر فقال:
أما والله لئن قدرت لأقدمنّك قبلي، فقال لها: ناوليني السيف أنظر هل تقلّه يدي؟
فناولته، فإذا هو لا يقلّه، فقال (1):
أرى أم صخر لا تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
فأيّ امرئ ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلا في شقى وهوان
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
قال أبو العباس: وزادني محمد بن سلام:
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغترّ بالحدثان
قال: وزاد جبر بن رباط النعامي بيتا:
فللموت خير من حياة كأنّها ... محلّة يعسوب برأس سنان
قال أبو عبيدة: فلما طال به البلاء، وقد نتأت قطعة من جنبه مثل اليد في موضع الطعنة، قيل له: لو قطعتها لرجونا أن تبرأ، قال: شأنكم، وأشفق عليه قوم فنهوه فأبى،
__________
(1) الأبيات في الشعر والشعراء 345. وهي عدا الأخير في الأصمعيات 146والكامل 1225 والمصون 178.(1/651)
فأخذوا شفرة فقطعوا ذلك الموضع، فيئس من نفسه، فقال (1):
أجارتنا إن الحتوف تنوب ... على الناس كلّ المخطئين تصيب
أجارتنا إن تسأليني فإنّني ... مقيم لعمري ما أقام عسيب
كأني وقد أدنوا لحزّ شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين نكيب
عسيب: جبل. ودامي الصفحتين نكيب: بعير أو حمار. ثم مات فدفن إلى جانب عسيب، وهو جبل يقرب من المدينة، فقبره هناك معلما.
وقولهم: قد بكى فلان فلانا بأربعة
قال أبو بكر: معناه: بأربعة أمواق في كل عين ماقان، فحذفت الأمواق لبيان معناها عندهم. قالت امرأة من العرب ترثي بنين لها:
لا أفتأ الدهر أبكيهم بأربعة ... ما اجترّت النيب أو حنّت إلى بلد (2)
والماق: طرف العين الذي يلي الأنف، وفيه لغات: مأق ومأق وماق بغير همز ومؤق وموق وأمق وموقئ. فمن قال: مؤق ومأق، قال في الجمع: آماق. ومن قال: ماق وموق، قال في التثنية: ماقيان وموقيان. وفي الجمع: مواق. والذي يضم القاف يقول في التثنية: ماقان وموقان. والذي يقول: أمق، يقول في الجمع أمآق. والذي يقول: موقئ.
يقول في الجمع: مواقئ. قال الشاعر (3):
أتزعمها تصوّب مأقييها ... غلبتك والسماء وما بناها
وقال الآخر:
والخيل تطعن أزّا في مآقيها
وطرف العين الذي يلي الصدغ يقال له: لحاظ، وجمعه: ألحظة ولحظ. والعظمان المشرفان على غار العين يقال لهما: حجاجان. والفجوتان حول العينين يقال لهما:
محجران، قال الشاعر:
__________
(1) الكامل 1225وجمهرة الأمثال 1/ 272مع خلاف في ترتيب الأبيات.
(2) لم أقف عليه.
(3) مزاحم العقيلي، ديوانه 23 (لندن) 130 (القاهرة) وفيهما: أتحسبها.(1/652)
وعين لها من ذكر صعبة واكف ... إذا غاضها كانت وشيكا جمومها
تنام قريرات العيون وبينها ... وبين حجاجيها قذى لا ينيمها (1)
ويقال لباطن الجفن الذي ترى فيه عروق حمر: حملاق، وجمعه: حماليق، ومنه قولهم: عرفته في حماليق عينيه، قال عبيد (2):
فدبّ من حسيسها دبيبا ... والعين حملاقها مقلوب
أراد بالحملاق ما وصفنا.
وقولهم: فلان من أهل السّنّة
قال أبو بكر: معناه: من أهل الطريقة المحمودة، فحذف نعت السنة لانكشاف معناه. والسنة معناها في اللغة: الطريقة، وهي مأخوذة من السّنن وهو: الطريق. يقال: خذ على سنن الطريق وسننه وسننه وملكه وملكه وسنحه وسجحه ودرره وثكمه ومرتكمه ولقمه وملقه ووضحه ولقاته، أي: على وسطه وجادّته. ويقال: قد ركب فلان الجادّة والجرجة والمجبّة بمعنى. ثم تستعمل السنن في كل شيء يراد به القصد، قال جرير (3):
نبني على سنن العدو بيوتنا ... لا نستجير ولا نحلّ حريدا
وقال لبيد (4):
من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنّة وإمامها
والسنة في غير هذا: صورة الوجه. قال ذو الرمة (5):
تريك سنّة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب
وقال عمران بن حطان (6):
كأنّ ضياء سنّته هلال ... بدا بعد الغموم إلى السراب
__________
(1) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 181. والبيت الأول ساقط من ل.
(2) ديوانه 19وفيه: فدب من رأيها
(3) ديوانه 341والحريد: البيت المنفرد.
(4) ديوانه 320.
(5) ديوانه 29. وغير مقرفة: ليست بهجينة، والندب: آثار الجروح.
(6) أخل به شعر الخوارج.(1/653)
ويقال: سننت الحجر على الحجر إذا حككته عليه، ويقال للذي يخرج من بينهما: سنين، قال الله تبارك وتعالى: {مِنْ صَلْصََالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} * (1)، فيقال:
المسنون: المحكوك، ويقال: هو المخروط، ويقال: هو المنتن.
وقولهم: أنا مؤمن بوحي الله عز وجل
قال أبو بكر: الوحي: ما يوحيه الله تعالى إلى أنبيائه، سمي وحيا لأن الملك ستره عن جميع الخلق وخص به النبي صلّى الله عليه وسلم المبعوث إليه. قال الله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى ََ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} (2)، فمعناه: يسرّ بعضهم إلى بعض، فهذا أصل الحرف.
ثم يكون الوحي بمعنى: الإلهام، كقوله عز وجل: {وَأَوْحى ََ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (3)، أراد:
ألهمها. وكقوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبََارَهََا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى ََ لَهََا} (4)، أراد: ألهمها.
وكقول علقمة بن عبدة (5):
يوحي إليها بإنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم
ويكون الوحي بمعنى الأمر، كقوله عز وجل: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوََارِيِّينَ} (6)، أراد: أمرتهم. ويكون بمعنى: الإشارة، كقوله عز وجل: {فَأَوْحى ََ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (7)، أراد: أشار إليهم. ويكون بمعنى: الكتابة، كقول جرير (8):
عرفت الدار بعد بلى الخيام ... سقيت نجيّ مرتجز ركام
كأنّ أخا اليهود يخطّ وحيا ... بكاف في منازلها ولام
__________
(1) سورة الحجر: آية 26، 28.
(2) سورة الأنعام: آية 112.
(3) سورة النحل: آية 68.
(4) سورة الزلزلة: الآيتان 4، 5.
(5) ديوانه 62، وتراطن الروم: ما لا يفهم من كلامهم، والأفدان: جمع فدن وهو القصر.
(6) سورة المائدة: آية 111.
(7) سورة مريم: آية 11.
(8) ديوانه 197. وفيه: نجاء. وكذا في ك. وجاء في شرحه: (عمارة كان يقول: نجي، والنجي والنجاء والنجو واحد وهو الغيث. والمرتجز: الراعد. والركام: المتراكم).(1/654)
أراد: يخط كتابا. وقال الآخر:
كوحي صحائف في عهد كسرى ... فأهداها لأعجم طمطميّ (1)
ويقال: أوحى إيحاء، ووحى يحي وحيا بمعنى، قال الراجز (2):
الحمد لله الذي استقلّت ... بإذنه السماء واطمأنّت
وحى لها القرار فاستقرّت
وقولهم: قد بلّح فلان
قال أبو بكر: معناه: قد بطل وانقطع ما عنده مما يباهي به ويفاخر، وأصله من تبليح البعير، يقال: بلح البعير وبلّح إذا انقطع سيره وسقط إعياء وكلالا. قال الأعشى (3):
وإذا حمّل ثقلا بعضهم ... فاشتكى الأوصال منه وبلح
وقولهم: بضعة وعشرون درهما
قال أبو بكر: قال أبو العباس عن الأثرم عن أبي عبيدة: البضع: ما بين ثلاث وخمس. وقال قتادة: البضع: يكون بين الثلاث والتسع والعشر. وقال الأخفش: البضع:
من واحد إلى عشرة. وقال محمد عن الفراء في قول الله عز وجل: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} (4)، ذكر أنه لبث سبعا بعد خمس سنين بعد قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [5]، قال: والبضع: ما دون العشرة. وحدثنا محمد بن خالد بن عثمة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: لما نزلت {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} (6)، ناحب أبو بكر قريشا، فقال له رسول الله
__________
(1) لم أقف عليه. والطمطمي: الأعجم الذي لا يفصح.
(2) العجاج، ديوانه 266.
(3) ديوانه 160وفيه رواية أخرى: حمل عبئا وأنح.
(4) سورة يوسف: آية 42.
(5) انظر السابق.
(6) سورة الروم: الآيتان 1، 2.(1/655)
صلّى الله عليه وسلم: «ألا احتطت فإن البضع ما بين السبع إلى التسع» (1). ويقال في عدد المؤنث:
بضع، وفي عدد المذكر: بضعة، فمجراه مجرى خمس وخمسة وست وستة. حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري قال: سمعت مالكا يقول: أتيت ابن شهاب فحدثني ببضعة وأربعين حديثا، ثم قال لي: إيه أعدها علي، فأعدت عليه الأربعين وسقطت البضعة. فأدخل الهاء على بضعة لتذكير الحديث. وأما البضعة من اللحم فمفتوحة الباء، وجمعها بضع وبضع. قال زهير (2):
دما عند شلو تحجل الطير حوله ... وبضع لحام في إهاب مقدّد
وقولهم: قد منّ فلان على فلان
قال أبو بكر: يحتمل تأويلين، أحدهما: أحسن إليه غير معتدّ بالإحسان. يقال: قد لحقت فلانا من فلان منّة، إذا لحقته منه نعمة باستنقاذ أو ما أشبهه. ويقال: من عليه، إذا عظم الإحسان وفخر به وأبدا في ذكره وأعاد، حتى أفسده ونغّصه على المحسن إليه.
والأول مستحسن والآخر مستسمج. فمن المعنى الأول: قولهم في أسماء الله عز وجل:
الحنّان المنّان (3)، أي الذي ينعم غير فاخر بالإنعام ولا معجب من جهته، ومن المعنى الثاني المذموم قول الشاعر (4):
ألبان إبل تعلّة بن مسافر ... ما دام يملكها عليّ حرام
وطعام عمران بن أوفى مثله ... ما دام يسلك في البطون طعام
إن الذين يسوغ في أحلاقهم ... زاد يمنّ عليهم للئام
أراد: يفخر عليهم به ويجعل عظيما. وأنشدنا أبو العباس:
وطعام حجناء بن أوفى مثله
وأنشدنيه أبي رحمه الله قال: أنشدنا أبو عكرمة: وطعام عمران بن أوفى. وقال
__________
(1) المسند 4/ 168وسنن الترمذي 2/ 150.
(2) ديوانه 227. والشلو: بقية الجسد، واللحام: جمع لحم، والإهاب: الجلد، والمقدد: المخرق.
(3) اشتقاق أسماء الله 281.
(4) رجل من بني تميم في الكامل 55.(1/656)
الله تبارك وتعالى: {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} * (1)، أراد: لا يمن الله عليهم به فاخرا ومعظّما كما يفعل ذلك بخلاء المنعمين، قال الشاعر:
أفسدت بالمنّ ما قدمت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنّان (2)
وقال الآخر:
أنلت قليلا ثم أسرعت منّه ... فنيلك ممنون كذاك قليل (3)
وقال بعض المفسرين (4): أجر غير محسوب. وقال بعضهم: معناه: غير مقطوع، من قولهم: حبل منين إذا كان خلقا كالمنقطع. ويقال: رجل منين، إذا أبلاه السفر وذهب بقوته.
وقولهم: لا أفعل هذا البتّة
قال أبو بكر: البتة معناها في كلام العرب: القطعة، أي: قطعت هذا الفعل، قطعته وتركته، وهو من قول العرب: قد بتتّ على فلان القضاء وأبتته إذا قطعته. ويقال: لهم عليه صدقة بتّة بتلة، فالبتة قد مضى تفسيرها، والبتلة قريبة المعنى من البتة، أصلها القطع أيضا. يقال: قد تبتل الرجل تبتلا إذا ترك أمور الدنيا وانقطع إلى العبادة، قال الله عز وجل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (5)، أراد: وانقطع إليه انقطاعا. ويقال: امرأة بتول، إذا كانت تاركة للنكاح قليلة الرغبة فيه، فقيل لمريم عليها السلام: بتول، وقيل لفاطمة رضي الله عنه مثل ذلك تشبيها بمريم، وقال أمية بن أبي الصلت (6) في صفة مريم:
أنابت لوجه الله ثم تبتّلت ... فسبّح عنها لومة المتلوّم
أراد: قطعت النكاح ورفضته. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «تزوجوا الولود الودود فإني
__________
(1) سورة التين: آية 6.
(2) لم أقف عليه.
(3) بلا عزو في الأضداد 156.
(4) هو مجاهد في تفسير الطبري 30/ 248. وفي ك: لهم أجر غير ممنون معناه: غير محسوب.
(5) سورة المزمل: آية 8.
(6) ديوانه 485.(1/657)
مكاثر بكم الأمم» (1). ونهى عن التبتل نهيا شديدا. وقال امرؤ القيس (2):
تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهب متبتّل
أراد: منقطع إلى الله تبارك وتعالى تارك للنكاح، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا زمام ولا خزام ولا تبتل ولا رهبانية ولا سياحة في الإسلام» (3). فذهب صلّى الله عليه وسلم إلى ما كان يفعله بعض أهل الكتاب في الزمن الأول من زمّهم أنوفهم وخزمهم تراقيهم عند بلوغهم نهاية العبادة عند الله وحظر هذا على أمته صلّى الله عليه وسلم. وأصل الزمام الحبل من الأدم يجعل في عنق البعير أو في رأسه. والخزام جمع خزامة، وهي: حلقة من شعر تجعل في أنف البعير.
والرهبانية: لزوم الصوامع وترك أكل اللحم. والسياحة: الخروج إلى أطراف البلاد والتفرد من الناس بحيث لا يشهد جمعة ولا يحضر جماعة.
وقولهم: هذا خليج من ماء
قال أبو بكر: الخليج: ماء منقطع من ماء أعظم منه. وأصله من الخلج، وهو:
القطع والجذب، قال مهلهل بن ربيعة (4):
ينوء بصدره والرمح فيه ... ويخلجه خدبّ كالبعير
أراد: يجذبه ويقطعه. وقال الآخر (5):
ولأنت أجود من خليج مفعم ... متراكم الآذي ذي دفاع
المتراكم: المتركب، والآذي: الأمواج، ويقال للسيل أيضا: آذي. وشبيه بهذا البيت قول النابغة (6):
فما الفرات إذا جاشت غواربه ... ترمي أو اذّيه العبرين بالزّبد
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ديوانه 17. وقد سلف شرحه.
(3) الفائق 2/ 122.
(4) أمالي القالي 2/ 131. وخدب: ضخم. و (ابن ربيعة) ساقط من ك.
ومهلهل لقب له، واسمه امرؤ القيس بن ربيعة، وهو خال امرئ القيس وأخو كليب. (الشعر والشعراء 297، الخزانة 1/ 303).
(5) لم أقف عليه.
(6) ديوانه 22. وقد سلف البيت، وشرحه ثمة.(1/658)
وقولهم: قد فاظت نفس فلان
قال أبو بكر: معناه: قد خرجت. ويقال: أفاظ الله نفسه، وفاظ هو نفسه.
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: فاظ الميت ولا يقال: فاظت نفسه ولا فاضت. وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أهل الحجاز وطيّئ يقولون: فاظت نفسه، وقضاعة وتميم وقيس: فاضت نفسه، على مثال: فاضت دمعته، وأنشد:
يكبّ العشار لاذقانها ... كما كبّ عوف أخو قارظه
يريد رجال ينالونها ... وأنفسهم دونها فائظه
أشد عقابا من الليث غاد ... وأجود جودا من اللافظه (1)
وأخبرني أبي رحمه الله قال: أخبرنا الطوسي عن أبي عبيد عن الكسائي قال:
يقال: فاظت نفسه وفاظ هو نفسه وأفاظ الله نفسه، وقال: بعض تميم يقولون: نفسه تفيض. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو صالح التمار الطويل البصري جليس سليمان بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن قيس عن مخرمة بن بكير عن أبي حازم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: «لما كان يوم أحد بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم في طلب سعد بن الربيع، وقال: إذا رأيته فاقرئه مني السلام وقل له:
كيف تجدك؟ فجعلت أطلبه بين القتلى فوجدته بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم فقلت له: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك؟ فقال: على رسول الله السلام، وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن وصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف، وفاضت نفسه» (2).
فهذا الحديث روي بالضاد، وقال دكين (3) الراجز:
اجتمع الناس وقالوا عرس ... إذا قصاع كالأكفّ ملس
__________
(1) عجز الثالث فقط ورد في الاعتضاد 94مع أبيات برواية أخرى ونسبه إلى طرفة. ينظر ديوانه 175.
(2) النهاية 2/ 484. والشفر: حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر.
(3) تهذيب الألفاظ 450. وقد سلفت الأبيات.(1/659)
ففقئت عين وفاظت نفس
وقال رؤبة (1):
والأزد أمسى جمعهم لفاظا ... لا يدفنون منهم من فاظا
وقال ربيعة بن مقروم (2):
وفاظ ابن حصن عانيا في بيوتنا ... يمارس قدّا في ذراعيه مصحبا
أراد بالمصحب: الجلد الذي يترك عليه شعره. وقال محمد بن الجهم عن الفراء:
أفاظ الميت نفسه. وقال أبو عمرو الشيباني في: فاظت نفسه، مثل قول أبي عمرو بن العلاء سواء.
وقولهم: أمّا بعد فقد كان كذا وكذا
قال أبو بكر: قال اللغويون: معنى أما بعد: أما بعد الكلام المتقدم، وأما بعد ما بلغنا من الخبر، فحذفوا ما كانت بعد مضافة إليه، فضمت. ولو ترك الذي هي إليه مضافة لفتحت ولم تضم، كقولهم: أما بعد حمد الله والصلاة على نبيه فإني أقول كذا وكذا، لا يجوز ضمها في هذا الكلام، فإذا أفردت ضمّت. قال الفراء: إنما اختاروا لها الضمّ لتضمنها معنيين، معناها في نفسها، ومعنى المحذوف بعدها، فقويت فحملت أثقل الحركات، كما قالوا: الخصب حيث المطر، فضموا حيث لتضمنها معنى محلين، كأنهم قالوا: الخصب في مكان فيه المطر. وكذلك: نحن قمنا، ألزموا نحن الضم لتضمنه معنى التثنية والجمع، قال الله عز وعلا: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (3)، أراد من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، فضمّهما لما حذف الذي كانتا مضافتين إليه، قال هشام: إنما ضموا كراهة أن يكسروا فيشبه المضاف إلى المتكلم وكرهوا أن يفتحوا فيشبه الاسم الذي لا يجري، الذي ينصب في موضع الخفض، فضموا إذ لم يبق إلا الضم، وقال البصريون: إنما ضموا لأن هذا الظرف خالف سائر الظروف بقيامه مقام المضاف إليه، فبنوه على الحركة التي لا تدخل على الظروف لمخالفته إياها، وهي الضمة، ولم يبنوه
__________
(1) أخل بهما ديوانه.
(2) شعره: 13وفيه: وقاظ أي أقام القيظ كله، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(3) الروم 4. وقد فصل فيها القول السفاقسي في المجيد في إعراب القرآن المجيد 2/ ق 201.(1/660)
على الفتحة والكسرة إذ كانت الظروف تفتح وتكسر، فيقال: جلست عندك وخرجت من عندك، قال الشاعر (1):
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء
فضم وراء للعلل التي وصفناها. وقال الآخر:
ينجى به من فوق فوق وماؤه ... من تحت تحت سريّه يتغلغل (2)
وقال الآخر:
فلو أنّ قومي لم يكونوا أعزّة ... لبعد لقد لاقيت لا بدّ مصرعا (3)
ومن العرب من يقول: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، قال الشاعر:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة ... لقد عطفت مولى علينا العواطف (4)
فمن أخذ بهذه اللغة قال: أما بعد فقد كان كذا وكذا، فيفتح الدال بناء على فتحها في الإضافة. ومنهم من يقول: لله الأمر قبلا وبعدا، و {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}. فمن أخذ بهذين الوجهين قال: أما بعدا فقد كان كذا وكذا. ومنهم من يقول:
أما بعد فقد كان كذا وكذا، بالضم والتنوين، وهو وجه شاذ، والذي قبله أحسن منه، أنشدنا أبو العباس:
فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الحميم (5)
وأنشدنا أبو العباس أيضا:
ما من أناس بين مصر وعالج ... فأبين إلا قد تركنا لهم وترا
ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة ... فما شربوا بعد على لذّة خمرا (6)
__________
(1) عتي بن مالك العقيلي في الكامل 57. وهو بلا عزو في قطر الندى 31وشذور الذهب 103.
(2) لم أقف عليه.
(3) لم أقف عليه.
(4) بلا عزو في أوضح المسالك 3/ 154وشرح ابن عقيل 2/ 72والمقاصد 3/ 334وشرح الجرجاوي 165وفيها جميعا: فما عطفت.
(5) يزيد بن الصعق أو عبد الله بن يعرب. (شرح التصريح على التوضيح 2/ 550الخزانة 1/ 204و 3/ 135). وفي رواية: بالماء الفرات.
(6) الثاني لبعض بني عقيل في معاني القرآن 2/ 321. وهو في أوضح المسالك 3/ 158وشذور الذهب 105: بعدا. وانفردت بعد هذا البيت بزيادة هي: [قال لنا أبو بكر: وكذلك رفعوا المنادى المفرد فقالوا: يا زيد أقبل، فضموه لأنه تضمن معنيين، معناه في نفسه ومعنى ما كان مضافا إليه لأن أصله: يا زيداه، فحمل أثقل الحركات كذلك].(1/661)
قال أبو بكر: والوجه الصحيح المختار هو الأول.
واختلفوا في أول من قال: أما بعد. فيقال: داود عليه السّلام أول من قالها.
ويقال: أول من قالها قسّ بن ساعدة الإيادي. أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يوسف ابن موسى قال: حدثنا وكيع ويعلى عن زكرياء (1) عن الشعبي عن زياد في قوله تعالى: {وَآتَيْنََاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطََابِ} (2)، قال: فصل الخطاب: أما بعد. وأخبرنا أبو علي العنزي قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: قال أبو المنذر هشام بن محمد، وأنا قرأته عليه: عاش قس بن ساعدة الأيادي دهرا طويلا، وقد قيل: ستمائة سنة، وكان من أعقل من سمع به من العرب، وكان من حكماء العرب، وهو أول من كتب: من فلان إلى فلان، وأول من أقر بالبعث من غير علم، وأول من قال: أما بعد وأول من خطب بعصا، وكان سبطا من أسباط العرب، وفيه يقول أعشى بني قيس (3):
وأحلم من قسّ وأمضى من الذي ... بذي الغيل من خفّان أصبح خادرا
وهو الذي يقول (4):
ما الغيث يعطي الأمن عند نزوله ... بحال مسيء في الأمور ومحسن
وما قد تولّى وهو قد فات ذاهب ... فهل ينفعنيّ ليتني ولو انني
وفيه يقول لبيد (5):
وأخلف قسّا ليتني ولو أنّني ... وأعيا على لقمان حكم التدبّر
وكان قس من أحسن الناس في زمانه موعظة، فإنه أقبل على جمل أحمر حتى وقف بسوق عكاظ، فقال: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، أما بعد فإنه من مات
__________
(1) زكرياء بن أبي زائدة، ت 147هـ (تهذيب التهذيب 3/ 329).
(2) سورة ص: آية 20.
(3) ديوانه 241. وفي ك: حاردا، وهي رواية أخرى في ديوانه 49.
(4) المعمرون 88. والثاني فقط في شعره: 214.
(5) ديوانه 56.(1/662)
فات، وكل ما هو آت آت. قال هشام: وقد قدم وفود العرب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:
هل فيكم أحد من إياد؟ قالوا: لا يا رسول الله، فقال: كأني أنظر إليه يعني قسا بسوق عكاظ على جمل له أحمر يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، أما بعد فإن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا، نجوم تمور، وبحار لا تغور، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، أقسم قس بالله لتطلبنّ من الأمر شحطا، ولئن كان بعض الأمر رضى، إن في بعضه لسخطا، وما هذا بلعب فإن وراء هذا لعجبا، أقسم قس بالله وما أثم، إن لله لدينا هو أرضى من دين نحن عليه، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقامة فأقاموا أم تركوا فناموا؟ ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... تمشي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إليّ ... ولا من الباقين غابر
أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
وقال أيضا:
يا ناعي الموت والأموات في جدث ... عليهم من بقايا بزّهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم ... كما تنبّه من نوما ته الصّعق
حتى يجيئوا بحال غير حالهم ... خلق مضى ثم هذا بعد ذا خلقوا
منهم عراة وموتى في ثيابهم ... منها الجديد ومنها الأورق (1) الخلق
قال أبو المنذر هشام: وقال حزم بن أبي راشد: أملّ علي رجل من خراسان مواعظ قس: (مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، وآيات في إثر آيات، وأموات بعد أموات، وسعيد وشقي، ومحسن ومسيء، أين الأرباب الفعلة؟ إن لكل عامل عمله، بل هو والله واحد، ليس بمولود ولا والد، وإليه المآب غدا، أما بعد، يا معشر إياد، فأين ثمود وعاد؟ وأين الآباء والأجداد؟ أين الحسن الذي لم يشكر والظلم الذي لم ينكر؟ كلا ورب الكعبة ليعودنّ ما باد، ولئن ذهب يوما ليعودنّ يوما ما) (2).
__________
(1) الأورق: الذي لونه بين السواد والغبرة.
(2) المعمرون 89.(1/663)
ويقال: أما بعد فأطال الله بقاءك، إنه كان كذا وكذا، وأما بعد أطال الله بقاءك فإنه كان كذا وكذا. فمن أدخل الفاء على أطال، قال: أطال ابتداء الكلام فدخلت الفاء عليه كما تدخل على خبر الاسم الملاصق لأمّا. ومن تخطّى بالفاء أطال فأدخلها على إن، قال: (إنّ) ابتداء الخبر، وأطال الله بقاءك دعاء معترض بمنزلة الملغى المؤخّر.
وقولهم: فلان من أهل المربد
قال أبو بكر: المربد معناه في كلام العرب محبس الإبل والغنم وغيرها، من ذلك مربد المدينة سمي مربدا لأنه كان محبسا للغنم. والمربد بالبصرة سمي مربدا لأنه كان سوقا للإبل. ومنه حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه تيمّم بمربد الغنم وهو يرى بيوت المدينة» (1).
ومنه الحديث الآخر: «أن مسجده صلّى الله عليه وسلم كان مربدا ليتيمين كانا في حجر معاذ بن عفراء فاشتراه معوذ بن عفراء فجعله للمسلمين فبناه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجدا» (2).
ومنه الحديث الآخر: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان له مربد يحبس فيه» (3). وربما جعلت العرب العصا التي تجعل في باب محبس الإبل معترضة مربدا. من ذلك قول الشاعر (4):
عواصي إلا ما جعلت وراءها ... عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا
قال أبو عبيدة (5): عنى هذا الشاعر إبلا تحبسها العصا فهي المربد. ورد ابن قتيبة عليه قوله وقال: العصا ليست مربدا وإنما هي عصا في المربد وقول أبي عبيد هو الحق لأنه أخبر أنها تعصى حفاظها فلا يردها إلا العصا، فلما انفردت العصا بحبسها كانت هي المربد لها. ولأبي عبيد حجتان واضحتان في البيت: أحداهما أنه أضاف العصا إلى المربد، وهي المربد، كما قالت العرب: حبة الخضراء، والحبة هي الخضراء، وكما قالوا:
ليلة القمراء ودين القيّمة. والحجة الأخرى: أن العصا تسمى مربدا لأنها من سبب المربد، كما سموا موضع الدابة آريّا: لأنه من سبب الآري، والآري في الحقيقة: هو الحبل الذي
__________
(1) النهاية 2/ 182وفيه «أنه تيمم بمربد النعم».
(2) غريب الحديث 1/ 246.
(3) لم أقف عليه.
(4) سويد بن كراع في شعره: 155.
(5) غريب الحديث 1/ 247.(1/664)
يحبس به الدابة. والمربد في غير هذا الموضع الذي يجعل فيه التمر بعد الجذاذ قبل أن ينقل إلى المدينة والبيوت، وهو بمنزلة الجرين، ومثله للطعام البيدر والأندر. ومن هذا المعنى حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه قال: اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره (1) أو بردائه فمطر الناس حتى قام أبو لبابة عريانا يسدّ ثعلب مربده بإزاره». فالمربد قد فسّر وثعلب المربد: جحره الذي يخرج منه ماء المطر.
وقولهم: كان هذا في رجب
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سمي رجب رجبا لتعظيم العرب له في الجاهلية، من قولهم: رجبت الرجل أرجبه رجبا إذا أفزعته، قال الشاعر:
إذا العجوز استنخبت فانخبها ... ولا تهيّبها ولا ترجبها (2)
ويقال: إنما سمي رجب رجبا لتعظيمهم إياه، من قول العرب: عذق مرجّب، إذا عمد لعظمه، أنشدنا أبو العباس:
ليست بسنهاء ولا رجبيّة ... ولكن عرايا في السنين الجوائح (3)
والمحرم: سمي محرما لتحريمهم فيه القتال. وصفر: سمي صفرا لخروجهم فيه إلى بلاد يقال لها الصفرية، يمتارون منها. وربيع: سمي ربيعا، لارتباع الإبل فيه، أي: لطلبها النبات والكلأ. وجمادي: سميت جمادى لجمود الماء فيها. وكانت العرب تسمي رجبا: الأصمّ ومنصل الأسنة، فسمي الأصم لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح، وسمي منصل الأسنة لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه، إذ كانوا لا يقاتلون ولا يسفكون فيه دما. وشعبان:
سمي شعبان لتشعب القبائل فيه. ورمضان: سمي رمضان لشدة الحر الذي كان فيه، والرمض عند العرب هو الحر. وشوال: سمي شوالا لشولان الإبل فيه بأذنابها عند اللقاح.
وذو القعدة: سمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه فلا يبرحون. وذو الحجة: سمي ذا
__________
(1) غريب الحديث 3/ 96.
(2) بلا عزو في اللسان (رجب).
(3) لسويد بن الصامت في اللسان (رجب) يصف نخلة بالجودة، والسنهاء التي أضربها الجدب والعرايا: التي يوهب ثمرها، والجوائح: السنون الشداد.(1/665)
الحجة لأنهم كانوا يحجون فيه. قال الأعشى (1) في الأصم ومنصل الأسنة يعني رجبا:
تداركه في منصل الأل بعدما ... مضى غير دأداء وقد كاد يعطب
وأخبرنا أبو العباس قال: قال الأثرم: لا يقال حجّة، بفتح الحاء، إنما هي حجة، بالكسر، قال: وقال سلمة عن الفراء: الحجة مكسورة الحاء، فإذا أردت المرّة، جاز في القياس فتح الحاء فقلت: حجة. وأنشدنا أبو العباس:
علي إلى البيت المحرم حجّة ... أوافي بها نذرا ولم أنتعل نعلا
لقد منحت ليلى المودة غيرنا ... وإن لها مني المودة والبذلا (2)
قال: وأما الحج فيقال فيه: حج وحج. وأخبرنا أبو العباس قال: كانت العرب في الجاهلية تسمي السبت شيارا والأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء جبارا والأربعاء دبارا والخميس مؤنسا والجمعة عروبة، وأنشد:
أؤمّل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار
أو الثاني دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار (3)
قال أبو العباس: ولم نحفظ عنهم أسماء الشهور في الجاهلية. وأخبرني أبي رحمه الله عن بعض شيوخه قال: كانت العرب في الجاهلية تسمي المحرم: المؤتمر، وصفرا:
ناجرا، وربيع الأول: خوّانا وخوانا وربيع الآخر: وبصان وبصان، وجمادي الأولى:
الحنين، وجمادي الآخرة: ربى وربة، ورجبا: الأصمّ، وشعبان: عاذلا، ورمضان: ناتقا، وشوالا: وعلا، وذا القعدة: ورنة، وذا الحجة: برك، على وزن عمر.
__________
(1) ديوانه 138. والأل جمع ألة وهي: الحربة. ويقال لليوم الذي يشك فيه: دأداء.
(2) لم أقف عليهما.
(3) بلا عزو في الأيام والليالي والشهور 6.(1/666)
وقولهم: قد غرّ فلان فلانا
قال أبو بكر: قال بعضهم: معناه: قد عرّضه للهلكة والبوار، من قول العرب: ناقة مغارّ إذا قلّ لبنها وذهب، إما لجدب وإما لعلّة لحقتها وبليّة. ويقال: غر فلان فلانا، معناه:
نقصه وظلمه بغشه إياه وستره عنه ما هو حظّ له، من الغرار وهو: النقصان، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا غرار في صلاة ولا تسليم» (1). أي: لا نقصان فيها من تضييع حدودها وركوعها وسجودها. وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال:
حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري قال: كانوا لا يرون بغرار النوم بأسا.
أي: بالقليل منه في الصلاة. قال الشاعر (2):
إن الرزية من ثقيف هالك ... ترك العيون ونومهنّ غرار
وقال الآخر:
ما أذوق النوم إلا غرارا ... مثل حسو الطير ماء الثّماد (3)
والنوم القليل أيضا يقال له: تهويم، والكثير يقال له: التسبيح، ونوم نصف النهار: التغوير والقيلولة، وقال يزيد بن المهلب:
ما هوّم القوم مذ شدّوا رحالهم ... إلا غشاشا لدى أعضادها اليسر (4)
ويقال: معنى قولهم: غر فلان فلانا، فعل به ما يشبه القتل والذبح، أخذ من الغرار وهو:
حد السكين والشفرة. ويقال أيضا للذي يطبع عليه النصال: غرار. والغرار والغر في غير هذا: زق الطائر فرخه، قال الشاعر:
إن تقتلوا ابن أبي بكر فقد قتلت ... حجرا بنو أسد غرّت بنو أسد (5)
أي: سقيت كما يسقي الطائر فرخه إذا زقه. ويقال: مقلت الشراب في فيّ الرجل أمقله إذا قطرّته فيه. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا وهب بن عمرو بن عثمان النمري
__________
(1) غريب الحديث 2/ 128.
(2) الفرزدق، ديوانه 1/ 295.
(3) الأعرابي في أمالي القالي 1/ 32. والثماد: القليل.
(4) لم أقف عليه.
(5) لم أقف عليه.(1/667)
عن أبيه عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن معاوية بن أبي سفيان قال:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يغر عليا بالعلم غرا» (1)، فتفسيره: يزقه زقّا.
وقولهم: لا ألقاه إلى يوم التّناد
قال أبو بكر: معناه: إلى يوم القيامة. وتفسير التناد: يوم يتنادى أهل الجنة وأهل النار، وينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم. والأصل فيه: التنادي، فاكتفى بالكسر من الياء فأسقطت كما قال الأعشى (2):
وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه ... ويكنّ أعداء بعيد وداد
وقال الآخر:
ما بال هم عميد بات يطرقني ... بالواد من هند إذ تغدو غواديها (3)
أراد: بالوادي، فاكتفى بالكسر من الياء. ويقال: إلى يوم التنادّ، بتشديد الدال، يراد أيضا يوم القيامة، لأنهم يندّون فيه كما تند الإبل إذا هاجت وركبت رؤوسها ومضت على وجوهها. وأخبرنا إدريس قال: حدثنا خلف قال: حدثنا هشيم عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {يَوْمَ التَّنََادِ} (4) بتشديد الدال، أي: يندون كما تندّ الإبل.
وقولهم: قد لعب بالدّوامة
قال أبو بكر: قال: اللغويون: إنما سميت الدوامة دوامة لدورانها وكثرة تحركها، من ذلك قول العرب للرجل: دوّام، إذا كان به دوار. والدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن: دائم، وللمتحرك: دائم. ويقال: قد دوم الطائر إذا تحرك في طيرانه. وقال بعضهم: دوم الطائر، معنه: سكّن جناحيه، وقال: كذا طيران الحدأ والرّخم. وقال الأصمعي: لا يكون التدويم في الأرض، وقال: أخطأ ذو الرمة (5) في قوله:
حتى إذا دوّمت في الأرض راجعة ... كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب
__________
(1) النهاية 3/ 357.
(2) ديوانه 98وفيه: وأخو النساء. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(3) لم أقف عليه.
(4) غافر 32.
(5) ديوانه 102وفيه: أدركه. وفيه قولة الأصمعي أيضا.(1/668)
وحدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد (1) عن ابن عجلان (2) عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة» (3) فالدائم معناه هاهنا: الساكن. ويقال: أدمت الشيء إذا سكنته حتى [دام] هو. قال الجعدي (4):
تفور علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنا إذا حميها غلا
أراد بنديمها: نسكنها، وبالقدر: قدر الحرب، شبه شدتها بالقدر التي يوقد تحتها وتغلي، ونفثؤها معناه: نسكنها، يقال: قد فثأت غضب فلان، إذا سكنته. وأنشدنا أبو العباس:
تمنيت من حبي عليّة أننا ... على رمث في البحر ليس لنا وفر
على دائم لا تعبر الفلك موجه ... ومن دوننا الأهوال واللجج الخضر
فنقضي همّ النفس في غير رقبة ... ويغرق من نخشى نميمته البحر (5)
أراد بالدائم: الساكن. والرمث: خشب يضمّ بعضه إلى بعض ويركب عليه في البحر، من ذلك حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنّ العركيّ سأله فقال: يا رسول الله إنا نركب أرماثا لنا في البحر» (6). فالأرماث جمع الرمث، والعركي: الصياد، صياد السمك، وجمعه عرك وجمع العرك العروك، من ذلك حديثه صلّى الله عليه وسلم أنه كتب على بعض اليهود أو على بعض نصارى نجران: «وعليهم ربع المغزل وربع ما صادته عروكهم» (7). أراد: ربع ما يغزله النساء وربع ما يصيده الصيادون. وقال زهير (8):
يغشى الحداة بهم حرّ الكثيب كما ... يغشى السفائن موج اللّجّة العرك
__________
(1) سعيد بن أبي مريم المصري، ت 224هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 17).
(2) محمد بن عجلان المدني، ت 149هـ. (تهذيب التهذيب 9/ 342).
(3) غريب الحديث 1/ 224.
(4) ديوانه 118.
(5) لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين 958. وفيه: ومن دوننا الأعداء، ويعدو من نخشى.
(6) النهاية 3/ 261.
(7) النهاية 3/ 222.
(8) ديوانه 167.(1/669)
ورواه أبو عبيدة: كما يغشى السفائن موج اللجة العرك. فالعرك: المتلاطم الذي يدفع بعضه بعضا. وأنشدنا أبو العباس لأبي ذؤيب (1) يصف الدرّة:
فجا بها ما شئت من لطميّة ... يدوم الفرات فوقها ويموج
أراد بيدوم: يسكن، والفرات: العذب. وقال ابن قتيبة: أخطأ أبو ذؤيب في هذا البيت، لأن الدرة لا تخرج من العذب إنما تخرج من الملح. وقال: هذا البيت في الغلط كقول الآخر (2):
مثل النصارى قتلوا المسيحا
وما ادعى أحد قط أن النصارى قتلوا المسيح. وقول أبي ذؤيب عندنا صواب، واعتراض ابن قتيبة عليه خطأ، لأن الدرة لما كانت تنمي بالماء الملح وتشرق وتحسن ولا يضر بها ولا يفسدها، كان لها بمنزلة العذب لها.
وقولهم: أطرق كرا أطرق كرا ... إن النّعام في القرى (3)
قال أبو بكر: قال لي أبي رحمه الله قال لي الرستمي: هذا يضرب مثلا للرجل يتكلّم عنده بكلام فيظن أنه هو المراد بالكلام، فيقول للمتكلم: أطرق كرا أطرق كرا إن النعام في القرى، أي: اسكت فإني أريد من هو أنبل منك وأرفع منزلة. قال: وقال لي أحمد بن عبيد: هذا يضرب مثلا للرجل الحقير إذا تكلم في الموضع الذي لا يشبهه وأمثاله الكلام فيه، فيقال له: اسكت يا حقير فإن الأجلاء والأعزاء أولى بهذا الكلام منك. والكرا: هو الكروان، والكروان طائر صغير، فخوطب الكروان والمعنى لغيره، وشبّه الكروان بالذليل والنعام بالأعز. ومعنى أطرق: أغض، أي: ما دام عزيز فإياك أيها الذليل أن تنطق. ويقال في جمع الكروان: كروان، كما يقال: ورشان (4) للواحد، وللجمع ورشان. ويقال:
رجل شقذان إذا كان سريع المشي، والجمع شقذان. ورجل صخبان وقوم صخبان،
__________
(1) ديوان الهذليين 1/ 57. واللطيمة نسبة إلى اللطيمة وهي: السوق التي تباع فيها العطريات.
(2) لم أقف عليه.
(3) جمهرة الأمثال 1/ 194، شرح درة الغواص 189.
(4) طائر شبه الحمامة.(1/670)
وحمار فلتان وحمير فلتان، أنشد أبي رحمه الله قال: أنشدنا الرستمي لطرفة (1):
قسمت الدهر في زمن رخيّ ... كذاك الحكم يقصد أو يجور
لنا يوما وللكروان يوما ... تطير البائسات وما تطير
وقال الرستمي وغيره: الكرا هو الكروان، حرف مقصور. وقال غيرهم: الكرا ترخيم الكروان، ولا يستعمل الترخيم إلا في النداء، كقولهم: يا بثين أقبلي وعزّ اعرضي، فمتى جاء في غير النداء فهو شاذ لا يقاس عليه. والألف في الكراهي الواو التي في الكروان، جعلت ألفا عند سقوط الألف والنون لتحركها وانفتاح ما قبلها، والعرب تقول: يا مرو أقبل ويا مرو أقبل، يريدون: يا مروان. ويا فل أقبل ويا فل أقبل، يريدون: يا فلان. قال الشاعر (2):
يا مرو إن مطيّتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل الذي كان يطاع في معاصي الله فيؤمر به إلى النار فيقذف فتندلق أقتابه فيستدير كما يستدير الحمار في الرحى فيمر بأصحابه الذين كانوا يطيعونه فيقولون له: أي فل أين ما كنت تصف؟ فيقول: إني كنت آمركم بالأمر ثم أخالف إلى غيره» (3). أراد: يا فلان. وتندلق: تخرج خروجا سريعا.
والأقتاب يقال: هي الأمعاء، ويقال: هي ما استدار من البطن. والأمعاء يقال لها:
الأقصاب والأنداء. والكرا بمعنى الكروان مقصور يكتب بالألف، والكرى من النوم مقصور يكتب بالياء (4)، قال حميد بن ثور (5):
به عزف جنّ وأهوالها ... إذا ما سمعن منعن الكرى
وقال الآخر (6):
نأت دار ليلى فشطّ المزار ... فعيناك ما تطعمان الكرى
__________
(1) ديوانه 102.
(2) الفرزدق، ديوانه 1/ 384وفيه مروان. وعلى هذه الرواية يسقط الشاهد.
(3) الفائق 1/ 434.
(4) المقصور والممدود 105، شرح ما يكتب بالياء 166.
(5) أخل به ديوانه.
(6) أبو صفوان الأسدي، مقصورته ق 1وهي بتمامها في أمالي القالي 2/ 240237.(1/671)
والكرا: دقة الساقين، مقصور يكتب بالألف، يقال: رجل أكرا، وامرأة كرواء. والكراء، ممدود: ثنيّة بالطائف يكتب بالألف.
وقولهم: رجل مفرّك
قال أبو بكر: أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: المفرك: المتروك المبغض. يقال:
قد فارك فلان فلانا إذا تاركه. وقال غيره: هو من قولهم: قد فركت المرأة زوجها إذا أبغضته، فهي فارك، من نساء فوارك. فإذا أبغضها هو قيل: صلفها، وصلفت عنده. قال أبو هريرة: (جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله سواران من ذهب، قال:
سواران من نار، قالت: طوق من ذهب، قال: طوق من نار، قالت: قرطان من ذهب، قال: قرطان من نار، قالت: يا رسول الله إن المرأة إذا لم تزيّن لزوجها صلفت عنده، قال: ما يمنع إحداكن من أن تتخذ قرطا من فضة بالزعفران» (1). وأخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو هفان قال: حدثنا أبو عبيدة قال: خرج أعرابي، وكانت امرأته تفركه وكان يصلفها، فأتبعته نواة وقالت: شطّت نواك وناء سفرك، ثم أتبعته روثة وقالت: رثيتك وراث خبرك، ثم أتبعتهما حصاة وقالت: حاص رزقك وحصّ أثرك.
قال أبو هفان: تفركه تبغضه، ويصلفها يبغضها، وأنشد:
وقد أخبرت أنّك تفركيني ... وأصلفك الغداة فلا أبالي (2)
وشطت: بعدت، وناء: بعد، وراث: أبطأ، وحاص: حاد، وحصّ: محي.
وقولهم: فلان ذكيّ
قال أبو بكر: معناه: كامل الفطنة تامها، من قول العرب: قد ذكت النار تذكو، إذا تمّ وقودها. ويقال: أذكيتها، إذا أتممت وقودها، ويقال: مسك ذكي إذا كان تامّ الطيب كامل نفاذ الريح، قال جميل (3):
صادت فؤادي بعينيها ومبتسم ... كأنّه حين أذكته لنا برد
__________
(1) ينظر: النهاية 3/ 47.
(2) بلا عزو في اللسان (فرك).
(3) ديوانه 58وفيه: حين أبدته.(1/672)
عذب كأنّ ذكيّ المسك خالطه ... والزنجبيل وماء المزن والشّهد
ويقال: قد ذكّيت الشاة، إذا أتممت ذبحها وبلغت الحدّ الواجب فيه، قال الشاعر:
نعم هو ذكّاها وأنت أضغتها ... وألهاك عنها خرفة وفطيم (1)
والعرب. تقول: جري المذكّيات غلاب، أي: جري المسانّ مغالبة، وذلك أنّ المذكية من الخيل: وهي التي تّمت قوتها وشبابها تحمل على الخشن من الأرض للثقة بقوتها وصلابتها، وأنها ليست كالجذاع والصغار التي يطلب لها الرخاوة من الأرض لضعفها وصغرها، وأنها لا تثبت ثبات المذكيات. وبعضهم يقول: جري المذكيات غلاء، فالغلاء جمع غلوة، وهي مدى الرّمية، قال الشاعر في الذكاء الذي معناه: تمام الفطنة:
شهم الفؤاد ذكاؤه ما مثله ... عند العزيمة في الأنام ذكاء (2)
وقال زهير (3) في الذكاء الذي معناه: تمام السّنّ:
ويفضلها إذا اجتهدت عليه ... تمام السن منه والذكاء
والذكاء في هذين المعنيين ممدود. والذكا: تمام اتقاد النار، مقصور يكتب بالألف، قال الشاعر:
وتضرم في القلب اضطراما كأنّه ... ذكا النار تزفيه الرياح النوافح (4)
ويقال: مسك ذكي ومسك ذكية، فالذي يذكر يقول: المسك مذكّر، والذي يؤنث يقول: ذهبت إلى الرائحة، أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء (5):
لقد عاجلتني بالسّباب وثوبها ... جديد ومن أثوابها المسك تنفح
وقال: أراد رائحة المسك. وأخبرني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو هفان المهزمي قال:
المسك والعنبر يذكران ويؤنثان، قال: وأنشدنا في التأنيث:
والمسك والعنبر خير طيب ... آخذتان الثمن الرغيب (6)
__________
(1) بلا عزو في أخبار الأذكياء 10.
(2) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 307وأخبار الأذكياء 11.
(3) ديوانه 69.
(4) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 94وأخبار الأذكياء 11. وتزفيه: ترفعه.
(5) المذكر والمؤنث 97. والبيت لجران العود في ديوانه 40.
(6) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 130والمخصص 17/ 25.(1/673)
وقال الأعشي (1) في التذكير:
إذ تقوم يضوع المسك آونة ... والعنبر الورد من أردانها شمل
وقال الآخر (2):
فإنا قد خلقنا مذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت
وأنشدنا أبو العباس:
وألين من مس الرّحى بات يلتقي ... بمارنه الجاديّ والعنبر الورد (3)
الجادي: الزعفران. وقال الآخر:
تنفح بالمسك ذفاريّهم ... وعنبر يقطبه قاطب (4)
وقال الآخر، وهو عدي بن زيد (5):
أطيب الطيب طيب أم حنين ... فأر مسك بعنبر مفتوق
علّلته بزنبق وببان ... فهو أحوى على اليدين شريق
وقولهم: رأيت ضلع فلان على فلان
قال أبو بكر: معناه: رأيت ميله عليه، يقال: ضلع الرجل يضلع ضلعا، إذا مال وأذنب، فهو ضلع وضالع، قال النابغة (6):
وخبرت خير الناس أنّك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع
مقالة أن قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك رائع
أتوعد عبدا لم يخنك أمانة ... وتترك عبدا آمنا وهو ضالع
__________
(1) ديوانه 55وفيه: أصورة والزنبق.
(2) الزبير بن عبد المطلب في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 129والمخصص 17/ 25.
والحبرات جمع حبرة، وهو: ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط.
(3) ليزيد بن الطثرية، شعره: 66. وفي الأصل: من حس الرخامات. والصواب ما أثبتنا.
والرحى: رحى الظفر. والجادي: نسبة إلى جادية، وهي قرية بالشام يكثر بها الزعفران.
(4) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 130.
(5) ديوانه 7776وفيه: أم علي مسك فأر. وخلطته بآخر. وفي ك: أم حكيم. (وهو عدي ابن زيد) ساقط من ك. ونسبه ابن الأنباري إلى أسماء بن خارجة في المذكر والمؤنث 129.
(6) ديوانه 4847.(1/674)
وحكى بعض اللغويين: رجل ظالع، بالظاء، إذا كان مائلا مذنبا، وقال: هو مشبّه بالظالع من الإبل، وهو الذي يتوقّى إذا مشى. والظّلع للبعير بمنزلة الغمز للدواب.
ويقال: رمح ضلع إذا كان مائلا، وقد ضلع يضلع إذا كان الميل خلقة فيه. فإذا لم يكن خلقة فهو ضالع، كما يقال: عرج الرجل يعرج إذا كان خلقته العرج. وعرج يعرج إذا غمز من شيء أصابه. (ويحكى عن عبد الله بن الزبير أنه نازع مروان بن الحكم بين يدي معاوية، فرأى ابن الزبير ضلع معاوية مع مروان فقال له: يا معاوية أطع الله نطعك فإنه لا طاعة لك علينا إلا إذا أطعت الله ولا تطرق إطراق الأفعوان في أصول السّخبر).
السخبر: ضرب من الشجر سبيل الأفاعي أن تكون في أصوله. والأفعوان ذكر الأفاعي، وهو بمنزلة العقربان ذكر العقارب، والضبعان والعشان: والعيلان ذكر الضباع، والثعلبان ذكر الثعالب، قال الشاعر (1):
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب
والظليم والنقنق والهقل والخفيدد ذكر النعام، والعلجوم ذكر الضفادع، والغليم ذكر السلاحف، والخزز ذكر الأرانب، واليعقوب ذكر القبج، والفياد والصّدى: ذكر البوم، والحرباء: ذكر أم حبين، والشهيم: ذكر القنافذ، والعضرفوط ذكر العظاء، والعنظب والعنظباء: ذكر الجراد، والعنظب والحنظب والخنفس ذكر الخنافس، واليعسوب ذكر النحل وجمعه: يعاسيب، والخدرنق ذكر العناكب، قال الشاعر (2):
ومنهل طام عليه الغلفق ... ينير أو يسدي به الخدرنق
وأخبرنا أبو العباس: قال: أول ما قال عبد الرحمن بن حسان (3) من الشعر هذا البيت، قاله للكميت وقد عزم على ضربه لاحتباسه عليه:
الله يعلم أني كنت مشتغلا ... في دار حمران أصطاد اليعاسيبا
__________
(1) راشد بن عبد ربه أو العباس بن مرداس أو أبو ذر الغفاري. (ينظر ديوان العباس بن مرداس 151).
(2) الزفيان السعدي، ديوانه 100. وينظر في أسماء الذكور كتاب المخصص ج 7، ج 8في مواضع متفرقة.
(3) شعره: 17وفيه: دار حسان.(1/675)
وقولهم: لم فعلت كذا وكذا؟
قال أبو بكر: معناه: لأيّ شيء فعلته. والأصل فيه: لما فعلت؟ فجعلوا (ما) في الاستفهام مع الخافض حرفا واحدا واكتفوا بفتحة الميم من الألف فأسقطوها. وكذلك قالوا: علام تركت؟ وعمّ تعرض؟ وإلام تنظر؟ وحتّام عنادك؟ قال الله عز وجل: {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (1) وقال الشاعر:
فتلك ولاة السوء قد طال ملكهم ... فحتام حتام العناء المطول
وقال الله تعالى: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} (2)، أراد: لأي علة وبأي حجة. وفيها أربع لغات:
أفصحهنّ: لم فعلت؟ بفتح الميم، ولم فعلت؟ بتسكين الميم، ولما فعلت؟ بإثبات الألف على الأصل، ولمه فعلت؟ بإدخال الهاء للسكت، قال الشاعر:
يا أبا الأسود لم أسلمتني ... لهموم طارقات وذكر
وقال الآخر (3):
فلم رميتم بعبد الله في جدث ... ولم تروحتم ولم تروحونا
وأنشدنا أبو العباس:
فلا زلن دبري ظلعّا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
وقال الآخر (4):
يا فقعسيّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه
وقولهم: أكل فلان العراق
قال أبو بكر: قال أبو عبيد: العراق: الفدرة من اللحم، لم يزد على هذا تفسيره. وقال ابن قتيبة: العراق: العظام، يقال للعظم الذي عليه اللحم: عرق، وللخالي من اللحم:
عرق. قال: والعراق جمع العرق، بمنزلة قولهم: ظئر وظؤار، وربى ورباب للشاة التي
__________
(1) النبأ 1، 2. وينظر: العين 1/ 108والمشكل 794.
(2) آل عمران 183.
(3) ك: في اللغة الثانية. ولم أقف على البيت. وفي ك: ولا تروحتم.
(4) سالم بن دارة في الحيوان 1/ 267والبخلاء 234.(1/676)
تكون في منزل القوم يحلبونها وليست سائمة، وفرير: لولد الناقة وجمعها فرار. وقال: قال أبو زيد: قول العامة: ثريدة كثيرة العراق، خطأ، إذ كان العراق العظام، واحتج بقول شاعر كان يطرد الطير عن زرع في عام جدب:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طراد الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها ... حمراء تبري اللحم عن عراقها
والموت في عنقي وفي أعناقها
قال: أراد: تبري اللحم عن عظامها. قال أبو بكر: وقول أبي عبيد هو الصواب عندنا، لأن العرب تقول أكلت العرق، وهم لا يقولون: أكلت العظم، يدل على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أن أمّ إسحاق الغنوية (1) قالت: جئته عليه السّلام فوجدته في منزل حفصة، وبين يديه قصعة فيها ثريد ولحم فقال لي: يا أمّ إسحاق هلمي فكلي، وكنت صائمة، فمن حرصي على أن آكل معه نسيت صومي فأخذ عرقا فناولنيه، فلما أدنيته من فيّ ذكرت أني صائمة، فجعلت لا آكل العرق ولا أضعه، فقال لي: ما لك يا أم إسحاق؟
قلت: يا رسول الله ذكرت أني صائمة فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ضعي العرق من يدك وأتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك» (2).
فقولهما: لا آكله، يدل على أن العرق لحم منفرد أو لحم على عظم. ويدل على ما نصف أن العباس أخبرنا قال: قال الأصمعي عن أبيه: (قيل لأعرابي: أي الطعام أحب إليك؟ قال: ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمص، بلقاء من الشحم، ذات حفافين من البضع، لها جناحان من العراق. قيل له: وكيف أكلك لها يا أعرابي؟ قال: أصدع بهاتين، يعني السّبابة والوسطى، وأسند بهذه، يعني الإبهام، وأجمع ما شدّ بهذه، يعني البنصر، وأضرب فيها ضرب اليتيم عند والي السوء).
فقوله: لها جناحان من العراق، يدل على أن العراق فدر اللحم، إذ كانت العرب لا تصف الثرد والأطعمة بكثرة العظام، ويدل أيضا على صحة قول أبي عبيد أن يعقوب بن السكيت حكى عن الكلابي أنه قال: أتيت بني فلان فشممت عندهم ريح عرم. وقد
__________
(1) صحابية. (الإصابة 8/ 165). وفي الأصل: العترية، تحريف.
(2) الإصابة 8/ 160.(1/677)
قال ابن قتيبة: العرم والعرق شيء واحد فلولا أن العرق لحم لم يقل: شممت ريحه لأن العظام ليس الغالب عليها أن تشم لها روائح إذا خلت من اللحم. وقول الشاعر: تبري اللحم عن عراقها، العراق: الأكل، من قولهم: عرقت العظم عراقا إذا أكلت ما عليه من اللحم، والعظم معروق. وتلخيص البيت: تبري من شدة أكلها العظم، كما يقال:
اشتكى من دواء شربه وعن دواء. والعراق في المصادر بمنزلة قولهم: سكت سكاتا وصمت صماتا وصرخ صراخا. والعرق بمنزلة العراق، مصدر لعرقت، ولا يجوز أن يكون واحد العراق على ما ذكر ابن قتيبة، لأنه لم يؤثر عن العرب فعال في جمع فعل، وقال الشاعر:
إذا استهديت من لحم فأهدي ... من المأنات أو فدر السنام
ولا تهدي الأمرّ وما يليه ... ولا تهدنّ معروق العظام
المأنات: الطفطفة التي بين الضرع والسرة، والأمر: المصارين. ويقال: قد تعرّق العرق إذا أكل اللحم من على العظم، من ذلك حديث جابر أنه قال: «رأيت أبا بكر أكل خبزا ولحما ثم أخذ العرق فتعرّقه وقام إلى الصلاة، فقال له مولى له: ألا تتوضأ؟ فقال: أتوضأ من الطيبات» (1). وحديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه أكل عند فاطمة رحمها الله عرقا، ثم جاء بلال فأذنه بالصلاة فوثبت فتعلقت بثوبه وقالت ألا تتوضأ يا أبه؟ قال: ومم أتوضأ يا بنية؟ قالت: مما مست النار، قال: أو ليس من أطهر طعامكم ما مسّت النار» (2) يدل على أنّ العرق اللحم.
وقولهم: قد قبل هذا الكلام قلبي
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سمي القلب قلبا لتقلبه وكثرة تغيره، وأصله من قلبت الشيء أقلبه قلبا. والعرب تكني بالقلب عن العقل، فيقولون: قد دل قلبه على الشيء، يريدون: دله عقله. قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَذِكْرى ََ لِمَنْ كََانَ لَهُ قَلْبٌ} (3). أراد:
__________
(1) لم أقف على الحديث.
(2) ينظر: النهاية 3/ 220.
(3) ق 37.(1/678)
لمن كان له عقل وتمييز، وربّما كنوّا بالفؤاد عن العقل والقلب، قالت عائشة زوج عبيد الله بن العباس ترثي ابنيها:
ها من أحسن بنيّيّ اللذين هما ... كالدرّتين تشظّى عنهما الصدف
ها من أحسّ بنيّي اللذين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليوم مختطف
أرادت: فعقلي.
وقولهم: قد قبلته نفسي
قال أبو بكر: قال بعضهم: سميت النفس نفسا لتولد النفس منها واتصاله بها، كما سموا الروح روحا، لأن الروح موجود به. وبعض اللغويين يسوي بين النفس والروح فيقول:
هما شيء واحد إلا أن النفس مؤنثة والروح مذكر، قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثي عمرا وتذكر قتل علي رضي الله عنه إياه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في الجسد
لكن قاتله من لا يعاب به ... وكان يدعى قديما بيضة البلد
وفرق بعض العلماء بين النفس والروح فقال: الروح: هو الذي به الحياة والنفس: هي التي بها العقل، فإذا نام النائم قبض الله نفسه ولم يقبض روحه، والروح لا يقبض إلا عند الموت. أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج قال: في الإنسان روح ونفس، بينهما حاجز، قال الله تبارك وتعالى: {اللََّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهََا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنََامِهََا} (2) قال: فهو تعالى يقبض النفس عند النوم ثم يردها إلى الجسد عند الانتباه، فإذا أراد إماتة العبد في نومه لم يرد النفس وقبض الروح مع النفس. قال: وأخبرت بذلك عن ابن عباس. وقال الفراء: معنى الآية:
الله يتوفى الأنفس حين موتها ويتوفى: التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. قال: وقد قيل في يتوفى إنه ينيم، وقيل: هو من الموت. واختار أن يكون من النوم لقوله:
{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى ََ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى ََ إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى}، ولقوله تعالى:
__________
(1) حجاج بن محمد المصيصي، ت 206هـ (تهذيب التهذيب 2/ 205).
(2) الزمر 42.(1/679)
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفََّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مََا جَرَحْتُمْ بِالنَّهََارِ} (1). وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا إسرائيل (2) عن خصيف (3) عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللََّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهََا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنََامِهََا} قال: كل نفس لها سبب تجري فيه، فإذا قضي عليها الموت نامت حتى ينقطع السبب، والتي لم يقض عليها الموت تترك. والروح أيضا خلق يشبهون الناس وليسوا بناس، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلََائِكَةُ صَفًّا} (4)، أراد بالروح: هؤلاء الذين وصفناهم. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا أبو عاصم (5) عن معروف المكي (6) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الروح خلق مع الملائكة لا تراهم الملائكة كما لا ترون أنتم الملائكة. ويقال الروح جبريل عليه السّلام. وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن أبي صالح، قال: الروح خلق من خلق الله لهم أيد وأرجل. والروح، في غير هذا: الوحي، كقوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى ََ مَنْ يَشََاءُ} (7)، أي يلقي الوحي من أمره.
هذا مذهب أبي عبيدة، وعليه أكثر أهل العلم، وشاهده: {وَكَذََلِكَ أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنََا} (8)، ومثلهما: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقََاهََا إِلى ََ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (9)، معناه: ووحي منه.
وقال ابن قتيبة: معناه: ونفخ منه، وذلك أن الله تعالى أمر جبريل فنفخ في جيب درع مريم فحملت بعيسى عليه السّلام، واحتج بقول ذي الرمة (10) يصف وقع الشرر في
__________
(1) الأنعام 60.
(2) إسرائيل بن يونس، ت 162هـ. (تهذيب التهذيب 1/ 261).
(3) خصيف بن عبد الرحمن، ت نحو 107هـ. (تهذيب التهذيب 3/ 143).
(4) النبأ 38.
(5) هو الضحاك بن مخلد، سلفت ترجمته.
(6) معروف بن خربوذ المكي. (تهذيب التهذيب 10/ 231).
(7) غافر 15.
(8) الشورى 52.
(9) النساء 171.
(10) ديوانه 311428وفيه: واقتته لها قيتة، وظاهر لها من يابس الشخت. والشخت ما دق من الحطب. ورواية الديوان أصوب لعجز البيت الثاني.(1/680)
الحراق:
فلما بدت كفّنتها وهي طفلة ... بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا
وقلت له ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واجعل لها قيتة قدرا
وظاهر عليها الشّخت ما اسطعت واستعن ... عليها الصّبا واجعل يديك سترا
أراد: فلما بدت الشررة كفّنتها، وهي صغيرة، بخرقة سوداء، وهي الطلساء. وأحيها بروحك أي: بنفخك، واجعل النفخ لها كالقوت، لا يكن شديدا فيطيرها ولا شديد الضعف فتموت وتخمد. قال أبو بكر: فهذا الذي قاله ابن قتيبة في الآية لا إمام له فيه، إذ كان المفسرون واللغويون قالوا: الروح الوحي، ويكسره عليه قول الله تعالى:
{فَنَفَخْنََا فِيهََا مِنْ رُوحِنََا} (1)، أي: من وحينا. ولا يحسن أن يقال: فنفخنا فيه من نفخنا، كما لا يقال: قام منه قيامه، ولا: قعد من قعوده. وفي بيت ذي الرمة ثلاث تأويلات تغني عن تعسف ابن قتيبة وحمله القرآن على ما لا يأثره عن إمام، أحدهن:
واحيها بنفسك، أي: تول إحياءها أنت ولا تكل أمرها إلى غيرك، فأقام الروح مقام النفس للمقاربة بينهما، ولأن العرب لا توقع بينهما افتراقا. والحجة الثانية: أنه أراد:
وأحيها بنفخ روحك، فحذف النفخ وأقام الروح مقامه، كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (2). والحجة الثالثة: أنه أقام الروح مقام النفس لأنه من الروح تولده فكفى منه كما تكتفي العرب بسبب الشيء من الشيء، قال الشاعر (3):
كأن فاها إذا توسّن من ... طيب مشمّ وحسن مبتسم
ركّب في السّام والزبيب أقا ... حي كثيب تندى من الرهم
السام: عرق المعدن، واكتفى بالزبيب من الخمر لأنه من سببه. والروح أيضا ملك من الملائكة، وهو أعظم الملائكة خلقا فيما روى ابن عباس.
قال مقاتل بن حيان: الروح ملك وهو من أشرف الملائكة وأقربهم إلى الرب تعالى، وهو
__________
(1) التحريم 12.
(2) يوسف 82.
(3) النابغة الجعدي، ديوانه 52151وفيه: إذا تبسم. وفي ك: في طيب.(1/681)
صاحب الوحي، فإذا أراد الله تعالى أن يوحي بشيء قرع اللوح جبهته فيلقيه إلى إسرافيل، ويلقيه إسرافيل إلى جبريل وميكائيل، وهو الذي يدعو لأهل الأرض إذا أصابهم القحط، يقول: يا رب عبادك أنت خلقتهم فلا تهلكهم جوعا. وهو في كتاب الله جل وعلا: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (1). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الروح ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله بتلك اللغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة».
وقولهم: أصمّ الله صدى فلان
قال أبو بكر: معناه: أماته الله حتى لا يسمع لصوته إذا صاح في بيت أو صحراء صدى.
والصدى: الصوت الذي يسمعه الصائح في البيت الخالي أو الصحراء، يقول: يا فلان، فيسمع: يا فلان. فيدعو عليه بالموت وانقطاع الصدى بانقطاع كلامه. والصدى ينقسم على خمسة أقسام: صدأ الحديد، مهموز، يقال: صدئ الإناء يصدأ صدأ، إذا علاه الوسخ، ويكتب في هذا المعنى بالألف، قال الشاعر:
ترى أرباقهم متقلّديها ... كما صدئ الحديد على الكماة (2)
وقال الآخر:
صدأ الحديد على أنوفهم ... يتوقّدون توقد النجم (3)
والصدى: جواب الصوت (4)، مقصور يكتب بالياء. وكذلك الصدى ذكر البوم، قال الشاعر:
عطشى يجاوب بومها صوت الصّدى ... والأصرمان بها المقيم العازب
__________
(1) الشورى 5.
(2) بلا عزو في معاني القرآن 2/ 277والمقصور والممدود للقالي 238. والأرباق الحبال، والكماة الشجعان.
(3) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 238والمختار من شعر بشار 57.
(4) شرح ما يكتب بالياء 163.(1/682)
الأصرمان: الذئب والغراب. وقال: الصدى: طائر ليس بذكر البوم تتشاءم به العرب، ويزعم بعضهم أنه يجتمع من عظام الميت، وجمعه: أصداء، قال لبيد (1):
فليس الناس بعدك في نفير ... ولا هم غير أصداء وهام
وقال توبة بن الحمير (2):
فلو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ وفوقي تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
والصدى: العطش، مقصور يكتب بالياء، يقال: قد صدي الرجل يصدى صدى، إذا عطش. ورجل صد وصاد وصديان إذا كان عطشانا، وامرأة صدية وصادية وصدياء وصديانة إذا كانت عطشانة، أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لعبد الله ابن عتبة ابن مسعود (3):
أفي اليوم تقويض الأحبّة أم غد ... ولما يبن وجها لهم وكأن قد
ولم يقض جيراني لبانة ذي الهوى ... ولم يرعووا من طول تحليه الصدى
وقال جرير (4):
ضنّت بموردة فيها لنا شرع ... تشفي صدى مستهام القلب صديانا
وأخبرنا أبو العباس قال: يقال: فلان صدى إبل، إذا كان يحسن القيام بها، وأنشدنا:
ألا إنّ أشقى الناس إن كنت سائلا ... صدى إبل يمسي ويصبح غاديا
وهو في هذا المعنى مقصور يكتب بالياء.
وقولهم: هو خصم ألد
قال أبو بكر: الألد معناه في كلام العرب الشديد الخصومة والجدال، يقال: رجل ألد من
__________
(1) ديوانه 209.
(2) ديوانه 48.
(3) كذا. وهو في المصادر: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ت 98هـ. (الأغاني 9/ 139، اللآلئ 781، وفيات الأعيان 3/ 115، نكت الهميان 197، شذرات الذهب 1/ 114،).
(4) ديوانه 162وفيه: كانت لنا شرعا.(1/683)
قوم لد، وامرأة لداء. ويقال: ما كنت ألدّ، ولقد لددت، وأنت تلد، قال الله عز وجل:
{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصََامِ} (1)، أي: شديد الخصومة، وأنشدني أبي رحمه الله قال: أنشدني أبو عكرمة:
إن تحت الأحجار حزما وجودا ... وخصيما ألدّ ذا مغلاق
حيّة في الوجار أربد لا ينفع منه السليم نفث الراقي وقال الآخر (2):
فكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب
فإذا غلب الرجل الرجل بخصومته قال: لددته ألده لدا، قال الشاعر:
ألد أقران الخصوم اللد ... ثم اردني وبهم من تردي
ويقال: لددت الرجل إذا سقيته اللدود، وهو دواء يسقاه في أحد جانبي فيه. قال ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خير ما تداويتم به اللدود والسّعوط والحجامة والمشي» وقالت عائشة: «لددنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فجعل يشير إلينا: لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء، ثم أفاق فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ وأنا أنظر إليه إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم» (3). فقيل: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بلدهم عقابا لهم إذ خالفوا أمره ولدوه على كره منه للد. ويقال في جمع اللدود: ألدّة. قال ابن أحمر (4):
شربت الشكاعى والتددت ألدّة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
وقال الله تعالى في المعنى الآخر: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا} (5)، فقال بعض المفسرين: معناه:
فجّارا. وقال غيره: معناه: صما. وقال بعض اللغويين: يقال: رجل ألد وأبل إذا كان فاجرا، قال الشاعر:
ألا تتقون الله يا آل عامر ... وهل يتقي الله الأبل المصمم
__________
(1) البقرة 204.
(2) كثير أو ابن الطثرية أو ابن الدمينة. (ينظر: ديوان كثير 523، شعر ابن الطثرية 62، ديوان ابن الدمينة 112).
(3) غريب الحديث 1/ 235.
(4) شعره: 171. وسلف شرحه في 1/ 408.
(5) مريم 97.(1/684)
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (1).
وقولهم: فلان كرّز
قال أبو بكر: معناه: هو داه خبيث محتال، قال رؤبة (2):
فداك بخال أروز الأرز ... أو كرّز يمشي بطين الكرز
الأرز: الذي يجمع من بخله وشحه. والكرز: خرج يحمله الراعي على بعض غنمه.
وزعموا أن الكرّز من الرجال شبه بالباز في خبثه واحتياله، وذلك أن العرب تسمي الباز كرزا، قال الشاعر (3):
لما رأتني راضيا بالإهماد ... كالكرّز المربوط بين الأوتاد
أراد بالكرز الباز يربط ليسقط ريشه. وزعموا أنّ أصله بالفارسية كره، فعرّبته العرب وغيرت بعض حروفه. ويقال: هو الباز وهما البازان وهي البيزان، على مثال: الخال والخيلان. ويقال: هو البازي على مثال القاضي، وهما البازيان، وهم البزاة على مثال القضاة، قال الشاعر:
طير رأت بازيا نضح الدماء به ... أو أمة خرجت زهوا إلى عيد
وقولهم: فلان واسع الكف
قال أبو بكر: معناه: كثير العطاء بيّن السخاء، فسعة الكف معناه: كناية عن البذل.
ويقال: فلان ضيق الكف وصغير الكف، إذا كان بخيلا، قال الشاعر يهجو قوما:
مناتين أبرام كأنّ أكفّهم ... أكف ضباب أنشبت في الحبائل
وقال الآخر يعني المختار:
فناطوا من الكذّاب كفّا صغيرة ... وليس عليهم قتله بكبير
__________
(1) النهاية 4/ 244.
(2) ديوانه 65وفيه: فذاك.
(3) رؤبة، ديوانه 38.(1/685)
وقال الآخر:
فداك من الأقوام كلّ مزنّد ... قصير يد السربال مسترق الشّبر
من المزلهمّين الذين كأنّهم ... إذا احتضر القوم الخوان على وتر
أراد بمسترق البشر: صغير الكف، والمزند: السيء الخلق، والمزلهم: الخفيف. وكناية العرب عن السخاء والبخل بالكف مشهورة تجري مجرى كنايتهم عن الناس بالثياب.
قال الرستمي: قال يعقوب: العرب تقول: فدى لك ثوباي، يريدون: أنا فدى لك وأنشد:
قام إليها حبتر بسلاحه ... فلله ثوبا حبتر أيّما فتى (1)
أراد: فلله حبتر، فأقام ثوبيه مقامه. ويروى: فلله عينا حبتر. وأنشد الرستمي عن يعقوب:
يا ربّ شيخ من دكين فخم ... أو ذم حجا في ثياب دسم
أراد: أوجب على نفسه الحج وهو غادر خبيث قبيح الأفعال فكنى. ورواه أبو منصور عن أبي عبيد:
لا همّ إن عامر بن جهم ... أو ذم حجا في ثياب دسم
وقال الآخر:
الطيبين من الرجال مآزرا ... للطيبات من النساء حجورا
فكنى بالمآزر والحجور عن الفروج. وقال النابغة (2):
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيّون بالريحان يوم السّباسب
أراد بطيب الحجزات: عفة الفروج. والحجزات جمع الحجزة، وهي التي تسميها العوام:
الحزّة فيقولون: حزّة السراويل، والعرب تقول: حجزة، وقال الشاعر:
ولست بأطلس الثوبين يصبي ... حليلته إذ رقد النيام
أراد: لست بفاجر، فكنّى عن ذلك بكونه أطلس الثوبين. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «المتشبّع بما لا
__________
(1) للراعي، شعره: 177، فيه: فأومأت إيماء خفيفا لحبتر ولله عينا
(2) ديوانه 63. والسباسب: عيد كان لهم بالجاهلية.(1/686)
يملك كلابس ثوبي زور» (1). أراد: كفاعل فعل قبيح، والمتشبع بما لا يملك: هو: الذي ينتفج بما ليس عند ليغيظ جليسه ويصغّر نعم الله عنده. ويقال: كلابس ثوبي زور، معناه: كمن يلبس لبس النّسّاك ويتزيّا بزيهم وينطوي على خلافهم ويفعل أفعال الفساق، فجعل لابس ثوبي زور لخلاف سريرته علانيته.
وقولهم: قد هبّت الريح
قال أبو بكر: قال بعض أهل اللغة: إنما سميت الريح ريحا لأنّ الغالب عليها في هبوبها المجيء بالرّوح والراحة، وانقطاع هبوبها يكسب الكرب والغم والأذى. فهي مأخوذة من الروح، وأصلها روح، فصارت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما فعلوا مثل ذلك في الميزان والميعاد والعيد. والدليل على أن أصل ريح: روح، قولهم في الجمع:
أرواح، ولو كانت الياء صحيحة في الريح لقيل في الجمع أرياح، وأرياح خطأ لا يتكلم العرب به (2). قال زهير (3):
قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرواح والديم
وأما الرياح فإن أصلها الرواح، فأبدلوا من الواو ياء لانكسار ما قبلها. ويقال: قد رحت الريح أراحها وأرحتها أريحها إذا وجدتها. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال:
يقال: أرحت الريح أريحها، قال: وبعضهم يقول: أراحها، فالماضي من هذه: رحتها.
وقال غير الفراء: بعضهم يقول: رحت أريح إذا وجدت الريح. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من استرعى رعيّة فلم يحطهم بنصيحته لم يرح ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام» (4). قال الكسائي (5): الصواب لم يرح، من أرحت أريح. وقال الفراء: يقال:
لم يرح، ولم يرح بفتح الراء. وقال غيرهما: الصواب: لم يرح، من رحت أريح، على
__________
(1) النهاية 2/ 318.
(2) قال ابن خالويه في رسالة الريح 222: (وذكر اللحياني في نوادره: أرياح، وذلك شاذ مثل حوض وأحواض).
(3) ديوانه 145.
(4) عمدة القارئ 24/ 228وصحيح البخار بحاشية السندي 4/ 235مع خلاف في الرواية.
(5) غريب الحديث 1/ 116.(1/687)
مثال: بعت أبيع. وقال أبو عبيد: الصواب لم يرح، وأنشد:
وماء وردت على ذورة ... كمشي السّبنتي يراح الشفيفا (1)
ورحت أراح بمنزلة: خفت أخاف.
وقولهم: هذه بغداد
قال أبو بكر: أصل هذا الاسم للأعاجم، والعرب تختلف في لفظه، إذا لم يكن أصله من كلامها ولا اشتقاقه من لغاتها. وبعض العرب يزعم أن تفسيره بالعربية: بستان رجل، فبغ: بستان، وداد: رجل. وبعضهم يقول: بغ اسم صنم كان بعض الفرس يعبده، وداد:
رجل. ولذلك كره بعض الفقهاء أن تسمى هذه المدينة: بغداد، لعلة اسم الصنم.
وسميت مدينة السلام لمقاربتها دجلة، وكانت دجلة تسمى قصر السلام، فمن العرب من يقول: بغدان، بالباء والنون، وبعضهم يقول: بغداد، بالباء والدالين. وهاتان اللغتان هما السائرتان المشهورتان. أنشدنا أبو بكر المخزومي في مجلس أبي العباس:
قل للشمال التي هبّت مزعزعة ... تذري مع الليل شفّانا بصراد
أقري سلاما على نجد وساكنه ... وحاضر باللوى إن كان أو بادى
سلام مغترب بغدان منزله ... إن أنجد الناس لم يهمم بإنجاد (2)
وأنشدنا ابو شعيب قال: أنشدنا يعقوب بن السكيت:
لعمرك لولا هاشم ما تعفّرت ... ببغدان في بوغائه القدمان
وقال الآخر:
يا ليلة خرس الدجاج طويلة ... ببغدان ما كادت عن الصبح تنجلي
وقال الآخر:
ألا يا غراب البين مالك واقفا ... ببغدان لا تحلو وأنت صحيح
فقال غراب البين وانهل دمعه ... نقضي لبانات لنا ونروح
__________
(1) لصخر الغي، ديوان الهذليين 2/ 74. والسبنتي: النمر، والشفيف: الريح الباردة.
(2) تاريخ بغداد 1/ 60بلا عزو. والبيتان 2، 3بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 373ومعجم ما استعجم 262. ورواية ك: اقرى السلام.(1/688)
ألا إنما بغداد سجن بليّة ... أراحك من سجن العذاب مريح
وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عكرمة:
ترحل فما بغداد دار إقامة ... ولا عند من أضحى ببغداد طائل
محل ملوك سمنهم في أديمهم ... فكلّهم من حلية المجد عاطل
ولا غرو أن شلّت يد المجد والعلى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غضغض البحر الغطامط ماءه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول (1)
وأخبرني أبي قال: أخبرنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني قال: يقال: بغدان ومغدان، للمجانسة التي بين الباء والميم كما يقال: با اسمك؟ وما اسمك؟ وعذاب لازب ولازم، في حروف كثيرة. وبعضهم يقول: بغداذ بالذال، وهي أشد اللغات وأقلها. وأنشدني أبي قال: أنشدنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني لأعرابي يمدح الكسائي:
ومالي صديق ناصح أغتدي به ... ببغداذ إلا أنت بر موافق (2)
وقال الآخر (3):
بغداذ سقيا لك من بلاد ... يا دار دار الأنس والإسعاد
بدلت منك وحشة البوادي ... وقطع واد وورود وادي
وبغداد في جميع اللغات تذكر وتؤنث فيقال: هذه بغدان وهذا بغدان.
وقولهم: اتباع الهوى يردي
قال أبو بكر: قال اللغويون: الهوى محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه، قال الله تعالى:
{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ََ} (4)، معناه: ونهى النفس عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل. ومتى تكلم بالهوى مطلقا لم يكن إلا مذموما حتى ينعت بما يخرج
__________
(1) بلا عزو في المذكر والمؤنث 273وتاريخ بغداد 1/ 61ومعجم البلدان 1/ 692. وغضغض نقص، والغطامط: العظيم.
(2) بلا عزو في المذكر والمؤنث 374وتاريخ بغداد 1/ 61. وبه ينتهي السقط في الأصل.
(3) ك: الآخر. والبيتان بلا عزو في تاريخ بغداد 1/ 62.
(4) النازعات 40.(1/689)
معناه، كقولهم: هوى حسن، وهو موافق للصواب. قال الأصمعي: قيل لبعض العرب:
إذا اشتكل على الرجل أمران لا يدري أيهما أرشد فأيهما يتبع؟ قال: ليخالف أقربهما من هواه فإن أكثر ما يكون الخطأ باتباع الهوى. وقال الشاعر، أنشدناه أبو العباس عن أبي العالية:
ولن أرد الماء الذي بجنوبه ... هواي إذا ملّ السرى كل وارد (1)
وقال بعض أهل العلم: إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار، أي: يرمي به. يقال: هوى الرجل يهوي، إذا وقع من فوق إلى أسفل، وأهويته أهويه إذا ألقيته إلى أسفل، وهوى الدّلو يهوي هويا، من النزول من الارتفاع إلى التّسفل، قال زهير (2):
فشجّ بها الأماعز وهي تهوي ... هويّ الدّلو أسلمها الرشاء
وقال ذو الرمة (3):
كأنّ هويّ الدّلو في البئر شلّه ... بذات الصّوى آلافه وانشلالها
ويقال: قد أهوى بالسيف إليه، إذا أومى به، والطعنة تهوي إذا فتحت فاها بالدم. قال أبو النجم (4):
فاختاض أخرى فهوت رجوحا ... للشق يهوي، جرحها مفتوحا
وهويت الشيء أهواه هوى إذا أحببته وغلب على قلبي. وقال بعض أهل العلم أيضا: إنما سمي الدرهم درهما لأنه دارهم، والدينا دينارا لأنه دار النار، أي: تؤدي محبته والحرص على أخذه من غير جهته إلى النار. قال أبو بكر: وما نعلم لغويا صحّح هذا ولا ذكر اعتلالا لهذين الاسمين، ولو كانت العلتان صحيحتين في الدرهم والدينار لرفع المضاف في باب الرفع وخفض المضاف إليه في كل حال فقيل: دارهم ودار نار، ولو كانا جعلا اسما واحدا بمنزلة بيت بيت وخمسة عشر لفتحت الميم من الدرهم في كل حال، وكذلك كان يفعل بالراء من الدينار. وقد كان ابن قتيبة ذكر هذه العلة في الدرهم وصححها،
__________
(1) لنبهان العبشمي في الكامل 48مع خلاف في الرواية.
(2) ديوانه 67. وشبح: علا. وأسلمها: خذلها.
(3) ديوانه 529. وشلة آلافه: طرده آلافه. والصوى: الأعلام، الواحدة صوة. وانشلالها:
انطراد الحمر.
(4) اللسان (هوا).(1/690)
وقد نقضناها عليه في كتاب غريب الحديث.
وقولهم: قد قطع هذا الكلام نياط قلبي
قال أبو بكر: قال المفسرون واللغويون: النياط: عرق متصل بالقلب. وقال الرستمي عن ثابت بن عمرو (1): الوريدان عند العرب من الوتين، والوتين: عرق مستبطن الصلب معلّق بالقلب يسقي كل عرق في الجسد، ويقال لمتعلق القلب من الوتين النياط. وقال الله تعالى: {ثُمَّ لَقَطَعْنََا مِنْهُ الْوَتِينَ} (2)، وقال الشماخ (3) يمدح عرابة الأوسي:
إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين
وقال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (4). قال الفراء: الوريد بين الليت والعلباء، والعلباء عصبة صفراء في صفحة العنق، والليت: متذبذب القرط. وقال أبو عبيدة: الوريد عرق في الحلق. وقال المفسرون: الوريد نياط القلب وما حمل. وقال اللغويون: إنما سمي نياطا لتعلقه بالقلب، قال العجاج (5):
وبلدة نياطها نطي ... قي تناصيها بلاد قي
القي: القفر الذي لا أنيس به، وتناصيها: تواصلها، ونياطها: متعلقها، ونطي: بعيد. قال جميل (6):
اذكري ليلة النقا زفراتي ... واعتسافي إليك خرقا نطيّا
وقولهم: قد نالتهم ملمّة من دهرهم
قال أبو بكر: الملمة: خصلة مكروهة لحقتهم بعد تقدم الأمور الجميلة المحبوبة. وأصل
__________
(1) خلق الإنسان 204، 262. وثابت بن أبي ثابت صاحب كتاب خلق الإنسان والفرق، أخذ عن أبي عبيد. واختلف في اسم أبيه. (أنباه الرواة 1/ 261، البلغة في تاريخ أئمة اللغة 45).
(2) الحاقة 46.
(3) ديوانه 323.
(4) ق 16.
(5) ديوانه 317.
(6) أخل به ديوانه.(1/691)
ملمّة من ألمّ فلان يلم إلماما إذا زاره زيارة غير كثيرة ولا متصلة، قال الشاعر:
ألمم بليلى ولا تكثر زيارتها ... يا طالب الخير إنّ الخير مطلوب
واللمام: اسم من ألممت، معناه كمعنى الإلمام، قال جرير (1):
بنفسي من تجنيه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
وقال القس (2):
على سلامة القلب السلام ... تحيّة من زيارته لمام
أحبّ لقاءها وأصدّ عنها ... كأنّ لقاءها شيء حرام
ويجوز أن يكون اللمام جمع اللّمم، واللمم اسم من ألممت، معناه كمعنى الإلمام فجمع على فعال كما قيل: جمل وجمال وجبل وجبال، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبََائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوََاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (3)، فاللّمم: النظرة التي تقع فجأة عن غير تعمد وقصد، وهي مغفورة، فإن أعاد النظرة كانت معصية ولم تكن لمما (4). وقال أبو عبيدة:
اللمم ليس من الكبائر ولا الفواحش لكنه استثناء منقطع، والتأويل: إلا أن يلم ملم بشيء ليس من الكبائر ولا الفواحش، وأنشد:
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس
معناه: إلا أن بها يعافير وعيسا، فاستثناهما وليس فيهما ما يؤنس به للعلة المتقدمة. وقال بعضهم: ما رخص الله تعالى في اللمم، بل هو معطوف على الكبائر، و (إلا) معناها الواو، والتقدير: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم، فنابت (إلا) عن الواو، واحتجوا بقول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
وكل قرينة قرنت بأخرى ... وإن ضنّت بها ستفرّقان
أراد: والفرقدان. وقال الفراء: معناه يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا المتقارب من
__________
(1) ديوانه 279.
(2) عبد الرحمن بن أبي عمار صاحب سلامة القس. (الأغاني 8/ 351334، العقد الفريد 6/ 16).
(3) النجم 32.
(4) وهو قول الكلبي في معاني القرآن 3/ 100.(1/692)
صغير الذنوب. وحكي عن بعض العرب: ضربه ما لمم القتل، أي: ضربه ضربا متقاربا للقتل. وأنكر أن يكون (إلا) بمعنى الواو لأنه لم يتقدمها استثناء ولم تدع ضرورة إلى نقلها عن المعنى المشهور إلى غيره. وقال غير الفراء في قول الشاعر: إلا الفرقدان: هو استثناء صحيح لا يراد به: والفرقدان، واحتجوا بأن الشاعر قال هذا على مبلغ علمه وحسب معرفته، وقد كان يظن لجهله أن الفرقدين لا يفترقان فبنى شعره على ذلك، الدليل على ذلك قول زهير (1):
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ... ولا خالدا إلّا الجبال الرواسيا
فبين أنه وقع في نفسه أن الجبال تخلد، وأخطأ في هذا المعنى، كما أخطأ ذلك الأول.
ويجوز أن يكون (إلا) في البيت بمعنى الاستثناء المنقطع، أي: لكن الفرقدان يفترقان أو يزولان، فإذا أزيل بإلا عن مذهب الاتصال كان هذا ممكنا فيها. حكي عن بعض العرب: ما أشتكي إلا خيرا، على معنى: ما أشتكي شيئا لكن أجد خيرا. وقال جرير (2)
في الملمة:
ألا لا تخافا نبوتي في ملمّة ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا
وقال الآخر في جمعها:
فلو فقدت تيم مقامي ومشهدي ... وخطّ لأوصالي من الأرض أذرع
ونالتهم إحدى ملمات دهرهم ... تمنى حياتي من يعق ويقطع
وقولهم: فلان ضيّق العطن
قال أبو بكر: معناه: قليل العطاء ضيق النفس، فكنّى بالعطن عن ذلك. والأصل في العطن: الموضع الذي تبرك فيه الإبل إلى الماء إذا شربت وأبركوها عند الحياض ليعيدوها إلى الشرب. ويقال لمواضعها التي تأويها عند البيوت: الثايات، واحدتها ثاية. يقال:
ضرب القوم بعطن إذا رووا وأرووا إبلهم وضربوا لها عطنا. ويقال: قد عطنت الإبل تعطن فهي عاطنة إذا بركت في عطنها. وقد أعطنها صاحبها والقائم بشأنها يعطنها
__________
(1) ديوانه 288.
(2) ديوانه 80.(1/693)
إعطانا إذا فعل بها ذلك. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «صلوا في مرابض الشّاء ولا تصلوا في أعطان الإبل» (1). فالأعطان جمع العطن. وقال الصمة بن عبد الله القشيري (2):
يا ليت شعري والإنسان ذو أمل ... والعين تذرف أحيانا من الحزن
هل أجعلنّ يدي للخد مرفقة ... على شعبعب بين الحوض والعطن
شعبعب: اسم بقعة أو ماء ولم يجره لتعريفه وتأنيثه. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «بينا أنا على قليب أنزع منه إذ جاءني أبو بكر فأخذ الدّلو فترع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذ الدلو من يد أبي بكر عمر فترع، فاستحالت غربا، فلم أر عبقريّا يفري فريه، فترع حتى ضرب الناس بعطن» (3). فقوله صلّى الله عليه وسلم: «انزع»، معناه استقي، والذنوب: الدلو المليء من الماء، تذكر وتؤنث. وقوله: فاستحالت غربا، معناه: حالت عن أمرها الأول وكبرت وعظمت في يد عمر رحمه الله لكثرة ما فتح الله عليه.
والغرب: الدلو العظيمة التي تصنع من مسك ثور للسانية. والغرب، بفتح الغين والراء:
الذي يسيل بين البئر والحوض. وقوله: فلم أر عبقريا يفري فريه، العبقري: الحاذق الفائق المتبين فضله. وقال أبو عمرو: هو الفائق من كل جنس، والأصل فيه لبسط تعمل بقرية يقال لها: عبقر، تكون في نهاية السرور والحسن وإتقان الصنعة، وكان الأصل للبسط ثم وصف به الناس وغيرهم، قال الشاعر:
أكلّف أن يحلّ بنو سليم ... جبوب الإثم ظلم عبقري
أراد بالعبقري الخالص. وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلى ََ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسََانٍ} (4)، أراد بالرفرف الفرش، ويقال: هي البسط، وقال أبو عبيدة: العبقري عند العرب البسط، وقال:
البسط كلها عبقري. وقال الفراء: العبقري: الطنافس الثخان، والرفرف: رياض الجنة، قال: ويقال: هي المحابس. وقال ابن عباس: الرفرف رياض الجنة عليها فضول المحابس والبسط. وقال الحسن: العبقري بسط الجنة فاطلبوها لا أب لكم. وقال سعيد بن جبير
__________
(1) النهاية 3/ 258.
(2) اللسان (شعب). والصمة، أموي، ت نحو 98هـ. (الأغاني 6/ 1، اللآلئ 461). وفي الأصل: ذا مال، تحريف، صوابه من ل.
(3) الفائق 3/ 61.
(4) الرحمن 76.(1/694)
عن ابن عباس: عتاق الزّرابي. وقال أبو عبيد: العبقري نسب إلى قرية يقال لها عبقر يصنع فيها ضروب البرود والوشي، وأنشد لذي الرمة (1):
حتى كأنّ رياض القف ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد
فأما الزّرابيّ فإنها: الطنافس التي لها خمل رقيق واحدتها زربية، وقال أبو عبيدة: الزرابي:
البسط. وقال الفراء: المبثوثة: الكثيرة، وقال أبو عبيدة: المبثوثة المبسوطة، قال أمية بن أبي الصلت (2):
مساكن الجنة التي وعد الأب ... رار مصفوفة نمارقها
وقال ذو الرمة (3):
ألا أيها المنزل الدّارس الذي ... كأنّك لم يعهد بك الحيّ عاهد
ولم تمش مشي الأدم في رونق الضحى ... بجرعائك البيض الحسان الخرائد
تردّيت من ألوان نور كأنّه ... زرابيّ وانهلّت عليك الرواعد
وقولهم: صار فلان كالشّنّ البالي
قال أبو بكر: الشّنّ في كلام العرب القربة الخلق أو الأداوة الخلق، قال النابغة (4):
وقفت بها القلوص على اكتئاب ... وذاك تفارط الشوق المعني
أسائلها وقد سفحت دموعي ... كأنّ مفيضهنّ غروب شن
بكاء حمامة تدعو هديلا ... مفجّعة على فنن تغنّي
وقال طرفة (5):
كأنّ جناحي مضرحي تكنّفا ... حفافيه شكّا في العسيب بمسرد
فطورا به خلف الزّميل وتارة ... على حشف كالشّن ذاو مجدّد
__________
(1) ديوانه 1366. والقف: ما غلظ من الأرض والتنجيد: التزيين.
(2) ديوانه 423وفيه: أم أسكن الجنة.
(3) ديوانه 891088وفيه: ألا أيها الرسم الذي غير البلى.
(4) ديوانه 197196.
(5) ديوانه 14. مضرحي: نسر. وحفافاه: جانباه، وشكا: أدخلا، والعسيب: عظم الذنب.
والزميل: الرديف. والمجدد: الذاهب اللبن.(1/695)
أراد بالحشف: الضرع اليابس، ولهذه العلة شبهه بالشن.
وقولهم: لفلان جاه في الناس
قال أبو بكر: معناه: له وجه فيهم، أي: منزلة وقدر، فأخّرت الواو من موضع الفاء فجعلت في موضع العين فصار جوها، ثم جعلوا الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فقالوا: جاه. وحكى الفراء عن بعض العرب: أخاف أن تجوهني بشرّ، بمعنى تواجهني.
وشبيه بهذا القلب قولهم: ما أطيبه وما أيطبه، وقد جذب وجبذ، وقد عاث في الأرض وعثا، وقد عاقني الشيء وعقاني، قال الشاعر:
فلو أني رميتك من بعيد ... لعاقك عن دعاء الخير عاق
أراد: لعاقك عائق فأخّر الياء فجعلها بعد القاف ثم أسقطها لدخول التنوين عليها.
وقولهم: اللهمّ أوزعنا شكرك
قال أبو بكر: معناه: [اللهم] ألهمنا. يقال: أوزعت الرجل بالشيء إذا أغريته بفعله وأردت منه إتيانه. ويقال: وزعت الرجل، بلا ألف، إذا كففته وحبسته، قال الله تبارك وتعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} * (1)، أراد: يحبس أوّلهم على آخرهم حتى يدخلوا النار. وقال تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} * (2)، أراد: ألهمني. وقال طرفة (3):
نزع الجاهل عن مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم
أراد: نحبسه. وقال الآخر (4):
ومسروجة مثل الجراد وزعتها ... وكلّفتها ذنبا أزلّ مصدّرا
وقال النابغة (5):
على حين عاتبت المشيب على الصّبا ... وقلت ألّما تصح والشيب وازع
__________
(1) النمل 17، و 83، فصلت 19.
(2) النمل 19، الأحقاف 15.
(3) ديوانه 111.
(4) النابغة الجعدي، ديوانه 45وفيه: وكلفتها سيدا. والسيد: الذئب.
(5) ديوانه 44.(1/696)
وقال عدي بن زيد (1):
كفى غير الأيام للمرء وازعا ... إذا لم يقر ريّا فيصحو طائعا
وقال الحسن لما قلّد القضاء وازدحم عليه الناس: «لا بدّ للناس من وزعة» (2)، أي: من شرط يكفّونهم عن القاضي. وقال الشاعر:
أمّا النهار فلا أفتر ذكرها ... والليل توزعني بها أحلام
تم ما أملاه أبو بكر محمد بن القاسم من كتاب الزاهر
__________
(1) ديوانه 139وفيه: عبر.
(2) النهاية 5/ 180.(1/697)
فهرس المحتويات
المقدمة 3
مقدمة المؤلف 7
معنى قول الرجل للرجل: حسيبك الله 9
معنى قولهم: ونعم الوكيل 11
معنى قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله 12
معنى قولهم: اللهمّ محّص عنا ذنوبنا 16
معنى قولهم: اغفر لنا ذنوبنا 17
معنى قولهم: اللهم لا مانع لما أعطيت إلخ 19
معنى قولهم: اللهم إنّا نعوذ بك من وعثاء إلخ 23
معنى قولهم: قد أذّن المؤذن وقد سمعت المؤذّن 26
معنى قولهم: الله أكبر الله أكبر 27
معنى قولهم: أشهد أن لا إله إلا الله 29
معنى قولهم: أشهد أنّ محمدا رسول الله 30
معنى قولهم: حيّ على الصلاة 32
معنى قولهم: حيّ على الفلاح 33
معنى قولهم: قد توضأ الرجل للصلاة إلخ 34
معنى قولهم: قد تيمّم الرجل 35
معنى قولهم: قد استنجى الرجل 36
معنى قولهم: قد استجمر الرجل 37
معنى قولهم: قد صلّى الرجل 38
معنى قولهم: قد صام الرجل 39
معنى قولهم: قد ركع الرجل 39
معنى قولهم: قد سجد الرجل 40
معنى قولهم: قد استنثر الرجل 41
معنى قولهم: قد ثوّب الرجل 42
معنى قولهم: في ابتداء الصلاة: سبحانك اللهم 42(1/699)
معنى قولهم: تبارك اسمك وتعالى جدّك 45
معنى قولهم: ولا إله غيرك 46
معنى قولهم: أعوذ بالسّميع العليم من الشيطان الرجيم 47
معنى قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم 48
معنى قولهم: سمع الله لمن حمده 49
معنى قولهم: التحيات لله والصلوات والطيبات 49
معنى قولهم: حيّاك الله وبيّاك 50
معنى قولهم: السلام عليكم ورحمة الله 52
معنى قولهم: بعد الفراغ من قراءة فاتحة الكتاب: آمين 54
معنى قولهم: قد أوتر الرجل وقد أخذ في الوتر 55
معنى قولهم: قد قنت الرجل وقد أخذ قي القنوت 56
معنى قولهم: إن عذابك الجدّ بالكفار ملحق 57
معنى قولهم: قد قرأ القرآن 58
معنى قولهم: قد نظر في التوراة 59
معنى قولهم: قد نظر في الإنجيل 59
معنى قولهم: قد نظر في الزبور 60
معنى قولهم: قد نظر في الفرقان 60
معنى قولهم: قد قرأت سورة من القرآن 61
معنى قولهم: قرأ سفرا من التوراة والإنجيل 63
معنى قولهم: باسم العزيز الحكيم 63
معنى قولهم: باسم الجبّار المتكبر 65
معنى قولهم: عبد الصّمد 66
معنى قولهم في أسمائه عز وجل: المؤمن المهيمن 68
معنى قولهم في أسمائه عز وجل: البارىء الودود 70
معنى قولهم في أسمائه عز اسمه: الحيّ القيوم 71
معنى قولهم في أسمائه عز وجل: الحليم المقيت 72
معنى قولهم في أسمائه تعالى: الفتاح العليم 74
معنى قولهم في أسمائه: الواسع 75
معنى قولهم في أسمائه عز وجل: الغفور الشكور 76
معنى قولهم في أسمائه تعالى: الرؤوف الرحيم 76
معنى قولهم في أسمائه تعالى: المقسط 77
معنى قولهم: قد حجّ الرجل إلى بيت الله 78
معنى قولهم: قد اعتمر الرجل 78(1/700)
معنى قولهم: لبيك 78
معنى قولهم: لبّيك إن الحمد والنعمة لك 80
معنى قولهم: لبّيك وسعديك 81
معنى قولهم: رجل مؤمن 83
معنى قولهم: رجل مسلم 83
معنى قولهم: رجل عابد 84
معنى قولهم: رجل زاهد ومزهد 85
معنى قولهم: رجل فقيه 85
معنى قولهم: رجل حكيم 86
معنى قولهم: رجل عاقل 87
معنى قولهم: رجل كيّس 87
معنى قولهم: رجل ظريف 87
معنى قولهم: رجل ورع 88
معنى قولهم: رجل حازم 88
معنى قولهم: رجل شهم 89
معنى قولهم: رجل أوّاب 89
معنى قولهم: فلان أرعن 90
معنى قولهم: رجل ظالم 90
معنى قولهم: فلان كافر 92
معنى قولهم: رجل بليد 93
معنى قولهم: رجل فاسق 93
معنى قولهم: رجل حجام 93
معنى قولهم: رجل مبتهل 94
معنى قولهم: رجل تقيّ 95
معنى قولهم: رجل سيّد 95
معنى قول الرجل للرجل: يا مولاي 96
معنى قولهم: فلان شاطر 97
معنى قولهم: رجل مسكين 98
معنى قولهم: رجل مغث 100
معنى قولهم: صبي يتيم 100
معنى قولهم: فلان نادم سادم 100
معنى قولهم: رجل مصلّ 101
معنى قولهم: رجل منافق 101(1/701)
معنى قولهم: فلان مائق 102
معنى قولهم: فلان مبرم 103
معنى قولهم: فلان أنوك 104
معنى قولهم: ويل الشيطان وعوله 104
معنى قولهم: قول الرجل للرجل: ويحك 106
معنى قولهم: قد عيل صبري 107
معنى قولهم: رجل فاجر 108
معنى قولهم: رجل ملحد 109
معنى قول الرجل للرجل: يا لكع 110
معنى قولهم: لا قبل الله منه صرفا ولا عدلا 111
معنى قولهم: فلان عرّة 112
معنى قولهم: فلان صب 113
معنى قولهم: فلان أمّة وحده 113
معنى قولهم: فلان يتيم 115
معنى قولهم: فلان مستهام 116
معنى قولهم: فلان عيّار 116
معنى قولهم: رجل مخطّط 116
معنى قولهم: فلان أمرد 117
معنى قولهم: شيء طريف وقد جاء بطرفة 119
معنى قولهم: لا تماز حنّ صبيّا ولا تفاكهنّ أمة 119
معنى قولهم: افعل هذا إمّا لا 121
معنى قولهم: عبد قنّ 122
معنى قولهم: فلان لبق 122
معنى قولهم: يا بيبي لم فعلت كذا وكذا 122
معنى قولهم: في منزل فلان مأتم 123
معنى قولهم: أقاموا على فلان مناحة 124
معنى قولهم: قد طرب الرجل 124
معنى قولهم: امرأة أيّم 126
معنى قولهم: فلانة غانية 126
معنى قولهم: قال أيضا 127
معنى قولهم: لا دريت ولا تليت 127
معنى قولهم: فلان شيطان من الشياطين 128
معنى قولهم: فلان كاشح 129(1/702)
معنى قولهم: رجل بليغ 130
معنى قولهم: لئيم راضع 131
معنى قولهم: لا يفضض الله فاك 131
معنى قولهم: فلان كميّ 134
معنى قولهم: قوم همج 134
معنى قولهم: ما يعرف قبيلا من دبير 135
معنى قولهم: أفّ وتفّ 135
معنى قولهم: فلان يشرب النبيذ 137
معنى قولهم: فلان ركيك 138
معنى قولهم: فلانة حليلة فلان 139
معنى قولهم: فلانة ربيبة فلان 139
معنى قولهم: قد تغلغل فلان إلى كذا وكذا 140
معنى قولهم: قد بجّل فلان فلانا 141
معنى قولهم: قد دمدم فلان على فلان 142
معنى قولهم: جلساء فلان كأنّما على رؤوسهم الطير 142
معنى قولهم: أباد الله خضراءهم 143
معنى قولهم: فلان ما يدري من طحاها 145
معنى قولهم: فلان غريب 145
معنى قولهم: قد دقّه دقّا نعمّا 146
معنى قولهم: ضربه حتى برد 147
معنى قولهم: ما برد في يدي منه شيء 148
معنى قولهم: أقبل فلان يتهبّى 148
معنى قولهم: أسكت الله نأمته 148
معنى قولهم: أقرّ الله عينك 149
معنى قولهم: أنشأ الشاعر يقول 150
معنى قولهم: ثوب مصمت 151
معنى قولهم: فلان وغد 152
معنى قولهم: فلان بوّ 153
معنى قولهم: فلان يسحر بكلامه 153
معنى قولهم: فلان وزير فلان 154
معنى قولهم: قد خلبني حبّ فلان 155
معنى قولهم: فلان عفر 156
معنى قولهم: أخذ البلاد عنوة 157(1/703)
معنى قولهم: هو أحسن من دبّ ودرج 158
معنى قولهم: هذا من بابتي وهذا من تلك البابة 158
معنى قولهم: قد أسف فلان على كذا وهو متأسّف على ما فاته 159
معنى قولهم: فلان صديق فلان 159
معنى قولهم: فلان عدوّ فلان 161
معنى قولهم: ما يدري أيّ طرفيه أطول 162
معنى قولهم: أجنّ الله حباله 162
معنى قولهم: هو يأتيك بالأمر من فصّه 164
معنى قولهم: بين الرجلين ممالحة 164
معنى قولهم: خرج القوم يتنزهون 166
معنى قولهم: قد رحّب فلان بفلان وبشّ به 166
معنى قولهم: قد وقعوا في البلابل 169
معنى قولهم: أرغم الله أنفه 169
معنى قولهم: جيء به من حسّك وبسّك 170
معنى قولهم: فلان نسيج وحده 171
معنى قولهم: ما به قلبة 172
معنى قولهم: مرحبا وأهلا وسهلا 173
معنى قولهم: للذي يقدم من الحجّ: مبرورا مأجورا 173
معنى قولهم: قد هزم القوم 174
معنى قولهم: أنت في حرج 174
معنى قولهم: حلف بالسماء والطارق 175
معنى قولهم: قد انتخب من القوم رجل وهذا نخبة المتاع 176
معنى قولهم: فلان غريم فلان 177
معنى قولهم: ضرب فلان على فلان ساية 178
معنى قولهم: لا يزايل سوادي بياضك 178
معنى قولهم: قد تناوش القوم 180
معنى قولهم: قد توسّمت فيه الخير 181
معنى قولهم: وجميل بلائه عندك 181
معنى قولهم: لكلّ ساقطة لاقطة 183
معنى قولهم: قد خجل الرجل 183
معنى قولهم: ما يعرف هرّا من برّ 184
معنى قولهم: قد تريّش الرجل 184
معنى قولهم: قد كبر حتى صار كأنّه قفّة 185(1/704)
معنى قول الناس: آهة وميهة 186
معنى قولهم: فلان عظيم المؤونة 187
معنى قولهم: جاء بالصّحّ والريح 189
معنى قولهم: زارني فلان 192
معنى قولهم: ما يساوي طلية 193
معنى قولهم: ما في الدار ديّار 194
معنى قولهم: لا تبسّق علينا 196
معنى قولهم: هو أجبن من صافر 197
معنى قولهم: ما في الدار صافر 198
معنى قولهم: ما في قلبي من الشيء حزّاز 198
معنى قولهم: لا تجلّح علينا 200
معنى قولهم: قد صفحت عن ذنب فلان 200
معنى قولهم: أخزى الله فلانا 200
معنى قولهم: لا جرم أنك محسن 201
معنى قولهم: قد وقع القوم في ورطة 202
معنى قولهم: فلان ذرب اللسان 204
معنى قولهم: رجل أبكم 204
معنى قولهم: كما تدين تدان 205
معنى قولهم: قد أخذت الشيء بحذافيره 207
معنى قولهم: قد انفلّ الجيش وقد انصرف القوم مفلولين 207
معنى قولهم: أنا في مندوحة عن كذا وكذا 208
معنى قولهم: قد جزمت على فلان بكذا وكذا 208
معنى قولهم: بات فلان وقيذا 209
معنى قولهم: لأرينّك الكواكب بالنّهار 209
معنى قولهم: افعل هذا آثرا ما 211
معنى قولهم: ليت فلانا في الحش 211
معنى قولهم: تقيس الملائكة إلى الحدّادين 213
معنى قولهم: كيف أهلك وحامّتك 214
معنى قولهم: هذا يوم العيد 215
معنى قولهم: قاتل الله فلانا 216
معنى قولهم: رجل متأنّ 217
معنى قولهم: قد وجب الحقّ 218
معنى قولهم: ما يواسي فلان فلانا 218(1/705)
معنى قولهم: أوبقت فلانا ذنوبه 220
معنى قولهم: بالرّفاء والبنين 220
معنى قولهم: فلان ضخم الرسيعة 221
معنى قولهم: قد شقّ فلان عصا المسلمين 221
معنى قولهم: هذه ليلة البدر 223
معنى قولهم: قد حسمت مجيء فلان 225
معنى قولهم: بقي فلان متلددا 225
معنى قولهم: فلان ألحن بحجّته من فلان 226
معنى قولهم: اللهمّ لا تناقشنا الحساب 229
معنى قولهم: قد فرّط فلان في حاجتي 229
معنى قولهم: لأقطّعن فلانا إربا إربا 231
معنى قولهم: فلان في الدّيماس 231
معنى قولهم: فلان شهيد وهم الشهداء 232
معنى قولهم: فلان يمنع الماعون 232
معنى قولهم: فلان غلّ قمل 233
معنى قولهم: قد بار الطعام 233
معنى قولهم: قد نصصت الحديث إلى فلان 234
معنى قولهم: قد دعي فلان إلى الوليمة 235
معنى قولهم: لست من أحلاسها 237
معنى قولهم: أمتع الله بك 238
معنى قولهم: عمل فلان بفلان الفاقرة 240
معنى قولهم: أمر لا ينادى وليده 240
معنى قولهم: قد شنّع فلان على فلان وقد أتى بأمر شنيع 241
معنى قولهم: قد صرم فلان فلانا 241
معنى قولهم: أنت في كنف الله 242
معنى قولهم: قد ولي فلان المعونة 243
معنى قولهم: قد قنطرت علينا 244
معنى قولهم: رجل مشوّه الوجه 246
معنى قولهم: قد ورّى فلان عن كذا وكذا 246
معنى قولهم: من حبّ طبّ 246
معنى قولهم: قد تعنّت فلان فلانا وقد أعنته 248
معنى قولهم: قد أدحضت حجّة فلان 249
معنى قولهم: كلام مبهم وأمر مبهم 249(1/706)
معنى قولهم: قد طبع على قلب فلان 250
معنى قولهم: قمقم الله عصب فلان 251
معنى قولهم: جاء بالشّوك والشجر 251
معنى قولهم: أدلى فلان بحجته 252
معنى قولهم: قد لاذ فلان بفلان 253
معنى قولهم: قلب فلان قاس 253
معنى قولهم: لا تبلّم عليه 254
معنى قولهم: قد صبغوني في عينك 254
معنى قولهم: رجل سخيف 255
معنى قولهم: في أيّ حزّة جئتنا 255
معنى قولهم: إني لأربأ بك عن كذا وكذا 256
معنى قولهم: قد أربى فلان على فلان 256
معنى قول العامة: قد شوشت الشيء وشيء مشوش 258
معنى قولهم: قد اشترط فلان على فلان وقد باعه بشرط 258
معنى قولهم: قد بكى فلان شجوه 259
معنى قولهم: رجل باسل 260
معنى قولهم: قد تحفّى فلان بفلان 261
معنى قولهم: قد ربعت الحجر 261
معنى قولهم: قد مارى فلان فلانا 262
معنى قولهم: رجل بازل 263
معنى قولهم: قد جلس فلان في نحر فلان 263
معنى قولهم: لفلان قدم في الخير 264
معنى قولهم: تركه جوف حمار 265
معنى قولهم: قد صار كأنّه حممة 265
معنى قول العامة: قد بلغ فلان الصّكاك 266
معنى قولهم: قد قضى فلان نحبه 267
معنى قولهم: قبل عير وما جرى 268
معنى قولهم: أخذه أخذ سبعة 268
معنى قولهم: جاء فلان يجرّ رجليه 269
معنى قولهم: النقد عند الحافرة 270
معنى قولهم: قد أخذ الشيء برمّته 270
معنى قولهم: حلف بالسمر والقمر 271
معنى قولهم: في قلب فلان غلّ 272(1/707)
معنى قولهم: ما أنكرك من سوء 273
معنى قولهم: قد شوّرت بفلان 273
معنى قولهم: قد قفا فلان فلانا 274
معنى قولهم: قد جاء بالقض والقضيض 275
معنى قولهم: رجل جاسوس 275
معنى قولهم: هلمّ جرّا 277
معنى قولهم: قد قدّمت المائدة 278
معنى قولهم: ما له عنه محيص 279
معنى قولهم: فلان كذّاب أشر 279
معنى قولهم: هو ابن عمّه لحّا 281
معنى قولهم: قد خنس فلان حقي 281
معنى قولهم: عندي كراسة من علم 281
معنى قولهم: فلان يخصف النعال 282
معنى قولهم: فلان سريّ من الرجال 282
معنى قولهم: رجل نمّام 283
معنى قولهم: قد تربّد وجه فلان 284
معنى قولهم: لا أرقأ الله دمعة فلان 284
معنى قولهم: فلان بالبادية 285
معنى قولهم: من عذيري من فلان 285
معنى قولهم: قال ذاك إنسان من الناس 286
معنى قولهم: قد أكدى فلان 288
معنى قولهم: قد صرّح فلان بكذا وكذا 288
معنى قولهم: قد أدّى فلان الجزية 289
معنى قولهم: لا تلوس كذا وكذا 290
معنى قولهم: هو من أتباع الدّجّال 290
معنى قولهم: على الكافر لعنة الله ولعنة اللاعنين 291
معنى قولهم: لعمري ما هو كذا 291
معنى قولهم: لله درّك 292
معنى قولهم: المنزل محفوف بالناس 293
معنى قولهم: ما ينام ولا ينيم 294
معنى قولهم: فلان طيّاش 294
معنى قولهم: هبلت فلانا أمّه 294
معنى قولهم: فلان سفيه 294(1/708)