الجزء الثاني
بسم الله الرّحمن الرّحيم
باب فى تعليق الأعلام على المعانى دون الأعيان
هذا باب من العربيّة غريب الحديث، أراناه أبو علىّ، رحمه الله تعالى. وقد كنت شرحت حاله فى صدر تفسيرى أسماء شعراء الحماسة بما فيه مقنع إلا أنّا أردنا ألا نخلى كتابنا هذا منه لإغرابه، وحسن التنبيه عليه.
اعلم أن الأعلام أكثر وقوعها فى كلامهم إنما هو على الأعيان دون المعانى.
والأعيان هى الأشخاص نحو: زيد، وجعفر، وأبى محمد، [وأبى القاسم]، وعبد الله، وذى النّون، وذى يزن، وأعوج، [وسبل]، والوجيه، ولاحق، وعلوى، وعتوة، والجديل، و [شدقم] وعمان، ونجران، والحجاز، والعراق، والنجم، والدّبران، والثريّا، وبرقع، والجرباء. ومنه محوة للشّمال لأنها على كلّ حال جسم، وإن لم تكن مرئية.
وكما جاءت الأعلام فى الأعيان، فكذلك أيضا قد جاءت فى المعانى نحو قوله:
أقول لمّا جاءنى فخره ... سبحان من علقمة الفاخر (1)
فسبحان [اسم] علم لمعنى البراءة والتنزيه، بمنزلة عثمان، وحمران.
ومنه قوله:
وإن قال غاو من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدّت علىّ بزوبرا (2)
__________
(1) البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص 193، وأساس البلاغة ص 200 (سبح)، والأشباه والنظائر 2/ 109، وجمهرة اللغة ص 278، وخزانة الأدب 1/ 185، 7/ 234، 235، 238، والدرر 3/ 70، وشرح أبيات سيبويه 1/ 157، وشرح شواهد المغنى 2/ 905، وشرح المفصّل 1/ 37، 120، والكتاب 1/ 324، ولسان العرب (سبح)، وتاج العروس (شتت)، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 3/ 388، 6/ 286، والدرر 5/ 42، ومجالس ثعلب 1/ 261، والمقتضب 3/ 218، والمقرب 1/ 149، وهمع الهوامع 1/ 190، 2/ 52.
(2) البيت من الطويل، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 85، والاشتقاق ص 48، وسمط اللآلى(2/3)
سألت أبا علىّ عن ترك صرف (زوبر) فقال: علّقه علما على القصيدة، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث كما اجتمع فى (سبحان) التعريف والألف والنون.
ومنه فيما ذكره أبو علىّ ما حكاه أبو زيد من قولهم: كان ذلك الفينة، وفينة، وندرى، والندرى. فهذا ممّا اعتقب عليه تعريفان: العلميّة، والألف واللام. وهو كقولك: شعوب، والشعوب للمنيّة. [وعروبة والعروبة]. كما أن الأوّل كقولك: فى الفرط والحين. [ومثله (غدوة) جعلوها علما للوقت].
وكذلك أعلام الزمان، نحو صفر، ورجب، وبقيّة الشهور، [وأوّل وأهون وجبار، وبقيّة تلك الأسماء].
ومنه أسماء الأعداد، كقولك: ثلاثة نصف ستّة، وثمانية ضعف أربعة، إذا أردت قدر العدد لا نفس المعدود، فصار هذا اللفظ علما لهذا المعنى.
ومنه ما أنشده صاحب الكتاب من قوله:
أنا اقتسمنا خطّتينا بيننا ... فحملت برّة واحتملت فجار (1)
فبرّة اسم على لمعنى البرّ، فلذلك لم يصرف للتعريف والتأنيث. وعن مثله عدل فجار، أى عن فجره. وهى علم مصروف كما أن برّة كذلك. وقول سيبويه: إنها
__________
ص 554، ولسان العرب (زبر)، والمعانى الكبير ص 801، 1178، وللطرماح فى ملحق ديوانه ص 574، وللطرماح أو لابن أحمر فى شرح المفصل 1/ 38، وللفرزدق فى ديوانه 1/ 206، 296، والإنصاف 2/ 495، ولسان العرب (حقق)، وللفرزدق أو لابن أحمر فى خزانة الأدب 1/ 148، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 337. ويروى: أإن بدلا من:
وإن، وعاو بدلا من غاو.
يقال: أخذ الشىء بزبره وزوبره وزغبره وزابره، أى بجميعه فلم يدع منه شيئا. اللسان (زبر).
(1) البيت من الكامل للنابغة، يهجو زرعة بن عمرو الكلابىّ، وكان لقى النابغة بسوق عكاظ، وحبب إليه الغدر ببنى أسد، فأبى عليه النابغة.
وانظر ديوانه ص 55، وإصلاح المنطق ص 336، وخزانة الأدب 6/ 327، 330، 333، والدرر 1/ 97، وشرح أبيات سيبويه 2/ 216، وشرح التصريح 1/ 125، وشرح المفصل 4/ 53، والكتاب 3/ 274، ولسان العرب (برر)، (فجر)، (حمل)، والمقاصد النحوية 1/ 405، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 349، وجمهرة اللغة ص 463، وخزانة الأدب 6/ 287، وشرح الأشمونى 1/ 62، وشرح عمدة الحافظ ص 141، وشرح المفصل 1/ 38، ولسان العرب (أنن)، ومجالس ثعلب 2/ 464، وهمع الهوامع 1/ 29، وتاج العروس (أنن).(2/4)
معدولة عن الفجرة تفسير على طريق المعنى، لا على طريق اللفظ. وذلك أنه أراد أن يعرّف أنه معدول عن فجرة علما، ولم تستعمل تلك علما فيريك ذلك، فعدل عن لفظ العلمية المراد إلى لفظ التعريف فيها المعتاد. وكذلك لو عدلت عن برّة هذه لقلت: برار كما قال: فجار. وشاهد ذلك أنهم عدلوا حذام وقطام عن حاذمة وقاطمة، وهما علمان فكذلك يجب أن تكون فجار معدولة عن فجرة علما أيضا.
ومن الأعلام المعلّقة على المعانى ما استعمله النحويون فى عباراتهم من المثل المقابل بها الممثّلات نحو قولهم: (أفعل) إذا أردت به الوصف وله (فعلاء) لم تصرفه. فلا تصرف أنت (أفعل) هذه من حيث صارت علما لهذا المثال نحو أحمر، وأصفر، وأسود، وأبيض. فتجرى (أفعل) هذا مجرى أحمد، وأصرم علمين. وتقول: (فاعلة) لا تنصرف معرفة، وتنصرف نكرة. فلا تصرف (فاعلة) لأنها علم لهذا الوزن، فجرت مجرى فاطمة وعاتكة. وتقول: (فعلان) إذا كانت له (فعلى) فإنه لا ينصرف معرفة ولا نكرة. فلا تصرف (فعلان) هذا لأنه علم لهذا الوزن، بمنزلة حمدان، وقحطان. ونقول: وزن طلحة (فعلة)، ومثال عبيثران (فعيللان)، ومثال إسحارّ (1) (إفعالّ)، ووزن إستبرق (إستفعل)، ووزن طريفة (فعيلة). وكذلك جميع ما جاء من هذا الطرز. وتقول: وزن إبراهيم (فعلاليل) فتصرف هذا المثال، لأنه لا مانع له من الصرف ألا ترى أنه ليس فيه أكثر من التعريف، والسبب الواحد لا يمنع الصرف. ولا تصرف إبراهيم للتعريف والعجمة. وكذلك وزن جبرئيل (فعلئيل) فلا تصرف جبرئيل، وتصرف مثاله.
والهمزة فيه زائدة لقولهم: جبريل. وتقول: مثال جعفر (فعلل) فتصرفهما جميعا لأنه ليس فى كل واحد منهما أكثر من التعريف.
وقد يجوز إذا قيل لك ما مثال (أفكل) أن تقول: مثاله (أفعل) فتصرفه حكاية لصرف أفكل كما جررته حكاية لجرّه ألا تراك إذا قيل لك: ما مثال ضرب، قلت: فعل، فتحكى فى المثال بناء ضرب، فتبنيه كما بنيت مثال المبنىّ، كذلك حكيت إعراب أفكل وتنوينه فقلت فى جواب ما مثال أفكل: مثال أفعل، فجررت
__________
(1) اسحارّ: هو بقل يسمن عليه المال، أى الإبل.(2/5)
كما صرفت. فاعرف ذلك.
ومن ذلك قولهم: قد صرّحت (1) بجدّان، وجلدان. فهذا علم لمعنى الجدّ.
ومنه قولهم: أتى على ذى بليان. فهذا علم للبعد قال:
تنام ويذهب الأقوام حتّى ... يقال أتوا على ذى بلّيان (2)
فإن قلت: ولم قلّت الأعلام فى المعانى، وكثرت فى الأعيان نحو زيد، وجعفر، وجميع ما علّق عليه علم وهو شخص؟ قيل: لأن الأعيان أظهر للحاسّة، وأبدى إلى المشاهدة، فكانت أشبه بالعلمية ممّا لا يرى ولا يشاهد حسّا، وإنما يعلم تأمّلا واستدلالا، وليست كمعلوم الضرورة للمشاهدة.
* * * __________
(1) هذا مثل يضرب للأمر إذا بان وصرح ووضح بعد التباسه.
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (بلل)، (بلا) وتهذيب اللغة 15/ 393، وجمهرة اللغة ص 1236، وكتاب العين 8/ 320، ومقاييس اللغة 1/ 295، وتاج العروس (بلل)، (بلا).(2/6)
باب فى الشىء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه
وذلك أضرب:
منها اجتماع المذكّر والمؤنّث فى الصفة المؤنّثة نحو رجل علامة، وامرأة علامة، ورجل نسّابة، وامرأة نسّابة، ورجل همزة لمزة، وامرأة همزة لمزة، ورجل صرورة، وفروقة، وامرأة صرورة، وفروقة، ورجل هلباجة فقاقة، وامرأة، كذلك. وهو كثير.
وذلك أن الهاء فى نحو ذلك لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هى فيه، وإنما لحقت لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هى فيه قد بلغ الغاية والنهاية، فجعل تأنيث الصفة أمارة لما أريد من تأنيث الغاية والمبالغة، وسواء كان ذلك الموصوف بتلك الصفة مذكّرا أم مؤنّثا. يدلّ على ذلك أن الهاء لو كانت فى نحو امرأة فروقة إنما لحقت لأن المرأة مؤنّثة لوجب أن تحذف فى المذكّر، فيقال: رجل فروق كما أن التاء فى [نحو امرأة] قائمة، وظريفة لمّا لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع تذكيره فى نحو رجل ظريف، وقائم، وكريم. وهذا واضح.
ونحو من تأنيث هذه الصفة ليعلم أنها بلغت المعنى الذى هو مؤنث أيضا تصحيحهم العين فى نحو حول، وصيد، واعتونوا واجتوروا، إيذانا بأن ذلك فى معنى ما لا بدّ من تصحيحه. وهو احولّ، واصيدّ، وتعاونوا، وتجاوروا، وكما كرّرت الألفاظ لتكرير المعانى نحو الزلزلة، والصلصلة والصرصرة. وهذا باب واسع.
ومنها اجتماع المذكّر والمؤنّث فى الصفة المذكّرة. وذلك نحو رجل خصم، وامرأة خصم، ورجل عدل، وامرأة عدل، ورجل ضيف، وامرأة ضيف، ورجل رضا، وامرأة رضا. وكذلك ما فوق الواحد نحو رجلين رضا، وعدل، وقوم رضا، وعدل قال زهير:
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضا وهم عدل (1)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبى سلمى فى الأشباه والنظائر 2/ 385، والأضداد(2/7)
وسبب اجتماعهما هنا فى هذه الصفة أن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية فإذا قيل: رجل عدل فكأنه وصف بجميع الجنس مبالغة كما تقول: استولى على الفضل، وحاز جميع الرياسة والنبل، ولم يترك لأحد نصيبا فى الكرم والجود، ونحو ذلك. فوصف بالجنس أجمع تمكينا (لهذا الموضع)، وتوكيدا.
وقد ظهر منهم ما يؤيّد هذا المعنى ويشهد به. وذلك نحو قوله أنشدناه أبو علىّ:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنّت علينا والضنين من البخل (1)
فهذا كقولك: هو مجبول من الكرم، ومطين من الخير، وهى مخلوقة من البخل. وهذا أوفق معنّى من أن تحمله على القلب، وأنه يريد به: والبخل من الضنين لأن فيه من الإعظام والمبالغة ماليس فى القلب.
ومنه ما أنشدناه أيضا من قوله:
* وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل (2) *
و [قوله]:
* وهنّ من الإخلاف والولعان (3) *
وأقوى التأويلين فى قولها:
* فإنما هى إقبال وإدبار (4) *
__________
ص 75، وشرح شواهد الإيضاح ص 507، والصاحبى فى فقه اللغة ص 213، ولسان العرب (رضى)، وبلا نسبة فى المحتسب 2/ 107.
(1) البيت من الطويل، وهو للبعيث (خداش بن بشر) فى لسان العرب (جذم)، (ضنن)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 385، وشرح شواهد المغنى 2/ 722، والمحتسب 2/ 46، ومغنى اللبيب 1/ 311.
(2) الشطر من الطويل، وهو للبعيث فى لسان العرب (ولع).
(3) عجز البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (ولع)، (ضنن)، وتهذيب اللغة 3/ 199، وتاج العروس (ولع)، والمخصص 3/ 86، وديوان الأدب 3/ 259، وصدر البيت:
* لخلابة العينين كذّابة المنى *
(4) عجز البيت من البسيط، وهو للخنساء فى ديوانها ص 383، والأشباه والنظائر 1/ 198،(2/8)
أن يكون من هذا، أى كأنها مخلوقة من الإقبال والإدبار، لا على أن يكون من باب حذف المضاف، أى ذات إقبال وذات إدبار. ويكفيك من هذا كلّه قول الله عزّ وجلّ {خُلِقَ الْإِنْسََانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] وذلك لكثرة فعله إيّاه، واعتياده له. وهذا أقوى معنى من أن يكون أراد: خلق العجل من الإنسان لأنه أمر قد اطّرد واتّسع، فحمله على القلب يبعد فى الصنعة، و (يصغّر المعنى).
وكأنّ هذا الموضع لمّا خفى على بعضهم قال فى تأويله: إن العجل هنا الطين.
ولعمرى إنه فى اللّغة كما ذكر غير أنه فى هذا الموضع لا يراد به إلا نفس العجلة والسرعة ألا تراه عزّ اسمه كيف قال عقبه {سَأُرِيكُمْ آيََاتِي فَلََا تَسْتَعْجِلُونِ}
[الأنبياء: 37] فنظيره قوله تعالى: {وَكََانَ الْإِنْسََانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]، {وَخُلِقَ الْإِنْسََانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28] لأن العجلة ضرب من الضعف لما تؤذن به من الضرورة والحاجة.
فلمّا كان الغرض فى قولهم: رجل عدل، وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكّر.
فإن قلت: فإن نفس لفظ المصدر قد جاء مؤنّثا نحو الزيادة، والعبادة، والضئولة، والجهومة، والمحمية، والموجدة، والطلاقة، والسباطة. وهو كثير جدّا.
فإذا كان نفس المصدر قد جاء مؤنثا، فما هو معناه، ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه.
قيل: الأصل لقوّته أحمل لهذا المعنى، من الفرع لضعفه. وذلك أن الزيادة، والعبادة، والجهومة، والطلاقة، ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها، فلحاق التاء لها لا يخرجها عمّا ثبت فى النفس من مصدريتها. وليس كذلك الصفة لأنها ليست فى الحقيقة مصدرا وإنما هى متأوّلة عليه، ومردودة بالصنعة إليه. فلو قيل: رجل عدل، وامرأة عدلة وقد جرت صفة كما ترى لم يؤمن أن يظنّ بها
__________
وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34، وشرح أبيات سيبويه 1/ 282، والشعر والشعراء 1/ 354، والكتاب 1/ 337، ولسان العرب (رهط)، (قبل)، (سوا)، والمقتضب 4/ 305، والمنصف 1/ 197، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 387، 4/ 68، وشرح الأشمونى 1/ 213، وشرح المفصل 1/ 115، والمحتسب 2/ 43. وصدر البيت:
* ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت *(2/9)
أنها صفة حقيقية كصعبة من صعب، وندبة من ندب، وفخمة من فخم، ورطبة من رطب. فلم يكن فيها من قوّة الدلالة على المصدرية ما فى نفس المصدر نحو الجهومة، والشهومة، والطلاقة، والخلاقة. فالأصول لقوّتها يتصرّف فيها، والفروع لضعفها يتوقّف بها، ويقصر عن بعض ما تسوّغه القوّة لأصولها.
فإن قلت: فقد قالوا: رجل عدل، وامرأة عدلة، وفرس طوعة القياد، وقال أميّة أنشدناه:
والحيّة الحتفة الرّقشاء أخرجها ... من بيتها آمنات الله والكلم (1)
قيل: هذا ممّا خرج على صورة الصفة لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كلّ البعد عن أصل الوصف الذى بابه أن يقع الفرق فيه بين مذكّره ومؤنّثه، فجرى هذا فى حفظ الأصول، والتلفت إليها،، (للمباقاة لها)، والتنبيه عليها، مجرى إخراج بعض المعتلّ على أصله نحو استحوذ، وضننوا وقد تقدّم ذكره ومجرى إعمال صغته وعدته، وإن كان قد نقل إلى (فعلت) لمّا كان أصله (فعلت). وعلى ذلك أنّث بعضهم فقال: خصمة، وضيفة وجمع، فقال:
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم فى كبد (2)
وعليه قول الآخر:
إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحىّ حتى تستقلّ مراجله (3)
الأضياف هنا بلفظ القلّة ومعناها أيضا وليس كقوله:
* وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (4) *
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لأميّة بن أبى الصلت فى ديوانه ص 57، والأشباه والنظائر 2/ 389، ولسان العرب (حتف)، (عدل).
(2) البيت من المنسرح، وهو للبيد فى ديوانه ص 160، وتذكرة النحاة ص 118، ولسان العرب (كبد)، (عدل).
(3) البيت من الطويل، وهو لزينب بنت الطثريّة فى لسان العرب (عذر)، والتنبية والإيضاح 2/ 167، وجمهرة اللغة ص 62، وتاج العروس (عدر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ضيف)، (عدل)، وأساس البلاغة (عذر)، ومقاييس اللغة 4/ 256، ومجمل اللغة 3/ 461.
(4) عجز بيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت فى ديوانه ص 131، وأسرار العربية ص 356،(2/10)
فى أن المراد به معنى الكثرة. وذلك أمدح لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل بمراجل الحىّ أجمع، فما ظنك به لو نزل به الضيفان الكثيرون!
فإن قيل: فلم أنّث المصدر أصلا؟ وما الذى سوّغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس، وكلاهما إلى التذكير، حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك: إنه أصل، وإن الأصول تحمل ما لا تحمله الفروع؟.
قيل: علّة جواز تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أنّ المصادر أجناس للمعانى، (كما غيرها) أجناس للأعيان نحو رجل، وفرس، وغلام، ودار، وبستان. فكما أن أسماء أجناس الأعيان قد تأتى مؤنّثة الألفاظ، ولا حقيقة تأنيث فى معناها نحو غرفة، ومشرقة، وعلّية، ومروحة، ومقرمة (1) كذلك جاءت أيضا أجناس المعانى مؤنّثا بعضها لفظا لا معنى. وذلك نحو المحمدة، والموجدة، والرشاقة، والجباسة، والضئولة، والجهومة.
نعم، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على مصدريّته غير موصوف به، لم يكن تأنيثه وجمعه، وقد ورد وصفا على المحلّ الذى من عادته أن يفرق فيه بين مذكّره ومؤنثه، وواحده وجماعته، قبيحا ولا مستكرها أعنى ضيفة وخصمة، وأضيافا وخصوما وإن كان التذكير والإفراد أقوى فى اللغة، وأعلى فى الصنعة قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتََاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرََابَ} [ص: 21].
وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لمّا وصفت بالمصدر أردت المبالغة بذلك، فكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكّد ذلك بترك التأنيث والجمع كما يجب للمصدر فى أوّل أحواله ألا ترى أنك إذا أنّثت وجمعت سلكت به مذهب الصفة الحقيقيّة التى لا معنى للمبالغة فيها، نحو قائمة، ومنطلقة، وضاربات، ومكرمات.
__________
وخزانة الأدب 8/ 106، 107، 110، 116، وشرح الأشمونى 3/ 671، وشرح شواهد الإيضاح ص 521، وشرح المفصل 5/ 10، والكتاب 3/ 578، ولسان العرب (جدا)، والمحتسب 1/ 187، والمقاصد النحوية 4/ 527، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 135، والمقتضب 2/ 188. وصدر البيت:
* لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى *
(1) مقرمة: هى ستر رقيق.(2/11)
فكان ذلك يكون نقضا للغرض، أو كالنقض له. فلذلك قلّ حتى وقع الاعتذار لما جاء منه مؤنّثا أو مجموعا.
وممّا جاء من المصادر مجموعا ومعملا أيضا قوله:
* مواعيد عرقوب أخاه بيثرب (1) *
و (بيثرب).
ومنه عندى قولهم: تركته بملاحس البقر أولادها. فالملاحس جمع ملحس ولا يخلو أن يكون مكانا، أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون هنا مكانا لأنه قد عمل فى الأولاد فنصبها، والمكان لا يعمل فى المفعول به، كما أن الزمان لا يعمل فيه.
وإذا كان الأمر على ما ذكرنا، كان المضاف هنا محذوفا مقدّرا، وكأنه قال: تركته بمكان ملاحس البقر أولادها كما أن قوله:
وما هى إلا فى إزار وعلقة ... مغار ابن همّام على حىّ خثعما (2)
محذوف المضاف، أى وقت إغارة ابن همام على حىّ خثعم ألا تراه قد عدّاه إلى [(على) فى] قوله (على حىّ خثعما). ف (ملاحس البقر) إذا مصدر مجموع معمل فى المفعول به كما أن (مواعيد عرقوب أخاه بيثرب) كذلك. وهو غريب.
وكان أبو علىّ رحمه الله يورد (مواعيد عرقوب) مورد الطريف المتعجّب منه.
فأمّا قوله:
__________
(1) عجز بيت من الطويل، ونسب لأكثر من شاعر، فهو لابن عبيد الأشجعى فى خزانة الأدب 1/ 58، وللأشجعى فى لسان العرب (ترب)، (عرقب)، ولعلقمة فى جمهرة اللغة ص 1123، وللشماخ فى ملحق ديوانه ص 430، وشرح أبيات سيبويه 1/ 343، وللشماخ أو للأشجعى فى الدرر 5/ 245، وشرح المفصل 1/ 113 (بروايتين مختلفتين فى الصدر) وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 173، 253، 1198، وشرح قطر الندى ص 261، والكتاب 1/ 272، والمقرب 1/ 131. وصدر البيت:
* وعدت وكان الخلف منك سجيّة *
(2) البيت من الطويل، وهو لحميد بن ثور الهلالىّ فى الأشباه والنظائر 2/ 394، والكتاب 1/ 235، وشرح أبيات سيبويه 1/ 347، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى أمالى الحاجب ص 351، وشرح المفصل 6/ 109، ولسان العرب (لحس)، (علق)، والمحتسب 2/ 121.(2/12)
قد جرّبوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا (1)
فقد يجوز أن يكون من هذا. وقد يجوز أن يكون (أبا قدامة) منصوبا ب (زادت) أى فما زادت أبا قدامة تجاربهم إيّاه إلا المجد. والوجه أن ينصب ب (تجاربهم) لأنه العامل الأقرب، ولأنه لو أراد إعمال الأوّل لكان حرى أن يعمل الثانى أيضا، فيقول: فما زادت تجاربهم إيّاه أبا قدامة إلا كذا كما تقول: (ضربت فأوجعته زيدا)، وتضعّف (ضربت فأوجعت زيدا) على إعمال الأوّل. وذلك أنك إذا كنت تعمل الأوّل على بعده، وجب إعمال الثانى أيضا لقربه لأنه لا يكون الأبعد أقوى حالا من الأقرب.
فإن قلت: أكتفى بمفعول العامل الأوّل من مفعول العامل الثانى قيل لك:
فإذا كنت مكتفيا مختصرا فاكتفاؤك بإعمال الثانى الأقرب أولى من اكتفائك بإعمال الأوّل الأبعد. وليس لك فى هذا ما لك فى الفاعل، لأنك تقول: لا أضمر على غير تقدّم ذكر إلا مستكرها، فتعمل الأوّل فتقول (قام وقعدا أخواك). فأمّا المفعول فمنه بدّ، فلا ينبغى أن تتباعد بالعمل إليه، وتترك ما هو أقرب إلى المعمول فيه منه.
ومن ذلك (فرس وساع) الذكر والأنثى فيه سواء، وفرس جواد، وناقة ضامر، وجمل ضامر، وناقة بازل، وجمل بازل، وهو لباب قومه، وهى لباب قومها، وهم لباب قومهم قال جرير:
تدرّى فوق متنيها قرونا ... على بشر وآنسة لباب (2)
وقال ذو الرمة:
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 159، وتذكرة النحاة ص 463، وشرح عمدة الحافظ ص 694، ولسان العرب (جرب)، (ضغ)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 394، وشرح الأشمونى 2/ 335.
الفنع: الكرم والعطاء الجزيل.
(2) البيت من الوافر، وهو لجرير فى ملحق ديوانه ص 1021، ولسان العرب (لبب)، وتاج العروس (لبب)، والمذكر والمؤنث للأنبارى ص 254، والمخصص 17/ 33، وبلا نسبة فى لسان العرب (بشر). ويروى: بسر بدلا من بشر.(2/13)
سبحلا أبا شرخين أحيا بناته ... مقاليتها فهى اللباب الحبائس (1)
فأمّا ناقة هجان، ونوق هجان، ودرع دلاص، وأدرع دلاص فليس من هذا الباب فإن فعالا منه فى الجمع تكسير فعال فى الواحد. وقد تقدّم ذكر ذلك فى باب ما اتفق لفظه واختلف تقديره.
* * * __________
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1136، ولسان العرب (لبب)، (شرخ)، (حبس)، (سجل)، وكتاب العين 4/ 169، 8/ 317، والمخصّص 13/ 77، 17/ 33، وتهذيب اللغة 7/ 82، 15/ 337، وتاج العروس (لبب)، (نفض)، (سجل) والمذكر والمؤنث للأنبارى ص 254.
يصف فحل الإبل. والسبحل: الضخم، والشرخ: نتاج السنة من أولاد الإبل. والمقاليت جمع المقلات، وهى التى لا يعيش لها ولد. والحبائس: يحبسها من يملكها عليه.(2/14)
باب فى ورود الوفاق مع وجود الخلاف
هذا الباب ينفصل من الذى قبله بأن ذلك تبع فيه اللفظ ما ليس وفقا له نحو رجل نسّابة، وامرأة عدل. وهذا الباب الذى نحن فيه ليس بلفظ تبع لفظا، بل هو قائم برأسه. وذلك قولهم: غاض الماء، وغضته سوّوا فيه بين المتعدّى وغير المعدّى. ومثله جبرت يده، وجبرتها، وعمر المنزل، وعمرته، وسار الدابّة، وسرته، ودان الرجل ودنته، من الدين فى معنى أدنته وعليه جاء (مديون) فى لغة التميميّين، وهلك الشىء وهلكته قال العجّاج:
* ومهمه هالك من تعرّجا (1) *
فيه قولان: أحدهما أن (هالكا) بمعنى مهلك، أى مهلك من تعرّج فيه.
والآخر: ومهمه هالك المتعرّجين فيه كقولك: هذا رجل حسن الوجه، فوضع (من) موضع الألف واللام. ومثله هبط الشىء وهبطته قال:
ما راعنى إلا جناح هابطا ... على البيوت قوطه العلابطا (2)
أى مهبطا قوطه. وقد يجوز أن يكون أراد: هابطا بقوطه، فلمّا حذف حرف الجرّ نصب بالفعل ضرورة. والأوّل أقوى.
فأمّا قول الله سبحانه {وَإِنَّ مِنْهََا لَمََا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ} [البقرة: 74] فأجود القولين فيه أن يكون معناه: وإن منها لما يهبط من نظر إليه لخشية الله. وذلك أن
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 2/ 43، 45، ولسان العرب (هلك)، وجمهرة اللغة ص 983، وديوان الأدب 2/ 178، وكتاب العين 3/ 378، وتاج العروس (هلك)، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة 6/ 15، والمخصص 6/ 127. وبعده:
* هائلة أهواله من أدلجا *
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (جنح)، (قوط)، (لعط)، (هبط)، والأشباه والنظائر 2/ 398، والمنصف 1/ 27، ونوادر أبى زيد ص 173، وتهذيب اللغة 2/ 165، وتاج العروس (جنح)، (علبط)، (قوط)، (لعط)، وجمهرة اللغة ص 363، 403، 925، 1126، 1262.
جناح: اسم راع. والقوط: القطيع من الغنم. والعلابط: القطيع أيضا وأقله خمسون. اللسان (قوط).(2/15)
الإنسان إذا فكّر فى عظم هذه المخلوقات تضاءل وتخشّع، وهبطت نفسه لعظم ما شاهد. فنسب الفعل إلى تلك الحجارة، لمّا كان السقوط والخشوع مسبّبا عنها، وحادثا لأجل النظر إليها كقول الله سبحانه {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [الأنفال: 17] وأنشدوا بيت الآخر:
فاذكرى موقفى إذا التقت الخي ... ل وسارت إلى الرجال الرجالا (1)
أى وسارت الخيل الرجال إلى الرجال.
وقد يجوز أن يكون أراد: وسارت إلى الرّجال بالرّجال، فحذف حرف الجرّ، فنصب. والأوّل أقوى. وقال خالد بن زهير:
فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها ... فأوّل راض سيرة من يسيرها (2)
ورجنت الدابّة بالمكان إذا أقامت فيه، ورجنتها، وعاب الشىء وعبته، وهجمت على القوم، وهجمت غيرى عليهم أيضا، وعفا الشىء: كثر، وعفوته: كثّرته، وفغر فاه، وفغر فوه، وشحا فاه، وشحا فوه، وعثمت يده، وعثمتها أى جبرتها على غير استواء، ومدّ النهر، ومددته قال الله عزّ وجل {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] وقال الشاعر:
* ماء خليج مدّه خليجان (3) *
وسرحت الماشية، وسرحتها، وزاد الشىء، وزدته، وذرا الشىء وذروته:
طيّرته، وخسف المكان، وخسفه الله، ودلع لسانه ودلعته، وهاج القوم، وهجتهم،
__________
(1) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (سير). ويروى: فاذكرن موضعا بدلا من:
فاذكرى موقفى.
(2) البيت من الطويل، وهو لخالد بن زهير فى أشعار الهذليين ص 213، وجمهرة اللغة ص 725، وخزانة الأدب 5/ 84، 8/ 515، 9/ 59، ولسان العرب (سير)، ولخالد بن عتبة الهذلىّ فى لسان العرب (سنن)، ولزهير فى الأشباه والنظائر 2/ 399، وليس فى ديوان زهير بن أبى سلمى، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب 2/ 524. ويروى: سنة بدلا من: سيرة.
(3) الرجز لأبى النجم فى كتاب العين 4/ 161، وبلا نسبة فى لسان العرب (خلج)، وتهذيب اللغة 7/ 60، وتاج العروس (خلج)، والمخصّص 10/ 32، 15/ 54، وأساس البلاغة (مدد).
وقبله:
* إلى فتى فاض أكفّ الفتيان *(2/16)
وطاخ الرجل وطخته، أى لطخته بالقبيح فى معنى أطخته، ووفر الشىء ووفرته. وقال الأصمعىّ: رفع البعير ورفعته فى السير المرفوع وقالوا: نفى الشىء ونفيته، أى أبعدته قال القطامىّ:
* فأصبح جاراكم قتيلا ونافيا (1) *
ونحوه نكرت البئر ونكرتها أى أقللت ماءها، ونزفت ونزفتها.
فهذا كلّه شاذّ عن القياس وإن كان مطّردا فى الاستعمال إلا أن له عندى وجها لأجله جاز. وهو أن كل فاعل غير القديم سبحانه فإنما الفعل منه شىء أعيره وأعطيه وأقدر عليه، فهو وإن كان فاعلا فإنه لما كان معانا مقدرا صار كأنّ فعله لغيره ألا ترى إلى قوله سبحانه {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [الأنفال: 17] نعم، وقد قال بعض الناس: إن الفعل لله وإن العبد مكتسبه، وإن كان هذا خطأ عندنا فإنه قول لقوم. فلمّا كان قولهم: غاض الماء أن غيره أغاضه وإن جرى لفظ الفعل له، تجاوزت العرب ذلك إلى أن أظهرت هناك فعلا بلفظ الأوّل متعدّيا لأنه قد كان فاعله فى وقت فعله إياه إنما هو مشاء (2) إليه، أو معان عليه. فخرج اللفظان لما ذكرنا خروجا واحدا. فاعرفه.
* * * __________
(1) صدر البيت من الطويل، وهو للقطامى فى لسان العرب (نفى)، وتهذيب اللغة 15/ 476، وتاج العروس (نفى)، وليس فى ديوانه وللأخطل فى ديوانه ص 315، وبلا نسبة فى ديوان الأدب 4/ 86. وعجز البيت:
* أصمّ فزادوا فى مسامعه وقرا *
(2) مشاء إليه: هو وصف من أشاءه إلى الشىء: ألجأه إليه، وهو لغة فى أجاءه، وتنسب إلى تميم. انظر القاموس (شيأ).(2/17)
باب فى نقض العادة
المعتاد المألوف فى اللغة أنه إذا كان فعل غير متعدّ كان أفعل متعدّيا لأن هذه الهمزة كثيرا ما تجىء للتعدية. وذلك نحو قام زيد، وأقمت زيدا، وقعد بكر، وأقعدت بكرا. فإن كان فعل متعدّيا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعدّيا إلى اثنين نحو طعم زيد خبزا، وأطعمته خبزا، وعطا بكر درهما، وأعطيته درهما.
فأمّا كسى زيد ثوبا، وكسوته ثوبا، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإنما جاز نقله بفعل لمّا كان فعل وأفعل كثيرا ما يعتقبان على المعنى الواحد نحو جدّ فى الأمر، وأجدّ، وصددته عن كذا، وأصددته، وقصر عن الشىء وأقصر، وسحته الله وأسحته، ونحو ذلك. فلما كانت فعل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض، ونقل بأفعل، نقل أيضا فعل بفعل نحو كسى وكسوته، وشترت عينه وشترها، وعارت وعرتها، ونحو ذلك.
هذا هو الحديث: أن (تنقل بالهمز) فيحدث النقل تعدّيا لم يكن قبله.
غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه هذه القضيّة معكوسة مخالفة فتجد فعل فيها متعدّيا، وأفعل غير متعدّ.
وذلك قولهم: أجفل الظليم، وجفلته الريح، وأشنق البعير إذا رفع رأسه، وشنقته، وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها، ونزفتها، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر، ونسلته، وأمرت الناقة إذا درّ لبنها ومريتها (1).
ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصرّ الفرس أذنه، وأصرّ (2)
بأذنه، وكبّه الله على وجهه، وأكبّ هو، وعلوت الوسادة، وأعليت عنها.
__________
(1) أى مسحت ضرعها لتدرّ.
(2) أى سوى أذنه ونصبها للاستماع، وذلك إذا جدّ فى السير.(2/18)
فهذا نقض عادة الاستعمال لأن فعلت فيه متعدّ، وأفعلت غير متعدّ.
وعلّة ذلك عندى أنه جعل تعدّى فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدّى نحو جلس وأجلسته، ونهض وأنهضته كما جعل قلب الياء واوا فى التقوى والرعوى والثنوى والفتوى عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها وكما جعل لزوم الضرب الأوّل من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تامّا أو مخبونا، بل توبعت فيه الحركات الثلاث ألبتّة تعويضا للضرب من كثرة السواكن فيه نحو مفعولن ومفعولان ومستفعلان ونحو ذلك ممّا التقى فى آخره من الضروب ساكنان.
ونحو من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول، وذلك نحو أحببته فهو محبوب، وأجنّه الله فهو مجنون، وأزكمه فهو مزكوم، وأكزّه (1) فهو مكزوز، وأقرّه فهو مقرور، وآرضه الله فهو مأروض، وأملأه الله فهو مملوء، وأضأده (2) الله فهو مضئود، وأحمّه الله من الحمّى فهو محموم، وأهمّه من الهم فهو مهموم، وأزعقته فهو مزعوق أى مذعور.
ومثله ما أنشدناه أبو علىّ من قوله:
إذا ما استحمّت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق (3)
وهو من أودعته. وينبغى أن يكون جاء على ودع.
وأما أحزنه الله فهو محزون فقد حمل على هذا غير أنه قد قال أبو زيد:
يقولون: الأمر يحزننى، ولا يقولون: حزننى، إلا أنّ مجىء المضارع يشهد للماضى. فهذا أمثل ممّا مضى. وقد قالوا فيه أيضا: محزن، على القياس. ومثله قولهم: مجبّ. منه بيت عنترة:
__________
(1) أكزّه: أصابه بالكزاز. وهو تشنج يصيب الإنسان من شدة البرد، وتعتريه منه رعدة.
(2) أضأده: أى أصابه بالزكام.
(3) البيت من الطويل، وهو لخفاف بن ندبة فى ديوانه ص 33، وإصلاح المنطق ص 73، والأصمعيّات ص 24، وخزانة الأدب 6/ 472، ولسان العرب (أرض)، (ودع)، (صدق)، ولسلمة بن الخرشب فى المعانى الكبير ص 156، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 404، والدرر 5/ 193، والمحتسب 2/ 242، وهمع الهوامع 2/ 84.(2/19)
ولقد نزلت فلا تظنّى غيره ... منّى بمنزلة المحبّ المكرم (1)
ومثله قول الأخرى:
لأنكحنّ ببّه ... جارية خدبّه
مكرمة محبّه ... تجبّ أهل الكعبه (2)
وقال الآخر:
ومن يناد آل يربوع يجب ... يأتيك منهم خير فتيان العرب
المنكب الأيمن والردف المحبّ (3)
قالوا: وعلّة ما جاء من أفعلته فهو مفعول نحو أجنّه الله فهو مجنون وأسلّه الله فهو مسلول، وبابه أنهم إنما جاءوا به على فعل نحو جنّ فهو مجنون، وزكم فهو مزكوم، وسلّ فهو مسلول. وكذلك بقيّته.
فإن قيل لك من بعد: وما بال هذا خالف فيه الفعل مسندا إلى الفاعل صورته مسندا إلى المفعول، وعادة الاستعمال غير هذا وهو أن يجىء الضربان معا فى عدّة واحدة نحو ضربته وضرب، وأكرمته وأكرم، وكذلك مقاد هذا الباب؟
قيل: إنّ العرب لمّا قوى فى أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 191، وأدب الكاتب ص 613، والأشباه والنظائر 2/ 405، والاشتقاق ص 38، والأغانى 9/ 212، وجمهرة اللغة ص 591، وخزانة الأدب 3/ 227، 9/ 136، والدرر 2/ 254، وشرح شذور الذهب ص 486، وشرح شواهد المغنى 1/ 480، ولسان العرب (حبب)، والمقاصد النحوية 2/ 414، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 70، وشرح الأشمونى 1/ 164، وشرح ابن عقيل ص 225، والمقرب 1/ 117، وهمع الهوامع 1/ 152.
(2) الرجز لبنت أبى سفيان والدة عبد الله بن الحارث فى سر صناعة الإعراب 2/ 599، الدرر 1/ 226، وشرح المفصل 1/ 32، ولسان العرب (ببب)، (خدب)، والمقاصد النحوية 1/ 403، ولامرأة من قريش فى جمهرة اللغة ص 63، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 405، والمنصف 2/ 182، وتاج العروس (ببب)، والتنبيه والإيضاح 1/ 42، وتهذيب اللغة 15/ 593.
ببّه: حكاية صوت الصبى. خدبّه: ضخمة.
(3) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 405.(2/20)
الفاعل، وحتى قال سيبويه فيهما: «وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم» خصّوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة: أحدهما تغيير صورة المثال مسندا إلى المفعول، عن صورته مسندا إلى الفاعل، والعدّة واحدة وذلك نحو ضرب [زيد] وضرب، وقتل وقتل، وأكرم وأكرم، ودحرج ودحرج. والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدّة الحروف مع ضمّ أوّله، كما غيّروا فى الأوّل الصورة والصيغة وحدها. وذلك نحو قولهم:
أحببته وحبّ، وأزكمه الله وزكم، وأضأده الله وضئد، وأملاه الله وملئ.
قال أبو علىّ: فهذا يدلّك على تمكّن المفعول عندهم، وتقدّم حاله فى أنفسهم إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل.
وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم الذى قدّمت بابه ألا ترى أنهم لمّا غيروا الصيغة والعدّة واحدة فى نحو ضرب وضرب و (شتم وشتم) تدرّجوا من ذلك إلى أن غيّروا الصيغة مع نقصان العدّة نحو أزكمه الله وزكم، وآرضه الله وأرض.
فهذا كقولهم فى حنيفة: حنفىّ، لمّا حذفوا هاء حنيفة حذفوا أيضا ياءها ولمّا لم يكن فى حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحّت الياء، فقالوا فيه: حنيفىّ.
وقد تقدّم القول على ذلك.
وهذا الموضع هو الذى دعا أبا العباس أحمد بن يحيى فى كتاب فصيحه أن أفرد له بابا، فقال: هذا باب فعل بضمّ الفاء نحو قولك: عنيت بحاجتك وبقيّة الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل فى اللغة الفصيحة ألا تراهم يقولون: نخى زيد من النخوة ولا يقال: نخاه كذا، ويقولون (امتقع لونه ولا يقولون: امتقعه كذا، ويقولون): انقطع بالرجل ولا يقولون انقطع به كذا. فلهذا جاء بهذا الباب، أى ليريك أفعالا خصّت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل كما خصّت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول نحو قام زيد، وقعد جعفر، وذهب محمد، وانطلق بشر. ولو كان غرضه أن يريك صورة ما لم يسمّ فاعله مجملا غير مفصّل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو ضرب وركب وطلب وقتل وأكل وسمل وأكرم وأحسن إليه واستقصى عليه.(2/21)
وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية [له].
فاعرف هذا الغرض فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة.
ونظير مجىء اسم المفعول ههنا على حذف الزيادة نحو أحببته فهو محبوب مجىء اسم الفاعل على حذفها أيضا، وذلك نحو قولهم: أورس (1) الرمث فهو وارس، وأيفع الغلام فهو يافع، وأبقل المكان فهو باقل قال الله عز وجل:
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ} [الحجر: 22] وقياسه ملاقح لأن الريح تلقح السحاب فتستدرّه، وقد يجوز أن يكون على لقحت هى، فإذا لقحت فزكت ألقحت السحاب، فيكون هذا ممّا اكتفى فيه بالسبب من المسبّب. وضدّه قول الله تعالى:
{فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ} [النحل: 98] أى فإذا أردت قراءة القرآن، فاكتفى بالمسبّب الذى هو القراءة من السبب الذى هو الإرادة. وقد جاء عنهم مبقل، حكاها أبو زيد. وقال دواد ابن أبى دواد لأبيه فى خبر لهما، وقد قال له أبوه ما أعاشك بعدى؟
أعاشنى بعدك واد مبقل ... آكل من حوذانه وأنسل (2)
وقد جاء أيضا حببته، قال [الشاعر]:
وو الله لولا تمره ما حببته ... ولا كان أدنى من عبيد ومشرق (3)
ونظير مجىء اسم الفاعل والمفعول جميعا على حذف الزيادة فيما مضى مجىء المصدر أيضا على حذفها نحو قولهم جاء زيد وحده. فأصل هذا أوحدته بمرورى إيحادا، ثم حذفت زيادتاه فجاء على الفعل. ومثله قولهم: عمرك الله إلا فعلت أى عمّرتك الله تعميرا. ومثله قوله:
__________
(1) أورس: أى اصفرّ ورقه. والرمث: شجر ترعاه الإبل.
(2) الرجز لدؤاد بن أبى دؤاد فى لسان العرب (عيش)، (بقل)، وتاج العروس (عيش)، (بقل)، وسمط اللآلى ص 573، ولأبى ذؤيب الهذلى فى زيادات شرح أشعار الهذليين ص 1312، ولسان العرب (نسل)، وتاج العروس (نسل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (حوذ).
(3) البيت من الطويل، وهو لعيلان بن شجاع النهشلى فى لسان العرب (حبب)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 410، وخزانة الأدب 9/ 429، وشرح شواهد المغنى 2/ 780، وشرح المفصل 7/ 138، ومغنى اللبيب 1/ 361.(2/22)
* بمنجرد قيد الأوابد هيكل (1) *
أى تقييد الأوابد ثم حذف زائدتيه وإن شئت قلت: وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل نحو قوله:
فلولا الله والمهر المفدّى ... لرحت وأنت غربال الإهاب (2)
فوضع الغربال موضع مخرّق. وعليه ما أنشدناه عن أبى عثمان:
* مئبرة العرقوب إشفى المرفق (3) *
أى دقيقة المرفق. (وهو كثير).
فأمّا قوله:
* وبعد عطائك المائة الرتاعا (4) *
__________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 19، وإصلاح المنطق ص 377، وخزانة الأدب 3/ 156، 243، وشرح المفصل 2/ 66، 68، 3/ 51، ولسان العرب (قيد) (هكل) وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 410، 3/ 41، وخزانة الأدب 4/ 250، ورصف المبانى ص 392، وشرح شواهد المغنى 2/ 862، وشرح عمدة الحافظ ص 487، والمحتسب 1/ 168، 2/ 243، ومغنى اللبيب 2/ 466. وصدر البيت:
* وقد أغتدى والطّير فى وكناتها *
(2) البيت من الوافر، وهو لمنذر بن حسان فى المقاصد النحوية 3/ 140، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 411، وديوان المعانى 2/ 249، وشرح الأشمونى 2/ 362، والدرر 5/ 291، ولسان العرب (عنكب)، (قيد) (غربل)، والممتع فى التصريف ص 74.
(3) الرجز فى الممتع فى التصريف 1/ 74، والمخصص 1/ 81، 15، 106، وتاج العروس (شفى)، ولسان العرب (أذن)، (شفى).
الإشفى فى الأصل مخرز الإسكاف. والمئبرة: الإبرة. يهجو امرأة.
(4) عجز البيت من الوافر، وهو للقطامىّ فى ديوانه ص 37، وتذكرة النحاة ص 456، وخزانة الأدب 8/ 136، 137، والدرر 3/ 62، وشرح التصريح 2/ 64، وشرح شواهد المغنى 2/ 849، وشرح عمدة الحافظ ص 695، ولسان العرب (رهف)، (عطا)، ومعاهد التنصيص 1/ 179، والمقاصد النحوية 3/ 505، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 411، وأوضح المسالك 3/ 211، والدرر 5/ 262، وشرح الأشمونى 2/ 336، وشرح شذور الذهب ص 528، وشرح ابن عقيل ص 414، ولسان العرب (سمع)، (غنا)، وهمع الهوامع 1/ 188، 2/ 95. وصدر البيت:
* أكفرا بعد ردّ الموت عنّى *(2/23)
فليس على حذف الزيادة ألا ترى أن فى عطاء ألف إفعال الزائدة. ولو كان على حذف الزيادة لقال: وبعد عطوك، فيكون كوحده. وقد ذكرنا هذا فيما مضى.
ولمّا كان الجمع مضارعا للفعل بالفرعيّة فيهما جاءت فيه أيضا ألفاظ على حذف الزيادة التى كانت فى الواحد. وذلك نحو قولهم: كروان وكروان، وورشان وورشان. فجاء هذا على حذف زائدتيه، حتى كأنه صار إلى فعل، فجرى مجرى خرب وخربان، وبرق وبرقان قال:
* أبصر خربان فضاء فانكدر (1) *
وأنشدنا لذى الرمّة:
من آل أبى موسى ترى الناس حوله
كأنهم الكروان أبصرن بازيا (2)
ومنه تكسيرهم فعالا على أفعال حتى كأنه إنما كسّر فعل، وذلك نحو جواد وأجواد، وعياد وأعياء [وحياء وأحياء] وعراء (3)، وأنشدنا:
* أو مجن عنه عربت أعراؤه (4) *
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 42، 43، ولسان العرب (ضبر)، (ظفر)، (عمر)، وأدب الكاتب ص 487، والأشباه والنظائر 1/ 48، وإصلاح المنطق ص 302، والدرر 6/ 20، وشرح المفصل 10/ 25، والممتع فى التصريف 1/ 374، والتنبيه والإيضاح 2/ 158، وتاج العروس (ضبر)، (ظفر)، (عمر)، (كدر)، 158، 4/ 132، وتهذيب اللغة 3/ 29، وشرح الأشمونى 3/ 879، والمقرب 2/ 171، وهمع الهوامع 2/ 157، ومقاييس اللغة 4/ 21، والمخصّص 8/ 132، 9/ 143، 11/ 12، 12/ 301، 13/ 289، وديوان الأدب 2/ 402، وتاج العروس (خرب)، وتهذيب اللغة 8/ 252. وبعده:
* شاكى الكلاليب إذا أهوى اظّفر *
(2) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1313، والأشباه والنظائر 2/ 412، وخزانة الأدب 2/ 377، وشرح شواهد الإيضاح ص 553، والمنصف 3/ 72.
(3) حياء وأحياء: والحياء للناقة رحمها وفرجها. وعراء وأعراء: هو ما استوى من ظهر الأرض، أو هو المكان الخالى.
(4) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 3، وبلا نسبة فى لسان العرب (عرا)، وتهذيب اللغة 3/ 159.
ويروى: عرّيت بدلا من: عربت.(2/24)
فيجوز أن يكون جمع عراء، ويجوز أن يكون جمع عرى، ويجوز أن يكون جمع عرا، من قولهم: نزل بعراه أى ناحيته.
ومن ذلك قولهم: نعمة وأنعم، وشدّة وأشدّ فى قول سيبويه: جاء ذلك على حذف التاء كقولهم: ذئب وأذؤب، وقطع وأقطع، وضرس وأضرس قال:
* وقرعن نابك قرعة بالأضرس *
وذلك كثير جدّا.
وما يجىء مخالفا ومنتقضا أوسع من ذلك إلا أنّ لكل شىء منه عذرا وطريقا.
وفصل للعرب طريف وهو إجماعهم على مجىء عين مضارع فعلته إذا كانت من فاعلنى مضمومة ألبتّة. وذلك نحو قولهم: ضاربنى فضربته أضربه، وعالمنى فعلمته أعلمه، وعاقلنى من العقل فعقلته أعقله، وكارمنى فكرمته أكرمه، وفاخرنى ففخرته أفخره، وشاعرنى فشعرته أشعره. وحكى الكسائىّ: فاخرنى ففخرته أفخره بفتح الخاء وحكاها أبو زيد أفخره بالضم على الباب. كل هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه.
ووجه استغرابنا له أن خصّ مضارعه بالضمّ. وذلك أنا قد دللنا على أنّ قياس باب مضارع فعل أن يأتى بالكسر نحو ضرب يضرب وبابه، وأرينا وجه دخول يفعل على يفعل فيه، نحو قتل يقتل، ونخل ينخل، فكان الأحجى به هنا إذ أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذى كان القياس مقتضيا له فى مضارع فعل وهو يفعل بكسر العين. وذلك أن العرف والعادة إذا أريد الاقتصار على أحد الجائزين أن يكون ذلك المقتصر عليه هو أقيسهما فيه ألا تراك تقول فى تحقير أسود وجدول: أسيّد وجديّل بالقلب، وتجيز من بعد الإظهار وأن تقول: أسيود وجديول، فإذا صرت إلى باب مقام وعجوز اقتصرت على الإعلال ألبتّة فقلت: مقيّم وعجّيز، فأوجبت أقوى القياسين لا أضعفهما وكذلك نظائره.
فإن قلت: فقد تقول: فيها رجل قائم، وتجيز فيه النصب، فتقول: فيها رجل قائما فإذا قدّمت أوجبت أضعف الجائزين. فكذلك أيضا تقتصر فى هذه الأفعال
نحو أكرمه وأشعره على أضعف الجائزين وهو الضمّ.(2/25)
فإن قلت: فقد تقول: فيها رجل قائم، وتجيز فيه النصب، فتقول: فيها رجل قائما فإذا قدّمت أوجبت أضعف الجائزين. فكذلك أيضا تقتصر فى هذه الأفعال
نحو أكرمه وأشعره على أضعف الجائزين وهو الضمّ.
قيل: هذا إبعاد فى التشبيه. وذلك أنك لم توجب النصب فى (قائما) من قولك: فيها رجل قائما، و (قائما) هذا متأخّر عن رجل فى مكانه فى حال الرفع، وإنما اقتصرت على النصب فيه لمّا لم يجز فيه الرفع أو لم يقو، فجعلت أضعف الجائزين واجبا ضرورة لا اختيارا وليس كذلك كرمته أكرمه لأنه لم ينقض شىء عن موضعه، ولم يقدّم ولم يؤخّر. ولو قيل: كرمته أكرمه لكان كشتمته أشتمه، وهزمته أهزمه.
وكذلك القول فى نحو قولنا: ما جاءنى إلا زيدا أحد فى إيجاب نصبه، وقد كان النصب لو تأخر (زيد) أضعف الجائزين فيه إذا قلت: ما جاءنى أحد إلا زيدا، الحال فيهما واحدة، وذلك أنك لمّا لم تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به للضرورة إلى النصب الذى كان جائزا فيه متأخّرا. هذا كنصب (فيها قائما رجل) البتّة، والجواب عنهما واحد.
وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب البحث عن علّة مجىء هذا الباب فى الصحيح كله بالضم نحو أكرمه وأضربه.
وعلّته عندى أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة، فدخله بذلك معنى الطبيعة والنحيزة التى تغلب ولا تغلب، وتلازم ولا تفارق. وتلك الأفعال بابها: فعل يفعل نحو فقه يفقه إذا أجاد الفقه، وعلم يعلم إذا أجاد العلم. وروينا عن أحمد ابن يحيى عن الكوفيين: ضربت اليد يده، على وجه المبالغة.
وكذلك نعتقد نحن أيضا فى الفعل المبنىّ منه فعل التعجب أنه قد نقل عن فعل وفعل إلى فعل، حتى صارت له صفة التمكّن والتقدّم، ثم بنى منه الفعل فقيل:
ما أفعله نحو ما أشعره، إنما هو من شعر، وقد حكاها أيضا أبو زيد. وكذلك ما أقتله وأكفره: هو عندنا من قتل وكفر تقديرا، وإن لم يظهر فى اللفظ استعمالا.
فلمّا كان قولهم: كارمنى فكرمته أكرمه وبابه صائرا إلى معنى فعلت أفعل أتاه الضمّ من هناك. فاعرفه.
فإن قلت: فهلا لمّا دخله هذا المعنى تمّموا فيه الشبه، فقالوا: ضربته أضربه
وفخرته أفخره (ونحو ذلك؟).(2/26)
فإن قلت: فهلا لمّا دخله هذا المعنى تمّموا فيه الشبه، فقالوا: ضربته أضربه
وفخرته أفخره (ونحو ذلك؟).
قيل: منع من ذلك أنّ فعلت لا يتعدّى إلى المفعول به أبدا، ويفعل قد يكون فى المتعدّى كما يكون فى غيره ألا ترى إلى قولهم: سلبه يسلبه، وجلبه يجلبه، ونخله ينخله، فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضى، فأخذوا منهما ما ساغ، واجتنبوا ما لم يسغ.
فإن قلت: فقد قالوا: قاضانى فقضيته أقضيه، وساعانى فسعيته أسعيه؟ قيل:
لم يكن من (يفعله) ههنا بدّ، مخافة أن يأتى على يفعل فينقلب الياء واوا، وهذا مرفوض فى هذا النحو من الكلام.
وكما لم يكن من هذا بدّ ههنا لم يجئ أيضا مضارع فعل منه ممّا فاؤه واو بالضم بل جاء بالكسر، على الرسم وعادة العرب. فقالوا: واعدنى فوعدته أعده، وواجلنى فوجلته أجله، وواضأنى فوضأته، أضؤه. فهذا كوضعته من هذا الباب أضعه.
ويدلّك على أن لهذا الباب أثرا فى تغييره باب فعل فى مضارعه قولهم: ساعانى فسعيته أسعيه، ولم يقولوا: أسعاه على قولهم: سعى يسعى لمّا كان مكانا قد رتّب وقرّر وزوى عن نظيره فى غير هذا الموضع.
فإن قلت: فهلا غيّروا ما فاؤه واو كما غيّروا ما لامه ياء فيما ذكرت، فقالوا:
واعدنى فوعدته أوعده لما دخله من المعنى المتجدّد؟.
قيل: (فعل) مما فاؤه واو لا يأتى مضارعه أبدا بالضمّ، إنما هو بالكسر، نحو وجد يجد، ووزن يزن، وبابه، وما لامه ياء فقد يكون على يفعل، كيرمى ويقضى، وعلى يفعل، كيرعى ويسعى. فأمر الفاء إذا كانت واوا فى فعل أغلظ حكما من أمر اللام إذا كانت ياء. فاعرف ذلك فرقا.
* * *
باب فى تدافع الظاهر(2/27)
* * *
باب فى تدافع الظاهر
هذا نحو من اللغة له انقسام.
فمن ذلك استحسانهم لتركيب ما تباعدت مخارجه من الحروف نحو الهمزة مع النون، والحاء مع الباء نحو آن ونأى، وحبّ وبحّ، واستقباحهم لتركيب ما تقارب من الحروف وذلك نحو صس وسص، وطث وثط. ثم إنا من بعد نراهم يؤثرون فى الحرفين المتباعدين أن يقرّبوا أحدهما من صاحبه ويدنوه إليه وذلك نحو قولهم فى سويق: صويق، وفى مساليخ: مصاليخ، وفى السوق: الصوق، وفى اصتبر: اصطبر، وفى ازتان: ازدان، ونحو ذلك مما أدنى فيه الصوتان أحدهما من الآخر، مع ما قدّمناه: من إيثارهم لتباعد الأصوات إذ كان الصوت مع نقيضه أظهر منه مع قرينه ولصيقه ولذلك كانت الكتابة بالسواد فى السواد خفيّة، وكذلك سائر الألوان.
والجواب عن ذلك أنهم قد علموا أن ادّغام الحرف فى الحرف أخفّ عليهم من إظهار الحرفين ألا ترى أن اللسان ينبو عنهما معا نبوة واحدة، نحو قولك: شدّ وقطّع وسلّم ولذلك ما حقّقت الهمزتان إذا كانتا عينين نحو سآل ورآس، ولم تصحّا فى الكلمة الواحدة غير عينين ألا ترى إلى قولهم: آمن وآدم، وجاء، وشاء، ونحو ذلك. فلأجل هذا ما قال يونس فى الإضافة إلى مثنّى: مثنّوىّ.
فأجرى المدغم مجرى الحرف الواحد، نحو نون مثنى إذا قلت: مثنوىّ قال الشاعر:
* حلفت يمينا غير ذى مثنويّة (1) *
ولأجل ذلك كان من قال: (هم قالوا) فاستخف بحذف الواو، ولم يقل فى
__________
(1) صدر البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 41، وخزانة الأدب 3/ 323، 330، 6/ 289، وشرح أبيات سيبويه 2/ 51، والكتاب 2/ 322، واللمع فى العربية ص 151. وعجز البيت:
* ولا علم إلا حسن ظنّ بصاحب *(2/28)
(هنّ قلن) إلا بالإتمام.
ولذلك كان الحرف المشدّد إذا وقع رويّا فى الشعر المقيّد خفّف كما يسكّن المتحرك إذا وقع رويّا فيه. فالمشدّد نحو قوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هرّ ... ومن الحبّ جنون مستعر (1)
فقابل براء (هرّ) راء (مستعر) وهى خفيفة أصلا. وكذلك قوله:
ففداء لبنى قيس على ... ما أصاب الناس من سوء وضرّ
ما أقلّت قدمى إنهم ... نعم الساعون فى الأمر المبرّ (2)
وأمثاله كثيرة. والمتحرّك (نحو قول رؤبة):
* وقاتم الأعماق خاوى المخترق (3) *
ونحو ذلك ممّا كان مفردا محرّكا فأسكنه تقييد الروىّ.
__________
(1) البيت من الرمل، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 50، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 159، ورصف المبانى ص 436، ولسان العرب (هرر).
هرّ: اسم امرأة.
(2) الرمل، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 58، والإنصاف 1/ 122، وخزانة الأدب 9/ 376، 377، والدرر 5/ 196، ولسان العرب (نعم)، والمحتسب 1/ 342، 357، وهمع الهوامع 2/ 84، والمقتضب 2/ 140. ويروى البيت الثانى منهما: قدم فاعلها بدلا من: قدمى إنهم.
الأمر المبرّ: الغالب الذى يعجز الناس.
(3) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 104، والأغانى 10/ 158، وجمهرة اللغة ص 408، 614، 941، وخزانة الأدب 10/ 25، والدرر 4/ 195، وشرح أبيات سيبويه 2/ 353، وشرح شواهد الإيضاح ص 223، وشرح شواهد المغنى 2/ 764، 782، ومقاييس اللغة 2/ 172، 5/ 58، وأساس البلاغة (قتم)، ولسان العرب (خفق)، (عمق)، (غلا)، ومغنى اللبيب 1/ 342، والمقاصد النحوية 1/ 38، والمنصف 2/ 3، 308، وهمع الهوامع 2/ 36، وتهذيب اللغة 1/ 290، 9/ 66، وتاج العروس (هرجب)، (خفق)، (عمق)، (كلل)، ورصف المبانى ص 355، وسر صناعة الإعراب 2/ 493، 502، 639، وشرح الأشمونى 1/ 12، وشرح ابن عقيل ص 372، وشرح المفصل 2/ 118، والعقد الفريد 5/ 506، والكتاب 4/ 110، وهمع الهوامع 2/ 80، وكتاب العين 1/ 188، وتاج العروس (وجه). وبعده:
* مشتبه الأعلام لمّاع الخفق *(2/29)
ومن ذلك أن تبنى مما عينه واو مثل فعّل فتصحّ العين للادّغام نحو قوّل وقوّم، فتصحّ العين للتشديد كما تصحّ للتحريك فى نحو قولهم: عوض وحول وطول.
فلمّا كان فى ادّغامهم الحرف فى الحرف ما أريناه من استخفافهم إياه صار تقريبهم الحرف (من الحرف) ضربا من التطاول إلى الادّغام. وإن لم يصلوا إلى ذلك فقد حاولوه واشرأبّوا نحوه إلا أنهم مع هذا لا يبلغون بالحرف المقرّب من الآخر أن يصيّروه إلى أن يكون من مخرجه لئلا يحصلوا من ذلك بين أمرين كلاهما مكروه.
أمّا أحدهما فأن يدّغموا مع بعد الأصلين وهذا بعيد.
وأمّا الآخر فأن يقرّبوه منه حتّى يجعلوه من مخرجه ثم لا يدّغموه وهذا كأنّه انتكاث وتراجع لأنه إذا بلغ من قربه إلى أن يصير من مخرجه وجب إدغامه فإن لم يدغموه حرموه المطلب المروم فيه ألا ترى أنك إذا قرّبت السين فى سويق من القاف بأن تقلبها صادا فإنك لم تخرج السين من مخرجها، ولا بلغت بها مخرج القاف فيلزم ادّغامها فيها. فأنت إذا قد رمت تقريب الإدغام المستخفّ، لكنك لم تبلغ الغاية التى توجبه عليك، وتنوط أسبابه بك.
وكذلك إذا قلت فى اصتبر: اصطبر، فأنت قد قرّبت التاء من الصاد بأن قلبتها إلى أختها فى الإطباق والاستعلاء، والطاء مع ذلك من جملة مخرج التاء.
وكذلك إذا قلت فى مصدر: مزدر، فأخلصت الصاد زايا. قد قرّبتها من الدال بما فى الزاى من الجهر، ولم تختلجها عن مخرج الصاد. وهذه أيضا صورتك إذا أشممتها رائحة الزاى فقلت: مصدر، هذا المعنى قصدت، إلا أنك لم تبلغ بالحرف غاية القلب الذى فعلته مع إخلاصها زايا.
فإن كان الحرفان جميعا من مخرج واحد، فسلكت هذه الطريق فليس إلا أن تقلب أحدهما إلى لفظ الآخر البتّة، ثم تدّغم لا غير. وذلك نحو اطّعن القوم أبدلت تاء اطتعن طاء البتة ثم ادّغمتها فيها لا غير. وذلك أن الحروف إذا كانت من (مخرج واحد ضاقت مساحتها أن تدنى بالتقريب منها لأنها إذا كانت معها من) مخرجها فهى الغاية فى قربها فإن زدت على ذلك شيئا فإنما هو أن تخلص الحرف
إلى لفظ أخيه البتة، فتدغمه فيه لا محالة.(2/30)
فإن كان الحرفان جميعا من مخرج واحد، فسلكت هذه الطريق فليس إلا أن تقلب أحدهما إلى لفظ الآخر البتّة، ثم تدّغم لا غير. وذلك نحو اطّعن القوم أبدلت تاء اطتعن طاء البتة ثم ادّغمتها فيها لا غير. وذلك أن الحروف إذا كانت من (مخرج واحد ضاقت مساحتها أن تدنى بالتقريب منها لأنها إذا كانت معها من) مخرجها فهى الغاية فى قربها فإن زدت على ذلك شيئا فإنما هو أن تخلص الحرف
إلى لفظ أخيه البتة، فتدغمه فيه لا محالة.
فهذا وجه التقريب مع إيثارهم الإبعاد.
ومن تدافع الظاهر ما نعلمه من إيثارهم الياء على الواو. وذلك لويت ليّا، وطويت طيّا، وسيّد، وهيّن (وطىّ) وأغريت (1) ودانيت واستقصيت، ثم إنهم مع ذلك قالوا: الفتوى، والتقوى والثنوى، فأبدلوا الياء واوا عن غير قوّة علّة أكثر من الاستحسان والملاينة.
والجواب عن هذا أيضا أنهم مع ما أرادوه من الفرق بين الاسم والصفة على ما قدمناه أنهم أرادوا أن يعوّضوا الواو من كثرة دخول الياء عليها.
ومثله فى التعويض لا الفرق قولهم: تقىّ، وتقواء، ومضى على مضوائه (2)، وهذا أمر ممضوّ عليه.
ونحوه فى الإغراب قولهم: عوى الكلب عوّة، وقياسه عيّة. وقالوا فى العلم للفرق بينه وبين الجنس: حيوة، وأصله حيّة، فأبدلوا الياء واوا. وهذا مع إيثارهم خصّ العلم بما ليس للجنس إنما هو لما قدّمنا ذكره: من تعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها.
فلا ترينّ من ذلك شيئا ساذجا عاريا من غرض وصنعة.
ومن ذلك استثقالهم المثلين، حتى قلبوا أحدهما فى نحو أمليت وأصلها أمللت وفيما حكاه أحمد بن يحيى أخبرنا به أبو علىّ عنه من قولهم: لا وربيك لا أفعل، يريدون: لا وربّك لا أفعل. نعم، وقالوا فى أشدّ من ذا:
ينشب فى المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء (3)
__________
(1) أصل المادة الغراء وهو يفيد اللصوق، فإذا قيل: أغرى بينهم العداوة أى ألصقها بهم.
(2) المضواء: التقدّم.
(3) الرجز لأبى مقدام الراجز فى سمط اللآلى ص 874، وشرح الأشمونى 3/ 659، والمخصّص 1/ 157، 11/ 131، 15/ 152، وله أو لأعرابى فى البادية فى الدرر 6/ 222، والمقاصد النحوية 4/ 507، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 746، وشرح ابن عقيل ص 628، ولسان العرب (حدد)، (شيش)، (لها)، وهمع الهوامع 2/ 157، وتهذيب اللغة 6/ 430، وديوان الأدب 3/ 381، وتاج العروس (شيش)، (لها).(2/31)
قالوا: يريد: حداد، فأبدل الحرف الثانى وبينهما ألف حاجزة، ثم قال مع هذا:
لقد تعلّلت على أيانق ... صهب قليلات القراد اللازق (1)
فجمعوا بين ثلاثة أمثال مصحّحة، وقالوا: تصبّبت عرقا.
وقال العجّاج:
* إذا حجاجا مقلتيها هجّجا (2) *
وأجازوا فى مثل فرزدق من رددت رددّد، فجمعوا بين أربع دالات، وكرهوا أيضا حنيفىّ، ثم جمعوا بين أربع ياءات، فقال بعضهم: أميّىّ وعديّىّ، وكرهوا أيضا أربع ياءات بينهما حرف صحيح حتى حذفوا الثانية منها. وذلك قولهم فى الإضافة إلى أسيّد: أسيدىّ. ثم إنهم جمعوا بين خمس ياءات مفصولا بينها بالحرف الواحد. وذلك قولهم فى الإضافة إلى مهيّم مهيّيمىّ (3). ولهذه الأشياء أخوات ونظائر كثيرة.
والجواب عن كل فصل من هذا حاضر.
أمّا أمليت فلا إنكار لتخفيفه بإبداله.
وأما (تعللت) و (هججا) ونحو ذلك مما اجتمعت فيه ثلاثة أمثال فخارج على أصله، وليس من حروف العلّة فيجب تغييره. والذى فعلوه فى (أمليت) و (لا
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قرد)، وتاج العروس (قرد)، والمخصص (1/ 31، 9/ 171، 14/ 118، 17/ 145). وبعده:
* وذات ألياط ومخّ زاهق *
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 2/ 49، ولسان العرب (دلج)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 494، 1174. وبعده:
* واجتاب أدمان الفلاة الدّولجا *
الحجاج بفتح الحاء وكسرها: منبت شعر الحاجب من العين. وهجج البعير: أى غارت عينه من جوع أو عطش أو إعياء غير خلقة.
(3) هو تصغير مهوم، وهو وصف من هوّم الرجل إذا نام. والياء الساكنة بعد ياء التصغير للتعويض من حذف إحدى الواوين. انظر الكتاب 2/ 86، وشرح الشافية 2/ 34.(2/32)
وربيك لا أفعل) و (أنشب من مآشر حداء) لم يكن واجبا فيجب هذا أيضا، وإنما غيّر استحسانا، فساغ ذلك فيه، ولم يكن موجبا لتغيير كل ما اجتمعت فيه أمثال ألا ترى أنهم لمّا قلبوا ياء طىّء ألفا فى الإضافة فقالوا: طائىّ لم يكن ذلك واجبا فى نظيره لمّا كان الأوّل مستحسنا.
وأمّا حنفىّ فإنهم لمّا حذفوا التاء شجعوا أيضا على حذف الياء، فقالوا: حنفىّ.
وليس كذلك عديّىّ وأمّيّىّ فيمن أجازها (ألا ترى) عديّا لمّا جرى مجرى الصحيح فى اعتقاب حركات الإعراب عليه نحو عدىّ وعديا وعدىّ جرى مجرى حنيف، فقالوا: عدّيىّ كما قالوا: حنيفىّ. وكذلك أميّىّ أجروه مجرى نميرىّ وعقيلىّ. مع هذا فليس أميّىّ وعديىّ بأكثر فى كلامهم. وإنما يقولها بعضهم.
وأمّا جمعهم فى مهّييمى بين خمس ياءات وكراهيتهم فى أسيدىّ أربعا فلأن الثانية من أسيدىّ لمّا كانت متحركة وبعدها حرف متحرك قلقت لذلك وجفت. ولمّا تبعتها فى مهييمىّ ياء المدّ لانت ونعمت. وذلك من شأن المدّات. ولذلك استعملن فى الأدراف والوصول والتأسيس والخروج، وفيهنّ يجرى الصوت للغناء والحداء والترنّم والتطويح.
وبعد فإنهم إذا خفّفوا فى موضع وتركوا آخر فى نحوه كان أمثل من ألا يخففوا فى أحدهما. وكذلك جميع ما يرد عليك مما ظاهره ظاهر التدافع يجب أن ترفق به ولا تعنف عليه ولا تسرع إلى إعطاء اليد بانتقاض بابه. والقياس القياس.
* * *
باب فى التطوع بما لا يلزم(2/33)
* * *
باب فى التطوع بما لا يلزم
هذا أمر قد جاء فى الشعر القديم والمولّد جميعا مجيئا واسعا.
وهو أن يلتزم الشاعر ما لا يجب عليه، ليدلّ بذلك على غزره وسعة ما عنده فمن ذلك ما أنشده الأصمعىّ لبعض الرجّاز:
وحسّد أوشلت من خظاظها ... على أحاسى الغيظ واكتظاظها (1)
حتى ترى الجوّاظ من فظاظها ... مذلوليا بعد شدا أفظاظها
وخطّة لا روح فى كظاظها ... أنشطت عنى عروتى شظاظها (2)
بعد احتكاء أربتى أشظاظها ... بعزمة جلّت غشا إلظاظها (3)
بجّك كرش الناب لافتظاظها (4)
فالتزم فى جميعها ما تراه من الظاء الأولى مع كون الروىّ ظاء، على عزّة ذلك مفردا من الظاء الأول، فكيف به إذا انضم إليه ظاء قبله. وقلّما رأيت فى قوّة الشاعر مثل هذا.
وأنشد الأصمعىّ أيضا من مشطور السريع رائيّة طويلة التزم قائلها تصغير قوافيها فى أكثر الأمر إلا القليل النّزر. وأولها:
عزّ على ليلى بذى سدير ... سوء مبيتى ليلة الغمير
__________
(1) أوشل حظه: أقله وأخسه. والحظاظ واحده الحظ. والأحاسى كأنه جمع الحساء على غير قياس. اللسان (حظظ، حسا).
(2) الخطة: الخطب والأمر المهم. والروح: الراحة. والكظاظ: الملازمة على الشدة. والشظاظ:
العود الذى يجعل فى عروة الجوالق. وأنشط العقدة: حلها.
(3) الأربة: العقدة. واحتكاء الأربة أن يحكم شدها. والغشا جمع الغشوة وهى الغطاء، والإلظاظ:
لزوم الشىء والمثابرة عليه.
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حفظ)، (كظظ)، (وشل)، (حسا)، (فظظ)، (شظظ)، (لظظ)، وتاج العروس (حظظ)، (وشل)، (حسا)، (فظظ)، (كظظ).(2/34)
مقبّضا نفسىّ فى طمير ... تجمّع القنفذ فى الجحير (1)
تنتهض الرعدة فى ظهيرى ... يهفو إلىّ الزور من صديرى (2)
مثل هرير الهرّ للهرير ... ظمآن فى ريح وفى مطير
وأرز قرّ ليس بالقرير ... من لدما ظهر إلى سحير (3)
حتى بدت لى جبهة القمير ... لأربع غبرن من شهير
ثم غدوت غرضا من فورى ... وقطقط البلّة فى شعيرى (4)
يقذفنى مور إلى ذى مور ... حتى إذا ورّكت من أييرى (5)
سواد ضيفيه إلى القصير ... رأت شحوبى وبذاذ شورى (6)
وجردبت فى سمل عفير ... راهبة تكنى بأمّ الخير (7)
جافية معوى ملاث الكور ... تحزم فوق الثوب بالزنّير (8)
تقسم أستيا لها بنير ... وتضرب الناقوس وسط الدير (9)
قبل الدجاج وزقاء الطير ... قالت ترثّى لى ويح غيرى
إنى أراك هاربا من جور ... من هذه السلطان قلت جير
__________
(1) الطمير مصغر الطمر، وهو الثوب البالى.
(2) الزور: أعلى الصدر أو وسطه، أو هو الصدر. والمناسب هنا أحد المعنيين الأولين.
(3) الأرز: شدة البرد. يقال: ليلة آرزة.
(4) غرضا أى قلقا. والقطقط: صغار البرد بفتح الراء وهو المطر المتفرق.
(5) المور: الطريق. «أييرى» تصغير الأير، وهو الذكر.
(6) الضيف فى الأصل: جانب الوادى، استعاره للذكر. وسواد الشىء: معظمه. والبذاذ: سوء الحالة ورثاثتها. والشور: الزينة.
(7) جردبت أى بخلت بالطعام. والجردبة فى الطعام أن يستر ما بين يديه من الطعام بشماله لئلا يتناوله غيره. والسمل: الخلق من الثياب. وعفير: أى مصبوغ بصبغ بين البياض والحمرة.
انظر اللسان (عفر).
(8) الزنير لغة فى الزنار. وهو ما يلبسه النصرانىّ يشده فى وسطه.
(9) الأستىّ: الثوب المسدّى. نير الثوب: علمه، والجمع أنيار، ويجوز أن يكون أراد بنير فغير للضرورة. قال: وعسى أن يكون النّير لغة فى النّير. اللسان (نير).(2/35)
ما زلت فى منكظة وسير ... لصبية أغيرهم بغير (1)
كلهم أمعط كالنغير ... وأرملات ينتظرن ميرى (2)
قالت ألا أبشر بكل خير ... ودهنت وسرّحت ضفيرى
وأدمت خبزى من صيير ... من صير مصرين أو البحير (3)
وبزييت نمس مرير ... وعدس قشّر من قشير (4)
وقبصات من فغى تمير ... وأتأرتنى نظرة الشفير (5)
وجعلت تقذف بالحجير ... شطرى وما شطرى وما شطيرى
حتى إذا ما استنفدت خبيرى ... قامت إلى جنبى تمسّ أيرى
فزفّ رألى واستطير طيرى ... وقلت حاجاتك عند غيرى (6)
حقّرت ألا يوم قدّ سيرى ... إذ أنا مثل الفلتان العير (7)
حمسا ولما إضت كالنسير ... وحين أقعيت على قبيرى
أنتظر المحتوم من قديرى ... كلا ومن منفعتى وخيرى
بكفّه ومبدئى وحورى (8)
__________
(1) المنكظة: الجهد فى السفر والشدة. والغير: هو المير أى إحضار الميرة وهى الطعام يجلب.
(2) الأمعط: من لا شعر على جسده. والنغير: طائر يشبه العصفور.
(3) الصير: سمك مملوح يتخذ منه طعام. «مصرين» ضبط على أنه جمع وكأنه أراد مصر فجمعها باعتبار تعدد أقاليمها. وضبط أيضا بالتثنية، وهذا هو الأقرب ويراد البصرة والكوفة. اللسان (صير، مصر).
(4) النمس: الفاسد المتغير.
(5) القبصات جمع القبصة. وهو بضم القاف وفتحها: ما تناولته بأطراف أصابعك. والفغى:
الردىء. ويقال: أتأره بصره: أتبعه إياه. والشفير تصغير الشفر، وهو للعين ما نبت عليه الشعر.
(6) الرأل: ولد النعام، ويقال زف رأله إذا فزع ونفر، واستطير طيره: كناية عن فزعه.
(7) قدّ سيره قد يريد به أنه طليق غير مقيد فقد قطع قيده، أو يريد جدته بجدة سيره. والعير:
الحمار الوحشىّ. والفلتان: الجرىء، ويقال فرس فلتان: نشيط.
(8) البيت الأول منها من الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (سدر)، وتاج العروس (سدر). وهذه(2/36)
أفلا ترى إلى قلّة غير المصغّر فى قوافيها. وهذا أفخر ما فيها، وأدلّه على قوّة قائلها، وأنه إنما لزم التصغير فى أكثرها سباطة وطبعا، لا تكّلفا وكرها ألا ترى أنه لو كان ذلك منه تجشّما وصنعة لتحامى غير المصغّر ليتمّ له غرضه، ولا ينتقض عليه ما اعتزمه.
وكذلك ما أنشده الأصمعىّ من قول الآخر:
قالوا ارتحل فاخطب فقلت هلا ... إذ أنا روقاى معا ما انفلا (1)
وإذ أؤلّ المشى ألا ألا ... وإذ أرى ثوب الصبا رفلا (2)
علىّ أحوى نديا مخضلا ... حتى إذا ثوب الشباب ولّى
وانضمّ بدن الشيخ واسمألا ... وانشنج العلباء فاقفعلا (3)
مثل نضىّ السقم حين بلا ... وحرّ صدر الشيخ حتى صلا (4)
على حبيب بان إذ تولى ... غادر شغلا شاغلا وولّى
قلت تعلّق فيلقا هوجلا ... عجّاجة هجاجة تألىّ (5)
لأصبحنّ الأحقر الأذلا ... وأن أعلّ الرّغم علا علا
فإن أقل يا ظبى حلا حلا ... تقلق وتعقد حبلها المنحلا
وحملقت حولىّ حتى احولا ... مأقان كرهان لها واقبلا
إذا أتت جاراتها تفلّى ... تريك أشغى قلحا أفلا (6)
__________
القصيدة مجهولة القائل.
الحور: الرجوع.
(1) روقاى: قرناى. والانفلال: الالنثلام.
(2) أل المشى: أسرع فيه واهتز. ويقال ثوب رفل: أى طويل.
(3) اسمأل: ضمر. وانشنج: تقبض. والعلباء: عصب العنق. واقفعل: يبس من الكبر.
(4) النضى: الذى أبلاه السفر. يقال: بل من مرضه: شفى ونجا. وحرّ صدره: اشتدت حرارته، ويقال صل صليلا: صوت.
(5) الفيلق: الصخابة، والهوجل: المرأة الفاجرة. والعجاجة: الصياحة. الهجاجة: الحمقاء.
(6) أشغى وصف من الشغا، وهو اختلاف نبتة الأسنان بالطول والقصر.(2/37)
مركّبا راوو له مثعلا ... كأنّ كلبا لثقا مبتلا (1)
وغلقة معطونة وجلا ... أنداه يوم ما طر فطلا (2)
وعلهبا من التيوس علا ... يغلّ تحت الردن منها غلا (3)
منتوفة الوجه كأنّ ملا ... يملّ وجه العرس فيه ملا (4)
كأن صابا آل حتى امطلا ... تسفّه وشبرما وخلا (5)
إن حلّ يوما رحله محلا ... حمولها أزجت إليه صلا (6)
وعقربا تمتلّ ملا ملا ... ذاك وإن ذو رحمها استقلا (7)
من عثرة ماتت جوى وسلا ... أو كثر الشىء له أو قلا
قالت لقد أثرى فلا تملّى ... وإن تقل يا ليته استبلا
من مرض أحرضه وبلا ... تقل: لأنفيه ولا تعلّى
تسرّ إن يلق البلاد فلا ... مجروزة نفاسة وغلا (8)
وإن وصلت الأقرب الأخلا ... جنّت جنونا واستخفّت قلا (9)
وأجللت من ناقع أفكلا ... إذا ظبىّ الكنسات انغلا (10)
__________
(1) الراوول: السن الزائدة لا تنبت على نبتة الأضراس. والمثعل من الثعل. وهو دخول سن تحت أخرى. واللثق: المبتل الندى.
(2) الغلقة: عشبة تنقع فى مائها الجلود فيزول ما عليها. والجل: ما تلبسه الدابة لتصان به.
(3) العلهب: التيس من الظباء. والعل: الضخم من التيوس. والردن: أصل الكم.
(4) المل: الرماد الحار الذى يحمى ليدفن فيه الخبز لينضج. ويقال: مل الشىء فى الجمر: أدخله فيه.
(5) آل: خثر. امطلّ: امتد. والشبرم: نبات له حب كالعدس.
(6) الصل: الداهية، وأصله: الحية. يريد أنها آذته أبلغ إيذاء.
(7) تمتل: تسرع. واستقل من العثرة: نهض منها وارتفع.
(8) الفل: الأرض القفرة. وأرض مجروزة: لا تنبت. نفاسة: مصدر قولك نفس عليه الشىء: لم يره أهلا له.
(9) الأخل: المعدم المحتاج. والقل: الرعدة.
(10) الأفكل: الرعدة. والكنسات: جمع الكنس بوزن الكتب جمع الكناس، وهو ما يستكن فيه الوحش من الظباء والبقر. وانغل: دخل. اللسان (كنس).(2/38)
تحت الإران سلبته الظلا ... وإن رأت صوت السباب علىّ (1)
سحابة ترعد أو قسطلا ... أجّت إليه عنقا مئلا (2)
أجّ الظليم رعته فانشلا ... ترى لها رأسا وأى قندلا (3)
لو تنطح الكنادر العتلا ... الكندر الزوازى الصملا (4)
الصتم والشنظيرة المتلا ... فضّت شئون رأسه وافتلا (5)
تقول لابنيها إذا ما سلا ... سليلة من سرق أو غلا
أو فجعا جيرتها فشلا ... وسيقة فكرّشا وملا (6)
أحسنتما الصنع فلا تشلا ... لا تعدما أخرى ولا تكلا
يا ربّ ربّ الحجّ إذ أهلا ... محرمه ملبّيا وصلّى
وحلّ حبلى رحله إذ حلا ... بالله قد أنضى وقد أكلا
وأنقب الأشعر والأظلا ... من نافه قد انضوى واختلا (7)
يحمل بلو سفر قد بلّى ... أجلاده صيامه وألا (8)
يزال نضو غزوة مملا ... وصّال أرحام إذا ما ولى
ذو رحم وصّله وبلا ... سقاء رحم منه كان صلا
__________
(1) الإران: كناس الوحش يستكن فيه من الحر.
(2) القسطل: الغبار. وأج: أسرع فى سيره. ومئلا: سريعا.
(3) انشل مطاوع شله أى طرده. والوأى: الشديد الخلق. والقندل: الضخم، وثقله للضرورة.
(4) الكنادر: الغليظ من حمر الوحش، الكندر: الغليظ أيضا. والزوازى: القصير الغليظ والصمل: الشديد الخلق العظيم.
(5) الصتم: الضخم الشديد. والشنظيرة: البذىء السىء الخلق. المتل: الشديد.
(6) الشل: الطرد. والوسيقة: القطعة من الإبل المجتمعة، فإذا سرقت ذهبت معا. وكرشا: أى طبخا اللحم فى الكرش. وملا: وضعاه فى الملة وهى الجمر الحار. انظر اللسان (كرش).
(7) الأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعيرات حوالى الحافر، والجمع أشاعر. والأظل: ما تحت منسم البعير. النافة: البعير المعى الكال.
(8) بلو السفر: الذى أبلاه السفر وأهزله: وأجلاده: شخصه.(2/39)
وينفق الأكثر والأقلا ... من كسب ما طاب وما قد حلا
إذا الشحيح غلّ كفّا غلا ... بسّط كفّيه معا وبلا
وحلّ زاد الرحل حلا حلا ... يرقب قرن الشمس إذ تدلّى
حتى إذا ما حاجباها انغلا ... تحت الحجاب بادر المصلى (1)
أقام وجه النضو ثم خلّى ... سبيله إذا تسدّى خلا (2)
أحذى القطيع الشارف الهبلا ... فجال مخطوف الحشى شملا (3)
حتى إذا أوفى بلالا بلا ... بدمعه لحيته وانغلا
بها وفاض شرقا فابتلا ... جيب الرداء منه فارمعلا (4)
وحفز الشانين فاستهلا ... كما رأيت الوشلين انهلا (5)
حتى إذا حبل الدعاء انحلّا ... وانقاض زبرا جاله فابتلا (6)
أثنى على الله علا وجلا ... ثم انثنى من بعد ذا فصلّى
على النبىّ نهلا وعلا ... وعمّ فى دعائه وخلا
ليس كمن فارق واستحلا ... دماء أهل دينه وولىّ
وجهته سوى الهدى مولّى ... مجتنبا كبرى الذنوب الجلّى
مستغفرا إذا أصاب القلّى ... لما أتى المزدلفات صلّى
سبعا تباعا حلّهن حلا ... حتى إذا أنف الفجير جلّى
برقعه ولم يسرّ الجلا ... هبّ إلى نضيّه فعلّى
__________
(1) انغلا تحت الحجاب: أى دخلا تحته، يريد غروب الشمس.
(2) تسدّاه: علاه وركبه. الخل: الطريق فى الرمل. والنضو: أى بعيره المهزول.
(3) القطيع: السوط. الشارف: المسن من النوق. الشمل: السريع.
(4) ارمعل: ابتل.
(5) الشأنان: عرقان ينحدران من الرأس إلى الحاجبين ثم إلى العينين. والوشل: الماء القليل يتحلب من صخرة أو جبل يقطر قليلا قليلا.
(6) الزبر: طىّ البئر بالحجارة. والجال: جانب البئر. وانقاض: تصدع وتشقق.(2/40)
رحيله عليه فاستقلا (1)
التزم اللام المشددة من أولها إلى آخرها وقد [كان] يجوز له معها نحو قبلا ونخلا، ومحلا، فلم يأت به.
ومثله ما رويناه لأبى العالية من قوله:
إنى امرؤ أصفى الخليل الخلّه ... أمنحه ودى وأرعى إلّه
وأبغض الزيارة المملّه ... وأقطع المهامه المضلّه
ليست بها لركبها تعلّه ... إلا نجاء الناجيات الجلّه
على هبلّ أو على هبلّه ... ذات هباب جسرة شملّه (2)
ناجية فى الخرق مشمعلّه ... تنسلّ بعد العقب المكلّه (3)
مثل انسلال العضب من ذى الخلّه ... وكاشح رقيت منه صلّه
بالصفح عن هفوته والزلّه ... حتى استللت ضغنه وغلّه
وطامح ذى نخوة مدلّه ... حملته على شباة ألّه (4)
ولم أملّ الشرّ حتى ملّه ... وشنج الراحة مقفعلّه
ما إن تبضّ كفّه ببلّه ... أفاد دثرا بعد طول خلّه (5)
وصار ربّ إبل وثلّه ... لمّا ذممت دقّه وجلّه
تركته ترك ظبىّ ظلّه ... ومعشر صيد ذوى تجلّه
ترى عليهم للندى أدلّه ... سماؤهم بالخير مستهلّه
__________
(1) القصيدة غير منسوبة (مجهولة القائل)، وهى من الرجز والبيت الخامس منها بلا نسبة فى العرب (حرر).
(2) الهباب: النشاط. والجسرة: الماضية.
(3) الخرق: القفر والأرض الواسعة تتخرق فيها الرياح. والمشمعلة: النشيطة. والعقب: جمع العقبة، وهى النوبة، ويراد بها مسافة من السير.
(4) الألة: الحربة. وشباتها: حدّها.
(5) البلة: الخير والرزق. والدثر: المال الكثير. والخلة: الحاجة.(2/41)
أوفى بهم دهر على مزلّه ... ثم تلقّاهم بمصمئلّه (1)
فبدّلت كثرتهم بقلّه ... وأعقبت عزّتهم بذلّه
وغادرونى بعدهم ذا غلّه ... أبكيهم بعبرة منهلّه
ثم صبرت واعتصمت بالله ... نفسا بحمل العبء مستقلّه
ودول الأيام مضمحّله ... يشعبها ما يشعب الجبلّه
تتابع الأيام والأهلّه
وأنشدنا أبو على:
شلّت يدا فارية فرتها ... وفقئت عين التى أرتها (2)
مسك شبوب ثم وفّرتها ... لو خافت النزع لأصغرتها (3)
فلزم التاء والراء، وليست واحدة منهما بلازمة. والقطعة هائية لسكون ما قبل الهاء والساكن لا وصل له. ويجوز مع هذه القوافى ذرها ودعها.
وأنشد ابن الأعرابى ليزيد بن الأعور الشنّىّ وكان أكرى بعيرا له فحمل عليه محملان (4) أوّل ما عملت المحامل. وهو قوله:
لمّا رأيت محمليه أنّا ... مخدّرين كدت أن أجنّا
قرّبت مثل العلم المبنّى ... لا فانى السنّ وقد أسنّا (5)
__________
(1) المزلة بفتح الزاى وكسرها موضع الزلل. والمصمئلة: الداهية.
(2) فرتها: عملتها.
(3) الرجز لجعل (صريح الركبان) فى تاج العروس (صغر)، (فرا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (صفر)، (فرا)، وتهذيب اللغة 15/ 242، وجمهرة اللغة ص 790، 1266، وديوان الأدب 2/ 297.
الشبوب: الشاب من الثيران، ومسكه: جلده.
(4) المحمل بزنة مجلس شقان على البعير، يركب فى كل شق راكب يكون عديلا للآخر. وقد عملت فى زمن الحجاج الثقفى ونسبت إليه. انظر اللسان (حمل).
(5) العلم: القصر، المبنّى: المبنىّ.(2/42)
ضخم الملاط سبطا عبنّا ... يطرح بالطرف هنا وهنّا (1)
لولا يدالون الهبلّ جنّا ... وقطع المسحل والمثنّى (2)
وافتنّ من شأو النشاط فنّا ... يدقّ حنو القتب المحنىّ
إذا علا صوّانة أرنّا ... يرمعها والجندل الأغنّا (3)
ضخم الجفور سهيلا رفنّا ... وفى الهباب سدما معنّى (4)
كأنما صريفه إذ طنّا ... فى الضالتين أخطبان غنّى (5)
مسنحملا أعرف قد تبنّى ... كالصدع الأعصم لمّا اقتنّا (6)
يقطع بعد الفيف مهوأنّا ... وهو حديد القلب ما ارفأنّا (7)
كأنّ شنا هزما وشنّا ... قعقعه مهزّج تغنّى (8)
تحت لبان لم يكن أدنّا (9)
التزم النون المشدّدة فى جميعها على ما تقدّم ذكره.
__________
(1) يقال: جمل عبن: ضخم، الملاط: الجنب.
(2) المسحل والمثنى: ضربان من الحبال، فالمسحل الحبل يفتل وحده. وكأن المثنى ما يفتل مرتين.
(3) اليرمع: حجارة رخوة.
(4) الجفور: جمع جفرة بضم الجيم وهو جوف الصدر. وجفرة الفرس: وسطه. السهبل:
الجرىء. والرفنّ: الطويل الذيل، وهو مبدل من الرفل. والسدم: الهائج.
(5) الضالتان: تثنية الضالة، وهى ضرب من الشجر. والأخطبان: طائر.
(6) مستحملا أعرف: أى حاملا سناما. ويقال سنام أعرف، أى طويل ذو عرف. تبنى: سمن.
والصدع: الوعل الشاب القوىّ. والأعصم، ما فى ذراعيه أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر. واقتن: انتصب على القنة.
(7) الفيف: المكان المستوى أو المفازة لا ماء فيها. المهوأنّ: ما اطمأن من الأرض واتسع. وارفأنّ:
نفر ثم سكن وضعف واسترخى.
(8) الشنّ: القربة الخلق الصغيرة. والهزم من قولهم: تهزم السقاء إذا يبس فتكسر، أو من قولهم:
فرس هزم الصوت، يشبه صوته بصوت الشنّ. وذلك أنه إذا كان متشققا كان له صوت.
(9) الرجز للأعور الشنى والبيتان الأولان منها فى لسان العرب (سنن)، (بنى)، وتاج العروس (بنى)، وبلا نسبة فى لسان العرب (هنا)، وتاج العروس (هنا).
اللبان: الصدر. وأدنّ: وهو انحناء فى الظهر.(2/43)
وقال آخر:
إليك أشكو مشيها تدافيا ... مشى العجوز تنقل الأثافيا (1)
فالتزم الفاء وليست واجبة.
وقال آخر:
كأنّ فاها واللجام شاحيه ... حنوا غبيط سلس نواحيه (2)
التزم الألف والحاء والياء، وليست واحدة منهنّ لازمة لأنه قد يجوز مع هذه القوافى نحو يحدوه، ويقفوه، وما كان مثله. وأنشد أبو الحسن:
ارفعن أذيال الحقىّ واربعن ... مشى حييّات كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن (3)
فالتزم العين وليست بواجبة.
وقال آخر:
يا ربّ بكر بالردافى واسج ... اضطرّه الليل إلى عواسج
عواسج كالعجز لنواسج (4)
التزم الواو والسين وليست واحدة منهما بلازمة.
وقال آخر:
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دفف).
التدافى: مشى جاف، أو هو المشى فى شق.
(2) الرجز بلا نسبة فى تهذيب اللغة 5/ 148، ولسان العرب (شحا).
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حلق)، وجمهرة اللغة ص 562. ويروى: رخين بدلا من ارفعن، وارتعن بدلا من واربعن.
الحقىّ: جمع الحقو. وهو هنا الإزار، وأصله الكشح حيث يعقد الإزار.
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (عسج)، وتاج العروس (سفنج)، (عبح).
الواسج: وصف من الوسج، وهو ضرب من السير. والعواسج: جمع العوسجة، وهى ضرب من الشجر.(2/44)
أعينىّ ساء الله من كان سرّه ... بكاؤكما ومن يحبّ أذاكما
ولو أن منظورا وحبّة أسلما ... لنزع القذى لم يبرئا لى قذاكما (1)
التزم الذال والكاف. وقالوا: حبّة امرأة هويها رجل من الجنّ يقال له منظور، وكانت حبّة تتطبّب بما يعلّمها منظور.
وأنشد الأصمعىّ لغيلان الربعىّ:
هل تعرف الدار بنعف الجرعاء ... بين رحا المثل وبين الميثاء (2)
كأنها باقى كتاب الإملاء ... غيّرها بعدى مرّ الأنواء
نوء الثريّا أو ذراع الجوزاء ... قد أغتدى والطير فوق الأصواء (3)
مرتبئات فوق أعلى العلياء ... بمكرب الخلق سليم الأنقاء (4)
طرف تنّقيناه خير الأفلاء ... لأمّهات نسبت وآباء
ثمّت قاظ مرفها فى إدناء ... مداخلا فى طول وأغماء
وفى الشعير والقضيم الأجباء ... وما أراد من ضروب الأشياء (5)
دون العيال وصغار الأبناء ... مقفى على الحىّ قصير الأظماء
أمسوا فقادوهنّ نحو الميطاء ... بمائتين بغلاء الغلاء (6)
أوفيته الزرع وفوق الإيفاء ... قد فزّعوا غلمانها بالإيصاء
مخافة السبق وجدّ الأنباء ... فلحقت أكبادهم بالأحشاء
__________
(1) البيتان من الطويل، وهما بلا نسبة فى لسان العرب (حبب)، (نظر)، وتاج العروس (حبب)، (نظر).
(2) نعف الجرعاء ورحا المثل والميثاء: مواضع.
(3) الذراع: نجم من نجوم الجوزاء. والأصواء: جمع الصوى، وهو جمع الصوّة، وهو حجر يكون علامة.
(4) مرتبئات: وصف من ارتبأ إذا أشرف. والأنقاء من العظام: ذوات المخ. واحدها نقى.
(5) القضيم: شعير الدابة.
(6) الميطاء: الأرض المنخفضة. الغلاء: أن يرفع يديه بالسهم يرميه ليبلغ أقصى الغاية.(2/45)
باتت وباتوا كبلايا الأبلاء ... مطلنفئين عندها كالأطلاء (1)
لا تطعم العيون نوم الإغفاء ... حتى إذا شقّ بهيم الظلماء
وساق ليلا مرجحنّ الأثناء ... غبّره مثل حداء الحدّاء (2)
وزقت الديك بصوت زقّاء ... ثمت أجلين وفوق الإجلاء (3)
مستويات كنعال الحذّاء ... فهنّ يعبطن جديد البيداء (4)
ما لا يسوّى عبطه بالرفّاء ... يتبعن وقعا عند رجع الأهواء (5)
بسلبات كمساحى البنّاء ... يتركن فى متن أديم الصحراء
مساحبا مثل احتفار الكمّاء ... وأسهلوهنّ دقاق البطحاء (6)
يثرن من أكدارها بالدّقعاء ... منتصبا مثل حريق القصباء (7)
كأنّها لمّا رآها الرّآء ... وأنشزتهنّ علاة البيداء
ورفّع اللامع ثوب الإلواء ... عقبان دجن فى ندى وأسداء (8)
كلّ أغّر محك وغرّاء ... شادخة غرّتها أو قرحاء
قد لحقت عصمتها بالأطباء ... من شدّة الركض وخلج الأنساء (9)
كأنما صوت حفيف المعزاء ... معزول شذّان حصاها الأقصاء (10)
__________
(1) اطلنغأ: لزق بالأرض أو استلقى على ظهره. والأطلاء جمع الطلا، وهو الولد من ذوات الخف أو الظلف.
(2) ارجحنّ: مال. وليل مرجحنّ: ثقيل واسع. وغبر الليل: آخره.
(3) أنث فعل الديك على إرادة الدجاجة انظر اللسان (ديك).
(4) يقال: عبط الأرض: حفر منها موضعا لم يحفر من قبل.
(5) الأهواء: كأنه جمع الهىء، وهو صوت للزجر. (النجار).
(6) الكماء هنا: جانى الكمأة.
(7) الدقعاء: التراب الدقيق. ويريد بالمنتصب الغبار: المتماسك المجتمع.
(8) يقال: ألوى بثوبه إذا لمع به وأشار. والسدى: ندى الزرع.
(9) الأطباء: جمع الطبى، وهو لذوات الحافر كالثدى للمرأة وكالضرع لغيرها. والعصمة: بياض فى الذراع. والأنساء جمع النسا. وخلجها: جذبها.
(10) معزول بدل من المعزاء وهى الأرض الصلبة، والشذان: المتفرق. الأقصاء جمع القاصى أو القصىّ، وهو وصف الحصى.(2/46)
صوت نشيش اللّحم عند القلاء (1)
اطّرد جميع قوافيها على جرّ مواضعها إلا (بيتا واحدا وهو) قوله:
* كأنها لما رآها الرّآء *
فإنه مرفوع الموضع. وفيه مع ذلك سرّ لطيف يرجعه إلى حكم المجرور بالتأويل.
وذلك أنّ (لمّا) مضافة إلى قوله: رآها الرّآء، والفعل لذلك مجرور الموضع بإضافة الظرف الذى هو (لمّا) إليه كما أن قول الله تعالى: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] الفعل الذى هو (جاء) فى موضع جرّ بإضافة الظرف الذى هو (إذا) إليه. وإذا كان كذلك، وكان صاحب الجملة التى هى الفعل والفاعل إنما هو الفاعل، وإنما جىء بالفعل له ومن أجله، وكان أشرف جزءيها وأنبههما صارت الإضافة (كأنها) إليه فكأنّ الفاعل لذلك فى موضع جرّ، لا سيّما وأنت لو لخّصت الإضافة هنا وشرحتها لكان تقديرها: كأنها وقت رؤية الرّآء لها. (فالرّآء) إذا مع الشرح مجرور لا محالة.
نعم، وقد ثبت أن الفعل مع الفاعل فى كثير من الأحكام والأماكن كالشىء الواحد.
وإذا كان الفعل مجرور الموضع، والفاعل معه كالجزء منه، دخل الفاعل منه فى اعتقاد تلخيصه مجرورا فى اللفظ موضعه كما أن النون من إذن لمّا كانت بعض حرف جرى عليها ما يجرى على الحرف المفرد من إبداله فى الوقف ألفا وذلك قولهم: لأقومن إذا كما تقول: ضربت زيدا، ومع النون الخفيفة للواحد:
اضربا. فكما أجريت على بعض الحرف ما يجرى على جميعه من القلب، كذلك أجريت على بعض الفعل وهو الفاعل ما يجرى على جميعه من الحكم.
ومما أجرى فيه بعض الحرف مجرى جميعه قوله:
* فبات منتصبا وما تكردسا (2) *
__________
(1) الرجز لغيلان الربعى والبيت الثانى منها فى لسان العرب (ذرع)، وتاج العروس (ذرع).
والنشيش: صوت الغليان.
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 197، وشرح شواهد الإيضاح ص 259، ولسان العرب (كردس)(2/47)
فأجرى «منتصبا» مجرى فخذ فأسكن ثانيه وعليه حكاية الكتاب: أراك منتفخا. ونحو من قوله: (لمّا رآها الرّآء) فى توهم جرّ الفاعل قول طرفة:
* وسديف حين هاج الصنّبر (1) *
كأنه أراد: الصّنّبر، ثم تصوّر معنى الإضافة، فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنّبر، ثم نقل الكسرة على حدّ مررت ببكر، وأجرى «صنبر» من الصنّبر مجرى بكر على قوله: أراك منتفخا.
وأعلى من هذا أنّ مجىء هذا البيت فى هذه القصيدة مخالفا لجميع أبياتها يدلّ على قوّة شاعرها وشرف صناعته، وأن ما وجد من تتالى قوافيها على جرّ مواضعها ليس شيئا سعى فيه، ولا أكره طبعه عليه وإنما هو مذهب قاده إليه علوّ طبقته، وجوهر فصاحته.
وعلى ذلك ما أنشدناه أبو بكر محمد بن على عن أبى إسحاق لعبيد من قوله:
يا خليلىّ اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الحلال (2)
مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشّمال (3)
ولقد يغنى به جيرانك ال ... ممسكو منك بأسباب الوصال
ثم أودى ودّهم إذ أزمعو ال ... بين والأيام حال بعد حال
فانصرف عنهم بعنس كالوأى ال ... جأب ذى العانة أو شاة الرمال (4)
__________
(نصب)، (نصص)، وتاج العروس (نصص)، (نصب)، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب 1/ 45، وشرح المفصل 9/ 140، وتهذيب اللغة 12/ 117. وبعده:
* إذا أحس نبأه توجسا *
(1) عجز البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص 56، ولسان العرب (صنبر)، وتهذيب اللغة 12/ 271، وتاج العروس (صنبر). وصدر البيت:
* يجفان نعترى نادينا *
(2) الحلال جمع الحلة بكسر الحاء وهى جماعة البيوت، أو مائة بيت.
(3) السحق: البالى. تأويب الشمال: رجوعها وتردد هبوبها.
(4) العنس: الناقة الصلبة. والأمون: الناقة الوثيقة الخلق التى لا يخاف عليها الإعياء. والوأى:
الحمار الوحشى. والعانة: القطيع من حمر الوحش. وشاة الرمال يريد به هنا الثور الوحشىّ.(2/48)
نحن قدنا من أهاضيب الملا ال ... خيل فى الأرسان أمثال السعالى (1)
شزّبا يعسفن من مجهولة ال ... أرض وعثا من سهول أو رمال (2)
فانتجعنا الحارث الأعرج فى ... جحفل كالليل خطّار العوالى
يوم غادرنا عديّا بالقنا الذّ ... بّل السمر صريعا فى المجال
ثم عجناهنّ خوصا كالقطا ال ... قاربات الماء من أين الكلال (3)
نحو قوص يوم جالت حوله ال ... خيل قبّا عن يمين أو شمال (4)
كم رئيس يقدم الألف على الس ... ابح الأجرد ذى العقب الطوال (5)
قد أباحت جمعه أسيافنا ال ... بيض فى الروعة من حىّ حلال
ولنا دار ورثناها عن ال ... أقدم القدموس من عمّ وخال (6)
منزل دمّنه آباؤنا ال ... مورثونا المجد فى أولى الليالى (7)
ما لنا فيها حصون غير ما ال ... مقربات الخيل تعدو بالرجال
فى روابى عدملىّ شامخ ال ... أنف فيه إرث مجد وجمال (8)
فاتّبعنا ذات أولانا الألى ال ... موقدى الحرب وموف بالحبال (9)
__________
(1) الأهاضيب: جمع الأهضوبة، وهى كالهضب: الجبل الطويل المنبسط. والملا: موضع.
والسعالى: جمع السعلاة وهى أنثى الغول.
(2) الشزب: جمع الشازب، وهو اليابس الضامر. والوعث: المكان السهل اللين الذى تغيب فيه قوائم الإبل.
(3) عاج الحيوان: عطفه بالزمام. والخوص: من الخوص، وهو غائر العينين. والقاربات: من القرب، وهو سير الليل لورد الغد. والأين: الإعياء.
(4) القب: وصف من القبب، وهو دقة الخصر وضمور البطن.
(5) السابح: الفرس الحسن الجرى. الأجرد: القصير الشعر. العقب: الجرى بعد الجرى الأول:
وهو العدو الثانى.
(6) القدموس: القديم، وهو هنا مبالغة القديم.
(7) يقال: دمن القوم المنزل: سوّدوه وأثروا فيه بالدمن بكسر فسكون وهو البعر.
(8) العدملىّ: القديم.
(9) القصيدة من الرمل، وهى لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص 82، والبيت الأول منها فى خزانة(2/49)
فقاد القصيدة كلها، على أن آخر مصراع كل بيت منها منته إلى لام التعريف، غير بيت واحد وهو قوله:
* فانتجعنا الحارث الأعرج فى *
فصار هذا البيت الذى نقض القصيدة أن تمضى على ترتيب واحد هو أفخر ما فيها. وذلك أنه دلّ على أن هذا الشاعر إنما تساند إلى ما فى طبعه، ولم يتجشّم إلا ما فى نهضته ووسعه، من غير اغتصاب له ولا استكراه أجاءه إليه إذ لو كان ذلك على خلاف ما حدّدناه وأنه إنما صنع الشعر صنعا، وقابله بها ترتيبا ووضعا، لكان قمنا ألا ينقض ذلك كله بيت واحد يوهيه، ويقدح فيه. وهذا واضح.
وأمّا قول الآخر:
قد جعل النعاس يغرندينى ... أدفعه عنّى ويسرندينى (1)
فلك فيه وجهان: إن شئت جعلت رويّه النون وهو الوجه. وإن شئت الياء، وليس بالوجه.
وإن أنت جعلت النون هى الروىّ فقد التزم الشاعر فيها أربعة أحرف غير واجبة، وهى الراء والنون والدال والياء. [ألا ترى أنه يجوز معها (يعطينى) و (يرضينى) و (يدعونى) و (يغزونى)] ألا ترى أنك إذا جعلت الياء هى الروىّ فقد زالت الياء أن تكون ردفا لبعدها عن الروىّ. نعم، وكذلك كمّا كانت النون رويا كانت الياء غير لازمة. وإن أنت جعلت الياء الروىّ فقد التزم فيه خمسة
__________
الأدب 7/ 198، 208205، وسر صناعة الإعراب 1/ 332، وشرح المفصّل 9/ 17، والمقاصد النحوية 1/ 511، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 71، وشرح الأشمونى 1/ 83، والمنصف 1/ 66.
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (سرد)، (غرند)، وجمهرة اللغة ص 1215، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 290، وشرح الأشمونى 1/ 196، وشرح التصريح 1/ 311، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 113، وشرح شواهد الشافية ص 47، وشرح شواهد المغنى 2/ 885، ومغنى اللبيب 2/ 520، وديوان الأدب 2/ 492، وتهذيب اللغة والمنصف 1/ 86، 3/ 11، كتاب العين 7/ 341، وتاج العروس (ثرنت)، (سرد)، (غرد)، ومقاييس اللغة 4/ 432، ومجمل اللغة 4/ 49.
الاغرنداء والاسرنداء: العلو والغلبة.(2/50)
أحرف غير لازمة، وهى الراء، والنون، والدال، والياء، والنون لأن الواو يجوز معها ألا ترى أنه يجوز معها فى القولين جميعا يغزونى ويدعونى.
ومما يسأل عنه من هذا النحو قول الثقفىّ يزيد بن الحكم:
وكم منزل لولاى طحت كما هوى بها
بأجرامه من قلّة النيق منهو (1)
التزم الواو والياء فيها كلّها.
والجواب أنها واويّة لأمرين: أحدهما أنك إذا جعلتها واويّة كانت مطلقة، ولو جعلتها يائية كانت مقيّدة والشعر المطلق أضعاف المقيّد، والحمل إنما يجب أن يكون على الأكثر لا على الأقلّ.
والآخر أنه قد التزم الواو، فإن جعلت القصيدة واوية فقد التزم واجبا، وإن جعلتها يائية فقد التزم غير واجب، واعتبرنا هذه اللغة وأحكامها ومقاييسها فإذا الملتزم أكثره واجب (وأقلّه غير واجب) والحمل على الأكثر دون الأقلّ.
فإن قلت: فإن هذه القلّة أفخر من الكثرة ألا ترى أنها دالّة على قوّة الشاعر.
وإذا كانت أنبه وأشرف كان الأخذ يجب أن يكون بها، ولم يحسن العدول عنها مع القدرة عليها. وكما أن الحمل على الأكثر، فكذلك يجب أن يكون الحمل على الأقوى أولى من الحمل على الأدنى.
قيل: كيف تصرّفت الحال فينبغى أن يعمل على الأكثر لا على الأقلّ، وإن كان الأقلّ أقوى قياسا ألا ترى إلى قوة قياس قول بنى تميم فى (ما) وأنها ينبغى أن تكون غير عاملة فى أقوى القياسين عن سيبويه. ومع ذا فأكثر المسموع عنهم إنما
__________
(1) البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الحكم فى الأزهيّة ص 171، وخزانة الأدب 5/ 336، 337، 342، والدرر 4/ 175، وسرّ صناعة الإعراب ص 395، وشرح أبيات سيبويه 2/ 202، وشرح المفصل 3/ 118، 9/ 23، والكتاب 2/ 374، ولسان العرب (جرم)، (هوا)، (إمالا)، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 691، والجنى الدانى ص 603، وجواهر الأدب ص 397، وخزانة الأدب 10/ 33، ورصف المبانى ص 295، وشرح الأشمونى 2/ 285، وشرح ابن عقيل ص 353، والممتع فى التصريف 1/ 191، والمنصف 1/ 72. ويروى:
* وكم موطن بدلا من وكم منزل *(2/51)
هو لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن. وذلك (أننا بكلامهم ننطق) فينبغى أن يكون على ما استكثروا منه يحمل. هذا هو (قياس مذهبهم) وطريق اقتفائهم.
ووجدت أكثر قافيّة رؤبة مجرورة الموضع. وإذا تأمّلت ذلك وجدته. أعنى قوله:
* وقاتم الأعماق خاوى المخترق (1) *
وقد التزم العجّاج فى رائيّته:
* قد جبر الدين الإله فجبر (2) *
وذلك أنه التزم الفتح قبل رويّها ألبتة. ولعمرى إن هذا مشروط فى القوافى، غير أنك قّلما تجد قافية مقيدة إلا وأتت الحركات قبل رويّها مختلفة وإنما المستحسن من هذه الرائيّة سلامتها مما لا يكاد يسلم منه غيرها. فإن كانت المقيّدة مؤسّسة ازداد اختلاف الحركات قبل رويّها قبحا. وذلك أنه ينضاف إلى قبح اختلافه أن هناك تأسيسا ألا ترى أنه يقبح اختلاف الإشباع (3) إذا كان الروىّ مطلقا نحو قوله: فالفوارع مع قوله: فالتدافع. فما ظنّك إذا كان الروى مقيّدا. وقد أحكمنا هذا فى كتابنا المعرب فى شرح قوافى أبى الحسن.
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 104، والأغانى 10/ 158، وجمهرة اللغة ص 408، 614، 941، وخزانة الأدب 10/ 25، والدرر 4/ 195، وشرح أبيات سيبويه 2/ 353، وشرح شواهد الإيضاح ص 223، وشرح شواهد المغنى 2/ 764، 782، ومقاييس اللغة 2/ 172، 5/ 58، وأساس البلاغة (قتم)، ولسان العرب (خفق)، (عمق)، (غلا)، ومغنى اللبيب 1/ 342، والمقاصد النحوية 1/ 38، والمنصف 2/ 3، وهمع الهوامع 2/ 36، وتهذيب اللغة 1/ 290، 9/ 66، وتاج العروس (هرجب)، (خفق)، (عمق)، (كلل)، (وجه)، ورصف المبانى ص 355، وسر صناعة الإعراب 2/ 493، 502، 639، وشرح الأشمونى 1/ 12، وشرح ابن عقيل ص 372، وشرح المفصل 2/ 118، والعقد الفريد 5/ 506، والكتاب 4/ 110، ولسان العرب (هرجب)، (قيد): (قتم)، (وجه)، وهمع الهوامع 2/ 80، وكتاب العين 1/ 188.
وبعده:
* مشتبه الأعلام لمّاع الخفق *
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 2، ولسان العرب (جبر)، (وصل)، وتاج العروس (جبر)، (وصل)، وتهذيب اللغة 11/ 60، وكتاب العين 6/ 116، وجمهرة اللغة ص 265، ومقاييس اللغة 1/ 501، 4/ 186، وديوان الأدب 2/ 107.
(3) هو حركة الدخيل. وهو الحرف الذى يسبق الروى بعد التأسيس.(2/52)
وقد قال هميان بن قحافة:
لمّا رأتنى أمّ عمرو صدفت ... قد بلغت بى ذرأة فألحفت (1)
وهامة كأنها قد نتفت ... وانعاجت الأحناء حتى احلنقفت (2)
وهى تسعة وثلاثون بيتا، والتزم فى جميعها الفاء، وليست واجبة وإن كانت قريبة من صورة الوجوب. وذلك أن هذه التاء فى الفعل إذا صارت إلى الاسم صارت فى الوقف هاء فى قولك: صادفة وملحفة ومحلنقفة (فإذا صارت هاء) لم يكن الروىّ إلا ما قبلها، فكأنها لمّا سقط حكمها مع الاسم من ذلك الفعل صارت فى الفعل نفسه قريبة من ذلك الحكم. وهذا الموضع لقطرب. وهو جيّد.
ومن ذلك تائية كثير:
* خليلىّ هذا ربع عزّة فاعقلا *
لزم فى جميعها اللام والتاء.
ومنه قول منظور:
* من لى من هجران ليلى من لى *
لزم اللام المشدّد إلى آخرها.
وفى المحدثين من يسلك هذا الطريق، وينبغى أن يكونوا إليه أقرب، وبه أحجى، إذ كانوا فى صنعة الشعر أرحب ذراعا، وأوسع خناقا لأنهم فيه متأنّون، وعليه متلوّمون (3)، وليسوا بمرتجليه، ولا مستكرهين فيه.
وقد كان ابن الرومىّ رام ذلك لسعة حفظه، وشدّة مأخذه. فمن ذلك رائيّته فى وصف العنب وهى قوله:
__________
(1) ذرأة أى شيب.
(2) البيت الأول من الرجز يروى لحسان بن ثابت فى ديوانه ص 374، ولسان العرب (بلع)، وبلا نسبة فى لسان العرب (شنف)، وتاج العروس (بلع). والثانى من الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حلقف)، (حنا)، وتاج العروس (حنا).
الأحناء: الجوانب. واحلنقف الشىء: أفرط اعوجاجه.
(3) التلوم فى الأمر: التمهل فيه والتريث.(2/53)
ورازقىّ مخطف الخصور ... كأنّه مخازن البلّور (1)
التزم فيها الواو ألبتّة ولم يجاوزها غالبا. وكذلك تائيته: أترفتها وخطرقتها وسفسفتها التزم فيها الفاء وليست بواجبة، وكذلك ميميته التى يرثى بها أمّه:
* أفيضا دما إنّ الرزايا لها قيم *
أوجب على نفسه الفتحة قبل الميم على حدّ رائيّة العجّاج:
* قد جبر الدين الإله فجبر (2) *
غير أنى أظنّ أن فى هذه الميمية بيتا ليس ما قبل رويّه مفتوحا.
وأنشدنى مرّة بعض أحداثنا شيئا سمّاه شعرا على رسم للمولدين فى مثله، غير أنه عندى أنا قواف منسوقة غير محشوّة فى معنى قول سلم الخاسر:
موسى القمر * غيث بكر * ثم انهمر
وقول الآخر:
طيف ألم * بذى سلم * يسرى العتم (3) * بين الخيم * (جاد بفم)
وقول الآخر:
قالت حيل * شؤم الغزل * هذا الرجل * حين احتفل * أهدى بصل
والقوافى المنسوقة التى أنشدنيها صاحبنا هذا ميمية فى وزن قوله: طيف ألم، لا يحضرنى الآن حفظها غير أنه التزم فيها الفتحة ألبتة، إلا قافية واحدة وهو قوله: * فاسلم ودم * ورأيته قلقا لاضطراره إلى مخالفة بقية القوافى بها فقلت له: لا عليك فلك أن تقول: * فاسلم ودم * أمرا من قولهم: دام يدام، وهى لغة قال:
__________
(1) الرازقى: ضرب من عنب الطائف أبيض طويل الحب. ومخطف الخصور: ضامرها.
(2) سبق تخريجه.
(3) أصله العتمة، فحذف التاء. وفى اللسان «يسرى عتم» وجوز فى عتم أن يكون محذوف التاء، فيكون ظرفا، وأن يكون المراد به البطء أى يسرى بطيئا فيكون حالا.(2/54)
يا مىّ لا غرو ولا ملاما ... فى الحبّ إن الحبّ لن يداما (1)
فسرّ بذلك وقال: أسير بها إلى بلدى.
وأفضينا إلى هذا القدر لاتصاله بما كنّا عليه قال:
وعند سعيد غير أن لم أبح به ... ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر
وأكثر هذه الالتزامات فى الشعر لأنه يحظر على نفسه ما تبيحه الصنعة إياه إدلالا، وتغطرفا، واقتدارا وتعاليا. وهو كثير. وفيما أوردناه منه كاف.
فأمّا فى غير الشعر فنحو قولك فى جواب من سألك فقال لك: أىّ شىء عندك؟: زيد أو عمرو أو محمد الكريم أو علىّ العاقل. فإنما جوابه الذى لا يقتضى السؤال غيره أن يجيبه بنكرة فى غاية (شياع مثلها) فيقول: جسم. ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون فى قوله: أىّ شىء عندك، إنما أراد أن يستفصلك بين أن يكون عندك علم أو قراءة أو جود أو شجاعة، وأن يكون عندك جسم مّا. فإذا قلت: جسم، فقد فصلت بين أمرين قد كان يجوز أن يريد منك فصلك بينهما.
إلا أن جسما وإن كان قد فصل بين المعنيين فإنه مبالغ فى إبهامه. فإن تطوّعت زيادة على هذا قلت: حيوان. وذلك أن حيوانا أخصّ من جسم كما أن جسما أخصّ من شىء. فإن تطوّع شيئا آخر قال فى جواب أىّ شىء عندك: إنسان لأنه أخصّ من حيوان ألا تراك تقول: كلّ إنسان حيوان، وليس كلّ حيوان إنسانا كما تقول: كل إنسان جسم، وليس كلّ جسم إنسانا. فإن تطوّع بشىء آخر قال:
رجل. فإن زاد فى التطوّع شيئا آخر قال: رجل عاقل أو نحو ذلك. فإن تطوع شيئا آخر قال: زيد أو عمرو (أو نحو ذلك).
فهذا كلّه تطوّع بما لا يوجبه سؤال هذا السائل.
ومنه قول أبى دواد:
فقصرن الشتاء بعد عليه ... وهو للذود أن يقسّمن جار (2)
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دوم)، وجمهرة اللغة ص 1308، وتاج العروس (دوم).
(2) البيت من الخفيف، وهو لأبى دؤاد الإيادىّ فى ديوانه ص 318، وشرح أبيات سيبويه 1/ 181، ولسان العرب (قصر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (قصر)، والمعانى الكبير ص 89(2/55)
فهذا جواب «كم» كأنه قال: كم قصرن عليه؟ وكم ظرف ومنصوبة الموضع، فكان قياسه أن يقول: ستة أشهر لأن «كم» سؤال عن قدر من العدد محصور، فنكرة هذا كافية من معرفته ألا ترى أن قولك: عشرون والعشرون وعشروك (ونحو ذلك) فائدته فى العدد واحدة لكن المعدود معرفة مرّة، ونكرة أخرى.
فاستعمل الشتاء وهو معرفة فى جواب كم. وهذا تطوّع بما لا يلزم. وليس عيبا بل هو زائد على المراد. وإنما العيب أن يقصّر فى الجواب عن مقتضى السؤال فأمّا إذا زاد عليه فالفضل معه، واليد له.
وجاز أن يكون الشتاء جوابا ل «كم» من حيث كان عددا فى المعنى ألا تراه ستة أشهر. وافقنا أبو على رحمه الله على هذا الموضع من الكتاب وفسّره ونحن بحلب فقال: إلا فى هذا البلد فإنه ثمانية أشهر. يريد طول الشتاء بها.
ومن ذلك قولك فى جواب من قال لك: آلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟: الحسن، أو قولك: الحسين. وهذا تطوّع من المجيب بما لا يلزم. وذلك أن جوابه على ظاهر سؤاله أن يقول له: أحدهما، ألا ترى أنه لما قال له: «آلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية» فكأنه قال: [أ] أحدهما أفضل أم ابن الحنفية؟
فجوابه على ظاهر سؤاله أن يقول: أحدهما. فقوله: «الحسن» أو قوله:
«الحسين» فيه زيادة تطوّع بها لم ينطو السؤال على استعلامها. ونظير قوله فى الجواب على اللفظ أن يقول: الحسن أو الحسين، لأن قوله: «أو الحسين» بمنزلة أن يقول: أحدهما. والجواب المتطوّع فيه أن يقول: «الحسن» ويمسك، أو أن يقول: «الحسين» ويمسك. فأمّا كان كيسانيا (1) فإنه يقول: ابن الحنفية، هكذا كما ترى. فإن قال: آلحسن (أفضل أم الحسين) أو ابن الحنفية، فقال: الحسن فهو جواب لا تطوّع فيه. فإن قال: «أحدهما» فهو جواب لا تطوّع فيه أيضا. فإن قال: «الحسين» ففيه تطوّع. وكذلك إن قال: «ابن الحنفية» فقد تطوّع أيضا. فإن قال: آلحسن أو ابن الحنفية أفضل أم الحسين فقال له المجيب: الحسين، فهو
__________
ولعدىّ بن الرقاع فى الكتاب 1/ 219.
الذود: القطيع من الإبل.
(1) الكيسانية: فرقة من الشيعة ينتسبون إلى كيسان. يقولون بإمامة محمد ابن الحنفية.(2/56)
جواب لا تطوّع فيه. فإن قال: أحدهما فهو أيضا جواب لا تطوّع فيه. فإن قال:
الحسن أو قال: ابن الحنفية ناصّا على أحدهما معيّنا فهو جواب متطوّع فيه على ما بينّا فيما قبل.
ومن التطوّع المشامّ للتوكيد قول الله سبحانه: {إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51]، {وَمَنََاةَ الثََّالِثَةَ الْأُخْرى ََ} [النجم: 20]، وقوله تعالى: {فَإِذََا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ} [الحاقة: 13]، وقولهم: مضى أمس الدابر، وأمس المدبر. وهو كثير. وأنشد الأصمعىّ:
وأبى الذى ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدة كأمس الدابر (1)
وقال:
خبلت غزالة قلبه بفوارس ... تركت منازله كأمس الدابر (2)
ومن ذلك أيضا الحال المؤكّدة كقوله:
* كفى بالنأى من أسماء كاف (3) *
لأنه إذا كفى فهو كاف لا محالة.
ومنه قولهم: أخذته بدرهم فصاعدا، هذه أيضا حال مؤكّدة ألا ترى أن
__________
(1) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (صهب)، (دبر)، (أمس)، وجمهرة اللغة ص 296، والمخصص 14/ 34، وتاج العروس (صهب)، (دبر)، وأساس البلاغة (دبر).
(2) البيت من الكامل، وهو لعمران بن حطان فى الأغانى 18/ 122، ولرجل من الخوارج فى جمهرة اللغة ص 933. ويروى: غشيت غزالة خيله بدلا من: خبلت غزالة قلبه، وفوارسه بدلا من منازله.
غزالة: امرأة من الخوارج كانت تحارب الحجاج.
(3) صدر البيت من الوافر، وهو لبشر بن أبى خازم فى ديوانه ص 142، وخزانة الأدب 4/ 439، 10/ 477، 482، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 294، ولأبى حيّة النميرى فى لسان العرب (قفا)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 8/ 48، 112، وتخليص الشواهد ص 299، وخزانة الأدب 3/ 443، 6/ 397، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى فى فقه اللغة ص 35، والمقتضب 4/ 22، والمنصف 2/ 115. وعجز البيت:
* وليس لحبّها ما عشت شافى *
ويروى: إذ طال شاف بدلا من ما عشت شافى.(2/57)
تقديره: فزاد الثمن صاعدا، ومعلوم أنه إذا زاد الثمن لم يكن إلا صاعدا. غير أنه للحال هنا مزيّة عليها فى قوله:
* كفى بالنأى من أسماء كاف (1) *
لأن (صاعدا) ناب فى اللفظ عن الفعل الذى هو زاد، و (كاف) ليس بنائب فى اللفظ عن شىء ألا ترى أن الفعل الناصب له ملفوظ به معه.
ومن الحال المؤكّدة قول الله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، وقول ابن دارة:
* أنا ابن دارة معروفا بها نسبى (2) *
وهو باب منقاد.
فأما قوله سبحانه: {وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} [الأنعام: 38] فيكون من هذا. وقد يجوز أن يكون قوله سبحانه (بجناحيه) مفيدا. وذلك أنه قد يقال فى المثل:
* طاروا علاهنّ فشل علاها (3) *
وقال آخر:
وطرت بالرحل إلى شملّة ... إلى أمون رحلة فذلّت (4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) صدر البيت من البسيط، وهو لسالم بن دارة فى خزانة الأدب 1/ 468، 2/ 145، 3/ 265، 266، والدرر 4/ 11، وشرح أبيات سيبويه 1/ 547، وشرح المفصل 2/ 64، والكتاب 2/ 79، والمقاصد النحوية 3/ 186، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 255، وشرح شذور الذهب ص 320، وشرح ابن عقيل ص 338، وهمع الهوامع 1/ 245. وعجز البيت:
* وهل بدارة يا للنّاس من عار *
(3) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 168، وله أو لأبى النجم أو لبعض أهل اليمن فى المقاصد النحوية 1/ 133، ولبعض أهل اليمن فى خزانة الأدب 7/ 133، 115، وشرح شواهد المغنى 1/ 128، وبلا نسبة فى لسان العرب (طير)، (علا)، (نجا)، وخزانة الأدب 4/ 105، وشرح شواهد الشافية ص 355، وشرح المفصّل 3/ 34، 129، وتاج العروس (قلص). وقبله:
* نادية وناديا أباها *
فشل: أى ارتفع واركب. وعلاها لغة فى عليها تنسب إلى الحارث بن كعب. انظر اللسان.
(4) الشملة: السريعة. والأمون: الناقة الوثيقة الخلق، وهى التى أمنت الإعياء. الرحلة: القوية.(2/58)
ومن أبيات الكتاب:
وطرت بمنصلى فى يعملات ... دوامى الأيد يخبطن السريحا (1)
وقال القطامىّ:
* ونفخوا عن مدائنهم فطاروا (2) *
وقال العجّاج:
* طرنا إلى كل طوال أعوجا (3) *
وقال العنبرىّ:
* طاروا إليه زرافات وأحدانا (4) *
وقال النابغة الذبيانىّ:
* يطير فضاضا بينها كلّ قوبس (5) *
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لمضرس بن ربعى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 62، وشرح شواهد الشافية ص 481، ولسان العرب (ثمن)، (يدى)، (جزز)، (خبط)، وله أو ليزيد بن الطثرية فى شرح شواهد المغنى ص 598، والمقاصد النحوية 4/ 591، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 60، والإنصاف 2/ 545، وجمهرة اللغة ص 512، وخزانة الأدب 1/ 242، وسرّ صناعة الإعراب ص 519، 772، والكتاب 1/ 27، 4/ 190، ومغنى اللبيب 1/ 225، والمنصف 2/ 73.
اليعملات جمع اليعملة وهى الناقة السريعة. والسريح: السير الذى تشدّ به الخدمة.
(2) عجز البيت من الوافر، وهو للقطامىّ فى ديوانه ص 143، ولسان العرب (نفح)، والمنصف 1/ 24، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 125. وصدر البيت:
* ألم يخز التفرّق جند كسرى *
(3) الرجز للعجاج من أرجوزته التى أولها:
* ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا *
(4) عجز البيت من البسيط، وهو لقريط بن أنيف العنبرى فى تاج العروس (طير)، (زرف)، وبلا نسبة فى تاج العروس (وحد)، وشرح ديوان الحماسة للخطيب التبريزى 1/ 5، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى 1/ 27، وللعنبرى فى تاج العروس (طير). ولسان العرب (طير)، (وحد).
وصدر البيت:
* قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم *
(5) صدر البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 18، ولسان العرب (خرش)، (فضض)، وأساس البلاغة ص 343 (فضض)، وتهذيب اللغة 11/ 346، وتاج العروس(2/59)
فيكون قوله تعالى: {يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} على هذا مفيدا، أى ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذى الجناحين، بل هو الطائر بجناحيه ألبتة. وكذلك قوله عز اسمه:
{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] قد يكون قوله (من فوقهم) مفيدا.
وذلك أنه قد يستعمل فى الأفعال الشاقّة المستثقلة على قول من يقول: قد سرنا عشرا وبقيت علينا ليلتان وقد حفظت القرآن وبقيت علىّ منه سورتان، وقد صمنا عشرين من الشهر وبقى علينا عشر. وكذلك يقال فى الاعتداد على الإنسان بذنوبه وقبيح أفعاله: قد أخرب علىّ ضيعتى وموّت علىّ عواملى، وأبطل علىّ انتفاعى. فعلى هذا لو قيل: فخرّ عليهم السقف ولم يقل: من فوقهم لجاز أن يظنّ به أنه كقولك: قد خرّبت عليهم دارهم، وقد أهلكت عليهم مواشيهم وغلاتهم، وقد تلفت عليهم تجاراتهم. فإذا قال: (من فوقهم) زال ذلك المعنى المحتمل، وصار معناه أنه سقط وهم من تحته. فهذا معنى غير الأوّل.
وإنما (اطّردت على) فى الأفعال التى قدّمنا ذكرها مثل خربت عليه ضيعته وموّتت عليه عوامله ونحو ذلك من حيث كانت (على) فى الأصل للاستعلاء.
فلمّا كانت هذه الأحوال (كلفا و) مشاقّ تخفض الإنسان وتضعه، وتعلوه وتفرعه حتّى يخضع لها ويخنع لما يتسدّاه (1) منها كان ذلك من مواضع على ألا تراهم يقولون: هذا لك، وهذا عليك فتستعمل اللام فيما تؤثره، وعلى فيما تكرهه قالت:
سأحمل نفسى على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها (2)
وقال ابن حلزة:
__________
(فضض)، وجمهرة اللغة ص 147، 729، وبلا نسبة فى المخصص 14/ 136. وعجز البيت:
* ويتبعها منهم خراش الحواجب *
القونس: أعلى بيضة الحديد.
(1) تسدّاه: ركبه وعلاه.
(2) البيت من المتقارب، وهو للخنساء فى ديوانها ص 84، ولسان العرب (فوق)، (علا)، وجمهرة اللغة ص 248، وكتاب العين 8/ 359، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 1/ 162.(2/60)
فله هنا لك لا عليه إذا ... دنعت أنوف القوم للتعس (1)
فمن هنا دخلت (على) هذه فى هذه الأفعال التى معناها إلى الإخضاع والإذلال.
وما يتطوّع به من غير وجوب كثير. وفيما مضى منه كاف ودالّ عليه بإذن الله.
* * * __________
(1) البيت من الكامل، وهو لابن حلّزة فى ديوانه ص 51، ولسان العرب (فوق)، (دنع)، وتاج العروس (دنع)، وجمهرة اللغة ص 665، وشرح اختيارات المفضل ص 641، وشعراء النصرانية ص 420، والمعانى الكبير ص 542، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة 2/ 224، وجمهرة اللغة ص 398. ويروى: نقوس بدلا من: أنوف.
دنعت: ذلت.(2/61)
باب فى التام يزاد عليه فيعود ناقصا
هذا موضع ظاهره ظاهر التناقض، ومحصوله صحيح واضح.
وذلك قولك: قام زيد فهذا كلام تامّ، فإن زدت عليه فقلت: إن قام زيد صار شرطا، واحتاج إلى جواب. وكذلك قولك: زيد منطلق فهذا كلام مستقل، فإذا زاد عليه أنّ (المفتوحة فقال أنّ زيدا منطلق) احتاج إلى عامل يعمل فى أنّ وصلتها، فقال: بلغنى أن زيدا منطلق، ونحوه. وكذلك قولك: زيد أخوك، فإن زدت عليه (أعلمت) لم تكتف بالاسمين فقلت: أعلمت (بكرا زيدا أخاك).
وجماع هذا أن كلّ كلام مستقلّ زدت عليه شيئا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه فالكلام باق على تمامه قبل المزيد عليه. فإن زدت عليه شيئا مقتضيا لغيره، معقودا به عاد الكلام ناقصا، لا لحاله الأولى، بل لما دخل عليه معقودا بغيره.
فنظير الأوّل قولك: زيد قائم، وما زيد قائم وقائما على اللغتين، وقولك: قام محمد، وقد قام محمد، وما قام محمد، وهل قام محمد، وزيد أخوك، وإنّ زيدا أخوك، وكان زيد أخاك، وظننت زيدا أخاك.
ونظير الثانى ما تقدّم من قولنا: قام زيد، وإن قام زيد. فإن جعلت (إن) هنا نفيا بقى على تمامه ألا تراه بمعنى ما قام زيد.
ومن الزائد العائد بالتمام إلى النقصان قولك: يقوم زيد فإن زدت اللام والنون فقلت: ليقومنّ زيد فهو محتاج إلى غيره، وإن لم يظهر هنا فى اللفظ ألا ترى أن تقديره عند الخليل أنه جواب قسم، أى أقسم ليقومنّ، أو نحو ذلك.
فاعرف ذلك إلى ما يليه.
* * *
باب فى زيادة الحروف وحذفها(2/62)
* * *
باب فى زيادة الحروف وحذفها
وكلا ذينك ليس بقياس لما سنذكره.
أخبرنا أبو علىّ رحمه الله قال قال أبو بكر: حذف الحروف ليس بالقياس.
قال: وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هى أيضا، واختصار المختصر إجحاف به. تمت الحكاية.
وتفسير قوله: «إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار» هو أنك إذا قلت: ما قام زيد فقد أغنت (ما) عن (أنفى) وهى جملة فعل وفاعل. وإذا قلت: قام القوم إلا زيدا فقد نابت (إلا) عن (أستثنى) وهى فعل وفاعل. وإذا قلت قام زيد وعمرو فقد نابت الواو عن (أعطف). وإذا قلت: ليت لى مالا فقد نابت (ليت) عن (أتمنّى). وإذا قلت: هل قام أخوك فقد نابت (هل) عن (أستفهم).
وإذا قلت: ليس زيد بقائم فقد نابت الباء عن (حقّا)، و (ألبتّة)، و (غير ذى شكّ). وإذا قلت (فبما نقضهم ميثقهم) فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقّا، أو يقينا. وإذا قلت: أمسكت بالحبل فقد نابت الباء عن قولك: أمسكته مباشرا له وملاصقة يدى له. وإذا قلت: أكلت من الطعام فقد نابت (من) عن البعض، أى أكلت بعض الطعام. وكذلك بقيّة ما لم نسمه.
فإذا كانت هذه الحروف نوائب عمّا هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرّق عليها، فتنتهكها وتجحف بها.
ولأجل ما ذكرنا: من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل فى شىء من الفضلات: الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك. وعلّته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من الاختصار فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه، وتراجعوا عما اعتزموه.
فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائما على أن تجعل (قائما) حالا منك، أى أنفى هذا فى حال قيامى، ولا حالا من (زيد)، أى أنفى هذا عن زيد فى حال قيامه.
ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة على أن تجعل يوم الجمعة ظرفا لما دلت عليه(2/63)
(هل) من معنى الاستفهام.
فإن قلت: فقد أجازوا ليت زيدا أخوك قائما ونحو ذلك فنصبوه بما فى ليت من معنى التمنّى، وقال النابغة:
كأنه خارجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عند مفتأد (1)
فنصب (خارجا) على الحال بما فى (كأنّ) من معنى التشبيه، وأنشد أبو زيد:
كأنّ دريئة لمّا التقينا ... لنصل السيف مجتمع الصداع (2)
فأعمل معنى التشبيه فى (كأن) فى الظرف الزمانىّ الذى هو (لمّا التقينا).
قيل: إنما جاز ذلك فى (ليت) و (كأنّ) لما اجتمع فيهما: وهو أن كلّ واحدة منهما فيها معنى الفعل (من التمنى) والتشبيه (وأيضا) فكل (واحدة) منهما رافعة وناصبة كالفعل القوىّ المتعدّى، وكلّ واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين، فأشبهت بزيادة عدّتها الفعل وليس كذلك ما كان على حرف، ولا ما كان على حرفين لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع فى ليت ولعلّ.
ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس: من أنّ (إلا) فى الاستثناء هى الناصبة لأنها نابت عن (أستثنى)، و (لا أعنى) مردودا عندنا لما فى ذلك من تدافع الأمرين: الإعمال المبقّى حكم الفعل، والانصراف عنه إلى الحرف المختصر به القول.
نعم، وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقلّ عن العمل فى الظروف كانت من العمل فى الأسماء الصريحة القويّة التى ليست ظروفا ولا أحوالا ولا تمييزا لاحقا بالحال اللاحقة بالظرف أبعد.
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 19، والأشباه والنظائر 6/ 243، وخزانة الأدب 3/ 185، 187، ولسان العرب (فأد)، وتهذيب اللغة 14/ 196، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 211، 295، وكتاب العين 8/ 8.
السفود: الحديدة التى يشوى عليها اللحم.
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أنن)، والمخصص 3/ 31.
الدريئة: حلقة يتعلم عليها الطعن. ومجتمع الصداع الرأس.(2/64)
فإن قلت: فقد قالوا: يا عبد الله ويا خيرا من زيد، فأعملوا (يا) فى الاسم الصريح وهى حرف، فكيف القول فى ذلك؟
قيل: ل (يا) فى هذه خاصة فى قيامها مقام الفعل ليست لسائر الحروف وذلك أن (هل) تنوب عن (أستفهم)، و (ما) تنوب عن (أنفى)، و (إلا) تنوب عن (أستثنى) وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هى الناصبة فى الأصل. فلما انصرفت عنها إلى الحروف طلبا للإيجاز، ورغبة عن الإكثار، أسقطت عمل تلك الأفعال، ليتمّ لك ما انتحيته من الاختصار. وليس كذلك يا.
وذلك (أن يا) نفسها هى العامل الواقع على زيد، وحالها فى ذلك حال (أدعو) و (أنادى) فى كون كل واحد منهما هو العامل فى المفعول، وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه. وذلك أن قولك: ضربت زيدا وقتلت عمرا الفعل الواصل إليهما المعبّر بقولك: ضربت عنه ليس هو نفس (ض ر ب) إنما ثمّ أحداث هذه الحروف دلالة عليها وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك. وقولك: أنادى عبد الله، وأدعو عبد الله ليس هنا فعل واقع على (عبد الله) غير هذا اللفظ، و (يا) نفسها فى المعنى ك (أدعو) ألا ترى أنك إنما تذكر بعد (يا) اسما واحدا، كما تذكره بعد الفعل المستقلّ بفاعله إذا كان متعدّيا إلى مفعول واحد كضربت زيدا، ولقيت قاسما، وليس كذلك حرف الاستفهام وحرف النفى، إنما تدخلهما على الجمل المستقلّة فتقول: ما قام زيد وهل قام أخوك. فلمّا قويت (يا) فى نفسها وأوغلت فى شبه الفعل تولّت بنفسها العمل.
فإن قلت: فإنما تذكر بعد (إلا) اسما واحدا أيضا، قيل: الجملة قبل (إلا) منعقدة بنفسها، وإلا فضلة فيها. وليس كذلك يا لأنك إذا قلت: يا عبد الله تمّ الكلام بها وبمنصوب بعدها، فوجب أن تكون هى كأنها الفعل المستقل بفاعله، والمنصوب هو المفعول بعدها، فهى فى هذا الوجه كرويد زيدا.
ومن وجه آخر أن قولك: يا زيد لمّا اطّرد فيه الضمّ وتمّ به القول جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء فهذا أدون حالى يا أعنى أن (يكون) كأحد جزأى الجملة. وفى القول الأوّل هى جارية مجرى الفعل مع فاعله. فلهذا قوى حكمها وتجاوزت رتبة الحروف التى إنما هى ألحاق وزوائد على الجمل.(2/65)
فلذلك عملت يا ولم تعمل هل، ولا ما، ولا شىء من ذلك النصب بمعنى الفعل الذى دلّت عليه، ونابت عنه. ولذلك ما وصلت تارة بنفسها فى قولك: يا عبد الله، وأخرى بحرف الجرّ نحو قوله: يا لبكر، فجرت فى ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارة بنفسه، وأخرى بحرف الجرّ نحو قوله: خشّنت صدره، وبصدره، وجئت زيدا، وجئت إليه، واخترت الرجال، ومن الرجال، وسمّيته زيدا، وبزيد، وكنيته أبا علىّ وبأبى علىّ.
فإن قلت: (فقد) قال الله سبحانه: «ألا يا اسجدوا» [النمل: 25] وقد قال غيلان:
* ألا يا اسلمى يا دار مىّ على البلى (1) *
وقال:
* يا دار هند يا اسلمى ثم اسلمى (2) *
فجاء بيا ولا منادى معها، قيل: يا فى هذه الأماكن قد جرّدت من معنى النداء وخلصت تنبيها. ونظيرها فى الخلع من أحد المعنيين وإفراد الآخر: (ألا) لها فى الكلام معنيان: افتتاح الكلام، والتنبيه نحو قول الله سبحانه: {أَلََا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} [الصافات: 151]، وقوله تعالى: {أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12] و (قول كثير):
* ألا إنّما ليلى عصا خيزرانة (3) *
__________
(1) صدر البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوان ص 559، والإنصاف 1/ 100، وتخليص الشواهد ص 231، 232، والدرر 2/ 44، 4/ 61، وشرح التصريح 1/ 185، وشرح شواهد المغنى 2/ 617، والصاحبى فى فقه اللغة ص 232، واللامات ص 37، ولسان العرب (يا)، (ألا)، ومجالس ثعلب 1/ 42، والمقاصد النحوية 2/ 6، 4/ 285، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 1/ 235، وجواهر الأدب ص 290، والدرر 5/ 117، وشرح الأشمونى 1/ 178، وشرح ابن عقيل ص 136، وشرح عمدة الحافظ ص 199، وشرح قطر الندى ص 128، ومغنى اللبيب 1/ 243، 1/ 111، 2/ 4، 70. وعجز البيت:
* ولا زال منهلا بجرعائك القطر *
(2) سبق تخريجه، برواية: يا دار سلّمى بدلا من: يا دار هند.
(3) صدر بيت لكثير عزة فى ديوانه. وعجزه:
* إذا غمزوها بالأكف تلين *(2/66)
فإذا دخلت على (يا) خلصت (ألا) افتتاحا وخصّ التنبيه بيا. وذلك كقول نصيب:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادنى مسراك وجدا على وجد
فقد صحّ بما ذكرناه إلى أن قادنا إلى هنا أن حذف الحروف لا يسوّغه القياس لما فيه من الانتهاك والإجحاف.
وأمّا زيادتها فخارج عن القياس أيضا.
وذلك أنه إذا كانت إنما جىء بها اختصارا وإيجازا كانت زيادتها نقضا لهذا الأمر، وأخذا له بالعكس والقلب ألا ترى أن الإيجاز ضدّ الإسهاب وذلك لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من صلة الذى فى نحو (الذى ضربت زيد)، فأفسد أن تقول: الذى ضربت نفسه زيد. قال: لأن ذلك نقض من حيث كان التوكيد إسهابا والحذف إيجازا. وذلك أمر ظاهر التدافع.
هذا هو القياس: ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها. ومع ذلك فقد حذفت تارة، وزيدت أخرى.
أمّا حذفها فكنحو ما حكاه أبو عثمان عن أبى زيد من حذف حرف العطف فى نحو قولهم: أكلت لحما، سمكا، تمرا. وأنشد أبو الحسن:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الودّ فى فؤاد الكريم (1)
يريد: كيف أصبحت، وكيف أمسيت. وأنشد ابن الأعرابىّ:
وكيف لا أبكى على علاتى ... صبائحى، غبائقى، قيلاتى (2)
أى صبائحى وغبائقى، وقيلاتى. وقد يجوز أن يكون بدلا أى كيف لا أبكى
__________
(1) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 8/ 134، والدرر 6/ 155، وديوان المعانى 2/ 225، ورصف المبانى ص 414، وشرح الأشمونى 2/ 431، وشرح عمدة الحافظ ص 641، وهمع الهوامع 2/ 140. ويروى: يغرس بدلا من يزرع.
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (صبح)، (غبق)، (قيل)، وتهذيب اللغة 4/ 266، 9/ 305، 16/ 151، وديوان الأدب 3/ 312، وتاج العروس (غبق)، (قيل)، ويروى: ما لى لا أسقى على علاتى بدلا من: وكيف لا أبكى على علاتى.(2/67)
على علاتى التى هى صبائحى وهى غبائقى وهى قيلاتى، فيكون هذا من بدل الكل. والمعنى الأوّل أن منها صبائحى ومنها غبائقى ومنها قيلاتى.
ومن ذلك ما كان يعتاده رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت فيقول: خير عافاك (أى بخير) وحكى سيبويه: الله لا أفعل، يريد والله. ومن أبيات الكتاب:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشرّ بالشرّ عند الله مثلان (1)
أى فالله يشكرها.
وحذفت همزة الاستفهام نحو قوله:
فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... أتونى وقالوا: من ربيعة أو مضر؟ (2)
(يريد أمن ربيعة) وقال الكميت:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب (3)
أراد: أو ذو الشيب يلعب. ومنه قول ابن أبى ربيعة:
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا ... عدد القطر والحصى والتراب (4)
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لكعب بن مالك فى ديوانه ص 288، وشرح أبيات سيبويه 2/ 109، وله أو لعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب 9/ 49، 52، وشرح شواهد المغنى 1/ 178، ولعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب 2/ 365، ولسان العرب (بجل)، والمقتضب 2/ 72، ومغنى اللبيب 1/ 56، والمقاصد النحوية 4/ 433، ونوادر أبى زيد ص 31، ولحسان بن ثابت فى الدرر 5/ 81، والكتاب 3/ 65، وليس فى ديوانه وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 7/ 114، وأوضح المسالك 4/ 210، وخزانة الأدب 9/ 40، 77، 1/ 357، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 264، 265، وشرح شواهد المغنى 1/ 286، وشرح المفصل 1/ 276، والمنصف 3/ 118، وهمع الهوامع 2/ 60، ويروى (سيّان» مكان «مثلان».
(2) البيت من الطويل، وهو لعمران بن حطان فى ديوانه ص 111، وخزانة الأدب 5/ 359، والمحتسب 1/ 50، ومغنى اللبيب 2/ 569، 670.
(3) البيت من الطويل، وهو للكميت فى جواهر الأدب ص 39، وخزانة الأدب 4/ 313، 314، 315، 319، 11/ 123، والدرر 3/ 81، وشرح شواهد المغنى ص 34، والمحتسب 1/ 50، 2/ 205، ومغنى اللبيب ص 14، والمقاصد النحوية 3/ 112، وبلا نسبة فى الدرر 5/ 112، وهمع الهوامع 2/ 69.
(4) البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص 431، والأغانى 1/ 87، 148،(2/68)
أظهر الأمرين فيه أن يكون أراد: أتحبها؟ لأنّ البيت الذى قبله يدلّ عليه، وهو قوله:
أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب (1)
ولهذا ونحوه نظائر. وقد كثرت.
فأمّا تكريرها وزيادتها فكقوله:
لددتهم النصيحة كلّ لدّ ... فمجّوا النصح ثم ثنو فقاءوا (2)
فلا والله لا يلفى لما بى ... ولا للما بهم أبدا دواء (3)
وقد كثرت زيادة (ما) توكيدا كقول الله تعالى: {فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ}
[النساء: 155، المائدة: 13] وقوله سبحانه {عَمََّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نََادِمِينَ} [المؤمنون: 40]، وقوله عز قدره: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نََاراً} [نوح: 25].
وقال جلّ وعزّ: {وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (فالباء زائدة) وأنشد أبو زيد:
__________
وأمالى المرتضى 2/ 289، والدرر 3/ 63، وجمهرة اللغة ص 331، وشرح أبيات سيبويه 1/ 267، وشرح شواهد المغنى ص 39، وشرح المفصل 1/ 121، ولسان العرب (بهر) ومغنى اللبيب ص 15، وبلا نسبة فى أمالى المرتض 1/ 345، والكتاب 1/ 311، وكتاب اللامات ص 124، وهمع الهوامع 1/ 188. ويروى: الرّفل بدلا من القطر.
(1) البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص 431.
(2) لددتهم النصيحة: أى قدمتها لهم. وهو من قولهم: لدّ المريض إذا سقاه دواء فى أحد شقى فمه، جعل النصيحة كالدواء المكروه.
(3) البيتان من الوافر، وهما لمسلم بن معبد الوالبى فى خزانة الأدب 2/ 308، 312، 5/ 157، 9/ 528، 534، 10/ 191، 11/ 267، 287، 330، والدرر 5/ 147، 6/ 53، 256، وشرح شواهد المغنى ص 773، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 571، وأوضح المسالك 3/ 343، والجنى الدانى ص 80، 345، ورصف المبانى ص 202، 248، 255، 259، وسر صناعة الإعراب ص 282، 332، وشرح الأشمونى 2/ 410، وشرح التصريح 2/ 130، 230، والصاحبى فى فقه اللغة ص 56، والمحتسب 2/ 256، ومغنى اللبيب ص 181، والمقاصد النحوية 4/ 102، والمقرب 1/ 338، وهمع الهوامع 2/ 125، 158، وبلا نسبة فى لسان العرب (لدد)، وتهذيب اللغة 14/ 68، وتاج العروس (لدد).(2/69)
بحسبك فى القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غنىّ مضرّ (1)
فزاد الباء فى المبتدأ. وأنشد لأميّة:
طعامهم إذا أكلوا مهنّا ... وما إن لا تحاك لهم ثياب (2)
فإن لتوكيد النفى، كقول زهير:
* ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم (3) *
ولا من بعدها زائدة.
وزيدت اللام فى قوله رويناه عن أحمد بن يحيى:
مرّوا عجالا وقالوا كيف صاحبكم ... قال الذى سألوا أمسى لمجهودا (4)
وفى قراءة سعيد بن جبير {وَمََا أَرْسَلْنََا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلََّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعََامَ} [الفرقان: 20] وقد تقدّم ذكر ذلك.
وزيدت لا (قال أبو النجم):
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو للأشعر الرّقبان فى تذكرة النحاة ص 443، 444، ولسان العرب (مسخ)، (ضرر)، (با)، والمعانى الكبير ص 496، ونوادر أبى زيد ص 73، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 170، وديوان المعانى 1/ 35، ورصف المبانى ص 147، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 138، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1469، وشرح المفصّل 2/ 115، 8/ 23، 139.
مضرّ: يروح عليه ضرّة من المال أى قطعة من الإبل والغنم. انظر اللسان (ضرر).
(2) البيت من الوافر، وهو لأميّة، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 430، وتذكرة النحاة ص 667، وخزانة الأدب 11/ 141، والدرر 6/ 256، وهمع الهوامع 2/ 158. ويروى: لئن أكلوا معدّ بدلا من: إذا أكلوا مهنّا.
(3) صدر بيت من البسيط، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 165، ولسان العرب (أنن)، والمقتضب 2/ 363، وتاج العروس (أنن)، وعجزه:
* تخالج الأمر إنّ الأمر مشترك *
(4) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى تذكرة النحاة ص 429، وجواهر الأدب ص 87، وخزانة الأدب 10/ 327، 11/ 332، والدرر 2/ 188، ورصف المبانى ص 238، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 379، وشرح ابن عقيل ص 185، وشرح المفصل 8/ 64، 87، ومجالس ثعلب ص 155، والمقاصد النحوّية 2/ 310، وهمع الهوامع 1/ 141. ويروى: فقال من بدلا من قال الذى.(2/70)
ولا ألوم البيض ألا تسخرا ... وقد رأين الشمط القفندرا (1)
[وقال العجّاج:
* بغير لا عصف ولا اصطراف (2)] *
وأنشدنا:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله (3)
فهذا على زيادة (لا) أى أبى جوده البخل. وقد يجوز أن تكون (لا) منصوبة الموضع ب (أبى)، و (البخل) بدل منها.
وزيادة الحروف كثيرة، وإن كانت على غير قياس كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى، وأعمّ وأوفى، وإن كان أبو الحسن قد نصّ على ترك القياس عليه.
فأمّا عذر حذف هذه الحروف فلقوّة المعرفة بالموضع ألا ترى إلى (قول امرئ القيس):
* فقلت: يمين الله أبرح قاعدا (4) *
__________
(1) الرجز لأبى النجم فى تاج العروس (قفدر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (قفندر)، وجمهرة اللغة ص 1147، 1185، والمخصص 2/ 175، والأزهية ص 154، والجنى الدانى ص 303، والمحتسب 1/ 181، والمقتضب 1/ 47.
الشمط: الشيب، والقفندر: القبيح المنظر.
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 171، ولسان العرب (صرف)، (عصف)، وتهذيب اللغة 6/ 203، وتاج العروس (صرف)، (عصف)، وكتاب العين 4/ 26، ولرؤبة فى تاج العروس (هدن)، ولسان العرب (هدن) وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 581، والمحتسب 1/ 116، ومقاييس اللغة 4/ 329، ومجمل اللغة 3/ 491، وديوان الأدب 2/ 412، وكتاب العين 4/ 26. وقبله:
* قد يكسب المال النهدان الجافى *
العصف: الكسب. والاصطراف: افتعال من الصرف، أى التصرف فى وجوه الكسب.
(3) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم)، وتاج العروس (لا). ويروى:
الجوع بدلا من الجود.
(4) صدر بيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 32، وخزانة الأدب 9/ 238، 239، 10/ 43، 44، 45، والدرر 4/ 212، وشرح أبيات سيبويه 2/ 220، وشرح التصريح(2/71)
لأنه لو أراد الواجب لما جاز لأن (أبرح) هذه لا تستعمل فى الواجب، فلا بدّ من أن يكون أراد: لا أبرح. ويكفى من هذا قولهم: ربّ إشارة أبلغ من عبارة.
وأمّا زيادتها فلإرادة التوكيد بها. وذلك أنه قد سبق أن الغرض فى استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار، والاكتفاء من الأفعال وفاعليها، فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناه فى التوكيد به. وذلك كابتذالك فى ضيافة ضيفك أعزّ ما تقدر عليه، وتصونه من أسبابك، فذاك غاية إكرامك له وتناهيك فى الحفل به.
* * * __________
1/ 185، وشرح شواهد المغنى 1/ 341، وشرح المفصل 7/ 110، 8/ 37، 9/ 104، والكتاب 3/ 504، ولسان العرب (يمن)، واللمع ص 259، والمقاصد النحوية 2/ 13، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 1/ 232، وخزانة الأدب 10/ 93، 94، وشرح الأشمونى 1/ 110، ومغنى اللبيب 2/ 637، والمقتضب 2/ 362، وهمع الهوامع 2/ 38. وعجز البيت:
* ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى *(2/72)
باب فى زيادة الحرف عوضا من آخر محذوف
اعلم أن الحرف الذى يحذف فيجاء بآخر عوضا منه على ضربين: أحدهما أصلىّ، والآخر زائد.
الأول من ذلك على ثلاثة أضرب: فاء، عين، لام.
أمّا ما حذفت فاؤه وجىء بزائد عوضا منه فباب فعلة فى المصادر نحو عدة وزنة وشية وجهة. والأصل وعدة ووزنة ووشية ووجهة فحذفت الفاء لما ذكر فى تصريف ذلك، وجعلت التاء بدلا من الفاء. ويدلّ على أن أصله ذلك قول الله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهََا} [البقرة: 148] وأنشد أبو زيد:
ألم تر أنّنى ولكلّ شىء ... إذا لم تؤت وجهته تعاد
أطعت الآمرىّ بصرم ليلى ... ولم أسمع بها قول الأعادى
وقد حذفت الفاء فى أناس، وجعلت ألف فعال بدلا منها (فقيل ناس ومثالها عال كما أن مثال عدة وزنة علة.
وقد حذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضا منها) وذلك قولهم: تقى يتقى، والأصل اتّقى يتّقى فحذفت التاء فبقى تقى، ومثاله تعل، ويتقى: يتعل قال الشاعر:
جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافا كلّها يتقى بأثر (1)
وقال أوس:
تقاك بكعب واحد وتلذّه ... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل (2)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لخفّاف بن ندبة فى لسان العرب (أشر)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 258، وإصلاح المنطق ص 23.
(2) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 96، ولسان العرب (كعب)، (عسل)، (وقى)، وتهذيب اللغة 1/ 325، 14/ 409، وأساس البلاغة (كعب)، وتاج العروس (كعب)، (عسل)، (وقى)، وبلا نسبة فى لسان العرب (لذذ)، وديوان الأدب 4/ 86.
يقال عسل الرمح إذا اهتز واضطرب من لينه ولدونته.(2/73)
وأنشد أبو الحسن:
زيادتنا نعمان لا تنسينّها ... تق الله فينا والكتاب الذى تتلو (1)
ومنه أيضا قولهم تجه يتجه (وأصله اتجه) ومثال تجه على هذا تعل كتقى سواء.
وروى أبو زيد أيضا فيما حدّثنا به أبو على عنه: تجه يتجه فهذا من لفظ آخر، وفاؤه تاء. وأنشدنا:
قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعى (2)
فهذا محذوف من اتّجه كاتّقى.
فأما قولهم: اتخذت فليست تاؤه بدلا من شىء بل هى فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع. يدلّ على ذلك ما أنشده الأصمعىّ من قوله (3):
وقد تخذت رجلى إلى جنب غرزها
نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق (4)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن همام السلولى فى الأغانى 16/ 5، وسمط اللآلى ص 923، وشرح شواهد الشافية ص 496، ولسان العرب (وقى)، ونوادر أبى زيد ص 4، وتاج العروس (وقى)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 54، وإصلاح المنطق ص 24، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 198، والمحتسب 2/ 372. ويروى: لا تحرمنّنا بدلا من تنسينّها.
(2) البيت من الوافر، وهو لمرداس بن حصين فى لسان العرب (ذرع)، (قبل)، وتاج العروس (ذرع)، (قبل)، (وجه)، ولمدرك بن حصين فى لسان العرب (وجه).
القبيلة: اسم فرس الشاعر. قصرت: حبست.
(3) أى الممزق العبدى. واسمه شأس بن نهار.
(4) البيت من الطويل، وهو للممزّق العبدى فى الأشباه والنظائر 1/ 260، والأصمعيات ص 165، وتذكرة النحاة ص 146، والحيوان 2/ 298، وشرح شواهد الإيضاح ص 402، وشرح شواهد المغنى 2/ 680، ولسان العرب (فحص)، (نسف)، (طرق)، والمقاصد النحويّة 4/ 590، وللمثقب العبدىّ فى لسان العرب (حدب)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 388، 541، 757، 848، 1192.
الغرز للناقة مثل الحزام للفرس. والغرز للجمل مثل الركاب للبغل. ويبدو أن المراد هنا المعنى الأول. (النجار). والنسيف: أثر العض والركض، ونحو ذلك. والأفحوص: المبيض، والمطرق وصف القطاة، يقال طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها. ووصف الأنثى بالمطرق كما يقال:
مرضع وحائض.(2/74)
وعليه قول الله سبحانه: {قََالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف: 77] وذهب أبو إسحاق إلى أنّ اتخذت كاتّقيت واتزنت وأن الهمزة أجريت فى ذلك مجرى الواو. وهذا ضعيف، إنما جاء منه شىء شاذّ أنشد ابن الأعرابىّ:
فى داره تقسم الأزواد بينهم ... كأنما أهله منها الذى اتّهلا (1)
وروى لنا أبو علىّ عن أبى الحسن على بن سليمان متّمن. وأنشد:
* بيض اتّمن *
والذى يقطع على أبى إسحاق قول الله عزّ وجلّ {قََالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}. فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك ليس تخذ من لفظ الأخذ.
وعذر من قال: اتّمن واتّهل من الأهل أن لفظ هذا إذا لم يدّغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين. وذلك قولهم فى افتعل من الأكل: ايتكل، ومن الإزرة (2): ايتزر. فأشبه حينئذ ايتعد فى لغة من لم يبدل الفاء تاء، فقال: اتّهل واتّمن لقول غيره: ايتهل وايتمن. وأجود اللغتين (إقرار الهمز) قال الأعشى:
* أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل (3) *
وكذلك ايتزر يأتزر. فأمّا اتّكلت عليه فمن الواو على الباب لقولهم الوكالة والوكيل. وقد ذكرنا هذا الموضع فى كتابنا فى شرح تصريف أبى عثمان.
وقد حذفت الفاء همزة وجعلت (ألف فعال) بدلا منها وذلك قوله.
* لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب (4) *
__________
(1) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أهل). ويروى: أهلنا بدلا من أهله.
(2) هو اسم هيئة من الائتزار، يقال ائتزر إزرة حسنة.
(3) عجز بيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 111، والأشباه والنظائر 1/ 262، 8/ 70، وشرح شواهد الإيضاح ص 600، ولسان العرب (23) (أكل)، وتاج العروس (أكل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ألك)، وتاج العروس (ألك). وصدره:
* أبلغ يزيد بنى شيبان مألكة *
(4) صدر بيت من البسيط، وهو لذى الإصبع العدوانى فى أدب الكاتب ص 513، والأزهية ص 279، وإصلاح المنطق ص 373، والأغانى 3/ 108، وأمالى المرتضى 1/ 252، وجمهرة اللغة ص 596، وخزانة الأدب 7/ 173، 177، 184، 186، والدرر 4/ 143، وسمط اللآلى(2/75)
فى أحد قولى سيبويه. وقد ذكرنا ذلك.
وأمّا ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها فأينق فى أحد قولى سيبويه.
وذلك أن أصلها أنوق فأحد قوليه فيها أن الواو التى هى عين حذفت وعوّضت منها ياء، فصارت: أينق. ومثالها فى هذا القول على اللفظ: أيفل. والآخر أن العين قدّمت على الفاء فأبدلت ياء. ومثلها على هذا أعفل.
وقد حذفت العين حرف علّة، وجعلت ألف فاعل عوضا منها. وذلك رجل خاف، ورجل مال، ورجل هاع لاع. فجوز أن يكون هذا فعلا كفرق فهو فرق، وبطر فهو بطر. ويجوز أن يكون فاعلا حذفت عينه وصارت ألفه عوضا منها كقوله:
* لاث به الأشاء والعبرىّ (1) *
وممّا حذفت عينه وصر الزائد عوضا منها قولهم: سيد وميت وهين ولين قال:
هينون لينون أيسار ذوو يسر ... سوّاس مكرمة أبناء أيسار (2)
__________
ص 289، وشرح التصريح 2/ 15، وشرح شواهد المغنى 1/ 430، ولسان العرب (فضل)، (دين)، (عنن)، (لوه)، (خزا)، والمؤتلف والمختلف ص 118، ومغنى اللبيب 1/ 147، والمقاصد النحويّة 3/ 286، ولكعب الغنوى فى الأزهية ص 97، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 263، 2/ 121، 303، والإنصاف 1/ 394، وأوضح المسالك 3/ 43، والجنى الدانى ص 246، وجواهر الأدب ص 323، وخزانة الأدب 10/ 124، 344، ورصف المبانى ص 254، 368، وشرح الأشمونى 2/ 215، وشرح ابن عقيل ص 364، وشرح المفصل 8/ 53، وهمع الهوامع 2/ 29. وعجزه:
* عنّى ولا أنت ديّانى فتخزونى *
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 490، وشرح أبيات سيبويه 2/ 411، وشرح شواهد الشافية ص 367، والكتاب 3/ 466، 4/ 377، ولسان العرب (لثى)، (عبر)، وتاج العروس (لوث)، (عبر)، وكتاب العين 2/ 130، 239، ومقاييس اللغة 4/ 209، وتهذيب اللغة 3/ 27، 15/ 129، والمخصص 16/ 20، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 265، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 128، والمقتضب 1/ 115، والمنصف 1/ 52، 3/ 66، والمخصص 10/ 222.
(2) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 265، والمنصف 3/ 61.
الأيسار: القوم يجتمعون على الميسر. واليسر: اللين والانقياد، وتسكن السين أيضا.(2/76)
وأصلها فيعل: سيّد وميّت وهيّن وليّن حذفت عينها وجعلت ياء فيعل عوضا منها.
وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة، وأصلها فيعلولة حذفت عينها، وصارت ياء فيعلولة الزائدة عوضا منها.
فإن قلت: فهلا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضا منها؟ قيل قد صحّ فى فيعل من نحو سيّد وبابه أن الياء الزائدة عوض من العين، وكذلك الألف. الزائدة فى خاف و (هاع لاع) عوض من العين. وجوّز سيبويه أيضا ذلك فى أينق، فكذلك أيضا ينبغى أن تحمل فيعلولة على ذلك. وأيضا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح فى باب قيدودة وكينونة. وأيضا فقد جعلت تاء التفعيل عوضا من عين الفعّال. وذلك قولهم: قطّعته تقطيعا: وكسّرته تكسيرا ألا ترى أن الأصل قطّاع وكسّار بدلالة قول الله سبحانه: {وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا كِذََّاباً} [النبأ: 28]، وحكى الفرّاء قال: سألنى أعرابىّ فقال: أحلّاق أحبّ إليك أم قصّار؟ فكما أن التاء الزائدة فى التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغى أن تكون الياء فى قيدودة عوضا من العين لا الدال.
فإن قلت: فإن اللام أشبه بالعين من الزائد، فهلا كانت لام القيدودة عوضا من عينها؟ قيل: إنّ الحرف الأصلى القوىّ إذا حذف لحق بالمعتلّ الضعيف، فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف. وأيضا فقد رأيت كيف كانت ياء التفعيل الزائدة عوضا من عينه (وكذلك ألف فاعل، كيف كانت عوضا من عينه) فى خاف وهاع ولاع ونحوه. وأيضا فإن عين قيدودة وبابها وإن كانت أصلا فإنها على الأحوال كلّها حرف علّة ما دامت موجودة ملفوظا بها، فكيف بها إذا حذفت فإنها حينئذ توغل فى الاعتلال والضعف. ولو لم يعلم تمكّن هذه الحروف فى الضعف إلا بتسميتهم إياها حروف العلّة لكان كافيا. وذلك أنها قى أقوى أحوالها ضعيفة ألا ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ مع ذلك مؤنس فيهما ضعفا. وذلك أنّ تحملهما للحركة أشقّ منه فى غيرهما. ولم يكونا كذلك إلا لأن مبنى أمرهما على خلاف القوّة. يؤكّد ذلك عندك أن أذهب الثلاث فى الضعف والاعتلال الألف. ولمّا كانت كذلك لم يمكن تحريكها ألبتّة. فهذا أقوى دليل على
أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها من الحروف الأقوى لا الأضعف. ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث وهى الفتحة مستثقلة فيهما حتى يجنح لذلك ويستروح إلى إسكانها نحو قوله:(2/77)
فإن قلت: فإن اللام أشبه بالعين من الزائد، فهلا كانت لام القيدودة عوضا من عينها؟ قيل: إنّ الحرف الأصلى القوىّ إذا حذف لحق بالمعتلّ الضعيف، فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف. وأيضا فقد رأيت كيف كانت ياء التفعيل الزائدة عوضا من عينه (وكذلك ألف فاعل، كيف كانت عوضا من عينه) فى خاف وهاع ولاع ونحوه. وأيضا فإن عين قيدودة وبابها وإن كانت أصلا فإنها على الأحوال كلّها حرف علّة ما دامت موجودة ملفوظا بها، فكيف بها إذا حذفت فإنها حينئذ توغل فى الاعتلال والضعف. ولو لم يعلم تمكّن هذه الحروف فى الضعف إلا بتسميتهم إياها حروف العلّة لكان كافيا. وذلك أنها قى أقوى أحوالها ضعيفة ألا ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ مع ذلك مؤنس فيهما ضعفا. وذلك أنّ تحملهما للحركة أشقّ منه فى غيرهما. ولم يكونا كذلك إلا لأن مبنى أمرهما على خلاف القوّة. يؤكّد ذلك عندك أن أذهب الثلاث فى الضعف والاعتلال الألف. ولمّا كانت كذلك لم يمكن تحريكها ألبتّة. فهذا أقوى دليل على
أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها من الحروف الأقوى لا الأضعف. ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث وهى الفتحة مستثقلة فيهما حتى يجنح لذلك ويستروح إلى إسكانها نحو قوله:
* يا دار هند عفت إلا أثافيها (1) *
وقوله:
* كأن أيديهنّ بالقاع القرق (2) *
ونحو من ذلك قوله:
وأن يعرين إن كسى الجوارى ... فتنبو العين عن كرم عجاف (3)
نعم، وإذا كان الحرف لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن
__________
(1) صدر البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 240، وشرح أبيات سيبويه 2/ 319، ولبعض السعديين فى شرح شواهد الشافية 10/ 100، 102، والكتاب 3/ 306، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 268، 6/ 108، 8/ 49، وخزانة الأدب 6/ 397، 8/ 347، وشرح المفصل 10/ 100، 102، ولسان العرب (تفا)، والمحتسب 1/ 126، 2/ 343، والمنصف 2/ 185، 3/ 82. وعجز البيت:
* بين الطوىّ فصارات فواديها *
(2) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 179، وخزانة الأدب 8/ 347، والدرر 1/ 166، وشرح شواهد الشافية ص 405، وتاج العروس (زهق)، (قرق)، (ثمن)، ولسان العرب (زهق)، وبلا نسبة فى لسان العرب (قرق)، (ثمن)، والأشباه والنظائر 1/ 269، وأمالى المرتضى 1/ 561، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 294، 970، 1032، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184، والمحتسب 1/ 126، 289، 2/ 75، وهمع الهوامع 1/ 53، وتهذيب اللغة 15/ 107، وكتاب العين 5/ 22، ومجمل اللغة 4/ 156، ومقاييس اللغة 5/ 75. وبعده:
* أيدى نساء يتعاطين الورق *
(3) البيت من الوافر، وهو لعمران بن حطان أو لعيسى بن الحبطى فى الأغانى 18/ 49، ولأبى خالد القنانى فى شرح شواهد المغنى 2/ 886، ولسان العرب (كرم)، ولسعيد بن مسحوج الشيبانى فى لسان العرب (كسا)، ولمرداس بن أذنة فى لسان العرب (عجف)، ولسعيد بن مسحوج الشيبانى، أو لأبى خالد القنانى، أو لرجل من تيم اللات بن ثعلبة اسمه عيسى فى تاج العروس (كرم)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 270، وإصلاح المنطق ص 60، ومغنى اللبيب 2/ 527، والممتع فى التصريف 20/ 536، والمنصف 2/ 115.(2/78)
يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى. وذلك نحو قول الله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} [الفجر: 4]، و {ذََلِكَ مََا كُنََّا نَبْغِ} [الكهف: 64]، و {الْكَبِيرُ الْمُتَعََالِ} [الرعد: 9]، وقوله:
وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق (1)
وقال الأسود (بن يعفر):
* فألحقت أخراهم طريق ألاهم (2) *
يريد أولاهم، و {يَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشورى: 24]، و {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ}
[العلق: 18] كتبت فى المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك. وقد حذفت الألف فى نحو ذلك قال رؤبة:
* وصّانى العجّاج فيما وصّنى (3) *
يريد: فيما وصانى. وذهب أبو عثمان فى قول الله عزّ اسمه: {يََا أَبَتِ}
[مريم: 42] إلى أنه أراد يا أبتاه وحذف الألف. ومن أبيات الكتاب قول لبيد:
* رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ (4) *
__________
(1) عجز بيت من السريع، وهو لأبى عامر جدّ العباس بن مرداس فى العرب (قمر)، (عتق)، وتاج العروس (قمر)، (عتق)، وله أو لأنيس بن عباس فى الدرر 6/ 177، والمقاصد النحوية 2/ 351، ولأبى الربيس التغلبى فى لسان العرب (ودى)، (يرى) وتاج العروس (ودى)، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 388، والمقتضب 2/ 73، وصدر البيت:
* سيفى وما كنّا بنجد وما *
قرقر: صوّت. والقمّر: ضرب من الطيور. الشاهق: الجبل المرتفع. وفى اللسان (قرر) أن قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس.
(2) صدر بيت من الطويل، وهو للأسود بن يعفر فى ديوانه ص 45، ولسان العرب (وأل)، وخزانة الأدب 11/ 305. وعجز البيت:
* كما قيل نجم قد خوى متتائع *
(3) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 187، وتاج العروس (وصى)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 449، وخزانة الأدب 1/ 131.
(4) عجز بيت من الرمل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 199، والأشباه والنظائر 1/ 272، والدرر 6/ 245، وشرح شواهد الإيضاح ص 320، وشرح شواهد الشافية ص 207، والكتاب(2/79)
يريد المعلّى. وحكى أبو عبيدة وأبو الحسن وقطرب وغيرهم رأيت فرج، ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهى عن حفظ أنفسها وتحمل خواصّها وعوانى (1) ذواتها، فكيف بها إذا جشّمت احتمال الحركات النّيفات على مقصور صورها.
نعم، وقد أعرب بهذه الصور أنفسها، كما يعرب بالحركات التى هى أبعاضها.
وذلك فى باب أخوك وأبوك وهناك وفاك وحميك وهنيك والزيدان والزيدون والزيدين. (وأجريت) هذه الحروف مجرى الحركات فى زيد وزيدا وزيد، ومعلوم أن الحركات لا تحمل لضعفها الحركات. فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمنع من احتمالها الحركات أن إذا تحملتها جفت عليها وتكاءدتها (2).
ويؤكّد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنه إذا وجدت أقواهن وهما الواو والياء مفتوحا ما قبلهما فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما ألا ترى إلى ما جاء عنهم من نحو نوبة ونوب، وجوبة وجوب (3)، ودولة ودول. فمجىء فعلة على فعل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فعلة فكأنّ دولة دولة، وجوبة جوبة، ونوبة نوبة. وإنما ذلك لأن الواو ممّا سبيله أن يأتى تابعا للضمّة.
وكذلك ما جاء من فعلة مما عينه ياء على فعل نحو ضيعة وضيع، وخيمة وخيم، وعيبة وعيب (4) كأنه إنما جاء على أنّ واحدته فعلة نحو ضيعة وخيمة وعيبة. أفلا تراهما مفتوحا ما قبلهما مجراتين مجراهما مكسورا ومضموما ما قبلهما فهل هذا إلا لأن الصنعة مقتضية لشياع الاعتلال فيهما.
__________
4/ 188، ولسان العرب (رجم)، والمقاصد النحوية 4/ 548، والممتع فى التصريف 2/ 622، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 466، والدرر 6/ 298، ورصف المبانى ص 36، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 522، 728، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 285، 303، 308، والمحتسب 1/ 341، والمقرب 2/ 29، وهمع الهوامع 2/ 157، وتاج العروس (رجم). وصدر البيت:
* وقبيل من لكيز شاهد *
(1) أى ذواتها العوانى أى الضعيفات.
(2) يقال: تكاءده الأمر: شق عليه وصعب.
(3) هى الحفرة: وفجوة ما بين البيوت.
(4) هى وعاء من جلد يكون فيه المتاع.(2/80)
فإن قلت: ما أنكرت ألا يكون ما جاء من نحو فعلة على فعل نحو نوب وجوب ودول لما ذكرته من تصوّر الضمّة فى الفاء، ولا يكون ما جاء من فعلة على فعل نحو ضيع وخيم وعيب لما ذكرته من تصوّر الكسرة فى الفاء، بل لأن ذلك ضرب من التكسير ركبوه فيما عينه معتلّة كما ركبوه فيما عينه صحيحة نحو لأمة (1) ولؤم وعرصة وعرص وقرية وقرى وبروة (2) وبرا فيما ذكره أبو علىّ ونزوة ونزا فيما ذكره أبو العبّاس وحلقة وحلق وفلكة وفلك؟
قيل: كيف تصرّفت الحال فلا اعتراض شكّ فى أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرّفتا معتدّتان حرفى علّة، ومن أحكام الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما.
هذا هذا، ثم إنا رأيناهم قد كّسروا فعلة مما هما عيناه على فعل وفعل نحو جوب ونوب وضيع وخيم، فجاء تكسيرهما تكسير ما واحده مضموم الفاء ومكسورها.
فنحن الآن بين أمرين: إما أن نرتاح لذلك ونعلّله، وإما أن نتهالك فيه ونتقبله غفل الحال، ساذجا من الاعتلال. فأن يقال: إن ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا فى الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه، ونعطى اليد عنوة به، من غير نظر له، ولا اشتمال من الصنعة عليه ألا ترى إلى قوله: وليس شىء مما يضطرّون إليه إلا وهم يحاولون له وجها. (فإذا) لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فهم لذلك مع الفسحة فى حال السعة أولى بأن يحاولوه، وأحجى بأن يناهدوه (3) فيتعللوا به ولا يهملوه.
فإذا ثبت ذلك فى باب ما عينه ياء أو واو جعلته الأصل فى ذلك، وجعلت ما عينه صحيحة فرعا له، ومحمولا عليه نحو حلق وفلك وعرص ولؤم وقرى وبرا كما أنهم لمّا أعربوا بالواو والياء والألف فى الزيدون والزيدين والزيدان تجاوزوا ذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين. وهو النون فى يقومان وتقعدين وتذهبون. فهذا جنس من تدريج اللغة الذى تقدّم بابه فيما مضى من كتابنا هذا.
__________
(1) هى الدرع.
(2) هى الحلقة فى أنف البعير.
(3) يناهدوه: يناهضوه ويقصدوه.(2/81)
وأما ما حذفت لامه وصار الزائد عوضا منها فكثير.
منه باب سنة، ومائة، ورئة، وفئة، وعضة، وضعة. فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوّض منها تاء التأنيث ألا تراها كيف تعاقب اللام فى نحو برة وبرا، وثبة وثبا. وحكى أبو الحسن عنهم: رأيت مئيا بوزن معيا. فلما حذفوا قالوا: مائة.
فأما بنت وأخت فالتاء عندنا يدل من لام الفعل، وليست عوضا.
وأمّا ما حذف لالتقاء الساكنين من هذا النحو فليس الساكن الثانى عندنا بدلا ولا عوضا لأنه ليس لازما. وذلك نحو هذه عصا ورحا، وكلمت معلّى فليس التنوين فى الوصل، ولا الألف التى هى بدل منها فى الوقف نحو رأيت عصا، عند الجماعة (1)، وهذه عصا ومررت بعصا، عند أبى عثمان والفرّاء بدلا من لام الفعل، ولا عوضا ألا تراه غير لازم إذ كان التنوين يزيله الوقف، والألف التى هى بدل منه يزيلها الوصل. وليست كذلك تاء مائة وعضة وسنة وفثة وشفة لأنها ثابتة فى الوصل، ومبدلة هاء فى الوقف. فأما الحذف فلا حذف. وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو القاضون والقاضين والأعلون والأعلين. فعلم الجمع ليس عوضا ولا بدلا لأنه ليس لازما.
فأمّا قولهم: هذان وهاتان واللذان واللتان والذين واللذون فلو قال قائل: إنّ علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف والياء (2) من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع، لا على حدّ رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون، ولكن على حدّ قولك: هما وهم وهنّ لكان مذهبا ألا ترى أن (هذين) من (هذا) ليس على (رجلين) من (رجل) ولو كان كذلك لوجب أن تنكّره ألبتّة كما تنكّر الأعلام نحو زيدان وزيدين وزيدون وزيدين، والأمر فى هذه الأسماء بخلاف
__________
(1) ذلك أنهم يرون اعتبار المقصور بالصحيح، فحكموا أن الألف فى النصب ألف مجتلبة للوقف بدلا من التنوين، كما تقول رأيت زيدا، فأما فى حالتى الرفع والجرّ فالألف بدل من لام الكلمة عادت بعد حذف التنوين الذى كان سببا فى حذفها. فأما أبو عثمان والفراء فيريان أن الألف للوقف فى الأحوال الثلاث وأن لام الكلمة لا تعود فى الوقف فى الأحوال جميعها. وانظر الأشمونى على الألفية فى مبحث الوقف.
(2) الألف فى اسم الإشارة. والياء فى اسم الموصول.(2/82)
ذلك ألا تراها تجرى مثنّاة ومجموعة أوصافا على المعارف كما تجرى عليها مفردة.
وذلك قولك مررت بالزيدين هذين، وجاءنى أخواك اللذان فى الدار. وكذلك قد توصف هى أيضا بالمعارف نحو قولك: جاءنى ذانك الغلامان، ورأيت اللذين فى الدار الظريفين. وكذلك أيضا تجدها فى التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة. وذلك نحو قولك: هذان قائمين الزيدان، وهؤلاء منطلقين إخوتك. وقد تقصينا القول فى ذلك فى كتابنا «فى سرّ الصناعة».
وقريب من هذان واللذان قولهم: هيهات مصروفة (وغير مصروفة) وذلك أنها جمع هيهاة، وهيهاة عندنا رباعية مكررة (1)، فاؤها ولامها الأولى هاء، وعينها ولامها الثانية ياء فهى لذلك من باب صيصية (2). وعكسها باب يليل (3) ويهياه (4)
قال ذو الرمّة:
تلوّم يهياه بياه وقد مضى ... من الليل جوز واسبطرّت كواكبه (5)
وقال كثيّر:
وكيف ينال الحاجبيّة آلف ... بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا (6)
فهيهاة من مضعّف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة.
فكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء، فيقال هيهيات كشوشيات (7)
__________
(1) فأصلها هيهية، فقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
(2) هى قرن الحيوان، وتطلق على الصحن ونحوه.
(3) يليل: هو وادى ينبع.
(4) يهياه: هو صوت الاستجابة، ويدعو الرجل صاحبه فيقول: ياه أى أقبل واستجب، فيقول صاحبه: يهياه أى استجبت واستمعت.
(5) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 851، ولسان العرب (جوش)، (يهيه)، وتهذيب اللغة 6/ 487، وأساس البلاغة ص 201، (سبط) وتاج العروس (يهيه)، وكتاب العين 4/ 106. ويروى: وقد بدا بدلا من: وقد مضى.
الجوز: الوسط. واسبطرت: أى امتدّت للمغيب.
(6) الحاجبيّة: عزة محبوبته. وهذه النسبة إلى جدها الأعلى حاجب بن غفار من كنانة. انظر الخزانة 2/ 381.
(7) جمع شوشاة. يقال: ناقة شوشاة أى سريعة، وامرأة شوشاة: كثيرة الحديث.(2/83)
وضوضيات إلا أنهم حذفوا اللام لأنها فى آخر اسم غير متمكّن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة نحو رحيان وموليان. فعلى هذا قد يمكن أن يقال: إن الألف والتاء فى هيهات عوض من لام الفعل فى هيهاة لأن هذا ينبغى أن يكون اسما صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء.
فإن قيل: وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره فى قولهم: هيهات هيهات، وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيرهما فقد صار إذا هيهات بمنزلة قصاع وجفان (وكرام وظراف).
قيل: ليس التنكير فى هذا الاسم المبنىّ على عدّه فى غيره من المعرب ألا ترى أنه لو كانت هيهات من هيهاة بمنزلة أرطيات من أرطاة وسعليات من سثعلاة لما كانت إلا نكرة كما أن سعليات وأرطيات لا تكونا إلا نكرتين.
فإن قيل: ولم لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علما كرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات. وكذلك أنت فى هيهات إذا عرّفتها فقد جعلتها علما على معنى البعد، كما أن غاق فيمن لم ينون فقد جعل علما لمعنى الفراق، ومن نوّن فقال: غاق غاق وهيهاة هيهاة وهيهاة وهيهات فكأنه قال: بعدا بعدا فجعل التنوين علما لهذا المعنى كما جعل حذفه علما لذلك؟
قيل: أمّا على التحصيل فلا تصح هناك حقيقة معنى العلمية. وكيف يصح ذاك وإنما هذه أسماء سمّى بها الفعل فى الخبر نحو شتان وسرعان وأف وأوتّاه وسنذكر ذلك فى بابه. وإذا كانت أسماء للأفعال، والأفعال أقعد شىء فى التنكير وأبعده عن التعريف علمت أنه تعليق لفظ متأوّل فيه التعريف على معنى لا يضامّه إلا التنكير. فلهذا قلنا: إن تعريف باب هيهات لا يعتدّ تعريفا. وكذلك غاق وإن لم يكن اسم فعل فإنه على سمته ألا تراه صوتا بمنزلة حاء وعاء وهاء، وتعرّف الأصوات من جنس تعرف الأسماء المسماة (بها الأفعال).
فإن قيل: ألا تعلم أن معك من الأسماء ما تكون فائدة معرفته كفائدة نكرته ألبتة. وذلك قولهم: غدوة، هى فى معنى غداة إلا أن غدوة معرفة، وغداة نكرة. وكذلك أسد وأسامة، وثعلب وثعالة وذئب وذؤالة، وأبو جعدة وأبو معطة. فقد تجد هذا التعريف المساوى لمعنى التنكير فاشيا فى غير ما ذكرته، ثم لم
يمنع ذلك أسامة وثعالة وذؤالة وأبا جعدة وأبا معطة ونحو ذلك أن تعدّ فى الأعلام وإن لم يخصّ الواحد من جنسه، فكذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا؟.(2/84)
فإن قيل: ألا تعلم أن معك من الأسماء ما تكون فائدة معرفته كفائدة نكرته ألبتة. وذلك قولهم: غدوة، هى فى معنى غداة إلا أن غدوة معرفة، وغداة نكرة. وكذلك أسد وأسامة، وثعلب وثعالة وذئب وذؤالة، وأبو جعدة وأبو معطة. فقد تجد هذا التعريف المساوى لمعنى التنكير فاشيا فى غير ما ذكرته، ثم لم
يمنع ذلك أسامة وثعالة وذؤالة وأبا جعدة وأبا معطة ونحو ذلك أن تعدّ فى الأعلام وإن لم يخصّ الواحد من جنسه، فكذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا؟.
قيل: هذه الأعلام وإن كانت معنّياتها نكرات فقد يمكن فى كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة كقولك: فرقت ذلك الأسد الذى فرقته، وتبركت بالثعلب الذى تبرّكت به، وخسأت الذئب الذى خسأته. فأمّا الفعل فمّما لا يمكن تعريفه على وجه فلذلك لم يعتدّ التعريف الواقع عليه لفظا سمة خاصّة ولا تعريفا.
وأيضا فإن هذه الأصوات عندنا فى حكم الحروف، فالفعل إذا أقرب إليها، ومعترض بين الأسماء وبينها أولا ترى أن البناء الذى سرى فى باب صه ومه وحيهلا ورويدا وإيه وأيها وهلم ونحو ذلك من باب نزال ودراك ونظار ومناع إنما أتاها من قبل تضمّن هذه الأسماء معنى لام الأمر لأن أصل ماصه اسم له وهو اسكت لتسكت كقراءة (1) النبىّ صلّى الله عليه وسلم «فبذلك فلتفرحوا» [يونس: 58] وكذلك مه هو اسم اكفف، والأصل لتكفف. وكذلك نزال هو اسم انزل، والأصل: لتنزل.
فلما كان معنى اللام عائرا (2) فى هذا الشق وسائرا فى أنحائه، ومتصوّرا فى جميع جهاته دخله البناء من حيث تضمّن هذا المعنى كما دخل أين وكيف لتضمّنهما معنى حرف الاستفهام، وأمس لتضمنه معنى حرف التعريف، ومن لتضمنه معنى حرف الشرط، وسوى ذلك. فأمّا أفّ وهيهات وبابهما مما هو اسم للفعل فمحمول فى ذلك على أفعال الأمر. (وكأنّ) الموضع فى ذلك إنما هو لصه ومه ورويد ونحو ذلك، ثم حمل عليه باب أفّ وشتّان ووشكان (من حيث) كان اسما سمّى به الفعل.
وإذا جاز لأحمد وهو اسم معرفة علم أن يشبه ب (أركب) وهو فعل نكرة كان أن يشبه اسم سمّى به الفعل فى الخبر باسم سمّى به الفعل فى الأمر أولى ألا ترى أن كل واحد منهما اسم وأن المسمّى به أيضا فعل. ومع ذا فقد تجد لفظ
__________
(1) يعنى بقراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن المحدّثين نقلوها عنه، ولم يدونها القراء من طرقهم. وهذا اصطلاح للمفسرين. انظر شهاب البيضاوى 6/ 337.
(2) عائرا: مترددا.(2/85)
الأمر فى معنى الخبر نحو قول الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 28]، وقوله عزّ اسمه {قُلْ مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} [مريم: 75] أى فليمدّنّ. ووقع أيضا لفظ الخبر فى معنى الأمر نحو قوله سبحانه {لََا تُضَارَّ وََالِدَةٌ بِوَلَدِهََا} (1) [البقرة: 233] وقولهم: هذا الهلال. معناه: انظر إليه. ونظائره كثيرة.
فلما كان أفّ كصه فى كونه اسما للفعل كما أنّ صه كذلك، ولم يكن بينهما إلا أن هذا اسم لفعل مأمور به، وهذا اسم لفعل مخبر به، وكان كل واحد من لفظ الأمر والخبر قد يقع موقع صاحبه، صار كأن كل واحد منها هو صاحبه، فكأن لا خلاف هناك فى لفظ ولا معنى. وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه، فكيف بما ثبتت فيه، ووقت عليه، واطمأنت به.
فاعرف ذلك.
ومما حذفت لامه وجعل الزائد عوضا منها فرزدق وفريزيد، وسفرجل، وسفيريج. وهذا باب واسع.
فهذا طرف من القول على ما زيد من الحروف عوضا من حرف أصلى محذوف
وأما الحرف الزائد عوضا من حرف زائد فكثير. منه التاء فى فرزانة وزنادقة وجحاجحة. لحقت عوضا من ياء المدّ فى زناديق وفرازين وجحاجيح.
ومن ذلك ما لحقته ياء المدّ عوضا من حرف زائد حذف منه نحو قولهم فى تكسير مدحرج، وتحقيره: دحاريج، ودحيريج. فالياء عوض من ميمه. وكذلك جحافيل وجحيفيل: الياء عوض من نونه (2). وكذلك مغاسيل ومغيسيل: الياء عوض من تائه (3). وكذلك زعافير (4)، الياء عوض من ألفه ونونه.
وكذلك الهاء فى تفعلة فى المصادر عوض من ياء تفعيل أو ألف فعّال. وذلك
__________
(1) وهو يريد قراءة «تضار» برفع الراء مشدّدة. وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وأبان عن عاصم. وانظر البحر 2/ 214.
(2) أى نون جحنفل. وهو الغليظ الشفة.
(3) أى تاء مغتسل، بفتح التاء وهو موضع الاغتسال.
(4) أى فى جمع زعفران.(2/86)
نحو سلّيته تسلية وربيته تربية: الهاء بدل من ياء تفعيل فى تسلىّ وتربّى أو ألف سلاء وربّاء. أنشد أبو زيد:
باتت تنزّى دلوها تنزيّا ... كما تنزّى شهلة صبيّا (1)
ومن ذلك تاء الفعللة فى الرباعىّ نحو الهملجة والسرهفة، كأنها عوض من ألف فعلال نحو الهملاج والسرهاف قال العجاج:
* سرهفته ما شئت من سرهاف (2) *
وكذلك ما لحق بالرباعى من نحو الحوقلة والبيطرة والجهورة والسلقاة. كأنها عوض من ألف حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء.
ومن ذلك قول التغلبىّ:
* متى كنا لأمك مقتوينا (3) *
والواحد مقتوىّ. وهو منسوب إلى مقتى وهو مفعل من القتو وهو الخدمة قال:
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 288، وأوضح المسالك 3/ 240، وشرح الأشمونى 2/ 349، وتهذيب اللغة 6/ 83، والمخصص 3/ 104، 14/ 189، وشرح التصريح 2/ 76، وشرح شواهد الشافية ص 67، وشرح ابن عقيل ص 433، 435، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 165، وشرح المفصّل 6/ 58، ولسان العرب (شهل)، (نزا)، والمقاصد النحوية 3/ 571، والمقرب 2/ 134، والمنصف 2/ 195، وديوان الأدب 2/ 380، وتاج العروس (شهل)، (نزا).
الشهلة: العجوز.
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 169، والأشباه والنظائر 1/ 289، وسمط اللآلى ص 788، وشرح المفصل 6/ 50، ولرؤبة فى خزانة الأدب 2/ 45، 47، وشرح شواهد المغنى 2/ 957، وليس فى ديوانه، وتاج العروس (سرهف)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1151، والمنصف 1/ 41، 413.
سرهفته: أحسنت غذاءه.
(3) عجز بيت من الوافر، وهو لعمرو بن كلثوم فى ديوانه ص 79، وجمهرة اللغة ص 408، وخزانة الأدب 7/ 429427، 8/ 80، 81، وشرح شواهد الإيضاح ص 292، ولسان العرب (ذنب)، (خصب)، (قتا)، (قوا)، والمنصف 2/ 133، ونوادر أبى زيد ص 188، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 289، وصدر البيت:
* تهدّدنا وأوعدنا رويدا *(2/87)
إنى امرؤ من بنى خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا (1)
فكان قياسه إذا جمع أن يقال: مقتويّون ومقتويّين كما أنه إذا جمع بصرىّ وكوفىّ قيل: كوفيّون وبصريّون، ونحو ذلك إلا أنه جعل علم الجمع معاقبا لياءى الإضافة، فصحّت اللام لنيّة الإضافة كما تصحّ معها. ولولا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين وأن يقال: مقتون ومقتين كما يقال: هم الأعلون، وهم المصطفون قال الله سبحانه «وأنتم الأعلون» [آل عمران: 139] وقال عزّ اسمه {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنََا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} [ص: 47] فقد ترى إلى تعويض علم الجمع من ياءى الإضافة، والجميع زائد.
وقال سيبويه فى ميم فاعلته مفاعلة: إنها عوض من ألف فاعلته. وتتبع ذلك محمد بن يزيد، فقال: ألف فاعلت موجودة فى المفاعلة، فكيف يعوّض من حرف هو موجود غير معدوم. وقد ذكرنا ما فى هذا، ووجه سقوطه عن سيبويه فى موضع غير هذا. لكن الألف فى المفاعل بلا هاء هى ألف فاعلته لا محالة، (وذلك) نحو قاتلته مقاتلا، وضاربته مضاربا، قال:
أقاتل حتّى لا أرى لى مقاتلا ... وأنجو إذا لم ينج إلا المكيّس (2)
وقال:
أقاتل حتى لا أرى لى مقاتلا ... وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب (3)
__________
(1) البيت من المنسرح، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 408، والمخصص 3/ 141، والمحتسب 2/ 25.
الحفد: الخدمة. ويكون أيضا لضرب من السير. وفى اللسان (قتو): «الخببا» بدل «الحفدا» والحفد أصله السكون فحرك للوزن.
(2) البيت من الطويل، وهو لزيد الخيل فى ديوانه ص 132، وشرح أبيات سيبويه 2/ 389، وفصل المقال ص 482، والكتاب 4/ 96، ولسان العرب (قتل)، ونوادر أبى زيد ص 79، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 10/ 480، وفصل المقال ص 314، والمحتسب 2/ 64، وسمط اللآلى ص 345.
(3) البيت من الطويل، وهو لكعب بن مالك فى ديوانه ص 184، ولسان العرب (قتل)، ولوالده مالك بن أبى كعب فى حماسة البحترى ص 42، وشرح المفصل 6/ 55، والكتاب 4/ 96، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 391، وأمالى ابن الحاجب ص 375، وشرح الأشمونى 2/ 351، والمحتسب 2/ 64، والمقتضب 1/ 75.(2/88)
فأمّا أقمت إقامة، وأردت إرادة (ونحو ذلك) فإن الهاء فيه على مذهب الخليل وسيوبه عوض من ألف إفعال الزائدة. وهى فى قول أبى الحسن عوض من عين إفعال، على مذهبهما فى باب مفعول من نحو مبيع ومقول. والخلاف فى ذلك قد عرف وأحيط بحال المذهبين فيه، فتركناه لذلك.
ومن ذلك الألف فى يمان وتهام وشئام: هى عوض من إحدى ياءى الإضافة فى يمنى وتهامىّ وشأمىّ. وكذلك ألف ثمان. قلت لأبى على: لم زعمتها للنسب؟ فقال: لأنها ليست بجمع مكسّر فتكون كصحار. قلت له: نعم، ولو لم تكن للنسب للزمتها الهاء البتّة نحو عباقية (1) وكراهية وسباهية (2). فقال: نعم، هو كذلك.
ومن ذلك أنّ ياء التفعيل بدل من ألف الفعّال كما أن التاء فى أوله عوض من إحدى عينيه.
ففى هذا كاف بإذن الله.
وقد أوقع هذا التعاوض فى الحروف المنفصلة عن الكلم، غير المصوغة فيها الممزوجة بأنفس صيغها. وذلك قول الراجز على مذهب الخليل:
إنّ الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوما على من يتّكل (3)
أى من يتكل عليه. فحذف (عليه) هذه، وزاد (على) متقدّمة ألا ترى أنه:
يعتمل إن لم يجد من يتّكل عليه. وندع ذكر قول غيره ههنا. وكذلك قول الآخر:
__________
(1) عباقية: من معانيها شجر له شوك يؤذى من علق به.
(2) يقال رجل سباهية: متكبر.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (عمل)، والأشباه والنظائر 1/ 292، والجنى الدانى ص 478، وخزانة الأدب 10/ 146، والدرر 4/ 108، وشرح أبيات سيبويه 2/ 205، وشرح الأشمونى 2/ 294، وشرح التصريح 2/ 15، وشرح شواهد المغنى ص 419، والكتاب 3/ 81، والمحتسب 1/ 281، وهمع الهوامع 2/ 22، وكتاب العين 2/ 153، ومقاييس اللغة 4/ 145، وديوان الأدب 2/ 416، وأساس البلاغة (عمل)، (وجد)، وتاج العروس (عمل)، (علا).
وبعده:
* فيكتسى من بعدها ويكتحل *(2/89)
أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما ... خصضن بآثار المطىّ الحوافرا (1)
أى خصفن بالحوافر آثار المطىّ، يعنى آثار أخفافها. فحذف الباء من (الحوافر) وزاد أخرى عوضا منها فى (آثار المطىّ).
هذا على قول من لم يعتقد القلب، وهو أمثل فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه.
وقياس هذا الحذف والتعويض قولهم: بأيّهم تضرب أمرر، أى أيّهم تضرب أمرر به.
* * * __________
(1) البيت من الطويل، وهو لمقاس العائذى فى شرح اختيارات المفضل 3/ 85، ولسان العرب (خصف)، (ولى)، (حفر)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 293، وخزانة الأدب 9/ 346.(2/90)
باب فى استعمال الحروف بعضها مكان بعض
هذا باب يتلقّاه الناس مغسولا ساذجا من الصنعة. وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه.
وذلك أنهم يقولون: إن (إلى) تكون بمعنى مع. ويحتجّون لذلك بقول الله سبحانه: {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [الصف: 14] أى مع الله. ويقولون: إن (فى) تكون بمعنى (على)، ويحتجّون بقوله عزّ اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أى عليها. ويقولون: تكون الباء بمعنى عن وعلى، ويحتجّون بقولهم: رميت بالقوس أى عنها وعليها كقوله:
* أرمى عليها وهى فرع أجمع (1) *
وقال طفيل:
رمت عن قسىّ الماسخىّ رجالهم ... بأحسن ما يبتاع من نبل يثرب (2)
وأنشدنى الشجرى:
أرمى على شريانة قذّاف ... تلحق ريش النبل بالأجواف (3)
__________
(1) الرجز لحميد الأرقط فى شرح شواهد الإيضاح ص 341، والمقاصد النحوية 4/ 504، وشرح التصريح 2/ 286، وبلا نسبة فى ديوان الأدب 1/ 118، وإصلاح المنطق ص 310، وأوضح المسالك 4/ 286، وجمهرة اللغة ص 1314، وخزانة الأدب 1/ 214، والمخصص 1/ 167، 6/ 38، 14/ 65، 16/ 80، ومقاييس اللغة 1/ 26، وشرح عمدة الحافظ ص 576، ولسان العرب (ذرع)، (فرع)، (رمى)، (علا)، وأدب الكاتب ص 507، والأزهية ص 276، والأشباه والنظائر 5/ 219، والكتاب 4/ 226، وتاج العروس (فرع)، (رمى)، وتهذيب اللغة 3/ 184، وبعده:
* وهى ثلاث أذرع وإصبع *
(2) البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص 31، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1314. ويروى: رجالنا بدلا من رجالهم، ونبع بدلا من نبل.
الماسخىّ: القوّاس.
(3) الشريانة يريد بها قوسا اتخذت من الشريان، وهو شجر من عضاه الجبال، تتخذ منه القسىّ.
القذاف: التى ترمى بالسهم بعيدا.(2/91)
وغير ذلك مما يوردونه.
ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا لكنا نقول: إنه يكون بمعناه فى موضع دون موضع، على حسب الأحوال الداعية إليه، والمسوّغة له، فأما فى كل موضع وعلى كل حال فلا ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلا هكذا، لا مقيدا لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: معه، وأن تقول: زيد فى الفرس، وأنت تريد: عليه، وزيد فى عمرو، وأنت تريد: عليه فى العداوة، وأن تقول: رويت الحديث بزيد، وأنت تريد: عنه، ونحو ذلك، مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع فى ذلك رسما يعمل عليه، ويؤمن التزام الشناعة لمكانه.
اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدّى بحرف، والآخر بآخر فإن العرب قد تتّسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بأن هذا الفعل فى معنى ذلك الآخر، فلذلك جىء معه بالحرف المعتاد مع ما هو فى معناه. وذلك كقول الله عز اسمه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} [البقرة: 187] وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة وإنما تقول: رفثت بها، أو معها لكنه لمّا كان الرّفث هنا فى معنى الإفضاء، وكنت تعدّى أفضيت ب (إلى) كقولك: أفضيت إلى المرأة، جئت ب (إلى) مع الرفث إيذانا وإشعارا أنه بمعناه كما صحّحوا عور وحول لمّا كانا فى معنى اعورّ واحولّ. وكما جاءوا بالمصدر فأجروه على غير فعله لما كان فى معناه نحو قوله:
* وإن شئتم تعاودنا عوادا (1) *
لما كان التعاود أن يعاود بعضهم بعضا. وعليه جاء قوله:
* وليس بأن تتبّعا اتّباعا (2) *
__________
(1) عجز بيت من الوافر، وهو لشقيف بن جزء فى فرحة الأديب، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص 630، وخزانة الأدب 10/ 135، ورصف المبانى ص 39. ويروى: ولو شئنا بدلا من ولو شئتم. وصدر البيت:
* بما لم تشكروا المعروف عندى *
(2) عجز بيت من الوافر، وهو للقطامىّ فى ديوانه ص 35، وشرح أبيات سيبويه 2/ 332، والشعر والشعراء 2/ 728، والكتاب 4/ 82، ولسان العرب (تبع)، وبلا نسبة فى أدب الكاتب(2/92)
ومنه قول الله سبحانه: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]. وأصنع من هذا قول الهذلىّ:
ما إن يمسّ الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طىّ المحمل (1)
فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر ألا ترى أن معناه: طوى طىّ المحمل فحمل المصدر على فعل دلّ أول الكلام عليه. وهذا ظاهر.
وكذلك قول الله تعالى: {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [الصف: 14] أى مع الله، وأنت لا تقول: سرت إلى زيد أى معه لكنه إنما جاء (من أنصارى إلى الله) لمّا كان معناه: من ينضاف فى نصرتى إلى الله فجاز لذلك أن تأتى هنا إلى. وكذلك قوله عزّ اسمه: {هَلْ لَكَ إِلى ََ أَنْ تَزَكََّى} [النازعات: 18] وأنت إنما تقول: هل لك فى كذا، لكنه لمّا كان على هذا دعاء منه صلّى الله عليه وسلم صار تقديره أدعوك وأرشدك إلى أن تزكّى. وعليه قول الفرزدق:
كيف ترانى قاليا مجنّى ... أضرب أمرى ظهره للبطن
قد قتل الله زيادا عنّى (2)
لمّا كان معنى قد قتله: قد صرفه، عدّاه بعن.
__________
ص 630، والأشباه والنظائر 1/ 245، وجمهرة الأمثال 1/ 419، وشرح المفصل 1/ 111، والمقتضب 3/ 205. وصدر البيت:
* وخير الأمر ما استقبلت منه *
(1) البيت من الكامل، وهو لأبى كبير الهذلىّ فى خزانة الأدب 8/ 194، وشرح أبيات سيبويه 1/ 324، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1074، وشرح التصريح 1/ 334، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 90، وشرح شواهد الإيضاح ص 147، وشرح شواهد المغنى 1/ 227، والشعر والشعراء 2/ 676، والكتاب 1/ 359، والمقاصد النحوية 3/ 54، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 246، والإنصاف 1/ 230، وأوضح المسالك 2/ 224، والمقتضب 3/ 203، 232.
(2) الرجز للفرزدق فى لسان العرب (ظهر)، (قتل)، (جنن)، وشرح الأشمونى 1/ 200، والمحتسب 1/ 52، ومغنى اللبيب 2/ 686، وتاج العروس (ظهر)، (قتل)، (جنن)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 247، 2/ 109، 179، وشرح شواهد المغنى 2/ 962.
المجنّ: الترس.(2/93)
ووجدت فى اللغة من هذا الفنّ شيئا كثيرا لا يكاد يحاط به ولعلّه لو جمع أكثره (لا جميعه) لجاء كتابا ضخما وقد عرفت طريقه. فإذا مرّ بك شىء منه فتقبّله وأنس به فإنه فصل من العربية لطيف، حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. وفيه أيضا موضع يشهد على من أنكر أن يكون فى اللغة لفظان بمعنى واحد، حتى تكلّف لذلك أن يوجد فرقا بين قعد وجلس (1)، وبين ذراع (2)
وساعد ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة فى معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذى بابه الإفضاء، وهو (إلى). وكذلك لمّا كان (هل لك فى كذا) بمعنى أدعوك إليه جاز أن يقال: هل لك إلى أن تزكى (كما يقال أدعوك إلى أن تزكى) وقد قال رؤبة ما قطع به العذر ههنا، قال:
* بال بأسماء البلى يسمّى *
فجعل للبلى وهو معنى واحد أسماء.
وقد قدمنا هذا (فيما مضى من صدر كتابنا).
ومما جاء من الحروف فى موضع غيره على نحو مما ذكرنا قوله:
إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبنى رضاها (3)
أراد: عنّى. ووجهه: أنا إذا رضيت عنه أحبّته وأقبلت عليه. فلذلك استعمل (على) بمعنى (عن) وكان أبو علىّ يستحسن قول الكسائىّ فى هذا لأنه قال: لما كان (رضيت) ضدّ (سخطت) عدّى رضيت بعلى حملا للشىء على نقيضه كما
__________
(1) القعود يكون عن قيام. والجلوس يكون عن حالة دونه.
(2) فسر بعضهم الذراع بأنه الأسفل من الزندين، والساعد: الأعلى منهما. وانظر اللسان.
(3) البيت من الوافر، وهو للقحيف العقيلى فى أدب الكاتب ص 507، والأزهية ص 277، وخزانة الأدب 10/ 132، 133، والدرر 4/ 135، وشرح التصريح 2/ 14، وشرح شواهد المغنى 1/ 416، ولسان العرب (رضى)، والمقاصد النحوية 3/ 282، ونوادر أبى زيد ص 176، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 118، والإنصاف 2/ 630، وأوضح المسالك 3/ 41، وجمهرة اللغة ص 1314، والجنى الدانى ص 477، ورصف المبانى ص 372، وشرح الأشمونى 2/ 294، وشرح شواهد المغنى 2/ 954، وشرح ابن عقيل ص 365، وشرح المفصل 1/ 120، ولسان العرب (يا)، والمحتسب 1/ 52، 348، ومغنى اللبيب 2/ 143، والمقتضب 2/ 320، وهمع الهوامع 2/ 28، وتاج العروس (عنن).(2/94)
يحمل على نظيره. وقد سلك سيبويه هذه الطريق فى المصادر كثيرا، فقال: قالوا كذا كما قالوا كذا، وأحدهما ضدّ الآخر. ونحو منه قول الآخر:
إذا ما امرؤ ولّى علىّ بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّى (1)
أى عنّى. ووجهه أنه إذا ولّى عنه يودّه فقد استهلكه عليه كقولك. أهلكت علىّ مالى، وأفسدت علىّ ضيعتى. وجاز أن يستعمل (على) ههنا لأنه أمر عليه لا له. وقد تقدّم نحو هذا.
وأما قول الآخر:
شدّوا المطىّ على دليل دائب ... من أهل كاظمة بسيف الأبحر (2)
فقالوا معناه: بدليل. وهو عندى أنا على حذف المضاف أى شدّوا المطى على دلالة دليل، فحذف المضاف. وقوى حذفه هنا شيئا لأن لفظ الدليل يدلّ على الدلالة. وهو كقولك: سر على اسم الله. و (على) هذه عندى حال من الضمير فى سر وشدّوا، وليست موصّلة لهذين الفعلين لكنها متعلّقة بمحذوف حتى كما قال: (سر معتمدا على اسم الله) ففى الظرف إذا ضمير لتعلقه بالمحذوف.
وقال:
بطل كأنّ ثيابه فى سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوءم (3)
أى على سرحة (وجاز ذلك من حيث كان معلوما أن ثيابه لا تكون فى دار
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى أدب الكاتب ص 508، وجمهرة اللغة ص 1314، وخزانة الأدب 10/ 133، ورصف المبانى ص 373، ولسان العرب (ولى). ويروى: عليك بوجهه بدلا من: علىّ بوده.
(2) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (دلل)، وجمهرة اللغة ص 1314، وتاج العروس (دلل).
السّيف: ساحل البحر.
(3) البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 212، وأدب الكاتب ص 506، والأزهيّة ص 267، وجمهرة اللغة ص 521، 1315، وخزانة الأدب 9/ 485، 490، وشرح شواهد المغنى 1/ 479، والمنصف 3/ 17، ولسان العرب (سرح)، ورصف المبانى ص 389، وشرح الأشمونى 2/ 292، وشرح المفصل 8/ 21، ومغنى اللبيب 1/ 169.
السرحة: شجرة فيها طول. والنعال السبتية: المدبوغة وهى أجود النعال.(2/95)
سرحة) لأن السرحة لا تنشقّ فتستودع الثياب ولا غيرها وهى بحالها سرحها.
فهذا من طريق المعنى بمنزلة كون الفعلين أحدهما فى معنى صاحبه على ما مضى. وليس كذلك قول الناس: فلان فى الجبل لأنه قد يمكن أن يكون فى غار من أغواره أو لصب (1) من لصابه، فلا يلزم أن يكون عليه أى عاليا فيه.
وقال:
وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه ... على كل حال من غمار ومن وحل (2)
قالوا أراد: بنا. وقد يكون عندى على حذف المضاف أى فى سيرنا، ومعناه:
فى سيرهن بنا.
ومثل قوله: «كأن ثيابه فى سرحة»: قول امرأة من العرب.
هم صلبوا العبدىّ فى جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا (3)
لأنه معلوم أنه لا يصلب فى داخل جذع النخلة وقلبها.
وأمّا قوله:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا فى ثلاثة أحوال (4)
__________
(1) هو شق فى الجبال، أو هو مضيق فيه.
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى الأزهيّة ص 272، ورصف المبانى ص 390، ولسان العرب (فيا).
الغمار: جمع الغمر أو الغمرة، وهو الماء الكثير.
(3) البيت من الطويل، وهو لسويد بن أبى كاهل فى ملحق ديوانه ص 45، والأزهيّة ص 268، وشرح شواهد المغنى 1/ 479، ولسان العرب (عبد)، (شمس)، (فيا)، وشرح المفصّل 8/ 21، وتاج العروس (فيا)، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص 506، ورصف المبانى ص 389، ومغنى اللبيب 1/ 168، والمقتضب 2/ 319.
العبدىّ: نسبة إلى عبد القيس. بأجدع: بأنف أجدع.
(4) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 27، وأدب الكاتب ص 518، وجمهرة اللغة ص 1315، وخزانة الأدب 1/ 62، والجنى الدانى ص 252، وجواهر الأدب ص 230، وتاج العروس (حول)، (فى)، والدرر 4/ 149، وشرح شواهد المغنى 1/ 486، ورصف المبانى ص 391، وشرح الأشمونى 2/ 292، ولسان العرب (فيا)، ومغنى اللبيب 1/ 169، وهمع الهوامع 2/ 30.(2/96)
فقالوا: أراد: مع ثلاثة أحوال. وطريقه عندى أنه على حذف المضاف يريد:
ثلاثين شهرا فى عقب ثلاثة أحوال قبلها. وتفسيره: بعد ثلاثة أحوال. فالحرف إذا على بابه وإنّما هنا حذف المضاف الذى قد شاع عند الخاصّ والعام.
فأمّا قوله:
يعثرن فى حدّ الظبات كأنما ... كسيت برود بنى تزيد الأذرع (1)
فإنه أراد: يعثرن بالأرض فى حدّ الظّبات أى وهنّ فى حدّ الظبات كقولك:
خرج بثيابه أى وثيابه عليه، وصلّى فى خفّيه أى وخفّاه عليه. وقال تعالى:
{فَخَرَجَ عَلى ََ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79] فالظرف إذا متعلّق بمحذوف لأنه حال من الضمير أى يعثرن كائنات فى حدّ الظبات.
وأمّا قول بعض الأعراب:
نلوذ فى أمّ لنا ما تغتصب ... من الغمام ترتدى وتنتقب (2)
فإنه يريد بأمّ: سلمى، أحد جبلى طيّئ. وسمّاها أمّا لاعتصامهم بها وأويّهم إليها. واستعمل (فى) موضع الباء أى نلوذ بها لأنهم إذا لاذوا بها فهم فيها لا محالة إذ لا يلوذون ويعصمون بها إلا وهم فيها لأنهم إن كانوا بعداء عنها فليسوا لائذين بها، فكأنه قال: نسمك (3) فيها ونتوقّل فيها. فلأجل ذلك ما استعمل (فى) مكان الباء.
فقس على هذا فإنك لن تعدم إصابة بإذن الله ورشدا.
* * * __________
(1) البيت من الكامل، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب 1/ 274، وسر صناعة الإعراب 1/ 134، وشرح اختيارات المفضّل ص 1708، وشرح أشعار الهذليين 1/ 25، ولسان العرب (نبت)، (زيد)، (فيا)، والمحتسب 2/ 88، والممتع فى التصريف 2/ 486، والمنصف 1/ 279، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 116، وتاج العروس (فى).
الظبات: أطراف السهام.
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (فيا)، وجمهرة اللغة ص 1315، والمخصص 14/ 106، وتاج العروس (فيا).
(3) نسمك: نصعد ونرتفع.(2/97)
باب فى مضارعة الحروف للحركات، والحركات للحروف
وسبب ذلك أن الحركة حرف صغير ألا ترى أنّ من متقدّمى القوم من كان يسمّى الضمة الواو الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والفتحة الألف الصغيرة.
ويؤكّد ذلك عندك أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفا من جنسها. وذلك قولك فى إشباع حركات ضرب ونحوه: ضوريبا. ولهذا إذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن مطل الحركة (وأنشأ) عنها حرفا من جنسها. وذلك قوله:
* نفى الدراهيم تنقاد الصياريف (1) *
وقوله أنشدناه لابن هرمة:
وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح (2)
يريد: بمنتزح، وهو مفتعل من النزح.
وقوله:
__________
(1) عجز بيت من البسيط، وهو للفرزدق فى الإنصاف 1/ 27، وخزانة الأدب 4/ 424، 426، وسر صناعة الإعراب 1/ 25، وشرح التصريح 2/ 371، والكتاب 1/ 28، وتاج العروس (درهم)، ولسان العرب (صرف)، (قطرب)، والمقاصد النحوية 3/ 521، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 45، والأشباه والنظائر 2/ 29، وأوضح المسالك 4/ 376، وتخليص الشواهد ص 169، وجمهرة اللغة ص 741، ورصف المبانى 12/ 446، وسر صناعة الإعراب 2/ 769، وشرح الأشمونى 2/ 337، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1477، وشرح ابن عقيل ص 416، وشرح قطر الندى ص 268، ولسان العرب (قطرب)، (سحج)، (نقد)، (صنع)، (درهم)، (نفى)، والمقتضب 2/ 258، والممتع فى التصريف 1/ 205. ويروى:
* الدنانير بدلا من الدراهيم *
وصدر البيت:
* تنفى يداها الحصى فى كلّ هاجرة *
(2) البيت من الوافر، وهو لابن هرمة فى ديوانه ص 92، والأشباه والنظائر 2/ 30، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 25، 2/ 719، وشرح شواهد الشافية ص 25، ولسان العرب (نزح)، (نجد)، (حتن)، والمحتسب 1/ 340، 1/ 166، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 45، والإنصاف 1/ 25، وخزانة الأدب 7/ 557.(2/98)
وأننى حيث ما يسرى الهوى بصرى
من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (1)
فإذا ثبت أن هذه الحركات أبعاض للحروف ومن جنسها، وكانت متى أشبعت ومطلت تمّت ووفت جرت مجرى الحروف كما أن الحروف أنفسها قد تجد بعضها أتمّ صوتا من بعض (وإن كانت كلها حروفا يقع بعضها موقع بعض) فى غالب الأمر.
فمما أجرى من الحروف مجرى الحركات الألف والياء والواو إذا أعرب بهن فى تلك الأسماء الستة: أخوك وأبوك ونحوهما، وفى التثنية والجمع على حدّ التثنية نحو الزيدان والزيدون والزيدين.
ومنها النون إذا كانت علما للرفع فى الأفعال الخمسة وهى تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون وتفعلين. وقد حذفت أيضا للجزم فى لم يغزوا ولم يدع، ولم يرم، ولم يخش. وحذفت أيضا استخفافا كما تحذف الحركة لذلك. وذلك قوله:
قألجقت أخراهم طريق ألاهم ... كما قيل نجم قد خوى متتابع
(يريد أولاهم) ومضى ذكره. وقال رؤبة:
* وصّانى العجّاج فيما وصّنى *
يريد: فيما وصّانى، وقال الله عزّ اسمه: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} [الفجر: 4] وقد تقدّم نحو هذا. فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضا فى نحو قوله:
* وقد بداهنك من المئزر *
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لابن هرمة فى ملحق ديوانه ص 239، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 45، والأشباه والنظائر 2/ 29، والإنصاف 1/ 24، والجنى الدانى ص 173، وخزانة الأدب 1/ 121، 7/ 7، 8/ 220، 373، والدرر 6/ 204، ورصف المبانى 13/ 435، وسر صناعة الإعراب 1/ 26، 338، 2/ 630، وشرح شواهد المغنى 2/ 785، والصاحبى فى فقه اللغة ص 50، ولسان العرب (شرى). (الألف)، (وا)، والمحتسب 1/ 259، ومغنى اللبيب 2/ 368، والممتع فى التصريف 1/ 156، وهمع الهوامع 2/ 156.
يسرى: يلقى.(2/99)
وقوله:
* فاليوم أشرب غير مستحقب *
[وقوله:
* إذا عوججن قلت صاحب قوّم *]
وقوله:
* ومن يتّق فإن الله معه *
وقوله:
* أو يرتبط بعض النفوس حمامها (1) *
وقوله:
سيروا بنى الغم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب (2)
أى (ولا) تعرفكم فأسكن مضطرا.
ومن مضارعة الحرف للحركة أنّ الأحرف الثلاثة: الألف والياء والواو وإذا أشبعن ومطلن أدّين إلى حرف آخر غيرهنّ إلا أنه شبيه بهن وهو الهمزة ألا تراك إذا مطلت الألف أدّتك إلى الهمزة فقلت آء، وكذلك الياء فى قولك: إىء، وكذلك الواو فى قولك: أوء. فهذا كالحركة (إذا مطلتها) أدّتك إلى صورة أخرى غير صورتها. وهى الألف والياء والواو فى: منتزاح، والصياريف، وأنظور.
وهذا غريب فى موضعه.
__________
(1) عجز بيت من الكامل. وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 313، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 772، وشرح شواهد الشافية ص 415، والصاحبى فى فقه اللغة ص 251، ومجالس ثعلب ص 63، 346، 437، والمحتسب 1/ 111، وبلا نسبة فى خزانة 7/ 349.
وصدره:
* تراك أمكنة إذا لم أرضها *
(2) البيت من البسيط، وهو لجرير فى ديوانه ص 441، والأغانى 3/ 253، وجمهرة اللغة ص 962، وخزانة الأدب 4/ 484، وسمط اللآلى ص 527، ولسان العرب (شتت)، (عبد)، ومعجم البلدان 5/ 319 (نهرتيرى)، والمعرب ص 38.(2/100)
ومن ذلك أن تاء التأنيث فى الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا نحو حمزة وطلحة وقائمة، ولا يكون ساكنا. فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف جازت. وذلك نحو قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة (1). أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف، حتى كأنها هى هى. وهذا يدلّ على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها لأنها قد خصّت هنا بمساواة الحركة دونها.
ومن ذلك قوله:
ينشب فى المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء (2)
قالوا: أراد: حدادا فلم يعدد الألف حاجزا بين المثلين، كما لم يعدد الحركة فى ذلك فى نحو أمليت الكتاب فى أمللت.
ومن ذلك أنهم قد بيّنوا الحرف بالهاء كما بيّنوا الحركة بها (وذلك) نحو قولهم: وا زيداه، وواغلامهماه، وواغلامهوه، وواغلامهموه، وواغلامهيه، ووانقطاع ظهرهيه. فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه، ومرت بكه، واغزه، ولا تدعه. والهاء فى كله لبيان الحركة لا ضمير.
ومن ذلك أنّ أقعد الثلاثة فى المدّ لا يسوغ تحريكه وهو الألف، فجرت لذلك مجرى الحركة ألا ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها. فهذا وجه أيضا من المضارعة فيها.
وأما شبه الحركة بالحرف (ففى) نحو تسميتك امرأة بهند وجمل. فلك فيهما مذهبان: الصرف وتركه. فإن تحرّك الأوسط ثقل الاسم، فقلت فى اسم امرأة سمّيتها بقدم بترك الصرف معرفة ألبتّة أفلا ترى كيف جرت الحركة مجرى الحرف
__________
(1) يقال امرأة حبنطاة: قصيرة دسمة غليظة البطن.
(2) الرجز لأبى مقدام الراجز فى سمط اللآلى ص 874، وشرح الأشمونى 3/ 659، والمخصص 1/ 157، 11/ 131، 15/ 152، وله أو لأعرابى فى البادية فى الدرر 6/ 222، والمقاصد النحوية 4/ 507، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 746، وشرح ابن عقيل ص 628، ولسان العرب (حدد)، (شيش)، (لها)، وهمع الهوامع 2/ 157، وتهذيب اللغة 6/ 430، وديوان الأدب 3/ 381، وتاج العروس (شيش)، (لها). وقبله:
* يا لك من تمر ومن شيشاء *(2/101)
فى منع الصرف. وذلك كامرأة سمّيتها بسعاد وزينب. فجرت الحركة فى قدم وكبد ونحوه مجرى ألف سعاد وياء زينب.
ومن ذلك أنك إذا أضفت إلى الرباعىّ المقصور أجزت إقرار الألف، وقلبها واوا نحو الإضافة إلى حبلى: إن شئت قلت: حبلىّ، وهو الوجه. وإن شئت:
حبلوىّ. فإذا صرت إلى الخمسة حذفت الألف ألبتّة، أصلا كانت أو زائدة.
وذلك نحو قولك فى حبارى: حبارىّ، وفى مصطفى: مصطفىّ. وكذلك إن تحرك الثانى من الرباعىّ حذفت ألفه ألبتّة. وذلك قولك فى جمزى: جمزىّ، وفى بشكى بشكىّ ألا ترى إلى الحركة كيف أوجبت الحذف كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة، فصارت حركة عين جمزى فى إيجابها الحذف بمنزلة ألف حبارى وياء خيزلى (1).
ومن مشابهة الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها، كما تفصل بالحرف، ولا تصل إلى الإدغام معه. وذلك قولك: وتد، ويطد. فحجزت الحركة بين المتقاربين، كما يحجز الحرف بينهما نحو شمليل وحبربر (2).
ومنها أنهم قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدّد. وذلك أنه إذا وقع رويّا فى الشّعر المقيّد سكن كما أن الحرف المشدّد إذا وقع رويّا فى الشعر المقيّد خفّف. فالمتحرك نحو قوله:
* وقاتم الأعماق خاوى المخترق (3) *
فأسكن القاف وهى مجرورة. والمشدّد نحو قوله:
* أصحوت اليوم أم شاقتك هرّ (4) *
فحذف إحدى الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق. وهذا إن شئت قلبته، فقلت: إن الحرف أجرى فيه مجرى الحركة، وجعلت الموضع فى الحذف
__________
(1) خيزلى: هى مشية فى تثاقل.
(2) يقال: ناقة شمليل: سريعة. وحبربر: هو الجمل الصغير.
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.(2/102)
للحركة ثم لحق بها فيه الحرف. وهو عندى أقيس.
ومنها استكراههم اختلاف التوجيه: أن يجمع مع الفتحة غيرها من أختيها، نحو جمعه بين المخترق وبين العقق والحمق. فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع بين الألف مع الياء والواو ردفين.
ومن ذلك عندى أن حرفى العلّة: الياء والواو قد صحّا فى بعض المواضع للحركة بعدهما كما يصحّان لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما. وذلك نحو القود والحوكة والخونة والغيب والصيد وحول وروع و {إِنَّ بُيُوتَنََا عَوْرَةٌ} (1) [الأحزاب: 13] فيمن قرأ كذلك. فجرت الياء والواو هنا فى الصحّة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما نحو القواد، والحواكة، والخوانة، والغياب، والصياد، وحويل، ورويع، وإن بيوتنا عويرة.
وكذلك ما صحّ من نحو قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة هو جار مجرى صحّة هيوء لو قيل. فاعرف ذلك مذهبا فى صحّة ما صحّ من هذا النحو لطيفا غريبا.
* * * __________
(1) هى قراءة إسماعيل بن سليمان عن ابن كثير وابن عباس وآخرين. وانظر البحر 7/ 218.(2/103)
باب محل (الحركات من الحروف) معها أم قبلها أم بعدها
أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف. وقال غيره: معه وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله.
قال أبو علىّ: وسبب هذا الخلاف لطف الأمر وغموض الحال. فإذا كان هذا أمرا يعرض للمحسوس الذى إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفا، وبالتوقف فيه لبسا.
فممّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول فى الآخر نحو الملل والضفف (1) والمشش (2) كما تفصل الألف بعدها بينهما نحو الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت، فلن تخلو حركة الأول من أن تكون قبله، أو معه، أو بعده.
فلو كانت فى الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام ألا ترى أن الحرف المحرّك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر.
ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد فقلب الواو ياء يدلّ على أن الكسرة لم يحدث قبل الميم لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو، فكان يجب أن يقال:
موزان وموعاد. وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التى تجاورها من قبلها، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها، وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضا فلو كانت قبل حرفها لبطل الإدغام فى الكلام لأن حركة الثانى كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح.
فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرك بها من حيث أرينا، وعلى ما أوضحنا وشرحنا، بقى سوى مذهب سيبويه أن يظنّ بها أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه.
__________
(1) الضفف: من معانيه كثرة العيال.
(2) المشش: من معانيه بياض يعترى الإبل فى عيونها.(2/104)
والذى يفسد كونها حادثة مع الحرف ألبتّة هو أنا لو أمرنا مذكّرا من الطىّ، ثم أتبعناه أمرا آخر له من الوجل من غير حرف عطف لا بل بمجىء الثانى تابعا للأول ألبتة لقلنا: اطوايجل. والأصل فيه: اطواوجل، فقلبت الواو التى هى فاء الفعل من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فلولا أن كسرة واو (اطو) فى الرتبة بعدها لما قلبت ياء واو (اوجل). وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها إياها فى جنس الصوت (فتجتذبها) إلى ما هى بعضه ومن جنسه، وهو الياء وكما أن هناك كسرة فى الواو فهناك أيضا الواو، وهى وفق الواو الثانية لفظا وحسّا، وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى لأنه يروم أن يثبتهما جميعا فى زمان واحد، ومعلوم أن الحرف أوفى صوتا، وأقوى جرسا من الحركة فإذا لم يقل لك: إنها أقوى من الكسرة التى فيها، فلا أقلّ من أن تكون فى القوّة والصوت مثلها. فإذا كان كذلك لزم ألا تنقلب الواو الثانية للكسرة قبلها لأن بإزاء الكسرة المخالفة للواو (الثانية الواو) الأولى الموافقة للفظ الثانية. فإذا تأدّى الأمر فى المعادلة إلى هنا ترافعت الواو والكسرة أحكامهما، فكأن لا كسرة قبلها ولا واو. وإذا كان كذلك لم تجد أمرا تقلب له الواو الثانية ياء، فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من (اطو اوجل) صحيحة غير معتلة، لترافع ما قبلها من الواو والكسرة أحكامهما وتكافؤهما فيما ذكرنا.
لا، بل دلّ قلب الواو الثانية من (اطو اوجل) ياء حتى صارت (اطو ايجل) على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها. وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة.
فهذا إسقاط قول من ذهب إلى أنها تحدث (مع الحرف، وقول من ذهب إلى أنها تحدث) قبله ألا تراها لو كانت الكسرة فى باب (اطو) قبل الواو لكانت الواو الأولى حاجزة بينها وبين الثانية، كما كانت ميم ميزان تكون أيضا حاجزة بينهما على ما قدمنا، فإذا بطل هذان ثبت قول صاحب الكتاب، وسقطت عنه فضول المقال.
قال أبو على: يقوّى قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف، والمتحركة مخرجها من الفم، فلو
كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحرّكة أيضا من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها، فكان ينبغى ألا تغنى عنها شيئا لسبقها هى لحركتها.(2/105)
قال أبو على: يقوّى قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف، والمتحركة مخرجها من الفم، فلو
كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحرّكة أيضا من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها، فكان ينبغى ألا تغنى عنها شيئا لسبقها هى لحركتها.
كذا قال رحمه الله ورأيته معنيّا بهذا الدليل. وهو عندى ساقط عن سيبويه، وغير لازم له.
وذلك (أنه لا ينكر) أن يؤثّر الشىء فيما قبله من قبل وجوده لأنه قد علم أن سيرد فيما بعد. وذلك كثير.
فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميما فى اللفظ. وذلك نحو عمبر وشمباء، فى عنبر وشنباء فكما لا يشكّ فى أن الباء فى ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها، فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف إلى الفم. بل إذا كانت الباء أبعد من النون قبلها من حركة النون فيها وقد أثّرت على بعدها ما أثّرته كانت حركة النون التى هى أقرب إليها، وأشدّ التباسا بها، أولى بأن تجذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم. وهذا كما تراه واضح.
وممّا غيّر متقدّما لتوقّع ما يرد من بعده متأخرا ضمهم همزة الوصل لتوقعهم الضمّة بعدها نحو: اقتل، ادخل، استضعف، اخرج، استخرج.
وممّا يقوّى عندى قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف إجماع النحويين على (قولهم) إن الواو فى يعد ويزن ونحو ذلك إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: فى يوعد ويوزن (ونحوه) (لو خرج على أصله). فقولهم: بين ياء وكسرة يدلّ على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرّك بها ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو فى يوعد بين فتحة وعين، وفى يوزن بين فتحة وزاى. فقولهم: بين ياء وكسرة يدلّ على أن الواو فى نحو يوعد عندهم بين الياء التى هى أدنى إليها من فتحتها، وكسرة العين التى هى أدنى إليها من العين بعدها.
فتأمّل ذلك.
وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين: أحدهما أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم
مريدوه ومعتقدوه ألا ترى أن من يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف، ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف قد أطلقوا جميعا هذا القول الذى هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة، فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم، لكانوا مناقضين، وموافقين لمخالفهم، وهم لا يعلمون.(2/106)
وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين: أحدهما أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم
مريدوه ومعتقدوه ألا ترى أن من يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف، ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف قد أطلقوا جميعا هذا القول الذى هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة، فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم، لكانوا مناقضين، وموافقين لمخالفهم، وهم لا يعلمون.
وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم، ولا يظنّ بهم.
فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدّرته ولا ما تصوّرته وإنما هو أنّ قبلها ياء وبعدها كسرة، وهما مستثقلتان. فأما أن تماسّا الواو وتباشراها على ما فرضته وادّعيته فلا. وهذا كثير فى الكلام والاستعمال ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا، فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول صحيح معتاد إلا أنه قد يقوله من حصل بدير العاقول، فهو لعمرى بين بغداد والبصرة، وإن كان أيضا بين جرجرايا والمدائن، وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة. وكذلك الواو فى يوعد هى لعمرى بين ياء وكسرة، وإن كان أقرب إليها منهما فتحة الياء والعين. وكذلك يقال أيضا: هو من عمره ما بين الخمسين إلى الستين، فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة، فهى لعمرى بين الخمسين والستين، إلا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون، والست والخمسون. وهذا جلىّ غير مشكل. فهذا أحد الموضعين.
وأمّا الآخر فإن أكثر ما فى هذا أن يكون حقيقة عند القوم، وأن يكونوا مريديه ومعتقديه. ولو أرادوه (واعتقدوه) وذهبوا إليه لما كان دليلا على موضع الخلاف.
وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ، ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سنّة ولا قديم ملّة ألا ترى أن إجماع النحويين فى هذا ونحوه لا يكون حجّة لأن كل واحد منهم إنما يردّك ويرجع بك فيه إلى (التأمّل والطبع) لا إلى التبعية والشرع. هذا لو كان لابدّ من أن يكونوا قد أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم. فهذا كلّه يشهد بصحّة مذهب سيبويه فى أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرّك بها.
وقد كنا قلنا فيه قديما قولا آخر مستقيما. وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف. فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمّة بعض الواو. فكما
أن الحرف لا يجامع حرفا آخر فينشآن معا فى وقت واحد، فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر فى وقت واحد لأن حكم البعض فى هذا جار مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصوّر أن حرفا من الحروف حدث بعضه مضامّا لحرف، وبقيّته من بعده فى غير ذلك الحرف، لا فى زمان واحد ولا فى زمانين.(2/107)
وقد كنا قلنا فيه قديما قولا آخر مستقيما. وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف. فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمّة بعض الواو. فكما
أن الحرف لا يجامع حرفا آخر فينشآن معا فى وقت واحد، فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر فى وقت واحد لأن حكم البعض فى هذا جار مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصوّر أن حرفا من الحروف حدث بعضه مضامّا لحرف، وبقيّته من بعده فى غير ذلك الحرف، لا فى زمان واحد ولا فى زمانين.
فهذا يفسد قول من قال: إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرّك بها أو قبله أيضا ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف المحرّك بتلك الحركة، وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف فى نحو ضارب ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما، والحسّ يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها فى نحو ضارب وقائم ونحو ذلك. وكذلك القول فى الكسرة والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناه فى البيان، والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفى بعض ما أوردناه (من هذا) كاف بمشيئة الله.
* * *
باب الساكن والمتحرك(2/108)
* * *
باب الساكن والمتحرك
أمّا إمام ذلك فإن أوّل الكلمة لا يكون إلا متحرّكا، وينبغى لآخرها أن يكون ساكنا. فأمّا الإشمام (1) فإنه للعين دون الأذن. لكن روم (2) الحركة يكاد الحرف يكون به متحركا ألا تراك تفصل به بين المذكّر والمؤنّث فى قولك فى الوقف:
أنت وأنت. فلولا أن هناك صوتا لما وجدت فصلا.
فإن قلت: فقد نجد من الحروف ما يتبعه فى الوقف صوت، وهو مع ذلك ساكن. وهو الفاء والثاء والسين والصاد ونحو ذلك تقول فى الوقف: اف، اث، اس، اص.
قيل: هذا القدر من الصوت إنما هو متمم للحرف وموفّ له فى الوقف. فإذا وصلت ذهب أو كاد. وإنما لحقه فى الوقف لأن الوقف يضعف الحرف ألا تراك تحتاج إلى بيانه فيه بالهاء نحو وا غلاماه، ووا زيداه، ووا غلامهوه، ووا غلامهيه.
وذلك أنك لمّا أردت تمكين الصوت وتوفيته ليمتدّ ويقوى فى السمع وكان الوقف يضعف الحرف ألحقت الهاء ليقع الحرف قبلها حشوا، فيبين ولا يخفى.
ومع ذلك فإن هذا الصوت اللاحق للفاء والسين ونحوهما إنما هو بمنزلة الإطباق فى الطاء والتكرير فى الراء، والتفشّى فى الشين، وقوّة الاعتماد الذى فى اللام.
فكما أنّ سواكن هذه الأحرف إنما تكال فى ميزان العروض الذى هو عيار الحس (وحاكم القسمة والوضع) بما تكال به الحروف السواكن غيرها، فكذلك هى أيضا سواكن. بل إذا كان الراء لما فيها من التكرير تجرى مجرى الحرفين فى الإمالة، ثم مع ذلك لا تعدّ فى وزن الشعر إلا حرفا واحدا، كانت هذه الأحرف التى إنما فيها تمام وتوفية لهذا أحجى بأن تعدّ حرفا لا غير.
__________
(1) الإشمام: ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير فى الوقف على المضموم.
(2) روم الحركة: الإشارة للحركة بصوت خفىّ.(2/109)
ولأبى علىّ رحمه الله مسألتان: طويلة قديمة، وقصيرة حديثة، كلتاهما فى الكلام على الحرف المبتدأ أيمكن أن يكون ساكنا أم لا. فقد غنينا بهما أن نتكلّف نحن شيئا من هذا الشرح فى معناهما.
ثم من بعد ذلك أن المتحرّك على ضربين: حرف متحرّك بحركة لازمة، وحرف متحرّك بحركة غير لازمة. أمّا المتحرّك بحركة لازمة فعلى ضربين أيضا: مبتدأ، وغير مبتدأ. فالمبتدأ ما دام مبتدأ فهو متحرّك لا محالة نحو ضاد ضرب، وميم مهدد. فإن اتصل أوّل الكلمة بشىء غيره فعلى قسمين: أحدهما أن يكون الأوّل معه كالجزء منه، والآخر أن يكون على أحكام المنفصل عنه.
الأوّل من هذين القسمين أيضا على ضربين: أحدهما أن يقرّ الأوّل (على ما) كان عليه من تحريكه. والآخر أن يخلط فى اللفظ به، فيسكّن على حدّ التخفيف فى أمثاله من المتصل.
فالحرف الذى ينزل مع ما بعده كالجزء منه فاء العطف، وواوه، ولام الابتداء، وهمزة الاستفهام.
الأوّل من هذين كقولك: وهو الله، وقولك: فهو ما ترى، ولهو أفضل من عمرو، وأهى عندك. فهذا الباقى على تحريكه كأن لا شىء قبله.
والقسم الثانى منهما قولك: وهو الله، وقولك: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيََامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص: 61] ولهو أفضل من عمرو، وقوله:
وقمت للطيف مرتاعا وأرّقنى ... فقلت أهى سرت أم عادنى حلم (1)
ووجه هذا أنّ هذه الأحرف لما كنّ على حرف واحد وضعفن عن انفصالها وكان ما بعدها على حرفين، الأوّل منهما مضموم أو مكسور أشبهت فى اللفظ ما
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لزياد بن منقذ فى خزانة الأدب 5/ 244، 245، والدرر 1/ 190، وشرح التصريح 2/ 143، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1396، 1402، وشرح شواهد الشافية ص 190، وشرح شواهد المغنى 1/ 134، ومعجم البلدان 1/ 256، (أمليح)، والمقاصد النحويّة 1/ 259، 4/ 137، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 127، وأمالى ابن الحاجب 1/ 456، وأوضح المسالك 3/ 370، والدرر 6/ 97، وشرح شواهد المغنى 2/ 798، وشرح المفصل 9/ 139، ولسان العرب (هيا)، ومغنى اللبيب 1/ 41، وهمع الهوامع 2/ 132.(2/110)
كان على فعل أو فعل، فخفّف أوائل هذه كما يخفّف ثوانى هذه، فصارت (وهو) كعضد (وصار وهو كعضد) كما صارت (أهى) كعلم، وصار (أهى) بمنزلة علم.
وأمّا قراءة أهل الكوفة (ثم ليقطع) فقبيح عندنا لأنّ (ثمّ) منفصلة يمكن الوقوف عليها، فلا تخلط بما بعدها، فتصير معه كالجزء الواحد. لكن قوله: (فلينظر) حسن جميل لأن الفاء حرف واحد، فيلطف عن انفصاله وقيامه برأسه.
وتقول على هذا: مررت برجل بطنه كحضجر (1)، تريد: كحضجر، ثم تسكّن الحاء الأولى لأن (كحض) بوزن علم، فيجرى هذا الصدر مجرى كلمة ثلاثيّة.
وأمّا أوّل الكلمة إذا لم يخلط بما قبله فمتحرك لا محالة على ما كان عليه قبل اتصاله به. وذلك قولك: أحمد ضرب، وأخوك دخل، وغلامك خرج، فهذا حكم الحرف المبتدأ.
وأمّا المتحرّك غير المبتدأ فعلى ضربين: حشو وطرف. فالحشو كراء ضرب، وتاء قتل، وجيم رجل، وميم جمل، ولام علم. وأمّا الطرف فنحو ميم إبراهيم، ودال أحمد، وباء يضرب، وقاف يغرق.
فإن قلت: قد قدّمت أن هذا ممّا تلزم حركته، وأنت تقول فى الوقف:
إبراهيم، وأحمد، ويضرب، ويغرق، فلا تلزم الحركة، قيل: (اعتراض الوقف لا يحفل به، ولا يقع العمل عليه) وإنما المعتبر بحال الوصل ألا تراك تقول فى بعض الوقف: هذا بكر، ومررت ببكر، فتنقل حركة الإعراب إلى حشو الكلمة، ولولا أن هذا عارض جاء به الوقف لكنت ممن يدّعى أن حركة الإعراب تقع قبل الآخر وهذا خطأ بإجماع.
ولذلك أيضا كانت الهاء فى (قائمه) بدلا عندنا من التاء فى (قائمة) لمّا كانت إنما تكون هاء فى الوقف دون الوصل.
فإن قلت: ولم جرت الأشياء فى الوصل على حقائقها دون الوقف؟
(قيل: لأن) حال الوصل أعلى رتبة من حال الوقف. وذلك أن الكلام إنما وضع للفائدة، والفائدة لا تجنى من الكلمة الواحدة، وإنما تجنى من الجمل
__________
(1) الحضجر: السقاء الضخم.(2/111)
ومدارج القول فلذلك كانت حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف.
ويدلّك على أن حركة الآخر قد تعتدّ لازمة وإن كانت فى الوقف مستهلكة أنك تقلب حرف اللين لها وللحركة قبله، فتقول: عصا، وقفا، وفتى، ودعا، وغزا، ورمى كما تقلبه وسطا لحركته وحركة ما قبله نحو دار، ونار، وعاب، وقال:
وقام، وباع.
فإن قلت: فإنّ الجزم قد يدرك الفعل فيسكّن فى الوصل نحو لم يضرب أمس، واضرب غدا، وما كان كذلك.
قيل: إن الجزم لمّا كان ثانيا للرفع وإعرابا كالنصب فى ذينك جرى الانتقال إليه عن الرفع مجرى الانتقال عن الرفع إلى النصب، وحمل الجزم فى ذلك على النصب كما حمل النصب على الجزم فى الحرف نحو لن يقوما، وأريد أن تذهبوا، وتنطلقى. قال أبو علىّ: وقد كان ينبغى أن تثبت النون مع النصب لثبات الحركة فى الواحد. فهذا فرق وعذر.
فهذه أحكام الحركة اللازمة.
وأمّا غير اللازمة فعلى أضرب.
منها حركة التقاء الساكنين نحو قم الليل، واشدد الحبل. ومنها حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها نحو هذا بكر، وهذا عمرو ومررت ببكر، ونظرت إلى عمرو. وذلك أن هذا أحد أحداث الوقف فلم يكن به حفل. ومنها الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة نحو قولك فى مسألة: مسلة، وقولك فى يلؤم:
يلم، وفى يزئر: يزر، وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] فيمن سكن وخفف (1). وعلى ذلك قول الله تعالى {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] أصله: لكن أنا ثم خفّف فصار (لكن نا) ثم أجرى غير اللازم مجرى اللازم، فأسكن الأوّل وادّغم فى الثانى فصار لكنّا.
ومن التقاء الساكنين أيضا قوله:
__________
(1) أى سكن الفاء وخفف الهمزة بنقل حركتها على الفاء وحذفها. وهذه القراءة رواية عن نافع.(2/112)
* وذى ولد لم يلده أبوان (1) *
لأنه أراد: لم يلده، فأسكن اللام استثقالا للكسرة، وكانت الدال ساكنة فحرّكها لالتقاء الساكنين. وعليه قول الآخر:
* ولكننى لم أجد من ذلكم بدّا (2) *
أى لم أجد، فأسكن الجيم وحرّك الدال على ما مضى.
ومن ذلك حركات الإتباع نحو قوله:
* ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا (3) *
وقوله:
* مشتبه الأعلام لمّاع الخفق (4) *
__________
(1) عجز بيت من الطويل، وهو لرجل من أزد السراة فى شرح التصريح 2/ 18، وشرح شواهد الإيضاح ص 257، وشرح شواهد الشافية ص 22، والكتاب 2/ 266، 4/ 115، وله أو لعمرو الجنبى فى خزانة الأدب 2/ 381، والدرر 1/ 173، 174، وشرح شواهد المغنى 1/ 398، والمقاصد النحوية 3/ 354، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 19، وأوضح المسالك 3/ 51، والجنى الدانى ص 441، والدرر 4/ 119، ورصف المبانى ص 189، وشرح الأشمونى 2/ 298، وشرح المفصل 4/ 48، 9/ 126، والمقرب 1/ 199، ومغنى اللبيب 1/ 135، وهمع الهوامع 1/ 54، 2/ 26. وصدره:
* ألا رب مولود وليس له أب *
(2) عجز بيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى تاج العروس (وجد). ويروى: من سبّكم بدلا من:
من ذلكم. وصدره:
* فوالله لولا بغضكم ما سببتكم *
(3) عجز بيت من البسيط، وهو لعبد مناف بن ربع الهذلىّ فى جمهرة اللغة ص 483، والدرر 6/ 232، وشرح أشعار الهذليين 2/ 672، ولسان العرب (لعج)، (جلد)، (عجل)، ونوادر أبى زيد ص 30، والمنصف 2/ 308. وصدره:
* إذا تأوّب نوح قامتا معه *
لعجه: آلمه.
(4) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 104، والأغانى 10/ 158، وجمهرة اللغة ص 408، 614، 941، وخزانة الأدب 10/ 25، والدرر 4/ 195، وشرح أبيات سيبويه 2/ 353، وشرح شواهد الإيضاح ص 223، وشرح شواهد المغنى 2/ 764، 782، ومقاييس اللغة 2/ 172، 5/ 58،(2/113)
وقوله:
* لم ينظر به الحشك (1) *
وقوله:
* ماء بشرقىّ سلمى فيد أوركك (2) *
وقوله:
قضين حجّا وحاجات على عجل ... ثم استدرن إلينا ليلة النفر
وقوله:
__________
وأساس البلاغة (قتم)، ولسان العرب (خفق)، (عمق)، (غلا)، ومغنى اللبيب 1/ 342، والمقاصد النحوية 1/ 38، والمنصف 2/ 3، 308، وهمع الهوامع 2/ 36، وتهذيب اللغة 1/ 290، 9/ 66، وتاج العروس (هرجب)، (خفق)، (عمق)، (كلل)، (وجه)، وجمهرة اللغة ص 408، 614، 941، ورصف المبانى ص 355، وسر صناعة الإعراب 2/ 493، 502، 639، وشرح الأشمونى 1/ 12، وشرح ابن عقيل ص 372، وشرح المفصل 2/ 118، والعقد الفريد 5/ 506، والكتاب 4/ 110، ولسان العرب (هرجب)، (قيد)، (قتم)، (وجه)، وهمع الهوامع 2/ 80، وكتاب العين 1/ 188. وقبله:
* وقاتم الأعماق خاوى المخترق *
(1) جزء من بيت وهو من البسيط، لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 177، ولسان العرب (سبأ)، (حشك)، (غطل)، (خفق)، وتهذيب اللغة 4/ 86، 8/ 57، 13/ 123، 170، وجمهرة اللغة ص 130، 239، 538، 558، 614، 918، 1186، 4/ 440، ومجمل اللغة 3/ 56، وتاج العروس (سبأ)، (فزز)، (10/ 118). وتتمته:
كما استغاث بسىء فزّ غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
الحشك: اجتماع اللبن فى الضرع.
(2) عجز بيت من البسيط، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 167، والعقد الفريد 5/ 355، ولسان العرب (فيد)، (ركك)، وتاج العروس (فيد)، (ركك)، والمحتسب 1/ 87، 2/ 27، ومعجم البلدان 3/ 64 (ركك)، والمنصف 2/ 309، وبلا نسبة فى معجم ما استعجم ص 1033، والمقتضب 1/ 200، والمقرب 2/ 156، والممتع فى التصريف 2/ 643. وصدره:
ثمّ استمروا وقالوا إنّ مشربكم *
فيد وركك: ماءان بالبادية. وزعم الأصمعى أنّه ركّ وأن زهيرا لم تستقم له القافية بركّ فقال ركك. لسان العرب (ركك).(2/114)
* وحامل المين بعد المين والألف (1) *
وأمّا قول الآخر:
علّمنا أخوالنا بنو عجل ... الشغزبىّ واعتقالا بالرجل (2)
فيكون إتباعا، ويكون نقلا. وقول طرفة:
* ورادا وشقر (3) *
ينبغى أن يكون إتباعا يدلّك على ذلك أنه تكسير أشقر وشقراء، وهذا قد يجىء فيه المعتل اللام (نحو قنو وعشو وظمى وعمى، ولو كان أصله فعلا لما جاء فى المعتلّ) ألا ترى أن ما كان من تكسير فعيل وفعول وفعال وفعال ممّا لامه معتلّة لا يأتى على فعل. فلذلك لم يقولوا فى كساء: كسو ولا فى رداء: ردى ولا فى صبىّ: صبو ولا نحو ذلك لأن أصله فعل. وهى اللغة الحجازيّة القويّة. وقد جاء شىء من ذلك شاذا. وهو ما حكاه من قولهم: ثنىّ وثن. وأنشد الفرّاء:
فلو ترى فيهن سرّ العتق ... بين كماتىّ وحوّ بلق (4)
__________
(1) عجز بيت من البسيط، فى سر صناعة الإعراب 1/ 114، ولسان العرب (ألف)، (وأى).
وصدره:
* وكان حاملكم منّا ورافدكم *
المين يريد: المئين فحذف الهمزة.
(2) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 3/ 73، والإنصاف 2/ 734، وشرح الأشمونى 3/ 784، وشرح شواهد الإيضاح ص 261، ولسان العرب (شغزب)، (مسك)، (عجل)، والمقاصد النحوية 4/ 567، ونوادر أبى زيد ص 30، وتاج العروس (شغزب)، (جلد)، (مسك)، (عجل)، (عقل)، والمخصّص 11/ 200. ويروى:
علّمنا إخواننا بنو عجل ... شرب النبيذ واصطفافا بالرّجل
الشغزبىّ: ضرب من المصارعة.
(3) جزء من بيت من الرمل، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 57، وخزانة الأدب 9/ 379، وشرح شواهد الإيضاح ص 581، وشرح المفصّل 5/ 60، والمحتسب 1/ 162، وبلا نسبة فى لسان العرب (غلف). وتتمته:
أيها الفتيان فى مجلسنا ... جرّدوا منها ورادا وشقر
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (كمت)، (فلا)، وتاج العروس (كمت). (فلا).
الفلو: المهر الصغير. والكماتى جمعه على كمتاء، وإن لم يلفظ به بعد أن جعله اسما كصحراء. اللسان (كمت). والعتق: كرم الأصل. والحوّ: السود.(2/115)
(فهذا جمع فلوّ) وكلا ذينك شاذّ:
ومثله ما أنشده أيضا من قول الشاعر:
أسلمتموها فباتت غير طاهرة ... منى الرجال على الفخذين كالموم (1)
فكسّر منيا على منى ولا يقاس عليه. وإنما ذكرناه لئلا يجىء به جاء، فترى أنه كسر للباب.
ومن حركات الإتباع قولهم: أنا أجوءك وانبؤك، وهو منحدر من الجبل ومنتن ومغيرة، ونحو (من ذلك) باب شعير ورغيف وبعير والزئير، والجنّة لمن خاف وعيد الله. وشبهت القاف بالخاء لقربها منها فيما حكاه أبو الحسن من قولهم:
النقيذ كما شبّهت الخاء والغين بحروف الفم حتى أخفيت النون معهما فى بعض اللغات كما تخفى مع حروف الفم. وهذا فى فعيل مما عينه حلقيّة مطّرد.
وكذلك فعل نحو نغر (2) ومحك وجئر (3) وضحك، و {إِنَّ اللََّهَ نِعِمََّا يَعِظُكُمْ بِهِ}
[النساء: 58]. وقريب من ذلك الحمد لله والحمد لله وقتّلوا وفتّحوا، وقوله:
* تدافع الشيب ولم تقتّل (4) *
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لحسان بن ثابت فى ديوانه ص 177، وجمهرة اللغة ص 248، وبلا نسبة فى لسان العرب (منى)، وتاج العروس (منى).
الموم: الشمع.
(2) يقال: رجل نغر: يغلى صدره من الغيرة.
(3) يقال: جئز بالماء من باب فرح فهو جئز: غص به.
(4) الرجز لأبى النجم فى جمهرة اللغة ص 407، ولسان العرب (عصب)، (لجج)، (فلل)، (فلن)، والطرائف الأدبية ص 66، والمنصف 2/ 225، والممتع فى التصريف 2/ 640، وخزانة الأدب 2/ 389، والدرر 3/ 37، وسمط اللآلى ص 257، وشرح أبيات سيبويه 1/ 439، وشرح التصريح 2/ 180، وشرح المفصل 5/ 119، وشرح شواهد المغنى 1/ 450، والصاحبى فى فقه اللغة ص 228، والكتاب 2/ 248، 3/ 452، والمقاصد النحوية 4/ 228، وتهذيب اللغة 2/ 48، وتاج العروس (عصب)، (فلن)، ومقاييس اللغة 4/ 447، 5/ 202، ومجمل اللغة 4/ 61، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 43، وشرح الأشمونى 2/ 460، وشرح ابن عقيل ص 527، وشرح المفصل 1/ 248، والمقتضب 4/ 238، والمقرب 1/ 182، وهمع الهوامع 1/ 177.(2/116)
وقوله:
* لا حطّب القوم ولا القوم سقى (1) *
ومن غير اللازم ما أحدثته همزة التذكّر نحو ألى وقدى. فإذا وصلت سقطت نحو الخليل، وقد قام. ومن قرأ اشتروا الضلالة قال فى التذكر:
اشترووا، ومن قرأ: اشتروا الضلالة قال فى التذكر: اشتروى، ومن قال: اشترو الضلالة قال فى التذكر: اشتروا.
فهذه طريق هذه الحركات فى الكلام.
وأمّا الساكن فعلى ضربين: ساكن يمكن تحريكه، وساكن لا يمكن تحريكه.
الأول منهما جميع الحروف إلا الألف الساكنة المدّة. والثانى هو هذه الألف نحو ألف كتاب وحساب وباع وقام.
والحرف الساكن الممكن تحريكه على ضربين: أحدهما ما يبنى على السكون.
والآخر ما كان متحركا ثم أسكن.
الأول منهما يجىء أوّلا وحشوا وطرفا.
فالأول ما لحقته فى الابتداء همزة الوصل. وتكون فى الفعل نحو انطلق واستخرج واغدودن، وفى الأسماء العشرة: ابن وابنة وامرئ وامرأة واثنين واثنتين (واسم واست) وابنم وأيمن. وفى المصادر نحو انطلاق واستخراج واغديدان وما كان مثله. وفى الحروف فى لام التعريف نحو الغلام والخليل.
فهذا حال الحرف الساكن إذا كان أوّلا.
وأمّا كونه حشوا فككاف بكر، وعين جعفر، ودال يدلف. وكونه أخرا فى نحو دال قد ولام هلك فهذه الحروف الممكن تحريكها (إلا أنّها) مبنيّة على السكون.
__________
(1) الرجز للشماخ فى ديوانه ص 381380، ولسان العرب (حطب)، وتاج العروس (حطب)، وللجليح فى أساس البلاغة (حطب)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 2/ 79، ومجمل اللغة 2/ 83، والمخصّص 15/ 159. وقبله:
* خبّ جروز وإذا جاع بكى *(2/117)
وأمّا ما كان متحركا ثم أسكن فعلى ضربين: متّصل ومنفصل. فالمتصل: ما كان ثلاثيّا مضموم الثانى أو مكسوره فلك فيه الإسكان تخفيفا، وذلك كقولك فى علم: قد علم، وفى ظرف: قد ظرف، وفى رجل: رجل، وفى كبد: كبد.
وسمعت الشجرىّ وذكر طعنة فى كتف فقال: الكتفيّة. وأنشد البغداديّون:
رجلان من ضبّة أخبرانا ... أنّا رأينا رجلا عريانا (1)
وقد سمع شىء من هذا الإسكان فى المفتوح قال الشاعر:
وما كلّ مبتاع ولو سلف صفقه ... براجع ما قد فاته براداد (2)
وقد جاء هذا فيما كان على أكثر من ثلاث أحرف قال العجّاج:
* فبات منتصبا وما تكردسا (3) *
وحكى صاحب الكتاب: أراك منتفخا، وقالوا فى قول العجّاج:
* بسبحل الدّفّين عيسجور (4) *
أراد: سبحل، فأسكن الباء وحرّك الحاء وغيّر حركة السين. وقال أبو عثمان فى قول الشاعر:
هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشّسى عبقر (5)
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى خزانة الأدب 9/ 183، وشرح شواهد المغنى 2/ 833، والمحتسب 1/ 109، 250، ومغنى اللبيب 2/ 413، ويروى: من مكة بدلا من ضبّة.
(2) البيت من الطويل، وهو للأخطل فى ديوانه ص 528، وأدب الكاتب ص 538، وشرح شواهد الشافية ص 18، ولسان العرب (ردد)، (سلف)، والمنصف 1/ 21، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 44، وشرح المفصل 7/ 152، والمحتسب 1/ 53، 62، 249.
سلف صفقه: وجب بيعه. والرداد بفتح الراء وكسرها اسم من الاسترداد.
(3) سبق تخريجه.
(4) الرجز للزفيان فى ديوانه ص 94، ولسان العرب (ضخم)، (سجل)، وللعجاج فى ملحق ديوانه 2/ 294، وتاج العروس (سبحل). وبعده:
* قلت لها والكفّ فى الحرير *
هذا فى وصف ناقة. ودفاها: جانباها. وسبحل الدفين: عظيمتهما. والعيسجور: الكريمة النسب.
(5) البيت من الرمل، وهو للمرار بن منقذ العدوى فى لسان العرب (عبقر)، (شسس)، (برك)،(2/118)
أراد: عبقر، فغيّر كما ترى إلا أنه حرك الساكن وقال غيره: أراد: عبيقر فحذف الياء كما حذفت من عرنقصان حتى صارت عرقصانا. وكذلك قوله: لم يلده أبوان، قد جاء فيه التحريك والتسكين جميعا. وكذلك قوله:
* ولكننى لم أجد من ذلكم بدا (1) *
وقد مضيا آنفا.
وأمّا المنفصل فإنه شبّه بالمتّصل، وذلك قراءة بعضهم {«فَإِذََا هِيَ تَلْقَفُ»} [الشعراء: 45]، {«فَلََا تَتَنََاجَوْا»} (2) [المجادلة: 9] فهذا مشبّه بدابّة وخدبّ. وعليه قراءة بعضهم {«إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللََّهَ»} (3) [يوسف: 90] وذلك أن قوله (تق و) بوزن علم فأسكن، كما يقال: علم. وأنشدوا:
ومن يتّق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد (4)
لأن (تق ف) بوزن علم. وأنشد أبو زيد:
* قالت سليمى اشترلنا سويقا (5) *
__________
وتهذيب اللغة 3/ 292، وتاج العروس (شسس)، (برك)، وشرح اختيارات المفضل ص 424، وجمهرة اللغة ص 133، 325، وبلا نسبة فى لسان العرب (صنبر).
(1) سبق تخريجه.
(2) هذه قراء ابن محيصن.
(3) هذه القراءة لم أقف عليها فى هذه الآية، وإنما قرأ حفص {وَمَنْ يُطِعِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللََّهَ وَيَتَّقْهِ} فى الآية 52من سورة النور بسكون القاف.
(4) البيت من الوافر، والدرر 1/ 161، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 299، وشرح شواهد الشافية ص 228، والصاحبى فى فقه اللغة ص 48، ولسان العرب (أوب)، (وقى)، والمحتسب 1/ 361، وهمع الهوامع 1/ 52.
(5) الرجز للعذافر الكندى فى شرح شواهد الإيضاح ص 258، وشرح شواهد الشافية ص 204، 205، وملحق نوادر أبى زيد ص 306، وتاج العروس (بخس)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 66، وجمهرة اللغة ص 1327، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 298، والمحتسب 1/ 361، والمنصف 2/ 236. ويروى: دقيقا بدلا من سويقا. وبعده:
* وهات خبز البر أو سويقا *
ويروى: دقيقا بدلا من سويقا.(2/119)
لأن (تراه) كعلم. ومنها:
* فاحذر ولا تكتر كريّا أعوجا (1) *
وأما {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ} [النساء: 58] و {فَتُوبُوا إِلى ََ بََارِئِكُمْ} [البقرة: 54] فرواها القرّاء عن أبى عمرو بالإسكان، ورواها سيبويه بالاختلاس، وإن لم يكن كان أزكى فقد كان أذكى، ولا كان بحمد الله مزنّا بريبة، ولا مغموزا فى رواية. لكن قوله:
* فاليوم أشرب غير مستحقب (2) *
وقوله:
* وقد بدا هنك من المئزر (3) *
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 67، وشرح شواهد الشافية ص 225، والمنصف 2/ 237، وتهذيب اللغة 7/ 443، وجمهرة اللغة ص 1185. وبعده:
* علجا إذ ساق بنا عفنججا *
(2) صدر بيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 122، وإصلاح المنطق ص 245، 322، والأصمعيات ص 130، وجمهرة اللغة ص 962، وحماسة البحترى ص 36، وخزانة الأدب 4/ 106، 8/ 350، 354، 355، والدرر 1/ 175، ورصف المبانى ص 327، وشرح التصريح 1/ 88، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 612، 1176، وشرح شذور الذهب ص 276، وشرح شواهد الإيضاح ص 256، وشرح المفصل 1/ 48، والشعر والشعراء 1/ 122، والكتاب 4/ 204، ولسان العرب (حقب)، (دلك)، (وغل)، والمحتسب 1/ 15، 110، وتاج العروس (وغل)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 66، والاشتقاق ص 337، وخزانة الأدب 1/ 152، 3/ 463، 4/ 484، 8/ 339، والمقرب 2/ 205، وهمع الهوامع 1/ 54. وعجزه:
* إثما من الله ولا واغل *
(3) عجز بيت من السريع، وهو للأقيشر الأسدى فى ديوانه ص 43، وخزانة الأدب 4/ 484، 485، 8/ 351، والدرر 1/ 174، وشرح أبيات سيبويه 2/ 391، والمقاصد النحويّة 4/ 516، وللفرزدق فى الشعر والشعراء 1/ 106، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 65، 2/ 31، وتخليص الشواهد ص 63، ورصف المبانى ص 327، وشرح المفصّل 1/ 48، والكتاب 4/ 203، ولسان العرب (وأل)، (هنا)، وهمع الهوامع 1/ 54. وصدره:
* رحت وفى رجليك ما فيهما *(2/120)
وقوله:
سيروا بنى العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب (1)
فمسكّن كله. والوزن شاهده ومصدّقه.
وأمّا دفع أبى العباس ذلك فمدفوع وغير ذى مرجوع إليه. وقد قال أبو علىّ فى ذلك فى عدّة أماكن من كلامه وقلنا نحن (معه ما) أيّده، وشدّ منه. وكذلك قراءة من قرأ {بَلى ََ وَرُسُلُنََا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (2) [الزخرف: 80] وعلى ذلك قال الراعى:
تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد (3)
فإنه أسكن المفتوح، وقد روى (لا تعرف لكم) فإذا كان كذلك فهو أسهل لاستثقال الضمة. وأمّا قوله:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها (4)
فقد قيل فيه: إنه يريد: أو يرتبط على معنى (لألزمنّه أو يعطينى حقّى) وقد يمكن عندى أن يكون (يرتبط) معطوفا على (أرضها) أى ما دمت حيّا فإنى لا أقيم، والأوّل أقوى معنى.
وأما قول أبى دواد:
فأبلونى بليّتكم لعلّى ... أصالحكم وأستدرج نويّا (5)
فقد يمكن أن يكون أسكن المضموم تخفيفا واضطرارا. ويمكن أيضا أن يكون معطوفا على موضع لعلّ لأنه (مجزوم جواب الأمر) كقولك: زرنى فلن
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) تسكين السين قراءة أبى عمرو.
(3) البيت من البسيط، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص 203، ولسان العرب (بيض)، وتهذيب اللغة 3/ 124، 12/ 85، والحيوان 4/ 336، وتاج العروس (بلد)، (بيض)، (دعا) وبلا نسبة فى لسان العرب (دعا).
(4) سبق تخريجه.
(5) البيت من الوافر، وهو لأبى دؤاد الإيادى فى ديوانه ص 350، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 701، وشرح شواهد المغنى 2/ 839، وللهذلىّ فى مغنى اللبيب 2/ 477، وبلا نسبة فى لسان العرب (علل)، ومغنى اللبيب 2/ 423.(2/121)
أضيعك حقك وأعطك ألفا أى زرنى أعرف حقك وأعطك ألفا.
وقد كثر إسكان الياء فى موضع النصب كقوله:
* يا دار هند عفت إلا أثافيها (1) *
وهو كثير جدّا، وشبّهت الواو فى ذلك بالياء كما شبّهت الياء الألف قال الأخطل:
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... نزلن وأنزلن القطين المولّدا (2)
وقال الآخر:
فما سوّدتنى عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب (3)
وقول الآخر:
وأن يعرين إن كسى الجوارى ... فتنبو العين عن كرم عجاف (4)
* * *
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) البيت من الطويل. وهو للأخطل فى ديوانه ص 86، وخزانة الأدب 8/ 348، والمحتسب 1/ 126، والممتع فى التصريف 2/ 536، والمنصف 2/ 115.
القطين: الخدم والأتباع.
(3) البيت من الطويل وهو لعامر بن الطفيل فى الحيوان 2/ 95، وخزانة الأدب 8/ 343، 344، 345، 348، وشرح شواهد الشافية ص 404، وشرح شواهد المغنى ص 953، وشرح المفصل 10/ 101، والشعر والشعراء ص 343، ولسان العرب (كلل)، والمقاصد النحوية 1/ 242، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 185، وشرح الأشمونى 1/ 45، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 183، والمحتسب 1/ 127، ومغنى اللبيب ص 677.
(4) البيت من الوافر، وهو لعمران بن حطان أو لعيسى بن الحبطى فى الأغانى 18/ 49، ولأبى خالد القنانى فى شرح شواهد المغنى 2/ 886، ولسان العرب (كرم)، ولسعيد بن مشجوج الشيبانى فى لسان العرب (كسا)، ولمرداس بن أذنة فى لسان العرب (عجف)، ولسعيد بن مشجوج الشيبانى، أو لأبى خالد القنانى أو لرجل من تيم اللات بن ثعلبة اسمه عيسى فى تاج العروس (كرم)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 270، وإصلاح المنطق ص 60، ومغنى اللبيب 2/ 527، والممتع فى التصريف 2/ 536، والمنصف 2/ 115.(2/122)
باب فى مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد
هذا موضع قلّما وقع تفصيله. وهو معنى يجب أن ينبّه عليه، ويحرّر القول فيه.
من ذلك قولهم فى ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم لأنهم يقولون فى ذلك: إنهم لمّا حرّكوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها، لكنهم ضمّوها لأن أصلها الضمّ فى منذ. (وهو) هكذا لعمرى لكنه الأصل الأقرب ألا ترى أن أوّل حال هذه الذال أن تكون ساكنة، وأنها إنما ضمّت لالتقاء الساكنين إتباعا لضمة الميم. فهذا على الحقيقة هو الأصل الأوّل. فأمّا ضمّ ذال منذ فإنما هو فى الرتبة بعد سكونها الأوّل المقدّر. ويدلّك على أن حركتها إنما هى لالتقاء الساكنين أنه لمّا زال التقاؤهما سكنت الذال فى مذ. وهذا واضح. فضمّتك الذال إذا من قولهم:
مذ اليوم ومذ الليلة إنما هو ردّ إلى الأصل الأقرب الذى هو (منذ) دون الأبعد المقدّر الذى هو سكون الذال فى (منذ) قبل أن يحرّك فيما بعده.
ولا يستنكر الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ لأن الدليل إذا قام على شىء كان فى حكم الملفوظ به وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله ألا ترى إلى قول سيبويه فى سودد (1): إنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما لم يجىء. هذا وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظيّة، ومع هذا فلم يظهر ذاك الذى قدّره ملحقا هذا به.
فلولا أن ما يقوم الدليل عليه ممّا لم يظهر إلى النطق به بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سرددا (وسوددا) بما لم يفوهوا به، ولا تجشّموا استعماله.
ومن ذلك قولهم بعت، وقلت فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد ألا ترى أن أصلهما فعل بفتح العين: بيع وقول، ثم نقلا من فعل إلى فعل وفعل، ثم قلبت الواو والياء فى فعلت ألفا، فالتقى ساكنان: العين المعتلّة المقلوبة
__________
(1) وابن جنى يريد أن سوددا بفتح الدال الأولى ملحق إذا لولا هذا لجرى فيه الإدغام.
وسيبويه فى الكتاب 2/ 401يجعل قعددا ومثله سودد ملحقا بجندب وعنصل، وهما مزيدان.(2/123)
ألفا، ولام الفعل فحذفت العين لالتقائهما، فصار التقدير: قلت وبعت، ثم نقلت الضمّة والكسرة إلى الفاء لأن أصلهما قبل القلب فعلت وفعلت، فصارا بعت وقلت. فهذا لعمرى مراجعة أصل، إلا أنه ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد ألا ترى أن أوّل أحوال هذه العين فى صيغة المثال إنما هو فتحة العين التى أبدلت منها الضمة والكسرة. وهذا واضح.
ومن ذلك قولهم فى مطايا وعطايا: إنهما لمّا أصارتهما الصنعة إلى مطاءا، وعطاءا أبدلوا الهمزة على أصل ما فى الواحد (من اللام) وهو الياء فى مطيّة وعطيّة ولعمرى إن لاميها ياءان، إلا أنك تعلم أن أصل هاتين الياءين واوان كأنهما (فى الأصل) مطيوة وعطيوة لأنهما من مطوّت، وعطوت أفلا تراك لم ترجع أصل الياء فيهما، وإنما لاحظت ما معك فى مطيّة وعطيّة من الياء، دون أصلهما الذى هو الواو.
أفلا ترى إلى هذه المعاملة، كيف هى مع الظاهر الأقرب إليك دون الأوّل الأبعد عنك. ففى هذا تقوية لإعمال الثانى من الفعلين لأنه هو الأقرب إليك دون الأبعد عنك. فاعرف هذا.
وليس كذلك صرف ما لا ينصرف، ولا إظهار التضعيف لأن هذا هو الأصل الأوّل على الحقيقة، وليس وراءه أصل، هذا أدنى إليك منه كما كان فيما أريته قبل. فاعرف بهذا ونحوه حال ما يرد عليك ممّا هو مردود إلى أوّل وراءه ما هو أسبق رتبة منه، وبين ما يردّ إلى أول ليست وراءه (رتبة متقدمة) له.
* * *
باب فى مراجعة أصل واستئناف فرع(2/124)
* * *
باب فى مراجعة أصل واستئناف فرع
اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعا، ولست تراجع به أصلا.
من ذلك الألفات غير المنقلبة الواقعة أطرافا للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرهما من الصيغة لا غير.
فالتى للإلحاق كألف أرطى فيمن قال: مأروط (1)، وحبنطى، ودلنظى. والتى للتأنيث كألف سكرى، وغضبى، وجمادى. والتى للصيغة لا غير كألف ضبغطرّى وقبعثرى، وزبعرى. فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفاف للتثنية أو الجمع قلبتها ياء، فقلت: أرطيان وحبنطيان، وسكريان، وجماديات، وحباريات، وضبغطريان، وقبعثريان. فهذه الياء فرع مرتجل، وليست مراجعا بها أصل ألا ترى أنه ليس واحدة منها منقلبة أصلا لا عن ياء ولا غيرها.
وليست كذلك الألف المنقلبة كألف مغزى ومدعى لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو فى غزوت ودعوت (وأصلهما) مغزو، ومدعو، فلمّا وقعت الواو رابعة هكذا قلبت ياء، فصارت مغزى ومدعى، ثم قلبت الياء ألفا فصارت مدعى ومغزى فلمّا احتجت إلى تحريك هذه الألف (راجعت بها الأصل) الأقرب وهو الياء، فصارتا ياء فى قولك: مغزيان ومدعيان.
وقد يكون الحرف منقلبا فيضطرّ إلى قلبه، فلا تردّه إلى أصله الذى كان منقلبا عنه. وذلك قولك فى حمراء: حمراوىّ، وحمراوات (2). وكذلك صفراوىّ، وصفراوات. فتقلب الهمزة واوا وإن كانت منقلبة عن ألف التأنيث كالتى فى نحو بشرى وسكرى. وكذلك أيضا إذا نسبت إلى شقاوة فقلت: شقاوىّ. فهذه الواو فى (شقاوىّ) بدل من همزة مقّدرة، كأنّك لمّا حذفت الهاء فصارت الواو
__________
(1) يقال: أديم مأروط أى مدبوغ بورق الأرطى، وهو شجر.
(2) أى فى جمع حمراء وصفراء. وحمراء وصفراء وصفان لا يجمعان بالألف والتاء عند جمهور النحويين. فإن كانتا علمين جاز جمعهما هذا الجمع بلا خلاف. (النجار).(2/125)
طرفا أبدلتها همزة، فصارت فى التقدير إلى شقاء، فأبدلت الهمزة واوا، فصار (شقاوىّ) فالواو إذا فى (شقاوىّ) غير الواو فى (شقاوة). ولهذا نظائر فى العربيّة كثيرة.
ومنها قولهم فى الإضافة إلى عدوّة: عدوىّ. وذلك أنك لمّا حذفت الهاء حذفت له واو فعولة كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها، فصارت فى التقدير إلى (عدو) فأبدلت من الضمة كسرة، ومن الواو ياء فصارت إلى (عدى) فجرت فى ذلك مجرى عم، فأبدلت من الكسرة فتحة، ومن الياء ألفا، فصارت إلى (عدا) كهدى، فأبدلت من الألف واوا لوقوع ياءى الإضافة بعدها، فصارت إلى (عدوىّ) كهدوىّ. فالواو إذا فى عدوىّ ليست بالواو فى عدوّة، وإنما هى بدل من ألف بدل من (ياء بدل من) الواو الثانية فى عدوّة. فاعرفه.
* * *
باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع(2/126)
* * *
باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع
اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما إذا احتيج إليه جاز أن يراجع. والآخر ما لا تمكن مراجعته لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله.
الأوّل منهما: الصّرف الذى يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين. فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه. وذلك كقوله:
فلتأتينك قصائد وليدفعا ... جيشا إليك قوادم الأكوار (1)
وهو باب واسع.
ومنه إجراء المعتلّ مجرى الصحيح نحو قوله:
لا بارك الله فى الغوانى هل ... يصبحن إلا لهنّ مطّلب (2)
وبقيّة الباب.
ومنه إظهار التضعيف كالححت عينه، وضبب البلد، وألل السقاء، وقوله:
* الحمد لله العلىّ الأجلل (3) *
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 55والإنصاف 2/ 490، وخزانة الأدب 6/ 333، وشرح أبيات سيبويه 2/ 249، والكتاب 3/ 511، والمنصف 2/ 79، وأساس البلاغة (عقل)، ولسان العرب (عقل)، وبلا نسبة فى المقتضب 1/ 143، 3/ 354.
(2) البيت من المنسرح، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ديوانه ص 3، والأزهية ص 209، والدرر 1/ 168، وشرح أبيات سيبويه 1/ 569، وشرح شواهد المغنى ص 62، وشرح المفصل 10/ 101، والكتاب 3/ 314، ولسان العرب (غنا)، والمقتضب 1/ 142، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 336، ورصف المبانى ص 270، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 115، والمحتسب 1/ 111، والمنصف 2/ 67، 81، ومغنى اللبيب ص 243، والمقتضب 3/ 354، وهمع الهوامع 1/ 53.
(3) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب 2/ 390، ولسان العرب (جلل، والدرر 6/ 138، وشرح شواهد المغنى 1/ 449، والمقاصد النحوية 4/ 595، وجمهرة اللغة ص 471، وتاج العروس (جزل)، (جلل)، (خول)، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 3/ 508، 893، والمقتضب(2/127)
وبقية الباب.
ومنه قوله:
* سماء الإله فوق سبع سمائيا (1) *
ومنه قوله:
* أهبى التراب فوقه إهبايا (2) *
وهو كثير.
الثانى: منهما وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة. وذلك كالثلاثىّ المعتلّ العين نحو قام وباع وخاف وهاب وطال. فهذا ممّا لا يراجع أصله أبدا ألا ترى أنه لم يأت عنهم فى نثر ولا نظم شىء منه مصحّحا نحو قوم ولا بيع ولا خوف ولا هيب ولا طول. وكذلك مضارعه نحو يقوم ويبيع ويخاف ويهاب ويطول. فأمّا ما حكاه بعض الكوفيّين من قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة فلحق بباب قولهم: قضو الرجل إذا جاد قضاؤه. ورمو إذا جاد رميه. فكما بنى فعل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله فى فعل مما عينه ياء. وعلّتهما جميعا أن هذا بناء لا يتصرّف لمضارعته بما فيه من المبالغة لباب التعجّب، ولنعم وبئس. فلمّا لم يتصرّف احتملوا فيه خروجه فى هذا الموضع مخالفا للباب ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فعل مما عينه ياء مخافة انتقالهم
__________
1/ 142، 253، والممتع فى التصريف 2/ 649، والمنصف 1/ 339، ونوادر أبى زيد ص 44، وهمع الهوامع 2/ 157، وبعده:
* أعطى فلم يبخل ولم يبخّل *
(1) عجز البيت من الطويل، وهو لأمية بن أبى الصلت فى ديوانه ص 70، وخزانة الأدب 1/ 244، 247، وشرح أبيات سيبويه 2/ 304، والكتاب 3/ 315، ولسان العرب (سما)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 337، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 115، والمقتضب 1/ 144، والممتع فى التصريف 2/ 513، والمنصف 2/ 66، 68. وصدره:
* له ما رأت عين البصير وفوقه *
يقال: أهبى الفرس التراب: أثاره.
(2) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 327، ولسان العرب (هبا)، والمحتسب 1/ 187، والمنصف 2/ 156، وتاج العروس (هبا).(2/128)
من الأثقل إلى ما هو أثقل منه لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: بعت أبوع، وهو يبوع، ونحن نبوع، وأنت أو هى تبوع، وبوعا وبوعوا وبوعى، وهما يبوعان، وهم يبوعون ونحو ذلك. وكذلك لو جاء فعل مما لامه ياء متصّرفا للزم أن يقولوا: رموت ورموت، وأنا أرموا، ونحن نرمو، وأنت ترمو، وهو يرمو، وهم يرمون، وأنتما ترموان، وهنّ يرمون ونحو ذلك فيكثر قلب الياء واوا، وهو أثقل من الياء.
فأما قولهم: لرمو الرجل فإنه لا يصّرف ولا يفارق موضعه هذا كما لا يتصرف نعم وبئس، فاحتمل ذلك فيه لجموده عليه وأمنهم تعدّيه إلى غيره.
وكذلك احتمل هيؤ الرجل ولم يعلّ لأنه لا يتصرّف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس ولو صرّف للزم إعلاله وأن يقال: هاء يهوء، وأهوء وتهوء، ونهوء وهما يهوءان، وهم يهوءون ونحو ذلك فلمّا لم يتصرّف لحق بصحّة الأسماء فكما صحّ نحو القود والحوكة والصيد والغيب، كذلك صحّ هيؤ الرجل فاعرفه كما صحّ ما أطوله وما أبيعه ونحو ذلك.
وممّا لا يراجع من الأصول باب افتعل إذا كانت فاؤه صادا أو ضادا أو طاء أو ظاء فإن تاءه تبدل طاء نحو اصطبر، (واضطرب) واطّرد واظطلم. وكذلك إن كانت فاؤه دالا (أو ذالا) أو زايا فإنّ تاءه تبدل دالا. وذلك نحو (قولك) ادّلج وادّكر وازدان. فلا يجوز خروج هذه التاء على أصلها. ولم يأت ذلك فى نثر ولا نظم. فأمّا ما حكاه خلف فيما أخبرنا به أبو علىّ من قول بعضهم: التقطت النوى واشتقطته واضتقطته فقد يجوز أن تكون الضاد بدلا من الشين فى اشتقطته. نعم، ويجوز أن تكون بدلا من اللام فى التقطته، فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون ذلك إيذانا بأنها بدل من اللام أو الشين، فتصحّ التاء مع الضاد كما صحّت مع ما الضاد بدل منه. ونظير ذلك قول بعضهم:
يا ربّ أبّاز من العفر صدع ... تقبّض الذئب إليه واجتمع (1)
__________
(1) الرجز لمنظور الأسدى فى تاج العروس (صدع)، وبلا نسبة فى لسان العرب (أبز)، (أرط)، (صدع)، والتنبيه والإيضاح 2/ 234، وتهذيب اللغة 2/ 5، 13/ 270، والمخصص 8/ 24، 15/ 80، وتاج العروس (أبز)، (قبض)، (ضجع).(2/129)
لمّا رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع (1)
فأبدل لام الطجع من الضاد وأقّر الطاء بحالها مع اللام ليكون ذلك دليلا على أنها بدل من الضاد. وهذا كصحّة عور لأنه بمعنى ما تجب صحّته، وهو اعورّ. وقد مضى ذلك.
ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة، ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضّمة. فأمّا قراءة أبى عمرو: {«يََا صََالِحُ ائْتِنََا»} (2) [الأعراف: 77] بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء فلا يلزمه عليها أن يقول: يا غلام اوجل. والفرق بينهما أن صحّة الياء فى (يا صالح ايتنا) بعد الضمة له نظير، وهو قولهم: قيل وبيع، فحمل المنفصل: على المتصل وليس فى كلامهم واو ساكنة صحّت بعد كسرة فيجوز قياسا عليه يا غلام اوجل.
فإن قلت: فإن الضمّة فى نحو قيل وبيع لا تصحّ لأنها إشمام ضمّ للكسرة، والكسرة فى (يا غلام اوجل) كسرة صريحة. فهذا فرق.
قيل: الضمة فى حاء (يا صالح) ضمّة بناء فأشبهت ضمّة (قيل) من حيث كانت بناء وليس لقولك: (يا غلام اوجل) شبيه فيحمل هذا عليه، لا كسرة صريحة ولا كسرة مشفوبة. فأمّا تفاوت ما بين الحركتين فى كون إحداهما ضمة صريحة والأخرى ضمة غير صريحة فأمر تغتفر العرب ما هو أعلى وأظهر منه.
وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين فى نحو جمعهم فى القافية بين سالم وعالم (3) مع قادم وظالم فإذا تسمّحوا بخلاف الحرفين مع
__________
(1) الرجز لمنظور بن حبه الأسدى فى شرح التصريح 2/ 367، والمقاصد النحوية 4/ 584، وبلا نسبة فى التنبيه والإيضاح 2/ 234، والمخصص 8/ 24، وتاج العروس (أبز)، (أرط)، (ضجع)، والأشباه والنظائر 2/ 340، وإصلاح المنطق ص 95، وأوضح المسالك 4/ 371، وسر صناعة الإعراب 1/ 321، وشرح الأشمونى 3/ 821، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 226، وشرح شواهد الشافية ص 274، وشرح المفصل 9/ 82، 10/ 46، ولسان العرب (أبز)، (أرط)، (ضجع)، (رطأ)، والمحتسب 1/ 107، والممتع فى التصريف 1/ 403، والمنصف 2/ 329.
(2) هذه القراءة لم أقف عليها فى مظانها.
(3) يريد أن سالما وعالما حركتهما ممالة للكسرة بعد الألف مع عدم المانع، فأما قادم وظالم فيمنع(2/130)
الحركتين كان تسمّحهم بخلاف الحركتين وحدهما فى (يا صالح ايتنا) وقيل وبيع أجدر بالجواز.
فإن قلت: فقد صحّت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو اجلوّاذ واخروّاط، قيل:
الساكنة هنا لمّا أدغمت فى المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعا نبوة واحدة جرتا لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة نحو طول وحول. وعلى أن بعضهم قد قال:
اجليواذا، فأعلّ مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف، ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء إذ كانت هذه الياء غير لازمة، فجرى ذلك فى الصحّة مجرى ديوان فيها.
ومن قال: ثيرة وطيال فقياس قوله هنا أن يقول: اجليّاذا فيقلبهما جميعا إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة.
فإن قيل: فالحركتان قبل الألفين فى سالم وقادم كلتاهما فتحة، وإنما شيبت إحداهما بشىء من الكسرة، وليست كذلك الحركات فى حاء (يا صالح)، وقاف قيل من حيث كانت الحركة فى حاء (يا صالح) ضمة ألبتّة، وحركة قاف (قيل) كسرة مشوبة بالضمّ فقد ترى الأصلين هنا مختلفين، وهما هناك أعنى فى سالم وقادم متفقان.
قيل: كيف تصرّفت الحال فالضمة فى (قيل) مشوبة غير مخلّصة كما أن الفتحة فى سالم مشوبة غير مخلصة، نعم ولو تطعّمت الحركة فى قاف (قيل) لوجدت حصّة الضم فيها أكثر من حصّة الكسر، أو أدون حالها أن تكون فى الذوق مثلها، ثم من بعد ذلك ما قدّمناه من اختلاف الألفين فى سالم وقادم لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما، و (ليست) الياء فى (قيل) كذلك بل هى ياء مخلصة وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة. وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصحّ بعد الضمّة المخلصة، فضلا عن الكسرة المشوبة بالضمّ ألا تراك لا يتعذّر عليك صحّة الياء وإن خلصت قبلها الضمة فى نحو ميسر فى اسم الفاعل من أيسر لو تجشّمت إخراجه على الصحّة، وكذلك لو تجشّمت تصحيح واو موازن قبل القلب وإنما ذلك تجشّم الكلفة لإخراج الحرفين
__________
الإمالة فيهما حرفا الاستعلاء القاف والظاء، فالفتحة فى الأوّلين مشوبة بكسرة، وفى الأخيرين خالصة. (نجار).(2/131)
مصحّحين غير معلّين. فأمّا الألف فحديث غير هذا ألا ترى أنه ليس فى الطوق ولا من تحت القدرة صحّة الألف بعد الضمّة ولا الكسرة، بل إنما هى تابعة للفتحة قبلها فإن صحّت الفتحة قبلها صحّت بعدها، وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحى بالألف نحو الياء نحو سالم وعالم، وإن شيبت بالضمّة نحى بالألف نحو الواو فى الصلاة والزكاة، وهى ألف التفخيم. فقد بان لك بذلك فرق ما بين الألف وبين الياء والواو.
فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة ممّا يرفض فلا يراجع. فاعرفه وتنبه على أمثاله فإنها كثيرة.
* * *
باب فى مراعاتهم الأصول تارة، وإهمالهم إياها أخرى(2/132)
* * *
باب فى مراعاتهم الأصول تارة، وإهمالهم إياها أخرى
فمن الأول قولهم: صغت الخاتم، وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عّديت، فلولا أن أصل هذا فعلت بفتح العين لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط ممّا تطيح الطوائح (1)
ألا ترى أن أول البيت مبنىّ على اطّراح ذكر الفاعل، وأن آخره قد عوود فيه (الحديث عن الفاعل) لأن تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط ممّا تطيح الطوائح.
فدلّ قوله: ليبك، على ما أراده من قوله: ليبكه. ونحوه قول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج: 19]، {وَخُلِقَ الْإِنْسََانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28] هذا مع قوله سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسََانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1، 2]، وقوله عزّ وجل: {خَلَقَ الْإِنْسََانَ * عَلَّمَهُ الْبَيََانَ} [الرحمن: 3، 4] وأمثاله كثيرة.
ونحو من البيت قول الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهََا بِالْغُدُوِّ وَالْآصََالِ. رِجََالٌ} (2) [النور: 36، 37] أى يسبّح له فيها رجال.
ومن الأصول المراعاة قولهم: مررت برجل ضارب زيد وعمرا، وليس زيد
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للحارث بن نهيك فى خزانة الأدب 1/ 303، وشرح شواهد الإيضاح ص 94، وشرح المفصل 1/ 80، والكتاب 1/ 288، وللبيد بن ربيعة فى ملحق ديوانه ص 362، ولنهشل بن حرىّ فى خزانة الأدب 1/ 303، ولضرار بن نهشل فى الدرر 2/ 286، ومعاهد التنصيص 1/ 202، وللحارث بن ضرار فى شرح أبيات سيبويه 1/ 110، ولنهشل أو للحارث، أو لضرار، أو لمزرد بن ضرار، أو للمهلهل فى المقاصد النحويّة 2/ 454، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 345، 7/ 24، وأمالى ابن الحاجب. ص 447، 789، وأوضح المسالك 2/ 93، وتخليص الشواهد ص 478، وخزانة الأدب 8/ 139، وشرح الأشمونى 1/ 171، وشرح المفصل 1/ 80، والشعر والشعراء ص 105، 106، والكتاب 1/ 366، 398، ولسان العرب (طوح)، والمحتسب 1/ 230، ومغنى اللبيب ص 620، والمقتضب 3/ 282، وهمع الهوامع 1/ 160.
(2) قراءة فتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر.(2/133)
بقائم ولا قاعدا، و {إِنََّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت: 33] وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله:
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (1)
وقوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا تاعب إلا ببين غرابها (2)
كانت مراجعة الأصول أولى وأجدر.
ومن ضدّ ذلك: هذان ضارباك ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين فى آخر الاسم. وعلى هذا القياس أكثر الكلام: أن يعامل الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه. وهو شاهد لقوّة إعمال الثانى من الفعلين لقوّته وغلبته على إعمال الأول لبعده. ومن ذلك قوله:
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 287، وتخليص الشواهد ص 512، وخزانة الأدب 8/ 492، 496، 552، 9/ 100، 102، 104، والدرر 6/ 163، وشرح شواهد المغنى 1/ 282، وشرح المفصل 2/ 52، 7/ 56، والكتاب 1/ 165، 3/ 29، 51، 100، 4/ 160، ولسان العرب (غش)، ومغنى اللبيب 1/ 96، والمقاصد النحوية 2/ 267، 3/ 351، وهمع الهوامع 2/ 141، ولصرمة الأنصارى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 72، والكتاب 1/ 306، ولصرمة أو لزهير فى الإنصاف 1/ 191، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 154، والأشباه والنظائر 2/ 347، وجواهر الأدب ص 52، وخزانة الأدب 1/ 120، 4/ 135، 10/ 293، 315، وشرح الأشمونى 2/ 432، وشرح المفصل 8/ 69، والكتاب 2/ 155.
(2) البيت من الطويل، وهو للأخوص (أو الأحوص) الرياحى فى الإنصاف ص 193، والحيوان 3/ 431، وخزانة الأدب 4/ 158، 160، 164، وشرح شواهد الإيضاح ص 589، وشرح شواهد المغنى ص 871، وشرح المفصل 2/ 52، وشرح أبيات سيبويه 1/ 74، 2/ 105، والكتاب 1/ 165، 306، ولسان العرب (شأم)، والمؤتلف والمختلف ص 49، وهو للفرزدق فى الكتاب 3/ 29، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 155، والأشباه والنظائر 2/ 347، 4/ 313، والخزانة 8/ 295، 554، وشرح الأشمونى 2/ 302، وشرح المفصل 5/ 68، 7/ 57، ومغنى اللبيب ص 478، والممتع فى التصريف ص 50.(2/134)
* وما كلّ من وافى منى أنا عارف (1) *
فيمن نوّن أو أطلق مع رفع (كلّ). ووجه ذلك أنه إذا رفع كلا فلا بدّ من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير، وكل واحد من التنوين فى (عارف) ومدّة الإطلاق فى (عارفو) ينافى اجتماعه مع الهاء المرادة المقدّرة ألا ترى أنك لو جمعت بينهما فقلت: عارفنه أو عارفوه لم يجز شىء من ذينك. وإنما هذا لمعاملة الحاضر واطّراح حكم الغائب. فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.
* * * __________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو لمزاحم بن الحارث العقيلى فى ديوانه ص 28، وخزانة الأدب 6/ 268، وشرح أبيات سيبويه 1/ 43، وشرح التصريح (1/ 198)، وشرح شواهد الإيضاح ص 154، وشرح شواهد المغنى 2/ 970، والكتاب 1/ 72، 146، والمقاصد النحوية 2/ 98، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 233، وأوضح المسالك 1/ 282، وشرح الأشمونى 1/ 122، ولسان العرب (عرف)، ومغنى اللبيب 2/ 694. وصدره:
* وقالوا تعرفها المناذل من منى *(2/135)
باب فى حمل الأصول على الفروع
قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله لأنك لا تضيفه إليه مضمرا، فكذلك لا تضيفه إليه مظهرا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمّا جازت إضافته إليه مضمرا. كأن أبا عثمان إنما اعتبر فى هذا الباب المضمر فقدّمه، وحمل عليه المظهر من قبل أن المضمر أقوى حكما فى باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة وهو التنوين من المظهر. ولذلك لا يجتمعان فى نحو ضاربانك وقاتلونه من حيث كان المضمر بلطفه وقوّة اتصاله (مشابها للتنوين بلطفه وقوّة اتصاله) وليس كذلك المظهر لقوّته ووفور صورته ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه نحو ضاربان زيدا، وقاتلون عمرا. فلمّا كان المضمر ممّا تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر وإن كان هو الأصل عليه، وأصاره لما ذكرناه إليه.
ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجرّ فى المظهر فى نحو رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين لاستوائهما فى المضمر نحو رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم المظهر من حيث كان المضمر عاريا من الإعراب، (فإذا) عرى منه جاز أن يأتى منصوبه بلفظ مجروره، وليس كذلك المظهر لأن باب الإظهار أن يكون موسوما بالإعراب، فلذلك حملوا الظاهر على المضمر فى التثنية وإن كان المظهر هو الأصل إذ كان المراعى هنا أمرا غير الفرعيّة والأصليّة، وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمّلت ذلك علمت أنك فى الحقيقة إنما حملت فرعا على أصل لا أصلا على فرع ألا ترى أن المضمر أصل فى عدم الإعراب، فحملت المظهر عليه لأنه فرع فى البناء كما حملت المظهر على المضمر فى باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل فى مشابهته التنوين والمظهر فرع عليه فى ذلك لأنه إنما (يتأصّل) فى الإعراب لا فى البناء.
فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها، ولا تعط باليد مع أوّل ورودها، وتأتّ لها، ولا طف بالصنعة ما يورده الخصم منها، مناظرا كان أو خاطرا. وبالله التوفيق.(2/136)
باب فى الحكم يقف بين الحكمين
هذا فصل موجود فى العربيّة لفظا، وقد أعطته مقادا عليه وقياسا. وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم فى نحو غلامى وصاحبى. فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء. أمّا كونها غير إعراب فلأن الاسم يكون مرفوعا ومنصوبا وهى فيه نحو هذا غلامى ورأيت صاحبى، وليس بين (الكسر وبين) الرفع والنصب فى هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة. وأمّا كونها غير بناء فلأن الكلمة معربة متمكّنة، فليست الحركة إذن فى آخرها ببناء ألا ترى أن غلامى فى التمكّن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.
فإن قلت: فما الكسرة فى نحو مررت بغلامى، ونظرت إلى صاحبى أإعراب هى، أم من جنس الكسرة فى الرفع والنصب؟
قيل: بل هى من جنس ما قبلها، وليست إعرابا ألا تراها ثابتة فى الرفع والنصب. فعلمت بذلك أن هذه الكسرة يكره الحرف عليها، فيكون فى الحالات ملازما لها. وإنما يستدلّ بالمعلوم على المجهول. فكما لا يشكّ أن هذه الكسرة فى الرفع والنصب ليست بإعراب، فكذلك يجب أن يحكم عليها فى باب الجرّ إذ الاسم واحد، فالحكم عليه إذا فى الحالات واحد. إلا أن لفظ هذه الحركة فى حال الجرّ وإن لم تكن إعرابا لفظها لو كانت إعرابا كما أن كسرة الصاد فى صنو غير كسرة الصاد فى صنوان حكما، وإن كانت إياها لفظا. وقد مضى ذلك، وسنفرد لما يتّصل به بابا.
ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو الرجل وغلامك وصاحب الرجل. فهذه الأسماء كلها، وما كان نحوها لا منصرفة (1) ولا غير منصرفة.
وذلك أنها ليست بمنوّنة فتكون منصرفة، ولا ممّا يجوز للتنوين حلوله للصرف، فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارة لكونه غير منصرف كأحمد وعمر وإبراهيم
__________
(1) المعروف أن هذه الأمثلة منصرفة، إذ ليس فيها شبه الفعل. ومنع التنوين لوجود المعاند له، وآية ذلك أنه إذا زال المعاند عاد الصرف. نجار.(2/137)
ونحو ذلك. وكذلك التثنية والجمع على حدّها نحو الزيدان والعمرين والمحمدون ليس شىء من ذلك منصرفا (1) ولا غير منصرف، معرفة كان أو نكرة من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينوّن مثلها، فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها.
ومن ذلك بيت الكتاب:
* له زجل كأنّه صوت حاد (2) *
فحذف الواو من قوله (كأنه) لا على حدّ الوقف ولا على حدّ الوصل. أما الوقف فيقضى بالسكون: (كأنه). وأمّا الوصل فيقضى بالمطل وتمكين الواو:
(كأنهو) فقوله إذا (كأنه) منزلة بين الوصل والوقف.
وكذلك أيضا سواء قوله:
يا مرحباه بحمار ناجيه ... إذا أتى قرّبته للسانيه (3)
فثبات الهاء فى (مرحباه) ليس على حدّ الوقف، ولا على حدّ الوصل. أمّا الوقف فيؤذن (بأنها ساكنة: يا مرحباه. وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلا: يا مرحبا بحمار ناجيه. فثباتها إذا فى الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين.
وكذلك سواء قوله:
__________
(1) هذا الضرب عند المتأخرين منصرف لأنه لم يشبه الفعل.
(2) صدر البيت من الوافر، وهو للشماخ فى ديوانه ص 155، والدرر 1/ 181، وشرح أبيات سيبويه 1/ 437، والكتاب 1/ 30، ولسان العرب (ها)، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 561، والأشباه والنظائر 2/ 379، وخزانة الأدب 2/ 388، 5/ 270، 271، ولسان العرب (زجل)، والمقتضب 1/ 267، وهمع الهوامع 1/ 59. وعجزه:
* إذا طلب الوسيقة أو زمير *
(3) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 380، وخزانة الأدب 2/ 388، 11/ 460، والدرر 6/ 248، ورصف المبانى ص 400، وشرح المفصل والمنصف 3/ 142، وهمع الهوامع 2/ 157، وتهذيب اللغة 13/ 76، وتاج العروس (سنى)، ولسان العرب (سنا).
ناجية: اسم صاحب الحمار. السانية: الدلو العظيمة.(2/138)
* ببازل وجناء أو عيهلّ (1) *
فإثبات الياء مع التضعيف طريف. وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف، والياء من أمارة الإطلاق. فظاهر هذا الجمع بين الضدّين فهو إذا منزلة بين المنزلتين.
وسبب جواز الجمع بينهما أن كل واحد منهما قد كان جائزا على انفرداه، فإذا جمع بينهما فإنّه على كل حال لم يكلف إلا بما من عادته أن يأتى به مفردا، وليس على النظر بحقيقة الضدّين كالسواد والبياض والحركة والسكون فيتسحيل اجتماعهما. فتضادّهما إذا إنما هو فى الصناعة لا فى الطبيعة. والطريق متلئبّة منقادة، والتأمّل يوضحها ويمكنك منها.
* * * __________
(1) الرجز لمنظور بن مرثد فى خزانة الأدب 6/ 135، 136، وشرح أبيات سيبويه 2/ 376، وشرح شواهد الإيضاح ص 276، وشرح شواهد الشافية ص 246، ولسان العرب (عهل)، ونوادر أبى زيد ص 53، وتاج العروس (عهل)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 380، وجواهر الأدب ص 94، والإنصاف ص 780، وخزانة الأدب 4/ 494، ورصف المبانى ص 162، وسر صناعة الإعراب ص 161، 417، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 318، وشرح المفصل 9/ 68، والكتاب 4/ 170، ولسان العرب (جدب)، (ملظ)، (بدل)، (قندل)، (فوه)، (دمى)، والمحتسب 1/ 102، 137، والممتع فى التصريف 1/ 111، والمنصف 1/ 11، ومقاييس اللغة 4/ 173، وكتاب الجيم 2/ 322، وتاج العروس (جدب)، وقبله:
* فسلّ همّ الوامق المعتلّ *
البازل: من الإبل ما دخل فى السنة التاسعة. والوجناء: الناقة الشديدة. العيهل: الناقة الطويلة.(2/139)
باب فى شجاعة العربية
اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف، والزيادة، والتقديم، والتأخير، والحمل على المعنى، والتحريف.
الحذف
قد حذفت العرب الجملة، والمفرد، والحرف، والحركة. وليس شىء من ذلك إلا عن دليل عليه. وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب فى معرفته.
فأمّا الجملة فنحو قولهم فى القسم: والله لا فعلت، وتالله لقد فعلت.
وأصله: أقسم بالله، فحذف الفعل والفاعل، وبقيت الحال من الجارّ والجواب دليلا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال فى الأمر والنهى والتحضيض نحو قولك: زيدا، إذا أردت: اضرب زيدا أو نحوه. ومنه إيّاك إذا حذّرته أى احفظ نفسك ولا تضعها، والطريق الطريق، وهلا خيرا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله أى أصاب القرطاس. وخير مقدم أى قدمت خير مقدم. وكذلك الشرط فى نحو قوله: الناس مجزيّون بأفعالهم إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا أى إن فعل المرء خيرا جزى خيرا، وإن فعل شرّا جزى شرّا. ومنه قول التغلبىّ:
* إذا ما الماء خالطها سخينا (1) *
(أى فشربنا سخينا)، وعليه قول الله سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ}
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لعمرو بن كلثوم فى ديوانه ص 64، ولسان العرب (كلح)، (حصص)، (سخن)، وكتاب العين 1/ 71، والمخصص 3/ 2، 15/ 60، والأغانى 11/ 45، وجمهرة أشعار العرب 1/ 389، والخزانة 3/ 178، وشرح ديوان امرئ القيس ص 320، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى 1/ 188، وشرح القصائد السبع ص 372، وشرح القصائد العشر ص 321، وشرح المعلقات السبع ص 165، وشرح المعلقات العشر ص 88، وشعراء النصرانية ص 455، وللتغلبى فى تاج العروس (طلح)، ومقاييس اللغة 2/ 13، 3/ 168، وديوان الأدب 4/ 92، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (حصص).(2/140)
{فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتََا عَشْرَةَ عَيْناً} [البقرة: 60] أى فضرب فانفجرت، وقوله عزّ اسمه:
{فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] أى فحلق فعليه فدية. ومنه قولهم: ألا تا، بلا فا أى ألا تفعل، بلى فافعل، وقول الآخر:
* قلنا لها قفى لنا قالت قاف (1) *
أى وقفت، وقوله:
* وكأن قد (2) *
أى كأنها قد زالت. فأمّا قوله:
* إذا قيل مهلا قال حاجزه قد (3) *
فيكون على هذا أى قد قطع (وأغنى). ويجوز أن يكون معناه: قدك! أى حسبك، كأنه قد فرغ مما قد أريد منه، فلا معنى لردعك وزجرك.
وإنما تحذف الجملة من الفعل والفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل فى كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل نحو ضربت ويضربان، وقامت هند، و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوََالِكُمْ} [آل عمران: 186] وحبّذا زيد، وما أشبه ذلك مما يدلّ على شدّة اتّصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد. وليس كذلك المبتدأ والخبر.
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (وقف)، وتهذيب اللغة 15/ 679، وتاج العروس (سين).
(2) عجز البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 89، والأزهية ص 211، والأغانى 11/ 8، والجنى الدانى ص 146، 260، 5/ 178، وشرح التصريح 1/ 36، وشرح شواهد المغنى ص 490، 764، وشرح المفصل 8/ 148، 9/ 18، 52، ولسان العرب (قدد)، ومغنى اللبيب ص 171، والمقاصد النحوية 1/ 80، 2/ 314، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 56، 356، وأمالى ابن الحاجب 1/ 455، وخزانة الأدب 9/ 8، 11/ 260، ورصف المبانى ص 72، 125، 448، وسر صناعة الإعراب ص 334، 490، 777، وشرح الأشمونى 1/ 12، وشرح ابن عقيل ص 18، وشرح قطر الندى ص 160، وشرح المفصل 10/ 110، ومغنى اللبيب ص 342، والمقتضب 1/ 42، وهمع الهوامع 1/ 143، 2/ 80. وتكملة البيت:
أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا
(3) عجز البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه من 37، ومقاييس اللغة 5/ 13، والأزهية ص 213، وبلا نسبة فى لسان العرب (قدد). وصدره:
* أخى ثقة لا ينثنى عن ضريبة *(2/141)
وأمّا حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف:
حذف الاسم على أضرب
قد حذف المبتدأ تارة نحو هل لك فى كذا (وكذا) أى هل لك فيه حاجة أو أرب. وكذلك قوله عزّ وجلّ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مََا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلََّا سََاعَةً مِنْ نَهََارٍ بَلََاغٌ} [الأحقاف: 35] أى ذلك، أو هذا بلاغ. وهو كثير.
وقد حذف الخبر، نحو قولهم فى جواب من عندك: زيد أى زيد عندى.
وكذا قوله تعالى: {طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: 21] إن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما، وإن شئت كان على: أمرنا طاعة وقول معروف.
وعليه قوله:
فقالت: على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد (1)
وقد حذف المضاف، وذلك كثير واسع، وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه نحو قول الله سبحانه: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ََ} [البقرة: 177] أى برّ من اتّقى.
وإن شئت كان تقديره: ولكنّ ذا البرّ من اتقى. والأوّل أجود لأنّ حذف المضاف ضرب من الاتساع، والخبر أولى بذلك من المبتدأ لأن الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور. ومنه قوله عزّ اسمه: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أى أهلها.
وقد حذف المضاف مكررا نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] أى من تراب أثر حافر فرس الرسول. ومثله مسئلة الكتاب:
أنت منى فرسخان أى ذو مسافة فرسخين. وكذلك قوله جلّ اسمه:
{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى ََ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] أى كدوران عين الذى يغشى عليه من الموت.
وقد حذف المضاف إليه نحو قوله تعالى: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}
[الروم: 4] أى من قبل ذلك ومن بعده. وقولهم: ابدأ بهذا أوّل أى أول ما تفعل.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص 490، والأغانى 1/ 185، وخزانة الأدب 4/ 181، وشرح شواهد المغنى 1/ 321، 2/ 928، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص 601.(2/142)
وإن شئت كان تقديره: أول من غيره، ثم شبه الجارّ والمجرور هنا بالمضاف إليه لمعاقبة المضاف إليه إياهما. وكذلك قولهم: جئت من عل أى من أعلى كذا، وقوله:
فملّك بالليط الذى تحت قشرها ... كغرقىء بيض كنّه القيض من عل (1)
فأمّا قوله:
* كجلمود صخر حطّه السيل من عل (2) *
فلا حذف فيه لأنه نكرة، ولذلك أعربه، فكأنه قال: حطّه السيل من مكان عال لكن قول العجلىّ:
* أقب من تحت عريض من عل (3) *
هو محذوف المضاف إليه لأنه معرفة وفى موضع المبنىّ على الضم ألا تراه
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 97، ولسان العرب (ليط)، وتهذيب اللغة 14/ 25، وتاج العروس (ليط).
والبيت فى وصف قوس. والليط: القشر. والغرقئ: القشرة الملتزقة ببياض البيض. والقيض:
القشرة العليا اليابسة.
(2) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 19، ولسان العرب (علا)، وجمهرة اللغة ص 126، وتاج العروس (فرر) وكتاب العين 7/ 174، وإصلاح المنطق ص 25، وخزانة الأدب 2/ 397، 3/ 242، 243، والدرر 3/ 115، وشرح أبيات سيبويه 2/ 339، وشرح التصريح 2/ 54، وشرح سواهد المغنى 1/ 451، والشعر والشعراء 1/ 116، والكتاب 4/ 228، والمقاصد النحوية 3/ 449، وتاج العروس (علا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (حطط)، وتهذيب اللغة 14/ 25، والمخصص 13/ 202، وتاج العروس (خطط)، وأوضح المسالك 3/ 165، ورصف المبانى ص 328، وشرح الأشمونى 2/ 323، وشرح شذور الذهب ص 140، ومغنى اللبيب 1/ 154، والمقرب 1/ 215، وهمع الهوامع 1/ 210. وصدره:
* مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا *
(3) الرجز لأبى النجم العجلى فى الطرائف الأدبية ص 68، والأزهية ص 22، ولسان العرب (علا)، وخزانة الأدب 2/ 397، وشرح شواهد المغنى 1/ 449، والكتاب 3/ 290، والمقاصد النحوية 3/ 448، وكتاب العين 2/ 247، ومقاييس اللغة 4/ 116، وبلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص 397، وشرح المفصل 4/ 89، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 92، ومغنى اللبيب 1/ 154.(2/143)
قابل به ما هذه حاله، وهو قوله: من تحت. وينبغى أن يكتب (على) فى هذا بالياء. وهو فعل فى معنى فاعل أى أقبّ من تحته عريض من عاليه، بمعنى أعلاه. والسافل والعالى بمنزلة الأسفل والأعلى. قال:
ما هو إلا الموت يغلى غاليه ... مختلطا سافله بعاليه
لا بدّ يوما أننى ملاقيه
ونظير عال وعل هنا قوله:
* وقد علتنى ذرأة بادى بدى (1) *
أى بادى بادى. وإن شئت كان ظرفا غير مركب أى فى بادى بدى كقوله: عزّ اسمه: {بََادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] (أى فى بادى الرأى) إلا أنه أسكن الياء فى موضع النصب مضطرّا كقوله:
* يا دار هند عفت إلا أثافيها (2) *
وإن شئت كان مركّبا على حدّ قوله:
__________
(1) الرجز لأبى نخيلة فى لسان العرب (ذرأ)، (نهض)، (بدا)، والأغانى 20/ 388، وسمط اللآلى ص 480، والكتاب 3/ 305، والمقتضب 4/ 27، والتنبيه والإيضاح 1/ 17، وتاج العروس (ذرأ)، (نهض)، (بدى)، ولحميد بن ثور فى تاج العروس (بدو)، (رثى)، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى لسان العرب (بدا)، (رثا)، والأشباه والنظائر 6/ 28، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 104، والمعانى الكبير ص 1223، وتهذيب اللغة 14/ 203، 204، 15، 5، وجمهرة اللغة ص 696، 1097، 1267، وديوان الأدب 4/ 9، وتاج العروس (بدى).
وبعده:
وريثة تنهض بالتشدد ... وصار للفحل لسانى ويدى
الذرأة: الشيب.
(2) صدر البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 240، وشرح أبيات سيبويه 2/ 319، ولبعض السعديين فى شرح شواهد الشافية 10/ 100، 102، والكتاب 3/ 306، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 268، 6/ 108، 8/ 49، وخزانة الأدب 6/ 397، 8/ 347، وشرح المفصل 10/ 100، 102، ولسان العرب (تفا)، والمحتسب 1/ 126، 2/ 343، والمنصف 2/ 185، 3/ 82. وعجزه:
* بين الطوى فصارات فواديها *(2/144)
إذ نحن فى غرّة الدنيا ولذّتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا (1)
إلا أنه أسكن لطول الاسم بالتركيب كمعدى كرب. ومثل فاعل وفعل فى هذا المعنى قوله:
أصبح قلبى صردا ... لا يشتهى أن يردا
إلا عرادا عردا ... وصلّيانا بردا
وعنكثا ملتبدا (2)
أراد: الإعراد عاردا وصلّيانا باردا.
وعليه قوله:
* كأنّ فى الفرش القتاد العاردا (3) *
فأمّا قولهم: عرد الشتاء فيجوز أن يكون مخفّفا من عرد هذا. ويجوز أن يكون مثالا فى الصفة على فعل كصعب وندب.
ومنه يومئذ وحينئذ ونحو ذلك أى إذ ذاك كذلك، فحذفت الجملة المضاف إليها. وعليه قول ذى الرمّة:
فلمّا لبسن الليل أو حين نصّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح (4)
__________
(1) البيت لابن المعتز فى الأغانى 10/ 289، وشرح شواهد المغنى 1/ 247. ويروى صدره:
* هل ترجعن ليال قد مضين لنا *
(2) الرجز للضبّ فى تهذيب اللغة 2/ 199، 3/ 308، وتاج العروس (ضبب)، (عكث)، (عنكث)، (زرد)، (عرد)، وبلا نسبة فى لسان العرب (جزأ)، (ضبب)، (عنكث)، (برد)، (صرد)، (عرد)، (لبد)، والتنبيه والإيضاح 1/ 186، وتهذيب اللغة 11/ 148، 12/ 139، وتاج العروس (حرد)، وجمهرة اللغة ص 426، 633، 1132، وديوان الأدب 2/ 23، وكتاب العين 6/ 193، 7/ 97، وأساس البلاغة (صرد)، والمخصص 9/ 138، 13/ 258.
العراد: نبت فى البادية، وكذلك الصليان والعنكث.
(3) الرجز بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 633، وجاء:
* تخبط أيديها القتاد العاردا *
(4) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 897، وأدب الكاتب ص 214، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 582.
خذا الأذن: استرخاؤها.(2/145)
أى: أو حين أقبل. وحكى الكسائىّ: أفوق تنام أم أسفل حذف المضاف ولم يبن. وسمع أيضا: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1) [الروم: 4] فحذف ولم يبن.
وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وأكثر ذلك فى الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة فى الكلام على ضربين: إما (للتخليص والتخصيص)، وإمّا للمدح والثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب، لا من مظانّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضدّ البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بطويل لم يستبن من ظاهر هذا اللفظ أن المرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى قام الدليل عليه أو شهدت الحال به. وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث.
ومما يؤكّد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه. وذلك أن تكون الصفة جملة نحو مررت برجل قام أخوه، ولقيت غلاما وجهه حسن. ألا تراك لو قلت: مررت بقام أخوه، أو لقيت وجهه حسن لم يحسن.
فأمّا قوله:
والله ما زيد بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه (2)
فقد قيل فيه: إن (نام صاحبه) علم اسم لرجل، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله:
__________
(1) يريد أنّ هذا سمع عن بعض العرب ولم ترد به قراءة. وإنما الوارد فى القراءة غير الضم الكسر مع التنوين، وهى قراءة الجحدرى والعقيلى. البحر المحيط.
(2) الرجز للقنانى فى شرح أبيات سيبويه 2/ 416، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 99، 100، والإنصاف 1/ 112، وخزانة الأدب 9/ 288، 389، والدرر 1/ 76، 6/ 24، وشرح الأشمونى 2/ 371، وشرح عمدة الحافظ ص 549، وشرح المفصل 3/ 62، وشرح قطر الندى ص 29، ولسان العرب (نوم)، والمقاصد النحوية 4/ 3، وهمع الهوامع 1/ 6، 2/ 120، ويروى: (تالله) مكان (والله).
الليان بكسر اللام الملاينة، وبفتحها اللين والدعة.(2/146)
* بنى شاب قرناها *
فإن قلت فقوله:
* ولا مخالط الليان جانبه *
ليس علما وإنما هو صفة، وهو معطوف على (نام صاحبه) فيجب أن يكون قوله: (نام صاحبه) صفة أيضا.
قيل: قد يكون فى الجمل إذا سمّى بها معانى الأفعال فيها. ألا ترى أن (شاب قرناها تصرّ وتحلب) هو اسم علم، وفيه مع ذلك معنى الذمّ. وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله:
* ولا مخالط الليان جانبه *
معطوفا على ما فى قوله (ما زيد بنام صاحبه) من معنى الفعل. فأمّا قوله:
مالك عندى غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جاءت بكفّى كان من أرمى البشر (1)
أى بكفّى رجل أو إنسان كان من أرمى البشر فقد روى غير هذه الرواية.
روى: «بكفّى كان من أرمى البشر»، بفتح ميم (من) أى بكفّى من هو أرمى البشر، و (كان) على هذا زائدة. ولو لم تكن فيه إلا هذه الرواية لما جاز القياس عليه لفروده (2) وشذوذه عمّا عليه عقد هذا الموضع. ألا تراك لا تقول: مررت بوجهه حسن، ولا نظرت إلى غلامه سعيد. فأمّا قولهم بدأت بالحمد لله، وانتهيت من القرآن إلى {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ} [النحل: 1] ونحو ذلك فلا يدخل على هذا القول
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى الإنصاف 1/ 114، 115، وخزانة الأدب 5/ 65، والدرر 6/ 22، وشرح الأشمونى 2/ 401، وشرح التصريح 2/ 119، وشرح شواهد المغنى 1/ 461، وشرح عمدة الحافظ ص 550، وشرح المفصل 3/ 62، ولسان العرب (كون)، (منن)، ومجالس ثعلب 2/ 513، والمحتسب 2/ 227، ومغنى اللبيب 1/ 160، والمقاصد النحوية 4/ 66، والمقتضب 2/ 139، والمقرب 1/ 227، وهمع الهوامع 2/ 120، وتاج العروس (كون)، (منن). ويروى:
(جادت) مكان (جاءت).
الكبداء: صفة للقوس. وهى التى يملأ الكف مقبضها.
(2) أى لانفراده.(2/147)
من قبل أن هذه طريق الحكاية، وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر، والشناعة فيه أوهى وأسقط. وليس ما كنّا عليه مذهبا له تعلّق بحديث الحكاية. وكذلك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن، ولا ضرب قام غلامه، وأنت تريد: قام رجل وجهه حسن، ولا ضرب إنسان قام غلامه. وكذلك إن كانت الصفة حرف جرّ أو ظرفا لا يستعمل استعمال الأسماء. فلو قلت: جاءنى من الكرام أى رجل من الكرام. أو حضرنى سواك أى إنسان سواك لم يحسن لأن الفاعل لا يحذف. فأمّا قوله:
أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل (1)
فليست الكاف هنا حرف جر، بل هى اسم بمنزلة مثل كالتى فى قوله:
* على كالقطا الجونىّ أفزعه الزجر (2) *
وكالكاف الثانية من قوله:
* وصاليات ككما يؤثفين *
(أى كمثل ما يؤثفين) وعليه قول ذى الرمّة:
أبيت على مىّ كئيبا وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح (3)
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 113، والأشباه والنظائر 7/ 279، والجنى الدانى ص 82، والحيوان 3/ 466، وخزانة الأدب 9/ 453، 454، 10/ 170، والدرر 4/ 159، وسر صناعة الإعراب 1/ 283، وشرح شواهد الإيضاح ص 234، وشرح المفصل 8/ 43، ولسان العرب (دنا)، والمقاصد النحوية 3/ 291، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 195، وشرح ابن عقيل ص 366، والمقتضب 4/ 131، وهمع الهوامع 2/ 31. ويروى:
(يذهب) مكان (يهلك).
الفتل: جمع الفتيل، وهو هنا ما يستعمل فى الجراحة. أراد طعنا نافذا إلى الجوف يغيب فيه الزيت والفتل.
(2) عجز البيت من الطويل، وهو للأخطل فى ديوانه ص 420، والمقتضب 4/ 142، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 198، وسر صناعة الإعراب 1/ 287، 301. ويروى (أفزعها) مكان (أفزعه). وصدره:
* قليل غرار النوم حتى تقلصوا *
(3) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1210، وخزانة الأدب 10/ 167، 171،(2/148)
فأمّا قول الهذلى:
فلم يبق منها سوى هامد ... وغير الثمام وغير النؤىّ
ففيه قولان: أحدهما أن يكون فى (يبق) ضمير فاعل من بعض ما تقدّم، كذا قال أبو علىّ رحمه الله. والآخر أن يكون استعمل (سوى) للضرورة اسما فرفعه.
وكأنّ هذا أقوى لأن بعده: * وغير الثمام وغير النؤىّ * فكأنه قال: لم يبق منها غير هامد. ومثله ما أنشدناه للفرزدق من قوله:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا (1)
وعليه قول الآخر:
فى وسط جمع بنى قريط بعدما ... هتفت ربيعة يا بنى جواب
وقد أقيمت (الصفة الجملة) مقام الموصوف المبتدأ نحو قوله:
لو قلت ما فى قومها لم تيثم ... يفضلها فى حسب وميسم (2)
أى ما فى قومها أحد يفضلها، وقال الله سبحانه: {وَأَنََّا مِنَّا الصََّالِحُونَ وَمِنََّا دُونَ ذََلِكَ} [الجنّ: 11] أى قوم دون ذلك. وأمّا قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}
[الأنعام: 94] فيمن قرأه بالنصب فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الفاعل مضمرا أى لقد تقطع الأمر أو العقد أو الودّ ونحو ذلك بينكم. والآخر (أن يكون) ما
__________
173، وسر صناعة الإعراب 1/ 287، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 198.
عالج: موضع بالبادية به رمل. ويتبطح: يستلقى على وجهه. انظر الديوان 85.
(1) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه ص 596 (طبعة الصاوى)، وخزانة الأدب 3/ 92، 96، والدرر 3/ 88، ولسان العرب (وسط)، (جلم)، وتاج العروس (جلم)، ونوادر أبى زيد ص 163، وبلا نسبة فى همع الهوامع 1/ 201.
المجلوم: المحلوق. والصلاءة مدق الطيب، والورس: نبت أصفر.
(2) الرجز لحكيم بن معيه فى خزانة الأدب 5/ 62، 63، وله أو لحميد الأرقط فى الدرر 6/ 19، ولأبى الأسود الحمانى فى شرح المفصل 3/ 59، 61، والمقاصد النحوية 4/ 71، ولأبى الأسود الجمالى فى شرح التصريح 2/ 118، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 3/ 320، وشرح الأشمونى 2/ 400، وشرح عمدة الحافظ ص 547، والكتاب 2/ 345، وهمع الهوامع 2/ 120، والمخصص 14/ 30، وتاج العروس (أنم).
تيثم: أصله تأثم فكسر حرف المضارعة وأبدل الهمزة ياء. والميسم: الحسن والجمال.(2/149)
كان يراه أبو الحسن من أن يكون (بينكم) وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله، غير أنه أقرّت نصبة الظرف وإن كان مرفوع الموضع لاطّراد استعمالهم إياه ظرفا. إلا أن استعمال الجملة التى هى صفة للمبتدأ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسما محضا كلزوم ذلك فى الفاعل ألا ترى إلى قولهم: تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه أى سماعك به خير من رؤيته.
وقد تقصّينا ذلك فى غير موضع.
وقد حذفت الصفة ودلّت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سير عليه ليل، وهم يريدون: ليل طويل. وكأنّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلّ من الحال على موضعها. وذلك أنك تحسّ فى كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك.
وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمّلته. وذلك أن تكون فى مدح إنسان والثناء عليه، فتقول: كان والله رجلا! فتزيد فى قوّة اللفظ ب (الله) هذه الكلمة، وتتمكّن فى تمطيط اللام وإطالة الصوت بها (وعليها) أى رجلا فاضلا أو شجاعا أو كريما أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانا! وتمكّن الصوت بإنسان وتفخّمه، فتستغنى بذلك عن وصفه بقولك: إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانا! وتزوى وجهك وتقطّبه، فيغنى ذلك عن قولك: إنسانا لئيما أو لجزا أو مبخلا أو نحو ذلك.
فعلى هذا وما يجرى مجراه تحذف الصفة. فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإنّ حذفها لا يجوز ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلّة على رجل، أو رأينا بستانا وسكتّ لم (تفد بذلك) شيئا لأن هذا ونحوه ممّا لا يعرى منه ذلك المكان، وإنما المتوقّع أن تصف من ذكرت أو ما ذكرت. فإن لم تفعل كلّفت علم ما (لم تدلل) عليه وهذا لغو من الحديث وجور فى التكليف.
ومن ذلك ما يروى فى الحديث: لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد أى لا صلاة كاملة أو فاضلة، ونحو ذلك. وقد خالف فى ذلك من لا يعدّ خلافه خلافا.(2/150)
وقد حذف المفعول به نحو قول الله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
[النمل: 23] أى أوتيت منه شيئا. وعليه قول الله سبحانه: {فَغَشََّاهََا مََا غَشََّى}
[النجم: 54] أى غشّاها إياه. فحذف المفعولين جميعا. وقال الحطيئة:
منعّمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبىّ (1)
أى تصون الحديث منها. وله نظائر.
وقد حذف الظرف نحو قوله:
فإن متّ فانعينى بما أنا أهله ... وشقّى علىّ الجيب يا ابنة معبد (2)
أى إن متّ قبلك، هذا يريد لا محالة. ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته لأنه يعلم أنه (مائت) لا محالة. وعليه قول الآخر:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعد من يهيم بها بعدى
أى فإن أمت قبلها، لابدّ أن يريد هذا. وعلى هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أى من شهد الشهر منكم صحيحا بالغا فى مصر فليصمه. وكان أبو على رحمه الله يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف، ويذهب إلى أن المفعول محذوف أى فمن شهد منكم المصر فى هذا الشهر فليصمه. وكيف تصرّفت الحال فلا بدّ من حذف.
وقد حذف المعطوف تارة، والمعطوف عليه أخرى. روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون: راكب الناقة طليحان أى راكب الناقة والناقة طليحان. وقد مضى ذكر هذا. وتقول: الذى ضربت وزيدا جعفر، تريد الذى ضربته وزيدا، فتحذف المفعول من الصلة.
وقد حذف المستثنى، نحو قولهم: جاءنى زيد ليس إلا، وليس غير أى ليس
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 138، والمحتسب 1/ 125، 245، 333، وبلا نسبة فى المقرب 1/ 114.
الشرعبىّ: ضرب من البرود.
(2) البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 39، ولسان العرب (قوم. ويروى:
(إذا) مكان (فإن).(2/151)
إلا إياه، وليس غيره.
وقد حذف خبر إنّ مع النكرة خاصّة نحو قول الأعشى:
إنّ محلا وإنّ مرتحلا ... [وإنّ فى السّفر إذ مضوا مهلا (1)
أى: إنّ لنا محلا وإنّ لنا مرتحلا]
وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة، ويحكون عنهم أنهم إذا قيل لهم إنّ الناس ألب عليكم فمن لكم؟ قالوا: إنّ زيدا، وإنّ عمرا أى إنّ لنا زيدا، وإنّ لنا عمرا. والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة. فأمّا احتجاج أبى العباس عليهم بقوله:
خلا أن حيّا من قريش تفضّلوا ... على الناس أو أن الأكارم نهشلا (2)
أى أو أن الأكارم نهشلا تفضلوا. قال أبو على: وهذا لا يلزمهم لأن لهم أن يقولوا: إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إنّ المكسورة فأمّا مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه. قال: ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أن المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها. وهو قولهم: لا بأس، ولا شكّ أى عليك، وفيه. فكما أنّ (لا) تختصّ هنا بالنكرات فكذلك إنما (تشبهها نقيضتها) فى حذف الخبر مع النكرة أيضا.
وقد حذف أحد مفعولى ظننت. وذلك نحو قولهم: أزيدا ظننته منطلقا ألا ترى أن تقديره: أظننت زيدا منطلقا ظننته منطلقا؟ فلما أضمرت الفعل فسّرته
__________
(1) البيت من المنسرح، وهو للأعشى فى ديوانه ص 283، وخزانة الأدب 10/ 452، 459، والدرر 2/ 173، وسر صناعة الإعراب 2/ 517، والشعر والشعراء ص 75، والكتاب 2/ 141، ولسان العرب (رحل)، والمحتسب 1/ 349، وتاج العروس (حلل)، ومغنى اللبيب 1/ 82، والمقتضب 4/ 130، والمقرب 1/ 109، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 329، وأمالى ابن الحاجب 1/ 345، وخزانة الأدب 9/ 227، ورصف المبانى ص 298، وشرح شواهد المغنى 1/ 238، 2/ 612، وشرح المفصل 8/ 84، والصاحبى فى فقه اللغة ص 130، ولسان العرب (حلل). ويروى: (ما مضى) مكان (إذ مضوا).
(2) البيت من الطويل، وهو للأخطل فى خزانة الأدب 10/ 453، 454، 461، 462، وشرح المفصل 1/ 104، ولسان العرب (نهشل)، والمقتضب 4/ 131، وتاج العروس (نهشل)، وبلا نسبة فى المقرب.(2/152)
بقولك: ظننته وحذفت المفعول الثانى من الفعل الأوّل المقدّر اكتفاء بالمفعول الثانى الظاهر فى الفعل الآخر. وكذلك بقيّة أخوات ظننت.
وقد حذف خبر كان أيضا فى نحو قوله (1):
أسكران كان ابن المراغة إذ هجا ... تميما ببطن الشأم أم متساكر (2)
ألا ترى أن تقديره: أكان سكران ابن المراغة فلما حذف الفعل الرافع فسّره بالثانى فقال: كان ابن المراغة. و (ابن المراغة) هذا الظاهر خبر (كان) الظاهرة، وخبر (كان) المضمرة محذوف معها لأن (كان) الثانية دلّت على الأولى. وكذلك الخبر الثانى الظاهر دلّ على الخبر الأول المحذوف.
وقد حذف المنادى فيما أنشده أبو زيد من قوله:
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعى المثوّب قال يالا (3)
أراد: يا لبنى فلان، ونحو ذلك.
فإن قلت: فكيف جاز تعليق حرف الجر؟ قيل: لمّا خلط ب «يا» صار كالجزء منها. ولذلك شبّه أبو على ألفه التى قبل اللام بألف باب ودار، فحكم عليها حينئذ بالانقلاب. وقد ذكرنا ذلك. وحسّن الحال أيضا شىء آخر، وهو تشبّث اللام الجارّة بألف الإطلاق، فصارت كأنها معاقبة للمجرور. ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه، فقلت: يا لبنى فلان لم يجز إلحاق الألف هنا (وجرت
__________
(1) أى الفرزدق يهجو جريرا. وهو المقصود بابن المراغة. والمراغة: الأتان التى لا تمتنع من الفحول.
(2) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه ص 481 (طبعة الصاوى)، وخزانة الأدب 9/ 288، 289، 290، 291، والكتاب 1/ 49، ولسان العرب (سكر)، والمقتضب 4/ 93، وبلا نسبة فى شرح شواهد المغنى 2/ 874، ومغنى اللبيب 2/ 490، ويروى: (بجوف) مكان (ببطن).
(3) البيت من الوافر، وهو لزهير بن مسعود الضبى فى تخليص الشواهد ص 182، وخزانة الأدب 2/ 6، والدرر 3/ 46، وشرح شواهد المغنى 2/ 595، والمقاصد النحوية 1/ 520، ونوادر أبى زيد ص 21، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 29، 237، 354، وشرح شواهد المغنى 2/ 847، وشرح ابن عقيل ص 102، ولسان العرب (يا)، ومغنى اللبيب 1/ 219، 2/ 445، وهمع الهوامع 1/ 181.(2/153)
ألف الإطلاق) فى منابها هنا عمّا كان ينبغى أن يكون بمكانها، مجرى ألف الإطلاق فى منابها عن تاء التأنيث فى نحو قوله:
ولاعب بالعشىّ بنى بنيه ... كفعل الهرّ يحترش العظايا (1)
فأبعده الإله ولا يؤبىّ ... ولا يعطّى من المرض الشفايا (2)
وكذلك نابت أيضا واو الإطلاق فى قوله:
* وما كّل من وافى منّى أنا عارف *
فيمن رفع كلا عن الضمير الذى يزاد فى (عارفه) وكما ناب التنوين فى نحو حينئذ، ويومئذ عن المضاف إليه إذ. وعليه قوله:
نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعاقبة وأنت إذ صحيح (3)
فأما قوله تعالى: «ألا يا اسجدوا» [النمل: 26] فقد تقدّم القول عليه: أنه ليس المنادى هنا محذوفا، ولا مرادا كما ذهب إليه محمد بن يزيد، وأنّ (يا) هنا أخلصت للتنبيه مجردا من النداء كما أن (ها) من قول الله تعالى: {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ جََادَلْتُمْ} [النساء: 109] للتنبيه من غير أن تكون للنداء. وتأوّل أبو العبّاس قول الشاعر:
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
(أى إبقاء) على أنه حذف المضاف إليه أوان، فعوّض التنوين منه، على حدّ
__________
(1) البيت من الوافر، وهو الأعصر بن سعد بن قيس عيلان فى لسان العرب (حما)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ثمن)، والمخصص 8/ 100، 15/ 117.
(2) البيت من الوافر، وهو لأعصر بن سعد بن قيس عيلان فى لسان العرب (حما)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ثمن). ويروى صدره:
* فلا ذاق النعيم ولا شرابا *
(3) البيت من الوافر، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب 6/ 539، 543، 544، وشرح أشعار الهذليين 1/ 171، وشرح شواهد المغنى ص 260، ولسان العرب (أذذ)، (شلل)، (إذ)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 4/ 301، وتذكرة النحاة ص 379، والجنى الدانى ص 187، 490، وجواهر الأدب ص 138، ورصف المبانى ص 347، وسر صناعة الإعراب ص 504، 505، وشرح المفصل 3/ 31، ومغنى اللبيب ص 86، والمقاصد النحوية 2/ 61.(2/154)
قول الجماعة فى تنوين إذ. وهذا ليس بالسهل. وذلك أن التنوين فى نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ. فأمّا (أوان) فمعرب ويضاف إلى الواحد كقوله:
فهذا أوان العرض حىّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس (1)
وقد كسّروه على آونة، وتكسيرهم إيّاه يبعده عن البناء لأنه أخذ به فى شقّ التصريف والتصرّف.
قال:
أبو حنش يؤرّقنا وطلق ... وعبّاد وآونة أثالا (2)]
وقد حذف المميّز. وذلك إذا علم من الحال (حكم ما) كان يعلم منها به.
وذلك قولك: عندى عشرون، واشتريت ثلاثين، وملكت خمسة وأربعين. فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة. فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز. وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم، وعليه مدار الكلام. فاعرفه.
وحذف الحال لا يحسن. وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها، وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف لأنه ضدّ الغرض ونقيضه و (لأجل ذلك) لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة نحو الذى ضربت نفسه
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للمتلمس فى ديوانه ص 123، والاشتقاق ص 317، وجمهرة اللغة ص 747، وخزانة الأدب 4/ 185، 186، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 662، ولسان العرب (لمس)، (عرض)، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 6/ 546، وسر صناعة الإعراب 2/ 510.
المتلمس يخاطب النعمان بن المنذر خطاب تهكم. والعرض: من أودية اليمامة. والزنابير والأزرق ضربان من الذباب. وبهذا البيت لقب المتلمس. واسمه جرير بن عبد المسيح.
(2) البيت من الوافر، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 129، والحماسة البصرية 1/ 262، وشرح أبيات سيبويه 1/ 487، والكتاب 2/ 270، ولسان العرب (حنش)، والمقاصد النحوية 2/ 421، وبلا نسبة فى الأزمنة والأمكنة 1/ 240، والإنصاف 1/ 354، وتخليص الشواهد ص 455، وشرح الأشمونى 1/ 163، وشرح ابن عقيل ص 223، ويروى: (عمار) مكان (عباد).(2/155)
زيد، على أن يكون (نفسه) توكيدا للهاء المحذوفة من (ضربت) وهذا ممّا يترك مثله كما يترك ادّغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بادّغامه.
فأما ما أجزناه من حذف الحال فى قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أى فمن شهده صحيحا بالغا فطريقه أنه لمّا دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنّة جاز حذفه تخفيفا. (وأما) لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرّد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه.
ولم أعلم المصدر حذف فى موضع. وذلك أن الغرض فيه إذا تجرّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرّات فإنما هو لتوكيد الفعل، وحذف المؤكّد لا يجوز.
وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد. فأمّا حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه. وذلك كقولنا: انطلق زيد ألا ترى هذا كلاما تامّا وإن لم تذكر معه شيئا من الفضلات، مصدرا ولا ظرفا ولا حالا ولا مفعولا له ولا مفعولا معه ولا غيره. وذلك أنك لم ترد الزيادة فى الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره.
حذف الفعل
حذف الفعل على ضربين:
أحدهما أن تحذفه والفاعل فيه. فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة. وذلك نحو زيدا ضربته لأنك أردت: ضربت زيدا، فلمّا أضمرت (ضربت) فسّرته بقولك:
ضربته. وذلك قولك: أزيدا مررت به، وقولهم: المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف، وإن خنجرا فخنجر أى إن كان الذى قتل به سيفا فالذى يقتل به سيف.
فكان واسمها وإن لم تكن مستقلّة فإنها تعتدّ اعتداد الجملة.
والآخر أن تحذف الفعل وحده. وهذا هو غرض هذا الموضع.
وذلك أن يكون الفاعل مفصولا عنه مرفوعا به. وذلك نحو قولك: أزيد قام.
فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خال من الفاعل لأنك تريد: أقام زيد، فلمّا أضمرته فسّرته بقولك: قام. وكذلك {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} [الانشاق: 1]، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176]، و {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ
خَزََائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] ونحوه الفعل فيه مضمر وحده، أى إذا انشقّت السماء، وإذا كوّرت الشمس، وإن هلك امرؤ، ولو تملكون. وعليه قوله:(2/156)
فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خال من الفاعل لأنك تريد: أقام زيد، فلمّا أضمرته فسّرته بقولك: قام. وكذلك {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} [الانشاق: 1]، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176]، و {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ
خَزََائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] ونحوه الفعل فيه مضمر وحده، أى إذا انشقّت السماء، وإذا كوّرت الشمس، وإن هلك امرؤ، ولو تملكون. وعليه قوله:
إذا ابن أبى موسى بلال بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر (1)
أى إذا بلغ ابن أبى موسى. وعبرة هذا أن الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمرا. وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجرّدا من الفاعل ألا ترى أنه لا يرتفع فاعلان به. وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعا نحو قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت معك (تقديره: لأن كنت منطلقا انطلقت معك) فحذف الفعل فصار تقديره: لأنّ أنت منطلقا (وكرهت) مباشرة (أن) الاسم فزيدت (ما) فصارت عوضا من الفعل ومصلحة للّفظ لتزول مباشرة (أن) الاسم. وعليه بيت الكتاب:
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر ... فإنّ قومى لم تأكلهم الضبع (2)
أى لأن كنت ذا نفر قويت وشدّدت، والضبع هنا السنة الشديدة.
فإن قلت: بم ارتفع وانتصب (أنت منطلقا)؟.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1042، وخزانة الأدب 3/ 32، 37، وسمط اللآلى ص 218، وشرح أبيات سيبويه 1/ 166، وشرح شواهد المغنى 2/ 660، وشرح المفصل 2/ 30، والكتاب 1/ 82، وتاج العروس (وصل)، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 296، وتخليص الشواهد ص 179، وشرح المفصل 4/ 96، ومغنى اللبيب 1/ 269، والمقتضب 2/ 77.
(2) البيت من البسيط، وهو لعباس بن مرداس فى ديوانه ص 128، والأشباه والنظائر 2/ 113، والاشتقاق ص 313، وخزانة الأدب 4/ 13، 14، 17، 200، 5/ 445، 6/ 532، 11/ 62، والدرر 2/ 91، وشرح شذور الذهب ص 242، وشرح شواهد الإيضاح 479، وشرح شواهد المغنى 1/ 116، 179، وشرح قطر الندى ص 140، ولجرير فى ديوانه 1/ 349، وشرح المفصل 2/ 99، 8/ 132، والشعر والشعراء 1/ 341، والكتاب 1/ 293، ولسان العرب (خرش)، (ضبع)، والمقاصد النحوية 2/ 55، وبلا نسبة فى الأزهية ص 147، وأمالى ابن الحاجب 1/ 411، 442، والإنصاف 1/ 71، وأوضح المسالك 1/ 265، وتاج العروس (ما)، وتخليص الشواهد ص 260، والجنى الدانى ص 528، وجواهر الأدب 198، 416، 421، ورصف المبانى ص 99، 101، وشرح الأشمونى 1/ 119، وشرح ابن عقيل ص 149، ولسان العرب (أما)، ومغنى اللبيب 1/ 35، والمنصف 3/ 116، وهمع الهوامع 1/ 23.(2/157)
قيل: ب (ما) لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب فعملت عمله من الرفع والنصب. وهذه طريقة أبى علىّ وجلّة أصحابنا من قبله فى أنّ الشىء إذا عاقب الشىء ولى من الأمر ما كان المحذوف يليه. من ذلك الظرف إذا تعلق (بالمحذوف) فإنه يتضمّن الضمير الذى كان فيه، ويعمل ما كان يعمله: من نصبه الحال والظرف. وعلى ذلك صار قوله: (فاه إلى فىّ) من قوله: (كلّمته فاه إلى فىّ) ضامنا للضمير الذى كان فى (جاعلا) لمّا عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبّة.
حذف الحرف
قد حذف الحرف فى الكلام على ضربين: أحدهما حرف زائد على الكلمة مما يجىء لمعنى. والآخر حرف من نفس الكلمة. وقد تقدّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته. ومضت الزيادة فى الحروف وغيرها.
فصل فى التقديم والتأخير
وذلك على ضربين: أحدهما ما يقبله القياس. والآخر ما يسهّله الاضطرار.
الأوّل كتقديم المفعول على الفاعل تارة، وعلى الفعل الناصبه أخرى كضرب (زيدا عمرو)، وزيدا ضرب عمرو. وكذلك الظرف نحو قام عندك زيد، وعندك قام زيد، وسار يوم الجمعة جعفر، ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال نحو جاء ضاحكا زيد، وضاحكا جاء زيد. وكذلك الاستثناء نحو ما قام إلا زيدا أحد. ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل الناصب له. لو قلت: إلا زيدا قام القوم لم يجز لمضارعة الاستثناء البدل ألا تراك تقول: ما قام أحد إلا زيدا وإلا زيد والمعنى واحد. فلمّا جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه.
فإن قلت: فكيف جاز تقديمه على المستثنى منه، والبدل لا يصحّ تقديمه على المبدل منه.
قيل: لمّا تجاذب المستثنى شبهان: أحدهما كونه مفعولا، والآخر كونه بدلا خلّيت له منزلة وسيطة فقدّم على المستثنى منه، وأخّر ألبتّة عن الفعل الناصبه.
فأمّا قولهم: ما مررت إلا زيدا بأحد فإنما تقدّم على الباء لأنها (ليست هى) الناصبة له إنما الناصب له على كل حال نفس مررت.(2/158)
وممّا يصحّ ويجوز تقديمه خبر المبتدأ على المبتدأ نحو قائم أخوك، وفى الدار صاحبك. وكذلك خبر كان وأخواتها على أسمائها، وعليها أنفسها. وكذلك خبر ليس نحو زيدا ليس أخوك، ومنطلقين ليس أخواك. وامتناع أبى العباس من ذلك خلاف للفريقين: (البصريين والكوفيّين)، وترك لموجب القياس عند النظّار والمتكلّمين وقد ذكرنا ذلك فى غير مكان.
ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصبة نحو قولك: طمعا فى برّك زرتك، ورغبة فى صلتك قصدتك.
ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل نحو قولك: والطيالسة جاء البرد من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة ألا تراك لا تستعملها إلا فى الموضع الذى لو شئت لا ستعملت العاطفة فيه نحو جاء البرد والطيالسة. ولو شئت لرفعت الطيالسة عطفا على البرد. وكذلك لو تركت والأسد لأكلك، يجوز أن ترفع الأسد عطفا على التاء. ولهذا لم يجز أبو الحسن جئتك وطلوع الشمس أى مع طلوع الشمس لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول: أتيتك وطلوع الشمس لم يجز لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك. فلمّا ساوقت حرف العطف قبح والطيالسة جاء البرد كما قبح وزيد قام عمرو لكنه يجوز (1) جاء والطيالسة البرد كما تقول: ضربت وزيدا عمرا قال:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها يمرعو (2)
ومما يقبح تقديمه الاسم المميز، وإن كان الناصبة فعلا متصرّفا. فلا نجيز شحما تفقّأت، ولا عرقا نصبّبت. فأمّا ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبّل:
__________
(1) هذا رأى ابن جنى. وجمهور النحاة يمنعون هذا أيضا. راجع الأشمونى فى بحث المفعول معه.
(2) البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الحكم فى خزانة الأدب 3/ 130، 134، والدرر 3/ 156، وشرح شواهد المغنى 2/ 697، وشرح عمدة الحافظ ص 637، والمقاصد النحوية 3/ 86، 262، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 9/ 141، وشرح الأشمونى 1/ 224، وشرح التصريح 1/ 344، 2/ 137، وهمع الهوامع 1/ 220.(2/159)
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق يطيب (1)
فتقابله برواية الزّجاجىّ وإسماعيل بن نصر وأبى إسحاق أيضا:
* وما كان نفسى بالفراق تطيب *
فرواية برواية، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل فى المعنى ألا ترى أن أصل الكلام تصبّب عرقى، وتفقّأ شحمى، ثم نقل الفعل، فصار فى اللفظ لى، فخرج الفاعل فى الأصل مميّزا، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فكذلك لا يجوز تقديم المميز إذ كان هو الفاعل فى المعنى على الفعل.
فإن قلت: فقد تقدّم الحال على العامل فيها، وإن كانت الحال هى صاحبة الحال فى المعنى نحو قولك: راكبا جئت، و {خُشَّعاً أَبْصََارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدََاثِ} [القمر: 7].
قيل: الفرق أن الحال (لم تكن) فى الأصل هى الفاعلة كما كان المميز كذلك ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبى كما أن أصل طبت به نفسا طابت به نفسى، وإنما الحال مفعول فيها، كالظرف، ولم تكن قطّ فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمّا كونها هى الفاعل فى المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجارى مجرى الفاعل فى المعنى (وأنت) تقدّمه على (كان) فتقول: قائما كان زيد، ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق.
وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل كضرب زيد.
وبعد فليس فى الدنيا مرفوع يجوز تقديمه على رافعه. فأمّا خبر المبتدأ فلم
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للخبل السعدى فى ديوانه ص 290، ولسان العرب (حبب)، وللمخبّل السّعدى، أو لأعشى همدان، أو لقيس بن الملوّح فى الدرر 4/ 36، والمقاصد النحوية 3/ 235، وللمخبل السعدى أو لقيس بن معاذ فى شرح شواهد الإيضاح ص 188، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 197، والإنصاف ص 828، وشرح الأشمونى 1/ 266، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1330، وشرح ابن عقيل ص 348، وشرح المفصل 2/ 74، والمقتضب 3/ 36، 37، وهمع الهوامع 1/ 252. ويروى: (تطيب) مكان (يطيب).(2/160)
يتقدّم عندنا على رافعه لأن رافعه ليس المبتدأ وحده، إنما الرافع له (المبتدأ والابتداء) جميعا، فلم يتقدّم الخبر عليهما معا، وإنما تقدّم على أحدهما وهو المبتدأ. فهذا (لا ينتقض). لكنه على قول أبى الحسن مرفوع بالمتبدأ وحده، ولو كان كذلك لم يجز تقديمه على المبتدأ.
ولا يجوز تقديم الصلة ولا شىء منها على الموصول، ولا الصفة على الموصوف، ولا المبدل على المبدل منه، ولا عطف البيان على المعطوف عليه، ولا العطف الذى هو نسق على المعطوف عليه، إلا فى الواو وحدها، وعلى قلّته أيضا نحو قام وعمرو زيد. وأسهل منه ضربت وعمرا زيدا لأن الفعل فى هذا قد استقلّ بفاعله، وفى قولك: قام وعمرو زيد اتسعت فى الكلام قبل الاستقلال والتمام. فأما قوله:
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام (1)
فحملته الجماعة على هذا، حتى كأنه عندها: عليك السلام ورحمة الله. وهذا وجه إلا أن عندى فيه وجها لا تقديم فيه ولا تأخير من قبل العطف. وهو أن يكون (رحمة الله) معطوفا على الضمير فى (عليك). وذلك أن (السلام) مرفوع بالابتداء، وخبره مقدّم عليه، وهو (عليك) ففيه إذا ضمير منه مرفوع بالظرف، فإذا عطفت (رحمة الله) عليه ذهب عنك مكروه التقديم. لكن فيه العطف على المضمر المرفوع المتّصل من غير توكيد له، وهذا أسهل عندى من تقديم المعطوف على المعطوف عليه. وقد جاء فى الشعر قوله:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الملا تعسّفن رملا (2)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للأحوص فى ديوانه ص 190 (الهامش)، وخزانة الأدب 2/ 192، 3/ 131، والدرر 3/ 19، 155، وشرح شواهد المغنى 2/ 777، ولسان العرب (شيع)، ومجالس ثعلب ص 239، والمقاصد النحوية 1/ 527، وبلا نسبة فى الخصائص 2/ 386، والدرر 6/ 79، 156، وشرح التصريح 1/ 344، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 805، ومغنى اللبيب 2/ 356، 659، وهمع الهوامع 1/ 173، 220، 2/ 130، 140.
(2) البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص 498، وشرح أبيات سيبويه 2/ 101، وشرح عمدة الحافظ ص 658، وشرح المفصل 3/ 76، واللمع ص 184، والمقاصد النحوية 4/ 161، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 79، وشرح الأشمونى 2/ 429، وشرح ابن عقيل ص 501، والكتاب 2/ 379.(2/161)
وذهب بعضهم فى قول الله تعالى: {فَاسْتَوى ََ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ََ} [النجم: 6، 7] إلى أنّ (هو) معطوف على الضمير فى (استوى).
ومما يضعف تقديم المعطوف على المعطوف عليه من جهة القياس أنك إذا قلت:
قام وزيد عمرو فقد جمعت أمام زيد بين عاملين: أحدهما (قام)، والآخر الواو ألا تراها قائمة مقام العامل قبلها، وإذا صرت إلى ذلك صرت كأنك قد أعملت فيه عاملين، وليس هذا (كإعمال) الأول أو الثانى فى نحو قام وقعد زيد لأنك فى هذا مخيّر: إن شئت أعملت الأوّل، وإن شئت أعملت الآخر. وليس ذلك فى نحو قام زيد وعمرو لأنك لا ترفع عمرا فى هذا إلا بالأوّل.
فإن قلت: فقد تقول فى الفعلين جميعا بإعمال أحدهما ألبتّة كقوله:
* كفانى ولم أطلب قليل من المال (1) *
قيل: لم يجب هذا فى هذا البيت لشىء يرجع إلى العمل اللفظىّ، وإنما هو شىء راجع إلى المعنى، وليس كذلك قام وزيد عمرو لأن هذا كذا حاله ومعناه واحد، تقدّم أو تأخّر. فقد عرفت ما فى هذا الحديث.
ولا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، ولا شىء مما اتصل به.
ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب، شرطا كان أو قسما أو غيرهما ألا تراك لا تقول: أقم إن تقم. فأمّا قولك أقوم إن قمت فإن قولك: أقوم ليس جوابا للشرط، ولكنه دالّ على الجواب، أى إن قمت قمت، ودلّت أقوم على قمت.
ومثله أنت ظالم إن فعلت أى إن فعلت ظلمت، فحذفت (ظلمت) ودلّ قولك:
(أنت ظالم) عليه.
__________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 39، والإنصاف 1/ 84، وتذكرة النحاة ص 339، وخزانة الأدب 1/ 327، 462، والدرر 5/ 322، وشرح شذور الذهب ص 296، وشرح شواهد المغنى 1/ 342، 2/ 642، وشرح قطر الندى ص 199، والكتاب 1/ 79، والمقاصد النحوية 3/ 35، وهمع الهوامع 2/ 110، وتاج العروس (لو)، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 201، 3/ 602، وشرح شواهد المغنى 2/ 880، ومغنى اللبيب 1/ 256، والمقتضب 4/ 76، والمقرب 1/ 161. وصدره:
* فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة *(2/162)
فأمّا قوله:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غسّ ولا بمغمّر (1)
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه، وقدّم الجواب. وهذا عند كافّة أصحابنا غير جائز، والقياس له دافع، وعنه حاجز. وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط، ومحال تقدّم المجزوم على جازمه بل إذا كان الجارّ وهو أقوى من الجازم لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال لا يجوز تقديم ما انجرّ به عليه كان ألا يجوز تقديم المجزوم على جازمه أحرى وأجدر. وإذا كان كذلك فقد وجب النظر فى البيت. ووجه القول عليه أن الفاء فى قوله: (فلم أرقه) لا يخلو أن تكون معلّقة بما قبلها، أو زائدة، وأيّهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها وقد علم أنّ لم أفعل (نفى فعلت)، وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط، وجعلوه دليلا عليه فى قوله:
يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت ان لم تحب حبو المعتنك (2)
أى إن لم تحب أوديت. فجعل (أوديت) المقدّمة دليلا على (أوديت هذه المؤخّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلا على) جواب الشرط المحذوف، كذلك جعل نفيها الذى هو لم أفعل دليلا على جوابه. والعرب قد تجرى الشىء مجرى نقيضه كما تجريه مجرى نظيره ألا تراهم قالوا: جوعان (3) كما قالوا: شبعان،
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لزهير بن مسعود فى لسان العرب (غسس)، ونوادر أبى زيد ص 70، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 626، وجمهرة اللغة ص 133، وكتاب العين 4/ 417.
والغس: الضعيف اللئيم. المغمر: الجاهل الذى لم يجرّب الأمور.
(2) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 118، وشرح شواهد المغنى 1/ 52، وشرح قطر الندى ص 209، وللعجاج فى اللمع فى العربية ص 194، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 628، وشرح المفصل 2/ 3، والمعانى الكبير ص 870، والمقتضب 4/ 208، وديوان الأدب 2/ 18، وكتاب الجيم 2/ 225، 273، وأساس البلاغة (نوخ).
يريد الحكم بن عبد الملك بن مروان. والمعتنك: البعير يصعد فى العانك من الرمل، وهو المتعقد منه. والبعير قد يحبو حتى يقطعه.
(3) ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل بفتح العين وفعلان قياس فى الوصف من فعل بكسر العين كشبع، وإنما قياس الوصف من جاع جائع، ولكن جاء الوصف على وازن ضدّه وهو شبعان فقيل: جوعان. (نجار).(2/163)
وقالوا: علم (1) كما قالوا: جهل، وقالوا: كثر ما تقومنّ كما قالوا: قلّما تقومنّ. وذهب الكسائىّ فى قوله:
إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبنى رضاها (2)
إلى أنه عدّى (رضيت) بعلى لمّا كان ضدّ سخطت، وسخطت ممّا يعدّى بعلى، وهذا واضح. وكان أبو علىّ يستحسنه من الكسائىّ. فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقىّ منها، وصار قوله: لم (أرقه) بدلا من الجواب ودليلا عليه.
فهذه وجوه التقديم والتأخير فى كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئا فإنه معلوم الحال، ولا حق بما قدّمناه.
وأما الفروق والفصول فمعلومة المواقع أيضا:
فمن قبيحها الفرق بين المضاف والمضاف إليه، والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبىّ، وهو دون الأوّل ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف نحو قولك: كان فيك زيد راغبا، وقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف نحو قول الفرزدق:
فلمّا للصلاة دعا المنادى ... نهضت وكنت منها فى غرور (3)
وسترى ذلك.
ويلحق بالفعل والفاعل فى ذلك المبتدأ والخبر فى قبح الفصل بينهما.
(وعلى الجملة فكلّما ازداد الجزءان اتصالا قوى قبح الفصل بينهما).
فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:
فقد والشكّ بيّن لى عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح (4)
__________
(1) كأنه يريد أن (علم) بابه أن يكون على فعل بضم العين لكونه غريزة كما يقال حلم، ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل بكسر العين وجهل جاء هكذا حملا على حرد.
انظر الكتاب 2/ 225.
(2) سبق.
(3) نهضت: هببت من نومى. «وكنت منها فى غرور» أى كان متاعه بمحبوبته فى الحلم غرور.
(4) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى رصف المبانى ص 393، وشرح شواهد المغنى ص 479، ومغنى اللبيب ص 171، ويروى: (والله) مكان (والشك)، (عنائى) مكان (عناء).(2/164)
أراد: فقد بيّن لى صرد يصيح بوشك فراقهم، والشكّ عناء. ففيه من الفصول ما أذكره. وهو الفصل بين (قد) والفعل الذى هو بيّن. (وهذا) قبيح لقوّة اتصال (قد) بما تدخل عليه من الأفعال ألا تراها تعتدّ مع الفعل كالجزء منه. ولذلك دخلت اللام المراد بها توكيد الفعل على (قد) فى نحو قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الزمر: 65]، وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرََاهُ} [البقرة: 102] وقوله:
ولقد أجمع رجلىّ بها ... حذر الموت وإنى لفرور
وفصل بين المبتدأ الذى هو الشكّ وبين الخبر الذى هو عناء بقوله: (بيّن لى)، وفصل بين الفعل الذى هو (بيّن) وبين فاعله الذى هو (صرد) بخبر المبتدأ الذى هو (عناء)، وقدّم قوله: (بوشك فراقهم) وهو معمول (يصيح) ويصيح صفة لصرد على صرد، وتقديم الصفة أو ما يتعلّق بها على موصوفها قبيح ألا ترى أنك لا تجيز هذا اليوم رجل ورد من موضع كذا لأنك تريد: هذا رجل ورد اليوم من موضع كذا. وإنما يجوز وقوع المعمول فيه بحيث يجوز وقوع العامل، فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها، كذلك لا يجوز تقديم ما اتّصل بها على موصوفها، كما لا يجوز تقديم معمول المضاف إليه على نفس المضاف، لمّا لم يجز تقديم المضاف إليه عليه. ولذلك لم يجز قولك: القتال زيدا حين تأتى، وأنت تريد: القتال حين تأتى زيدا.
فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها، وانخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلّ من وجه على جوره وتعسّفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله وتخمطه (1)، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثله فى ذلك عندى مثل مجرى الجموح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس حاسرا من غير احتشام، فهو وإن كان ملوما فى عنفه وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر فى سلاحه، أو أعصم بلجام جواده، لكان
__________
(1) يقال: تخمط الفحل: هدر وثار. وتخمط: تكبر.(2/165)
أقرب إلى النجاة، وأبعد عن الملحاة (1) لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله، إدلالا بقوّة طبعه، ودلالة على شهامة نفسه. ومثله سواء ما يحكى عن بعض الأجواد أنه قال: أيرى البخلاء أننا لا نجد بأموالنا ما يجدون بأموالهم، لكنا نرى أن فى الثناء بإنفاقها عوضا من حفظها (بإمساكها). ونحو منه قولهم:
تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها، وقول الآخر:
لا خير فى طمع يدنى إلى طبع ... وغفّة من قوام العيش تكفينى (2)
فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد فى معناه، وأن الشاعر إذا أورد منه شيئا فكأنه لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعبا، ولا جشم إلا أمما (3)، وافق بذلك قابلا له، أو صادف غير آنس به، إلا أنه هو قد استرسل واثقا، وبنى الأمر على أن ليس ملتبسا.
ومن ذلك قوله:
فأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأنّ قفرا رسومها قلما (4)
أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خطّ رسومها. ففصل بين المضاف الذى هو (بعد)، والمضاف إليه الذى هو (بهجتها) بالفعل الذى هو (خطّ) وفصل أيضا بخطّ بين (أصبحت) وخبرها الذى هو (قفرا)، وفصل بين كأنّ واسمها الذى هو (قلما) بأجنبيّين: أحدهما قفرا، والآخر: رسومها ألا ترى أن رسومها مفعول خطّ الذى هو خبر كأنّ، وأنت لا تجيز كأنّ خبزا زيدا آكل. بل إذا لم تجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوّة الفعل فى نحو كانت زيدا الحمّى تأخذ كان ألا
__________
(1) الملحاة: اللوم.
(2) البيت من البسيط، وهو لثابت بن قطنة فى لسان العرب (طبع)، وتاج العروس (غفف)، وأمالى المرتضى 1/ 408، وله أو لعروة بن أذينة فى تاج العروس (طبع)، وهو فى ديوان عروة بن أذينة ص 386، وبلا نسبة فى لسان العرب (غفف)، ومجمل اللغة 4/ 5، ومقاييس اللغة 4/ 375، والمخصص 3/ 69، وديوان الأدب 3/ 26، وأساس البلاغة (غفف).
الطبع: العيب. والغفة: ما يتبلغ به ويقتات.
(3) الأمم: اليسير.
(4) البيت من المنسرح، وهو لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص 1909، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 431، وخزانة الأدب 4/ 418، ولسان العرب (خطط).(2/166)
تجيز الفصل بين كأنّ واسمها بمفعول فاعلها أجدر.
نعم، وأغلظ من ذا أنه قدّم خبر كأنّ عليها وهو قوله: خطّ. فهذا ونحوه ممّا لا يجوز لأحد قياس عليه. غير أن فيه ما قدّمنا ذكره من سموّ الشاعر وتغطرفه، وبأوه، وتعجرفه (1). فاعرفه واجتنبه.
ومن ذلك بيت الكتاب:
وما مثله فى الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه
وحديث ما فيه معروف، فلندعه ولنعدّ عنه.
وأما قول الفرزدق:
إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره (2)
فإنه مستقيم ولا خبط فيه. وذلك أنه أراد: إلى ملك أبوه ما أمّه من محارب، أى ما أم أبيه من محارب، فقدّم خبر الأب عليه، وهو جملة كقولك: قام أخوها هند، ومررت بغلامهما أخواك.
وتقول على هذا: فضّته محرقة سرجها فرسك تريد: فرسك سرجها فضّته محرقة، ثم تقدّم الخبر على صورته، فيصير تقديره: سرجها فضّته محرقة فرسك، ثم تقدّم خبر السرج أيضا عليه فتقول: فضّته محرقة سرجها فرسك. فإن زدت على هذا شيئا قلت: أكثرها محرق فضّته سرجها فرسك، أردت: فرسك سرجها فضّته أكثرها محرق، فقدّمت الجملة التى هى خبر عن الفضّة عليها، ونقلت الجمل عن مواضعها شيئا فشيئا. وطريق تجاوز هذا والزيادة فى الأسماء والعوائد واضحة. وفى الذى مضى منه كاف بإذن الله.
فأما قوله:
__________
(1) التغطرف: التكبر. والبأو: الفخر. والتعجرف: الإقدام فى هوج وعدم المبالاة.
(2) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 250، والدرر 2/ 70، وشرح شواهد المغنى 1/ 357، ومعاهد التنصيص 1/ 44، والمقاصد النحوية 1/ 555، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 18، وشرح ابن عقيل ص 118، ومغنى اللبيب 1/ 116، وهمع الهوامع 1/ 118.(2/167)
معاوى لم ترع الأمانة فارعها ... وكن حافظا لله والدين شاكر (1)
فإن (شاكر) هذه قبيلة. أراد: لم ترع الأمانة شاكر فارعها، وكن حافظا لله والدين. فهذا شىء من الاعتراض. وقد قدّمنا ذكره، وعلّة حسنه، ووجه جوازه.
وأما قوله:
يوما تراها كمثل أردية العص ... ب ويوما أديمها نغلا (2)
فإنه أراد: تراها يوما كمثل أردية العصب، وأديمها يوما آخر نغلا. ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله، وهو (ها) من تراها. وهذا أسهل من قراءة من قرأ: {فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} (3) [هود: 71] إذا جعلت (يعقوب) فى موضع جرّ، وعليه تلقّاه القوم من أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذا من قبل أن حرف العطف منها الذى هو الواو ناب عن الجارّ الذى هو الباء فى قوله (بإسحاق)، وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون فى قوّة العامل قبله، وأن يلى من العمل ما كان الأوّل يليه، والجارّ لا يجوز فصله من مجروره، وهو فى الآية قد فصل بين الواو ويعقوب بقوله {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ}. والفصل بين الجارّ ومجروره لا يجوز، وهو أقبح منه بين المضاف والمضاف إليه. وربما فرد الحرف منه فجاء منفورا عنه قال:
لو كنت فى خلقاء أو رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل (4)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (شكر)، ويروى: (حافظا) مكان (شاكرا).
(2) البيت من المنسرح، وهو للأعشى فى ديوانه ص 283، وشرح شواهد الإيضاح ص 124، ولسان العرب (خمس)، (نغل)، (أدم)، وتاج العروس (خمس)، (نغل)، (أدم)، وبلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص 636.
(3) وقراءة فتح باء يعقوب قراءة حفص. عن عاصم وابن عامر وحمزة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائى بالرفع وروى أبو بكر عن عاصم بالرفع. السبعة لابن مجاهد ص 338.
(4) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى رصف المبانى ص 255، والمقرب 1/ 197، ويروى:
مخلفة لا يستطاع ارتقاؤها ... وليس إلى منها الزوال سبيل
خلقاء: أى ملساء والموصوف محذوف وهو صخرة.(2/168)
ففصل بين حرف الجرّ ومجروره بالظرف الذى هو (منها) وليس كذلك حرف العطف فى قوله:
* ويوما أديمها نغلا *
لأنه عطف على الناصب الذى هو (ترى) فكأنّ الواو أيضا ناصبة، والفصل بين الناصب ومنصوبه ليس كالفصل بين الجارّ ومجروره.
وليس كذلك قوله:
فصلقنا فى مراد صلقه ... وصداء ألحقتهم بالثلل (1)
(فليس منه) لأنه لم يفصل بين حرف العطف وما عطفه، وإنما فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمصدر الذى هو (صلقة) وفيه أيضا الفصل بين الموصوف الذى هو (صلقة) وصفته التى هى قوله (ألحقتهم بالثلل) بالمعطوف والحرف العاطفه أعنى قوله: وصداء، وقد جاء مثله أنشدنا:
أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت ... رسولا إلى أخرى جريا يعينها (2)
أراد: وأرسلت إلى أخرى رسولا جريّا.
والأحسن عندى فى يعقوب من قوله عزّ اسمه: {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] فيمن فتح أن يكون فى موضع نصب بفعل مضمر دلّ عليه قوله {فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ} [هود: 71] أى وآتيناها يعقوب. فإذا فعلت ذلك لم يكن فيه فصل بين الجارّ والمجرور. فاعرفه.
فأمّا قوله:
__________
(1) البيت من الرمل، وهو للبيد فى ديوانه ص 193، ولسان العرب (صدأ)، (صلق)، (ثلل)، وتهذيب اللغة 8/ 370، 15/ 65، وجمهرة اللغة ص 84، ومقاييس اللغة 1/ 319، 3/ 306، وديوان الأدب 2/ 176، وتاج العروس (ثلل)، ومجمل اللغة 3/ 239، وكتاب العين 5/ 63، 8/ 216، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 894.
صلق بنى فلان وفى بنى فلان: أوقع بهم وقعة منكرة. ومراد وصداء: قبيلتان والثلل:
الهلاك.
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى المحتسب 2/ 250، والمقرب 1/ 228.(2/169)
فليست خراسان التى كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفا أميرها
فحديثه طريف. وذلك أنه فيما ذكر يمدح خالد بن الوليد ويهجو أسدا، وكان أسد وليها بعد خالد (قالوا فكأنه) قال: وليست خراسان بالبلدة التى كانت خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها (ففى) كان على هذا ضمير الشأن والحديث، والجملة بعدها التى هى (أسد أميرها) خبر عنها. ففى هذا التنزيل أشياء: منها الفصل بين اسم كان الأولى وهو خالد، وبين خبرها الذى هو (سيفا) بقوله (بها أسد إذ كان) فهذا واحد.
وثان: أنه قدّم بعض ما (إذ) مضافة إليه وهو أسد عليها. وفى تقديم المضاف إليه أو شىء منه على المضاف من القبح والفساد ما لا خفاء به ولا ارتياب. وفيه أيضا أن (أسد) أحد جزأى الجملة المفسّرة للضمير على شريطة التفسير أعنى ما فى كان منه. وهذا الضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده. ولو تقدّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير، ولما سمّاه الكوفيون الضمير المجهول.
فإن قلت: فقد قال الله تعالى: {فَإِذََا هِيَ شََاخِصَةٌ أَبْصََارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[الأنبياء: 97] فقدّم (إذا) وهى منصوبة ب «شاخصة»، وإنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل، فكأنه على هذا قال: فإذا هى شاخصة هى أبصار الذين كفروا و (هى ضمير القصّة، وقد ترى كيف قدّرت تقديم أحد الجزأين اللذين يفسّرانها عليها، فكما جاز هذا (فكذلك يجوز) أيضا أن يقدّم (أسد) على الضمير فى (كان) وإن كان أسد أحد جزأى تفسير هذا الضمير.
قيل: الفرق أنّ الآية إنما تقديم فيها الظرف المتعلّق عندك بأحد جزأى تفسير الضمير وهو شاخصة، والظرف مما يتّسع الأمر فيه ولا تضيق مساحة التعذر له بأن تعلّقه بمحذوف يدلّ عليه شاخصة أو شاخصة أبصار الذين كفروا كما تقول فى أشياء كثيرة نحو قوله تعالى: {فَإِذََا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ} (1)
[المؤمنون: 101]، وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى ََ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذََا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي}
__________
(1) وهو يريد أن (إذا) فى الآية نصبها ما فى الجواب (فلا أنساب بينهم) وقد تقرر أن (لا) لها التصدّر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والعذر فى ذلك أن (إذا) ظرف يتوسع فى أمره (نجار).(2/170)
{خَلْقٍ جَدِيدٍ} (1) [سبأ: 7]. وقول الشاعر:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا ... إذا إنه عبد الفقا واللهازم (2)
فيمن كسر إنّ.
وأما البيت فإنه قدّم فيه أحد الجزأين ألبتّة، وهو أسد. وهذا ما لا يسمح به، (ولا يطوى كشح) عليه. وعلى أنه أيضا قد يمكن أن تكون (كان) زائدة فيصير تقديره: إذ أسد أميرها. فليس فى هذا أكثر من شىء واحد، وهو ما قدّمنا ذكره من تقديم ما بعد (إذ) عليها وهى مضافة إليه. وهذا أشبه من الأوّل ألا ترى أنه إنما نعى على خراسان إذ أسد أميرها لأنه إنما فضّل أيام خالد المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها. فلا حاجة به إذا إلى (كان) لأنه أمر حاضر مشاهد. فأمّا (إذ) هذه فمتعلّقة بأحد شيئين: إمّا بليس وحدها، وإمّا بما دلّت عليه من غيرها، حتى كأنه قال: خالفت خرسان إذ أسد أميرها حالتها التى كانت عليه لها أيام ولاية خالد لها على حدّ ما تقول فيما يضمّ للظروف (لتتناولها، وتصل) إليها.
فإن قلت: فكيف يجوز لليس أن تعمل فى الظرف وليس فيها تقدير حدث؟.
قيل: جاز ذلك فيها، من حيث جاز أن ترفع وتنصب، وكانت على مثال الفعل، فكما عملت الرفع والنصب وإن عريت من معنى الحدث، كذلك أيضا تنصب الظرف لفظا (كما عملت الرفع والنصب لفظا)، ولأنها على وزن الفعل.
وعلى ذلك وجّه أبو علىّ قول الله سبحانه: {أَلََا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}
[هود: 8] لأنه أجاز فى نصب (يوم) ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون متعلّقا بنفس
__________
(1) وهو يريد كما سبق فى الآية السالفة. لأن (إنّ) لها التصدر، والعذر هو ما سبق.
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى أوضح المسالك (1/ 338، وتخليص الشواهد ص 348، والجنى الدانى ص 378، 411، وجواهر الأدب ص 352، وخزانة الأدب 10/ 265، والدرر 2/ 180، وشرح الأشمونى 1/ 138، وشرح التصريح 1/ 218، وشرح شذور الذهب ص 269، وشرح ابن عقيل ص 181، وشرح عمدة الحافظ ص 828، وشرح المفصل 4/ 97، 8/ 61، والكتاب 3/ 144، والمقاصد النحوية 2/ 224، والمقتضب 2/ 351.
أرى: أظنّ. واللهازم: جمع لهزمة وهما عظمان ناتئان فى اللحيين تحت الأذنين. اللسان (لهزم).(2/171)
(ليس) من حيث ذكرنا من الشبه اللفظىّ. وقال لى أبو علىّ رحمه الله يوما:
الظرف يتعلق بالوهم مثلا.
فأمّا قول الآخر:
نظرت وشخصى مطلع الشمس ظلّه
إلى الغرب حتّى ظلّه الشمس قد عقل
فقيل فيه: أراد نظرت مطلع الشمس وشخصى ظلّه إلى الغرب، حتى عقل الشمس ظلّه أى حاذاها فعلى هذا التفسير قد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ وخبره، وقد يجوز ألا يكون فصل، لكن على أن يتعلّق مطلع الشمس بقوله: إلى الغرب، حتى كأنه قال: شخصى ظلّه إلى الغرب وقت طلوع الشمس، فيعلّق الظرف بحرف الجرّ الجارى خبرا عن الظلّ كقولك: زيد من الكرام يوم الجمعة، فيعلّق الظرف بحرف الجرّ، ثم قدّم الظرف لجواز تقديم ما تعلّق به إلى موضعه ألا تراك تجيز أن تقول: شخصى إلى الغرب ظله، وأنت تريد: شخصى ظلّه إلى الغرب. فعلى هذا تقول: زيد يوم الجمعة أخوه من الكرام، ثم تقدّم فتقول: زيد من الكرام يوم الجمعة أخوه. فاعرفه.
وقال الآخر:
أيا بن أناس هل يمينك مطلق ... نداها إذا عدّ الفعال شمالها
أراد: هل يمينك شمالها مطلق نداها. ف (ها) من (نداها) عائد إلى الشمال لا اليمين، والجملة خبر عن يمينها.
وقال الفرزدق:
ملوك يبتنون توارثوها ... سرادقها المقاول والقبابا (1)
أراد: ملوك يبتنون المقاول والقباب، توارثوها سرادقها. فقوله: «يبتنون المقاول
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 99.
المقاول: جمع المقول، بكسر الميم وسكون القاف، وهو كالقيل: الملك على قومه يكون دون الملك الأعظم.(2/172)
والقباب» صفة لملوك. وقوله: «توارثوها سرادقها» صفة ثانية لملوك، وموضعها التأخير، فقدّمها وهو يريد بها موضعها كقولك: مررت برجل مكلّمها مارّ بهند، أى مارّ بهند مكلّمها فقدّم الصفة الثانية وهو معتقد تأخيرها. «ومعنى يبتنون المقاول» أى أنهم يصطنعون المقاول ويبتنونهم كقول المولّد:
يبنى الرجال وغيره يبنى القرى ... شتّان بين قرى وبين رجال (1)
وقوله: «توارثوها» أى توارثوا الرجال والقباب. ويجوز أن تكون الهاء ضمير المصدر أى توارثوا هذه الفعلات.
فأمّا ما أنشده أبو الحسن من قوله:
لسنا كمن حلّت إياد دارها ... تكريت ترقب حبّها أن يحصدا (2)
فمعناه: لسنا كمن حلّت دارها، ثم أبدل (إياد) من (من حلت دارها) فإن حملته على هذا كان لحنا لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض، فجرى ذلك فى فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرا. وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزاءه، فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقيّة! هذا خطأ فى الصناعة. وإذا كان كذلك والمعنى عليه أضمرت ما يدلّ عليه (حلّت) فنصبت به الدار، فصار تقديره: لسنا كمن حلّت إياد، أى كإياد التى حلّت، ثم قلت من بعده: حلّت دارها. فدلّ (حلّت) فى الصلة على (حلّت) هذه التى نصبت (دارها).
ومثله قول الله سبحانه: {إِنَّهُ عَلى ََ رَجْعِهِ لَقََادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ} [الطارق: 8، 9] (أى يرجعه يو تبلى السرائر) فدل «رجعه» على يرجعه. ولا يجوز أن تعلّق
__________
(1) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى تاج العروس (مذع)، ومعجم البلدان (مذع).
(2) البيت من الكامل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 281، ولسان العرب (منن)، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب 2/ 541، ولسان العرب (كرت). ويروى: (جعلت) مكان (حلّت)، (تمنع) مكان (ترقب).
وتكريت: أرض، قال ابن جنى: تقدير لسنا كمن حلّت رياد دارها، أى كإياد التى حلّت، ثم فلّت من بعد أن حلّت دارها، فدلّ حلت فى الصلة على حلت هذه التى نصبت دارها. اللسان (كرت).(2/173)
«يوم» بقوله «لقادر» لئّلا يصغر المعنى لأنّ الله تعالى قادر يوم تبلى السرائر وغيره فى كل وقت وعلى كل حال على رجع البشر وغيرهم. وكذلك قول الآخر.
ولا تحسبنّ القتل محضا شربته ... نزارا ولا أنّ النفوس استقرّت (1)
ومعناه: لا تحسبّن قتلك نزارا محضا شربته إلا أنه وإن كان هذا معناه فإن إعرابه على غيره وسواه ألا ترى أنك إن حملته على هذا جعلت (نزارا) فى صلة المصدر الذى هو (القتل) وقد فصلت بينهما بالمفعول الثانى الذى هو (محضا)، وأنت لا تقول: حسبت ضربك جميلا زيدا وأنت تقدّره على: حسبت ضربك زيدا جميلا لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبىّ. فلابدّ إذا من أن تضمر لنزار ناصبا يتناوله، يدلّ عليه قول: (القتل) أى قتلت نزارا. وإذا جاز أن يقوم الحال مقام اللفظ بالفعل كان اللفظ بأن يقوم مقام اللفظ أولى وأجدر.
وذاكرت المتنبىء شاعرنا نحوا من هذا، وطالبته به فى شىء من شعره، فقال:
لا أدرى ما هو، إلا أنّ الشاعر قد قال:
* لسنا كمن حلّت إياد دارها *
البيت. فعجبت من ذكائه وحضوره مع قوة المطالبة له حتى أورد ما هو فى معنى البيت الذى تعقّبته عليه من شعره. واستكثرت ذلك منه. والبيت قوله:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
وذكرنا ذلك لا تصاله بما نحن عليه فإن الأمر يذكر للأمر.
وأنشدنا أبو علىّ للكميت:
كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل (2)
أى وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا ركبت قبح الفصل. فلا بدّ إذا أن يكون «ما يرى المسحل» محمولا على مضمر يدلّ عليه قوله
__________
(1) المحض: اللبن الخالص لا رغوة فيه. نزار: أبو قبيلة، وهو نزار بن معدّ بن عدنان. اللسان (نزر).
(2) المسحل: جانب اللحية، وهما مسحلان.(2/174)
«الناظرات» أى نظرن ما يرى المسحل.
وهذا الفصل الذى نحن عليه ضرب من الحمل على المعنى، إلا أنا أوصلناه بما تقدّمه لما فيه من التقديم والتأخير فى ظاهره. وسنفرد للحمل على المعنى فصلا بإذن الله.
وأنشدوا:
كأنّ برذون أبا عصام ... زيد حمار دقّ باللجام (1)
أى كأنّ برذون زيد يا أبا عصام حمار دقّ باللجام. والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر قبيح كثير لكنه من ضرورة الشاعر. فمن ذلك قول ذى الرمة:
كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج (2)
(أى كأنّ أصوات أواخر الميس من إيغالهنّ بنا أصوات الفراريج).
وقوله:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهودىّ يقارب أو يزيل (3)
(أى بكفّ يهودىّ).
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى الدرر 5/ 47، وشرح الأشمونى 2/ 329، وشرح التصريح 2/ 60، وشرح ابن عقيل ص 405، وشرح عمدة الحافظ ص 495، والمقاصد النحوية 3/ 480، وهمع الهوامع 2/ 53.
(2) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 996، والإنصاف ص 433، وخزانة الأدب 4/ 108، 413، 419، والحيوان 2/ 342، وسر صناعة الإعراب ص 10، وشرح أبيات سيبويه 1/ 92، والكتاب 1/ 179، 2/ 166، 280، ولسان العرب (نقض)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 863، ورصف المبانى ص 65، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1083، وشرح المفصل 1/ 103، 3/ 77، 4/ 132، وكتاب اللامات ص 107، والمقتضب 4/ 376.
هذا فى وصف الإبل. الإيغال: الإبعاد فى الأرض. وأراد به شدة السير، والميس: شجر تتخذ منه الرحال، وأراد به الرحل. والفراريج: صغار الدجاج. وانظر الديوان 76.
(3) البيت من الوافر، وهو لأبى حية النميرى فى ديوانه ص 163، والإنصاف 2/ 432، وخزانة الأدب 4/ 219، والدرر 5/ 45، وشرح التصريح 2/ 59، والكتاب 1/ 179، ولسان العرب (عجم)، والمقاصد النحوية 3/ 470، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 3/ 189، ورصف المبانى(2/175)
وقوله:
هما أخوا فى الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (1)
أى هما أخوا من لا أخا له فى الحرب، فعلّق الظرف بما فى (أخوا) من معنى الفعل لأن معناه: هما ينصرانه ويعاونانه.
وقوله:
هما خطّتا إما إسار ومنّة ... وإما دم والقتل بالحرّ أجدر (2)
ففصل بين (خطّتا) و (إسار) بقوله (إمّا)، ونظيره هو غلام إمّا زيد وإمّا عمرو. وقد ذكرت هذا البيت فى جملة كتابى فى تفسير أبيات الحماسة»، وشرحت حال الرفع فى إسار ومنّة.
ومن ذلك قوله:
فزججتها بمزجّة ... زجّ القلوص أبى مزاده (3)
__________
ص 65، وشرح الأشمونى 2/ 328، وشرح ابن عقيل ص 403، وشرح عمدة الحافظ ص 495، وشرح المفصل 1/ 103، ولسان العرب (حبر)، والمقتضب 4/ 377، وهمع الهوامع 2/ 52.
يقارب: أى يدنى بعض خطه من بعض. يزيل: يميز بين الحروف ويباعد بينها.
(1) البيت من الطويل، وهو لعمرة الخثعية فى الإنصاف 2/ 434، والدرر 5/ 45، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1083، ولسان العرب (أبى)، ولها أو لدرنا بنت عبعبة فى الدرر 5/ 45، والمقاصد النحوية 3/ 472، ولدرنا بنت عبعبة فى شرح المفصل 3/ 21، والكتاب 1/ 180، ولدرنا بنت عبعبة أو لدرنا بنت سيار فى شرح أبيات سيبويه 1/ 218، ولأمرأة من بنى سعد فى نوادر أبى زيد ص 115، وبلا نسبة فى كتاب الصناعتين ص 165، وهمع الهوامع 2/ 52.
(2) البيت من الطويل، وهو لتأبط شرا فى ديوانه ص 89، وجواهر الأدب ص 154، وخزانة الأدب 7/ 499، 500، 503، والدرر 1/ 143، وشرح التصريح 2/ 58، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 79، وشرح شواهد المغنى 2/ 975، ولسان العرب (خطط)، والمقاصد النحوية 3/ 486، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 342، وشرح الأشمونى 2/ 328، ومغنى اللبيب 2/ 643، والممتع فى التصريف 2/ 526، وهمع الهوامع 1/ 46، 2/ 52.
(3) البيت من مجزوء الكامل، وهو بلا نسبة فى الإنصاف 2/ 427، وتخليص الشواهد ص 82، وخزانة الأدب 4/ 415، 416، 418، 421، 422، 423، وشرح الأشمونى 2/ 327،(2/176)
أى زجّ أبى مزادة القلوص. ففصل بينهما بالمفعول به. هذا مع قدرته على أن يقول: زجّ القلوص أبو مزادة، كقولك: سرّنى أكل الخبز زيد. وفى هذا البيت عندى دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم، وأنه فى نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة، مع تمكّنه من ترك ارتكابها، لا لشىء غير الرغبة فى إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول.
فأمّا قوله:
يطفن بحوزىّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسىّ الكنائن (1)
فلم نجد فيه بدّا من الفصل لأن القوافى مجرورة. ومن ذلك قراءة (ابن عامر): {وَكَذََلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] وهذا فى النثر وحال السعة صعب جدا، لا سيّما والمفصول به مفعول لا ظرف.
ومنه بيت الأعشى:
إلا بداهة أو علا ... له قارح نهد الجزاره (2)
ومذهب سيبويه فيه الفصل بين (بداهة) و (قارح) وهذا أمثل عندنا من مذهب غيره فيه لما قدّمنا فى غير هذا الموضع. وحكى الفرّاء عنهم: برئت إليك
__________
وشرح المفصل 3/ 189، والكتاب 1/ 176، ومجالس ثعلب ص 152، والمقاصد النحوية 3/ 468، والمقرب 1/ 54.
يقال: زجه: طعنه بالزّج وهو سنان الرمح. والمزجة رمح قصير. والقلوص: الناقة الفتية.
(1) البيت من الطويل، وهو للطرماح فى ديوانه ص 486، وشرح عمدة الحافظ ص 494، ولسان العرب (حوز)، والمقاصد النحوية 3/ 462، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 429، وخزانة الأدب 4/ 418، ويروى: (ترع) مكان (يرع).
الحوزىّ المتوحد: وهو الفحل منها، وهو من حزت الشىء إذا جمعته أو نحيته. اللسان (حوز) لم يرع: لم يفزع.
(2) البيت من مجزوء الكامل، وهما للأعشى فى ديوانه ص 209، وخزانة الأدب 1/ 172، 173، 4/ 404، 6/ 500، وسر صناعة الإعراب 1/ 298، وشرح أبيات سيبويه 1/ 114، وشرح المفصل 3/ 22، والشعر والشعراء 1/ 163، والكتاب 1/ 179، 2/ 166، ولسان العرب (جذر)، (بده)، والمقاصد النحوية 3/ 453، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 2/ 626، ورصف المبانى ص 358، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 118، والمقتضب 4/ 228، والمقرب 1/ 180.(2/177)
من خمسة وعشرى النخّاسين، وحكى أيضا: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله، ومنه قولهم: هو خير وأفضل من ثمّ، وقوله:
يا من رأى عارضا أرقت له ... بين ذراعى وجبهة الأسد (1)
فإن قيل: لو كان الآخر مجرورا بالأوّل لكنت بين أمرين.
إما أن تقول: إلا (علالة أو بداهته) قارح، وبرئت إليك من خمسة وعشريهم النّخاسين، وقطع الله يد ورجله من قاله، ومررت بخير وأفضله من ثمّ، وبين ذراعى وجبهته الأسد لأنك إنما تعمل الأوّل، فجرى ذلك مجرى: ضربت فأوجعته زيدا إذا أعملت الأوّل.
وإما أن تقدّر حذف المجرور من الثانى وهو مضمر ومجرور كما ترى، والمضمر إذا كان مجرورا قبح حذفه لأنه يضعف أن ينفصل فيقوم برأسه.
فإذا لم تخل عند جرّك الآخر بالأول من واحد من هذين، وكلّ واحد منهما متروك وجب أن يكون المجرور إنما انجرّ بالمضاف الثانى الذى وليه، لا بالأول الذى بعد عنه.
قيل: أمّا تركهم إظهار الضمير فى الثانى وأن يقولوا: بين ذراعى وجبهته الأسد ونحو ذلك فإنهم لو فعلوه لبقى المجرور لفظا لا جارّ له فى اللفظ يجاوره لكنهم لمّا قالوا: بين ذراعى وجبهة الأسد صار كأنّ (الأسد) فى اللفظ مجرور بنفس (الجبهة) وإن كان فى الحقيقة مجرورا بنفس الذراعين. وكأنهم فى ذلك إنما أرادوا إصلاح اللفظ. وأمّا قبح حذف الضمير مجرورا لضعفه عن الانفصال فساقط عنا أيضا. وذلك أنه إنما يقبح فصل الضمير المجرور متى خرج إلى اللفظ نحو مررت
__________
(1) البيت من المنسرح، وهو للفرزدق فى ديوانه ص 215، وخزانة الأدب 2/ 319، 4/ 404، 5/ 289، وشرح شواهد المغنى 2/ 799، وشرح المفصل 3/ 21، والكتاب 1/ 180، والمقاصد النحوية 3/ 451، والمقتضب 4/ 229، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 100، 2/ 264، 390، وتخليص الشواهد ص 87، وخزانة الأدب 10/ 187، ورصف المبانى ص 341، وسر صناعة الإعراب ص 297، وشرح الأشمونى 2/ 336، وشرح عمدة الحافظ ص 502، ولسان العرب (بعد)، (يا)، ومغنى اللبيب 2/ 380، 621، ويروى (أسرّ به) مكان (أرقت له).
العارض: السحاب المعترض فى الأفق. وذراعا الأسد وجبهته من منازل القمر.(2/178)
بزيد وك، ونزلت على زيد وه لضعفه أن يفارق ما جرّه. فأمّا إذا لم يظهر إلى اللفظ وكان إنما هو مقدّر فى النفس غير مستكره عليه اللفظ فإنّه لا يقبح ألا ترى أن هنا أشياء مقدّرة لو ظهرت إلى اللفظ قبحت، ولأنها غير خارجة إليه ما حسنت. من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو ألا ترى أن العامل فى المعطوف غير العامل فى المعطوف عليه، فلا بد إذا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو، وأنت لو قلت ذلك لم يجز لأن اختصم ونحوه من الأفعال مثل اقتتل واستبّ واصطرع لا يكون فاعله أقلّ من اثنين. وكذلك قولهم: ربّ رجل وأخيه، ولو قلت: ورب أخيه لم يجز، وإن كانت ربّ مرادة هناك ومقدّرة.
فقد علمت بهذا وغيره أن ما تقدّره وهما ليس كما تلفظ به لفظا. فلهذا يسقط عندنا إلزام سيبويه هذه الزيادة.
والفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير، وفيما أوردناه منه كاف بإذن الله وقد جاء الطائىّ الكبير بالتقديم والتأخير، فقال:
وإن الغنى لى لو لحظت مطالبى ... من الشعر إلا فى مديحك أطوع
وتقديره: وإن الغنى لى لو لحظت مطالبى أطوع من الشعر إلى فى مديحك، أى فإنه يطيعنى فى مدحك ويسارع إلىّ. وهذا كقوله أيضا معنى لا لفظا:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وكقول الآخر:
ولقد أردت نظامها فتواردت ... فيها القوافى جحفلا عن جحفل
وذهب أبو الحسن فى قول الله سبحانه: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوََاسِ الْخَنََّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النََّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنََّاسِ} [الناس: 4، 5، 6] إلى أنه أراد: من شر الوسواس الخناس من الجنّة والناس (الذى يوسوس فى صدور الناس).
ومنه قول الله عز اسمه: {اذْهَبْ بِكِتََابِي هََذََا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مََا ذََا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] أى اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم. وقيل فى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظََاهِرُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمََا قََالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم
فتحرير رقبة ثم يعودون (لما قالوا). ونحو من هذا ما قدّمنا ذكره من الاعتراض فى نحو قوله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 75، 76، 77] تقديره والله أعلم فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم وإنه لقسم عظيم لو تعلمون.(2/179)
ومنه قول الله عز اسمه: {اذْهَبْ بِكِتََابِي هََذََا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مََا ذََا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] أى اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم. وقيل فى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظََاهِرُونَ مِنْ نِسََائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمََا قََالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم
فتحرير رقبة ثم يعودون (لما قالوا). ونحو من هذا ما قدّمنا ذكره من الاعتراض فى نحو قوله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 75، 76، 77] تقديره والله أعلم فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم وإنه لقسم عظيم لو تعلمون.
وقد شبّه الجازم بالجارّ ففصل بينهما، مما فصل بين الجارّ والمجرور وأنشدنا لذى الرمة:
فأضحت مغانيها قفارا رسومها
كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل (1)
وجاء هذا فى ناصب الفعل. أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر:
لمّا رأيت أبا يزيد مقاتلا ... أدع القتال
أى لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلا كما أراد فى الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. وكأنه شبّه لن بأنّ، فكما جاز الفصل بين أنّ واسمها بالظرف فى نحو قولك: بلغنى أنّ فى الدار زيدا، كذلك شبه (لن) مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذى هو (ما رأيت أبا يزيد) أى مدّة رؤيتى.
فصل فى الحمل على المعنى
اعلم أن هذا الشرج غور من العربية بعيد، ومذهب نازح فسيح. قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما كتأنيث المذكر، وتذكير المؤنث، وتصوّر معنى الواحد فى الجماعة، والجماعة فى الواحد، وفى حمل الثانى على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا، وغير ذلك مما تراه بإذن الله.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1465، وخزانة الأدب 9/ 5، والدرر 5/ 63، وشرح شواهد المغنى 2/ 678، والمقاصد النحوية 4/ 445، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص 269، وشرح الأشمونى 3/ 576، ومغنى اللبيب 1/ 278، وهمع الهوامع 2/ 56.
تؤهل المكان: تنزل به وتعيش فيه.(2/180)
فمن تذكير المؤنث قوله:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها (1)
ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان. ومنه قول الله عزّ وجلّ: {فَلَمََّا رَأَى الشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي} [الأنعام: 78] أى هذا الشخص أو هذا المرئىّ ونحوه.
وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ جََاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 275] لأن الموعظة والوعظ واحد. وقالوا فى قوله سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] إنه أراد بالرحمة هنا المطر. ويجوز أن يكون التذكير هنا (إنما هو) لأجل فعيل، على قوله:
* بأعين أعداء وهنّ صديق (2) *
وقوله:
* ولا عفراء منك قريب (3) *
وعليه قول الحطيئة:
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو لعامر بن جوين فى تخليص الشواهد ص 483، وخزانة الأدب 1/ 45، 49، 50، والدرر 6/ 268، وشرح التصريح 1/ 278، وشرح شواهد الإيضاح ص 339، 460، وشرح شواهد المغنى 2/ 943، والكتاب 2/ 46، ولسان العرب (أرض)، (بقل)، والمقاصد النحوية 2/ 464، وتاج العروس (ودق)، (بقل)، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 352، وأوضح المسالك 2/ 108، وجواهر الأدب ص 113، وشرح الأشمونى 1/ 174، والرد على النحاة ص 91، ورصف المبانى ص 166، وشرح أبيات سيبويه 1/ 557، وشرح ابن عقيل ص 244، وشرح المفصل 5/ 94، ولسان العرب (خضب)، والمحتسب 2/ 112، ومغنى اللبيب 2/ 656، والمقرب 1/ 303، وهمع الهوامع 2/ 171.
(2) عجز البيت من الطويل، وهو لجربر فى ديوانه ص 372، والأشباه والنظائر 5/ 233، ولسان العرب (صدق)، ولذى الرمة فى ملحق ديوانه ص 1893، والحماسة البصرية 2/ 177، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 184. ويروى: (بأسهم) مكان (بأعين).
(3) عجز البيت من الطويل، وهو لعروة بن حزام فى ديوانه ص 106، والأغانى 24/ 129، وخزانة الأدب 3/ 215، وبلا نسبة فى لسان العرب (قرب)، وتهذيب اللغة 2/ 245، 9/ 125، وتاج العروس (قرب). وصدره:
ليالى لا عفراء منك بعيدة *(2/181)
ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد جار الزمان على عيالى (1)
ذهب بالنفس إلى الإنسان فذكّر.
وأمّا بيت الحكمىّ:
* ككمون النار فى حجره *
فيكون على هذا لأنه ذهب إلى النور والضياء، ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الكمون أى فى حجر الكمون. والأوّل أسبق فى الصنعة إلى النفس، وقال الهذلىّ:
بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرا طرّتاه طليحا (2)
ذهب بالطرّتين إلى الشعر. ويجوز أن يكون (طرّتاه) بدلا من الضمير إذا جعلته فى مضطمر كقول الله سبحانه: {جَنََّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوََابُ} [ص: 50] إذا جعلت فى (مفتّحة) ضميرا، وجعلت (الأبواب) بدلا من ذلك الضمير، ولم يكن تقديره: الأبواب منها على أن نخلى (مفتحة) من الضمير. نعم وإذا كان فى (مفتحة) ضمير (والأبواب) بدل منه فلابد أيضا من أن يكون تقديره (مفتحة لهم) الأبواب منها. وليس (منها) وفى (مفتّحة) ضمير مثلها إذا أخليتها من ضمير.
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 270، والأغانى 2/ 144، والإنصاف 2/ 771، وخزانة الأدب 7/ 367، 368، 369، 394، والكتاب 3/ 565، ولسان العرب (ذود)، (نفس)، ولأعرابى، أو للحطيئة، أو لغيره فى الدرر 4/ 40، ولأعرابى من أهل البادية فى المقاصد النحوية 4/ 485، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 246، والدرر 6/ 195، وشرح الأشمونى 2/ 620، وشرح التصريح 2/ 270، ومجالس ثعلب 1/ 304، وهمع الهوامع 1/ 253، 2/ 170.
الذود: للقطيع من الإبل الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر. وانظر اللسان (ذود) وثلاث ذود: أى ثلاثا من النوق.
(2) البيت من المتقارب، وهو لأبى ذؤيب فى شرح أبيات سيبوية 2/ 18، وشرح أشعار الهذليين 1/ 202، والكتاب 2/ 44، ولسان العرب (ضمر)، (طرر)، (غزا)، وبلا نسبة فى المقتضب 2/ 147.
الغزاة بفتح الغين: الغزو. طرّتاه: كشحاه. واضطمار الكشحين: كناية عن ضمور البطن من الهزال، وطليحا: معيبا.(2/182)
وذلك أنها إذا خلت (مفتّحة) من ضمير فالضمير فى (منها) عائد الحال إذا كانت مشتقّة كقولك: مررت بزيد واقفا الغلام معه وإذا كان فى (مفتّحة) ضمير فإن الضمير فى (منها) هو الضمير الذى يرد به المبدل عائدا على المبدل منه كقولك:
ضربت زيدا رأسه، أو الرأس منه، وكلمت قومك نصفهم أو النصف منهم، وضرب زيد الظهر والبطن أى الظهر منه والبطن منه. فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
ومن تذكير المؤنّث قوله:
إنّ امرأ غرّه منكن واحدة ... بعدى وبعدك فى الدنيا لمغرور (1)
لمّا فصل بين الفعل وفاعله حذف علامة التأنيث، وإن كان تأنيثه حقيقيا. وعليه قولهم: حضر القاضى امرأة، وقوله:
لقد ولد الأخيطل أمّ سوء ... على باب استها صلب وشام (2)
وأما قول حران العود:
ألا لا يغرّن امرا نوفليّة ... على الرأس بعدى أو ترائب وضّح (3)
فليست النوفليّة (4) هنا امرأة، وإنما هى مشطة تعرف بالنوفليّة فتذكير الفعل
__________
(1) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى الإنصاف 1/ 174، وتخليص الشواهد ص 481، والدرر 6/ 271، وشرح الأشمونى 1/ 173، وشرح شذور الذهب ص 224، وشرح المفصل 5/ 93، ولسان العرب (غرر)، واللمع ص 116، والمقاصد النحوية 2/ 476، وهمع الهوامع 2/ 171.
(2) البيت من الوافر، وهو لجرير فى ديوانه ص 283، وشرح شواهد الإيضاح ص 338، 405، وشرح التصريح 1/ 279، وشرح المفصل 5/ 92، ولسان العرب (صلب)، والمقاصد النحوية 2/ 468، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 175، وأوضح المسالك 2/ 112، وجواهر الأدب ص 113، وشرح الأشمونى 1/ 173، والمقتضب 2/ 148، 3/ 349، والممتع فى التصريف 1/ 218.
الصلب: جمع الصليب. والشام: جمع الشامة، وهى العلامة.
(3) البيت من الطويل، وهو لجران العود فى ديوانه ص 37، وخزانة الأدب 10/ 19، والمحتسب 2/ 112، ولسان العرب (نفل).
(4) النوفلية: ضرب من الامتشاط (حكاه ابن جنى عن الفارسى). وفى التهذيب: النوفلية شىء يتخذه نساء الأعراب من صوف يكون فى غلظ أقل من الساعد، ثم يحشى ويعطف فتضعه المرأة على رأسها ثم تختمر عليه اللسان (نفل).(2/183)
معها أحسن.
وتذكير المؤنث واسع جدّا لأنه ردّ فرع إلى أصل. لكن تأنيث المذكّر أذهب فى التناكر والإغراب. وسنذكره.
وأمّا تأنيث المذكّر فكقراءة من قرأ «تلتقطه بعض السيارة» [يوسف: 10] وكقولهم: ما جاءت حاجتك، وكقولهم: ذهبت بعض أصابعه. أنّث ذلك لمّا كان بعض السيّارة سيّارة فى المعنى، وبعض الأصابع إصبعا، ولمّا كانت (ما) هى الحاجة فى المعنى. وأنشدوا:
أتهجر بيتا بالحجاز تلفّت ... به الخوف والأعداء من كلّ جانب (1)
ذهب بالخوف إلى المخافة. وقال لبيد:
فمضى وقدّمها وكانت عادة ... منه إذا هى عرّدت إقدامها (2)
إن شئت قلت: أنّث الإقدام لمّا كان فى معنى التقدمة. وإن شئت قلت: ذهب إلى تأنيث العادة، كما ذهب إلى تأنيث الحاجة فى قوله: (ما جاءت حاجتك) وقال:
يأيها الراكب المزجى مطيته ... سائل بنى أسد ما هذه الصوت (3)
ذهب إلى تأنيث الاستغاثة. وحكى الأصمعىّ عن أبى عمرو أنه سمع رجلا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب، جاءته كتابى فاحتقرها! فقلت له: أتقول: جاءته
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 1/ 13، ولسان العرب (خوف).
ويروى عجزه:
* به الخوف والأعداء أم أنت زائره *
(2) البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 306، والأشباه والنظائر 5/ 255، ولسان العرب (عرد)، (قدم)، وكتاب العين 2/ 32.
التعريد: الانهزام وترك القصد.
(3) البيت من البسيط، وهو لرويشد بن كثير الطائى فى الدرر 6/ 239، وسر صناعة الإعراب ص 11، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 166، وشرح المفصل 5/ 95، ولسان العرب (صوت)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 103، 5/ 237، والإنصاف ص 773، وتخليص الشواهد ص 148، وخزانة الأدب 4/ 221، وهمع الهوامع 2/ 157.(2/184)
كتابى فقال نعم، أليس بصحيفة! قلت: فما اللغوب؟ قال: الأحمق. وهذا فى النثر كما ترى، وقد علله.
وهذا مما قد ذكرناه (فيما مضى من) كتابنا هذا، غير أنا أعدناه لقوّته فى معناه.
وقال:
لو كان فى قلبى كقدر قلامة ... حبّا لغيرك قد أتاها أرسلى (1)
كسّر رسولا وهو مذكّر على أرسل، وهو من تكسير المؤنث كأتان وآتن، وعناق وأعنق، وعقاب وأعقب، لمّا كان الرسول هنا إنما يراد به المرأة لأنها فى غالب الأمر ممّا يستخدم فى هذا الباب. وكذلك ما جاء عنهم من جناح وأجنح.
قالوا: ذهب (فى التأنيث) إلى الريشة.
وعليه قول عمر:
فكان مجنّى دون من كنت أتّقى ... ثلاث شخوص: كاعبان ومعصر (2)
أنّث الشخص لأنه أراد به المرأة. وقال الآخر:
فإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت برىء من قبائلها العشر (3)
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص 178، والأغانى 8/ 100، وخزانة الأدب 5/ 222، والدرر 4/ 161، والزهرة 1/ 155، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص 83، وهمع الهوامع 2/ 31. ويروى: (فضلا) مكان.
(2) البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص 100، والأشباه والنظائر 5/ 48، 129، والأغانى 1/ 90، وأمالى الزجاجى ص 118، والإنصاف 2/ 770، وخزانة الأدب 5/ 320، 321، 7/ 394، 396، 398، وشرح أبيات سيبويه 2/ 366، وشرح التصريح 2/ 271، وشرح شواهد الإيضاح ص 313، والكتاب 3/ 566، ولسان العرب (شخص)، والمقاصد النحوية 4/ 483، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 104، وأوضح المسالك 4/ 451، وشرح الأشمونى 3/ 620، وشرح التصريح 2/ 275، وشرح عمدة الحافظ ص 519، وعيون الأخبار 2/ 174، والمقتضب 2/ 148، والمقرب 1/ 307، ويروى:
(نصيرى) مكان (مجنى).
(3) البيت من الطويل، وهو للنواح الكلابى فى الدرر 6/ 196، والمقاصد النحوية 4/ 484، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 105، 5/ 49، وأمالى الزجاجى ص 118، والإنصاف 2/ 769، وخزانة الأدب 7/ 395، وشرح الأشمونى 3/ 620، وشرح عمدة الحافظ ص 520، والكتاب 3/ 565، ولسان العرب (كلب)، (بطن)، والمقتضب 2/ 148، وهمع الهوامع 2/ 149.(2/185)
ذهب بالبطن إلى القبيلة، وأبان ذلك بقوله: من قبائلها.
وأمّا قوله:
* كما شرقت صدر القناة من الدم (1) *
فإن شئت قلت: أنّث لأنه أراد القناة، وإن شئت قلت: إنّ صدر القناة قناة.
وعليه قوله:
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت ... أعاليها مرّ الرياح النواسم (2)
وقول الآخر:
لمّا أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع (3)
وقوله:
* طول الليالى أسرعت فى نقضى (4) *
__________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 173، والأزهية ص 238، والأشباه والنظائر 5/ 255، وخزانة الأدب 5/ 106، والدرر 5/ 19، وشرح أبيات سيبوية 1/ 54، والكتاب 1/ 52، ولسان العرب (صدر)، (شرق)، والمقاصد النحوية 3/ 378، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 105، ومغنى اللبيب 2/ 513، والمقتضب 4/ 197، 199، وهمع الهوامع 2/ 49. وصدره:
* وتشرق بالقول الذى قد أذعته *
(2) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 754، وخزانة الأدب 4/ 225، وشرح أبيات سيبويه 1/ 58، والكتاب 1/ 52، 65والمحتسب 1/ 237، والمقاصد النحوية 3/ 367، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 5/ 239، وشرح الأشمونى 2/ 310، وشرح ابن عقيل ص 380، وشرح عمدة الحافظ ص 838، ولسان العرب (عرد)، (صدر)، (قبل)، (سفه)، والمقتضب 4/ 197.
(3) البيت من الكامل، وهو لجرير فى ديوانه ص 913، والأشباه والنظائر 2/ 105، 220، 225، وجمهرة اللغة ص 723، وخزانة الأدب 4/ 218، وشرح أبيات سيبويه 1/ 57، ولسان العرب (حدث)، (سور)، (أفق)، ولجرير أو للفرزدق فى سمط اللآلى ص 379، 922، وليس فى ديوان الفرزدق، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 169، والصاحبى فى فقه اللغة ص 267، والمقتضب 4/ 197.
(4) الرجز للأغلب العجلى فى الأغانى 21/ 30، وخزانة الأدب 4/ 224، 225، 226، وشرح أبيات سيبويه 1/ 366، وشرح التصريح 2/ 31، والمقاصد النحوية 3/ 395، وله أو للعجاج(2/186)
وقوله:
* على قبضة موجوءة ظهر كفه *
وقول الآخر:
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهريّة الذقن (1)
وأمّا قول بعضهم: صرعتنى بعير لى فليس عن ضرورة لأن البعير يقع على الجمل والناقة قال:
لا تشربا لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار (2)
وقال عزّ اسمه: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ} (3) [الأحزاب: 31] لأنه أراد:
امرأة.
ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله، أفرد الضمير لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كقولك: هو أحسن فتى فى الناس قال ذو الرمّة:
وميّة أحسن الثقلين وجها ... وسالفة وأحسنه قذالا (4)
__________
فى شرح شواهد المغنى 2/ 881، وللعجاج فى الكتاب 1/ 53، والمخصص 17/ 78، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 106، وأوضح المسالك 3/ 103، والخصائص 2/ 418، وشرح الأشمونى 2/ 310، والصاحبى فى فقه اللغة ص 252، ومغنى اللبيب 2/ 512، والمقتضب 4/ 199، 200.
(1) البيت من البسيط، وهو لابن مقبل فى ديوانه ص 303، وشرح شواهد المغنى 1/ 316، ولسان العرب (كتم)، (حجن)، (ذقن)، والمحتسب 1/ 237.
الذقن: جمع الذقون، وهى التى تميل ذقنها إلى الأرض. والمحاجن: العصىّ المعوجة.
(2) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (غدد)، والمقتضب 2/ 191.
عرق الزجاجة: ما نتح به من الشراب وغيره مما فيها، والمراد هنا الخمر.
(3) وقراءة «تقنت» بالتاء قراءة ابن عامر ويعقوب والجحدرىّ.
(4) البيت من الوافر، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1521، والأشباه والنظائر 2/ 106، وخزانة الأدب 9/ 393، والدرر 1/ 183، وشرح المفصل 6/ 96، ولسان العرب (ثقل)، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 349، ورصف المبانى ص 168، وشرح شذور الذهب ص 536، وهمع الهوامع 1/ 59. ويروى: (جيدا) مكان (وجها).
السالفة: أعلى العنق. والقذال: مؤخر الرأس.(2/187)
فأفرد الضمير، مع قدرته على جمعه. وهذا يدلّك على قوّة اعتقادهم أحوال المواضع وكيف ما يقع فيها ألا ترى أن الموضع موضع جمع، وقد تقدّم فى الأوّل لفظ الجمع فترك اللفظ وموجب الموضع إلى الإفراد لأنه مما يؤلف فى هذا المكان.
وقال سبحانه: {وَمِنَ الشَّيََاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} [الأنبياء: 82] فحمل على المعنى، وقال: {بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] فأفرد على لفظ من ثم جمع من بعد، وقال عبيد:
* فالقطّبيّات فالذنوب (1) *
وإنما القطّبيّة ماء واحد معروف. وقال الفرزدق:
فيا ليت دارى بالمدينة أصبحت ... بأجفار فلج أو بسيف الكواظم (2)
يريد الجفر وكاظمة. وقال جرير:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وإنما رامة أرض واحدة معروفة.
واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد تراجع اللفظ كقولك:
شكرت من أحسنوا إلىّ على فعله (ولو: قلت شكرت من أحسن إلىّ على فعلهم
__________
(1) عجز البيت من مخلع البسيط، وهو لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص 23، وجمهرة اللغة ص 284، وخزانة الأدب 2/ 218، ولسان العرب (ذنب)، (لحب)، (رمل)، (هزل)، (قطم)، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 435، ولسان العرب (قطب)، وتاج العروس (قطب).
وصدره:
* أقفر من أهله ملحوب *
(2) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 2/ 307، ولسان العرب (حفر)، (كظم)، وتاج العروس (حفر)، (كظم). ويروى: (باحفار) مكان (بأجفار).
والكواظم يعنى كاظمة وما حولها. وكاظمة موضع على سيف البحر من البصرة على مرحلتين، وفيها ركايا كثيرة، وماؤها شروب. وفلج: واد بين البصرة وضريّة. والجفر: البئر الواسعة لم تطو. اللسان (كظم)، (فلج)، (جفر).(2/188)
جاز). فلهذا ضعف عندنا أن يكون (هما) من (مصطلاهما) فى قوله:
* كميتا الأعالى جونتا مصطلاهما (1) *
عائدا على الأعالى فى المعنى إذ كانا أعليين اثنين لأنه موضع قد ترك فيه لفظ التثنية حملا على المعنى لأنه جعل كلّ جهة منهما أعلى كقولهم: شابت مفارقه، وهذا بعير ذو عثانين (2) ونحو ذلك، أو لأن الأعليين شيئان من شيئين.
فإذا كان قد انصرف عن اللفظ إلى غيره ضعفت معاودته إياه لأنه انتكاث وتراجع، فجرى ذلك مجرى ادّغام الملحق وتوكيد ما حذف. على أنه قد جاء منه شىء قال:
* رءوس كبيريهنّ ينتطحان (3) *
وأمّا قوله:
كلاهما حين جدّ الحرب بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى (4)
فليس من هذا الباب، وإن كان قد عاد من بعد التثنية إلى الإفراد. وذلك أنه
__________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو للشماخ فى ديوانه ص 308307، وخزانة الأدب 4/ 293، والدرر 5/ 281، وشرح أبيات سيبويه 1/ 7وشرح المفصل 6/ 83، 86، والصاحبى فى فقه اللغة ص 210، والكتاب 1/ 199، والمقاصد النحوية 3/ 587، وهمع الهوامع 2/ 99، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 8/ 220، 222، وشرح الأشمونى 2/ 359، والمقرب 1/ 141.
وصدره:
* أقامت على ربعيهما جارتا صفا *
(2) عثانين: واحده عثنون، وهو شعيرات عند مذبح البعير والتيس.
(3) عجز البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 216، وخزانة الأدب 4/ 299، 301، ولسان العرب (رأس). وصدره:
* رأت جبلا فوق الجبال إذا التقت *
(4) البيت من البسيط، وهو للفرزدق فى أسرار العربية ص 287، وتخليص الشواهد ص 66، والدرر 1/ 122، وشرح التصريح 2/ 43، وشرح شواهد المغنى ص 552، ونوادر أبى زيد ص 162، وهو للفرزدق أو لجرير فى لسان العرب (سكف)، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 447، والخزانة 1/ 131، 4/ 299، وشرح الأشمونى 1/ 33، وشرح شواهد الإيضاح ص 171، وشرح المفصل 1/ 54، ومغنى اللبيب ص 204، وهمع الهوامع 1/ 41، ويروى: (الجرى) مكان (الحرب).(2/189)
لم يقل: كلاهما قد أقلعا وأنفه راب فيكون ما أنكرناه لكنه قد أعاد (كلا) أخرى غير الأولى، فعاملها على لفظها. ولم يقبح ذلك لأنه قد فرغ من حديث الأولى، ثم استأنف من بعدها أخرى، ولم يجعل الضميرين عائدين إلى كلا واحدة. وهذا كقولك: من يقومون أكرمهم، ومن يقعد أضربه. فتأتى ب (من) الثانية فتعاملها على ما تختار ممّا يجوز مثله. وهذا واضح فاعرفه. ولا يحسن «ومنهم من يستمعون إليك حتى إذا خرج من عندك» لما ذكرنا.
وأما قول الفرزدق:
وإذا ذكرت أباك أو أيّامه ... أخزاك حيث تقبّل الأحجار (1)
يريد الحجر فإنه جعل كلّ ناحية حجرا ألا ترى أنك لو مسست كل ناحية منه لجاز أن تقول: مسست الحجر. وعليه شابت مفارقه، وهو كثير العثانين.
وهذا عندى هو سبب إيقاع لفظ الجماعة على معنى الواحد.
وأمّا قوله:
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور (2)
فيجوز أن يكون جمع أخ قد حذفت نونه للإضافة، ويجوز أن يكون واحدا وقع موقع الجماعة كقوله:
* ترى جوانبها بالشحم مفتوقا *
وقد توضع من للتثنية وذلك قليل قال:
* نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (3) *
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 372، ولسان العرب (حجر)، وتاج العروس (حجر).
(2) البيت من الوافر، وهو لعباس بن مرداس فى ديوانه ص 52، ولسان العرب (أخا)، والمقتضب 2/ 174، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 4/ 285، وتذكرة النحاة ص 144، وجمهرة اللغة ص 1307، وخزانة الأدب 4/ 478.
(3) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 2/ 329، وتخليص الشواهد ص 142، والدرر 1/ 284، وشرح أبيات سيبويه 2/ 84، وشرح شواهد المغنى 2/ 536، والكتاب 2/ 416، ومغنى اللبيب 2/ 404، والمقاصد النحوية 1/ 461، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 69،(2/190)
وأنشدوا:
أخو الذئب يعوى والغراب ومن يكن
شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع (1)
أودع ضمير (من) فى (يكن) على لفظ الإفراد وهو اسمها، وجاء ب (شريكيه) خبرا ل (يكن) على معنى التثنية، فكأنه قال: و (أىّ اثنين) كانا شريكيه طمعت أنفسهما كلّ مطمع. على هذا اللفظ أنشدناه أبو علىّ، وحكى المذهب فيه عن الكسائىّ أعنى عود التثنية على لفظ (من) إلا أنه عاود لفظ الواحد بعد أن حمل على معنى التثنية بقوله: تطمع نفسه (ولم يقل: تطمع أنفسهما). ولو ذهب فيه ذاهب إلى أنه من المقلوب لم أر به بأسا حتى كأنه قال: ومن يكن شريكهما تطمع نفسه كل مطمع. وحسّن ذلك شيئا العلم بأنه إذا كان شريكهما كانا أيضا شريكيه، فشجع بهذا القدر على ما ركبه من القلب.
فاعرف ذلك.
والحمل على المعنى واسع فى هذه اللغة جدّا. ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258] ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ}
[البقرة: 259] قيل فيه: إنه محمول على المعنى، حتى كأنه قال: أرأيت كالذى حاجّ إبراهيم فى ربه، أو كالذى مرّ على قرية فجاء بالثانى على أن الأول قد سبق كذلك. ومنه إنشادهم بيت امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أننى ... كبرت وألا يحسن اللهو أمثالى (2)
بنصب (يحسن) والظاهر أن يرفع لأنه معطوف على أنّ الثقيلة إلا أنه نصب، لأن هذا موضع قد كان يجوز (أن تكون) فيه أن (الخفيفة) حتى كأنه قال: ألا
__________
وشرح شواهد المغنى 2/ 829، وشرح المفصل 2/ 132، 4/ 13، والصاحبى فى فقه اللغة ص 173، ولسان العرب (منن)، والمحتسب 1/ 219، والمقتضب 2/ 295، 3/ 253.
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى المحتسب 2/ 180.
(2) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 28، وجمهرة اللغة ص 121، وبلا نسبة فى لسان العرب (لها)، وتاج العروس (لها).
بسباسة: اسم امرأة من بنى أسد.(2/191)
زعمت بسباسة أن يكبر فلان كقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] بالنصب.
ومن ذلك قوله:
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (1)
لأن هذا موضع يحسن فيه لست بمدرك ما مضى.
ومنه قوله سبحانه: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} [المنافقين: 10] وقوله:
فأبلونى بلّيتكم لعلّى ... أصالحكم وأستدرج نويّا (2)
حتى كأنه قال: أصالحكم وأستدرج نويا.
ومن ذلك قول الآخر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح (3)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 287، وتخليص الشواهد ص 512، وخزانة الأدب 8/ 492، 496، 552، 9/ 100، 102، 104، والدرر 6/ 163، وشرح شواهد المغنى 1/ 282، وشرح المفصل 2/ 52، 7/ 56، والكتاب 1/ 165، 3/ 29، 51، 100، 4/ 160، ولسان العرب (نمش)، ومغنى اللبيب 1/ 96، والمقاصد النحوية 2/ 267، 3/ 351، وهمع الهوامع 2/ 141، ولصرمة الأنصارى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 72، والكتاب 1/ 306، ولصرمة أو لزهير فى الإنصاف 1/ 191، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 154، والأشباه والنظائر 2/ 347، وجواهر الأدب ص 52، وخزانة الأدب 1/ 120، 4/ 135، 10/ 393، 315، وشرح الأشمونى 2/ 432، وشرح المفصل 8/ 69، والكتاب 2/ 155.
(2) البيت من الوافر، وهو لأبى دؤاد الإيادى فى ديوانه ص 350، وسر صناعة الإعراب 2/ 701، وشرح شواهد المغنى 2/ 839، وللهذلى فى مغنى اللبيب 2/ 477، وبلا نسبة فى لسان العرب (علل)، ومغنى اللبيب 2/ 423.
(3) البيت من الطويل، وهو للحارث بن نهيك فى خزانة الأدب 1/ 303، وشرح شواهد الإيضاح ص 94، وشرح المفصل 1/ 80، والكتاب 1/ 288، وللبيد بن ربيعة فى ملحق ديوانه ص 362، ولنهشل بن حرى فى خزانة الأدب 1/ 303، ولضرار بن نهشل فى الدرر 2/ 286، ومعاهد التنصيص 1/ 202، وللحارث بن ضرار فى شرح أبيات سيبويه 1/ 110، ولنهشل، أو للحارث، أو لضرار، أو لمزرد بن ضرار، أو للمهلهل فى المقاصد النحويّة 2/ 454، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 345، 7/ 24، وأمالى ابن الحاجب ص 447، 789، وأوضح(2/192)
لأنه لمّا قال: ليبك يزيد فكأنه قال: ليبكه ضارع لخصومة. وعلى هذا تقول:
أكل الخبز، زيد وركب الفرس، محمد فترفع زيدا ومحمدا بفعل ثان يدلّ عليه الأول، وقوله:
إذا تغنّى الحمام الورق هيّجنى ... ولو تعزّيت عنها أمّ عمّار (1)
لأنه لمّا قال: هيّجنى دلّ على ذكّرنى، فنصبها به. (فاكتفى بالمسبّب الذى هو التهييج من السبب الذى هو التذكير) ونحوه قول الآخر:
أسقى الإله عدوات الوادى ... وجوزه كلّ ملثّ غاد
كلّ أجشّ حالك السواد (2)
لأنه إذا أسقاها الله كلّ ملثّ فقد سقاها ذلك الأجشّ.
وكذلك قول الآخر:
تواهق رجلاها يداها ورأسه ... لها قتب خلف الحقيبة رادف (3)
أراد: تواهق رجلاها يديها، فحذف المفعول وقد علم أن المواهقة لا تكون من
__________
المسالك 2/ 93، وتخليص الشواهد ص 478، وخزانة الأدب 8/ 139، وشرح الأشمونى 1/ 171، وشرح المفصل 1/ 80، والشعر والشعراء، ص 105، 106، والكتاب 1/ 366، 398، ولسان العرب (طوح)، والمحتسب 1/ 230، ومغنى اللبيب ص 620، والمقتضب 3/ 282، وهمع الهوامع 1/ 160.
(1) البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 203، وبلا نسبة فى الكتاب 1/ 286، ولسان العرب (هيج).
الورق: جمع الورقاء والأورق من الورقة وهى بياض إلى سواد.
(2) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 173، والمقاصد النحوية 2/ 475، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 477، وشرح أبيات سيبويه 1/ 384، وشرح الأشمونى 1/ 172، والكتاب 1/ 289، والمحتسب 1/ 117. ويروى: (جوفه) مكان (جوزه).
عدوات الوادى جمع العدوة بتثليث العين، وهو شاطئ الوادى. وجوزه: وسطه والملث من المطر الدائم.
(3) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 73، والأشباه والنظائر 6/ 33، وسر صناعة الإعراب 2/ 483، وسمط اللآلى ص 700، وشرح أبيات سيبويه 1/ 273، والكتاب 1/ 287، ولسان العرب (وهق)، وبلا نسبة فى المقتضب.
التواهق: الموافقة فى السير والتبارى فيه. اللسان (وهق).(2/193)
الرجلين دون اليدين وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلا دلّ عليه الأوّل. فكأنه قال: تواهق يداها رجليها ثم حذف المفعول فى هذا كما حذفه فى الأوّل فصار على ما ترى: تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة التى وصفت لك تقول: ضارب (زيد عمرو) على أن ترفع عمرا بفعل غير هذا الظاهر ولا يجوز أن يرتفعا جميعا بهذا الظاهر. فأمّا قولهم: اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أنّ عمرا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر، على حدّ قولنا فى المعطوف: إن العامل فيه غير العامل فى المعطوف عليه فكأنه قال: اختصم زيد واختصم عمرو وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذى تقدّره لم يصلح الكلام معه لأن الاختصام لا يكون من أقلّ من اثنين. وعلّة جوازه أنه لمّا لم يظهر الفعل الثانى المقدّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله كأشياء تكون فى التقدير فتحسن (فإذا) أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.
ومن ذلك قول الآخر:
فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا (1)
وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه فقد دخلت السباع فى الموافقة، فكأنه قال فيما بعد: وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف أى وافقت آثار السباع.
قال أبو علىّ: لأنها لو وافقت السباع هناك لأكلتها معه. ف (على) الآن هذه الظرف منصوبة (2) بالفعل المحذوف الذى نصب السباع فى التقدير. ولو رفعت السباع لكانت (على) هذه مرفوعة الموضع لكونها خبرا عن السباع مقدّما، وكانت تكون متعلّقة بالمحذوف كقولنا فى قولهم: فى الدار زيد. (وعلى هذا) قال الآخر:
تذكّرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها (3)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للقطامى فى ديوانه ص 41، والأشباه والنظائر 6/ 34، وشرح أبيات سيبويه 1/ 17، 18، وشرح شواهد الإيضاح ص 330، والكتاب 1/ 284، والمحتسب 1/ 210، ونوادر أبى زيد ص 204.
(2) ظاهر أن هذا حكم مجرورها: يريد نصبه فى المعنى والمحل. وكذا رفعه فيما بعد (نجار).
(3) البيت من السريع، وهو لعمرو بن قميئة فى خزانة الأدب 4/ 407، والكتاب 1/ 285، وبلا نسبة فى شرح المفصل 1/ 126، والمحتسب 1/ 116.(2/194)
لك فيها وجهان: إن شئت قلت: إنه أضمر فعلا للأخوال والأعمام على ما تقدم، فنصبهما به كأنه قال فيما بعد: تذكرت أخوالها فيها وأعمامها. ودلّ على هذا الفعل المقدّر قوله: تذكرت أرضا بها أهلها لأنه إذا تذكّر هذه الأرض فقد علم أن التذكّر قد أحاط بالأخوال والأعمام لأنهم فيها على ما مضى من الأبيات. وإن شئت جعلت (أخوالها وأعمامها) بدلا من الأرض بدل الاشتمال، على قول الله سبحانه: {قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ النََّارِ ذََاتِ الْوَقُودِ} [البروج: 4، 5].
فإن قلت: فإن البدل العامل عندك فيه هو غير العامل فى المبدل منه، وإذا كان الأمر كذلك فقد آل الحديث إلى موضع واحد وهو إضمار الفعل، فلم قسمت الأمر فيهما إلى موضعين؟
قيل: الفرق قائم. ووجهه أن اتصال المبدل بالمبدل منه أشدّ من اتّصال ما حمل على المعنى بما قبله، وإنما يأتى بعد استقرار الكلام الأوّل ورسوخه، وليس كذلك البدل لأنه وإن كان العامل فيه غير الأوّل عندنا فإنه مع ذلك مشابه للصفة وجار مجراها.
نعم، وقد خالف فيه أقوام، فذهبوا إلى أن العامل فى الثانى هو العامل فى الأوّل. وحدّثنا أبو علىّ أنّ الزيادىّ سأل أبا الحسن عن قولهم: مررت برجل قائم زيد أبوه، أأبوه بدل أم صفة؟ قال: فقال أبو الحسن: لا أبالى بأيّهما أجبت. أفلا ترى إلى تداخل الوصف والبدل. وهذا يدلّ على ضعف العامل المقدّر مع البدل.
وسألت أبا علىّ رحمه الله عن مسألة الكتاب: رأيتك إياك قائما، الحال لمن هى؟ فقال: ل (إياك). قلت: فالعامل فيها ما هو؟ قال: (رأيت) هذه الظاهرة.
قلت: أفلا تعلم أن (إياك) معمول فعل آخر غير الأوّل؟ وهذا يقود إلى أن الناصب للحال هو الناصب لصاحبها أعنى الفعل المقدّر؟ فقال: لمّا لم يظهر ذلك العامل ضعف حكمه. وصارت المعاملة مع هذا الظاهر. فهذا يدلّك على ضعف العامل فى البدل واضطراب حاله، وليس كذلك العامل إذا دلّ عليه غيره نحو قوله:
* تواهق رجلاها يداها *
وقوله:(2/195)
* ولو تعزّيت عنها أمّ عمّار (1) *
ونحو ذلك لأن هذا فعل مثبت، وليس محلّ ما يعمل فيه المعنى محلّ البدل.
فلمّا اختلف هذان الوجهان من هذين الموضعين اعتددناهما قسمين اثنين.
ومن ذلك قوله:
لن تراها ولو تأمّلت إلا ... ولها فى مفارق الرأس طيبا (2)
وهذا هو الغريب من هذه الأبيات. ولعمرى إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متّصل بها. ففى ذلك شيئان:
أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب فى مفارقها، اللهمّ إلا أن تكون حاسرة غير مقنّعة، وهذه بذلة وتطرّح لا توصف به الخفرات ولا المعشّقات ألا ترى إلى قول كثير:
وإنى لأسمو بالوصال إلى التى ... يكون سناء وصلها وازديارها
ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولّدة قال الطائى:
عالى الهوى، ممّا يعذّب مهجتى ... أفرويّة الشّعف التى لم تسهل (3)
وهى طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدّر لنصب الطيب ممّا يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها فى مفارق الرأس طيبا غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغى أن يكون أراد: ما تدلّ عليه الرؤية من الفعل الذى قدّرناه.
والآخر أن هذه الواو فى قوله: ولها كذا فى واو الحال وصارفة للكلام إلى
__________
(1) سبق.
(2) البيت من الخفيف، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص 176، والكتاب 1/ 285، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 6/ 35، وشرح المفصل 1/ 125، ومغنى اللبيب ص 607، والمقتضب 3/ 284.
(3) الأروية: أنثى الوعول، وبها سميت المرأة. اللسان (روى) والشعف: رءوس الجبال.(2/196)
معنى الابتداء فقد وجب أن يكون تقديره: لن تراها إلا وأنت تعلم أو تتحقق أو تشمّ، فتأتى بالمبتدأ وتجعل ذلك الفعل المقدّر خبرا عنه. فاعرف ذلك.
ومنه قوله:
قد سالم الحيّات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشّجعما
وذات قرنين ضموزا ضرزما (1)
هو من هذا لأنه قد علم أن الحيّات مسالمة كما علم أنها مسالمة، ورواها الكوفيون بنصب الحّيات، وذهبوا إلى أنه أراد: القدمان فحذف النون. وينشدون فى ذلك قوله:
لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها ... لأولادها ثنتا وما بيننا عنز (2)
وينشدون قول الآخر:
__________
(1) الرجز للعجاج فى ملحق ديوانه 2/ 333، وله أو لأبى حيان الفقعسى، أو لمساور العبسى أو للدبيرى أو لعبد بنى عبس فى خزانة الأدب 11/ 411، 415، 416، والمقاصد النحوية 4/ 81، وللعجاج أو لأبى حيان الفقعسى أو لمساور العبسى، أو للتدمرى، أو لعبد بنى عبس فى شرح شواهد المغنى 2/ 973، ولمساور العبسى فى لسان العرب (ضمز)، (ضرزم)، (عرزم)، وتاج العروس (ضمز)، ولعبد بنى عبس فى الكتاب 1/ 287، وللدبيرى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 201، ولأبى حناء فى خزانة الأدب 10/ 240، ولمساور بن هند العبسى أو لأبى حيان الفقعسى فى التنبيه والإيضاح 2/ 44، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 6/ 122، وسر صناعة الإعراب 1/ 431، 2/ 483، وشرح أبيات سيبويه 1/ 252، وشرح الأشمونى 2/ 399، ولسان العرب (شجع)، (شجعم)، ومغنى اللبيب 2/ 699، والمقتضب 2/ 283، والممتع فى التصريف 1/ 241، والمنصف 3/ 69، وتهذيب اللغة 1/ 331، 3/ 311، 345، وتاج العروس (شجع)، (شجعم)، (عرزم)، وجمهرة اللغة ص 1139، والمخصص 16/ 106.
الشجاع: هو ذكر الحيات، ويقال: هو ضرب معروف من الحيات. والشجعم: الجرىء، والضّرزم: المسنة، وهو أخبث لها وأكثر لسمّها. وامرأة ضموز: على التشبيه بالحية الضموز، والضموز من الحيّات: المطرقة، وقيل الشديدة. اللسان (ضمز).
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى خزانة الأدب 7/ 580، وسر صناعة الإعراب 2/ 487، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 70، وشرح شواهد الشافية ص 159، والممتع فى التصريف 2/ 527.(2/197)
كأنّ أذنيه إذا تشوّقا ... قادمتا أو قلما محرّفا (1)
على أنه أراد: قادمتان أو قلمان محرفان. ورووه أيضا: تخال أذنيه
(قادمة أو قلما للحرّفا. فهذا على أنه يريد: كل واحدة من أذنيه) وممّا ينسبونه إلى كلام الطير (قول الحجلة للقطاة) أقطى (2) قطا، فبيضك ثنتا، وبيضى مائتا أى ثنتان ومائتان.
ومن ذلك قوله:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا (3)
أى وحاملا رمحا. فهذا محمول على معنى الأوّل لا لفظه. وعليه:
علفتها تبنا وماء باردا ... حتى شتت همّالة عيناها (4)
أى وسقيتها ماء باردا، وقوله:
تراه كأنّ يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (5)
__________
(1) الرجز لمحمد بن ذؤيب فى خزانة الأدب 10/ 237، 240، والدرر 2/ 168، وللعمانى فى سمط اللآلى ص 876، وشرح شواهد المغنى ص 515، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 173، وديوان المعانى 1/ 36، وشرح الأشمونى 1/ 135، ومغنى اللبيب 1/ 193، وهمع الهوامع 1/ 134، وتاج العروس (حرف)، والمخصص 1/ 82، ولسان العرب (حرف).
(2) اقطى: أمر من قطا فى مشيه إذا ثقل فيه وقارب الخطو.
(3) البيت من مجزوء الكامل، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 108، 6/ 238، وأمالى المرتضى 1/ 54، والإنصاف 2/ 612، وخزانة الأدب 2/ 131، 3/ 142، 9/ 142، وشرح شواهد الإيضاح ص 182، وشرح المفصل 2/ 50، ولسان العرب (رغب)، (زجج)، (مسح)، (قلد)، (جدع)، (جمع)، (هدى)، والمقتضب 2/ 51.
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (زجج)، (قلد)، (علف)، والأشباه والنظائر 2/ 108، 7/ 233، وأمالى المرتضى 2/ 259، والإنصاف 2/ 612، وأوضح المسالك 2/ 245، والدرر 6/ 79، وشرح الأشمونى 1/ 226، وشرح التصريح 1/ 346، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1147، وشرح شذور الذهب ص 312، وشرح شواهد المغنى 1/ 58، 2/ 929، وشرح ابن عقيل ص 305، ومغنى اللبيب 2/ 632، والمقاصد النحوية 3/ 101، وهمع الهوامع 2/ 130، وتاج العروس (علف).
(5) البيت من الطويل، وهو لخالد بن الطيفان فى الحيوان 6/ 40، والمؤتلف والمختلف ص 149، وله أو للزبرقان بن بدر فى الأشباه والنظائر 2/ 108، والدرر 6/ 81، والمقاصد النحوية(2/198)
أى ويفقأ عينيه، وقوله:
تسمع للأجواف منه صردا ... وفى اليدين جسأة وبددا (1)
أى وترى فى اليدين جسأة وبددا، وقوله:
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها (2)
أى وأفرخت نعامها، وقوله:
إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزجّجن الحواجب والعيونا (3)
أى وكحلن العيون. ومن المحمول على المعنى قوله:
طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام مّا ومنتقبا! (4)
__________
4/ 171، وبلا نسبة فى أمالى المرتضى 2/ 259، 375، والإنصاف 2/ 515، وكتاب الصناعتين ص 181، ولسان العرب (جدع)، ومجالس ثعلب 2/ 464، وهمع الهوامع 2/ 130.
(1) الرجز بلا نسبة فى أمالى المرتضى 2/ 259، وشرح عمدة الحافظ ص 636. ويروى (للأحشاء) مكان (للأجواف)، و (لغطا) مكان (صردا)، و (لليدين) مكان (فى اليدين).
الجأة: اليبس والصلابة. الصرد: البرد. البدد: التفرق.
(2) البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 298، والإنصاف 2/ 611، ولسان العرب (أهق)، (طفل)، (جله)، (غلا)، وكتاب العين 7/ 428، وبلا نسبة فى كتاب العين 3/ 391.
الأيهقان: نبات كالجرجير. والجلهتان: جانبا الوادى.
(3) البيت من الوافر، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص 269، والدرر 3/ 158، وشرح شواهد المغنى 2/ 775، ولسان العرب (زجج)، والمقاصد النحوية 3/ 91، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 3/ 222، 7/ 233، والإنصاف 2/ 610، وأوضح المسالك 2/ 432، وتذكرة النحاة ص 617، وحاشية يس 1/ 432، والدرر 6/ 80، وشرح الأشمونى 1/ 226، وشرح التصريح 1/ 346، وشرح شذور الذهب ص 313، وشرح ابن عقيل ص 504، وشرح عمدة الحافظ ص 635، وكتاب الصناعتين ص 182، ولسان العرب (رغب)، ومغنى اللبيب 1/ 357، وهمع الهوامع 1/ 222، 2/ 130.
(4) البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 11، وخزانة الأدب 3/ 270، 289، والدرر 4/ 34، وشرح التصريح 1/ 398، والمقاصد النحوية 3/ 242، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 265، وهمع الهوامع 1/ 251.(2/199)
لأن الأوّل فى معنى: يا حسنه قواما، وقول الآخر:
* يذهبن فى نجد وغورا غائرا (1) *
أى ويأتين غورا.
وقول الآخر:
فاذهب فأىّ فتى فى الناس أحرزه ... من يومه ظلم دعج ولا جبل (2)
(حتى كأنه قال: ما أحد أحرزه ظلم ولا جبل).
ومنه قوله:
فإن كان لا يرضيك حتى تردّنى ... إلى قطرىّ لا إخالك راضيا (3)
حمله الفرّاء على المعنى، قال: لأن معناه: لا يرضيك إلا أن تردّنى فجعل الفاعل متعلّقا على المعنى. وكان أبو علىّ يغلظ فى هذا ويكبره ويتناكره، ويقول:
الفاعل لا يحذف. ثم إنه فيما بعد لان له، وخفض من جناح تناكره. وعلى كلّ حال فإذا كان الكلام إنما يصلحه أو يفسده معناه، وكان (هذا معنى) صحيحا مستقيما لم أر به بأسا. وعلى أن المسامحة فى الفاعل ليست بالمرضيّة لأنه أصعب حالا من المبتدأ. وهو فى المفعول أحسن أنشد أبو زيد:
وقالوا: ما تشاء؟ فقلت: ألهو ... إلى الإصباح آثر ذى أثير (4)
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 190، وأساس البلاغة (فسق)، وللعجاج فى ملحق ديوانه 2/ 288، والكتاب 1/ 94، وبلا نسبة فى لسان العرب (فسق)، وجواهر الأدب ص 33، وشرح التصريح 1/ 288، وشرح شذور الذهب ص 431، والمحتسب 2/ 43. وبعده:
* فواسقا عن أمره جوائرا *
نجد: ما ارتفع من الأرض. ويقال: ندخل فى الغور أى المنخفض من الأرض.
(2) البيت من البسيط، وهو للمتنخل الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص 1283، وبلا نسبة فى لسان العرب (قلا).
(3) البيت من الطويل، وهو لسوار بن المضرب فى شرح التصريح 1/ 272، والمقاصد النحوية 2/ 451، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 90، وخزانة الأدب 10/ 479، وشرح الأشمونى 1/ 169، وشرح المفصل 1/ 80، والمحتسب 2/ 192.
(4) البيت من الوافر، وهو لعروة بن الورد فى ديوانه ص 57، والدرر 1/ 57، ولسان (آثر)، وبلا(2/200)
أراد: اللهو، فوضع «ألهو» موضعه لدلالة الفعل على مصدره. ومثله قولك لمن قال لك: ما يصنع زيد؟: يصلّى أو يقرأ أى الصلاة أو القراءة.
ومما جاء فى المبتدإ من هذا قولهم: تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه أى سماعك به خير من رؤيتك له. وقال عزّ وجلّ: {وَأَنََّا مِنَّا الصََّالِحُونَ وَمِنََّا دُونَ ذََلِكَ} [الجن: 11] أى منّا قوم دون ذلك، فحذف المبتدأ وأقام الصفة التى هى الظرف مقامه. وقال جرير:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقّك تنفى عن المسجد
فحذف «أن» من خبر المبتدإ، وهى: وحقّك أن تنفى عن المسجد.
وقد جاء ذلك فى الفاعل، على عزّته. وأنشدنا:
وما راعنى إلا يسير بشرطة ... وعهدى به فينا يفشّ بكير (1)
كذا أنشدناه «فينا» وإنما هو «قينا» أراد بقوله: «وما راعنى إلا يسير» أى مسيره (على هذا وجّهه). وقد يجوز أن يكون حالا، والفاعل مضمر، أى: وما راعنى إلا سائرا بشرطة.
ومنه بيت جميل:
جزعت حذار البين يوم تحمّلوا ... وحقّ لمثلى يا بثينة يجزع (2)
أى وحقّ لمثلى أن يجزع. وأجاز هشام يسرّنى تقوم، وينبغى أن يكون ذلك جائزا عنده فى الشعر لا فى النثر. هذا أولى عندى من أن (يكون يرتكبه) من غير ضرورة.
__________
نسبة فى تذكرة النحاة ص 536، وشرح المفصل 2/ 95، والمحتسب 2/ 32، وهمع الهوامع 1/ 6. ويروى: (فقالوا) مكان (وقالوا).
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى شرح المفصل 4/ 27، ومغنى اللبيب 2/ 428. ويروى:
(قينا) مكان (فينا).
فششت الزّق: إذا أخرجت ما فيه. الكير: هو الزق الذى ينفح فيه الحداد.
(2) البيت من الطويل، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص 112، وخزانة الأدب 8/ 579، 581، 582، 584، وسر صناعة الإعراب 1/ 285، وشرح المفصل 4/ 27، ولسان العرب (دنا)، وبلا نسبة فى شرح المفصل 8/ 43.(2/201)
وباب الحمل على المعنى بحر لا ينكش (1)، ولا يفثج (2) ولا يؤبى (3) ولا يغرّض ولا يغضغض. وقد أرينا وجهه، ووكلنا الحال إلى قوّة النظر وملاطفة التأوّل.
ومنه باب من هذه اللغة واسع لطيف طريف، وهو اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدّى به لأنه فى معنى فعل يتعدّى به. من ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} [البقرة: 187] لمّا كان فى معنى الإفضاء عدّاه بإلى.
ومثله بيت الفرزدق:
* قد قتل الله زيادا عنّى (4) *
لمّا كان ذلك فى معنى: صرفه عنّى. وقد ذكرناه فيما مضى. وكان أبو علىّ يستحسنه وينبّه عليه.
ومنه قول الأعشى:
* سبحان من علقمة الفاخر *
علّق حرف الجرّ بسبحان لمّا كان معناه: براءة منه.
فصل فى التحريف
قد جاء هذا الموضع فى ثلاثة أضرب: الاسم، والفعل، والحرف.
تحريف الاسم:
فالاسم يأتى تحريفه على ضربين: أحدهما مقيس، والآخر مسموع (غير مقيس).
الأول ما غيّره النسب قياسا. وذلك قولك فى الإضافة إلى نمر: نمرىّ، وإلى شقرة: شقرىّ، وإلى قاض: قاضوىّ، وإلى حنيفة: حنفىّ، وإلى عدىّ: عدوىّ ونحو ذلك. وكذلك التحقير، وجمع التكسير نحو (رجل و) رجيل ورجال.
الثانى على أضرب: منه ما غيرته الإضافة على غير قياس كقولهم فى بنى
__________
(1) نكش الشىء: أتى عليه وفرغ منه. ولا ينكش أى لا ينتهى ماؤه.
(2) أى لا يبلغ غوره.
(3) أى لا ينقطع من كثرته.
(4) سبق.(2/202)
الحبلى حبلىّ، وفى بنى عبيدة وجذيمة: عبدىّ وجذمىّ، وفى زبينة: زبانىّ، وفى أمس: إمسىّ، وفى الأفق: أفقىّ، وفى جلولاء: جلولىّ، وفى خراسان:
خرسىّ، وفى دستواء: دستوائىّ.
ومنه ما جاء فى غير الإضافة. وهو نحو قوله:
* من نسج داود أبى سلام *
يريد: أبى سليمان، وقول الآخر:
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق (1)
يريد: ثعلبة بن سيّار. وأنشدنا أبو علىّ:
* أبوك عطاء ألأم الناس كلّهم (2) *
يريد عطيّة بن الخطفى، وقال العبد:
وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرا واتّصافا (3)
أراد: ميسان فغير الكلمة بأن زاد فيها نونا، فقال: ميسنان، وقال لبيد:
* درس المنا بمتالع فأبان (4) *
أراد: المنازل، وقال علقمة:
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للمفضل النكرى فى لسان العرب (سير)، (علق)، والتنبيه والإيضاح 2/ 136، وتهذيب اللغة 1/ 247، 13/ 47، ومجمل اللغة 3/ 405، وتاج العروس (سير)، (علق)، والأصمعيات ص 203، وبلا نسبة فى ديوان الأدب 1/ 394، ومقاييس اللغة 4/ 130، وجمهرة اللغة ص 1327، وأساس البلاغة (علق)، والمخصص 16/ 150.
العلوق: المنية.
(2) صدر البيت من الطويل، وهو للبعيث فى لسان العرب (عطا)، والمخصص 16/ 21. وعجزه:
* فقبح من فحل، وقبحت من نجل *
(3) البيت من المتقارب، وهو لسحيم عبد بنى الحسحاس فى ديوانه ص 43، وسر صناعة الإعراب 1/ 147، ولسان العرب (ميس)، (وصف)، والممتع فى التصريف 1/ 386.
(4) صدر البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 138، والدرر 6/ 208، وسمط اللآلى ص 13، وشرح التصريح 2/ 180، وشرح شواهد الشافية ص 397، ولسان العرب (تلع)، (أبن)، والمقاصد النحوية 4/ 246، وتاج العروس (تلع)، وبلا نسبة فى أوضح(2/203)
كأن إبريقهم ظبى على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (1)
وقال:
* واستحرّ القتل فى عبد الأشل *
يريد الأشهل.
(وقال:
* بسبحل الدفّين عيسجور (2) *
أى بسبحل).
وقال:
تحاذر وقع السوط خوصاء ضمّها
كلال فجالت فى حجا حاجب ضمر (3)
يريد: فى حجاج حاجب. (وقد مضى من التحريف فى الاسم ما فيه كاف بإذن الله).
تحريف الفعل
من ذلك ما جاء من المضاف مشبّها بالمعتلّ. وهو قولهم فى ظللت: ظلت، (وفى مسست: مست)، وفى أحسست: أحست قال:
__________
المسالك 4/ 44، وشرح الأشمونى 2/ 460، وهمع الهوامع 2/ 156، وكتاب العين 1/ 173. وعجزه:
* فتقادمت بالحبس فالسّوبان *
(1) البيت من البسيط، وهو لعلقمة بن عبدة فى ديوانه ص 70، ولسان العرب (نجد)، وتاج العروس (نجد).
(2) سبق.
(3) البيت من الطويل، وهو لنصيب فى كتاب الجيم 2/ 204، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى لسان العرب (حجج)، وتاج العروس (حجج)، ويروى: (فحالت) مكان (فجالت).
والخوصاء من الخوص، وهو ضيق العين. والحجاج: العظم المستدير حول العين. والضمر:
الضامر الهزيل.(2/204)
خلا أنّ العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس (1)
وهذا مشبّه بخفت وأردت. وحكى ابن الأعرابىّ فى ظننت ظنت. وهذا كله لا يقاس عليه لا تقول فى شممت: شمت ولا شمت ولا فى (أقضضت:
أقضت).
فأمّا قول أبى الحسن فى مثال اطمأنّ من الضرب: اضرببّ (2)، وقول النحويين فيه: اضربّب فليس تحريفا، وإنما هذا عند كل واحد من القيلين هو الصواب.
ومن تحريف الفعل ما جاء منه مقلوبا كقولهم فى اضمحلّ: امضحلّ، وفى أطيب: أيطب، وفى اكفهرّ: اكرهفّ، وما كان مثله. فأمّا جذب وجبذ فأصلان لأن كل واحد منهما متصرّف وذو مصدر كقولك: جذب يجذب جذبا وهو جاذب، وجبذ يجبذ جبذا وهو جابذ، وفلان مجبوذ ومجذوب (فإذا) تصّرفا هكذا لم يكن أحدهما بأن يكون أصلا لصاحبه أولى من أن يكون صاحبه أصلا له.
وأمّا قولهم: أيس فمقلوب من يئس. ودليل ذلك من وجهين.
أحدهما (أن لا مصدر) لقولهم: أيس. فأما الإياس فمصدر أست. قال أبو علىّ: وسمّوا الرجل إياسا كما سمّوه عطاء لأن أست: أعطيت. ومثله عندى تسميتهم إياه عياضا، فلمّا لم يكن لأيس مصدر علمت أنه لا أصل له، وإنما المصدر اليأس. فهذا من يئست.
والآخر صحّة العين فى أيس، ولو لم يكن مقلوبا لوجب فيه إعلالها، وأن يقال: آس وإست كهاب وهبت، وكان يلزم فى مضارعه أواس كأهاب، فتقلب
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص 96، وسمط اللآلى ص 438، ولسان العرب (حسس)، (حسا)، والمحتسب 1/ 123، 269، 2/ 76، والمنصف 3/ 84، وتاج العروس (حسا)، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 273، وشرح المفصل 10/ 154، ولسان العرب (مسس)، ومجالس ثعلب 2/ 486، والمقتضب 1/ 245.
والشوس: واحده أشوس وشوساء من الشوس وهو النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا.
(2) أصل اطمأنّ اطمأنن. فإذا أريد مثالها من الضرب، فالنحويون يراعون أصل الزنة، فيقولون:
اضربب بتشديد الباء الأولى، والأخفش يراعى ما عرض لاطمأنن من الإدغام ونقل الحركة، فيفعل كذلك فى مثاله من الضرب فيقول: اضربب بتشديد الباء الثانية ليكون كاطمأنّ. وانظر شرح الرضى للشافية 3/ 298.(2/205)
الفاء تحركها و (انفتاحها) واوا كقولك فى هذا أفعل من هذا من أممت: هذا اومّ من هذا، هذا قول أبى الحسن، وهو القياس. وعلى قياس قول أبى عثمان أياس كقوله: هذا أيمّ من هذا. فصارت صحّة الياء فى (أيس) دليلا على أنها مقلوبة من يئس كما صارت صحّة الواو فى عور دليلا على أنها فى معنى ما لابدّ من صحّته وهو اعورّ. وهو باب. وكذلك قولهم: لم أبله. وقد شرحناه فى غير هذا.
تحريف الحرف
قالوا: لا بل، ولابن، وقالوا: قام زيد فمّ عمرو كقولك: ثمّ عمرو. وهذا وإن كان بدلا فإنه ضرب من التحريف. وقالوا فى سوف أفعل: سو أفعل، وسف أفعل. حذفوا تارة الواو، وأخرى الفاء. وخفّفوا ربّ وإنّ وأنّ فقالوا:
* رب هيضل لجب لففت بهيضل (1) *
وقال:
* أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (2) *
__________
(1) عجز البيت من الكامل، وهو لأبى كبير الهذلى فى الأزهيّة ص 265، وجمهرة اللغة ص 68، وخزانة الأدب 9/ 535، 536، 537، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1070، ولسان العرب (هضل)، والمقاصد النحوية 3/ 54، وتاج العروس (هضل)، وللهذلى فى المحتسب 2/ 343، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 285، ورصف المبانى ص 52، 192، وشرح المفصل 5/ 119، ولسان العرب (مصع)، ومجالس ثعلب ص 325، والمقرب 1/ 200، والممتع فى التصريف 2/ 627. وصدره:
* أزهير إن يشب القذال فإنّه *
والهيضل: الجيش.
(2) عجز البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 109، والأزهية ص 64، والإنصاف ص 199، وتخليص الشواهد ص 382، وخزانة الأدب 5/ 326، 8/ 390، 10/ 393، 11/ 353، 354، والدرر 2/ 194، وشرح أبيات سيبويه 2/ 76، والكتاب 2/ 137، 3/ 74، 164، 454، والمحتسب 1/ 308، ومغنى اللبيب 1/ 314، والمقاصد النحوية 2/ 287، والمنصف 3/ 129، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 10/ 391، ورصف المبانى ص 115، وشرح المفصل 8/ 71، والمقتضب 3/ 9، وهمع الهوامع 1/ 142. وصدره:
* فى فتية كسيوف الهند قد علموا *
الرواعد: السحب الماطرة معها رعد. الصيّف: المطر الذى يجىء فى الصيف. اللسان (صيف).(2/206)
وقال الله سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} [الطارق: 4]. وقال:
سقته الرواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما (1)
مذهب صاحب الكتاب أنّه أراد: وإمّا من خريف. وقد خولف فيه.
* * * __________
(1) البيت من المتقارب، وهو للنمر بن تولب فى ديوانه ص 381، والأزهية ص 56، وخزانة الأدب 11/ 9593، 101، 110، 112، وشرح شواهد المغنى ص 180، والكتاب 1/ 267، والمعانى الكبير ص 1054، والمقاصد النحوية 4/ 151، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 227، 236، والجنى الدانى ص 212، 534، وخزانة الأدب 9/ 25، والدرر 6/ 128، وشرح المفصل 8/ 102، والكتاب 3/ 141، ومغنى اللبيب 1/ 59، والمنصف 3/ 115.(2/207)
باب فى فرق بين الحقيقة والمجاز
الحقيقة: ما أقرّ فى الاستعمال على أصل وضعه فى اللغة. والمجاز: ما كان بضدّ ذلك.
وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة، وهى: الاتّساع، والتوكيد، والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة ألبتّة.
فمن ذلك (1) قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الفرس: هو بحر. فالمعانى الثلاثة موجودة فيه.
أمّا الاتساع فلأنه زاد فى أسماء الفرس التى هى فرس وطرف وجواد ونحوها البحر، حتى إنه إن احتيج إليه فى شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقيّة تلك الأسماء لكن لا يفضى إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة. وذلك كأن يقول الشاعر:
علوت مطا جوادك يوم يوم ... وقد ثمد الجياد فكان بحرا (2)
وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرّته كان فجرا، وإذا جرى إلى غايته كان بحرا، ونحو ذلك. ولو عرى الكلام من دليل يوضح الحال لم يقع عليه بحر لما فيه من التعجرف فى المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو قال رأيت بحرا وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه، فلم يجز قوله لأنه إلباس، وإلغاز على الناس.
وأما التشبيه فلأن جريه يجرى فى الكثرة مجرى مائه.
وأما التوكيد فلأنه شبّه العرض بالجوهر، وهو أثبت فى النفوس منه، والشبه فى العرض منتفية عنه ألا ترى أن من الناس من دفع الأعراض، وليس أحد دفع الجواهر.
__________
(1) أخرجه البخارى فى الجهاد، (2820)، وفى غير موضع، ومسلم (ح 2307).
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى تاج العروس (بحر).
المطا: الظهر. ثمد الجياد: أى أعيين من قولهم: ماء مثمود: كثر عليه الناس حتى فنى ونفد إلا أقله.(2/208)
وكذلك قول الله سبحانه: {وَأَدْخَلْنََاهُ فِي رَحْمَتِنََا} [الأنبياء: 75] هذا هو مجاز.
وفيه الأوصاف الثلاثة.
أمّا السعة فلأنه كأنه زاد فى أسماء الجهات والمحالّ اسما والرحمة.
وأما التشبيه فلأنه شبّه الرحمة وإن لم يصح دخولها بما يجوز دخوله فلذلك وضعها موضعه.
وأمّا التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر. وهذا تعال بالعرض، وتفخيم منه إذ صيّر إلى حيّز ما يشاهد ويلمس ويعاين ألا ترى إلى قول بعضهم فى الترغيب فى الجميل: ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا. وإنما يرغّب فيه بأن ينبّه عليه، ويعظّم من قدره، بأن يصوّره فى النفوس على أشرف أحواله، وأنوه صفاته. وذلك بأن تخيّل شخصا متجسما لا عرضا متوهّما. وعليه قوله:
تغلغل حبّ عتمة فى فؤادى ... فباديه مع الخافى يسير (1)
(أى فباديه إلى الخافى يسير) أى فباديه مضموما إلى خافيه يسير. وذلك أنه لمّا وصف الحبّ بالتغلغل فقد اتسع به ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول:
شكوت إليها حبّها المتغلغلا ... فما زادها شكواى إلا تدلّلا
فيصف بالمتغلغل ما ليس فى أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل إنما ذلك وصف يخص الجواهر لا الأحداث ألا ترى أن المتغلغل فى الشىء لا بدّ أن يتجاوز مكانا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخصّ فى الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع.
وأما التشبيه فلأنه شبّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل. وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوّة الجوهرية.
وعليه (قول الآخر):
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة فى لسان العرب (غلل)، وتاج العروس (غلل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (معع).(2/209)
قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج
ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا (1)
وقول الآخر:
ذهوب بأعناق المئين عطاؤه ... عزوم على الأمر الذى هو فاعله
وقول الآخر:
غمر الرداء إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال (2)
وقوله:
ووجه كأنّ الشمس حلّت رداءها ... عليه نقىّ اللون لم يتخدّد (3)
جعل للشمس رداء وهو جوهر، لأنه أبلغ فى النور الذى هو العرض. وهذه الاستعارات كلها داخلة تحت المجاز.
فأمّا قولهم: ملكت عبدا، ودخلت دارا، وبنيت حمّاما فحقيقىّ هو ونحوه، لا استعارة فيه ولا مجاز فى هذه المفعولات لكن فى الأفعال الواصلة إليها مجاز.
وسنذكره. ولكن لو قال: بنيت لك فى قلبى بيتا أو ملكت من الجود عبدا خالصا أو أحللتك من رأيى وثقتى دار صدق لكان ذلك مجازا واستعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه على ما مضى.
ومن المجاز كثير من باب الشجاعة فى اللغة: من الحذوف، والزيادات، والتقديم، والتأخير: والحمل على المعنى، والتحريف.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (ظنب)، وتاج العروس (ظنب).
الظنابيب: واحدها ظنبوب، وهو حرف العظم اليابس من الساق. وقرع ظنابيب الأمر: الشىء إذا ذلله. وانظر اللسان (ظنب).
(2) البيت من الكامل، وهو لكثير فى ديوانه ص 288، ولسان العرب (غمر)، (ضحك)، (ردى)، وتهذيب اللغة 8/ 128، 14/ 169، ومقاييس اللغة 3/ 302، 4/ 393، وتاج العروس (غمر)، (ضحك)، (ردى)، وبلا نسبة فى المخصص 3/ 3، 16/ 32.
(3) البيت من الطويل، وهو لطرفه بن العبد فى ديوانه ص 21، ولسان العرب (ردى)، وتهذيب اللغة 14/ 170، وأساس البلاغة (ردى).(2/210)
ألا ترى أنك إذا قلت: بنو فلان يطؤهم الطريق ففيه من السعة إخبارك عمّا لا يصحّ وطؤه بما يصحّ وطؤه. فتقول على هذا: أخذنا على الطريق الواطئ لبنى فلان، ومررنا بقوم موطوئين بالطريق، ويا طريق طأبنا بنى فلان أى أدّنا إليهم.
وتقول: بنى فلان بيته على سنن المارّة رغبة فى طئة الطريق بأضيافه له. أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز.
ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه. فشبّهته بهم إذ كان هو المؤدّى لهم، فكأنه هم.
وأما التوكيد فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم. وذلك أن الطريق مقيم ملازم، فأفعاله مقيمة معه، وثابتة بثباته. وليس كذلك أهل الطريق، لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه، فأفعالهم أيضا كذلك حاضرة وقتا، وغائبة آخر. فأين هذا ممّا أفعاله ثابتة مستمرّة. ولمّا كان هذا كلاما الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين لأنه يفيد أقوى المعنيين.
وكذلك قوله سبحانه {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنََّا فِيهََا} [يوسف: 82] فيه المعانى الثلاثة. أمّا الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصحّ فى الحقيقة سؤاله.
وهذا نحو ما مضى ألا تراك تقول: وكم من قرية مسئولة. وتقول: القرى وتسآلك كقولك: أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع.
وأمّا التشبيه فلأنها شبّهت بمن يصحّ سؤاله لمّا كان بها ومؤلفا لها. وأمّا التوكيد فلأنه فى ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال (على من) ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمّنوا لأبيهم عليه السلام أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحّة قولهم.
وهذا تناه فى تصحيح الخبر. أى لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا، فكيف لو سألت من من عادته الجواب.
وكيف تصرّفت الحال فالاتساع فاش فى جميع أجناس شجاعة العربية.
* * *
باب فى أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة(2/211)
* * *
باب فى أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة
اعلم أن أكثر اللغة مع تأمّله مجاز لا حقيقة. وذلك عامّة الأفعال نحو قام زيد، وقعد عمرو، وانطلق بشر، وجاء الصيف وانهزم الشتاء. ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية فقولك: قام زيد، معناه: كان منه القيام أى هذا الجنس من الفعل، ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام وكيف يكون ذلك وهو جنس والجنس يطبّق (1) جميع الماضى وجميع الحاضر وجميع الآتى الكائنات من كل من وجد منه القيام. ومعلوم أنه لا يجتمع لإنسان واحد (فى وقت واحد) ولا فى مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم هذا محال عند كل ذى لبّ. فإذا كان كذلك علمت أنّ (قام زيد) مجاز لا حقيقة، وإنما هو على وضع الكل موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير. ويدلّ على انتظام ذلك لجميع جنسه أنك تعمله فى جميع أجزاء ذلك الفعل فتقول: قمت قومة، وقومتين، ومائة قومة، وقياما حسنا، وقياما قبيحا. فإعمالك إيّاه فى جميع أجزائه يدلّ على أنه موضوع عندهم على صلاحه لتناول جميعها. وإنما يعمل الفعل من المصادر فيما فيه عليه دليل ألا تراك لا تقول: قمت جلوسا، ولا ذهبت مجيئا، ولا نحو ذلك لمّا لم تكن فيه دلالة عليه ألا ترى إلى قوله:
لعمرى لقد أحببتك الحبّ كله ... وزدتك حبّا لم يكن قبل يعرف
فانتظامه لجميعه يدلّ على وضعه على اغتراقه واستيعابه) وكذلك قول الآخر:
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا (2)
فقوله (كل الظنّ) يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه. قال لى أبو علىّ: قولنا: قام زيد بمنزلة قولنا خرجت فإذا الأسد، ومعناه أن قولهم: خرجت فإذا الأسد تعريفه
__________
(1) يطبّق: أى يعم.
(2) البيت من الطويل، وهو للمجنون فى ديوانه ص 243، وشرح التصريح 1/ 328، والمقاصد النحوية 3/ 42، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 213، وشرح الأشمونى 1/ 210، ولسان العرب (شتت)، ويروى: (وقد) مكان (فقد).(2/212)
هنا تعريف الجنس كقولك: الأسد أشدّ من الذئب وأنت لا تريد أنك (خرجت وجميع الأسد) التى يتناولها الوهم على الباب. هذا محال، واعتقاده اختلال.
وإنما أردت: خرجت فإذا واحد من هذا الجنس بالباب. فوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازا لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه. أمّا الاتساع فإنك وضعت اللفظ المعتاد للجماعة على الواحد. وأمّا التوكيد فلأنك عظّمت قدر ذلك الواحد، بأن جئت بلفظه على اللفظ المعتاد للجماعة. وأمّا التشبيه فلأنك شبّهت الواحد بالجماعة لأن كل واحد منها مثله فى كونه أسدا.
وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر، وانطلق محمد، وجاء الليل وانصرم النهار.
وكذلك أفعال القديم سبحانه نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله ألا ترى أنه عزّ اسمه لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا، ولو كان حقيقة لا مجازا لكان خالقا للكفر والعدوان وغيرهما (1) من أفعالنا عزّ وعلا. وكذلك علم الله قيام زيد مجاز (2) أيضا لأنه ليست الحال التى علم عليها قيام زيد هى الحال التى علم عليها قعود عمرو. ولسنا نثبت له سبحانه علما لأنه عالم بنفسه، إلا أنه مع ذلك نعلم أنه ليست حال علمه بقيام زيد هى حال علمه بجلوس عمرو ونحو ذلك.
وكذلك قولك: ضربت عمرا مجاز أيضا من غير جهة التجوّز فى الفعل وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه ولكن من جهة أخرى وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه ألا تراك تقول: ضربت زيدا ولعلّك إنما ضربت يده أو إصبعه أو ناحية من نواحى جسده ولهذا إذا احتاط الإنسان واستظهر جاء ببدل البعض، فقال: ضربت زيدا وجهه أو رأسه. نعم، ثم إنه مع ذلك متجوّز ألا (تراه قد يقول): ضربت زيدا رأسه، فيبدل للاحتياط وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم فى نحو هذا، فيقول: ضربت زيدا جانب وجهه الأيمن أو ضربته أعلى رأسه الأسمق لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله، فيكون بعضه أرفع من بعض.
__________
(1) تراه يتبع المعتزلة. وأهل السنة لا يرون شيئا فى خلق الكفر والعدوان، ولا يخرج شىء عن خلقه وقدرته.
(2) وتراه أيضا يتبع المعتزلة فى نفى صفة العلم عن الله سبحانه، ومذهب أهل السنة بخلاف ذلك.(2/213)
وبعد فإذا عرف التوكيد لم وقع فى الكلام نحو نفسه وعينه وأجمع، وكله وكلهم وكليهما وما أشبه ذلك عرفت منه (حال سعة) المجاز فى هذا الكلام ألا تراك قد تقول: قطع الأمير اللصّ ويكون القطع له بأمره لا بيده، فإذا قلت: قطع الأمير نفسه اللصّ رفعت المجاز من جهة الفعل وصرت إلى الحقيقة لكن يبقى عليك التجوّز من مكان آخر وهو قولك: اللصّ وإنما لعلّه قطع يده أو رجله فإذا احتطت قلت: قطع الأمير نفسه يد اللصّ أو رجله. وكذلك جاء الجيش أجمع، ولولا أنه قد كان يمكن أن يكون إنما جاء بعضه وإن أطلقت المجىء على جميعه لما كان لقولك: أجمع معنى.
فوقوع التوكيد فى هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها حتى إن أهل العربية أفردوا له بابا لعنايتهم به، وكونه ممّا لا يضاع ولا يهمل مثله كما أفردوا لكل معنى أهمّهم بابا كالصفة والعطف والإضافة والنداء والندبة والقسم والجزاء ونحو ذلك.
وبينت منذ قريب لبعض منتحلى هذه الصناعة هذا الموضع أعنى ما فى ضربت زيدا، وخلق الله ونحو ذلك فلم يفهمه إلا بعد أن بات عليه وراض نفسه فيه واطّلع فى الموضع الذى أومأت له إليه، فحينئذ ما تصوّره، وجرى على مذهبه فى أن لم يشكره.
واعلم أن جميع ما أوردناه فى سعة المجاز عندهم واستمراره على ألسنتهم يدفع دفع أبى الحسن القياس على حذف المضاف وإن لم يكن حقيقة. (أولا) يعلم أبو الحسن كثرة المجاز غيره، وسعة استعماله وانتشار مواقعه كقام أخوك وجاء الجيش وضربت زيدا ونحو ذلك، وكل ذلك مجاز (لا حقيقة) (وهو على غاية الانقياد والاطراد. وكذلك أيضا حذف المضاف مجاز لا حقيقة) وهو مع ذلك مستعمل.
فإن احتجّ أبو الحسن بكثرة هذه المواضع نحو قام زيد وانطلق محمد وجاء القوم ونحو ذلك، قيل له: وكذلك حذف المضاف قد كثر حتى إن فى القرآن وهو أفصح الكلام منه أكثر من مائة موضع، بل ثلاثمائة موضع، وفى الشعر منه ما لا أحصيه.(2/214)
فإن قيل: يجيد من هذا أن تقول: ضربت زيدا وإنما ضربت غلامه وولده.
قيل: هذا الذى شنّعت به بعينه جائز ألا تراك تقول: إنما ضربت زيدا بضربك غلامه، وأهنته بإهانتك ولده. وهذا باب إنما يصلحه ويفسده المعرفة به. فإن فهم عنك فى قولك: ضربت زيدا أنك إنما أردت بذلك: ضربت غلامه أو أخاه أو نحو ذلك جاز، وإن لم يفهم عنك لم يجز كما أنك إن فهم عنك بقولك: أكلت الطعام أنك أكلت بعضه لم تحتج إلى البدل وإن لم يفهم عنك وأردت إفهام المخاطب إياه لم تجد بدّا من البيان، وأن تقول: بعضه أو نصفه أو نحو ذلك. ألا ترى أن الشاعر لما فهم عنه ما (أراد بقوله) قال:
صبّحن من كاظمة الخصّ الخرب ... يحملن عبّاس بن عبد المطلب (1)
وإنما أراد: عبد الله بن عباس، ولو لم يكن على الثقة بفهم ذلك لم يجد بدّا من البيان. وعلى ذلك قول الآخر:
* عليهم بما أعيا النطاسىّ حذيما (2) *
أراد: ابن حذيم.
ويدلك على لحاق المجاز بالحقيقة عندهم وسلوكه طريقته فى أنفسهم أن العرب قد وكّدته كما وكّدت الحقيقة. وذلك قول الفرزدق:
عشيّة سال المربدان كلاهما ... سحابة موت بالسيوف الصوارم (3)
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (نطس)، (وصى)، وجمهرة اللغة ص 1328.
(2) عجز البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 111، وخزانة الأدب 4/ 370، 373، 376، وشرح شواهد الشافية ص 116، 117، ولسان العرب (نطس)، (حذم)، (إلى)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 838، وشرح المفصل 3/ 25. ويروى: (طبيب) مكان (عليم).
وصدره:
* فهل لكم فيها إلىّ فإننى *
(3) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 2/ 311، ولسان العرب (دبد)، وتاج العروس (دبد)، وبلا نسبة فى تاج العروس (سحب)، ولسان العرب (سحب)، ويروى (عجاجة) مكان (سحابة).
المربدان أراد به المربد وهو كل شىء حبست به الإبل والغنم، ولهذا قيل مربد النّعم الذى بالمدينة، وبه سمّى مربد البصرة. اللسان (ربد).(2/215)
وإنما هو مربد واحد فثناه مجازا لما يتصل به من مجاوره، ثم إنه مع ذلك وكده وإن كان مجازا. وقد يجوز أن يكون سمّى كل واحد من جانبيه مربدا.
وقال الآخر:
إذا البيضة الصّماء عضّت صفيحة ... بحربائها صاحت صياحا وصلّت (1)
فأكد (صاحت) وهو مجاز بقوله: صياحا.
(وأما) قول الله عزّ وجلّ: {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} [النساء: 164] فليس من باب المجاز (فى الكلام) بل هو حقيقة قال أبو الحسن (2): خلق الله لموسى كلاما فى الشجرة، فكلّم به موسى، وإذا أحدثه كان متكلّما به. فأمّا أن يحدثه فى شجرة أو فم أو غيرهما فهو شىء آخر لكن الكلام واقع ألا ترى أن المتكلم منا إنما يستحقّ هذه الصفة بكونه متكلّما لا غير، لا لأنه أحدثه فى آلة نطقه، وإن كان لا يكون متكلما حتى يحرّك به آلات نطقه.
فإن قلت: أرأيت لو أن أحدنا عمل آلة مصوّتة وحرّكها واحتذى بأصواتها أصوات الحروف المقطعة المسموعة فى كلامنا أكنت تسمّيه متكلما وتسمّى تلك الأصوات كلاما؟.
فجوابه ألا تكون تلك الأصوات كلاما، ولا ذلك المصوّت لها متكلّما. وذلك أنه ليس فى قوّة البشر أن يوردوه بالآلات التى يصنعونها على سمت الحروف المنطوق بها وصورتها (فى النفس) لعجزهم عن ذلك. وإنما يأتون بأصوات فيها الشبه اليسير من حروفنا فلا يستحقّ لذلك أن تكون كلاما، ولا أن يكون الناطق بها متكلما كما أن الذى يصوّر الحيوان تجسيما أو ترقيما لا يسمى خالقا للحيوان، وإنما يقال مصوّر وحاك ومشبّه. وأمّا القديم سبحانه فإنه قادر على إحداث الكلام على صورته الحقيقية، وأصواته الحيوانية فى الشجرة والهواء، وما أحبّ سبحانه وشاء. فهذا فرق.
فإن قلت: فقد أحال سيبويه قولنا: أشرب ماء البحر، وهذا منه حظر للمجاز
__________
(1) البيضة: الخوذة. والحرباء: مسمار الدرع. اللسان (حرب). والصفيحة: السيف العريض.
(2) لأن منهج المعتزلة ينكرون الكلام النفسى لله سبحانه.(2/216)
الذى أنت مدّع شياعه وانتشاره.
قيل: إنما أحال ذلك على أن المتكلم يريد به الحقيقة، وهذا مستقيم إذ الإنسان الواحد لا يشرب جميع ماء البحر. فأمّا إن أراد به بعضه ثم أطلق هناك اللفظ يريد به جميعه فلا محالة من جوازه ألا ترى إلى (قول الأسود بن يعفر)
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجىء من أطواد (1)
(فلم يحصل) هنا جميعه لأنه قد يمكن أن يكون بعض مائه مختلجا قبل وصوله إلى أرضهم (بشرب أو بسقى) زرع ونحوه. فسيبويه إذا إنما وضع هذه اللفظة فى هذا الموضع على أصل (وضعها فى اللغة) من العموم، واجتنب المستعمل فيه من الخصوص.
ومثل توكيد المجاز فيما مضى قولنا: قام زيد قياما، وجلس عمرو جلوسا، وذهب سعيد ذهابا، (ونحو ذلك لأن) قولنا: قام زيد ونحو ذلك قد قدّمنا الدليل على أنه مجاز. وهو مع ذلك مؤكّد بالمصدر. فهذا توكيد المجاز كما ترى.
وكذلك أيضا يكون قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} [النساء: 164] من هذا الوجه مجازا على ما مضى.
ومن التوكيد فى المجاز قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] ولم تؤت لحية ولا ذكرا. ووجه هذا عندى أن يكون ممّا حذفت صفته، حتى كأنه قال:
وأوتيت من كل شىء تؤتاه المرأة الملكة ألا ترى (أنها لو) أوتيت لحية وذكرا لم تكن امرأة أصلا، ولما قيل فيها: أوتيت، ولقيل أوتى. ومثله قوله تعالى: {اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وهو سبحانه شىء. (وهذا) مما يستثنيه العقل ببديهته، ولا يحوج إلى التشاغل باستثنائه ألا ترى أن الشىء كائنا ما كان لا يخلق نفسه، كما أن المرأة لا تؤتى لحية ولا ذكرا.
فأما قوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] فحقيقة لا مجاز.
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للأسود بن يعفر فى ديوانه ص 27، ولسان العرب (نقر)، وتاج العروس (نقر)، وشرح اختيارات المفضل ص 970، والحماسة البصرية 2/ 412.
الأطواد: الجبال.(2/217)
وذلك أنه سبحانه ليس عالما بعلم فهو إذا العليم الذى فوق ذوى العلوم أجمعين. ولذلك لم يقل: وفوق كل عالم عليم، لأنه عز اسمه عالم، ولا عالم فوقه.
فإن قلت: فليس فى شىء مما أوردته من قولك: «وأوتيت من كل شىء» و (خالق كل شىء)، «وفوق كل ذى علم عليم»، اللفظ المعتاد للتوكيد.
قيل: هو وإن لم يأت تابعا على سمت التوكيد فإنه بمعنى التوكيد ألبتّة ألا ترى أنك إذا قلت: عممت بالضرب جميع القوم ففائدته فائدة قولك: ضربت القوم كلهم. فإذا كان المعنيان واحدا كان ما وراء ذلك غير معتدّ به ولغوا.
* * *
باب فى إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدع داع إلى الترك والتحول(2/218)
* * *
باب فى إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدع داع إلى الترك والتحول
من ذلك (أو) إنما أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت وكيف تصرفت. فهى عندنا على ذلك وإن كان بعضهم قد خفى عليه هذا من حالها فى بعض الأحوال، حتى دعاه إلى أن نقلها عن أصل بابها. وذلك أن الفرّاء قال:
إنها قد تأتى بمعنى بل وأنشد بيت ذى الرمّة:
بدت مثل قرن الشمس فى رونق الضحى
وصورتها أو أنت فى العين أملح (1)
وقال: معناه: بل أنت فى العين أملح. وإذا أرينا أنها فى موضعها وعلى بابها بل إذا كانت هنا على بابها كانت أحسن معنى، وأعلى مذهبا فقد وفيّنا ما علينا.
وذلك أنها على بابها من الشكّ ألا ترى أنه لو أراد بها معنى بل، فقال: بل أنت فى العين (أملح لم يف بمعنى أو فى الشك لأنه إذا قطع بيقين أنها فى العين أملح) كان فى ذلك سرف منه ودعاء إلى التهمه فى الإفراط له، وإذا أخرج الكلام مخرج الشكّ كان فى صورة المقتصد غير المتحامل ولا المتعجرف. فكان أعذب للفظه، وأقرب إلى تقبل قوله ألا تراه نفسه (أيضا قال:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أمّ سالم (2)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص 1857، والأزهية ص 121، وخزانة الأدب 11/ 6765، ولسان العرب (أوا)، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 478، وجواهر الأدب ص 215.
قرن الشمس: أعلاها.
(2) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 767، وأدب الكاتب ص 224، والأزهية ص 36، والأغانى 17/ 309، والدرر 3/ 17، وسر صناعة الإعراب 2/ 723، وشرح أبيات سيبويه 2/ 257، وشرح شواهد الشافية ص 347، وشرح المفصل 1/ 94، 9/ 119، والكتاب 3/ 551، ولسان العرب (جلل)، (أ)، (يا)، واللمع ص 193، 277، ومعجم ما استعجم ص 388، (جلاجل)، والمقتضب 1/ 163، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 457،(2/219)
فكما لا يشك فى أن كلامه ههنا خرج مخرج الشك، لما فيه من عذوبته وظرف مذهبه، فكذلك ينبغى أن يكون قوله: أو أنت فى العين أملح (أو) فيه باقية فى موضعها وعلى شكّها.
وبعد فهذا مذهب الشعراء: أن يظهروا فى هذا ونحو شكّا وتخالجا ليروا قوّة الشبه واستحكام الشبهة ولا يقطعوا قطع اليقين ألبتّة فينسبوا بذلك إلى الإفراط وغلوّ الاشتطاط وإن كانوا هم ومن بحضرتهم ومن يقرأ من بعد أشعارهم يعلمون أن لا حيرة هناك ولا شبهة ولكن (كذا خرج) الكلام على الإحاطة بمحصول الحال.
وقال أيضا:
ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح (1)
وقال الآخر:
أقول لظبى يرتعى وسط روضة ... أأنت أخو ليلى فقال: يقال
وما أحسن ما جاء به الطائىّ الصغير (فى قوله):
عارضننا أصلا فقلنا الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب
وقال الآخر:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... سوى أنّ عظم الساق منك دقيق (2)
__________
2/ 677، والإنصاف 2/ 482، وجمهرة اللغة ص 1210، والجنى الدانى ص 178، 419، وخزانة الأدب 5/ 247، 11/ 67، ورصف المبانى ص 26، 136، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 64، وهمع الهوامع 1/ 172. ويروى (فيا) مكان (أيا).
الوعساء: رملة. وجلاجل: موضع.
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1197، ولسان العرب (شرب)، وكتاب العين 6/ 258، ومقاييس اللغة 3/ 104، وتهذيب اللغة 11/ 355، وتاج العروس (شرب).
ويروى: (إذ هرت) مكان (أن مرّت).
الشادن: ولد الظبية حين يقوى ويشتدّ. وتسنح: تمرّ عن اليمين.
(2) البيت من الطويل، وهو للمجنون فى ديوانه ص 163، وجمهرة اللغة ص 43، وخزانة الأدب 11/ 464، 567، 468، وسر صناعة الإعراب 1/ 206، ولسان العرب (روع)، ولرجل(2/220)
وذهب قطرب إلى أن (أو) قد تكون بمعنى الواو، وأنشد بيت النابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد (1)
فقال: معناه: ونصفه. ولعمرى، إن كذا معناه. وكيف لا يكون كذلك ولا بدّ منه، وقد كثرت فيه الرواية أيضا بالواو: ونصفه. لكن هناك مذهب يمكن معه أن يبقى الحرف على أصل وضعه: من كون الشكّ فيه وهو أن يكون تقديره: ليتما هذا الحمام لنا (إلى حمامتنا) أو هو ونصفه. فحذف المعطوف عليها وحرف العطف على ما قدمناه فى قوله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتََا عَشْرَةَ عَيْناً} [البقرة: 60] أى فضرب فانفجرت. وعليه قول الآخر:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذا كما ما غيبتنى غيابيا (2)
أى شهرين أو شهرين ونصف ثالث، ألا تراك لا تقول مبتدئا: لبثت نصف ثالث لأن ثالثا من الأسماء المضمّنة بما معها. ودعانا إلى هذا التأوّل السعى فى إقرار (هذه) اللفظة على أوّل أحوالها.
فأمّا قول الله سبحانه: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] فلا يكون فيه (أو) على مذهب الفرّاء بمعنى بل، ولا على مذهب قطرب فى أنها بمعنى
__________
من أهل اليمامة فى جمهرة اللغة ص 292، وبلا نسبة فى شرح المفصل 8/ 79، 9/ 48، ولسان العرب (سوق)، والمقرب 2/ 182، والممتع فى التصريف ص 411.
(1) البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 24، والأزهيّة ص 89، 114، والأغانى 11/ 31، والإنصاف 2/ 479، وتخليص الشواهد ص 362، وتذكرة النحاة ص 353، وخزانة الأدب 10/ 251، 253، والدرر 1/ 216، 2/ 204، ورصف المبانى ص 299، وشرح شواهد المغنى 1/ 75، 200، 2/ 690، وشرح عمدة الحافظ ص 233، وشرح المفصل 8/ 58، والكتاب 2/ 137، واللمع ص 320، ومغنى اللبيب 1/ 63، 286، 308، والمقاصد النحوية 2/ 254، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 1/ 349، وخزانة الأدب 6/ 157، وشرح الأشمونى 1/ 143، وشرح قطر الندى ص 151، ولسان العرب (قدد)، والمقرب 1/ 110، وهمع الهوامع 1/ 65.
(2) البيت من الطويل، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 171، والأزهيّة ص 115، وخزانة الأدب 5/ 9، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 483، والمحتسب 2/ 227.(2/221)
الواو. لكنها عندنا على بابها فى كونها شكّا. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله عزّ وجلّ لقول المخلوقين. وتأويله عند أهل النظر: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.
ومثله مما مخرجه منه تعالى على الحكاية قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}
[الدخان: 49] وإنما هو فى الحقيقة الذليل المهان، لكن معناه: ذق إنك أنت الذى كان يقال له: العزيز الكريم. ومثله قوله عز وجل {وَقََالُوا يََا أَيُّهَا السََّاحِرُ ادْعُ لَنََا رَبَّكَ بِمََا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنََا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: 49] أى يا أيها الساحر عندهم لا عندنا (وكيف) يكون ساحرا عندهم وهم به مهتدون. وكذلك قوله {أَيْنَ شُرَكََائِيَ} [النحل: 27، الكهف: 52] أى شركائى عندكم. وأنشدنا أبو علىّ لبعض اليمانية يهجو جريرا:
أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها ... أنّى الأغرّ وأنّى زهرة اليمن
قال: فأجابه جرير، فقال:
ألم تكن فى وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن! (1)
فسماه زهرة اليمن متابعة له، وحكاية للفظه. وقد تقدّم القول على هذا الموضع.
ومن ذلك ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف نحو قول الله عزّ وجلّ {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} [الزمر: 73] (قالوا: الواو هنا زائدة مخرجة عن العطف. والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها). وزيادة الواو أمر لا يثبته البصريون. لكنه عندنا على حذف الجواب، أى حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صدقوا وعدهم، وطابت نفوسهم، ونحو ذلك مما يقال فى مثل هذا.
وأجاز أبو الحسن زيادة الواو فى خبر كان نحو قولهم: كان ولا مال له، أى كان لا مال له. ووجه جوازه عندى شبه خبر كان بالحال، فجرى مجرى قولهم:
جاءنى ولا ثوب عليه، أى جاءنى عاريا.
__________
(1) حان: أى هلك.(2/222)
فأمّا (هل) فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد نحو قول الله سبحانه {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] قالوا: معناه: قد أتى عليه ذلك. وقد يمكن عندى أن تكون مبّقاة فى هذا الموضع على بابها من الاستفهام، فكأنه قال والله أعلم: هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بدّ فى جوابه من (نعم) ملفوظا بها أو مقدرة، أى فكما أن ذلك كذلك فينبغى للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يبأى بما فتح له. وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتنى فأعطيتك! أم هل زرتنى فأكرمتك!. أى فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقّى عليك، وإحسانى إليك. ويؤكّد هذا عندك قوله تعالى: {إِنََّا خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشََاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنََاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنََّا هَدَيْنََاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 2، 3] أفلا تراه عزّ اسمه كيف عدّد عليه أياديه وألطافه له.
فإن قلت: فما تصنع بقول الشاعر:
سائل فوارس يربوع بشدّتنا ... أهل رأونا بسفح القفّ ذى الأكم (1)
ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل، ولو كانت على ما فيها من الاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد. وهذا يدلّ على خروجها عن الاستفهام إلى معنى الخبر.
قيل: هذا قول يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب.
ومثله خروج الهمزة عن الاستفهام إلى التقرير ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر، وذلك ضدّ الاستفهام. ويدلّ على أنه قد فارق الاستفهام امتناع النصب بالفاء فى جوابه، والجزم بغير الفاء (فى جوابه) ألا تراك لا تقول: ألست صاحبنا
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لزيد الخيل فى ديوانه ص 155، والجنى الدانى ص 344، والدرر 5/ 146، وشرح شواهد المغنى 2/ 772، وشرح المفصل 8/ 152، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 358، والأشباه والنظائر 2/ 427، 7/ 55، وتذكرة النحاة ص 78، وجواهر الأدب ص 281، وخزانة الأدب 11/ 261، 263، 266، ورصف المبانى ص 407، وشرح عمدة الحافظ ص 385، واللمع ص 317، ومغنى اللبيب 2/ 352، والمقتضب 1/ 44، 3/ 291، وهمع الهوامع 2/ 77، 133. ويروى: (القاع) مكان (القف).
القفّ: ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. اللسان (قفف).(2/223)
فنكرمك كما تقول لست صاحبنا فنكرمك. ولا تقول فى التقرير: أأنت فى الجيش أثبت اسمك كما تقول فى الاستفهام الصريح: أأنت فى الجيش أثبت اسمك كما نقول: ما اسمك أذكرك أى إن أعرفه أذكرك. ولأجل ما ذكرنا من حديث همزة التقرير ما صارت تنقل النفى إلى الإثبات، والإثبات إلى النفى وذلك كقوله:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح (1)
أى (أنتم كذاكم) وكقول الله عزّ وجلّ {آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59]، {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} [المائدة: 116] أى لم يأذن لكم، ولم تقل للناس: اتخذونى وأمى إلهين، ولو كانت استفهاما محضا لأقرّت الإثبات على إثباته، والنفىّ على نفيه.
فإذا دخلت (2) على الموجب نفته، (وإذا دخلت على النفى نفته) و (نفى النفى عائد) به إلى الإثبات. ولذلك لم يجيزوا ما زال زيد إلا قائما لمّا آل به المعنى (من النفى) إلى: ثبت زيد إلا قائما. فكما لا يقال هذا فكذلك لا يقال ذلك. فاعرفه.
ويدلّ على صحّة معنى التناكر فى همزة التقرير أنها قد أخلصت للإنكار فى نحو قولهم فى جواب قوله ضربت عمر: أعمراه! ومررت بإبراهيم: أإبراهيماه.
ورأيت جعفرا: (أجعفرنيه، وأجعفرا إنيه!). وهذا واضح.
واعلم أنه ليس شىء يخرج عن بابه إلى غيره إلا لأمر قد كان وهو على بابه ملاحظا له، وعلى صدد من الهجوم عليه.
وذلك أن المستفهم عن الشىء قد يكون عارفا به مع استفهامه فى الظاهر عنه، لكن غرضه فى الاستفهام عنه أشياء. منها أن يرى المسئول أنه خفى عليه ليسمع جوابه عنه. ومنها أن يتعرف حال المسئول هل هو عارف بما السائل عارف به.
ومنها أن يرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد لما له فى ذلك من الغرض. ومنها أن يعدّ ذلك لما بعده ممّا يتوقّعه، حتى إن حلف بعد أنه قد سأله
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لجرير فى ديوانه ص 85، 89، والجنى الدانى ص 32، وشرح شواهد المغنى 1/ 42، ولسان العرب (نقص)، ومغنى اللبيب 1/ 17، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 46، وشرح المفصل 8/ 123، والمقتضب 3/ 292.
(2) أى همزة التقرير.(2/224)
عنه حلف صادقا، فأوضح بذلك عذرا. و (لغير ذلك) من المعانى التى يسأل السائل عما يعرفه لأجلها وبسببها.
فلمّا كان السائل فى جميع هذه الأحوال قد يسأل عما هو عارفه، أخذ بذلك طرفا من الإيجاب، لا السؤال عن مجهول الحال. وإذا كان ذلك كذلك جاز لأجله أن يجرّد فى بعض الأحوال ذلك الحرف لصريح ذلك المعنى. فمن هنا جاز أن تقع (هل) فى بعض الأحوال موضع (قد) كما جاز لأو أن تقع فى (بعض الأحوال موقع) الواو نحو قوله:
وكان سيّان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبّرت السوح (1)
جاز ذلك لما كنت تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، فيكون مع ذلك متى جالسهما جميعا كان فى ذلك مطيعا. فمن هنا جاز أن يخرج فى البيت ونحوه إلى معنى الواو.
(وكل) حرف فيما بعد يأتيك قد أخرج عن بابه إلى باب آخر فلا بدّ أن يكون قبل إخراجه إليه قد كان يرائيه، ويلتفت إلى الشقّ الذى هو فيه. فاعرف ذلك، وقسه فإنك إذا (فعلته) لم تجد الأمر إلا كما ذكرته، وعلى ما شرحته.
* * * __________
(1) البيت من البسيط، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب 5/ 134، 137، 138، وشرح أشعار الهذليين ص 122، وشرح شواهد الإيضاح ص 245، وشرح شواهد المغنى ص 198، ولسان العرب (سوا)، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 4/ 89، 11/ 70، ورصف المبانى ص 132، 427، وشرح المفصل 8/ 91، ومغنى اللبيب ص 63.(2/225)
باب فى إيراد المعنى المراد، بغير اللفظ المعتاد
اعلم أن هذا موضع قد استعملته العرب، واتبعتها فيه العلماء. والسبب فى هذا الاتساع أن المعنى المراد مفاد من الموضعين جميعا، فلمّا آذنا به وأدّيا إليه سامحوا أنفسهم فى العبارة عنه إذ المعانى عندهم أشرف من الألفاظ. وسنفرد لذلك بابا.
فمن ذلك ما حكاه أبو الحسن: أنه سأل أعرابيّا عن تحقير الحبارى، فقال:
حبرور. (وهذا) جواب من قصد الغرض ولم يحفل باللفظ إذ لم يفهم غرض أبى الحسن، فجاء بالحبرور لأنه فرخ الحبارى. وذلك أن هذا الأعرابىّ تلقى سؤال أبى الحسن بما هو الغرض عند الكافّة فى مثله، ولم يحفل بصناعة الإعراب التى إنما هى لفظية ولقوم مخصوصين، من بين أهل الدنيا أجمعين. ونحو من ذلك أنى سألت الشجرىّ، فقلت: كيف تجمع المحرنجم؟ فقال: وأيش فرّقه حتى أجمعه! وسألته يوما (فقلت): كيف تحقّر الدمكمك؟ فقال: شخيت (1). فجاء بالمعنى الذى يعرفه هو، ولم يراع مذهب الصناعة.
ونحو من هذا ما يحكى عن أبى السّمال أنه كان يقرأ: «فحاسوا خلال الديار» [الإسراء: 5]، فيقال له: إنما هو فجاسوا، فيقول: جاسوا وحاسوا واحد (2). وكان أبو مهديّة إذا أراد الأذان قال: الله أكبر مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، ثم كذلك إلى آخره. فإذا قيل له: ليست السنّة كذلك، إنما هى: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره، فيقول: قد عرفتم أنّ المعنى واحد، والتكرار عىّ. وحكى عيسى بن عمر، قال: (سمعت ذا الرمّة ينشد):
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن
عليها الصّبا واجعل يديك لها سترا (3)
__________
(1) الدمكمك من الرجال والإبل: القوى الشديد. والشخيت: النحيف الجسم.
(2) جاسوا وحاسوا بمعنى واحد يذهبون ويجيئون. اللسان (جوس).
(3) الشخت: الحطب الدقيق.(2/226)
فقلت: أنشدتنى: من بائس، فقال (يابس وبائس) واحد. وأخبرنا أبو بكر محمد ابن الحسن عن أبى العباس أحمد بن يحيى قال (أنشدنى ابن الأعرابى):
وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأنى به من شدّة الروع آنس (1)
فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا، إنما أنشدتنا: وموضع ضيق.
فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد، وقد قال الله سبحانه وهو أكرم قيلا: {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمََنَ أَيًّا مََا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ} [الإسراء: 110] وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نزل القرآن على سبع لغات كلها شاف كاف» (2).
وهذا ونحوه عندنا هو الذى أدى إلينا أشعارهم وحكاياتهم بألفاظ مختلفة، على معان متفقة. وكان أحدهم إذا أورد المعنى المقصود بغير لفظه المعهود، كأنه لم يأت إلا به، (ولا عدل) عنه إلى غيره إذ الغرض فيهما واحد، وكل واحد منهما لصاحبه مرافد. وكان أبو علىّ رحمه الله إذا عبر عن معنى بلفظ مّا فلم يفهمه القارئ عليه، وأعاد ذلك المعنى عينه بلفظ غيره ففهمه، يقول: هذا إذا رأى ابنه فى قميص أحمر عرفه فإن رآه فى قميص كحلىّ لم يعرفه.
فأما الحكاية عن الحسن رضى الله عنه وقد سأله رجل عن مسئلة، ثم أعاد السؤال فقال له الحسن: لبّكت علىّ أى خلطت، فتأويله عندنا أنه أفسد المعنى الأوّل بشىء جاء به فى القول الثانى. فأمّا أن يكون الحسن تناكر الأمر لاختلاف اللفظين (مع اتفاق) المعنيين فمعاذ الله، و (حاشى أبا سعيد) (3). ويشبه أن يكون الرجل لمّا أعاد سؤاله بلفظ ثان قدّر أنه بمعنى اللفظ الأوّل ولم يحسن ما فهمه الحسن رضى الله عنه، كالذى يعترف عند القاضى بما يدّعى عليه، وعنده أنه مقيم
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للمرقش الأكبر فى ديوانه ص 574، ولسان العرب (زبن)، وتاج العروس (زبن)، وشرح اختيارات المفضل ص 1001، وبلا نسبة فى لسان العرب (زبق).
ويروى: (زبق) مكان (زبن).
(2) أخرجه البخارى فى «فضائل القرآن» (4992)، وله غير موضع، ومسلم بلفظ «أنزل القرآن على سبعة أحرف».
(3) أبو سعيد كنية الحسن البصرىّ.(2/227)
على إنكاره إياه. ولهذا نظائر. ويحكى أن قوما ترافعوا إلى الشعبىّ فى رجل بخص عين رجل فشرقت بالدم، فأفتى فى ذلك بأن أنشد بيت الراعى:
لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت ... بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا (1)
لم يزدهم على هذا. وتفسيره أن هذه العين ينتظر بها أن يستقرّ أمرها على صورة معروفة محصّلة، ثم حينئذ يحكم فى بابها بما توجبه الحال من أمرها.
فانصرف القوم بالفتوى، وهم عارفون بغرضه فيها.
(وأمّا) أتباع العلماء العرب فى هذا النحو فكقول سيبويه: «ومن العرب من يقول: لبّ فيجرّه كجرّ أمس وغاق» ألا ترى أنه ليس فى واحد من الثلاثة جرّ إذ الجرّ إعراب لا بناء، وهذه الكلم كلها مبنيّة (لا معربة) فاستعمل لفظ الجرّ على معنى الكسر، كما يقولون فى المنادى المفرد المضموم: إنه مرفوع، وكما يعبرون بالفتح عن النصب، وبالنصب عن الفتح، وبالجزم عن الوقف (وبالوقف عن الجزم) كلّ ذلك لأنه أمر قد عرف غرضه والمعنى المعنىّ به.
وإذا جاز أن يكون فى أصول هذه اللغة المقرّرة اختلاف اللفظين والمعنى واحد كان جميع ما نحن فيه جائزا سائغا، ومأنوسا به متقبلا.
* * * __________
(1) البيت من الطويل، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص 164، والاشتقاق ص 295، وأمالى القالى 2/ 140، والمزهر 2/ 442، وأمالى المرتضى 1/ 322، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 731، وتاج العروس (شرق)، ولسان العرب (شرق).(2/228)
باب فى ملاطفة الصنعة
وذلك أن ترى العرب قد غّيرت شيئا من كلامها من صورة إلى صورة، فيجب حينئذ أن تتأتّى لذلك وتلاطفه، لا أن تخبطه وتتعسّفه. وذلك كقولنا فى قولهم فى تكسير جرو ودلو أجر وأدل: إن أصله أجرو، وأدلو، فقلبوا الواو ياء. وهو لعمرى كذلك، إلا أنه يجب عليك أن تلاين الصنعة ولا تعازّها فتقول: إنهم أبدلوا من ضمّة العين كسرة، فصار تقديره: أجرو وأدلو. فلما انكسر ما قبل الواو وهى لام قلبت ياء، فصارت أجرى وأدلى، وإنما وجب أن يرتب هذا العمل هذا الترتيب من قبل أنك لمّا كرهت الواو هنا لما تتعرض له من الكسرة والياء فى أدلوى وأدلوىّ لو سمّيت (1) رجلا بأدلو ثم أضفت إليه، فلما ثقل ذلك بدءوا بتغيير الحركة الضعيفة تغييرا عبطا وارتجالا. فلمّا صارت كسرة تطرقوا بذلك إلى قلب الواو ياء تطرقا صناعيّا. ولو بدأت فقلبت الواو ياء بغير آلة القلب من الكسرة قبلها لكنت قد استكرهت الحرف على نفسه تهالكا وتعجرفا، لا رفقا وتلطفا. ولمّا فعلت ذلك فى الضمة كان أسهل منه فى (الواو و) الحرف لأن ابتذالك الضعيف أقرب مأخذا من إنحائك على القوىّ. (فاعرف ذلك) (أصلا فى هذا الباب).
وكذلك باب فعول ممّا لامه واو، كدلو ودلىّ، وحقو وحقىّ (أصله دلوّ وحقوّ). فلك فى إعلال هذا إلى حقىّ ودلىّ طريقان.
إن شئت شبهت واو فعول المدغمة (2) بضمة عين أفعل فى أدلو وأحقو فأبدلت (منها ياء كما أبدلت) من تلك الضمة كسرة، فصارت: حقيو. ثم أبدلت الواو التى هى لام ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها، فصارت حقىّ، ثم أتبعت فقلت:
حقىّ. وهذا أيضا ممّا أبدلت من ضمّة عينه كسرة، فتنقلب واو فعول بعدها ياء
__________
(1) شرط هذا لأنه جمع فلا ينسب إليه على لفظه إلا إذا كان علما، وإلا نسب إلى مفرده.
(نجار).
(2) يجرى الصرفيون الإعلال فى مثل هذا قبل الإدغام: فإن الإدغام يقوى الحرف فيتأبى على الإعلال. (نجار).(2/229)
كالباب الأوّل. فصارت أوّل: حقوّ، ثم حقيو، (ثم حقىّ) ثم حقىّ. فهذا وجه.
وإن شئت قلت: بدأت بدلوّ فأبدلت لامها لضعفها بالتطرف (وثقلها) ياء، فصارت دلوى وحقوى. ثم أبدلت الواو ياء لوقوع الياء بعدها، فصارت حقىّ (ثم أبدلت من الضمة فى العين كسرة لتصحّ الياء بعدها، فصارت: حقىّ) ثم أتبعت فقلت: حقىّ (ودلىّ).
ومن ذلك قولهم: إن أصل قام قوم، فأبدلت الواو ألفا. وكذلك باع أصله بيع، ثم أبدلت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وهو لعمرى كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين إلا بعد أن أسكنته استثقالا لحركته، فصار إلى قوم وبيع، ثم انقلبا لتحرّكهما فى الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن. ففارقا بذلك باب ثوب وشيخ لأن هذين ساكنا العينين، ولم يسكنا عن حركة ولو رمت قلب الواو والياء من نحو قوم وبيع وهما متحركتان لا حتمتا بحركتيهما، فعّزتا فلم تنقلبا. فهذا واضح.
ومن ذلك ستّ أصلها سدس، فلمّا كثرت فى الكلام أبدلوا السين تاء كقولهم: النات فى الناس ونحوه، فصارت سدت. (فلما تقارب الحرفان فى مخرجيهما أبدلت الدال تاء وأدغمت فى التاء فصارت ستّ). ولو بدأت هذا الإبدال عاريا من تلك الصنعة لكان استطالة على الحرفين، وهتكا للحرمتين.
فاعرف بهذا النحو هذه الطريق، ولا تقدمنّ على أمر من التغيير إلا لعذر فيه وتأتّ له ما استطعت. فإن لم تجن على الأقوى كانت جنايتك على الأضعف لتتطرق به إلى إعلال الأقوى أعذر وأولى. فأبه له وقس عليه.
فأمّا قوله:
* أو الفا مكّة من ورق الحمى (1) *
فلم تكن الكسرة لتقلب الميم ياء ألا تراك تقول: تظنّيت وتقصّيت والفتحة
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 2/ 453. (فيه «الحمى» مكان «الحمى»، وهى الرواية الصحيحة ورواية اللسان محرفة). ولسان العرب (ألف)، (منى)، (وفيه «الحما» مكان «الحمى»).
ويروى: قواطنا بدلا من أو ألفا.(2/230)
هناك، لكنه كسر للقافية.
ومن ذلك مذهب أبى الحسن فى قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: 48] لأنه ذهب إلى أنه حذف حرف الجر فصار تجزيه، ثم حذف الضمير فصار تجزى. فهذه ملاطفة (من الصنعة). ومذهب سيبويه أنه حذف (فيه) دفعة واحدة.
* * *
باب فى التجريد(2/231)
* * *
باب فى التجريد
اعلم أن هذا فصل من فصول العربية طريف حسن. ورأيت أبا على رحمه الله به غريا معنيّا، ولم (يفرد له) بابا، لكنه وسمه فى بعض ألفاظه بهذه السمة، فاستقريتها منه وأنقت لها. ومعناه أن (العرب قد تعتقد) أن فى الشىء من نفسه معنى آخر، كأنه حقيقته ومحصوله. وقد يجرى ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها. وذلك نحو قولهم: لئن لقيت زيدا لتلقينّ منه الأسد، ولئن سألته لتسئلن منه البحر. فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسدا وبحرا، وهو عينه هو الأسد والبحر (لا أن) هناك شيئا منفصلا عنه وممتازا منه.
وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه، حتى كأنها تقابله أو تخاطبه.
ومنه قول الأعشى:
* وهل تطيق وداعا أيها الرجل (1) *
وهو الرجل نفسه لا غيره. وعليه قراءة من قرأ {قََالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2) [البقرة: 259] أى اعلم أيها الإنسان، وهو نفسه الإنسان وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهََا دََارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28] وهى نفسها (دار الخلد).
وقال الأعشى:
لات هنّا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوال (3)
__________
(1) عجز بيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 105، ولسان العرب (جهنم)، ومقاييس اللغة 4/ 126، وتاج العروس (ودع). وصدره:
* ودع هريرة إن الركب مرتحل *
(2) وهى قراءة حمزة والكسائى. السبعة لابن مجاهد ص 189.
(3) البيت من الخفيف، وهو للأعشى فى ديوانه ص 53، وخزانة الأدب 4/ 196، 198، والدرر 2/ 118، وشرح التصريح 1/ 200، وشرح المفصل 3/ 17، ولسان العرب (هنا)، (هنأ)، والمحتسب 2/ 39، والمقاصد النحوية 2/ 106، 4/ 198، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 289، ورصف المبانى ص 170، والمقرب 1/ 126.(2/232)
وهى نفسها الجائية بطائف الأهوال.
وقد تستعمل الباء هنا فتقول: لقيت به الأسد، وجاورت به البحر، أى لقيت بلقائى إيّاه الأسد. ومنه مسئلة الكتاب: أمّا أبوك فلك أب، أى لك منه أو به أو بمكانه أب. وأنشدنا:
أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ... وفى الله إن لم يعدلوا حكم عدل (1)
وهذا غاية البيان والكشف ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله سبحانه ظرف لشىء ولا متضمّن له، فهو إذا على حذف المضاف، أى فى عدل الله عدل حكم عدل.
(وأنشدنا:
بنزوة لصّ بعد ما مر مصعب ... بأشعث لا يفلى ولا هو يقمل (2)
ومصعب نفسه هو الأشعث). وأنشدنا:
جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفور خدر (3)
وهى نفسها اليعفور. وعليه جاء قوله:
يا نفس صبرا كل حىّ لاق ... وكل اثنين إلى افتراق (4)
وقول الآخر:
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأبى الخطار الكلبى فى حماسة ابن الشجرى ص 4، وبلا نسبة فى لسان العرب (حكم)، وجمهرة اللغة ص 564، وتاج العروس (حكم). ويروى: أفادت بدلا من أفاءت، وقيسا بدلا من ظلما، ولم يحكموا بدلا من لم يعدلوا.
(2) البيت من الطويل، وهو للأخطل فى ديوانه ص 271، والمحتسب 1/ 41، والمقاصد النحوية 4/ 197.
الأشعث: الوتد. اللسان (شعث).
(3) البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص 50، ولسان العرب (خدر)، (عفر)، (رحل)، وتهذيب اللغة 7/ 265، ومقاييس اللغة 2/ 160، 4/ 372، ومجمل اللغة 2/ 163، وديوان الأدب 2/ 232، وكتاب العين 2/ 342.
(4) الرجز بلا نسبة فى الدرر 6/ 239، ورصف المبانى ص 41، وسر صناعة الإعراب ص 341، وهمع الهوامع 2/ 157.(2/233)
قالت له النفس إنى لا أرى طمعا ... وإنّ مولاك لم يسلم ولم يصد (1)
وقول الآخر:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد (2)
(وأما) قوله عزّ اسمه {يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] فليس من ذا، بل النفس هنا جنس (وهو) كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الْإِنْسََانُ مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}
[الانفطار: 6] و (نحوه). وقد دعا تردد هذا الموضع على الأسماع، ومحادثته الأفهام، أن ذهب قوم (3) إلى أن الإنسان هو معنى ملتبس بهذا الهيكل الذى (يراه)، ملاق له، وهذا الظاهر مماسّ لذلك الباطن، كل جزء منه منطو عليه ومحيط به.
* * * __________
(1) البيت من البسيط. وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه.
(2) البيت من البسيط وهو لأعرابى فى خزانة الأدب 4/ 312، 6/ 361، وشرح المفصل 3/ 10.
(3) يعزى مثل هذا القول إلى الإمام مالك رضى الله عنه فى الروح، وهو فى الحقيقة لأتباعه.
نجار.(2/234)
باب فى غلبة الزائد للأصلى
أمّا إذا كان الزائد ذا معنى فلا نظر فى استبقائه وحذف الأصلىّ لمكانه نحو قولهم هذا قاض ومعط ألا تراك حذفت الياء التى هى لام للتنوين إذا كان ذا معنى أعنى الصرف. ومثل ذلك قوله:
* لاث به الأشاء والعبرىّ (1) *
حذفت عين فاعل وأقررت ألفه إذ كانت دليلا على اسم الفاعل. ومثله قوله:
* شاك السلاح بطل مجرّب (2) *
وهذا أحد ما يقوّى قول أبى الحسن فى أن المحذوف من باب مقول ومبيع إنما هو العين من حيث كانت الواو دليلا على اسم المفعول. وقال ابن الأعرابىّ فى قوله:
* فى بئر لاحور سرى وما شعر (3) *
أراد: حؤور أى فى بئر (لاحوور) لا رجوع. قال: فأسكنت الواو الأولى،
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 490، وشرح أبيات سيبويه 2/ 411، وشرح شواهد الشافية ص 367، والكتاب 3/ 466، 4/ 377، ولسان العرب (لثى)، (عبر)، وتاج العروس (لوث)، (عبر)، وكتاب العين 2/ 130، 239، ومقاييس اللغة 4/ 209، وتهذيب اللغة 3/ 27، 15/ 129، والمخصص 16/ 20، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 265، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 128، والمقتضب 1/ 115، والمنصف 1/ 52، 3/ 66، والمخصص 10/ 222.
(2) الرجز لمرحب اليهودى فى لسان العرب (شوك)، وتاج العروس (شوك). وقبله:
* قد علمت خيبر أنى مرحب *
(3) الرجز للعجاج فى ديوانه 20، 22، والأزهيّة ص 154، والأشباه والنظائر 2/ 164، وخزانة الأدب 4/ 51، 52، 53، وشرح المفصل 8/ 136، وتاج العروس (حور)، (لا)، وتهذيب اللغة 5/ 228، 15/ 418، وبلا نسبة فى لسان العرب (جور)، (غير)، (لا)، وخزانة الأدب 11/ 224، وجمهرة اللغة ص 525، ومجمل اللغة 2/ 120، وبعده:
* بإفكه حتى رأى الصبح جشر *(2/235)
وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءى الإضافة فى نحو مصطفىّ وقاضىّ ومرامىّ (فى مرامى). وكذلك باب يعد ويزن حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائد (كل ذلك) لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدلّ على شرف المعانى عندهم ورسوخها فى أنفسهم. نعم، وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائدة وإن كانا متساويى المعنيين. وإذا كان ذلك جائزا عندهم، ومسموعا فى لغتهم، فما ظنّك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله:
بنى عقيل ماذه الخنافق! ... لمال هدى والنساء طالق
(فالخنافق) جمع خنفقيق والنون زائدة، والقاف الأولى عند الخليل هى الزائدة، والثانية هى الأصل وهى المحذوفة وقد قدّمنا دليل ذلك والنون والقاف جميعا لمعنى واحد، وهو الإلحاق.
(فإذا) كانوا قد حذفوا الأصل للزائد وهما فى طبقة واحدة أعنى اجتماعهما على كونهما للإلحاق فكيف ليت شعرى تكون الحال إذا كان الزائد لمعنى والأصلىّ المحذوف لغير معنى! وهذا واضح.
وفى قولهم: خنافق تقوية لقول سيبويه فى تحقير مقعنسس وتكسيره (مقاعس ومقيعس) فاعرفه فإنه قوىّ فى بابه.
بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف الملحق لذى المعنى وهو الميم أقوى وأحجى. وكأنهم إنما أسرعوا إلى حذف الأصلى للزائد تنويها به، وإعلاء له، وتثبيتا لقدمه فى أنفسهم، وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته فى تصوّرهم ولحاقه بأصول الكلم فى معتقدهم ألا تراهم قد يقرّونه فى الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول. وذلك قولهم: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة، فاشتقّ الفعل منها وأقرت الواو الزائدة فيها، حتى أبدلت ياء فى قرنيت. ومثله قولهم: قلسيت الرجل فالياء هنا بدل من واو قلنسوة الزائدة، ومن قال قلنسته فقد أثبت أيضا النون وهى زائدة. وكذلك قولهم: تعفرت الرجل إذا خبث، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة.
فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له قول الشاعر:(2/236)
أميل مع الذمام على ابن عمّى ... وأحمل للصديق على الشقيق (1)
وجميع ما ذكرناه من قوّة الزائد عندهم وتمكّنه فى أنفسهم يضعف قول من حقّر تحقير الترخيم، ومن كسّر على حذف الزيادة. وقد ذكرنا هذا. إلا أن وجه جواز ذلك قول الآخر:
كيما أعدّهم لأبعد منهم ... ولقد يجاء إلى ذوى الأحقاد (2)
وقول المولّد:
* وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع *
وقول الآخر:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح (3)
(وهو باب واسع).
* * * __________
(1) الذمام: الحق والحرمة.
(2) البيت من الكامل، وهو للأسدى فى كتاب الجيم 1/ 70.
(3) البيت من الطويل، وهو لمسكين الدارمى فى ديوانه ص 29، والأغانى 20/ 171، 173، وخزانة الأدب 3/ 65، 67، والدرر 3/ 11، وشرح أبيات سيبويه 1/ 127، وشرح التصريح 2/ 195، والمقاصد النحوية 4/ 305، ولمسكين أو لابن هرمة فى فصل المقال ص 269، ولقيس بن عاصم فى حماسة البحترى ص 245، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمى فى الحماسة البصرية 2/ 60، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 79، وتخليص الشواهد ص 62، والدرر 6/ 44، وشرح شذور الذهب ص 288، وشرح قطر الندى ص 134، والكتاب 1/ 256.(2/237)
باب فى أن ما لا يكون للأمر وحده قد يكون له إذا ضام غيره
من ذلك الحرف الزائد، لا يكون للإلحاق أوّلا كهمزة أفعل وأفعل وإفعل وأفعل وإفعل ونحو ذلك وكذلك ميم مفعل ونحوه، وتاء تفعل ونحوه. فإذا انضمّ إلى الزيادة أوّلا زيادة أخرى صارت للإلحاق. وذلك (نحو ألندد وألنجج، الهمزة والنون للإلحاق. وكذلك) يلندد ويلنجج (فإن زالت النون لم تكن الهمزة ولا الياء وحدهما للإلحاق. وذلك نحو ألدّ ويلجّ).
وعلّة ذلك أن الزيادة فى أوّل الكلمة إنما بابها معنى المضارعة، وحرف المضارعة إنما يكون مفردا أبدا، فإذا انضمّ إليه غيره خرج بمضامّته إياه عن أن يكون للمضارعة، فإذا خرج عنها وفارق الدلالة على المعنى جعل للإلحاق لأنه قد أمن بما انضمّ إليه أن يصلح للمعنى.
وكذلك ميم مفعول جعلت واو مفعول وإن كانت للمد دليلة على معنى اسم المفعول ولولا الميم لم تكن إلا للمدّ كفعول وفعيل وفعال ونحو ذلك، إلا أنها وإن كانت قد أفادت هذا المعنى فإنّ ما فيها من المدّ والاستطالة معتدّ فيها مراعى من حكمها. ويدلّك على بقاء المدّ فيها واعتقادها مع ما أفادته من معنى اسم المفعول له (1) أنّ العرب لا تلقى عليها حركة الهمزة بعدها، إذا آثرت تخفيفها، بل تجريها مجراها وهى للمدّ خالصة ألا تراهم يقولون فى تخفيف مشنوءة بالادّغام ألبتة كما يقولون فى تخفيف شنوءة. وذلك قولهم: مشنوّة كشنّوة، فلا يحرّكون واو مفعول كما لا يحرّكون واو مفعول وإن كانت واو مفعول تفيد مع مدّها اسم المفعول، وواو فعول مخلصة للمدّ ألبتّة.
فإن قلت: فما تقول فى أفعول نحو أسكوب هل هو ملحق بجرموق؟ قيل:
لا، ليس ملحقا به، بل الهمزة فيه للبناء والواو فيه للمدّ ألبتة لأن حرف المدّ إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق أبدا لأنه كأنه إشباع للحركة كالصياريف ونحوه،
__________
(1) اعتقادها للمدّ: إحرازها له، من قولهم: اعتقد ضيعة أى اقتناها.(2/238)
ولا يكون أفعول إلا للمدّ ألا ترى أنك لا تستفيد بهمزة أفعول وواوه معنى مخصوصا كما تستفيد بميم مفعول وواوه معنى مخصوصا، وهو إفادة اسم المفعول. فهذا من طريق التأمّل واضح. وإذا كان كذلك فكذلك إفعيل لا يكون ملحقا. وأبين منه باب إفعال لأنه موضوع للمعنى وهو المصدر نحو الإسلام والإكرام. والمعنى أغلب على المثال من الإلحاق. وكذلك باب أفعال لأنه موضوع للتكسير كأقتاب وأرسان.
فإن قلت: فقد جاء عنهم نحو إمخاض، وإسنام (1)، (وإصحاب) وإطنابة (2)، قيل: هذا فى الأسماء قليل جدّا، وإنما بابه المصادر ألبتّة. وكذلك ما جاء عنهم من وصف الواحد بمثال أفعال نحو برمة أعشار، وجفنة أكسار، وثوب أكباش (3)
وتلك الأحرف المحفوظة فى هذا. إنما هى على أن جعل كل جزء منها عشرا وكسرا وكبشا. وكذلك كبد أفلاذ (4)، وثوب أهباب وأخباب، وحبل أرمام (5)
وأرماث وأقطاع وأحذاق، وثوب أسماط كل هذا متأوّل فيه معنى الجمع.
وكذلك مفعيل ومفعول ومفعال ومفعل: ليس شىء من ذلك ملحقا لأن أصل زيادة الميم فى الأوّل إنما هى لمعنى، وهذه غير طريق الإلحاق. ولهذا ادّغموه فقالوا: مصكّ ومتلّ ونحوهما. وأمّا أفاعل كأحامر وأجارد وأباتر (6)، فلا تكون الهمزة فيه والألف للإلحاق بباب قذعمل (7). ومن أدلّ الدليل على ذلك أنك لا تصرف شيئا من ذلك علما. وذلك لما فيه من التعريف ومثال الفعل (لأنّ) أجارد وأباترا جار مجرى أضارب وأقاتل. وإذا جرى مجراه فقد لحق فى المثال به، والهمزة فى ذلك إنما هى فى أصل هذا المثال للمضارعة، والألف هى ألف فاعل فى جارد وباتر لو نطقوا به، وهى كما تعلم للمعنى كألف ضارب وقاتل. فكل
__________
(1) الإسنام: ثمر الحلىّ.
(2) الإطنابة: المظلة.
(3) هو ضرب من برود اليمن.
(4) أى قطع.
(5) أخباب وأرمام. أى بال قديم.
(6) أحامر: اسم جبل، وموضع بالمدينة. وأجارد: اسم موضع. وأباتر: هو القاطع لرحمه.
(7) قذعمل: هو الضخم من الإبل.(2/239)
واحد من الحرفين إذا إنما هو للمعنى، (وكونه) للمعنى أشدّ شىء إبعادا له عن الإلحاق لتضادّ القضيتين عليه من حيث كان الإلحاق طريقا صناعيا لفظيا، والمعنى طريقا مفيدا معنويا. وهاتان طريقتان متعاديتان. وقد فرغنا منهما فيما قبل.
وأيضا فإن الألف لا تكون للإلحاق حشوا أبدا، إنما تكون له إذا وقعت طرفا لا غير، كأرطى ومعزى وحبنطى. وقد تقدّم ذلك أيضا.
ولا يكون أجارد أيضا ملحقا بعذافر لما قدّمناه: من أن الزيادة فى الأوّل لا تكون للإلحاق، إلا أن يقترن بها حرف غير مدّ كنون ألندد وواو إزمول (1)
وإسحوف (2) وإدرون (3) لكن دواسر (4) ملحق بعذافر (5). ومثله عياهم (6). وكذلك كوألل (7) ملحق بسبهلل الملحق بهمرجل (8). وأدلّ دليل على إلحاقه ظهور تضعيفه، أعنى كوأللا. ومثله سبهلل. فاعرفه.
ومثل طومار عندنا ديماس (9) فيمن قال: دياميس، وديباج فيمن قال:
ديابيج هو ملحق بقرطاس (كما أن طومارا ملحق بفسطاط). وساغ أن تكون الواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها للإلحاق من حيث كانتا لا تجاوران الطّرف بحيث يتمكّن المدّ. وذلك أنك لو بنيت مثل طومار أو ديماس من سألت لقلت: سوآل وسيئال فإن خففت حركت كل واحد من الحرفين بحركة الهمزة التى بعده، فقلت: سوال وسيال، ولم تقلب الهمزة وتدّغم فيها الحرف كمقرؤ والنسىّ لأن الحرفين تقدّما عن الموضع الذى يقوى فيه حكم المدّ وهو جواره الطرف. وقد تقدّم ذلك.
فتأمل هذه المواضع التى أريتكها (فإن أحدا من أصحابنا لم يذكر شيئا منها).
__________
(1) إزمول: هو المصوّت من الوعول وغيرها.
(2) إسحوف: هى الناقة الكثيرة اللبن.
(3) إدرون: هو معلف الدابة.
(4) دواسر: هو الشديد الضخم.
(5) عذافر: هو الأسد، والعظيم الشديد من الإبل.
(6) عياهم: هو الماضى السريع من الإبل.
(7) كوألل: هو القصير.
(8) بهمرجل: هو الخفيف العجل.
(9) ديماس: من معانيه الحمّام.(2/240)
باب فى أضعف المعتلين
وهو اللام لأنها أضعف من العين. يدلّ على ذلك قولهم فى تكسير فاعل مما اعتلّت لامه: إنه يأتى على فعلة نحو قاض وقضاة، وغاز وغزاة، وساع وسعاة.
فجاء ذلك مخالفا للصحيح الذى يأتى على فعلة نحو كافر وكفرة، وبارّ وبررة.
هذا ما دام المعتل من فاعل لامه. فإن كان معتلّه العين فإنه يأتى مأتى الصحيح على فعلة. وذلك نحو حائك وحوكة، وخائن وخونة وخانة، وبائع وباعة، وسائد وسادة. أفلا ترى كيف اعتدّ اعتلال اللام، فجاء مخالفا للصحيح، ولم يحفلوا باعتلال العين لأنها لقوّتها بالتقدّم لحقت بالصحيح.
وجاء عنهم سرىّ وسراة مخالفا. وحكى النضر سراة. فسراة فى تكسير سرىّ عليه بمنزلة شعراء من شاعر. وذلك أنهم كما كسّروا فاعلا على فعلاء، وإنما فعلاء لباب فعيل كظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، كذلك كسّروا أيضا فعيلا على فعلة وإنما هى لفاعل.
فإن قلت: فقد قالوا: فيعل مما عينه معتلة نحو سيد وميّت فبنوه على فيعل، فجاء مخالفا للصحيح الذى إنما بابه فيعل نحو صيرف وخيفق (1)، وإنما اعتلاله من قبل عينه، وجاءت أيضا الفيعولة فى مصادر ما اعتلّت عينه نحو الكينونة والقيدودة، فقد أجروا العين فى الاعتلال أيضا مجرى اللام فى أن خصّوها بالبناء الذى لا يوجد فى الصحيح.
قيل: على كل حال اعتلال اللام أقعد فى معناه من اعتلال العين ألا ترى أنه قد جاء فيما عينه معتلة فيعل مفتوحة العين فى قوله:
* ما بال عينى كالشّعيب العيّن (2) *
__________
(1) يقال: ناقة خيفق: سريعة جدا.
(2) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 160، ولسان العرب (جون)، (عين)، وأدب الكاتب ص 598، وشرح أبيات سيبويه 2/ 426، وشرح شواهد الشافية ص 61، وجمهرة اللغة ص 956، وأساس البلاغة (رقن)، وتهذيب اللغة 9/ 95، وتاج العروس (جون)، وبلا نسبة فى لسان(2/241)
وقالوا أيضا: هيّبان (1) وتيّحان (2) بفتح عينيهما، ولم يأت فى باب ما اعتلّت لامه فاعل مكسّرا على فعلة. (فالاعتلال المعتدّ) إذا إنما هو للام، ثم حملت العين عليها فيما ذكرت لك.
ويؤكّد عندك قوّة العين على اللام أنهما إذا كانتا حرفى علة صحّت العين واعتلّت اللام (وذلك) نحو نواة وحياة، والجوى والطوى. ومثله الضواة (3)
والحواة (4). فأما آية وغاية وبابهما فشاذّ. وكأن فيه ضربا من التعويض لكثرة اعتلال اللام مع صحّة العين إذا كانت أحد الحرفين.
ويدلّك على ضعف اللام عندهم أنهم إذا كسّروا كلمة على فعائل وقد كانت الياء ظاهرة فى واحدها لاما فإنهم مما يظهرون فى الجمع ياء. وذلك نحو مطيّة ومطايا وسبيّة وسبايا و (سويّة وسوايا) فهذه اللام. وكذلك إن ظهرت الياء فى الواحد زائدة فإنهم أيضا مما يظهرونها فى الجمع. وذلك نحو خطيئة وخطايا، ورزيّة ورزايا أفلا ترى إلى مشابهة اللام للزائد. (وكذلك أيضا لو كسّرت نحو عظاية وصلاية لقلت: عظايا وصلايا). وأيضا فإنك تحذفها كما تحذف الحركة.
وذلك فى نحو لم يدع ولم يرم ولم يخش. فهذا كقولك: لم يضرب، (ولم يقعد) وإن تقعد أقعد. ومنها أيضا حذفهم إياها وهى صحيحة للترخيم فى نحو يا حار ويا مال. فهذا نحو حذفهم الحركات الزوائد فى كثير من المواضع. ولو لم يكن من ضعف اللام إلا اختلاف أحوالها باختلاف الحركات عليها، نعم، وكونها
__________
العرب (رقم)، (رقن)، (عين)، والإنصاف 2/ 801، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 150، 2/ 176، والكتاب 4/ 366، والمنصف 2/ 16، وجمهرة اللغة ص 343، 793، وكتاب العين 5/ 143، ومقاييس اللغة 3/ 192، 4/ 201، ومجمل اللغة 3/ 431، المخصّص 13/ 5، وتهذيب اللغة 9/ 143، وتاج العروس (عين). وبعده:
* وبعض أعراض الشجون الشّجّن *
الشعيب: القربة الصغيرة. والعيّن: البالية.
(1) هيّبان: الجبان.
(2) تيّحان: هو الكثير الحركة الذى يتعرض للشاق من الأمور.
(3) الضواة: هى الورم الصلب.
(4) الحواة: هى الصوت.(2/242)
فى الوقف على حال يخالف حالها فى الوصل نحو مررت بزيد يا فتى ومررت بزيد، وهذه قائمة يا فتى، وهذه قائمه لكان كافيا أو لا ترى إلى كثرة حذف اللام نحو يد ودم وغد وأب وأخ، وذلك الباب، وقلّة حذف العين فى سه ومد. فبهذا ونحوه يعلم أن حرف العلة فى نحو قام وباع أقوى منه فى باب غزوت ورميت. فاعرفه.
* * *
باب فى الغرض فى (مسائل) التصريف(2/243)
* * *
باب فى الغرض فى (مسائل) التصريف
وذلك عندنا على ضربين: أحدهما الإدخال (لما تبنيه) فى كلام العرب والإلحاق له به. والآخر التماسك الرياضة به والتدرّب بالصنعة فيه.
الأوّل نحو قولك فى مثل جعفر من ضرب: ضربب، ومثل حبرج (1):
ضربب، ومثل صفرد (2): ضربب، ومثل سبطر: ضربّ، ومثل فرزدق من جعفر:
جعفرر. فهذا عندنا كله إذا بنيت شيئا منه فقد ألحقته بكلام العرب، وادّعيت بذلك أنه منه. وقد تقدم ذكر ما هذه سبيله فيما مضى.
الثانى. وهو نحو ذلك قولك فى مثل فيعول من شويت: شيوىّ، وفى فعلول منه:
شووىّ، وفى مثل عضرفوط من الآءة: أو أيوء، ومنها مثل صفرّق: أوؤيؤ، ومن يوم مثل مرمريس: يويويم، ومثل ألندد أينوم، ومثل قولك فى نحو افعوعلت من وأيت: ايأوأيت.
فهذا ونحوه إنما الغرض فيه التأنّس به وإعمال الفكرة فيه لاقتناء النفس القوّة على ما يرد مما فيه نحو ممّا فيه. ويدلّك على ذلك أنهم قالوا فى مثال إوّزة من أويت: إيّاة والأصل فيه على الصنعة إيوية، فأعلت فيه الفاء والعين واللام جميعا. وهذا مما لم يأت عن العرب مثله. نعم، وهم لا يوالون بين إعلالين إلا لمحا شاذّا، ومحفوظا نادرا، فكيف بأن يجمعوا بين ثلاثة إعلالات! هذا مما لا (ريب فيه) ولا تخالج شك فى شىء منه.
* * * __________
(1) حبرج: من طيور الماء.
(2) صفرد: هو طائر يقال له أبو المليح.(2/244)
باب فى اللفظ يرد محتملا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه أيجازان جميعا فيه أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟
اعلم أن المذهب فى هذا ونحوه أن يعتقد الأقوى منهما مذهبا. ولا يمتنع (مع ذلك) أن يكون الآخر مرادا وقولا. من ذلك قوله:
* كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا (1) *
فالقول أن يكون (ناهيا) اسم الفاعل من نهيت كساع من سعيت وسار من سريت. وقد يجوز مع هذا أن يكون (ناهيا) هنا مصدرا كالفالج والباطل والعائر والباغز ونحو ذلك ممّا جاء فيه المصدر على فاعل، حتى كأنه قال: كفى الشيب والإسلام للمرء نهيا وردعا أى ذا نهى، فحذف المضاف وعلّقت اللام بما يدلّ عليه الكلام. ولا تكون على هذا معلقة بنفس الناهى لأن المصدر لا يتقدم شىء من صلته عليه. فهذا وإن كان عسفا فإنه جائز للعرب لأن العرب قد حملت عليه فيما لا يشكّ فيه، فإذا أنت أجزته هنا فلم تجز إلا جائزا مثله، ولم تأت إلا ما أتوا بنحوه.
وكذلك قوله:
* من يفعل الخير لا يعدم جوازيه (2) *
__________
(1) عجز بيت من الطويل، وهو لسحيم عبد بنى الحسحسا فى الإنصاف 1/ 168، وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103، وسرّ صناعة الإعراب 1/ 141، وشرح التصريح 2/ 88، وشرح شواهد المغنى 1/ 325، والكتاب 2/ 26، 4/ 225، ولسان العرب (كفى)، ومغنى اللبيب 1/ 106، والمقاصد النحويّة 3/ 665، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 144، وأوضح المسالك 3/ 253، وشرح الأشمونى 2/ 364، وشرح عمدة الحافظ ص 425، وشرح قطر الندى ص 323، وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب (نهى). وصدره:
* عميرة ودّع إن تجهّزت غاديا *
(2) صدر البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 109، وشرح الأشمونى 3/ 587، وتاج(2/245)
فظاهر هذا أن يكون (جوازيه) جمع جاز أى لا يعدم شاكرا عليه، ويجوز أن يكون جمع جزاء أى لا يعدم جزاء عليه. وجاز أن يجمع جزاء على جواز لمشابهة المصدر اسم الفاعل فكما جمع سيل على سوائل نحو قوله:
* وكنت لقى تجرى عليك السوائل (1) *
(أى السيول) كذلك يجوز أن يكون (جوازيه) جمع جزاء. ومثله قوله:
* وتترك أموال عليها الخواتم (2) *
يجوز أن يكون جمع خاتم أى آثار الخواتم، ويجوز أن يكون جمع ختم على ما مضى. ومن ذلك قوله:
ومن الرجال أسنّة مذروبة ... ومزنّدون شهودهم كالغائب (3)
يجوز أن يكون (شهودهم) جمع شاهد، وأراد: كالغيّاب، فوضع الواحد موضع الجمع على قوله:
* على رءوس كرءوس الطائر *
(يريد الطير) ويجوز أن يكون (شهودهم) مصدرا فيكون الغائب هنا مصدرا أيضا، كأنه قال: شهودهم كالغيبة أو المغيب، ويجوز أيضا أن يكون على حذف المضاف، أى شهودهم كغيبة الغائب.
__________
العروس (الفاء). ويروى:
* من يفعل الحسنات الله يشكرها *
وعجزه:
* لا يذهب العرف عند الله والناس *
(1) عجز بيت من الطويل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 233، ولسان العرب (سيل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (لقا)، وجمهرة ص 1083، وتاج العروس (لقى). وصدره:
* فليتك حال البحر دونك كلّه *
(2) عجز بيت من الطويل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 129، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 581، 2/ 666، 769، وشرح المفصل 10/ 29. وصدره:
* يقلن حرام ما أحلّ بربّنا *
(3) المذروبة: المحدّدة. والمزندون: البخلاء.(2/246)
ومن ذلك قوله:
إلا يكن مال يثاب فإنه ... سيأتى ثنائى زيدا بن مهلهل (1)
فالوجه أن يكون (ابن مهلهل) بدلا من زيد لا وصفا له لأنه لو كان وصفا لحذف تنوينه، فقيل: زيد بن مهلهل. ويجوز أيضا أن يكون وصفا أخرج على أصله ككثير من الأشياء تخرج على أصولها تنبيها على أوائل أحوالها كقول الله سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطََانُ} [المجادلة: 19] (ونحوه).
ومثله قول الآخر:
* جارية من قيس بن ثعلبه (2) *
القول فى البيتين سواء.
والقول فى هذا واضح ألا ترى أن العالم الواحد قد يجيب فى الشىء الواحد أجوبة وإن كان بعضها أقوى من بعض، ولا تمنعه قوّة القوىّ من إجازة الوجه الآخر، إذ كان من مذاهبهم وعلى سمت كلامهم، كرجل له عدّة أولاد، فكلهم ولد له ولا حق به، وإن تفاوتت أحوالهم فى نفسه. فإذا رأيت العالم قد أفتى فى شىء من ذلك بأحد الأجوبة الجائزة فيه فلأنه وضع يده على أظهرها عنده، فأفتى به وإن كان مجيزا للآخر وقائلا به ألا ترى إلى قول سيبويه فى قولهم: له مائة بيضا: إنه حال من النكرة وإن كان جائزا أن يكون (بيضا) حالا من الضمير المعرفة المرفوع فى (له). وعلى ذلك حمل قوله:
* لعزّة موحشا طلل (3) *
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 172، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 531، وشرح المفصل 2/ 6.
(2) الرجز للأغلب العجلىّ فى ديوانه ص 148، ولسان العرب (ثعلب)، (حلا)، وأساس البلاغة ص 372، (قعب)، وخزانة الأدب 2/ 236، والدرر 3/ 36، وشرح أبيات سيبويه 2/ 312، وشرح المفصل 2/ 6، والكتاب 3/ 506، وتاج العروس (قبب)، (قعب)، (خلل)، (حلى)، وبلا نسبة فى لسان العرب (قبب)، والمخصص 12/ 22، وسر صناعة الإعراب 2/ 530، وشرح التصريح 2/ 170، وهمع الهوامع 1/ 176، وتاج العروس (الياء). وبعده:
* كريمة أخولها والعصبه *
(3) جزء من بيت وهو من الوافر، لكثير عزة فى ملحق ديوانه ص 536، وشرح التصريح(2/247)
فقال فيه: إنه حال من النكرة، ولم يحمله على الضمير فى الظرف. أفيحسن بأحد (أن يدّعى على أحد) متوسّطينا أن يخفى هذا الموضع عليه، فضلا عن المشهود له بالفضل: سيبويه.
نعم، وربما أفتى بالوجه الأضعف عنده لأنه على الحالات وجه صحيح. وقد فعلت العرب ذلك عينه ألا ترى إلى قول عمارة لأبى العباس وقد سأله عما أراد بقراءته: {وَلَا اللَّيْلُ سََابِقُ النَّهََارِ} [يس: 40] فقال له: ما أردت؟ فقال أردت:
سابق النهار فقال له أبو العباس: فهلا قلته؟ فقال لو قلته لكان أوزن أى أقوى.
وهذا واضح. فاعرف ذلك ونحوه مذهبا يقتاس به ويفزع إليه.
__________
1/ 375، وشرح المفصل 2/ 62، 64، وله أو لذى الرمة فى خزانة الأدب 3/ 209، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 300. وتتمته:
لعزة موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم(2/248)
باب فيما يحكم به القياس مما لا يسوغ به النطق
وجماع ذلك التقاء الساكنين المعتلين فى الحشو. وذلك كمفعول مما عينه حرف علة نحو مقول ومبيع ألا ترى أنك لما نقلت حركة العين من مقوول ومبيوع إلى الفاء، فصارت فى التقدير إلى مقوول ومبيوع تصوّرت حالا لا يمكنك النطق بها، فاضطررت حينئذ إلى حذف أحد الحرفين على اختلاف المذهبين. وعلى ذلك قال أبو إسحاق لإنسان ادّعى له أنه يجمع فى كلامه بين ألفين وطوّل الرجل (الصوت بالألف) فقال له أبو إسحاق: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلا ألفا واحدة.
وكذلك فاعل مما (اعتلّت عينه) نحو قائم وبائع ألا تراك لمّا جمعت بين العين وألف فاعل ولم تجد إلى النطق بهما على ذلك سبيلا حركت العين فانقلبت همزة. ومنهم من يحذف فيقول:
* شاك السلاح بطل مجرّب (1) *
ويقول أيضا:
* لاث به الأشاء والعبرىّ (2) *
وعلى ذلك أجازوا فى يوم راح ورجل خاف أن يكون فعلا، وأن يكون فاعلا محذوف العين لالتقاء الساكنين. فإن اختلف الحرفان المعتلان جاز تكلف جمعهما حشوا نحو قاوت وقايت وقويت وقيوت. فإن تأخرت الألف فى نحو هذا لم يمكن النطق بها كأن تتكلف النطق بقوات أو بقيات. وسبب امتناع ذلك لفظا أن الألف لا سبيل إلى أن يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وليست كذلك الياء والواو.
فأنت إذا تكّلفت نحو قاوت وقايت فكأنك إنما مطلت الفتحة، فجاءت الواو والياء كأنهما بعد فتحتين، وذلك جائز، نحو ثوب وبيت ولو رمت مثل ذلك فى نحو
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.(2/249)
قيات أو قوات لم تخل من أحد أمرين، كل واحد منهما غير جائز: أحدهما أن تثبت حكم الياء والواو حرفين ساكنين فتجىء الألف بعد الساكن، وهذا ممتنع غير جائز. والآخر أن تسقط حكمهما لسكونهما وضعفهما، فتكون الألف كأنها تالية للكسرة والضمة، وهذا خطأ بل محال.
فإن قلت: فهّلا جاز على هذا أن تجمع بين الألفين وتكون الثانية كأنها إنما هى تابعة للفتحة (قبل الأولى لأن الفتحة) ممّا تأتى قبل الألف لا محالة، وأنت الآن آنفا تحكى عن أبى إسحاق أنه قال: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلا ألفا واحدة؟
قيل: وجه امتناع ذلك أنك لو تكلّفت ما هذه حاله للزمك للجمع بين الساكنين اللذين هما الألفان اللتان نحن فى حديثهما أن تمطل الصوت بالأولى تطاولا به إلى اللفظ بالثانية، ولو تجشّمت ذلك لتناهيت فى مدّ الأولى، فإذا صارت إلى ذلك تمّت ووفت فوقفت بك بين أمرين، كلاهما ناقض عليك ما أعلقت به يديك:
أحدهما: أنها لمّا طالت وتمادت ذهب ضعفها وفقد خفاؤها فلحقت لذلك بالحروف الصحاح، وبعدت عن شبه الفتحة الصغيرة القصيرة الذى رمته.
والآخر: أنها تزيد صوتا على ما كانت عليه، وقد كانت قبل أن تشبع مطلها أكثر من الفتحة قبلها أفتشبّها بها من بعد أن صارت للمدّ أضعافها. هذا جور فى القسمة، وإفحاش فى الصنعة، واعتداء على محتمل الطبيعة (والمنّة) (1). ولذلك لم يأت عنهم شىء من مقول ومبيع على الجمع بين ساكنيهما وهما مقوول ومبيوع لأنك إنما تعتقد أن الساكن الأوّل منهما كالحركة ما لم تتناه فى مطله وإطالته (وأمّا) والجمع بينهما ساكنين حشوا يقتادك إلى تمكين الحرف الأوّل وتوقيته حقه ليؤديك إلى الثانى والنطق به فلا يجوز حينئذ وقد أشبعت الحرف وتماديت فيه أن تشبهه بالحركة لأن فى ذلك إضعافا له بعد أن حكمت بطوله وقوّته ألا ترى أنك (إنما) شبّهت باب عصىّ بباب أدل وأحق لما خفيت (واو فعول) بادّغامها، فحينئذ جاز أن تشبهها بضمة أفعل. فأمّا وهى على غاية جملة البيان والتمام فلا. وإذا لم يجز هذا التكلف فى الواو والياء وهما أحمل له، كان مثله فى الألف للطفها وقلة احتمالها ما تحتمله الياء والواو أحرى وأحجى.
__________
(1) المنة: القوّة.(2/250)
وكذلك الحرفان الصحيحان يقعان حشوا، وذلك غير جائز نحو فصبل ومرطل هذا خطأ، بل ممتنع.
فإن كان الساكنان المحشوّ بهما الأوّل منهما حرف معتل والثانى حرف صحيح تحامل النطق بهما. وذلك (نحو قالب، وقولب، وقيلب). إلا أنه وإن كان سائغا ممكنا فإن العرب قد عدته وتخطته عزوفا عنه وتحاميا لتجشّم الكلفة فيه ألا ترى أنهم لما سكنت عين فعلت ولامه حذفوا العين ألبتة فقالوا: قلت وبعت وخفت، ولم يقولوا: قولت، ولا بيعت، ولا خيفت ولا نحو ذلك ممّا يوجبه القياس.
(وإذا) كانوا قد يتنكبون ما دون هذا فى الاستثقال نحو قول عمارة (ولا الليل سابق النهار) مع أن إثبات التنوين هنا ليس بالمستثقل استثقال قولت وبيعت وخيفت كان ترك هذا ألبتة واجبا.
فإن كان الثانى الصحيح مدّغما كان النطق به جائزا حسنا وذلك نحو شابّة ودابّة وتمودّ الثوب وقوصّ بما عليه. وذلك أن الادّغام أنبى اللسان عن المثلين نبوة واحدة، فصارا لذلك كالحرف الواحد.
فإن تقدّم الصحيح على المعتل لم يلتقيا حشوا ساكنين نحو ضروب وضريب.
وأمّا الألف فقد كفينا التعب بها إذ كان لا يكون ما قبلها أبدا ساكنا. وذلك أنّ الواو والياء إذا سكنتا قويتا شبها بالألف. وإنما جاز أن يجىء ما قبلهما من الحركة ليس منهما نحو بيت وحوض لأنهما على كل حال محرّك ما قبلهما وإنما النظر فى تلك الحركة ما هى أمنهما أم من غير جنسهما. فأمّا أن يسكن ما قبلهما وهما ساكنتان حشوا فلا كما أن سكون ما قبل الألف خطأ. فإن سكن ما قبلهما وهما ساكنان طرفا جاز نحو عدو، وظبى. وذلك أن آخر الكلمة أحمل لهذا النحو من حشوها ألا تراك تجمع فيه بين الساكنين وهما صحيحان نحو بكر وحجر وحلس. وذلك أن الطرف ليس سكونه بالواجب ألا تراه فى غالب الأمر محرّكا فى الوصل، وكثيرا ما يعرض له روم (1) الحركة فى الوقف. فلما كان الوقف مظنّة من السكون، وكان له من اعتقاب الحركات عليه فى الوصل ورومها فيه عند
__________
(1) الروم، فى اللغة، ومصدر رامه: طلبه وفى الاصطلاح: إخفاء الصوت بالحركة عند النطق وذلك بتلفظ الحركات مختلسة اختلاسا بحيث يدركه القريب دون البعيد.(2/251)
الوقف ما قدّمناه، تحامل الطبع به، وتساند إلى تلك التعلّة فيه.
نعم، وقد تجد فى بعض الكلام التقاء الساكنين الصحيحين فى الوقف وقبل الأوّل منهما حرف مدّ وذلك فى لغة العجم نحو قولهم: آرد (1)، وماست (2).
وذلك أنه فى لغتهم مشبه بدابّة وشابة فى لغتنا.
وعلى ما نحن عليه فلو أردت تمثيل أهرقت على لفظه لجاز، فقلت: أهفلت.
فإن أردت تمثيله على أصله لم يجز من قبل أنك تحتاج إلى أن تسكّن فاء أفعلت، وتوقع قبلها هاء أهرقت وهى ساكنة، فيلزمك على هذا أن تجمع حشوا بين ساكنين صحيحين. وهذا على ما قدمناه وشرحناه فاسد غير مستقيم.
فاعرف مما ذكرناه حال الساكنين حشوا فإنه موضع مغفول عنه وإنما (يسفر ويضح) مع الاستقراء له، والفحص عن حديثه.
ومن ذلك أنك لما حذفت حرف المضارعة من يضرب ونحوه وقعت الفاء ساكنة مبتدأة. وهذا ما لا سبيل إلى النطق به، فاحتجت إلى همزة الوصل تسببا إلى النطق به.
* * * __________
(1) آرد: كلمة فارسية معناها الدقيق.
(2) ماست: هو اللبن.(2/252)
باب فى حفظ المراتب
هذا موضع يتسمّح الناس فيه، فيخلّون ببعض رتبه تجاوزا لها وربما كان سهوا عنها. وإذا تنبهت على ذلك من كلامنا هذا قويت به على ألا تضيع مرتبة يوجبها القياس بإذن الله.
فمن ذلك قولهم فى خطايا: إن أصله كان خطائئ، ثم التقت الهمزتان غير عينين فأبدلت الثانية على حركة الأولى، فصارت ياء: خطائى، ثم أبدلت الياء ألفا لأن الهمزة عرضت فى الجمع واللام معتلة، فصارت خطاءا، فأبدلت الهمزة على ما كان فى الواحد وهو الياء، فصارت خطايا. فتلك أربع مراتب: خطائئ، ثم خطائى، ثم خطاءا، ثم خطايا. وهو لعمرى كما ذكروا إلا أنهم قد أخلّوا من الرتب بثنتين: أما إحداهما فإن أصل هذه الكلمة قبل أن تبدل ياؤها همزة خطايئ بوزن خطايع، ثم أبدلت الياء همزة فصارت: خطائئ بوزن خطاعع.
والثانية أنك لمّا صرت إلى خطائى فآثرت إبدال الياء ألفا لاعتراض الهمزة فى الجمع مع اعتلال اللام لاطفت الصنعة، فبدأت بإبدال الكسرة فتحة لتنقلب الياء ألفا، فصرت من خطائى إلى خطاءى بوزن خطاعى، ثم أبدلتها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، على حدّ ما تقول فى إبدال لام رحى وعصا، فصارت خطاءا بوزن خطاعى، ثم أبدلت الهمزة ياء على ما مضى، فصارت خطايا. فالمراتب إذا ست لا أربع. وهى خطايئ، ثم خطائئ ثم خطائىّ، ثم خطائئ، ثم خطاءى، ثم خطاءا، ثم خطايا. فإذا أنت حفظت هذه المراتب ولم تضع موضعا منها قويت دربتك بأمثالها، وتصرفت بك الصنعة فيما هو جار مجراها.
ومن ذلك قولهم: إوزّة. أصل وضعها إوززة. فهناك الآن عملان:
أحدهما قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها ساكنة والآخر وجوب الادّغام. فإن قدّرت أنّ الصنعة وقعت فى الأوّل من العملين فلا محالة أنك أبدلت من الواو ياء، فصارت بززة، ثم أخذت فى حديث الادّغام فأسكنت الزاى الأولى ونقلت فتحتها إلى الياء قبلها، فلما تحركت قويت بالحركة فرجعت إلى أصلها وهو الواو
ثم ادّغمت الزاى الأولى فى الثانية فصارت: إوزّة كما ترى. فقد عرفت الآن على هذا أن الواو فى إوزة إنما هى بدل عن الياء التى فى إيززة، وتلك الياء المقدّرة بدل من واو (إوززة) التى هى واو وزّ.(2/253)
أحدهما قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها ساكنة والآخر وجوب الادّغام. فإن قدّرت أنّ الصنعة وقعت فى الأوّل من العملين فلا محالة أنك أبدلت من الواو ياء، فصارت بززة، ثم أخذت فى حديث الادّغام فأسكنت الزاى الأولى ونقلت فتحتها إلى الياء قبلها، فلما تحركت قويت بالحركة فرجعت إلى أصلها وهو الواو
ثم ادّغمت الزاى الأولى فى الثانية فصارت: إوزّة كما ترى. فقد عرفت الآن على هذا أن الواو فى إوزة إنما هى بدل عن الياء التى فى إيززة، وتلك الياء المقدّرة بدل من واو (إوززة) التى هى واو وزّ.
وإن أنت قدّرت أنك لمّا بدأتها فأصرتها إلى إوززة أخذت فى التغيير من آخر الحرف، فنقلت الحركة من العين إلى الفاء فصارت إوزّة، فإن الواو فيها على هذا التقدير هى الواو الأصلية لم تبدل ياء فيما قبل ثم أعيدت إلى الواو كما قدّرت ذلك فى الوجه الأوّل. وكان أبو على رحمه الله يذهب إلى أنها لم تصر إلى إيززة. قال: لأنها لو كانت كذلك لكنت إذا ألقيت الحركة على الياء بقيت بحالها ياء، فكنت تقول: إيزّة. فأدرته عن ذلك وراجعته فيه مرارا فأقام عليه. واحتجّ بأن الحركة منقولة إليها، فلم تقو بها. وهذا ضعيف جدّا ألا ترى أنك لمّا حرّكت عين طىّ، فقويت رجعت واوا فى طووىّ، وإن كانت الحركة أضعف من تلك لأنها مجتلبة زائدة وليست منقولة من موضع قد كانت فيه قويّة معتدّة.
ومن ذلك بناؤك مثل فعلول من طويت. فهذا لابدّ أن يكون أصله: طويوى.
فإن بدأت بالتغيير من الأوّل فإنك أبدلت الواو الأولى ياء لوقوع الياء بعدها، فصار التقدير إلى طييوى، ثم ادّغمت الياء فى الياء فصارت طيّوى (ثم أبدلت من الضمة كسرة فصارت طيّوى) ثم أبدلت من الواو ياء فصارت إلى طيّيى، ثم أبدلت من الضمة قبل واو فعلول كسرة فصارت طيّيى، ثم ادّغمت الياء المبدلة من واو فعلول فى لامه فصارت طيّىّ. فلمّا اجتمعت أربع ياءات ثقلت، فأردت التغيير لتختلف الحروف، فحرّكت الياء الأولى بالفتح لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب الألف واوا، فصار بك التقدير إلى طيىّ، فلمّا تحرّكت الياء التى هى بدل من واو طويوى الأولى قويت فرجعت بقوّتها إلى الواو فصار التقدير: طويىّ، فانقلبت الياء الأولى التى هى لام فعلول الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت طواىّ، ثم قلبتها واوا لحاجتك إلى حركتها كما أنك لما احتجت إلى حركة اللام فى الإضافة إلى رحى قلبتها واوا فقلت: طووىّ كما تقول فى الإضافة إلى هوى علما: هووىّ. فلابدّ أن تستقرئ هذه المراتب شيئا فشيئا، ولا تسامحك الصنعة بإضاعة شىء منها.(2/254)
وإن قدّرت أنك بدأت بالتغيير من آخر المثال فإنك لمّا بدأته على طويوى أبدلت واو فعلول ياء فصار إلى طوييى ثم ادّغمت فصار إلى طويىّ (وأبدلت من ضمة العين (1) كسرة فصار التقدير طويىّ) ثم أبدلت من الواو ياء فصار طيىّ ثم ادّغمت الياء الأولى فى الثانية فصار طيّىّ ثم عملت فيما بعد من تحريك الأولى بالفتح وقلب الثانية ألفا ثم قلبها واوا ما كنت عملته فى الوجه الأوّل. ومن شبّه ذلك بلىّ جمع قرن ألوى (2) فإنه يقول: طيّىّ وشيّى. ومن قال: لىّ فضمّ فإنه يقول:
طيّىّ وشيىّ فيهما من طويت وشويت.
فاعرف بهذا حفظ المراتب فيما يرد عليك من غيره، ولا تضع رتبة ألبتّة فإنه أحوط عليك وأبهر فى الصناعة بك بحول الله.
* * * __________
(1) قوله (ضمة العين) سهو، والصواب: ضمة اللام أولى. (نجار).
(2) قرن ألوى: معوج.(2/255)
باب فى التغييرين يعترضان فى المثال الواحد بأيهما يبدأ؟
اعلم أن القياس يسوّغك أن تبدأ بأىّ العملين شئت: إن شئت بالأوّل، وإن شئت بالآخر.
أمّا وجه علّة الأخذ فى الابتداء بالأوّل فلأنك إنما تغيّر لتنطق بما تصيّرك الصنعة إليه، (وإنما) تبتدئ فى النطق بالحرف من أوّله لا من آخره. فعلى هذا ينبغى أن يكون التغيير من أوّله لا من آخره لتجتاز بالحروف وقد رتّبت على ما يوجبه العمل فيها، وما تصير بك الصنعة عليه إليها، إلى أن تنتهى كذلك إلى آخرها فتعمل ما تعمله، ليرد اللفظ بك مفروغا منه.
وأمّا وجه علّة وجوب الابتداء بالتغيير من الآخر فمن قبل أنك إذا أردت التغيير فينبغى أن تبدأ به من أقبل المواضع له. وذلك الموضع آخر الكلمة لا أوّلها لأنه أضعف الجهتين.
مثال ذلك قوله فى مثال إوزّة من أويت: إيّاة. وأصلها إئوية. فإبدال الهمزة التى هى فاء واجب، وإبدال الياء التى هى اللام واجب أيضا. فإن بدأت بالعمل من الأوّل صرت إلى إيوية ثم إلى إييية ثم إلى إيّاة. وإن بدأت بالعمل من آخر المثال صرت أوّل إلى إثواة، ثم إلى إيواه ثم إلى إيّاة. ففرّقت العمل فى هذا الوجه، ولم تواله كما واليته فى الوجه الأوّل لأنك لم تجد طريقا إلى قلب الواو ياء إلا بعد أن صارت الهمزة قبلها ياء. فلما صارت إلى إيواة أبدلتها ياء، فصارت إيّاة كما ترى.
ومن ذلك قوله فى مثال جعفر من الواو: أوّى. وأصلها ووّو. وههنا عملان واجبان.
أحدهما إبدال الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين فى أوّل الكلمة. والآخر إبدال الواو الآخرة ياء لوقوعها رابعة وطرفا ثم إبدال الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.(2/256)
فإن بدأت العمل من أوّل المثال صرت إلى أوّو، ثم إلى أوّى، ثم إلى أوّى، وإن قدّرت ابتداءك العمل من آخره فإنك تتصور أنه كان ووّو، ثم صار إلى ووّى ثم إلى ووّى، ثم إلى أوّى. هكذا موجب القياس على ما قدّمناه.
وتقول على هذا إذا أردت مثال فعل من وأيت: وؤى. (فإن خففت الهمزة فالقياس أن تقرّ المثال على صحّة أوله وآخره، فتقول: ووى) فلا تبدل الواو الأولى همزة لأن الثانية ليست بلازمة فلا تعتدّ إنما هى همزة وؤى، خففت فأبدلت فى اللفظ واوا، وجرت مجرى واو رويا تخفيف رؤيا. ولو اعتددتها واوا ألبتّة لوجب أن تبدلها للياء التى بعدها. فتقول: وىّ أو أىّ على ما نذكره بعد.
وقول الخليل فى تخفيف هذا المثال: أوى طريف وصعب ومتعب. وذلك أنه قدّر الكلمة تقديرين ضدّين لأنه اعتقد صحّة الواو المبدلة من الهمزة، حتى (قلب لها) الفاء فقال: أوى. فهذا وجه اعتداده إياها. ثم إنه مع ذلك لم يعتددها ثابتة صحيحة ألا تراه لم يقلبها ياء للياء بعدها. فلذلك قلنا: إن فى مذهبه هذا ضربا من التناقض. وأقرب ما يجب أن نصرفه إليه أن نقول: قد فعلت العرب مثله فى قولهم: مررت بزيد ونحوه. ألا تراها تقدّر الباء تارة كالجزء من الفعل، وأخرى كالجزء من الاسم. وقد ذكرنا هذا فيما مضى. يقول: فكذلك يجوز لى أنا أيضا أن أعتقد فى العين من ووى من وجه أنها فى تقدير الهمزة، وأصحّها ولا أعلّها للياء بعدها، ومن وجه آخر أنها فى حكم الواو لأنها بلفظها، فأقلب لها الفاء همزة. فلذلك قلت: أوى.
وكأنّ (أبا عمر) أخذ هذا الموضع من الخليل، فقال فى همزة نحو رأس وبأس إذا خفّفت فى موضع الردف جاز أن تكون ردفا. فيجوز عنده اجتماع راس وباس مع ناس. وأجاز أيضا أن يراعى ما فيها من نيّة الهمزة، فيجيز اجتماع راس مع فلس، وكأن أبا عمر إن كان أخذ هنا الموضع أعذر فيه من الخليل فى مسئلته تلك. وذلك أن أبا عمر لم يقض بجواز كون ألف راس ردفا وغير ردف فى قصيدة واحدة وإنما أجاز ذلك فى قصيدتين، إحداهما قوافيها نحو حلس وضرس، والأخرى قوافيها نحو ناس وقرطاس وقرناس. والخليل جمع فى لفظة واحدة أمرين متدافعين. وذلك أن صحّة الواو الثانية فى ووى مناف لهمزة الأولى
منهما. وليس له عندى إلا احتجاجه بقولهم: مررت بزيد ونحوه، وبقولهم: لا أبا لك. وقد ذكرنا ذلك فى باب التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين.(2/257)
وكأنّ (أبا عمر) أخذ هذا الموضع من الخليل، فقال فى همزة نحو رأس وبأس إذا خفّفت فى موضع الردف جاز أن تكون ردفا. فيجوز عنده اجتماع راس وباس مع ناس. وأجاز أيضا أن يراعى ما فيها من نيّة الهمزة، فيجيز اجتماع راس مع فلس، وكأن أبا عمر إن كان أخذ هنا الموضع أعذر فيه من الخليل فى مسئلته تلك. وذلك أن أبا عمر لم يقض بجواز كون ألف راس ردفا وغير ردف فى قصيدة واحدة وإنما أجاز ذلك فى قصيدتين، إحداهما قوافيها نحو حلس وضرس، والأخرى قوافيها نحو ناس وقرطاس وقرناس. والخليل جمع فى لفظة واحدة أمرين متدافعين. وذلك أن صحّة الواو الثانية فى ووى مناف لهمزة الأولى
منهما. وليس له عندى إلا احتجاجه بقولهم: مررت بزيد ونحوه، وبقولهم: لا أبا لك. وقد ذكرنا ذلك فى باب التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين.
ولندع هذا إلى أن نقول: لو وجد فى الكلام تركيب (ووى) فبنيت منه فعلا لصرت إلى ووى. فإن بدأت بالتغيير من الأوّل وجب أن تبدل الواو التى هى فاء همزة، فتصير حينئذ إلى أوى، ثم تبدل الواو العين ياء لوقوع اللام بعدها ياء، فتقول: أىّ.
فإن قلت: أتعيد الفاء واوا لزوال الواو من بعدها (فتقول: وىّ، أو تقرّها على قلبها السابق إليها فتقول: أىّ؟) فالقول عندى إقرار الهمزة بحالها، وأن تقول:
أىّ وذلك أنا رأيناهم إذا قلبوا العين وهى حرف علة همزة أجروا تلك الهمزة مجرى الأصلية. ولذلك قال فى تحقير قائم: قويئم، فأقرّ الهمزة وإن زالت ألف فاعل عنها. فإذا فعل هذا فى العين كانت الفاء أجدر به لأنها أقوى من العين.
فإن قلت: فقد قدّمت فى إوزّة أنها لمّا صارت فى التقدير إلى إيززة، ثم أدرت إليها حركة الزاى بعدها فتحركت بها، أعدتها إلى الواو فصارت إوزّة، فهلا أيضا أعدت همزة أىّ إلى الواو لزوال العلة التى كانت قلبتها همزة، أعنى واو أوى، قيل: انقلاب حرف العلة همزة فاء أو عينا ليس كانقلاب الياء واوا ولا الواو ياء، بل هو أقوى من انقلابهما إليهما ألا ترى إلى قولهم: ميزان، ثم لما زالت الكسرة عادت الواو فى موازين ومويزين. وكذلك عين ريح قلبت للكسرة ياء، (ثم لما) زالت الكسرة عادت واوا، فقيل: أرواح، ورويحة. وكذلك قولهم: موسر وموقن، لما زالت الضمة عادت الياء فقالوا: مياسر، ومياقن. فقد ترى أن انقلاب حرف اللين إلى مثله لا يستقرّ ولا يستعصم لأنه بعد القلب وقبله كأنه صاحبه، والهمزة حرف صحيح، وبعيد المخرج، فإذا قلب حرف اللين إليه أبعده عن جنسه، واجتذبه إلى حيزّه، فصار لذلك من واد آخر وقبيل غير القبيل الأوّل.
فلذلك أقرّ على ما صار إليه، وتمكنت قدمه فيما حمل عليه. فلهذا وجب عندنا أن يقال فيه: أىّ.
(وأما إن) أخذت العمل من آخر المثال فإنك تقدّره على ما مضى: ووى، ثم تبدل العين للام، فيصير: وىّ، فتقيم حينئذ عليه ولا تبغى بدلا به لأنك لم
تضطرّ إلى تركه لغيره.(2/258)
(وأما إن) أخذت العمل من آخر المثال فإنك تقدّره على ما مضى: ووى، ثم تبدل العين للام، فيصير: وىّ، فتقيم حينئذ عليه ولا تبغى بدلا به لأنك لم
تضطرّ إلى تركه لغيره.
وكذلك أيضا يكون هذان الجوابان إن اعتقدت فى عين وؤى أنك أبدلتها إبدالا ولم تخففها تخفيفا: القول فى الموضعين واحد. ولكن لو ارتجلت هذا المثال من وأيت على ما تقدم فصرت منه إلى وؤى، ثم همزت الواو التى هى الفاء همزا مختارا لا مضطرّا إليه، لكن على قولك فى وجوه: أجوه، وفى وقّتت: أقتت، لصرت إلى أؤى فوجب إبدال الثانية واوا خالصة فإذا خلصت كما ترى لما تعلم وجب إبدالها للياء بعدها، فقلت: أىّ لا غير. فهذا وجه آخر من العمل غير جميع ما تقدّم.
فإن قلت: فهلا استدللت بقولهم فى مثال فعولّ من القوّة: قيّوّ على أن التغيير إذا وجب فى الجهتين فينبغى أن يبدأ بالأوّل منهما، ألا ترى أن أصل هذا قوّوّ، فبدأ بتغيير الأوليين فقال: قيّوّ، ولم يغير الأخريين فيقول: قوّىّ؟
قيل: هذا اعتبار فاسد. وذلك أنه لو بدأ فغيّر من الآخر لما وجد بدّا من أن يغير الأوّل أيضا (لأنه لو أبدال الآخر فصار إلى قوّىّ للزمه أن يبدل الأوّل أيضا) فيقول: قيّىّ، فتجتمع له أربع ياءات، فيلزمه أن يحرّك الأولى لتنقلب الثانية ألفا، فتنقلب واوا، فتختلف الحروف، فتقول: قووىّ، فتصير من عمل إلى عمل، ومن صنعة إلى صنعة. وهو مكفىّ ذلك وغير محوج إليه. وإنما كان يجب عليه أيضا تغيير الأوليين لأنهما ليستا عينين فتصحّا كبنائك فعّلا من قلت: قوّل، وإنما هما عين وواو زائدة.
ولو قيل لك: ابن مثل خروع من قلت لما قلت إلا قيّل لأن واو فعول لا يجب أن يكون أبدا من لفظ العين ألا ترى إلى خروع وبروع اسم ناقة، فقد روى بكسر الفاء، وإلى جدول، فقد رويناه عن قطرب بكسر الجيم. وكل ذلك لفظ عينه مخالف لواوه، وليست كذلك العينان لأنهما لا يكونان أبدا إلا من لفظ واحد، فإحداهما تقوّى صاحبتها، وتنهض منّتها (1).
فإن قلت: فإذا كنت تفصل بين العينين، وبين العين والزائد بعدها، فكيف تبنى
__________
(1) المنة: القوة.(2/259)
مثل عليب (1) من البيع؟ فجوابه على قول النحويين سوى الخليل بيّع. ادغمت عين فعيل فى يائه، فجرى فى اللفظ مجرى فعّل من الياء نحو قوله:
* وإذا هم نزلوا فمأوى العيّل (2) *
وقوله:
كأنّ ريح المسك والقرنفل ... نباته بين التّلاع السّيّل (3)
فإن قلت: فهلّا فصلت فى فعيل بين العين والياء وبين العينين (كما فصلت فى فعول وفعّل بين العين والواو وبين العينين؟)
قيل: الفرق أنك لمّا أبدلت عين قوّل وأنت تريد به مثال فعول صرت إلى قيول، فقلبت أيضا الواو ياء، فصرت إلى قيّل. وأما فعيل من البيع فلو أبدلت عينه واوا للضمة قبلها، لصرت إلى بويع. فإذا صرت إلى هنا لزمك أن تعيد الواو ياء لوقوع الياء بعدها، فتقول: بيّع، ولم تجد طريقا إلى قلب الياء واوا لوقوع الواو قبلها كما وجدت السبيل إلى قلب الواو فى قيول ياء لوقوع الياء قبلها لأن الشرط فى اجتماع الياء والواو أن تقلب الواو للياء لا أن تقلب الياء للواو.
(وذلك) كسيّد وميّت وطويت طيّا وشويت شيّا. فلهذا قلنا فى فعيل من البيع:
بيّع، فجرى فى اللفظ مجرى فعّل منه، وقلنا فى فعول من القول: قيّل، فلم يجر مجرى فعّل منه.
وأمّا قياس قول الخليل فى فعيل من البيع فأن تقول: بويع ألا تراه يجرى الأصل فى نحو هذا مجرى الزائد، فيقول فى فعل من أفعلت من اليوم على من قال: أطولت: أووم، فتجرى ياء أيمّ الأولى وإن كانت فاء مجرى ياء فيعل من
__________
(1) عليب: موضع.
(2) عجز البيت من الكامل، وهو لأبى كبير الهذلى فى شرح أشعار الهذليين 3/ 1075، وبلا نسبة فى شرح لمفصل 10/ 31، ويروى (فإذا مكان من (وإذا) وصدره:
* تحمى الصرحاب إذا تكون كريهة *
والعيّل: جمع العائل، وهو الفقير.
(3) الرجز لأبى النجم فى سر صناعة الإعراب 2/ 586، وشرح المفصل 10/ 31، والطرائف الأدبية ص 71.(2/260)
القول إذا قلت: قيّل. فكما تقول الجماعة فى فعل من قيّل هذا قوول، وتجرى ياء فيعل مجرى ألف فاعل، كذلك قال الخليل فى فعل مما ذكرنا: أووم. فقياسه هنا أيضا أن يقول فى فعيل من البيع: بويع. بل إذا لم يدّغم الخليل الفاء فى العين وهى أختها (وتليّتها) (1) وهى مع ذلك من لفظها فى أووم، حتى أجراها مجرى قوله:
* وفاحم دووى حتى اعلنكسا (2) *
فألا يدّغم عين بويع فى يائه ولم يجتمعا فى كونهما أختين، ولا هما أيضا فى اللفظ الواحد شريكتان أجدر بالوجوب.
ولو بنيت مثل عوّارة من القول لقلت على مذهب الجماعة: قوّالة، بالادّغام، وعلى قول الخليل أيضا كذلك لأن العين لم تنقلب فتشبه عنده ألف فاعل. لكن يجىء على قياس قوله أن يقول فى فعول من القول: قيول لأن العين لمّا انقلبت أشبهت الزائد. يقول: فكما لا تدغم بويع فكذلك لا تدّغم قيول. اللهم إلا أن تفصل فتقول: راعيت فى بويع ما لا يدغم وهو ألف فاعل فلم أدغم، وقيول بضدّ ذلك لأن ياءه بدل من عين القول، وادّغامها فى قوّل وقوّل والتقوّل ونحو ذلك جائز حسن، فأنا أيضا أدغمها فأقول: قيّل. وهذا وجه حسن.
فهذا فصل اتصل بما كنا عليه. فاعرفه متصلا به بإذن الله.
* * * __________
(1) تليتها: تابعتها.
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 189، ولسان العرب (6/ 147) (علكس)، 14/ 280 (دوا)، وتهذيب اللغة 3/ 302، وتاج العروس (علكس)، (دوى)، وديوان الأدب 2/ 491، وكتاب العين 2/ 304، ويروى (بفاحم) مكان (وفاحم).
الفاحم: الشعر الأسود. دووى: عولج. اعلنكسا: اشتد سواده وكثر.(2/261)
باب فى العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف
اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف غوره وحقيقته. وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها، فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف اللفظان، فيخفّا على اللسان.
وذلك نحو الحيوان ألا ترى أنه عند الجماعة إلا أبا عثمان من مضاعف الياء، وأن أصله حييان، فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو. وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء، لكنه لمّا اختلف الحرفان ساغ ذلك. وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القويّة الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها ياء نحو دينار وقيراط وديماس (1) وديباج (فيمن قال: دماميس ودبابيج) كان اجتماع حرفى العلة مثلين أثقل عليهم.
نعم، وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين فى الحيوان فإبدالهم (الواو ياء) لذلك أولى بالجواز وأحرى. وذلك قولهم: ديوان، (واجليواذ) (2).
وليس لقائل أن يقول: فلما صار دوّان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى، هلا أبدلت الواو ياء لذلك لأن هذا ينقض الغرض ألا تراهم إنما كرهوا التضعيف فى دوّان، فأبدلوا ليختلف الحرفان، فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا: ديّان فيعودوا إلى نحو مما هربوا منه من التضعيف، وهم قد أبدلوا الحييان إل الحيوان ليختلف الحرفان، فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما فى ديوان لم يبق هناك مطلب. وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا: حيّة أنه علم، والأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام.
ومن ذلك قولهم فى الإضافة إلى آية وراية: آئىّ، ورائىّ. وأصلهما: آيىّ ورايىّ، إلا أن بعضهم كره ذلك، فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع
__________
(1) الدّيماس، الدّيماس: الحمّام.
(2) الإجلوّاذ: والإجليواذ: المضاء والسرعة فى السير، قال سيبويه: لا يستعمل إلا مزيدا.(2/262)
ثلاث ياءات. هذا مع إحاطتنا علما بأنّ الهمزة أثقل من الياء. وعلى ذلك أيضا قال بعضهم فيهما: راوىّ وآوىّ (فأبدلها) واوا، ومعلوم أيضا أن الواو أثقل من الياء.
وعلى نحو من هذا أجازوا فى فعاليل من رميت: رماوىّ ورمائىّ، فأبدلوا الياء من رمايىّ تارة واوا، وأخرى همزة وكلتاهما أثقل من الياء لتختلف الحروف.
وإذا كانوا قد هربوا من التضعيف إلى الحذف نحو ظلت ومست وأحست وظنت ذاك أى ظننت، كان الإبدال أحسن وأسوغ لأنه أقل فحشا من الحذف، وأقرب.
ومن الحذف لاجتماع الأمثال قولهم فى تحقير أحوى: أحىّ فحذفوا من الياءات الثلاث واحدة، وقد حذفوا أيضا من الثنتين فى نحو هيّن ولين وسيد وميت. وهذا واضح فاعرف، وقس.
(ومن ذلك قولهم عمبر أبدلوا النون ميما فى اللفظ وإن كانت الميم أثقل من النون، فخففت الكلمة، ولو قيل عنبر بتصحيح النون لكان أثقل).
* * *
باب فى إقلال الحفل بما يلطف من الحكم(2/263)
* * *
باب فى إقلال الحفل بما يلطف من الحكم
وهذا أمر تجده فى باب ما لا ينصرف كثيرا ألا ترى أنه إذا كان فى الاسم سبب واحد من المعانى الفرعية فإنه يقلّ عن الاعتداد به، فلا يمنع الصرف له، فإذا انضمّ إليه سبب آخر اعتونا فمنعا.
ونحو من ذلك جمعهم فى الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذى لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ. فقولك: قمت وزيد فى الاستقباح كقولك: قام وزيد، وإن لم يكن فى قام لفظ بالضمير. وكذلك أيضا سوّوا فى الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد، من حيث كانت تلك الزيادة التى لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعا متصلا يغيّر له الفعل. ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسّوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد، إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثّر فى الحكم ولا محدث أثرا فى اللفظ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدّة كحنين الطسّ (1)
وطنين البعوض وعفطة (2) العنز وبصبصة (3) الكلب.
ومن ذلك قولهم: مررت بحمار قاسم، ونزلت سفار (4) قبل. فكسرة الراء فى الموضعين عندهم إلى أثر (5) واحد. وإن كانت فى (حمار) عارضة، وفى (سفار) لازمة.
ومن ذلك قولهم: الذى ضربت زيد، واللذان ضربت الزيدان فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد، وإن كنت فى الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء فى ضربته (وأما) الواو بعدها فغير لازمة فى كل لغة، والوقف أيضا
__________
(1) الطسّ: لغة فى الطست.
(2) عفط يعفط: ضرط، وعفطة العنز: ضرطتها.
(3) بصبصة الكلب: تحريكه ذنبه.
(4) سفار: اسم ماء، مؤنثة معرفة مبنية على الكسر، وسفار مثل قطام: اسم بئر. اللسان (سفر).
(5) يريد بالأثر: تسويغ الإمالة مع حرف الاستعلاء بعد وهو القاف، ولولا الكسر ما ساغ ذلك.
(نجار).(2/264)
يحذفها، وفى التثنية قد حذفت ثلاثة أحرف ثابتة فى الوصل والوقف، وعند كل قوم وعلى كل لغة.
ومن ذلك جمعهم فى الردف بين عمود ويعود من غير تحاش ولا استكراه، وإن كانت واو عمود أقوى فى المدّ من واو يعود، من حيث كانت هذه متحركة فى كثير من المواضع نحو هو أعود منك، وعاودته، وتعاودنا، قال:
* وإن شئتم تعاودنا عوادا (1) *
وأصلها أيضا فى يعود يعود. فهو وإن كان كذلك فإن ذلك القدر بينهما مطّرح وملغى، غير محتسب. نعم وقد سانوا (2) وسامحوا فيما هو أعلى (من ذا) وأنأى أمدا. وذلك أنهم جمعوا بين الياء والواو ردفين نحو سعيد وعمود. هذا مع أن الخلاف خارج إلى اللفظ، فكيف بما تتصوره وهما ولا تمذل به لفظا.
ومن ذلك جمعهم بين باب وكتاب ردفين، وإن كانت ألف كتاب مدّا صريحا وهى فى باب أصل غير زائدة ومنقلبة عن العين المتحركة فى كثير من الأماكن نحو بويب وأبواب ومبوّب وأشباهه.
ومن ذلك جمعهم بين الساكن والمسكّن فى الشعر المقيّد، على اعتدال عندهم، وعلى غير حفل محسوس منهم نحو قوله:
لئن قضيت الشأن من أمرى ولم ... أقض لباناتى وحاجات النّهم
لأفرجن صدرك شقّا بقدم
فسوّى فى الروىّ بين سكون ميم (لم) وسكون الميمات فيما معها.
ومن ذلك وصلهم الروىّ بالياء الزائدة للمدّ والياء الأصلية نحو الرامى والسامى مع الأنعامى والسلامى.
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لشقيق بن جزء فى فرحة الأديب، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص 630، وخزانة الأدب 10/ 135، ورصف المبانى ص 39، ويروى (ولو) مكان (وإن)، وصدره:
* بما لم تشكروا المعروف عندى *
(2) ساناه: راضاه، يقال سانيت الرجل: راضيته وداريته والمساناة: الملاينة والمصانعة. اللسان (سنا).(2/265)
ومن ذلك أيضا قولهم: إنى وزيدا قائمان، وإنى وزيدا قائمان لا يدّعى أحد أن العرب تفصل بين العطف على الياء وهى ساكنة وبين العطف عليها وهى مفتوحة. فاعرف هذا مذهبا لهم، وسائغا فى استعمالهم حتى إن رام رائم أو هجر (1) حالم بأن القوم يفصلون فى هذه الأماكن وما كان سبيله فى الحكم سبيلها بين بعضها وبعضها فإنه مدّع لما لا يعبئون به، وعاز إليهم ما لا يلمّ بفكر أحد منهم بإذن الله.
فإن انضمّ شىء إلى ما هذه حاله كان مراعى معتدّا ألا تراهم يجيزون جمع دونه مع دينه ردفين. فإن انضمّ إلى هذا الخلاف آخر لم يجز نحو امتناعهم أن يجمعوا بين دونه ودينه لأنه انضمّ إلى خلاف الحرفين تباعد الحركتين، وجاز دونه مع دينه وإن كانت الحركتان مختلفتين لأنهما وإن اختلفتا لفظا فإنهما قد اتفقتا حكما ألا ترى أن الضمّة قبل الواو رسيلة الكسرة قبل الياء، والفتحة ليست من هذا فى شىء لأنها ليست قبل الياء ولا الواو وفقا لهما، كما تكون وفقا للألف. وكذلك أيضا نحو عيده مع عوده، وإن كانوا لا يجيزونه مع عوده.
فاعرف ذلك فرقا.
* * * __________
(1) هجر فى نومه ومرضه، يهجر هجرا وهجّيرى وإهجيرى: هذى. والهجر: الهذيان.(2/266)
باب فى إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم
هذا موضع كان يعتاده أبو على رحمه الله كثيرا ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله. وفيه دليل نحوىّ غير مدفوع يدلّ على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمّى. ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه لأن الشىء لا يضاف إلى نفسه.
(فإن قيل: ولم لم يضف الشىء إلى نفسه).
قيل: لأن الغرض فى الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص، والشىء إنما يعرّفه غيره لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره لأن نفسه فى حالى تعريفه وتنكيره واحدة، وموجودة غير مفتقدة. ولو كانت نفسه هى المعرّفة له أيضا لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه، فكان يلزم الاكتفاء به، عن إضافته إليها. فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه، ومررت بصاحبه، والمظهر هو المضمر المضاف إليه. هذا مع فساده فى المعنى لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها.
فإن قلت: فقد تقول: مررت بزيد نفسه، وهذا نفس الحقّ، يعنى أنه هو الحقّ لا غيره.
قيل: ليس الثانى هو ما أضيف إليه من المظهر، وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشىء وحقيقته. والعرب تحلّ نفس الشىء من الشىء محل البعض من الكل، وما الثانى منه ليس بالأوّل، ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم، وأكثروا من ذكر التردّد بينها وبينهم، ألا ترى إلى قوله:
ولى نفس أقول لها إذا ما ... تنازعنى لعلّى أو عسانى (1)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لعمران بن حطان فى تذكرة النحاة ص 440، وخزانة الأدب 5/ 337، 349، وشرح أبيات سيبويه 1/ 524، وشرح التصريح 1/ 213، وشرح المفصل 3/ 120، 7/ 123، والكتاب 2/ 375، والمقاصد النحوية 2/ 229، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 1/ 330، وتذكرة النحاة ص 495، والجنى الدانى ص 466، والخزانة 5/ 363، ورصف المبانى ص 249، وشرح المفصل 3/ 10، 118، والمقتضب 3/ 72، والمقرب 1/ 101.(2/267)
وقوله:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد (1)
وقوله:
قالت له النفس تقدّم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا (2)
وقوله:
قالت له النفس إنى لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
وأمثال هذا كثيرة جدّا (وجميع هذا) يدلّ على أن نفس الشىء عندهم غير الشىء.
فإن قلت: فقد تقول: هذا أخو غلامه وهذه (جارية بنتها)، فتعرّف الأوّل بما أضيف إلى ضميره، والذى أضيف إلى ضمير (فإنما يعرف) بذلك الضمير، ونفس المضاف الأوّل متعرّف بالمضاف إلى ضميره، فقد ترى على هذا أن التعريف الذى استقرّ فى (جارية) من قولك هذه (جارية بنتها) إنما أتاها من قبل ضميرها، وضميرها هو هى فقد آل الأمر إذا إلى أن الشىء قد يعرّف نفسه، وهذا خلاف ما ركبته، وأعطيت يدك به.
قيل: كيف تصّرفت الحال فالجارية إنما تصرّفت بالبنت (التى هى) غيرها، وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأمّا ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذى أفاده ضمير الأوّل لم يعرّف الأوّل، وإنما عرّف ما عرّف الأوّل. والذى عرّف الأوّل غير الأوّل، فقد استمرّت الصفة وسقطت المعارضة.
ويؤكّد ذلك أيضا أن الإضافة فى الكلام على ضربين: أحدهما ضمّ الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضمّ اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من، نحو هذا ثوب خزّ، وهذه جبة صوف وكلاهما ليس الثانى فيه بالأوّل ألا ترى أن الغلام ليس بزيد، وأن الثوب ليس بجميع الخزّ،
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لأعرابى فى خزانة الأدب 4/ 312، 6/ 361، وشرح المفصل 3/ 10.
(2) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (قول)، وأساس البلاغة (قول)، وتاج العروس (قول).(2/268)
(واستمرار) هذا عندهم وفشوّه فى استعمالهم وعلى أيديهم يدلّ على أن المضاف ليس بالمضاف إليه ألبتّة. وفى هذا كاف.
فممّا جاء عنهم من إضافة المسمّى إلى الاسم قول الأعشى:
فكذّبوها بما قالت، فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجى الموت والشّرعا (1)
فقوله: ذو آل حسان معناه: الجمع المسمّى بهذا الاسم الذى هو آل حسان.
ومثله قول كثيّر:
بثينة من آل النساء وإنما ... يكنّ للأدنى لا وصال لغائب
أى بثينة من هذا القبيل المسمّى بالنساء هذا الاسم. وقال الكميت:
إليكم ذوى آل النبىّ تطلعت ... نوازع من قلبى ظماء وألبب (2)
أى إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذى هو قولنا: آل النبىّ.
وحدّثنا أبو علىّ أن أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم: هذا ذو زيد، ومعناه: هذا زيد أى هذا صاحب هذا الاسم الذى هو زيد (وأنشد):
* وحىّ بكر طعنّا طعنة فجرى *
أى وبكرا طعنا وتلخيصه: والشخص الحىّ المسمى بكرا طعنا (فحىّ ههنا مذكر حيّة أى وشخص بكر الحىّ طعنا) وليس الحىّ هنا هو الذى (يراد به) القبيلة كقولك: حىّ تميم وقبيلة بكر، إنما هو كقولك: هذا رجل حىّ وامرأة حيّة. فهذا من باب إضافة المسمّى إلى اسمه، وهو ما نحن عليه.
ومثله قول الآخر:
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 153، وخزانة الأدب 4/ 308، وشرح المفصل 3/ 13، والمحتسب 1/ 347، وتاج العروس (أول).
(2) البيت من الطويل، وهو للكميت بن زيد فى خزانة الأدب 4/ 307، 308، 309، وشرح المفصل 3/ 12، ولسان العرب 1/ 116 (ظمأ) 73 (لبب)، 15/ 322 (نسا)، 15/ 457 (ذو)، 15/ 461 (ذا)، والمحتسب 1/ 347، والمقاصد النحوية 3/ 112، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 136، وشرح عمدة الحافظ ص 506.(2/269)
ياقرّ إنّ أباك حىّ خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق (1)
أى إنّ أباك خويلدا من أمره كذا، فكأنه قال: إن أباك الشخص الحىّ خويلدا من حاله كذا. وكذلك قول الآخر:
ألا قبح الإله بنى زياد ... وحىّ أبيهم قبح الحمار (2)
أى: وأباهم الشخص الحىّ. وقال عبد الله بن سبرة الحرشىّ:
وإن يبغ ذا ودّى أخى أسع مخلصا ... يأبى فلا يعيا علىّ حويلى (3)
أى إن يبغ ودّى. وتلخيصه: إن يبغ أخى المعنى المسمّى بهذا الاسم الذى هو ودّى. وعليه قول الشمّاخ:
* وأدمج دمج ذى شطن بديع (4) *
أى دمج شطن بديع أى أدمج دمج الشخص الذى يسمى شطنا يعنى صاحب هذا الاسم.
وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما إلى أن ذهبوا إلى زيادة ذى وذات فى (هذه المواضع) أى وأدمج دمج شطن، وإليكم آل النبىّ، وصبحهم آل حسان. وإنما ذلك بعد عن إدراك هذا الموضع.
وكذلك (قال أبو عبيدة) فى قول لبيد:
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لجبار بن سلمى فى خزانة الأدب 4/ 334، وذيل سمط اللآلى ص 54، ونوادر أبى زيد ص 161، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 443، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 453، وشرح المفصل 3/ 13، والمقرب 1/ 213.
والإحماق: ولادة الأحمق.
(2) البيت من الوافر، وهو ليزيد بن مفرغ فى ديوانه ص 143، وخزانة الأدب 4/ 320، 321، وذيل الأمالى ص 54، وبلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص 550، وشرح المفصل 3/ 15، ولسان العرب (حيا)، والمحتسب (1/ 347).
(3) الحويل: الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف.
(4) عجز البيت من الوافر، وهو للشماخ فى ديوانه ص 233، ولسان العرب (بدع)، (عقق)، وتهذيب اللغة 1/ 56، 2/ 241، وتاج العروس (بدع)، (عقق). وصدره:
* أطار عقيقه عنه نسالا *(2/270)
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)
(كأنه قال): ثم السلام عليكما. وكذلك قال فى قولنا بسم الله: إنما هو بالله، وأعتقد زيادة (اسم). وعلى هذا عندهم قول غيلان:
لا ينعش الطرف إلا ما تخوّنه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم (2)
(أى بالماء) كما (أنشدنا أيضا):
* يدعوننى بالماء ماء أسودا (3) *
والماء: صوت الشاء أى يدعوننى يعنى الغنم بالماء، أى يقلن لى: أصبت ماء أسود. فأبو عبيدة يدّعى زيادة ذى واسم، ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفا. قال أبو على: وإنما هو على حدّ حذف المضاف، أى: ثم اسم معنى السلام عليكما، واسم معنى السلام هو السلام، فكأنه قال: ثم السلام عليكما.
فالمعنى لعمرى ما قاله أبو عبيدة، ولكنه من غير الطريق التى أتاه هو منها ألا تراه هو اعتقد زيادة شىء، واعتقدنا نحن نقصان شىء.
ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل فى نحو قولنا: مثلى لا يأتى القبيح، ومثلك لا يخفى عليه الجميل، أى أنا كذا، وأنت كذلك. وعليه قوله:
* مثلى لا يحسن قولا فعفع (4) *
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 214، والأشباه والنظائر 7/ 96، والأغانى 13/ 40، وبغية الوعاة 1/ 429، وخزانة الأدب 4/ 337، 340، 342، والدرر 5/ 15، وشرح المفصل 3/ 14، والعقد الفريد 2/ 78، 3/ 57، ولسان العرب (عذر) والمقاصد النحوية 3/ 375، والمنصف 3/ 135، وبلا نسبة فى أمالى الزجاجى ص 63، وشرح الأشمونى 2/ 307، وشرح عمدة الحافظ ص 507، والمقرب 1/ 213، وهمع الهوامع 2/ 49، 158.
(2) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 390، وخزانة الأدب 4/ 344، ومراتب النحويين ص 38.
تخونه: تعهده، مبغوم: غير بيّن.
(3) الرجز بلا نسبة فى شرح المفصل 3/ 14.
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (هملع)، (مشى)، وتاج العروس (هملع)، (مشى)، وتهذيب(2/271)
أى أنا لا أحسن ذاك. وكذلك هو لعمرى إلا أنه على غير التأوّل الذى رأوه:
من زيادة مثل، وإنما تأويله: أى أنا من جماعة لا يرون القبيح، وإنما جعله من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للأمر إذ كان له فيه أشباه وأضراب، ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه. فإذا كان له فيه نظراء كان حرى أن يثبت عليه، وترسو قدمه فيه. وعليه قول الآخر:
* ومثلى لا تنبو عليك مضاربه (1) *
فقوله إذا: باسم الماء واسم السلام إنما هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى، بعكس الفصل الأول. ونقول على هذا: ما هجاء سيف؟ فيقول (فى الجواب):
س ى ف. فسيف هنا اسم لا مسمى أى ما هجاء هذه الأصوات المقطّعة؟
ونقول: ضربت بالسيف فالسيف هنا جوهر الحديد هذا الذى يضرب به، فقد يكون الشىء الواحد على وجه اسما، وعلى آخر مسمّى. وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به.
ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر:
إذا ما كنت مثل ذوى عدىّ ... ودينار فقام علىّ ناع (2)
أى مثل كل واحد من الرجلين المسمّيين عديّا ودينارا. وعليه قولنا: كان عندنا ذات مرة وذات صباح، أى صباحا أى الدفعة المسماة مرة، والوقت المسمى صباحا قال:
عزمت على إقامة ذى صباح ... لأمر ما يسوّد من يسود (3)
__________
اللغة 3/ 272، 11/ 439، وجمهرة اللغة ص 155، 215، والمخصص 8/ 10، 14/ 38.
فعفع: زجر الغنم ودعاؤها.
(1) عجز البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى أساس البلاغة ص 445 (نبو) وصدره:
* أنا السيف إلا أنّ للسيف نبوة *
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى شرح المفصل 3/ 13، ولسان العرب (ذا)، وتاج العروس (ذو).
(3) البيت من الوافر، وهو لأنس بن مدركة فى الحيوان 3/ 81، وخزانة الأدب 3/ 87، 89، والدرر 1/ 312، 3/ 85، وشرح المفصل 3/ 12، ولأنس بن نهيك فى لسان العرب (صبح)(2/272)
(ما مجرورة الموضع لأنها وصف لأمر، أى لأمر معتدّ أو مؤثر يسوّد من يسود) واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب، وقلّ من يعتاده أو يتطرّقه. وقد ذكرته لتراه. فتنبه على ما هو فى معناه إن شاء الله.
* * * __________
ولرجل من خثعم فى شرح أبيات سيبويه 1/ 388، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 3/ 258، والجنى الدانى ص 334، 340، والخزانة 6/ 119، والكتاب 1/ 227، والمقتضب 4/ 345، ولمقرب 1/ 150، وهمع الهوامع 1/ 197. ويروى (لشىء) بدلا من (لأمر).(2/273)
باب فى اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله فى الأجناس
وقد ذكرنا هذا الشرح (1) من العربية فى جملة كتابنا فى تفسير أبيات الحماسة عند ذكرنا أسماء شعرائها. وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم، وأنه شيئان:
عين، ومعنى. فالعين: الجوهر كزيد وعمرو. والمعنى: هو العرض كقوله
* سبحان من علقمة الفاخر (2) *
وقوله:
وإن قال غاو من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدّت علىّ بزو برا (3)
وكذلك الأمثلة الموزون بها نحو أفعل، ومفعل، وفعلة، وفعلان، وكذلك أسماء الأعداد نحو قولنا: أربعة نصف ثمانية، و (ستة ضعف ثلاثة) وخمسة نصف عشرة. وغرضنا هنا أن نرى مجىء ما جاء منه شاذّا عن القياس لمكان كونه علما معلقا على أحد الموضعين اللّذين ذكرنا.
__________
(1) كذا فى الأصول. والأقرب: «الشرج» أى النوع والضرب (نجار).
(2) عجز البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص 193، وأساس البلاغة ص 200 (سبح) والأشباه والنظائر 2/ 109، وجمهرة اللغة ص 278، وخزانة الأدب 1/ 185، 7/ 134، 235، 238، والدرر 3/ 70، وشرح أبيات سيبويه 1/ 157، وشرح شواهد المغنى 2/ 905، وشرح المفصل 1/ 37، 120، والكتاب 1/ 324، ولسان العرب (سبح)، وتاج العروس (شتت) وبلا نسبة فى خزانة الأدب 3/ 388، 6/ 286، والدرر 5/ 42، ومجالس ثعلب 1/ 261، والمقتضب 3/ 218، والمقرب 1/ 149، وهمع الهوامع 1/ 190، 2/ 52: وصدره أقول لما جاءنى فخره.
(3) البيت من الطويل وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 85، والاشتقاق ص 48، وسمط اللآلى ص 554، ولسان العرب (زبر)، والمعانى الكبير ص 801، 1178، وللطرماح فى ملحق ديوانه ص 574، وللطرماح أو لابن أحمر فى شرح المفصل 1/ 38، وللفرزدق فى ديوانه 1/ 206، 296، والإنصاف 2/ 495، ولسان العرب (حقق، وللفرزدق أو لابن أحمر فى خزانة الأدب 1/ 148، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 337.
بزوبرا: أى: بأجمعها وكليتها. يقال أخذ الشىء بزبره وزوبره وزغبره وزابره، أى: بجميعه فلم يدع منه شيئا. اللسان (زبر).(2/274)
فمنه ما جاء مصحّحا مع وجود سبب العلّة فيه، وذلك نحو محبب، وثهلل، ومريم، ومكوزة، ومدين. ومنه معدى كرب ألا تراه بنى مفعلا ممّا لامه حرف علّة، وذلك غير معروف فى هذا الموضع. وإنما يأتى (فى ذلك مفعل) بفتح للعين نحو المدعى والمقضى والمشتى. وعلى أنه قد شذّ فى الأجناس شىء من ذلك، وهو قول بعضهم: مأوى الإبل بكسر العين. فأما مأق (1) فليس من هذا.
ومن ذلك قولهم فى العلم: موظب، ومورق وموهب. وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال مفعل. وهذا إنما يجىء أبدا على مفعل بكسر العين نحو الموضع، والموقع، والمورد، والموعد، والموجدة.
وأما موءلة علما فإن كان من وأل أى نجا فهو من هذا وإن كان من قولهم:
جاءنى وما (مألت مأله) (2) وما شأنت (3) شأنه، فإنه فوعل، و (هذا على هذا) سرح: سهل.
ومن ذلك قولهم فى العلم: حيوة. وهذه صورة لولا العلميّة لم يجز مثلها لاجتماع الياء والواو، وسبق الأولى منهما بالسكون. وعلّة مجىء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما (هى عليه) من كثرة استعمالها، وهم لما كثر استعماله أشدّ تغييرا، فكما جاءت هذه الأسماء فى الحكاية مخالفة لغيرها نحو قولك فى جواب مررت بزيد: من زيد، ولقيت عمرا: من عمرا، كذلك تخطّوا إلى تغييرها فى ذواتها بما قدّمنا ذكره. وهذا من تدريج اللغة الذى قدّمنا شرحه (فيما مضى).
* * * __________
(1) قال فى اللسان: «ويهمز فيقال مأقى، وليس لهذا نظير فى كلام العرب، فيما قال نصير النحوى، لأن ألف كل فاعل من بنات الأربعة مثل داع وقاض ورام وعال لا يهمز، وحكى الهمز فى مأقى خاصة الفراء فى باب مفعل: ما كان من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل فيه مفتوح، اسما كان أو مصدرا، إلا المأقى من العين، فإن العرب كسرت هذا الحرف» انظر اللسان (مأق).
(2) يقال: جاءه أمر ما مأل له مألا وما مأل مأله أى لم يستعدّ له ولم يشعر به وما تهيأ له.
لسان العرب (مأل).
(3) ما شأنت شأنه: أى ما علمت به.(2/275)
باب فى تسمية الفعل
اعلم أن العرب قد سمّت الفعل بأسماء، لما سنذكره. وذلك على ضربين:
أحدهما: فى الأمر والنهى، والآخر: فى الخبر.
الأوّل منهما نحو قولهم: صه، فهذا اسم اسكت ومه، فهذا: اكفف، ودونك اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك اسم تنحّ، ومكانك اسم اثبت. قال:
وقولى كلّما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى (1)
فجوابه بالجزم دليل على أنه كأنه قال: اثبتى تحمدى أو تستريحى. وكذلك قول الله جلّ اسمه: {مَكََانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكََاؤُكُمْ} [يونس: 28] ف (أنتم) توكيد للضمير فى (مكانكم) كقولك: اثبتوا أنتم وشركاؤكم، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكدّه (الشركاء). ويؤكّد ذلك عندك قول بعضهم: مكانكنى فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل فى (أكرمنى) ونحوه دليل على قوّة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا: كما أنتنى كقولك: انتظرنى.
ومنها هلمّ، وهو اسم ائت، وتعال. قال الخليل: هى مركبة وأصلها عنده (ها) للتنبيه، ثم قال: «لمّ» أى لمّ بنا، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا، ولأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها فى حكم السكون ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين وهى الحجازيّة (أن تقول فيها: المم بنا) فلمّا كانت لام (هلمّ) فى تقدير السكون حذف لها ألف (ها)، كما تحذف لالتقاء الساكنين، فصارت
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لعمرو بن الإطنابة فى إنباه الرواة 3/ 281، وحماسة البحترى ص 9، والحيوان 6/ 425، وجمهرة اللغة ص 1095، وخزانة الأدب 2/ 428، والدرر 4/ 84، وديوان المعانى 1/ 114، وسمط اللآلى ص 574، وشرح التصريح 2/ 243، وشرح شواهد المغنى ص 546، ومجالس ثعلب ص 83، والمقاصد النحوية 4/ 415، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 189، وشرح الأشمونى 3/ 569، وشرح شذور الذهب ص 447، وشرح قطر الندى ص 117، وشرح المفصل 4/ 74، ولسان العرب (جشأ)، ومغنى اللبيب 1/ 203، والمقرب 1/ 73، وهمع الهوامع 2/ 13.
جشأت نفسه تجشأ جشوءا: ارتفعت ونهضت إليه وجاشت من حزن أو فزع.(2/276)
هلمّ. وقال الفرّاء: أصلها (هل) زجر وحثّ، دخلت على أمّ كأنها كانت (هل أمّ) أى اعجل واقصد، وأنكر أبو علىّ عليه ذلك، وقال: لا مدخل هنا للاستفهام، وهذا عندى لا يلزم الفرّاء لأنه لم يدع أنّ (هل) هنا حرف استفهام وإنما هى عنده زجر (وحثّ) وهى التى فى قوله:
* ولقد يسمع قولى حيّهل (1) *
قال الفرّاء: فألزمت الهمزة فى (أمّ) التخفيف، فقيل: هلمّ.
وأهل الحجاز يدعونها فى كلّ حال على لفظ واحد، فيقولون للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجماعتين: هلمّ يا رجل، وهلمّ يا امرأة، وهلمّ يا رجلان، وهلمّ يا امرأتان، وهلمّ يا رجال، وهلمّ يا نساء. وعليه قوله:
* يا أيّها الناس ألا هلمّه (2) *
وأمّا التميميون فيجرونها مجرى (لمّ) فيغيّرونها بقدر المخاطب. فيقولون:
هلمّ، وهلمّا، وهلمّى، وهلمّوا، وهلممن يا نسوة. وأعلى اللغتين الحجازيّة، وبها نزل القرآن، ألا ترى إلى قوله عزّ اسمه: {وَالْقََائِلِينَ لِإِخْوََانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنََا} [الأحزاب: 18]. وأما التميميون فإنها عندهم أيضا اسم سمّى به الفعل، وليست مبقّاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضمّ. يدلّ على ذلك أن بنى تميم يختلفون فى آخر الأمر من المضاعف، فمنهم من يتبع فيقول: مدّ وفرّ وعضّ، ومنهم من يكسر، فيقول: مدّ وفرّ وعضّ، ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين، فيقول: مدّ وفرّ وعضّ. ثم رأيناهم كلّهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلمّ، وليس أحد يكسر الميم ولا يضمّها. فدلّ ذلك على أنها قد خلجت عن طريق الفعلية وأخلصت اسما للفعل، بمنزلة دونك وعندك ورويدك وتيدك (3): اسم
__________
(1) عجز البيت من الرمل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 183، والأزمنة والأمكنة 2/ 153، وخزانة الأدب 6/ 258، 259، 260، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1821، وشرح المفصل 4/ 45، ولسان العرب (هلل)، وتاج العروس (هلل). وصدره:
* يتمارى فى الذى قلت له *
(2) الرجز بلا نسبة فى الأزهية ص 257، وخزانة الأدب 4/ 267، وشرح المفصل 4/ 42، والكتاب 4/ 161.
(3) التيد: الرفق.(2/277)
اثبت وعليك بكرا: اسم خذ (وهو كثير).
ومنه قوله:
أقول وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إنّ عليك عينا (1)
فهذا اسم احفظ القول أو اتّق القول.
وقد جاءت هذه التسمية للفعل فى الخبر، وإنما بابها الأمر والنهى من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل، فلمّا قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت إقامة غيره مقامه. وليس كذلك الخبر، لأنه لا يخصّ بالفعل، ألا ترى إلى قولهم: زيد أخوك، ومحمد صاحبك فالتسمية للفعل فى باب الخبر ليست فى قوّة (تسميته فى) باب الأمر والنهى. وعلى ذلك فقد مرّت بنا [منه] ألفاظ صالحة جمعها طول التقرّى لها. وهى قولهم: أفّ اسم الضجر، وفيه ثمانى لغات أفّ وأفّ وأفّ وأفّ وأفّ وأفّا وأفىّ ممال، وهو الذى تقول فيه العامّة: أفى، وأف خفيفة. والحركة فى جميعها لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضمّ فللإتباع، ومن فتح فللاستخفاف، ومن لم ينوّن أراد التعريف، ومن نوّن أراد التنكير. فمعنى التعريف: التضجّر، ومعنى التنكير: تضجّرا. ومن أمال بناه على فعلى. وجاءت ألف التأنيث مع البناء كما جاءت تاؤه معه فى ذيّة وكيّة، نعم، وقد جاءت ألف فيه أيضا فى قوله:
* هنّا وهنّا ومن هنّا لهنّ بها *
ومنها آوّتاه (وهى اسم أتألّم. وفيها لغات): آوّتاه وآوّه وأوّه وأوه وأوه وأوه وأوّ قال:
فأوه من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء (2)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لجرير فى ديوانه ص 353، والمقاصد النحوية 4/ 319، ولسان العرب (لحق) ويروى (يقلن) مكان (أقول).
(2) البيت من الطويل، وهو فى الدرر 1/ 194، وسر صناعة الإعراب 1/ 419، 2/ 656، وشرح المفصل 4/ 38، ولسان العرب (أوه)، (أوا)، والمحتسب 1/ 39، والمنصف 3/ 126، وهمع الهوامع 1/ 61، ويروى (دوننا) مكان (بيننا).(2/278)
ويروى: فأوّ لذكراها. والصنعة فى تصريفها طويلة حسنة. وقد كان أبو علىّ رحمه الله كتب إلىّ من حلب وأنا بالموصل مسئلة أطالها فى هذه اللفظة، جوابا على سؤالى إيّاه عنها، وأنت تجدها فى مسائله الحلبيّات، إلا أن جماع القول عليها أنها (فاعلة) فاؤها همزة، وعينها ولامها واوان، والتاء فيها للتأنيث. وعلى ذلك قوله: فأوّ لذكراها، قال: فهذا كقولك فى مثال الأمر من قويت: قوّ زيدا ونحوه. ومن قال: فأوه أو فأوّه فاللام عنده هاء، وهى من لفظ قول العبدىّ:
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين (1)
ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم: سنة وعضة (2) ألا تراهم قالوا: سنوات وعضوات، وقالوا أيضا: سانهت وبعير عاضه والعضاه.
وصحّت الواو فى آوّة ولم تعتلّ إعلال قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوّة من قبل أن هذا بنى على التأنيث أعنى آوّة، فجاء على الصحّة كما صحّت واو قرنوة (3) وقلنسوة لمّا بنيت الكلمة على التأنيث ألبتّة.
ومنها سرعان، فهذا اسم سرع، ووشكان: اسم وشك، وبطئان: اسم بطؤ.
ومن كلامهم: سرعان ذى إهالة (4) أى سرعت هذه من إهالة. فأمّا أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء، قال:
* فيغيّفون ونرجع السرعانا (5) *
وقد قالوا: وشكان وأشكان. فأمّا أشك ذا (فماض، وليس) باسم، وإنما أصله
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للمثقب العبدى فى ديوانه ص 194، وإصلاح المنطق ص 321، ولسان العرب (رجل)، (أوه)، وبلا نسبة فى شرح المفصل 4/ 39، ولسان العرب (هوه)، (أوا)، وتاج العروس (أوه).
(2) العضة: من الشجر ما له شوك والجمع العضاه.
(3) القرنوة: نبات عريض الورق ينبت فى ألوية الرمل ودكادكه، ويدبغ به. اللسان (قرن).
(4) الإهالة: الشحم المذاب.
(5) عجز البيت من الكامل، وهو للقطامى فى ديوانه ص 64، ولسان العرب (سرع)، (غيف)، وتاج العروس (سرع)، (غيف)، وتهذيب اللغة 2/ 89، 8/ 205، ومقاييس اللغة 4/ 406، ومجمل اللغة 4/ 27، وبلا نسبة فى المخصص 12/ 130. وصدره:
* وحسبتنا نزع الكتيبة غدوة *
يغيّفون: أى ينهزمون. يقال: غيّف إذا فرّ. اللسان (غيف).(2/279)
وشك فنقلت حركة عينه كما قالوا فى حسن: حسن ذا قال:
لا يمنع الناس منّى ما أردت ولا ... أعطيهم ما أزادوا حسن ذا أدبا (1)
ومنها حسّ اسم أتوجّع، ودهدورّين: اسم بطل. ومن كلامهم: دهدرّين سعد القين، وساعد القين، أى هلك سعد القين.
ومنها لبّ (وهو اسم لبيّك)، وويك: اسم أتعجّب. وذهب الكسائىّ إلى أن (ويك) محذوفة من ويلك قال:
* ويك عنتر أقدم (2) *
والكاف عندنا للخطاب حرف عار من الاسميّة. وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللََّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشََاءُ} [القصص: 82] فذهب سيبويه والخليل إلى أنه وى، ثم قال:
كأنّ الله. وذهب أبو الحسن إلى أنها ويك، حتى كأنه قال عنده: أعجب أن الله يبسط الرزق. ومن أبيات الكتاب:
وى كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (3)
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لسهم بن حنظلة فى الأصمعيات ص 56، وخزانة الأدب 9/ 431، 432، 434، ولسان العرب (حسن)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 6/ 22، وإصلاح المنطق ص 35، وتذكرة النحاة ص 599، وكذلك نسب إلى أبى المنهال البصرى ولأبى خراش الهذلى، ويروى (لم) مكان (لا).
(2) عجز البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 219، والجنى الدانى ص 353، وخزانة الأدب 6/ 406، 408، 421، وشرح الأشمونى 2/ 486، وشرح شواهد المغنى ص 481، 787، وشرح المفصل 4/ 77، والصاحبى فى فقه اللغة ص 177، ولسان العرب (ويا)، والمحتسب 1/ 16، 2/ 56، والمقاصد النحوية 4/ 318، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ص 369.
وتكملة البيت:
ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها ... قول الفوارس
(3) البيت من الخفيف، وهو لزيد بن عمرو بن نفيل فى خزانة الأدب 6/ 404، 408، 410، والدرر 5/ 305، وذيل سمط اللآلى ص 103، والكتاب 2/ 155، ولنبيه بن الحجاج فى الأغانى 17/ 205، وشرح أبيات سيبويه 2/ 11، ولسان العرب (وا)، (ويا)، وبلا نسبة فى الجنى الدنى ص 353، وشرح الأشمونى 2/ 486، وشرح المفصل 4/ 76، ومجالس ثعلب 1/ 389، والمحتسب 2/ 155، وهمع الهوامع 2/ 106.
النّشب والمنشبة: المال الأصيل من الناطق والصامت. اللسان (نشب).(2/280)
والرواية تحتمل التأويلين جميعا.
ومنها هيهات، وهى عندنا من مضاعف الفاء فى ذوات الأربعة. ووزنها فعللة، وأصلها هيهية كما أن أصل الزوزاة (1) والقوقاة والدوداة (2) والشوشاة (3): الزوزوة والقوقوة والدودوة والشوشوة، فانقلبت «اللام ألفا» فصارت هيهاة. والتاء فيها للتأنيث، مثلها فى القوقاة والشوشاة. والوقوف عليها بالهاء. وهى مفتوحة فتحة المبنيّات. ومن كسر التاء فقال: هيهات فإن التاء تاء جماعة التأنيث، والكسرة فيها كالفتحة فى الواحد. واللام عندنا محذوفة لالتقاء الساكنين، ولو جاءت غير محذوفة لكانت هيهيات، لكنها حذفت لأنها فى آخر اسم غير متمكّن، فجاء جمعه مخالفا لجمع المتمكّن نحو الدوديات والشوشيات، كما حذفت فى قولك:
ذان وتان واللّذان واللّتان.
وأمّا قول أبى الأسود:
على ذات لوث أو بأهوج شوشو ... صنيع نبيل يملا الرحل كاهله (4)
فسألت عنه أبا علىّ، فأخذ ينظر فيه. فقلت له: ينبغى أن يكون بنى من لفظ الشوشاة مثال حجمرش (5)، فعاد إلى شوشوو، فأبدل اللام الثالثة ياء لانكسار ما قبلها، فعاد: شوشو، فتقول على هذا فى نصبه: رأيت شوشويا، فقبل ذلك ورضيه. ويجوز فيه عندى وجه آخر، وهو أن يكون أراد: شوشويّا، منسوبا إلى شوشاة، ثم خفّف إحدى ياءى الإضافة.
وفى هيهات لغات: هيهاة، وهيهاة وهيهات، وهيهات، وأيهات، وأيهات»، وأيهات، وأيهاتا، وأيهان بكسر النون، حكاها لنا أبو على عن أحمد بن يحيى
__________
(1) الزوزاة: مصدر زوزى: نصب ظهره وقارب خطوه فى سرعة. اللسان (زوى).
(2) الدّوداة: هى أثر أرجوحة الصبى، والجمع الدّوادى. اللسان (دود).
(3) الشوشاة: يقال: ناقة شوشاة، سريعة.
(4) البيت من الطويل، وهو لأبى الأسود الدؤلى فى ديوانه ص 59، ولسان العرب (هوج)، (شوا)، وتاج العروس (هوج)، ويروى (دوسر) مكان (شوشو).
اللوث: القوة، أى ناقة قوية. الشّوشوى: السريع.
(5) الجحمرش: من معانيها العجوز الكبيرة.(2/281)
(وأيها) والاسم بعدها مرفوع على حدّ ارتفاع الفاعل بفعله قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (1)
وقال أيضا:
هيهات منزلنا بنعف سويقة ... كانت مباركة من الأيّام (2)
وأما قوله:
* هيهات من منخرق هيهاؤه (3) *
فهذا كقولك: بعد بعده، وذلك أنه بنى من هذا اللفظ فعلالا، فجاء به مجىء دهدرّين القلقال والزلزال. والألف فى هيهات غير الألف فى هيهاؤه، هى فى هيهات لام الفعل الثانية، كقاف الحقحقة الثانية، وهى فى هيهاؤه ألف الفعلال الزائدة. وهى فى هيهات فيمن كسر غير تينك، إنما هى التى تصحب تاء الهندات والزينبات. وذكر سيبويه أن منهم من يقال له: إليك، فيقول: إلىّ [إلىّ] فإلىّ هنا: اسم أتنحى. وكذلك قول من قيل له: إيّاك، فقال: إيّاى، أى إيّاى لأتقين.
ومنها قولهم: همهام، وهو اسم فنى. وفيها لغات: همهام وحمحام ومحماح،
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لجرير فى ديوانه ص 965، والأشباه والنظائر 8/ 133، والدرر 5/ 324، وشرح التصريح 1/ 318، 2/ 199، وشرح شواهد الإيضاح ص 143، وشرح المفصل 4/ 35، ولسان العرب (هيه)، والمقاصد النحوية 3/ 7، 4/ 311، وكتاب العين 1/ 64، وبلا نسبة فى أوضح المسالك (2/ 193، 4/ 87، وسمط اللآلى ص 369، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1001، وشرح شذور الذهب ص 516، وشرح قطر الندى ص 256، والمقرب 1/ 134، وهمع الهوامع 2/ 111، ويروى (وأهله) مكان (ومن به).
(2) البيت من الكامل، وهو لجرير فى ملحق ديوانه ص 1039، وخزانة الأدب 5/ 430، وشرح المفصل 4/ 36، 67، والكتاب 4/ 206، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 2/ 774، ولسان العرب (سوق)، (روى)، (قوا)، ويروى (أيهات) مكان (هيهات)، (الأيّامى) مكان (الأيام).
نعف سويقة: موضع.
(3) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 4، وشرح المفصل 4/ 68، والمحتسب 2/ 93، وتهذيب اللغة 6/ 483، وتاج العروس (كبد)، (هتك)، وللعجاج فى لسان العرب (هيا)، ولم أقع عليه فى ديوانه وبلا نسبة فى المخصص 3/ 43، وقبله:
* يرمى بأنقاض السّرى أرجاؤه *(2/282)
وبحباح. أنشد أحمد بنى يحيى:
أولمت ياخنّوت شرّا إيلام ... فى يوم نحس ذى عجاج مظلام (1)
ما كان إلا كاصطفاق الأقدام ... حتى أتيناهم فقالوا: همهام (2)
فهذا اسم فنى، وقوله سبحانه: {أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ} [القيامة: 34] هو اسم دنوت من الهلكة. قال الأصمعىّ فى قولها:
* فأولى لنفسى أولى لها *
قد دنت من الهلاك. وحكى أبو زيد: هاه (3) الآن وأولاة الآن، فأنّث أولى، وهذا يدلّ على أنه اسم لا فعل كما يظنّ وهاه اسم قاربت، وهى نحو أولى لك.
فأمّا الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء فأشياء وجدت فيها لا توجد إلّا فى الأسماء. منها التنوين الذى هو علم التنكير. وهذا لا يوجد إلا فى الاسم نحو قولك: هذا سيبويه وسيبويه آخر. ومنها التثنية، وهى من خواصّ الأسماء، وذلك قولهم دهدرّين. وهذه التثنية لا يراد بها ما يشفع الواحد ممّا هو دون الثلاثة. وإنما الغرض فيها التوكيد بها، والتكرير لذلك المعنى كقولك بطل بطل، فأنت لا تريد أن تنفى كونه مرّة واحدة، بل غرضك فيه متابعة نفيه وموالاة ذلك كما أن قولك: لا يدين بها لك، لست تقصد بها نفى يدين ثنتين، وإنما تريد نفى جميع قواه، وكما قال الخليل فى قولهم: لبّيك وسعديك، إن معناهما أن كلما كنت فى أمر فدعوتنى إليه أجبتك وساعدتك عليه. وكذلك قوله:
إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس (4)
__________
(1) الخنوت: العىّ الأبله. اللسان (خنت).
(2) الرجز بل نسبة فى لسان العرب (ظلم)، (همم)، وتهذيب اللغة 5/ 383، وجمهرة اللغة ص 1297، وتاج العروس (ظلم)، (همهم).
(3) هاه: هى كلمة وعيد.
(4) البيت من الطويل، وهو لسحيم عبد بنى الحسحاس فى ديوانه ص 16، وجمهرة اللغة ص 438، والدرر 3/ 65، وشرح التصريح 2/ 37، وشرح المفصل 1/ 119، والكتاب 1/ 350، ولسان العرب (هذذ)، (دول)، والمقاصد النحوية 3/ 401، وتاج العروس (دول)، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 3/ 118، وجمهرة اللغة ص 1272، ورصف المبانى ص 181، وشرح الأشمونى 2/ 313، ومجالس ثعلب 1/ 157، والمحتسب 2/ 279، وهمع الهوامع 1/ 189.(2/283)
أى مداولة بعد مداولة. فهذا على العموم، لا على دولتين ثنتين. وكذلك قولهم: دهدرّين أى بطل بطلا بعد بطل.
ومنها وجود الجمع فيها فى هيهات، والجمع مما (يختصّ بالاسم). ومنها وجود التأنيث فيها فى هيهاة وهيهات وأولاة الآن وأفّى، والتأنيث بالهاء والألف من خواصّ الأسماء. ومنها الإضافة، وهى قولهم: دونك، وعندك، ووراءك، ومكانك، وفرطك، وحذرك. ومنها وجود لام التعريف فيها نحو النجاءك. فهذا اسم انج. ومنها التحقير، وهو من خواصّ الأسماء. وذلك قولهم: رويدك.
وببعض هذا ما (يثبت ما دعواه) أضعاف هذا.
فإن قيل: فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء، ولكن ليت شعرى ما كانت الفائدة فى التسمية لهذه الأفعال بها؟
فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها السّعة فى اللغة، ألا تراك لو احتجت فى قافية بوزن قوله:
* قدنا إلى الشأم جياد المصرين *
لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها «دهدرّين»، ولو جعلت هنا ما هذا اسمه وهو بطل لفسد وبطل. وهذا واضح.
والآخر المبالغة. وذلك أنك فى المبالغة لا بدّ أن تترك موضعا إلى موضع، إما لفظا إلى لفظ، وإما جنسا إلى جنس، فاللفظ كقولك: عراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض. فعراض إذا أبلغ من عريض. وكذلك رجل حسّان ووضاء فهو أبلغ من قولك: حسن، ووضىء، وكرّام أبلغ من كريم لأن كريما على كرم، وهو الباب، وكرّام خارج عنه. فهذا أشدّ مبالغة من كريم. قال الأصمعىّ: الشىء إذا فاق فى جنسه قيل له: خارجىّ. وتفسير هذا ما نحن بسبيله، وذلك أنه لمّا خرج عن معهود حاله أخرج أيضا عن معهود لفظه. ولذلك أيضا إذا أريد بالفعل المبالغة فى معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه. وذلك نعم وبئس وفعل التعجب. ويشهد لقول الأصمعىّ بيت طفيل:(2/284)
وعارضتها رهوا على متتابع ... شديد القصيرى خارجىّ محنب (1)
والثالث ما فى ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه، وللأثنين: صه و (للجماعة: صه)، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه وجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتّا (واسكتوا) واسكتى واسكتن. وكذلك جميع الباب.
فلمّا اجتمع فى تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن الإيجاز ومن المبالغة، عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه، لتناسيهم حروفه. يدلّ على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول:
اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت بالفاء فإنك إنما تنصب لتصوّرك فى الأوّل معنى المصدر، وإنما يصحّ ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله ألا تراك إذا قلت:
زرنى فأكرمك، فإنك إنما نصبته، لأنك تصوّرت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام منّى. ف (زرنى) دلّ على الزيارة، لأنه من لفظه، فدلّ الفعل على مصدره، كقولهم: من كذب كان شرّا له، أى كان الكذب فأضمر الكذب لدلالة فعله وهو كذب عليه، وليس كذلك صه، لأنه ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير (2)، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.
فإن قلت: فقد تقول: أين بيتك فأزورك، وكم مالك فأزيدك عليه، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر، فما الفرق بين «ذلك وبين صه»؟
قيل: هذا كلام محمول على معناه ألا ترى أن قولك: «أين بيتك» قد دخله معنى أخبرنى، فكأنه قال: ليكن منك تعريف لى ومنّى زيارة لك.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص 26، ولسان العرب (خرج)، ومقاييس اللغة 4/ 272، وكتاب الجيم 2/ 24، وتاج العروس (خرج)، (عض).
الرهو من الأضداد، يكون السير السهل ويكون السريع، والمقصود هنا: السير السهل والقصيرى: ضلع الخلف. والمحنب: الذى فى ذراعه ما يشبه التحدّب.
(2) أصل هذا المثل: ما يعرف قبيلا من دبير، والقبيل: القبل، والدبير: الدبر.(2/285)
فإن قيل: (وكيف ذلك) أيضا؟ هلا جاز صه فتسلم، لأنه محمول على معناه ألا ترى أن قولك: صه فى معنى: ليكن منك سكوت فتسلم.
قيل: يفسد هذا من قبل أن صه لفظ قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذى هو اسكت، وترك له، ورفض من أجله. فلو ذهبت تعاوده وتتصوّره أو تتصوّر مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعا إليه بعد الإبعاد عنه، والتحامى للّفظ به، فكان ذلك يكون كادّغام الملحق، لما فيه من نقض الغرض. وليس كذلك أين بيتك، لأن هذا ليس لفظا عدل إليه عن: «عرّفنى بيتك» على وجه التسمية له به، ولأن هذا قائم فى ظله الأوّل من كونه مبتدأ (وخبرا) وصه ومه قد تنوهى فى إبعاده عن الفعل البتّة ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء: صه على صورة واحدة، ولا يظهر فيه ضمير، على قيامه بنفسه وشبهه بذلك بالجملة المركّبة. فلمّا تناءى عن الفعل هذا التنائى، وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسى، لم يجز فيما بعد أن تراجع أحكامه، وقد درست معارفه وأعلامه فاعرف ذلك.
فأمّا دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده، فأقول: دراك زيدا فتظفر به، ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به، لأنه وإن لم يتصرّف فإنه من لفظ الفعل ألا تراك تقول: أأنت سائر فأتبعك، فتقتضب من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلا كما قال الآخر:
إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف (1)
فاستنبط من السفيه معنى السّفه، فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا.
هذا حديث هذه الأسماء فى باب النصب.
فأما الجزم فى جواباتها فجائز حسن، وذلك قولك: صه تسلم، ومه تسترح،
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لأبى قيس بن الأسلت الأنصارى فى إعراب القرآن ص 902، والأشباه والنظائر 5/ 179، وأمالى المرتضى 1/ 203، والإنصاف 1/ 140، وخزانة الأدب 3/ 364، 4/ 226، 227، 228، والدرر 1/ 216، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 244، ومجالس ثعلب ص 75، والمحتسب 1/ 170، 2/ 370، وهمع الهوامع 1/ 65.(2/286)
ودونك زيدا تظفر بسلبه ألا تراك فى الجزم لا تحتاج إلى تصوّر معنى المصدر، لأنك لست تنصب الجواب فتضطرّ إلى تحصيل معنى المصدر الدالّ على أن والفعل. وهذا واضح.
فإن قيل: فمن أين وجب بناء هذه الأسماء؟ فصواب القول فى ذلك أن علّة بنائها إنما هى تضمّنها معنى لام الأمر، ألا ترى أن صه بمعنى اسكت، وأنّ أصل اسكت لتسكت كما أن أصل قم لتقم، واقعد لتقعد فلمّا ضمنّت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت كما أن كيف ومن وكم لمّا تضمّن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بنى وكذلك بقيّة الباب.
فأمّا قول من قال فى نحو هذا: إنه إنما بنى لوقوعه موقع المبنىّ، يعنى أدرك واسكت فلن يخلو من أحد أمرين: إما أن يريد أن علّة بنائه إنما هى نفس وقوعه موقع المبنىّ لا غير، وإمّا أن يريد أنّ وقوعه موقع فعل الأمر ضمّنه معنى حرف الأمر. فإن أراد الأوّل فسد، لأنه إنما علة بناء الاسم تضمّنه معنى الحرف، أو وقوعه موقعه. هذا هو علّة بنائه لا غير، وعليه قول سيبويه والجماعة.
فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء، نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك إنما بنيت لتضمّنها معنى حرف الأمر لا غير.
فإن قيل: ما أنكرت من فساد هذا القول، من قبل أن الأسماء التى سمّى بها الفعل فى الخبر مبنيّة أيضا، نحو أفّ وآوّتاه وهيهات، وليست بينها وبين لام الأمر نسبة؟ قيل: القول هو الأوّل. فأما هذه فإنها محمولة فى ذلك على بناء الأسماء المسمّى بها الفعل فى الأمر والنهى، ألا ترى أن الموضع فى ذلك لها، لما قدّمناه من ذكرها، وأنهما بالأفعال لا غير، ولا يكونان إلا به، والخبر قد يكون بالأسماء من غير اعتراض فعل فيه، نحو أخوك زيد وأبوك جعفر. فلمّا كان الموضع فى ذلك إنما هو لأفعال الأمر والنهى، وكانا لا يكونان إلا بحرفيهما: اللام ولا، حمل ما سمّى به الفعل فى الخبر على ما سمّى به فى الأمر والنهى، كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذا الضارب الرجل وكما حمل أنت الرجل العبد (على أنت الرجل العلم والحلم) ونحو ذلك.
فإن قيل: هذا يدعوك إلى حمل شىء على شىء، ولو سلكت طريقنا لما
احتجت إلى ذلك ألا ترى أن الأسماء المسمّى بها الفعل فى الخبر واقعة موقع المبنىّ وهو الماضى، كما أنها فى الأمر واقعة موقع المبنىّ، وهو اسكت.(2/287)
فإن قيل: هذا يدعوك إلى حمل شىء على شىء، ولو سلكت طريقنا لما
احتجت إلى ذلك ألا ترى أن الأسماء المسمّى بها الفعل فى الخبر واقعة موقع المبنىّ وهو الماضى، كما أنها فى الأمر واقعة موقع المبنىّ، وهو اسكت.
قيل: ما أحسن هذا لو سلم أوّل ولكن من لك بسلامته؟ أم من يتابعك على أن علّة بناء الأسماء فى العربية كلها شىء غير مشابهتها للحرف؟ فإذا كان كذلك لم يكن لك مزحل عمّا قلناه، ولا معدل عما أفرطناه وقدّمناه. وأيضا فإن اسكت لعمرى مبنىّ، فما تصنع بقولهم: حذرك زيدا الذى هو نهى؟ أليس فى موضع لا تقرب زيدا، و (تقرب) من لا تقرب معرب، ولهذا سماه سيبويه نهيا؟ فإن قلت: إن النهى فى هذا محمول على الأمر صرت إلى ما صرفتنا عنه، وسوّأت إلينا التمسك به فاعرف هذا فإنه واضح.
* * *
باب فى أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده (على وجه)(2/288)
* * *
باب فى أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده (على وجه)
هذا باب ظاهره التدافع، وهو مع استغرابه صحيح واقع وذلك نحو قولهم:
القود، والحوكة، والخونة، وروع، وحول، وعور، و (عوز لوز) (1) وشول قال:
* شاو مشلّ شلول شلشل شول (2) *
وتلخيص هذه الجملة أن كلّ واحد من هذه الأمثلة قد جاء مجيئا مثله مقتض للإعلال، وهو مع ذلك مصحّح، وذلك أنه قد تحرّكت عينه، وهى معتلّة، وقبلها فتحة، وهذا يوجب قلبها ألفا، كباب، ودار، وعاب، وناب، ويوم راح، وكبش صاف، إلا أن سبب صحّته طريف، وذلك أنهم شبّهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها، فكأن فعلا فعال، وكأنّ فعلا فعيل. فكما يصحّ نحو جواب، وهيام، وطويل، وحويل، فعلى نحو من ذلك صحّ باب القود والحوكة والغيب والروع والحول والشول، من حيث شبّهت فتحة العين بالألف من بعدها (وكسرتها بالياء من بعدها).
ألا ترى إلى حركة العين التى هى سبب الإعلال كيف صارت على وجه آخر (سببا للتصحيح) وهذا وجه غريب المأخذ. وينبغى أن يضاف هذا إلى احتجاجهم فيه بأنه خرج على أصله منبهة على ما غيّر من أصل بابه. ويدلّك على أنّ فتحة العين قد أجروها فى بعض الأحوال مجرى حرف اللين قول مرّة بن محكان:
__________
(1) عوز: وصف من عوز الرجل، إذا افتقر. ولوز: إتباع له.
(2) عجز البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص 109، ولسان العرب (حنت)، (شلل)، (شول)، وتهذيب اللغة 11/ 277، 412، وجمهرة اللغة ص 880، وتاج العروس (حنت)، (شلل)، (شول).
والشاوى: الذى يشوى اللحم، والمشل: الخفيف، والشّول الذى يشول بالشىء الذى يشتريه صاحبه، أى يرفعه. ورجل شول أى خفيف فى العمل والخدمة مثل شلشل. والشول:
الخفيف. اللسان (شول).(2/289)
فى ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا (1)
فتكسيرهم ندى على أندية يشهد بأنهم أجروا ندى وهو فعل مجرى فعال، فصار لذلك ندى وأندية كغداء وأغدية. وعليه قالوا: باب وأبوبة و (خال وأخولة) (2). وكما أجروا فتحة العين مجرى الألف الزائدة بعدها، كذلك أجروا الألف الزائدة بعدها مجرى الفتحة. وذلك قولهم: جواد وأجواد، وصواب وأصواب، جاءت فى شعر الطرمّاح. وقالوا: عراء وأعراء، وحياء وأحياء، وهباء وأهباء. فتكسيرهم فعالا على أفعال كتكسيرهم فعلا على أفعلة. هذا هنا، كذلك ثمّة. وعلى ذلك عندى ما جاء عنهم من تكسير فعيل على أفعال نحو يتيم وأيتام، وشريف وأشراف، حتى كأنه إنما كسر فعل لا فعيل، كنمر وأنمار، وكبد وأكباد، وفخذ وأفخاذ. ومن ذلك قوله:
إذا المرء لم يخش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطّعا (3)
وهذا عندهم قبيح، وهو إعادة الثانى مظهرا بغير لفظه الأوّل وإنما سبيله أن
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لمرة بن محكان فى الأغانى 3/ 318، وسر صناعة الإعراب ص 620، وشرح التصريح 2/ 293، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1563، ولسان العرب (ندى)، والمقاصد النحوية 4/ 510، والمقتضب 3/ 81، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 294، وشرح الأشمونى 3/ 656، وشرح شافية ابن الحاجب ص 329، وشرح المفصل 10/ 17، ولسان العرب رجل ويروى (ظلماتها) مكان (ظلمائها).
الطّنب والطّنب معا: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. قبله:
يا ربة البيت قومى غير صاغرة ... ضمى إليك رحال القوم والقربا
وهو يخاطب امرأته أن تعنى بأمتعة الضيوف الذين نزلوا به فى ليلة باردة، فهم عنده فى قرى ودفء. وقوله: «من جمادى» فقد كانوا يجعلون شهر البرد جمادى، وإن لم يكن جمادى فى الحقيقة قال أبو حنيفة الدينورى كما فى اللسان: «جمادى عند العرب الشتاء كله، فى جمادى كان الشتاء أو فى غيرها». والطنب حبل الخباء. والشعر من قصيدة فى الحماسة.
وانظر شرح التبريزى لها (التجارية) 4/ 123. (نجار).
(2) الأخولة جمع الخال أخى الأم.
(3) البيت من الطويل، للكلحبة اليربوعى فى تخليص الشواهد ص 322، وخزانة الأدب 1/ 386، 387، وشرح اختيارات المفضل ص 149، وشرح شواهد الإيضاح ص 103، ولسان العرب (وشك)، ونوادر أبى زيد ص 153، وله أو للأسود بن يعفر فى المقاصد النحوية 3/ 442، وبلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص 817، ويروى (يغش) مكان (يخش).(2/290)
يأتى مضمرا نحو: زيد مررت به. فإن لم يأت مضمرا وجاء مظهرا فأجود ذلك أن يعاد لفظ الأوّل البتّة نحو: زيد مررت بزيد، كقول الله سبحانه: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} و {الْقََارِعَةُ مَا الْقََارِعَةُ} [القارعة: 1، 2] وقوله:
لا أرى الموت يسبق الموت شىء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (1)
ولو قال: زيد مررت بأبى محمد (وكنيته أبو محمد) لم (يجز عند) سيبويه، وإن كان أبو الحسن قد أجازه. وذلك أنه لم يعد على الأوّل ضميره، كما يجب، ولا عاد عليه لفظه. فهذا وجه القبح. ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن.
وذلك أنه لمّا لم يعد لفظ الأوّل البتّة، وعاد مخالفا للأوّل شابه بخلافه له المضمر الذى هو أبدا مخالف للمظهر. وعلى ذلك قال:
أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى
ولم يقل: (به ولا) بالمرء. أفلا ترى أن القبح الذى كان فى مخالفة الظاهر الثانى للأوّل قد عاد فصار بالتأويل من حيث أرينا حسنا. وسببهما جميعا واحد.
وهو وجه المخالفة فى الثانى للأوّل.
وأمّا قول ذى الرمة:
ولا الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هى ما هيا
فيجوز أن تكون (هى) الثانية فيه إعادة للفظ الأوّل كقوله عزّ وجلّ {الْقََارِعَةُ مَا الْقََارِعَةُ} [القارعة: 1، 2] وهو الوجه. ويجوز أن تكون (هى) الثانية ضمير (هى) الأولى كقولك: هى مررت بها. وإنما كان الوجه الأوّل لأنه إنما يعاد لفظ الأوّل فى مواضع التعظيم والتفخيم، وهذا من مظانّه لأنه فى مدحه وتعظيم أمره.
__________
(1) البيت من الخفيف، وهو لعدى بن زيد فى ديوانه ص 65، والأشباه والنظائر 8/ 30، وخزانة الأدب 1/ 378، 379، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 36، 118، ولسوادة بن عدى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 125، وشرح شواهد المغنى 2/ 176، والكتاب 1/ 62، ولسوادة أو لعدى فى لسان العرب (نغص)، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب 1/ 153، 286، 829، وخزانة الأدب 6/ 90، 11/ 366، ومغنى اللبيب 2/ 500.(2/291)
ومن ذلك أنهم قالوا: أبيض لياح. فقلبوا الواو التى فى تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها، على ضعف ذلك لأنه ليس جمعا كثياب، ولا مصدرا كقيام. وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخفّ كقولهم فى صوار البقر: صيار، وفى الصوان للتخت (1) صيان. (وكان) يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام (لياح) أن تعود الواو. وقد قالوا مع هذا: أبيض لياح، فأقرّوا القلب بحاله، مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم فى القلب به على ضعفه. ووجه التأوّل منهم فى هذا أن قالوا: لمّا لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام، وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها، وطلبا لخفّتها، لم تراجع الواو لزوال الكسرة، إذ مثلها فى هذا الموضع فى غالب الأمر ساقط غير مؤثّر نحو خوان وزوان (2) وقوام وعواد مصدرى قاومت وعاودت، فمضينا على السمت فى الإقامة على الياء. أفلا ترى إلى ضعف حكم الكسرة فى (لياح) الذى كأن مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه، كيف صار سببا وداعيا إلى استمراره والتعدّى به إلى ما يعرى منه، والتعذر فى إقرار الحكم به. وهذا ظاهر.
ومن ذلك أن الادّغام يكون فى المعتل سببا للصحّة نحو قولك فى فعّل من القول: قوّل، وعليه جاء اجلوّاذ. والادّغام نفسه يكون فى الصحيح سببا للإعلال ألا تراهم كيف جمعوا حرّة بالواو والنون فقالوا: إحرّون (3) لأن العين أعلّت بالادّغام، فعوّضوا من ذلك الجمع بالواو والنون. وله نظائر. فاعرفه.
* * * __________
(1) التخت: وعاء تصان فيه الثياب، فارسى، وقد تكلمت به العرب. اللسان (تخت).
(2) الزّوان بضم الزاى وكسرها: حب يخالط البرّ، واحدته زوانة وزوانة. اللسان (زون).
(3) الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرات كأنها أحرقت بالنّار. والجمع حرّات وحرار وزعم يونس أنهم يقولون حرّة وحرّون، وزعم يونس أيضا أنهم يقولون حرّة وإحرّون يعنى الحرار كأنه جمع إحرّة، وبها أنشد ثعلب. اللسان (حرر).(2/292)
باب فى اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك إلا أنه ليس بصاحبك
من ذلك قولهم: لا رجل عندك ولا غلام لك ف (لا) هذه ناصبة اسمها، وهو مفتوح، إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التى تتقاضاها (لا) إنما هذه فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذى هو عمل لا فى المضاف نحو لا غلام رجل عندك، والممطول (1) نحو لا خيرا من زيد فيها.
وأصنع من هذا قولك: لا خمسة عشر لك، فهذه الفتحة الآن فى راء (عشر) فتحة بناء التركيب فى هذين الاسمين، وهى واقعة موقع فتحة البناء فى قولك: لا رجل عندك، وفتحة لام رجل واقعة موقع فتحة الإعراب فى قولك: لا غلام رجل فيها، ولا خيرا منك عنده. ويدلّ على أن فتحة راء (عشر) من قولك: لا خمسة عشر عندك هى فتحة تركيب الاسمين لا التى تحدثها (لا) فى نحو قولك:
لا غلام لك أن (خمسة عشر) لا يغيّرها العامل الأقوى، أعنى الفعل فى قولك جاءنى خمسة عشر، والجارّ فى نحو قولك: مررت بخمسة عشر. فإذا كان العامل الأقوى لا يؤثّر فيها فالعامل الأضعف الذى هو (لا) أحجى بألا يغيّر، فعلمت بذلك أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هى فتحة (للتركيب لا فتحة للإعراب فصحّ بهذا أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هى فتحة) بناء واقعة موقع حركة الإعراب، والحركات كلها من جنس واحد وهو الفتح.
ومن ذلك قولك: مررت بغلامى. فالميم موضع جرّة الإعراب المستحقّة بالباء، والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف الجرّ، إنما هذه هى التى تصحب ياء المتكلم فى الصحيح نحو هذا غلامى، ورأيت غلامى فثباتها فى الرفع والنصب يؤذنك أنها ليست كسرة الإعراب، وإن كانت بلفظها.
__________
(1) اسم ممطول: طال بإضافة أو صلة، استعمله سيبويه فيما طال من الأسماء: كعشرين رجلا، وخيرا منك، إذا سمّى بهما رجل. اللسان (مطل).(2/293)
ومن ذلك قولهم (1): يسعنى حيث يسعك، فالضمة فى (حيث) ضمة بناء واقعة موقع رفع الفاعل. فاللفظ واحد والتقدير مختلف. (ومن ذلك قولك: جئتك الآن. فالفتحة فتحة بناء فى (الآن) وهى واقعة موقع فتحة نصب الظرف).
ومن ذلك قولك: كنت عندك فى أمس. فالكسرة الآن كسرة بناء. وهى واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضيها الجرّ. وأمّا قوله:
وإنى وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتّى كادت الشمس تغرب (2)
فيروى: (والأمس) جرّا ونصبا. فمن نصبه فلأنه لما عرّفه باللام الظاهرة وأزال عنه تضمّنه إيّاها أعربه (والفتحة) فيه نصبة الظرف كقولك أنا آتيك اليوم وغدا.
وأمّا من جرّه فالكسرة فيه كسرة البناء التى فى قولك: كان هذا أمس، واللام فيه زائدة كزيادتها فى الذى والتى، وفى قوله:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (3)
قال أبو عثمان: سألت الأصمعىّ عن هذا، فقال: الألف واللام فى (الأوبر) زائدة. وإنما تعرّف (الأمس) بلام أخرى مرادة غير هذه مقدّرة. وهذه الظاهرة
__________
(1) (حيث) هنا فى موضع رفع. والمعروف فيها أن تكون فى موضع نصب أو جرّ. وانظر كلام ابن هشام فى المغنى 1/ 150.
(2) البيت من الطويل، وهو لنصيب فى ديوانه ص 9، والأغانى 9/ 45، ولسان العرب (أين)، (أمس)، (لوم)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 204، والإنصاف ص 320، والدرر 3/ 109، وشرح شذور الذهب ص 131، والصاحبى فى فقه اللغة ص 143، والمحتسب 2/ 190، وهمع الهوامع 1/ 209.
(3) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى الاشتقاق ص 402، والإنصاف 1/ 319، وأوضح المسالك 1/ 180، وتخليص الشواهد ص 167، وجمهرة اللغة ص 331، ورصف المبانى ص 78، وسر صناعة الإعراب ص 366، وشرح الأشمونى 1/ 85، وشرح التصريح 1/ 151، وشرح شواهد المغنى 1/ 166، وشرح ابن عقيل ص 96، ولسان العرب (جوت)، (حجر)، (سور)، (عير)، (وبر)، (حجش)، (أبل)، (حفل)، (عقل)، (أسم)، (جنى)، (نجا)، والمحتسب 2/ 224، ومغنى اللبيب 1/ 52، 220، والمقاصد النحوية 1/ 498، والمقتضب 4/ 48، والمنصف 3/ 134.
جنيتك: جنيت لك، والأكمؤ جمع الكمء، وهو نبات. والعساقيل: ضرب من الكمأة، وهى الكمأة الكبار البيض، ويقال فى الواحد عسقلة وعسقول وبنات أوبر: كمأة لها زغب.(2/294)
ملقاة زائدة للتوكيد.
ومثله مما تعرّف بلام مرادة (وظهرت) فيه لام أخرى غيرها زائدة قولك: الآن.
فهو معرّف بلام مقدّرة، وهذه الظاهرة فيه زائدة. وقد ذكر أبو علىّ هذا قبلنا، وأوضحه، وذكرناه نحن أيضا فى غير هذا الموضع من كتبنا. وقد ذكرت فى كتاب التعاقب فى العربية من هذا الضرب نحوا كثيرا. فلندعه هنا.
* * *
باب فى احتمال القلب لظاهر الحكم(2/295)
* * *
باب فى احتمال القلب لظاهر الحكم
هذا موضع يحتاج إليه مع السعة ليكون معدّا عند الضرورة.
فمن ذلك قولهم: أسطر. فهذا وجهه أن يكون جمع سطر ككلب وأكلب وكعب وأكعب. وقد يجوز أيضا أن يكون جمع سطر، فيكون حينئذ كزمن وأزمن، وجبل وأجبل قال:
إنى لأكنى بأجبال عن أجبلها ... وباسم أودية عن اسم واديها (1)
ومثله أسطار، فهذا وجهه أن يكون جمع سطر (كجبل وأجبال) وقد يجوز أيضا أن يكون جمع سطر كثلج وأثلاج وفرخ وأفراخ قال الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر (2)
ومثله قولهم: الجباية فى الخراج ونحوه: الوجه أن يكون مصدر جبيته، ويجوز أن يكون من جبوته كقولهم: شكوته شكاية. وأصحابنا يذهبون فى قولهم: الجباوة إلى أنها مقلوبة عن الياء فى جبيت، ولا يثبتون جبوت.
ونحو من ذلك قولهم: القنية يجب على ظاهرها أن تكون من قنيت. وأما أصحابنا فيحملونها على أنها من قنوت أبدلت لضعف الحاجز لسكونه عن الفصل به بين الكسرة وبينها. على أن أعلى اللغتين قنوت.
ومن ذلك قولهم: الليل يغسى (3) فهذا يجب أن يكون من غسى كشقى يشقى،
__________
(1) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى الأغانى 5/ 302، 304، 305، والمقتضب 2/ 200.
ويروى (ذكر) مكان (اسم).
(2) البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 164، والأغانى 2/ 156، وأوضح المسالك 4/ 310، وخزانة الأدب 3/ 294، وشرح التصريح 2/ 302، والشعر والشعراء 1/ 334، ولسان العرب (طلح)، ومعجم ما استعجم ص 892، والمقاصد النحوية 4/ 524، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 349، وشرح الأشمونى 3/ 674، وشرح المفصل 5/ 16، والمقتضب 2/ 196.
ذو مرخ: موضع.
(3) الليل يغسى: يظلم.(2/296)
ويجوز أن يكون من غسا، فقد قالوا: غسى يغسى، وغسا يغسو ويغسى أيضا، وغسا يغسى نحو أبى يأبى، وجبا (1) الماء يجباه.
ومن ذلك زيد مررت به واقفا، الوجه أن يكون (واقفا) حالا من الهاء (فى به)، وقد يجوز أن يكون حالا من نفس (زيد) المظهر، ويكون مع هذا العامل فيه ما كان عاملا فيه وهو حال من الهاء ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل فى الحال هو (غير العامل فى صاحب) الحال ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [البقرة: 91] ف (مصدّقا) حال من (الحقّ) والناصب له غير الرافع للحقّ، وعليه البيت:
أنا ابن دارة معروفا بها نسبى ... وهل بدارة يا للناس من عار
وكذلك عامّة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه، ينبغى أن يكون جميع ذلك مجوّزا فيه. ولا يمنعك قوّة القوىّ من إجازة الضعيف أيضا فإن العرب تفعل ذلك تأنيسا لك بإجازة الوجه الأضعف لتصحّ به طريقك، ويرحب به خناقك إذا لم تجد وجها غيره، فتقول: إذا أجازوا نحو هذا ومنه بدّ وعنه مندوحة، فما ظنّك بهم إذا لم يجدوا منه بدلا، ولا عنه معدلا ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها ليعدّوها لوقت الحاجة إليها. فمن ذلك قوله:
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (2)
أفلا تراه كيف دخل تحت ضرورة الرفع، ولو نصب لحفظ الوزن وحمى جانب الإعراب من الضعف. وكذلك قوله:
__________
(1) جبا الماء: جمعه.
(2) الرجز لأبى النجم فى تخليص الشواهد ص 281، وخزانة الأدب 1/ 359، والدرر 2/ 13، وشرح أبيات سيبويه 1/ 14، 441، وشرح شواهد المغنى 2/ 544، وشرح المفصل 6/ 9، والكتاب 1/ 85، والمحتسب 1/ 211، ومعاهد التنصيص 1/ 147، ومغنى اللبيب 1/ 201، والمقاصد النحوية 4/ 224، وتاج العروس (خير)، وبلا نسبة فى الأغانى 10/ 176، وخزانة الأدب 3/ 20، 6/ 272، 273، وشرح المفصل 2/ 30، والكتاب 1/ 127، 137، 146، والمقتضب 4/ 252، وهمع الهوامع 1/ 97.
أم الخيار: امرأته.(2/297)
لم تتلّفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تغذ دعد فى العلب (1)
كذا الرواية بصرف (دعد) الأولى، ولو لم يصرفها لما كسر وزنا، وأمن الضرورة أو ضعف إحدى اللغتين. وكذلك قوله:
أبيت على معارى فاخرات ... بهنّ ملوّب كدم العباط (2)
هكذا أنشده: على معارى بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة، ولو أنشد:
على معار فاخرات لما كسر وزنا ولا احتمل ضرورة.
* * * __________
(1) البيت من المنسرح، وهو لجرير فى ملحق ديوانه ص 1021، ولسان العرب (دعد)، (لفع)، ولعبيد الله بن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص 178، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص 282، وأمالى ابن الحاجب ص 395، وشرح الأشمونى 2/ 527، وشرح قطر الندى ص 318، وشرح المفصل 1/ 70، والكتاب 3/ 141، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 50، والمنصف 2/ 77.
الالتفاع والتلفّع: الالتحاف بالثوب. وهو أن يشتمل به حتى يجلّل جسده. والعلب واحدها علبة، وهى قدح من جلد يشرب فيه اللبن.
(2) البيت من الوافر، وهو للمتنخل الهذلى فى شرح أشعار الهذليين 3/ 1268، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 993، ولسان العرب (لوب)، (عرا)، وللهذلى فى الكتاب 3/ 313، والمنصف 2/ 67، 75، 3/ 67، وتاج العروس (عرا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (عبط)، (سما)، ويروى (واضحات) مكان (فاخرات).
ومعارى المرأة: ما لابدّ لها من إظهاره، واحدها معرى، ومعارى المرأة يداها ورجلاها ووجهها. قال ابن سيده: والمعارى الفرش، وقيل: إنّ الشاعر عنى المرأة نفسها، وقيل: عنى أجزاء جسمها. واختار معارى على معار لأنه آثر إتمام الوزن، وفرّ من الزّحاف. اللسان (عرا) والملوّب: المخلوط بالملاب وهو الزعفران. ودم العباط: هو ما نحر لغير علة.(2/298)
باب فى أن الحكم للطارئ
اعلم أن التضادّ فى هذه اللغة جار مجرى التضادّ عند ذوى الكلام. فإذا ترادف الضدّان فى شىء منها كان الحكم منهما للطارئ، فأزال الأوّل. وذلك كلام التعريف إذا دخلت على المنوّن حذف لها تنوينه كرجل والرجل، وغلام والغلام.
وذلك أن اللام للتعريف، والتنوين من دلائل التنكير. فلمّا ترادفا على الكلمة تضادّا، فكان الحكم لطارئهما، وهو اللام.
وهذا جار مجرى الضدّين المترادفين على المحلّ الواحد كالأسود يطرأ عليه البياض، والساكن تطرأ عليه الحركة، فالحكم للثانى منهما. ولولا أن الحكم للطارئ لما تضادّ فى الدنيا عرضان، أو إن تضادّا أن يحفظ كل ضدّ محلّه، فيحمى جانبه أن يلمّ به ضدّ له، فكان (الساكن أبدا ساكنا والمتحرك أبدا متحركا) والأسود أبدا أسود والأبيض أبدا أبيض لأنه كان كلّما همّ الضدّ بوروده على المحلّ الذى فيه ضدّه نفى المقيم به الوارد عليه، فلم يوجده إليه طريقا، ولا عليه سبيلا.
ومثل حذف التنوين للام حذف تاء التأنيث لياءى الإضافة كقولك فى الإضافة إلى البصرة: بصرىّ، وإلى الكوفة: كوفىّ. وكذلك حذف تاء التأنيث لعلامته أيضا، نحو ثمرات، وجمرات، وقائمات، وقاعدات. (وكذلك) تغيير الأولى للثانية بالبدل نحو صحراوات، وخنفساوات. وكذلك حذف ياءى الإضافة لياءيه كقولك (فى الإضافة) إلى البصرىّ: بصرىّ، وإلى الكوفىّ: كوفىّ، وكذلك) إلى كرسىّ: كرسىّ، وإلى بختىّ: بختىّ. فتحذف (الأوليين للأخريين).
وكذلك لو سمّيت رجلا أو امرأة بهندات لقلت فى الجمع أيضا: هندات، فحذفت الألف والتاء (الأوليين للأخريين) الحادثتين.
فإن قلت: كيف جاز أن تحذف لفظا، وإنما جئت بمثله ولم تزد على ذلك، فهلا كان ذلك فى الامتناع بمنزلة امتناعهم من تكسير مساجد ونحوه اسم رجل ألا تراهم قالوا: لو كسّرته لما زدت على مراجعة اللفظ الأوّل وأن تقول فيه: مساجد؟
فالجواب أن علم التأنيث يلحق الكلمة (نيّفا عليها وزيادة موصولة بها) وصورة
الاسم قبلها قائمة برأسها وذلك نحو قائمة وعاقلة وظريفة، وكذلك حال ياءى الإضافة نحو زيدىّ (وبكرىّ) ومحمدىّ وكذلك ما فيه الألف والتاء نحو هندات وزينبات إنما يلحقان ما يدخلان عليه من عجزه وبعد تمام صيغته، فإذا أنت حذفت شيئا من ذلك فإنك لم تعرض لنفس الصيغة بتحريف، وإنما اخترمت زيادة عليها واردة بعد الفراغ من بنيتها، فإذا أنت حذفتها وجئت بغيرها ممّا يقوم مقامها فكأن لم تحدث حدثا، ولم تستأنف فى ذلك عملا. وأما باب مفاعل فإنك إن اعتزمت تكسيرها لزمك حذف ألف تكسيرها، و (نقض) المشاهد من صورتها واستئناف صيغة مجدّدة وصنعة مستحدثة. ثم مع هذا فإن اللفظ الأوّل والثانى واحد، وأنت قد هدمت الصورة هدما، ولم تبق لها أمارة ولا رسما، وإنما اقترحت صورة أخرى (مثل المستهلكة) الأولى.(2/299)
فالجواب أن علم التأنيث يلحق الكلمة (نيّفا عليها وزيادة موصولة بها) وصورة
الاسم قبلها قائمة برأسها وذلك نحو قائمة وعاقلة وظريفة، وكذلك حال ياءى الإضافة نحو زيدىّ (وبكرىّ) ومحمدىّ وكذلك ما فيه الألف والتاء نحو هندات وزينبات إنما يلحقان ما يدخلان عليه من عجزه وبعد تمام صيغته، فإذا أنت حذفت شيئا من ذلك فإنك لم تعرض لنفس الصيغة بتحريف، وإنما اخترمت زيادة عليها واردة بعد الفراغ من بنيتها، فإذا أنت حذفتها وجئت بغيرها ممّا يقوم مقامها فكأن لم تحدث حدثا، ولم تستأنف فى ذلك عملا. وأما باب مفاعل فإنك إن اعتزمت تكسيرها لزمك حذف ألف تكسيرها، و (نقض) المشاهد من صورتها واستئناف صيغة مجدّدة وصنعة مستحدثة. ثم مع هذا فإن اللفظ الأوّل والثانى واحد، وأنت قد هدمت الصورة هدما، ولم تبق لها أمارة ولا رسما، وإنما اقترحت صورة أخرى (مثل المستهلكة) الأولى.
وكذلك ما جاء عنهم من تكسير فعل على فعل كالفلك فى قول سيبويه. لمّا كسّرته على الفلك فأنت إنما غيّرت اعتقادك فى الصفة، فزعمت أن ضمة فاء الفلك فى الواحد كضمّة دال درج وباء برج، وضمتها فى الجمع كضمة همزة أسد وأثن جمع أسد ووثن إلا أن صورة فلك فى الواحد هى صورته فى الجمع، لم تنقص منها رسما، وإنما استحدثت لها اعتقادا وتوهما. وليست كذلك مساجد لأنك لو تجشّمت تكسيرها على مساجد أيضا، حذفت الألف ونقضت الصيغة، واستحدثت للتكسير المستأنف ألفا أخرى، وصورة غير الأولى. وإنما ألف مساجد لو اعتزمت تكسيرها كألف عذافر (وخرافج) (1) (وألف تكسيره كألف عذافر وخرافج). فهذا فرق.
ومن غلبة حكم الطارئ حذف التنوين للإضافة نحو غلام زيد، وصاحب عمرو. وذلك لأنهما ضدّان ألا ترى أن التنوين مؤذن بتمام ما دخل عليه، والإضافة حاكمة بنقص المضاف وقوّة حاجته إلى ما بعده. فلمّا كانت هاتان الصفتان على ما ذكرنا، تعادتا وتنافتا، فلم يمكن اجتماع علامتيهما. وأيضا فإن التنوين علم للتنكير، والإضافة موضوعة للتعريف، وهاتان أيضا قضيّتان متدافعتان، إلا أن الحكم للطارئ من العلمين، وهو الإضافة ألا ترى أن الإفراد
__________
(1) يقال: نبت خرافج: غضّ، وعيش خرافج: واسع.(2/300)
أسبق رتبة من الإضافة كما أن التنكير أسبق رتبة من التعريف. فاعرف الطريق فإنها مع أدنى تأمّل واضحة.
واعلم أن جميع ما مضى من هذا يدفع قول الفرّاء فى قول الله سبحانه: {إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} [طه: 63]: إنه أراد ياء النصب ثم حذفها لسكونها وسكون الألف قبلها. وذلك أن ياء التثنية هى الطارئة على ألف (ذا) فكان يجب أن تحذف الألف لمكانها.
* * *
باب فى الشىء يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتى السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله(2/301)
* * *
باب فى الشىء يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتى السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله
وذلك نحو عنتر وعنبر وحنزقر (1) وحنبتر (2) وبلتع (3) وقرناس (4).
فالمذهب أن يحكم فى جميع هذه النونات والتاءات وما يجرى مجراها مما هو واقع موقع الأصول مثلها بأصليته، مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادة شىء منه كما ورد فى عنسل وعنبس ما قطعنا به على زيادة نونهما، وهو الاشتقاق المأخوذ من عبس وعسل، وكما قطعنا على زيادة نون قنفخر (5) لقولهم: امرأة قفاخريّة (6)، وكذلك تاء تألب لقولهم: ألب (7) الحمار طريدته يألبها، فكذلك يجوز أن يرد دليل يقطع به على نون عنبر فى الزيادة، وإن كان ذلك كالمتعذّر الآن لعدم المسموع من الثقة المأنوس بلغته، وقوّة طبيعته ألا ترى أن هذا ونحوه ممّا لو كان له أصل لما تأخّر أمره، ولوجد فى اللغة ما يقطع له به. وكذلك ألف آءة، حملها الخليل رحمه الله على أنها منقلبة عن الواو حملا على الأكثر، ولسنا ندفع مع ذلك أن يرد شىء من السماع يقطع معه بكونها منقلبة عن ياء على ما قدّمنا من بعد نحو ذلك وتعذّره.
ويجىء على قياس ما نحن عليه أن تسمع نحو بيت وشيخ فظاهره لعمرى أن يكون فعلا مما عينه ياء، ثم لا يمنعنا هذا أن نجيز كونها فيعلا مما عينه واو كميت وهين. ولكن إن وجدت فى تصريفه نحو شيوخ وأشياخ ومشيخة، قطعت
__________
(1) حنزقر: هو القصير الدميم.
(2) حنبتر: هو الشدّة.
(3) رجل بلتع ومتبلتع وبلتعىّ وبلتعانىّ: حاذق ظريف متكلّم، والأنثى بالهاء. اللسان (بلتع).
(4) القرناس والقرناس: شبيه الأنف يتقدم فى الجبل.
(5) قنفخر: هو الفائق فى نوعه.
(6) القفاخرىّ: التارّ الناعم الضخم الجثة. اللسان (قفخر). والتارّ: الممتلئ البدن.
(7) هو الشديد الغليظ من حمر الوحش.(2/302)
بكونه من باب: بيع وكيل. غير أنّ القول وظاهر العمل أن يكون من باب بيع.
بل إذا كان سيبويه قد حمل سيدا على أنه من الياء تناولا لظاهره، مع توجّه كونه فعلا مما عينه واو كريح وعيد، كان حمل نحو شيخ على أن يكون من الياء لمجىء الفتحة قبله أولى وأحجى.
فعلى نحو من هذا، فليكن العمل فيما يرد من هذا.
* * *
باب فى الاقتصار فى التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح(2/303)
* * *
باب فى الاقتصار فى التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح
وذلك كأن تقسّم نحو مروان إلى ما يحتمل حاله من التمثيل له، فتقول: لا يخلو من أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا. فهذا ما يبيحك التمثيل فى بابه.
فيفسد كونه مفعالا أو فعوالا أنهما مثالان لم يجيئا، وليس لك أن تقول فى تمثيله:
لا يخلو أن يكون مفلان أو مفوالا أو فعوان أو مفوان أو نحو ذلك، لأن هذه ونحوها (إنما هى) أمثلة ليست موجودة أصلا، ولا قريبة من الموجودة، كقرب فعوال ومفعال من الأمثلة الموجودة ألا ترى أن فعوالا أخت فعوال كقرواش (1)، وأخت فعوال كعصواد (2)، وأن مفعالا أخت مفعال كمحراب، وأن كل واحد من مفلان ومفوان وفعوان لا يقرب منه شىء من أمثلة كلامهم.
وتقول على ذلك فى تمثيل أيمن من قوله:
* يبرى لها من أيمن وأشمل (3) *
لا يخلو أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا. فيجوز هذا كله لأن بعضه له نظير (وبعضه قريب مما له نظير) ألا ترى أن أفعلا كثير النظير كأكلب وأفرخ ونحو ذلك، وأن أيفلا له نظير (وهو أينق) فى أحد قولى سيبويه فيه، وأن فعلنا
__________
(1) القرواش: الطفيلىّ، الواغل الذى يدخل على القوم من غير أن يدعوه. اللسان (قرش).
(2) العصواد، من معانيه الجلبة والاختلاط.
(3) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب 6/ 503، ولسان العرب (صمد)، (يبر)، (جزل)، (شمل)، وشرح أبيات سيبويه 2/ 215، وشرح شواهد المغنى 1/ 450، والطرائف الأدبية ص 63، والكتاب 1/ 221، 3/ 290، 607، والمنصف 1/ 61، وتاج العروس (صمد)، (جزل)، والمخصص 2/ 3، 17/ 12، وديوان الأدب 2/ 267، ومجمل اللغة 1/ 432، 3/ 241، ومقاييس اللغة 1/ 454، 3/ 216، 3/ 310، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 406، وشرح المفصل 5/ 41، والمخصص 7/ 159، ويروى (يأتى) بدلا من (يبرى) وبعده:
... وهى حيال الفرقدين تعتلى
تغادر الصمد كظهر الأجزل(2/304)
يقارب أمثلتهم. وذلك فعلن فى نحو خلبن (1) وعلجن (2) قال ابن العجّاج:
وخلّطت كلّ دلاث علجن ... تخليط خرقاء اليدين خلبن (3)
وأن فيعلا أخت فيعل كصيرف، وفيعل كسيّد. وأيضا فقد قالوا: أيبلىّ (4) وهو فيعلىّ، وهيردان (5) وهو فيعلان. ولكن لا يجوز لك فى قسمته أن تقول: لا يخلو أيمن أن يكون أيفعا ولا فعملا ولا أيفما ولا نحو ذلك لأن هذه ونحوها أمثلة لا تقرب من أمثلتهم فيجتاز بها فى جملة تقسيم المثل لها.
وكذلك لو مثّلت نحو عصىّ لقلت فى قسمته: لا يخلو أن يكون فعولا كدلىّ، أو فعيلا كشعير وبعير، أو فليعا كقسىّ وأصلها فعول: قووس، غيرّت إلى قسوّ:
فلوع، ثم إلى قسىّ: فليع، أو فعلا كطمرّ. وليس لك أن تقول فى عصىّ إذا قسمتها: أو فعليا لأن هذا مثال لا موجود ولا قريب من الموجود إلا أن تقول:
إنها مقاربة لطمرّ.
وتقول فى تمثيل إوىّ من قوله:
* كما تدانى الحدأ الإوىّ (6) *
__________
(1) خلبن: هى الحمقاء.
(2) علجن: هى الناقة الغليظة.
(3) الرجز لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ص 162، ولسان العرب (خلب)، (دلث)، (علج)، (علجن)، والتنبيه والإيضاح 1/ 214، وتاج العروس (خلب)، (دلث)، (علج)، وبلا نسبة فى كتاب العين 2/ 324، والمخصص 4/ 32، 16/ 166، وديوان الأدب 2/ 34، وتهذيب اللغة 3/ 324، 7/ 421.
الدّلاث: السريعة.
(4) أيبلىّ: هو الراهب.
(5) هيردان: هونبت.
(6) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 485484، ولسان العرب (حدأ)، (أوا)، وتاج العروس (حدأ)، (أوى)، وكتاب العين 3/ 279، 8/ 437، ومقاييس اللغة 1/ 152، 2/ 35، ومجمل اللغة 2/ 37، وتهذيب اللغة 5/ 187، 15/ 650، والمخصص 8/ 161، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1107. وقبله:
* فخف والجنادل الثّوىّ *(2/305)
إذا قسمته: لا يخلو أن يكون فعولا كثدىّ، أو فعيلا كشعير، أو فعيّا كمئى إذا نسبت إلى مائة ولم تردد لامها، أو فعلا كطمرّ. ولا تقول فى قسمتها: أو فوعلا أو إفعلا أو فويا أو إفلعا أو نحو ذلك لبعد هذه الأمثلة ممّا جاء عنهم. فإذا تناءت عن مثلهم إلى ههنا لم تمرر بها فى التقسيم لأن مثلها ليس مما يعرض الشكّ فيه، ولا يسلّم الفكر به، ولا توهم الصنعة كون مثله.
* * *
باب فى خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب(2/306)
* * *
باب فى خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب
وذلك كأن تقول فى تخفيف همزة نحو صلاءة وعباءة: لا تلقى حركتها على الألف لأن الألف لا تكون مفتوحة أبدا. فقولك: (مفتوحة) تخصيص لست بمضطرّ إليه ألا ترى أن الألف لا تكون متحرّكة أبدا بالفتحة ولا غيرها. وإنما صواب ذلك أن تقول: لأن الألف لا تكون متحرّكة أبدا.
وكذلك لو قلت: لأن الألف لا تلقى عليها حركة الهمزة لكان لعمرى صحيحا كالأوّل إلا أن فيه تخصيصا يقنع منه عمومه.
فإن قلت: استظهرت بذلك للصنعة، قيل: لا، بل استظهرت به عليها ألا ترى أنك إذا قلت: إن الألف لا تكون مفتوحة أبدا جاز أن يسبق إلى نفس من يضعف نظره أنها وإن لم تكن مفتوحة فقد يجوز أن تكون مضمومة أو مكسورة.
نعم، وكذلك إذا قلت: إنها لا تلقى عليها حركة الهمزة جاز أن يظنّ أنها تلقى عليها حركة غير الهمزة. (فإذا أنت قلت: لا يلقى عليها الحركة) أو لا تكون متحركة أبدا احتطت للموضع واستظهرت للفظ والمعنى.
وكذلك لو قلت: إنّ ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها المعرفتين نحو ظننت أخاك أباك لكنت لعمرى صادقا، إلا أنك مع ذلك كالموهم به أنّه إذا كان مفعولاها نكرتين كان لها حكم غير حكمها إذا كانا معرفتين. ولكن إذا قلت:
ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها عممت الفريقين بالحكم، وأسقطت الظنّة عن المستضعف الغمر، وذكرت هذا النحو من هذا اللفظ حراسة له، وتقريبا منه، ونفيا لسوء المعتقد عنه.
* * *
باب فى تركيب المذاهب(2/307)
* * *
باب فى تركيب المذاهب
قد كنا أفرطنا فى هذا الكتاب باب تركيب اللغات. وهذا الباب نذكر فيه كيف تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض (وأنتجت) بين ذلك مذهبا.
وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس فى ردّ المحذوف فى التحقير وإن غنى المثال عنه، فيقول فى تحقير هار: هويئر، وفى يضع اسم رجل: يؤيضع، وفى بالة من قولك ما باليت به بالة: بويلية. وسيبويه إذا استوفى التحقير مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفا. فيقول: هوير، ويضيع، وبويلة.
وكان أبو عثمان أيضا يرى رأى سيبويه فى صرف نحو جوار علما وإجرائه بعد العلميّة على ما كان عليه قبلها. فيقول فى رجل أو امرأة اسمها جوار أو غواش بالصرف فى الرفع والجر على حاله قبل نقله، ويونس لا يصرف ذلك ونحوه علما، ويجريه مجرى الصحيح فى ترك الصرف.
فقد تحصّل إذا لأبى عثمان هنا مذهب مركّب من مذهبى الرجلين وهو الصرف على مذهب سيبويه، والردّ على مذهب يونس. فتقول على قول أبى عثمان فى تحقير اسم رجل سمّيته بيرى: هذا يرىء (كيريع). فتردّ الهمزة على قول يونس، وتصرف على قول سيبويه. ويونس يقول فى هذا: يريئى (بوزن يريعى) فلا يصرف وقياس قول سيبويه يرىّ، فلا يردّ، وإذا لم يردّ لم يقع الطرف بعد كسرة، فلا يصرف إذا، كما لم يصرف أحىّ تصغير أحوى. وقياس قول عيسى أن يصرف فيقول: يرىّ كما يصرف تحقير أحوى: أحىّ.
فقد عرفت إذا تركب مذهب أبى عثمان من قولى الرجلين.
فإن خفّفت همزة يرىء قلت يريّى، فجمعت فى اللفظ بين ثلاث ياءات، والوسطى مكسورة. ولم يلزم حذف الطرف للاستثقال، كما حذف فى تحقير أحوى إذا قلت: أحىّ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة، وإنما هى همزة مخففة فهى فى تقدير الهمز. فكما لا تحذف فى قولك: يرىء، كذلك لا تحذف فى قولك: يزبّى، ولو ردّ عيسى كما ردّ يونس للزمه ألا يصرف فى النصب لتمام
مثال الفعل فيقول: رأيت يريئى ويريّى، وأن يصرف فى الرفع والجر على مذهب سيبويه حملا لذلك على صرف جوار.(2/308)
فإن خفّفت همزة يرىء قلت يريّى، فجمعت فى اللفظ بين ثلاث ياءات، والوسطى مكسورة. ولم يلزم حذف الطرف للاستثقال، كما حذف فى تحقير أحوى إذا قلت: أحىّ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة، وإنما هى همزة مخففة فهى فى تقدير الهمز. فكما لا تحذف فى قولك: يرىء، كذلك لا تحذف فى قولك: يزبّى، ولو ردّ عيسى كما ردّ يونس للزمه ألا يصرف فى النصب لتمام
مثال الفعل فيقول: رأيت يريئى ويريّى، وأن يصرف فى الرفع والجر على مذهب سيبويه حملا لذلك على صرف جوار.
و (من ذلك) قول أبى عمر فى حرف التثنية: إن الألف حرف الإعراب ولا إعراب فيها، وهذا هو قول سيبويه. وكان يقول: إن انقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب. وهذا هو قول الفرّاء، أفلا تراه كيف تركّب له فى التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين.
وقال أبو العباس فى قولهم: «أساء سمعا فأساء جابة»: إن أصلها إجابة، ثم كثر فجرى مجرى المثل، فحذفت همزته تخفيفا فصارت جابة. فقد تركّب الآن من قوله هذا وقولى أبى الحسن والخليل مذهب طريف. وذلك أن أصلها اجوابة، فنقلت الفتحة من العين إلى الفاء فسكنت العين (وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول الخليل، والعين) على قول أبى الحسن، جريا على خلافهما المتعالم من مذهبيهما فى مقول ومبيع. فجابة على قول الخليل إذا ضامّه (قول أبى العباس) فعلة ساكنة العين، وعلى قول أبى الحسن إذا ضامّه قول أبى العباس فالة.
(أفلا ترى) إلى هذا الذى أدّى إليه مذهب أبى العباس فى هذه اللفظة (وأنه قول) مركّب، ومذهب لولا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا.
وذلك أن الجابة على الحقيقة فعلة مفتوحة العين، جاءت على أفعل، بمنزلة أرزمت (1) السماء رزمة، وأجلب القوم جلبة. ويشهد أن الأمر كذا، لا كما ذهب إليه أبو العباس قولهم: أطعت طاعة، وأطقت طاقة. وليس واحدة منهما بمثل، ولا كثرت فتجرى مجرى المثل فتحذف همزتها إلا أنه تركب من قول أبى العباس فيها إذا سيق على مذهبى الخليل وأبى الحسن ما قدّمناه: من كونها فعلة ساكنة العين (أو فالة) كما ترى. وكذا كثير من المذاهب التى هى مأخوذة من قولين، ومسوقة على أصلين: هذه حالها.
* * * __________
(1) الرّزمة: الصوت الشديد، والإرزام: صوت الرّعد.(2/309)
باب فى السلب
نبّهنا أبو على رحمه الله من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه لتتعجب من حسن الصنعة فيه.
اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذ من الفعل أو فيه معنى الفعل، فإن وضع ذلك فى كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إيّاه.
وذلك قولك: قام، فهذا لإثبات القيام، وجلس لإثبات الجلوس، وينطلق لإثبات الانطلاق، وكذلك الانطلاق، ومنطلق: جميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعانى لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفى شىء منها ألحقته حرف النفى فقلت: ما فعل، ولم يفعل، ولن يفعل (ولا تفعل) ونحو ذلك.
ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال، ومن الأسماء الضامنة لمعانيها، فى سلب تلك المعانى لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف (ع ج م) أين وقعت فى كلامهم إنما (هو للإبهام) وضدّ البيان. من ذلك العجم لأنهم لا يفصحون، وعجم (1) الزبيب ونحوه لاستتاره فى ذى العجم، ومنه عجمة الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجّه لهم. ومنه عجمت العود ونحوه إذا عضضته:
لك فيه وجهان: إن شئت قلت: إنما ذلك لإدخالك إياه فى فيك وإخفائك له، وإن شئت قلت: (إن ذلك) لأنك لمّا عضضته ضغطت بعض ظاهر أجزائه (فغارت) فى المعجوم، فخفيت. ومن ذلك استعجمت الدار إذا لم تجب سائلها قال:
صمّ صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل (2)
__________
(1) العجم، بالتحريك: النّوى نوى التمر والنّبق، الواحدة عجمة، وكلّ ما كان فى جوف مأكول كالزّبيب. اللسان (عجم).
(2) البيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 255، ولسان العرب (صمم)، (عجم)، (صدى)، وتهذيب اللغة 12/ 126، 215، ومقاييس اللغة 3/ 341، 4/ 240، وأساس البلاغة (عجم)، وكتاب العين 7/ 139، وتاج العروس (صمم)، (عجم)، (صدى)، وبلا نسبة فى المخصص 1/ 87، 13/ 7.(2/310)
ومنه «جرح العجماء جبار» (1)، لأن البهيمة لا تفصح عما فى نفسها. ومنه (قيل لصلاة) الظهر والعصر: العجماوان، لأنه لا يفصح فيهما بالقراءة. (وهذا) كله على ما تراه من الاستبهام وضدّ البيان، ثم إنهم قالوا: أعجمت الكتاب إذا بيّنته وأوضحته. فهو إذا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته.
ومثله تصريف (ش ك و) فأين وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى والشّكاة وشكوت واشتكيت. فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى ثم إنهم قالوا: أشكيت الرجل إذا (زلت له عما يشكوه) فهو إذا لسلب معنى الشكوى لا لإثباته، أنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها ... وتشتكى لو أننا نشكيها
مسّ حوايا قلّما نجفيها (2)
وفى الحديث: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حرّ الرّمضاء فلم يشكنا، أى فلم يفسح لنا فى إزالة ما شكوناه من ذلك إليه (3).
ومنه تصريف (م ر ض) (إنها لإثبات معنى) المرض نحو مرض يمرض وهو مريض (ومارض) ومرضى ومراضى. ثم إنهم قالوا: مرّضت الرجل أى داويته من مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله عنه.
وكذلك تصريف (ق ذ ى) إنها لإثبات معنى القذى منه قذت عينه (وقذيت
__________
(1) حديث: العجماء جرحها جبار، أى لا دية فيه ولا قود أراد بالعجماء البهيمة، سميت بذلك لأنها لا تتكلم. اللسان (عجم).
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (جفا)، (شكا)، وإصلاح المنطق ص 238، وخزانة الأدب 11/ 316، والخصائص 3/ 77، وسر صناعة الإعراب 1/ 38، وتهذيب اللغة 10/ 297، والمخصص 12/ 298، 13/ 263، وأساس البلاغة (جفو)، (شكو)، وتاج العروس (جفا).
ويروى (تثنيها) مكان (تلويها).
والحويّة: كساء محشو حول سنام البعير، وهى السّويّة. والحويّة لا تكون إلا للجمال، والسّويّة قد تكون لغيرها. والجمع حوايا. اللسان (حوا). نجفيها: أى فلمّا نرفع الحويّة عن ظهرها.
اللسان (جفا).
(3) أخرجه مسلم فى «المساجد ومواضع الصلاة»، (ح 619) من حديث خباب، بلفظ: «شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصلاة فى الرمضاء، فلم يشكنا».(2/311)
وأقذيتها ثم إنهم مع هذا يقولون: قذّيت عينه) إذا أزلت عنها القذى (وهذا) لسلب القذى لا لإثباته.
ومنه حكاية الفرّاء عن أبى الجرّاح: بى إجل فأجلونى، أى داوونى ليزول عنّى.
والإجل: وجع فى العنق.
ومن ذلك تصريف (أث م) أين هى وقعت لإثبات معنى الإثم نحو أثم يأثم وآثم وأثيم وأثوم (والمأثم) وهذا كله لإثباته. ثم إنهم قالوا: تأثّم أى ترك الإثم.
ومثله تحوّب أى ترك الحوب.
فهذا كله كما تراه فى الفعل وفى ذى الزيادة لما سنذكره.
وقد وجدته أيضا فى الأسماء غير الجارية على الفعل إلا أن فيها معانى الأفعال، كما أن مفتاحا فيه معنى الفتح، وخطّافا فيه معنى الاختطاف، وسكّينا فيه معنى التسكين، وإن لم يكن واحد من ذلك جاريا على الفعل.
فمن تلك الأسماء قولهم: التّودية لعود يصرّ على خلف الناقة ليمنع اللبن.
وهى تفعلة من ودى يدى، إذا سال وجرى، وإنما هى لإزالة الودى لا لإثباته.
فاعرف ذلك.
ومثله قولهم السّكاك للجوّ هو لسلب معنى تصريف (س ك ك) ألا ترى أن ذلك للضيق أين وقع. منه أذن سكّاء، أى لاصقة، وظليم أسكّ: إذا ضاق ما بين منسميه، وبئر سكّ، أى ضيّقة الجراب (1). ومنه قوله:
* ومسكّ سابغة هتكت فروجها (2) *
يريد ضيق حلق الدرع. وعليه بقيّة الباب. ثم قالوا للجوّ ولا أوسع منه السكاك فكأنه سلب ما فى غيره من الضيق.
ومن ذلك قولهم: النالة، لما حول الحرم. والتقاؤهما أن من كان فيه لم تنله اليد قال الله عزّ اسمه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً} [آل عمران: 97]. فهذا لسلب
__________
(1) جراب البئر: اتساعها، وفى الصحاح: جوفها من أعلاها إلى أسفلها. انظر اللسان (جرب).
(2) السابغة: الدرع.(2/312)
هذا المعنى لا لإثباته.
ومنه: المئلاة، للخرقة فى يد النائحة تشير بها. قال لى أبو علىّ: هى من ألوت، فقلت له: فهذا إذا من (ما ألوت) لأنها لا تألو أن تشير بها فتبسّم رحمه الله إلىّ إيماء إلى ما نحن عليه، وإثباتا له، واعترافا به. وقد مرّ بنا من ذلك ألفاظ غير هذه.
وكان أبو على رحمه الله يذهب فى الساهر إلى هذا، ويقول: إن قولهم: سهر فلان أى نبا جنبه عن الساهرة (وهى وجه الأرض) قال الله عزّ وجلّ: {فَإِذََا هُمْ بِالسََّاهِرَةِ} [النازعات: 14] فكأنّ الإنسان إذا سهر قلق جنبه عن مضعجه ولم يكد يلاقى الأرض، فكأنه سلب الساهرة.
ومنه تصريف (ب ط ن) إنما هو لإثبات معنى البطن نحو بطن، وهو بطين ومبطان، ثم قالوا: رجل مبطّن، للخميص البطن، فكأنه لسلب هذا المعنى قال الهذلىّ:
* مخطوف الحشا زرم (1) *
وهذا مثله سواء.
وأكثر ما وجدت هذا المعنى من الأفعال فيما كان ذا زيادة ألا ترى أن أعجم ومرّض وتحوّب وتأثّم كل واحد منها ذو زيادة. فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذى هو الإيجاب فلمّا كان السلب معنى زائدا حادثا لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة من حيث كانت الزيادة
__________
(1) عجز البيت من البسيط، وهو لساعدة بن جؤية الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص 1125، ولسان العرب (غرب)، (شذف)، (زرم)، (صوم)، وتهذيب اللغة وتاج العروس (عزب)، (خطف)، (شدف)، (زرم)، (صوم)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 899، ومجمل اللغة 3/ 250، والمخصص 1/ 52. وتكملة البيت:
موكل بشدوف الصوم يبصرها ... من المغارب
قال يعقوب: إنما يصف الحمار إذا ورد الماء فعينه نحو الشجر، لأن الصائد يكمن بين الشجر، فيقول: هذا الحمار من مخافة الشخوص كأنه موكل بالنظر إلى شخوص هذه الأشجار من خوفه من الرماة، يخاف أن يكون فيه ناس وكلّ ما واراك، فهو مغرب. الشّدف: الشخص.
والصوم: شجر قيام كالناس اللسان (شدف). والزرم: الذى لا يثبت فى مكان.(2/313)
حادثة طارئة على الأصل الذى هو الفاء والعين واللام كما أنّ التأنيث لمّا كان معنى طارئا على التذكير احتاج إلى زيادة فى اللفظ علما له كتاء طلحة وقائمة، وألفى بشرى وحمراء (وسكرى) وكما أن التعريف لمّا كان طارئا على التنكير احتاج إلى زيادة لفظ به كلام التعريف فى الغلام والجارية (ونحوه).
فأمّا سهر فإنه فى بابه، وإنه خرج إلى سلب أصل الحرف بنفسه من غير زيادة فيه فلك فيه عذران:
إن شئت قلت: إنه وإن عرى من زيادة الحروف فإنه لم يعر من زيادة ما هو مجار للحرف، وهو ما فيه من الحركات. وقد عرفت من غير وجه مقاربة الحروف للحركات، والحركات للحروف، فكأنّ فى (سهر) ألفا وياء حتى كأنه ساهير فكأنه إذا ليس بعار من الزيادة إذ كان فيه ما هو مضارع للحرف، أعنى الحركة. فهذا وجه.
وإن شئت قلت: خرج (سهر) متنقلا عن أصل بابه إلى سلب معناه منه كما خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها بأنفسها، لا بحرف يفيد التعريف فيها ألا ترى أن بكرا وزيدا ونحوهما من الأعلام إنما تعّرفه بوضعه، لا بلام التعريف فيه، كلام الرجل والمرأة وما أشبه ذلك. وكما أن ما كان مؤنّثا بالوضع كذلك أيضا، نحو هند وجمل وزينب وسعاد فاعرفه. ومثل سهر فى تعرّيه من الزيادة قوله:
* يخفى التراب بأظلاف ثمانية *
ومن ذى الزيادة منه قولهم: أخفيت الشىء أى أظهرته.
وأنا أرى فى هذا الموضع من العربية ما أذكره لك، وهو أن هذا المعنى الذى وجد فى الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه كأنه مسوق على ما جاء من الأسماء ضامنا لمعنى الحرف، كالأسماء المستفهم بها نحو كم ومن وأىّ وكيف ومتى (وأين) وبقيّة الباب. فإن الاستفهام معنى حادث فيها على ما وضعت له الأسماء من إفادة معانيها. وكذلك الأسماء المشروط بها: من، وما، وأىّ، وأخواتهنّ، فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهنّ: من معنى الاسميّة. فأرادوا ألا
تخلو الأفعال من شىء من هذا الحكم أعنى تضمّنها معنى حرف النفى كما تضمّن الأسماء معنى حرف الاستفهام، ومعنى حرف الشرط، ومعنى حرف التعريف فى أمس والآن، ومعنى حرف الأمر فى تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك. وكأنّ الحرف الزائد الذى لا يكاد ينفك منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف السلب. وأيضا فإن الماضى وإن عرى من حرف الزيادة فإن المضارع لابدّ له من حرف المضارعة، والأفعال كلها تجرى مجرى المثال الواحد. فإذا وجد فى بعضها شىء فكأنه موجود فى بقيّتها.(2/314)
وأنا أرى فى هذا الموضع من العربية ما أذكره لك، وهو أن هذا المعنى الذى وجد فى الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه كأنه مسوق على ما جاء من الأسماء ضامنا لمعنى الحرف، كالأسماء المستفهم بها نحو كم ومن وأىّ وكيف ومتى (وأين) وبقيّة الباب. فإن الاستفهام معنى حادث فيها على ما وضعت له الأسماء من إفادة معانيها. وكذلك الأسماء المشروط بها: من، وما، وأىّ، وأخواتهنّ، فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهنّ: من معنى الاسميّة. فأرادوا ألا
تخلو الأفعال من شىء من هذا الحكم أعنى تضمّنها معنى حرف النفى كما تضمّن الأسماء معنى حرف الاستفهام، ومعنى حرف الشرط، ومعنى حرف التعريف فى أمس والآن، ومعنى حرف الأمر فى تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك. وكأنّ الحرف الزائد الذى لا يكاد ينفك منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف السلب. وأيضا فإن الماضى وإن عرى من حرف الزيادة فإن المضارع لابدّ له من حرف المضارعة، والأفعال كلها تجرى مجرى المثال الواحد. فإذا وجد فى بعضها شىء فكأنه موجود فى بقيّتها.
وإنما جعلنا هذه الأفعال فى كونها ضامنة لمعنى حرف النفى ملحقة بالأسماء فى ذلك، وجعلنا الأسماء أصلا فيه، من حيث كانت الأسماء أشدّ تصرّفا فى هذا ونحوه من الأفعال إذ كانت هى الأول، والأفعال توابع وثوان لها وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع.
فإن قيل: فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمّن هذا المعنى، وهو ما ذكرته: من التودية والسكاك والنالة والمئلاة، وأنت ترى كلّا من ذلك معربا.
قيل: الموضع فى هذا المعنى من السلب إنما هو للفعل، وفيه كثرته، فلمّا لم يؤثّر هذا المعنى فى نفس الفعل كان ألا يؤثّر فيما هو محمول عليه (أولى) وأحرى بذلك.
فإن قيل: وهلا أثّر هذا المعنى فى الفعل أصلا، كما يؤثّر تضمّن معنى الحرف فى الاسم؟ قيل: البناء لتضمّن معنى الحرف أمر (يخصّ الاسم) ككم وأين وكيف ومتى ونحو ذلك والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف. أمّا الماضى فلأنّ فيه من البناء ما يكفيه، وكذلك فعل الأمر العارى من حرف المضارعة، نحو افعل.
وأما المضارع فلأنه لمّا أهيب به ورفع عن ضعة البناء إلى شرف الإعراب لم يروا أن يتراجعوا به إليه، وقد انصرفوا به عنه لئلا يكون ذلك نقضا.
فإن قلت: فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد، نحو لتفعلنّ.
قيل: لمّا خصّته النون بالاستقبال، ومنعته الحال التى المضارع أولى بها، جاز أن يعرض له البناء. وليس كذلك السين وسوف لأنهما لم يبنيا معه بناء نون التوكيد فيبنى هو، وإنما هما فيه كلام التعريف (الذى لا يوجب) بناء الاسم فاعرفه.(2/315)
باب فى وجوب الجائز
وذلك فى الكلام على ضربين:
أحدهما أن توجبه الصنعة، فلابدّ إذا منه.
والآخر أن تعتزمه العرب فتوجبه، وإن كان القياس يبيح غيره.
الأوّل من ذلك كأن تقول فى تحقير أسود: أسيّد. وإن شئت صحّحت فقلت:
أسيود. والإعلال فيه أقوى لاجتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون.
وكذلك جدول تقول فيه: جديّل. وإن شئت صحّحت، فقلت: جديول. فإذا صرت إلى تحقير نحو عجوز، ويقوم اسم رجل، قلت بالإعلال لا غير: عجيّز، ويقيّم. وفى مقام: مقيّم البّتة. وذلك أنك إنما كنت تجيز أسيود وجديولا لصّحة الواو فى الواحد، وظهورها فى الجمع نحو أساود وجداول. فأمّا مقام ويقوم علما فإن العين وإن ظهرت فى تكسيرهما وهو مقاوم ويقاوم فإنها فى الواحد معتلّة ألا (ترى أنها) فى (مقام) مبدلة، وفى (يقوم) مضعفة بالإسكان لها، ونقل الحركة إلى الفاء عنها. فإذا كنت تختار فيما تحرّكت واو واحده وظهرت فى جمعه الإعلال، صار القلب فيما ضعفت واوه بالقلب، وبألا تصحّ فى جمعه، واجبا لا جائزا. وأمّا واو عجوز فأظهر أمرا فى وجوب الإعلال من يقوم ومقام (لأنها) لا حظ لها فى الحركة، ولا تظهر أيضا فى التكسير، إنما تقول: عجائز، ولا يجوز عجاوز على كل حال.
وكذلك تقول: ما قام إلا زيدا أحد، فتوجب النصب إذا تقدّم المستثنى، إلا فى لغة ضعيفة. وذلك أنك قد كنت تجيز: ما قام أحد إلا زيدا، فلما قدّمت المستثنى لم تجد قبله ما تبدله منه، فأوجبت من النصب له ما كان جائزا فيه. ومثله: فيها قائما رجل. وهذا معروف.
الثانى منهما وهو اعتزام أحد الجائزين. وذلك قولهم: أجنة فى الوجنة. قال أبو حاتم: (ولا) يقولون: وجنة، وإن كانت جائزة. ومثله قراءة بعضهم: {«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا إِنََاثاً»} [النساء: 117] جمع وثن ولم يأت فيه التصحيح: وثن. فأمّا
أقّتت ووقّتت، ووجوه وأجوه (وأرقة وورقة) ونحو ذلك فجميعه مسموع.(2/316)
الثانى منهما وهو اعتزام أحد الجائزين. وذلك قولهم: أجنة فى الوجنة. قال أبو حاتم: (ولا) يقولون: وجنة، وإن كانت جائزة. ومثله قراءة بعضهم: {«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا إِنََاثاً»} [النساء: 117] جمع وثن ولم يأت فيه التصحيح: وثن. فأمّا
أقّتت ووقّتت، ووجوه وأجوه (وأرقة وورقة) ونحو ذلك فجميعه مسموع.
ومن ذلك قوله:
وفوارس كأوار ح ... رّ النار أحلاس الذكور
فذهب الكسائىّ فيه إلى أن أصله وآر، وأنه فعال من وأرت النار إذا حفرت لها الإرة (1)، فخفّفت الهمزة، فصارت لفظا إلى ووار، فهمزت الفاء البتّة فصارت:
أوار. ولم يأت منهم على أصله: وآر (ولا) مخففا (مبدل العين): ووار.
وكلاهما يبيحه القياس ولا يحظره.
فأمّا قول الخليل فى فعل من وأيت إذا خففته: أوى فقد ردّه أبو الحسن وأبو عثمان، وما أبيا منه عندى إلا مأبيا.
وكذلك البرّية فيمن أخذها من برأ الله الخلق وعليه أكثر الناس، والنبى عند سيبويه ومن تبعه فيه، والذرّيّة فيمن أخذها من ذرأ الله الخلق. وكذلك ترى وأرى ونرى ويرى فى أكثر الأمر، والخابية، ونحو ذلك مما ألزم التخفيف. ومنه ما ألزم البدل، وهو النبىّ عند سيبويه، وعيد لقولهم: أعياد، وعييد.
ومن ذلك ما يبيحه القياس فى نحو يضرب ويجلس ويدخل ويخرج: من اعتقاب الكسر والضمّ على كل واحدة من هذه العيون، وأن يقال: يخرج ويخرج، ويدخل ويدخل، ويضرب ويضرب، ويجلس ويجلس، قياسا على ما اعتقبت على عينه الحركتان معا نحو يعرش ويعرش ويشنق ويشنق ويخلق ويخلق، وإن كان الكسر فى عين مضارع فعل أولى به من يفعل لما قد ذكرناه فى شرح تصريف أبى عثمان، فإنهما على كل حال مسموعان أكثر السماع فى عين مضارع فعل.
فاعرف ذلك ونحوه مذهبا للعرب، فمهما ورد منه فتلقّه عليه.
* * * __________
(1) الإرة: موقد النار.(2/317)
باب فى إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم
الأوّل منهما كقوله:
* الحمد لله العلىّ الأجلل (1) *
وقوله:
* تشكو الوجى من أظلل وأظلل (2) *
وقوله:
وإن رأيت الحجج الرواددا ... قواصرا بالعمر أو مواددا (3)
ونحو ذلك مما ظهر تضعيفه. فهذا عندنا على إجراء اللازم مجرى غير اللازم من المنفصل نحو جعل لك وضرب بكر كما شبّه غير اللازم (من ذلك) باللازم فادّغم نحو ضر بّكر وجعلّك فهذا مشبّه فى اللفظ بشدّ ومدّ واستعدّ ونحوه،
__________
(1) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب 2/ 390، ولسان العرب (جلل)، والدرر 6/ 138، وشرح شواهد المغنى 1/ 449، والمقاصد النحوية 4/ 595، وجمهرة اللغة ص 471، وتاج العروس (جزل)، (جلل)، (خول)، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 3/ 508، 893، والمقتضب 1/ 142، 253، والممتع فى التصريف 2/ 649، والمنصف 1/ 339، ونوادر أبى زيد ص 44، وهمع الهوامع 2/ 157، وبعده:
* أعطى فلم يبخل ولم يبخّل *
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 236، 237، ولسان العرب (ظلل)، (ملل)، وشرح أبيات سيبويه 2/ 310، وكتاب الصناعتين ص 150، ونوادر أبى زيد ص 44، وتهذيب اللغة 15/ 352، وتاج العروس (ظلل)، (ملل)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 51، وشرح شافية بن الحاجب 3/ 244، والكتاب 3/ 535، ولسان العرب (كفج)، (كدس)، والمقتضب 1/ 252، 3/ 354، والممتع فى التصريف 2/ 650، والمنصف 1/ 339، وكتاب العين 8/ 150، ومقاييس اللغة 3/ 462، ومجمل اللغة 3/ 358، وبعده:
* من طول إملال وظهر أملل *
(3) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 45، وتاج العروس (ردد)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 52، ونوادر أبى زيد ص 164.(2/318)
مما لزم فلم يفارق.
ومن ذلك ما حكوه من قول بعضهم: عوى الكلب عوية. وهذا عندى وإن كان لازما فإنه أجرى مجرى بنائك من باب طويت فعلة، وهو قولك: طوية، كقولك: امرأة جوية، ولوية، من الجوى واللوى (1) فإن خفّفت حركة العين فأسكنتها قلت: طوية وجوية ولوية، فصحّحت العين ولم تعلّها بالقلب والادغام، لأن الحركة فيها منويّة.
وعلى ذلك قالوا فى فعلان من قويت: قويان، فإن أسكنوا صحّحوا العين أيضا، فقالوا: قويان، ولم يردّوا اللام (2) أيضا وإن زالت الكسرة من قبلها لأنها مرادة فى العين، فكذلك قالوا: عوى الكلب عوية تشبيها (بباب امرأة) جوية ولوية وقويان، هذا الذى نحن بصدده.
فإن قلت: فهلّا قالوا أيضا على قياس هذا: طويت الثوب طوية وشويت اللحم شوية، رجع الجواب الذى تقدّم فى أوّل الكتاب: من أنه لو فعل ذلك لكان قياسه قياس ما ذكرنا، وأنه ليست لعوى فيه مزيّة على طوى وشوى كما لم يكن لجاشم ولا قام مزيّة يجب لها العدل بهما إلى جشم وقثم على مالك وحاتم، إذ لم يقولوا: ملك ولا حتم. وعلى أن ترك الاستكثار مما فيه إعلال أو استثقال هو القياس.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: {«فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً»} [طه: 44] وذلك أنه أجرى حركة اللام ههنا وإن كانت لازمة مجراها إذا كانت غير لازمة فى نحو قول الله تعالى: {قُلِ اللََّهُمَّ} [آل عمران: 26] و {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2]، وقوله:
زيادتنا نعمان لا تنسينّها ... خف الله فينا والكتاب الذى تتلو (3)
__________
(1) اللوى: هو وجع فى المعدة.
(2) لام الوزن وهى الواو، فلم يقولوا: قووان.
(3) البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن همام السلولى فى الأغانى 16/ 5، وسمط اللآلى ص 923، وشرح شواهد الشافية ص 496، ولسان العرب (وقى)، ونوادر أبى زيد ص 4، وتاج العروس (وقى)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 54، وإصلاح المنطق ص 24، وسر صناعة الإعراب 1/ 198، والمحتسب 2/ 372، ويروى: (تحرمننا) مكان (تنسينها)، (تق) مكان (خف).(2/319)
ويروى «تق الله فينا». ويروى:
تنسينها ا ... تق الله فينا
ونحوه ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجى العساكر
فقلت لعمرو صاحبى إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر (1)
أى عوى الذئب فسر أنت. فلم يحفل بحركة الرّاء فيردّ العين التى كانت حذفت لالتقاء الساكنين، فكذلك شبّه ابن مسعود حركة اللام من قوله: «فقلا له» وإن كانت لازمة بالحركة لالتقاء الساكنين فى {قُلِ اللََّهُمَّ} و {قُمِ اللَّيْلَ}
وحركة الإطلاق الجارية مجرى حركة التقائهما فى (سر).
ومثله قول الضبّىّ:
فى فتية كلّما تجمعت ال ... بيداء لم يهلعوا ولم يخموا (2)
يريد: ولم يخيموا. فلم يحفل بضمة الميم، وأجراها مجرى غير اللازم فيما ذكرناه وغيره، فلم يردد العين المحذوفة من لم يخم. وإن شئت قلت فى هذين:
إنه اكتفى بالحركة من الحرف، كما اكتفى الآخر بها منه فى قوله:
كفّاك كفّ ما تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف الدما (3)
وقول الآخر:
__________
(1) ذئب أطلس: فى لونه غبرة إلى السواد وكلّ ما كان على لونه فهو أطلس والأنثى طلساء.
اللسان (طلس). وخوص دقاق عواسر وصف للناقة.
(2) البيت من المنسرح، وهو لمحمد بن شحاذ الضبى فى لسان العرب (جمع)، وتاج العروس (جمع).
خام عنه يخيم خيما وخيمانا وخيوما وخياما وخيمومة: نكص وجبن. اللسان (خيم) ومتجمّع البيداء: معظمها ومحتفلها. أراد الشاعر ولم يخيموا، فحذف ولم يحفل بالحركة التى من شأنها أن تردّ المحذوف هاهنا، وهذا لا يوجبه القياس إنما هو شاذّ.
(3) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 56، 2/ 60، والإنصاف 1/ 387، وتذكرة النحاة ص 32، وسر صناعة الإعراب 2/ 519، 772، ولسان العرب (ليق)، والمنصف 2/ 74، وأساس البلاغة (ليق)، وتاج العروس (ليق).(2/320)
* بالذى تردان *
أى (بالذى) تريدان. وسيأتى هذا فى بابه.
الثانى منهما وهو إجراء غير اللازم مجرى اللازم وهو كثير. من ذلك قول بعضهم فى الأحمر إذا خفّفت همزته: لحمر، حكاها أبو عثمان. ومن قال:
الحمر قال: حركة اللام غير لازمة، إنما هى لتخفيف الهمزة، والتحقيق لها جائز فيها.
ونحو ذلك قول الآخر:
قد كنت تخفى حبّ سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذى أنت بائح (1)
فأسكن الحاء التى كانت متحرّكة لالتقاء الساكنين فى بح الآن، لمّا تحركت للتخفيف اللام.
وعليه قراءة من قرأ: {قََالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} (2) [البقرة: 71] فأثبت واو (قالوا) لمّا تحركت لام لان. والقراءة القويّة: «قاللان» بإقرار الواو على حذفها لأن الحركة عارضة للتخفيف.
وعلى القول الأوّل قول الآخر:
حدبدبى بدبدبى منكم لان ... إنّ بنى فزارة بن ذبيان
قد طرّقت ناقتهم بإنسان ... مشيّأ سبحان ربّى الرحمن (3)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 298، والمقاصد النحوية 1/ 478، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 56، 5/ 67، وتذكرة النحاه ص 31، وشرح الأشمونى 1/ 81، وشرح التصريح 1/ 147، وشرح ابن عقيل ص 92، ولسان العرب أين. ويروى: (وقد) مكان (قد).
(2) عن نافع روايتان إحداهما حذف واو قالوا، إذ لم يعتد بنقل الحركة، إذ هو نقل عارض.
وانظر البحر المحيط 1/ 422.
(3) الرجز لسالم بن دارة فى خزانة الأدب 2/ 147، 4/ 33، ولسان العرب (حدب)، والتنبيه والإيضاح 1/ 59، وتاج العروس (حدب)، (حدبد)، ولابن المنهال فى لسان العرب (أين)، وتاج العروس (أين)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 57، وجمهرة اللغة ص 240، ومقاييس اللغة 3/ 232، ومجمل اللغة 3/ 188.
حدبدبى اسم لعبة. والتطريق: أن يخرج بعض الولد ويعسر انفصاله، من قولهم قطاة مطرّق(2/321)
أسكن ميم (منكم) لمّا تحركت لام (لان) وقد كانت مضمومة عند التحقيق فى قولك: منكم الآن، فاعتدّ حركة التخفيف، وإن لم تكن لازمة. وينبغى أن تكون قراءة أبى عمرو: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عََاداً الْأُولى ََ} (1) [النجم: 50] على هذه اللغة، وهى قولك مبتدئا: لولى، لأن الحركة على هذا فى اللام أثبت منها على قول من قال:
الحمر. وإن كان حملها أيضا على هذا جائزا، لأن الادّغام وإن كان بابه أن يكون فى المتحرك فقد ادّغم أيضا فى الساكن، فحرك فى شدّ ومدّ وفرّ يا رجل وعضّ، ونحو ذلك.
ومثله ما أنشده أبو زيد:
ألا يا هند هند بنى عمير ... أرثّ لان وصلك أم جديد (2)
ادّغم تنوين رثّ فى لام لان.
ومما نحن على سمته قول الله عزّ وجلّ {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] وأصله: لكن أنا، فخفّفت الهمزة (بحذفها وإلقاء) حركتها على نون لكن، فصارت لكننا، فأجرى غير اللازم مجرى اللازم، فاستثقل التقاء المثلين متحركين، فأسكن الأوّل، وادّغم فى الثانى، فصار: لكنّا، كما ترى. وقياس قراءة من قرأ:
«قاللان»، فحذف للواو، ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين هنا لأن حركة الثانية غير لازمة، فيقول: لكننا، بالإظهار كما تقول فى تخفيف حوأبة وجيئل (3): حوبة وجيل، فيصحّ حرفا اللين هنا، ولا يقلبان لمّا كانت حركتهما غير لازمة.
ومن ذلك قولهم فى تخفيف رؤيا ونؤى: رويا ونوى، فتصحّ الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قبل أن التقدير فيهما الهمز كما صحّت فى ضو ونو
__________
إذا يبست البيضة فى أسفلها. والمشيّأ: القبيح المنظر. والبيت لسالم بن دارة. يهجو مرّ بن رافع الفزارى. اللسان (حدب).
(1) يريد القراءة بإدغام التنوين فى لام (لولى).
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أين)، والأشباه والنظائر 1/ 95، وتاج العروس (أين).
(3) حوأبة: هى الدلو الضخمة. وجيئل: هى الضبع.(2/322)
تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه. وكذلك أيضا صحّ نحو شى وفى فى تخفيف شىء وفىء، لذلك.
وسألت أبا علىّ رحمه الله فقلت: من أجرى غير اللازم مجرى اللازم، فقال: لكنا، كيف قياس قوله إذا خفّف نحو حوءبة وجيئل؟ أيقلب فيقول: حابة وجال، أم يقيم (على التصحيح فيقول حوبة وجيل؟) فقال: القلب هنا لا سبيل إليه. وأومأ إلى أنه أغلظ من الادّغام فلا يقدم عليه.
فإن قيل فيما بعد: فقد قلبت العرب الحرف للتخفيف، وذلك (قول بعضهم) ريّا ورية فى تخفيف رؤيا ورؤية (وهذا واضح، قيل: الفرق أنك لما صرت إلى لفظ رويا وروية) ثم قلبت الواو (إلى الياء) فصار إلى ريا وريّة، إنما قلبت حرفا إلى آخر كأنه هو ألا ترى إلى قوة شبه الواو بالياء، وبعدها عن الألف، فكأنك لمّا قلبت مقيم على الحرف نفسه، ولم تقلبه لأن الواو كأنها هى الياء نفسها، وليست كذلك الألف لبعدها عنهما بالأحكام الكثيرة التى قد أحطنا بها علما.
وهذا فرق. وما يجرى من كل واحد من الفريقين مجرى صاحبه كثير وفيما مضى من جملته كاف.
* * *
باب فى إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل(2/323)
* * *
باب فى إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل
فمن الأوّل قولهم: اقتتل القوم، واشتتموا. فهذا بيانه (نحو من بيان) (شئت تلك) وجعل لك إلا أنه أحسن من قوله:
* الحمد لله العلىّ الأجلل (1) *
(وهذا) لأن هذا إنما يظهر مثله ضرورة، وإظهار نحو اقتتل واشتتم مستحسن، وعن غير ضرورة.
وكذلك باب قولهم: هم يضربوننى، هما يضرباننى، أجرى وإن كان متصلا مجرى يضربان نعم، ويضربون نافعا. ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون ألا ترى أنك تقول: يضربان زيدا، ويكرمونك، ولا تلزم هى أيضا، نحو لم يضربانى. ومن ادّغم نحو هذا واحتجّ بأن المثلين فى كلمة واحدة فقال: يضربانىّ و (قال تحاجّونّا) فإنه يدّغم أيضا نحو اقتتل، فيقول: قتّل.
ومنهم من يقول: قتّل، ومنهم من يقول: قتّل. ومنهم من يقول: اقتّل، فيثبت همزة الوصل مع حركة القاف، لمّا كانت الحركة عارضة للنقل أو (لالتقاء) الساكنين. وهذا مبيّن فى فصل الادّغام.
ومن ضدّ ذلك قولهم: ها الله ذا، أجرى مجرى دابّة وشابّة. وكذلك قراءة من قرأ: {فَلََا تَتَنََاجَوْا} (2) [المجادلة: 9] و {حَتََّى إِذَا ادََّارَكُوا فِيهََا} (3) [الأعراف: 38] ومنه عندى قول الراجز: فيما أنشده أبو زيد:
من أىّ يومىّ من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر (4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) القراءة بإدغام التاءين فى (تتناجوا) وهى قراءة ابن محيصن. وانظر البحر 8/ 234.
(3) وهو يريد القراءة بإثبات ألف (إذا) على الجمع بين الساكنين. وهى قراءة عصمة عن أبى عمرو. وانظر تفسير القرطبى 7/ 204.
(4) الرجز للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص 79، وحماسة البحترى ص 37، وللحارث بن(2/324)
كذا أنشده أبو زيد: لم يقدر، بفتح الراء، وقال: أراد النون الخفيفة فحذفها، وحذف نون التوكيد وغيرها من علاماته جار عندنا مجرى ادّغام الملحق فى أنه نقض الغرض إذ كان التوكيد من أماكن الإسهاب والإطناب، والحذف من مظانّ الاختصار والإيجاز. لكن القول فيه عندى أنه أراد: أيوم لم يقدر أم يوم لم قدر، ثم خفف همزة أم فحذفها وألقى حركتها على راء يقدر فصار تقديره أيوم لم يقدرم ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره): أيوم لم يقدرام، فحرّك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة، فصار تقديره يقدرأم (واختار) الفتحة إتباعا لفتحة الراء.
ونحو من هذا التخفيف قولهم فى المرأة والكمأة (إذا خففت الهمزة: المراة والكماة). وكنت ذاكرت الشيخ أبا علىّ رحمه الله بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال: هذا إنما يجوز فى المتصل. قلت له: فانت أبدا تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتّصل، فلم يردّ شيئا. وقد ذكرت قديما هذا الموضع فى كتابى «فى سرّ صناعة الإعراب».
ومن إجراء المنفصل مجرى المتّصل قوله:
* وقد بدا هنك من المئزر *
فشبه (هنك) بعضد فأسكنه كما يسكّن نحو ذلك.
ومنه:
* فاليوم أشرب غير مستحقب (1) *
__________
منذر الجرمى فى شرح شواهد المغنى 2/ 674، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 14، والجنى الدانى ص 267، وشرح الأشمونى 3/ 578، ولسان العرب (قدر)، والمحتسب 2/ 366، ومغنى اللبيب 1/ 277، والممتع فى التصريف 1/ 322، ونوادر أبى زيد ص 13.
(1) صدر البيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 122، وإصلاح المنطق ص 245، 322، والأصمعيات ص 130، وجمهرة اللغة ص 962، وحماسة البحترى ص 36، وخزانة الأدب 4/ 106، 8/ 350، 354، 355، والدرر 1/ 175، ورصف المبانى ص 327، وشرح التصريح 1/ 88، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 612، 1176، وشرح شذور الذهب ص 276، وشرح شواهد الإيضاح ص 256، وشرح المفصل 1/ 48، والشعر والشعراء 1/ 122، والكتاب 4/ 204، ولسان العرب (حقب)، (دلك)، (وغل)، والمحتسب 1/ 15، 110، وتاج العروس (وغل)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 66، والاشتقاق ص 337،(2/325)
كأنه شبّه (رب غ) بعضد. وكذلك ما أنشده أبو زيد:
* قالت سليمى اشتر لنا سويقا (1) *
هو مشبّه بقولهم فى علم: علم لأن (ترك) بوزن علم. وكذلك ما أنشده أيضا من قول الراجز:
* فاحذر ولا تكتر كريّا أعوجا (2) *
لأن (ترك) بوزن علم. وهذا الباب نحو من الذى قبله. وفيه ما يحسن ويقاس، وفيه ما لا يحسن ولا يقاس. ولكلّ وجه، فاعرفه إلى ما يليه من نظيره.
* * * __________
وخزانة الأدب 1/ 152، 3/ 463، 4/ 484، 8/ 339، والمقرب 2/ 205، وهمع الهوامع 1/ 54. وعجزه:
* إثما من الله ولا واغل *
(1) الرجز للعذافر الكندى فى شرح شواهد الإيضاح ص 258، وشرح شواهد الشافية ص 204، 205، وملحق نوادر أبى زيد ص 306، وتاج العروس (بخس)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 66، وجمهرة اللغة ص 1327، وشرح شافية بن الحاجب 2/ 298، والمحتسب 1/ 361، والمنصف 2/ 236، ويروى: (دقيقا) مكان (سويقا).
(2) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 67، وشرح شواهد الشافية ص 225، والمنصف 2/ 237، وتهذيب اللغة 7/ 443، وجمهرة اللغة ص 1185. وبعده:
* علجا إذ ساق بنا عفنججا *(2/326)
باب فى احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل
هذا موضع يتهاداه أهل هذه الصناعة بينهم، ولا يستنكره على ما فيه أحد منهم. وذلك كقولهم فى التمثيل من الفعل فى حبنطى: فعنلى. فيظهرون النون ساكنة قبل اللام. وهذا شىء ليس موجودا فى شىء من كلامهم ألا ترى أن صاحب الكتاب قال: ليس فى الكلام مثل قنر، وعنل. وتقول فى تمثيل عرند (1):
فعنل، وهو كالأوّل. وكذلك مثال حجنفل: فعنلل، ومثال عرنقصان (2): فعنللان.
وهذا لابدّ أن يكون هو ونحوه مظهرا، ولا يجوز ادّغام النون فى اللام فى هذه الأماكن لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض، وبطل المراد المعتمد ألا تراك لو ادّغمت نحو هذا للزمك أن تقول فى مثل عرند: إنه فعلّ، فكان إذا لا فرق بينه وبين قمدّ (3)، وعتلّ، وصملّ (4). وكذلك لو قلت فى تمثيل حجنفل: إنه فعلّل لالتبس ذلك بباب سفرجل وفرزدق، وباب عدبّس وهملّع وعملّس. وكذلك لو ادّغمت مثال حبنطى فقلت: فعلّى لالتبس بباب صلخدى وجلعبى.
وذكرت ذرأ (5) من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله. وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ألا تراك لو قيل لك: ابن من دخل مثل حجنفل لم يجز لأنك كنت تصير به إلى دخنلل، فتظهر النون ساكنة قبل اللام، وهذا غير موجود. فدلّ أنك فى التمثيل لست ببان، ولا جاعل ما تمثّله من جملة كلام العرب كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثّل. ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثّل فيها من الدخول، كما مثّل من الفعل لجاز أن تقول: وزن حجنفل من دخل دخنلل كما قلت فى التمثيل: وزن حجنفل من الفعل فعنلل. فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
__________
(1) عرند: هو الشديد من كل شىء.
(2) عرنقصان: هو نبت.
(3) قمسدّ: هو القوىّ الشديد.
(4) صملّ: الشديد الخلق من الناس والإبل والجبال. والأنثى صملّة.
(5) الذرأ من القول: الشىء اليسير منه. ويقال: بلغنى ذرء من خبر أى طرف ولم يتكامل.(2/327)
باب فى الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية
«اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتدّ مراعى مؤثر إلا أنها فى القوّة والضعف على ثلاث مراتب:
فأقواهنّ الدلالة اللفظية، ثم تليها الصناعية، ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصحّ به الغرض.
فمنه جميع الأفعال. ففى كل واحد منها الأدلّة الثلاثة. ألا ترى إلى قام، و (دلالة لفظه على مصدره) ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله.
فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعيّة أقوى من المعنويّة من قبل أنها وإن لم تكن لفظا فإنها صورة يحملها اللفظ، ويخرج عليها ويستقرّ على المثال المعتزم بها. فلمّا كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به، فدخلا بذلك فى باب المعلوم بالمشاهدة». وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال، وليست فى حيّز الضروريات ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه، وزمانه، ثم تنظر فيما بعد، فتقول: هذا فعل، ولابدّ له من فاعل، فليت شعرى من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله، من موضع آخر لا من مسموع ضرب ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كلّ مذكّر يصحّ منه الفعل، مجملا غير مفصّل. فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو، وضرب جعفر، ونحو ذلك شرع سواء، وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء (ولا) غيرهم خصوص ليس له بصاحبه كما يخصّ بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضى دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد. الفاعل (من لفظ) ضرب لا معناه للزمك إذا قلت: قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر فى هذا كذلك، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام، وقعد، وأكل وشرب وانطلق، واستخرج عليه، لا فرق بين جميع ذلك.
فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا من جهة لفظه ألا
ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه، أو كونه بمنزلة الحادث عنه، على ما هو مبيّن فى باب الفاعل. وكان أبو علىّ يقوّى قول أبى الحسن فى نحو قولهم: إنى لأمرّ بالرجل مثلك: إن اللام زائدة، حتى كأنه قال: إنى لأمرّ برجل مثلك، لمّا لم يكن الرجل هنا مقصودا معيّنا، على قول الخليل: إنه تراد اللام فى المثل، حتى كأنه قال: إنى لأمرّ بالرجل المثل لك، أو نحو ذلك قال: لأن الدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوى، أى أن اللام (فى قول أبى الحسن) ملفوظ بها، وهى فى قول الخليل مرادة مقدّرة.(2/328)
فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا من جهة لفظه ألا
ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه، أو كونه بمنزلة الحادث عنه، على ما هو مبيّن فى باب الفاعل. وكان أبو علىّ يقوّى قول أبى الحسن فى نحو قولهم: إنى لأمرّ بالرجل مثلك: إن اللام زائدة، حتى كأنه قال: إنى لأمرّ برجل مثلك، لمّا لم يكن الرجل هنا مقصودا معيّنا، على قول الخليل: إنه تراد اللام فى المثل، حتى كأنه قال: إنى لأمرّ بالرجل المثل لك، أو نحو ذلك قال: لأن الدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوى، أى أن اللام (فى قول أبى الحسن) ملفوظ بها، وهى فى قول الخليل مرادة مقدّرة.
واعلم أنّ هذا القول من أبى علىّ غير مرضىّ عندى لما أذكره لك. وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها، وهذا محال، وكيف يكون لفظ الشىء دلالة على زيادته، وإنما جعلت الألفاظ أدلّة على إثبات معانيها، لا على سلبها، وإنما الذى يدلّ على زيادة اللام هو كونه مبهما لا مخصوصا ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيى قولك: إنى لأمر برجل مثلك، وإنى لأمرّ بالرجل مثلك، فى كون كلّ واحد منهما منكورا غير معروف، ولا مومأ به إلى شىء بعينه فالدلالة أيضا من هذا الوجه (كما ترى) معنويّة كما أن إرادة الخليل اللام فى (مثلك) إنما دعا إليها جريه صفة على شىء هو فى اللفظ معرفة، فالدلالتان إذا كلتاهما معنويتان.
ومن ذلك قولهم للسلّم: مرقاة، وللدرجة مرقاة، فنفس اللفظ يدلّ على الحدث الذى هو الرقىّ، وكسر الميم يدل على أنها مما ينقل ويعتمل عليه (وبه) كالمطرقة والمئزر والمنجل، وفتحة ميم مرقاة تدلّ على أنه مستقرّ فى موضعه، كالمنارة والمثابة. ولو كانت المنارة ممّا يجوز كسر ميمها لوجب تصحيح عينها، وأن تقول فيها: منورة (لأنه كانت) تكون حينئذ منقوصة، من مثال مفعال كمروحة ومسورة (1) ومعول ومجول (2)، فنفس (ر ق ى) يفيد معنى الارتقاء، و (كسرة الميم وفتحتها تدلان) على ما قدّمناه: من معنى الثبات أو الانتقال. وكذلك الضرب والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما، ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما
__________
(1) المسور والمسورة: متكأ من أدم، وجمعها المساور.
(2) المجول: ثوب صغير تجول فيه الجارية.(2/329)
للأزمنة الثلاثة، على ما نقوله فى المصادر. وكذلك اسم الفاعل نحو قائم وقاعد لفظه يفيد الحدث الذى هو القيام والقعود، وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل. وكذلك قطّع وكسّر، فنفس اللفظ هاهنا يفيد معنى الحدث، وصورته تفيد شيئين: أحدها الماضى، والآخر تكثير الفعل كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث، وببنائه الماضى وكون الفعل من اثنين، وبمعناه على أن له فاعلا». فتلك أربعة معان. فاعرف ذلك إلى ما يليه فإنه كثير لكن هذه طريقه.
* * *
باب فى الاحتياط(2/330)
* * *
باب فى الاحتياط
اعلم أن العرب إذا أرادت المعنى مكّنته (واحتاطت) له.
فمن ذلك التوكيد، وهو على ضربين:
أحدهما: تكرير الأوّل بلفظه. وهو نحو قولك: قام زيد (قام زيد) و (ضربت زيدا ضربت) وقد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، والله أكبر الله أكبر، وقال:
إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا (1)
وقال:
وإيّاك إيّاك المراء فإنه ... إلى الشر دعّاء وللشرّ جالب (2)
وقال:
إن قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السفّاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح (3)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للقطامى فى ديوانه ص 40، ولسان العرب (تيز)، (إلى)، والتنبيه والإيضاح 2/ 236، وتهذيب اللغة 13/ 237، 14/ 173، 15/ 427، وجمهرة اللغة ص 1031، وكتاب العين 7/ 379، 8/ 70، ومقاييس اللغة 1/ 360، وديوان الأدب 3/ 358، وتاج العروس (تيز)، (إلى)، وبلا نسبة فى لسان العرب (لدى)، والمخصص 2/ 75. ويروى: (لديك لديك) مكان (إليك إليك).
وهو يصف بكرة اقتضبها وقد أحسن القيام عليها إلى أن قويت وسمنت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقوتها وعزة نفسها. ويقال للرجل إذا كان فيه غلظ وشدة: تياز.
(2) البيت من الطويل، وهو للفضل بن عبد الرحمن فى إنباه الرواة 4/ 76، وخزانة الأدب 3/ 63، ومعجم الشعراء ص 310، وله أو للعزرمى فى حماسة البحترى ص 253، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ص 686، وأوضح المسالك 3/ 336، ورصف المبانى ص 137، وشرح الأشمونى 2/ 409، وشرح التصريح 2/ 128، وشرح المفصل 2/ 25، والكتاب 1/ 279، وكتاب اللامات ص 70، ولسان العرب 15/ 441، (أيا)، ومغنى اللبيب ص 679، والمقاصد النحوية 4/ 113، 308، والمقتضب 3/ 213.
(3) البيت الثانى من الخفيف، وهو بلا نسبة فى الدرر 3/ 11، وشرح الأشمونى 2/ 483، والمقاصد النحوية 4/ 306، والهمع 1/ 170.(2/331)
وقال:
أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح (1)
وقال:
أبوك أبوك أربد غير شكّ ... أحلّك فى المخازى حيث حلا
يجوز أن يكون من هذا (تجعل) أبوك الثانى منهما تكريرا للأوّل، وأربد الخبر، ويجوز أن يكون أبوك الثانى خبرا عن الأوّل أى أبوك الرجل المشهور بالدناءة والقلّة. وقال:
قم قائما قم قائما ... رأيت عبدا نائما
وأمة مراغما ... وعشراء رائما (2)
هذا رجل يدعو لابنه وهو صغير، وقال:
فأين إلى أين النجاء ببغلتى
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس (3)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لمسكين الدارمى فى ديوانه ص 29، والأغانى 20/ 171، 173، وخزانة الأدب 3/ 65، 67، والدرر 3/ 11، وشرح أبيات سيبويه 1/ 127، وشرح التصريح 2/ 195، والمقاصد النحوية 4/ 305، ولمسكين أو لابن هرمة فى فصل المقال ص 269، ولقيس بن عاصم فى حماسة البحترى ص 245، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمى فى الحماسة البصرية 2/ 60، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 79، وتخليص الشواهد ص 62، والدرر 6/ 44، وشرح شذور الذهب ص 288، وشرح قطر الندى ص 134، والكتاب 1/ 256.
(2) «قم قائما» أى قم قياما، فهو من إقامة اسم الفاعل مقام المصدر. «وأمه مراغما» مغاضبة والترغّم: التغضب، وقد وصفها بوصف المذكر (نجار) والعشراء من النوق: التى أتى على حملها عشرة أشهر، فإذا وضعت لتمام سنة فهى عشراء أيضا. انظر اللسان (عشر). الرائم:
التى تعطف على ولدها.
(3) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 7/ 267، وأوضح المسالك 2/ 194، وخزانة الأدب 5/ 158، والدرر 5/ 323، 6/ 44، وشرح الأشمونى 1/ 201، وشرح ابن عقيل ص 487، وشرح قطر الندى ص 290، والمقاصد النحوية 3/ 9، وهمع الهوامع 2/ 111، 125، ويروى: (النجاة) مكان (النجاء).(2/332)
وقالوا فى قول امرئ القيس:
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّ كلامين على نابل (1)
قولين: أحدهما ما نحن عليه، أى تثنية كلامين على ذى النبل إذا قيل له: ارم ارم، والآخر: كرّك لامين، وهما السهمان، أى كما تردّ السهمين على البراء للسهام إذا أخذتهما لتنظر إليهما، ثم رميتهما إليه فوقعا مختلفين: هكذا أحدهما، وهكذا الآخر. وهذا الباب كثير جدّا. وهو فى الجمل والآحاد جميعا.
والثانى تكرير الأوّل بمعناه. وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة والعموم، والآخر للتثبيت والتمكين.
الأوّل كقولنا: قام القوم كلّهم، ورأيتهم أجمعين ويتبع ذلك من اكتع وأبضع وأبتع وأكتعين وأبضعين وأبتعين (2) ما هو معروف (ومررت بهما كليهما).
والثانى نحو قولك: قام زيد نفسه، ورأيته نفسه.
ومن ذلك الاحتياط فى التأنيث، كقولهم: فرسة، وعجوزة. ومنه ناقة لأنهم لو اكتفوا بخلاف مذكّرها لها وهو جمل لغنوا بذلك.
ومنه الاحتياط فى إشباع معنى الصفة كقوله:
* والدهر بالإنسان دوّارىّ (3) *
__________
(1) البيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 257، ولسان العرب (خلج)، (سلك)، (بنل)، (لأم)، وتهذيب اللغة 7/ 57، 10/ 62، 15/ 361، 400، وجمهرة اللغة ص 406، ومقاييس اللغة 2/ 206، 5/ 227، وتاج العروس (خلج)، (سلك) (لأم)، وديوان الأدب 2/ 6، وكتاب الجيم 3/ 219، وكتاب العين 4/ 160، 5/ 311، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 444، والمخصص 6/ 57، 15/ 192. ويروى (الفتك لأمين) مكان (كرّ كلامين).
فى اللسان (سلك) كرّ كلامين وصفه بسرعة الطعن. والسّلكى: الطعنة المستقيمة تلقاء وجهه، والمخلوجة التى فى جانب.
(2) وقال البشتىّ: مررت بالقوم أجمعين أبضعين، بالضاد، قال الأزهرى: وهذا تصحيف واضح، قال أبو الهيثم الرازى: العرب تؤكد الكلمة بأربعة تواكيد فتقول: مررت بالقوم أجمعين أكتعين أبصعين أبتعين، بالصاد، وكذلك روى عن ابن الأعرابى. اللسان (بضع).
(3) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 480، ولسان العرب (دور)، (قسر)، (قعسر)، (قنسر)، وجمهرة(2/333)
أى دوّار، وقوله:
* غضف طواها الأمس كلّابىّ (1) *
أى كلّاب، وقوله:
* كان حدّاء قراقريّا (2) *
أى قراقرا. حدثنا أبو على قال: يقال خطيب مصقع، وشاعر مرقع، وحدّاء قراقر، ثم أنشدنا البيت. وقد ذكرنا من أين صارت ياءا الإضافة إذا لحقتا الصفة قوّتا معناها.
وقد يؤكّد بالصفة كما تؤكد هى نحو قولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر، وقول الله عزّ اسمه: {إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51] وقوله تعالى: {وَمَنََاةَ الثََّالِثَةَ الْأُخْرى ََ} [النجم: 20] وقوله سبحانه: {فَإِذََا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ}
[الحاقة: 13].
__________
اللغة ص 1151، وخزانة الأدب 11/ 274، 275، والدرر 3/ 74، وتاج العروس (دور)، (قسر)، (قعسر)، (قنسر)، (أرس)، وشرح أبيات سيبويه 1/ 152، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1818، وشرح شواهد الإيضاح ص 247، وشرح شواهد المغنى 1/ 41، 2/ 722، والكتاب 1/ 338، وتهذيب اللغة 3/ 283، 14/ 153، والمخصص 1/ 45، والمحتسب 1/ 310، وكتاب العين 2/ 291، 5/ 252، 8/ 56، ومجمل اللغة 2/ 299، ومغنى اللبيب 1/ 18، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 6/ 540، وشرح الأشمونى 2/ 305، وشرح المفصل 1/ 123، 3/ 104، ومغنى اللبيب 2/ 681، والمقتضب 3/ 228، 264، 289، والمقرب 1/ 162، 2/ 54، والمنصف 2/ 179، وهمع الهوامع 1/ 192، 2/ 198، ومقاييس اللغة 2/ 310، وتهذيب اللغة 9/ 394، وقبله:
* أطربا وأنت قنسيرى *
وبعده:
* أفنى القرون وهو قعسرى *
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 518، وبلا نسبة فى المخصص 1/ 85.
وكلب أغضف وكلاب غضف، وقد غضف، بالكسر، إذا صار مسترخى الأذن، وهى صفة غالبة لكلاب الصيد. اللسان (غضف).
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قرر)، (حدا)، وتهذيب اللغة 8/ 284، وتاج العروس (قرر)، (حدا)، والمخصص 7/ 111، وجمهرة اللغة ص 198، 1256. وقبله:
* أبكم لا يكلم المطيا *(2/334)
ومنه قولهم: لم يقم زيد. جاءوا فيه بلفظ المضارع وإن كان معناه المضىّ.
وذلك أن المضارع أسبق رتبة فى النفس من الماضى ألا ترى أن أوّل أحوال الحوادث أن تكون معدومة، ثم توجد فيما بعد. فإذا نفى المضارع الذى هو الأصل فما ظنّك بالماضى الذى هو الفرع.
وكذلك قولهم: إن قمت قمت فيجىء بلفظ الماضى والمعنى (معنى المضارع).
وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك فى وقوعه بلفظ الماضى المقطوع) بكونه، حتى كأنّ هذا قد وقع واستقرّ (لا أنه) متوقّع مترقّب.
وهذا تفسير أبى على عن أبى بكر، وما أحسنه!
ومنه قوله:
قالت بنو عامر خالوا بنى أسد ... يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (1)
أراد: يا بؤس الجهل، فأقحم لام الإضافة (تمكينا واحتياطا لمعنى الإضافة) وكذلك قول الآخر:
يا بؤس للحرب الّتى ... وضعت أراهط فاستراحوا (2)
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 82، والإنصاف 1/ 330، وتذكرة النحاه ص 665، وخزانة الأدب 2/ 130، 132، 11/ 33، 35، والدرر 3/ 19، وسر صناعة الإعراب 1/ 332، وشرح أبيات سيبويه 2/ 218، وشرح شواهد الإيضاح ص 458، والشعر والشعراء 1/ 101، والكتاب 2/ 278، ولسان العرب (خلا)، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص 115، 288، وخزانة الأدب 4/ 108، ورصف المبانى ص 168، 245، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1483، وشرح المفصل 3/ 68، 54/ 104، واللامات ص 109، وهمع الهوامع 1/ 173. وصدره:
* قالت بنو عامر خالوا بنى أسد *
وخلّى الأمر وتخلّى منه وعنه وخالاه: تركه. وخالى فلانا: تركه قال النّابغة الذبيانى لزرعة ابن عوف، حيث بعث بنو عامر إلى حصن بن فزارة وإلى عيينة بن حصن: أن اقطعوا ما بينكم وبين بنى أسد. وانظر اللسان (خلا).
(2) البيت من مجزوء الكامل، وهو لسعد بن مالك فى خزانة الأدب 1/ 468، 473، وشرح شواهد المغنى ص 582، 657، والكتاب 2/ 207، والمؤتلف والمختلف 134، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 4/ 307، وأمالى ابن الحاجب ص 326، والجنى الدانى ص 107، وجواهر الأدب ص 243، ورصف المبانى ص 244، وشرح شذور الذهب ص 389، وشرح المفصل(2/335)
أى يا بؤس الحرب إلا أن الجرّ فى هذا ونحوه إنما هو للام الداخلة عليه وإن كانت زائدة. وذلك أن الحرف العامل وإن كان زائدا فإنه لا بدّ عامل ألا ترى إلى قوله:
بحسبك فى القوم أن يعلموا ... بأنّك فيهم غنىّ مضرّ (1)
فالباء زائدة وهى (مع ذا) عاملة. وكذلك قولهم: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخلّ عنّى ف (من) زائدة وهى جارّة، ولا يجوز أن تكون (الحرب) من قوله: يا بؤس للحرب مجرورة بإضافة (بؤس) إليها، واللام معلّقة من قبل أن تعليق اسم المضاف والتأوّل له أسهل من تعليق حرف الجرّ والتأوّل له، لقوّة الاسم وضعف الحرف. فأما قوله:
لو كنت فى خلقاء من رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل (2)
فإن هذا إنما هو فصل بحرف الجرّ، لا تعليق.
فإن قلت: فما تقول فى قوله:
أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم
أم كيف يجزوننى السوءى من الحسن (3)
__________
2/ 10، 105، 4/ 36، 5/ 72، وكتاب اللامات ص 108، ولسان العرب (رهط)، والمحتسب 2/ 93، ومغنى اللبيب 1/ 216.
(1) البيت من المتقارب، وهو للأشعر الرّقبان فى تذكرة النحاة ص 443، 444، ولسان العرب (مسخ)، (ضرر)، (با)، والمعانى الكبير ص 496، ونوادر أبى زيد ص 73، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 170، وديوان المعانى 1/ 35، ورصف المبانى ص 147، وسر صناعة الإعراب 1/ 138، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1469، وشرح المفصل 2/ 115، 8/ 23، 139.
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى رصف المبانى ص 255، والمقرب 1/ 197. ويروى صدره:
* مخلفة لا يستطاع ارتقاؤها *
(3) البيت من البسيط، وهو لأفنون بن صريم التغلبى فى شرح اختيارات المفضل ص 1164، وتاج العروس (سوأ)، والبيان والتبيين 1/ 9، والخزانة 11/ 147، وبلا نسبة فى لسان العرب (سوأ) ويروى (سيئا) مكان (سوءا).(2/336)
وجمعه بين أم وكيف؟ فالقول أنهما ليسا لمعنى واحد. وذلك أنّ (أم) هنا جرّدت لمعنى الترك والتحوّل، وجرّدت من معنى الاستفهام، (وأفيد) ذلك من (كيف) لا منها. وقد دللنا على ذلك فيما مضى.
فإن قيل: فهلا وكدت إحداهما الأخرى كتوكيد اللام لمعنى الإضافة، وياءى النسب لمعنى الصفة.
قيل: يمنع من ذلك أنّ (كيف) لمّا بنيت واقتصر بها على الاستفهام البتّة جرت مجرى الحرف البتة، وليس فى الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد، لأن فى ذلك نقضا لما اعتزم عليه من الاختصار فى استعمال الحروف. وليس كذلك يا بؤس للحرب وأحمرىّ وأشقرىّ. وذلك أن هنا إنما انضم الحرف إلى الاسم، فهما مختلفان، فجاز أن يترادفا فى موضعهما لاختلاف جنسيهما.
فإن قلت: فقد قال:
* وما إن طبّنا جبن ولكن (1) *
وقال:
* ما إن يكاد يخليّهم لوجهتهم (2) *
__________
(1) صدر البيت من الوافر، وهو لفروة بن مسيك فى الأزهية ص 51، والجنى الدانى ص 327، وخزانة الأدب 4/ 112، 115، والدرر 2/ 100، وشرح أبيات سيبويه 2/ 106، وشرح شواهد المغنى 1/ 81، ولسان العرب (طبب)، ومعجم ما استعجم ص 650، وللكميت فى شرح المفصل 8/ 129، وللكميت أو لفروة فى تخليص الشواهد ص 278، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص 207، وخزانة الأدب 11/ 941، 218، ورصف المبانى ص 110، 311، وشرح المفصل 5/ 120، 8/ 113، والكتاب 3/ 153، 4/ 221، والمحتسب 1/ 92، ومغنى اللبيب 1/ 25، والمقتضب 1/ 51، 2/ 364، والمنصف 3/ 128، وهمع الهوامع. وعجزه:
* منايانا ودولة آخرينا *
طبّنا: عادتنا وشأننا.
(2) صدر البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 170، ولسان العرب (كفت)، (برك)، وتهذيب اللغة 10/ 229، وتاج العروس (كفت)، (برك)، وبلا نسبة فى المخصص 6/ 168. وعجزه:
* تخالج الأمر إن الأمر مشترك *(2/337)
فجمع بين ما وإن، وكلاهما لمعنى النفى، وهما كما ترى حرفان.
قيل: ليست إن من قوله:
* ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم *
بحرف نفى فيلزم ما رمت إلزامه، وإنما هى حرف يؤكّد به، بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك ألا ترى إلى قولهم فى الاستثبات عن زيد من نحو قولك جاءنى زيد: أزيد إنيه؟ وفى باب رأيت زيدا: أزيدا إنيه؟ فكما زيدت (إن) هنا توكيدا مع غير (ما)، فكذلك زيدت مع (ما) توكيدا.
وأما قوله:
طعامهم لئن أكلوا معدّ ... وما إن لا تحاك لهم ثياب (1)
فإنّ (ما) وحدها أيضا للنفى (وإن) و (لا) جميعا للتوكيد، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكّدوا بأكثر من الحرف الواحد فى غير هذا. وذلك قولهم: لتقومنّ ولتقعدنّ. فاللام والنون جميعا للتوكيد. وكذلك قول الله جلّ وعزّ: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} [مريم: 26]. فما والنون جميعا مؤكّدتان. فأما اجتماع الحرفين فى قوله:
* وما إن لا تحاك لهم ثياب *
وافتراقهما فى لتفعلنّ وإمّا ترينّ فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما فى موضع واحد بقوّة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى واحد، كذلك أيضا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويها وعلما على قوّة العناية بالحال.
وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال تكرير الأسماء المؤكّد بها فى نحو أجمع وأكتع وأبضع وأبتع وما يجرى مجراه. فلمّا شاع ذلك وتنوزع فى غالب الأمر فى الأسماء لم يخلوا الحروف من نحو منه إيذانا بما هم عليه مما اعتزموه ووكّدوه. وعليه أيضا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه نحو قولهم:
اضرب اضرب، وقم قم، وارم ارم، وقوله:
__________
(1) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 430، وتذكرة النحاة ص 667، وخزانة الأدب 11/ 141، والدرر 6/ 256، وهمع الهوامع 2/ 158.(2/338)
* أتاك أتاك اللّاحقوك احبس احبس (1) *
فاعرف ذلك فرقا بين توكيد المعنى الواحد، نحو الأمر والنهى والإضافة وتوكيد معنى الجملة، فى (امتناع اجتماع) حرفين لمعنى واحد، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام فى لتقربنّ وإمّا ترينّ ألا ترى أنك إذا قلت: هل تقومنّ ف (هل) وحدها للاستفهام وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدلّ على أنها لذلك لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها فى الأمر نحو اضربنّ زيدا، وفى النهى فى لا تضربنّ زيدا، والخبر فى لتضربنّ زيدا، والنفى فى نحو قلمّا تقومنّ، فشياعها فى جميع هذه المواضع أدلّ دليل على ما نعتقده: من كونها توكيدا لجملة القول، لا لمعنى مفرد منه مخصوص لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصّت به، ولم تشع فى غيره كغيرها من الحروف.
فإن قلت: يكون من الحروف ما يصلح من المعانى لأكثر من الواحد نحو:
من، فإنها تكون تبعيضا وابتداء، ولا، تكون نفيا ونهيا وتوكيدا، وإن، فإنها تكون شرطا ونفيا وتوكيدا.
قيل: هذا إلزام يسقطه تأمّله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة نحو الصدى فإنه ما يعارض الصوت، وهو بدن الميت، وهو طائر يخرج فيما يدّعون من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضا الرجل الجيّد الرعية للمال فى قولهم: هو صدى مال، وخائل مال، وخال مال، وسر سور مال، وإزاء مال، و (نحو ذلك من) الشوى (2) ونحوه مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة نحو وجدت فى الحزن، ووجدت فى الغضب، ووجدت فى الغنى، ووجدت فى الضالّة، ووجدت بمعنى علمت، ونحو ذلك، فكذلك جاء نحو هذا فى الحروف. وليست كذلك النون لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه، واستقرّ من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست
__________
(1) سبق.
(2) الشوى: الهيّن من الأمر، والشوى: اليدان والرجلان وأطراف الأصابع وقحف الرأس. اللسان (شوا).(2/339)
لتوكيد شىء مخصوص من ذلك دون غيره ألا تراها للشىء وضدّه نحو اذهبنّ، ولا تذهبنّ، والإثبات فى لتقومنّ، والنفى فى قلّما تقومنّ. فهى إذا لمعنى واحد، وهو التوكيد لا غير.
ومن الاحتياط إعادة العامل فى العطف، والبدل. فالعطف نحو مررت بزيد وبعمرو فهذا أوكد معنى من مررت بزيد وعمرو. والبدل كقولك: مررت بقومك بأكثرهم فهذا أوكد معنى من قولك: مررت بقومك أكثرهم.
ووجوه الاحتياط فى الكلام كثيرة و (هذا طريقها) (فتنبه عليها).
* * *
باب فى فك الصيغ(2/340)
* * *
باب فى فك الصيغ
اعلم أن هذا موضع من العربيّة لطيف، ومغفول عنه وغير مأبوه له. وفيه من لطف المأخذ وحسن الصنعة ما أذكره، لتعجب منه، وتأنق له.
وذلك أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفا، إمّا ضرورة أو إيثارا، فإنها تصوّر تلك الكلمة بعد الحذف منها تصويرا تقبله أمثلة كلامها، ولا تعافه وتمجّه لخروجه عنها سواء كان ذلك الحرف المحذوف أصلا أم زائدا. فإن كان ما يبقى بعد ذلك الحرف مثالا تقبله مثلهم أقرّوه عليه. وإن نافرها وخالف ما عليها أوضاع كلمتها نقض عن تلك الصورة، وأصير إلى احتذاء رسومها.
فمن ذلك أن تعتزم تحقير نحو منطلق أو تكسيره فلا بدّ من حذف نونه.
فإذا أنت حذفتها بقى لفظه بعد حذفها: مطلق، ومثاله مفعل. وهذا وزن ليس فى كلامهم فلا بدّ إذا من نقله إلى أمثلتهم. ويجب حينئذ أن ينقل فى التقدير إلى أقرب المثل منه ليقرب المأخذ، ويقلّ التعسّف. فينبغى أن تقدّره قد صار بعد حذفه إلى مطلق لأنه أقرب إلى مطلق من غيره، ثم حينئذ من بعد تحقّره، فتقول: مطيلق، وتكسّره فتقول: مطالق كما تقول فى تحقير مكرم وتكسيره:
مكيرم ومكارم. فهذا باب قد استقرّ ووضح فلتغن به عن إطالة القول بإعادة مثله. وسنذكر العلّة التى لها ومن أجلها وجب عندنا اعتقاد هذا فيه بإذن الله. فإن كان حذف ما حذف من الكلمة يبقّى منها بعده مثالا مقبولا (لم يكن لك بدّ فى الاعتزام عليه وإقراره) على صورته تلك البتّة. وذلك كقولك فى تحقير حارث على الترخيم: حريث. فهذا لمّا حذفت ألفه بقى من بعد على حرث، فلم يعرض له بتغيير لأنه كنمر، وسبط وحذر.
فمن مسائل هذا الباب أن تحقّر جحنفلا أو تكسّره فلابدّ من حذف نونه، فيبقى بعد: جحفل، فلابد من إسكان عينه إلى أن يصير: جحفل. ثم بعد ما تقول: جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغيّر واحتججت بما جاء عنهم من قولهم فى عرنتن: عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلابدّ من حذف لامه،
فيبقى: سفرج، وليس من أمثلتهم، فتنقله إلى أقرب ما يجاوره، وهو سفرج كجعفر، فتقول: سفيرج. وكذلك إن استكرهته على التكسير، فقلت: سفارج.(2/341)
فمن مسائل هذا الباب أن تحقّر جحنفلا أو تكسّره فلابدّ من حذف نونه، فيبقى بعد: جحفل، فلابد من إسكان عينه إلى أن يصير: جحفل. ثم بعد ما تقول: جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغيّر واحتججت بما جاء عنهم من قولهم فى عرنتن: عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلابدّ من حذف لامه،
فيبقى: سفرج، وليس من أمثلتهم، فتنقله إلى أقرب ما يجاوره، وهو سفرج كجعفر، فتقول: سفيرج. وكذلك إن استكرهته على التكسير، فقلت: سفارج.
فإن كسّرت حبنطى أو حقّرته بحذف نونه بقى معك: حبطى. وهذا مثال لا يكون فى الكلام وألفه للإلحاق، فلابدّ من أن تصيره إلى حبطى ليكون كأرطى. ثم تقول: حبيط وحباط كأريط وأراط. فإن حذفت ألفه بقى حبنط وهذا مثال غير معروف لأنه ليس فى الكلام فعنل، فتنقله أيضا إلى حبنط، ثم تقول: حبينط وحبانط. فإن قلت: ولا فى الكلام أيضا فعنل، قيل: هو وإن لم يأت اسما فقد أتى فعلا، وهو قلنسته، فهذا فعنلته. وتقول فى تحقير جردحل: جريدح. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: جرادح وذلك أنك لمّا حذفت لامه بقى:
جردح، وهذا مثال معروف كدرهم، وهجرع، فلم يعرض للبقيّة بعد حذف الآخر. فإن حقّرت أو كسّرت (مستخرج) حذفت السين والتاء، فبقى: مخرج، فلم تغيّره فتقول: مخيرج ومخارج. فإن سمّيت رجلا دراهم، ثم حقّرته حذفت الألف، فبقى: درهم، فأقررته على صورته، ولم تغيّره لأنه مثال قد جاء عنهم وذلك قولهم: جندل، وذلذل (1)، وخنثر (2). فتقول: دريهم. ولا تكسّره لأنك تعود إلى اللفظ الذى انصرفت عنه. فإن حقّرت نحو عذافر فحذفت ألفه لم تعرض لبقيّته لأنه يبرد فى يدك حينئذ عذفر، وهذا قد جاء عنهم نحو علبط (3)
وخزخز (4) و (عجلط وعكلط (5)) ثم تقول: عذيفر، وفى تكسيره: عذافر. فإن حقرت نحو قنفخر حذفت نونه، ولم تعرض لبقيّته لأنه يبقى: قفخر. وهذا نظير دمثر وحبجر (6) فتقول: قفيخر وقفاخر. فإن حقّرت نحو عوارض ودواسر (7)
حذفت الألف، فبقى عورض ودوسر، وهذا مثال ليس من كلامهم لأنه فوعل.
__________
(1) ذلاذل القميص ما يلى الأرض من أسافله، الواحد ذلزل. اللسان (ذلل).
(2) الخنثر: الشىء الخسيس يبقى من متاع القوم فى الدار إذا تحملوا.
(3) علبط: يقال رجل علبط وعلابط: ضخم عظيم. ولبن علبط: رائب خاثر جدا.
(4) خزخز: هو القوىّ الشديد.
(5) عجلط وعكلط: اللبن الخاثر.
(6) حبجر: هو الغليظ.
(7) دواسر: هو الشديد الضخم.(2/342)
إلا أنك مع ذلك لا تغيّره لأنه هو فواعل، وإنما حذفت الألف وهى فى تقدير الثبات. ودليل ذلك توالى حركاته كتوالى حركات علبط وبابه فتقول فى تحقيره وتكسيره: عويرض، وعوارض. ومثله هداهد وهداهد، وقناقن وقناقن، وجوالق وجوالق. فإن حقّرت نحو عنتريس أو كسّرته حذفت نونه، فبقى فى التقدير عتريس. وليس فى الكلام شىء على فعليل، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه، فتصير إلى فعليل: عتريس، فتقول: عتيريس، وعتاريس. فإن حقّرت خنفقيقا حذفت القاف الأخيرة، فيبقى: خنفقى، وهذا فنعلى، وهو مثال غير معهود، فتحذف الياء، فيبقى خنفق: فنعل كعنبس وعنسل، فتقول فيه: خنيفق، وخنافق. وعليه قول الراجز:
* بنى عقيل ماذه الخنافق *
وليس عنتريس كخنفقيق لأنه رباعىّ، فلابدّ من حذف نونه، وخنفقيق ثلاثىّ، فإحدى قافيه زائدة، فلذلك حذفت الثانية، وفيه شاهد لقول يونس فى أن الثانى من المكرّر هو الزائد.
والذى يدلّ على أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفا راعت حال ما بقى منه، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقرّوه على صورته، وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم قول الشّماخ:
حذاها من الصيداء نعلا طراقها ... حوامى الكراع المؤيدات العشاوز (1)
ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عشوزن، فحذف النون لشبهها بالزائد كما حذفت الهمزة فى تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد فى قولهم: بريهيم وسميعيل، وإن كانت عندنا أصلا. فلمّا حذف النون بقى معه عشوز، وهذا مثال فعول، وليس من صور أبنيتهم، فعدله إلى عشوز، وهذا مثال فعول، ليلحق بجدول وقسور ثم كسّره فقال: عشاوز. والدليل على أنه قد نقله من عشوز إلى
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للشماخ فى ديوانه ص 193، ولسان العرب (حبر)، وأساس البلاغة (عوز)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 818، والمقتضب 3/ 81.
والصيداء: الحصى. والحوامى: الحجارة. أى حذاها حرّة نعالها الصخور. البيت فى اللسان (صيد). العشاوز: الواحد عشوز: ما صلب مسلكه من طريق أو أرض.(2/343)
عشوز أنه لو كان كسّره وهو على ما كان عليه من سكون واوه دون أن يكون قد حرّكها، لوجب عليه همزها، وأن يقال: عشائز لسكون الواو فى الواحد كسكونها فى عجوز ونحوها. فأما انفتاح ما قبلها فى عشوز فلا يمنعها الإعلال.
وذلك أن سبب همزها فى التكسير إنما هو سكونها فى الواحد لا غير. فأمّا اتّباعها ما قبلها وغير اتّباعها إياه فليس مما يتعلّق عليه حال وجوب الهمز أو تركه. فإذا ثبت بهذه المسئلة حال هذا الحرف قياسا وسماعا جعلته أصلا فى جميع ما يعرض له شىء من هذا التحريف. ويدلّ عليه أيضا قولهم فى تحقير ألندد أليدّ ألا ترى أنه لمّا حذف النون بقى معه ألدد، وهذا مثال منكور، فلمّا نبا عنه أماله إلى أقرب الأمثلة منه، وهو أفعل، فصار ألدد، فلمّا أفضى إلى ذلك ادّغمه، فصار ألدّ لأنه جرى حينئذ مجرى ألدّ الذى هو مذكر لدّاء إذ كان صفة وعلى أفعل، فانجذب حينئذ إلى باب أصمّ من صمّاء وأيل (1) من يلاء قال:
وكونى على الواشين لدّاد شغبة ... كما أنا للواشى ألدّ شغوب
فلذلك قالوا فى تحقيره: أليدّ، فادّغموه ومنعوه الصرف. وفى هذا بيان ما نحن عليه. فأمّا قول سيبويه فى نحو سفيرج وسفارج: إنه إنما حذف آخره لأن مثال التحقير والتكسير انتهى دونه، فوجه آخر من الحجاج. والذى قلناه نحن شاهده العشاوز وأليدّ.
ومن فكّ الصيغة أن تريد البناء من أصل ذى زيادة فتلقيها عنه، ثم ترتجل البناء منه مجرّدا منها. وذلك كأن تبنى من ساعد أو كاهل مثل جعفر، أو غيره من الأمثلة، فتفكّ عنه زائده وهو الألف، فيبقى (ك هـ ل) و (س ع د) لا عليك على أىّ صورة بقى بعد حذف زائده لأنه إنما غرضك البناء من هذه المادّة مرتّبة من تقديم حروفها وتأخيرها على هذا الوضع أفعلا كانت أم فعلا أم فعلا أم غير ذلك لأنه على أيّها بقى فالبناء منه سعدد وكهلل. وكذلك إن أردت البناء من منصور مثل قمحدوة قلت: نصرّوة. وذلك أنك لمّا أردت ذلك حذفت ميمه وواوه، فبقى معك (ن ص ر)، ولا عليك على أىّ مثال بقى على ما مضى.
__________
(1) يقال رجل أيلّ والأنثى يلاء. والأيلّ: القصير الأسنان، والجمع اليلّ. اللسان (يلل).(2/344)
ومن ذلك جميع ما كسّرته العرب على حذف زائده كقولهم فى جمع كروان:
كروان. وذلك أنك لمّا حذفت ألفه ونونه بقى معك كرو، فقلبت واوه ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها طرفا، فصارت كرا، ثم كسّرت (كرا) هذا على كروان كشبث وشبثان (1)، وخرب وخربان (2). وعليه قولهم فى المثل: أطرق كرا إنما هو عندنا ترخيم كروان على قولهم: يا حار. وأنشدنا لذى الرمة:
من آل أبى موسى ترى الناس حوله
كأنهم الكروان أبصرن بازيا (3)
(فالواو الآن فى كروان إنما هى بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان).
ومنه قول الله سبحانه: {حَتََّى إِذََا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف: 15] وهو عند سيبويه تكسير شدّة على حذف زائدته. وذلك أنه لمّا حذف التاء بقى الاسم على شدّ، ثم كسّره على أشدّ، فصار كذئب وأذؤب، وقطع وأقطع. ونظير شدّة وأشدّ قولهم:
نعمة وأنعم، وقال أبو عبيدة: هو جمع أشدّ على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على ذلك فى الشعر وأنشد بيت عنترة:
عهدى به شدّ النهار كأنّما ... خضب اللّبان ورأسه بالعظلم (4)
ألا تراه لمّا حذف همزة أشدّ بقى معه شدّ، كما ترى، فكسّره على أشدّ، فصار كضبّ وأضبّ، وصكّ وأصكّ.
ومن فكّ الصيغة إلا أن ذلك إلى الزيادة لا إلى النقص ما حكاه الفرّاء من
__________
(1) الشّبث: دويبّة تسمى شحمة الأرض وقيل هى العنكبوت، والجمع أشباث وشبثان. وانظر اللسان (شبث).
(2) الخرب: الشعر المقشعرّ فى الخاصرة، والخرب: ذكر الحبارى، وقيل هى الحبارى كلها، والجمع خراب وأخراب وخربان. وانظر اللسان (خرب).
(3) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 1313، والأشباه والنظائر 2/ 412، وخزانة الأدب 2/ 377، وشرح شواهد الإيضاح ص 553، والمنصف 3/ 72.
(4) البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 213، ولسان العرب (شدد)، وتاج العروس (شدد).
اللّبان: الصدر. والعظلم: صبغ أحمر.(2/345)
قولهم فى جمع أتون: أتاتين (1). فهذا كأنه زاد على عينه عنيا أخرى، فصار من فعول مخفّف العين إلى فعّول مشدّدها، فتصوّره حينئذ على أتّون، فقال فيه:
أتاتين كسفّود وسفافيد، وكلّوب وكلاليب. وكذلك قولهم فى تحقير رجل:
رويجل (فهذا ليس) بتحقير رجل، لكنه نقله من فعل إلى فاعل، فصار إلى راجل، ثم حينئذ قال فى تحقيره: رويجل. وعليه عندى قولهم فى جمع دانق:
دوانيق. وذلك أنه زاد على فتحة عينه ألفا، فصار داناق، ثم كسّره على دوانيق كساباط وسوابيط. ولا يحسن أن يكون زاد حرف اللين على المكسور العين منهما لأنه كان يصير حينئذ إلى دانيق، وهذا مثال معدوم عندهم ألا ترى أنه ليس فى كلامهم فاعيل. ولك فى دانق لغتان: دانق ودانق، كخاتم وخاتم، وطابق وطابق. وإن شئت قلت: لما كسّره فصار إلى دوانق أشبع الكسرة فصار:
دوانيق كالصياريف (والمطافيل) وهذا التغيير المتوهّم كثير. وعليه باب جميع ما غيرّته الصنعة عن حاله، ونقلته من صورة إلى صورة ألا تراك لمّا أردت الإضافة إلى عدىّ فحذفت ياءه الزائدة بقى معك عدى، فأبدلت من الكسرة فتحة، فصار إلى عدى، ثم أبدلت من يائه ألفا فصار إلى عدا، ثم وقعت ياء الإضافة من بعد، فصار التقدير به إلى عداىّ، ثم احتجت إلى حركة الألف التى هى لام لينكسر ما قبل ياء الإضافة، فقلبتها واوا، فقلت: عدوىّ. فالواو الآن فى (عدوى) إنما هى بدل من ألف عداىّ، وتلك الألف بدل من ياء عدى، وتلك الياء بدل واو عدوت على ما قدّمنا من حفظ المراتب فاعرف ذلك.
ومن فكّ الصيغة قوله:
قد دنا الفصح فالولائد ينظم ... ن سراعا أكلّة المرجان (2)
فهذا جمع إكليل، فلمّا حذفت الهمزة وبقيت الكاف ساكنة فتحت، فصار إلى كليل، ليكون كدليل ونحوه، فعليه جاء أكلّة كدليل وأدلّة.
__________
(1) الأتّون، بالتشديد: الموقد، والعامة تخفّفه، والجمع الأتاتين. اللسان (أتن). قال ابن خالويه:
الأتون، مخفف من الأتّون.
(2) البيت من الخفيف، وهو لحسان بن ثابت فى ديوانه ص 323، وجمهرة اللغة ص 542، والأغانى 15/ 151، 162، وبلا نسبة فى لسان العرب (كلل)، وتاج العروس (كلل).
الفصح، بالكسر: فطر النصارى، وهو عيد لهم. والولائد: الجوارى.(2/346)
باب فى كمية الحركات
أمّا ما فى أيدى الناس فى ظاهر الأمر فثلاث. وهى الضمة والكسرة والفتحة.
ومحصولها على الحقيقة ستّ. وذلك أن بين كل حركتين حركة. فالتى بين الفتحة والكسرة هى الفتحة قبل الألف الممالة نحو فتحة عين عالم، وكاف كاتب. فهذه حركة بين الفتحة والكسرة كما أن الألف التى بعدها بين الألف والياء، والتى بين الفتحة والضمة هى التى قبل ألف التفخيم نحو فتحة لام الصلاة (والزكاة) والحياة. وكذلك ألف قام وعاد. والتى بين الكسرة والضمة، ككسرة قاف قيل و (سين سير) فهذه الكسرة المشمّة ضمّا. ومثلها الضمة المشمّة كسرا كضمة قاف المنقر (1)، وضمة عين مذعور، و (باء ابن بور) فهذه ضمة أشربت كسرا كما أنها فى قيل وسير كسرة أشربت ضمّا. فهما لذلك كالصوت الواحد لكن ليس فى كلامهم ضمة مشربة فتحة، ولا كسرة مشربة فتحة. فاعرف ذلك. ويدلّ على أن هذه الحركات معتدّات اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف (المفتوح ما قبلها).
* * * __________
(1) المنقر: البئر الكثيرة الماء.(2/347)
باب فى مطل الحركات
وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها. فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء، وبعد الضمة الواو. فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه أبو علىّ لابن هرمة يرثى ابنه: من قوله:
فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح (1)
أراد: بمنتزح: مفتعل من النازح. وأنشدنا أيضا لعنترة:
* ينباع من ذفرى غضوب جسرة (2) *
وقال: أراد ينبع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفا. وقال الأصمعىّ: يقال انباع الشجاع، ينباع انبياعا إذا انخرط بين الصفّين ماضيا، وأنشد فيه:
يطرق حلما وأناة معا ... ثمّت ينباع انبياع الشجاع (3)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لابن هرمة فى ديوانه ص 92، والأشباه والنظائر 2/ 30، وسر صناعة الإعراب 1/ 25، 2/ 719، وشرح شواهد الشافية ص 25، ولسان العرب (نزح)، والمحتسب 1/ 340، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 45، والإنصاف 1/ 25، وخزانة الأدب 7/ 557، ولسان العرب (نجد)، (حتن)، والمحتسب 1/ 166.
(2) صدر البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 204، والإنصاف 1/ 26، وخزانة الأدب 1/ 122، 8/ 373، وسر صناعة الإعراب 1/ 338، 2/ 719، وشرح شواهد الشافية ص 24، ولسان العرب (غضب)، (نبع)، (زيف)، (آ)، والمحتسب 1/ 258، 340، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 11، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 70، 2/ 84، ولسان العرب (بوع)، (تنف)، (درم)، (خظا) ومجالس ثعلب 2/ 539، والمحتسب 1/ 78، 166، 258.
إنما أراد ينبع فأشبع فتحة الباء للضرورة فنشأت بعدها ألف وانظر اللسان (نبع). والذفرى:
العظم الشاخص خلف الأذن. غضوب جسرة أوصاف لناقته، يقال ناقة جسرة ومتجاسرة أى ماضية، وقيل طويلة ضخمة.
(3) البيت من السريع، وهو للسفاح بن بكير اليربوعى فى تاج العروس (بوع)، وشرح اختيارات المفضل ص 1363، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة 15/ 71، ومقاييس اللغة 1/ 319، ولسان العرب (بوع)، (نبع)، (ثمم). ويروى: (يجمع) مكان (يطرق).
الشجاع: الحية الذكر.(2/348)
فهذا: انفعل ينفعل انفعالا، والألف فيه عين. وينبغى أن تكون عينه واوا لأنها أقرب معنى من الياء هنا نعم وقد يمكن عندى أن تكون هذه لغة تولدت وذلك أنه لمّا سمع (ينباع) أشبه فى اللفظ ينفعل، فجاءوا منه بماض ومصدر كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضفن الرجل يضفن إذا جاء ضيفا مع الضيف. وذلك أنه لمّا سمعهم يقولون: ضيفن، وكانت فيعل أكثر فى الكلام من فعلن، توهّمه فيعلا فاشتّق الفعل منه، بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه، فقال:
ضفن يضفن. فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت إذا مثّلته على لفظه: فلن يفلن لأن العين قد حذفت. ولهذا موضع نذكره فيه مع بقيّة أغلاط العرب.
ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلىّ:
بينا تعنّقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جرىء سلفع (1)
أى بين أوقات تعنقه، ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.
وحدّثنا أبو علىّ أن أحمد بن يحيى حكى: خذه من حيث وليسا، قال: وهو إشباع ليس. وذهب إلى مثل ذلك فى قولهم آمين، وقال: هو إشباع (فتحة الهمزة من أمين). فأمّا قول أبى العباس: إن آمين بمنزلة عاصين، فإنما يريد به أن الميم خفيفة كعين عاصين. وكيف يجوز أن يريد به حقيقة الجمع، وقد حكى عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: آمين: اسم من أسماء الله عزّ وجلّ. فأين بك فى اعتقاد معنى الجمع من هذا التفسير، تعالى الله علوّا كبيرا.
وحكى الفرّاء عنهم: أكلت لحما شاة، أراد: لحم شاة، فمطل الفتحة، فأنشأ عنها ألفا.
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لأبى ذؤيب فى الأشباه والنظائر 2/ 48، وخزانة الأدب 5/ 258، 7/ 71، 73، 74، والدرر 3/ 120، وسر صناعة الإعراب 1/ 25، 2/ 710، وشرح أشعار الهذليين 1/ 37، وشرح شواهد المغنى 1/ 263، 2/ 79، وشرح المفصل 4/ 34، ولسان العرب (بين)، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 11، وشرح المفصل 4/ 99، ومغنى اللبيب 1/ 370، وهمع الهوامع 1/ 211.
السلفع: الجرىء الواسع الصدر.(2/349)
ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل، والجلاعيد.
فأما ياء مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة، وليست مطلا. قال أبو النجم:
* منها المطافيل وغير المطفل (1) *
وأجود من ذلك قول الهذلىّ:
* جنى النحل فى ألبان عوذ مطافل (2) *
وكذلك قول الآخر:
* الخضر الجلاعيد *
وإنما هى الجلاعد جمع جلعد، وهو الشديد.
ومن مطل الضمّة قوله فيما أنشدناه وغيره:
وأننى حيث ما يشرى الهوى بصرى
من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (3)
__________
(1) المطفل: ذات الطفل من الإنسان والوحش معها طفلها، وكذلك الناقة، والجمع مطافيل ومطافل. اللسان (طفل).
(2) عجز البيت من الطويل، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى الدرر 5/ 7، وشرح أشعار الهذليين 1/ 141، وشرح شواهد الإيضاح ص 587، وشرح شواهد الشافية ص 144، ولسان العرب (بكر)، (طفل)، وتاج العروس (طفل)، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب 2/ 182، وهمع الهوامع 2/ 46. وصدره:
* وإن حديثا منك لو تعلمينه *
(3) البيت من البسيط، وهو لابن هرمه فى ملحق ديوانه ص 239، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 45، والأشباه والنظائر 2/ 29، والإنصاف 1/ 24، والجنى الدانى ص 173، وخزانة الأدب 1/ 121، 7/ 7، 8/ 220، 373، والدرر 6/ 204، ورصف المبانى 13/ 435، وسر صناعة الإعراب 1/ 26، 338، 2/ 630، وشرح شواهد المغنى 2/ 785، والصاحبى فى فقه اللغة ص 50، ولسان العرب (شرى)، (الألف)، (وا)، والمحتسب 1/ 259، ومغنى اللبيب 2/ 368، والممتع فى التصريف 1/ 156، وهمع الهوامع 2/ 156. ويروى: (يثنى) مكان (يشرى).(2/350)
(يشرى: يحرّك ويقلق. ورواه لنا يسرى).
وقول الآخر:
ممكورة جمّ العظام عطبول ... كأنّ فى أنيابها القرنفول (1)
فهذه هى الطريق. فما جاء منها قسه عليها.
* * * __________
(1) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 49، والإنصاف 1/ 24، ولسان العرب (قرنفل)، والممتع فى التصريف 1/ 156، وتهذيب اللغة 9/ 416، وكتاب العين 5/ 263، والمخصص 11/ 196، وتاج العروس (قرنفل) ويروى: (غيطاء جمّاء) مكان (ممكورة جم).
ممكورة: هى المدمجة الخلق الشديدة البضعة. وجم العظم، فهو أجمّ: كثر لحمه. ومرة جمّاء العظام: كثيرة اللحم عليها. العطبول: الطويل الصلب الأملس، الطويل العنق. والبيت فى اللسان (قرنقل).(2/351)
باب فى مطل الحروف
والحروف الممطولة هى الحروف الثلاثة الليّنة المصوّتة، وهى الألف والياء والواو.
اعلم أن هذه الحروف أين وقعت، وكيف وجدت (بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدّغمات) ففيها امتداد ولين نحو قام، وسير به، وحوت، وكوز، وكتاب، وسعيد، وعجوز. إلا أن الأماكن التى يطول فيها صوتها، وتتمكن مدّتها، ثلاثة. وهى أن تقع بعدها وهى سواكن توابع لما (هو منهن) وهو الحركات من جنسهن الهمزة، أو الحرف المشدّد، أو أن يوقف عليها عند التذكّر.
فالهمزة نحو كساء، ورداء، و (خطيئة، ورزيئة)، ومقروءة، ومخبوءة. وإنما تمكن المدّ فيهن مع الهمز أن الهمزة حرف نأى منشؤه، وتراخى مخرجه، فإذا أنت نطقت بهذه الأحرف المصوّتة قبله، ثم تماديت بهن نحوه طلن، وشعن فى الصوت، فوفين له، وزدن (فى بيانه) و (مكانه) وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدّد ألا تراك إذا قلت: كتاب، وحساب، وسعيد، وعمود، وضروب، وركوب، لم تجدهن لدنات، ولا ناعمات، ولا وافيات مستطيلات كما تجدهن كذلك إذا تلاهن الهمز أو الحرف المشدّد.
وأما سبب نعمتهنّ ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدّد بعدهن فلأنهن كما ترى سواكن، وأوّل المثلين مع التشديد ساكن، فيجفو عليهم أن يلتقى الساكنان حشوا فى كلامهم، فحينئذ مّا ينهضون بالألف بقوّة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها، عوضا ممّا كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها، إذا لم يجدوا عليه تطرّقا، ولا بالاستراحة إليه تعلقا. وذلك نحو شابّة، ودابّة، وهذا قضيب بكّر فى قضيب بكر، وقد تمودّ الثوب، وقد قوصّ بما عليه. وإذا كان كذلك فكلمّا رسخ الحرف فى المدّ كان حينئذ محفوظا بتمامه، وتمادى الصوت به، وذلك الألف، ثم الياء، ثم الواو. فشابّة إذا أوفى صوتا، وأنعم جرسا من
أختيها، وقضيب بكّر أنعم وأتمّ من قوصّ به، وتمودّ ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث فى المدّ وهى الألف، وقرب الياء إليها. نعم، وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى تمكينه وجهارته، بما تجشمه من مدّ الألف فى هذا الموضع، دون أن يطغى به طبعه، ويتخطى به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة، فيحمّلها الحركة التى كان كلفا بها، و (مصانعا بطول) المدّة عنها، فيقول: شأبّة ودأبّة. وسنأتى بنحو هذا فى بابه قال كثيّر:(2/352)
وأما سبب نعمتهنّ ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدّد بعدهن فلأنهن كما ترى سواكن، وأوّل المثلين مع التشديد ساكن، فيجفو عليهم أن يلتقى الساكنان حشوا فى كلامهم، فحينئذ مّا ينهضون بالألف بقوّة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها، عوضا ممّا كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها، إذا لم يجدوا عليه تطرّقا، ولا بالاستراحة إليه تعلقا. وذلك نحو شابّة، ودابّة، وهذا قضيب بكّر فى قضيب بكر، وقد تمودّ الثوب، وقد قوصّ بما عليه. وإذا كان كذلك فكلمّا رسخ الحرف فى المدّ كان حينئذ محفوظا بتمامه، وتمادى الصوت به، وذلك الألف، ثم الياء، ثم الواو. فشابّة إذا أوفى صوتا، وأنعم جرسا من
أختيها، وقضيب بكّر أنعم وأتمّ من قوصّ به، وتمودّ ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث فى المدّ وهى الألف، وقرب الياء إليها. نعم، وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى تمكينه وجهارته، بما تجشمه من مدّ الألف فى هذا الموضع، دون أن يطغى به طبعه، ويتخطى به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة، فيحمّلها الحركة التى كان كلفا بها، و (مصانعا بطول) المدّة عنها، فيقول: شأبّة ودأبّة. وسنأتى بنحو هذا فى بابه قال كثيّر:
* إذا ما العوالى بالعبيط احمأرّت *
وقال:
وللأرض أمّا سودها فتجلّلت ... بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت (1)
وهذا الهمز الذى تراه أمر يخصّ الألف دون أختيها. وعلّته فى اختصاصه بها دونهما، أن همزها فى بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها ساكنة بعدها الحرف المدّغم، فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلبها همزة تطرّقا إلى الحركة وتطاولا إليها، إذ لم يجدوا إلى تحريكها هى سبيلا، لا فى هذا الموضع ولا فى غيره.
وليست كذلك أختاها لأنهما وإن سكنتا فى نحو هذا قضيب بكّر وتمودّ الثوب فإنهما قد تحرّكان كثيرا فى غير هذا الموضع. فصار تحرّكهما فى غير هذا الموضع عوضا من سكونهما فيه. فاعرف ذلك فرقا.
وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعتين لما هو منهما. وذلك نحو قولهم: هذا جيب بكّر أى جيب بكر، وثوب بكّر، أى ثوب بكر. وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو فإن فيها سرّا، له ومن أجله جاز أن تمتدّ الياء والواو بعدها فى نحو ما رأينا. وذلك أن أصل المدّ وأقواه، وأعلاه وأنعمه وأنداه، إنما هو للألف. وإنما الياء والواو فى ذلك محمولان عليها، وملحقان فى الحكم بها، والفتحة بعض الألف، فكأنها إذا
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص 323، والمخصص 10/ 166، ويروى:
(فادهأمت) مكان (فاسوأدت).
وهو يريد بتجلل الأرض بياضا واسوداد بياضها اضطرابها أو يريد أن قبورها أصبحت بيضا به، وظهرها أصبح أسود بزواله عنه. (نجار).(2/353)
قدّمت قبلهما فى نحو بيت وسوط إنما قدمت الألف إذ كانت الفتحة بعضها، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا فى موضع قد سبقتهما إليه الفتحة التى هى ألف صغيرة، فكان ذلك سببا للأنس بالمدّ، لا سيما وهما بعد الفتحة لسكونهما أختا الألف وقوّيتا الشبه بها فصار ثوب وشيخ نحوا من شاخ وثاب، فلذلك ساغ وقوع المدّغم بعدهما. فاعرف ذلك.
وأمّا مدّها عند التذكر فنحو قولك: أخواك ضربا، إذا كنت متذكّرا للمفعول به (أو الظرف أو نحو ذلك) أى ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكّرت فى نحو ضربوا، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك: أى ضربوا زيدا، أو ضربوا يوم الجمعة، أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء فى نحو اضربى، أى اضربى زيدا ونحوه.
وإنما مطلت ومدّت هذه الأحرف فى الوقف وعند التذكر، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكّنة المدّة، فقلت: ضربا وضربوا واضربى وما كانت هذه حاله وأنت مع ذلك متذكر لم (توجد فى) لفظك دليلا على أنك متذكّر شيئا، ولأوهمت كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقّع لك لكنك لمّا وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تال للأوّل منوط به، معقود ما قبله على تضمّنه وخلطه بجملته.
ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهنّ ضعفن، وتضاءلن، ولم يف مدّهنّ، وإذا وقعن بين الحرفين تمكّنّ، واعترض الصدى معهنّ. ولذلك قال أبو الحسن: إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى.
ويدلّ على ذلك أن العرب لمّا أرادت مطلهنّ للندبة وإطالة الصوت بهنّ فى الوقف، وعلمت أن السكوت عليهن ينتقصهنّ ولا يفى بهن، أتبعتهنّ الهاء فى الوقف توفية لهنّ، وتطاولا إلى إطالتهنّ. وذلك قولك: وا زيداه، وا جعفراه.
ولابدّ من الهاء فى الوقف، فإن وصلت أسقطتها، وقام التابع غيرها فى إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك: وا زيدا، وا عمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم:
وانقطاع ظهرهيه، وواغلامكيه، وواغلامهوه، وواغلامهموه. وتقول فى الوصل:
وا غلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهى من هذا الأمر!(2/354)
والمعنى الجامع بين التذكّر والندبة قوّة الحاجة إلى إطالة الصوت فى الموضعين.
فلمّا كانت هذه حال هذه الأحرف، وكنت عند التذكّر كالناطق (بالحرف) المستذكر، صار كأنه هو ملفوظ به. فتمّت هذه الأحرف وإن وقعن أطرافا كما يتممن إذا وقعن حشوا لا أواخر. فاعرف ذلك. (فهذه حال الأحرف الممطولة). وكذلك الحركات عند التذكّر يمطلن حتى يفين حروفا. فإذا صرنها جرين مجرى الحروف المبتدأة توامّ، فيمطلن أيضا حينئذ كما تمطل الحروف. (وذلك) قولهم عند التذكر مع الفتحة فى قمت: قمتا، أى قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة:
أنتى، أى أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو، فى قمت إلى زيد، ونحو ذلك.
فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنا فعلى ضربين: (صحيح ومعتلّ). فالصحيح فى نحو هذا يكسر، لأنه لا يجرى الصوت فى الساكن، فإذا حرّك انبعث الصوت فى الحركة، ثم انتهى إلى الحرف، ثم أشبعت ذلك الحرف، ومطلته. وذلك قولك فى نحو قد وأنت تريد قد قام ونحوه، إلا أنك تشكّ أو تتلوّم لرأى تراه من ترك المبادرة بما بعد ذلك: قدى، وفى من: منى، وفى هل: هلى، وفى نعم:
نعمى، أى نعم قد كان، أو نعم هو هو (أو نحوه) مما تستذكر أو (تراخى بذكره).
وعليه تقول فى التذكّر إذا وقفت على لام التعريف: الى وأنت تريد: الغلام، أو الخليل، أو نحو ذلك.
وإنما كانت حركة هذا ونحوه الكسرة دون أختيها، من قبل أنه ساكن قد احتيج إلى حركته، فجرت حركته إذا مجرى حركة التقاء الساكنين فى نحو: {قُلِ اللََّهُمَّ}
[آل عمران: 26] و {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] وعليه أطلق المجزوم والموقوف فى القوافى المطلقة إلى الكسر نحو قوله:
* وأنك مهما تأمرى القلب يفعل (1) *
__________
(1) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 13، والدرر 6/ 308، وشرح أبيات سيبويه 2/ 338، وشرح شواهد المغنى 1/ 20، وشرح قطر الندى ص 85، والكتاب 4/ 215، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 56، وسر صناعة الإعراب 2/ 514، وشرح المفصل 7/ 43، وهمع الهوامع 2/ 211. وصدره:
* أغرك منى أن حبك قاتلى *(2/355)
وقوله:
* لمّا تزل برحالنا وكأن قد (1) *
ونحو ممّا نحن عليه حكاية الكتاب: هذا سيفنى وهو يريد: سيف من أمره كذا، أو من حديثه كذا. فلمّا أراد الوصل أثبت التنوين، ولمّا كان ساكنا صحيحا لم يجر الصوت فيه، فلما لم يجر فيه حرّكه بالكسر كما يجب فى مثله ثم أشبع كسرته، فأنشأ عنها ياء، فقال: سيفنى.
هذا حكم الساكن الصحيح عند التذكّر.
وأمّا الحرف المعتلّ فعلى ضربين: ساكن تابع لما قبله كقاما، وقاموا، وقومى وقد قدّمنا ذكر هذا، ومعتل غير تابع لما قبله، وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة نحو أى، وكى، ولو، وأو. فإذا وقفت على شىء من ذلك مستذكرا كسرته، فقلت: قمت كى، أى كى تقوم ونحوه. وتقول فى العبارة: قد فعل كذا أيى، معناه: أى أنه كذا ونحو ذلك. ومن كان من لغته أن يفتح أو يضمّ لالتقاء الساكنين فقياس قوله أن يفتح أيضا أو يضمّ عند التذكّر. روينا ذلك عن قطرب:
قم الليل، وبع الثوب، فإذا تذكّرت قلت: قما، وبعا، وفى سر: سرا. وليس كذلك قراءة ابن مسعود: {«فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً»} [طه: 44] لأن الألف علم ضمير تثنية موسى وهرون، عليهما السلام. وأيضا فإنه لم يقف عليه ألا ترى أن بعده {لَهُ قَوْلًا لَيِّناً} وإنما هذه لغة لبعضهم، يجرى حركة ألف التثنية وواو الجمع مجرى
__________
(1) عجز البيت من الكامل، وهو للنابغة الزبيانى فى ديوانه ص 89، والأزهية ص 211، والأغانى 11/ 8، والجنى الدانى ص 146، 260، وخزانة الأدب 7/ 197، 198، 10/ 407، والدرر اللوامع 2/ 202، 5/ 178، وشرح التصريح 1/ 36، وشرح شواهد المغنى ص 490، 764، وشرح المفصل 8/ 148، 9/ 18، 52، ولسان العرب (قدد)، ومغنى اللبيب ص 171، والمقاصد النحوية 1/ 80، 2/ 314، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 56، 356، وأمالى ابن الحاجب 1/ 455، وخزانة الأدب 9/ 8، 11/ 260، ورصف المبانى ص 72، 125، 448، وسر صناعة الإعراب ص 334، 490، 777، وشرح الأشمونى 1/ 12، وشرح ابن عقيل ص 18، وشرح قطر الندى ص 160، وشرح المفصل 10/ 110، ومغنى اللبيب ص 342، والمقتضب 1/ 42، وهمع الهوامع 1/ 143، 2/ 80. وصدره:
* أزف الترحل غير أن ركابنا *(2/356)
حركة التقاء الساكنين، فيقول فى التثنية: بعا يا رجلان، ويا رجال بعوا، ويا غلامان قما. وعليه قراءة ابن مسعود هذه، وبيت الضّبىّ:
* لم يهلعوا ولم يخموا (1) *
يريد: يخيموا، فجاء به على ما ترى. وروينا عن قطرب أن منهم من يقول:
شمّ يا رجل. فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة فوفّيتها واوا، فقلت:
شمّو. ومن العرب من يقرأ: {اشْتَرَوُا الضَّلََالَةَ} [البقرة: 16] ومنهم من يكسر فيقول: اشتروا الضلالة. ومنهم من يفتح فيقول: اشتروا الضلالة. فإن مطلت متذكّرا قلت على من ضمّ: اشترووا، وعلى من كسر: اشتروى، وعلى من فتح:
اشتروا. وروينا عن محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر (2):
فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكام (3)
فإن وقفت على «هم» من قوله: وهم القضاة، قلت: همى. وكذلك الوقوف على منهم الحكام: منهمى. فإن وقفت على «هم» من قوله: وهم وزراؤهم، قلت: همو لأنك كذا رأيته فعل الشاعر لمّا قال فى أوّل البيت: فهمو، ففصلت بين حركة التقاء الساكنين وغيرها كما فصل، وإن شئت قلت: وهمى، تريد: وهم وزراؤهم وقلت: وهمو تريد: وهم القضاة، حملا على قوله: فهم بطانتهم لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد أن حملت على نظير. وكلّما جاز شىء من ذلك عند وقفة التذكّر جاز فى القافية البّتة على ما تقدّم. وعليه تقول: عجبت منا إذا أردت: من القوم على من فتح النون. ومن كسرها فقال: من القوم قال: منى.
فاعرف ذلك إلى ما يليه إن شاء الله.
__________
(1) عجز البيت من المنسرح، وهو لمحمد بن شحاذ الضبى فى لسان العرب (جمع) وتاج العروس (جمع). وصدره:
فى فتية كلما تجمعت ال ... بيداء
(2) هو الفرّاء.
(3) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 2/ 558، وشرح المفصل 3/ 132، والمحتسب 1/ 45.(2/357)
باب فى إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة
الأوّل منهما أن تحذف الحرف وتقرّ الحركة قبله نائبة عنه، ودليلة عليه، كقوله:
كفّاك كفّ لا تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسّيف الدما (1)
يريد: تعطى. وعليه بيت الكتاب:
* وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه (2) *
وبيته:
* دوامى الأيد يخبطن السريحا (3) *
ومنه قول الله تعالى: {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16] وهو كثير فى الكسرة. وقد
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 56، 2/ 60، والإنصاف 1/ 387، وتذكرة النحاة ص 32، وسر صناعة الإعراب 2/ 519، 772، والمنصف 2/ 74، وأساس البلاغة (ليق)، وتاج العروس (ليق).
وهو فى اللسان (ليق). ويقال فلان لا يليق بيده مال ولا يليق مالا، أى لا يمتسك، ولا يمسكه، يصفه بالإنفاق.
(2) صدر البيت من الكامل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 179، والدرر 6/ 242، وشرح أبيات سيبويه 1/ 59، والكتاب 1/ 28، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 387، وخزانة الأدب 1/ 244، وسر صناعة الإعراب 2/ 519، 772، ولسان العرب (غنا)، والمنصف 2/ 73، وهمع الهوامع 2/ 157. وعجزه:
* ويكنّ أعداء بعيد وداد *
(3) عجز البيت من الوافر، وهو لمضر بن ربعى فى شرح أبيات سيبويه 1/ 62، وشرح شواهد الشافية ص 481، ولسان العرب (ثمن)، (يدى)، وله أو ليزيد بن الطثرية فى شرح شواهد المغنى ص 598، ولسان العرب (جزز)، والمقاصد النحوية 4/ 591، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 60، والإنصاف 2/ 545، وجمهرة اللغة ص 512، وخزانة الأدب 1/ 242، وسر صناعة الإعراب ص 519، 772، والكتاب 1/ 27، 4/ 190، ولسان العرب (خبط)، ومغنى اللبيب 1/ 225، والمنصف 2/ 73، وصدره:
* فطرت بمنصلى فى يعملات *(2/358)
جاء فى الضمة منه قوله:
إنّ الفقير بيننا قاض حكم ... أن ترد الماء إذا غار النجم (1)
يريد النجوم، فحذف الواو، وأناب عنها الضمة، وقوله:
* حتى إذا بلّت حلاقيم الحلق (2) *
يريد الحلوق. وقال الأخطل:
كلمع أيدى مثاكيل مسلّبة
يندبن ضرس بنات الدهر والخطب (3)
ومنه قول الله عزّ اسمه: {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشورى: 24] و {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ}
[القمر: 6] و {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} [العلق: 18] وكتب ذلك بغير واو (دليلا فى الخطّ على الوقوف عليه بغير واو) فى اللفظ. وله نظائر (وهذا) فى المفتوح قليل لخفّة الألف قال:
* مثل النقا لبّده ضرب الطلل (4) *
ونحو منه قوله:
ألا لا بارك الله فى سهيل ... إذا ما الله بارك فى الرجال (5)
__________
(1) الرجز بلا نسب فى الأشباه والنظائر 2/ 61، وسر صناعة الإعراب 2/ 632، ولسان العرب (نجم)، والمحتسب 1/ 199، 299، 2/ 8، والمنصف 1/ 349، وتاج العروس (نجم).
(2) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 61، وسر صناعة الإعراب 2/ 632، ولسان العرب (ستف)، (حلق)، والمنصف 1/ 348، وتهذيب اللغة 8/ 414، وتاج العروس (حلق).
(3) البيت من البسيط، وهو للأخطل فى ديوانه ص 287، والأشباه والنظائر 2/ 61، وسر صناعة الإعراب 2/ 632، ولسان العرب (خطب)، (ضرس)، (ثكل)، (نجم)، والمحتسب 1/ 199، 200، 2/ 8، والمنصف 1/ 348.
المسلبة: لابسات السلاب، وهو ثوب الحداد. أراد الخطوب فحذف الواو، وقد يكون من باب رهن ورهن. اللسان (ضرس).
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب 11/ 405 (طلل).
والطلل أصله الطلال، وهو جمع الطل، وهو المطر القليل الدائم. ويروى بفتح الطاء، وأصله الطل. ففك التضعيف. وانظر اللسان (طلل).
(5) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى خزانة الأدب 10/ 341، 355، 356، ورصف المبانى(2/359)
فحذف الألف من هذه اللفظة (الله). ومنه بيت الكتاب:
* أو الفا مكّة من ورق الحمى (1) *
يريد الحمام، فحذف الألف فالتقت الميمان فغيّر على ما ترى. وقال أبو عثمان فى قول الله سبحانه: {يََا أَبَتِ} [يوسف: 4] أراد: يا أبتا، فحذف الألف. وأنشد أبو الحسن وابن الأعرابىّ:
فلست بمدرك ما فات منّى ... بلهف ولا بليت ولا لو أنّى (2)
يريد بلهفى. وقد مضى نحو هذا.
الثانى منهما، وهو إنابة الحرف عن الحركة. وذلك فى بعض الآحاد وجمع التثنية وكثير من الجمع.
فالآحاد نحو أبوك وأخوك وحماك وفاك وهنيك وذى مال. فالألف والياء والواو فى جميع هذه الأسماء الستة دواخل على الفتح والكسر والضم. ألا تراها تفيد من الإعراب ما تفيده الحركات: الضمة والفتحة والكسرة.
والتثنية نحو الزيدان والرجلين.
والجمع نحو الزيدون والمسلمين.
__________
ص 270، وسر صناعة الإعراب 2/ 721، ولسان العرب (أله)، والمحتسب 1/ 181، والممتع فى التصريف 2/ 611، وتاج العروس (أله).
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 2/ 453، ولسان العرب (ألف)، (منى)، ويروى (قواطنا) مكان (أوالفا).
وفيه وجهان: أن يكون حذف الألف والميم وجر باقى الكلمة بالإضافة وألحقها الياء لوصل القافية. أو أن يكون حذف الألف فقط فصار الحمم ثم أبدل من الميم الثانية ياء استثقالا للتضعيف، كما قالوا تظنيت فى تظننت، ثم كسر ما قبل الياء لئلا تقلب ألفا فصار «الحمى» اللسان (حمم).
(2) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 63، 179، والإنصاف 1/ 390، وأوضح المسالك 4/ 37، وخزانة الأدب 1/ 131، ورصف المبانى ص 288، وسر صناعة الإعراب 1/ 521، 2/ 728، وشرح الأشمونى 2/ 232، وشرح عمدة الحافظ ص 521، وشرح قطر الندى ص 205، ولسان العرب (لهف)، والمحتسب 1/ 277، والمقاصد النحوية 4/ 248، والمقرب 1/ 181، 2/ 201، والممتع فى التصريف 2/ 622، ويروى: (ولست مكان (فلست).(2/360)
وأعربوا بالنون أيضا، فرفعوا بها فى الفعل: يقومان ويقومون (وتقومين) فالنون فى هذا نائبة عن الضمّة فى يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة، وإنما الموضع فى الإعراب للحركات، فأمّا الحروف فدواخل عليها.
وليس من هذا الباب إشباع الحركات فى نحو منتزاح، وأنظور، والمطافيل لأن الحركة فى نحو هذا لم تحذف وأنيب الحرف عنها بل هى موجودة ومزيد فيها، لا منتقص منها.
* * *
باب فى هجوم الحركات على الحركات(2/361)
* * *
باب فى هجوم الحركات على الحركات
وذلك على ضربين: أحدهما كثير مقيس، والآخر قليل غير مقيس.
الأوّل منهما، وهو قسمان: أحدهما أن تتّفق فيه الحركتان. والآخر أن تختلفا فيه، فيكون الحكم للطارئ منهما، على ما مضى.
فالمتفقتان نحو قولك: هم يغزون ويدعون. وأصله يغزوون، فأسكنت الواو الأولى التى هى اللام، وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير والجمع بعدها، ونقلت تلك الضمة المحذوفة عن اللام إلى الزاى التى هى العين، فحذفت لها الضمة الأصليّة فى الزاى لطروء الثانية المنقولة من اللام إليها عليها. ولابدّ من هذا التقدير فى هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة اعتبارا فى ذلك بحكم المختلفتين ألا تراك تقول فى العين المكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها وذلك نحو يرمون ويقضون ألا (تراك) نقلت ضمّة ياء يرميون إلى ميمها، فابتزّت (1) الضمة الميم كسرتها، وحلّت محّلها فصار: يرمون. فكما لا يشكّ فى أن ضمّة ميم يرمون غير كسرتها فى يرميون لفظا، فكذلك فلنحكم على أن ضمّة زاى يغزون غير ضمتها فى يغزوون تقديرا وحكما.
ونحو من ذلك قولهم فى جمع مائة: مئون. فكسرة ميم مئون غير كسرتها فى مائة اعتبارا بحال المختلفين فى سنة وسنين، وبرة وبرين (2). ومثله ترخيم برثن ومنصور فيمن قال: يا حار إذا قلت: يا برث، ويا منص. فهذه الضمة فى ثاء برث وصاد منص غير الضمة فيمن قال: يا برث ويا منص على يا حار اعتبارا بالمختلفتين. فكما لا شكّ فى أن ضمّة راء يا حار غير كسرة راء يا حار سماعا ولفظا، فكذلك الضمّة على يا حار فى يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما. وعلى ذلك كسرة صاد صنو وقاف قنو غير كسرتها فى قنوان وصنوان. وهذا باب وقد تقدّم فى فصله.
__________
(1) البزّ: السلب. وابتزّت: سلبت.
(2) البرة: الخلخال.(2/362)
وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدّرة فيها فى أصل حالها، وهو تقضين. والقول هنا هو ما تقدّم فى يدعون ويغزون.
فهذا حكم الحركتين المتفقتين.
وأما المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو يرمون ويقضون. والأصل: يرميون ويقضيون، فأسكنت الياء استثقالا للضمّة عليها، ونقلت إلى ما قبلها فابتزّته كسرته لطروئها عليها فصار: يرمون ويقضون. وكذلك قولهم: أنت تغزين، أصله تغزوين، فنقلت الكسرة من الواو إلى الزاى، فابتزّتها ضمتها فصار: تغزين.
إلا أن منهم من يشمّ الضمّة إرادة للضمّة المقدّرة، ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشمّ. ويدلّك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزّتين عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضمّوا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما وذلك كقولهم: اقضوا، ابنوا، وقولهم: أغزى، ادعى. فكسرهم مع ضمة الثالث، وضمّهم مع كسرته يدلّ على قوّة مراعاتهم للأصل المغيّر، وأنه عندهم مراعى معتدّ مقدّر.
ومن المتّفقة حركاته ما كانت فيه الفتحتان نحو اسم المفعول من نحو اشتدّ واحمرّ، وذلك قولهم: مشتدّ ومحمرّ، من قولك: هذا رجل مشتدّ عليه، وهذا مكان محمرّ فيه (وأصله مشتدد ومحمرر) فأسكنت الدال والراء الأوليان، وادّغمتا فى مثلهما من بعدهما، ولم ننقل الحركة إلى ما قبلها، فتغلبه على حركته التى فيه كما تغلب فى يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم فى اسم الفاعل أيضا كذلك، وهو (مشتدّ ومحمرّ ألا ترى أنّ أصله) مشتدد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول: مشتدّ ومحمرّ. فلمّا لم تقل ذلك وصحّ فى المختلفين اللذين النقل فيهما موجود لفظا، امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل فى المفتوح انفراد الفتح عن الضمّ والكسر فى هذا النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ألا ترى إلى صحّة الياء والواو جميعا بعد الفتحة، وتعذّر الياء الساكنة بعد الضمّة، والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة فى يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو فى تغزوين إلى الزاى لصار
التقدير إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا، فتقول للمرأة: أنت تغزون فيلتبس بجماعة المذكر.(2/363)
ومن المتّفقة حركاته ما كانت فيه الفتحتان نحو اسم المفعول من نحو اشتدّ واحمرّ، وذلك قولهم: مشتدّ ومحمرّ، من قولك: هذا رجل مشتدّ عليه، وهذا مكان محمرّ فيه (وأصله مشتدد ومحمرر) فأسكنت الدال والراء الأوليان، وادّغمتا فى مثلهما من بعدهما، ولم ننقل الحركة إلى ما قبلها، فتغلبه على حركته التى فيه كما تغلب فى يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم فى اسم الفاعل أيضا كذلك، وهو (مشتدّ ومحمرّ ألا ترى أنّ أصله) مشتدد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول: مشتدّ ومحمرّ. فلمّا لم تقل ذلك وصحّ فى المختلفين اللذين النقل فيهما موجود لفظا، امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل فى المفتوح انفراد الفتح عن الضمّ والكسر فى هذا النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ألا ترى إلى صحّة الياء والواو جميعا بعد الفتحة، وتعذّر الياء الساكنة بعد الضمّة، والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة فى يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو فى تغزوين إلى الزاى لصار
التقدير إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا، فتقول للمرأة: أنت تغزون فيلتبس بجماعة المذكر.
فهذا حكم المضموم مع المكسور. وليس كذلك المفتوح ألا ترى الواو والياء صحيحتين بعد الفتحة نحو هؤلاء يخشون ويسعون، وأنت ترضين وتخشين.
فلمّا لم تغيّر الفتحة هنا فى المختلفين اللذين تغييرهما واجب، لم تغير الفتحتان اللتان إنما هما فى التغيير محمولتان على الضمّ مع الكسر. فإن قلت: فقد يقع اللبس أيضا بحيث رمت الفرق ألا تراك تقول للرجال: أنتم تغزون، (وللنساء:
أنتن تغزون)، وتقول للمرأة: أنت ترمين، ولجماعة النساء: أنتنّ ترمين.
قيل: إنما احتمل هذا النحو فى هذه الأماكن ضرورة، ولولا ذلك لما احتمل.
ووجه الضرورة أن أصل أنتم تغزوون: تغزوون، فالحركتان كما ترى متفقتان لأنهما ضمتان. وكذلك أنت ترمين الأصل فيه ترميين، فالحركتان أيضا متفقتان لأنهما كسرتان. فإذا أنت أسكنت المضموم الأوّل (ونقلت) إليه ضمة الثانى:
وأسكنت المكسور الأوّل ونقلت إليه كسرة الثانى، بقى اللفظ بحاله، كأن لم تنقله ولم تغيّر شيئا منه، فوقع اللبس، فاحتمل لما يصحب الكلام من أوّله (وآخره) كأشياء كثيرة يقع اللبس فى لفظها، فيعتمد فى بيانها على ما يقارنها كالتحقير والتكسير وغير ذلك فلما وجدت إلى رفع اللبس بحيث وجدته طريقا سلكتها، ولمّا لم تجد إليه طريقا فى موضع آخر احتملته، ودللت بما يقارنه عليه.
فهذه أحوال الحركات المنقولة، وغير المنقولة فيما كان فيه الحرفان جميعا متحرّكين.
فأمّا إن سكن الأوّل فإنك تنقل الحركات جمع إليه. وذلك نحو أقام، ومقيم، ومقام، وأسار ومسير، ومسار ألا ترى أن أصل ذلك أقوم، وأسير، ومقوم، ومسير، ومقوم، ومسير. وكذلك يقوم ويسير: أصلهما يقوم ويسير، فنقل ذلك كله لسكون الأوّل.
والضرب الثانى ممّا هجمت فيه الحركة على الحركة من غير قياس. وهو كبيت الكتاب:
* وقال اضرب الساقين إمّك هابل *(2/364)
وأصله: امك هابل إلا أن همزة (أمّك) كسرت لانكسار ما قبلها على حدّ قراءة من قرأ: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (1) [النساء: 11] فصار: أمّك هابل، ثم أتبع الكسر الكسر، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب، فابتزّتها موضعها فهذا شاذّ لا يقاس عليه ألا تراك لا تقول: قدرك واسعة، ولا عدلك ثقيل، ولا بنتك عاقلة.
ونحو من ذلك فى الشذوذ قراءة الكسائىّ «بما أنزلّيك». وقياسه فى تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول: بما أنزل إليك لكنه حذف الهمزة حذفا، وألقى حركتها على لام أنزل، وقد كانت مفتوحة فغلبت الكسرة الفتحة على الموضع، فصار تقديره: بما أنزلليك، فالتقت اللامان متحركتين، فأسكنت الأولى وادّغمت فى الثانية كقوله تعالى: {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الكهف: 38].
ونحو منه ما حكاه لنا أبو علىّ عن أبى عبيدة أنه سمع: دعه فى حرامّه.
وذلك أنه نقل ضمة الهمزة بعد أن حذفها على الراء وهى مكسورة، فنفى الكسرة، وأعقب منها ضمّة.
ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى فى خبر له مع ابن الأعرابىّ بحضرة سعيد بن سلم، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى أعرابىّ كان يألفهنّ: أفى السو تنتنّه! قال أحمد بن يحيى فقال لى ابن الأعرابىّ: تعال إلى هنا، اسمع ما تقول.
قلت: وما فى هذا! أرادت: أفى السوأة أنتنّه! فألقت فتحة (أنتن) على كسرة الهاء، فصارت بعد تخفيف همزة السوأة: أفى السو تنتنه. فهذا نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير مقيس لأنه ليس على حدّ التخفيف القياسىّ ألا ترى أن طريق قياسه أن يقول: فى حرأمّه، فيقرّ كسرة الراء عليها، ويجعل همزة أمّه بين بين، أى بين الهمزة والواو لأنها مضمومة كقول الله سبحانه: {يَسْتَهْزِؤُنَ}، فيمن خفّف، أو فى حريمّه، فيبدلها ياء البتة (على يستهزيون وهو رأى أبى الحسن) وكذلك قياس تخفيف قولها: أفى السوأة أنتنه: أفى السوءة ينتنه، فيخلص همزة (أنتنه) ياء البتة لانفتاحها وانكسار ما قبلها كقولك فى تخفيف مئر (2):
مير. وسنذكر شواذّ الهمز فى بابه بإذن الله.
__________
(1) قراءة (إمه) بالكسر آية 11النساء. وهى قراءة حمزة والكسائى. وقال الكسائى والفراء إنها لغة هوازن وهذيل وانظر البحر (3/ 193).
(2) مئر: جمع المئرة. وهى العداوة والذّحل.(2/365)
باب فى شواذ الهمز
وذلك فى كلامهم على ضربين، وكلاهما غير مقيس.
أحدهما أن تقرّ الهمزة الواجب تغييرها، فلا تغيّرها.
والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له، ولا قياس يعضده.
الأوّل من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم: غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره: دريئة (1) ودرائئّ. وروينا عن قطرب: لفيئة (2)
ولفائئ. وأنشدوا:
فإنّك لا تدرى متى الموت جائئ ... إليك ولا ما يحدث الله فى غد
وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحّة ما يقوله النحويون دون الخليل:
من أن هذه الكلم غير مقلوبة، وأنه قد كانت التقت فيها الهمزتان، على ما ذهبوا إليه، لا ما رآه هو.
ومن شاذّ الهمز عندنا قراءة الكسائىّ (أئمة) بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو سئّال وسئّار، (وجئّار) فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك، و {السُّفَهََاءُ أَلََا} [البقرة: 13] و {وَيُمْسِكُ السَّمََاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}
[الحج: 65]، و {أَنْبِئُونِي بِأَسْمََاءِ هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [البقرة: 31] فهذا كله جائز عندنا على ضعفه، لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينيين لحن إلا ما شذّ ممّا حكيناه من خطائئ وبابه، وقد تقدّم. وأنشدنى بعض من ينتمى إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه: أشأؤها وأدأؤها، فنبّهته عليه، فلم يكد يرجع عنه (وهذا) ممّا لو كان (همزه أصلا) لوجب تركه وإبداله، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له، ولا عذر فى إبداله من حرف لين ولا غيره.
__________
(1) دريئة: هى الحلقة التى يتعلم الرامى الطعن والرمى عليها.
(2) لفيئة: هى القطعة من اللحم.(2/366)
الثانى من الهمز. وهو ما جاء من غير أصل له، ولا إبدال (دعا قياس إليه) وهو كثير.
منه قولهم: مصائب. وهذا ممّا لا ينبغى همزه فى وجه من القياس. وذلك أن مصيبة مفعلة. وأصلها مصوبة، فعينها كما ترى متحرّكة فى الأصل، فإذا احتيج إلى حركتها فى الجمع حمّلت الحركة. (وقياسه) مصاوب. وقد جاء ذلك أيضا قال:
يصاحب الشيطان من يصاحبه ... وهو أذىّ جمّة مصاوبه (1)
ويقال فيها أيضا: مصوبة ومصابة. ومثله قراءة أهل المدينة: «معائش» بالهمز.
(وجاء) أيضا فى شعر الطرمّاح مزائد جمع مزادة، وصوابها مزايد. قال:
* مزائد خرقاء اليدين مسيفة (2) *
وقالوا أيضا: منارة ومنائر، وإنما صوابها: مناور لأن الألف عين وليست بزائدة. ومن الجيّد قول الأخطل:
وإنى لقوّام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها (3)
ومن شاذّ الهمز ما أنشده ابن الأعرابىّ لابن كثوة:
ولّى نعام بنى صفوان زوزأة ... لمّا رأى أسدا فى الغاب قد وثبا (4)
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أذى)، وتاج العروس (أذى).
الأذىّ: يقال: رجل أذىّ إذا كان شديد التأذى. وقد يكون الأذىّ: المؤذى. اللسان (أذى) وقوله «جمة» فى اللسان «حمة».
(2) صدر البيت من الطويل، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص 88، ولسان العرب (حفد)، (سوف)، (سيف)، ومقاييس اللغة 3/ 122، ومجمل اللغة 3/ 108، وتهذيب اللغة 4/ 427، 13/ 93، وتاج العروس (حفد)، (سوف)، وبلا نسبة فى المخصص 10/ 10، وديوان الأدب 2/ 291. وعجزه:
* أخبّ بهن المخلفان وأحفدا *
(3) البيت من الطويل، وهو للأخطل فى ديوانه ص 233، وحماسة البحترى ص 212، وشرح المفصل 10/ 90، وللفرزدق فى المقتضب 1/ 122، وبلا نسبة فى شرح المفصل 10/ 97، والمنصف 1/ 306.
(4) البيت من البسيط، وهو لابن كثوة فى سر صناعة الإعراب 1/ 91، ولسان العرب (نعم)،(2/367)
وإنما هى زوزاة: فعللة من مضاعف الواو، بمنزلة القوقاة والضوضاة.
وأنشدوا بيت امرئ القيس:
كأنّى بفتخاء الجناحين لقوة ... دفوف من العقبان طاطات شئمالى (1)
يريد شماله، أى خفضها بعنان فرسه. وقالوا: تأبلت القدر بالهمز. ومثله التأبل والخأتم (والعألم). ونحو منه ما حكوه من قول بعضهم: بأز بالهمز، وهى البئزان بالهمز أيضا. وقرأ ابن كثير: {«وَكَشَفَتْ عَنْ سََاقَيْهََا»} [النمل: 44] وقيل فى جمعه:
سؤق مهموزا على فعل. وحكى أبو زيد: شئمة للخليقة بالهمز، وأنشد الفرّاء:
يا دارمىّ بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (2)
يريد المشتاق. وحكى أيضا رجل مئل (بوزن معل) إذا كان كثير المال. وحكوا أيضا: الرئبال بالهمز. وأما شأمل، وشمأل، وجرائض، وحطائط بطائط (3)، والضهيأ (4)، فمشهور بزيادة الهمز فيه. وحكى لنا أبو علىّ فى النيدلان (5): النئدلان
__________
(زوى)، والممتع فى التصريف ص 325، وبلا نسبة فى المحتسب 1/ 310. ويروى: (فى الغاب) مكان (بالغاب).
يقال: زوزى: نصب ظهره وقارب خطوه فى سرعة، إنما أراد زوزاة، فأبدل الهمزة من الألف اضطرارا. اللسان (زوى).
(1) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 38، ولسان العرب (دفف)، (شمل)، وتهذيب اللغة 7/ 308، 11/ 372، وجمهرة اللغة ص 227، وتاج العروس (دفف)، وكتاب الجيم 3/ 218، وبلا نسبة فى لسان العرب 3/ 41 (فتخ)، وتاج العروس (فتخ)، والمخصص 7/ 125. ويروى: (شملالى) مكان (شئمالى).
(2) الرجز لرؤبة فى شرح شواهد الشافية ص 175، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ص 91، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 250، 3/ 204، ولسان العرب (بوز)، (شوق)، (دكك)، (حول)، والمقرب 2/ 161، والممتع فى التصريف 1/ 325، وتهذيب اللغة 5/ 241، وتاج العروس (شوق)، (دكك).
الدكاديك جمع الدكداك وهو الرمل المتلبد فى الأرض لم يرتفع. والبرق: جمع البرقة وهى أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل.
(3) الحطائط: الصغير من الناس وغيرهم. والبطائط إتباع له.
(4) الضهيأ: هى التى لا ثدى لها. أو هى التى لا تحيض.
(5) النيدلان: هو الكابوس.(2/368)
بالكسر، ومثاله فئعلان. وأنشدوا لجرير:
* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى *
بالهمز فى (الموقدان) و (موسى). وحكى أنه وجد بخطّ الأصمعى: قطا جؤنىّ. وحكى عنه أيضا فيه جونىّ.
ومن ذلك قولهم: لبّأت بالحجّ، ورثأت زوجى بأبيات، وحلأت السويق، واستلأمت الحجر، وإنما هو استلمت: افتعلت، قال:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
فوزن استلأم على ما ترى: افتعأل وهو مثال مبدع غريب.
ونحو منه ما رويناه عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير جدّ عمارة:
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علّة حاضره (1)
يريد: ساءلتهم. فإمّا زاد الياء وغيّر الصورة فصار مثاله: فعايلتهم. وإما أراد:
ساءلتهم كالأوّل إلا أنه زاد الهمزة الأولى، فصار تقديره: سئاءلتهم بوزن:
فعاءلتهم، فجفا عليه التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينهما إلا الألف، فأبدل الثانية ياء كما أنه لمّا كره أصل تكسير ذؤابة وهو ذآئب أبدل الأولى واوا. ويجوز أن يكون أراد: ساءلتهم، ثم أبدل من الهمزة ياء، فصار: سايلتهم، ثم جمع بين المعوّض والمعوّض منه فقال: سآيلتهم فوزنه الآن على هذا: فعاعلتهم.
ومثله مما جمع فيه بين العوض والمعوّض منه فى العين ما ذهب إليه أبو إسحاق وأبو بكر فى قول الفرزدق:
* هما نفثا فى فىّ من فمويهما (2) *
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو لبلال بن جرير فى لسان العرب (سأل)، وتاج العروس (سأل).
(2) صدر البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 2/ 215، وتذكرة النحاة ص 143، وجوهر الأدب ص 95، وخزانة الأدب 4/ 464460، 7/ 476، 546، والدرر 1/ 156، وسر صناعة الإعراب 1/ 417، 2/ 485، وشرح أبيات سيبويه 2/ 258، وشرح شواهد الشافية ص 115، والكتاب 3/ 365، 622، ولسان العرب (فمم)، (فوه)، والمحتسب 2/ 238، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 235، والأشباه والنظائر 1/ 216، والإنصاف 1/ 345، وجمهرة(2/369)
فوزن (فمويهما) على قياس مذهبهما: فععيهما.
وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة فى بأز وسأق وتأبل ونحو ذلك إنما هو عن تطرّق وصنعة، وليس اعتباطا هكذا من غير مسكة. وذلك أنه قد ثبت عندنا من عدّة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرا ما تجريها العرب مجراها فيه، فيصير لجواره إياها كأنه محرّك بها. فإذا كان كذلك فكأن فتحة باء باز إنما هى فى نفس الألف. فالألف لذلك وعلى هذا التنزيل كأنها محرّكة (وإذا) تحرّكت الألف انقلبت همزة. من ذلك قراءة أيّوب السّختيانىّ: {«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ»} [الفاتحة: 7]. وحكى أبو العباس عن أبى عثمان عن أبى زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: {فَيَوْمَئِذٍ لََا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلََا جَانٌّ}
[الرحمن: 39] (فظننت أنه) قد لحن، إلى أن سمعت العرب تقول: شأبّة، ودأبّة.
وقال كثيّر:
* إذا ما العوالى بالعبيط احمأرّت (1) *
(يريد احمارت) وقال أيضا:
وللأرض أمّا سودها فتجلّلت ... بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت (2)
وأنشد قوله:
يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبّان يسوق أرنبا
خاطمها زأمّها أن تذهبا (3)
__________
اللغة ص 1307، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 215، والمقتضب 3/ 158، والمقرب 2/ 129، وهمع الهوامع 1/ 51. وعجزه:
* على النابح العاوى أشد رجام *
(1) سبق.
(2) سبق.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قبب)، (حمر)، (ضلل)، (خطم)، (زمم)، (قبن)، وجمهرة اللغة ص 523، ومقاييس اللغة 2/ 102، والمخصص 8/ 117، ومجمل اللغة 2/ 106، وتهذيب اللغة 5/ 55، 9/ 197، 15/ 691، وسر صناعة الإعراب 1/ 73، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 248، وشرح شواهد الشافية ص 167، وشرح المفصل 1/ 36، 4/ 130، والممتع(2/370)
وقال دكين:
* وجله حتى أبيأض ملبيه *
فإن قلت: فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا لقولهم فى جمع بأز: بئزان بالهمز. وهذا يدلّ على كون الهمزة فيه عينا أصلا، كرأل (1) ورئلان.
قيل: هذا غير لازم. وذلك أنه لمّا وجد الواحد وهو بأز مهموزا نعم وهمزته غير مستحكمة السبب جرى عنده وفى نفسه مجرى ما همزته أصليّة، فصارت بئزان كرئلان. وإذا كانوا قد أجروا ما قويت علّة قلبه مجرى الأصلىّ فى قولهم: ميثاق ومياثق، كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتى نحو هذا فى باب له.
وعليه أيضا قوله:
* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى *
ألا ترى أن ضمة الميم فى (الموقدان) و (موسى) لمّا جاورت الواو الساكنة صارت كأنها فيها، والواو إذا انضمّت ضمّا لازما همزت نحو أجوه وأقّتت.
فاعرف ذلك. وعليه جاء قوله:
* فرأ متار *
يريد: متأرا، فلما جاورت الفتحة فى الهمزة التاء صارت كأنها فيها فجرى ذلك مجرى متأر، فخفّف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتى ذلك فى بابه بإذن الله.
* * * __________
فى التصريف 1/ 321، وتاج العروس (قبب)، (ولع). وبعده:
* فقلت أردفنى، فقال مرحبا *
حمار قبّان: دويبّة. الجوهرى: ويقال هو فعّال، والوجه أن يكون فعلان. قال ابن برّىّ: هو فعلان وليس بفعّال قال: والدليل على أنّه فعلان امتناعه من الصرف بدليل قول الراجز:
* حمار قبّان يسوق أرنبا *
ولو كان فعالا لانصرف. اللسان (قبن).
(1) رأل: هو ولد النعام.(2/371)
باب فى حذف الهمز وإبداله
قد جاء هذا الموضع فى النثر والنظم جميعا. وكلاهما غير مقيس عليه، إلا عند الضرورة.
فإن قلت: فهلا قست على ما جاء منه فى النثر، لأنه ليس موضع اضطرار؟
قيل: تلك مواضع كثر استعمالها، فعرفت أحوالها، فجاز الحذف فيها وسنذكرها كما حذفت لم يك، (ولم يبل)، ولا أدر فى النثر لكثرة الاستعمال، ولم يقس عليها غيرها.
فمما جاء من ذلك فى النثر قولهم: ويلمّه. وإنما أصله ويل لأمّه. يدلّ على ذلك ما أنشده الأصمعىّ:
لأمّ الأرض ويل! ما أجنّت! ... غداة أضرّ بالحسن السبيل (1)
فحذف لام (ويل) وتنوينه لما ذكرنا، وحذفت همزة أمّ، فبقى: ويلمّه. فاللام الآن لام الجرّ ألا تراها مكسورة. وقد يجوز أن تكون اللام المحذوفة هى لام الجرّ كما حذف حرف الجرّ من قوله: الله أفعل، وقول رؤبة: خير عافاك الله، وقول الآخر:
* رسم دار وقفت فى طلله (2) *
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لعبد الله بن عنمة الضبى فى لسان العرب (ضرر)، (حسن)، والتنبيه والإيضاح 2/ 153، وتهذيب اللغة 4/ 316، 11/ 460، وجمهرة اللغة ص 535، ولعنمة بن عبد الله الضبى فى تاج العروس (حسن)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 122، ومقاييس اللغة 2/ 58، ومجمل اللغة 2/ 62، وأساس البلاغة (سلف).
الحسن: اسم رملة فى ديار بنى تميم. وأضرّ بالطريق: دنا منه ولم يخالطه.
(2) صدر البيت من الخفيف، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص 189، والأغانى 8/ 94، وأمالى القالى 1/ 246، وخزانة الأدب 10/ 20، والدرر 4/ 84، 199، وسمط اللآلى ص 557، وشرح التصريح 2/ 23، وشرح شواهد المغنى 1/ 395، 403، ولسان العرب (جلل)، وتاج العروس (جلل)، ومغنى اللبيب ص 121، والمقاصد النحوية 3/ 339، وكتاب العين 7/ 405، وبلا نسبة فى الإنصاف 1/ 378، وأوضح المسالك 3/ 77، والجنى الدانى ص 454، 455،(2/372)
(وهو من المقلوب أى طلل دار وقفت فى رسمه) وعليه قراءة الكسائىّ: (بما أنزلّيك) وقد ذكرناه وقراءة ابن كثير (إنها لحدى الكبر) وحكاية أحمد بن يحيى قول المرأة لبناتها وقد خلا الأعرابىّ بهن: أفى السوتنتّنه (تريد: أفى السوءة أنتنّه) ومنه قولهم: الله هذه الكلمة فى أحد قولى سيبويه وهو أعلاهما. وذلك أن يكون أصله إلاه. فحذفت الهمزة التى هى فاء. وكذلك الناس لأن أصله أناس قال:
وإنا أناس لا نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول (1)
ولا تكاد الهمزة تستعمل مع لام التعريف غير أن أبا عثمان أنشد:
إن المنايا يطّلع ... ن على الأناس الآمنينا (2)
ومنه قولهم: لن، فى قول الخليل. وذلك أن أصلها عنده (لا أن) فحذفت الهمزة عنده تخفيفا لكثرته فى الكلام، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها. فما جاء من نحوه فهذه سبيله. وقد اطّرد الحذف فى كل وخذ ومر.
وحكى أبو زيد: لاب لك (يريد: لا أب لك) وأنشد أبو الحسن:
تضبّ لثات الخيل فى حجراتها
وتسمع من تحت العجاج لها ازملا (3)
__________
ورصف المبانى ص 156، 191، 254، 528، وسر صناعة الإعراب 1/ 133، وشرح الأشمونى 2/ 300، وشرح ابن عقيل ص 373، وشرح عمدة لحافظ ص 274، وشرح المفصل 3/ 82، 79، 8/ 52، ومغنى اللبيب ص 136، وهمع الهوامع 2/ 37.
(1) البيت من الطويل، وهو للسموأل بن عادياء فى ديوانه ص 91، وبلا نسبة فى لسان العرب (سلل)، والمخصص 17/ 41، وتاج العروس (سلل).
(2) البيت من مجزوء الكامل، وهو لذى جدن الحميرى فى خزانة الأدب 2/ 280، 282، 285، 288، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 312، والجنى الدانى ص 200، وجواهر الأدب ص 313، وشرح شواهد الشافية ص 296، وشرح المفصل 2/ 9، 121، ولسان العرب (أنس).
(3) تضبّ لثات الخيل: تسيل بالدم. حجراتها: نواحيها. العجاج: الغبار. الأزمل: الصوت، وجمعه الأزامل. والبيت فى اللسان (زمل) وحذف الهمزة كما قالوا ويلمّه.(2/373)
وأنشدنا أبو علىّ:
* إن لم أقاتل فالبسونى برقعا *
وحكى لنا عن أبى عبيدة: دعه فى حرامّه، وروينا عن أحمد بن يحيى:
* هوىّ جند إبليس المرّيد *
(وهو كثير) ومنه قوله:
* أريت إن جئت به أملودا (1) *
وقوله:
* حتى يقول من رآه قد راه (2) *
وهو كثير.
فأمّا الإبدال على غير قياس فقولهم: قريت، وأخطيت، وتوضيّت. وأنشدنى بعض أصحابنا لابن هرمة:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 173، وشرح التصريح 1/ 42، والمقاصد النحوية 1/ 118، 3/ 648، 4/ 334، ولرجل من هذيل فى حاشية يس 1/ 42، وخزانة الأدب 6/ 5، والدرر 5/ 176، وشرح شواهد المغنى 2/ 758، ولرؤبة أو لرجل من هذيل فى خزانة الأدب 11/ 420، 422، وبلا نسبة فى لسان العرب (رأى)، والأشباه والنظائر 3/ 242، وأوضح المسالك 1/ 24، والجنى الدانى ص 141، وسر صناعة الإعراب 2/ 447، وشرح الأشمونى 1/ 16، والمحتسب 1/ 193، ومغنى اللبيب 1/ 336، وهمع الهوامع 2/ 79.
(2) الرجز لدلم أبى زغيب فى تاج العروس (دلم)، ولسان العرب (دلم)، وبلا نسبة فى لسان العرب (عوج)، (ليل)، (رأى)، والأشباه والنظائر 1/ 123، والدرر 6/ 81، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 277، 2/ 206، وشرح شواهد الإيضاح ص 411، وشرح شواهد الشافية ص 102، وشرح شواهد المغنى 1/ 150، والمحتسب 1/ 218، وهمع الهوامع 2/ 182، وتهذيب اللغة 3/ 50، وتاج العروس (ليل). وقبله:
* فى كل يوم ما وكل ليلاه *
وبعده:
يا ويحه من جمل ما أشقاه ... وجمل قلت له جاه جاه(2/374)
إنّ السباع لتهدا عن فرائسها ... والناس ليس بهاد شرّهم أبدا (1)
ومن أبيات الكتاب لعبد الرحمن بن حسّان:
وكنت أذلّ من وتد بقاع ... يشجّج رأسه بالفهرواجى (2)
يريد: واجئ كما أراد الأوّل: ليس بهادئ. ومن أبياته أيضا:
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع (3)
ومن حكاياته بيس فى بئس، أبدل الهمزة ياء. ونحوه قول ابن ميّادة:
* فكان لها يومذ أمرها *
وقرأ عاصم فى رواية حفص: «أن تبوّيا» (4) [التحريم: 4] فى الوقف، أى تبوّءا.
وقال:
تقاذفه الروّاد حتى رموا به ... ورا طرق الشأم البلاد الأقاصيا (5)
__________
(1) البيتان من البسيط، وهما لابن هرمة فى ديوانه ص 97، ولسان العرب (هدأ)، والأول فى تاج العروس (هدأ)، والثانى منهما فى سر صناعة الإعراب 2/ 740، والممتع فى التصريف 1/ 382.
(2) البيت من الوافر، وهو لعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص 18، والدرر 4/ 178، وشرح أبيات سيبويه 2/ 306، وشرح شواهد الشافية ص 341، وشرح المفصل 9/ 114، والكتاب 3/ 555، ولسان العرب (وجأ)، والمقتضب 1/ 166، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 3/ 739، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 49، والممتع فى التصريف 1/ 381، والمنصف 1/ 76. ويروى: (فكنت) مكان (وكنت).
والعرب تضرب المثل فى الذلة بالوتد، ومن أمثالهم: فلان أذلّ من العير، فبعضهم يجعله الحمار الأهلىّ، وبعضهم يجعله الوتد. اللسان (عير). وقوله (واجى) أصله واجئ وصف من وجأ عنقه أى دقها. والفهر: الحجر ملء الكف.
(3) البيت من الكامل، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 408، وشرح أبيات سيبويه 2/ 294، وشرح شواهد الشافية ص 335، وشرح المفصل 9/ 111، والكتاب 3/ 554، وكتاب العين 2/ 68، والمقتضب 1/ 167، ولعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص 31، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 2/ 666، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 47، ولسان العرب (هنأ)، والمحتسب 2/ 132، والمقرب 2/ 179، والممتع فى التصريف ص 405.
(4) وفى البحر 5/ 184، وقرأ حفص فى رواية هبيرة (تبويا) بالياء، وهذا تسهيل غير قياسى.
(5) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (وزى)، ويروى: (الأباعدا) مكان (الأقاصيا).(2/375)
أراد: وراء طرق الشام فقصر الكلمة. فكان ينبغى إذ ذاك أن يقول: ورأ، بوزن قرأ لزن الهمزة أصلية عندنا إلا أنه أبدلها ضرورة (فقلبها ياء وكذلك ما كان من هذا النحو فإنه إذا أبدل) صار إلى أحكام ذوات الياء ألا ترى أن قريت مبدلة من قرأت، بوزن قريت من قريت الضيف ونحو ذلك. ومن البدل البتّة النبىّ فى مذهب سيبويه. وقد ذكرناه. وكذلك البريّة عند غيره. ومنه الخابية، لم تسمع مهموزة. فإما أن يكون تخفيفا اجتمع عليه كيرى وأخواته، وإمّا أن يكون بدلا قال:
أرى عينىّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرّهات (1)
والنبوّة عندنا مخفّفة لا مبدلة. وكذلك الحكم على ما جاء من هذا: أن يحكم عليه بالتخفيف إلى أن يقوم الدليل فيه على الإبدال. فاعرف ذلك مذهبا للعرب نهجا بإذن الله. وحدّثنا أبو علىّ قال: لقى أبو زيد سيبويه فقال له: سمعت العرب تقول: قريت، وتوضيّت. فقال له سيبويه: كيف تقول فى أفعل منه؟ قال: أقرأ.
وزاد أبو العباس هنا: فقال له سيبويه: فقد تركت مذهبك، أى لو كان البدل قويّا للزم (ووجب) أن تقول: أقرى كرميت أرمى. وهذا بيان.
* * * __________
(1) البيت من الوافر، وهو لسراقة البارقى فى الأشباه والنظائر 2/ 16، والأغانى 9/ 13، وأمالى الزجاجى ص 87، وسر صناعة الإعراب ص 77، 826، وشرح شواهد الشافية ص 322، وشرح شواهد المغنى ص 677، ولسان العرب (رأى)، والمحتسب 1/ 128، ومغنى اللبيب ص 277، والممتع فى التصريف ص 621، ونوادر أبى زيد ص 185، ولابن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص 178، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 235، وشرح شافية ابن الحاجب ص 41.(2/376)
باب فى حرف اللين المجهول
وذلك مدّة الإنكار نحو قولك فى جواب من قال: رأيت بكرا: أبكرنيه، وفى جاءنى محمد: أمحمدنيه، وفى مررت على قاسم: أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدّة الإنكار، وهى لا محالة ساكنة، فوافقت التنوين ساكنا، فكسر (لالتقاء الساكنين) فوجب أن تكون المدّة ياء لتتبع الكسرة. وأىّ المدّات الثلاث كانت فإنها لابدّ أن توجد فى اللفظ بعد كسرة التنوين ياء لأنها إن كانت فى الأصل ياء فقد كفينا النظر فى أمرها. وإن كانت ألفا أو واوا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتّة.
فإن قيل: أفتنصّ فى هذه المدّة على حرف معيّن: الألف أو الياء أو الواو؟
قيل: لم تظهر فى شىء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها، وإنما تأتى تابعة لما قبلها ألا تراك تقول فى قام عمر: أعمروه، وفى رأيت أحمد: أأحمداه، وفى مررت بالرجل آلرجليه، وليست كذلك مدّة الندبة لأن تلك ألف لا محالة، وليست مدّة مجهولة مدبّرة بما قبلها ألا تراها تفتح ما قبلها أبدا، ما لم تحدث هناك لبسا، ونحو ذلك نحو وا زيداه، ولم يقولوا:
وا زيدوه، وإن كانت الدال مضمومة فى وازيد. وكذلك واعبد الملكاه، وواغلام زيداه، لمّا حذفت لها التنوين (من زيد) صادفت الدال مكسورة ففتحتها.
غير أننا نقول: إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفا من موضعين.
أحدهما أن الإنكار مضاه للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب، فمطل الصوت به وجعل ذلك أمارة لتناكره كما جاءت مدّة الندبة إظهارا للتفجّع وإيذانا بتناكر الخطب الفاجع، والحدث الواقع. فكما أن مدّة الندبة ألف، فكذلك ينبغى أن تكون مدّة الإنكار ألفا.
والآخر أن الغرض فى الموضعين جميعا إنما هو مطل الصوت، ومدّه وتراخيه، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإذا كان الأمر كذلك فالألف أحقّ به دون أختيها لأنها أمدّهنّ صوتا، وأنداهنّ، وأشدّهنّ إبعادا (وأنآهنّ). فأمّا مجيئها تارة
واوا، وأخرى ياء فثان لحالها. وعن ضرورة دعت (إلى ذلك) لوقوع الضمّة والكسرة قبلها. ولولا ذلك لما كانت إلا ألفا أبدا.(2/377)
والآخر أن الغرض فى الموضعين جميعا إنما هو مطل الصوت، ومدّه وتراخيه، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإذا كان الأمر كذلك فالألف أحقّ به دون أختيها لأنها أمدّهنّ صوتا، وأنداهنّ، وأشدّهنّ إبعادا (وأنآهنّ). فأمّا مجيئها تارة
واوا، وأخرى ياء فثان لحالها. وعن ضرورة دعت (إلى ذلك) لوقوع الضمّة والكسرة قبلها. ولولا ذلك لما كانت إلا ألفا أبدا.
فإن قلت: فهلا تبعها ما قبلها فى الإنكار كما تبعها فى الندبة، فقلت فى جاءنى عمر: أعمراه كما تقول فى الندبة: وا عمراه؟
قيل: فرق ما بينهما أن الإنكار جار مجرى الحكاية، والمعنى الجامع بينهما أنك مع إنكارك للأمر مستثبت، ولذلك قدّمت فى أوّل كلامك همزة الاستفهام. فكما تقول فى جواب رأيت زيدا: من زيدا؟ كذلك قلت أيضا فى جواب جاءنى عمر:
أعمروه.
وأيضا فإن مدّة الإنكار لا تتصل بما قبلها اتصال مدّة الندبة بما قبلها ألا ترى التنوين فاصلا بينهما فى نحو أزيدنيه، ولا يفصل به بين المندوب ومدّة الندبة فى نحو وا غلام زيداه، بل تحذفه لمكان مدّة الندبة، وتعاقب بينهما لقوّة اتصالها به كقوّة اتصال التنوين به، فكرهوا أن يظاهروا بينهما فى آخر الاسم لتثاقله عن احتمال زيادتين فى آخره. فلمّا حذف التنوين لمدّة الندبة قوى اتصالها بالمندوب، فخالطته فأثّرت فيه الفتح. ولمّا تأخّرت عنه مدّة الإنكار ولم تماسّه مماسّة مدّة الندبة له لم تغيره تغييرها إياه. ويزيدك فى علمك ببعد مدّة الإنكار عن الاسم الذى تبعته وقوع (إن) بعد التنوين فاصلة بينهما نحو أزيدا إنيه! وأزيد إنيه! وهذا ظاهر للإبعاد لها عنه. وأغرب من هذا أنك قد تباشر بعلامة الإنكار غير اللفظ الأوّل.
وذلك فى قول بعضهم وقد قيل له: أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أنا إنيه! فهذا أمر آخر أطمّ من الأوّل ألا تراك إذا ندبت زيدا ونحوه فإنما تأتى بنفس اللفظ الذى هو عبارة عنه، لا بلفظ آخر ليس بعبارة عنه.
وهذا تناه فى ترك مباشرة مدّة الإنكار للفظ الاسم المتناكرة حاله وما أبعد هذا عن حديث الندبة!
فإن قلت: فقد تقول فى ندبة زيد (وا أبا محمداه) فتأتى بلفظ آخر، وكذلك إذا ندبت جعفرا قلت: وا من كان كريماه: فتأتى بلفظ غير لفظ زيد وجعفر.(2/378)
قيل: أجل إلا أن (أبا محمد) و (من كان كريما) كلاهما عبارة عينيهما، وقوله: أنا إنيه ليس باللفظ الأوّل، ولا بعبارة عن معناه. وهذا كما تراه واضح جلىّ.
ومثل مدّة الإنكار هذه البتّة فى جهلها، مدّة التذكّر فى قولك إذا تذكرت الخليل ونحوه: الى وعنى ومنا منذو، أى الخليل وعن الرجل ومن الغلام ومنذ الليلة.
* * *
باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة(2/379)
* * *
باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة
هذا موضع ربما أوهم فساد العلّة. وهو مع التأمّل بضدّ ذلك نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد:
حمّى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (1)
ألا ترى أن فاء ميثاق التى هى واو وثقت انقلبت للكسرة قبلها ياء كما انقلبت فى ميزان وميعاد فكان يجب على هذا لمّا زالت الكسرة فى التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة: المواثيق كما تقول: الموازين، والمواعيد.
فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن انقلاب هذه الواو ياء ليس للكسرة قبلها، بل هو لأمر آخر غيرها إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك (ما أنشده) خلف الأحمر من قول الشاعر:
عدانى أن أزورك أمّ عمرو ... دياوين تشقّق بالمداد (2)
فللقائل أيضا أن يقول: لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوّان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها.
وكذلك للمعترض فى هذا أن يقول: لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة فى لغة من قال: بأز لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها، فانقلبت همزة كما انقلبت لمّا حركت فى نحو شأبّة ودأبّة، لكان ينبغى أن تزول الهمزة عند زوال الألف فى قولهم: بئزان، فقد حكيت أيضا بالهمز إذ كانت الياء (إذا تحركت) لم
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لعياض بن درّة الطائى فى لسان العرب (وثق)، وتاج العروس (وثق)، والمقاصد النحوية 4/ 537، ونوادر أبى زيد ص 65، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص 138، وشرح الأشمونى 3/ 715، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 210، وشرح شواهد الشافية ص 95، وشرح المفصل 5/ 122، ويروى: (بأمرنا) مكان (بإذننا)، (عهد) مكان (عقد).
(2) البيت من الوافر، بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 264، وسر صناعة الإعراب 2/ 735، ولسان العرب (دون) وفيه: (تنفق) بدل (تشقق)، والمنصف 2/ 32، ويروى: (أم مالك) مكان (أم عمرو).(2/380)
تقلب همزة فى نحو قول جرير:
فيوما يجازين الهوى غير ماضى ... ويوما ترى منهن غولا تغوّل (1)
وكذلك لو كانت الواو إنما انقلبت فى صبية وقنية وصبيان ولياح للكسرة قبلها، لوجب إذا زالت الكسرة أن تعود الواو، فتقول: صبوة وصبوان، وقنوة ولواح لزوال الكسرة.
والجواب عن هذا وغيره مما هذه حاله أن العلّة فى قلب هذه الأشياء هو ما ذكره القوم: من وقوع الكسرة قبلها لأشياء.
منها أن أكثر اللغة وشائع الاستعمال هو إعادة الواو عند زوال الكسرة. وذلك قولهم: موازين، ومواعيد، وقولهم فى ريح: أرواح، وفى قيل: أقوال، وفى مثياق: مواثيق، وفى ديوان: دواوين. فأما مياثق ودياوين فإنه لمّا كثر عندهم واطّرد فى الواحد القلب، وكانوا كثيرا ما يحملون الجمع على حكم الواحد وإن لم يستوف الجمع جميع أحكام الواحد نحو ديمة وديم، وقيمة وقيم، صار الأثر فى الواحد كأنه ليس عندهم مسببا عن أمر، ومعرّضا لانتقاله بانتقاله، بل تجاوزوا به ذلك، وطغوا به إلى ما وراءه، حتى صار الحرف المقلوب إليه لتمكّنه فى القلب كأنه أصل فى موضعه، وغير مسبّب عندهم عن علّة، فمعرّض لانتقاله بانتقالها، حتى أجروا ياء ميثاق مجرى الياء الأصلية وذلك كبنائك من اليسر مفعالا، وتكسيرك إياه على مفاعيل كميسار ومياسير، فمكّنوا قدم الياء فى ميثاق أنسا بها، واسترواحا إليها، ودلالة على تقبّل الموضع لها.
وكذلك عندى قياس تحقيره على هذه اللغة أن تقول: مييثيق.
ومنها أن الغرض فى هذا القلب إنما هو طلب للخفّة فمتى وجدوا طريقا أو شبهة فى الإقامة عليها، والتعلّل بخفتها سلكوها، واهتبلوها. وليس غرضهم وإن
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لجرير فى ديوانه ص 140، وخزانة الأدب 8/ 358، وشرح الأشمونى 1/ 44، وشرح المفصل 10/ 101، والكتاب 3/ 314، ولسان العرب (غول)، (مضى)، والمقاصد النحوية 1/ 227، والمقتضب 1/ 144، والمنصف 2/ 114، ونوادر أبى زيد ص 203، وتاج العروس (غول)، (مضى)، وبلا نسبة فى شرح المفصل 10/ 104، والمقتضب 3/ 354، والممتع فى التصريف 2/ 556، والمنصف 2/ 80. ويروى: (يوافينى) مكان (يجاذين).(2/381)
كان قلبها مسببا عن الكسرة أن يتناهوا فى إعلامنا ذلك بأن يعيدوها واوا مع زوالها. وإنما غالب الأمر ومجموع الغرض القلب لها لما يعقب من الاسترواح إلى انقلابها. فكأنّهم قنّعوا أنفسهم بتصوّر القلب فى الواحد لمّا انتقلوا عنه إلى الجمع ملاحظة لأحواله، ومحافظة على أحكامه، واسترواحا إلى خفّة المقلوب إليه، ودلالة على تمكّن القلب فى الواحد، حتى ألحقوه بما أصله الياء.
وعندى مثل يوضّح (الحال فى) إقرار الحكم مع زوال العلّة، على قلّة ذلك فى (الكلام)، وكثرة ضدّه فى الاستعمال. وهو العود تقطعه من شجرته غضا رطيبا، فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقرّ على ذلك اليبس وتمكّن فيه (حتى ينخر) لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده إلى قعر البحر فيقيم فيه مائة عام لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى أيأس من معاودته البتّة إليها.
فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلّة، وهو الأقلّ فى كلامهم. وعلى طرف من الملامحة له قول الله عز وجل: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91].
ومنها أنهم قد قلبوا الواو ياء قلبا صريحا لا عن علّة مؤثّرة أكثر من الاستخفاف نحو قولهم: رجل غديان، وعشيان، والأريحيّة، ورياح، ولا كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد كانت فى واحده، لأنه ليس جمعا فيحتذى به ويقتاس به على حكم واحده. وكذلك قول الآخر:
* جول التراب فهو جيلانىّ (1) *
فإذا جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العارى من السبب المؤثّر سوى ما فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخفّ وبقاؤه على ذلك لضرب من التأوّل أولى وأجدر.
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 486، وجمهرة اللغة ص 493، وتاج العروس (23/ 191 (خرف) وقبله:
جرّ السحاب فوقه الخرفى ... ومردفات المزن والصيفى
ويروى: (جولانى) مكان (جيلانى).
جول التراب: انتشاره. يوم جيلانىّ وجولانىّ: كثير التراب والريح.(2/382)
نعم، وإذا كانوا قد أقرّوا حكم الواحد على تكسيره مع ثقل ما صاروا إليه مراعاة لأحكامه نحو بأز وبئزان حتى شبهوه برأل ورئلان، كان إقرار قلب الأثقل إلى الأخفّ عند التكسير أولى وأجدر ألا ترى أن الهمزة أثقل من الياء. وكذلك قولهم لياح وإنما هو فعال من لاح يلوح لبياضه قد راعوا فيه انقلاب عينه مع الكسرة فى (لياح) على ضعف هذا الأثر لأنه ليس بجمع (كحياض ورياض) ولا مصدر كقيام وصيام. فإقرار الحكم القوىّ الوجوب فى الواحد عند تكسيره أجدر بالجواز.
وكذلك حديث قنية وصبيان وصبية فى إقرار الياء بحالها، مع زوال الكسرة فى صبيان وقنية. وذلك أن القلب مع الكسرة لم يكن له قوّة فى القياس، وإنما كان مجنوحا به إلى الاستخفاف. وذلك أن الكسرة لم تل الواو ألا ترى أن بينهما حاجزا وإن كان ساكنا فإن مثله فى أكثر اللغة يحجز. وذلك نحو جرو وعلو، وصنو، وقنو، ومجول، ومقول، و (قرواح، وجلواخ، وقرواش، ودرواس) (1)
وهذا كثير فاش. فلما أعلّوا فى صبية وبابه، علم أن أقوى سببى القلب إنما هو طلب الاستخفاف، لا متابعة الكسر مضطرّا إلى الإعلال فلمّا كان الأمر كذلك أمضوا العزمة فى ملازمة الياء لأنه لم يزل من الكسرة مؤثّر يحكم القياس له بقوّة فيدعو زواله إلى المصير إلى ضدّ الحكم الذى كان وجب به، وليس هذا كمياثق من قبل أن القلب فى ميثاق واجب، والقلب فى قنية وصبّية ليس بواجب، فكأن باب ميثاق أثّر فى النفس أثرا قوّى الحكم فقرّره هناك، فلمّا زال بقى حكمه دالا على قوّة الحكم الذى كان به، وباب صبية وعلية أقرّ حكمه مع زوال الكسرة عنه اعتذارا فى ذلك بأن الأوّل لم يكن عن وجوب لزوال ما دعا إليه، وإنما كان استحسانا، فليكن مع زوال الكسر أيضا استحسانا. أفلا ترى إلى اختلاف حال الأصلين فى الضعف والقوّة، كيف صرت له بهما إلى فرع واحد، وهو القلب. فإنه جيّد فى معناه، ونافع فى سواه، مما هو شرواه (2).
__________
(1) القرواح: الفضاء من الأرض التى ليس بها شجر، وناقة قرواح: طويلة القوائم. والجلواخ:
الوادى الواسع الممتلئ. والقرواش: الطفيلىّ والعظيم الرأس. والدّرواس: من معانيه العظيم الرأس، الأسد.
(2) شروى الشىء مثله، واوه مبدلة من الياء، لأن الشىء إنما يشرى بمثله.(2/383)
(ومن بعد) فقد قالوا أيضا: صبوان وصبوة وقنوة وعلى أن البغداديّين قالوا:
قنوت، وقنيت، وإنما كلامنا على ما أثبته أصحابنا، وهو قنوت لا غير.
ومن بقاء الحكم مع زوال علّته قول الراجز:
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع (1)
وهو افتعل من الضجعة. وأصله: (فاضتجع فأبدلت التاء طاء لوقوع الضاد قبلها، فصارت): فاضطجع، ثم أبدل الضاد لاما. وكان سبيله (إذ أزال) جرس الضاد أن تصحّ التاء، فيقال: فالتجع كما يقال: التحم، والتجأ لكنه أقرّت الطاء بحالها إيذانا بأن هذا القلب الذى دخل الضاد إلى اللام لم يكن عن استحكام، ولا عن وجوب كما أن صحّة الواو فى قوله:
* وكحل العينين بالعواور (2) *
إنما جاء لإرادة الياء فى العواوير، وليعلم أن هذا الحرف ليس بقياس ولا منقاد.
فهذه طريق بقاء الأحكام، مع زوال العلل والأسباب. فاعرف ذلك فإنه كثير جدا.
__________
(1) الرجز لمنظور بن حبة الأسدى فى شرح التصريح 2/ 367، والمقاصد النحوية 4/ 584، وبلا نسبة فى التنبيه والإيضاح 2/ 234، والمخصص 8/ 24، وتاج العروس (أبز)، (أرط)، (ضجع)، والأشباه والنظائر 2/ 340، وإصلاح المنطق ص 95، وأوضح المسالك 4/ 371، وسر صناعة الإعراب 1/ 321، وشرح الأشمونى 3/ 821، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 226، وشرح شواهد الشافية ص 274، وشرح المفصل 9/ 82، 10/ 46، ولسان العرب (أبز)، (أرط)، (ضجع)، (رطا)، والمحتسب 1/ 107، والممتع فى التصريف 1/ 403، والمنصف 2/ 329.
(2) الرجز للعجاج، وليس فى ديوانه، ولجندل بن المثنى الطهوى فى شرح أبيات سيبويه 2/ 429، وشرح التصريح 2/ 369، وشرح شواهد الشافية ص 374، والمقاصد النحوية 4/ 571، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 785، وأوضح المسالك 4/ 374، وسر صناعة الإعراب 2/ 771، وشرح الأشمونى 3/ 829، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 131، وشرح المفصل 5/ 7، 10/ 91، 92، والكتاب 4/ 370، ولسان العرب (عور، والمحتسب 1/ 107، 124، والممتع فى التصريف 1/ 329، والمنصف 2/ 49، 3/ 50، وتاج العروس (عور) والمخصص 1/ 109.
العواور جمع العوّار وهو وجع العين.(2/384)
باب فى توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين
وذلك فى الكلام على ضربين:
أحدهما وهو الأكثر أن يتفق اللفظ البتّة، ويختلف فى تأويله. وعليه عامّة الخلاف نحو قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده فاللفظ غير مختلف فيه، لكن يختلف فى تفسيره.
فقال قوم: إن الإنسان يذهل عن ولده لشدّته، فيكون هذا كقول الله تعالى:
{يَوْمَ تَرَوْنَهََا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمََّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس: 34، 35] (والآى فى هذا المعنى كثيرة).
وقال قوم: أى هو أمر عظيم، فإنما ينادى فيه الرجال والجلّة، لا الإماء والصبية.
وقال آخرون: الصبيان إذا ورد الحىّ كاهن أو حوّاء أو رقّاء حشدوا عليه، واجتمعوا له. أى ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو، إنما هو يوم تجرّد، وجدّ. وقال آخرون وهم أصحاب المعانى: أى لا وليد فيه فينادى (وإنما فيه الكفاة والنهضة) ومثله قوله (1):
* على لاحب لا يهتدى بمناره *
أى لا منار فيه فيهتدى به، وقوله أيضا:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الذئب بها ينجحر (2)
__________
(1) أى امرئ القيس. وعجزه:
* إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا *
واللاحب: الطريق الواسع. وسافه: شمه، والعود: البعير المسن. والدّيافىّ، نسبة إلى دياف، وهى قرية بالشام تنسب إليها النجائب. والبيت فى اللسان (سوف) وقوله: لا يهتدى بمناره يقول: ليس به منار فيهتدى به، وإذا ساف الجمل تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه.
(2) البيت من السريع، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 67، وأمالى المرتضى 1/ 229، وخزانة الأدب 10/ 192، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 11/ 313. ويروى: (الضب) مكان (الذئب).(2/385)
أى لا أرنب بها فتفزعها أهوالها.
ونحوه عندى بيت الكتاب:
وقدر ككفّ القرد لا مستعيرها ... يعار، ولا من يأتها يتدسّم (1)
أى لا مستعير يستعيرها فيعارها لأنها لصغرها ولؤمها مأبيّة معيفة. وكذلك قوله:
زعموا أن كل من ضرب العي ... ر موال لنا وأنا الولاء (2)
على ما فيه من الخلاف.
وعلى ذلك عامّة ما جاء فى القرآن، وفى حديث النبىّ صلّى الله عليه وسلم ومن بعده رضوان الله عليهم، وما وردت به الأشعار، وفصيح الكلام.
وهذا باب فى نهاية الانتشار، وليس عليه عقد هذا الباب. وإنما الغرض الباب الآخر الأضيق الذى ترى لفظه على صورة، ويحتمل أن يكون على غيرها كقوله:
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لامين على نابل (3)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لتميم بن مقبل فى ملحق ديوانه ص 395، وشرح شواهد الإيضاح ص 466، والكتاب 3/ 77، ولسان العرب (دسم)، وتاج العروس (دسم)، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (دسم)، والمخصص 17/ 16. ويروى: (كلفّ) مكان (ككف).
(2) البيت من الخفيف، وهو للحارث بن حلزة فى ديوانه ص 23، ولسان العرب (عير)، ومقاييس اللغة 4/ 192، وديوان الأدب 3/ 302، وتهذيب اللغة 3/ 167، والحيوان 5/ 175، والزاهر 2/ 144، وشرح القصائد السبع ص 449، وشرح القصائد العشر ص 379، وفصل المقال ص 30، والمعانى الكبير 2/ 855، ومعجم البلدان 4/ 194 (عير)، ومعجم ما استعجم 3/ 984، وتاج العروس (عير) وبلا نسبة فى لسان العرب (عير)، وجمهرة اللغة ص 777، والمخصص 1/ 94، 15/ 134.
قيل: معناه كلّ من ضرب بجفن على عير، وقيل: يعنى الوتد أى من ضرب وتدا من أهل العمد، وقيل: يعنى إيادا، لأنهم أصحاب حمير، وقيل: يعنى جبلا، ومنهم من خصّ فقال:
جبلا بالحجاز. اللسان (عير).
(3) البيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 257، ولسان العرب (خلج)، (سلك)، (نبل)، (لأم)، وتهذيب اللغة 7/ 57، 10/ 62، 15/ 361، 400، وجمهرة اللغة ص 406،(2/386)
فهذا ينشد على أنه ما تراه: كرك لامين (أى زدّك لامين) وهما سهمان على نابل. وذلك أن تعترض من صاحب النبل شيئا منها فتتأمله تردّه إليه، فيقع بعضه كذا وبعضه كذا. فكذلك قوله: كرك لامين أى طعنا مختلفا: بعضه كذا وبعضه كذا. ويروى أيضا على أنه: كركلامين أى كرّك كلامين على صاحب النبل كما تقول له: ارم ارم، تريد السرعة والعجلة. ونحو من ذلك وإن كان فيه أيسر خلاف بيت المثقّب العبدىّ:
أفاطم قبل بينك نوّلينى ... ومنعك ما سألت كأن تبينى
فهذه رواية الأصمعىّ: أى منعك كبينك، وإن كنت مقيمة. ومثله: (قول الطائىّ) الكبير:
لا أظلم النأى قد كانت خلائقها
من قبل وشك النوى عندى نوى قدفا (1)
ورواه ابن الأعرابىّ:
* ومنعك ما سألتك أن تبينى (2) *
أى منعك إياى ما سألتك هو بينك. ورواية الأصمعىّ أعلى وأذهب فى معانى الشعر. ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجى العساكر
فقلت لعمرو صاحبى إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر (3)
أى عوى هذا الذئب، فسر أنت.
وأنشدنا أبو علىّ:
__________
ومقاييس اللغة 2/ 206، 5/ 227، وتاج العروس (خلج)، (سلك)، (لأم)، وديوان الأدب 2/ 6، وكتاب الجيم 3/ 219، وكتاب العين 4/ 160، 5/ 311، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 444، والمخصص 6/ 57، 15/ 192. ويروى (لفتك) مكان (كرّك).
(1) نوى قذفا أى فراقا بعيدا. اللسان (قذف).
(2) سبق.
(3) سبق.(2/387)
خليلىّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب (1)
أى بين هذين الموضعين، وأنشدناه أيضا: بين الطخاف العصائب.
وأنشد (أيضا):
أقول للضحّاك والمهاجر ... إنّا وربّ القلص الضوامر (2)
إنّا أى تعبنا، من الأين، وهو التعب والإعياء. وأنشد أبو زيد:
هل تعرف الدار ببيدا إنّه ... دار لخود قد تعفّت إنّه
فانهلّت العينان تسفحنّه ... مثل الجمان جال فى سلكنّه
لا تعجبى منّى سليمى إنّه ... إنا لحلالون بالثغرنّه
وهذه أبيات عملها أبو علىّ فى المسائل البغدادية فأجاز فى جميع قوافيها أن يكون أراد: إنّ، وبيّن الحركة بالهاء، وأطال فيها هناك. وأجاز أيضا أن يكون أراد: ببيداء ثم صرف وشدّد التنوين للقافية، وأراد: فى سلك، فبنى منه فعلنا كفرسن، ثم شدّده لنيّة الوقف، فصار: سلكنّ، وأراد: بالثغر، فبنى منه للضرورة فعلنا، وإن لم يكن هذا مثالا معروفا لأنه أمر ارتجله مع الضرورة إليه، وألحق الهاء فى سلكنه والثغرنه كحكاية الكتاب: أعطنى أبيضّه. وأنشدوا قوله:
نفلّق هاما لم تنله سيوفنا ... بأيماننا هام الملوك القماقم (3)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى لسان العرب (عصب)، وتاج العروس (عصب)، وهو لصخر الغى فى لسان العرب (طخف)، وتاج العروس (طخف)، وهو فى شرح أشعار الهذليين ص 246من قصيدة تنسب لأبى ذؤيب، ولصخر الغى، ولأخى صخر الغى، وفيه أن من يرويها لأخى صخر الغى أكثر. ويروى: (أعينى) مكان (خليلى)، (تحت) مكان (بين)، (الطخاف) مكان (الطخا).
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أين)، وتهذيب اللغة 15/ 550، وأساس البلاغة (أين)، وجمهرة اللغة ص 249، 1091، وتاج العروس (أين). ويروى: (للمرار) مكان (للضحاك).
وقبله:
* قد قلت للصباح والهواجر *
(3) البيت من الطويل، وهو لشبيب بن البرصاء فى لسان العرب (ها)، وتهذيب اللغة. ويروى (ها من) مكان (هاما)، (أسيافنا) مكان (أيماننا).(2/388)
وإنما هو: ها من لم تنله سيوفنا. ف (ها) تنبيه، و (من لم تنله سيوفنا) نداء أى يا من لم ننله سيوفنا خفنا فإنا من عادتنا أن نفلّق بسيوفنا هام الملوك، فكيف من سواهم.
ومنه المثل السائر: زاحم بعود أو دع، أى زاحم بقوّة أو فاترك ذلك، حتى توهّمه بعضهم: بعود أودع، فذهب إلى أن (أودع) صفة لعود كقوله: بعود أوقص أو أوطف أو نحو ذلك مما جاء على أفعل وفاؤه واو.
ومن ذلك قول الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ} [القصص: 82]. فذهب الخليل وسيبويه فيه إلى أنه وى مفصول، وهو اسم سمّى به الفعل فى الخبر، وهو معنى أعجب، ثم قال مبتدئا: كأنه لا يفلح الكافرون، وأنشد فيه:
وى كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (1)
وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه: ويك أنه لا يفلح الكافرون، أراد: ويك أى أعجب أنه لا يفلح الكافرون، أى أعجب لسوء اختيارهم (ونحو ذلك) فعلّق (أن) بما فى (ويك) من معنى الفعل، وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهناك. قال أبو علىّ ناصرا لقول سيبويه: قد جاءت كأنّ كالزائدة وأنشد بيت عمر:
كأننى حين أمسى لا تكلّمنى ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا (2)
أى أنا كذلك. و (كذلك) قول الله سبحانه: {وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ} أى (هم لا يفلحون). (وقال الكسائىّ: أراد: ويلك، ثم حذف اللام).
__________
(1) البيت من الخفيف، وهو لزيد بن عمرو بن نفيل فى خزانة الأدب 6/ 404، 408، 410، والدرر 5/ 305، وذيل سمط اللآلى ص 103، والكتاب 2/ 155، ولنبيه بن الحجاج فى الأغانى 17/ 205، وشرح أبيات سيبويه 2/ 11، ولسان العرب (وا)، (ويا)، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص 353، وشرح الأشمونى 2/ 486، وشرح المفصل 4/ 76، ومجالس ثعلب 1/ 389، والمحتسب 2/ 155، وهمع الهوامع 2/ 106.
(2) البيت من البسيط، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه ص 320، والجنى الدانى ص 571، وشرح شواهد المغنى 2/ 788، وليزيد بن الحكم الثقفى فى لسان العرب (عود)، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص 399، وخزانة الأدب 6/ 407، وشرح المفصل 4/ 77، والمحتسب 2/ 155، ومغنى اللبيب 2/ 369. ويروى: (حتيم) مكان (ذو بغية).(2/389)
ومن ذلك بيت الطرمّاح:
وما جلس أبكار أطاع لسرحها ... جنى ثمر بالواديين وشوع (1)
قيل فيه قولان: وشوع أى كثير. ومنه قوله:
* إنى امرؤ لم أتوشّع بالكذب (2) *
أى لم أتحسّن به ولم أتكثّر به. وقيل: إنها واو العطف، والشّوع: ضرب من النبت.
ونحو من ذلك ما أنشده أبو زيد (من قول الشاعر):
* خالت خويلة أنّى هالك ودأ *
قيل: إنه واو عطف أى إنى هالك (وداء) من قولهم: رجل داء أى دو، ثم قلب. وحدّثنا عن ابن سلام أن أعرابيا قال للكحّال: كحلنى بالمكحال الذى تكحل به العيون الداء. وأجاز أيضا فى قوله: (ودأ) أن يكون فعلا من قوله:
وللأرض كم من صالح قد تودّأت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر (3)
أى غطّته وثقّلت عليه. فكذلك يكون قوله: إنى هالك كدّا وثقلا، وكان يعتمد التفسير الأوّل، ويقول: إذا كانت الواو للعطف كان المعنى أبلغ (وأقوى) وأعلى
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للطرماح فى ديوانه ص 295، ولسان العرب (جلس)، وكتاب العين 2/ 190، 210، وتهذيب اللغة 3/ 66، 10/ 548، وتاج العروس جلس، (وشع)، وبلا نسبة فى لسان العرب (وشع)، والمخصص 5/ 15.
الجلس: العسل. يريد بالأبكار أفراخ النحل لأن عسلها أطيب وأصفى. قيل: وشوع كثير، وقيل: إنّ الواو للعطف، والشّوع: شجر البان، الواحدة شوعة. ويروى: وشوع، بضمّ الواو، فمن رواه بفتح الواو وشوع فالواو واو النّسق ومن رواه وشوع فهو جمع وشع، وهو زهر البقول. (اللسان وشع).
(2) الرجز للقلاخ فى لسان العرب (وشع)، وتهذيب اللغة 8/ 155، وتاج العروس (وشع)، (وشغ).
(3) البيت من الطويل، وهو لهدبة بن الخشرم فى ديوانه ص 96، ولسان العرب (لمأ)، (ودأ)، (قدر)، وتاج العروس (لمأ)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1094، وكتاب العين 8/ 96، 345، وتاج العروس (ودأ).
الودأ: الهلاك، وتودّأ عليه: أهلكه.(2/390)
كأنه ذهب إلى ما يراه أصحابنا من قولهم فى التشهد: التحيّات لله، والصلوات لله، والطّيبات. قالوا: لأنه إذا عطف كان أقوى له، وأكثر لمعناه، من أن يجعل الثانى مكررا على الأوّل بدلا أو وصفا. وقال الأصمعىّ فى قوله:
* وأخلفوك عدا الأمر الذى وعدوا (1) *
أراد جمع عدة. وقال الفرّاء: أراد عدة الأمر، فلمّا أضاف حذف الهاء كقول الله سبحانه: {وَإِقََامِ الصَّلََاةِ} [النور: 37] وهذا يجىء فى قول الأصمعىّ على القلب فوزنه على قوله: علف الأمر.
وهذا باب واسع. وأكثر فى الشعر. فإذا مرّ بك فتنبّه عليه (ومنه قوله:
وغلت بهم سجحاء جارية ... تهوى بهم فى لجّة البحر (2)
يكون: فعلت من التوغل. وتكون الواو أيضا عاطفة، فيكون من الغليان.
ومنه قوله:
* غدوت بها طيّا يدى برشائها (3) *
يكون فعلى من طويت. ويجوز أن يكون تثنية طىّ، أى طيّا يدى، وأراد:
طياها بيدى فقلب).
ومنه بيت أوس:
فملّك بالليط الذى تحت قشرها ... كغرقىء بيض كنّه القيض من عل (4)
__________
(1) عجز البيت من البسيط، وهو للفضل بن عباس فى شرح التصريح 2/ 396، وشرح شواهد الشافية ص 64، ولسان العرب (غلب)، (خلط)، والمقاصد النحوية 4/ 572، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 5/ 241، وأوضح المسالك 4/ 407، وشرح الأشمونى 2/ 304، وشرح عمدة الحافظ ص 486، ولسان العرب (وعد)، (خلط). وصدره:
* إن الخليط أجدوا البين فانجردوا *
تودّأت عليه الأرض: أى استوت عليه مثلما تستوى على الميّت. اللماعة: الفلاة يلمع فيها السراب. والبيت فى اللسان (ودأ).
(2) السجحاء: الناقة التامة الخلق.
(3) عجز البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 9، والمخصص 10/ 6، وتهذيب اللغة 3/ 43، ولسان العرب (وكع)، (عمى)، وتاج العروس (وكع).
(4) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 97، ولسان العرب (ليط)، وتهذيب(2/391)
(الأصمعىّ: هو من الملك وهو التشديد. وقال ابن الأعرابىّ): أراد: من لك بهذا الليط.
ومنه بيت الخنساء:
أبعد ابن عمرو من آل الشري ... د حلّت به الأرض أثقالها (1)
هو من الحلية أى زينّت به موتاها. وقال ابن الأعرابىّ: هو من الحلّ، كأنه لمّا مات (انحلّ به) عقد الأمور.
* * * __________
اللغة 14/ 25، وتاج العروس (ليط).
الغرقئ: قشر البيض الذى تحت القيض.
(1) البيت من المتقارب، وهو للخنساء فى ديوانها ص 79ولسان العرب (ثقل)، ومقاييس اللغة 1/ 392، وتاج العروس (شرد)، (ثقل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (شرد)، وتهذيب اللغة 9/ 79.(2/392)
باب فى الاكتفاء بالسبب من المسبب وبالمسبب من السبب
هذا موضع من العربية شريف لطيف، وواسع لمتأمّله كثير. وكان أبو على رحمه الله يستحسنه، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومرّ بنا نحن منه ما لا نكاد نحصيه.
فمن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ} [النحل: 98] (وتأويله) والله أعلم: فإذا أردت قراءة القرآن فاكتفى بالمسبّب الذى هو القراءة من السبب الذى هو الإرادة. وهذا أولى من تأوّل من ذهب إلى أنه أراد:
فإذا استعذت فاقرأ لأن فيه قلبا لا ضرورة بك إليه. وأيضا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبة عليه القراءة ألا ترى إلى قوله:
أعوذ بالله وبابن مصعب ... الفرع من قريش المهذّب (1)
وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة فى هذا الموضع.
وقد يكون على ما قدّمنا قوله عزّ اسمه: {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] أى إذا أردتم القيام لها، والانتصاب فيها.
ونحو منه ما أنشده أبو بكر:
قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطنّ بالخلوق طينا (2)
يعنى امرأته. يقول: إن لم أجد من يعيننى على سقى الإبل قامت فاستقت معى، فوقع الطين على خلوق يديها. فاكتفى بالمسبّب الذى هو اختلاط الطين
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى كتاب الجيم 3/ 216. وبعده:
* الراكبين كل طرف مثلب *
يقال: هو فرع قومه، للشريف منهم.
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (خلق)، وتاج العروس (خلق)، ويروى (لتخلطن) مكان (لأخلطن).
الخلوق: ضرب من الطيب.(2/393)
بالخلوق من السبب الذى هو الاستقاء معه.
ومثله قول الآخر:
يا عاذلاتى لا تردن ملامتى ... إن العواذل لسن لى بأمير (1)
أراد: لا تلمننى، فاكتفى بإرادة اللوم منه، وهو تال لها ومسبّب عنها. وعليه قول الله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتََا عَشْرَةَ عَيْناً}
[البقرة: 60] أى فضرب فانفجرت فاكتفى بالمسبّب الذى هو الانفجار من السبب الذى هو الضرب. وإن شئت أن تعكس هذا فتقول: اكتفى بالسبب الذى هو القول، من المسبب الذى هو الضرب.
ومثله قوله:
* إذا ما الماء خالطها سخينا (2) *
إن شئت قلت: اكتفى بذكر مخالطة الماء لها وهو السبب من الشرب وهو المسبّب. وإن شئت قلت اكتفى بذكر السخاء وهو المسبّب من ذكر الشرب وهو السبب.
ومثله قول الله عز اسمه: {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}
[البقرة: 196] أى فحلق فعليه فدية. وكذلك قوله: {وَمَنْ كََانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] أى فأفطر فعليه كذا.
__________
(1) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى شرح شواهد المغنى 2/ 561، ومغنى اللبيب 1/ 232.
(2) عجز البيت من الوافر، وهو لعمرو بن كلثوم فى ديوانه ص 64، ولسان العرب (طلح)، (حصص)، (سخن)، (سخا)، وجمهرة اللغة ص 99، وتاج العروس (حصص)، (سخن)، وكتاب العين 1/ 71، والمخصص 3/ 2، 15/ 60، والأغانى 11/ 45، وجمهرة أشعار العرب 1/ 389، والخزانة 3/ 178، وشرح ديوان امرئ القيس ص 320، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى 1/ 188، وشرح القصائد السبع ص 372، وشرح القصائد العشر ص 321، وشرح المعلقات السبع ص 165، وشرح المعلقات العشر ص 88، وشعراء النصرانية ص 455، وللتغلبى فى تاج العروس (طلح)، ومقاييس اللغة 2/ 13، 3/ 168، وديوان الأدب 4/ 92، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (حصص)، وصدره:
* مشعشعة كأن الحص فيها *.(2/394)
ومنه قول رؤبة:
يا رب إن أخطأت أو نسيت ... فأنت لا تنسى ولا تموت (1)
وذلك أن حقيقة الشرط وجوابه، أن يكون الثانى مسبّبا عن الأول (نحو قوله:
إن زرتنى أكرمتك فالكرامة مسبّبة عن الزيارة) وليس كون الله سبحانه غير ناس ولا مخطئا أمرا مسبّبا عن خطأ رؤبة، ولا عن إصابته، إنما تلك صفة له عزّ اسمه من صفات نفسه. لكنه كلام محمول على معناه، أى إن أخطأت أو نسيت فاعف عنّى لنقصى وفضلك. فاكتفى بذكر الكمال والفضل وهو السبب من العفو وهو المسبّب.
ومثله بيت الكتاب:
إنى إذا ما خبت نار لمرملة ... ألفى بأرفع تلّ رافعا نارى
وذلك (أنه إنما) يفخر ببروز بيته لقرى الضيف وإجارة المستصرخ كما أنه إنما يذمّ من أخفى بيته وضاءل شخصه، بامتناعه من ذلك. فكأنه قال إذا: إنى إذا منع غيرى وجبن، أعطيت وشجعت. فاكتفى بذكر السبب وهو (التضاؤل والشخوص) من المسبّب وهو المنع والعطاء.
ومنه بيت الكتاب:
فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإن الريح طيّبة قبول (2)
أى إن بخلت تركناها وانصرفنا عنها. فاكتفى بذكر طيب الريح المعين على الارتحال عنها.
ومنه قول الآخر:
فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإن فى أيماننا نيرانا (3)
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 25، ولسان العرب (خطأ)، وتاج العروس (خطأ، وللعجاج فى ديوانه 2/ 182.
(2) البيت من الوافر، وهو للأخطل فى ديوانه ص 213، وشرح أبيات سيبويه 2/ 233، والكتاب 3/ 248، ولسان العرب (سدس)، (قبل).
(3) الرجز بلا نسبة فى كتاب الجيم (2/ 167).(2/395)
يعنى سيوفا، أى (فإنا) نضربكم بسيوفنا. فاكتفى بذكر السيوف من ذكر الضرب بها. وقال:
يا ناق ذات الوخد والعنيق ... أما ترين وضح الطريق (1)
أى فعليك بالسير. وأنشد أبو العبّاس:
ذر الآكلين الماء ظلما فما أرى ... ينالون خيرا بعد أكلهم الماء (2)
وقال: هؤلاء قوم كانوا يبيعون الماء، فيشترون بثمنه ما يأكلون فقال: الآكلين الماء لأن ثمنه سبب أكلهم ما يأكلونه. ومرّ بهذا الموضع بعض مولّدى البصرة، فقال:
جزت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم
وهذا إنسان كانت له جارية تغنّى، فباعها، واشترى بثمنها برذونا، فمرّ به هذا الشاعر وهو يلجم، فسمّاه قينة إذ كان شراؤه مسبّبا عن ثمن القينة. وعليه قول الله سبحانه: {إِنِّي أَرََانِي أَعْصِرُ خَمْراً} [يوسف: 36] (وإنما يعصر عنبا يصير خمرا) فاكتفى بالمسبّب الذى هو الخمر من السبب الذى هو العنب. وقال الفرزدق:
قتلت قتيلا لم ير الناس مثله ... أقبّله ذا تومتين مسوّرا (3)
وإنما قتل حيّا يصير بعد قتله قتيلا، فاكتفى بالمسبّب من السبب. وقال:
قد سبق الأشقر وهو رابض ... فكيف لا يسبق إذ يراكض (4)
يعنى مهرا سبقت أمّه وهو فى جوفها فاكتفى بالمسبّب الذى هو المهر، من السبب الذى هو الأمّ. وهو كثير جدّا. فإذا مرّ بك فاضممه إلى ما ذكرنا منه).
__________
(1) الوخد والعنيق: ضربان من سير الإبل.
(2) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أكل)، وتاج العروس (أكل). ويروى:
(من) مكان (ذر).
(3) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى لسان العرب (عفر).
التومة: اللؤلؤة. المسوّر: لابس السوار.
(4) الرجز بلا نسبة فى تاج العروس (ركض)، وجمهرة اللغة ص 751. ويروى:
قد سبق الجياد وهو رابض ... فكيف لا يسبق وهو راكض(2/396)
باب فى كثرة الثقيل، وقلة الخفيف
هذا موضع من كلامهم طريف. وذلك أنا قد أحطنا علما بأنّ الضمة أثقل من الكسرة، وقد ترى مع ذلك إلى كثرة ما توالت فيه الضمّتان نحو طنب، وعنق، وفنق (1)، وحشد، وجمد، وسهد، وطنف (2)، وقلّة نحو إبل. وهذا موضع محتاج إلى نظر.
وعلّة ذلك عندى أن بين المفرد والجملة أشباها.
منها وقوع الجملة موقع المفرد فى الصفة، والخبر، والحال. فالصفة نحو مررت برجل وجهه حسن. والخبر نحو زيد قام أخوه. والحال كقولنا: مررت بزيد فرسه واقفة.
ومنها أن بعض الجمل قد تحتاج إلى جملة ثانية احتياج المفرد إلى المفرد. وذلك فى الشرط وجزائه، والقسم وجوابه.
فالشرط نحو قولك: إن قام زيد قام عمرو. والقسم نحو قولك: أقسم ليقومنّ زيد. فحاجة الجملة الأولى إلى الجملة الثانية كحاجة الجزء الأوّل من الجملة إلى الجزء الثانى نحو زيد أخوك، وقام أبوك.
ومنها أن المفرد قد أوقع موقع الجملة فى مواضع كنعم، ولا لأن كل واحد من هذين الحرفين نائب عن الجملة ألا ترى إلى قولك: نعم فى موضع قد كان ذاك، (ولا فى موضع لم يكن ذاك) وكذلك صه، ومه، وإيه، وأفّ، وآوّتاه، وهيهات: كل واحد منها جزء مفرد وهو قائم برأسه، وليس للضمير الذى فيه استحكام الضمير فى الفعل. (يدلّ على ذلك أنه لمّا ظهر فى بعض أحواله ظهر مخالفا للضمير فى الفعل) وذلك قول الله سبحانه: {هََاؤُمُ اقْرَؤُا كِتََابِيَهْ}
[الحاقة: 19] وأنت لا تقول فى الفعل: اضربم ولا ادخلم ولا اخرجم، ولا نحو ذلك.
__________
(1) يقال جارية فنق: منعمة.
(2) الطّنف: ما نتأ من الجيل، والطّنف: السقيفة تشرع فوق باب الدار، والطّنف: السّيور.(2/397)
فلمّا كانت بين المفرد وبين الجملة هذه الأشباه والمقاربات وغيرها، شبّهوا توالى الضمتين فى نحو سرح (1) وعلط (2)، بتواليهما فى نحو زيد قائم، ومحمد سائر.
وعلى ذلك قال بعضهم: الحمد لله، فضم لام الجرّ إتباعا لضمّة الدال، وليس كذلك الكسر فى نحو إبل لأنه لا يتوالى فى الجملة الجرّان كما يتوالى الرفعان.
فإن قلت: فقد قالوا: الحمد لله، فوالوا بين الكسرتين، كما والوا بين الضمّتين، قيل: الحمد لله هو الأصل، ثم شبّه به الحمد لله ألا ترى أن إتباع الثانى للأوّل نحو مدّ وفرّ وضنّ أكثر من إتباع الأوّل للثانى نحو: اقتل. وإنما كان كذلك لأن تقدّم السبب أولى من تقدّم المسبّب لأنهما يجربان مجرى العلّة والمعلول وعلى أن ضمة الهمزة فى نحو: اقتل لا تعتدّ، لأن الوصل يزيلها فإنما هى عارضة، وحركة نحو مدّ وفرّ وعضّ ثابتة مستمرّة فى الوصل الذى هو العيار، وبه الاعتبار. وأيضا فإنه إذا انضمّ الزوّل، وأريد تحريك الثانى كانت الضمّة أولى به من الكسرة والفتحة. أما الكسرة فلأنك تصير إلى لفظ فعل، وهذا مثال لا حظّ فيه للاسم، وإنما هو أمر يخصّ الفعل. وأما دئل فشاذّ. وقد يجوز أن يكون منقولا أيضا كبذّر (3)، وعثّر (4).
فإن قيل: فإن دئلا نكرة غير علم، وهذا النقل إنما هو أمر يخصّ العلم نحو يشكر، ويزيد، وتغلب.
قيل: قد يقع النقل فى النكرة أيضا. وذلك الينجلب (5). فهذا منقول من مضارع انجلب الذى هو مطاوع جلبته ألا ترى إلى قولهم فى التأخيذ: أخّذته بالينجلب، فلم يحر ولم يغب. ومثله رجل أباتر. وهو منقول من مضارع باترت، فنقل فوصف به. وله نظائر.
فهذا حديث فعل.
__________
(1) يقال: ناقة سرح فى سيرها: سريعة.
(2) ناقة علط: بلا سمة كعطل وقيل: بلا خطام.
(3) بذّر: موضع، وقيل ماء بمكة.
(4) عثّر: هو اسم موضع باليمن.
(5) الينجلب: خرزة يؤخّذ بها الرجال، وهو الرجوع بعد الفرار، والعطف بعد البغض.(2/398)
وأما فعل فدون فعل أيضا. وذلك أنه كثيرا ما يعدل عن أصول كلامهم نحو عمر، وزفر، وجشم، وقثم، وثعل، وزحل. فلما كان كذلك لم يتمكّن عندهم تمكّن فعل الذى ليس معدولا. ويدلّك على انحراف فعل عن بقية الأمثلة الثلاثية غير ذوات الزيادة انحرافهم بتكسيره عن جمهور تكاسيرها. وذلك نحو جعل وجعلان، وصرد وصردان، ونغر ونغران (وسلك وسلكان) (1) فاطّراد هذا فى فعل مع عزّته فى غيرها، يدلّك على أن له فيه خاصية انفرد بها، وعدل عن نظائره إليها. نعم، وقد ذهب أبو العباس إلى أنه (كأنه منقوص) من فعال. واستدل على ذلك باستمراره على فعلان قال: فجرذان وصردان فى بابه كغراب وغربان، وعقاب وعقبان. وإذا كان كذلك ففيه تقوية لما نحن عليه ألا ترى أن فعالا أيضا مثال قد يؤلف العدل نحو أحاد، وثناء، وثلاث، ورباع. وكذلك إلى عشار قال:
ولم يستريثوك حتى علو ... ت فوق الرجال خصالا عشارا (2)
ومما يسأل عنه من هذا الباب كثرة الواو فاء، وقلّة الياء هناك. وذلك نحو وعد، ووزن، وورد، ووقع، ووضع، ووفد، على قلّة باب يمن ويسر.
وذلك أن سبب كثرة الواو هناك أنك قادر متى انضمّت أو انكسرت أن تقلبها همزة. وذلك نحو أعد وأجوه وأرقة وأصلة وإسادة وإفادة. وإذا تغيّر الحرف الثقيل فكان تارة كذا، وأخرى كذا، كان أمثل من أن يلزم محجّة واحدة. والياء (إذا وقعت أوّلا و) انضمّت أو انكسرت لم تقلب همزة ولا غيرها.
فإن قلت فقد قالوا: باهلة بن أعصر ويعصر، وقالوا:
* طاف والركب بصحراء يسر (3) *
__________
(1) السّلك: فرخ القطا، وقيل فرخ الحجل. والجمع سلكان.
(2) البيت من المتقارب، وهو للكميت فى ديوانه 1/ 191، وأدب الكاتب ص 567، وخزانة الأدب 1/ 170، 171، والدرر 1/ 91، ولسان العرب (عشر)، وبلا نسبة فى همع الهوامع 1/ 26.
ويروى: (وميت) مكان (علوت).
الاستراثة: الاستبطاء. واستراثه: استبطأه.
(3) عجز البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص 50، ولسان العرب (يسر)، والتنبيه(2/399)
وأسر، وقالوا: قطع الله يديه وأديه.
قيل: أمّا أعصر فهمزته هى الأصل، والياء فى يعصر بدل منها. يدلّ على هذا أنه إنما سمّى بذلك لبيت قاله وهو:
أبنىّ إن أباك شيّب رأسه ... كرّ الليالى واختلاف الأعصر (1)
فالياء فى يعصر إذا بدل من همزة أعصر. وهذا ضدّ ما أردته، وبخلاف ما توهّمته. وأمّا أسر ويسر فأصلان، كلّ واحد منهما قائم بنفسه كيتن، وأتن (2)، وألملم (3)، ويلملم. وأما أديه ويديه فلعمرى إن الهمزة فيه بدل من الياء بدلالة يديت إليه وأيد ويدىّ ونحو ذلك، لكنه ليس البدل من ضرب إبدال الواو همزة.
وذلك أن الياء مفتوحة، والواو إذا كانت مفتوحة شذّ فيها البدل نحو أناة وأجم.
فإذا كان هذا حديث الواو التى يطّرد إبدالها، فالياء حرى ألا يكون البدل فيها إلا لضرب من الاتّساع، وليس طريقه طريق الاستخفاف والاستثقال.
فإن قلت: فالهمزة على كل حال أثقل من الواو، فكيف عدل عن الأثقل إلى ما هو أثقل منه؟
قيل: الهمزة وإن كانت أثقل من الواو على الإطلاق، فإن الواو إذا انضمّت كانت أثقل من الهمزة، لأن ضمتها تزيدها ثقلا. فأمّا إسادة وإعاء فإن الكسرة فيهما محمولة على الضمّة فى أقّتت، فلذلك قلّ نحو إسادة، وكثر نحو أجوه، وأرقة حتى إنهم قالوا فى الوجنة: الأجنة، فأبدلوها مع الضمّة البتّة، ولم يقولوا: وجنة.
__________
والإيضاح 2/ 230، وجمهرة اللغة ص 725، وتاج العروس (يسر). وصدره:
* أرق العين خيال لم يقر *
ويسر: دحل بالدهناء لبنى يربوع والدّحل: هوّة تكون فى الأرض وفى أسافل الأودية يكون فى رأسها ضيق ثم يتسع أسفلها.
(1) البيت من الكامل، وهو لباهلة بن أعصر فى لسان العرب (عصر)، وتاج العروس (عصر)، ولمنبه بن سعد بن قيس عيلان فى أساس البلاغة (عصر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (يبر)، والمخصص 6/ 33.
(2) اليتن والأتن: الولاد المنكوس، تخرجة رجلا المولود قبل رأسه ويديه.
(3) ألملم ويلملم موضع. وهو ميقات أهل اليمن للإحرام بالحج.(2/400)
وأيضا فإن الواو إذا وقعت بين ياء وكسرة فى نحو يعد ويرد حذفت، والياء ليست كذلك، ألا ترى إلى صحّتها فى نحو ييعر (1) وييسر (وكأنهم إنما) استكثروا مما هو معرّض تارة للقلب، وأخرى للحذف، وهذا غير موجود فى الياء. فلذلك قلّت بحيث كثرت الواو.
فإن قلت: فقد كثر عنهم توالى الكسرتين فى نحو سدرات، وكسرات، وعجلات.
قيل: هذا إنما احتمل لمكان الألف والتاء كما احتمل لهما (2) صحّة الواو فى نحو خطوات وخطوات. ولأجل ذلك ما أجاز فى جمع ذيت إذا سمّيت بها ذيات بتخفيف الياء، وإن كان يبقى معك من الاسم حرفان، الثانى منهما حرف لين.
ولأجل ذلك ما صحّ فى لغة هذيل قولهم: جوزات وبيضات، لمّا كان التحريك أمرا عرض مع تاء جماعة المؤنّث قال:
أبو بيضات رائح متأوّب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح (3)
فهذا طريق من الجواب عمّا تقدّم من السؤال فى هذا الباب.
وإن شئت سلكت فيه مذهب الكتاب، فقلت: كثر فعل، وقلّ فعل، وكثرت الواو فاء، وقلّت الياء هنالك لئلا يكثر فى كلامهم ما يستثقلون. ولعمرى إن هذه محافلة فى الجواب، وربما أتعبت وترامت (ألا ترى أن) لقائل أن يقول: فإذا كان
__________
(1) يقال: يعرت العنز: صاحت.
(2) يريد أن خطوات بضمّ الطاء كانت الواو فيه تستحق الإعلال بقلبها ياء إذ هى لام قبلها ضمة كالأجرى والأدلى، ولكن عصمها من الإعلال أن الألف والتاء بعدها جعلاها فى الحشو وكأنها ليست لاما. وفى خطوات بفتح الطاء تستحق الواو قلبها ألفا، ولكن الألف بعدها عصمتها من هذا إذ لو قلبت ألفا لاجتمعت مع الألف بعدها، وكان هذا يقضى بحذف أحدهما فتجنبوا القلب لهذا (نجار).
(3) البيت من الطويل، وهو لأحد الهذليين فى الدرر 1/ 85، وشرح التصريح 2/ 299، وشرح المفصل 5/ 30، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 355، وأوضح المسالك 4/ 306، وخزانة الأدب 8/ 102، 104، وسر صناعة الإعراب ص 778، وشرح الأشمونى 3/ 668، وشرح شواهد الشافية ص 132، ولسان العرب (بيض)، والمحتسب 1/ 58، والمنصف 1/ 343، وهمع الهوامع 1/ 23. ويروى: (أخو) مكان (أبو).(2/401)
الأمر كذلك فهلا كثر أخفّ الأثقلين لا أثقلهما (فكان) يكون أقيس المذهبين لا أضعفهما.
وكذلك قولهم: سرت سوورا (1)، وغارت عينه غوورا، وحال عن العهد حوولا هذا مع عزّة باب سوك الإسحل، وفى غوور وسوور فضل واو، وهى واو فعول:
وجواب هذا أن الواو وإن زادت فى عدّة المعتدّ فإن الصوت أيضا (بلينها يلذّ وينعم)، ألا ترى أن غوورا وحوولا وإن كان أطول من سوك وسور فإنه ليس فيه قلق سوك وسور فتوالى الضمتين مع الواو غير (موفّ لك) بلين الواو المنعمّة للصوت. يدلّ على ذلك أنهم إذا أضافوا إلى نحو أسيّد حذفوا الياء المحرّكة، فقالوا: أسيدىّ كراهية لتقارب أربع ياءات، فإذا أضافوا إلى نحو مهيّيم لم يحذفوا، فقالوا: مهيّيمىّ، فقاربوا بين خمس ياءات لمّا مطل الصوت فلان بياء المدّ. وهذا واضح. فمذهب الكتاب على شرفه، وعلوّ طريقته يدخل عليه هذا. وما قدّمناه نحن فيه لا يكاد يعرض شىء من هذا الدخل (2) له. فاعرفه وقسه وتأتّ له ولا تحرج صدرا به.
* * * __________
(1) سار يسور سورا وسئورا: وثب وثار.
(2) الدّخل: الفساد والعيب.(2/402)
باب القول على فوائت الكتاب
اعلم أن الأمثلة المأخوذة على صاحبه سنذكرها، ونقول فيها ما يدحض عنه ظاهر معرّتها لو صحّت عليه. ولو لم تكنّ فيها حيلة تدرأ شناعة إخلاله بها عنه، لكانت معلاة له لا مزراة عليه، وشاهدة بفضله ونقص المتتبّع (له بها) لا نقصه، إن كان أوردها مريدا بها حطّ رتبته، والغضّ من فضيلته. وذلك لكلفة هذا الأمر، وبعد أطرافه، وإيعار أكنافه أن يحاط بها، أو يشتمل تحجّر عليها. وإن إنسانا أحاط بقاصى هذه اللغات المنتشرة، وتحجّر أذراءها (1) المترامية، على سعة البلاد، وتعادى ألسنتها اللدّاد، وكثرة التواضع بين أهليها من حاضر وباد، حتى اغترق (2) جميع كلام الصرحاء والهجناء، والعبيد والإماء، فى أطرار (3) الأرض، ذات الطول والعرض، (ما بين) منثور إلى منظوم، ومخطوب به (إلى مسجوع)، حتى لغات الرعاة الأجلاف، والرواعى ذوات صرار (4) الأخلاف، وعقلائهم والمدخولين، وهذاتهم الموسوسين، فى جدّهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم، وتغاير الأحوال عليهم، فلم يخلل من جميع ذلك على سعته وانبثاثه، وتناشره واختلافه إلا بأحرف تافهة المقدار، متهافتة على البحث والاعتبار ولعلها أو أكثرها مأخوذة عمّن فسدت لغته، فلم تلزم عهدته لجدير أن يعلم بذلك توفيقه، وأن يخلّى له إلى غايته طريقه.
ولنذكر ما أورد عليه معقّبا به، ولنقل فيه ما يحضرنا من إماطة الفحش به عنه بإذن الله.
* * * __________
(1) أذراءها: أطرافها، والمفرد، ذرء. يقال: بلغنى ذرء من خبر أى طرف منه.
(2) اغترق: استوعب.
(3) أطرار الأرض: نواحيها. والواحد طرّ بضم الطاء.
(4) صرار الأخلاف: هو خيط يشدّ فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها. والخلف للحيوان كالثدى للإنسان.(2/403)
ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب
وهى: تلقّامة وتلعّابة، فرناس، فرانس، تنوفى، ترجمان، شحم أمهج، مهوأنّ، عياهم، ترامز وتماضر، ينابعات، دحندح، عفرّين، ترعاية، الصّنّبر، زيتون، ميسون، كذبذب (وكذّبذب)، هزنبزان، عفزّران، هديكر، هندلع، درداقس، خزرانق، شمنصير، مؤق، مأق، جبروّة، مسكين، منديل، حوريت، ترقؤة، خلبوت، حيّوت، سمرطول، قرعبلانة، عقربّان، مألك، إصرّى، إزلزل، إصبع، خرفع، زئبر، ضئبل، خرنباش، زرنوق، صعفوق، كنادر الماطرون، خزعال، قسطال، ويلمّة، فرنوس، سراوع، ضهيد، عتيد، الحبليل، الأربعاوى، مقبئنّ، (يرنأ، تعفرت).
أما تلقّامة (1) وتلعّابة (2) فإنه (3) وإن لم يذكر ذلك فى الصفات فقد ذكر فى المصادر تفعّلت تفعّالا نحو تحملت تحمّالا. ومثله تقرّبت تقرّابا. ولو أردت الواحدة من هذا لوجب أن تكون تحمّالة. فإذا ذكر تفعّالا فكأنه قد ذكره بالهاء.
وذلك لأن الهاء زائدة أبدا فى تقدير الانفصال على غالب الأمر.
وعلى الجملة فإن هذه الفوائت عند أكثر الناس إذا فحص عن حالها، وتؤمّلت حقّ تأمّلها، فإنها إلا ما لا بال به ساقطة عن صاحب الكتاب. وذلك أنها على أضرب.
فمنها ما ليس قائله فصيحا عنده.
ومنها لم يسمع إلا فى الشعر، والشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار.
وكثيرا ما يحرّف فيه الكلم عن أبنيته، وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها، لأجله ألا ترى قوله:
__________
(1) تلقامة: كبير اللّقم، وفى المحكم: عظيم اللّقم.
(2) تلعابة: كثير اللعب.
(3) أى سيبويه.(2/404)
* أبوك عطاء ألأم الناس كلهم (1) *
يريد عطيّة. وقالت امرأة (2) ترثى ابنا لها يقال له حازوق:
أقلّب طرفى فى الفوارس، لا أرى ... حزاقا وعينى كالحجاة من القطر
وأمثاله كثيرة. وقد ذكرناها فى فصل التحريف.
ومنها ما هو لازم له. وعلى أنا قد قلنا فى ذلك، ودللنا به على أنه من مناقب هذا الرجل ومحاسنه: أن يستدرك عليه من هذه اللغة الفائضة السائرة المنتشرة ما هذا قدره، وهذه حال محصوله.
وليس لقائل أن يدّعى أن تلقّامة، وتلعّابة فى الأصل المرّة الواحدة، ثم وصف بها على حدّ ما يقال فى المصدر (يوصف به) نحو قول الله سبحانه: {إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً} [الملك: 30] أى غائرا، ونحو قولها:
* فإنما هى إقبال وإدبار (3) *
وما كان مثله من قبل أن من وصف بالمصدر فقال: هذا رجل زور، وصوم، ونحو ذلك، فإنما ساغ ذلك له لأنه أراد المبالغة، وأن يجعله هو نفس الحدث لكثرة ذلك منه، والمرة الواحدة هى أقلّ القليل من ذلك الفعل فلا يجوز أن يريد
__________
(1) صدر البيت من الطويل، وهو للبعيث فى لسان العرب (عطا)، والمخصص 16/ 21. وعجزه:
* فقدّح من فحل، وقبّحت من نجل *
عطاء: يعنى عطيّة أباه.
(2) البيت من الطويل، وهو للخرنق ترثى أخاها خازوقا أو للحنفية ترثى أخاها خازوقا فى شرح شواهد الإيضاح ص 327، ولسان العرب (حزق)، وتاج العروس 25/ 163 (حزق)، وليس فى ديوان الخرنق، وبلا نسبة فى لسان العرب (حجا)، وتاج العروس (حجا).
والحجاة: نفاخة الماء.
(3) عجز البيت من البسيط، وهو للخنساء فى ديوانها ص 383، والأشباه والنظائر 1/ 198، وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34، وشرح أبيات سيبويه 1/ 282، والشعر والشعراء 1/ 354، والكتاب 1/ 337، ولسان العرب (رهط)، (قبل)، (سوا)، والمقتضب 4/ 305، والمنصف 1/ 197، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 387، 4، 68، وشرح الأشمونى 1/ 213، وشرح المفصل 1/ 115، والمحتسب 2/ 43. وصدر البيت:
* ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت *(2/405)
معنى غاية الكثرة، فيأتى لذلك بلفظ غاية القلّة. وذلك لم يجيزوا: زيد إقبالة وإدبارة، قياسا على زيد إقبال وإدبار. فعلى هذا لا يجوز أن يكون قولهم: تلقّامة على حدّ قولك: هذا رجل صوم. لكن الهاء فيه كالهاء فى علامة ونسّابة للمبالغة.
وإذا كان كذلك فإنه قد (كاد يفارق) مذهب الصفة ألا ترى أنّ من شرط الصفة أن تطابق موصوفها فى تذكيره، وتأنيثه، فوصف المذكر بالمؤنث، ووصف المؤنث بالمذكر ليس متمكنا فى الوصف تمكّن وصف المؤنّث بالمؤنّث، والمذكّر بالمذكّر.
فقولك إذا: هذا رجل عليم أمكن فى الوصف من قولك: هذا رجل علامة كما أن قولك: مررت بامرأة كافرة أمكن فى الوصف من قولك: مررت بامرأة كفور.
وإذا كان كذلك جرى تلقّامة من قولك (مررت برجل) تلقّامة نحوا من مجرى مررت بنسوة أربع، فى أن أربعا ليس بوصف متمكّن (ولذلك صرفته)، وإن كان (صفة وصف) على أفعل. فكأنّ تلقّامة بعد ذلك كله اسم لا صفة، وإذا كان اسما أو كالاسم سقط الاعتذار منه لأن سيبويه قد ذكر فى المصادر تفعّلت تفعّالا، فإذا ذكره أغنى عن ذكره فى الأبنية، ولم يجز لقائل أن يذكره مثالا معتدّا عليه.
كما أن ترعاية (1) فى الصفات تسقط عنه أيضا من هذا الوجه ألا تراه صفة مؤنّثة جرت على موصوف مذكّر، فأوحش ذلك منها فى الوصف، وجرى لذلك مجرى: مررت برجال أربعة، فى أن أربعة ليس وصفا محضا، وإنما هو اسم عدد بمنزلة نسوة أربع كما أن ربعة لمّا لم يخصّ المؤنّث دون المذكّر جرى لذلك مجرى الاسم، فلذلك قالوا فى جمعه: ربعات، فحرّكوا كما يحرّكون فى الاسم نحو قصعات.
و (إذا كان كذلك سقط عنه أيضا أن لم يذكر تفعّالا فى الصفة. و) كذلك ما حكاه الأصمعىّ من قولهم ناقة تضرّاب (2) لأنها لمّا كانت صفة مذكّرة جارية على مؤنّث لم تستحكم فى الصفة.
__________
(1) يقال: رجل ترعاية إذا كان يصلح المال على يده ويجيد رعية الإبل. بضم التاء وكسرها.
(2) يقال: ناقة تضراب أى ضربها الفحل، وضرب الجمل الناقة يضربها إذا نزا عليها.(2/406)
وأما فرناس (1) فقد ذكره فى الأبنية فى آخر ما لحقته الألف رابعة مع غيرها من الزوائد.
وأما فرانس فلعمرى إنه لم يذكره. وظاهر أمره أنه فعانل من لفظ الفرس قال:
أأن رأيت أسدا فرانسا ... الوجه كرها والجبين عابسا
وأما تنوفى (2) فمختلف فى أمرها. وأكثر أحوالها ضعف روايتها، والاختلاف الواقع فى لفظها. وإنما رواها السكّرىّ وحده، وأسندها إلى امرئ القيس (فى قوله):
كأنّ دثارا حلّقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب الفواعل (3)
(والذى) رويته عن أحمد بن يحيى:
* عقاب تنوف لا عقاب القواعل (4) *
وقال: القواعل إكام حولها وقال أبو حاتم: هى ثنيّة طيىء (وهى مرتفعة).
وكذا رواها ابن الأعرابىّ وأبو عمرو الشيبانى. ورواية أبى عبيدة: تنوفى. وأنا أرى أنّ تنوف ليست فعولا بل هى تفعل من النوف، وهو الارتفاع. سميت بذلك لعلوّها. ومنه أناف على الشىء إذا ارتفع عليه، والنيّف فى العدد من هذا هو فيعل بمنزلة صيّب وميّت. ولو كسّرت النيف على مذهب أبى الحسن لقلت: نياوف فأظهرت عينه. فتنوف فى أنه علم، على تفعل بمنزلة يشكر، ويعصر. وقلت
__________
(1) فرناس: الأسد الضارى، وقيل: الغليظ الرقبة.
(2) تنوفى: اسم موضع.
(3) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 94، وجمهرة اللغة ص 949، والجنى الدانى ص 295، وخزانة الأدب 11/ 177، 178، 181، 184، وشرح التصريح 2/ 150، وشرح شواهد المغنى 1/ 441، 2/ 616، ولسان العرب (ملع)، (تنف)، (نوف)، ومغنى اللبيب 1/ 242، والمقاصد النحوية 4/ 154، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 3/ 388، وشرح الأشمونى، 2/ 427، ومجالس ثعلب ص 466، والممتع فى التصريف 1/ 104. ويروى:
القواعل بدلا من: الفواعل.
القواعل: الجبال الصغار، جمع القاعلة.
(4) سبق تخريجه.(2/407)
مرّة لأبى علىّ (وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبى بكر رحمه الله):
يجوز أن يكون (تنوفى) مقصورة من تنوفاء بمنزلة بروكاء (1)، فسمع ذلك وعرف صحّته.
وكذلك القول عندى فى مسولى (2) فى بيت المرّار:
فأصبحت مهموما كأنّ مطيّتى ... بجنب مسولى أو بوجرة ظالع (3)
ينبغى أن تكون مقصورة من مسولاء بمنزلة جلولاء.
فإن قلت: فإنا لم نسمع بتنوفى ولا مسولى ممدودين، ولو كانا أو أحدهما ممدودا لخرج ذلك إلى الاستعمال.
قيل: ولم يكثر أيضا استعمال هذين الاسمين، وإنما جاءا فى هذين الموضعين.
بل لو كثر استعمالهما مقصورين لصحّ ما (أردته) ولزم ما أوردته فإنه يجوز أن يكون ألف (تنوفى) إشباعا للفتحة لا سيما وقد رويناه (تنوف) مفتوحا كما ترى، وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن ألا تراها مقابلة لياء مفاعيلن كما أنّ الألف فى قوله:
* ينباع من ذفرى غضوب جسرة *
إنما هى إشباع للفتحة طلبا لإقامة الوزن ألا ترى أنه لو قال: «ينبع من ذفرى» لصحّ الوزن إلا أن فيه زحافا هو الخزل (4) كما أنه لو قال: «تنوف» لكان الجزء مقبوضا. فالإشباع إذا فى الموضعين إنما هو مخافة الزحاف الذى مثله جائز.
__________
(1) البروكاء: أى يبترك القوم فى القتال ويحبسوا على الركب ويقتتلوا ابتراكا. والبراكاء: الثبات فى الحرب والجدّ.
(2) مسولى: موضع.
(3) البيت من الطويل. وهو للمرار بن سعيد الفقعسى فى ديوانه ص 462، ولسان العرب (مسل)، وتاج العروس (مسل).
وجرة: موضع. وظالع من الظلع، وهو عرج يسير.
(4) الخزل والخزلة فى الشعر ضرب من زحاف الكامل، سقوط الألف وسكون التاء من متفاعلن، فيبقى متفعلن، وهذا البناء غير مقول فيصرف إلى بناء مقول وهو مفتعلن اللسان (خزل).(2/408)
وأما ترجمان فقد حكى فيه ترجمان بضم أوّله. ومثاله فعللان كعترفان (1)، ودحمسان (2). وكذلك التاء أيضا فيمن فتحها أصلية، وإن لم يكن فى الكلام مثال جعفر لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز. من ذلك عنفوان ألا ترى أنه ليس فى الكلام فعلو. وكذلك خنظيان (3) لأنه ليس فى الكلام فعلى إلا بالهاء نحو حدرية وعفرية (4) كما أنه ليس فيه فعلو إلا بالهاء نحو عنصوة (5). وكذلك الريهقان (6)، لأنه ليس فى الكلام فيعل. ونظير ذلك كثير. فكذلك يكون ترجمان فعللانا، وإن لم يكن فى الكلام فعلل. ومثله قوله:
* وما أيبلىّ على هيكل (7) *
هو فيعلىّ لأنه قد يجئ مع ياءى الإضافة ما لولاهما لم يجئ نحو قولهم:
تحوىّ فى الإضافة إلى تحيّة، وهو تفلىّ.
وأمّا شحم أمهج (8) فلعمرى إنّ سيبويه قد حظر فى الصفة أفعل. وقد يمكن أن يكون محذوفا من أمهوج كأسكوب. وجدت بخط أبى علىّ عن الفرّاء: لبن أمهوج (9). فيكون أمهج هذا مقصورا منه، لضرورة الشعر، وأنشد أبو زيد:
__________
(1) العترفان: بالضم الدّيك، وهو أيضا نبت عريض من نبات الربيع.
(2) يقال: رجل دحمسان: أسود سمين.
(3) يقال: رجل خنظيان أى فحاش بذىء.
(4) حدرية: هى الأرض الغليظة. عفرية: يقال: رجل عفرية أى خبيث شرير.
(5) عنصوة: الخصلة من الشعر، والقطعة من الكلأ.
(6) الريهقان: الزعفران.
(7) صدر البيت من المتقارب، وهو للأعشى فى ديوانه ص 103، ولسان العرب (صلب)، (أبل)، (هكل)، وتهذيب اللغة 15/ 388، ومقاييس اللغة 1/ 42، وكتاب العين 7/ 150، والمخصص 5/ 134، 13/ 101، وأساس البلاغة (هكل)، وتاج العروس (صور)، (هكل)، وبلا نسبة فى المخصص 4/ 78. وعجز البيت:
* بناه وصلّب فيه وصارا *
الأيبلىّ: بثليث الباء كما جاء فى القاموس الراهب. ومنه أبيل الأبيلين، وهو سيدنا عيسى ابن مريم، سمى بذلك لتأبّله عن النساء وترك غشيانهن. صار: صوّر. اللسان (أبل)، (صور).
(8) شحم أمهج: رقيق، قال ابن سيده. نىء.
(9) لبن أمهوج: هو الذى سكنت رغوته وخلص ولم يخثر. اللسان (مهج).(2/409)
* يطعمها اللحم وشحما أمهجا (1) *
ولم نسمعه فى النثر أمهجا. وقد يقال: لبن أمهجان وماهج قال هميان بن قحافة:
* وعرّضوا المجلس محضا ماهجا (2) *
(ويروى: وأروت المجلس) وكنت قلت لأبى علىّ رحمه الله وقت القراءة:
يكون أمهج محذوفا من أمهوج، فقبل ذلك ولم يأبه.
وقد يجوز أن يكون أمهج فى الأصل اسما غير صفة، إلا أنه وصف به لما فيه من معنى الصفاء (والرقة) كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعانى الأوصاف (كما أنشد أبو عثمان من) قول الراجز:
* مئبرة العرقوب إشفى المرفق (3) *
فوصف بإشفى (وهو اسم) لما فيه من معنى الحدّة، وكقول الآخر:
فلولا الله والمهر المفدّى ... لرحت وأنت غربال الإهاب (4)
فهذا كقولك: وأنت مخرّق الإهاب، وله نظائر.
وأما مهوأنّ (5) ففائت للكتاب. وذهب بعضهم إلى أنه بمنزلة مطمأنّ. وهذا سهو ظاهر. وذلك لأن الواو لا تكون أصلا فى ذوات الأربعة إلا عن تضعيف. فأما ورنتل فشاذّ. فمهوأنّ إذا مفوعلّ. وكأنه جار على آهوأنّ. وقد قالوا: اكوهدّ (6)
__________
(1) الرجز، فى الممتع فى التصريف 1/ 73.
(2) الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (عرض)، وتهذيب اللغة 1/ 468، 6/ 71، وتاج العروس (عرض)، وبلا نسبة فى لسان العرب (مهج).
(3) الرجز، فى الممتع فى التصريف 1/ 74، والمخصص 1/ 81، 15/ 106، وتاج العروس (شفى)، ولسان العرب (أذن)، (شفى).
(4) البيت من الوافر، وهو لمنذر بن حسان فى المقاصد النحوية 3/ 140، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 411، وديوان المعانى 2/ 249، وشرح الأشمونى 2/ 362، والدرر 5/ 291، ولسان العرب (عنكب)، (قيد)، (عزبل)، والممتع فى التصريف ص 74.
(5) مهوأنّ: بضم الميم: الصحراء الواسعة. وقال ابن سيده: المكان البعيد. اللسان (هوأ).
(6) اكوهدّ: يقال: اكوهدّ الشيخ والفرخ إذا ارتد.(2/410)
واقوهدّ، وهو افوعلّ (ونحوه) قول الهذلىّ:
فشايع وسط ذودك مقبئنّا ... لتحسب سيّدا ضبعا تبول (1)
مقبئنّا: منتصبا. فهذا مفعللّ كما ترى. وشبّه هذا المجوّز لأن يكون مهوأنّ بمنزلة مطمأنّ الواو فيه بالواو فى غوغاء وضوضاء وليس هذا من خطأ أهل الصناعة لأن غوغاء وضوضاء من ذوات تضعيف الواو، بمنزلة ضوضيت وقوقيت. وقد يجوز من وجه آخر أن يكون واو مهوأنّ أصلا وذلك بأن يكون سيبويه قد سأل جماعة من الفصحاء عن تحقير مهوأنّ على الترخيم، فحذفوا الميم وإحدى النونين ولم يحذفوا الواو البتّة، مع حذفهم واو كوثر على الترخيم (فى قولهم): كثير، وحذفهم واو جدول، وقولهم: جديل، وامتنعوا من حذف واو مهوأنّ، فقطع سيبويه بأنها أصل فلم يذكره. وإذا كان هذا جائزا، وعلى مذهب إحسان الظنّ به سائغا، كان فيه نصرة له و (تجميل لأثره) فاعرفه فتكون الواو مثلها فى ورنتل. وكذلك يمكن أن يحتجّ بنحو هذا فى فرانس وكنادر (2) فتكون النون فيهما أصلا.
وأما عياهم (3) فحاكيه صاحب العين، وهو مجهول. وذاكرت أبا علىّ رحمه الله يوما بهذا الكتاب فأساء نثاه (4). فقلت له: إن تصنيفه أصحّ وأمثل من تصنيف الجمهرة، فقال: الساعة لو صنّف إنسان لغة بالتركيّة تصنيفا جيّدا (أكانت) تعتدّ عربيّة لجودة تصنيفها؟ أو كلاما هذا نحوه. وعلى أن صاحب العين أيضا إنما قال فيها: وقال بعضهم: عياهمة، وعياهم كعذافرة وعذافر. فإن صحّ فهو فياعل، ملحق بعذافر. وقلت فيه لأبى على: يجوز أن تكون العين فيه بدلا من همزة كأنه أياهم كأباتر وأحامر، فقبل ذلك.
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للأعلم الهذلى فى شرح أشعار الهذليين 1/ 322، ولسان العرب (قنن)، وبلا نسبة فى الدرر 3/ 25، وهمع الهوامع 1/ 174. ويروى: مستقنا بدلا من مقبئنّا.
الشّياع، بالكسر: الدّعاء بالإبل لتنساق وتجتمع.
(2) الكنادر: الغليظ القصير مع شدّة.
(3) يقال: جمل عيهم وعيهام وعياهم: ماض سريع.
(4) أساء نثاه: أساء وصفه وذكره.(2/411)
وأما تماضر وترامز فذهب أبو بكر إلى أن التاء فيهما زائدة. ولا وجه لذلك لأنّها فى موضع عين عذافر، فهذا يقضى بكونها أصلا، وليس معنا اشتقاق فيقطع بزيادتها. قال أبو زيد: (وهو) الجمل القوىّ الشديد وأنشد:
إذا أردت طلب المفاوز ... فاعمد لكلّ بازل ترامز (1)
وذهب بعضهم فى تماضر إلى أنه تفاعل، وأنه فعل منقول كيزيد وتغلب.
ولا حاجة به إلى ذلك، بل تماضر رباعىّ، وتاؤه فاء كترامز. فإن توهّم ذلك لامتناع صرفه فى قوله:
حيّوا تماضر واربعوا صحبى ... وقفوا فإنّ وقوفكم حسبى (2)
فليس شيئا لأن تماضر علم مؤنّث، وهو اسم الخنساء الشاعرة. وإنما منع الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف كامرأة سميتها بعذافر وعماهج. وهذا واضح.
وأما ينابعات (3) فما أظرف أبا بكر أن أورده على أنه أحد الفوائت! ألا يعلم أن سيبويه قد قال: ويكون على يفاعل نحو اليحامد (4) واليرامع (5). فأمّا لحاق علم التأنيث والجمع به فزائد على المثال، وغير محتسب به فيه. وإن رواه راو ينابعات فينابع يفاعل كيضارب ويقاتل، نقل وجمع.
__________
(1) الرجز لإهاب بن عمير فى لسان العرب (لزز)، والتنبيه والإيضاح 2/ 251، وتاج العروس (لزز)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ترمز)، وتهذيب اللغة 13/ 167، 206، ومجمل اللغة 4/ 246، ومقاييس اللغة 5/ 204، وكتاب الجيم (3/ 202). ويروى:
إذا أردت السير فى المفاوز ... فاعمد لها بباذل ترامز
وبعده:
* ذى مرفق ناء عن اللذائذ *
(2) البيت من الكامل، وهو لدريد بن الصمة فى ديوانه ص 34، والأغانى 15/ 61، وتاج العروس (مضر)، والشعر والشعراء ص 350، وبلا نسبة فى الممتع فى التصريف 1/ 96.
(3) ينابعات: اسم مكان.
(4) اليحامد: جمع: قبيلة يقال لها يحمد. ويحمد: أبو بطن من الأزد. واليحامد نسبة إليها.
وانظر اللسان (حمد).
(5) اليرامع: جمع اليرمع. واليرمع: الحصى البيض تتلألأ فى الشمس وهى أيضا حجارة ليّنة رقاق بيض تلمع.(2/412)
وأمّا دحندح فإنه صوتان: الأوّل منهما منوّن: دح، والآخر منهما غير منوّن:
دح (وكأنّ الأوّل نوّن للوصل. ويؤكّد ذلك قولهم فى معناه: دح دح) فهذا كصه صه فى النكرة، وصه صه فى المعرفة. فظنّته الرواة كلمة واحدة. ومن هنا قلنا:
إن صاحب اللغة إن لم يكن له نظر أحال كثيرا منها، وهو يرى أنه على صواب.
ولم يؤت من أمانته، وإنما أتى من معرفته. ونحو هذا الشاهد إذا لم يكن فقيها:
يشهد بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. ولذلك ما استدّ عندنا أبو عمرو الشيبانىّ لملازمته ليونس وأخذه عنه. ومعنى هذه الكلمة فيما ذكر (محمد بن الحسن أبو بكر: قد أقررت فاسكت) (وذكر محمد بن حبيب أن دحندح دويبة صغيرة: يقال هو أهون علىّ من دحندح) ومثل هذين الصوتين عندى قول الآخر:
إن الدقيق يلتوى بالجنبخ ... حتى يقول بطنه جخ جخ (1)
فهذا حكاية صوت بطنه.
وأمّا عفرّين فقد ذكر سيبويه فعلا كطمرّ وحبرّ (2). فكأنه ألحق علم الجمع كالبرحين (3) والفتكرين (4). إلا أن بينهما فرقا. وذلك أن هذا يقال فيه: البرحون والفتكرون، ولم يسمع فى عفرّين الواو. وجواب هذا أنه لم يسمع عفرّين فى الرفع بالياء، وإنما سمع فى موضع الجرّ، وهو قولهم: ليث عفرّين (5). فيجب أن يقال فيه فى الرفع: هذا عفرّون. لكن لو سمع فى موضع الرفع بالياء لكان أشبه بأن يكون فيه النظر. فأمّا وهو فى موضع الجر فلا يستنكر فيه الياء
وأما ترعاية فقد قيل فيه أيضا: رجل ترعيّة، وترعاية. وكان أبو علىّ صنع ترعاية فقال: أصلها ترعيّة ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفا كقولهم فى الحيرة: حارىّ. وإذا كان ذاك أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت فى
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (جخخ)، (جنبخ)، وتهذيب اللغة 7/ 639، وتاج العروس (جنبخ)، ويروى (القصير) مكان (الدقيق).
الدقيق: دقيق الجسم ضئيله. والجنبخ: الطويل.
(2) حبر: موضع فى البادية.
(3) البرحين: بكسر الباء وضمها الشدائد والدواهى.
(4) الفتكرين: بكسر الفاء وضمها أيضا الشدائد والدواهى.
(5) يقال: ليث عفرّين أى أسد قوى.(2/413)
الصفات. ولكن قد حكى الأصمعىّ: ناقة تضراب إذا ضربها الفحل. فظاهر هذا أنه تفعال فى الصفة كما ترى. وقد ذكرنا ما فيه فى أوّل الباب.
وأما الصّنّبر فقد كنت قلت فيه فى هذا الكتاب فى قول طرفة:
بجفان تعترى نادينا ... وسديف حين هاج الصنّبر (1)
ما قد مضى، وإنه يرجع بالصنعة إلى أنه من نحو مررت ببكر. وذهب بعضهم إلى أنه كسر الباء لسكونها وسكون الراء. وفيه ضعف. وذلك أن الساكنين إذا التقيا من كلمة واحدة حرّك الآخر منهما نحو أمس، وجير، وأين، وسوف، وربّ. وإنما يحرّك الأوّل منهما إذا كانا من كلمتين نحو قد انقطع، وقم الليل.
وأيضا فإن الساكنين لا ينكر اجتماعهما فى الوقف.
فإن قلت: فالوزن اقتضى تحريك الأوّل، قيل: أجل إلا أنه لم يقتضك فساد الاعتلال. فإذا قلت ما قلنا نحن فى هذا فيما مضى من كتابنا سلم على يديك، وثلج به صدرك إن شاء الله.
فإن قلت: فقد قالوا فى الوقف: ضربته (2).
قيل: هذا أمر يخص تاء التأنيث رغبة فى الكسرة الدالّة على التأنيث. وأيضا فإن التاء آخر الكلمة، والهاء زائدة من بعدها، ليست منها. وكذلك القول فى ادعه (3)، واغزه ألا ترى (أن الهاء زائدة) من بعد الكلمة. وعلى أنه قد يجوز أن تكون الكسرة فيهما إنما هى على حدّ قولك: ادع واغز، ثم لحقت الهاء. ونحوه ما أنشده أبو سهل أحمد بن زياد القطّان:
__________
(1) البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص 56، ولسان العرب (صنبر)، وتهذيب اللغة 12/ 271، وتاج العروس (صنبر).
(2) الوقف بكسر تاء التأنيث، وهى لغة بعض بنى تميم من بنى عدىّ وانظر الكتاب 4/ 180.
(3) بكسر العين. ويقول سيبويه فى الكتاب 4/ 160: «وزعم أبو الخطاب أنّ ناسا من العرب يقولون: ادعه من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لمّا كانت فى موضع الجزم توهموا أنها ساكنة، إذ كانت آخر شىء فى الكلمة فى موضع الجزم، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة، لأنه لا يلتقى ساكنان.(2/414)
كأنّ ريح دبرات خمس ... وظربانا بينهنّ يفسى (1)
ريح ثناياها بعيد النّعس
أراد: يفسو، ثم حذف الواو استخفافا، وأسكن السين، والفاء قبلها ساكنة، فكسر السين لالتقائهما، ثم أشبع للإطلاق، فقال: يفسى. فاعرف ذلك.
وأما هزنبزان (2) وعفزّران فقد ذكرا فى بعض نسخ الكتاب. والهزنبزان السّيىء الخلق، قال:
لقد منيت بهزنبزان ... لقد نسيت غفل الزمان
وعفزّران: اسم رجل. وقد يجوز أن يكون أصله: عفزّر كشعلّع وعدبّس، ثم ثنّى وسمّى به، وجعلت النون حرف إعراب كما حكى أبو الحسن عنهم فى اسم رجل: خليلان. وكذلك أيضا ذهب فى قوله:
* ألا يا ديار الحىّ بالسبعان (3) *
إلى أنه تثنية سبع، وجعل النون حرف إعراب. وليس لك مثل هذا التأويل فى
__________
(1) الظّربان: دويبّة شبه الكلب، كثير الفسو، منتن الرائحة، يضرب به المثل فى الفساء. اللسان (ظرب).
(2) وفى تاج العروس (هزبر) قال: صاحب التاج أن الجوهرى قد وهم وفسر (الهزبران)، و (الهزبزان) بالسيئ الخلق. والصواب فيهما (بزاءين).
(3) صدر البيت من الطويل، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 188، وشرح الأشمونى 3/ 849، ولابن مقبل فى ديوانه ص 335، وإصلاح المنطق ص 394، وخزانة الأدب 7/ 302، 303، 304، وسمط اللآلى ص 533، وشرح أبيات سيبويه 2/ 422، وشرح التصريح 2/ 329، 384، والكتاب 4/ 259، ولسان العرب (سبع)، (ملل)، (ملا)، ومعجم ما استعجم ص 719، ولأحدهما فى معجم البلدان 3/ 185، (السبعان)، 4/ 333، ولسان العرب (عفزر).
وعجز البيت:
* أملّ عليها بالبلى الملوان *
ويروى عجز البيت:
* عفت حججا بعدى وهد ثمانى *
وهو بهذه الرواية لشاعر جاهلى من بنى عقيل فى خزانة الأدب 7/ 306، ومعجم البلدان 3/ 185.
والسّبعان: موضع فى ديار قيس، ولا يعرف فى كلامهم اسم على فعلان غيره.(2/415)
هزنبزان لأنه نكرة وصفة للواحد. وهذا (يبعده عن) العلميّة والتثنية.
وأمّا هديكر فقال أبو علىّ: سألت محمد بن الحسن عن الهيدكر فقال: لا أعرفه، وأعرف الهيدكور. قال أبو بكر: وإن سمع فلا يمتنع. هذا حديث الهيدكر (وأما) الهديكر فغير محفوظ عنهم، وأظنّه من تحريف النقلة ألا ترى إلى بيت طرفة:
فهى بدّاء إذا ما أقبلت ... فحمة الجسم رداح هيدكر (1)
و (كأن) الواو حذفت من هيدكور ضرورة. فإذا جاز أن تحذف الواو الأصلية لذلك فى قول (الأسود بن يعفر):
* فألحقت أخراهم طريق ألاهم (2) *
كان حذف الزيادة أولى. ويقال: تهدكرت المرأة، تهدكرا فى مشيها. وذلك إذا ترجرجت.
وأما زيتون فأمره واضح، وأنه فعلون، ومثال فائت. والعجب أنه فى القرآن، وعلى أفواه الناس (للاستعمال). وقد كان بعضهم تجشّم أن أخذه من الزتن، وإن كان أصلا مماتا، فجعله فيعولا. وصاحب هذا القول ابن كيسان أو ابن دريد: أحد الرجلين.
ومثل زيتون عندى ميسون بنت بحدل الكلبيّة أمّ يزيد بن معاوية. وكان سمعها تهجوه، فقال لها: الحقى بأهلك.
وأمّا قيطون فإنه فيعول، من قطنت بالمكان لأنه بيت فى جوف بيت.
__________
(1) البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص 153، ولسان العرب (هدكر)، والمخصص 16/ 169، وتاج العروس (هدكر)، وللمرار بن منقذ فى شرح اختيارات المفضل ص 433.
ويروى: فخمة بدلا من فحمة.
البدّاء: المرأة الكثيرة لحم الفخذين. والرداح: ضخمة العجيزة.
(2) صدر البيت من الطويل، وهو للأسود بن يعفر فى ديوانه ص 45، ولسان العرب (وأل)، وخزانة الأدب 11/ 305. وعجز البيت:
* كما قيل نجم قد خوى متتائع *(2/416)
وأما الهندلع فبقلة، وقيل: إنها غريبة ولا تنبت فى كل سنة. وما كانت هذه سبيله كان الإخلال بذكره قدرا مسموحا به، ومعفوّا عنه. وإذا صحّ أنه من كلامهم فيجب أن تكون نونه زائدة لأنه لا أصل بإزائها فتقابله. فهى إذا كنون كنتأل (1). ومثال الكلمة على هذا: فنعلل. ومن ادّعى أنها أصل، وأن الكلمة بها خماسيّة، فلا دلالة له، ولا برهان معه. ولا فرق بين أن يدّعى أصليّة هذه النون وبين ادّعائه أصلية نون كنتأل وكنهبل (2).
وأما كذبذب خفيفا، وكذّبذب ثقيلا ففائتان. ونحوهما ما رويته عن بعض أصحابنا من قول بعضهم: ذرّحرح فى هذا (الذرحرح (3) بفتح الراءين) (أنشد أبو زيد):
وإذا أتاك بأننى قد بعتها ... بوصال غانية فقل كذّبذب
ولسنا نعرف كلمة فيها ثلاث عينات غير كذّبذب وذرّحرح. وقد أنشد بعض البغداديين (قول الشاعر):
بات يقاسى ليلهنّ زمّام ... والفقعسىّ حاتم بن همّام
مسترعفات لصللّخم سام (4)
(اللام الأولى هى الزائدة هنا، لأنه لا يلتقى عينان إلا والأولى ساكنة)، وهذا مصنوع للضرورة، يريد: لصلّخم، فاحتاج لإقامة الوزن، فزاد على العينين أخرى، فصار من فعّل إلى فععّلّ.
__________
(1) الكنتأل، بالضم: القصير، والنون زائدة. اللسان (كتل).
(2) الكنهبل بفتح الباء وضمها: شجر غطام، وهو من العضاه، قال سيبويه: النون زائدة. وانظر اللسان (كهبل).
(3) الذّرحرح والذّرحرح والذّروح: دويبّة أعظم من الذباب شيئا، مبرقش بحمرة وسواد وصفرة، لها جناحان تطير بهما، انظر اللسان (ذرح).
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (جدب)، (صلخم)، وتهذيب اللغة 7/ 656، وتاج العروس (صلخم). وروى تمام مكان همام.
الرّعف: السبق، ومسترعفات: سابقات. يقال: بعير صلّخم صلّخد وصلخم: جسيم شديد ماض. يريد لصلّخم فزاد لاما.(2/417)
وأما الدرداقس فقيل فيه: إنه أعجمىّ، وقال الأصمعىّ: أحسبه روميّا، وهو طرف العظم الناتئ فوق القفا. وأنشد أبو زيد:
من زلّ عن قصد السبيل تزايلت ... بالسيف هامته عن الدرداقس (1)
وكذلك الخزرانق أعجمىّ أيضا. وهو فارسىّ، يعنى به ضرب من ثياب الديباج. ويجب أن تكون (نونه زائدة) إن كان الدرداقس أعجميّا. فإن كان عربيا فيجب أن تكون نونه أصلا لمقابلتها قاف درداقس العربىّ.
وأما شمنصير ففائت أيضا إن كان عربيا. قال الهذلىّ:
لعلّك هالك إمّا غلام ... تبوّأ من شمنصير مقاما (2)
وقد يجوز أن يكون محرّفا من شمنصير لضرورة الوزن.
وأما مؤق فظاهر أمره أنه فعل وفائت. وقد يجوز أن يكون مخففا من فعلىّ كأنه فى الأصل مؤقّى بمعنى مؤق، وزيدت الياء لا للنسب، بل كزيادتها فى كرسىّ، وإن كانت فى كرسىّ لازمة، وفى مؤقّى غير لازمة لقولهم فيه: موؤق.
لكنها فى أحمرىّ وأشقرىّ غير لازمة.
وأنشدنا أبو علىّ:
* كان حدّاء قراقريّا (3) *
(يريد قراقرا) وأنشدنا أيضا للعجّاج:
__________
(1) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (درقس)، وتاج العروس (درقس)، وفى رواية: زال، الدرقاس.
(2) البيت من الوافر، وهو لصخر الغىّ الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص 292، ولسان العرب (علل)، وجمهرة اللغة ص 1152، وتاج العروس (شمصر)، ومعجم البلدان 3/ 364 (شمنصير).
شمنصير: جبل من جبال هذيل معروف. اللسان (شمصر). وانظر ديوان الهذليين (الدار) 2/ 66.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قرر)، (حدا)، وتهذيب اللغة 8/ 284، وتاج العروس (قرر)، (حدا)، والمخصص 7/ 111، وجمهرة اللغة ص 198، 1256. وقبله:
* أبكم لا يكلم المطيّا *(2/418)
* غضف طواها الأمس كلابىّ (1) *
(أى كلاب يعنى صاحب كلاب) وأنشدنا أيضا له:
* والدهر بالإنسان دوّارىّ (2) *
أى دوّار إلا أن زيادة هذه الياء فى الصفة أكثر منها فى الاسم لأن الغرض فيها توكيد الوصف.
ومثل مؤق فى هذه القضيّة ما رواه الفرّاء من قول بعضهم فيه: مأق. فيجب أيضا أن يكون مخففا من ثقيله. وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
يا من لعين لم تذق تغميضا ... وماقيين اكتحلا مضيضا
كأن فيها فلفلا رضيضا (3)
فمقلوب. وذلك أنه أراد من المأق مثال فاعل فكان قياسه مائق، إلا أنه قلبه إلى فالع، فصار: ماق بمنزلة شاك ولاث فى شائك ولائث. ومثله قوله:
* وأمنع عرسى أن يزنّ بها الخالى (4) *
__________
(1) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 518، وبلا نسبة فى المخصص 1/ 85. وبعده:
* بالمال إلا كسبها شقىّ *
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 480، ولسان العرب (دور)، (قسر)، (قعسر)، (قنسر)، وجمهرة اللغة ص 1151، وخزانة الأدب 11/ 274، 275، والدرر 3/ 74، وتاج العروس (دور)، (قسر)، (قعسر)، (قنسر)، (أرس)، وشرح أبيات سيبويه 1/ 152، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1818، وشرح شواهد الإيضاح ص 247، وشرح شواهد المغنى 1/ 41، 2/ 722، والكتاب 1/ 238، وتهذيب اللغة 3/ 283، 14/ 153، والمخصص 1/ 45، والمحتسب 1/ 310، وكتاب العين 2/ 291، 5/ 252، 8/ 56، ومجمل اللغة 2/ 299، ومغنى اللبيب 1/ 18، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 6/ 540، وشرح الأشمونى 2/ 305، وشرح المفصل 1/ 123، 3/ 104، ومغنى اللبيب 2/ 681، والمقتضب 3/ 228، 264، 289، والمقرب 1/ 162، 2/ 54، والمنصف 2/ 179، وهمع الهوامع 1/ 192، 2/ 198، ومقاييس اللغة 2/ 310، وتهذيب اللغة 9/ 394.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (مأق)، وتاج العروس (مأق).
يقال: مضّنى الهمّ والحزن والقول يمضّنى مضا ومضيضا وأمضّنى: أحرقنى وشق علىّ.
اللسان (مضض). الرضيض: المدقوق.
(4) يقال: زنّه بكذا وأزنّه إذا اتهمه وظنّه فيه. اللسان (زنن) وما أورده شطر من بيتين لامرئ(2/419)
أراد: الخائل: فاعلا من الخيلاء.
وجبروّة من قبل الكوفيين. وهو فائت. ومثاله فعلوّة.
وأما مسكين ومنديل فرواهما اللحيانىّ. وذاكرت يوما أبا على بنوادره فقال:
كنّاش (1). وكان أبو بكر رحمه الله يقول: إن كتابه لا تصله به رواية، قدحا فيه، وغضّا منه.
وأمّا حوريت فدخلت يوما على أبى على رحمه الله فحين رآنى قال: أين أنت! أنا أطلبك. قلت: وما هو؟ قال: ما تقول فى حوريت (2)؟ فخضنا فيه، فرأيناه خارجا عن الكتاب. وصانع أبو علىّ عنه بأن قال: إنه ليس من لغة ابنى نزار (3)، فأقلّ الحفل به لذلك. وأقرب ما ينسب إليه أن يكون فعليتا، قريبا من عفريت. ونحوه ما أخبرنا به أبو علىّ من قول بعضهم فى الخلبوت (4): الخلبوت وأنشد:
* ويأكل الحيّة والحيّوتا (5) *
__________
القيس هما:
ألا زعمت بسباسة اليوم أننى ... كبرت وأن لا يحسن السرّ أمثالى
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسى أن يزنّ بها الخالى
بسباسة: اسم امرأة. السّر: ما يكون بين الرجل والمرأة من جماع وغيره. وانظر ديوان امرئ القيس فى القصيدة التى مطلعها:
* ألا عم صباحا أيها الطلل البالى *
(1) الكنّاشة: أوراق تجعل كالدفتر يقيد فيها الفوائد والشوارد للضبط تاج العروس (كنش) وأبو على يريد أنه ليس فيه مسكة التصنيف. (نجار).
(2) حوريت: موضع. اللسان (حور).
(3) يريد: ربيعة ومضر.
(4) الخلبوت: الخدّاع الكذاب. اللسان (خلب).
(5) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أقط)، (دمق)، (زبق)، (حيا)، وتاج العروس (دمق)، (زبق)، (أقط)، (حيى)، وجمهرة اللغة ص 231، 576، 1214، والمخصص 16/ 107.
وبعده:
* ويدمق الأقفال والتابوتا *
والحيّوت: ذكر الحيّات قال الأزهرى: التاء فى الحيوت زائدة، لأن أصله الحيّو وتجمع الحيّة حيوات. اللسان (حيا).(2/420)
وهو ذكر الحيّات فهذان فعلوت.
وأما ترقؤة فبادى أمرها أنها فائتة لكونها فعلؤة. ورويناها عن قطرب، وذكر أنها لغة لبعض عكل. ووجه القول عليها عندى أن تكون ممّا همز من غير المهموز، بمنزلة استلأمت الحجر، واستنشأت الرائحة وقد ذكرنا ذلك فى بابه وأصلها ترقوة، ثم همزت على ما قلنا.
وأما سمرطول (1) فأظنه تحريف سمرطول بمنزلة عضرفوط (2)، ولم نسمعه فى نثر. قال:
* على سمرطول نياف شعشع (3) *
وإذا استكرهوا فى الشعر لإقامة الوزن خلّطوا فيه قال:
* بسبحل الدّفّين عيسجور (4) *
أراد سبحلا، فغيّر كما ترى. وله نظائر قد ذكرت فى باب التحريف.
وقرعبلانة كأنها قرعبل، ولا اعتداد بالألف والنون وما بعدهما. ويدلّك على إقلالهم الحفل بهما ادّغامهم الإمدّان (5) كما يدغم أفعل من المضاعف نحو أردّ وأشدّ ولو كانت الألف والنون معتدّة لخرج بهما المثال عن وزن الفعل فوجب إظهاره كما يظهر ما (خرج عن مثاله نحو حضض (6)، وسرر، وسرر (7). وعلى أن هذه اللفظة) لم تسمع إلا من كتاب العين. وهى فيما ذكر دويبّة. وفيه
__________
(1) يقال: رجل سمرطل وسمرطول: طويل مضطرب. اللسان (سمرطل).
(2) العضرفوط: دويبّة بيضاء ناعمة. ويقال: ذكر العظاء. واحدها العظاية قال ابن سيده: العظاية على خلقة سامّ أبرص أعيظم منها شيئا. وانظر اللسان (عضرفط)، (عظى).
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (سمرطل)، وتاج العروس (سمرطل).
جمل نياف: طويل السّنام. والشعشع: الطويل العنق.
(4) الرجز للزفيان فى ديوانه ص 94، ولسان العرب (ضخم)، وللعجاج فى ملحق ديوانه 2/ 294، ولسان العرب (سبحل)، وتاج العروس (سبحل).
(5) المدّان والإمدّان: الماء الملح. اللسان (مدد).
(6) الخضض والحضض: دواء يتخذ من أبوال الإبل، وفيه لغات أخر، والحضض: داء، وقيل عصارة الصبر. والحضض: صمغ. وانظر اللسان (حضض).
(7) هو ما على الكمأة من القشور والتراب والطين.(2/421)
وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك فى (حذفهم لهما) عند إرادة الجمع كما تحذف ألا تراهم قالوا فى استخلاص الواحد من الجمع بالهاء. وذلك شعير وشعيرة، وتمر وتمرة، وبطّ وبطّة، وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضا. وذلك قولهم: إنس، فإذا أرادوا الواحد قالوا: إنسان، وظرب، فإذا أرادوا الواحد قالوا: ظربان قال:
* قبّحتم يا ظربا مجحّره *
وكذلك أيضا حذفوا الألف والنون لياءى الإضافة كما حذفت التاء لهما قالوا فى خراسان: خراسىّ كما يقولون فى خراشة (1): خراشى. وكسّروا أيضا الكلمة على حذفهما، كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم: كروان وكروان (وشقذان (2) وشقذان) كما قالوا: برق (3) وبرقان، وخرب (4) وخربان. فنظير هذا قولهم: نعمة وأنعم، وشدّة وأشدّ، عند سيبويه. فهذا نظير ذئب وأذؤب، وقطع وأقطع، وضرس وأضرس قال:
* وقرعن نابك قرعة بالأضرس *
وقالوا أيضا: رجل كذبذب وكذبذبان، حتى كأنهما مثال واحد كما أن دما ودمة وكوكبا وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع والشعشعان، والهزنبر والهزنبران (5)
و (الفرعل والفرعلان) (6).
فلما تراسلت الألف والنون، والتاء فى هذه المواضع وغيراها جرتا مجرى المتعاقبتين، فإذا التقتا فى مثال واحد ترافعتا أحكامهما، على ما (قدمناه فى) ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة، لمّا اجتمعت عليه التاء مع الألف والنون ترافعتا
__________
(1) خراشة من أسماء العرب، وأبو خراشة خفاف بن ندبة.
(2) الشقذان: الذئب والصقر والحرباء.
(3) هو الحمل، وهو الصغير من أولاد الضأن.
(4) هو ذكر الحبارى.
(5) هو السىء الخلق.
(6) الفرعل والفرعلان ولد الضبع.(2/422)
أحكامهما فكأن لا تاء هناك ولا ألف ولا نونا فبقى الاسم على هذا كأنه قرعبل. وذلك ما أردنا بيانه. فاعرفه.
وأما عقربّان (مشدد الباء) فلك فيه أمران: إن شئت قلت: إنه لا اعتداد بالألف والنون فيه على ما مضى فيبقى حينئذ كأنه عقربّ، بمنزلة قسقبّ وقسحبّ (1) وطرطبّ (2). وإن شئت ذهبت مذهبا أصنع من هذا. وذلك أنه قد جرت الألف والنون من حيث ذكرنا فى كثير من كلامهم مجرى ما ليس موجودا على ما بينا، وإذا كان كذلك كانت الباء لذلك كأنها حرف الإعراب، وحرف الإعراب قد يلحقه التثقيل فى الوقف نحو هذا خالدّ، وهو يجعلّ. ثم إنه قد يطلق ويقرّ) تثقيله عليه نحو الأضخّمّا (3)، وعيهلّ (4). لكأن عقربّانا لذلك عقرب، ثم لحقها التثقيل لتصوّر معنى الوقف عليها عند اعتقاد حذف الألف والنون من بعدها، فصارت كأنها عقربّ، ثم لحقتها الألف والنون فبقى على تثقيله، كما بقى (الأضخما) عند إطلاقه على تثقيله إذا أجرى الوصل مجرى الوقف، فقيل: عقربّان على ما شرحنا وأوضحنا، فتأمله ولا (يجف عليك) ولا تنب عنه فإن له نظيرا، بل نظراء ألا تراهم قالوا فى الواحد: سيد (5)، فإذا أرادوا الواحدة قالوا سيدانة، فألحقوا علم التأنيث بعد الألف والنون، وإنما يجب أن يلحق بعد حرف إعراب المذكّر كذئب وذئبة، وثعلب وثعلبة وقد ترى إلى قلة اعتدادهم بالألف والنون فى سيدانة، حتى كأنهم قالوا: سيدة. وهذا تناه فى إضعاف حكم الألف والنون. وقد قالوا: (الفرعل والفرعلان) والشعشع
__________
(1) قسقبّ وقسحبّ: الضخم. اللسان (قسقب)، (قسحب).
(2) طرطبّ: هو الثدى المسترخى الطويل.
(3) قول الشاعر:
* ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا *
اللسان (فوه).
(4) قول الراجز:
* ببازل وجناء أو عيهلّ *
اللسان (فوه).
(5) هو الذئب.(2/423)
والشعشعان (والصحصح والصحصحان) (1) بمعنى واحد، فكأنّ اللفظ لم يتغيّر.
ومثل التثقيل فى الحشو لنيّة الوقف ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
* غضّ نجارى طيّب عنصرّى (2) *
فثقّل الراء من عنصرّى، وإن كانت الكلمة مضافة إلى مضمر. وهذا يحظر عليك الوقوف على الراء، كما يثقلها فى عنصر نفسه.
ومثله أيضا قول الآخر:
* يا ليتها قد خرجت من فمّه (3) *
فثقّل آخر الكلمة وهى مضافة إلى مضمر، فكذلك حديث عقربّان. فاعرفه فإنه غامض.
وأمّا مألك فإنه أراد: مألكة فحذف الهاء ضرورة كما حذفها الآخر من قوله:
إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم ... ولا نصالحكم إلا على ناح (4)
أراد: ناحية. وكذلك قول الآخر:
* ليوم روع أو فعال مكرم (5) *
أراد: مكرمة، وقول الآخر:
بثين الزمى لا إنّ لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أىّ معون (6)
__________
(1) الصحصح والصحصحان: ما استوى من الأرض.
(2) النّجار: الأصل.
(3) وأسطمّة الشىء: معظمه. وبعده فى اللسان (فوه):
* حتى يعود الملك فى أسطمّه *
(4) نباعلكم: نتزوج منكم وتتزوجوا منا. على ناح: أى ناحية.
(5) الرجز لأبى الأخزر فى شرح شواهد الشافية ص 68، ولسان العرب (كرم)، (يوم)، وتاج العروس (كرم)، (يوم)، وبلا نسبة فى ديوان الأدب 1/ 82، 287، 3/ 351، وأدب الكاتب ص 588، وإصلاح المنطق ص 223، وجمهرة اللغة ص 994، والمخصص 12/ 152، 14/ 195، ولسان العرب (ألك)، (عون)، والممتع فى التصريف 1/ 79، وتهذيب اللغة 3/ 202، 10/ 238، وتاج العروس (ألك)، (عون).
(6) البيت من البسيط، وهو لجميل بثينة فى ديوانه ص 208، وأدب الكاتب ص 588، وشرح(2/424)
أراد: أىّ معونة، فحذف التاء. وقد كثر حذفها فى غير هذا.
وأما أصرى (1) فإن أبا العباس استدركها. (وقال) (2): وقد جاءت أيضا إصبع.
وحدّثنا أبو علىّ، قال: قال إبراهيم الحربىّ: فى إصبع وأنملة جميع ما يقول الناس. ووجدت بخطّ أبى علىّ: قال الفرّاء: لا يلتفت إلى ما رواه البصريون من قولهم: إصبع فإنا بحثنا عنها فلم نجدها. وقد حكيت أيضا: زئبر وضئبل وخرفع وجميع ذلك شاذّ لا يلتفت إلى مثله لضّعفه فى القياس، وقلّته فى الاستعمال. ووجه ضعف قياسه خروجك من كسر إلى ضمّ بناء لازما وليس بينهما إلا الساكن. ونحو منه ما رويناه عن قطرب من (قول بعضهم) فى الأمر: اقتل، اعبد. ونحو منه فى الشذوذ عن الاستعمال قول بعضهم: إزلزل، وهى كلمة تقال عند الزلزلة. وينبغى أن تكون من معناها، وقريبة من لفظها، ولا تكون من حروف الزلزلة. وإنما حكمنا بذلك لأنها لو كانت منها لكانت إفعلل فهو مع أنه مثال فائب فيه بليّة من جهة أخرى. وذلك أن ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها، إلا فى الأسماء الجارية على أفعالها نحو مدحرج، وليس إزلزل من ذلك.
فيجب أن تكون من لفظ الأزل (ومعناه). ومثاله فعلعل نحو كذبذب فيما مضى.
وأما مدّ المقصور، وقصر الممدود، والإشباع والتحريف، فلا تعتدّ أصولا، ولا تثبت بها مثل، موافقة ولا مخالفة.
وقال (3): الفعلال لا يأتى إلا مضاعفا نحو القلقال والزلزال. وحكى الفرّاء:
__________
شواهد الشافية ص 67، ولسان العرب (ألك)، (كرم)، (عون)، (أيا)، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص 223، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 168، والمحتسب 1/ 144والممتع فى التصريف 1/ 79، والمنصف 1/ 308.
(1) يقال: هو منّى صرّى وأصرّى، وصرّى وأصرّى، وصرّى وصرّى، أى عزيمة وجد. اللسان (صرر).
(2) وهذا الكلام لا يتصل بما قبله، فإنه فى إصبع، وكأن فى العبارة سقطا. والأظهر أن يضبط «أصبع» بفتح الهمزة وكسر الباء فيكون من باب أصرّى إذا أصله: أصررى قبل الإدغام. وهذا بخلاف «أصبع» الآتى، فإنه بكسر الهمزة وضم الباء. (نجار).
(3) أى سيبويه.(2/425)
ناقة بها خزعال، أى داء. وقال أوس:
ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا ... والخيل خارجة من القسطال (1)
وقد يمكن أن يكون أراد: القسطل، فاحتاج، فأشبع الفتحة على قوله:
* ينباع من ذفرى (2) *
وقد جاء فى شعر ابن ذريح سراوع اسم مكان قال:
* عفا سرف من أهله فسراوع (3) *
وقالوا: جلس الأربعاوى (4).
وجاء الفرنوس فى أسماء الأسد.
والحبليل (5): دويبّة يموت فإذا أصابه المطرعاش. وقالوا: رجل ويلمّة، وويلمّ للداهية. وهذا خارج على الحكاية، أى يقال له من دهائه: ويلمّه، ثم ألحقت الهاء للمبالغة، كداهية ومنكرة. وقد رووا قوله:
* وجلنداء فى عمان مقيما (6) *
وإنما هو: جلندى مقصورا.
وكذلك ما أنشده من قول رؤبة:
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 108، ولسان العرب (قسطل)، والممتع فى التصريف 1/ 151، وتاج العروس (قسطل).
القسطال: الغبار.
(2) البيت من الكامل، وهو لبشر بن أبى خازم فى ديوانه ص 179، ولسان العرب (كدم)، وتاج العروس (كدم).
(3) سراوع: موضع (عن الفارسىّ): وقال غيره: إنما هو سراوع، بالفتح، ولم يحك سيبويه فعاول ويروى: فشراوع، وهى رواية العامّة. اللسان (سرع).
(4) أى جلس متربعا.
(5) فى اللسان بفتح الباء، وفى القاموس بسكونها.
(6) صدر بيت من الخفيف، وهو للأعشى فى ديوانه ص 365، وجمهرة اللغة ص 354، وتاج العروس (جلد)، وصدره بلا نسبة فى لسان العرب (جلد). وعجزه:
* ثم قيسا فى حضرموت المنيف *(2/426)
* ما بال عينى كالشعيب العيّن (1) *
حملوه على فيعل ممّا اعتلّت عينه. وهو شاذّ. وأوفق من هذا عندى أن يكون: فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه. وكأن الذى سوّغهم هذا ظاهر الأمر، وأنه أيضا قد روى (العيّن) بكسر العين. وكذلك طيلسان مع الألف والنون: فيعل فى الصحيح على أن الأصمعىّ قد أنكر كسر اللام. وذهب أحمد ابن يحيى وابن دريد فى يستعور (2) إلى أنه يفتعول. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وكذلك ذهب ابن الأعرابىّ فى يوم أرونان (3) إلى أنه أفوعال من الرنّة وهذا كيستعور فى الفساد. ونحوه فى الفساد قول أحمد بن يحيى فى أسكفّة: إنها من استكفّ، وقوله فى تواطخ القوم: إنه من الطيخ، وهو الفساد. وقد قال أميّة:
إن الأنام رعايا الله كلّهم ... هو السليطيط فوق الأرض مستطر (4)
ويروى السلطليط، وكلاهما شاذّ.
وأما صعفوق فقيل: إنه أعجمىّ. وهم خول (5) باليمامة، قال العجّاج:
* من آل صعفوق وأتباع أخر *
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 160، ولسان العرب (جون)، (عين)، وأدب الكاتب ص 598، وشرح أبيات سيبويه 2/ 426، وشرح شواهد الشافية ص 61، وجمهرة اللغة ص 956، وأساس البلاغة (رقن)، وتهذيب اللغة 9/ 95، وتاج العروس (جون)، وبلا نسبة فى لسان العرب (رقم)، (رقن)، (عين)، والإنصاف 2/ 801، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 150، 2/ 176، والكتاب 4/ 366، والمنصف 2/ 16، وجمهرة اللغة ص 343، 793، وكتاب العين 5/ 143، ومقاييس اللغة 3/ 192، 4/ 201، ومجمل اللغة 3/ 431، والمخصص 13/ 5، وتهذيب اللغة 9/ 143، وتاج العروس (عين).
(2) هو اسم موضع. والمؤلف يريد أن «يستعور» فعللول، ويذكر أن غلط ثعلب وابن دريد لا يصدر من أهل صناعة التصريف. (نجار).
(3) يقال: يوم أرونان: أى شديد، الرّون: الشدة، والرّونة: الشدة. اللسان (رون).
(4) البيت من البسيط، وهو لأمية بن أبى الصلت فى ديوانه ص 33، ولسان العرب (سلط)، وتاج العروس (سلط).
(5) الخول: حشم الرجل وأتباعه، ويقع على العبد والأمة، والواحد خائل. اللسان (خول).(2/427)
وقد جاء فى شعر أميّة بن أبى عائذ:
مطاريح بالوعث مرّ الحشو ... ر هاجرن رمّاحة زيزفونا (1)
يعنى قوسا. وهى فى ظاهر الأمر: فيفعول من الزفن لأنه ضرب من الحركة مع صوت. وقد يجوز أن يكون (زيزفون) رباعيا قريبا من لفظ الزفن. ومثله من الرباعىّ ديدبون.
وأما الماطرون (2) فذهب أبو الحسن إلى أنه رباعىّ. واستدلّ على ذلك بكسر النون مع الواو، ولو كانت زائدة لتعذّر ذلك فيها.
ومثله الماجشون، وهى ثياب مصبّغة قال:
طال ليلى وبتّ كالمحزون ... واعترتنى الهموم بالماطرون (3)
وقال أميّة الهذلىّ أيضا:
ويخفى بفيحاء مغبرّة ... تخال القتام به الماجشونا (4)
وينبغى أن يكون السقلاطون (5) على هذا خماسيا لرفع النون وجرّها مع
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو لأمية بن أبى عائذ فى شرح أشعار الهذليين ص 519، ولسان العرب (حشر)، (زفن)، وتاج العروس (حشر)، (زقن)، وكتاب الجيم 2/ 58، وأساس البلاغة (طرح).
«مطاريح» من وصف الإبل، أى تطرح أيديها فى السير. وهو مفعول «ترامت» قبله. والحشور:
جمع الحشر بفتح الحاء وسكون الشين وهو السهم المحدّد اللطيف. والرّماحة الزيزفون:
القوس السريعة. يذكر أن الإبل تطرح أيديها فتمرّ الأيدى كمرّ السهام زايلت قوسا مصوّتة سريعة. والبيت من قصيدة يمدح فيها عبد العزيز بن مروان. (نجار).
(2) هو موضع بالشام قرب دمشق.
(3) البيت من الخفيف، وهو لأبى دهبل الجمحى فى ديوانه ص 68، وخزانة الأدب 7/ 314، 315، ولسان العرب (خصر)، (سنن)، ومعجم ما استعجم ص 409، والمقاصد النحوية 1/ 141، ولعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص 59، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 1/ 53، وجواهر الأدب ص 158، وشرح التصريح 1/ 76، والممتع فى التصريف 1/ 157.
(4) البيت من المتقارب، وهو لأمية بن أبى عائذ فى شرح أشعار الهذليين ص 519، وتاج العروس (مجش).
القتام: الغبار. الماجشون: ثياب مصبغة. انظر تاج العروس (مجن).
(5) هو ضرب من الثياب(2/428)
الواو. وكذلك أيضا نون أطرنون قال:
وإن يكن أطربون الروم قطّعها ... فإنّ فيها بحمد الله منتفعا (1)
والكلمة بها خماسيّة كعضرفوط.
وضهيد: اسم موضع. ومثله عتيد. وكلاهما مصنوع.
وقيل: الخرنباش: نبت طيّب الريح قال:
أتتنا رياح الغور من نحو أرضها ... بريح خرنباش الصرئم والحقل (2)
وقد يمكن أن يكون فى الأصل خرنبش، ثم أشبعت فتحته فصار: خرنباش.
وحكى أبو عبيدة القهوباة (3). وقد قال سيبويه: ليس فى الكلام فعولى. وقد يمكن أن يحتجّ له، فيقال: قد يأتى مع الهاء ما لولا هى لما أتى نحو ترقوة وحذرية.
وأنشد ابن الأعرابىّ:
إن تك ذا بزّ فإنّ بزّى ... سابغة فوق وأى إوزّ (4)
قال أبو علىّ: لا يكون إوزّ من لفظ الوزّ لأنه قد قال: ليس فى الكلام إفعل صفة. وقد يمكن عندى أن يكون وصف به لتضمّنه معنى الشدّة كقوله:
* لرحت وأنت غربّال الإهاب (5) *
__________
(1) الأطربون: الرئيس والسيد عند الروم.
(2) البيت من الطويل، الممتع فى التصريف 1/ 159. وفى التاج (خربش) أن أبا حنيفة أنشده.
وفيه «المقل» فى مكان «الحقل».
(3) هى ضرب من نصال السهام.
(4) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أوز)، (وزز)، ويروى: «كنت» مكان «تك».
البزّ: السلاح. والسابغة: الدرع. والوأى: الفرس السريع. والإوزّ: القصير الغليظ.
(5) عجز البيت من الوافر، وهو لمنذر بن حسان فى المقاصد النحوية 3/ 140، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 411، وديوان المعانى 2/ 249، وشرح الأشمونى 2/ 362، والدرر 5/ 291، ولسان العرب (عنكب)، (قيد)، (غربل)، والممتع فى التصريف، وصدره:
* فلولا الله والمهر المفدّى *(2/429)
وقد مضى ذكره. ويجوز أيضا أن يكون كقولك: مررت بقائم رجل.
وقال أبو زيد: الزونّك: اللحيم القصير الحيّاك فى مشيه (1). زاك يزوك زوكانا.
فهذا يدلّ على أنه فعنّل.
وقيل: الضفنّط من الضفاطة، وهو الرجل الضخم الرخو البطن.
وأما زونزك فإنه فونعل (فيجب أن يكونا من أصلين). وأما زوزّى (2) فإنه من مضاعف الواو. وهو فعلّل كعدبّس.
وحكى أبو زيد زرنوق (3) بفتح الزاى فهذا فعنول. وهو غريب. وجميع هذا شاذّ. وقد تقدّم فى أوّل الباب وصف حاله، ووضوح العذر فى الإخلال به.
(وقالوا: تعفرت الرجل. فهذا تفعلت. وقالوا: يرنّأ لحيته إذا صبغها باليرنّا. (وهو الحنّاء) وهذا يفعل. فى الماضى. وما أغربه وأظرفه).
* * * __________
(1) الحياك: المتبختر.
(2) زوزّى: المتكايس المتحذلق. القاموس (زوز).
(3) زرنوق: هما زرنوقان: حائطان وفى المحكم: منارتان تبنيان على رأس البئر من جانبيها، فتوضع عليهما النعامة، وهى خشبة تعرّض عليهما، ثم تعلّق فيها البكرة، فيستقى بها. اللسان (زرنق).(2/430)
باب فى الجوار
وذلك فى كلامهم على ضربين: أحدهما تجاور الألفاظ، والآخر تجاور الأحوال.
فأمّا تجاور الألفاظ فعلى ضربين: أحدهما فى المتّصل، والآخر فى المنفصل.
فأما المتّصل، فمنه مجاورة العين للام بحملها على حكمها. وذلك قولهم فى صوّم: صيّم ألا تراه قال: إنهم شبّهوا باب صوّم بباب عصىّ، فقلبه بعضهم.
ومثله قولهم فى جوّع: جيّع قال:
* بادرت طبختها لرهط جيّع (1) *
وأنشدوا:
لولا الإله ما سكن خضّما ... ولا ظللنا بالمشاء قيّما (2)
وعليه ما أنشده محمد بن حبيب من قوله:
بريذينة بلّ البراذين ثفرها ... وقد شربت من آخر الصيف أيّلا (3)
__________
(1) عجز بيت من الكامل، وهو للحادرة فى ديوانه ص 58، وشرح الأشمونى 3/ 870، ولسان العرب (جوع)، والممتع فى التصريف 2/ 497، والمنصف 2/ 3، وصدره:
* ومعرض تغلى المراجل تحته *
(2) الرجز بلا نسبة فى شرح المفصل 1/ 30، 60، وتهذيب اللغة 7/ 119، وديوان الأدب 1/ 84، وتاج العروس (خضم)، ولسان العرب (خضم).
خضّم: اسم ماء، زاد الأزهرى: لبنى تميم. المشاء: تناسل المال وكثرته.
(3) البيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدى فى ديوانه ص 124، والحيوان 2/ 282، وخزانة الأدب 6/ 239، وسمط اللآلى ص 282، وشرح شواهد الإيضاح ص 418، ولسان العرب (أول)، وتاج العروس (أول)، وبلا نسبة فى المنصف 2/ 4. ويروى «الليل» مكان «الصيف».
أى النابغة الجعدىّ. والبيت من كلمة له فى هجاء ليلى الأخيلية. وبريذينة تصغير برذونة، والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب. والثفر: الفرج. يشبهها ببرذونة نزا عليها البراذين، وكانت مغتلمة، فإن شرب الأيّل يهيج الشهوة ويزيد الغلمة. وانظر اللسان (أوّل)، والخزانة (3/ 31).(2/431)
أجازوا فيه أن يكون أراد: جمع لبن آئل أى خاثر، من قولهم: آل اللبن يئول إذا خثر فقلبت العين حملا على قلب اللام كما تقدّم.
ومن الجوار فى المتصل قول جرير:
* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى *
وقد ذكرنا أنه تصوّر الضمة، لمجاورتها الواو، أنها كأنها فيها، فهمزها كما تهمز فى أدؤر، والنؤور، ونحو ذلك.
وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها فى الوقف نحو هذا بكر، ومررت ببكر ألا تراها لمّا جاورت اللام بكونها فى العين، صارت لذلك كأنها فى اللام لم تفارقها.
وكذلك أيضا قولهم: شابّة ودابّة صار فضل الاعتماد بالمدّ فى الألف كأنه تحريك للحرف الأوّل المدّغم، حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين. فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف.
ومن جوار المتّصل استقباح الخليل نحو العقق، مع الحمق، مع المخترق.
وذلك لأن هذه الحركات قبل الروىّ المقيّد لمّا جاورته، وكان الروىّ فى أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيّدا، صارت الحركة قبله كأنها فيه، فكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء. وقد تقدّم ذكر نحو هذا. وله نظائر.
وأما الجوار فى المنفصل فنحو ما ذهبت الكافّة إليه فى قولهم: هذا جحر ضبّ خرب، وقول الحطيئة:
فإيّاكم وحيّة بطن واد ... هموز الناب ليس لكم بسىّ (1)
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 139، وجمهرة اللغة ص 1310، وخزانة الأدب 5/ 86، 96، وشرح شواهد الإيضاح ص 430، وشرح المفصل 2/ 85، والصاحبى فى فقه اللغة ص 155، ولسان العرب (سوا)، وبلا نسبة فى الصاحبى فى فقه اللغة ص 138، والمنصف 2/ 2. وقبله:
فأبلغ عامرا عنى رسولا ... رسالة ناصح بكم حفىّ
يريد: قبيلة عامر بن صعصعة. ورسولا: أى رسالة. والحفىّ: المشفق اللطيف. وقوله: فإياكم(2/432)
فيمن جرّ (هموز الناب) وقول الآخر:
* كأن نسج العنكبوت المرمل (1) *
(وإنما صوابه المرملا) وأما قوله:
* كبير أناس فى بجاد مزمّل (2) *
فقد يكون أيضا على هذا النحو من الجوار. فأمّا عندنا نحن فإنه أراد: مزمّل فيه، فحذف حرف الجرّ، فارتفع الضمير، فاستتر فى اسم المفعول. وقد ذكرنا هذا أيضا.
وتجد فى تجاور المنفصلين ما هو لاحق بقبيل المنفصل الذى أجرى مجرى المتّصل فى نحو قولهم: ها الله ذا، أجروه فى الادّغام مجرى دابّة (وشابة) ومنه قراءة بعضهم: {فَلََا تَتَنََاجَوْا} [المجادلة: 9] و {حَتََّى إِذَا ادََّارَكُوا فِيهََا} [الأعراف: 38] (بإثبات الألف فى ذا ولا). ومنه ما رأيته أنا فى إنشاد أبى زيد:
من أىّ يومىّ من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر (3)
أعنى فتح راء يقدر. وقد ذكرته. فهذا طريق تجاور الألفاظ وهو باب.
__________
وحية يعنى نفسه، والهموز من الهمز وهو الغمز والضغط. وقوله: ليس لكم بسىّ، فالسىّ: المثل، أى لا تستوون معه، بل هو أشرف منكم. يقول: إنه يحمى ناحيته ويتقى كما تتقى الحية الحامية لبطن واديها. وانظر الخزانة 2/ 321. (نجار).
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (رمل)، وتاج العروس (رمل).
المرمل: المنسوج.
(2) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 25، وتذكرة النحاة ص 308، 346، وخزانة الأدب 5/ 98، 99، 100، 102، 9/ 37، وشرح شواهد المغنى 2/ 883، ولسان العرب (عقق)، (زمل)، (خزم)، (أبن)، ومغنى اللبيب 2/ 515، وتاج العروس (خزم)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 10، والمحتسب 2/ 135.
(3) الرجز للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص 79، وحماسة البحترى ص 37، وللحارث بن منذر الجرمى فى شرح شواهد المغنى 2/ 674، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 14، والجنى الدانى ص 267، وشرح الأشمونى 3/ 578، ولسان العرب (قدر)، والمحتسب 2/ 366، ومغنى اللبيب 1/ 277، والممتع فى التصريف 1/ 322، ونوادر أبى زيد ص 13، ويروى «فى» مكان «من».(2/433)
وأما تجاور الأحوال (فهو غريب). وذلك أنهم لتجاوز الأزمنة ما يعمل فى بعضها ظرفا ما لم يقع فيه من الفعل، وإنما وقع فيما يليه نحو قولهم: أحسنت إليه إذ أطاعنى، وأنت لم تحسن إليه فى أوّل وقت الطاعة، وإنما أحسنت إليه فى ثانى ذلك ألا ترى أن الإحسان مسبّب عن الطاعة، وهى كالعلّة له، ولابدّ من تقدّم وقت السبب على وقت المسبّب كما لابدّ من ذلك مع العلّة. لكنه لمّا تقارب الزمانان، وتجاورت الحالان، فى الطاعة والإحسان، أو الطاعة واستحقاق الإحسان، صارا كأنهما إنما وقعا فى زمان واحد. ودليل ذلك أن (لمّا) من قولك:
لمّا أطاعنى أحسنت إليه، إنما هى منصوبة بالإحسان، وظرف له كقولك: أحسنت إليه وقت طاعته، وأنت لم تحسن إليه لأوّل وقت الطاعة، وإنما كان الإحسان فى ثانى ذلك أو ما يليه، ومن شرط الفعل إذا نصب ظرفا أن يكون واقعا فيه أو فى بعضه كقولك: صمت يوما، وسرت فرسخا، وزرتك يوم الجمع، وجلست عندك. فكل واحد من هذه الأفعال واقع فى الظرف الذى نصبه، لا محالة، ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا بعد أن أطاعه لكن لمّا كان الثانى مسببا عن الأوّل وتاليا له، فاقتربت الحالان، وتجاور الزمانان، صار الإحسان كأنه إنما هو والطاعة فى زمان واحد، فعمل الإحسان فى الزمان الذى يجاور وقته كما يعمل فى الزمان الواقع فيه هو نفسه. فاعرفه.
ومثله: لمّا شكرنى زرته، ولمّا استكفانى كفيته، وزرته إذ استزارنى، وأثنيت عليه حين أعطانى، وإذا أتيته رحب بى، وكلما استنصرته نصرنى (أى كلّ وقت أستنصره فيه ينصرنى)، وإنما ينصرك فيما بعد زمان الاستنصار. ويؤكّد عندك حال إتباع الثانى للأوّل وأنه ليس معه فى وقته، دخول الفاء فى هذا النحو من الكلام كقولك: إذا سألته فإنه يعطينى، وإذا لقيته فإنه يبشّ بى. فدخول الفاء هنا أوّل دليل على التعقيب، وأن الفعلين لم يقعا معا فى زمان واحد. وقد ذكرنا هذا ليزداد القول به وضوحا، وإن كان ما مضى كافيا.
ولمّا اطّرد هذا فى كلامهم، وكثر على ألسنتهم وفى استعمالهم، تجاوزوه واتّسعوا فيه إلى ما تناءت حالاه، وتفاوت زماناه. وذلك كأن يقول رجل بمصر فى رجل آخر بخراسان: لمّا ساءت حاله حسّنتها، ولمّا اختلّت معيشته عمرتها. ولعله
أن يكون بين هاتين الحالين السنة والسنتان.(2/434)
ولمّا اطّرد هذا فى كلامهم، وكثر على ألسنتهم وفى استعمالهم، تجاوزوه واتّسعوا فيه إلى ما تناءت حالاه، وتفاوت زماناه. وذلك كأن يقول رجل بمصر فى رجل آخر بخراسان: لمّا ساءت حاله حسّنتها، ولمّا اختلّت معيشته عمرتها. ولعله
أن يكون بين هاتين الحالين السنة والسنتان.
فإن قلت، فلعل هذا مما اكتفى فيه بذكر السبب وهو الاختلال من ذكر المسبّب عنه، وهو المعرفة بذلك، فيصير كأنه قال: لما عرفت اختلال حاله عمرتها.
قيل: لو كان الأمر على ذلك لما عدوت ما كنا عليه ألا ترى أنه قد يعرف ذلك من حال صاحبه، وهو معه فى بلد واحد (بل منزل واحد) فيكون بين المعرفة بذلك والتغيير له الشهر والشهران والأكثر. فكيف بمن بينه وبينه الشقّة الشاسعة، المحتاجة إلى المدّة المتراخية. فإن قيل: فيكون الثانى من هذا كالأوّل أيضا فى الاكتفاء فيه بالمسبّب من السبب، أى لمّا عرفت ذلك فكّرت فى إصلاحه، فاكتفى بالمسبّب الذى هو العمارة من السبب الذى هو الفكر فيه، قيل: هذا وإن كان مثله مما يجوز فإنه ترك للظاهر، وإبعاد فى المتناول. ومع هذا فإنك كيف تصرّفت بك الحال إنما أوقعت الفكر فى عمارة حاله بعد أن عرفت ذلك منها. فوقعت العمارة إذا بعد وقت المعرفة. فإذا كان كذلك ركبت سمت الظاهر، فغنيت به عن التطالّ والتطاول.
وعلى هذا يتوجّه عندى قول الله سبحانه: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذََابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] وذلك أن تجعل (إذ) بدلا من قوله (اليوم)، وإلا بقيت بلا ناصب. وجاز إبدال (إذا) وهو ماض (فى الدنيا) من قوله: (اليوم) وهو حينئذ حاضر فى الآخرة، لمّا كان عدم الانتفاع بالاشتراك فى العذاب إنما هو مسبّب عن الظلم، وكانت أيضا الآخرة تلى الدنيا بلا وقفة ولا فصل، صار الوقتان على تباينهما (وتنائيهما) كالوقتين المقترنين، الدانيين المتلاصقين نحو أحسنت إليه إذ شكرنى، وأعطيته حين سألنى. وهذا أمر استقرّ بينى وبين أبى علىّ رحمه الله مع المباحثة. وقد يجوز أيضا أن تنصب (اليوم) بما دلّ عليه قوله تعالى: {مُشْتَرِكُونَ} فيصير معناه لا إعرابه: ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم فى العذاب، فينتزع من معنى (مشتركون) ما يعمل فى (اليوم) على حدّ قولنا فى قوله سبحانه {أَلََا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}
[هود: 8] فى أحد الأقوال الثلاثة فيه، وعلى قوله تعالى: {يَوْمَ} [1] يَرَوْنَ الْمَلََائِكَةَ
__________
(1) وفى البحر لأبى حيان (6/ 492): {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلََائِكَةَ} منصوب باذكر وهو أقرب، أو(2/435)
{لََا بُشْرى ََ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 22] وإذا أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون (إذ ظلمتم) فى اللفظ معمولا لقوله (لن ينفعكم) لما ذكرنا من الجوار، وتلوّ الآخرة الأولى بلا فصل.
وكأنه إنما جاء هذا النحو فى الأزمنة دون الأمكنة، من حيث كان كلّ جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه، إنما يلى الثانى الأوّل خالفا له، وعوضا منه.
ولهذا قيل عندى للدهر عوض وقد ذكرت هذا فى كتابى فى التعاقب فصار الوقتان كأنهما واحد، وليس كذلك المكان لأن المكانين يوجدان فى الوقت الواحد (بل فى أوقات كثيرة غير منقضية. فلمّا كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع فى الوقت الواحد) والأوقات كلها، لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه.
فلهذا لا نقول: جلست فى البيت من خارج أسكفّته، وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسّه لأن البيت لا يعدم فيكون خارج بابه نائبا عنه، وخالفا فى الوجود له كما يعدم الوقت فيعوّض منه ما بعده.
فإن قلت: فقد تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر الدير، قيل: ليس هذا من حديث الجوار فى شىء، وإنما هو من باب بدل البعض لأنه بعض طريق البصرة يدلّ على ذلك أنك لا تقول: سرت من بغداد إلى البصرة (نهر الأمير لأنه أطول من طريق البصرة) زائد عليه، والبدل لا يجوز إذا كان (الثانى أكثر من الأوّل، كما يجوز إذا كان) الأوّل أكثر من الثانى ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون (ربع) من قوله:
اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكلّ حيران سار ماؤه خضل (1)
__________
بفعل يدل عليه (لا بشرى) أى يمنعون البشرى، ولا يعمل فيه (لا بشرى) لأنه مصدر، ولأنه منفىّ بلا التى لنفى الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس.
(1) البيتان من البسيط فى شرح أبيات سيبويه 1/ 391، وشرح شواهد المغنى 2/ 924، والكتاب 1/ 281، ومغنى اللبيب 2/ 601، ولسان العرب (ذيع)، وتاج العروس (ذيع).
القواء: القفر.(2/436)
بدلا من (الطلل) من حيث كان الربع أكثر من الطلل. ولهذا ما حمله سيبويه على القطع والابتداء، دون البدل والإتباع (هذا إن) أردت بالبصرة حقيقة نفس البلد. فإن أردت جهتها وصقعها جاز: انحدرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير.
وغرضنا فيما قدّمناه أن تريد (بالبصرة) نفس البلد البتّة.
وهذا التجاور الذى ذكرناه فى الأحوال والأحيان لم يعرض له أحد من أصحابنا. وإنما ذكروا تجاور الألفاظ فيما مضى. وقد مرّ بنا شىء من هذا النحو فى المكان قال:
* وهم إذا الخيل جالوا فى كواثبها * (1)
وإنما يجول الراكب فى صهوة الفرس لا فى كاثبته، لكنهما لمّا تجاورا جربا مجرى الجزء الواحد.
* * * __________
(1) صدر البيت من البسيط، وهو لزياد بن منقذ فى لسان العرب (قزم)، وتاج العروس (قزم).
وعجزه:
* فوارس الخيل، لا ميل ولا قزم *
الكواثب جمع الكاثبة. وهى من الفرس مجتمع كتفيه قدّام السّرج. اللسان (كثب).(2/437)
باب فى نقض الأصول وإنشاء أصول (غيرها منها)
رأيت أبا علىّ رحمه الله معتمدا هذا الفصل من العربيّة، ملمّا به، دائم التطرّق له، والفزع فيما يحدث إليه. وسنذكر من أين أنس به، حتى عوّل فى كثير من الأمر عليه.
وذلك كقولنا: بأبأت بالصبىّ بأبأة وبئباء إذا قلت له: بنبأ. وقد علمنا أن أصل هذا أن الباء حرف جرّ، والهمزة فاء الفعل، فوزن هذا على هذه المقدّمة: بفبفت بفبفة وبفبافا إلا أنا لا نقول مع هذا: إن هذه المثل على ما ترى، لكن نقول: إنّ بأبأت الآن بمنزلة رأرأت عيناه، وطأطأت رأسى، ونحو ذلك ممّا ليس منتزعا، ولا مركبا. فمثاله إذا: فعللت فعللة وفعلالا، كدحرجت دحرجة ودحراجا.
ومن ذلك قولهم: الخازباز (1). فالألف عندنا فيهما أصل، بمنزلة ألف كاف ودال. وذلك لأنها أسماء مبنية وبعيدة عن التصرّف والاشتقاق. فألقفاتها إذا أصول فيها كألفات ما، ولا، وإذا، وألا، وإلا، وكلا، وحتّى. ثم إنه قال:
* ورمت لهازمها من الخزباز (2) *
فالخزباز الآن بمنزلة السربال والغربال، وألفه محكوم عليها بالزيادة كألفهما ألا ترى الأصل كيف استحال زائدا، كما استحالت (باء الجر الزائدة فى بأبى أنت فاء فى بأبأت بالصبىّ. وكذلك أيضا استحالت) ألف قاف (ودال ونحوهما) وأنت تعتقد (فيها كونها أصلا) غير منقلبة، إلى اعتقادك فيها القلب، لمّا اعتزمت فيها الاشتقاق. وذلك قولك: قوّفت قافا، ودوّلت دالا. وسألنى أبو علىّ رحمه الله
__________
(1) الخازباز: داء يأخذ الإبل فى حلوقها. والخزباز لغة فيه. وانظر اللسان (خوز).
(2) عجز البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى الإنصاف 1/ 315، وجمهرة اللغة ص 289، وشرح المفصل 4/ 122، والكتاب 3/ 300، ولسان العرب (درب)، (خزبز)، (خوز)، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 107. وصدر البيت:
* مثل الكلاب تهر عند درابها *
اللهازم جمع لهزمة، وهى لحمة فى أصل الحنك. والبيت فى اللسان (خوز).(2/438)
يوما عن إنشاد أبى زيد:
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعى المثوّب قال يالا (1)
فقال: ما تقول فى هذه الألف من قوله: يالا، يعنى الأولى، فقلت: أصل لأنها كألف ما، ولا، ونحوهما. فقال: بل هى الآن محكوم عليها بالانقلاب كألف باب ودار. فسألته عن علّة ذلك، فقال: لمّا خلطت بها لام الجرّ من بعدها، وحسن قطعها، والوقوف عليها، والتعليق لها فى قوله: يا لا، أشبهت (يال) هذه الكلمة الثلاثية التى عينها ألف، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كباب، وساق، ونحو ذلك. فأنقت لذلك، وذهب بى استحسانى إياه كل مذهب.
وهذا الحديث الذى نحن الآن عليه هو الذى سوّغ عندى أن يكتب نحو قوله:
* يال بكر أنشروا لى كليبا (2) *
ونحو ذلك مفصولة اللام الجارّة عمّا جرّته. وذلك أنها حيزت إلى (يا) من قبلها، حتى صارت (يال) كباب ودار وحكم على ألفها (من الانقلاب) بما يحكم به على العينات إذا كنّ ألفات. وبهذا أيضا نفسه يستدلّ على شدّة اتصال حروف الجرّ بما تدخل عليه من الأفعال لتقوّيه فتعدّيه نحو مررت بزيد ونظرت إلى جعفر ألا ترى أنّ لام الجرّ (فى نحو) بالزيد دخلت موصّلة ل (يا) إلى المنادى كما توصّل الباء الفعل فى نزلت بك وظفرت به. وقد تراها محوزة إلى (يا) حتى قال (يا لا) فعلّق حرف الجرّ، ولو لم يكن لاحقا ب (يا) وكالمحتسب جزءا منها،
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لزهير بن مسعود الضبى فى تخليص الشواهد ص 182، وخزانة الأدب 2/ 6، والدرر 3/ 46، وشرح شواهد المغنى 2/ 595، والمقاصد النحوية 1/ 520، ونوادر أبى زيد ص 21، ورصف المبانى ص 29، 237، 354، وشرح شواهد المغنى 2/ 847، وشرح ابن عقيل ص 102، ولسان العرب (يا)، ومغنى اللبيب 1/ 219، 2/ 445، وهمع الهوامع 1/ 181.
(2) صدر البيت من المديد، وهو للمهلهل بن ربيعة فى خزانة الأدب 2/ 162، وشرح أبيات سيبويه 1/ 466، والكتاب 2/ 215، واللامات ص 87، ولسان العرب (لوم). وعجزه:
* يا لبكر أين أين الفرار *
يقال: أنشر الله الموتى، فنشروا هم، إذا حيوا وأنشرهم الله أى أحياهم. وانظر الكتاب 1/ 318.(2/439)
لما ساغ تعليقه دون مجروره نحو قوله: يال بكر ويال الرجال ويال الله و:
* يا لك من قبّرة بمعمر (1) *
ونحو ذلك. فاعرفه غرضا اعتنّ فيما كنا فيه فقلنا عليه. وإن فسح فى المدّة أنشأنا كتابا فى الهجاء، وأودعناه ما هذه سبيله، وهذا شرحه، ممّا لم تجر عادة بإيداع مثله. و (من الله المعونة).
وممّا كنا عليه ما حكاه الأصمعىّ من أنهم إذا قيل لهم، هلمّ إلى كذا، فإذا أرادوا الامتناع منه قالوا: لا أهلمّ، فجاءوا بوزن أهريق، وإنما هاء هلّم ها فى التنبيه فى نحو هذا وهذه ألا ترى إلى قول الخليل فيها: إن أصلها هالمّ بنا، ثم حذفت الألف تخفيفا وهاء أهريق إنما هى بدل من همزة أرقت، لمّا صارت إلى هرقت، وليست من حديث التنبيه فى قبيل ولا دبير.
ومن ذلك قولهم فى التصويت: هاهيت وعاعيت وحاحيت فهذه الألف عندهم الآن فى موضع العين ومحكوم عليها بالانقلاب، وعن الياء أيضا، وإن كان أصلها ألفا أصلا فى قولهم: هاء وعاء وحاء. فهى هنا كألف قاف وكاف ودال (ولام) أصل غير زائدة ولا منقلبة، وهى فى هاهيت وأختيها (عين منقلبة) عن ياء عندهم أفلا ترى إلى استحالة التقدير فيها، وتلعّب الصنعة بها.
ونحو من ذلك قولهم: دعدعت بالغنم إذا قلت لها: داع داع، وجهجهت بالإبل إذا قلت لها: جاه جاه، فجرى دعدعت وجهجهت عندهم الآن مجرى
__________
(1) الرجز لطرفة بن العبد فى ديوانه ص 46، ولسان العرب (عمر)، (قبر)، (نقر)، (جوا)، وجمهرة اللغة ص 795، والحيوان 3/ 66، 5/ 227، والشعر والشعراء 1/ 194، وتاج العروس (عمر)، (نقر)، (جوا)، (الياء)، وتهذيب اللغة 2/ 384، 11/ 228، ولكليب بن ربيعة فى لسان العرب (قبر)، (يا)، والتنبيه والإيضاح 2/ 184، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 772، ورصف المبانى ص 221، والعقد الفريد 3/ 127، 4/ 34، والمنصف 1/ 138، 3/ 21، والمخصص 12/ 39.
القبّرة: ضرب من الطير، واحدة القبّر. معمر: موضع وهو من أرجوزة تنسب إلى طرفة. قال ابن برىّ:
* يا لك من قبّرة بمعمر *
لكليب بن ربيعة التغلبى وليس لطرفة. وانظر اللسان (قبر).(2/440)
قلقلت (وصلصلت) ولو راعيت أصولها، وعملت على ملاحظة أوائل أحوالها، لكانت فلفلت لأن الألف التى هى عين عند تجشّم التمثيل فى داع وجاه، قد حذفت فى دعدعت وجهجهت. وقد كنت عملت كتاب الزجر عن ثابت بن محمد، وشرحت أحوال تصريف ألفاظه واشتقاقها، فجاء منه شىء صالح وطريف. وإذا ضممته إلى هذا الفصل كثر به وأنس بانضمامه إليه.
* * *
باب فى الامتناع من نقض الغرض(2/441)
* * *
باب فى الامتناع من نقض الغرض
اعلم أن هذا المعنى الذى تحامته العرب أعنى امتناعها من نقض أغراضها يشبه البداء (1) الذى تروم اليهود إلزامنا إياه فى نسخ الشرائع وامتناعهم منه إلا أنّ الذى رامته العرب من ذلك صحيح على السبر، والذى ذهبوا هم إليه فاسد غير مستقيم. وذلك أن نسخ الشرائع ليس ببداء عندنا لأنه ليس نهيا عمّا أمر الله تعالى به، وإنما هو نهى عن مثل ما أمر الله تعالى به فى وقت آخر غير الوقت الذى كان سبحانه أمر بالأوّل فيه ألا ترى أنه عزّ اسمه لو قال لهم:
صوموا يوم كذا، ثم نهاهم عن الصوم فيه فيما بعد، لكان إنما نهاهم عن مثل ذلك الصوم، لا عنه نفسه. فهذا ليس بداء. لكنه لو قال: صوموا يوم الجمعة، ثم قال لهم قبل مضيّه: لا (تصوموه) لكان لعمرى بداء وتنقّلا، والله سبحانه يجلّ عن هذا لأن فيه انتكاثا، وتراجعا، واستدراكا، وتتبعا. فكذلك امتناع العرب من نقض أغراضها، هو فى الفساد مثل ما نزّهنا القديم سبحانه عنه من البداء.
فمن ذلك امتناعهم من ادّغام الملحق نحو جلبب، وشملل، وشربب (ورمدد ومهدد) (2) وذلك أنك إنما أردت بالزيادة والتكثير البلوغ إلى مثال معلوم، فلو ادّغمت فى نحو شربب فقلت: شربّ، لانتقض غرضك الذى اعتزمته: من مقابلة الساكن بالساكن، والمتحرّك بالمتحرّك، فأدّى ذلك إلى ضدّ ما اعتزمته، ونقض ما رمته. فاحتمل التقاء المثلين متحرّكين لما ذكرنا من حراسة هذا الموضع، وحفظه.
ومن ذلك امتناعهم من تعريف الفعل. وذلك أنه إنما الغرض فيه إفادته، فلابدّ من أن يكون منكورا لا يسوغ تعريفه لأنه لو كان معرفة لما كان مستفادا لأن المعروف قد غنى بتعريفه عن اجتلابه ليفاد من جملة الكلام. ولذلك قال
__________
(1) البداء: استصواب شىء علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جائز. اللسان (بدا).
(2) شملل: أسرع. شربب: موضع. ويقال: رماد رمدد: كثير دقيق جدا. ومهدد: اسم امرأة.(2/442)
أصحابنا: اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك لو أخبر بما لا شكّ فيه لعجب منه وهزئ (من قوله).
فلمّا كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير ألا تراه يجرى وصفا على النكرة (وذلك) نحو مررت برجل يقرأ، فهذا كقولك: قارئ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة.
ومن ذلك امتناعهم من إلحاق «من» بأفعل إذا عرّفته باللام نحو الأحسن منه، والأطول منه. وذلك أنّ (من) لعمرى تكسب ما يتصل به: من أفعل هذا تخصيصا مّا ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن رضى الله عنه (فبمن ما صحّت لك) هذه الفائدة، وإذا قلت: الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده (من) من حصّتها من التخصيص، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوّة التعريف إلى الاعتراف بضعفه، إذا هم أتبعوه من الدالة على حاجته إليها، وإلى قدر ما تفيده: من التخصيص المفاد منه.
فأمّا ما ظنّ أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا (فى هذا من قول الشاعر):
فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزّة للكاثر (1)
فساقط عنهم. وذلك أن (من) هذه ليست هى التى تصحب (أفعل) هذا لتخصيصه، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما هى حال من تاء (لست) كقولك: لست فيهم بالكثير مالا، وما أنت منهم بالحسن وجها، أى لست من بينهم وفى جملتهم بهذه الصفة كقولك: أنت والله
__________
(1) البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص 193، والاشتقاق ص 65، وأوضح المسالك 3/ 295، وخزانة الأدب 1/ 185، 3/ 400، 8/ 250، 254، وشرح التصريح 2/ 104، وشرح شواهد الإيضاح ص 351، وشرح شواهد المغنى 2/ 902، وشرح المفصل 6/ 100، 103، ولسان العرب (كثر)، (سدف)، (حصى)، ومغنى اللبيب 2/ 572، والمقاصد النحوية 4/ 38، ونوادر أبى زيد ص 25، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 422، وخزانة الأدب 2/ 11، وشرح الأشمونى 2/ 386، وشرح ابن عقيل ص 465، وشرح المفصل 3/ 6.(2/443)
من بين الناس حرّ، وزيد من جملة رهطه كريم.
ومن ذلك امتناعهم من إلحاق علم التأنيث لما فيه علمه، حتى دعاهم ذلك إلى أن قالوا: مسلمات، ولم يقولوا: مسلمتات لئلا يلحقوا (علامة تأنيث مثلها).
وذلك أن إلحاق علامة التأنيث إنما هو ليخرج المذكّر قبله إليه وينقله إلى حكمه، فهذا أمر يجب عنه وله أن يكون ما نقل إلى التأنيث قبل نقله إليه مذكّرا كقائم من قائمة، وظريف من ظريفة. فلو ذهبت تلحق العلامة العلامة لنقضت الغرض. وذلك أن التاء فى قائمة قد أفادت تأنيثه، وحصّلت له حكمه، فلو ذهبت تلحقها علامة أخرى فتقول: قائتمات لنقضت ما أثبت من التأنيث الأوّل، بما تجشمته من إلحاق علم التأنيث الثانى له لأن فى ذلك إيذانا بأن الأوّل به لم يكن مؤنّثا، وكنت أعطيت اليد بصحّة تأنيثه لحصول ما حصل فيه من علمه، وهذا هو النقض والبداء البتّة. ولذلك أيضا لم يثنّ الاسم المثنّى لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه اثنين، وما يحلقه من علم التثنية ثانيا يؤذن بكونه فى الحال الأولى مفردا وهذا هو الانتقاض والانتكاث لا غير.
فإن قلت: فقد يجمع الجمع نحو أكلب وأكالب (وأسقية وأساق) فكيف القول فى ذلك؟
قيل له: فرق بينهما أنّ علمى التأنيث فى (مسلمات لو قيل مسلمتات) لكانا لمعنى واحد وهو التأنيث فيهما جميعا، وليس كذلك معنيا التكسير فى أكلب وأكالب. وذلك أن معنى أكلب أنها دون العشرة، ومعنى أكالب أنها للكثرة التى أوّل رتبتها فوق العشرة. فهذان معنيان كما تراهما اثنان، فلم ينكر اجتماع لفظيهما لاختلاف معنييهما.
فإن قلت: فهلا أجازوا على هذا مسلمتات، فكانت التاء الأولى لتأنيث الواحد، والتاء الثانية لتأنيث الجماعة؟
قيل: كيف تصرّفت الحال فلم تفد واحدة من التاءين شيئا غير التأنيث البتّة.
فأما عدّة المؤنّث فى إفراده وجمعه فلم يفده العلمان فيجوز اجتماعهما كما جاز تكسير التكسير فى نحو أكلب وأكالب.
فإن قلت: فقد يجمع أيضا جمع الكثرة نحو بيوت وبيوتات، وحمر
وحمرات، ونحو قولهم: صواحبات يوسف، ومواليات العرب وقوله:(2/444)
فإن قلت: فقد يجمع أيضا جمع الكثرة نحو بيوت وبيوتات، وحمر
وحمرات، ونحو قولهم: صواحبات يوسف، ومواليات العرب وقوله:
* قد جرت الطير أيامنينا (1) *
فهذا جمع أيامن، وأنشدوا:
* فهنّ يعلكن حدائداتها (2) *
وكسّروا أيضا مثل الكثرة قال:
* عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل (3) *
وقال آخر:
ستشرب كأسا مرّة تترك الفتى ... تليلا لفيه للغرابين والرخم (4)
وأجاز أبو الحسن فى قوله:
* فى ليلة من جمادى ذات أندية *
أن يكون كسّر ندى على نداء كجبل وجبال ثم كسّر نداء على أندية كرداء وأردية.
قيل: جميع ذلك و (ما كان) مثله وما أكثره! (إنما جاز) لأنه لا ينكر أن
__________
(1) الرجز لأعرابى فى المقاصد النحوية 2/ 425، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 456، والدرر 2/ 272، وسمط اللآلى ص 681، وشرح الأشمونى 1/ 156، وشرح التصريح 1/ 264، وشرح ابن عقيل ص 229، ولسان العرب (فطن)، (يمن)، والمعانى الكبير ص 646، وهمع الهوامع 1/ 157، وجمهرة اللغة ص 293، وتاج العروس (فطن)، (يمن)، (سرو)، وجمهرة اللغة ص 293، والمخصص 13/ 282، وبعده:
* يقول أهل السوق لما جينا *
(2) الرجز للأحمر فى لسان العرب (حدد)، وتاج العروس (حدد)، (دوم)، وبلا نسبة فى لسان العرب (صحب)، (دوم)، (يمن)، (بقى)، (لوى)، وتهذيب اللغة 9/ 349، والمخصص 6/ 205، 8/ 79، 10/ 28، 12/ 26، 247، 14/ 117، 118، وتاج العروس (لوى).
(3) عجز البيت من الطويل، وهو للكميت فى شرح هاشميات الكميت ص 164، والمخصص 16/ 10، وبلا نسبة فى لسان العرب (عقب)، والمخصص 8/ 145، وصدره:
* هما هم بالمستلئمين عوابس *
(4) تلّة يتلّه تلا، فهو متلول وتليل: صرعه، والتليل: الصريع. والرّخم: نوع من الطير.(2/445)
يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ألا ترى أن مائة للكثرة، وألفا أيضا كذلك، وعشرة آلاف أيضا كذلك، ثم على هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة، وبيوتات مائة ألف وكأن عقبانا خمسون، وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم (تبق وراءه مضطربا) فهذا قول.
وجواب ثان: أنك إنما تكسّر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجىء كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفى طريقها، فلمّا جاءت هذا المجىء جرت مجرى الآحاد، فجاز تكسيرها كما يجوز تكسيرها ألا ترى أنّ لذلك ما جاز صرفها، وترك الاعتداد بمعنى الجمعيّة فيها، لمّا جاءت مجىء الآحاد فصرف كلاب لشبهه بكتاب، وصرف بيوت لشبهه (بأتىّ وسدوس) (1) ومرور وصرف عقبان لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان لأنه على مثال قرطان (2). وصرف أكلب لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرزّ (وأسنمة) (3) ولأنه أيضا لما كان لجمع القلّة أشبه فى المعنى الواحد لأن محلّ مثال القلّة من مثال الكثرة فى المعنى محلّ الواحد من الجمع، فكما كسّروا الواحد، كذلك كسّروا ما قاربه من الجمع. وفى هذا كاف.
فإن قلت: فهلا ثنّيت التثنية كما جمعت الجمع؟ قيل: قد كفتنا العرب بقولهم:
أربعة (عن قولهم) اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا فى (اثنانان) ونحوه بين إعرابين، متفقين كانا أو مختلفين وليس شىء من ذلك فى نحو أكلب وأكالب.
ومن ذلك ما قال أصحابنا: إن وصف العلم جار مجرىّ نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة ألا ترى أنك إذا قلت: قال الحسن فى هذه المسئلة كذا، فقد استغنيت (بقولك: الحسن) عن قولك: الرجل الفقيه القاضى العالم الزاهد البصرىّ الذى كان من حاله كذا، ومن أمره كذا، فلمّا قلت: الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم فلأنه كثر المسمّون
__________
(1) الأتىّ بضم الهمزة من مصادر أتى، وهو أيضا النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. اللسان (أتى). والسدوس: الطيلسان.
(2) قرطان: ما يلقى تحت السرج.
(3) أسنمة: موضع.(2/446)
به، فدخله اللبس فيما بعد، فلذلك وصف ألا ترى أن ما كان من الأعلام لا شريك له فى العلمية فإنه لا يوصف. وذلك كقولنا: الفرزدق فإنه لا يوصف فيقال: التميمىّ ولا نحو ذلك لأنه لم يسمّ به أحد غيره. وإذا ذكرته باسمه الذى هو همّام جاز وصفه، فقلت همّام بن غالب لأن همّاما شورك فيه، فجاز لذلك لحاق الوصف له.
فإن قلت: فقد يكثر فى الأنساب وصف كثير من الأعلام التى لا شركة فيها نحو قولهم: فلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ونظائره كثيرة، قيل: ليس (الغرض إلا التنقّل به) والتصعّد إلى فوق، وإعلام السامع وجه النّسب، وأن فلانا اسم أبيه كذا، واسم جدّه كذا، واسم أبى جدّه كذا. فإنما البغية بذلك استمرار النسب، وذكر الآباء شيئا فشيئا على توال. وعلى هذا يجوز أيضا أن يقال:
الفرزدق بن غالب فأمّا على التخليص (والتخصيص) فلا.
ومن ذلك امتناعهم من تنوين الفعل. وذلك أنه قد استمرّ فيه الحذف والجزم بالسكون لثقله. فلمّا كان موضعا للنقص منه لم تلق به الزيادة فيه. فهذا قول.
وإن شئت قلت: إن التنوين إنما لحق فى الوقف مؤذنا بالتمام، والفعل أحوج شىء إلى الفاعل، فإذا كان من الحاجة إليه من بعده على هذه الحال لم يلق به التنوين اللاحق للإيذان بالتكامل والتمام، فالحالان إذا كما ترى ضدّان. ولأجل ذلك ما امتنعوا من لحاق التنوين للمضاف. وذلك أن المضاف على غاية الحاجة إلى المضاف إليه من بعده. فلو ألحقته التنوين المؤذن بالوقف وهو متناه فى قوّة الحاجة إلى الوصل جمعت بين الضدّين. وهذا جلىّ غير خاف. وأيضا فإن التنوين دليل التنكير والإضافة موضوعة للتخصيص، فكيف لك باجتماعهما، مع ما ذكرنا من حالهما.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم نوّنوا الأعلام كزيد وبكر؟
قيل: جاز ذلك لأنها ضارعت بألفاظها النكرات إذ كان تعرّفها معنويّا لا لفظيّا، لأنه لا لام تعريف فيها ولا إضافة كما صرفوا من الجمع ما ضارع الواحد ببنائه، نحو كلاب (لأنه ككتاب)، وشيوخ لأنه كسدوس ودخول وخروج. وهذا باب مطّرد فاعرفه.(2/447)
باب فى التراجع عند التناهى
هذا معنى مطروق فى غير صناعة الإعراب كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت حالاهما كان أقوى لها، وأذهب فى الأنس بها.
فمن ذلك قولهم: إن الإنسان إذا تناهى فى الضحك بكى، وإذا تناهى فى الغمّ ضحك، وإذا تناهى فى العظة أهمل، وإذا تناهت العداوة استحالت مودّة. وقد قال:
* وكلّ شىء بلغ الحدّ انتهى *
وأبلغ من هذا قول شاعرنا:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا ... للمنتهى، ومن السرور بكاء
والطريق فى هذا ونحوه معروفة مسلوكة.
وأمّا طريق صناعة الإعراب فى مثله فقول أبى إسحاق فى ذكر العلّة التى امتنع لها أن يقولوا: ما زال زيد إلا قائما: (نفى و) نفى النفى إيجاب. وعلى نحو هذا ينبغى أن يكون قولهم: ظلّمة، وظلم، وسدرة، وسدر، وقصعة، وقصاع، (وشفرة وشفار). وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثا نحو قولهم: هذا جمل، وهذه جمال، وهذا رجل، وهذه رجال قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة، وعير وعيورة، وجريب وأجربة (1)، وصبىّ وصبية، ونحو ذلك. فلمّا كانت ظلمة، وسدرة، وقصعة، مؤنّثات كما ترى وأردت أن تكسّرها، صرت كأنك أردت تأنيث المؤنّث: فاستحال بك الأمر إلى التذكير، فقلت ظلم، وسدر، وقصاع، وشفار. فتراجعت للإيغال فى التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو لو دعا داع، أو حمل حامل على (تأنيث نحو) قائمة ومسلمة لكان طريقه على ما أرينا أن نعيده إلى التذكير، فنقول: قائم، ومسلم. هذا لو سوّغ مسوّغ تأنيث نحو
__________
(1) الجريب من الطعام والأرض: مقدار معلوم الذّراع والمساحة، والجريب: الوادى. وانظر اللسان (جرب).(2/448)
قائمة، وكريمة، ونحو ذلك.
فإن قيل: فيلزم على هذا أن لو أريد تذكير المذكّر أن يؤنث، قيل: هذا تقرير فاسد، ووضع غير متقبّل. وذلك أن التذكير هو الأوّل، والأصل. فليس لك التراجع عن الأصول لأنها أوائل، وليس تحت الأصل ما يرجع إليه. وليس كذلك التأنيث لأنه فرع على التذكير. وقد يكون الأصل واحدا، وفروعه متضعفة (ومتصعّدة) ألا ترى أن الاشتقاق تجد له أصولا، ثم تجد لها فروعا، ثم تجد لتلك الفروع فروعا صّاعدة عنها، نحو قولك: نبت فهو الأصل لأنه جوهر، ثم (يشتق منه فرع) هو النبات، وهو حدث، ثم يشتقّ من النبات الفعل، فتقول: نبت. فهذا أصل، وفرع، وفرع فرع. فلذلك جاز تصوّر تأنيث المؤنث، ولم يجز تصوّر تذكير المذكّر. نعم، ولو جاز تصوّر تذكير المذكّر لأوجب فيه القياس أن يعاد به إلى التأنيث. كذا وجه النظر. وما (فى هذا) من المنكر!. فعلى هذا السمت لو ساغ تذكير قائم لوجب أن يقال فيه: قائمة. فاعرف ذلك، وأنس به، ولا تنب عنه.
فإن قلت: فلسنا نجد كلّ المذكّر إذا أريد تكسيره أنّث ألا تراك تقول: رجل، ورجال، وغلام، وغلمان، وكلب، وأكلب. فهذا بخلاف ذكر وذكارة وذكورة، وفحل وفحالة وفحولة.
قيل: لم ندّع أن كل مذكّر كسّر فلابدّ فى مثال تكسيره من علم تأنيث، وإنما أرينا أن هذا المعنى قد يوجد فيه، فاستدللنا بذلك على صحّة ما كنا عليه وبسبيله.
وكيف تصرّفت الحال فأنت قد تلاحظ تأنيث الجماعة فى نحو رجال، فتقول:
قامت الرجال، و (إذا عاديت الرجال فاصبر لها أى للرجال وإن شئت كانت الهاء للمعاداة).
وعلى نحو مما نحن بصدده ما قالوا: ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، فعسكوا الأمر على ما تراه. ولأجل ذلك ما قالوا: امرأة صابرة (وغادرة، فألحقوا علم التأنيث، فإذا تناهوا فى ذلك قالوا: صبور) وغدور، فذكّروا. وكذلك رجل ناكح، فإذا بالغوا قالوا: رجل نكحة.
ونحو من ذلك سواء اطّراد التصرّف فى الأفعال نحو قام، ويقوم، وقم، وما
كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرّف، فقالوا: نعم الرجل، وبئس الغلام، فلم يصرّفوهما، وجعلوا ترك التصرّف فى الفعل الذى هو أصله وأخصّ الكلام به أمارة للأمر الحادث له، وأن حكما من أحكام المبالغة قد طرأ عليه كما تركوا لذلك أيضا تأنيثه دليلا عليه فى نحو قولهم: نعم المرأة، وبئس الجارية.(2/449)
ونحو من ذلك سواء اطّراد التصرّف فى الأفعال نحو قام، ويقوم، وقم، وما
كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرّف، فقالوا: نعم الرجل، وبئس الغلام، فلم يصرّفوهما، وجعلوا ترك التصرّف فى الفعل الذى هو أصله وأخصّ الكلام به أمارة للأمر الحادث له، وأن حكما من أحكام المبالغة قد طرأ عليه كما تركوا لذلك أيضا تأنيثه دليلا عليه فى نحو قولهم: نعم المرأة، وبئس الجارية.
فإن قلت: فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرّف البتّة، ولم يمنعوهما علم التأنيث البتّة ألا تراك أيضا قد تقول: نعمت المرأة، وبئست الجارية، وأنت لا تصرّف واحدا منهما على وجه؟
قيل: إنما حظروا عليهما ما هو أخصّ الأوصاف بهما أعنى التصرّف ليكون حظره عليهما أدلّ شىء على حدوث عائق لهما، وليست كذلك علامة التأنيث، لأن الفعل لم يكن فى القياس تأنيثه ألا تراه مفيدا للمصدر الدالّ على الجنس، والجنس أسبق شىء إلى التذكير، وإنما دخل علم التأنيث فى نحو قامت هند، وانطلقت جمل لتأنيث فاعله، ولو كان تأنيث الفعل لشىء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد، وانطلقت جعفر. فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرّفهما الذى هو أقعد من غيره فيهما، دون الاقتصار على ترك تأنيثهما إذ التأنيث فيهما ليس فى الأصل مستحقّا لهما، ولا راجعا إليهما وإنما هو مراعى به تأنيث فاعليهما. ويؤكّد ذلك عندك ما رواه الأصمعىّ عنهم من قوله: إذا فاق الشىء فى بابه سمّوه خارجيّا وأنشد بيت طفيل الغنوىّ:
وعارضتها رهوا على متتابع ... شديد القصيرى خارجىّ محنّب (1)
فقولهم فى هذا المعنى: خارجىّ، واستعمالهم فيه لفظ خرج، من أوثق ما يستدلّ به على هذا المعنى، وهو الغاية فيه. فاعرفه واشدد يدك به.
* * * __________
(1) البيت من الطويل وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص 26، ولسان العرب (خرج)، ومقاييس اللغة 4/ 272، وكتاب الجيم 2/ 24، وتاج العروس (خرج)، (عرض).(2/450)
باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية، ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضلّ من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه (واستخفّ حلمه) ضعفه فى هذه اللغة الكريمة الشريفة، التى خوطب الكافّة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها، وأصل اعتقاد التشبيه لله تعالى بخلقه منها، وجاز عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لمّا سمعوا قول الله سبحانه، وعلا عما يقول الجاهلون علوّا كبيرا {يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} [الزمر: 39] وقوله تعالى {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} [البقرة: 115] وقوله: {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله تعالى: {مِمََّا عَمِلَتْ أَيْدِينََا} [يس: 71] وقوله: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ}
[الرحمن: 27] وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} [طه: 39] وقوله: {وَالسَّمََاوََاتُ مَطْوِيََّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ونحو ذلك من الآيات الجارية هذا المجرى، وقوله فى الحديث:
«خلق الله آدم على صورته» (1)، حتى ذهب بعض هؤلاء الجهّال فى قوله تعالى:
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} [القلم: 42] أنها ساق ربهم ونعوذ بالله من ضعفة النظر، وفساد المعتبر ولم يشكّوا أن هذه أعضاء له، وإذا كانت أعضاء كان هو لا محالة جسما معضّى (2) على ما يشاهدون من خلقه، عزّ وجهه، وعلا قدره، وانحطّت سوامى (الأقدار و) الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة أو تصرّف فيها، أو مزاولة لها، لحمتهم السعادة بها، ما أصارتهم الشقوة إليه، بالبعد عنها.
وسنقول فى هذا ونحوه ما يجب فى مثله. ولذلك ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لرجل لحن: «أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ»، فسمّى اللحن ضلالا وقال عليه السلام:
«رحم الله امرأ أصلح من لسانه» (3)، وذلك لما (علمه صلّى الله عليه وسلم مما يعقب) الجهل لذلك
__________
(1) أخرجه البخارى فى «أحاديث الأنبياء» (ح 3326)، ومسلم فى «الاستئذان» (ح 2841).
(2) يقال: عضّيت الشاة والجزور تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها.
(3) ذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (1368)، وقال: «رواه ابن عدى والخطيب عن عمر، وابن عساكر عن أنس، وقال ابن الغرس: قال شيخنا: حديث ضعيف».(2/451)
من ضدّ السداد، وزيغ الاعتقاد.
وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز، وقلّما يخرج الشىء منها على الحقيقة. وقد قدّمنا ذكر ذلك فى كتابنا هذا وفى غيره. فلمّا كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها، وانتشار أنحائها، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه، ويعتادونه منها، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم، وعادتهم فى استعمالها. وذلك أنهم يقولون: هذا الأمر يصغر فى جنب هذا، أى بالإضافة إليه، و (قرنه به). فكذلك قوله تعالى: {يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} (أى فيما يبنى وبين الله) إذا أضفت تفريطى إلى أمره لى ونهيه إياى. وإذا كان أصله اتساعا جرى بعضه مجرى بعض.
وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلم: كلّ الصيد فى جنب الفرأ (1)، (وجوف القرأ)، أى (كأنه يصغر) بالإضافة إليه وإذا قيس به.
وكذلك قوله سبحانه: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} [البقرة: 115]، إنما هو الاتجاه (إلى الله)، ألا ترى إلى بيت الكتاب:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل (2)
أى الاتجاه. فإن شئت قلت: إن الوجه هنا مصدر محذوف الزيادة، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال، كوحده، وقيد الأوابد (فى أحد القولين) ونحوهما.
وإن شئت قلت: خرج مخرج الاستعارة. وذلك أن وجه الشىء أبدا هو أكرمه
__________
(1) المصدر السابق (1677)، وقال: «رواه الرامهرمزى فى الأمثال عن نصر بن عاصم الليثى
وسنده جيد، لكنه مرسل، ونحوه عند العسكرى، وقال «فى جوف أو جنب».
الفرأ: حمار الوحش.
(2) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى أدب الكاتب ص 524، والأشباه والنظائر 4/ 16، وأوضح المسالك 2/ 283، وتخليص الشواهد ص 405، وخزانة الأدب 3/ 111، 9/ 124، والدرر 5/ 186، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420، وشرح التصريح 1/ 394، وشرح شذور الذهب ص 479، وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51والصاحبى فى فقه اللغة ص 181، والكتاب 1/ 37، ولسان العرب (غفر)، والمقاصد النحوية 3/ 226، والمقتضب 2/ 321، وهمع الهوامع 2/ 82.(2/452)
وأوضحه، فهو المراد منه، والمقصود إليه. فجرى استعمال هذا فى القديم سبحانه مجرى العرف فيه والعادة فى أمثاله. أى لو كان تعالى ممّا يكون له وجه لكان كلّ موضع توجّه إليه فيه وجها له إلا أنك إذا جعلت الوجه فى القول الأوّل مصدرا كان فى المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل لأن المتوجّه إليه مفعول (فى المعنى فيكون) إذا من باب قوله عزّ وجلّ: {لََا يَسْأَمُ الْإِنْسََانُ مِنْ دُعََاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] و {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤََالِ نَعْجَتِكَ} [ص: 24] ونحو ذلك ممّا أضيف فيه المصدر إلى المفعول به.
وقوله تعالى: {مِمََّا عَمِلَتْ أَيْدِينََا} [يس: 71] إن شئت قلت: لمّا كان العرف أن يكون أكثر الأعمال باليد جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت: الأيدى هنا جمع اليد التى هى القوّة، فكأنه قال: مما عملته قوانا، أى القوى التى أعطيناها الأشياء، لا أنّ له سبحانه جسما تحلّه القوّة أو الضعف. ونحوه قولهم فى القسم: لعمر الله، إنما هو: وحياة الله، أى والحياة التى آتانيها الله، لا أن القديم سبحانه محلّ للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى القدرة وإن كان فى الحقيقة للقادر لأن بالقدرة ما يتمّ له العمل كما يقال: قطعه السيف، وخزقه الرمح. فيضاف الفعل إليهما لأنه إنما كان بهما.
وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} [طه: 39] أى تكون مكنوفا برأفتى بك، وكلاءتى لك كما أن من يشاهده الناظر له، والكافل به، أدنى إلى صلاح أموره، وانتظام أحواله، ممن يبعد عمن يدبّره، ويلى أمره قال المولّد:
شهدوا وغبنا عنهم فتحكّموا ... فينا وليس كغائب من يشهد
وهو باب واسع.
وقوله: {وَالسَّمََاوََاتُ مَطْوِيََّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] إن شئت جعلت اليمين هنا الجارحة، فيكون على (ما ذهبنا) إليه من المجاز والتشبيه، أى حصلت السموات تحت قدرته، حصول ما تحيط اليد به فى يمين القابض عليه، وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين، وهو من مواضع ذكر الاشتمال والقوّة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوّة كقوله:(2/453)
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين (1)
أى بقوّته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة: اليمنى على ما مضى.
وحدّثنا أبو على سنة إحدى وأربعين (2)، قال: فى قول الله جلّ اسمه {فَرََاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93] ثلاثة أقوال: أحدها: باليمين التى هى خلاف الشمال. والآخر باليمين التى هى القوّة. والثالث (باليمين التى هى) قوله:
{وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ} [الأنبياء: 57] فإن جعلت يمينه من قوله: {مَطْوِيََّاتٌ بِيَمِينِهِ} (هى الجارحة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا) أى مطويّات فى يمينه وتحت يمينه. وإن جعلتها القوّة لم تكن الباء ظرفا لكنها تكون حرفا، معناه الإلصاق والاستعانة به، على التشبيه بما يستعان به كقولهم: ضرب بالسيف، وقطع بالسكين، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى الظاهر، وإن كان غيره جائزا، على التشبيه والسعة.
وقوله فى الحديث: «خلق الله آدم على صورته» (3)، يحتمل الهاء فيه أن تكون راجعة على اسم الله تعالى، وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى كان معناه: على الصورة التى أنشأها الله، وقدّرها. فيكون المصدر حينئذ مضافا إلى الفاعل، لأنه سبحانه هو المصوّر لها، لا أن له عزّ اسمه صورة و (مثالا) كما أن قولهم: لعمر الله، إنما معناه: والحياة التى كانت بالله، والتى آتانيها الله، لا أن له تعالى حياة تحلّه، ولا أنه عزّ وجهه محلّ للأعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه: على صورة آدم أى على صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبّر، فيكون هذا حينئذ كقولك فى السيد والرئيس: قد خدمته خدمته، أى الخدمة التى تحقّ لأمثاله، وفى العبد والمبتذل: قد استخدمته استخدامه، أى استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف والتصرّف، فيكون إذا
__________
(1) البيت من الوافر وهو للشماخ فى ديوانه ص 336، ولسان العرب (عرب)، (يمن)، وتهذيب اللغة 8/ 221، 15/ 523، وجمهرة اللغة ص 319، 994، وتاج العروس (عرب)، ومقاييس اللغة 6/ 158.
(2) أى بعد الثلاثمائة.
(3) أخرجه البخارى فى «الأنبياء» (ح 3326)، وفى غير موضع، ومسلم فى الاستئذان، (ح 2841)، وقد سبق قريبا.(2/454)
كقوله عزّ وجلّ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مََا شََاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] وكذلك نظائر هذا: هذه سبيله.
فأمّا قول من طغى به جهله، وغلبت عليه شقوته، حتى قال فى قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} [القلم: 42]: إنه أراد به عضو القديم، وإنها جوهر كهذه الجواهر الشاغلة للأماكن، وإنها ذات شعر، وكذا وكذا ممّا تتايعوا (1) (فى شناعته) وركسوا فى (غوايته) فأمر نحمد الله على أن نزّهنا عن الإلمام بحراه. وإنما الساق هنا يراد بها شدّة الأمر كقولهم: قد قامت الحرب على ساق. ولسنا ندفع مع ذلك أن الساق إذا أريدت بها الشدّة فإنما هى مشبّهة بالساق هذه التى تعلق القدم، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هى الحاملة للجملة، المنهضة لها. فذكرت هنا لذلك تشبيها وتشنيعا. فأما أن تكون للقديم تعالى جارحة: ساق أو غيرها، فنعوذ بالله من اعتقاده (أو الاجتياز) بطواره. وعليه بيت الحماسة:
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشرّ الصراح (2)
وأمّا قول ابن قيس فى صفة الحرب والشدّة فيها:
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى ... عن خدام العقيلة العذراء (3)
__________
(1) التتايع: الإسراع فى الشر.
(2) البيت من مجزوء الكامل، وهو لجد طرفة (سعد بن مالك) فى ديوانه ص 541، ولسان العرب (سوق)، وتهذيب اللغة 9/ 233، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 504، وتاج العروس (سوق).
وقوله: «كشفت» أى الحرب المذكورة قبل. ويقول التبريزى فى شرح الحماسة (2/ 76): «هذا مثل تضربه العرب فى كشف الساق. وذلك أن الرجل إذا أراد أن يمارس أمرا شمّر ذيله، فاستعمل ذلك فى الأنيس، ثم نقل إلى الحرب وغيرها من خطوب الدهر التى تعظم وتشتدّ.
وقد قيل: الساق اسم للشدّة، وفسّر عليه قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ}، فقيل:
المعنى: يوم يكشف عن شدّة». (نجار).
(3) البيت من الخفيف، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ديوانه ص 96، والأغانى 5/ 69، وخزانة الأدب 7/ 287، 11/ 277، وسر صناعة الإعراب ص 535، وشرح المفصل 9/ 37، ولسان العرب (شعا)، والمنصف 2/ 231، ولمحمد بن الجهم بن هارون فى معجم الشعراء ص 450، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 661، وتذكرة النحاة ص 444، ولسان العرب (خدم)، ومجالس ثعلب ص 150.(2/455)
فإنه وجه آخر، وطريق من طرق الشدّة غير ما تقدّم. وإنما الغرض فيه أن الرّوع قد بزّ العقيلة وهى المرأة الكريمة حياءها، حتى أبدت عن ساقها للحيرة والهرب كقول الآخر:
لمّا رأيت نساءنا ... يفحصن بالمعزاء شدّا
وبدت محاسنها التى ... تخفى وكان الأمر جدّا (1)
وقوله:
إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم ... مصاد لمن يأوى إليهم ومعقل (2)
وهو باب. وضدّه ما أنشده أبو الحسن:
ارفعن أذيال الحقىّ واربعن ... مشى حييّات كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن (3)
وأذكر يوما وقد خطر لى خاطر مما نحن بسبيله، فقلت: لو أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستّين سنة حتى لا يحظى منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه، ولا منتقص الحظّ منه، ولا السعادة به. وذلك قول الله عزّ اسمه: {وَلََا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنََا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنََا وَاتَّبَعَ هَوََاهُ وَكََانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28] ولن يخلو (أغفلنا) هنا من أن يكون من باب أفعلت الشىء أى صادفته ووافقته كذلك كقوله:
__________
الخدام: جمع الخدمة، وهى الخلخال، وقد تسمى الساق خدمة حملا على الخلخال لكونها موضعه وعدّى تبدى بعن لأنّ فيه معنى تكشف. اللسان (خدم).
(1) البيتان من مجزوء الكامل، وهو لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص 82.
المعزاء: الأرض الصلبة. الشدّ: العدو.
(2) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 95، وبلا نسبة فى لسان العرب (مصد)، وجمهرة اللغة ص 657، ومقاييس اللغة 5/ 329، ومجمل اللغة 4/ 331، وتاج العروس (مصد).
الكعاب: التى نهد ثديها، والمصادّ: أعلى الجبل.
(3) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حلق)، وجمهرة اللغة ص 562، وروايته:
رخين أذيال الحقىّ وارتعن ... مشى حميّات كأن لم يفزعن
إن يمنع اليوم نساء تمنعن(2/456)
* وأهيج الخلصاء من ذات البرق (1) *
أى صادفها هائجة النبات (وقوله:
* فمضى وأخلف من قتيلة موعدا (2) *
أى صادفه مخلفا)، وقوله:
أصمّ دعاء عاذلتى تحجّى ... بآخرنا وتنسى أوّلينا (3)
أى صادف قوما صمّا، وقول الآخر:
فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجود والمجد يوم الفخار
أى صادفته أعمى. وحكى الكسائىّ: دخلت بلدة فأعمرتها، أى وجدتها عامرة، ودخلت بلدة فأخربتها، أى وجدتها خرابا، ونحو ذلك، أو يكون ما قاله الخصم: أن معنى أغفلنا قلبه: منعنا وصددنا، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر على ما ذهبوا إليه منه لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو، وأن يقال:
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتّبع هواه. وذلك أنه كان يكون على هذا الأوّل علّة للثانى، والثانى مسببا عن الأوّل، ومطاوعا له كقولك: أعطيته فأخذ، وسألته فبذل، لمّا كان الأخذ مسببا عن العطيّة، والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو ألا (ترى أنك) إنما تقول: جذبته فانجذب، ولا تقول:
وانجذب، إذا جعلت الثانى مسببا عن الأوّل. وتقول: كسرته فانكسر، واستخبرته
__________
(1) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 105، ولسان العرب (ثيج) (حجر)، (حير)، (ذرق)، وتهذيب اللغة 4/ 134، 5/ 241، وتاج العروس (هيج)، (حجر)، (حير)، (ذرق)، ومقاييس اللغة 6/ 23، والمخصص 10/ 129، وديوان الأدب 1/ 254، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 694، ومقاييس اللغة 2/ 100، والمخصص 10/ 198.
الخلصاء: موضع. البرق: جمع البرقة، وهى موضع.
(2) عجز البيت من الكامل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 277، ولسان العرب (خلف)، (ثوا)، وجمهرة اللغة ص 615، ومقاييس اللغة 1/ 393، ومجمل اللغة 2/ 213، وديوان الأدب 4/ 109، وتهذيب اللغة 15/ 167، وتاج العروس (خلف)، (ثوى)، وبلا نسبة فى المخصص 13/ 262.
(3) تحجّى بآخرنا: أى تسبق إليهم باللوم. اللسان (حجا).(2/457)
فأخبر، كلّه بالفاء. فمجىء قوله تعالى: (واتبع هواه) بالواو دليل على أنّ الثانى ليس مسببا عن الأوّل على ما يعتقده المخالف. وإذا لم (يكن عليه) كان معنى أغفلنا قلبه عن ذكرنا أى صادفناه غافلا على ما مضى، وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة. فكأنه والله أعلم: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا، أى لا تطع من فعل كذا، وفعل كذا. وإذا صحّ هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولولا ما تعطيه العربيّة صاحبها من قوّة النفس، ودربة الفكر، لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى علىّ رحمهما الله وقد دوّخا هذا الأمر، وجوّلاه، وامتخضاه وسقياه، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما فيما علمته (به) على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز عندى أجرا عظيما فيما صنّفه من كتابه الصغير فى الردّ على الملحدين، وعليه عقد أبو علىّ رحمه الله كتابه فى تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة فى هذا الأمر، بإذن الله وعونه.
* * *
باب فى تجاذب المعانى والإعراب(2/458)
* * *
باب فى تجاذب المعانى والإعراب
هذا موضع كان أبو علىّ رحمه الله يعتاده، ويلمّ كثيرا به، ويبعث على المراجعة له، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد فى كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه. فمتى اعتورا كلاما ما أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب.
فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلى ََ رَجْعِهِ لَقََادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ}
[الطارق: 8، 9]، فمعنى هذا: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، فإن حملته فى الإعراب على هذا كان خطأ لفصلك بين الظرف الذى هو (يوم تبلى)، وبين ما هو معلّق به من المصدر الذى هو الرجع، والظرف من صلته، والفصل بين الصلة والموصول الأجنبىّ أمر لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له والإعراب مانعا منه، احتلت له، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف، ويكون المصدر الملفوظ به دالا على ذلك الفعل، حتى كأنه قال فيما بعد: يرجعه يوم تبلى السرائر. ودلّ (رجعه) على (يرجعه) دلالة المصدر على فعله.
ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنََادَوْنَ لَمَقْتُ اللََّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمََانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر: 10] ف (إذ) هذه فى المعنى متعلّقة بنفس قوله: لمقت الله، أى يقال لهم: لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان فكفركم، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان فيه الفصل بين الصلة التى إذ، وبين الموصول الذى هو لمقت الله فإذا كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدلّ المصدر عليه، حتى كأنه قال بأخرة: مقتكم إذ تدعون.
وإذا كان هذا ونحوه قد جاء فى القرآن فما أكثره وأوسعه فى الشعر! فمن ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله:(2/459)
لسنا كمن حلّت إياد دارها ... تكريت ترقب حبّها أن يحصدا (1)
ف (إياد) بدل من (من)، وإذا كان كذلك لم يمكنك أن تنصب (دارها) ب (حلّت) هذه الظاهرة لما فيه من الفصل، فحينئذ ما تضمر له فعلا يتناوله، فكأنه قال فيما بعد: حلّت دارها. وإذا جازت دلالة المصدر على فعله، والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل على الفعل الذى هو مثله، أدنى إلى الجواز، وأقرب مأخذا فى الاستعمال. ومثله قول الكميت فى ناقته:
كذلك تيك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل (2)
أى وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا كان فيه الفصل المكروه. فإذا كان المعنى عليه، ومنع طريق الإعراب منه أضمر له ما يتناوله، ودلّ (الناظرات) على ذلك المضمر. فكأنه قال فيما بعد: نظرن ما يرى المسحل ألا تراك لو قلت: كالضارب زيد جعفرا وأنت تريد: كالضارب جعفرا زيد لم يجز كما أنك لو قلت: إنك على صومك لقادر شهر رمضان، وأنت تريد: إنك على صومك شهر رمضان لقادر، لم يجز شىء من ذلك للفصل.
وما أكثر استعمال الناس لهذا الموضع فى محاوراتهم وتصرّف الأنحاء (فى كلامهم)! وأحد من اجتاز به البحترىّ فى قوله:
لا هناك الشّغل الجديد بحزوى ... عن رسوم برامتين قفار (3)
ف (عن) فى المعنى متعلّقة (بالشغل) أى لا هناك الشغل عن هذه الأماكن إلا أن الإعراب مانع منه، وإن كان المعنى متقاضيا له. وذلك أن قوله: (الجديد) صفة للشغل، والصفة إذا جرت على الموصوف آذنت بتمامه، وانقضاء أجزائه. فإن ذهبت تعلّق (عن) بنفس (الشغل) على ظاهر المعنى، كان فيه الفصل بين الموصول وصلته وهذا فاسد ألا تراك لو قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا لم يجز
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 281، ولسان العرب (كرت)، (منن)، ومغنى اللبيب 2/ 541.
(2) المسحل: الحمار الوحشى.
(3) من قصيدته فى مدح أبى جعفر بن حميد. وقبله:
أبكاء فى الدار بعد الديار ... وسلوّا بزينب عن نوار (نجار).(2/460)
لأنك وصفت المصدر وقد بقيت منه بقيّة، فكان ذلك فصلا بين الموصول وصلته بصفته. وصحّتها أن تقول: عجبت من ضربك الشديد عمرا لأنه مفعول الضرب، وتنصب عمرا بدلا من الشديد كقولك. مررت بالظريف عمرو، ونظرت إلى الكريم جعفر. فإن أردت أن تصف المصدر بعد إعمالك إياه قلت:
عجبت من ضربك الشديد عمرا الضعيف، أى عجبت من أن ضربت هذا الشديد ضربا ضعيفا. هذا تفسير المعنى.
وهذا الموضع من هذا العلم كثير فى الشعر القديم والمولّد. فإذا اجتاز بك شىء منه فقد عرفت طريق القول فيه، والرفق به إلى أن يأخذ مأخذه بإذن الله تعالى.
ومنه قول الحطيئة:
أزمعت يأسا مبينا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحزّ كالياس (1)
أى يأسا من نوالكم مبينا. فلا يجوز أن يكون قوله (من نوالكم) متعلّقا بيأس وقد وصفه بمبين، وإن كان المعنى يقتضيه لأن الإعراب مانع منه. لكن تضمر له، حتى كأنك قلت: يئست من نوالكم.
ومن تجاذب الإعراب والمعنى ما جرى من المصادر وصفا نحو قولك: هذا رجل دنف، وقوم رضا، ورجل عدل. فإن وصفته بالصفة الصريحة قلت: رجل دنف، وقوم مرضيّون، ورجل عادل. هذا هو الأصل. وإنما انصرفت العرب عنه فى بعض الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعىّ، والآخر معنوىّ. أما الصناعىّ فليزيدك أنسا بشبه المصدر للصفة التى أوقعته موقعها، كما أوقعت الصفة موقع المصدر، فى نحو قولك: أقائما والناس قعود (أى تقوم قياما والناس قعود) ونحو ذلك.
وأما المعنوىّ فلأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه فى الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل. وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده إياه. ويدلّ على أن هذا معنى لهم، ومتصوّر فى نفوسهم قوله (فيما أنشدناه):
__________
(1) البيت من البسيط وهو للحطيئة فى ديوانه ص 107، والأغانى 2/ 154، وحاشية يس 2/ 63، وحماسة البحترى ص 166، والدرر 5/ 251، وشرح شواهد المغنى 2/ 916، ولسان العرب (نسس)، والمحتسب 1/ 307، ومغنى اللبيب ص 2/ 588، وهمع الهوامع.(2/461)
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنّت علينا والضنين من البخل (1)
أى كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتى به منه. ومنه قول الآخر:
* وهنّ من الإخلاف والولعان (2) *
وقوله:
* وهنّ من الإخلاف بعدك والمطل *
وأصل هذا الباب عندى قول الله عزّ وجلّ: {خُلِقَ الْإِنْسََانُ مِنْ عَجَلٍ}
[الأنبياء: 37] وقد ذكرنا هذا الفصل فيما مضى. فقولك إذا: هذا رجل دنف بكسر النون أقوى إعرابا لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوّزة. وقولك: رجل دنف أقوى معنى لما ذكرناه: من كونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل. وهذا معنى لا تجده، ولا تتمكن منه مع الصفة الصريحة. فهذا وجه تجاذب الإعراب والمعنى فاعرفه وأمض الحكم فيه على أىّ الأمرين شئت.
* * * __________
(1) البيت من الطويل، وهو للبعيث (خداش بن بشر)، ولسان العرب (جذم)، (ضنن)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 385، وشرح شواهد المغنى 2/ 722، والمحتسب 2/ 46، ومغنى اللبيب 1/ 311.
(2) الشطر من الطويل، وهو للبعيث فى لسان العرب (ولع).(2/462)
باب فى التفسير على المعنى دون اللفظ
اعلم أن هذا موضع قد أتعب كثيرا من الناس واستهواهم، ودعاهم من سوء الرأى وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتايعوا فيه حتى إن أكثر ما ترى من هذه الآراء المختلفة، والأقوال المستشنعة، إنما دعا إليها القائلين بها تعلّقهم بظواهر هذه الأماكن، دون أن يبحثوا عن سرّ معانيها، ومعاقد أغراضها.
فمن ذلك قول سيبويه فى بعض ألفاظه: حتّى الناصبة للفعل، يعنى فى نحو قولنا: اتّق الله حتى يدخلك الجنّة. فإذا سمع هذا من يضعف نظره اعتدها فى جملة الحروف الناصبة للفعل، وإنما النصب بعدها بأن مضمرة. وإنما جاز أن يتسمّح بذلك من حيث كان الفعل بعدها منصوبا بحرف لا يذكر معها فصارت فى اللفظ كالخلف له، والعوض منه، وإنما هى فى الحقيقة جارّة لا ناصبة.
ومنه قوله أيضا فى قول الشاعر:
أنا اقتسمنا خطّتينا بيننا ... فحملت برّة واحتملت فجار (1)
إن فجار معدولة عن الفجرة. وإنما غرضه أنها معدولة عن فجرة (معرفة علما) على ذا يدلّ هذا الموضع من الكتاب. ويقوّيه ورود برّة معه فى البيت، وهى كما ترى علم. لكنه فسّره على المعنى دون اللفظ. وسوّغه ذلك أنه لمّا أراد تعريف الكلمة المعدول عنها مثّل ذلك (بما تعرّف) باللام لأنه لفظ معتاد، وترك لفظ فجرة لأنه لا يعتاد ذلك علما، وإنما يعتاد نكرة (وجنسا) نحو فجرت فجرة كقولك: تجرت تجرة ولو عدلت برّة هذه على هذا الحدّ لوجب أن يقال فيها:
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 55، وإصلاح المنطق ص 336، وخزانة الأدب 6/ 327، 330، 333، والدرر 1/ 97، وشرح أبيات سيبويه 2/ 216، وشرح التصريح 1/ 125، وشرح المفصل 4/ 53، والكتاب 3/ 274، ولسان العرب (برر)، (فجر)، (حمل)، والمقاصد النحوية 1/ 405، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 1/ 349، وجمهرة اللغة ص 463، وخزانة الأدب 6/ 287، وشرح الأشمونى 1/ 62، وشرح عمدة الحافظ ص 141، وشرح المفصل 1/ 38، ولسان العرب (أنن)، ومجالس ثعلب 2/ 464، وهمع الهوامع 1/ 29، وتاج العروس (أنن).(2/463)
برار كفجار.
ومنه قولهم: أهلك والليل فإذا فسّروه قالوا: أراد: الحق أهلك قبل الليل.
وهذا لعمرى تفسير المعنى لا تقدير الإعراب فإنه على: الحق أهلك وسابق الليل.
ومنه ما حكاه الفرّاء من قولهم: معى عشرة فأحدهنّ، أى اجعلهنّ أحد عشر.
وهذا تفسير المعنى، أى أتبعهنّ ما يليهنّ (وهو) من حدوث الشىء إذا جئت بعده.
وأما اللفظ فإنه من (وح د) لأن أصل أحد وحد ألا ترى إلى قول النابغة:
كأنّ رحلى وقد زال النهار بنا ... بذى الجليل على مستأنس وحد (1)
أى منفرد، وكذلك الواحد إنما هو منفرد. وقلب هذه الواو المفتوحة المنفردة شاذّ ومذكور فى التصريف. وقال لى أبو علىّ رحمه الله بحلب سنة ست وأربعين: إن الهمزة فى قولهم: ما بها أحد ونحو ذلك مما أحد فيه للعموم ليست بدلا من واو بل هى أصل فى موضعها. قال: وذلك أنه ليس من معنى أحد فى قولنا: أحد عشر، وأحد وعشرون. قال: لأن الغرض فى هذه الانفراد، والذى هو نصف الاثنين قال: وأما أحد فى نحو قولنا: ما بها أحد، وديّار، فإنما هى للإحاطة والعموم. (والمعنيان) كما ترى مختلفان. هكذا قال وهو الظاهر.
ومنه قول المفسرين فى قول الله تعالى: {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [الصف: 14] أى مع الله، ليس أنّ (إلى) فى اللغة بمعنى مع ألا تراك لا تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: سرت مع زيد، هذا لا يعرف فى كلامهم. وإنما جاز هذا التفسير فى هذا الموضع لأن النبىّ إذا كان له أنصار فقد انضمّوا فى نصرته إلى الله، فكأنه قال: من أنصارى منضمّين إلى الله كما تقول: زيد إلى خير، وإلى دعة وستر، أى آو إلى هذه الأشياء ومنضمّ إليها. فإذا انضمّ إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى هذا فسّر المفسرون هذا الموضع.
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص 17، والأزهية ص 285، وخزانة الأدب 3/ 187، وشرح المفصل 6/ 16، ولسان العرب (وحد)، (نهر)، (أنس)، (زول).
ذو الجليل: موضع. أى على ثور وحشىّ أحسّ بما رابه فهو يستأنس أى يتبصّر ويتلفّت هل يرى أحدا، أراد أنه مذعور فهو أجدّ لعدوه وسرعته. اللسان (أنس).(2/464)
ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] قالوا: معناه: قد امتلأت وهذا أيضا تفسير على المعنى دون اللفظ، و (هل) مبقّاة على استفهامها. وذلك كقولك للرجل لا تشك فى ضعفه عن الأمر: هل ضعفت عنه، وللإنسان (يحبّ الحياة): هل تحبّ الحياة، أى فكما تحبّها فليكن حفظك نفسك لها، وكما ضعفت عن هذا الأمر فلا تتعرّض لمثله مما تضعف عنه. وكأن الاستفهام إنما دخل هذا الموضع ليتبع الجواب عنه بأن يقال:
نعم (فإن كان كذلك) فيحتجّ عليه باعترافه به، فيجعل ذلك طريقا إلى وعظه أو تبكيته. ولو لم يعترف فى ظاهر الأمر به لم يقو توقيفه عليه، وتحذيره من مثله، قوّته إذا اعترف به لأن الاحتجاج على المعترف أقوى منه على المنكر أو المتوقّف فكذلك قوله سبحانه: هل امتلات، فكأنها قالت: لا، فقيل لها: بالغى فى إحراق المنكر (كان لك) فيكون هذا خطابا فى اللفظ لجهنم، وفى المعنى للكفار.
(وكذلك) جواب هذا من قولها: هل من مزيد، أى أتعلم يا ربنا أن عندى مزيدا؟
فجواب هذا منه عزّ اسمه لا، أى فكما تعلم أن لا مزيد فحسبى ما عندى.
فعليه قالوا فى تفسيره: قد امتلأت، فتقول: ما من مزيد. فاعرف هذا ونحوه.
وبالله التوفيق.
* * *
باب فى قوة اللفظ لقوة المعنى(2/465)
* * *
باب فى قوة اللفظ لقوة المعنى
هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضى الله عنه: اخشوشنوا وتمعدودا: أى اصلبوا وتناهوا فى الخشنة. وكذلك قولهم:
أعشب المكان، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا: اعشوشب. ومثله حلا واحلولى، وخلق واخلولق، وغدن (1) واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل نحو قدر واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم: قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض القياس قال الله سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 42] فمقتدر هنا أوفق من قادر من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدّة الأخذ. وعليه عندى قول الله عزّ وجلّ: {لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله عزّ اسمه: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا وَمَنْ جََاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلََا يُجْزى ََ إِلََّا مِثْلَهََا} [الأنعام: 160] أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها، صغر الواحد إلى العشرة، ولمّا كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها، لم تحتقر إلى الجزاء عنها، فعلم بذلك قوّة فعل السيّئة على فعل الحسنة ولذلك قال تبارك وتعالى:
{تَكََادُ السَّمََاوََاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبََالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمََنِ وَلَداً} [مريم: 90، 91] فإذا كان فعل السيئة ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية، عظّم قدرها، وفخّم لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد فى لفظ فعل السيئة، وانتقص من لفظ فعل الحسنة لما ذكرنا.
ومثله سواء بيت الكتاب:
أنا اقتسمنا خطّتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار (2)
فعبّر عن البرّ بالحمل، وعن الفجرة بالاحتمال. (وهذا) هو ما قلناه فى قوله
__________
(1) الغدن: اللين.
(2) سبق تخريجه.(2/466)
عزّ اسمه: {لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] لا فرق بينهما.
وذاكرت بهذا الموضع بعض أشياخنا من المتكلمين فسّر به، وحسن فى نفسه.
ومن ذلك أيضا قولهم: رجل جميل، ووضىء فإذا أرادوا المبالغة فى ذلك قالوا: وضّاء، وجمّال، فزادوا فى اللفظ (هذه الزيادة) لزيادة معناه قال:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضّاء (1)
وقال:
تمشى بجهم حسن ملّاح ... أجمّ حتى همّ بالصياح (2)
وقال:
* منه صفيحة وجه غير جمّال *
وكذلك حسن وحسّان قال:
دار الفتاة التى كنا نقول لها ... يا ظبية عطلا حسّانة الجيد (3)
وكأن أصل هذا إنما هو لتضعيف العين فى نحو المثال نحو قطّع وكسّر وبابهما.
وإنما جعلنا هذا هو الأصل لأنه مطرّد فى بابه أشدّ من اطّراد باب الصفة.
وذلك نحو قولك: قطع وقطّع، وقام الفرس وقوّمت الخيل، ومات البعير وموّتت الإبل ولأن العين قد تضّعف فى الاسم الذى ليس يوصف، نحو قبّر وتمّر وحمّر (4). فدلّ ذلك على سعة زيادة العين. فأما قولهم: خطّاف وإن كان اسما
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لأبى صدقة الدبيرى فى لسان العرب (وضأ)، وتاج العروس (وضأ)، والمخصص 16/ 34، وبلا نسبة فى المخصص 2/ 153، 15/ 89، وأساس البلاغة (وضأ).
(2) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (ملح)، وتاج العروس (ملح).
يعنى بالجهم فرجها. اللسان (ملح).
(3) البيت من البسيط، وهو للشماخ فى ديوانه ص 112، وإصلاح المنطق ص 108، وشرح شواهد الإيضاح ص 587، وشرح المفصل 5/ 66، ولسان العرب (حمم)، (حسن)، وكتاب العين 2/ 9، والمنصف 1/ 242.
(4) قبّر ونمّر وحمّر: من الطيور.(2/467)
فإنه لاحق بالصفة فى إفادة معنى الكثرة ألا تراه موضوعا لكثرة الاختطاف به.
وكذلك سكّين، إنما هو موضوع لكثرة تسكين الذابح به. وكذلك البزّار والعطار والقصّار ونحو ذلك إنما هى لكثرة تعاطى هذه الأشياء وإن لم تكن مأخوذة من الفعل. وكذلك النسّاف لهذا الطائر، كأنه قيل له ذلك لكثرة نسفه بجناحيه.
وكذلك الخضّارى للطائر أيضا كأنه قيل له ذلك لكثرة خضرته، والحوّارى لقوّة حوره وهو بياضه. وكذلك الزمّل (1) والزمّيل والزمّال، إنما كررت عينه لقوّة حاجته إلى أن يكون تابعا وزميلا. وهو باب منقاد.
ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله. وذلك فعال فى معنى فعيل نحو طوال فهو أبلغ (معنى من) طويل، وعراض فإنه أبلغ (معنى من) عريض. وكذلك خفاف من خفيف، وقلال من قليل، وسراع من سريع.
ففعال لعمرى وإن كانت أخت فعيل فى باب الصفة، فإن فعيلا أخصّ بالباب من فعال ألا تراه أشدّ انقيادا منه تقول: جميل ولا تقول: جمال، وبطىء ولا تقول: بطاء، وشديد ولا تقول: شداد (ولحم غريض ولا يقال غراض). فلمّا كانت فعيل هى الباب المطّرد وأريدت المبالغة، عدلت إلى فعال. فضارعت فعال بذلك فعّالا. والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد منهما عن أصله. أما فعّال فبالزيادة، وأمّا فعال فبالانحراف به عن فعيل.
وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة المعانى، ثم زيد فيها شىء، أوجبت القسمة له زيادة المعنى به. وكذلك إن انحرف به عن سمته (وهديته) كان ذلك دليلا على حادث متجدّد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث له زائدا فيه، لا متنقصا منه ألا ترى أن كل واحد من مثالى التحقير والتكسير عارضان للواحد، إلا أن أقوى التغييرين هو ما عرض لمثال التكسير. وذلك أنه أمر عرض للإخراج عن الواحد والزيادة فى العدّة، فكان أقوى من التحقير لأنه مبق للواحد على إفراده. ولذلك لم يعتدّ التحقير سببا مانعا من الصرف، كما اعتدّ التكسير مانعا منه ألا تراك تصرف دريهما ودنينيرا، ولا تصرف دراهم ولا دنانير لما ذكرنا. ومن هنا حمل
__________
(1) الزّمّل والزّمّيل والرّمّال: الضعيف الجبان الرّذل.(2/468)
سيبويه مثال التحقير على مثال التكسير، فقال تقول: سريحين لقولك:
سراحين، وضبيعين لقولك: ضباعين: وتقول سكيران: لأنك لا تقول:
سكارين. هذا معنى قوله وإن لم يحضرنا الآن حقيقة لفظه. وسألت أبا علىّ عن ردّ سيبويه مثال التحقير إلى مثال التكسير فأجاب بما أثبتنا آنفا. فاعرف ذلك إلى ما تقدّمه.
* * *
باب فى نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها(2/469)
* * *
باب فى نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها
من ذلك لفظ الاستفهام، إذا ضامّه معنى التعجّب استحال خبرا. وذلك قولك: مررت برجل أىّ رجل. فأنت الآن مخبر بتناهى الرجل فى الفضل، ولست مستفهما. وكذلك مررت برجل أيّما رجل لأن ما زائدة. وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر، والتعجّب ضرب من الخبر. فكأن التعجّب لمّا طرأ على الاستفهام إنما أعاده إلى أصله: من الخبريّة.
ومن ذلك لفظ الواجب، إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيا، وإذا لحقت لفظ النفى عاد إيجابا. وذلك كقول الله سبحانه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} [المائدة: 116] أى ما قلت لهم، وقوله: {آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] أى لم يأذن لكم. وأما دخولها على النفى فكقوله عزّ وجلّ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] أى أنا كذلك، وقول جرير:
* ألستم خير من ركب المطايا (1) *
أى أنتم كذلك. وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشىء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضدّه، فلذلك استحال به الإيجاب نفيا، والنفى إيجابا.
ومن ذلك أن تصف العلم، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أخرجته به عن حقيقة ما وضع له، (فأدخلته) معنى لولا الصفة لم تدخله إياه. وذلك أنّ وضع العلم أن يكون (مستغنيا بلفظه) عن عدّة من الصفات، فإذا أنت وصفته فقد سلبته (الصفة له ما كان) فى أصل وضعه مرادا فيه: من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته.
وقد ذكرنا هذا الموضع فيما مضى. فتأمّل هذه الطريق، حتى إذا ورد شىء منها عرفت مذهبه.
__________
(1) صدر بيت من الوافر، وهو لجرير فى ديوانه ص 85، 89، والجنى الدانى ص 32، وشرح شواهد المغنى 1/ 42، ولسان العرب (نقص)، ومغنى اللبيب 1/ 17، ورصف المبانى ص 46، وشرح المفصل 8/ 123، والمقتضب 3/ 292، وعجزه:
* وأندى العالمين بطون راح *(2/470)
باب فى الاستخلاص من الأعلام معانى الأوصاف
من ذلك ما أنشدناه أبو على رحمه الله من قول الشاعر:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان ... ليس علىّ حسبى بضؤلان (1)
أنشدنيه رحمه الله ونحن فى دار الملك. وسألنى عما يتعلّق به الظرف الذى هو (بعض الأحيان) فخضنا فيه إلى أن برد فى اليد من جهته أنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد: أنا مثل أبى المنهال، فيعمل فى الظرف على هذا معنى التشبيه، أى أشبه أبا المنهال فى بعض الأحيان. والآخر أن يكون قد عرف من أبى المنهال هذا الغناء والنجدة، فإذا ذكر فكأنه قد ذكرا، فيصير معناه إلى أنه كأنه قال:
أنا المغنى فى بعض الأحيان، أو أنا النجد فى بعض تلك الأوقات.
أفلا تراك كيف انتزعت من العلم الذى هو (أبو المنهال) معنى الصفة والفعلية.
ومنه قولهم فى الخبر. إنما سمّيت هانئا لنهنأ (2). وعليه جاء نابغة لأنه نبغ فسمّى بذلك. فهذا لعمرى صفة غلبت، فبقى عليها بعد التسمية بها بعض ما كانت تفيده من معنى الفعل من قبل. وعليه مذهب الكتاب فى ترك صرف أحمر إذا سمّى به، ثم نكّر. وقد ذكرنا ذلك فى غير موضع (إلا أنك) على الأحوال قد انتزعت من العلم معنى الصفة. وقد مرّ بهذا الموضع الطائىّ الكبير، فأحسن فيه، واستوفى معناه، فقال:
فلا تحسبا هندا لها الغدر وحدها ... سجيّة نفس كلّ غانية هند
فقوله: (كلّ غانية هند) متناه فى معناه، وآخذ لأقصى مداه ألا (ترى أنه) كأنه قال: كلّ غانية غادرة أو قاطعة (أو خائنة) أو نحو ذلك.
__________
(1) الرجز لأبى المنهال فى لسان العرب (أين)، وتاج العروس (أين)، ولبعض بنى أسد فى تهذيب اللغة 12/ 65، والدرر 5/ 310، وشرح شواهد المغنى 3/ 843، ومغنى اللبيب 2/ 434، وهمع الهوامع 2/ 107، ولسان العرب (ضأل).
ضؤلان: أى ضئيل. اللسان (ضأل).
(2) يقال: هنأه يهنؤه ويهنئه هنئا، وأهنأه: أعطاه. لتهنأ، أى لتعطى. اللسان (هنأ).(2/471)
ومنه قول الآخر:
إن الذئاب قد اخضرّت براثنها ... والناس كلّهم بكر إذا شبعوا (1)
أى إذا شبعوا تعادوا وتغادروا لأن بكرا هكذا فعلها.
ونحو من هذا وإن لم يكن الاسم المقول عليه علما قول الآخر:
ما أمّك اجتاحت المنايا ... كلّ فؤاد عليك أمّ (2)
كأنه قال: كلّ فؤاد عليك حزين أو كئيب إذ كانت الأمّ هكذا غالب أمرها، لا سيما مع المصيبة، وعند نزول الشدّة.
ومثله فى النكرة أيضا قولهم: مررت برجل صوف تكّته، أى خشنة، ونظرت إلى رجل خزّ قميصه أى ناعم، ومررت بقاع عرفج (3) كلّه أى جاف وخشن. وإن جعلت (كله) توكيدا لما فى (عرفج) من الضمير فالحال واحدة لأنه لم يتضمّن الضمير إلا لما فيه من معنى الصفة.
ومن العلم أيضا قوله:
* أنا أبو بردة إذ جدّ الوهل *
أى أنا المغنى والمجدى عند اشتداد الأمر.
وقريب منه قوله:
* أنا أبوها حين تستبغى أبا (4) *
أى أنا صاحبها، وكافلها وقت حاجتها إلى ذلك:
__________
(1) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (بكر).
براثن الذئاب مخالبها بمنزلة الأصابع للإنسان. أراد إذا شبعوا تعادوا وتغاوروا لأنّ بكرا كذا فعلها. اللسان (بكر).
(2) البيت من مخلع البسيط، وهو بلا نسبة فى تخليص الشواهد، ص 166، وخزانة الأدب 5/ 267.
(3) العرفج: شجر له ثمرة خشناء كالحسك.
(4) تستبغى: أى تبغى وتطلب.(2/472)
ومثله وأحسن (صنعة منه):
لا ذعرت السوام فى فلق الصب ... ح مغيرا ولا دعيت يزيدا (1)
أى لا دعيت الفاضل المغنى هذا يريد وليس يتمدّح بأن اسمه يزيد لأن يزيد ليس موضوعا بعد النقل عن الفعلية إلا للعلميّة. فإنما تمدّح هنا بما عرف من فضله وغنائه. وهو كثير. فإذا مرّ بك شىء منه فقد عرّفتك طريقه.
* * * __________
(1) السوام: الإبل الراعية.(2/473)
باب فى أغلاط العرب
كان أبو علىّ رحمه الله يرى وجه ذلك، ويقول: إنما دخل هذا النحو فى كلامهم لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يعتصمون بها. وإنما تهجم بهم طباعهم على ما ينطقون به فربما استهواهم الشىء فزاغوا به عن القصد. هذا معنى قوله وإن لم يكن صريح لفظه.
فمن ذلك ما أنشده أحمد بن يحيى:
غدا مالك يرمى نسائى كأنما ... نسائى لسهمى مالك غرضان
فياربّ فاترك لى جهينة أعصرا ... فمالك موت بالقضاء دهانى (1)
هذا رجل مات نساؤه فشيئا، فتظلّم من ملك الموت عليه السلام. وحقيقة لفظه غلط وفساد. وذلك أن هذا الأعرابىّ لمّا سمعهم يقولون: ملك الموت، وكثر ذلك فى الكلام، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها فصارت عنده كأنها فعل لأنّ ملكا فى اللفظ (على صورة) فلك، فبنى منها فاعلا، فقال:
مالك موت، وغدا مالك فصار فى ظاهر لفظه كأنه فاعل، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل كما أن ملكا على التحقيق مفل، وأصله ملأك، فألزمت همزته التخفيف، فصار ملكا. واللام فيه فاء، والهمزة عين، والكاف لام، هذا أصل تركيبه، وهو (ل أك) وعليه تصرّفه، ومجىء الفعل (منه فى الأمر الأكثر) قال:
ألكنى إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحى الخبر (2)
__________
(1) البيتان من الطويل، وهما بلا نسبة فى لسان العرب (لأك)، (ملك)، (جهم)، وتاج العروس (جهم). ويروى البيت الأول منهما: يبغى بدلا من يرمى. ويروى البيت الآخر: عمّر بدلا من فاترك، بالفراق بدلا من بالقضاء.
(2) البيت من المتقارب، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص 113، ولسان العرب (لوك)، (رسل)، والمخصص 12/ 225، وبلا نسبة فى لسان العرب (ألك)، (نحا)، وتاج العروس (ألك).(2/474)
وأصله: ألئكنى فخففت همزته. وقال:
ألكنى إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا (1)
وقال:
ألكنى إلى قومى السلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (2)
(وقال يونس: ألك يألك).
فإذا كان كذلك فقول لبيد:
* بألوك فبذلنا ما سأل *
إنما هو عفول قدّمت عينه على فائه. وعلى أنه قد جاء عنهم ألك يألك، من الرسالة إلا أنه قليل.
وعلى ما قلنا فقوله:
أبلغ أبا دختنوس مألكة ... غير الذى قد يقال ملكذب (3)
(إنما هى) معفلة. وأصلها ملئكة فقلب، على ما مضى. وقد ذكرنا هذا الموضع فى شرح تصريف أبى عثمان رحمه الله.
فإن قلت: فمن أين لهذا الأعرابىّ مع جفائه وغلظ طبعه معرفة التصريف، حتى بنى من (ظاهر لفظ) ملك فاعلا، فقال: مالك.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لسحيم عبد بنى الحسحاس فى جمهرة اللغة ص 1236، 1237، وخزانة الأدب 2/ 104، واللامات ص 84، ولسان العرب (لوك)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 483.
(2) البيت من الطويل، وهو لعمرو بن شأس فى ديوانه ص 90، والدرر 5/ 36، وشرح أبيات سيبويه 1/ 79، وشرح شواهد المغنى 2/ 835، والكتاب 1/ 197، والمقاصد النحوية 3/ 596، وبلا نسبة فى المنصف 2/ 103، وفى لسان العرب (ألك)، وتاج العروس (ألك)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 8/ 70، ومغنى اللبيب 2/ 420.
(3) البيت من المنسرح، وهو للقيط بن زرارة فى شرح شواهد الإيضاح ص 288، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 133، وخزانة الأدب 9/ 305، ورصف المبانى ص 325، وسر صناعة الإعراب ص 539، 540، وشرح المفصل 8/ 35، 9/ 10، 116، ولسان العرب (ألك)، (لكن)، (منن).(2/475)
قيل: هبه لا يعرف التصريف (أتراه لا) يحسن بطبعه وقوّة نفسه ولطف حسّه هذا القدر! هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم، أو آلف لمذاهبهم لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصنعة فإنه يجده بالقوّة ألا ترى أن أعرابيّا بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلمّا شرب بعضها كظّه الأمر فقال: كبش أملح. فقيل له:
ما هذا! تنحنحت. فقال: من تنحنح، فلا أفلح. ألا تراه كيف استعان لنفسه ببحّة الحاء، واستروح إلى مسكة النفس بها، وعللها بالصويت اللاحق (لها فى الوقف) ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابىّ لا يعلم أن فى الكلام شيئا يقال له حاء، فضلا عن أن يعلم أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها فى حال سكونها والوقف عليها، ما لا يلحقها فى حال حركتها أو إدراجها فى حال سكونها، فى نحو بحر، ودحر (1) إلا أنه وإن لم يحسن شيئا من هذه الأوصاف صنعة ولا علما، فإنه يجدها طبعا ووهما. فكذلك الآخر: لمّا سمع ملكا وطال ذلك عليه أحسّ من ملك فى اللفظ ما يحسّه من حلك. فكما أنه يقال: أسود حالك قال هنا من لفظة ملك: مالك، وإن لم يدر أن مثال ملك فعل أو مفل، ولا أن مالكا هنا فاعل أو مافل. ولو بنى من ملك على حقيقة الصنعة فاعل لقيل: لائك كبائك، وحائك.
وإنما مكّنت القول فى هذا الموضع ليقوى فى نفسك قوّة حسّ هؤلاء القوم، وأنهم قد يلاحظون بالمنّة والطباع، ما لا نلاحظه نحن عن طول المباحثة والسماع.
فتأمّله فإن الحاجة إلى مثله ظاهرة.
ومن ذلك همزهم مصائب. وهو غلط منهم. وذلك أنّهم شبهوا مصيبة بصحيفة (فكما همزوا صحائف همزوا أيضا مصائب، وليست ياء مصيبة زائدة كياء صحيفة) لأنها عين، ومنقلبة عن واو، هى العين الأصلية. وأصلها مصوبة لأنها اسم الفاعل من أصاب كما أن أصل مقيمة مقومة، وأصل مريدة مرودة، فنقلت الكسرة من العين إلى الفاء، فانقلبت الواو ياء، على ما ترى. وجمعها القياسىّ مصاوب. وقد جاء ذلك قال:
__________
(1) الدحر: الطرد والإبعاد.(2/476)
يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذىّ جمّة مصاوبه (1)
وقالوا فى واحدتها: مصيبة، ومصوبة، ومصابة. وكأنّ الذى استهوى فى تشبيه ياء مصيبة بياء صحيفة أنها وإن لم تكن زائدة فإنها ليست على التحصيل بأصل، وإنما هى بدل من الأصل، والبدل من الأصل ليس أصلا، وقد عومل لذلك معاملة الزائد حكى سيبويه عن أبى الخطّاب أنهم يقولون فى راية: راءة.
فهؤلاء همزوا بعد الألف وإن لم تكن زائدة وكانت بدلا كما يهمزون بعد الألف الزائدة فى فضاء وسقاء. وعلّة ذلك أن هذه الألف وإن لم تكن زائدة فإنها بدل، والبدل مشبه للزائد. والتقاؤهما أن كل واحد منهما ليس أصلا.
ونحو منه ما حكوه فى قولهم فى زاى: زاء. وهذا أشدّ (وأشدّ) من راءة لأنّ الألف فى راءة على كل حال بدل، وهى أشبه بالزائد، وألف زاى ليست منقلبة، بل هى أصل لأنها فى حرف، فكان ينبغى ألا تشبه بالزائد إلا أنها وإن لم تكن منقلبة فإنها وقعت موقع المنقلبة لأن الألف هنا فى الأسماء لا تكون أصلا. فلمّا كان كذلك شبّهت ألف زاى لفظا بألف باب ودار كما أنهم لمّا احتاجوا إلى تصريف أخواتها قالوا: قوّفت قافا، ودوّلت دالا، وكوّفت كافا، ونحو ذلك.
وعلى هذا (أيضا قالوا) زويت زايا، وحكى: إنها زاى فزوّها. فلما كان كذلك انجذب حكم زاى إلى حكم راءة.
وقد حكيت عنهم منارة ومنائر، ومزادة ومزائد. وكأنّ هذا أسهل من مصائب لأن الألف أشبه بالزائد من الياء.
ومن البدل الجارى مجرى الزائد عندى لا عند أبى علىّ همزة وراء. ويجب أن تكون مبدلة من حرف علّة لقولهم: تواريت عنك إلا أن اللام لمّا أبدلت همزة أشبهت الزائدة التى فى ضهيأة (2) فكما أنك لو حقّرت ضهيأة لقلت:
ضهيّئة، فأقررت الهمزة، فكذلك قالوا فى تحقير وراء: وريّئة. ويؤكّد ذلك قول بعضهم فيها: وريّة كما قالوا فى صلاءة: صليّة. فهذا ما أراه أنا وأعتقده فى (وراء) هذه. وأمّا أبو علىّ رحمه الله فكان يذهب إلى أن لامها فى الأصل
__________
(1) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أذى)، وتاج العروس (أذى).
(2) ضهيأة: هى التى لا تحيض.(2/477)
همزة، وأنها من تركيب (ورأ)، وأنها ليست من تركيب (ورى). واستدلّ على ذلك بثبات الهمزة فى التحقير، على ما ذكرنا. وهذا لعمرى وجه من القول، إلا أنك تدع معه الظاهر والقياس جميعا. أمّا الظاهر فلأنها فى معنى تواريت، وهذه اللام حرف علّة، لا همزة، وأن تكون ياء واجب لكون الفاء واوا. وأمّا القياس فما قدّمناه: من تشبيه البدل بالزائد. فاعرف ما رأيناه فى هذا.
ومن أغلاطهم قولهم: حلأت السّويق، ورثأت زوجى بأبيات، واستلأمت الحجر، ولبّأت بالحج، وقوله:
* كمشترئ بالحمد أحمرة بترا *
وأمّا مسيل فذهب بعضهم فى قولهم فى جمعه: أمسلة إلى أنه من باب الغلط.
وذلك لأنه أخذه من سال يسيل (فهو عندهم على مفعل كالمسير والمحيض) وهو عندنا غير غلط لأنهم قد قالوا فيه: مسل، وهذا يشهد بكون الميم فاء. فأمسلة ومسلان: أفعلة وفعلان كأجربة وجربان. ولو كانت أمسلة ومسلان من السيل لكان مثالهما: أمفلة ومفلان والعين منهما محذوفة، وهى ياء السيل. وكذلك قال بعضهم فى معين لأنه أخذه من العين لأنه من ماء العيون، فحمله على الغلط لأنهم قد قالوا: قد سالت معنانه (1)، وإنما هو عندنا من قولهم أمعن له بحقّه، إذا طاع له به. وكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه، وطاع بها. ومنه الماعون لأنه (ما من) العادة المسامحة به، والانقياد إلى فعله.
وأنشدنى (أبو عبد الله الشجرىّ) لنفسه من قصيدة:
ترود ولا ترى فيها أريبا ... سوى ذى شجّة فيها وحيد (2)
(كذا أنشدنى هذه القصيدة مقيّدة) فقلت له: ما معنى أريبا، فقال: من الريبة.
وأخبرنا أبو علىّ (عن الأصمعىّ أنه) كان يقول فى قولهم للبحر: المهرقان: إنه من قولهم: هرقت الماء. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول (بلال بن) جرير:
__________
(1) المعنان: مجارى الماء فى الوادى. اللسان (معن).
(2) أريبا: أى ما يريبها. وذو شجة: الوتد.(2/478)
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علّة حاضره (1)
أراد: ساءلتهم (فاعلتهم) من السؤال، ثم عنّ له أن يبدل الهمزة على قول من قال: سايلتهم، فاضطرب عليه الموضع فجمع بين الهمزة والياء، فقال: سآيلتهم.
فوزنه على هذا: فعاعلتهم. وإن جعلت الياء زائدة لا بدلا كان: فعايلتهم. وفى هذا ما تراه فاعجب له.
ومن أغلاطهم ما يتعايبون به فى الألفاظ والمعانى من نحو قول ذى الرمّة:
* والجيد من أدمانة عنود (2) *
وقوله:
حتى إذا دوّمت فى الأرض راجعه ... كبر ولو شاء نجّى نفسه الهرب (3)
وسنذكر هذا ونحوه فى باب سقطات العلماء لما فيه من الصنعة. وكذلك غمز بعضهم على بعض فى معانيهم كقول بعضهم لكثيّر فى قوله:
فما روضة بالحزن طيّبة الثرى ... يمجّ الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزّة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها (4)
والله لو فعل هذا بأمة زنجيّة لطاب ريحها ألا قلت كما قال سيّدك:
ألم تر أنى كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب (5)
__________
(1) الأدمانة: الأدمة فى الظباء لون مشرب بياضا. والبيت فى اللسان (أدم) وفيه «عتود» بدل «عنود» وانظر اللسان (أدم).
(2) البيت من المتقارب، وهو لبلال بن جرير فى لسان العرب (سأل)، وتاج العروس (سأل).
(3) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 102، وجمهرة اللغة ص 684، ولسان العرب (دوم)، (دوا).
دوّمت الكلاب: أمعنت فى السير، وقال ابن الأعرابى: أدامته. وعن الأصمعىّ قال: دوّمت خطأ منه، لا يكون التدويم إلا فى السماء دون الأرض. وانظر اللسان (دوم).
(4) الطويل، وهو لكثير فى ديوانه ص 430، ولسان العرب (ندل)، وجمهرة اللغة ص 180، والأغانى 15/ 274.
الجثجاث: ريحانة طيبة الريح برّيّة. والعرار: بهار البرّ، وهو نبت طيب الريح، قال ابن برّىّ:
هو النرجس البرّىّ. اللسان (عرر). المندل: العود.
(5) أى امرؤ القيس، والبيت من قصيدة فى ديوانه.(2/479)
وكقول بشّار فى قول كثيّر:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكفّ تلين
لقد قبح بذكره العصا فى لفظ الغزل هلا قال كما قلت:
وحوراء المدامع من معد ... كأنّ حديثها (قطع الجمان)
إذا قامت لسبحتها تثنّت ... كأنّ عظامها من خيزران (1)
وكان الأصمعىّ يعيب الحطيئة ويتعقبه، فقيل له فى ذلك، فقال: وجدت شعره كله جيدا، فدلّنى على أنه كان يصنعه. وليس هكذا الشاعر المطبوع: إنما الشاعر المطبوع الذى يرمى بالكلام على عواهنه: جيّده على رديئه. وهذا باب فى غاية السعة. وتقصّيه يذهب بنا كل مذهب. وإنما ذكرت طريقه (وسمته) لتأتمّ بذلك، وتتحقّق سعة طرقات القوم فى القول. فاعرفه بإذن الله تعالى.
* * * __________
(1) السبحة بضم السين: صلاة النافلة.(2/480)
باب فى سقطات العلماء
حكى عن الأصمعىّ أنه صحّف قول الحطيئة:
وغررتنى وزعمت أ ... نّك لابن فى الصيف تامر
فأنشده:
* لاتنى بالضيف تامر *
أى تأمر بإنزاله وإكرامه. وتبعد هذه الحكاية (فى نفسى) لفضل الأصمعىّ وعلوّه غير أنى رأيت أصحابنا على القديم يسندونها إليه، ويحملونها عليه.
وحكى أن الفرّاء (صحّف (1) فقال) الجرّ: أصل الجبل، يريد الجراصل: الجبل.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد، عن أبى عبد الله محمد بن العباس اليزيدىّ، عن الخليل بن أسد النوشجانى، عن التوّزىّ، قال قلت لأبى زيد الأنصارىّ: أنتم تنشدون قول الأعشى:
* بساباط حتى مات وهو محزرق (2) *
وأبو عمرو الشيبانىّ ينشدها: محرزق، فقال: إنها نبطيّة وأم أبى عمرو نبطيّة، فهو أعلم بها منّا.
وذهب أبو عبيدة فى قولهم: لى عن هذا الأمر مندوحة، أى متّسع إلى أنه من
__________
(1) فى القاموس (جرر) «والجرّ: أصل الجبل، أو هو تصحيف للفرّاء، والصواب: الجراصل كعلابط: الجبلش وقال شارحه: «والعجب من المصنف حيث لم يذكر الجراصل فى كتابه هذا، بل ولا تعرض له أحد من أئمة الغريب. فإذا لا تصحيف كما لا يخفى».
(2) عجز البيت من الطويل، وهو للأعشى فى ديوانه ص 269، ولسان العرب (حزرق)، وكتاب العين 3/ 323، وتاج العروس (حرزق)، (حزرق)، (هرزق)، وفيه (مهزوق) مكان (محزوق)، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة 5/ 302، والمخصص 12/ 93. وصدر البيت:
* فذاك وما أنجى من الموت ربه *
وأبو عمرو الشيبانى ينشده محرزق، بتقديم الراء على الزّاى، فقال: إنها نبطيّة. يقول: حبس كرى النعمان بن المنذر بساباط المدائن حتى مات وهو مضيق عليه.(2/481)
قولهم: انداح بطنه أى اتّسع. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وذلك أن انداخ: انفعل، وتركيبه من دوح، ومندوحة: مفعولة، وهى من تركيب (ن د ح) والنّدح: جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السعة، وجمعه أنداح. أفلا ترى إلى هذين الأصلين: تباينا، وتباعدا، فكيف يجوز أن يشتقّ أحدهما من صاحبه على بعد بينهما، وتعادى وضعهما.
وذهب ابن الأعرابىّ فى قولهم: يوم أرونان إلى أنه من الرّنّة. وذلك أنها تكون مع البلاء والشدّة. وقال أبو علىّ رحمه الله: ليس هذا من غلط أهل الصناعة لأنه ليس فى الكلام أفوعال، وأصحابنا يذهبون إلى أنه أفعلان، من الرونة، وهى الشدّة فى الأمر.
وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى فى قولهم: أسكفّة الباب إلى أنها من قولهم: استكفّ أى اجتمع. وهذا أمر ظاهر الشناعة. وذلك أن أسكفّة: أفعلّة، والسين فيها فاء، وتركيبه من (س ك ف وأما استكفّ فسينه زائدة لأنه استفعل، وتركيبه من) ك ف ف. فأين هذان الأصلان حتى يجمعا ويدانى من شملهما. ولو كانت أسكفّة من استكفّ لكانت أسفعلة، وهذا مثال لم يطرق فكرا، ولا شاعر فيما علمناه قلبا. وكذلك لو كانت مندوحة من انداح بطنه كما ذهب إليه أبو عبيدة لكانت منفعلة. وهذا أيضا فى البعد والفحش كأسفعلة.
ومع هذا فقد وقع الإجماع على أن السين لا تزاد إلا فى استفعل، وما تصرّف منه. وأسكفة ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير.
وذهب أحمد أيضا فى تنّور إلى أنه تفعول من النار ونعوذ بالله من عدم التوفيق. هذا على سداد هذا الرجل وتميّزه من أكثر أصحابه ولو كان تفعولا من النار لوجب أن يقال فيه: تنوور كما أنك لو بنيته من القول لكان: تقوولا، ومن العود: تعوودا. وهذا فى نهاية الوضوح. وإنما تنّور: فعّول من لفظ (ت ن ر).
وهو أصل لم يستعمل إلا فى هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى. ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة كثير. منه حوشب وكوكب (وشعلّع) (وهزنبران) ودودرّى (ومنجنون) وهو واسع جدّا. ويجوز فى التنّور أن يكون فعنولا من (ت ن ر) فقد حكى أبو زيد فى زرنوق: زرنوقا.(2/482)
ويقال: إن التنّور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم. فإن كان كذلك فهو طريف، إلا أنه على كل حال فعّول أو فعنول لأنه جنس، ولو كان أعجميّا لا غير لجاز تمثيله (لكونه جنسا ولاحقا) بالعربىّ، فكيف وهو أيضا عربىّ لكونه فى لغة العرب غير منقول إليها، وإنما هو وفاق وقع، ولو كان منقولا (إلى اللغة العربية من غيرها) لوجب أن يكون أيضا وفاقا بين جميع اللغات غيرها.
ومعلوم سعة اللغات (غير العربية)، فإن جاز أن يكون مشتركا فى جميع ما عدا العربية، جاز أن يكون وفاقا وقع فيها. ويبعد فى نفسى أن يكون فى الأصل للغة واحدة، ثم نقل إلى جميع اللغات لأنا لا نعرف له فى ذلك نظيرا. وقد يجوز أيضا أن يكون وفاقا وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك، ثمّ انتشر بالنقل فى جميعها. وما أقرب هذا فى نفسى! لأنا لا نعرف شيئا من الكلام وقع الاتفاق عليه فى كل لغة، وعند كل أمّة: هذا كله إن كان فى جميع اللغات هكذا. وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر.
وروينا (هذه المواضع) عن أحمد بن يحيى.
وروينا عنه أيضا أنه قال: التواطخ (1) من الطيخ، وهو الفساد. وهذا على إفحاشه مما يجمل الظن به لأنه من الوضوح بحيث لا يذهب على أصغر صغير من أهل هذا العلم. وإذا كان كذلك وجب أن يحسّن الظنّ به، ويقال إنه (أراد به): كأنه مقلوب منه. هذا أوجه عندى من أن يحمل عليه هذا الفحش والتفاوت كله.
ومن هذا ما يحكى عن خلف أنه قال: أخذت على المفضّل الضبىّ فى مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرئ القيس:
نمسّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب (2)
__________
(1) يقال: تواطخ القوم الشىء: تداولوه بينهم. القاموس.
(2) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 51، ولسان العرب (ضهب)، (مثث)، ومقاييس اللغة 3/ 374، والتنبيه والإيضاح 2/ 325، وكتاب العين 6/ 225، 8/ 217، وجمهرة اللغة ص 140، 356، وتاج العروس (ضهب)، (مثث)، (مشش)، (عرف)، وبلا نسبة فى مجمل اللغة 3/ 292، ويروى: غث بدلا من غس.
المضهب: الذى لم يكمل نضجه.(2/483)
فقلت له: عافاك الله! إنما هو نمشّ: أى نمسح، ومنه سمّى منديل الغمر مشوشا، وأنشد للمخبّل السعدىّ:
وإذا ألمّ خيالها طرقت ... عينى فماء شئونها سجم (1)
فقلت: عافاك الله! إنما هو طرفت، وأنشد للأعشى:
ساعة أكبر النهار كما ش ... دّ محيل لبونه إعتاما (2)
فقلت: عافاك الله! إنما هو مخيل بالخاء المعجمة (وهو الذى) رأى خال السحابة، فأشفق منها على بهمه فشدّها.
وأمّا ما تعقب به أبو العبّاس محمد بن يزيد كتاب سيبويه فى المواضع التى سمّاها مسائل الغلط، فقلّما يلزم صاحب الكتاب منه إلا الشىء النّزر. وهو أيضا مع قلّته من كلام غير أبى العباس. وحدّثنا أبو على عن أبى بكر عن أبى العباس أنه قال: إن هذا كتاب كنا عملناه فى أوان الشبيبة والحداثة، واعتذر أبو العباس منه.
وأمّا كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلا (عن نفسه) ولا محالة أن (هذا تخليط لحق) هذا الكتاب من قبل غيره رحمه الله. وإن كان للخليل فيه عمل فإنما هو أنه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء، ولم يله بنفسه، ولا قرّره، ولا حرّره. ويدلّ على أنه قد كان نحا نحوه أنى أجد فيه معانى غامضة، ونزوات للفكر لطيفة، وصنعة فى بعض الأحوال مستحكمة. وذاكرت به يوما أبا علىّ رحمه الله فرأيته منكرا له. فقلت: إن تصنيفه منساق متوجّه، وليس فيه التعسّف الذى فى كتاب الجمهرة، فقال: الآن إذا صنّف إنسان لغة بالتركيّة تصنيفا جيدا أيؤخذ به فى
__________
(1) البيت من الكامل، وهو للمخبل السعدى فى ديوانه ص 312، ولسان العرب (سجر)، وتاج العروس (سجر). ويروى: طرفت بدلا من طرقت، شئونها بدلا من: سئونها.
(2) البيت من الخفيف، وهو للأعشى فى ديوانه ص 299، ولسان العرب (كبر)، وتهذيب اللغة 10/ 216، وتاج العروس (كبر).
أكبر النهار أى حين ارتفع. يقول: قتلناهم أول النهار فى ساعة قدر ما يشدّ المحيل أخلاف إبله لئلا يرضعها الفصلان. والإعتام: الإبطاء.(2/484)
العربيّة! أو كلاما هذا نحوه.
وأمّا كتاب الجمهرة ففيه أيضا من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه لبعده عن معرفة هذا الأمر. ولمّا كتبته وقّعت فى متونه وحواشيه جميعا من التنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته. ثم إنه لمّا طال علىّ أومأت إلى بعضه، وأضربت البتّة عن بعضه. وكان أبو على يقول: لمّا هممت بقراءة رسالة هذا الكتاب على محمد بن الحسن قال لى: يا أبا علىّ: لا تقرأ هذا الموضع علىّ، فأنت أعلم به منّى. وكان قد ثبت فى نفس أبى علىّ على أبى العباس فى تعاطيه الرد على سيبويه ما كان لا يكاد يملك معه نفسه. ومعذورا كان (عندى فى ذلك) لأنه أمر وضع من أبى العباس، وقدح فيه، وغضّ كل الغضّ منه.
وذكر النضر عند الأصمعىّ فقال: قد كان يجيئنى، وكان إذا أراد أن يقول:
ألف قال: إلف.
ومن ذلك اختلاف الكسائىّ وأبى محمد اليزيدىّ عند أبى عبيد الله فى الشراء أممدود هو أم مقصور. فمدّه اليزيدىّ وقصره الكسائىّ فتراضيا ببعض (فصحاء العرب و) كانوا بالباب، فمدّوه على قول اليزيدىّ. وعلى كل حال فهو يمدّ ويقصر. وقولهم: أشرية دليل المدّ (كسقاء) وأسقية.
ومن ذلك ما رواه الأعمش فى حديث عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة (1). وكان أبو عمرو بن العلاء قاعدا عنده بالكوفة فقال (الأعمش: يتخوّلنا، وقال أبو عمرو يتخوننا) فقال الأعمش: وما يدريك؟ فقال أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله عزّ وجلّ لم يعلمك (حرفا من العربية) أعلمتك. فسأل عنه الأعمش فأخبر بمكانه من العلم. فكان بعد ذلك يدنيه، ويسأله عن الشىء إذا أشكل عليه. هذا ما فى هذه الحكاية. وعلى ذلك فيتخوّلنا صحيحة. وأصحابنا يثبتونها. ومنها عندى قول البرجمىّ:
__________
(1) أخرجه البخارى فى «العلم»، (ح 68)، وفى غير موضع، ومسلم فى «صفات المنافقين» وغيرهما.(2/485)
يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط حديد القين أخول أخولا (1)
أى شيئا بعد شىء. وهذا هو معنى قوله: يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة أى يفرّقها ولا يتابعها.
ومن ذلك اجتماع الكميت مع نصيب، وقد استنشده نصيب من شعره، فأنشده الكميت:
* هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب *
حتى إذا بلغ إلى قوله:
أم هل ظعائن بالعلياء نافعة ... وإن تكامل فيها الدّلّ والشنب
عقد نصيب بيده واحدا، فقال الكميت: ما هذا؟ فقال أحصى خطأك. تباعدت فى قولك: الدلّ والشنب ألا قلت كما قال ذو الرمّة:
لمياء فى شفتيها حوّة لعس ... وفى اللثاث وفى أنيابها شنب (2)
ثم أنشده:
* أبت هذه النفس إلا ادّكارا (3) *
حتى إذا بلغ إلى قوله:
كأن الغطامط من غليه ... أراجيز أسلم تهجو غفارا (4)
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لضابئ بن الحارث فى الدرر 4/ 34، والشعر والشعراء 21/ 359، ولسان العرب (سقط)، (خول)، والمحتسب 2/ 41، ونوادر أبى زيد ص 145، وتاج العروس (خول)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 621، وشرح شذور الذهب ص 98، والمحتسب 1/ 86، وهمع الهوامع 1/ 249.
الرّوق: القرن من كل ذى قرن، والجمع أرواق.
(2) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 32، والدرر 6/ 56، ولسان العرب (شنب)، (لعس)، (حوا)، والمقاصد النحوية 4/ 203، وهمع الهوامع 2/ 126، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى.
(3) عجز البيت من المتقارب، وهو للكميت فى ديوانه 1/ 195.
(4) البيت من المتقارب وهو للكميت فى ديوانه، ولسان العرب (غطمط)، وتاج العروس (غطط).
الغطامط: صوت غليان موج البحر. وفى رواية اللسان (غطمط). «غليها».(2/486)
قال نصيب: ما هجت أسلم غفارا قطّ. فوجم الكميت.
وسئل الكسائىّ فى مجلس يونس عن أولق: ما مثاله من الفعل؟ فقال: أفعل.
فقال له يونس: استحييت لك يا شيخ! والظاهر عندنا من أمر أولق أنه فوعل من قولهم: ألق الرجل، فهو مألوق أنشد أبو زيد:
تراقب عيناها القطيع كأنما ... يخالطها من مسّه مسّ أولق (1)
وقد يجوز أن يكون: أفعل من ولق يلق إذا خفّ وأسرع قال:
* جاءت به عنس من الشأم تلق *
أى تخفّ وتسرع. وهم يصفون الناقة لسرعتها بالحدّة والجنون قال القطامىّ:
يتبعن سامية العينين تحسبها ... مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل
والأولق: الحنون. ويجوز أيضا أن يكون فوعلا من ولق هذه. وأصلها على هذا وولق. فلمّا التقت الواوان فى أوّل الكلمة همزوا الأولى منهما، على العبرة فى ذلك.
وسئل الكسائىّ أيضا فى مجلس يونس عن قولهم: لأضربنّ أيّهم يقوم، لم لا يقال: لأضربن أيهم. فقال: أىّ هكذا خلقت.
ومن ذلك إنشاد الأصمعىّ لشعبة بن الحجّاج قول فروة بن مسيك المرادىّ:
فما جبنوا أنى أشدّ عليهم ... ولكن رأوا نارا تحسّ وتسفع (2)
فقال شعبة: ما هكذا أنشدنا سماك بن حرب. إنما أنشدنا: (تحشّ) بالشين معجمة. قال الأصمعىّ: فقلت: تحسّ: تقتل، من قول الله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] أى تقتلونهم، وتحشّ: توقد. فقال لى شعبة: لو
__________
(1) البيت من الطويل وهو بلا نسبة فى لسان العرب (ولق)، وجمهرة اللغة ص 109.
القطيع: السّوط يقطع من جلد سير ويعمل منه أو المقطوع من الشجر اللسان (قطع).
(2) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 57، ولسان العرب (سدر)، (حسس)، وكتاب الجيم 1/ 204، وتهذيب اللغة 3/ 406، وتاج العروس (سدر)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 2/ 11، ومجمل اللغة 2/ 11، 12، 13.(2/487)
فرغت للزمتك.
وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس الرقيّات:
إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعننى وقرعن مروتيه (1)
فانتهره أبو عمرو، فقال: ما لنا ولهذا الشعر الرخو! إن هذه الهاء لم توجد فى شىء من الكلام إلا أرخته. فقال له المدينىّ: قاتلك الله! ما أجهلك بكلام العرب! قال الله عزّ وجلّ فى كتابه: {مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطََانِيَهْ}
[الحاقة: 28، 29] وقال: {يََا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتََابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مََا حِسََابِيَهْ} [الحاقة: 25، 26] فانكسر أبو عمرو انكسارا شديدا. قال أبو هفّان: وأنشد هذا الشعر عبد الملك بن مروان، فقال: أحسنت يا بن قيس، لولا أنك خنّثت قافيته. فقال يا أمير المؤمنين ما عدوت قول الله عزّ وجلّ فى كتابه: {مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطََانِيَهْ} فقال له عبد الملك: أنت فى هذه أشعر منك فى شعرك.
قال أبو حاتم: قلت للأصمعىّ: أتجيز: إنك لتبرق لى وترعد؟ فقال: لا، إنما هو تبرق وترعد. فقلت له: فقد قال الكميت:
أبرق وأرعد يا يزي ... د فما وعيدك لى بضائر (2)
فقال: هذا جرمقانىّ من أهل الموصل، ولا آخذ بلغته. فسألت عنها أبا زيد الأنصارىّ، فأجازها. فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابىّ محرم، فأخذنا نسأله.
فقال (أبو زيد): لستم تحسنون أن تسألوه. ثم قال له: كيف تقول: إنك لتبرق لى
__________
(1) البيت من قصيدة فى ديوانه يقولها فى رثاء من مات من أهله فى وقعة الحرّة. وقبله:
ذهب الصبا وتركت غيتيه ... ورأى الغوانى شيب لمتيه
وهجرتنى وهجرتهن وقد ... غنيت كرائمها يطفن بيه
إذ لمتى سوداء ليس بها ... وضح ولم أفجع بإخوتيه
الحاملين لواء قومهم ... والذائدين وراء عورتيه (نجار).
(2) البيت من مجزوء الكامل، وهو للكميت فى ديوانه 1/ 225، ولسان العرب (رعد)، (برق)، وتهذيب اللغة 2/ 208، 9/ 131، وجمهرة اللغة ص 632، وكتاب العين 2/ 34، 5/ 156، وديوان الأدب 2/ 316، وتاج العروس (رعد)، والاشتقاق ص 447، وأمالى القالى 1/ 96، وسمط اللآلى ص 300، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 1/ 222، 223، 2/ 411، والمخصص 14/ 228، وديوانه 1/ 357356.(2/488)
وترعد؟. فقال له الأعرابىّ: أفى الجخيف تعنى؟ أى التهدد. فقال: نعم. فقال الأعرابىّ: إنك لتبرق لى وترعد. فعدت إلى الأصمعىّ، فأخبرته، فأنشدنى:
إذا جاوزت من ذات عرق ثنيّة ... فقل لأبى قابوس: ما شئت فارعد (1)
ثم قال لى: هكذا كلام العرب.
وقال أبو حاتم أيضا: قرأت على الأصمعىّ زجر العجّاج، حتى وصلت إلى قوله:
* جأبا ترى بليته مسحّجا *
فقال: تليله (فقلت: بليته. فقال: تليله) مسحّجا، فقلت له: أخبرنى به من سمعه من فلق فى رؤبة، أعنى أبا زيد الأنصارىّ، فقال: هذا لا يكون (فقلت: جعل (مسحّجا) مصدرا أى تسحيجا. فقال: هذا لا يكون). فقلت: قال جرير:
* ألم تعلم مسرحى القوافى (2) *
أى تسريحى، فكأنه توقّف. فقلت: قد قال الله تعالى: {وَمَزَّقْنََاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19]، فأمسك.
ومن ذلك إنكار أبى حاتم على عمارة بن عقيل جمعه الريح على أرياح. قال:
فقلت (له فيه): إنما هى أرواح. فقال: قد قال عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ} [الحجر: 22] وإنما الأرواح جمع روح. فعلمت بذلك أنه (ممن لا) يجب أن يؤخذ عنه.
وقال أبو حاتم: كان الأصمعىّ ينكر زوجة ويقول: إنما هى زوج. ويحتجّ
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للمتلمس الضبعىّ فى ملحق ديوانه ص 280، وسمط اللآلى ص 301، وفصل المقال ص 449، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 322، والمخصص 14/ 228، والاشتقاق ص 447، وأمالى القالى 1/ 96، والمزهر 2/ 340.
(2) عجز بيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (صرف)، وتهذيب اللغة 12/ 163، ونسبه محقق تهذيب اللغة لجرير، وصدره:
* قصائد غير مصرفة القوافى *(2/489)
بقول الله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] قال: فأنشدته قول ذى الرمّة:
أذو زوجة فى المصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا (1)
فقال: ذو الرمّة طالما أكل المالح والبقل فى حوانيت البقّالين. قال: وقد قرأنا عليه (من قبل) لأفصح الناس فلم ينكره:
فبكى بناتى شجوهنّ وزوجتى ... والطامعون إلىّ ثم تصدّعوا (2)
وقال آخر:
من منزلى قد أخرجتنى زوجتى ... تهرّ فى وجهى هرير الكلبة (3)
وقد كان يعاب ذو الرمّة بقوله:
حتى إذا دوّمت فى الأرض راجعه ... كبر، ولو شاء نجّى نفسه الهرب (4)
فقيل: إنما يقال: دوّى فى الأرض، ودوّم فى السماء.
وعيب أيضا فى قوله:
* والجيد من أدمانة عنود *
فقيل: إنما يقال: أدماء وآدم. والأدمان جمع كأحمر وحمران، وأنت لا تقول: حمرانة ولا صفرانة. وكان أبو علىّ يقول: بنى من هذا الأصل فعلانة كخمصانة.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 13121311، وشرح شواهد المغنى 1/ 139، ولسان العرب (دهن)، والمزهر فى علوم اللغة وأنواعها 2/ 376، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص 94، ومغنى اللبيب 1/ 42.
(2) البيت من الكامل، وهو لعبدة بن الطبيب فى ديوانه ص 50، وشرح اختيارات المفضل ص 701، ونوادر أبى زيد ص 23، ولأبى ذؤيب فى المقاصد النحوية 2/ 472، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 116، وشرح الأشمونى 1/ 175، وشرح التصريح 1/ 280، وروى الظاعنون مكان الطامعون.
(3) الرجز بلا نسبة فى المخصص 17/ 24.
(4) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 102، وجمهرة اللغة ص 684، ولسان العرب (دوم)، (دوا).(2/490)
وهذا ونحوه مما يعتدّ فى أغلاط العرب إلا أنه لمّا كان من أغلاط هذه الطائفة القريبة العهد، جاز أن نذكره فى سقطات العلماء. ويحكى أن أبا عمرو رأى ذا الرمّة فى دكّان طحّان بالبصرة يكتب، قال: فقلت: ما هذا يا ذا الرمة! فقال:
اكتم علىّ يا أبا عمرو. ولمّا قال أيضا:
كأنّما عينها منها وقد ضمرت
وضمّها السير فى بعض الأضى ميم (1)
فقيل له: من أين عرفت الميم؟ فقال: والله ما أعرفها إلا أنى رأيت معلما خرج إلى البادية فكتب حرفا، فسألته عنه، فقال: هذا الميم فشبّهت به عين الناقة. وقد أنشدوا:
* كما بيّنت كاف تلوح وميمها (2) *
وقد قال أبو النجم:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخطّ رجلاى بخط مختلف
تكتّبان فى الطريق لام الف (3)
وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدىّ عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال: حضر الأصمعىّ وأبو عمرو الشيبانىّ عند أبى السمراء، فأنشده الأصمعىّ:
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 425، ولسان العرب (موم)، وتاج العروس (موم)، وروى كأنه مكان كأنما.
(2) عجز بيت من الطويل، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص 258، وشرح أبيات سيبويه 2/ 318، والكتاب 3/ 260، ولسان العرب (كوف)، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب 2/ 782، وشرح المفصل 6/ 29، والمقتضب 1/ 237، 4/ 40. وصدره:
* أهاجتك آيات أبان قديمها *
(3) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب 1/ 99، ولسان العرب (كتب)، (خطط)، (خرف)، والدرر 5/ 113، وسر صناعة الإعراب ص 651، وشرح شواهد الشافية ص 156، وشرح شواهد المغنى 2/ 790، ومغنى اللبيب 1/ 370، وتاج العروس (كتب)، (خطط)، (خرف)، (تلل)، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب 2/ 223، والكتاب 3/ 266، والمقتضب 1/ 237، 3/ 357، والمخصص 13/ 4، 14/ 95، 17/ 53، 54.(2/491)
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كتشهاق العفاهمّ بالنهق (1)
ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه، يوهم أن الشاعر أراد: فروا. فقال أبو عمرو: أراد الفرو. فقال الأصمعىّ: هكذا راويتكم!
ويحكى عن رؤبة فى توجّهه إلى قتيبة بن مسلم أنه قال: جاءنى رجلان، فجلسا إلىّ وأنا أنشد شيئا من شعرى، فهمسا بينهما، فتفقت عليهما، فهمدا. ثم سألت عنهما، فقيل لى: الطرمّاح والكميت. فرأيتهما ظريفين، فأنست بهما. ثم كانا يأتيانى، فيأخذان الشىء بعد الشىء من شعرى، فيودعانه أشعارهما.
وقد كان قدماء أصحابنا يتعقّبون رؤبه وأباه، ويقولون: تهضّما اللغة، وولداها، وتصّرفا فيها، غير تصرّف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما فى الرجز، وهو مما يضطرّ إلى كثير من التفريع والتوليد لقصره، ومسابقة قوافيه.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعىّ قال: قال لى الخليل: جاءنا رجل فأنشدنا:
* ترافع العزّ بنا فارفنععا *
فقلنا: هذا لا يكون. فقال: كيف جاز للعجّاج أن يقول:
* تقاعس العزّ بنا فاقعنسسا (2) *
فهذا ونحوه يدلّك على منافرة القوم لهما، وتعقّبهم إياهما، وقد ذكرنا هذه
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأبى الطمحان حنظلة بن شرقى فى لسان العرب (شهق)، (سكن)، (عفا)، وتاج العروس (نهق)، (سكن)، (عفا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (فرأ)، وتهذيب اللغة 3/ 223، وديوان الأدب 4/ 22، والمخصص 8/ 44، ومقاييس اللغة 4/ 59، وتاج العروس (فرأ)، (شهق)، وروى الشطر الأول برواية أخرى:
* بضرب يزيل الهام عن سكناته *
العفا: ولد حمار الوحش. والفراء: جمع الفرأ، وهو حمار الوحش. وانظر اللسان (عفا)، (فرأ).
(2) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 211210، ولسان العرب (قعس)، والتنبيه والإيضاح 2/ 297، وتاج العروس (قعس)، وأساس البلاغة (قيس) ولرؤبة فى ديوان الأدب 2/ 465، ولسان العرب (قيس)، وليس فى ديوانه، ولجرير فى تاج العروس (قيس)، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى ديوان الأدب 3/ 457، وكتاب العين 1/ 130، 2/ 349.(2/492)
الحكاية فيما مضى من هذا الكتاب وقلنا فى معناها: ما وجب هناك.
وحكى الأصمعىّ قال: دخلت على حماد بن سلمة وأنا حدث، فقال لى:
كيف تنشد قول الحطيئة: (أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ماذا. فقلت):
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا (1)
فقال: يا بنىّ أحسنوا البنا. يقال: بنى، يبنى، بناء فى العمران، وبنا يبنو بنّا، فى الشرف. هكذا هذه الحكاية، رويناها عن بعض أصحابنا. وأمّا الجماعة فعندها أن الواحد من ذلك: بنية وبنية فالجمع على ذلك: البنى، والبنى.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن علىّ بن القاسم الذهبىّ بإسناده عن أبى عثمان أنه كان عند أبى عبيدة، فجاءه رجل، فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا: عنيت بحاجتك؟ فقال له أبو عبيدة: اعن بحاجتى. فأومأت إلى الرجل: أى ليس كذلك. فلمّا خلونا قلت له: إنما يقال: لتعن بحاجتى. قال: فقال لى أبو عبيدة:
لا تدخل إلىّ. فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزىّ (2)، سرق منى عاما أوّل قطيفة لى. فقلت: لا والله ما الأمر كذلك: ولكنك سمعتنى أقول ما سمعت، أو كلاما هذا معناه.
وحدّثنا أبو بكر محمد بن علىّ المراغىّ قال: حضر الفرّاء أبا عمر الجرمىّ، فأكثر سؤاله إياه. قال: فقيل لأبى عمر: قد أطال سؤالك أفلا تسأله! فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء، ما الأصل فى قم؟ فقال: أقوم. قال: فصنعوا ماذا؟ قال:
استثقلوا الضمة على الواو، فأسكنوها، ونقلوها إلى القاف. فقال له أبو عمر:
(هذا خطأ): الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح، ولم تستثقل الحركات فيها. ويدلّ على صحّة قول أبى عمر إسكانهم إياها وهى مفتوحة فى نحو يخاف وينام ألا ترى أن أصلهما: يخوف، وينوم. وإنما إعلال المضارع هنا محمول على
__________
(1) البيت من الطويل وهو للحطيئة فى ديوانه ص 41، ولسان العرب (عقد)، (بنى)، والمخصص 2/ 164، 5/ 122، 15/ 139، وتهذيب اللغة 1/ 197، 15/ 492، وتاج العروس (بنى).
(2) نسبة إلى سكان جبل الخوز من أرض فارس.(2/493)
إعلال الماضى. وهذا مشروح فى موضعه.
ومن ذلك حكاية أبى عمر مع الأصمعىّ وقد سمعه يقول. أنا أعلم الناس بالنحو، فقال له الأصمعىّ: (يا أبا عمر) كيف تنشد (قول الشاعر):
قد كن يخبأن الوجوه تستّرا ... فالآن حين بدأن للنظّار (1)
بدأن أو بدين؟ فقال أبو عمر: بدأن. فقال الأصمعىّ: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو! يمازحه إنما هو بدون، أى ظهرن. فيقال: إن أبا عمر تغفّل الأصمعىّ، فجاءه يوما وهو فى مجلسه، فقال له أبو عمر: كيف تحقر مختارا؟
فقال الأصمعىّ: مخيتير. فقال له أبو عمر: أخطأت إنما هو مخيّر أو مخير تحذف التاء لأنها زائدة.
حدّثنى أبو علىّ قال: اجتمعت مع أبى بكر بن الخيّاط عند أبى العبّاس المعمرىّ بنهر معقل، فى حديث حدّثنيه طويل. فسألته عن العامل فى (إذا) من قوله سبحانه: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى ََ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذََا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7] قال: فسلك فيها مسلك الكوفيين. فكلّمته إلى أن أمسك. وسألته عن غيرها، وعن غيرها وافترقنا. فلمّا كان الغد اجتمعت معه عند أبى العباس، وقد أحضر جماعة من أصحابه، فسألونى، فلم أر فيهم طائلا. فلمّا انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبنى من سفرجل مثل عنكبوت؟ فقال: سفرروت.
فلما سمعت ذلك قمت فى المسجد قائما، وصفّقت بين الجماعة: سفرروت! سفرروت! فالتفت إليهم أبو بكر، فقال: لا أحسن الله جزاءكم ولا أكثر فى الناس مثلكم! وافترقنا، فكان آخر العهد به.
قال أبو حاتم: قرأ الأخفش يعنى أبا الحسن: «وقولوا للناس حسنى» [البقرة: 83] فقلت: هذا لا يجوز لأن (حسنى) مثل فعلى، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام. قال: فسكت. قال أبو الفتح: هذا عندى غير لازم لأبى الحسن لأن (حسنى) هنا غير صفة وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن كقراءة غيره: {وَقُولُوا}
__________
(1) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1019، 1257، وروى: بدون مكان بدأن.(2/494)
{لِلنََّاسِ حُسْناً} ومثله فى الفعل والفعلى: الذكر والذكرى، وكلاهما مصدر. ومن الأوّل البؤس والبؤسى، والنعم والنعمى. ولذلك نظائر.
وروينا فيما أظنّ عن محمد بن سلّام الجمحىّ قال: قال لى يونس بن حبيب: كان عيسى بن عمر يتحدّث فى مجلس فيه أبو عمرو بن العلاء. فقال عيسى فى حديثه: ضربه فحشّت يده. فقال أبو عمرو: ما تقول يا أبا عمر! فقال عيسى: فحشّت (1) يده. فقال أبو عمرو: فحشّت يده. قال يونس: التى ردّه عنها جيّدة. يقال: حشّت يده بالضمّ وحشّت يده بالفتح وأحشّت. وقال يونس: وكانا إذا اجتمعا فى مجلس لم يتكلّم أبو عمرو مع عيسى لحسن إنشاده وفصاحته.
الزيادىّ عن الأصمعىّ قال: حضر الفرزدق مجلس ابن أبى إسحق، فقال له:
كيف تنشد هذا البيت:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (2)
فقال الفرزدق: كذا أنشد. فقال ابن أبى إسحق: ما كان عليك لو قلت:
فعولين! فقال الفرزدق: لو شئت أن تسبّح لسبّحت. ونهض فلم يعرف أحد فى المجلس ما أراد بقوله: لو شئت أن تسبّح لسبّحت، أى لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك، وإنما أراد: أنهما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر (قال أبو الفتح: كان هنا تامّة غير محتاجة إلى الخبر، فكأنه قال: وعينان قال الله:
احدثا فحدثتا، أو اخرجا إلى الوجود فخرجتا).
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال: سأل رجل سيبويه عن قول الشاعر:
* يا صاح ياذا الضامر العنس (3) *
__________
(1) حشت يده: يبست.
(2) قبله:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر
(3) صدر بيت من الكامل، وهو لخالد بن مهاجر فى الأغانى 10/ 108، 109، 136، 16/ 140، 141، 142، ولخزز بن لوذان فى خزانة الأدب 2/ 230، 233، والكتاب(2/495)
فرفع سيبويه (الضامر) فقال له الرجل: إن فيها:
* والرحل (ذى الأقتاد) والحلس (1) *
فقال سيبويه: من هذا هربت. وصعد فى الدّرجة. قال أبو الفتح: هذا عندنا محمول على معناه دون لفظه. وإنما أراد: ياذا العنس الضامر، والرحل (ذى الأقتاد) فحمله على معناه، (دون لفظه).
قال أبو العباس: حدّثنى أبو عثمان قال: جلست فى حلقة الفرّاء، فسمعته يقول لأصحابه: لا يجوز حذف لام الأمر إلا فى شعر. وأنشد:
من كان لا يزعم أنى شاعر ... فيدن منّى تنهه المزاجر (2)
قال: فقلت له: لم جاز فى الشعر ولم يجز فى الكلام؟ فقال: لأن الشعر يضطرّ فيه الشاعر، فيحذف. قال: فقلت: وما الذى اضطرّه هنا، وهو يمكنه أن يقول: فليدن منّى؟ قال: فسأل عنىّ، فقيل له: المازنىّ، فأوسع لى. قال أبو الفتح: قد كان يمكن الفرّاء أن يقول له: إن العرب قد تلزم الضرورة فى الشعر فى حال السعة أنسا بها (واعتيادا لها)، وإعدادا لها لذلك عند وقت الحاجة إليها ألا ترى إلى قوله:
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كلّه لم أصنع
فرفع للضرورة، ولو نصب لما كسر الوزن. وله نظائر. فكذلك قال: (فيدن منى) وهو قادر على أن يقول: (فليدن منى) لما ذكرت.
والمحفوظ فى هذا قول أبى عمرو لأبى خيرة وقد قال: استأصل الله عرقاتهم
__________
2/ 190، وشرح عمدة الحافظ ص 640، وشرح قطر الندى ص 211، وشرح المفصل 2/ 8، ومجالس ثعلب 1/ 333، 2/ 513، والمقتضب 2/ 54، 4/ 223، والمقرب 1/ 179.
(1) عجز بيت من الكامل، وهو لخالد بن مهاجر فى الأغانى 10/ 108، 109، 136، 16/ 140، 141، 142، ولخزز بن لواذان فى خزانة الأدب 2/ 230، 233، والكتاب 2/ 190، وشرح عمدة الحافظ ص 640، وشرح قطر الندى ص 211، وشرح المفصل 2/ 8، ومجالس ثعلب 1/ 333، 2/ 513، والمقتضب 2/ 54، 4/ 223، والمقرب 1/ 179.
(2) الرجز بلا نسبة فى الإنصاف 2/ 533، ورصف المبانى ص 256، وسر صناعة الإعراب 1/ 392، والشعر والشعراء 1/ 106، ولسان العرب (زجر)، وتاج العروس (زجر).(2/496)
بنصب التاء: هيهات، أبا خيرة لان جلدك! ثم رواها أبو عمرو فيما بعد.
وأجاز أيضا أبو خيرة: حفرت إراتك، جمع إرة. وعلى نحوه إنشاد الكوفيين:
* ألا يزجر الشيخ الغيور بناته *
وإنشادهم أيضا:
فلمّا جلاها بالإيام تحيّزت ... ثباتا عليها ذلّها واكتئابها (1)
وأصحابنا لا يرون فتح هذه التاء فى موضع النصب. (وأما) عرقاتهم فواحدة كسعلاة. وكذلك إراة: علفة، وأصلها: وئرة: فعلة، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار: (إروة، ثم قلبت الواو ألفا فصار) إراة مثل الحادى، وأصله:
الواحد، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار وزنه على اللفظ: عالفا. ومثله قول القطامىّ:
* ولا تقضّى بواقى دينها الطادى (2) *
أصله: الواطد، ثم قلب إلى عالف. وأما ثباة ففعلة من الثبة، وأما بناته ففعلة كقناة كما أن ثباة، وسمعت لغاتهم إنما (هى واحدة) كرطبة.
هذا كله إن كان ما رووه من فتح هذه التاء صحيحا ومسموعا من فصيح يؤخذ بلغته، ولم يجز أصحابنا فتح هذه التاء فى الجماعة، إلا شيئا قاسه أبو عثمان، فقال: أقول: لا مسلمات لك بفتح التاء، قال: لأن الفتحة الآن
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى أدب الكاتب ص 441، وجمهرة اللغة ص 248، 1334، وشرح أشعار الهذليين 1/ 53، وشرح المفصل 5/ 8، ولسان العرب (أيم)، (جلا)، والمحتسب 1/ 118، والمنصف 3/ 63، ورصف المبانى ص 165، وشرح المفصل 5/ 4، والمنصف 1/ 262.
الإيام: الدّخان، وجمعه أيم. وآم الدّخان يئيم إياما: دخن. وآم الرجل إياما إذا دخن على النحل ليخرج من الخلية فيأخذ ما فيها من العسل. والبيت فى اللسان (أيم).
(2) عجز بيت من البسيط، وهو للقطامى فى ديوانه ص 78، ولسان العرب (طود)، (وطد)، (طدى)، ومقاييس اللغة 6/ 121، ومجمل اللغة 4/ 535، وتهذيب اللغة 14/ 3، وبلا نسبة فى المخصص 12/ 71، وتاج العروس (طدى)، وكتاب العين 7/ 443. وصدره:
* ما اعتدا حبّ سليمى حين معتاد *(2/497)
ليست ل (مسلمات) وحدها، وإنما هى لها ول (لا) قبلها. وإنما يمتنع من فتح هذه التاء ما دامت الحركة فى آخرها لها وحدها. فإذا كانت لها ولغيرها فقد زال طريق ذلك الحظر الذى كان عليها. وتقول على هذا: لا سمات بإبلك بفتح التاء على ما مضى. وغيره يقول: لا سمات بها بكسر التاء على كل حال. وفى هذا مسألة لأبى علىّ رحمه الله طويلة حسنة.
وقال الرياشىّ: سمعت أبا زيد يقول: قال المنتجع: أغمى على المريض، وقال أبو خيرة: غمى عليه. فأرسلوا إلى أمّ أبى خيرة، فقالت: غمى على المريض.
فقال لها المنتجع: أفسدك ابنك. وكان ورّاقا.
وقال أبو زيد: قال منتجع: كمء واحدة وكمأة للجميع. وقال أبو خيرة: كمأة واحدة، وكمء للجميع مثل تمرة وتمر قال: فمرّ بهما رؤبة، فسألوه، فقال كما قال منتجع. وقال أبو زيد: قد يقال: كمأة وكمء كما قال أبو خيرة.
وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحجّاج عن أبى علىّ بشر بن موسى الأسدىّ عن الأصمعىّ، قال: اختلف رجلان، فقال أحدهما: الصقر، وقال الآخر: السّقر. فتراضيا بأوّل وارد يرد عليهما، فإذا رجل قد أقبل، فسألاه، فقال: ليس كما قلت أنت، ولا (كما قلت أنت) إنما هو الزّقر.
وقال الرياشىّ: حدّثنى الأصمعىّ، قال: ناظرنى المفضّل عند عيسى بن جعفر، فأنشد بيت أوس:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء توليا جذعا (1)
فقلت: هذا تصحيف لا يوصف التولب بالإجذاع وإنما هو: جدعا، وهو السّيئ الغذاء. قال: فجعل المفضّل يشغّب، فقلت له: تكلم كلام النمل وأصب.
__________
(1) البيت من المنسرح، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 55، ولسان العرب (تلب)، (جدع)، (هدم)، وتهذيب اللغة 1/ 346، والمخصص 14/ 64، وتاج العروس (تلب)، (هدم)، والمزهر 2/ 378، ولبشر بن أبى حازم فى ديوانه ص 127، ولأوس بن حجر أو لبشر بن أبى حازم فى تاج العروس (جدع)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 1313، ومقاييس اللغة 1/ 432، وديوان الأدب 2/ 35، والعقد الفريد 2/ 483.
الهدم بالكسر: الثوب الخلق المرقّع.(2/498)
لو نفخت فى شبّور يهودىّ ما نفعك شيئا.
ومن ذلك إنكار الأصمعىّ على ابن الأعرابىّ ما كان رواه ابن الأعرابىّ لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بنى كلاب:
سمين الضواحى، لم تؤرّقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها (1)
فرفع ابن الأعرابىّ (ليلة)، ونصبها الأصمعىّ، وقال: إنما أراد: لم تؤرّقه أبكار الهموم وعونها ليلة، وأنعم أى زاد على ذلك. فأحضر ابن الأعرابى، وسئل عن ذلك، فرفع (ليلة) فقال الأصمعىّ لسعيد: من لم يحسن هذا القدر فليس بموضع لتأديب ولدك، فنحّاه سعيد فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابى على الأصمعى.
محمد بن يزيد قال: حدّثنى أبو محمد التوّزىّ عن أبى عمرو الشيبانى قال: كنا بالرقّة، فأنشد الأصمعىّ:
عننا باطلا وظلما كما تع ... نز عن حجرة الربيض الظباء (2)
فقلت: يا سبحان الله! تعتر من العتيرة. فقال الأصمعىّ: تعنز أى تطعن بعنزة.
فقلت: لو نفخت فى شبّور اليهودىّ، وصحت إلى التنادى، ما كان إلا تعتر، ولا ترويه بعد اليوم إلا تعتر. قال أبو العباس، قال لى التوزىّ قال لى أبو عمرو:
فقال: والله لا أعود بعده إلى تعنز.
وأنشد الأصمعىّ أبا توبة ميمون بن حفص مؤدّب عمرو بن سعيد بن سلم
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم)، (ضحا)، وتهذيب اللغة 3/ 11، 5/ 151، والمخصص 1/ 159، وتاج العروس (نعم).
الضواحى: ما ظهر فيه وبدا. وانظر اللسان (ضحا).
(2) البيت من الخفيف، وهو للحارث بن حلزة فى ديوانه ص 36، ولسان العرب (حجر)، (عتر)، (عنن)، وجمهرة اللغة ص 158، 392، وديوان الأدب 2/ 156، وتهذيب اللغة 1/ 109، 2/ 263، 4/ 134، 12/ 26، وإنباه الرواه 1/ 258، وجمهرة الأمثال 2/ 153، والحيوان 1/ 18، 5/ 511، وشرح القصائد السبع ص 484، وشرح القصائد العشر ص 399، وشرح المعلقات السبع ص 233، وشرح المعلقات العشر ص 124، والمعانى الكبير 2/ 683، وتاج العروس (عثر)، (عنّ)، وبلا نسبة فى لسان العرب (ربض)، والمخصص 13/ 98.
عنّ الشىء يعنّ ويعنّ عننا وعنونا: ظهر أمامك، واعتنّ: اعترض. والاسم العنن والعنان:
الاعتراض، العتر: الذبح. والحجرة: الناحية، والجمع حجر وحجرات. اللسان (حجر).(2/499)
بحضرة سعيد:
واحدة أعضلكم شأنها ... فكيف لو قمت على أربع! (1)
قال: ونهض الأصمعىّ فدار على أربع، يلبس بذلك على أبى توبة. فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعىّ، فضحك سعيد، وقال (لأبى توبة): ألم أنهك عن مجاراته فى المعانى، هذه صناعته.
وروى أبو زيد: ما يعوز له شىء إلا أخذه، فأنكرها الأصمعىّ، وقال: إنما هو (يعور) بالراء وهو كما قال الأصمعىّ.
وقال الأثرم علىّ بن المغيرة: مثقل استعان بدفّيه، ويعقوب بن السكّيت حاضر.
فقال يعقوب: هذا تصحيف إنما هو: مثقل استعان بذقنه. فقال الأثرم: إنه يريد الرياسة بسرعة، ودخل بيته. هذا فى حديث لهما.
وقال أبو الحسن لأبى حاتم: ما صنعت فى كتاب المذكّر والمؤنّث؟ قال: قلت:
قد صنعت فيه شيئا. قال: فما تقول فى الفردوس؟ قال: ذكر. قال: فإن الله عزّ وجلّ يقول: {الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} [المؤمنون: 11] قال: قلت: ذهب إلى الجنّة، فأنّث. قال أبو حاتم: فقال لى التوزى: يا عاقل! أما سمعت قول الناس: أسألك الفردوس الأعلى، (فقلت يا نائم: الأعلى هنا) أفعل لا فعلى! قال أبو الفتح: لا وجه لذكره هنا لأن الأعلى لا يكون أبدا فعلى.
أبو عثمان قال: قال لى أبو عبيدة: ما أكذب النحويين! يقولون: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، وسمعت رؤبة ينشد:
* فكرّ فى علقى وفى مكور (2) *
__________
(1) البيت من السريع، وهو لذى الإصبع العدوانى فى ديوانه ص 65، وكتاب العين 1/ 278، وبلا نسبة فى لسان العرب (عفل)، ومقاييس اللغة 4/ 135، وأساس البلاغة (دور)، (عضل)، وتاج العروس (عضل).
(2) البيت من الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 362، ولسان العرب (أخر)، (مكر)، (علق)، وإصلاح المنطق ص 365، وجمهرة اللغة ص 799، 940، وشرح أبيات سيبويه 2/ 236، وشرح شواهد الشافية ص 417، والكتاب 3/ 212، وتاج العروس (مكر)، (علق)، وديوان الأدب 2/ 5، وتهذيب اللغة 10/ 241، ولرؤبة فى المخصص 15/ 181، 16/ 88، وليس فى ديوانه، وسر صناعة الإعراب 2/ 558، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 28.(2/500)
فقلت له: ما واحد العلقى؟ فقال: علقاة. قال أبو عثمان: فلم أفسّر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا. وقد ذكرنا نحو هذا فيما قبل، أو شرحناه.
قال أبو الفتح: قد أتينا فى هذا الباب من هذا الشأن على أكثر مما يحتمله هذا الكتاب تأنيسا به، وبسطا للنفس بقراءته. وفيه أضعاف هذا إلا أن فى هذا كافيا من غيره، بعون الله.
* * *
باب فى صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة(2/501)
* * *
باب فى صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة
هذا موضع من هذا الأمر، لا يعرف صحّته إلا من تصوّر أحوال السلف فيه تصوّرهم، ورآهم من الوفور والجلالة بأعيانهم، واعتقد فى هذا العلم الكريم ما يجب اعتقاده له، وعلم أنه لم يوفّق لاختراعه، وابتداء قوانينه وأوضاعه، إلا البرّ عند الله سبحانه، الحظيظ بما نوّه به، وأعلى شأنه. أو لا يعلم أن أمير المؤمنين عليّا رضى الله عنه هو البادئه، والمنبّه عليه، والمنشئه والمرشد إليه. ثم تحقّق ابن عباس، رضى الله عنه به، واكتفال أبى الأسود رحمه الله إياه. هذا، بعد تنبيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليه، وحضّه على الأخذ بالحظّ منه، ثم تتالى السلف رحمهم الله عليه، واقتفائهم آخرا على أوّل طريقه. ويكفى من بعد ما تعرف حاله، ويتشاهد به من عفّة أبى عمرو بن العلاء ومن كان معه، ومجاورا زمانه.
حدّثنا بعض أصحابنا يرفعه قال: قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله: ما زدت فى شعر العرب إلا بيتا واحدا. يعنى ما يرويه للأعشى من قوله:
وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا (1)
أفلا ترى إلى هذا البدر الطالع الباهر، والبحر الزاخر، الذى هو أبو العلماء وكهفهم، وبدء (2) الرواة وسيفهم، كيف تخلّصه من تبعات هذا العلم وتحرّجه، وتراجعه فيه إلى الله وتحوّبه، حتى إنه لمّا زاد فيه على سعته وانبثاقه، وتراميه وانتشاره بيتا واحدا، وفّقه الله للاعتراف به، (وجعل ذلك) عنوانا على توفيق ذويه وأهليه.
وهذا الأصمعىّ وهو صنّاجة (3) الرواة والنقلة، وإليه محطّ الأعباء والثقلة،
__________
(1) البيت من البسيط وهو للأعشى فى ديوانه ص 151، ولسان العرب (نكر)، وتهذيب اللغة 10/ 191، وديوان الأدب 2/ 235، وأساس البلاغة (نكر)، وتاج العروس (نكر)، (صلع)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 5/ 476.
(2) البدء: السيد.
(3) الصّنج ذو الأوتار الذى يلعب به، واللاعب به يقال له: الصّنّاج والصّنّاجة وكان أعشى بكر يسمى صّنّاجة العرب لجودة شعره. اللسان (صنج).(2/502)
ومنه تجنى الفقر والملح، وهو ريحانة كل مغتبق ومصطبح كانت مشيخة القرّاء وأماثلهم تحضره وهو حدث لأخذ قراءة نافع عنه. ومعلوم (كم قدر ما) حذف من اللغة، فلم يثبته، لأنه لم يقو عنده، إذ لم يسمعه. وقد ذكرنا فى الباب الذى هذا يليه طرفا منه.
فأما إسفاف من لا علم له، وقول من لا مسكة به: إن الأصمعىّ كان يزيد فى كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلام معفوّ عنه، غير معبوء به، ولا منقوم من مثله حتى كأنه لم يتأدّ إليه توقّفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتحوّبه من الكلام فى الأنواء.
ويكفيك من ذا خشنة أبى زيد وأبى عبيدة. وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجدّ والانهماك، والعصمة والاستمساك.
وقال لنا أبو علىّ رحمه الله يكاد يعرف صدق أبى الحسن ضرورة. وذلك أنه كان مع الخليل فى بلد واحد (فلم يحك عنه حرفا واحدا).
هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائىّ وعفّته، وظلفه (1)، ونزاهته حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيّين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا لنهضته.
وحكى أبو الفضل الرّياشىّ قال: جئت أبا زيد لأقرأ عليه كتابه فى النبات، فقال: لا تقرأه علىّ فإنى قد أنسيته.
وحسبنا من هذا حديث سيبويه، وقد حطب بكتابه (وهو) ألف ورقة علما مبتكرا، ووضعا متجاوزا لما يسمع ويرى، قلّما تسند إليه حكاية، أو توصل به رواية، إلا الشاذّ الفذّ الذى لا حفل به ولا قدر. فلولا تحفّظ من يليه، ولزومه طريق ما يعنيه، لكثرت الحكايات عنه، ونيطت أسبابها به، لكن أخلد كل إنسان منهم إلى عصمته، وادّرع جلباب ثقته، وحمى جانبه من صدقه وأمانته، ما أريد من صون هذا العلم الشريف (له به).
فإن قلت: فإنا نجد علماء هذا الشأن من البلدين، والمتحلّين به فى المصرين،
__________
(1) الظلف: النزاهة.(2/503)
كثيرا ما يهجّن بعضهم بعضا، (ولا) يترك له فى ذلك سماء ولا أرضا.
قيل له: هذا أوّل دليل على كرم هذا الأمر، ونزاهة هذا العلم ألا ترى أنه إذا سبقت إلى أحدهم ظنّة، أو توجّهت نحوه شبهة، سبّ بها، وبرئ إلى الله منه لمكانها. ولعل أكثر من يرمى بسقطة فى رواية، أو عمر فى حكاية، محمىّ جانب الصدق فيها، برئ عند الله ذكره من تبعتها لكن أخذت عليه، إما لاعتنان شبهة عرضت له أو لمن أخذ عنه، وإمّا لأن ثالبه ومتعيّبه مقصّر عن مغزاه، مغضوض الطرف دون مداه. وقد تعرض الشبه للفريقين (وتعترض على كلتا الطريقتين).
فلولا أن هذا العلم فى نفوس أهله، والمتفيئين بظلّه، كريم الطرفين، جدد (1)
السمتين، لما تسابّوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب فى تحصين فروجه ونواحيه، ليطووا ثوبه على أعدل غروره (2) ومطاويه.
نعم، وإذا كانت هذه المناقضات والمثاقفات (3) موجودة بين السلف القديم، ومن باء فيه بالمنصب والشرف العميم، ممن هم سرج الأنام، والمؤتمّ بهديهم فى الحلال والحرام، ثم لم يكن ذلك قادحا فيما تنازعوا فيه، ولا غاضا منه، ولا عائدا بطرف من أطراف التبعة عليه، جاز مثل ذلك أيضا فى علم العرب، الذى لا يخلص جميعه للدين خلوص الكلام والفقه له، ولا يكاد يعدم أهله الأنق به، والارتياح لمحاسنه. ولله أبو العباس أحمد بن يحيى، وتقدّمه فى نفوس أصحاب الحديث ثقة وأمانة وعصمة وحصانة. وهم عيار هذا الشان، وأساس هذا البنيان.
وهذا أبو علىّ رحمه الله، كأنه بعد معنا، ولم تبن به الحال عنّا، كان من تحوّبه وتأنّيه، وتحرّجه كثير التوقّف فيما يحكيه، دائم الاستظهار لإيراد ما يرويه.
فكان تارة يقول: أنشدت لجرير فيما أحسب، وأخرى: قال لى أبو بكر فيما أظنّ، وأخرى: فى غالب ظنىّ كذا، وأرى أنّى قد سمعت كذا.
هذا جزء من جملة، وغصن من دوحة، وقطرة من بحر، ممّا يقال فى هذا الأمر. وإنما أنسنا بذكره، ووكلنا الحال فيه، إلى تحقيق ما يضاهيه.
__________
(1) الجدد: الأرض المستوية.
(2) جمع غرّ بفتح الغين وغرور الثوب: مكاسره أى حيث يتثنى وينكسر.
(3) يقال: ثاقف الرجل فثقفه كنصره غالبه فغلبه فى الحذق. القاموس (ثقف).(2/504)
باب فى الجمع بين الأضعف والأقوى فى عقد واحد
وذلك جائز عنهم، وظاهر وجه الحكمة فى لغتهم قال الفرزدق:
كلاهما حين جدّ الجرى بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى (1)
(فقوله: كلاهما قد أقلعا ضعيف لأنه حمل على المعنى وقوله: وكلا أنفيهما رابى) قوىّ لأنه حمل على اللفظ. وأنشد أبو عمرو الشيبانىّ:
كلا جانبيه يعسلان كلاهما ... كما اهتزّ خوط النّبعة المتتايع (2)
فإخباره ب (يعسلان) عن (كلا جانبيه) ضعيف على ما ذكرنا. وأمّا (كلاهما) فإن جعلته توكيدا ل (كلا) ففيه ضعف لأنه حمل على المعنى دون اللفظ. ولو كان على اللفظ لوجب أن يقول: كلا جانبيه يعسل كلّه، أو قال: يعسلان كلّه، فحمل (يعسلان) على المعنى، و (كلّه) على اللفظ، وإن كان فى هذا ضعف لمراجعة اللفظ بعد الحمل على المعنى. وإن جعلت (كلاهما) توكيدا للضمير فى (يعسلان) فإنه قوىّ لأنهما فى اللفظ اثنان كما أنهما فى المعنى كذلك.
وقال الله سبحانه: {بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] فحمل أوّل الكلام على اللفظ، وآخره على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى.
__________
(1) البيت من البسيط، وهو للفرزدق فى أسرار العربية ص 287، وتخليص الشواهد ص 66، والدرر 1/ 122، وشرح التصريح 2/ 43، وشرح شواهد المغنى ص 552، ونوادر أبى زيد ص 162، ولم أقع عليه فى ديوانه، وهو للفرزدق أو لجرير فى لسان العرب (سكف)، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 447، والخزانة 1/ 131، 4/ 299، وشرح الأشمونى 1/ 33، وشرح شواهد الإيضاح ص 171، وشرح المفصل 1/ 54، ومغنى اللبيب ص 204، وهمع الهوامع 1/ 41.
(2) البيت من الطويل، وهو لحميد بن ثور فى ديوانه ص 104، ولسان العرب (طرف)، وتهذيب اللغة 2/ 284، 13/ 322، وأساس البلاغة (تبع)، (طرف)، تاج العروس (تبع)، (طرف).
ويروى: ترى طرفيه بدلا من: كلا جانبيه، عود الساسم بدلا من: خوط النبعة.
يعسلان: يضطربان. والخوط: الغصن الناعم. النبعة: من أشجار الجبال يتخذ منه القسى.(2/505)
وتقول: أنتم كّلكم بينكم درهم. فظاهر هذا أن يكون (كلكم) توكيدا ل (أنتم) والجملة بعده خبر (عنه. ويجوز أن يكون كلكم مبتدأ ثانيا، والجملة بعده خبر) عن (كلكم). وكان أجود من ذلك أن يقال: بينه درهم لأن لفظ كلّ مفرد ليكون كقولك أنتم غلامكم له مال. ويجوز أيضا: أنتم كلكم بينهم درهم، فيكون عود الضمير بلفظ الغائب حملا على اللفظ، وجمعه حملا على المعنى.
كل ذلك (مساغ عندهم) ومجاز بينهم.
وقال ابن قيس:
لئن فتنتنى لهى بالأمس أفتنت ... سعيدا فأضحى قد قلى كلّ مسلم (1)
وفتن أقوى من أفتن حتى إن الأصمعىّ لمّا أنشد هذا البيت شاهدا لأفتن قال:
ذلك مخنّث، ولست آخذ بلغته. وقد جاء به رؤبة إلا أنه لم يضممه إلى غيره قال:
* يعرضن إعراضا لدين المفتن (2) *
ولسنا ندفع أن فى الكلام كثيرا من الضعف فاشيا، وسمتا منه مسلوكا متطرّقا.
وإنما غرضنا هذا أن نرى إجازة العرب جمعها بين قوّى الكلام وضعيفه فى عقد واحد، وأن لذلك وجها من النظر صحيحا. وسنذكره.
وأما قوله:
أمّا ابن طوق فقد أوفى بذمّته ... كما وفى بقلاص النّجم حاديها (3)
فلغتان قويّتان.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأعشى همدان فى لسان العرب (فتن)، والمخصّص 4/ 62، وتاج العروس (فتن)، وبلا نسبة فى لسان العرب (فتن)، وتهذيب اللغة 14/ 289، وجمهرة اللغة ص 406، ومقاييس اللغة 4/ 473، وديوان الأدب 2/ 334، وكتاب العين 8/ 128.
وهو يريد سعيد بن جبير.
(2) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 161، والكتاب 4/ 75، ولسان العرب (فتن)، وجمهرة اللغة ص 406، 1259، والمخصص 4/ 62، وتاج العروس (فتن).
(3) البيت من البسيط، وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص 113، ولسان العرب (قلص)، (وفى)، وتاج العروس (قلص)، (وفى).(2/506)
وقال:
لم تتلفّع بفضل مئزرها ... دعد ولم تسق دعد فى العلب (1)
فصرف ولم يصرف. وأجود اللغتين ترك الصرف.
وقال:
إنى لأكنى بأجبال عن اجبلها ... وبآسم أودية عن اسم واديها (2)
وأجبال أقوى من أجبل، وهما كما ترى فى بيت واحد.
ومثله فى المعنى لا فى الصنعة قول الآخر:
أبكى إلى الشرق ما كانت منازلها
ممّا يلى الغرب خوف القيل والقال
وأذكر الخال فى الخدّ اليمين لها
خوف الوشاة، وما فى الخدّ من خال (3)
وقال:
* أنك يا معاو يابن الأفضل (4) *
قال صاحب الكتاب: أراد: يا معاوية، فرخّمه على يا حار، فصار: يا معاوى،
__________
(1) البيت من المنسرح، وهو لجرير فى ملحق ديوانه ص 1021، ولسان العرب (دعد)، (لفع)، ولعبيد الله بن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص 178، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص 282، وأمالى ابن الحاجب ص 395، وشرح الأشمونى 2/ 527، وشرح قطر الندى ص 318، وشرح المفصل 1/ 70، والكتاب 3/ 241، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 50، والمنصف 2/ 77.
ويروى: لم تغذ بدلا من: لم تسق.
(2) البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى الأغانى 5/ 302، 304، 305، والمقتضب 2/ 200.
ويروى: عن ذكر بدلا من عن اسم.
(3) البيتان لابن الأحنف فى ديوانه ص 128.
(4) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 251، وخزانة الأدب 2/ 378، والدرر 3/ 55، وشرح أبيات سيبويه 1/ 562، والكتاب 2/ 250، وهمع الهوامع 1/ 184. وقبله:
* فقد رأى الرّاؤون غير البطّل *(2/507)
ثم رخّمه ثانيا على قولك: يا حار، فصار: يا معاو كما ترى. أفلا تراه كيف جمع بين الترخيمين: أحدهما على يا حار، وهو الضعيف، والآخر على يا حار، وهو القوىّ.
ووجه الحكمة (فى الجمع بين اللغتين): القويّة والضعيف فى كلام واحد هو:
أن يروك أن جميع كلامهم وإن تفاوتت أحواله فيما ذكرنا وغيره على ذكر منهم، وثابت فى نفوسهم. نعم، وليؤنّسوك بذاك، حتى إنك إذا رأيتهم وقد جمعوا بين ما يقوى وما يضعف فى عقد واحد، ولم (يتحاموه ولم يتجنّبوه)، ولم يقدح أقواهما فى أضعفهما، كنت إذا أفردت الضعيف منهما بنفسه ولم تضممه إلى القوىّ فيتبين به ضعفه وتقصيره عنه، آنس به، وأقلّ احتشاما لاستعماله فقد عرفت ما جاء عنهم من نحو قولهم: كل مجر بالخلاء يسرّ.
وأنشد الأصمعىّ:
فلا تصلى بمطروق إذا ما ... سرى فى القوم أصبح مستكينا
إذا شرب المرضّة قال: أوكى ... على ما فى سقائك قد روينا (1)
وغرضه فى هذين البيتين أن يريك خفضه فى حال دعته. وقريب منه قول لبيد:
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم فى كبد (2)
أى: هناك يعرف قدر الإنسان، لا فى حال الخلوة والخفيضة. وعليه قولها (3):
__________
(1) البيتان من الوافر، وهما لابن أحمد فى ديوانه ص 161، ولسان العرب (رضض)، (معد)، (طرق)، وجمهرة اللغة ص 122، وتاج العروس (رضض)، (معد)، وأساس البلاغة (رضض)، (وكى)، (طرق)، وبلا نسبة فى المخصص 3/ 102، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 752، والمخصص 5/ 44، 8/ 55، ومقاييس اللغة 2/ 375، 3/ 48، ومجمل اللغة 3/ 41، ويروى البيت الأول منهما: ولا تحلى بدلا من فلا تصلى.
المطروق: الضعيف اللين، والمرضة: اللبن الحليب الذى يحلب على الحامض.
(2) البيت من المنسرح، وهو للبيد فى ديوانه ص 160، وتذكرة النحاة ص 118، ولسان العرب (كبد)، (عدل).
(3) أى الخنساء فى رثاء أخيها صخر. وفى ط:
* وأبكيه لكل مغيب شمس * (نجار).(2/508)
يذكّرنى طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل غروب شمس
أى وقتى الإغارة والإضافة. وقد كثر جدّا. وآخر من جاء به شاعرنا، قال:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا (1)
ونظير هذا الإنسان يكون له ابنان أو أكثر من ذلك، فلا يمنعه نجابة النجيب منهما الاعتراف بأدونهما، وجمعه بينهما فى المقام الواحد، إذا احتاج إلى ذلك.
وقد كنا قدّمنا فى هذا الكتاب حكاية أبى العباس مع عمارة وقد قرأ: (ولا الليل سابق النهار) فقال له (أبو العباس): ما أردت؟ فقال: أردت: سابق النهار.
فقال: فهلا قلته! فقال عمارة: لو قلته لكان أوزن.
وهذا يدلّك على أنهم قد يستعملون من الكلام ما غيره (آثر فى نفوسهم منه) سعة فى التفسّح، وإرخاء للتنفّس، وشحّا على ما جشموه فتواضعوه، أن يتكارهوه فيلغوه ويطّرحوه. فاعرف ذلك مذهبا لهم، ولا (تطعن عليهم) متى ورد عنهم شىء منه.
* * * __________
(1) فى ز: «فقال». والبيت من قصيدة يمدح فيها أبو الطيب سيف الدولة بن حمدان، ويذكر انتصاره على الروم. يقول: إنهم أظهروا الإقدام على سيف الدولة، فلما أحسوا به فرّوا من بين يديه. (نجار).(2/509)
باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه
هذا غور من اللغة بطين، يحتاج مجتابه إلى فقاهة فى النفس، ونصاعة من الفكر، ومساءلة خاصّيّة، ليست بمبتذلة ولا ذات هجنة.
ألقيت يوما على بعض من كان يعتادنى، فقلت: من أين تجمع بين قوله:
لدن بهمزّ الكفّ يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب (1)
وبين قولنا: اختصم زيد وعمرو؟ فأجبل (2) ورجع مستفهما. فقلت: اجتماعهما من حيث وضع كل واحد منهما فى غير الموضع الذى بدئ له. وذلك أن الطريق خاصّ وضع موضع العامّ. (وذلك) أن وضع هذا أن يقال: كما عسل أمامه الثعلب، وذلك الأمام قد كان يصلح لأشياء من الأماكن كثيرة: من طريق وعسف وغيرهما. فوضع الطريق وهو بعض ما كان يصلح للأمام أن يقع عليه موضع الإمام. فنظير هذا أنّ واو العطف وضعها لغير الترتيب، وأن تصلح للأوقات الثلاثة نحو جاء زيد وبكر. فيصلح أن يكونا جاءا معا، وأن يكون زيد قبل بكر، وأن يكون بكر قبل زيد. ثم إنك قد تنقلها من هذا العموم إلى الخصوص. وذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو. فهذا لا يجوز أن يكون الواو فيه إلا لوقوع الأمرين فى وقت واحد. ففى هذا أيضا إخراج الواو عن أوّل ما وضعت له فى الأصل:
من صلاحها للأزمنة الثلاثة، والاقتصار بها على بعضها كما اقتصر على الطريق
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لساعدة بن جؤية الهذلى فى تخليص الشواهد ص 503، وخزانة الأدب 3/ 83، 86، والدرر 3/ 86، وشرح أشعار الهذليين ص 1120، وشرح التصريح 1/ 312، وشرح شواهد الإيضاح ص 155، وشرح شواهد المغنى ص 885، والكتاب 1/ 36، 214، ولسان العرب (وسط)، (عسل)، والمقاصد النحوية 2/ 544، ونوادر أبى زيد ص 15، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 180، وأوضح المسالك 2/ 179، وجمهرة اللغة ص 842، وشرح الأشمونى 1/ 197، ومغنى اللبيب ص 11، وهمع الهوامع 1/ 200.
(2) وفى حديث عكرمة: ما لك أجبلت، أى انقطعت، من قولهم أجبل الحافر إذا أفضى إلى الجبل أو الصخر الذى لا يحيك فيه المعول. وسألته فأجبل، أى وجدته جبلا. اللسان (جبل).(2/510)
من بعض ما كان يصلح له الأمام.
ومن ذلك أن يقال لك: من أين تجمع بين قول الله سبحانه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ * فَمََا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلََا نََاصِرٍ} [الطارق: 9، 10] مع قول الشاعر:
زمان علىّ غراب غداف ... فطيّره الدهر عنّى فطارا (1)
فالجواب: أن فى كل واحد من الآية والبيت دليلا على قوّة شبه الظرف بالفعل.
أمّا الآية فلأنه عطف الظرف فى قوله: {فَمََا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ} على قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرََائِرُ} والعطف نظير التثنية وهو مؤذن بالتماثل والتشابه. وأما البيت فلأنه عطف الفعل فيه على الظرف الذى هو قوله: (علىّ غراب غداف). وهذا واضح. وبهذا يقوى عندى قول مبرمان: إن الفاء فى نحو قولك: خرجت فإذا زيد عاطفة، وليست زائدة كما قال أبو عثمان ولا للجزاء كما قال الزيادىّ.
ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] مع قول امرئ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود النباطىّ جرجرا (2)
والجواب أن معنى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}: لم يذلّ فيحتاج إلى ولىّ من الذّل كما أن هذا معناه: لا منار به فيهتدى به. ومثله قول الآخر:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا يرى الضبّ بها ينجحر (3)
وعليه قول الله تعالى: {فَمََا تَنْفَعُهُمْ شَفََاعَةُ الشََّافِعِينَ} [المدثر: 48] أى لا
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو للكميت فى لسان العرب (غرب)، ويروى: الشيب بدلا من الدهر.
(2) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 66، ولسان العرب (ديف)، (سوف)، (لحف)، وتهذيب اللغة 5/ 70، 13/ 92، 14/ 198، وأساس البلاغة (سوف)، وتاج العروس (ديف)، (لحف)، (سوف)، وبلا نسبة فى لسان العرب (نسا)، ومقاييس اللغة 2/ 318، ومجمل اللغة 2/ 304، ويروى: الدياضىّ بدلا من النباطى.
(3) البيت من السريع، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص 67، وأمالى المرتضى 1/ 229، وخزانة الأدب 10/ 192، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 11/ 313.(2/511)
يشفعون لهم فينتفعوا بذلك. يدل عليهم قول عز اسمه: «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» وإذا كان كذلك فلا شفاعة إلا للمرتضى. فعلمت بذلك أن لو (شفع لهم لا ينتفعون) بذلك. ومنه قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده، أى لا وليد فيه فينادى.
فإن قيل: فإذا كان لا منار به ولا وليد فيه (ولا أرنب هناك) فما وجه إضافة هذه الأشياء إلى ما لا ملابسة بينها وبينه؟
قيل: لا بل هناك ملابسة لأجلها ما صحّت الإضافة. وذلك أن العرف أن يكون فى الأرض الواسعة منار يهتدى به، وأرنب تحلّها. فإذا شاهد الإنسان هذا البساط (1) من الأرض خاليا من المنار والأرنب، ضرب بفكره إلى ما فقده منهما، فصار ذلك القدر من الفكر وصلة بين الشيئين، وجامعا لمعتاد الأمرين.
وكذلك إذا عظم الأمر واشتدّ الخطب علم أنه لا يقوم له، ولا يحضر فيه إلا الأجلاد وذوو البسالة، دون الولدان وذوى الضراعة. فصار العلم يفقد هذا الضرب من الناس وصلة فيه بينهما، وعذرا فى تصاقبهما وتدانى حاليهما.
ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الأعشى:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسّهدا (2)
مع قول الآخر فيما رويناه عن ابن الأعرابىّ:
وطعنة مستبسل ثائر ... تردّ الكتيبة نصف النّهار (3)
ومع قول العجاج:
* ولم يضع جاركم لحم الوضم (4) *
ومع قوله أيضا:
__________
(1) البساط بفتح الباء وكسرها: الأرض الواسعة.
(2) السليم: اللديغ.
(3) البيت من المتقارب، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 752، والمحتسب 2/ 122.
(4) الرجز للعجاج فى ديوانه 1/ 427، ولسان العرب (لحم).(2/512)
* حتى إذا اصطفّوا له جدارا (1) *
والجواب: أن التقاء هذه المواضع كلّها هو فى أن نصب فى جميعها (على المصدر) ما ليس مصدرا. وذلك أن قوله: (ليلة أرمدا) انتصب (ليلة) منه على المصدر وتقديره: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد، فلمّا حذف المضاف الذى هو (اغتماض) أقام (ليلة) مقامه، فنصبها على المصدر كما كان الاغتماض منصوبا عليه. فالليلة إذا ههنا منصوبة على المصدر لا على الظرف. كذا قال أبو علىّ لنا. وهو كما ذكر لما ذكرنا. فكذلك إذا قوله:
* تردّ الكتيبة نصف النهار (2) *
(إنما نصف النهار) منصوب على المصدر لا على الظرف ألا ترى أن ابن الأعرابىّ قال فى تفسيره: إن معناه: تردّ الكتيبة مقدار نصف يوم، أى مقدار مسيرة نصف يوم. فليس إذا معناه: تردّها فى وقت نصف النهار بل: الردّ الذى لو بدئ أوّل النهار لبلغ نصف يوم. وكذلك قول العجّاج:
* ولم يضع جاركم لحم الوضم (3) *
ف (لحم الوضم) منصوب على المصدر، أى ضياع لحم الوضم. وكذلك قوله أيضا:
* حتى إذا اصطفّوا له جدارا (4) *
ف (جدارا) منصوب على المصدر. هذا هو الظاهر ألا ترى أن معناه: (حتى إذا اصطفوا له) اصطفاف جدار، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه على ما مضى. وقد يجوز أن يكون (جدارا) حالا أى مثل الجدار، وأن يكون أيضا
__________
(1) من أرجوزة له يمدح فيها الحجاج، ويذكر إيقاعه بالخوارج. فقوله: «اصطفوا»: أى الخوارج، يريد: أنهم برزوا له فى الموقعة، وجواب الشرط فى قوله بعد:
أو رد حذّا تسبق الأبصارا ... يسبقن بالموت القنا الحرارا
وهو يريد بالحذّ سهاما خفيفة، والحرار جمع الحرّى، وصفها بذلك لحرارة الطعن بها.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.(2/513)
منصوبا على فعل آخر، أى صاروا جدارا، أى مثل جدار، فنصبه فى هذا الموضع على أنه خبر صاروا. والأوّل أظهر وأصنع.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله سبحانه: {فَمَا اسْتَكََانُوا لِرَبِّهِمْ}
[المؤمنون: 76] مع قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنََاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ} [البقرة: 49].
والتقاؤهما أن أبا علىّ رحمه الله كان يقول: إن عين (استكانوا) من الياء، وكان يأخذه من الفظ الكين ومعناه، وهو لحم باطن الفرج، أى فما ذلّوا وما خضعوا. وذلك لذلّ هذا الموضع ومهانته. وكذلك قوله: (ويستحيون نساءكم) إنما هو من لفظ الحياء ومعناه (أى الفرج)، أى يطئوهنّ. وهذا واضح.
ومن ذلك أن يقال: من أين (يجمع بين) قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ} [الجمعة: 8]، (وبين) قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ سََاهُونَ} [الماعون: 4، 5]. والتقاؤهما من قبل أن الفاء فى قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ} إنما دخلت لما فى الصفة التى هى قوله: {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} (من معنى الشرط)، أى إن فررتم منه لاقاكم فجعل عزّ اسمه هربهم منه سببا للقيّه إيّاهم على وجه المبالغة حتى كأنّ هذا مسبّب عن هذا كما قال زهير:
* ومن هاب أسباب المنايا ينلنه (1) *
فمعنى الشرط إذا إنما هو مفاد من الصفة لا الموصوف. وكذلك قوله عزّ وجلّ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ سََاهُونَ} إنما استحقّوا الويل لسهوهم عن الصلاة، لا للصلاة نفسها، والسهو مفاد من الصفة لا من الموصوف. فقد ترى إلى اجتماع الصفتين فى أن المستحقّ من المعنى إنما هو لما فيهما من الفعل الذى هو الفرار والسهو، وليس من نفس الموصوفين اللذين هما الموت والمصلّون. وليس كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ}
__________
(1) صدر البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص 30، وسر صناعة الإعراب 1/ 267، وشرح شواهد المغنى 1/ 386، ولسان العرب (سبب). ويروى: السماء بدلا من:
المنايا. وعجز البيت:
* وإن رام أسباب السماء بسلّم *(2/514)
{سِرًّا وَعَلََانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] من قبل أن معنى الفعل المشروط به هنا إنما هو مفاد من نفس الاسم الذى ليس موصوفا، أعنى: الذين ينفقون. وهذا واضح.
وقال لى أبو علىّ رحمه الله: «إنى لم أودع كتابى فى الحجة» شيئا من انتزاع أبى العباس غير هذا الموضع، أعنى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ} [الجمعة: 8] مع قوله:
* ومن هاب أسباب المنايا ينلنه (1) *
وكان رحمه الله يستحسن الجمع بينهما.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] مع قول الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر (2)
والتقاؤهما أن معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، وكذلك قوله:
حتى يقول الناس، أى حتى يقول كل واحد من الناس: يا عجبا! ألا ترى أنه لولا ذلك لقيل: يا عجبنا. ومثل ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلّنا حلّة، وأعطانا كلّنا مائة أى كسا كل واحد منا حلّة، وأعطاه مائة. ومثل قوله سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37] أى: أولم نعمر كلّ واحد منكم ما يتذكّر فيه من تذكّر.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول العجّاج:
* وكحّل العينين بالعواور (3) *
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص 191، ولسان العرب (نشر)، وتهذيب اللغة 11/ 338، ومقاييس اللغة 5/ 430، وتاج العروس (نشر)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 734، والمخصص 9/ 92.
(3) الرجز للعجاج، ولجندل بن المثنى الطهوى فى شرح أبيات سيبويه 2/ 429، وشرح التصريح 2/ 369، وشرح شواهد الشافية ص 374، والمقاصد النحوية 4/ 571، وبلا نسبة فى الإنصاف(2/515)
مع قول الآخر:
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع (1)
واجتماعهما أنه صحّح الواو فى العواور لإرادة الياء فى العواوير كما أنه أراد: فاضطجع، ثم أبدل من الضاد لاما. فكان قياسه إذا زالت الضاد وخلفتها اللام أن تظهر تاء افتعل، فيقال: التجع، كما يقال: التفت، والتقم، والتحف.
لكن أقرّت الطاء بحالها ليكون اللفظ بها دليلا على إرادة الضاد التى هذه اللام بدل منها كما دلّت صحّة الواو (فى العواور) على إرادة الياء فى العواوير، وكما دلّت الهمزة فى أوائيل إذا مددت مضطرّا على زيادة الياء فيها، وأن الغرض إنما هو أفاعل لا أفاعيل.
ونحو من الطجع فى إقرار الطاء لإرادة الضاد ما حكى لنا أبو علىّ عن خلف من قولهم: التقطت النوى واستقطته واضتقطته. فصحّة التاء مع الضاد فى اضتقطته دليل على إرادة اللام فى التقطته، وأن هذه الضاد بدل من تلك اللام كما أن لام الطجع بدل من ضاد اضطجع: هذا هنا كذلك ثمّة.
ونحو من ذلك ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: لا أكلّمك حيرى دهر، بإسكان الياء فى الكلام وعن غير ضرورة من الشعر. وذلك أنه أراد: حيرىّ دهر أى امتداد الدهر، وهو من الحيرة لأنها مؤذنة بالوقوف والمطاولة فحذف الياء
__________
2/ 785، وأوضح المسالك 4/ 374، وسرّ صناعة الإعراب 2/ 771، وشرح الأشمونى 3/ 829، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 131، وشرح المفصل 5/ 7، 10/ 91، 92، والكتاب 4/ 370، ولسان العرب (عور)، والمحتسب 1/ 107، 124، والممتع فى التصريف 1/ 329، والمنصف 2/ 49، 3/ 50، وتاج العروس (عور)، والمخصص 1/ 109.
(1) الرجز لمنظور بن حبة الأسدىّ فى شرح التصريح 2/ 367، والمقاصد النحوية 4/ 584، وبلا نسبة فى التنبيه والإيضاح 2/ 234، والمخصص 8/ 24، وتاج العروس (أبز)، (أرط)، (ضجع)، والأشباه والنظائر 2/ 340، وإصلاح المنطق ص 95، وأوضح المسالك 4/ 371، وسر صناعة الإعراب 1/ 321، وشرح الأشمونى 3/ 821، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 226، وشرح شواهد الشافية ص 274، وشرح المفصل 9/ 82، 10/ 46، ولسان العرب (أبز)، (أرط)، (ضجع)، (رطا)، والمحتسب 1/ 107، والممتع فى التصريف 1/ 403، والمنصف 2/ 329.(2/516)
الأخيرة، وبقيت الياء الأولى على سكونها، وجعل بقاؤها ساكنة على الحال التى كانت عليها قبل حذف الأخرى من بعدها، دليلا على إرادة هذا المعنى فيها، وأنها ليست مبنيّة على التخفيف فى أوّل أمرها إذ لو كانت كذلك لوجب تحريكها بالفتح، فيقال: لا أكلمك حيرى دهر كقولك: مدّة الدهر (وأبد الأبد ويد المسند) و:
* بقاء الوحى فى الصّيمّ الصلاب *
ونحو ذلك. وهذا يدلّ على أن المحذوف من الياءين فى قوله:
بكّى بعينك واكف القطر ... ابن الحوارى العالى الذكر (1)
إنما هو الياء الثانية فى الحوارىّ كما أن المحذوف من حيرى دهر، إنما هو الثانية فى حيرىّ. فاعرفه.
ومثله إنشاد أبى الحسن:
* ارهن بنيك عنهم أرهن بنى *
يريد بنىّ، فحذف الياء الثانية للقافية، ولم يعد النون التى كان حذفها للإضافة، فيقول: بنين لأنه نوى الياء الثانية، فجعل ذلك دليلا على إرادتها ونيّته إياها.
فهذا شرح من خاصّىّ السؤال، لم تكدّ تجرى به عادة فى الاستعمال. وقد كان أبو علىّ رحمه الله وإن لم يكن تطرّقه يعتاد من الإلقاء نحوا منه، فيتلو الآية، وينشد البيت، ثم يقول: ما فى هذا مما يسأل عنه؟ من غير أن (يبرز) (نفس حال) المسئول عنه ولا يسمح بذكره من جهته، ويكله إلى استنباط المسئول عنه، حتى إذا وقع له غرض أبى علىّ فيه، أخذ فى الجواب عليه.
* * * __________
(1) البيت من الكامل، وهو لعبيد الله بن قيس الرّقيّات فى ملحق ديوانه ص 183، ونوادر أبى زيد ص 205، وبلا نسبة فى سرّ صناعة الإعراب 2/ 672، ولسان العرب (حور)، (أيا)، (دوا)، والمحتسب 1/ 163، 323.
الحوارىّ: هو الزبير بن العوام حوارىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم.(2/517)
باب فى المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول
اعلم أن هذا الباب، وإن ألانه عندك ظاهر ترجمته، وغضّ منه فى نفسك بذاذة سمته، فإن فيه ومن ورائه تحصينا للمعانى، وتحريرا للألفاظ، وتشجيعا على مزاولة الأغراض.
والكلام فيه من موضعين:
أحدهما: ذكر استقامة المعنى من استحالته، والآخر: الاستطالة على اللفظ بتحريفه والتلعّب به ليكون ذلك مدرجة للفكر، ومشجعة للنفس، وارتياضا لما يرد من ذلك الطرز. وليس لك أن تقول: فما فى الاشتغال بإنشاء فروع كاذبة، عن أصول فاسدة!. وقد كان فى التشاغل بالصحيح، مغن عن التكلّف للسقيم.
هذا خطأ من القول من قبل أنه إذا أصلح الفكر، وشحذ البصر، وفتق النظر، كان ذلك عونا لك، وسيفا ماضيا فى يدك ألا ترى إلى ما كان نحو هذا من الحساب وما فيه من التصرّف والاعتمال.
وذلك قولك: إذا فرضت أن سبعة فى خمسة أربعون فكم يجب أن يكون على هذا ثمانية فى ثلاثة؟ فجوابه أن تقول: سبعة وعشرون وثلاثة أسباع. وبابه على الاختصار أن تزيد على الأربعة والعشرين سبعها، وهو ثلاثة وثلاثة أسباع كما زدت على الخمسة والثلاثين سبعها وهو خمسة حتى صارت: أربعين.
وكذلك لو قال: لو كانت سبعة فى خمسة ثلاثين، كم كان يجب أن تكون ثمانية فى ثلاثة؟ لقلت: عشرين وأربعة أسباع، نقصت من الأربعة والعشرين سبعها كما نقضت من الخمسة والثلاثين سبعها. وكذلك لو كان نصف المائة أربعين لكان نصف الثلاثين اثنى عشر. (وكذلك لو كان نصف المائة ستّين لكان نصف الثلاثين ثمانية عشر).
ومن المحال أن يقول لك: ما تقول فى مال نصفه ثلثاه، كم ينبغى أن يكون ثلثه؟ فجوابه أن تقول: أربعة أتساعه. وكذلك لو قال: ما تقول فى مال ربعه
وخمسه نصفه وعشره، كم ينبغى أن يكون نصفه وثلثه؟ فجوابه أن يكون: جميعه وتسعه. وكذلك لو قال: ما تقول فى مال نصفه ثلاثة أمثاله، كما يجب أن تكون سبعة أمثاله؟ فجوابه أن تقول: اثنين وأربعين مثلا له. (وكذلك لو قال: ما تقول فى مال ضعفه ثلثه كم ينبغى أن يكون أربعة أخماسه؟ وجوابه أن تقول: عشره وثلث عشره). وكذلك لو قال لك: إذا كانت أربعة وخمسة ثلاثة عشر فكم يجب أن يكون تسعه وستة؟ فجوابه أن تقول: أحدا وعشرين وثلثين.(2/518)
ومن المحال أن يقول لك: ما تقول فى مال نصفه ثلثاه، كم ينبغى أن يكون ثلثه؟ فجوابه أن تقول: أربعة أتساعه. وكذلك لو قال: ما تقول فى مال ربعه
وخمسه نصفه وعشره، كم ينبغى أن يكون نصفه وثلثه؟ فجوابه أن يكون: جميعه وتسعه. وكذلك لو قال: ما تقول فى مال نصفه ثلاثة أمثاله، كما يجب أن تكون سبعة أمثاله؟ فجوابه أن تقول: اثنين وأربعين مثلا له. (وكذلك لو قال: ما تقول فى مال ضعفه ثلثه كم ينبغى أن يكون أربعة أخماسه؟ وجوابه أن تقول: عشره وثلث عشره). وكذلك لو قال لك: إذا كانت أربعة وخمسة ثلاثة عشر فكم يجب أن يكون تسعه وستة؟ فجوابه أن تقول: أحدا وعشرين وثلثين.
وكذلك طريق الفرائض أيضا ألا تراه لو قال: مات رجل، وخلّف ابنا وثلاث عشرة بنتا، فأصاب الواحدة ثلاثة أرباع ما خلّفه المتوفّى، كم يجب أن يصيب الجماعة؟ فالجواب أنه يصيب جميع الورثة مثل ما خلّفه المتوفّى إحدى عشرة مرّة وربعا.
وكذلك لو قال: امرأة ماتت، وخلّفت زوجا وأختين لأب وأم، فأصاب كلّ واحدة منهما أربعة أتساع ما خلّفته المتوفّاة، كم ينبغى أن يصيب جميع الورثة؟
والجواب أنه يصيبهم ما خلّفته المرأة وخمسة اتساعه.
فهذه كلها ونحوه من غير ما ذكرنا، أجوبة صحيحة، على أصول فاسدة.
ولو شئت أن تزيد وتغمض فى السؤال لكان ذلك لك. وإنما الغرض فى هذا ونحوه التدرّب به، والارتياض بالصنعة فيه. وستراه بإذن الله.
فمن المحال أن تنقض أوّل كلامك بآخره. وذلك كقولك: قمت غدا، وسأقوم أمس، ونحو هذا. فإن قلت: فقد تقول إن قمت غدا قمت معك، وتقول: لم أقم أمس، وتقول: أعزّك الله، وأطال بقاءك، فتأتى بلفظ الماضى ومعناه الاستقبال وقال:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّنى ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى (1)
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لرجل من سلول فى الدرر 1/ 78، وشرح التصريح 2/ 11، وشرح شواهد المغنى 1/ 310، والكتاب 3/ 24، والمقاصد النحوية 4/ 58، ولشمر بن عمرو الحنفىّ فى الأصمعيات ص 126، ولعميرة بن جابر الحنفى فى حماسة البحترى ص 171، وبلا نسبة فى الأزهية ص 263، والأشباه والنظائر 3/ 90، والأضداد ص 132، وأمالى ابن الحاجب ص 631، وأوضح المسالك 3/ 206، وجواهر الأدب ص 307، وخزانة الأدب 1/ 357،(2/519)
أى: ولقد مررت. وقال:
وإنى لآتيكم تشكّر ما مضى
من الأمر واستيجاب ما كان فى غد (1)
أى ما يكون. وقال:
* أوديت إن لم تحب حبو المعتنك (2) *
أى أودى وأمثاله كثيرة:
قيل: ما قدّمناه على ما أردنا فيه. فأما هذه المواضع المتجوّزة، وما كان نحوها، فقد ذكرنا أكثرها فيما حكيناه عن أبى علىّ، وقد سأل أبا بكر عنه فى نحو هذا فقال (أبو بكر) كان حكم الأفعال إن تأتى كلها بلفظ واحد لأنها لمعنى واحد غير أنه لمّا كان الغرض فى صناعتها أن تفيد أزمنتها، خولف بين مثلها ليكون ذلك دليلا على المراد فيها. قال: فإن أمن اللبس فيها جاز أن يقع بعضها موقع بعض. وذلك مع حرف الشرط نحو إن قمت جلست لأن الشرط معلوم أنه لا يصحّ إلا مع الاستقبال. وكذلك لم يقم أمس، وجب لدخول لم ما لولا هى لم يجز. قال: ولأن المضارع أسبق فى الرتبة من الماضى، فإذا نفى الأصل كان الفرع
__________
358، 3/ 201، 4/ 207، 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383، والدرر 6/ 154، وشرح شواهد الإيضاح ص 221، وشرح شواهد المغنى 2/ 841، وشرح ابن عقيل ص 475، والصاحبى فى فقه اللغة 219، ولسان العرب (ثمم)، (منى)، ومغنى اللبيب 1/ 102، 2/ 429، 645، وهمع الهوامع 1/ 9، 2/ 140.
(1) البيت من الطويل، وهو للطرماح فى ملحق ديوانه ص 572، وتاج العروس (كون)، ولسان العرب (كون). ويروى: واستنجاز بدلا من واستيجاب.
(2) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص 118، ولسان العرب (عنك)، (حبا)، وتاج العروس (ركك)، (عنك)، (حبو)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 286، ومقاييس اللغة 4/ 165، ومجمل اللغة 3/ 416، وشرح شواهد المغنى 1/ 52، وشرح قطر الندى ص 209، وللعجاج فى اللمع فى العربية ص 194، وبلا نسبة فى الإنصاف ص 628، وشرح المفصل 2/ 3، والمعانى الكبير ص 870، والمقتضب 4/ 208، وديوان الأدب 2/ 18، وكتاب الجيم 2/ 225، 273، وأساس البلاغة (نوخ). وقبله:
* فالذخر فيها عندنا والأجر لك *(2/520)
أشدّ انتفاء. وكذلك أيضا حديث الشرط فى نحو إن قمت قمت، جئت فيه بلفظ الماضى الواجب تحقيقا للأمر، وتثبيتا له، أى إن هذا وعد موفىّ به لا محالة كما أن الماضى واجب ثابت لا محالة.
ونحو من ذلك لفظ الدعاء ومجيئه على صورة الماضى الواقع نحو أيّدك الله، وحرسك الله، إنما كان ذلك تحقيقا له وتفؤّلا بوقوعه أن هذا ثابت بإذن الله، وواقع غير ذى شكّ. وعلى ذلك يقول السامع للدعاء إذا كان مريدا لمعناه: وقع إن شاء الله، ووجب لا محالة أن يقع ويجب.
وأما قوله:
* ولقد أمرّ على اللئيم يسبّنى (1) *
فإنما حكى فيه الحال الماضية، والحال لفظها أبدا بالمضارع نحو قولك: زيد يتحدّث ويقرأ، أى هو فى حال تحدّث، وقراءة. وعلى نحو من حكاية الحال فى نحو هذا قولك: كان زيد سيقوم أمس، أى كان متوقّعا (منه القيام) فيما مضى.
وكذلك قول الطرمّاح:
* واستيجاب ما كان فى غد (2) *
يكون عذره فيه: أنه جاء بلفظ الواجب تحقيقا له، وثقه بوقوعه، أى إن الجميل منكم واقع متى أريد، وواجب متى طلب. وكذلك قوله:
* أوديت إن لم تحب حبو المعتنك (3) *
جاء به بلفظ الواجب لمكان حرف الشرط الذى معه، أى إن هذا كذا لا شكّ فيه، فالله الله (فى أمرى) يؤكّد بذلك على حكم فى قوله:
* يا حكم الوارث عن عبد الملك (4) *
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) نفس تخريج رقم (3). وبعده:
* ميراث أحساب وجود منسفك *(2/521)
أى إن لم تتداركنى هلكت الساعة غير شكّ، هكذا يريد. فلأجله ما جاء بلفظ الواجب الواقع غير المرتاب به، ولا المشكوك فى وقوعه. وقد نظر إلى هذا الموضع أبو العتاهية، فاتّبعه فيه، وإن صغر لفظه، وتحاقر دونه. قال:
عتب الساعة الساعه ... أموت الساعة الساعه
وهذا على نذالة لفظه وفق ما نحن على سمته. وهذا هذا. وليس كذلك قولك: قمت غدا، وسأقوم أمس لأنه عار من جميع ما نحن فيه إلا أنه لو دلّ دليل من لفظ أو حال لجاز نحو هذا. فأمّا على تعرّيه منه، وخلوّه مما شرطناه فيه فلا.
ومن المحال قولك: زيد أفضل إخوته، ونحو ذلك. وذلك أن أفضل: أفعل، وأفعل هذه التى معناها المبالغة والمفاضلة، متى أضيفت إلى شىء فهى بعضه كقولك: زيد أفضل الناس، فهذا جائز لأنه منهم، واليقاوت أنفس الأحجار لأنه بعضها. ولا تقول: زيد أفضل الحمير، ولا الياقوت أنفس الطعام لأنهما ليسا منهما. وهذا مفاد هذا. فعلى ذلك لم يجيزوا: زيد أفضل إخوته لأنه ليس واحدا من إخوته، وإنما هو واحد من بنى أبيه ألا ترى أنه لو كان له إخوة بالبصرة وهو ببغداد، (وكان) بعضهم وهم بالبصرة، لوجب من هذا أن يكون من ببغداد البتّة فى حال كونه بها، مقيما بالبصرة البتّة فى تلك الحال. وأيضا، فإن الإخوة مضافون إلى ضمير زيد، وهى الهاء فى إخوته، فلو كان واحدا منهم وهم مضافون إلى ضميره كما ترى لوجب أيضا أن يكون داخلا معهم فى إضافته إلى ضميره، وضمير الشىء هو الشىء البتّة، والشىء لا يضاف إلى نفسه. (وأما) قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 51] فإن الحق هنا غير اليقين، وإنما هو خالصه وواضحه، فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكلّ نحو هذا ثوب خزّ.
ونحوه قولهم: الواحد بعض العشرة. ولا يلزم من حيث كان الواحد بعض العشرة أن يكون بعض نفسه لأنه لم يضف إلى نفسه، وإنما أضيف إلى جماعة نفسه بعضها، وليس كذلك زيد أفضل إخوته لأن الإخوة مضافة إلى نفس زيد، وهى الهاء التى هى ضميره. ولو كان زيد بعضهم وهم مضافون إلى ضميره لكان هو أيضا مضافا إلى ضميره الذى هو نفسه، وهذا محال. فاعرف ذلك فرقا بين
الموضعين فإنه واضح.(2/522)
ونحوه قولهم: الواحد بعض العشرة. ولا يلزم من حيث كان الواحد بعض العشرة أن يكون بعض نفسه لأنه لم يضف إلى نفسه، وإنما أضيف إلى جماعة نفسه بعضها، وليس كذلك زيد أفضل إخوته لأن الإخوة مضافة إلى نفس زيد، وهى الهاء التى هى ضميره. ولو كان زيد بعضهم وهم مضافون إلى ضميره لكان هو أيضا مضافا إلى ضميره الذى هو نفسه، وهذا محال. فاعرف ذلك فرقا بين
الموضعين فإنه واضح.
فأمّا قولنا: أخذت كلّ المال، وضربت كل القوم، فليس الكل هو ما أضيف إليه. قال أبو بكر: إنما الكل عبارة عن أجزاء الشىء، وكما جاز أن يضاف أجزاء الجزء الواحد إلى الجملة، جاز أيضا أن تضاف الأجزاء كلها إليه.
فإن قيل: فالأجزاء كلّها هى الجملة، فقد عاد الأمر إلى إضافة الشىء إلى نفسه.
قيل: هذا فاسد، وليس أجزاء الشىء هى الشىء وإن كان مركّبا منها. بل الكل فى هذا جار مجرى البعض فى أنه ليس بالشىء نفسه كما أن البعض ليس به نفسه. يدل على ذلك وأن حال البعض متصوّرة فى الكل قولك: كل القوم عاقل، أى كل واحد منهم على انفراده عاقل. هذا هو الظاهر، وهو طريق الحمل على اللفظ قال الله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} [مريم: 95]، وقال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهََا} [الكهف: 33] فوحّد، وقال:
* كلا أبويكم كان فرع دعامة (1) *
فلم يقل: كانا، وهو الباب. ومثله قول الأعشى أيضا:
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر (2)
أى حتى يقول كل واحد منهم: يا عجبا. وعليه قول الآخر:
تفوّقت مال ابنى حجير وما هما ... بذى حطمة فان ولا ضرع غمّر (3)
أى: وما كل واحد منهما كذلك.
فأما قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ} [النمل: 87] و {كُلٌّ لَهُ قََانِتُونَ}
[البقرة: 116] فمحمول على المعنى دون اللفظ. وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه
__________
(1) الفرع: الشريف.
(2) سبق تخريجه.
(3) تفوق المال: أخذه شيئا بعد شىء، مشتقّ من فواق الناقة. ذو الحطمة: الهرم. الضرع:
الضعيف. الغمر: من لم يجرب الأمور.(2/523)
غير مضافة، فلمّا لم تضف إلى جماعة عوّض من ذلك ذكر الجماعة فى الخبر. ألا ترى أنه لو قال: وكل له قانت لم يكن فيه لفظ الجمع البتّة، ولما قال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} [مريم: 95] فجاء بلفظ الجماعة مضافا إليها، استغنى به عن ذكر الجماعة فى الخبر.
وتقول على اللفظ: كل نسائك قائم، ويجوز: قائمة إفرادا على اللفظ أيضا، وقاتمات على المعنى البتّة قال الله سبحانه: {يََا نِسََاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسََاءِ} [الأحزاب: 32] ولم يقل: كواحدة لأن الموضع موضع عموم، فغلب فيه التذكير وإن كان معناه: ليست كلّ واحدة منكن كواحدة من النساء لما ذكرناه من دخول الكلام (معنى العموم). فاعرف ذلك.
وصواب المسألة أن تقول: زيد أفضل بنى أبيه، وأكرم نجل أبيه (وعترة أبيه)، ونحو ذلك، وأن تقول: زيد أفضل من إخوته لأن بدخول (من) ارتفعت الإضافة، فجازت المسألة.
ومن المحال قولك: أحقّ الناس بمال أبيه ابنه. وذلك أنك إذا ذكرت الأبوّة فقد انطوت على البنوّة، فكأنك إذا إنما قلت: أحقّ الناس بمال أبيه أحقّ الناس بمال أبيه. فجرى ذلك مجرى قولك: زيد زيد، والقائم القائم، ونحو ذلك مما ليس فى الجزء الثانى منه إلا ما فى الجزء الأوّل البتّة، وليس على ذلك عقد الإخبار لأنه (يجب أن يستفاد من الجزء الثانى) ما ليس مستفادا من الجزء الأوّل. ولذلك لم يجيزوا: ناكح الجارية واطئها، ولا ربّ الجارية مالكها لأن الجزء الأوّل مستوف لما انطوى عليه الثانى.
فإن قلت: فقد قال أبو النجم:
* أنا أبو النجم وشعرى شعرى (1) *
__________
(1) الرجز لأبى لنجم فى أمالى المرتضى 1/ 350، وخزانة الأدب 1/ 439، والدرر 1/ 185، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1610، وشرح شواهد المغنى 2/ 947، وشرح المفصل 1/ 98، 9/ 83، والمنصف 1/ 10، وهمع الهوامع 1/ 60، وبلا نسبة فى خزانة الأدب 8/ 307، 9/ 412، والدرر 5/ 79، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 103، 290، ومغنى اللبيب 1/ 329، 2/ 435، 437، وهمع الهوامع 2/ 59.(2/524)
وقال الآخر:
إذ الناس ناس والبلاد بغرّة ... وإذ أمّ عمّار صديق مساعف (1)
(وقال آخر):
بلاد بها كنّا وكنا نحلّها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد (2)
وقال الآخر:
هذا رجائى وهذى مصر عامرة ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب
وأنشد أبو زيد:
رفونى وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم (3)
وأمثاله كثيرة.
قيل: هذا كله وغيره مما هو جار مجراه، محمول عندنا على معناه دون لفظه ألا ترى أن المعنى: وشعرى متناه فى الجودة، على ما تعرفه وكما بلغك، وقوله:
إذ الناس ناس أى: إذ الناس أحرار، والبلاد أحرار، وأنت أنت أى: وأنت المعروف بالكرم، وهم هم أى: هم الذين أعرفهم بالشر والنكر لم يستحيلوا ولم يتغيّروا.
فلولا هذه الأغراض وأنها مرادة معتزمة، لم يجز شىء من ذلك لتعرّى الجزء
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 74، ولسان العرب (سعف)، وبلا نسبة فى أساس البلاغة (سعف)، وتاج العروس (سعف)، وكتاب العين (1/ 340)، وتهذيب اللغة 2/ 111. ويروى: والزمان بدلا من والبلاد.
(2) البيت من الطويل، وهو لرجل من عاد فى الأغانى 21/ 105، وشرح شواهد المغنى 2/ 947، ولسان العرب (أنس)، ومغنى اللبيب 2/ 657. ويروى: نحبها بدلا من نحلّها. ويروى أيضا: «والزمان زمان» بدلا من «والبلاد بلاد».
(3) البيت من الطويل، وهو لأبى خراش الهذلى فى خزانة الأدب 1/ 440، 442، 5/ 86، وشرح أشعار الهذليين 3/ 337، والصاحبى فى فقه اللغة ص 183، ولسان العرب (رفأ)، (روع)، (رفا)، (ها)، ولمعانى الكبير ص 902، وللهذلى دون تحديد فى إصلاح المنطق ص 153، وأمالى المرتضى 1/ 350، وتذكرة النحاة ص 571، وبلا نسبة فى الاشتقاق ص 488، وجمهرة اللغة ص 788.(2/525)
الآخر من زيادة الفائدة على الجزء الأوّل. وكأنه إنما أعيد لفظ الأوّل لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال. أى أنا أبو النجم الذى يكتفى باسمه من صفته ونعته. وكذلك بقيّة الباب كما قال:
* أنا الحباب الذى يكفى سمى نسبى (1) *
ونظر إليه شاعرنا وقلبه، فقال:
* ومن يصفك فقد سمّاك للعرب (2) *
ولكن صحّة المسألة أن تقول: أحقّ الناس بمال أبيه أبرّهم به، وأقومهم بحقوقه. فتزيد فى الثانى ما ليس موجودا فى الأوّل.
فهذه طريقة استحالة المعنى. وهو باب.
وأمّا صحّة قياس الفروع، على فساد الأصول، فكأن يقول لك قائل: لو كانت الناقة من لفظ (القنو) ما كان يكون مثالها من الفعل؟
فجوابه أن تقول: علفة. وذلك أن النون عين (والألف منقلبة عن واو، والواو لام) القنو، والقاف فاؤه. ولو كان القنو مشتقا من لفظ الناقة لكان مثاله لفع. فهذان أصلان فاسدان، والقياس عليهما آو بالفرعين إليهما.
وكذلك لو كانت الأسكفّة مشتقّة من استكفّ الشىء على ما قال وذهب إليه أحمد بن يحيى لكانت أسفعلة ولو كان استكفّ مشتقا من الأسكفّة، لكان على اللفظ: افتعلّ بتشديد اللام، وعلى الأصل: افتعلل لأن أصله على الحقيقة:
استكفف.
ومن ذلك (أن لو كان ماهان عربيا)، فكان من لفظ هوّم أو هيمّ لكان لعفان.
(ولو كان من لفظ الوهم لكان لفعان). ولو كان من لفظ همى لكان: علفان.
__________
(1) صدر البيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (سما). وعجز البيت:
* إذا القميص تعدّى وسمه النّسب *
(2) من قصيدة له فى مرثية أخت سيف الدولة. وقبله معه:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كفاية بهما عن أشرف النسب
أجل قدرك أن تسمى مؤبّنة ... ومن يصفك فقد سمّاك للعرب(2/526)
ولو وجد فى الكلام تركيب (وم هـ) فكان ماهان من لفظه لكان مثاله: عفلان.
ولو كان من لفظ النهم لكان: لاعافا. ولو كان من لفظ المهيمن لكان: عافالا.
ولو كان فى الكلام تركيب (م ن هـ) فكان ماهان منه لكان: فالاعا. ولو كان فيه تركيب (ن م هـ) فكان منه) لكان: عالافا.
وذهب أبو عبيدة فى المندوحة إلى أنها من قولهم: انداح بطنه إذا اتّسع. وذلك خطأ فاحش. ولو كانت منه لكانت: منفعلة. وقد ذكرنا ذلك فى باب سقطات العلماء. نعم، ولو كانت من لفظ الواحد لكانت: منلفعة. ولو كانت من لفظ حدوت لكانت: منعلفة. ولو كانت من دحوت لكانت: منعفلة. ولو كان فى الكلام تركيب (ودح) فكانت مندوحة منه لكانت: منعفلة. ولو كان قولهم:
انداح بطنه من لفظ مندوحة لكانت: أفعال، (بألف) موصولة (واللام مخففة).
وذهب بعض أشياخ اللغة فى يستعور إلى أنه: يفتعول، وأخذه من سعر. وهذا غلط. ولو كان من قولهم: عرّس بالمكان لكان: يلتفوعا. ولو كان من سرع لكان: يفتلوعا. ولو كان من عسر لكان: يعتفولا. ولو كان من لفظ رسع لكان:
يعتلوفا. ولو كان من لفظ رعس لكان: يلتعوفا.
وأما تيهورة فلو كانت من تركيب (هـ ر ت) لكانت: ليفوعة. (ولو كانت من لفظ (ت ر هـ) لكانت: فيلوعة. ولو كانت من لفظ (هـ ت ر) لكانت:
(عيفولة). ولو كانت من لفظ (ر هـ ت) لكانت: ليعوفة. ولو كانت من لفظ (ر ت هـ) لكانت: عيلوفة. ومع هذا فليست من لفظ (ت هـ ر)، وإن كانت فى الظاهر وعلى البادى منه، بل هى عندنا من لفظ (هـ ور). وقد ذكر ذلك أبو على فى تذكرته، فغنينا عن إعادته. وإنما غرضنا هنا مساق الفروع على فساد الأصول لما يعقب ذلك من قوّة الصنعة، وإرهاف الفكرة.
وأمّا مرمريس فلو كانت من لفظ (س م ر) لكانت: علعليف؟ ولو كانت من لفظ (ر س م): لكانت لفلفيع، ولو كانت من لفظ (ر م س) لكانت: عفعفيل.
ولو كانت من لفظ (س ر م) لكانت: لعلعيف. (ولو كانت من لفظ (م س ر) لكانت: فلفليع). لكنها عندنا من لفظ (م ر س)، وهى على الحقيقة فعفعيل منه.(2/527)
وأما قرقرير لقرقرة الحمام فإنها فعلليل، وهو رباعىّ، وليست من هذا الطرز الذى مضى.
وأما قندأو فإنها فنعلو، من لفظ (ق د أ)، ولو كانت من لفظ (ق د و) لكانت: فنعأل. ولو كانت من لفظ (د وق) لكانت: لنفأع. ولو كانت من لفظ (ن ق د) لكانت: عفلأو. ولو كانت من لفظ (ن د ق) لكانت: لفعأو. ولو كانت من لفظ (الندأة) (1) لكانت قفلعو فحكمت بزيادة القاف، وهذا أغرب مما قبله. ولو كانت من لفظ النآدى (2) لكانت: قفلعو بزيادة القاف أيضا.
والمسائل (من هذا النجر) تمتدّ وتنقاد إلا أن هذا طريق صنعتها. فاعرفه وقسه بإذن الله تعالى.
* * * تم بفضل الله تعالى الكتاب ويليه إن شاء الله تعالى مجلد الفهارس العامة * * *
__________
(1) الندأة بفتح النون وضمها: كثرة المال.
(2) النآدى بفتح الدال: الداهية.(2/528)
فهرس موضوعات الجزء الثانى
الموضوع الصفحة
باب فى تعليق الأعلام على المعانى دون الأعيان 3
باب فى الشىء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه 7
باب فى ورود الوفاق مع وجود الخلاف 15
باب فى نقض العادة 18
باب فى تدافع الظاهر 28
باب فى التطوع بما لا يلزم 34
باب فى التام يزاد عليه فيعود ناقصا 62
باب فى زيادة الحروف وحذفها 63
باب فى زيادة الحرف عوضا من آخر محذوف 73
باب فى استعمال الحروف بعضها مكان بعض 91
باب فى مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف 98
باب محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها 104
باب الساكن والمتحرك 109
باب فى مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد 123
باب فى مراجعة أصل واستئناف فرع 125
باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع 127
باب فى مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى 133
باب فى حمل الأصول على الفروع 136
باب فى الحكم يقف بين الحكمين 137
باب فى شجاعة العربية 140
الحذف 140
حذف الاسم 142
حذف الفعل 156
حذف الحرف 158(2/529)
الموضوع الصفحة
فصل فى التقديم والتأخير 158
الفروق والفصول 164
فصل فى الحمل على المعنى 180
فصل فى التحريف 202
تحريف الفعل 204
تحريف الحرف 206
باب فى فرق بين الحقيقة والمجاز 208
باب فى أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة 212
باب فى إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدع داع إلى الترك والتحول 219
باب فى إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد 226
باب فى ملاطفة الصنعة 229
باب فى التجريد 232
باب فى غلبة الزائد للأصلى 235
باب فى أن ما لا يكون للأمر وحده قد يكون له إذا ضام غيره 238
باب فى أضعف المعتلين 241
باب فى الغرض فى مسائل التصريف 244
باب فى اللفظ يرد محتملا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه أيجازان جميعا فيه أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟ 245
باب فيما يحكم به القياس مما لا يسوغ به النطق 249
باب فى حفظ المراتب 253
باب فى التغييرين يعترضان فى المثال الواحد بأيهما يبدأ؟ 256
باب فى العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف 262
باب فى إقلال الحفل بما يلطف من الحكم 264
باب فى إضافة الاسم إلى المسمى والمسمى إلى الاسم 267
باب فى اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله فى الأجناس 274
باب فى تسمية الفعل 276(2/530)
الموضوع الصفحة
باب فى أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه 289
باب فى اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك إلا أنه ليس بصاحبك 293
باب فى احتمال القلب لظاهر الحكم 296
باب فى أن الحكم للطارئ 299
باب فى الشىء يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتى السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله 302
باب فى الاقتصار فى التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح 304
باب فى خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب 307
باب فى تركيب المذاهب 308
باب فى السلب 310
باب فى وجوب الجائز 316
باب فى إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم 318
باب فى إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل 324
باب فى احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل 327
باب فى الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية 328
باب فى الاحتياط 331
باب فى فك الصيغ 341
باب فى كمية الحركات 347
باب فى مطل الحركات 348
باب فى مطل الحروف 352
باب فى إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة 358
باب فى هجوم الحركات على الحركات 362
باب فى شواذ الهمز 366
باب فى حذف الهمز وإبداله 372
باب فى حرف اللين المجهول 377
باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة 380(2/531)
الموضوع الصفحة
باب فى توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين 385
باب فى الاكتفاء بالسبب من المسبب وبالمسبب من السبب 393
باب فى كثرة الثقيل وقلة الخفيف 397
باب القول على فوائت الكتاب 403
ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب 404
باب فى الجوار 431
باب فى نقض الأصول وإنشاء أصول غيرها منها 438
باب فى الامتناع من نقض الغرض 442
باب فى التراجع عند التناهى 448
باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية 451
باب فى تجاذب المعانى والإعراب 459
باب فى التفسير على المعنى دون اللفظ 463
باب فى قوة اللفظ لقوة المعنى 466
باب فى نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها 470
باب فى الاستخلاص من الأعلام معانى الأوصاف 471
باب فى أغلاط العرب 474
باب فى سقطات العلماء 481
باب فى صدق النقلة وثقة الرواة والحملة 502
باب فى الجمع بين الأضعف والأقوى فى عقد واحد 505
باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه 510
باب فى المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول 518
فهرس الموضوعات 529(2/532)
الجزء الثالث
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الفهرس الأول الأصول اللغوية فى كتاب الخصائص
(الأصول العامة)
1 - إذا رأيت شيئا من هذا النحو لا ينقاد لك فأحد أمرين: إمّا أنك لم تنعم النظر فيه جيدا، وإمّا لأن لهذه اللغة أصولا وأوائل قد تخفى علينا. (1/ 513).
2 - الشىء إذا كان بحيث «لا أصل يسوغه، ولا قياس يحتمله، ولا سماع ورد به. فما كانت هذه سبيله وجب اطّراحه والتوقف عن لغة من أورده» (1/ 395).
3 «ومعاذ الله أن ندّعى أن جميع اللغة تستدرك بالأدلة قياسا، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به ونبهنا عليه كما فعله من قبلنا ممن نحن له متبعون وعلى مثله وأوضاعه حاذون» (1/ 423).
(الاحتجاج اللغوى)
4 - لو علم أن أهل المدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شىء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. (1/ 393).
5 - يحتجّ بالمولّدين فى المعانى دون الألفاظ، كالمتنبى، ثم قال: «فإن المعانى يتناهبها المولّدون، كما يتناهبها المتقدمون». (1/ 79).
6 - الأصمعى لا يحتج بلغة الكميت، ويقول عنه: «هذا جرمقانىّ من أهل الموصل، ولا آخذ بلغته». (2/ 488).
7 - الأصمعى لا يحتج بلغة ذى الرّمّة، ويقول عنه: (ذو الرّمّة طالما أكل المالح والبقل فى حوانيت البقّالين». (2/ 490).
8 - الأصمعى لا يحتج بلغة عبد الله بن قيس الرقيات، ويقول عنه: «ذلك مخنّث، ولست آخذ بلغته». (2/ 506).
9 - من عادة العرب أنهم إذا أعطوا شيئا من شىء حكما ما، قابلوا ذلك بأن يعطوا المأخوذ منه حكما من أحكام صاحبه عمارة لبينهما، وتتميما للشبه الجامع بينهما.
(1/ 111).(3/3)
10 - ما طال وأملّ بكثرة حروفه، لا يمكن فيه من التصرف ما أمكن فى أعدل الأصول وأخفّها. (1/ 111).
11 - الشىء إذا اطّرد في الاستعمال وشذّ عن القياس، فلا بدّ من اتّباع السمع الوارد فيه نفسه، لكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه. (1/ 140).
12 - الشىء إذا ضعف فى القياس وشذّ فى الاستعمال، فهو مرذول مطّرح.
(1/ 149، 140، 162).
13 - قد يخرج الشىء عن دلالته الوضعية ويشبّه بشىء آخر، فيأخذ حكما إعرابيا جديدا، أو يبقى على حكمه الأول. (165، 168).
14 - قد يترك الأخفّ ويستعمل الأثقل لضرب من الاستحسان. (1/ 177169)،
(2/ 262، 263).
15 - الزائد لا عصمة له، ولا يلزم له ما يلزم للأصليّ. (1/ 173).
16 - عناية العرب بمعانيها أقوى من عنايتهم بألفاظها، فالمعنى عندهم هو المكرّم المخدوم، واللفظ المبتذل الخادم، ولذا اهتموا بإصلاح اللفظ لتحصين المعنى وتشريفه.
(1/ 182، 204، 244237، 253).
17 - إنما جىء بالإعراب عندهم للدلالة على اختلاف المعانى. (1/ 203).
18 - الفروع إذا تمكنت قويت قوّة تسوّغ حمل الأصول عليها، وذلك لإرادتهم تثبيت الفرع والشهادة له بقوة الحكم. (1/ 210).
19 - الإجماع إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألّا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص، فأمّا إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجّة عليه.
(1/ 216).
20 - إذا دلّ الدليل فإنه لا يجب إيجاد النظير، فإذا لم يقم دليل فإنك محتاج إلى إيجاد النظير، وأما إن لم يقم دليل ولم يوجد نظير، فإنك تحكم مع عدم النظير.
(1/ 222، 265، 267).
21 - قد يرد عن العالم الواحد حكمان مختلفان فى المسألة الواحدة، ولمعرفة أىّ الحكمين مختاره تفصيل. (1/ 227).
22 - قد تؤدّى الصنعة إلى حكم ما، مثله مما يقتضى التغيير، فإن أنت غيّرت صرت إلى مراجعة مثل ما منه هربت، وهذا ما يعرف ب (الدّور). (1/ 231).(3/4)
23 - إذا كنت أمام ضرورتين لا بدّ من ارتكاب إحداهما، فينبغى أن تحمل الأمر على أقربهما وأقلّهما فحشا، ويسمّى هذا (الحمل على أحسن القبيحين). (1/ 234).
24 - قد يعطى الشىء حكم شىء آخر إذا أشبهه لفظا، وإن لم تكن العلّة قائمة بينهما.
(1/ 235).
25 - إذا شاهدت ظاهرا يكون مثله أصلا أمضيت الحكم على ما شاهدته من حاله، وإن أمكن أن تكون الحال فى باطنه بخلافه. (1/ 265).
26 - ليس كل ما يفسّر به معنى اللفظ صالحا لأن يعتدّ به فى تقدير الإعراب عند النحويين، فإن أمكنك أن يكون تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى فهو ما لا غاية وراءه، وإن تخالفا تقبّلت تفسير المعنى على ما هو عليه، وصحّحت طريق تقدير الإعراب حتى لا يشذّ شىء منها عليك، وإيّاك أن تسترسل فتفسد ما تؤثر إصلاحه. (1/ 291، 292).
27 - الأصول المفترضة للكلمات: منها ما لا يمكن النطق به أصلا، ومنها ما يمكن على ثقل، ومنها ما يمكن على غير ثقل ولكنهم رفضوه، ومنها ما يمكن النطق به إلا أنه لم يستعمل للتعويض، أو لأمر الصنعة إلى رفضه. (1/ 274273).
28 - إذا تركت العرب أمرا لعلّة داعية إلى تركه وجب اتّباعها عليه، ولم يسع أحدا بعد ذلك العدول عنه. (1/ 361).
29 - إذا ورد عن العربى استعمال مخالف لما عليه جمهور العرب، نظر فى حال ذلك العربىّ وفيما جاء به، وعلى ذلك يجرى الحكم. (1/ 375372).
30 - ليس لك أن تردّ إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحقّ بذلك من رسيلتها، لكن غاية ما لك فى ذلك أن تتخيّر إحداهما، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها.
(1/ 398).
31 - إذا قلّت إحدى اللغتين جدّا وكثرت الأخرى جدّا، فإنك تأخذ بأوسعهما رواية، وأقواهما قياسا. (1/ 398).
32 - لو أن إنسانا استعمل لغة قليلة عند العرب، لم يكن مخطئا لكلام العرب، لكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين، فإن احتاج إلى ذلك فى شعر قبل منه، وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرا منه. (1/ 400).(3/5)
33 - إذا انتقل لسان العربى من لغته إلى لغة أخرى، ينظر فى حال المنقول إليه، فإن كان فصيحا أخذ به، وإن كان فاسدا لم يؤخذ به، ويؤخذ بلغته الأولى. (1/ 401).
34 - إذا سمع الشىء من فصيح ولم يسمع من غيره وجب قبوله، وهو إما أخذه عمن سبق أو شىء ارتجله، لكن لو جاء عن ظنين أو متّهم أو غير فصيح لم يقبل.
(1/ 411).
35 - الأصول لقوّتها يتصرّف فيها، والفروع لضعفها يتوقّف بها ويقصر عن بعض ما تسوّغه القوة لأصولها. (2/ 9).
36 - الشئ قد يحمل على نقيضه، كما يحمل على نظيره. (2/ 94، 95).
37 - الدليل إذا قام على شئ كان فى حكم الملفوظ به، وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله. (2/ 94، 95).
38 - كلّ حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه، فإنك حينئذ ترتجل له فرعا، ولست تراجع به أصلا. (1252).
39 - الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، والآخر ما لا يمكن الرجوع إليه لأن العرب انصرفت عنه.
(2/ 127).
40 - الأصل أن تقرّ الألفاظ على أوضاعها الأول، ما لم يدع داع إلى الترك والتحول.
(2/ 219).
41 - إن كان لا بدّ من حذف واحد من شيئين، حذف ما لا معنى له، وبقى ما يدلّ على معنى وإن كان زائدا. (2/ 235، 236).
42 - قد يقتصر العالم على ذكر رأى فى مسألة يجوّز فيها رأيا آخر، وإن كان ما تركه ضعيفا. (2/ 247).
43 - عامّة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه، ينبغى أن يكون جميع ذلك مجوّزا فيه، ولا يمنعك قوة القوىّ من إجازة الضعيف أيضا. (2/ 297).
44 - العرب قد ترتكب الضرورة فى كلامها مع قدرتهم على تركها من غير إخلال.
(2/ 297، 298).
45 - الأعرابى إذا قويت فصاحته، وسمت طبيعته تصرّف وارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به. (1/ 25).(3/6)
46 - إذا ترادف الضدّان فى شىء من اللغة، كان الحكم للطارئ، فيزول حكم الأول.
(2/ 299، 300، 301).
47 - دلالة الكلمات على ثلاث مراتب، لفظية، وصناعية، ومعنوية وهي فى القوة على هذا الترتيب. (2/ 330328).
48 - الأصل أن يرتبط الحكم بعلّته وجودا وعدما، ولكن قد يبقى الحكم مع زوال علّته، وهذا قليل. (2/ 384380).
49 - صاحب اللغة إن لم يكن له نظر، أحال كثيرا منها وهو يرى أنه على صواب، ولم يؤت من أمانته، وإنما أتى من معرفته، ونحو هذا: الشاهد إذا لم يكن فقيها، يشهد بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. (2/ 413).
50 - الفهم الجيّد لتصرف العرب فى كلاهما حقيقة أو مجازا، هو الطريق الآمن لصحة العقيدة الدينية. (2/ 458451).
51 - إذا تعارض المعنى وصنعة الإعراب، أمسكت بعروة المعنى واحتلت لتصحيح الإعراب. (2/ 458، 463).
52 - قد يقع في الفاظ بعض العلماء تسمّح فى العبارة يوهم غير مرادهم أو غير مذهبهم، فيحمله على ظاهره من ضعف نظره، وخفى إدراكه عن أنه من تفسير المعنى دون اللفظ. (2/ 463، 465).
53 - قد يجمع العربى فى كلامه بين قويّ الكلام وضعيفه فى عقد واحد. (2/ 505
510).
54 - من المحال أن تنقض أول كلامك بآخره، وذلك كأن تقول: (قمت غدا، سأقوم أمس). (2/ 519، 522).
(القياس)
55 - الشىء إذا كان بحيث لا أصل يسوّغه، ولا قياس يحتمله، ولا سماع ورد به، فما كانت هذه سبيله وجب اطّراحه والتوقف عن لغة من أورده. (2/ 7).
56 - مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبل من كتاب لغة عند عيون الناس. (1/ 454).
57 - ما قيس على كلام العرب، فهو من كلام العرب. (1/ 153، 356، 357،
358، 365، 367).
58 - القياس لا يمنع من إجراء تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، وهو فى كلام
العرب كثير فاش، إنما الممتنع أن يكون التقديران والمعنى واحد. (1/ 342(3/7)
58 - القياس لا يمنع من إجراء تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، وهو فى كلام
العرب كثير فاش، إنما الممتنع أن يكون التقديران والمعنى واحد. (1/ 342
347).
59 - ليس كل ما يجوز فى القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مثلهم وأمّ مذهبهم، لم يجب عليه أن يورد سماعا. (1/ 360، 361، 2/ 302).
60 - للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس، ما لم يلو بنصّ، أو ينتهك حرمة شرع. (1/ 215).
61 - كلام العرب على ضربين: أحدهما ما لا بد من تقبّله كهيئته لا بوصيّة فيه (السماع)، والآخر ما وجدوه يتدارك بالقياس فقنّنوه وفصّلوه (القياس) وقد وضعت قوانين القياس ليجرى عليها ما لم يرد عن العرب نصّا، لا لتحفظ فى الكتب والصدور. (1/ 423).
62 - ليس كل ما يجوز فى القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مثلهم وأمّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد سماعا، ولا أن يرويه رواية. (1/ 360، 361).
63 - الأصمعىّ ليس ممن ينشط للمقاييس، ولا لحكاية التعليل. (1/ 360).
64 - قالوا عن العجّاج ورؤبة: إنهما قاسا اللغة، وتصرّفا فيها، وأقدما على ما لم يأت به من قبلهما. (1/ 366).
65 - أعرابىّ سأله الكسائى عن (مطايب الجزور) ما واحده؟ فقال: مطيب وضحك من نفسه، إذ تكلف لهم ذلك من كلامه، وأجراه على قياسهم، لا على لغته هو.
(1/ 366).
66 - وذكر أبو بكر أن منفعة الاشتقاق لصاحبه أن يسمع الرجل اللفظة فيشكّ فيها، فإذا رأى الاشتقاق قابلا لها أنس بها وزال استيحاشه منها، فهل هذا إلا اعتماد فى تثبيت اللغة على القياس؟. (1/ 367).
67 - ما جاء عن عربىّ مخالفا للسماع ولا يعاضده قياس، ينبغى أن يردّ، إذ لم يبق له عصمة تضيفه، ولا مسكة تجمع شعاعه. (1/ 382).
68 - القياس إذا أجاز شيئا، وسمع ذلك الشئ عينه، فقد ثبت قدمه وأخذ من الصحة والقوة مأخذه، ثم لا يقدح فيه ألا يوجد له نظير. (1/ 170).
69 - قد يقلّ الشئ وهو قياس، ويكون غيره أكثر منه إلا أنه ليس بقياس، الأول:
نحو (شنئىّ) فى النسب إلى (شنؤءة)، والثانى: نحو. ثقفيّ) فى النسب إلى
(ثقيف). (1/ 154، 155، 170).(3/8)
نحو (شنئىّ) فى النسب إلى (شنؤءة)، والثانى: نحو. ثقفيّ) فى النسب إلى
(ثقيف). (1/ 154، 155، 170).
70 - إذا أدّاك القياس إلى شئ ما، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشئ آخر على قياس غيره، فدع ما كنت عليه إلى ما هم عليه، فإن سمعت من آخر مثل ما أجزته فأنت فيه مخيّر. (1/ 156، 161، 162).
71 - الفصيح من العرب قد يتكلم باللغة، غيرها أقوى فى القياس عنده منها ورواية عمارة بن عقيل فى ذلك. (1/ 162، 370).
72 - ما أعرب من أجناس الأعجمية قد أجرته العرب مجرى أصول كلامها، ألا تراهم يصرفون فى العلم نحو: آجرّ وإبريسم، وجميع ما تدخله لام التعريف، وذلك أنه لما دخلته الألف واللام أشبه أصول كلام العرب أعنى النكرات، فجرى مجراها.
(1/ 356).
73 - القياس إنما يجرى على الأقوى استعمالا، كأن تبنى من (ضرب) على مثال جعفر فتقول: (ضربب) فهذا من كلام العرب، أما لو بنيت منه على فيعل أو فوعل فقلت: (ضيرب أو ضورب) لم يعتقد ذلك من كلام العرب، لأنه قياس على الأقل استعمالا والأضعف قياسا. (1/ 153).
74 - من الكلام ما هو مطّرد فى القياس والاستعمال جميعا، وهو الغاية المطلوبة، نحو: قام زيد. ومنه ما هو مطّرد فى القياس شاذّ فى الاستعمال، نحو الماضى من (يذر ويدع) وهذا تتحامى فيه ما تحامت العرب، وتجرى فى نظيره على الواجب فى أمثاله. ومنه ما هو مطرد فى الاستعمال شاذ فى القياس، وهذا لا بدّ من اتّباع السماع فيه ولا يتّخذ أصلا يقاس عليه. ومنه ما هو شاذّ فى القياس والاستعمال جميعا، نحو: تتميم (مفعول) فيما عينه واو، وهذا لا يسوغ القياس عليه ولا يحسن استعماله إلا على وجه الحكاية، فهو مرذول مطّرح. (1/ 141138،
155، 160، 161، 162، 176، 177).
75 - اللغة التميمية فى (ما) أقوى قياسا، وإن كانت الحجازية أسير استعمالا.
(1/ 161).
76 - ما ورد شاذّا فى القياس مطّردا فى الاستعمال، إنما جاءت أمثلته من الأجوف الواوىّ، نحو: الحوكة، والخونة، ولا تكاد تجد شيئا من تصحيح نحو هذا فى الياء، فلم يأت عنهم فى بائع وسائر: بيعة ولا سيرة. (1/ 161).(3/9)
77 - قاسوا (فعولة) على (فعلية) عند النسب لمشابهتها إياها من عدّة أوجه. (1/ 154).
78 - مما ضعف فى القياس والاستعمال جميعا قول الشاعر: (له زجل كأنه صوت حاد). (1/ 163).
79 - لا تقل فى استقام: (استقوم) ولا فى استساغ: (استسوغ) ولا فى استباع:
(استبيع) ولا فى أعاد: (أعود) لو لم تسمع شيئا من ذلك قياسا على قولهم:
(أخوص الرّمث). (1/ 140).
80 - مما يجوز فى القياس ولم يرد به سماع الأفعال التى وردت مصادرها أو مشتقاتها ورفضت هى، ومنها: الأين بمعنى الإعياء ومدرهم، ومفئود، والويل، والويح، والويب. (1/ 386).
81 - القياس يجيز ذكر خبر المبتدأ فى (لعمرك، وايمن الله). (1/ 388).
82 - فعل يفعل فى اللازم أقيس من فعل يفعل، وعكس ذلك فى المتعدى، ف (ضرب يضرب) إذن أقيس من (قتل يقتل)، و (قعد يقعد) أقيس من (جلس يجلس).
(1/ 375).
83 - القياس لا يمنع من ذكر مضارع للفعل (عار) فى قولهم: لا أدرى: أىّ الجراد عاره؟ وإن لم يرد به سماع. (1/ 388).
84 - القياس لا يمنع من ذكر حرف التعريف مع (أمس) مرادا به اليوم الذى قبل يومك، وإن لم يرد به سماع. (1/ 388).
85 - مما يحتمله القياس ولم يرد به سماع كثير، منه القراءات التى تؤثر رواية ولا تتجاوز، لأنه لم يسمع فيها ذلك، كقوله تعالى: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}.
(1/ 391، 392).
86 - القياس يقطع بأصالة جميع الأحرف فى (عنتر وعنبر وحنزقر وحنبتر وقرناس) إذ وقعت كلها موقع الأصول، ولم يرد دليل يدل على زيادة أحدهما. (2/ 302).
87 - العدل فى الصفات لقصد المبالغة من (فعيل) إلى (فعال) لا يقاس على ما ورد من نحو: طويل وطوال، فلا يقال: بطاء، وشداد معدولا عن: بطىء وشديد.
(2/ 468).
88 - أجاز أبو الحسن إنابة غير المفعول مناب الفاعل مع وجود المفعول، نحو: ضرب الضرب الشديد زيدا، ونحوه. ثم قال: هو جائز فى القياس وإن لم يرد به
سماع. (1/ 391).(3/10)
88 - أجاز أبو الحسن إنابة غير المفعول مناب الفاعل مع وجود المفعول، نحو: ضرب الضرب الشديد زيدا، ونحوه. ثم قال: هو جائز فى القياس وإن لم يرد به
سماع. (1/ 391).
89 - إذا جاء اسم المفعول فالفعل نفسه حاصل فى الكف. (1/ 357).
90 - إذا صحّت الصفة فالفعل فى الكف. (1/ 159).
91 - اسم المكان والمصدر على وزن (المفعول) فى الرباعى قليل، إلا أن تقيسه، نحو:
المدحرج، والمقلقل، والمكرم، والممزّق. (1/ 366364).
(الأصول اللغوية)
92 «الأفعال لا تحذف (أى لا يدخلها الحذف الصرفى) إنما تحذف الأسماء نحو يد ودم وأخ وأب، وما جرى مجراه». (1/ 419).
93 - الحروف يشتق منها ولا تشتق هى أبدا. (1/ 419).
94 - فى الانتقال من أصل إلى أصل آخر، نحو: صبر وبصر وصرب وربص، صورة الإعلال. (1/ 111).
95 - الضمة أثقل من الكسرة، ولكنها أقوى منها، وقد يحتمل للقوّة ما لا يحتمل للضعف. (1/ 114، 115).
96 - لا تجد فى الثنائى على قلّة حروفه ما أوّله مضموم إلا القليل، وإنما عامّته على الفتح أو على الكسر، ولا يرد على هذا نحو: (هم ومذ) فهما محذوفان من (همو، ومنذ) ولا يرد (هو) ساكن الواو، فهى ضمة مشبعة. (1/ 115).
97 - جميع ما جاء من الكلم على حرف واحد، عامّته على الفتح إلا الأقلّ، وقليل منه مكسور، ولا تجد مضموما إلا همزة الوصل، اضطرارا. (1/ 117).
98 - الطبيعة لا تحتمل وقوع الألف المدّة الساكنة بعد ضمة أو كسرة، فلا بدّ من القلب.
(1/ 130).
99 - من المستحيل جمعك بين الألفين المدّتين، نحو أصل (كساء وقضاء). (1/ 130،
131، 132).
100 - الحرف الواحد لا يكون متحركا ساكنا فى حال. (1/ 131).
101 - لا يلتقى ساكنان إلا فى لغة العجم، وقد يلتقى فيها ثلاث سواكن. (1/ 132).
102 - إذا ثبت المصدر الذى هو الأصل لم يتخالج شكّ فى الفعل الذى هو الفرع، نحو قولهم: (العون) ولم يرد عنهم الثلاثىّ (عان) فكأنه ورد. (1/ 159).
103 - إذا صحّت الصفة فالفعل فى الكفّ. (1/ 159).(3/11)
104 - إذا جاء اسم المفعول فالفعل نفسه حاصل فى الكفّ. (1/ 357).
105 - إذا أدّاك الاستعمال إلى نقض الغرض الذى سيق له الكلام، لزم الامتناع منه، نحو: حذف نون التوكيد، وادّغام المثلين فى بناء الإلحاق، وتوكيد الضمير المحذوف (عند أبى الحسن). (1/ 163).
106 - البدل من الزائد زائد، وليس البدل من الأصل بأصل. (1/ 176).
107 - التكرير قد يجوز فيه ما لولاه لم يجز ألا ترى أن الواو لا توجد مفردة فى ذوات الأربعة إلا فى (ورنتل) ثم إنها قد جاءت مع التكرير مجيئا متعالّما.
(1/ 173).
108 - إذا كان الفعل قد حذف فى الموضع الذى لو ظهر فيها لما أفسد معنى، كان ترك إظهاره فى الموضع الذى لو ظهر فيه لأحال المعنى وأفسده أولى وأحجى.
(1/ 213).
109 - البدل أعمّ تصرفا من العوض، فكلّ عوض بدل، وليس كلّ بدل عوضا.
(1/ 276).
110 - ليس فى الكلام ما عينه ياء ولامه واو، وأما (حيوة) علما و (الحيوان) فالواو فيهما بدل من الياء لضرب من الاتّساع. (1/ 267، 1/ 425).
111 - قول العلماء: الأصل فى قال: (قول) وفى شد: (شدد) وفى استقام:
(استقوم) ونحو ذلك ليس معناه أن هذا الأصل كان مستعملا فى وقت أوّل، ثم غيّر، وإنما معناه أن لو جاء مجىء غير المغيّر لوجب أن يكون مجيئه على ذلك.
(1/ 269).
112 - قد يوهم تفسير الكلام إعرابا، وإن كان الحقّ غيّره فى الصنعة. (1/ 291).
113 - المحذوف لعلّة كالثابت، والعمل له، إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه. (1/ 293).
114 - الأصل مخالفة صيغة الماضى لصيغة المضارع إذ الغرض من صوغ هذه المثل إنما هو لإفادة الأزمنة. (1/ 375372، 2/ 519).
115 - لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما. (1/ 393).
116 - ليس فى الكلام أصل عينه ولامه همزتان. (1/ 395).
117 - ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان ألا ترى أن باب (طويت
وشويت) أكثر من باب (حييت وعييت). (1/ 426).(3/12)
117 - ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان ألا ترى أن باب (طويت
وشويت) أكثر من باب (حييت وعييت). (1/ 426).
118 - متى اجتمع معك فى الأسماء والأفعال حرف أصل ومعه حرفان مثلان لا غير، فهى أصلان، متصلان أو منفصلان (تفصيل ذلك). (1/ 436433).
119 - إذا اتّفق اللفظان فى الحروف إلا حرفا واحدا، فما أمكن أن يكونا جميعا أصلين لم يسع العدول عن ذلك، إلا إن دلّ دليل على خلافه. (1/ 455451).
120 - إذا جرّد حرف من معناه الموضوع له واستعمل استعمالا آخر، اكتسب حكما نحويّا جديدا، فخرج عن بنائه إلى الإعراب المستحق لوضعه الجديد، ويعرف هذا ب (خلع الأدلة). (1/ 540527).
121 - مجىء المضارع يشهد للماضى وإن لم يسمع، قالوا: الأمر يحزننى، ولم يقولوا: حزننى. (2/ 19).
122 - حرف العلة ضعيف لا يتحامل بنفسه لذلك قد تحذف حركته، وقد يحذف هو نفسه فى النثر وفى الشعر. (2/ 78، 79).
123 - ليس فى الدنيا مرفوع يجوز تقديمه على رافعه. (2/ 160).
124 - عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال. (2/ 163).
125 - اعتلال اللام أقعد فى معناه من اعتلال العين، ولذلك أدلّة. (1/ 241، 242،
243).
126 - إذا استوجبت الكلمة نوعين من التغيير، فالقياس يسوّغك أن تبدأ بأىّ العملين شئت. (2/ 255).
127 - الأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام، كتصحيح ما حقّه أن يعلّ، وفكّ ما حقّه أن يدغم، والعدول عن تصريف نظائره، (2/ 274، 275).
128 - يقتصر فى الأوزان المحتملة للكلمة عليا الأوزان التى لها نظير موجود أو القريبة مما له نظير. (2/ 306304).
129 - الأصل أن يدلّ الفعل أو الاسم على إثبات معناه، لا على سلبه، وقد خرج عن هذا الأصل ألفاظ. (2/ 315310).
130 - الأسماء هى الأول، الأفعال توابع وثوان لها، وللأصول من الاتّساع والتصرف ما ليس للفروع. (2/ 315).
131 - ليس فى كلامهم نون ساكنة مظهرة بعدها لام، إنما يكون ذلك فى الصنعة
النحوية فقط. (2/ 327).(3/13)
131 - ليس فى كلامهم نون ساكنة مظهرة بعدها لام، إنما يكون ذلك فى الصنعة
النحوية فقط. (2/ 327).
132 - إذا حذفت العرب من الكلمة حرفا راعت حال ما بقى، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقرّوه، وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم. (2/ 345341).
133 - أصل المدّ وأقواه وأعلاه وأنعمه وأنداه، إنما هو للألف، وإنما الياء والواو محمولان عليها فى ذلك. (2/ 353).
134 - الساكنان إذا التقيا من كلمة واحدة حرّك الآخر منهما، وإنما يحرّك الأول منهما إذا كان من كلمتين. (2/ 414).
135 - قد يسلّط النفى على ما يتعلق بالشىء والمقصود نفى الشىء نفسه، نحو: (أمر لا ينادى وليده)، و {لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}. (2/ 385، 511، 512).
136 - المضارع أسبق فى الرتبة من الماضى، فإذا نفى الأصل كان الفرع أشدّ انتفاء.
(2/ 520).
137 - ياء المتكلم تكسر أبدا ما قبلها. (1/ 395).
* * *
الفهرس الثانى مسائل العربية فى اللغة، والنحو، والصرف(3/14)
* * *
الفهرس الثانى مسائل العربية فى اللغة، والنحو، والصرف
* تعريف اللغة. (1/ 33).
* تعريف النحو. (1/ 34).
* تعريف الإعراب. (1/ 35).
(1) الإبدال
[الهمزة]:
1 - ورد عن العرب إبدال الهمزة تاء فى (افتعل) وبابه، قالوا: اتّمن ومتّمن، واتّهل، واتّخذ (فى رأى). (2/ 75).
2 - يرى صاحب (العين) أن الهاء فى قولهم: (هاتيت) بدل من الهمزة، كما فى:
هرقت. (1/ 287).
3 - أبدلوا من همزة (إنّ) هاء مع لام الابتداء، فقالوا: لهنّك قائم. (1/ 318).
[التاء]:
4 - تقلب التاء فى (افتعل) دالا بعد الدال والذال والزاى، نحو: ادّكر، وادّعى، وازدان. (1/ 496).
5 - تقلب التاء طاء فى (افتعل) وما يتصرف منه، بعد أحرف الإطباق، وقد حكاه خلف الأحمر على أصله بعد الضاد نحو: اضتقطت النّوى. (1/ 274).
[الثاء]:
6 - تابع: «أبو بكر» البغداديين فى أن الحاء الثانية في (حثحثت) بدل من ثاء، وأصله (حثثت). (1/ 432).
7 - من إبدال الثاء فاء: ثمّ وفمّ. (2/ 206).
[الذال]:
8 - قلبوا الذال دالا فى غير بناء (افتعل) فقالوا: الذكر (جمع ذكر). (1/ 350).
[الراء]:
9 - قال «أبو بكر» فى (ثرثارة): إن الأصل فيها (ثرّارة) فأبدل من الراء الثانية ثاء.
(1/ 432).(3/15)
[السين]:
10 - قد تبدل التاء من السين نحو: النّات، وأكيات، وستّ فى: الناس، وأكياس، وسدس. وكذا (مرمريس) عند بعضهم. (1/ 431).
11 - الصنعة النحوية فى انتقال (سدس) إلى (ستّ). (2/ 230).
12 - قد تبدل السين شينا، نحو: جعسوس وجعشوش. (1/ 453).
13 - قد تبدل السين صادا، إذا وقعت قبل الحرف المستعلى، نحو: (الصّوق) فى:
السّوق، و (صقت) فى: سقت. (1/ 497).
[الشين]:
14 - من رأى ابن جنى فيما حكى خلف الأحمر من قولهم: التقطت النوى، واشتقطتّه، واضتقطتّه أن الضاد فى الأخير بدل من الشين، وليس تصحيحا لتاء (افتعل) بعد الضاد، كما صحت التاء مع الشين. (1/ 273، 2/ 516).
[الصاد]:
15 - قد تقلب الصاد زايا، نحو: مزدر، فى (مصدر). (1/ 497).
[الضاد]:
16 - أبدلوا الضاد لا ما فى (الطجع) وأصله (اضطّجع) وليس ذلك الإبدال بأصل.
(1/ 110، 274، 2/ 516).
[الطاء]:
17 - أبدلوا الطاء سينا: فقالوا: فسطاط وفسّاط. (1/ 454).
[الظاء]:
18 - قلبوا الظاء طاء فى غير بناء (افتعل) فقالوا: الطّنّة، أى الظّنّة. (1/ 350).
[العين]:
19 - يجوز عند ابن جنى أن تكون الهمزة فى (إنزهو) بدلا من العين، وأصله (عنزهو). (1/ 247).
[الفاء]:
20 - من إبدال الفاء ثاء قولهم: الأثافىّ والأثاثى. (1/ 452).
[اللام]:
21 - يجوز أن تكون الضاد فى قولهم: اضتقطت النوى، بدلا من اللام فى: التقطت.
(2/ 129، 516).(3/16)
[الميم]:
22 - من إبدال الميم باء قولهم: بنات مخر، وبنات بخر (وفى ذلك خلاف).
(1/ 452).
[النون]:
23 - من إبدال النون لا ما: خامل وخامن، و: بل وبن (على خلاف). (1/ 452).
24 - تبدل النون ميما إذا وقع بعدها الباء، نحو: امرأة شمباء، ونساء شمب، والعمبر.
(2/ 263).
[المثلان]:
25 - قد يبدل أحد المثلين ياء، نحو: تقصّيت، وتقضّيت، وتفضّيت (من الفضّة)، وتسرّيت، وقصّيت أظفارى، وتلعّيت. (1/ 432، 456)، وقالوا: دينار، وقيراط، وديباج، وديماس. (2/ 262).
26 - تفسير التدافع الظاهريّ فى إيثارهم إبدال أحد المثلين ياء، نحو: أمليت، مع ورود عكسه فى قولهم: لا وربيك لا أفعل. (2/ 32، 33).
[المماثلة للادّغام]:
27 - يبدل الحرف الأخير من كلمة حرفا من جنس ما يليه أوّل كلمة أخرى، توصّلا إلى الادغام، نحو: مرّأيت؟ واذهفّى، واصحمّطرا أى: من رأيت؟، واذهب فى، واصحب مطرا. (1/ 416).
* * * (2) اتفاق اللفظين واختلاف المراد
1 - قد تتشابه الحركات والسكنات فى كل من المفرد والجمع، ولكن الاعتبار فى ذلك مختلف، ونحو: فلك، دلاص (مفردا وجمعا)، وقنو وقنوان، وفوم وفمان، وخووط وخوطان. (1/ 464، 465).
2 - تتّفق صيغتا اسم الفاعل واسم المفعول من (افتعل) معتلّ العين أو ما فيه تضعيف، نحو: مختار ومعتاد، ومعتدّ ومستنّ. (1/ 466).
3 - تتفق صيغتا اسم الفاعل واسم المفعول من (افعلّ وافعالّ) من المضاعف الصحيح الآخر عند الجميع، ونحو محمرّ ومحمارّ، من المعتل الآخر عند الكوفيين، نحو:
مرعوّ، ومرعاوّ. (1/ 466).(3/17)
4 - تتفق صيغتا اسم الفاعل واسم المفعول من (انفعل) المضاعف، نحو منحلّ.
(1/ 467).
5 - من اتقاق اللفظين واختلاف الاعتبار المنادى المرخّم المضموم ثالثه قبل الترخيم وبعده، نحو: يا منص، ويا برث، ويا يعق، ويا يرب فى نداء: منصور، وبرثن، ويعقوب، ويربوع، فيستوى فيه لفظا لغة من ينتظر ومن لا ينتظر.
(1/ 463).
6 - من الألفاظ ذات المعانى المختلفة: وجدتّ، الصّدى، هل، تعاز، الشّوى عجم، سكك. (2/ 310، 312، 1/ 459، 469).
* * * (3) إجراء الشىء مجرى غيره
[الإعراب والبناء]:
1 - نصبوا المثنى وجمع المذكر بالياء إجراء لحال النصب على حال الجر. (1/ 150،
311).
2 - نصبوا المجموع بالألف والتاء بالكسرة إجراء لحال النصب على حال الجر.
(1/ 150).
3 - أجروا الفعل المضارع مجرى اسم الفاعل فأعربوه. (1/ 214، 309).
4 - أجروا النصب مجرى الرفع الذى لا تلزم فيه الحركة، ومجرى الجزم الذى لا يلزم فيه الحرف أصلا، كقراءة من قرأ قوله تعالى: {عَلى ََ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ} بياء واحدة ساكنة. (1/ 311).
5 - أجروا الجرّ مجرى النصب فيما لا ينصرف. (1/ 311).
6 - من إجراء الأصل مجرى الفرع إعراب بعض الآحاد كالأسماء الستة بالحروف حملا لها على التثنية والجمع. (1/ 314).
7 - أجروا الاسم وهو الأصل مجرى الفعل وهو الفرع فى باب ما لا ينصرف، فمنعوه من الصرف. (1/ 316).
8 - أجروا الاسم مجرى الحرف، فبنوه، لضرب من الشبه بينهما، نحو أمس وأين وكم وإذا. (1/ 316).(3/18)
[الإعمال]:
9 - أجروا (ما) مجرى (ليس) فى العمل، فى لغة الحجاز. (1/ 316).
10 - أجروا (حيث) المكانية مجرى (حين) الزمانية، فأضافوها إلى الفعل، نحو: قمت حيث قمت. (1/ 355).
11 - أجروا اسم الفاعل مجرى المضارع، فأعملوه. (1/ 214، 309).
12 - من إجراء الفرع مجرى الأصل، ثم إجراء الأصل مجرى الفرع، ما قاله سبيويه من أن الجر فى (الضارب الرجل) إنما أتاه من جهة تشبيه ب (الحسن الوجه) ثم عاد فشبّه (الحسن الوجه) ب (الضارب الرجل). (1/ 291، 303، 308، 309،
314).
[الجمع]:
13 - أجروا (فعلا) مجرى (فعال) فى التكسير على (أفعلة)، فقالوا: ندى وأندية، وباب وأبوبة، وخال وأخولة، كما قالوا: غداء وأغدية. (2/ 290).
14 - أجروا (فعالا) و (فعيلا) مجرى (فعل) فى التكسير على (أفعال) فقالوا: جواد وأجواد، ويتيم وأيتام. (2/ 290).
[الإعلال]:
15 - أعلّوا فى الجمع لإعلال واحده، نحو قيمة وقيم، وصححوا فيه لصحة واحده، نحو ثور وثورة. (1/ 152).
16 - أعلّوا المصدر لإعلال فعله، نحو قمت قياما، وصححوه حين صحّ الفعل، نحو قاومت قواما. (1/ 152).
17 - الفعل والمصدر واسم الفاعل، كلّها تجرى مجرى المثال الواحد عندهم، فإذا وجب فى شىء منها حكم، فإنه لذلك كأنه أمر لا يخصه من بقية الباب، بل هو جار فى الجميع مجرى واحدا. (1/ 152).
18 - أجروا الياء مجرى الألف، والألف مجرى الياء. (1/ 311).
19 - أجروا التثنية وهى أقرب إلى الواحد مجرى الجمع وهو أنأى عنه فقلبوا همزة التأنيث فيها واوا كما قلبوا فى الجمع، فقالوا: حمراوان، كما قالوا:
حمراوات. (1/ 316).
20 - أجروا (فعلا) و (فعلا) مما لم يعلّ مع استيفاء سبب الإعلال نحو: القود وعور
مجرى (فعالا) و (فعيلا) الّلذين لا يعلّان، نحو: جواد وطويل. (2/ 290).(3/19)
20 - أجروا (فعلا) و (فعلا) مما لم يعلّ مع استيفاء سبب الإعلال نحو: القود وعور
مجرى (فعالا) و (فعيلا) الّلذين لا يعلّان، نحو: جواد وطويل. (2/ 290).
21 - صحّحوا فى نحو: اجتوروا واعتونوا إجراء له على معنى ما لا بدّ من صحته، وهو: تجاوروا وتعاونوا. (1/ 151).
[الاتصال والانفصال]:
22 - أجروا الضمير مجرى المنفصل، وعكسوا. (1/ 312).
23 - أجروا: الأجلل، وأظلل، ومواددا أجروا ذلك مجرى: جعل لك، وضرب بكرا. (1/ 318، 324).
24 - أجروا المثلين من كلمتين منفصلتين مجراهما فى كلمة واحدة فادّغموا، نحو:
جعلّك، وضربّكرا. (2/ 318).
25 - أجروا المنفصل مجرى المتصل، فأسكنوه، ومنه: «بدا هنك، وأشرب غير مستحقب، واشتر لنا سويقا، ولا تكتر كريّا». (2/ 325، 326، 121).
[اللزوم وعدمه]:
26 - أجروا الحركة اللازمة مجرى الحركة غير اللازمة، كما فى قراءة ابن مسعود:
{(فَقُولََا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً}. (2/ 219).
27 - أجروا غير اللازم مجرى اللازم وهو كثير نحو: لحمر مخفف الأحمر وبح لان مخفف الآن وقراءة عادا لّولى، و {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} (2/ 322، 323).
[الجمود والتصرف]:
28 - أجروا (ليس) فى عدم التصرف مجرى (ما) النافية. (1/ 316).
29 - أجروا (عسى) فى عدم التصرف مجرى (لعلّ). (1/ 316).
[الحذف]:
30 - حذفوا الهمزة من المضارع فى نحو: تكرم ويكرم، إجراء له مجرى المضارع المبدوء بالهمزة. (1/ 151، 249).
31 - حذفوا الفاء من مضارع (وعد) ونحوه غير المبدوء بالياء فى مثل: أعد ونعد وتعد، إجراء له مجرى المبدوء بالياء. (1/ 151، 202).
[النقيض]:
32 - العرب قد تجرى الشىء مجرى نقيضه، قالوا: جوعان، كما قالوا: شبعان لله
وقالوا: علم كما قالوا: جهل. وقالوا: كثر ما تقومن، كما قالوا: قلّما تقومنّ، وقالوا: رضى علىّ، كما قالوا: سخط علىّ. (2/ 163، 164).(3/20)
32 - العرب قد تجرى الشىء مجرى نقيضه، قالوا: جوعان، كما قالوا: شبعان لله
وقالوا: علم كما قالوا: جهل. وقالوا: كثر ما تقومن، كما قالوا: قلّما تقومنّ، وقالوا: رضى علىّ، كما قالوا: سخط علىّ. (2/ 163، 164).
[المفرد والجملة]:
33 - أجروا الجملة مجرى المفرد، فأوقعوها صفة وخبرا، وحالا. (2/ 397).
34 - أجروا المفرد مجرى الجملة، فاستغنوا به عنها، كأحرف الجواب، وأسماء الأفعال.
(2/ 397، 398).
* * * (4) اختلاف الألفاظ وتلاقى المعانى
1 - وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة، فتبحث عن أصل منها، فتجده مفضى المعنى إلى معنى صاحبه. (1/ 474).
2 - كان أبو علىّ يستحسن هذا الموضع جدا، وينبّه عليه، ويسرّ بما يحضره خاطره منه.
(1/ 490).
3 - الأمثلة التى ذكرها ابن جنى لشرح هذا الباب:
* معنى (الثبات والاستقرار):
خلق الإنسان، صخرة خلقاء، الطبيعة، النّحيتة، الغريزة، النقيبة، الضريبة، النّحيزة، السّجيّة، الطّريقة، السجيحة، هم على سرجوجة واحدة، وسرجيجة واحدة، وقرن واحد، ووتيرة واحدة السليقة، كريم النّجار والنّجر.
(1/ 474).
* معنى (الثنى والعطف):
الصّوار، المسك، المسك. (1/ 477).
* معنى (الّلين والميل):
صبىّ، صبيّة، طفل، طفلة، غلام، جارية، رطل. (1/ 479477).
* معنى (الحسن والاختيار):
ناقة، جمل، الوشاء، الغنم، الخيل، البقر، ما بها دبّيج. (1/ 481479).
* معنى (التفرق ثم الالتزاق):
الفضة، اللّجين، الذهب، التّبر، الغرب، الخلاص، الإبريز، العقيان، البراز (لعلها: الإبريز). (1/ 482، 483).(3/21)
* معنى (الثقل):
الحبىّ، السحاب. (1/ 483).
* معنى (الإقامة على الشىء والتشبث به):
الحاجة، الحوجاء، اللّوجاء، الإرب، المأربة، اللّبانة، التّلاوة، التّليّة، الأشكلة، الشهلاء. (1/ 484، 485).
* معنى (حفظ المال والقيام عليه):
خال مال، خائل مال، صدى مال، سرسور مال، سؤبان مال، محجن مال، إزاء مال، بلو مال، حبل مال، عسل مال، زرّ مال. (1/ 489486).
* معنى (الاستدلال ووصف حال البعيد):
الدم، والجديّة، البصيرة. (1/ 488).
* * * (5) الادغام
[الادّغام الأكبر]:
1 - هو تقريب صوت من صوت، ثم ادّغامه فيه، وهو على ضربين: التقاء المتماثلين، نحو: قطّع، وسكّر. والتقاء المتقاربين على الأحكام التى يسوغ معها الادّغام، فتقلب إحداهما إلى لفظ صاحبه، وتدغمه فيه، نحو: ودّ، أى وتد، وامّحى، وامّاز، واثّاقل. (1/ 495).
2 - إذا التقى حرفان صحيحان وسكن الأول منها، فلا بدّ من الادّغام، وإذا كانا معتلّين: فإن كان مدّين منفصلين فالبيان لا غير، وإن كانا متصلين ادّغما، فإن كان الأول غير لازم فكّ فى المتصل أيضا، فإن كانا بعد الفتحة ادّغما لا غير، متصلين ومنفصلين. (1/ 134، 135).
3 - ادّغام الحرف فى الحرف أخفّ عليهم من إظهار الحرفين ألا ترى أن اللسان ينبو عنهما معا نبوة واحدة، نحو: شدّ وسلّم. (2/ 28).
4 - المثلين الملتقين فى كلمة واحدة والأول متحرك، نحو: اقتتل، ادّغموا فقالوا: قتّل، وقتّل، واقتّل، والفكّ فى ذلك مستحسن. (2/ 324).
5 - قد يتشابه اسم الفاعل واسم المفعول بعد الادّغام صورة، نحو: مشتدّ ومحمرّ، ولكن التقدير مختلف. (2/ 363).(3/22)
6 - الكوفيون يدّغمون ما كان على (افعلّ وافعالّ) وتصريفهما من المضاعف معتلّ اللام، فيقولون: اغزوّ، واغزاوّ، ومغزوّ، ومغزاوّ. (1/ 466).
7 - الادّغام يكون فى المعتل سببا للصحة، نحو اجلوّاذ، وفى الصحيح سببا للإعلال، نحو: حرّة واحرّون. (2/ 292).
8 - إذا احتيج إلى فك المضعف جاز ذلك. (2/ 127).
9 - إذا كان الغرض من تلاقى المثلين هو إلحاق بناء ببناء، وجب الفك ليبلغ المثال الغرض المطلوب فى حركاته وسكناته، نحو: مهدد، وقردد، وجلبب، وشملل، وسبهلل، وقفعدد. (1/ 162، 163) (2/ 442).
10 - قد يتبعون الثانى الأول، فيعطونه حكمه فى نحو: شدّ، وفرّ، وعضّ.
(1/ 313).
11 - ورد عنهم كلمات فكّ فيها المثلان مع استيفاء شرط الادغام، قالوا: ضننوا، لححت عينه، ألل السّقاء، ضبب البلد، أظلل، الرّوادد، موادد، الأجلل، مششت الدّابّة. وفى الأعلام: محبب، وثهلل. (1/ 189، 190، 273،
330، 2/ 318).
12 - الشروط اللازمة لادّغام المثلين. (1/ 190188).
13 (إوزّة) أفيها إعلال وادّغام أم ادّغام فقط؟ رأى أبى على فى ذلك. (2/ 253،
254).
14 - قراءة عاصم: {وَقِيلَ مَنْ رََاقٍ} ببيان النون فى (من)، وذلك معيب فى الإعراب، معيف فى الأسماع، و «عاصم» فى هذا مناقض لمن قرأ بالادّغام فى «فإذا هيتّلقّف». (1/ 135).
[الإدّغام الأصغر]:
15 - هو تقريب الحرف من الحرف وإدناؤه منه، من غير ادّغام يكون هناك. (1/ 495).
16 - الادّغام الأصغر له ضروب منها:
الإمالة، وقلب تاء (افتعل) طاء بعد أحرف الإطباق، وقلبها دالا بعد الدال والذال والزاى، وقلب السين صادا بعد الحرف المستعلى، وتقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق، وفتح العين فى الماضى والمضارع حلقىّ العين أو اللام، وإتباع حركة آخر اللفظ الأول لحركة أوّل تاليه، وتقريب الحرف من الحرف، وإضعاف
الحركة لتقرب من السكون. (1/ 496، 497).(3/23)
الإمالة، وقلب تاء (افتعل) طاء بعد أحرف الإطباق، وقلبها دالا بعد الدال والذال والزاى، وقلب السين صادا بعد الحرف المستعلى، وتقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق، وفتح العين فى الماضى والمضارع حلقىّ العين أو اللام، وإتباع حركة آخر اللفظ الأول لحركة أوّل تاليه، وتقريب الحرف من الحرف، وإضعاف
الحركة لتقرب من السكون. (1/ 496، 497).
17 - تقريب الحرف من الحرف تطاول إلى الادّغام وإن لم يكن ادّغاما، إذ فى ادّغام هذا النوع جمع بين أمرين كلاهما مكروه. (1/ 30).
18 - تقريب الصوت من الصوت قد يؤدى إلى الإخلال بالإعراب. (1/ 498).
19 - حال الكلمات (اطّرد، ادّعى، اذدكر، ستّ) من حيث الادّغام. (1/ 496،
497).
* * * (6) الاستثناء
1 (إلّا) هى الناصبة للمستثنى عند أبى العباس، وهو مردود عند ابن جنى ومن تبعه لما فيه من التدافع، فالناصب عندهم هو الفعل. (2/ 64).
2 - لا يجوز تقديم المستثنى على الفعل الناصب له. (2/ 158).
3 - يجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه. (2/ 158).
4 - إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه، وإن كان الكلام منفيا، إلا فى لغة ضعيفة. (2/ 316).
5 - لو قلت: (ما قام إلا زيدا أحد) فأنت بين أمرين: إما أن ترفع المستثنى، فلا تجد ما تبدله منه، أو تنصبه فيكون من تقديم المستثنى على المستثنى منه، وهذا وإن كان ليس فى قوة تأخيره فقد جاء على كل حال. (1/ 234، 2/ 26).
6 - لو قلت: (ما جاءنى أحد إلا زيد) استوى الوجهان. (2/ 26).
7 - قد يحذف المستثنى دون الأداة، نحو: ليس إلّا، وليس غير. (2/ 151).
* * * (7) الاستغناء
1 - العرب قد تستغنى بالشىء، حتى يصير المستغنى عنه مسقطا من كلامهم البتّة.
(1/ 278).
2 - استعمال ما رفضته العرب لاستغنائها عنه بغيره، جار فى حكم العربية مجرى اجتماع الضدين على المحلّ الواحد فى حكم النظر. (1/ 390).
3 - استغنوا بالمفرد عن الجملة فى مواضع، منها أحرف الجواب وأسماء الأفعال.
(2/ 397).(3/24)
4 - الحرف الواحد من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، والعموم فى غير الإيجاب، يغنى عن الكلام الكثير. (1/ 125).
5 - الأعلام وضعت لتغنى عن أوصاف كثيرة، فأنت إذا قلت: قال الحسن كذا، فقد استغنيت به عن قولك: الرجل الفقيه القاضى العالم الزاهد البصرّى الذى كان من حاله كذا، ومن أمره كذا، ف (الحسن) أغناك من جميع ذلك. (2/ 446، 471).
6 - يستغنى بالحرف عن ذكر الأفعال أو الجمل التى بمعناها، إرادة للاختصار، ف (ما) أغنت عن (أنفى) و (إلا) عن (استثنى) و (الواو) عن (أعطف) و (هل) عن (أستفهم) و (الباء) فى: ليس زيد بقائم، عن (حقّا) أو (البتّة) و (من) عن (بعض). (2/ 62).
7 - استغنوا ب (كاد زيد يقوم) عن (كاد زيد قائما) أو (قياما). (1/ 386).
8 - استغنوا بالفعل عن اسم الفاعل فى خبر (ما) التعجبية، نحو: ما أحسن زيدا وإن كان الموضع فى خبر المبتدأ للمفرد، دون الجملة. (1/ 386).
9 - الألف قبل الطرف تغنى عن تاء التأنيث، نحو: رجل صنع وامرأة صناع.
(1/ 471).
10 - استغنوا عن الأصل مجردا من الزيادة، بما استعمل منه حاملا للزيادة وهو صدر صالح منه اللغة ومن ذلك:
حوشب، كوكب، دودرّى ومثله كثير فى ذوات الأربعة وهو فى ذوات الخمسة أكثر منه فى ذوات الأربعة: قلنقس، صرنفح، سميدع، عميثل، سرومط، حججبى، قسقبّ، قسحتّ، هرشفّ. (1/ 280). ومن ذوات الخمسة:
جعفليق، جنبريت، دردبيس، عضرفوط، قرطبوس، قرعبلانة، فنجليس.
(1/ 281).
11 - استغنوا ب (ترك) عن: ودع ووذر. (1/ 140، 278، 375، 386)، وب (لمحة) عن: ملمحة. و (شبه) عن: مشبه. و (ليلة) عن: ليلاة، و (ذكر) عن: مذكار أو مذكير. و (أينق) عن: أنوق. و (قسىّ) عن: قووس. و (جمع القلّة) عن جمع الكثرة، والعكس، نحو: أرجل، وشسوع، وأيّام، والأيدى جمع: اليد.
(1/ 279) و (ما أجود جوابه) عن: ما أجوبه. (1/ 280، 286). و (اشتدّ وافتقر) عن شدّ وفقر (1/ 280) و (واحد) عن: اثن. و (اثنين) عن:
واحدين.، (ستة) عن: ثلاثتين. و (عشرة) عن: حمستين. و (عشرين) عن:(3/25)
(1/ 279) و (ما أجود جوابه) عن: ما أجوبه. (1/ 280، 286). و (اشتدّ وافتقر) عن شدّ وفقر (1/ 280) و (واحد) عن: اثن. و (اثنين) عن:
واحدين.، (ستة) عن: ثلاثتين. و (عشرة) عن: حمستين. و (عشرين) عن:
عشرتين. (1/ 282).
* * * (8) الاستفهام
1 - الاستفهام له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله. (1/ 351).
2 - المستفهم عن الشىء قد يكون عارفا به، مع استفهامه عنه فى الظاهر، لكن غرضه فى الاستفهام عنه أشياء. (2/ 224، 225).
3 - أسماء الاستفهام مبنية، لتضمنها معنى حرف الاستفهام. (1/ 305).
4 - ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله. (1/ 223).
5 - لفظ الاستفهام إذا ضامّه معنى التعجب استحال خبرا، نحو: مررت برجل أىّ رجل. (2/ 470).
6 - قد تخرج الهمزة عن أصلها من الدلالة على الاستفهام إلى التقرير، وهو ضرب من الخبر. (2/ 223، 224).
7 - أجاز بعضهم أن تأتى (هل) بمعنى (قد)، ومنع ذلك ابن جنى، وأوّل ما أتوا به من شواهد. (2/ 223).
* * * (9) الأسماء الستة
1 - تعرب الأسماء الستة بنيابة الحرف عن الحركة، فالألف والياء والواو دواخل على الفتح والكسر والضم. (2/ 360، 361).
2 - نظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء. (1/ 395).
3 (أخ) أصله (أخو) وزن (فعل)، بدليل أنهم كسّروه على آخاء وزن أفعال فيما حكاه يونس. (1/ 339).
4 - أنّثوا (الأب) فقالوا: أبات. (1/ 339).
5 - جمعوا (الأب) جمع تصحيح لمذكر على (أبون). (1/ 346).
6 - قالوا: هذا أبوك، وهذا أباك، وهذا أبك، فمن قال: هذا أبوك، فتثنيته: أبوان، ومن قال: أبك، فتثنيته: أبان وأبوان. (1/ 339).
7 - يقال: كسرت فىّ، كأن فىّ ولا يقال فيهما: فاى لأنه خطأ. (1/ 395).(3/26)
(10) اسم الفاعل
1 - جاء اسم الفاعل من غير الثلاثى على وزنه من الثلاثى (أفعل فهو فاعل): أورس فهو وارس، أيفع فهو يافع، أبقل فهو باقل، ألقح فهو لاقح. (وفى بعضها خلاف)، وبعضه جاء على القياس. (2/ 22).
2 - ما كان من الأجوف نحو مختار ومعتاد يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، هما: الدلالة على الفاعل أو المفعول. (1/ 346).
3 - ما كان من المضعّف نحو معتدّ يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، هما:
الدلالة على الفاعل أو المفعول. (1/ 346).
4 - وزن (فاعل) من الثلاثى جاء مرادا به المصدر، نحو: الفالج والباطل والعائر والباغز. (2/ 245).
5 - نون التوكيد قد تلحق اسم الفاعل، تشبيها له بالمضارع. (1/ 171).
6 - إنما عمل اسم الفاعل، لشبهه بالفعل المضارع. (1/ 214، 309).
7 - اسم الفاعل متى جرى على غير من هو له صفة أو صلة أو حالا أو خبرا لم يحتمل الضمير كما يحتمله الفعل. (1/ 213).
8 - لا تجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله المظهر، قياسا على عدم جوازها إلى المضمر.
(2/ 136).
9 - اسم الفاعل من الثلاثى الأجوف مهموز الآخر مثل جاء: جاء. أصلها جائى ويذكرون جائئ. (1/ 208، 1/ 393).
* * * (11) اسم الفعل
1 - الغرض من وضع أسماء لبعض الأفعال هو: السّعة فى اللغة والمبالغة والإيجاز.
(2/ 284، 285).
2 - اسم الفعل يلزم صيغة واحدة مع المفرد والمثنى والجمع، مذكرا أو مؤنثا.
(2/ 285).
3 - ما ورد من أسماء الأفعال مثنّى، فغرض التثنية منه التوكيد، وتكرير المعنى، لا المثنّى حقيقة. (2/ 283).
4 - العرب سمّت الفعل بأسماء، وذلك على ضربين: أمر ونهى، وخبر. (2/ 276).(3/27)
5 - الأصل فى اسم الفعل أن يكون دالّا على الأمر والنهى، وأما دلالته على الخبر فليس فى قوة الأول. (2/ 278، 287).
6 - من أسماء الأفعال للأمر: صه، مه دونك، عندك، وراءك، مكانك، رويدك، تيدك، عليك، كذاك، فرطك، حذرك، النّجاءك. (2/ 278، 284).
7 - ومن أسماء الأفعال للخبر: أفّ (بلغاتها، أوّتاه (بلغاتها)، سرعان، وشكان (بلغاتها)، بطئان، حسّ، دهدرّين، لبّ، ويك، هيهات (بلغاتها)، إلىّ، إيّاى، همهام (بلغاتها)، أولى، هاه. (2/ 278، 283).
8 - الدليل على أن الألفاظ السابقة أسماء وليست أفعالا صريحة، اشتمالها على بعض علامات الأسماء: التنوين، التثنية، الجمع، علامة التأنيث، الإضافة، لام التعريف، التحقير. (2/ 283).
9 (هلمّ) اسم فعل بمعنى (ايت وتعال) وهى مركبة عند الخليل من (ها) و (لمّ) وعند الفراء أصلها (هل) زجر وحثّ دخلت على (أمّ)، وللفارسىّ رأى، ولابن جنى تعقيب. (2/ 277، 440).
10 - الدليل على أن (مكانك) اسم فعل للأمر (أثبت): الجزم فى جوابه، وتحمله للضمير، وإلحاق نون الوقاية به كالفعل فى قولهم: مكانكنى. (2/ 276).
11 (كما أنت) بمعنى (انتظر)، بدليل إلحاق نون الوقاية به كالفعل فى قول بعضهم:
كما أنتنى. (2/ 276).
12 (ويك) اسم فعل بمعنى أتعجّب، خلاف فى أصلها. (2/ 280).
13 (هيهات): الخلاف فى دلالتها، ووزنها، وأصلها. (1/ 228) (2/ 84، 281).
14 - البناء فى كثير من أسماء الأفعال للأمر والنهى، نحو صه ومه وحيّهلا ونزال (وبابه) إنما سرى إليه من قبل تضمن هذه الأسماء معنى لام الأمر، لأن أصل ما (صه) اسم له وهو اسكت: لتسكت، وهكذا، وبقية أسماء الأفعال محمولة على ذلك. (2/ 85).
15 - يرى بعضهم أن علة بنائها هى وقوعها موقع المبنىّ، (ردّ ابن جنى على ذلك).
(2/ 287).
16 - أسماء الأفعال للخبر مبنية، حملا على ما ددلّ على الأمر والنهى. (2/ 287،
288).(3/28)
17 - أسماء الأفعال، كلّ جزء واحد منها جزء مفرد، وهو قائم برأسه، وليس للضمير الذى فيه استحكام الضمير فى الفعل، يدلّ على ذلك أنه لمّا ظهر فى بعض أحواله ظهر مخالفا للضمير فى الفعل. (2/ 397).
18 - اسم الفعل يعمل عمل فعله الدالّ عليه، فقولك: عليك زيدا، (زيدا) فيه منصوب ب (عليك) وليس بالفعل (خذ) الذى دلّ عليه (عليك). (1/ 291).
19 - الفعل المضارع لا ينصب بعد الفاء فى جواب اسم الفعل المأخوذ من غير لفظ الفعل، بخلاف الفعل نفسه، فلا تقول: صه فتسلم، ولكن تقول: اسكت فتسلم. (2/ 285).
20 - يجوز النصب فى جواب اسم فعل الأمر من لفظ الفعل نفسه، نحو: دراك ونزال ونظار. (2/ 286).
21 - الجزم فى جواب اسم فعل الأمر جائز حسن، نحو: صه تسلم، مه تسترح.
(2/ 286).
* * * (12) اسم المفعول
1 - اسم المفعول من الأجوف الثلاثىّ، نحو: مقول ومبيع، المحذوف منه واو مفعول الزائدة عند الخليل وسيبويه، وعين مفعول عند أبى الحسن. (2/ 89)
(1/ 346).
2 - بنو تميم يتمّون اليائىّ، نحو: مخيوط، وربما تخطّوا الياء فى هذا إلى الواو، وأخرجوه على أصله، فقالوا مصوون، ومقوود، ومعوود، ومدووف.
(1/ 346).
3 - جاء اسم المفعول من غير الثلاثى على وزنه من الثلاثى (أفعل فهو مفعول: محبوب (أحبّ)، مجنون (أجنّ)، مزكوم (أزكم)، مكزوز (أكزّ)، مقرور (أقرّ)، مأروض (أرض)، مملوء (أملأ)، مضئود (أضأد)، محموم (أحمّ)، مهموم (أهمّ)، مزعوق (أزعق)، مودوع (أودع)، محزون (أحزن) (وفى بعضها خلاف)، وجاء بعضها على القياس. (2/ 19، 22).
4 - ما كان من الأجوف نحو مختار ومعتاد يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، هما: الدلالة على الفاعل أو المفعول. (1/ 346).(3/29)
5 - ما كان من المضعف نحو معتد يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين، هما الدلالة على الفاعل أو المفعول. (1/ 346).
* * * (13) الاشتقاق
[الاشتقاق الأكبر]:
1 - هو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شىء من ذكل عنه ردّ بلطف الصّنعة والتأويل إليه. (1/ 490).
2 - أمثلته التى ذكرها:
(كلم) وتقليباتها: كمل، مكل، ملك، لكم، لمك وتفيد كلها معنى (القوة والشدة). (1/ 7268، 1/ 490).
(قول) وتقليباتها: قلو، وقل، ولق، لقو، لوق وتفيد كلها معنى (الإسراع والخفة). (1/ 6659).
(جبر) وتقليباتها: جرب، بجر، برج، رجب، ربج وتفيد كلها معنى (القوة والشدة). (1/ 491، 492).
(قسو) وتقليباتها: قوس، وقس، وسق، سوق وتفيد كلها معنى (القوة والاجتماع). (1/ 491).
(سمل) وتقليباتها: سلم، مسل، ملس، لمس، لسم وتفيد كلها معنى (الإصحاب والملاينة). (1/ 493).
3 - لا ندّعى أن الاشتقاق الأكبر مستمرّ فى جميع اللغة، فهو لا يطّرد ولا ينقاس فى كل أصل، على أنك إذا أنعمت النظر ولاطفته، وتركت الضجر وتحاميته، لم تعدم قرب بعض من بعض. (1/ 67، 1/ 493).
4 - لم يدر بخلد أبى إسحاق الزجاج أن يسلك هذا المسلك، فيتكلف تقليب الأصل، ووضع كل واحد من أحنائه موضع صاحبه. (1/ 67).
5 - أبو على الفارسىّ كان يرى هذه الطريقة فى تقليب المادة ويأخذ بها (1/ 66).
[الاشتقاق الأصغر]:
6 - هو أن تأخذ أصلا من الأصول، فتتقرّاه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه
ومبانيه. (1/ 491).(3/30)
6 - هو أن تأخذ أصلا من الأصول، فتتقرّاه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه
ومبانيه. (1/ 491).
7 - منفعة الاشتقاق لصاحبه: أن يسمع الرجل اللفظة، فيشكّ فيها، فإذا رأى الاشتقاق قابلا لها أنس بها، وزال استيحاشه منها. (1/ 367).
8 - العرب إذا اشّتقّت من الأعجمىّ خلّطت فيه. (1/ 358).
9 - تقصّى ابن جنى اشتقاق أسماء الدهر والزمان فى موضع أفرده من كلامه، وفى كتابه (التعاقب). (1/ 358).
10 - لأبى بكر بن السراج رسالة فى الاشتقاق. (1/ 490).
11 - الحروف يشتق منها، ولا تشتقّ هى أبدا. (1/ 419).
12 - الألفات التى فى الحروف والأصوات غير منقلبة عن شىء، نحو ألف (لا) و (ما) و (قاف)، فإذا اشتققت منها استحالت تلك الألف وصارت كالمنقلبة، ويعتقد فيها حينئذ أنها عن واو، عملا بالأكثر فى الألفات، فتقول: موّيت ولوّيت وقوّفت.
(1/ 285).
13 - كثر اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف، نحو هاهيت، وسأسأت، وشأشأت، وحأحأت، وحاحيت، وعاعيت، وهذا كثير فى الزجر.
(1/ 421، 514).
14 - اشتقوا أسماء للأشياء من أصواتها، نحو: الخازباز، والبطّ، والواق، وغاق، وحاء، وعاء، وهاء. (1/ 514).
15 - اشتقوا أفعالا من المركبات، نحو،: بسملت، وهيللت، وحوقلت. (1/ 514).
16 - المصدر يشتق من الجوهر، كالنبات من النبت، ومن الحرف نحو: اللّالاة واللّولاة. (1/ 417).
17 - كثير من الأفعال مشتقّ من الحروف، نحو لوليت لى، ولا ليت لى، وسوّف، وجميع تصرفات (ن ع م) إنما هو من حرف الجواب (نعم)، وجميع تصرفات (ب ج ل) إنما هو من (بجل) بمعنى حسبك. (1/ 419417).
18 - لو اشتققت من الجارّ والمجرور (بأبى أنت) بعد أن تعتقد تركيبه اشتقاقا صوتيّا لقلت: بأبأت به بئباء وبأبأة، وصار نحو زلزل زلزالا وزلزلة، بل اشتق منه (بئب) على وزن عنب. (1/ 286285).
19 (الناقة) من التنوّق فى الشىء وتحسينه، و (الجمل) فعل من الجمال، و (الوشاء)
فعال من الوشى، وما بالدار (دبّيج) فعّيل من الدّيباج، و (إنسان) فعلان من الأنس. وكلها ألفاظ متلاقية المعنى فى الاشتقاق مما أخذت منه. (1/ 159(3/31)
19 (الناقة) من التنوّق فى الشىء وتحسينه، و (الجمل) فعل من الجمال، و (الوشاء)
فعال من الوشى، وما بالدار (دبّيج) فعّيل من الدّيباج، و (إنسان) فعلان من الأنس. وكلها ألفاظ متلاقية المعنى فى الاشتقاق مما أخذت منه. (1/ 159
160).
20 - اشتقّوا اسما للناقة من لفظ (الجمل) فقالوا: جماليّة، تشبيها لها به فى شدته وعلوّا خلقه. (1/ 308).
21 (الإعراب) من: أعربت عن الشىء، عرّبت الفرس، العرب، الخيل العراب، عروبة والعروبة، عربت معدته. (1/ 90).
22 (البناء) فى النحو من: البناء الحسّىّ، لمّا كان شبيها به فى عدم التغيير.
(1/ 91).
23 (العوض) من لفظ (عوض) بمعنى الدهر. (1/ 276).
24 (مرن) على الشىء، إذا ألفه مأخوذ من (مارن الأنف) وهو ما لان منه.
(1/ 476).
25 (هلممت مشتق من (هلمّ) التى أصلها: ها ولمّ. (1/ 287).
26 (الكلتبان) وهو القوّاد مأخوذ من (الكلب) وهو القيادة عند الأصمعى.
(1/ 266).
27 - مضى (هيتاء) من الليل: هو فعلاء من الهوتة بمعنى المنخفض من الأرض ومعناه معناه. (1/ 288).
28 (قرنيت) السّقاء: من (القرنوة) أى دبغته بها. (2/ 236).
29 (قلسيت) الرجل و (قلنسته): من (القلنسوة) أى ألبسته إياها. (1/ 246،
2/ 236).
30 (تعفرت) الرجل إذا خبث مشتق من (العفريت). (1/ 246).
31 (حيّةّ) من (حيى) و (حوّاء) من حوى. (1/ 425).
32 - لا يستنكر أن يكون فى الأسماء غير الجارية على الأفعال معانى الأفعال، نحو مفتاح ومنسج، ومسعط، ومنديل، ودار، وحائش، وحائط، وعائر. فهى من:
الفتح والنسج والإسعاط والنّدل والدّور والحوش والحوط والعور وفيها كلها معانى الأفعال الملاقية لها فى الاشتقاق. (1/ 158).
33 - اسم المكان والمصدر على وزن المفعول فى الرباعى قليل، إلا أن تقيسه، نحو:
المدحرج والمقلقل والمكرم. (1/ 366364).(3/32)
33 - اسم المكان والمصدر على وزن المفعول فى الرباعى قليل، إلا أن تقيسه، نحو:
المدحرج والمقلقل والمكرم. (1/ 366364).
34 - ليس من باب الاشتقاق: سلمان وسلمى، وعدوان وعدوى، وأسعد وسعدى، وأيهم ويهماء، وأسلم وسلمى، وشتّان وشتّى، وإنما هو من باب تلاقى اللفظين فى الحروف من غير قصد له ولا مراسلة بين بعضه وبعض.
* * * (14) الإشمام
1 - إشمام الحرف رعاية للوزن. (1/ 73، 1/ 118).
2 - الإشمام إنما هو للعين لا للأذن. (1/ 118).
* * * (15) إصلاح اللفظ
1 (أمّا زيد فمنطلق) أصله: أمّا فزيد منطلق، فأخّرت الفاء لإصلاح اللفظ.
(1/ 317).
2 (انتظرتك وطلوع الشمس) أصله: مع طلوع الشمس، ونصبه ممتنع، لعدم صحة تسليط الفعل عليه. (1/ 317).
3 (تمرات، وبسرات) أصله: تمرتات، وبسرتات، فكرهوا اجتماع علامتى تأنيث فى لفظ واحد. (1/ 308).
4 (إن زيدا لقائم) أصله: لئنّ زيدا قائم، فأخرت اللام، لإصلاح اللفظ. (1/ 318).
5 (كأن زيدا عمرو) أصله: إن زيدا كعمرو، فقدّمت أداء التشبيه وفتحت (إنّ).
(1/ 321).
6 (لك مال، وعليك دين) أصله: مال لك، ودين عليك، فقدّم الظرف، لإصلاح اللفظ. (1/ 321).
7 (فى الأرض ودّ، ومن الناس ميّقول) أصله: وتد، ومن يقول، فتمّ الادغام فى المتقارب، لإصلاح اللفظ. (1/ 323).
8 (اصطبر، وازدان) أصله: اصتبر، وازتان، فتمّ القلب إلى الطاء والدال، إصلاحا للّفظ. (1/ 323).
9 (ضربت، وضربن، وضربنا) أصله بتحريك الباء، فتمّ إسكانها مع الضمير المتحرك إصلاحا للفظ. (1/ 323).(3/33)
10 (مررت بزيد الذى قام أخوه) أصله: مررت بزيد قام أخوه، أرادوا وصف المعرفة بالجملة، كما وصفوا بها النكرة، فأتوا ب (الذى) لتباشر بلفظ حرف التعريف المعرفة. (1/ 323).
11 (لهنّك قائم) أصله: لله إنك (عند بعضهم)، وكان أبو علىّ قد قوّاه بأخرة، وفيه تعسّف. (1/ 321).
* * * (16) الإضافة
1 - الإضافة على ضربين: أحدهما ضمّ الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام، والآخر ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى (من) وكلاهما ليس الثانى فيه بالأول.
(2/ 268).
2 - الغرض من الإضافة إنما هو التعريف أو التخصيص. (2/ 267).
3 - التنوين لا يلحق المضاف، لما فيه من نقض الغرض، إذ التنوين إيذان بكمال الاسم وتمامه عما بعده، والمضاف محتاج إلى المضاف إليه لا يتم إلا به، أو لأن التنوين دليل التنكير، والإضافة موضوعة للتخصيص، فلا يجتمعان. (2/ 300، 447).
4 - الإضافة لا تنافى البناء، نحو كم رجل، وقوله: (أبى جوده لا البخل) فى أحد أعاريبه، لأضربنّ أيّهم أفضل (وأىّ مبنية عند سيبويه). (1/ 418، 419،
530).
5 - لو ذهب ذاهب إلى أن الإضافة داعية إلى البناء من حيث كان المضاف من المضاف إليه بمنزلة صدر الكلمة من عجزها. وبعض الكلمة صوت، والأصوات إلى الضعف والبناء لكان قولا. (1/ 530).
6 - أسماء الإشارة، والأسماء المضمرة لا تضاف، إذ ليس فيها ما ينكّر. (1/ 128).
7 - الشىء لا يضاف إلى نفسه. (2/ 267).
8 - قولك: مررت بزيد نفسه: ليس من إضافة الشىء إلى نفسه، إذ المراد من (النفس) هذا خالص الشىء وحقيقته والعرب تحل نفس الشىء من الشىء محلّ البعض من الكلّ، وما الثانى منه غير الأول ولهذا حكوا عن أنفسهم وخاطبوها.
(2/ 267).
9 - تجوز إضافة المسمّى إلى الاسم وعكسه، لأن كلّا منهما غير صاحبه، فهو ليس من
إضافة الشىء إلى نفسه. (2/ 267). وأمثلة له فى. (2/ 267، 269).(3/34)
9 - تجوز إضافة المسمّى إلى الاسم وعكسه، لأن كلّا منهما غير صاحبه، فهو ليس من
إضافة الشىء إلى نفسه. (2/ 267). وأمثلة له فى. (2/ 267، 269).
10 - قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} ليس من إضافة الشىء إلى نفسه، ف (الحقّ) هنا خالص الشىء وواضحه، فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل. (2/ 522،
523).
11 - قولنا: أخذت كلّ المال، ليس (الكلّ) هو ما أضيف إليه، إنما هو عبارة عن أجزاء الشىء. (2/ 523).
12 - المضمر فى باب الإضافة أقوى حكما من المظهر، ولذلك جعل بابا حمل المظهر عليه، فكل ما صح إضافته إلى المضمر صحّ إضافته إلى المظهر. (2/ 136).
13 - تجوز إضافة المصدر إلى فاعله المظهر، قياسا على إضافته إلى المضمر. (2/ 136).
14 - لا تجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله المظهر، قياسا على عدم إضافته إلى المضمر.
(2/ 136).
15 - قد يكتسى المضاف من المضاف إليه كثيرا من أحكامه من التعريف والتنكير والتذكير والاستفهام والشّياع، وغير ذلك. (1/ 351).
16 - ما لا يستعمل من الأسماء فى الواجب إذا أضيف إليه شىء مما يستعمل فى الإثبات اكتسى حكمه وصار منفيا، نحو: ما قرعت حلقة باب دار أحد قطّ. (1/ 352).
17 - لا يجوز تقديم المضاف إليه ولا شىء مما اتّصل به على المضاف. (2/ 162).
18 - يقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه. (2/ 166). وأمثلة للفصل بينهما.
(2/ 178175).
19 - فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بجملة معترضة فى الخبر، فى نحو: لا أخا فاعلم لك، هذا هو الظاهر، وأجاز أبو علىّ أن يكون (لك) خبرا، ويكون (أخ) اسما مقصورا تامّا غير مضاف. (1/ 339، 342، 343).
20 - قد يحذف المضاف ويحلّ محلّه المضاف إليه، ولكن المعنى مراعى فيه المحذوف، كقوله: (شدّوا المطىّ على دليل دائب) و (خضخضن فينا البحر) و (ثلاثين شهرا فى ثلاثة أحوال). (2/ 95، 96).
21 - حذف المضاف باب كثير واسع، وقد وقع منه فى القرآن الكريم هو أفصح الكلام أكثر من مائة موضع، بل ثلثمائة موضع، وفى الشعر منه ما لا أحصيه.
(2/ 143، 214).(3/35)
22 - أبو الحسن لا يرى القياس على ما ورد من حذف المضاف، ورأيه مدفوع.
(2/ 142).
23 - قد يحذف المضاف إليه. 2/ 145142).
24 - لمّا اطّردت إضافة أسماء الزمان إلى الفعل، نحو: قمت يوم قمت، وأجلس حين تجلس، شبهوا ظرف المكان بها فى (حيث) فتدرّجوا من (حين) إلى (حيث)، فقالوا: قمت حيث قمت. (1/ 355).
25 - أجاز سيبويه وجهين فى جرّ (الوجه) من قولك: هذا الحسن الوجه: أحدهما طريق الإضافة الظاهرة، والآخر تشبيهه ب (الضارب الرجل). (1/ 209، 303،
313).
26 - ياء المتكلم تكسر أبدا ما قبلها، ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء. (2/ 7).
* * * (17) الاعتراض
1 - الاعتراض لا موضع له من الإعراب، ولا يعمل فيه شىء من الكلام المعترض به بين بعضه وبعض. (1/ 338).
2 - جاء الاعتراض فى القرآن وفصيح الشعر ومنثور الكلام، وهو جار عند العرب مجرى التأكيد، فلذلك لا يشنع عليهم ولا يستنكر عندهم أن يعترض بين الفعل وفاعله، والمبتدأ وخبره، وغير ذلك مما لا يجوز الفصل فيه بغيره إلا شاذّا أو متأوّلا وأمثلة لذلك. (1/ 332، 336، 341).
3 - الاعتراض فى شعر «إبراهيم بن المهدى» أكثر منه فى شعر غيره من المولّدين.
(1/ 341).
4 - قد يعترض النداء بين الشئ ومتعلقه. (1/ 444).
5 - قد يعترض النداء بين (أو) والفعل. (1/ 444).
6 - لا يعترض بين الفعل وفاعله بالأجنبى، وقد تسامحوا فى الظرف. (1/ 521).
7 - ليس من الاعتراض قوله: (كأنّ وقد أتى حول جديد) لأن الجملة فى محل نصب حالا. (1/ 338).
* * *
(18) الإعراب(3/36)
* * *
(18) الإعراب
1 - تعريف الإعراب. (1/ 89).
* * * (19) الإعلال
1 - من الإعلال ما لا بدّ منه، إذ يتعذر النطق على الأصل، ومنه ما يمكن النطق بأصله على استكراه ومشقّة. (1/ 130).
2 - الإعلال إلى السواكن لضعفها أقرب منه إلى المتحركات لقوّتها (1/ 131).
3 - يراعون فى إعلال الجمع حال واحده، فإذا أعلّ أعلّ، نحو: قيمة وقيم، وديمة وديم، وإذا صحّ صحّ، نحو: زوج وزوجة، وثور وثورة. (1/ 151).
4 - أعلّوا المصدر لإعلال فعله، وصححوه لصحته، نحو: قمت قياما، وقاومت قواما.
(1/ 152).
5 - اعتلال اللام أقعد فى معناه من اعتلال العين، بدليل أنهما إذا وجد فيهما سبب الإعلال جرى الإعلال فى اللام دون العين، نحو: حياة والجوى (وأدلّة أخرى).
(2/ 241، 242).
6 - التقاء همزتين من كلمتين ضعيف عند ابن جنى، وليس لحنا. (2/ 366).
7 - انقلاب حرف العلة إلى همزة وهو فى موضع الفاء أو العين أقوى من انقلاب حرف العلة إلى مثله فى هذا الموضع، ففى الأول تبقى الهمزة فى التصريف بعد زوال السبب، بخلاف الثانى، تقول ميزان وموازين، وموسر ومياسر، وتقول:
قائم وقويئم. (2/ 258).
[قلب الواو ياء]:
8 - من ذلك قولهم: إن ياء نحو ميزان، وميعاد، انقلبت عن واو ساكنة، لثقل الواو الساكنة بعد الكسرة إلخ. (1/ 101).
9 (فعيل) واوىّ العين تصح واوه عند تكسيره، نحو: طويل وطوال، و (فعال) واوىّ العين يعلّ عند تكسيره، نحو جواد وجياد. (1/ 108، 109).
10 - قلبت الواو ياء بعد كسرة مع وجود حاجز ساكن بينهما يمنع ذلك، نحو: صبية وقنية وعذى وبلى سفر وناقة عليان ودابة مهيار. وهذا استحسان من غير علة موجبة، ولا يقاس. (1/ 172، 134).(3/37)
11 - الإعلال بقلب الواو ياء مع وجود الحاجز الساكن، إنما ورد فيما كانت الواو فيه من أصل الكلمة، فلا يقاس عليه الواو الزائدة، فلا يقال فى (قرواح ودرواس):
قرياح ودرياس، لئلا يلتبس ب (فعيال) من غير دليل يدلّ على الأصل عند التصرف فيه. (1/ 172).
12 - قالوا: رجل غديان وعشيان، ودامت الماء تديم ديما، وكلّه من الواو، ففيه القلب. (1/ 176، 312).
13 - ليس مجرد اجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون سببا موجبا لقلب الواو ياء، بل لا بدّ من شروط أخرى. (1/ 178، 179، 185، 187).
14 - العلة فى قلب واو نحو (سوط وثوب) ياء إذا كسّرت على: سياط وثياب.
(1/ 187، 188).
15 - نحو قولك: (عشرىّ ومسلمىّ وسىّ ورىّ) قلبت فيه الواو ياء، لأمرين، كلّ واحد منهما موجب للقلب استقلالا. (1/ 202، 204).
16 - إذا خففت الهمزة فى (رؤيا) فبعض العرب يقلب الواو حينئذ ياء ويدّغم فيقول:
(ريّا)، وهذا من باب إجراء غير اللازم مجرى اللازم. (1/ 310).
17 - قلبوا الواو ياء فى نحو: الفتوى والرّعوى والتّقوى، وهو استحسان.
(1/ 313).
18 - كما قلبوا الواو ياء فى: صبية وصبيان، لعدم الاعتداد بالفاصل الساكن، قلبوا أيضا مع ضم الأول لمزيد من الاستخفاف، فقالوا: صبية وصبيان، وشجعهم على ذلك عدم وجود علة موجبة للقلب فيه. (1/ 349).
19 - قالوا: صيان وصيار، فى: صوا وصوان، استخفافا لعدم وجود موجب القلب.
(1/ 349).
20 - قالوا: رياح، وقياسه (رواح) لأنه (فعال) من: راح يروح، ولكنهم قلبوا استخفافا للياء، لمّا كثر فى كلامهم: ريح ورياح ومريح ومستريح. (1/ 350).
21 - أهل الحجاز يقولون: الصّيّاغ فى (الصّوّاغ) كرهوا التقاء الواوين فيما كثر استعماله، فأبدلوا الأولى ياء، كما قالوا فى (أمّا): أيما، ثم أعلّوا بقلب الواو ياء وادّغامها فى الياء. (1/ 439).
22 - امتنعوا من تصحيح الواو الساكنة بعد كسرة. (2/ 130).(3/38)
23 - الصنعة النحوية فى جمع (جرو، ودلو) على: أجر وأدل، وجرىّ ودلىّ.
(2/ 229).
24 (طويوى) مثال (فعلول) من (طويت) وصنعة الإعلال فيه حتى آل إلى (طيّىّ).
(2/ 254، 255).
25 - إبدال الياء من الواو فى: ديوان واجليواز. (2/ 262).
26 - تفسير التدافع الظاهرى فى إيثارهم الياء على الواو فى نحو: لويت ليّا وسيّد، وداينت، مع إبدالهم الياء واوا لغير علة فى نحو: الفتوى، وفى: عوى الكلب عوّة. (2/ 30، 31).
27 - قولهم: (أبيض لياح) قلبت فيه الواو ياء استخفافا، لا عن علة موجبة، لأنها ليست جمعا ولا مصدرا جاريا على فعله، ثم زادوا الاستخفاف، فأجروا ذلك مع فتح فاء الكلمة. (1/ 349، 2/ 291، 292).
28 - قالوا: مياثق ودياوين والأريحيّة وجيلانىّ، فأعلّوا على غير شرط الإعلال، توضيح ذلك، وتفسير ابن جنى له. (2/ 383380).
29 - قالوا: ثيرة جمع ثور فأعلّوا، وللصرفيين فى إعلاله ثلاثة آراء. (1/ 151).
30 - إذا كان اجتماع الواو والياء فى علم فإنه يصحح، فيقال: حيوة، فلماذا إذن أعلوا (أسيّد) علما؟. (1/ 186، 187).
31 - قالوا: قرواح وقرياح، وهذا ليس إعلالا، وإنما كل واحد منهما مثال برأسه.
(1/ 172، 173).
32 - لم يعلّ (حيوة) كراهية اجتماع المثلين، إلى جانب أنه علم، والأعلام يحتمل لها كثير من كلف الأحكام. (2/ 262).
33 - قلب الواو ياء فى: قسىّ وأينق واليمى (اليوم). (1/ 111).
[قلب الواو ألفا]:
34 - لام (اقلولى) واو، لا ياء، فأما لا (اذلولى) فمشكوك فيه. (1/ 59).
35 - لو تكلفت أن تأتى ب (استفعل) من غير المثل الواردة فى (استنوق، واستحوذ) لوجب الإعلال، فلا تقول من (الطّود) استطود، ولا من (الحوت): استحوت، إنما تقول: استطاد واستحات. (1/ 156، 157).
36 - أعلّوا (استعان) وليس تحته ثلاثىّ مستعمل، لأنه وإن لم ينطق بثلاثيّه فهو فى
حكم المنطوق به، وقد شاع الإعلال فى هذا الأصل. (1/ 159).(3/39)
36 - أعلّوا (استعان) وليس تحته ثلاثىّ مستعمل، لأنه وإن لم ينطق بثلاثيّه فهو فى
حكم المنطوق به، وقد شاع الإعلال فى هذا الأصل. (1/ 159).
37 - ألف (آءة) بدل من الواو عند الخليل، وكذلك ينبغى أن تكون ألف (الراء) وهو نبت و (الصاب) وهو شجر. (1/ 266، 2/ 302).
38 (هاتيت) من قولهم: هات لا هاتيت، وزنه (فعليت) عند أبى على، وأصله:
هوتيت من الهوتة وهى المكان المنخفض فأعلّ بقلب الواو ألفا، نحو: ياجل فى: يوجل. (1/ 287).
39 (أطرق كرا) أصله (كروان) فحذف زائده، فصار (كرو) فقلبت الواو ألفا، ولذا جمع على (كروان) نظير: شبث وشبثان. (2/ 345).
40 - جعلوا تصحيح (اجتوروا واعتونوا) دليلا على أنه فى معنى ما لا بدّ من صحته، وهو: تجاوروا وتعاونوا. (1/ 151).
41 - يرى بعضهم أن فى (الناقة) معنى الفعل، وذلك أنها (فعلة) من التّنوّق فى الشىء وتحسينه، وعليه كان لا بدّ من إعلال (استنوق)، (توضيح ذلك، ورد ابن جنى عليه). (1/ 159، 160).
42 - ورد سماعا تصحيح ما حقّه الإعلال قياسا من الأجوف الواوىّ فقط، فقالوا:
الحوكة والخونة والخول والدّول واجتوروا واعتونوا واهتوشوا، ولم يقولوا: بيعة وسيرة، فى جمع: بائع وسائر مثلا. (1/ 160، 161).
43 - إنما لم يعلّ نحو (الخونة والقود وحول. وعور) مع وجود سبب الإعلال لأنهم شبهّوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها، فكأن فعلا (فعال) وكأن فعلا (فعيل) وهذان لا يعلّان، هذا إلى جانب أنهم قصدوا إخراجه على أصله، منبهة على ما غيّر من أصل بابه. (2/ 289، 290).
44 - ليس مجرد تحرك الواو وانفتاح ما قلبها علّة وحيدة لقلبها ألفا، بل لا بدّ من شروط أخرى. (1/ 179، 180).
45 - مما شذّ فلم يعلّ مع استيفاء الشروط: أطولت الصدود، استحوذ، شراب مبولة.
(1/ 176، 177).
46 - الصنعة النحوية فى انتقال (قوم) إلى (قام) (2/ 230).
47 - يوم (راح) ورجل (خاف) يجوز أن يكون (فعلا) فأعلّ، وأن يكون محذوف العين. (2/ 249).(3/40)
48 - عدم الإعلال فى (استنوق) أسهل منه فى (استحوذ)، لأن ل (استحوذ) فعلا معلّا يجرى عليه، وليس ذلك فى (استنوق)، لأنه ليس منه فعل يجرى عليه، إنما هو من اسم جوهر، هو (الناقة). (1/ 156).
49 - من مذهب ابن جنى أن الواو إذا تطرفت بعد ألف زائدة قلبت ألفا أوّلا، ثم همزة بعد ذلك، نحو: كساء. (1/ 130، 270، 273، 346).
50 - من مذهب ابن جنى أن الواو فى اسم الفاعل من نحو (قام) قلبت ألفا أوّلا، ثم همزة بعد ذلك، نحو (قائم). (2/ 249).
[قلب الواو همزة]:
51 - الواو الأصلية المضمومة ضممّا لازما تقلب همزة، نحو: أجوه وأقّتت، أما الزائدة فلا تقلب، نحو: التّرهوك والتّدهور والتّسرول، والتّسهوك، لا تقول: الترهؤك والتدهؤر والتسهؤك. (1/ 173، 174، 192).
52 - هل يصح أن يكون المانع من قلب الواو همزة فى (الترهوك) ونحوه هو مخافة أن تقع الهمزة بعد الهاء، وهما حلقيان شديدا التجاور؟. (1/ 173، 174).
53 - قد يقلبون الواو المصدّرة همزة، سواء أكانت مكسورة أم مضمومة، نحو: إسادة وأجوه. (2/ 400).
54 - الهمزة أصلية فى (أحد) التى يراد بها الإحاطة والعموم، وهى فى (أحد) التى يراد بها الانفراد ونصف الاثنين مبدلة من واو، والإبدال فيها شاذ، لأن الواو مفتوحة. (2/ 464).
55 - إذا كان الاسم على (فاعل) وعينه حرف علة، وجب إعلاله بقلب حرف العلة همزة، وإن لم يجر على فعل، نحو: الحائش وهو اسم لا صفة وليس جاريا على الفعل، وإنما هو من (الحوش)، ثم اعترض على ذلك، وردّه. (1/ 157،
158).
56 - لم يعلّوا (عواول) و (عواور). (1/ 219، 220، 377، 2/ 516).
57 - الواو المتطرفة بعد ألف زائدة تؤول إلى همزة بعد أن تقلب ألفا، فى رأى ابن جنى. (1/ 130، 171، 273، 346).
58 - قلب الواو همزة فى الجمع الأقصى، نحو (أوائل). (1/ 219).
59 - أعلّوا بقلب الواو همزة مع فقد شرطه، وهو غير مقيس، ومنه: مصائب، منائر،
المؤقدان، مؤسى، جؤنى. (2/ 369363).(3/41)
59 - أعلّوا بقلب الواو همزة مع فقد شرطه، وهو غير مقيس، ومنه: مصائب، منائر،
المؤقدان، مؤسى، جؤنى. (2/ 369363).
[قلب الياء واوا]:
60 - جاء عنهم: رجل مهوب، وبرّ مكول، ورجل مسور به، وقياسه عند الخليل أن يكون مما قلبت فيه الياء واوا. (1/ 130).
61 - قلبت الياء واوا من غير موجب سوى الاستحسان، نحو: الفتوى والبقوى والتقوى والشّروى. (1/ 129، 169، 313).
62 (الحيوان) عند الجماعة إلا أبا عثمان من مضاعف الياء، وأصله (حييان) فقلبوا الياء واوا للالتقاء المثلين. (2/ 262).
63 - امتنعوا من تصحيح الياء الساكنة بعد ضمة. (2/ 130).
[قلب الياء ألفا]:
64 - كثر قلب الياء ألفا استحسانا، لا وجوبا ممّا لم يستوف شروط هذا الإعلال، نحو قولهم: (طائى وحارى وحاحيت وعاعيت هاهيت وياجل وياءس) وقلّما ترى فى الواو هذا. (1/ 161، 185، 1/ 431).
65 - قلبت الياء ألفا فى (استافوا) ولم تقلب الواو فى (اجتوروا). (1/ 182).
66 - قلبت الياء ألفا فى (آية) فى قول سيبويه. (2/ 242، 1/ 431).
67 - من مذهب ابن جنى أن الياء إذا تطرفت بعد ألف زائدة قلبت ألفا أولا، ثم همزة بعد ذلك، نحو قضاء. (1/ 130، 271، 273، 346).
68 - عدم الإعلال فى (استتيست الشاة) و (استفيل الجمل) أسهل منه فى (استحوذ)، لأن ل (استحوذ) فعلّا معلّا يجرى عليه، وليس ذلك فيما سبق، إذ هما من اسم جوهر هو (التّيس والفيل). (1/ 156).
69 - لو تكلفت أن تأتى ب (استفعل) من غير المثل الواردة فى (استتيست الشاة واستفيل الجمل) لوجب الإعلال. (1/ 157).
70 - تصحيح ما حقه الإعلال من الأجوف اليائىّ لم يسمع، فلم يقولوا: بيعة ولا سيرة، فى جمع: بائع وسائر، بخلاف الواوىّ. (1/ 160، 161).
71 - ليس المجرد تحرك الياء وانفتاح ما قبلها علّة وحيدة لقلبها ألفا، بل لا بدّ من شروط أخرى. (1/ 279، 180).
72 - الصنعة النحوية فى انتقال (بيع) إلى (باع). (2/ 230).(3/42)
73 - قالوا فى الأعلام: مريم ومدين، فلم يعلّوا، والقياس الإعلال. (2/ 275).
74 - قلبوا الياء همزة فى: (راية وزاى) فقالوا: (راءة وزاء) مع أن الألف قبلها أصلية.
(2/ 477).
75 - همزة (وراء) مبدلة من حرف علة هو الياء عند ابن جنى، وأصلية عند أبى على.
(2/ 477، 478).
76 - قلبوا الياء همزة شذوذا فى (حلأت السّويق، ورثأت زوجى، ولبّأت بالحج، ومشترئ، ومعائش، ومزائد). (2/ 369، 478).
77 - الياء إذا تطرفت بعد ألف زائدة تؤول إلى القلب همزة نحو (قضاء). (1/ 130،
270، 273، 346).
78 - الإعلال فى اسم الفاعل من الأجوف الثلاثى اليائىّ نحو (جاء وشاء).
(1/ 208، 2/ 249).
[قلب الألف واوا أو ياء]:
79 - تقلب الألف واوا للضمة قبلها، وياء للكسرة قبلها. (1/ 130).
[قلب الألف همزة]:
80 - الإعلال بقلب الألف همزة فى نحو: (حمراء وأصدقاء وعشراء). (1/ 224).
81 - بعض العرب يبدل ألف المنصوب همزة فى الوقف، فيقول: رأيت رجلأ.
(1/ 404).
82 - قد تبدل ألف المدّ قبل المثلين المدغمين همزة، وذلك خاص بالألف دون أختيها الياء والواو، نحو: (شأبة ودأبة. واحمأرّت، واسوأدّت). (2/ 353).
83 - أعلّوا بقلب الألف همزة شذوذا، ومنه: (زوزأة، الفألم الخأتم، بئزان، سؤق، المستئق، جأنّ، سأق، تأبل). (2/ 368).
[قلب الهمزة]:
84 - قلبت الهمزة واوا فى: آسيت الرجل وآخيته، فأنا أواسيه وأواخيه. (1/ 207،
208).
85 - الإعلال فى جمع نحو خطيئة ورزيئة (خطايا ورزايا). (1/ 208)، (2/ 253).
86 - ورد قولهم: (خطائئ وجائئ وأئمّة) غير معلّ وهو شاذ. (1/ 208).
87 - فساد عدم تحقق القواعد الصرفية عند اجتماع الهمزتين كما فى: (أشئوها،
وأدأؤها). (2/ 6).(3/43)
87 - فساد عدم تحقق القواعد الصرفية عند اجتماع الهمزتين كما فى: (أشئوها،
وأدأؤها). (2/ 6).
88 - التوجيه ل (خطائئ)، (جائئ). (1/ 393).
89 - إبدال حرف العلة من الهمزة شاذ، ولذلك كان الحكم بكون الهمزة فى (قساء) بدلا من حرف العلة فى (قسىّ) أولى من الحكم بالعكس. (1/ 267).
90 - أجروا الهمزة المنقلبة عن حرفى العلة عينا مجرى الهمزة الأصلية، نحو: قويئم وبويئع، فى تحقير: قائم وبائع، ألحقوها ب (سويئل) فى تحقير: سائل، من سأل.
(1/ 352).
91 - الهمزة الواقعة لا ما والمنقلبة عن الواو والياء تردّ إلى أصلها عند التحقير، وتحذف لاجتماع الياءات، ففى تحقير نحو: كساء وقضاء، تقول: كسىّ وقضىّ، أما الهمزة الأصلية فتبقى، فتقول: سليّئ وخليّئ، فى تحقير: سلاء وخلاء. (1/ 352).
92 - تحقّق الهمزتان إذا كانتا عينين نحو: سال، وراس، ولم تصحّا فى الكلمة الواحدة غير عينين، نحو: آدم وجاء وشاء. (2/ 28).
93 - لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما. (2/ 6).
94 - ليس فى الكلام أصل عينه ولامه همزتان. (2/ 7).
95 - مما التزمت العرب بالإبدال فيه: البريّة من (برأ)، والنبىّ من (نبأ) والذّرّيّة من (ذرأ) والخابية من (خبأ).، والأخيرة تحتمل أن تكون مخففة. (2/ 317،
376).
96 - لم يجروا الإعلال بقلب الهمزة ياء، مع توفر شرطه وهذا غير مقيس فقالوا:
خطائى، درائئ، لفائئ، جائئ، أئمة (عند ابن جنى). (2/ 366).
97 - أبدلوا الهمزة على غير قياس فى: قريت وأخطيت وتوضّيت وبيس، وفى أبيات من الشعر. (2/ 374، 375).
98 (النّبوة) عند ابن جنى مخففة لا مبدلة. (2/ 376).
[الإعلال بالحذف]:
99 (لغة وكرة وقلة وثبة) كلها لا ماتها واوات محذوفة لغير علة. (1/ 65).
100 - رأى الخليل وسيبويه أن المحذوف من اسم المفعول من الأجوف الثلاثى هو واو مفعول لا عينه، وعند أبى الحسن المحذوف هو عين مفعول، لأن الواو دليل على اسم المفعول. (1/ 129، 130، 270، 2/ 309).(3/44)
101 - رأى الخليل وسيبويه أن المحذوف من المصدر على وزن (إفعال) هو الألف، لزيادته، ويرى أبو الحسن أن المحذوف عين الكلمة. (2/ 309).
102 - الإعلال فى نحو: يعزون، ويدعون، ويرمون، ويخشون. (2/ 363، 364).
103 (الواو) إذا وقعت بين ياء وكسرة حذفت. (2/ 401).
104 - الإعلال فى (قم) وأصله (اقوم) إنما هو بالحمل على الماضى وليس بنقل ضمة الواو المستثقلة إلى الساكن قبله. (2/ 493).
* * * (20) أفعل التفضيل
1 (أفعل) الذى مؤنثه (فعلى) لا يجتمع فيه الألف واللام و (من)، وإنما هو ب (من) أو بالألف واللام. (1/ 211).
2 (من) لا تأتى بعد (أفعل) للتفضيل إذا اقترن ب (أل) نحو: (الأحسن منه)، لأنها تكسب بدخولها التخصيص، وهو أقلّ مرتبة من التعريف ب (أل) فيما قبلها، وفى ذلك تراجع مكروه. (2/ 443).
* * * (21) التقاء الساكنين
1 - لا يمكن النطق بألفين ساكنين فى الحشو. (2/ 250).
2 - إذا كان الساكنان حشوا، وكان أحدهما حرفا صحيحا والآخر معتلا تحامل النطق بهما، إلا أن العرب لم تستعمله إلا إذا كان الثانى هو الصحيح وكان مدغما فى مثله، نحو: دابّة. (2/ 251).
3 - يجوز التقاء الساكنين فى الطّرف، لأن سكون الآخر عارض. (2/ 252).
4 - يجوز فى لغة العجم التقاء الساكنين الصحيحين فى الوقف، وقبل الأوّل منهما حرف مدّ، نحو: آرد، وماست. (2/ 252).
5 - من أمثلة التقاء الساكنين:
شابّة، دابّة، ادهامّت، الضالّين. (1/ 133)، اضربان، واضربنان (توكيد المثنى وجماعة الإناث عند يونس. (1/ 133)، اضربا، اضربنا (فى الوقف عند يونس.
(1/ 134) {مَحْيََايَ وَمَمََاتِي} (قراءة نافع حلقتا البطان (1/ 134).
6 - قد تؤدى الصنعة النحوية إلى التقاء الساكنين المعتلين حشوا، وإن كان لا يسوغ
النطق بهما، نحو: الإعلال فى باب (مقول ومبيع)، وفى باب (قائل وبائع).(3/45)
6 - قد تؤدى الصنعة النحوية إلى التقاء الساكنين المعتلين حشوا، وإن كان لا يسوغ
النطق بهما، نحو: الإعلال فى باب (مقول ومبيع)، وفى باب (قائل وبائع).
(2/ 249، 250).
7 - إن اختلف الحرفان المعتلان الساكنان واوا وياء، جاز تكلف جمعهما حشوا، إلا إذا كان أحدهما الألف وتأخرت، فلا يمكن تكلف النطق بهما ساكنين. (2/ 249،
250).
8 - توهم الجاحظ أن النحاة يرد عليهم قول الشاعر: (فلست بالأكثر منهم حصى) إذ قالوا: لا تأتى (من) بعد اسم التفضيل المحلّى بأل، وردّ ابن جنى عليه.
(2/ 443).
9 - من المحال أن تقول: زيد أفضل إخوته. (2/ 522، 524).
* * * (22) الإلحاق
1 - الإلحاق صناعة لفظية ليس فيها أكثر من إلحاقها ببنائها، واتّساع العرب بها فى محاوراتها وطرق كلامها. (1/ 242، 243).
2 - الملحق يأخذ حكم الملحق به فى كل تصريفاته. (1/ 242).
3 - مما يدلّ على أن الإلحاق مقيس على كلامهم: أنك لو مررت بقوم يتلاقون بينهم مسائل أبنية التصريف، نحو قولهم: (ضربرب وقتلتل، وأكلكل) ثم قال لك قائل: بأىّ لغة يتكلم هؤلاء؟ لم تجد بدّا من أن تقول: بالعربية، وإن كانت العرب لم تنطق بواحد من هذه الحروف. (1/ 358).
4 - دليل الإلحاق فى نحو: صعررت وبيطرت وحوقلت وسلقيت (الملحقات بدحرجت) مجىء مصادرها على مصادر باب (دحرجت) والمصادر أصول للأفعال.
(1/ 241).
5 - من أمارات الإلحاق فكّ التضعيف فى الملحق. (1/ 242، 2/ 239).
6 - قد يلحق بمثال مفترض لم يرد به استعمال، ولكن قام الدليل عليه، فهو بمنزلة الملفوظ به، نحو: سودد، فقد قال فيها سيبويه: إنها ملحقة بما لم يجئ.
(2/ 123).
7 - قال أبو عثمان فى (الإلحاق المطّرد): إن موضعه من جهة اللام نحو: قعدد ورمدد وشملل وصعرر، وجعل الإلحاق بغير اللام شاذّا لا يقاس عليه نحو: (جوهر
وبيطر). (1/ 244).(3/46)
7 - قال أبو عثمان فى (الإلحاق المطّرد): إن موضعه من جهة اللام نحو: قعدد ورمدد وشملل وصعرر، وجعل الإلحاق بغير اللام شاذّا لا يقاس عليه نحو: (جوهر
وبيطر). (1/ 244).
8 - حروف الإلحاق بابها التأخر، وحروف المعانى بابها التقدم. (1/ 244).
9 - حرف اللّين لا يكون للإلحاق، إنما جئ به لمعنى، وهو امتداد الصوت به.
(1/ 249).
10 - حرف المدّ إذا جاور الطّرف لا يكون للإلحاق أبدا، لأنه كأنه إشباع للحركة.
(2/ 238).
11 - الحرف الزائد لا يكون للإلحاق أو الكلمة، إلا إذا انضمّ إليه زيادة أخرى، نحو:
ألندد ويلندد الهمزة والنون معا للإلحاق، فإن زالت إحداهما لا تكون الأخرى للإلحاق، ولذا لا يكون من الإلحاق وزن (مفعل ومفعل)، وإن كان بزنة جعفر وهجرع. (1/ 243، 247، 248، 249)، (2/ 238).
12 - الألف لا تكون للإلحاق حشوا أبدا، إنما تكون له إذا وقعت طرفا لا غير، نحو:
أرطى. (1/ 322، 2/ 240).
13 (مفعيل ومفعول ومفعل وأفعول وإفعيل وإفعال) ليست الزيادة فيها للإلحاق لأنها تدل على معنى، وزيادة الإلحاق لا تدل على معنى. (2/ 239).
14 (أفاعل) نحو: أباتر، الهمزة والألف فيه لغير الإلحاق، بدليل منعه من الصرف علما. (2/ 239).
15 - المعتّدّ به فى الملحق الرباعى نحو (دحرج) هو المصدر ذو الأصل (الفعللة) دون (الفعلال)، والاعتداد بالأصول أشبه منه وأوكد منه بالفروع. (1/ 243).
16 (أفعل وفاعل وفعّل) غير ملحق ب (دحرج) بدليل مغايرة المصدر، وأنه لا يتصرف تصرفه. (1/ 242، 243).
17 (طومار) ملحق ب (قرطاس)، و (ديماس وديباج) ملحقان ب (قرطاس).
(2/ 240).
18 (بهمى وبهماة) ألف الأولى للتأنيث، وألف الثانية زيادة لغير الإلحاق كألف (قبعثرى) ويجوز أن تكون للإلحاق ب (جخدب)، على قياس قول أبى الحسن الأخفش. (1/ 284، 285).
19 (علقاة) ألفه للإلحاق، فإذا نزعت تاءه صارت للتأنيث، ونظائره: شكاعى وشكاعاة، وباقلّى وباقلّاة، نقاوى ونقاواة، وسمانى وسماناة، ومن الممدود:
طرفاء وطرفاءة، وقصباء وقصباءة، وحلفاء وحلفاءة، وباقلاء وباقلّاءة. (1/ 283،(3/47)
19 (علقاة) ألفه للإلحاق، فإذا نزعت تاءه صارت للتأنيث، ونظائره: شكاعى وشكاعاة، وباقلّى وباقلّاة، نقاوى ونقاواة، وسمانى وسماناة، ومن الممدود:
طرفاء وطرفاءة، وقصباء وقصباءة، وحلفاء وحلفاءة، وباقلاء وباقلّاءة. (1/ 283،
284).
20 - ما رواه الأصمعى من أن الخليل منع أن يقال: (ترافع العزّ بنا فارفنععا)، وتوجيه ابن جنى لذلك. (1/ 359).
21 - ليس من الإلحاق: محبب، وثهلل، ومكوزة (أعلاما) وإن فكّ فيها التضعيف، أو لم تعلّ. (1/ 244، 248، 249).
22 - وانظر أمثلة أخرى للإلحاق فى (1/ 241، 242، 246، 247، 248، 249، 250).
* * * (23) الإمالة
1 - الأسباب الستة الداعية إلى الإمالة، هى فى الحقيقة علّة جواز لا وجوب، ألا ترى أنه ليس فى الدنيا أمر يوجب الإمالة لا بدّ منها، وأن كل محال لعلّة من تلك الأسباب الستة لك أن تترك إمالته مع وجودها فيه. (1/ 192).
2 - يستوى فى إمالة الألف أن تكون كسرة الحرف بعدها لازمة وغير لازمة، نحو:
نزلت شعار قبل، ومررت بحمار قاسم. (2/ 264).
3 (باز) فاعل، لا طّراد الإمالة فى ألفه، وهى فى (فاعل) أكثر منها فى نحو: مال وباب. (1/ 61).
* * * (24) إمساس الألفاظ أشباه المعانى
1 - نبّه على شىء من هذا كلّ من الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول.
(1/ 505).
2 - من صور هذا الإمساس فى (الأوزان) ما يلى:
* المصادر الرباعية المضعفة تأتى للتكرير، نحو: الزعزعة. (1/ 505).
* المصادر والصفات على وزن (الفعلى) تأتى للسرعة نحو: البشكى، والجمزى.
(1/ 505).
* (استفعل) فى أكثر الأمر للطلب، فالزيادة قبل الأصول دلالة على السعى والتسبب لفعل الفعل. (1/ 506).(3/48)
* تكرير العين فى الفعل دليل على تكرير الفعل، نحو: كسّر، قطّع. (1/ 507،
508).
* تكرير اللام مع العين للمبالغة، فى نحو: دمكمك، غشمشم. (1/ 507
509).
3 - ومن صور هذا الإمساس فى (الأصوات) ما يلى:
الخضم والقضم، النّضخ والنّضح، القدّ والقطّ، قرت الدم وقرد وقرط، الوسيلة والوصيلة، الخذا والخذأ، جفا وجفأ، صعد وسعد، السدّ والصدّ، القسم والقصم، قطر وقدر وقتر. (1/ 511509).
4 - وقد يكون الإمساس بترتيب الحروف فى اللفظ الواحد، تبعا لترتيب المعنى المعبّر عنه، ومنه:
بحث، شدّ الحبل، جرّ الشىء، وتسمية الأشياء بأصواتها، نحو: الخازباز، البطّ، الواق، غاق، حاء وعاء وهاء. (1/ 513، 514).
5 - وقد يكون الإمساس باجتماع حرفين متماثلين، كازدحام الدال والتاء والطاء والراء واللام والنون إذا مازجتهن الفاء على التقديم والتأخير، فأكثر أحوالها ومجموع معانيها (الوهن والضعف)، نحو: الدالف والتالف والطليف، الطنف، والنطف إلخ. (1/ 516514).
* * * (25) إن وأخواتها
1 - تأخير لام الابتداء مع (إنّ) فى نحو: إن زيدا لقائم، لإصلاح اللفظ. (1/ 318).
2 - لا يجوز تقديم خبر إنّ وأخواتها عليها. (2/ 167).
3 - لا يجوز الفصل بين (إنّ) وأخواتها وبين اسمها بمعمول الخبر. (2/ 168).
4 - حذف خبر (إن) مكسور الهمزة مع النكرة خاصة عند الكوفيين، وأما أصحابنا فيجيزون حذف خبرها مع المعرفة. أما (أنّ) مفتوحة الهمزة فالظاهر جوازه عند الجميع. (2/ 152).
5 (ليتما): بعضهم يركب (ليت) مع (ما) فيسلبها عملها، وبعضهم يلغى (ما) عنها فيقرّ عملها، ولكلّ وجهة. (1/ 194).
6 - إذا لحقت (ما) بقيّة النواصب الحرفية غير ليت كفّتها عن العمل. (1/ 195).(3/49)
7 - قال أبو على: جاءت (كأنّ) كالزائدة فى قول عمر:
كأننى حين أمسى لا تكلمنى ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا
أى: أنا كذلك. (2/ 379).
* * * (26) البدل
1 - العامل فى البدل غير العامل فى المبدل منه، وذهب بعضهم إلى أن العامل فيهما واحد. (2/ 195، 196).
2 - بدل البعض لا يجوز إذا كان الثانى أكثر من الأول، كما لا يجوز إذا كان الأول أكثر من الثانى، تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر الدّير، ولا تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير، لأنه أطول من طريق البصرة. (2/ 437).
3 - إعادة العامل فى البدل أوكد معنى من عدم إعادته، نحو: مررت بقومك بأكثرهم، فهذا أوكد من: مررت بقومك أكثرهم. (2/ 340).
4 - لا يجوز تقديم البدل على المبدل منه. (2/ 158، 161).
5 - الفصل بين العامل ومعموله بالبدل لا يجوز. (2/ 459).
6 - الفصل بين البدل والمبدل منه لا يجوز. (2/ 459).
7 - إذا نوّن العلم الموصوف ب (ابن) جاز أن يعرب صفة وأن يعرب بدلا وهو الوجه.
(2/ 247).
8 - ليس من البدل عند سيبويه قول الشاعر:
(وهاج أهواءك المكنونة الطلل ... ربع قواء)
من حيث كان (الرّبع) أكثر من (الطلل). (2/ 436).
* * * (27) البناء (مقابل الإعراب)
1 - تعريفه. (1/ 37).
* * * (28) البناء من الصيغ
1 - البناء من الشىء: أن تعمد إلى أصوله، فتصوغ منها، وتطّرح زوائده فلا تحفل بها.
(1/ 352).(3/50)
2 - الغرض من هذا الباب أمران: أحدهما إدخال ما تبنيه فى كلام العرب وإلحاقه به، والآخر لتماسك الرياضة به، والتّدرّب بالصنعة فيه. (2/ 224).
3 - هذا الباب يضارع المسائل الحسابية، وما قد يكون فيها من التصرف والإعمال والافتراض. (1/ 458، 2/ 518، 519).
4 - قد تبن فروع على أصول فاسدة، والغرض هو إصلاح الفكر وشحذ البصر وفتق النظر. (2/ 527526).
5 - هذا الباب مما يتأتّى له، ويتطرّق إليه بالملاينة والإكثاب من غير كدّ ولا اغتصاب.
(1/ 455).
6 - مما بنى والغرض فيه الإلحاق بكلام العرب: ضربب ودخلل إلخ. فهذا عندنا كلّه إذا بنيت منه شيئا فقد ألحقته بكلام العرب، وادّعيت بذلك أنه منه.
(2/ 244).
7 - لا يبنى مما عينه راء أو لام على مثال (عنسل) لأنه يؤدى إما إلى الإلباس وإما إلى الثقل، فلا تقول فى (ضرب وعلم): ضنرب ولا عنلم. (1/ 518).
8 - لا يجوز بناء وزن (فعنلى) مما لامه حرف حلق، إلا على مذهب من يخفى النون مع الخاء والغين فى نحو: منخل ومنغل. (1/ 362، 363).
9 - لو بنيت من (قائم وبائع) شيئا مرتجلا أعدتّ الواو والياء، وذلك كأن تبنى منهما على مثال (جعفر) فتقول: قومم وبيعع، ولا تقول: قأمم وبأعع. (1/ 352).
10 - أمثلة بناء الصيغ:
من (رخو) على مثال: رخوى، ومن (رخودّ): رخدد. (1/ 424).
من (وأيت) على مثال فوعل أو فوعال أو افعوعل. (1/ 455).
من (نزف) على مثال تحوىّ. (1/ 457).
من (صرف) على مثال محوىّ. (1/ 457).
من (أول) على مثال فعل: أول. (1/ 456).
من جئت على مثال فعل: جئ (عند الخليل) وجوء عند الأخفش. (1/ 457).
من (قلت) على مثال فعل أو فعل: قول (على الوزنين). (1/ 468).
من (بعت) على فعل أو فعل: بيع. (1/ 468).
من (غزوت) على إصبع وإصبع: إغز (فيهما) (1/ 468).
من (شويت) على (فيعول): شيوىّ، وعلى (فعلول): شووىّ. (2/ 244).(3/51)
من (شويت) على (فيعول): شيوىّ، وعلى (فعلول): شووىّ. (2/ 244).
من (الآءة) على مثال عضرفوط: أو أيوء، وعلى مثال صعفوق: أوؤيو.
(2/ 244).
من (يوم) على مثال مرمريس: يويويم، وعلى ألندد: أينوم. (2/ 244).
من (أويت) على مثال افّعوعلت: إيّا وأيت. (2/ 244).
من (أويت) على مثال (إوزّة): إيّاه، والأصل: إيوية. (2/ 244).
من (سألت) على مثال تبّع: سؤّل. (1/ 207).
من (قرأت) على مثال جرشع: قرء. (1/ 207).
من (قلت وبعت) على مثال عوارض: قوائل وبوائع (بالهمز). (1/ 219).
من (أول ويوم وويح) على مثال أباتر: أوائل ويوائم وأوائح. (1/ 219).
من (سألت) على طومار وديماس وسوءال وسيئال. (1/ 250، 2/ 240).
من (طويت) على فعلول: طووىّ وطييىّ. (2/ 254، 255).
من (الواو) على جعفر: أوّى. (2/ 256).
من (وأيت) على فعل: وؤى، ووىّ، وأوى (على خلاف). (2/ 257
259).
من (القوة) على فعولّ: قيّو. (2/ 259).
من (قلت) على فعّل: قوّل. (2/ 259).
من (قلت) على خروع: قيّل. (2/ 259).
من (البيع) على عليب: بويع أو بيّع (على خلاف). (2/ 260).
من (القول) على خوّارة: قوّالة. (2/ 261).
من (القول) على فعول: قيول. (2/ 261).
من (رميت) على فعاليل: رماوىّ ورمائىّ. (2/ 263).
من (ضرب) على حبنطى: ضرنبى. (1/ 362).
من (طويت) على فعلة: طوية (دون إعلال). (2/ 319).
من (قويت) على فعلان: قويان (دون إعلال). (2/ 319).
مما عينه واو على فعلّ: قومّ وقولّ، فتصح العين للتشديد، كما تصح للتحريك فى نحو عوض وحول. (2/ 30).(3/52)
من (الضرب) على مثال اطمأنّ: اضرببّ (عند أبى الحسن) و (اضربّب (عند غيره). (2/ 205).
من تركيب مفترض (ووى) على مثال فعل: أىّ، ولك أن تخفف فتقول: أوى، (رأى ابن جنى فى ذلك). (2/ 258، 259).
* * * (29) التأنيث
1 - التأنيث فرع على التذكير. (2/ 449).
2 - لما كان التأنيث يدل على معنى طارئ على التذكير احتاج إلى زيادة فى اللفظ علما له، كالتاء والألف المقصورة والممدودة. (2/ 314).
3 - علامة التأنيث لا تدخل على ما فيه علامة تأنيث نحو: مسلمات، فلا يقال:
(مسلمتات) لأن الأولى تدل على التأنيث، والثانية توهم إذا دخلت أن مدخولها مذكر، وفيه نقض الغرض. (1/ 285283، 2/ 444).
4 - تاء التأنيث فى الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، ولا يكون ساكنا إلا إذا كان ألفا نحو: قطلة وحصاة، وهذا يدلّ على مساواتهم بين الفتحة والألف.
(2/ 101).
5 - إذا جمعت المفرد مما فيه التاء، وكان الجمع بالألف والتاء، حذفت تاء المفرد نحو (تمرة وتمرات). (1/ 318).
6 - قد تدخل التاء على مؤنث لا مذكر له من لفظه للتثبيت والتمكين، نحو: فرسة وعجوزة وناقة. (2/ 333).
7 - هاء التأنيث فى غالب أمرها وأكثر أحوالها غير معتدة، من حيث كانت فى تقدير المنفصلة. (1/ 243).
8 - التاء فى (بنت وأخت) عندنا ليست عوضا، وإنما هى بدل من لام الفعل.
(1/ 224، 225، 2/ 82).
9 - التاء فى (ذيّة وكيّة واثنتان وبنتان) للتأنيث، وليس ذلك فى تاء (ذيت وكيت وثنتان). (1/ 225).
10 - التاء فى نحو (علّامة ونسّابة) ليست فارقة، وإنما هى تاء المبالغة فى الصفة.
(2/ 7).(3/53)
11 - العدد من ثلاثة إلى عشرة يذكّر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر. (2/ 449).
12 - جواز إلحاق علامة التأنيث ب (نعم وبئس) ومنع تصريفها، و (توجيه ابن جنى لذلك). (2/ 250).
13 - إطلاف القول فى أن الألفين فى نحو: حمراء وأصدقاء وعشراء وبابها للتأنيث. (1/ 224).
14 - مما يستوى فى المذكر والمؤنث بغير إلحاق التاء: دساع، وجواد، وضامر، وبازل، ولباب قومه. والمصادر الموصوف بها نحو: خصم وعدل وضيف ورضا وقد جاء بعضها بالتاء نحو: عدلة، وطوعة القياد، والحيّة الحتفة وهذا جار على حفظ الأصول والتلفت إليها، نحو تصحيح (استحوذ). (2/ 7، 10، 13).
15 - تأنيث الفعل ليس لشىء يرجع إليه هو، بل هو لتأنيث فاعله. (2/ 450).
16 (الفردوس) ذكر، وقد يؤنث مراعاة لمعناه وهو الجنة. (2/ 500).
17 - قولهم (لا أبا لك ولا أخا لك) يستوى فيه التذكير والتأنيث لأنه كلام جرى مجرى المثل، مقصود منه الدعاء لا النفى. (1/ 345343).
18 (اجتمعت أهل اليمامة) أصله: اجتمع أهل اليمامة، ثم حذف المضاف فأنّث الفعل، فصار: اجتمعت اليمامة، ثم أعيد المحذوف فأقرّ التأنيث الذى هو الفرع بحاله. (1/ 313).
* * * (30) التثنية
1 - التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه مخالف للواحد والجميع ألا تراك تقول: هذا وهؤلاء، فتبنى فيهما، فإذا صرت إلى التثنية جاءت مجئ، المعرب، فقلت: هذان وهذين، وكذلك الذى والذين، فإذا صرت إلى التثنية قلت: اللّذان واللّذين.
(1/ 395).
2 - المثنى لا يثنى لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه اثنين، وما يلحقه من علم التثنية يؤذن بكونه فى الحال الأولى مفردا، وفى ذلك نقض الغرض.
(2/ 444).
3 - كيف يثنّى ما فيه ألف الإلحاق أو التأنيث أو المنقلبة عن غيرها؟. (1/ 125).
4 - من الأسماء ما اشتمل على علامة المثنى، ولكن لا يراد به ما يشفع الواحد مما هو
دون الثلاثة، بل المراد التوكيد وتكرير المعنى، ومن ذلك: دهدرّين، لبّيك، سعديك، لا يدين لك. (2/ 283).(3/54)
4 - من الأسماء ما اشتمل على علامة المثنى، ولكن لا يراد به ما يشفع الواحد مما هو
دون الثلاثة، بل المراد التوكيد وتكرير المعنى، ومن ذلك: دهدرّين، لبّيك، سعديك، لا يدين لك. (2/ 283).
5 - ثنّوا (صحراء) على (صحراوان) حملا على جمعه (صحراوات) الذى قلبوا فيه همزته واوا، لئلا يجمعوا بين علامتى تأنيث. (1/ 235، 316).
وثنوا (علباء) على (علباوان) حملا بالزيادة على (حمراوان). (1/ 235،
236، 355).
وثنوا (كساء) على (كساوان) تشبيها له ب (علباوان). (1/ 235، 355).
وثنوا (قرّاء) على (قرّاوان) حملا له على (كساوان). (1/ 235، 355).
6 (بلحارث) يعربون المثنى بالألف جرّا ونصبا (تفسير الخليل وابن جنى لذلك.
(1/ 404402).
7 (كلا) قد يحمل الكلام بعدها على معناها فيثنّى، وقد يحمل على لفظها فيفرد، والثانى هو الأقوى، فإذا حملت على المعنى فيضعف أن تحمل على اللفظ بعد ذلك. (2/ 505).
8 - الألف فى المثنى هو حرف الإعراب عند سيبويه، وانقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب عند الفراء، أما الجرمىّ فقد ركّب من هذين الرأيين رأيا له. (2/ 309).
9 - رأى الفراء فى إعراب قوله تعالى: {إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} وتعقيب ابن جنى عليه.
(2/ 301).
* * * (31) التحقير
1 - تحقير الاسم لا يخرجه عن رتبته الأولى، أعنى الإفراد. (1/ 245).
2 - حمل سيبويه مثال التحقير على مثال التكسير، فقال: تقول: سريحين، لقولك:
سراحين، وضبيعين، لقولك: ضباعين، وتقول: سكيران لأنك لا تقول:
سكارين. (2/ 469).
3 - القياس يأبى تحقير جمع الكثرة على لفظه، لما فيه من التدافع، فوجود ياء التحقير يقتضى كونه دليلا على القلّة، وكونه مثالا موضوعا للكثرة دليل على الكثرة، وهذا يجب منه أن يكون الشئ الواحد فى الوقت الواحد قليلا كثيرا. (1/ 342،
352).(3/55)
4 - لزوم الزيادة لما لزمته من الأصول يضعف تحقير الترخيم، لأن فيه حذفا للزوائد، وبإزاء ذلك ما حذف من الأصول، مثل لام (يد ودم وأب وأخ). (1/ 282).
5 - ما فيه ألف التأنيث تقرّ عند التصغير ولا تحذف، نحو: حبيلى وصحيراء.
(1/ 245).
6 - لماذا أتوا بالتاء فى (عيينة) علما لمذكر مصغر (عين)؟. (1/ 186).
7 (سيد) الذئب صغّره سيبويه على (سييد) مثل: ديك ودييك، على أن عينه ياء بحسب الظاهر، مع أن تركيب (س ى د) غير معروف، بخلاف ما عينه واو.
(1/ 265).
8 - فى تحقير نحو (قائم وبائع) تقول: قويئم وبويئع ببقاء الإعلال. (1/ 352).
9 - فى تحقير نحو (كساء وقضاء) تقول: كسىّ وقضىّ بردّ الهمزة إلى أصلها، ثم حذف الأصل، لاجتماع الياءات. (1/ 352).
10 - فى تحقير (أسود وجدول) تقول: أسيّد وجديّل، ويجوز: أسيود وجديول، والإعلال فيه أقوى لأن الواو سلمت من الإعلال فى المفرد وظهرت فى التكسير. (2/ 316).
11 - إذا صغّرت نحو (عجوز ومقام ويقوم علما) فإنك تقول: عجيّز. ومقيّم ويقيّم، لأن الواو أعلّت فى المفرد أو سكنت ولم تحرّك. (2/ 316).
12 - إذا حقّرت (إبراهيم وإسماعيل) قلن: بريهيم وسميعيل، فتحذف الهمزة، وإن كانت عندنا أصلا، تشبيها لها بالزائد. (2/ 343).
13 - حقّروا (رجلا) على (رويجل) على تقدير نقله من (فعل) إلى (فاعل).
(2/ 346).
14 - يردّ المحذوف فى التحقير عند «يونس» وإن استغنى عنه المثال، فيقوله (هويئر) فى تحقير (عار)، ولا يردّ عند «سيبويه» إذا استوفى التحقير مثاله، فيقول (هوير).
(2/ 308).
15 - إذا سميت رجلا (يرى) وأردت تحقيره، قلت: (يريئى) عند يونس (يرىّ) عند سيبويه، و (يرئ) عند أبى عثمان، و (يرىّ) عند عيسى بن عمر. (2/ 308).
16 - أحد الرّجاز يلتزم تصغير قوافى قصيدته وهى طويلة إلا ما ندر. (2/ 35،
36).(3/56)
(32) الترادف
1 - الفصيح يجتمع فى كلام لغتان فصاعدا. (1/ 368).
2 - التفريق بين ما هو لغة وما هو ضرورة وصنعة.
3 - إن كانت إحدى اللفظتين أكثر فى كلام من صاحبتها فأخلق الحالين به فى ذلك أن تكون القليلة فى الاستعمال هى المفادة، والكثيرة هى الأولى الأصلية. (1/ 370).
* * * (33) التسمية
1 - الصفة التى على (أفعل) إذا سميت بها منعتها الصرف، وكذلك إذا نكّرتها بعد التسمية. (2/ 471).
2 - إذا سمّيت رجلا (عبالّ وحمارّ) جمع عبالة وحمارة، صرفته، فإن كسرته لم تصرفه. (1/ 460).
3 - إذا سميت امرأة (حيث وقبل وبعد) أو (أين وكيف) أو (أمس وجير) أصبحت هذه الكلمات معربة بعد أن كانت مبنية، وجرت عليها أحكام المعربات.
4 - إذا سميت امرأة (هؤلاء) حكيت اللفظ، ولم تبنه من حيث إنه تسمية بالمركب.
(1/ 463).
5 - إذا سميت رجلا (لعلّ) أو (أنت) حكيته من حيث إنه تسمية بالمركب. (1/ 463).
6 - إذا سميت رجلا (أولاء) أعربته على لفظه ولم تجعله مبنيا. (1/ 463).
7 - إذا سميت ب (أينما) خرجت من البناء إلى الإعراب، وإعرابها حينئذ إما على النون ممنوعة من الصرف و (ما) زائدة، وإمّا على التركيب مع (ما) كحضرموت مفتوح النون، ويقدر الإعراب على (ما). (1/ 529527).
8 - إذا سميت ب (أىّ) مؤنثا، صار معربا بعد بنائه ومنع الصرف. (1/ 527).
9 - إذا سميت رجلا (هندات) وأردت جمعه قلت: (هندات) فحذفت الألف والتاء الأوليين للأخريين الحادثتين. (2/ 299).
10 - إذا سميت رجلا (مساجد) وأردت تكسيره ما زدت على مراجعة اللفظ الأول وأن تقول فيه: (مساجد) أيضا. (2/ 299).
11 - إذا سميت رجلا أو امرأة (جوار) أبقيت تنوينه عند سيبويه، كحاله قبل التسمية، ويونس يمنعه من التنوين. (2/ 308).(3/57)
(34) التضمين
1 - العرب قد تتّسع، فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه، إيذانا بأن هذا الفعل فى معنى ذلك الآخر، فلذلك جىء معه بالحرف المعتاد مما هو فى معناه. (2/ 92).
* * * (35) التطوع بما لا يلزم
1 - هو أن يلتزم المتكلم ما لا يجب عليه، ليدلّ على غزره وسعة ما عنده. (2/ 55).
2 - قد يكون التطوع فى شعر أو فى نثر:
ففى الشعر (انظر: فهرس العروض والقوافى).
وفى النثر: أكثر ما جاء فى جواب السؤال، كأن تسأل: أىّ شىء عندك؟ فالجواب:
جسم، ولو قلت: حيوان أو إنسان أو زيد، لكان ذلك تطوعا. (2/ 55).
ومنه: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟ (على تفصيل). (2/ 56).
ومنه: الصفة لغرض التوكيد، نحو {لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ}. (2/ 57).
ومنه: الحال المؤكدة، نحو {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (2/ 58).
3 - قوله تعالى: {وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} يحتمل أن يكون {بِجَنََاحَيْهِ} تطوعا وألا يكون. (2/ 58).
4 - قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} يحتمل أن يكون {مِنْ فَوْقِهِمْ}
تطوعا وألا يكون. (2/ 60).
* * * (36) التعاقب
1 - هو أن يجتمع فى الكلمة أمران يوجب كل منهما حكما ضدّ الآخر، فإذا اجتمعا ترافعا أحكامها، فيسقط كلّ منهما حكم الآخر. (1/ 470).
2 - حركة العين تعاقب فى بعض المواضع تاء التأنيث، وذلك فى الأدواء نحو: رمث رمثا، فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين فقالوا: حقل حقلة، ومن ذلك: جفنة وجفنات: لمّا حذفوا التاء حرّكوا العين. (1/ 470).
3 - تاء التاء تعاقب ياء المدّ قبل الطرف، نحو: فرازين وفرزانة، وجحاجيح وجحاجحة، فلما وجدا معا فى نحو: (حنيفة) تساقطا أحكامها، فحذفتا عند النسب، فقالوا فى حنيفة: حنفى. (1/ 471).(3/58)
4 (فعل) عاقبت (فعلا) على الموضع الواحد، نحو: العجم والعجم، والعرب والعرب، والشّغل والشّغل. (1/ 473).
5 (فعل) عاقبت (فعلا) فى التكسير على أفعال، نحو: برد وأبراد، وقلم وأقلام.
(1/ 473).
6 (فعل) و (أفعل) كثيرا ما يتعقبان على المعنى الواحد، نحو جدّ فى الأمر، وأجدّ.
(2/ 18).
* * * (37) التعجب
1 - صيغة (أفعل) لفظها الأمر، ومعناها الخبر. (2/ 85).
2 - الفعل المبنى منه فعل التعجب نقل من (فعل) إلى (فعل) حتى صارت له صفة التمكن والتقدم، ثم بنى منه التعجب، فقيل: ما أفعله، نحو: ما أشعره، إنما هو من (شعر). (2/ 26).
3 - التعجب مما دلّ على لون أو عيب لا بدّ فيه من: (ما أشذّ) ونحوه. (1/ 280).
* * * (38) التعدية واللزوم
1 - التعدية قد تكوت بالمثال، أى بنقل الصيغة من (فعل) إلى (فعل)، نحو: كسى زيد ثوبا وكسوته ثوبا، ومثله: شترت عينه، وعارت عينه. (2/ 18).
2 (فعل يفعل) لا يتعدى إلى المفعول به أبدا. (2/ 26).
3 (فعل يفعل) قد يكون متعديا ولازما. (2/ 26، 27).
4 - الهمزة تعدّى اللازم إلى مفعول واحد، وتعدّى إلى اثنين ما يتعدى إلى واحد.
(2/ 18).
5 - بعض الأفعال ورد متعديا بنفسه مرة، وبالحرف مرة أخرى، نحو: خشّنت صدره وبصدره، جئت زيدا وإليه، اخترت الرجال ومن الرجال، سمّيته زيدا وبزيد، كنيته أبا علىّ وبأبى علىّ. (2/ 66).
6 - بعض الأفعال الثلاثية جاءت لازمة مرة ومتعدية مرة أخرى، نحو: غاض، جبر، عمر، سار، دان، هلك، هبط، رجن، عاب، هجم، عفا، فغر، شحا عثم،
مدّ، سرح، زاد، ذرا، خسف، ولع، هاج طاخ، وفر، رفع، نفى، نكر، نزف.(3/59)
6 - بعض الأفعال الثلاثية جاءت لازمة مرة ومتعدية مرة أخرى، نحو: غاض، جبر، عمر، سار، دان، هلك، هبط، رجن، عاب، هجم، عفا، فغر، شحا عثم،
مدّ، سرح، زاد، ذرا، خسف، ولع، هاج طاخ، وفر، رفع، نفى، نكر، نزف.
(2/ 1715).
7 - تفسير ابن جنى لهذا النوع من الأفعال اللازمة المتعدية. (2/ 17).
8 - جاء عن العرب (فعل) متعدّيا، و (أفعل) لازما. عكس المألوف، نحو،: أجفل وجفل، أشنق وشنق، أنزف ونزف، أقشع وقشع، أصرّ وصرّ، أكبّ وكبّ، أعلى وعلا. (2/ 18).
* * * (39) التعريب
1 - العرب إذا اشتقت من الأعجمىّ خلّطت فيه. (1/ 358).
2 - اشتقّت العرب من الأعجمىّ النكرة، كما تشتق من أصول كلامها. (1/ 356).
3 - ما أعرب من أجناس الأعجمية أجرته العرب مجرى أصول كلامها، فصرفوا نحو:
آجرّ وفرند، لأنه تدخله الألف واللام كالنكرات من كلامهم. (1/ 356).
4 - قال أبو علىّ: تقول: طاب الخشكنان، فتجعله من كلام العرب، وإن لم تكن العرب تكلمت به، فبرفعك إيّاه كرفعها صار لذلك محمولا على كلامهما. ومنسوبا إلى لغتها. (1/ 357).
5 - من الكلمات الأعجمية التى أجروا فيها الاشتقاق:
درهمت الخبّازى، رجل مدرهم (من الدرهم)، سختيت (من السخت)، مزرّج، (من الزّرجون)، معرجن (من العرجون). (1/ 358، 387).
* * * (40) التعويض
1 - يجوز أحيانا أن يطلق البدل على العوض، كقولهم فى (عدة وزنة): التاء بدل من فاء الفعل، فإن قلت ذلك، فما أقلّه! وهو تجوّز فى العبارة. (1/ 276).
2 - حرف العوض قد يكون فى موضع الحرف المعوّض عنه، وقد يكون فى غير موضعه، بخلاف البدل فإنه يكون فى موضع المبدل منه. (1/ 276).
3 - من حروف التعويض: التاء نحو (عدة)، الميم نحو (اللهم)، الياء نحو (أينق)، الألف نحو (ناس)، علامة التثنية والجمع نحو (هاتان وهذان، والذين)، حرف العطف نحو (نصب المضارع بعد الطلب)، الواو (من ربّ)، (ما) نحو (أمّا أنت
منطلقا انطلقت). (1/ 276، 293، 2/ 82، 83).(3/60)
3 - من حروف التعويض: التاء نحو (عدة)، الميم نحو (اللهم)، الياء نحو (أينق)، الألف نحو (ناس)، علامة التثنية والجمع نحو (هاتان وهذان، والذين)، حرف العطف نحو (نصب المضارع بعد الطلب)، الواو (من ربّ)، (ما) نحو (أمّا أنت
منطلقا انطلقت). (1/ 276، 293، 2/ 82، 83).
4 - حرف التعويض لا بدّ أن يكون ثابتا فى الوصل والوقف، وعلى ذلك لا تعدّ علامة الجمع تعويضا فى نحو: القاضون والأعلون. (2/ 82).
5 - لو قال قائل: إن علامة التثنية والجمع فى: هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، والذين، والّذون عوض من الألف فى اسم الإشارة والياء فى الموصول، لكان مذهبا. (2/ 82، 83).
6 - ما حذف لالتقاء الساكنين فى نحو: هذه عصا ورحا، وكلّمت معلّى الساكن الثانى الباقى ليس عوضا ولا بدلا مما حذف. (2/ 82).
7 - قد يحذف الفعل ويعوض عنه (ما) نحو قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت.
(2/ 157).
8 - لا يكون التعويض عن المحذوف باللام الزائدة فى نحو: صيرورة وكينونة. (2/ 76،
77).
9 - مما جمع فيه بين العوض والمعوض عنه ما ذهب إليه أبو إسحاق وأبو بكر فى قول الفرزدق: (هما نفثا فى فىّ من فمويهما) وقول الشاعر: (إذا ضفتهم أو سآيلتهم) على وجه. (2/ 369).
10 - عوضوا فى المصدر ما حذفوه من الفعل، فقالوا: أكرم يكرم إكراما. (1/ 152).
11 - عوضوا التاء فى (عدة) مصدر وعد لما حذفوا فاءها. (1/ 152). (2/ 73).
12 - عوضوا الألف فى (ناس) من همزته المحذوفة، وهى فاء. (2/ 73).
13 - التاء فى (تقى يتقى) و (تجه يتجه) عوض من فاء الكلمة المحذوفة، وأصله من الوقاية والوجه. (2/ 73).
14 - الألف فى (لاه ابن عمّك) بدل من فاء الكلمة المحذوفة فى أحد قولى سيبويه.
(2/ 75).
15 - اختلفوا فى (تخذ) من حيث حذف فائه والتعويض أو عدم الحذف. (2/ 75).
16 - عوضوا الياء فى (أينق) جمع ناقة فى أحد قولى سيبويه لما حذفوا عينها.
(1/ 152).
17 - التاء فى (تفعيل) عوض من عين (فعّال) الأولى، نحو: كذّب تكذيبا وكذّابا.
(1/ 441، 2/ 77).(3/61)
18 - عوضوا عن العين المحذوفة بالياء فى نحو: (سيد وصيرورة) مخففين، وبالألف فى نحو: (رجل خاف) فى رأى بعضهم. (2/ 76).
19 - تحذف اللام ويعوض عنها الزائد، وذلك كثير، منه: باب (سنة) عوّض منه تاء التأنيث (2/ 82) والخماسىّ المجرد عند تصغيره، نحو: فريزيد. (2/ 86).
20 - الألف والتاء فى (هيهات) بدل من اللام المحذوفة، فهو جمع (هيهاة) وأصله (هيهية) فقياس الجمع: هيهيات، لكنهم حذفوا لام الكلمة وعوضوا. (2/ 83).
21 - عوضوا التاء فى (بنت وأخت) من اللام المحذوفة منهما. (1/ 224).
22 - التاء فى (بنت وأخت) بدل من لام الكلمة وليست عوضا. (2/ 82).
23 - قد يحذف الحرف الزائد ويعوض عنه بزائد، ومن ذلك:
التاء فى (زنادقة) عوض من ياء المدّ فى: زناديق.
الياء فى (دحاريج ودحيريج) عوض من الميم فى: مدحرج.
الياء فى (جحافيل وجحيفيل) عوض من نون: جحنفل.
الياء فى (مغاسيل ومغيسيل) عوض عن تاء مغتسل.
الياء فى (زعافير) عوض من الألف والنون فى: زعفران.
الهاء فى (تفعلة) المصدر عوض من ياء (تفعيل) أو ألف (فعّال) نحو: (تربية) فأصله تربيى أو ربّاء.
التاء فى (فعللة) المصدر الرباعى عوض من ألف: (فعلال)، نحو: السّرهفة والسّرهاف.
التاء فى نحو: (الحوقلة والبيطرة والسّلقاة) عوض من ألف حيقال وبيطار وسلقاء.
علامة الجمع فى (مقتوين) عوض من ياء النسب. (2/ 87، 78).
24 - الميم فى (مفاعلة) عوض من ألف (فاعلته) عند سيبويه. (2/ 88).
25 (إقامة) وبابها: الهاء فيها عوض من ألف (إفعال) الزائدة عند الخليل وسيبويه، ومن عين (إفعال) عند أبى الحسن. (2/ 89).
26 - الألف فى (يمان وشآم وتهام) عوض من إحدى ياءى النسب. (2/ 89).
27 - ياء (التفعيل) عوض من ألف (فعّال) كما أن التاء فى أوله عوض من إحدى عينيه. (2/ 89).
28 - عوضوا التاء فى الجمع (فرازنة) لما حذفوا الياء من (فرازين). (1/ 152).(3/62)
29 - عوضوا حرف العطف من (أن) الناصبة للمضارع بعد الأمر والنهى وتلك الأماكن السبعة، ولذا حذفوا (أن) هذه. (1/ 274).
30 - عوضوا الواو من (ربّ)، فحذفوها فى أكثر الأمر. (1/ 274).
31 - مما جاء فيه التعويض قول الشاعر: (إن لم يجد يوما على من يتّكل) وقول الآخر: (خصفن بآثار المطىّ الحوافرا) وقولهم: بأيّهم تمرر أمرّ. (2/ 89، 90).
* * * (41) تقارب الحروف لتقارب المعانى
1 - اتحاد الأصلين الثلاثيّين، نحو: لوقة وألوقة، رخو ورخودّ. (1/ 428425،
498).
2 - اتحاد الثلاثىّ والرباعىّ، نحو: دمث ودمثر، سبط وسبطر. (1/ 432425).
3 - اتحاد الرباعىّ والخماسىّ، نحو: دردب ودردبيس. (1/ 432، 499).
4 - التقديم والتأخير (دوران المادة حول معنى واحد)، نحو: (قول، قلو، وقل، ولق، لوق، لقو) وكلها تدور حول معنى (الخفوف والحركة)، ونحو: (كلم، لكم، مكل، ملك) وكلها تدور حول معنى (القوة والشدة). (1/ 7259، 499).
5 - تقارب حرف واحد من الكلمتين فى المخرج أو فى الصفة، نحو الهمزة والهاء (أزّ، هزّ)، الهمزة والعين (الأسف، العسف)، الراء واللام (القرمة، قلمت أظفارى)، الميم والباء (حمس، حبس)، الميم والباء (العلب، العلم)، الدال والتاء (قرد، قرت)، الزاى والصاد (العلز، العلوص) الباء والفاء (الغرب، الغرف)، اللام والنون والراء (جبل، جبن، جبر). (1/ 502499).
6 - تقارب حرفين فى الأصل الواحد، نحو السين والحاء مع الصاد والهاء (السحيل، الصهيل)، السين واللام مع الزاى والراء (سحل، زحر)، اللام والفاء مع الراء والميم (حلف، حرم)، الصاد واللام مع السين والراء (صال، سار). (1/ 502).
7 - التقارب فى الأصول الثلاثة، نحو: عصر الشىء وأزله، الأزم والعصب، السلب والصرف، الغدر والختل، زأر وسعل إلخ. (1/ 502، 503).
* * *
(42) التمييز(3/63)
* * *
(42) التمييز
1 - لا يجوز تقديم التمييز على عامله مطلقا، متصرفا أو غير متصرف، فلا تقول:
شحما تفقأت، ولا: عرقا تصببت، وخالف فى ذلك أبو عثمان وأبو العباس.
(2/ 160).
2 - يجوز حذف التمييز إذا علم أو أريد الإلغاز. (2/ 155).
* * * (43) التنازع
1 - من العلماء من اختار إعمال الثانى لقربه، ومنهم من اختار إعمال الأول لسبقه، وابن جنى يرجح إعمال الثاني. (2/ 13، 134، 162).
* * * (44) التنوين
1 - التنوين لا يدخل الأفعال، والمقصود به التنوين اللاحق لأجل الصرف، أما غيره فلا مانع من دخوله، كقوله: (أنهجّن، أصابن). (1/ 198).
2 - إنما لم ينوّن الفعل، لأنه استمرّ فيه الحذف والجزم بالسكون لثقله، فلم تلق به الزيادة، أو لأن التنوين إيذان بالتمام والفعل لا يتمّ إلا بالفاعل. (2/ 447).
3 - إنما نوّنوا الأعلام والتنوين علم التنكير لأنها ضارعت بألفاظها النكرات، إذ كان تعرّفها معنويا لا لفظيا، لأنه لا لام تعريف فيها ولا إضافة. (2/ 447).
4 - قد يكون التنوين عوضا عن جملة. (2/ 154).
5 - وقد يكون التنوين للإنشاد. (1/ 460، 462).
6 - قول الشاعر: (ولات أوان) من تنوين العوض عن المضاف إليه عند أبى العباس.
(2/ 155).
7 - التنوين لا يدخل المضاف، لأنه إيذان بتمام الاسم وانقطاعه، والمضاف لا يتم إلا بالمضاف إليه، أو لأن التنوين علم التنكير والإضافة موضوعة للتخصيص، فلا يجتمعان. (2/ 447).
8 - يحذف التنوين عند دخول لام التعريف، لأنه دليل التنكير، وهى للتعريف، فلا يجتمعان. (2/ 299).
9 - إذا وقت على اسم منوّن متذكرا أو منكرا كسرت وأشبعت ومطلت، نحو ما حكاه سيبويه من قولهم: هذا سيفنى، وقولك: أمحمّدنيه؟ (2/ 377).(3/64)
(45) توجيهات إعرابية ولغوية
(لشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والأمثلة المأثورة، والشعر أورد ابن جنى لها غير وجه واحد).
(أ) الآيات القرآنية:
1 - قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ} (1/ 509).
2 - قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذََابِ مُشْتَرِكُونَ}.
(1/ 521، 2/ 435).
3 - قوله تعالى: {طََاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} (2/ 142).
4 - قوله تعالى: {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ََ} (2/ 142).
5 - قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (2/ 149).
6 - قوله تعالى: {فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ}. (2/ 168، 169).
7 - قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (2/ 181).
8 - قوله تعالى: {جَنََّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوََابُ} (2/ 182).
9 - قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ} (2/ 389).
10 - قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (2/ 452).
11 - قوله تعالى: {وَلََا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنََا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنََا وَاتَّبَعَ هَوََاهُ وَكََانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}.
(2/ 456، 457).
12 - قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2/ 151).
(ب) الحديث الشريف:
1 - قوله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته». (454).
(ج) الأقوال المأثورة:
1 - جاء البرد والطيالسة. (2/ 159).
2 - له مائة بيضا. (2/ 247).
3 - هذا أمر لا ينادى وليده. (2/ 385).
4 - زاحم بعود أو دع. (2/ 389).
5 - قول أبى خيرة، استأصل الله عرقاتهم، حفرت إراتك، سمعت لغاتهم، يزجر الشيخ بناته، تخيرت ثباتا. (2/ 496، 497).(3/65)
(د) الأشعار:
1 - أبى جوده لا البخل واستعجلت به ... «نعم» من فتى لا يمنع الجود قاتله
(1/ 418، 2/ 71)
2 - وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إلىّ وأصحابى بأين وأينما
(1/ 166، 528)
3 - قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
(2/ 13)
4 - وكيف لا أبكى على علاتى ... صبائحى غبائقى قيلاتى
(2/ 67)
5 - ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها
(2/ 100، 121)
6 - فأبلونى بليّتكم لعلى ... أصالحكم وأستدرج نويّا
(2/ 121)
7 - فلم يبق منها سوى هامد ... وغير الثمام وغير النؤى
(2/ 149)
8 - ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام
(2/ 161)
9 - فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غسّ ولا بمغمر
(2/ 163)
10 - فقد والشكّ بيّن لى عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح
(2/ 164)
11 - فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرا رسومها قلما
(2/ 166)
12 - إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره
(2/ 167)(3/66)
13 - يوما تراها كمثل أردية ال ... عصب ويوما أديمها نغلا
(2/ 168)
14 - لو كنت فى خلقاء أو رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل
(2/ 168)
15 (كمن الشنآن فيه لنا) ... ككمون النار فى حجره
(2/ 182)
16 - فصلقنا فى مراد صلقه ... وصداء الحقتهم بالثّلل
(2/ 169)
17 - فلسيت خراسان التى كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفا أميرها
(2/ 170)
18 - نظرت وشخصى مطلع الشمس ظلّه ... إلى الغرب حتى ظلّه الشمس قد عقل
(2/ 172)
19 - ملوك يبتنون توارثوها ... سرادقها المقاول والقبابا
(2/ 172)
20 - لسنا كمن حلّت إياد دارها ... تكريت ترقب حبّها أن يحصدا
(2/ 173)
21 - ولا تحسبن القتل محضا شريته ... نزارا ولا أن النفوس استقرت
(2/ 174)
22 - كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل
(2/ 174)
23 - كأن برذون أباع صام ... زيد حمار دقّ باللجام
(2/ 175)
24 - كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهودىّ يقارب أو يزيل
(2/ 175)
25 - هما أخوا فى الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
(2/ 176)(3/67)
26 - هما خطّتا إما إسار ومنّة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
(2/ 176)
27 - فزحجتها بمزجّة ... زجّ القلوص أبى مزاده
(2/ 176)
28 - لن تراها ولو تأملت إلا ... ولها فى مفارق الرأس طيبا
(2/ 196)
29 - بعيد الغزاة فما إن يزال ... مضطمرا طرّتاه طليحا
(2/ 182)
30 - أخو الذئب يعوى والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع
(2/ 191)
31 - فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
(2/ 190)
32 - فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا
(2/ 194)
33 - تذكرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها
(2/ 194)
34 - قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما
(2/ 197)
35 - عميرة ودّع إن تجهزت غازيا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
(2/ 245)
36 - من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
(2/ 245)
37 - وليتك حال البحر دونك كله ... وكنت لقى تجرى عليك السوائل
(2/ 246)
38 - يقلن حرام ما أحل بربنا ... وتترك أموال عليها الخواتم
(2/ 246)(3/68)
39 - ومن الرجال أسنة مذروبة ... ويزندون شهودهم كالغائب
(2/ 246)
40 - إلا يكن مال ثياب فإنه ... سيأتى ثنائى زيدا بن مهلهل
(2/ 247)
41 - جارية من قيس بن ثعلبة
(2/ 247)
42 - لعزة موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
(2/ 247)
43 - فإنى وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب
(2/ 294)
44 - من أىّ يومىّ من الموت أفرّ ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
(2/ 324)
45 - نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لامين على نابل
(2/ 386)
46 - أفاطم قبل بينك نوّلينى ... ومنعك ما سألت بأن تبينى
(2/ 387)
47 - فقلت لعمرو صاحبى إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر
(2/ 387)
48 - خليلى لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا والعصائب
(2/ 388)
49 - أقول للضحاك والمهاجر ... إنا وربّ القلص الضوامر
(2/ 388)
50 - هل تعرف الدار ببيدا إنّه ... دار لخود قد تعفّت إنّه
(2/ 388)
51 - نفلّق هاما لم تنله سيوفنا ... بأيماننا هام الملوك القماقم
(2/ 388)(3/69)
52 - وما جلس أبكار أطاع لسرحها ... جنى ثمر بالواديين وشوع
(2/ 390)
53 - خللت خويلة أن هالك ودأ ... (والطاعنون لما قد خالفوا الغيرا)
(2/ 390)
54 (إن الخليط أجدّوا البين فانجردوا) ... وأخلفوك عدا الأمر الذى وعدوا
(2/ 391)
55 - وغلت بهم سجحاء جارية ... تهوى بهم فى لجة البحر
(2/ 391)
56 (ووفراء لم تخرز بسير وكيعة) ... غدوت بها طيّا يدى برشائها
(2/ 391)
57 - فملّك باللّيط الذى تحت قشرها ... كغرقئ ببض كنّه القيض من عل
(2/ 391)
58 - أبعد ابن عمرو من ال الشّري ... د حلّت به الأرض أثقالها
(2/ 392)
59 - كلا جانبيه يعسلان كلاهما ... كما اهتزّ خوط النبعة المتتايع
(2/ 505)
60 - حتى إذا اصطفّوا له جدارا ...
(2/ 513)
61 - حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا ... كأننا رعن قفّ يرفع الآلا
(1/ 169)
62 - أبيت أسرى وتبيتى تدلكى ... وجهك بالعنبر والمسك الذّكى
(1/ 383)
* * *
(46) التوقيف(3/70)
* * *
(46) التوقيف
1 - قول من قال: إن أصل اللغة توقيف ووحى لا تواضع واصطلاح. (1/ 94).
* * * (47) التوكيد
1 - توكيد الكلام يدلّ على سعة المجاز فى اللغة، إذ هو لرفع التجوز فى الفعل أو فاعله أو من وقع عليه. (2/ 214).
2 - التوكيد على ضربين: أحدهما تكرير الأول بلفظه وهو الجمل والآحاد جميعا والثانى تكرير الأول بمعناه. (2/ 333331).
3 - توكيد الإحاطة والعموم ب (كلا وكلتا) وكلّ وأجمع وتوابعها. (2/ 103).
4 - توكيد التثبيت والتمكين يكون ب (النفس والعين) و (التاء) فى المؤنث لا مذكر له نحو: فرسة وعجوزة وناقة، و (الياء المشددة) لإشباع معنى الصفة نحو: دوّارىّ وكلابىّ، و (الصفة) المفهوم معناها من موصوفها، نحو: أمس الدابر، و {إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ} و {مَنََاةَ الثََّالِثَةَ الْأُخْرى ََ}. (2/ 334).
5 - من توكيد المعنى للتثبيت والتمكين التعبير بالمضارع دون الماضى فى نحو: لم يقم زيد، وعكسه فى نحو: إن قمت قمت. (2/ 335).
6 - ومن توكيد المعنى أيضا للتثبيت والتمكين إقحام اللام بين المتضايفين فى نحو: يا بؤس للجهل، وحرف الجر فى: بحسبك فى القوم أن يعلموا، وقد كان من مطر.
(2/ 336).
7 - ومن توكيد المعنى للتثبيت والتمكين إعادة العامل فى العطف والبدل. (2/ 340).
8 - لا ينكر اجتماع لفظين أو أكثر للتوكيد، فصل بينهما أو لم يفصل نحو: لتقومنّ و:
(ما إن لا تحاك لهم ثياب). (2/ 338).
9 (كلا) من توكيد المثنى، يراعى لفظها، كما يراعى معناها. (2/ 189).
10 (أجمع وجمعاء) وما يتبع ذلك من أكتع وكتعاء وبقيته أسماء معارف للتوكيد، وليست صفات نكرات كأحمر وحمراء، فهو من توارد اللغة، لأن باب (أفعل وفعلاء) إنما هو للصفات النكرات. (1/ 324).
11 - قولك: مررت بزيد نفسه ليس من إضافة الشئ إلى نفسه، إذ المراد من (النفس) هنا خالص الشئ وحقيقته، والعرب تحلّ نفس الشئ من الشئ محل
البعض من الكل، وما الثانى منه ليس بالأول، ولهذا حكوا عن أنفسهم وخاطبوها. (2/ 267).(3/71)
11 - قولك: مررت بزيد نفسه ليس من إضافة الشئ إلى نفسه، إذ المراد من (النفس) هنا خالص الشئ وحقيقته، والعرب تحلّ نفس الشئ من الشئ محل
البعض من الكل، وما الثانى منه ليس بالأول، ولهذا حكوا عن أنفسهم وخاطبوها. (2/ 267).
12 - قالوا: أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون والأصل تكرير (أجمعون) ولكنهم كرهوا الإطالة، فكرروا حرفا قويا فى السجعة هو (العين). (1/ 126، 127).
13 - قولهم: أخذ المال بأجمعه، ليس مثل: جاء الجيش أجمع، من قبل أن الثانى لا يتنكّر هو ولا متبوعه ولا يضاف، بخلاف الأول. (1/ 128).
14 - قد تلحق نون التوكيد اسم الفاعل، تشبيها له بالمضارع. (1/ 171).
15 - توكيد المحذوف للتخفيف عموما، لا يجوز عند ابن جنى، لما فيه من نقص الغرض، فلا تقول: إصابة القرطاس، وأنت تريد: أصبت إصابة القرطاس، ولا تقول: ضربا زيدا، وأنت تريد: اضرب ضربا زيدا (على التوكيد فى ذلك) وإنما يجوز على أنه من باب الإنابة. (1/ 296294).
16 - يمتنع عند أبى الحسن وابن جنى توكيد الضمير المحذوف المنصوب، فلا تقول:
الذى ضربت نفسه زيد، على أنه تكون (نفسه) توكيدا للهاء المحذوفة من الصلة.
(1/ 163، 294، 2/ 67، 156).
* * * (48) الجموع
[الجمع بالواو والنون]:
1 - جمعوا (أب) جمع تصحيح لمذكر على (أبون). (1/ 346).
2 - جمعوا (لغة) على (لغون) ولغات، وكذلك (كرة) قالوا: كرات وكرون. (1/ 87).
[الجمع بالألف والتاء]:
3 - تحذف تاء التأنيث من المفرد عند جمعه بالألف والتاء، نحو (ثمرة وثمرات).
(2/ 299، 444).
4 - الجمع بالألف والتاء ينصب بالكسرة، وما جاء عن أبى خيرة من النصب بالفتحة فمؤوّل، اللهم إلا إذا كان اسما ل (لا) النافية للجنس، فيصبح فيه الوجهان، وهذا قياس أبى عثمان، والجماعة لا يرون فيه إلا الكسر. (2/ 497).
5 - فى جمع المؤنث لمّا حذفوا تاء المفرد حركوا العين فى نحو: جفنة وجفنات.
(1/ 470).(3/72)
6 (فعلة وفعلة) يجمعان على فعلات وفعلات وفعلات وفعلات وفعلات وفعلات.
(1/ 108).
7 - جمعوا (صحراء) على (صحراوات) فأبدلوا الهمزة لئلّا يجمعوا بين علامتى تأنيث.
[الجمع المكسّر]:
8 - التكسير أقوى فى التغيير من التحقير لأن التكسير أمر عرض للإخراج عن الواحد والزيادة فى العدّة، أمّا التحقير فمبقّ للواحد على إفراده. (2/ 468).
9 - تكسير الاسم يبعده عن واحده الذى هو الأصل، فيحتمل التغيير، ولا سيما مع اختلاف معانى الجمع. (1/ 245، 246).
10 - قد تتشابه الحركات والسكنات فى كلّ من الفرد وجمعه، ولكن الاعتبار فى ذلك مختلف، نحو فلك، ودلاص، وقنو وقنوان، وفوم وفومان. (2/ 300، 362،
1/ 144142).
11 - قد يوضع الجمع موضع الواحد، وقد يوضع الواحد موضع الجمع. (2/ 187
190).
12 - الجمع قد يحدث للواحد تأنيثا، نحو: هذا جمل وهذه جمال، وهذا رجل وهذه رجال، وصبىّ وصبية، وجريب وأجربة. (2/ 448).
13 - قد يوصف المفرد بالجمع على التأويل، نحو: برمة أعشار، وجفنة أكسار، وثوب أكباش. (2/ 239).
14 - قد يجمع المذكر على ما يجمع عليه المؤنث، حملا على المعنى، نحو: رسول وأرسل، وجناح وأجنح. (2/ 185).
15 - الصفة والاسم قد يشتركان فى هيئة الجمع من غير تفرقة، ومن ذلك: حسن وحسان كجبل وجبال، وفرس ورد، وخيل ورد كسقف وسقف، وغفور وغفر كعمود وعمد، وبازل وبوازل كغارب وغوارب. (1/ 169).
16 - كسّروا (فعلا) على (أفعل)، وما عداه من الثلاثى يكسّر على أفعال، وذلك مقيس. (1/ 422).
17 - كسروا (فعالا وفعيلا) على (فعال)، من حيث كانتا أختين تتعاقبان على المعنى الواحد، نحو دلاص، وكرام. (1/ 459).(3/73)
18 - كسروا (فعلا) على (فعل)، من حيث كانت (فعل) تعاقب (فعلا) على المعنى الواحد. (1/ 463).
19 - كسروا (فعلا) على (فعلان)، من حيث كان (فعل وفعل) وقد اعتقبتا على المعنى الواحد. (1/ 464).
20 - مذهب العرب فى تكسير ما كان من (فعل) على (أفعال)، نحو علم وأعلام، فإن كان على (فعلة) كسّروه على (أفعل) نحو: أكمة وآكم. (1/ 470).
21 - جمع (أفعل وفعلاء) من يائىّ العين يكون بكسر الفاء لتسلم الياء، نحو: عين وشيم جمع (أعين عيناء، وأشيم وشيماء). (467).
22 - كسروا ما جاء من (فاعل) معتل اللام على (فعلة) نحو: قاض وقضاة، ومن الصحيح على (فعلة) نحو: كافر وكفرة، وجاء أحيانا كالصحيح، نحو: خائن وخونة وبائع وباعة.
23 - كسروا (فاعلا) على (فعلاء) نحو: شاعر وشعراء، وإنما هو ل (فعيل)، وكسروا (فعيلا) على (فعلة) نحو: سرىّ وسراة، وإنما هو ل (فاعل). (1/ 377).
24 - كسروا (فعلا) على (أفعلة) تشبيها له ب (فعال) نحو: ندى وأندية، وباب وأبوبة.
(2/ 290).
25 - كسروا (فعالا وفعيلا) على أفعال، تشبيها له، ب (فعل) و (فعل) نحو: جواد وأجواد، ويتيم وأيتام. (2/ 290).
26 - اطّرد جمع (فعل) على (فعلان) نحو: جعل وجعلان، وصرد وصردان.
(2/ 399).
27 - العرب لا تكسر (فعلة) على (أفعال)، ولذا كان (أفلاء) جمعا ل (فلا) لا ل (فلاة) وصفىّ جمعا ل (صفا) لا ل (صفاة). (1/ 472، 473).
28 - ما كان على وزن (فعل وفعول وفعال وفعال) مما لامه معتلة لا يكسر على (فعل)، فلا يقال: (كسو) فى جمع: كساء، ولا (ردى) فى جمع: رداء، وقد جاء شاذا (وثن) جمع ثنىّ و (فلو) جمع فلوّ، و (منى) جمع منىّ.
29 (فعل) واوىّ العين ساكنها، جمع تكسيرا على (فعال). (1/ 108).
30 - جمعوا (أخ) على (أفعال) فقالوا: آخاء. (1/ 339).
31 - كسّروا (عالم) على علماء، لكونه بمعنى عليم، من حيث إنه لا يوصف به إلا بعد
المزاولة وطول الملابسة، فصار كأنه غريزة. (1/ 377).(3/74)
31 - كسّروا (عالم) على علماء، لكونه بمعنى عليم، من حيث إنه لا يوصف به إلا بعد
المزاولة وطول الملابسة، فصار كأنه غريزة. (1/ 377).
32 - كسروا (جاهل) على جهلاء، حملا على ضده وهو علماء. (1/ 377).
33 - كسروا (فاحش) على فحشاء، لما كان الفحش ضربا من الجهل ونقيضا للحلم.
(1/ 377).
34 (أشدّ) جمع (أشدّ) على حذف الزيادة عند أبى عبيدة، ومذهب سيبويه أنه جمع (شدّة)، وذهب المازنى إلى أنه جمع لا واحد له. (1/ 128، 2/ 422).
35 (شذّاذ) جمع شاذّ. (1/ 235).
36 (أوان) مفرد، جمعه (آونة). (2/ 155).
37 (سوائل) يصح أن يكون جمع (سيل). (2/ 246).
38 (الخواتم) يصح أن يكون جمع (خاتم) أو (ختم). (2/ 246).
39 (شهود) يصح أن يكون جمع (شاهد) وأن يكون مصدرا. (2/ 246).
40 (أسطر) يحتمل أن يكون جمع (سطر) أو (سطر) نحو: كلب وأكلب، وجبل وأجبل، ولا يردّ واحد من الاحتمالين وإن كان ضعيفا. (2/ 296).
41 (أسطار) يحتمل أن يكون جمع (سطر) كجبل وأجبال، أو (سطر) كفرخ وأفراخ، ولا يردّ واحد من الاحتمالين، وإن كان ضعيفا. (2/ 296).
42 (أنعم) جمع نعمة بعد حذف زائدته، فهو نحو: ذئب. وأذؤب. (2/ 33، 345).
43 (أتاتين) جمع (أتون)، كأنهم زادوا على عينه عينا أخرى فصار (أتّون) فهو نحو:
سفّود وسفافيد. (2/ 346).
44 (دوانيق) جمع (دانق) كأنهم زادوا على عينه أيضا فصار (داناق)، فهو مثل:
ساباط وسوابيط، ولك أن تقول إنه أشبع الكسرة فى الجمع. (2/ 346).
45 (أكلّة) جمع (إكليل) بعد حذف همزته وتحريك الساكن بعدها، فهو مثل: دليل وأدلّة. (2/ 346).
46 (كروان) جمع (كروان) بعد حذف زائده، فهو نحو: شبث وشبثان. (2/ 345).
47 (أجبال وأجبل) جمع جبل، و (أجبال) أقوى. (2/ 507).
48 (أمسلة ومسلان) جمع (مسيل) غلط عند بعضهم، وابن جنى لا يرى فيه غلطا.
(2/ 478).
49 - ليلة طلقة، وليال (طوالق) ليست (طوالق) تكسير (طلقة)، إنما هو (جمع
طالقة)، لأن (فعلة) لا تكسر على فواعل. (1/ 324).(3/75)
49 - ليلة طلقة، وليال (طوالق) ليست (طوالق) تكسير (طلقة)، إنما هو (جمع
طالقة)، لأن (فعلة) لا تكسر على فواعل. (1/ 324).
50 - جاء القوم بأجمعهم بضم الميم جمع مكسّر مفرده (جمع) أو (أجمع) على حذف الزيادة. (1/ 128).
51 (جواز) يصح أن يكون جمع (جاز) أو جمع (جزاء). (2/ 246).
52 - إذا جمعت (عشوزن) قلت: (عشازن) فتحذف النون، وإن كانت عندنا أصلا، تشبيها لها بالزائد. (2/ 343، 344).
53 - كيف يجمع ما فيه ألف الإلحاق أو التأنيث أو غيرهما. (2/ 125).
[جمع الجمع]:
54 - الجمع قد يجمع، نحو: أكلب وأكالب، وبيوت وبيوتات، ولكن المثنى لا يثنى (توجيه ابن جنى لذلك). (2/ 444).
55 - من أمثلة جمع الجمع: أكلب وأكالب، وأسقية وأساق، وبيوت وبيوتات، وحمر وحمرات، وصواحبات يوسف، ومواليات العرب، وأيامن وأيامنين، وحدائد وحدائدات، وعقبلن وعقابين، وغربان وغرابين، ونداء وأندية (عند الأخفش).
(2/ 236).
56 (الأيادى) جمع (الأيدى) وليست جمع (يد)، وأكثر ما تستعمل فى النّعم لا فى الأعضاء، وقد جاءت فيها أيضا. (1/ 279).
[اسم الجمع]:
57 - من الجمع ما يفرق بينه وبين واحده بالهاء، نحو: شعير وشعيرة وتمر وتمرة، ومنه ما يفرق بينه وبين واحده بالألف والنون، نحو: إنس وإنسان، ظرب وظربان.
(2/ 422).
58 (كلّ) لفظها مفرد، ومعناها الجماعة، فيصح العود على لفظها أو على معناها، وعلى ذلك يجرى نحو قولك: أنتم كلكم بينكم درهم. (2/ 506، 523).
* * * (49) الجوار
1 - الجوار فى كلامهم على ضربين: تجاور الألفاظ، وتجاور الأحوال. (2/ 431).
2 - قد يؤدى الجوار فى الألفاظ إلى نقل الحركة إلى الساكن قبلها فى الوقف.
(2/ 432).(3/76)
3 - وقد يؤدى إلى إعلال غير المستحق، نحو صيّم وقيّم وقياسه التصحيح.
(2/ 431).
4 - وقد يؤدى إلى إبدال الواو همزة لمجاورة الضمة، نحو: مؤسى. (2/ 432).
5 - وقد يؤدى الجوار إلى الإمالة، نحو: مصباح ومقلات ومطعان، إذا الحرف المتحرك كأنه جاور المكسور لأن الحاجز ساكن لا يمنع الجوار. (1/ 523).
6 - ومن الجوار مجاورة الحركة للحرف فى نحو: (شابّة ودابّة) فالاعتماد على الألف كأنه تحريك لأول المدغمين، حتى كأنه لم يجمع بين ساكنين. (2/ 433).
7 - ومن الجوار استقباح الخليل نحو: (العقق) مع (الحمق) مع (المخترق) فهو يكاد يلحق بقبح الإقواء، إذ الحركة كأنها فى حرف الروى المقيد، لمجاورته إياه.
(2/ 432).
8 - ومن الجوار فى المنفصل ما فى قولهم: هذا جحر ضبّ خرب، عند الكافة ما عدا ابن جنى، فله عنده تأويل. (1/ 217، 2/ 432).
9 - ومن الجوار فى المنفصل ما هو جار مجرى المتصل، نحو: ها الله ذا، أجروه فى الإدغام مجرى (شابّة ودابّة). (2/ 433).
10 - أما تجاور الأحوال فقد يقع الفعلان فى زمانين مختلفين، ولكن لتجاور زمانيهما يجعلان كأنهما فى زمان واحد، نحو: أحسنت إليه إذ أطاعنى، ولمّا شكرنى زرته، وكلما استنصرته نصرنى. (2/ 434).
[الجر على الجوار]:
11 - قول النحاة: إن ما ورد من قول العرب: هذا جحر ضبّ خرب غلط من العرب، ومن الشاذ الذى لا يحمل عليه، ولا يجوز ردّ غيره إليه وأما أنا فعندى أن فى القرآن مثل هذا الموضع نيّفا على ألف موضع، وذلك أنه على حذف المضاف لا غير، فإذا حملته على هذا الذى هو حشو الكلام من القرآن والشعر ساغ وسلس وشاع وقبل. (1/ 217، 218).
ملاحظة: يبدو من كلام ابن جنى فى هذا الموضع من (الخصائص). أن هذا هو رأى أستاذه أبى علىّ قبله، أو أنه قاسه عليه).
* * *
(50) الجوازم(3/77)
* * *
(50) الجوازم
1 - حرف الشرط له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله، وتخريج ما أوهم خلاف ذلك. (1/ 351).
2 - أدوات الشرط تصرف زمن ما بعدها إلى الإستقبال، فإذا وقع الماضى بعدها كان مرادا منه الاستقبال. (2/ 520).
3 - جواب الشرط لا يقدم عليه، وقولهم: أنت ظالم إن فعلت، جملة: (أنت ظالم) فيه دليل الجواب وسادّ مسدّه، وأجاز أبو زيد التقديم. (1/ 291، 2/ 180).
4 - الفصل بين الجازم والمجزوم. (2/ 180).
5 - قولهم: أيّهم تضرب يقم زيد حقيقة الجزم فيه إنما هو لحرف الجزاء المقدر، لا ل (أىّ). (1/ 347).
6 - قولهم: أيهم تضرب يقم زيد (أيهم) من حيث كانت جازمة للفعل (تضرب) يجب أن تكون مقدمة عليه، ومن حيث كانت منصوبة بالفعل (تضرب) يجب أن تكون فى الرتبة مؤخرة عنه، فلم يمتنع هذان التقديران على اختلافهما من حيث كان هذا إنما هو عمل صناعىّ لفظى. (1/ 347).
7 - قالوا: بأيّهم تمرر أمرر فقدموا حرف الجر على الشرط وأعملوه فيه، وإن كان الشرط لا يعمل فيه ما قبله، لكنهم لما لم يجدوا طريقا إلى تعليق حرف الجر، استجازوا إعماله فى الشرط، ثم تدرجوا من ذلك إلى أن أضافوا إليه الاسم.
(1/ 351).
8 (من) الشرطية قد يراعى لفظها فيفرد ما يعود عليها، وقد يراعى معناها، وقد يراعى اللفظ والمعنى معا، والحمل على اللفظ أقوى. (2/ 505).
9 - يجوز جزم المضارع فى جواب اسم فعل الأمر مطلقا، سواء كان بلفظ الفعل أم لا.
(2/ 286، 287).
10 - قد تحذف لام الأمر ويبقى عملها الجزم فى المضارع فى الضرورة عند بعضهم، وفى الاختيار عند ابن جنى، نحو: من كان لا يزعم فيدن منى. (2/ 496).
* * *
(51) الحال(3/78)
* * *
(51) الحال
1 - قد تأتى الحال للتوكيد، نحو قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}. (2/ 58).
2 - قد يكون العامل فى الحال غير العامل فى صاحبها، لأنها ضرب من الخبر، والخبر العامل فيه غير العامل فى المخبر عنه. (2/ 407، 2/ 297).
3 - يجوز فى القياس تقديم الحال على صاحبها، وعلى ناصبها. (2/ 158).
4 - تقول: فيها رجل قائم، وفيها رجل قائما الرفع على الصفة والنصب على الحال.
(2/ 26).
5 - تقول: (فيها قائما رجل) أنت بين أمرين: أن ترفع (قائم) على أنه صفة، فيلزم تقديم الصفة على الموصوف، وهذا لا يكون، وأن تنصبه على أنه حال من النكرة، وهذا على قلّته جائز، فيحمل عليه. (1/ 234، 2/ 316).
6 - قولك: زيد مررت به واقفا، يحتمل أن يكون حالا من الضمير فى (به) أو من تاء الفاعل، والعامل فيهما واحد. (2/ 297).
7 - حذف الحال غير مستحسن، إذا الغرض منهما توكيد الخبر بها، وما طريقة التوكيد غير لائق به الحذف، وما أجيز من حذفه فمشروط بالقرينة. (2/ 155، 156).
* * * (52) الحدود
1 - الكلام: كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه، وهو الذى يسميه النحويون (الجمل).
(1/ 72).
2 - القول: كل لفظ مذل به اللسان، تاما كان أو ناقصا. (1/ 72).
3 - اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. (1/ 87).
4 - النحو: انتحاء سمت كلام العرب فى تصرفه من إعراب وغيره. (1/ 88).
5 - الإعراب: الإبانة عن المعانى بالألفاظ. (1/ 89).
6 - البناء: لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السكون أو الحركة، لغير عامل أحدثه.
(1/ 91).
7 - الاطّراد: هو فى أصله: التتابع والاستمرار، وفى اصطلاحهم: ما استمر من الكلام فى الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطّردا، أى متتابعا مستمرا.
(1/ 137، 138).(3/79)
8 - الشذوذ: هو فى أصله: التفرق والتفرد، وفى اصطلاحهم: ما فارق ما عليه بقية بابه، وانفرد عن ذلك إلى غيره. (1/ 138).
9 - الفاعل: عند أهل العربية ليس كل من كان فاعلا فى المعنى، وإنما هو: كل اسم ذكرته بعد الفعل وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم، والفعل الواجب وغير الواجب فى ذلك سواء. (1/ 211).
10 - الاشتقاق الأصغر (الصغير) أن تأخذ أصلا من الأصول، فتتقرّاه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه ومبانيه. (1/ 490).
11 - الاشتقاق الأكبر: أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شىء من ذلك عنه ردّ بلطف الصنعة والتأويل إليه. (1/ 490).
12 - التجنيس: أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان، كالعقل والمعقل والعقلة والعقيلة ومعقلة. (1/ 427).
13 - الحقيقة: ما أقرّ فى الاستعمال على أصل وضعه فى اللغة. (2/ 208).
14 - المجاز: ما لم يقرّ فى الاستعمال على أصل وضعه فى اللغة. (2/ 208).
15 - التجريد: أن تعتقد أن فى الشىء من نفسه معنى آخر، كأنه حقيقته ومحصوله، وقد يجرى ذلك فى ألفاظها لما انعقدت عليه معانيها. (2/ 232، 233).
* * * (53) الحذف
1 - القرآن الكريم وفصيح الكلام لا يخلوان من كثرة الحذوف، كحذف المضاف، والموصوف، والاكتفاء بالقليل عن الكثير، كالواحد من الجماعة، وكالتلويح من التصريح. (1/ 129).
2 - الحذف ضرب من الإعلال. (1/ 131).
3 - الأطراف معرّضة للحذف والإجحاف، ولذا كثر باب (عدة وزنة وناس) وباب (يد ودم وأخ) وباب (ثبة وقلة) وقلّ باب (مذ وسه) (1/ 245).
4 - الحذف اتّساع، الاتّساع بابه، آخر الكلام وأوسطه، لا صدره وأوّله. (1/ 297).
5 - قد يحذفون الأصل، لشبهه عندهم بالفرع ألا تراهم لما حذفوا الحركات وهى زوائد فى نحو: لم يذهب ولم ينطلق، تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضا
الحروف الأصول فى نحو: لم يخش ولم يرم ولم يغز. (1/ 314).(3/80)
5 - قد يحذفون الأصل، لشبهه عندهم بالفرع ألا تراهم لما حذفوا الحركات وهى زوائد فى نحو: لم يذهب ولم ينطلق، تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضا
الحروف الأصول فى نحو: لم يخش ولم يرم ولم يغز. (1/ 314).
6 - أمثلة الفعل وإن اختلفت فى أزمنتها وصيغها فإنها تجرى مجرى المثال الواحد، حتى إنه إذا حذف من بعضها شىء عوّض منه فى مثال آخر من أمثلته.
(1/ 420).
7 - الفرق بين الحذف فى الأسماء والحذف فى الأفعال. (1/ 421149).
8 - حرف العلة ضعيف لا يتحامل بنفسه، لذلك قد يحذف فى النثر وفى الشعر، نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} (2/ 79).
9 - حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شىء من ذلك إلا عن دليل عليه. (2/ 140).
10 - وحذفت الحرف الزائد على الكلمة مما يجىء لمعنى، والحرف الذى هو من نفس الكلمة. (2/ 158).
11 - إن كان لا بد من حذف أحد حرفين، حذف ما لا يدلّ على معنى، وبقى ما يدّل عليه وإن كان زائدا، وذلك نحو: قاض وشاك ومصطفىّ ويعد والخنافق.
(2/ 235، 238).
12 - إذا حذفت العرب بعض الكلمة راعت حال ما بقى، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقرّوه على صورته، وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم، ومن ذلك:
تحقير الرباعى المزيد والخماسىّ مجردا ومزيدا. (1/ 476472).
13 - حذف الهمزة شاذّ غير مقيس فى النثر وفى الشعر، ومنه: ويلمّه، أفى السّوتنتنّة؟، الناس، لاب لك، دعه فى حرامّه. (2/ 373).
[حذف الحركة]:
14 - قد تحذف الحركة للتخفيف أمثلة لذلك. (1/ 114، 115).
15 - قد تحذف الحركة وتنيب الحرف عنها، وذلك فى الأسماء الستة والمثنى، والجمع، والأفعال الخمسة. (2/ 360، 361).
[حذف حرف زائد]:
16 - تحذف نون جمع المذكر حال الإضافة. (1/ 127).
17 - لم يسمع حذف نون ألفاظ التوكيد: أجمعون وبابه. (1/ 127).
18 - ربما حذفوا الزيادة من الواحد، كقوله: عهدى به شدّ النهار. (1/ 128).(3/81)
19 (أشدّ) عند أبى عبيدة جمع (أشدّ) على حذف الزيادة. (1/ 128).
20 - حذف نون التوكيد الخفيفة شاذّ فى الاستعمال، ضعيف فى القياس. (1/ 162،
163).
21 - حذف الهمزة من المضارع المبدوء بغير الهمزة حملا على المبدوء بها، نحو تكرم ويكرم. (1/ 150، 151، 249).
22 - تحذف النون للجزم فى الأفعال الخمسة، وقد تحذف استخفافا، (2/ 99).
23 - العائد المجرور إذا أريد حذفه، فإنه هو وجارّه يحذفان دفعة واحدة عند سيبويه، وبالتدريج عند أبى الحسن تلطفا فى الصنعة. (2/ 231).
24 - حذف العائد المنصوب، يستوى فيه أن يكون على حرف أو على أكثر نحو: الذى ضربت زيد، واللذان ضربت الزيدان. (2/ 264).
25 (جابة) فى قولهم: (أساء سمعا فأساء جابة) أصله (إجابة) عند أبى العباس، فحذفت الهمزة تخفيفا، وعند الخليل حذفت ألف المصدر منه، وعند أبى الحسن حذفت عينه. (2/ 309).
26 - حذف نون التوكيد أو أىّ من علاماته فيه نقض الغرض، إذ التوكيد للإسهاب والإطناب، والحذف للإيجاز والاختصار. (2/ 325).
27 - حذفوا الياء الثانية من المثلين فى آخر الكلمة وأبقوا الأولى على سكونها فى قولهم: لا أكلمك حيرى دهر. (2/ 517).
[حذف حرف أصلى]:
28 - حذف النون المتحركة فى قوله: (لم يك الحق سوى أن هاجه)، ووجه ذلك.
(1/ 131).
29 - حذف ألف (مغزى ومدعى) عند النسب، حملا لها على الألف الزائدة فى نحو حبلى. (1/ 314).
30 - حذفوا ياء (تحيّة) عند النسب وهى أصلية حملا لها على ياء (شقيّة) وهى زائدة، فقالوا: تحوى، كما قالوا: شقوىّ. (1/ 314).
31 - حذفوا النون الأصلية فى (ولاك اسقنى، م الآن) حملا على حذف النون الزائدة فى (وهّاب المئى). (1/ 314، 315).
32 - حذفوا الفاء من (ضعة وقحة) على القياس نحو عدة وزنه، ثم عدلوا بالصيغة عن
(فعلة) إلى (فعلة) فأقرّوا الحذف بحاله هذا رأى ابن جنى، وعند المبرد لم يعدلوا الصيغة، ولكن فتحت العين لأجل حرف الحلق. (1/ 350).(3/82)
32 - حذفوا الفاء من (ضعة وقحة) على القياس نحو عدة وزنه، ثم عدلوا بالصيغة عن
(فعلة) إلى (فعلة) فأقرّوا الحذف بحاله هذا رأى ابن جنى، وعند المبرد لم يعدلوا الصيغة، ولكن فتحت العين لأجل حرف الحلق. (1/ 350).
33 - قد يحذف أحد المثلين من الفعل الثلاثى عند الإسناد إلى ضمير الرفع المتحرك، نحو: ظلت ومست، وهذا لا يقاس عليه. (1/ 431، 2/ 263).
34 (ناس) أصله (أناس) حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. (1/ 480).
35 - حذف لام الكلمة كثير، نحو (يد ودم وأخ وغد) وحذف عينها قليل، نحو (مذ وسه). (2/ 243).
36 - كرهوا اجتماع الأمثال فى تحقير (أحوى) فقالوا: أحىّ، وأصله: أحيّىّ.
(2/ 263).
37 - المحذوف من (سنة وعضة) لام الكلمة، وهى إما واو أو هاء، قالوا: سنوات وعضوات، وقالوا: سانهت، وبعير عاضه والعضاه. (2/ 263).
38 - قد تحذف العرب الحرف وتنيب عنه حركته، ويكثر ذلك فى الواو والياء، ويقلّ فى الألف، نحو: تعط بالسيف الدماء، دوامى الأيد. (2/ 358).
39 (الله) محذوف الهمزة فى أحد قولى سيبويه. (2/ 373).
40 - اطّرد حذف الهمزة فى: كل، خذ، مر. (2/ 373).
41 - اطّرد حذف الواو من نحو: يعد ويرد. (2/ 401).
42 - الحذف لالتقاء الساكنين فى نحو: هذه عصا ورحى، وكلمت معلّى. (2/ 82).
43 - الحذف فى: (لم يك، لم يبل، لا أدر) فى النثر، لكثرة الاستعمال، ولم يقس عليها غيرها. (2/ 372).
[حذف حرف أصلى أو زائد]:
44 - المحذوف فى باب (مقول ومبيع) هو الحرف الزائد واو مفعول من حيث كان الزائد أولى بالإعلال، وهذا عند الخليل وسيبويه، والمحذوف عند أبى الحسن هو عين المفعول، من حيث كانت الواو دليلا على اسم المفعول. (2/ 89، 235).
45 - المحذوف من المصادر نحو: (إقامة) هو ألف (إفعال) الزائدة عند الخليل وسيبويه، أو عين (إفعال) عند أبى الحسن. (2/ 89).
[حذف أكثر من حرف]:
46 - حذف بعض الكلم استخفافا لدلالة المقام، وبعضه مخلّ، نحو: ألافا، بلى فا،
قاف، الأشل، الحبا، منا سوف، وهو على غير قياس. (1/ 124، 125).(3/83)
46 - حذف بعض الكلم استخفافا لدلالة المقام، وبعضه مخلّ، نحو: ألافا، بلى فا،
قاف، الأشل، الحبا، منا سوف، وهو على غير قياس. (1/ 124، 125).
[حذف كلمة]:
47 - حذف (أن) الناصبة للمضارع، إذا كان جوابا للأمر أو النهى، وتلك الأماكن السبعة. (1/ 274).
48 - حذف الفعل وإنابة غيره منابه، مصدرا كان أو غيره، نحو: ضربا زيدا، ودونك زيدا. (1/ 275).
49 - قد يحذف الفعل وتدلّ عليه الحال المشاهدة، فكأنها نابت عنه، نحو قولك: خير مقدم إذا رأيت قادما. (1/ 275، 293).
50 - قولهم: (راكب الناقة طليحان) يحتمل أن يكون من حذف المعطوف عليه وحده، أو من حذف العاطف والمعطوف. (1/ 296).
51 - حذف الحروف ليس بالقياس، لأنها دخلت لضرب من الاختصار، فلو حذفتها لكنت مختصرا لها أيضا، واختصار المختصر إجحاف به. (2/ 63).
52 - من الحروف التى حذفت على غير قياس حرف العطف، باء الجر، باء القسم، فاء الشرط، همزة الاستفهام، (لا) فى جواب القسم المنفى (وفى بعضها تأويل).
(2/ 7168).
53 - يكثر حذف المضاف، وإن كان أبو الحسن قد نصّ على ترك القياس عليه.
(2/ 71).
54 - حذف أنواع مختلفة من الأسماء. (2/ 142).
55 - حذف الفعل وحده، وذلك إذا كان الفاعل مفصولا عنه مرفوعا به، كأن يقع المرفوع بعد ما يختص بالدخول على الأفعال. (2/ 156).
56 - حذف حرف الجر وبقى عمله فى قولهم: الله أفعل (عند سيبويه)، خير عافاك الله، رسم دار، ويلمّه (فى أحد التوجيهين). (2/ 372).
[حذف جملة]:
57 - حذفت جملة القسم، والأفعال مع فاعليها فى الأمر والنهى والتحضيض والشرط. (2/ 140).
* * *
(54) الحركات والحروف(3/84)
* * *
(54) الحركات والحروف
[البدء بالساكن]:
1 - السكوت داعية إلى السكون ألا ترى أن الابتداء لمّا كان أخذا فى القول لم يكن الحرف المبدوء به إلا متحركا. (1/ 59، 106، 109).
2 - الحرف الواحد لا يمكن النطق به مجردا، ساكنا كان أو متحركا.
3 - أبو علىّ لم يتشدد فى جواز ابتداء العجم بالساكن، وتشدد فيه فى لغة العرب.
(تفسير ابن جنى لذلك). (1/ 132، 133).
4 - يتبلّغ بهمزة الوصل حال الابتداء بالساكن، ثم يسقطها الإدراج الذى عليه مدار الكلام ومتصرفه. (1/ 117).
5 - الضم فى همزة الوصل أمر غير معتدّ به. (1/ 117).
6 - قد يستغنى عن همزة الوصل فى نحو (لحمر) وأصله: الأحمر، فخفف من باب إجراء غير اللازم مجرى اللازم. (1/ 310).
7 - لأبى علىّ مسألتان، كلتاهما فى الكلام على أن الحرف المبتدأ به: أيمكن أن يكون ساكنا أم لا؟. (2/ 110).
8 - همزة الوصل إلى النطق بالساكن تكون فى الأفعال، وفى أسماء عشرة، وفى (أل) من الحروف. (2/ 117).
[الحركات والحروف]:
9 - الحركات أبعاض الحروف. (2/ 80).
10 - الحركة حرف صغير، ألا ترى أن من متقدمى القوم من كان يسمى الضمة (الواو) الصغيرة، والكسرة (الياء) الصغيرة، والفتحة (الألف) الصغيرة، ويؤكد ذلك أنك متى أشبعت الحركة نشأ بعدها حرف من جنسها. (2/ 98).
11 - الحرف قد يضارع الحركة، والحركة قد تضارع الحرف من جوه. (103100).
12 - مما يدلّ على مضارعة الحرف للحركة أن الألف والواو والياء إذا أشبعن ومطلن أدّين إلى حرف شبيه بهنّ وهو الهمزة، وأنهم قد بيّنوا الحرف بالهاء كما بيّنوا الحركة بها. (2/ 100).
13 - ومما يدل على مضارعة الحركة للحرف أنها تعدّ بمثابة حرف فى المنع من الصرف، وفى النسب إلى المقصور، ويفصل بها من غير ادّغام، وإجراء الحرف المتحرك
مجرى المشدد فى القافية، وصحة الواو والياء فى بعض المواضع للحركة بعدها كما يصحان للألف بعدهما. (2/ 102، 103).(3/85)
13 - ومما يدل على مضارعة الحركة للحرف أنها تعدّ بمثابة حرف فى المنع من الصرف، وفى النسب إلى المقصور، ويفصل بها من غير ادّغام، وإجراء الحرف المتحرك
مجرى المشدد فى القافية، وصحة الواو والياء فى بعض المواضع للحركة بعدها كما يصحان للألف بعدهما. (2/ 102، 103).
14 - حركة الحرف تحدث قبله، وذهب سيبويه إلى أنها تحدث بعده، وذهب آخرون إلى أنها تحدث معه تفصيل ذلك فى. (1/ 471).
15 - الحركات إما لازمة، نحو فتحة الضاد من (ضرب)، ولها أحكام (2/ 110)، وإما غير لازمة، وهى على أضرب، منها: حركة التقاء الساكنين، حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها، الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة، حركة الإتباع، حركة همزة التذكر. (2/ 117112).
16 - تحمّل أحرف العلة للحركة أشقّ منه فى غيرها لضعفها، وأذهب هذه الأحرف فى الضعف الألف، لذا لا يمكن تحريكها البتة. (2/ 77).
17 - الحركات فى الظاهر ثلاث، وهى فى الحقيقة ستّ. (2/ 347).
18 - كثر فى كلامهم ما توالى فيه ضمتان نحو: عنق، وقلّ ما توالى فيه كسرتان نحو:
إبل، مع أن الضمة أثقل من الكسرة (تفسير سيبويه وابن جنى لذلك).
(2/ 397، 398).
19 - قد تهجم الحركة على الحركة، فتبتزّها حركتها، على غير قياس. (2/ 365).
[حركة الإتباع]:
20 - حركة الحرف الثانى قد تأتى تابعة لحركة الحرف الأول، نحو: شدّ وفرّ، وضنّ، وعكسه، نحو: (اقتل) ضممت الأول للآخر. (2/ 398).
21 - قد تتبع حركة آخر اللفظ الأول حركة أول تاليه، أو العكس، نحو: الحمد لله.
(1/ 497، 2/ 398).
22 - قد يقرب الصوت من الصوت مع حروف الحلق، نحو: شعير وبعير، وقلمّا جاء فى غير حروف الحلق (تفسير ابن جنى لذلك). (1/ 363، 1/ 497).
23 - كثر عنهم توالى الكسرتين فى الجمع بالألف والتاء، نحو: سدرات وكسرات.
(2/ 401).
24 - الكوفيون يقيسون فتح حرف الحلق إذا انفتح ما قبله فى الاسم، نحو: فعل، والدّهر، وإن كنا نحن لا نراه قياسا. (1/ 397).(3/86)
[نقل الحركة]:
25 - قد يقتضى الإعلال فى الكلمة نقل الحركة إلى متحرك قبلها، فحينئذ يبتزّ حركته، ويصبح الحكم للحركة الطارئة، وهذا ما يسميه ابن جنى (هجوم الحركات على الحركات) وهو مقيس. (2/ 362، 363).
26 - وقد يقتضى الادّغام فى الكلمة نقل حركة المثل الأول إلى المتحرك قبله، فيسلبه حركته هو، نحو اسم المفعول من (اشتدّ واحمرّ) وهو مقيس. (2/ 363).
27 - الجوار قد يؤدى إلى نقل الحركة، نحو: هذا بكر ومررت ببكره. (1/ 523).
[مطل الحركة]:
28 - قد يحتاج الشاعر إلى مطل الحركة لإقامة الوزن، فينشأ عن ذلك حرف من جنسها. (2/ 98، 2/ 351348).
29 - الحركات عند التذكر يمطلن حتى يفين حروفا، فإذا صرنها جرين مجرى الحروف المبتدأة توامّ، فيمطلن أيضا حينئذ، كما تمطل الحروف، نحو: قمتا (قمت) قمتو (قمت) قمتى (قمت). (2/ 355).
30 - كذلك الحركات عند الإنكار يمطلن، نحو: أعمروه، أأحمداه، الرّجلية.
(2/ 377).
[الحرف والحركة]:
31 - بعض الحروف قد يجرى مجرى الحركات وينوب عنها، نحو: (الألف والواو والياء) إذا أعرب بهنّ فى الأسماء الستة والمثنى والجمع على حدّه ونحو النون فى الأفعال الخمسة. (2/ 360، 361).
32 - الألف غير المنقلبة عن غيرها الواقعة طرفا للإلحاق أو للتأنيث أو للصيغة، إذا احتجت إلى تحريكها للتثنية أو الجمع قلبتها ياء، نحو أرطى وسكرى وقبعثرى، أما الألف المنقلبة فتردّ إلى أصلها الأقرب وهو الياء نحو معزى. (2/ 125،
126).
33 - قد يكتفى بحركة الحرف عن الحرف نفسه، فيحذف هو وتكون هى دليلة عليه، ويكثر ذلك فى الواو والياء ويقلّ فى الألف. (2/ 89، 90).
[تسكين المتحرك وعكسه]:
34 - قد يسكن المتحرك فى بعض الكلمة، على توهم أنه كلمة برأسها. (2/ 48).(3/87)
35 - تفسير ابن جنى لتسكين حركة أول الضمير (هو وهى) مع الفاء والواو ولام الابتداء وهمزة الاستفهام. (2/ 110، 111).
36 - الحرف المتحرك حشوا إذا سكن فعلى ضربين: متصل ومنفصل. (2/ 118).
37 - ما كان ثلاثيا مضموم الثانى أو مكسورة، فلك فيه الإسكان تخفيفا، وقد سمع فى المفتوح. (2/ 118).
38 - ادّعى بعضهم أن أبا عمرو كان يسكن الهمزة المتحركة، ولكن رواية سيبويه عنه أنه كان يختلسها، ولا يحذفها البتة. (1/ 117).
39 - ربما أسكنوا المتحرك صراحة، ليستقيم لهم وزن البيت. (1/ 120118).
40 - أبو العباس يعترض فى بعض ما ورد من تسكين المتحرك، وهو ردّ للرواية وتحكّم على السماع بالشهوة. (1/ 120).
41 - سكّنوا عين الثلاثىّ مضمومة أو مكسورة، التماسا للخفة، نحو (رسل، ظرف، عصر). (1/ 120).
[مخارج الحروف]:
42 (التاء) خافية مستفلة. (1/ 512).
43 (الحاء) رقيقة، فيها معنى الصحل، وهو البحّة فى الصوت. (1/ 509، 512).
44 (الخاء) غليظة، وهى حرف رخو. (1/ 509).
45 (الراء) فيها معنى التكرير. (1/ 513).
46 (السين) حرف ضعيف. (1/ 511).
47 (الشين) حرف شديد، وفيها التّفشّى. (1/ 513).
48 (الصاد) حرف قوى. (1/ 511).
49 (الطاء) سامية متصعدة، وأحصر للصوت وأسرع. (1/ 509، 512).
50 (القاف) حرف صلب. (1/ 509).
51 (اللام) فى نحو: (حلقتا البطان) تضارع النون، ففى كل منهما غنّة. (1/ 133).
52 (النون) الساكنة حرف خفىّ، وفيها غنة تخرج من الأنف، وهى مضارعة لحروف اللين. (1/ 133، 361، 362).
53 (الياء) خفية وهى محركة، فإذا سكنت بعد ألف المد ازدادت خفاء. (1/ 133،
134).(3/88)
54 - من الحروف ما إذا وقفت عليه لحقه صويت مّا من بعده، فإذا أدرجته ضعف ذلك الصّويت سبب ذلك عند ابن جنى. (1/ 106، 109).
55 - كثير من هذه اللغة يضاهى بأجراس حروفه أصوات الأفعال التى عبر بها عنها نحو، خضم وقضم، وصرّ وصرصر، وغاق، قطّ وقدّ وقتّ، والخذا والخذأ، والبط. (1/ 112، 113).
56 - يستحسنون فى التركيب ما تباعدت مخارجه من الحروف، كالهمزة مع النون، والحاء مع الباء، ويستقبحون ما تقاربت مخارجه. من الحروف، نحو: صس، سص. (1/ 104، 2/ 28).
57 - يؤثرون فى الحرفين المتباعدين أن يقربوا أحدهما من صاحبه، نحو: سويق وصويق، ومساليخ ومصاليخ، واصطبر وازدان. (2/ 28).
58 (الإشمام) يكون للعين دون الأذن، لكن (روم) الحركة يكاد الحرف يكون به متحركا، ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث فى قولك فى الوقف (أنت وأنت) فلولا أن هناك صوتا لما وجدت فصلا. (2/ 109).
59 - الفتحة تضارع السكون فى أشياء. (1/ 108).
60 - أصوات بعض الأشياء. (1/ 513).
61 - فى لغة العجم زمزمة، ومن هنا صح الابتداء عندهم بساكن. (1/ 132).
62 - إذا جمع بين حرفين من أحرف الحلق قدّم الأقوى على الأضعف، كالراء والام، والتاء والدال، والطاء والدال. (1/ 104، 105).
63 - أبو على يسمع أهل (هيت) ينطقون بفتحة غريبة لم يسمعها من قبل، وينطق بها معهم، ثم ينساها حينما رحل عنهم. (1/ 133).
[مطل الحروف]:
64 - الحروف الممطولة هى الحروف الثلاثة اللينة المصوّتة، وهى الألف والياء والواو.
(2/ 352).
65 - فى هذه الأحرف امتداد ولين، إذا وقعت ساكنة بعد حركة مجانسة. (2/ 352).
66 - تتمكن المدة ويزداد المطل فى هذه الأحرف فى ثلاثة مواضع: أن تقع بعدها همزة، أو حرف مشدد، أو عند التذكر. (2/ 129125).
67 - مدّة التذكر ومدّة الإنكار، حرفان مجهولان، وأخلق الأحوال بهما أن يكونا
ألفين، مضاهاة لألف الندبة. (2/ 379377).(3/89)
67 - مدّة التذكر ومدّة الإنكار، حرفان مجهولان، وأخلق الأحوال بهما أن يكونا
ألفين، مضاهاة لألف الندبة. (2/ 379377).
[غير ما سبق]:
68 - قد تتشابه حركة بناء الكلمة وحركة موقعها الإعرابى فى الجملة، والمعتد به حينئذ حركة بنائها، نحو لا رجل عندك، لا خمسة عشر لك، يسعنى حيث يسعك، كنت عندك فى أمس، جئتك الآن. (2/ 293، 294).
69 - رأى كل من أبى زيد وابن جنى فى فتحة الراء فى قوله (أيوم لم يقدر أم يوم قدر). (2/ 325).
70 - تفسير ضمة الذال فى قولهم: مذ اليوم. (2/ 123).
71 - تفسير كسرة الباء فى (بعت) وضمة القاف فى (قلت). (2/ 123).
72 - مدّ الهمزة فى (آمين) ورأى ثعلب وأبى العباس المبرد فى ذلك. (2/ 349).
* * * (55) حروف المعانى
1 - مما يدلّ على تمكن المعنى فى نفوسهم وتقدمه على اللفظ عندهم، تقديمهم لحرف المعنى فى أول الكلمة، كحروف المضارعة. (1/ 243، 244).
2 - حشوا بحروف المعانى، فحصّنوها، وأمنوا عليها ما لا يؤمن على الأطراف.
(1/ 244).
3 - حرف المعنى قد يقع آخرا، كتاء التأنيث وألف التثنية وواو الجمع وألفه وتائه.
وذلك لعاذر مقنع. (1/ 245).
* * * (56) حروف الجر
1 - حرف الجر يعدّ جزءا من الفعل قبله مرة، ومن الاسم بعده مرة أخرى. (1/ 146،
342).
2 - لا يجوز تقديم المجرور على حرف الجر. (2/ 163).
3 - لا يفصل بين الجار والمجرور، لكونهما بمنزلة الجزء الواحد. (1/ 146، 147).
4 - تحذف (ربّ) ويعوض منها الواو فى أكثر الأمر، ويكون الجر ل (ربّ) لا للواو.
(1/ 274).(3/90)
5 - يحذف حرف الجر عموما، وتدل عليه الحال، فيكون العمل لهذا الحرف المحذوف.
(1/ 293).
6 - إذا حذف حرف الجر نصب المجرور، وقد يبقى الجر. (2/ 16، 68).
7 - قراءة: {تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ} بالجر، ليست عند ابن جنى من الإبعاد والفحش على ما رآه المبرد، بل الأمر فيها أخف وألطف، وذلك على تقدير الباء الجارة، لتقدم ذكرها. (1/ 293).
8 - باء الجر فى: مررت بزيد، معاقبة لهمزة النقل، أى: أمررت زيدا. (1/ 143،
146).
9 (ربّ) لا تعمل فى المعرفة، فأما قولهم: ربّه رجلا، وربّها امرأة، فالمضمر هنا مضارع للنكرة، إذ كان إضمارا على غير تقدم ذكر. (1/ 407).
10 - ذهب بعضهم إلى أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض، وجعلوا من ذلك:
(إلى) بمعنى مع، (فى) بمعنى على، (الباء) بمعنى عن وعلى، (إلى) بمعنى الباء وبمعنى فى، (على) بمعنى عن وبمعنى الباء، (فى) بمعنى مع وبمعنى الباء. (2/ 91
97).
11 - حرف الجر لا يعلّق عن العمل فى مجروره، بخلاف الاسم المضاف لقوة الاسم، وضعف الحرف. (2/ 336).
12 - حرف الجر الزائد يعمل فى لفظ المجرور، والغرض من زيادته هو تثبيت المعنى وتمكينه. (2/ 106).
13 (الجر على المجاورة) نحو: هذا جحر ضبّ خرب. (1/ 520).
* * * (57) الحمل على المعنى
1 - هو كثير فى القرآن الكريم، ومنثور الكلام، ومنظومه. (2/ 180).
2 - إذا حملت العرب شيئا على المعنى لم تكد تراجع اللفظ. (2/ 188).
3 - من صور الحمل على المعنى:
* تذكير المؤنث، وهو كثير، لأنه ردّ فرع إلى أصل. (2/ 184180).
* تأنيث المذكر وهو غريب. (2/ 188184).
* وضع الواحد موضع الجمع. (2/ 188).(3/91)
* وضع الجمع موضع الواحد. (2/ 190).
* اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدى به، لأنه فى معنى فعل يتعدى به.
(2/ 202).
* تقدير عامل يفهم من كلام سبق. (2/ 201198).
4 (كلّ، كلا، من) يصح حمل الكلام بعدهن على اللفظ، أو على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى. (2/ 505، 506، 524).
[مشابهة معانى الإعراب معانى الشعر]:
5 - تركيب (لا) النافية للجنس مع اسمها وصيرورتها كالجزء منه، شبيه بقول الشاعر:
خيط على زفرة فتمّ ولم ... يرجع إلى دقّة ولا هضم
(1/ 517).
6 (لا أدرى أأذّن أو أقام) شبيه بقول الشاعر:
أعاقر كذات رحم ... ما غانم كمن يخيب؟
(1/ 518).
7 - الجر على الجوار فى نحو: (هذا جحر ضبّ خرب) شبيه بقول الشاعر: (قد يؤخذ الجار بجرم الجار). (1/ 520).
8 - فى (التنازع) من اختار إعمال الثانى لأنه الأقرب، شبيه بقول الهذلى:
بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضى
ومن اختار إعمال الأول لسبقه، شبيه بقول الطائيّ:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
(1/ 519، 520).
9 (لا يبنى مثل عنسل مما عينه لام أو راء) لأنه يؤدى إلى الإلباس أو الثقل، شبيه بقول الشاعر:
فقال: ثكل وغدر أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار
(1/ 525).
10 - تشبيه سيبويه (هذا الحسن الوجه) ب (الضارب الرجل) ثم عكس التشبيه، شبيه بقول ذى الرمة:(3/92)
ورمل كأوراك العذارى قطعته ... إذا ألبسته المظلمات الحنادس
(1/ 524).
11 - قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} شبيه فى المعنى بقول الشاعر:
على أنها إذ رأتنى أقاد ... تقول: بما قد أراه بصيرا
(1/ 521).
* * * (58) خروج الشىء عن أصله
1 - قد يخرج الشىء عن أصله، فيزول عنه ما كان يستحقه وضعا، ويغدو له حكم آخر. (1/ 284).
2 (ضرب) فعل ماض مبنى، إذا سميت به خرج إلى الإعراب. (1/ 287).
3 - همزة نحو (صفراء) للتأنيث والمنع من الصرف، فإذا ركبت الكلمة مع أخرى زال عنها ذلك، ومنع الصرف لسبب آخر، وإلا صرفت إذا كانت نكرة. (1/ 284،
285).
4 - ألف نحو (ما ولا وقاف) وأخوتها، وألف (على ولدى وإذا) وأخواتها، مجهولة الأصل، فإذا سميت بها أو اشتققت منها استحال ذلك، واعتقدت فيها ما تعتقده فى المنقلب، فتقول: موّمت ولوّيت وقوّفت، وعلوان ولدوان وإذوان.
(1/ 285).
5 (بأبى أنت) جار ومجرور فى الأصل، فإذا اشتققت منه فعلا صوتيا استحال ذلك التقدير، فقلت بأبأت به بئباء وبأبأة، وقالوا: البئب، مثل عنب. (1/ 285،
286).
6 (يالا) فى قوله: (إذا الداعى المثوّب قال يالا) ألف (يا) فيه صارت منقلبة بالتركيب بعد أن خلطت باللام ووقف عليها، فصارت اللام كأنها جزء منها. (1/ 286).
7 (هلممت) إذا قلت: هلمّ كان فى أصله من (ها) وفعل الأمر (لمّ) ثم ركّبا، فحذفت الألف، وزال عنها أصلها، وصارت (فعللت) من (الهلمام). (1/ 287).
8 - قد يخرج الفعل عن دلالته على إثبات المعنى إلى سلبه نحو، أعجم، أشكى، مرّض، تأثم، السّكاك، التّودية، النّالة، سهر، مبطن، أخفى. (2/ 310
315).(3/93)
9 - رأى ابن جنى فى الثلاثى الذى جاء مفيدا معنى السلب، نحو (سهر). (2/ 314،
315).
10 - قد يخرج الاستفهام عن أصله إلى معنى الخبر، إذا ضامّه معنى التعجب، نحو:
مررت برجل أىّ رجل. (2/ 470).
11 - وقد يخرج الإيجاب عن أصله إلى معنى النفى، إذا لحقته همزة التقرير، نحو {آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (2/ 470).
12 - وقد يخرج العلم عن حقيقة ما وضع له، إذا وصف. (2/ 470).
13 - وقد يخرج الماضى إلى الدلالة على المستقبل، والمضارع إلى الدلالة على الماضى، لغرض، وبدليل. (2/ 521519).
* * * (59) خلع الأدلة
1 - يقصد منه تجريد بعض الحروف والأدوات مما تدل عليه وضعا أو من بعضه، وهى بذلك تكتسب إعرابا ومعنى جديدين. (1/ 527).
2 - ومن مظاهره: تجريد بعض أدوات الاستفهام من دلالتها عليه، نحو: (من وأىّ وأم) إلى معان أخرى. (1/ 527).
3 - كاف الخطاب تفيد الاسمية والخطاب، وقد تخلع عنها دلالة الاسمية نحو (أولئك، وهاك، وليسك أخاك. وكلّاك، وبلاك والله، وأريتك). (1/ 531).
4 - الدليل على أن كاف الخطاب خلعت منها الاسمية وتمحّضت للخطاب أنها تستعمل فى خطاب الملوك والعظماء. فلو كانت تحمل الاسمية لكانت هى المسمّى، والملوك لا تنادى بأسمائها. (1/ 533).
5 (التاء) فى (قمت) ونحوها تضم الاسمية والخطاب، ثم تخلع عنها الاسمية وتخلص للخطاب البتة فى (أنت). (1/ 534).
6 (التاء) فى (أرأيتك) خلعت منها دلالة الخطاب، وبقيت لها دلالة الاسمية بدليل لزومها الإفراد والفتح دائما. (534، 535).
7 - الفرق بين كاف الخطاب وتاء الخطاب السابقتين. (1/ 533).
8 - الضمائر التى قد تخلع منها معنى الاسمية هى الضمائر المتصلة فقط، أما المنفصلة فجارية مجرى الأسماء الظاهرة القوية. (1/ 535).(3/94)
9 (ألا) تفيد التنبيه وافتتاح الكلام، وقد يخلع عنها معنى التنبيه إذا وقع بعدها (يا).
(1/ 538).
10 (واو) العطف فيها معنيان: العطف ومعنى الجمع، وقد يخلع عنها معنى العطف إذا وقعت موقع (مع). (1/ 539).
11 (فاء) العطف فيها معنيان: العطف والإيقاع، فإذا استعملت فى جواب الشرط خلعت دلالة العطف. (1/ 539).
12 (الهمزة) فى نحو: (هاء يا رجل وهاء يا امرأة) فيها معنى الخطاب، فإذا ألحقت الكاف خلعت دلالة الخطاب ولزمت الفتح دائما. (1/ 539).
13 (يا) فى النداء للتنبيه والنداء، وقد يخلع عنها دلالة النداء فى نحو: (ألا يا اسجدوا). (1/ 539).
* * * (60) الرتبة
1 - المحافظة على الرتبة. (1/ 89).
* * * (61) الزيادة
1 - قد يزيدون فى بعض الكلام، تمكنا واحتياطا، لضرب من التوكيد، ولكنهم إلى الإيجاز أميل دليل ذلك. (1/ 125، 126، 129).
2 - الألفاظ أدلّة المعانى، فإذا زادوا فيها شيئا أوجبت القسمة له زيادة المعنى به (2/ 468).
3 - هناك فرق بين الزيادة لتوكيد المعنى الواحد، والزيادة لتوكيد معنى الجملة.
(2/ 338، 339).
4 - موضع زيادة الفعل أوّله بدليل اجتماع ثلاث زوائد فيه نحو: (استفعل)، وموضع زيادة الاسم آخره بدليل اجتماع ثلاث زوائد فيه، نحو: (عنظيان) إلا الميم فتزاد فى أول الأسماء. (1/ 252).
[الزيادة أول الكلمة]:
5 (أفعل) للنقل وجعل الفاعل مفعولا، وللبلوغ. (1/ 243).
6 (أبنيت) الرجل بيتا: أعطيته ما يبنى به. (1/ 92).(3/95)
7 - قد تزاد الهمزة فى أول الفعل الثلاثى فتسلب المعنى الذى يدلّ عليه، وتسمى همزة السلب والإزالة، نحو (أعجم، وأقذى). (2/ 310، 311).
8 - قد تزاد الهمزة فى أول المثال للدلالة على مصادفة الفعل، نحو: أغفل، أهيج، أصمّ، أخلف، أعمر (فى جمل ذكرها). (2/ 456، 457).
9 (مفعل) للمصدرية. نحو: ذهب مذهبا. (1/ 243).
10 (مفعل) للآلات والمستعملات: نحو: مطرق ومخصف. (1/ 243).
11 - اللام الأولى فى (لعلّ) زائدة، بدليل أن العرب قد تحذفها. (1/ 320).
12 - التاء فى (تألب) زائدة، لقولهم: ألب الحمار طريدته. (2/ 302).
13 (استفعل) فى أكثر الأمر للطلب. (1/ 506).
14 - ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها، إلا فى الأسماء الجارية على أفعالها، نحو: مدحرج. (2/ 425).
[الزيادة فى حشو الكلمة]:
15 - زادوا الهمزة وسطا فى أحرف صالحة، نحو: شمأل وشأمل وجرائض وحطائط.
(1/ 175).
16 (فاعل) لما كان من اثنين فصاعدا. (1/ 243، 251).
17 (فعّل) للتكثير. (1/ 243).
18 - قد تكون الزيادة لمدّ الصوت، نحو الألف فى: إعصار. (1/ 249).
19 - العرب زادوا النون ثالثة ساكنة فى موضع حروف اللين أحقّ به وأكثر من النون فيه، فإذا وجدت النون هذه فيما عدّته خمسة أحرف قطعت بزيادتها. (1/ 361).
20 - إذا وجدت حروف اللين ثالثة ساكنة فيما عدّته خمسة أحرف قطعت بزيادتها نحو:
(فدوكس وسميدع وعذافر). (1/ 361).
21 - إذا ثبت أن أحد المضعفين زائد، فمذهب الخليل أن أولهما هو الزائد ومذهب يونس وأبى بكر وأبى على أن ثانيهما هو الزائد. (1/ 436).
22 - إذا وقع المثلان فى موضع العين وبينهما فاصل، فلا يكون هذا الفاصل إلا زائدا، نحو: عثوثل وسلالم. (1/ 441).
23 - متى يكون أحد المثلين زائدا؟ ومتى يكونان أصلين؟. (1/ 433).
24 - قد تزداد الواو وتشدد للمبالغة وتشديد معنى القوة، نحو: حزوّر (للغلام)
وعذوّر (للسيئ الخلق) وكروّس (للصّلب الرأس). (1/ 479).(3/96)
24 - قد تزداد الواو وتشدد للمبالغة وتشديد معنى القوة، نحو: حزوّر (للغلام)
وعذوّر (للسيئ الخلق) وكروّس (للصّلب الرأس). (1/ 479).
25 - تكرير العين فى الفعل دليل تكرير الفعل، والسّرّ فى إيثار العين بالزيادة دون الفاء واللام. (1/ 507).
26 - النون فى (عنسل) و (عنبس) زائدة بدليل الاشتقاق من عسل وعبس. (2/ 302).
27 - النون فى (قنفخر) زائدة، لقولهم: امرأة قفا خريّة. (2/ 302).
28 - من أحرف الزيادة الدالّة على سلب معنى الفعل الداخلة عليه تضعيف العين، نحو: مرّض، وقذّى. (2/ 311، 312).
29 - تزداد الواو أو الياء حشوا فى الخماسىّ، نحو: عضر فوط، عندليب.
(1/ 253).
[الزيادة فى آخر الكلمة]:
30 - لا تجد فى ذوات الخمسة ما زيد فيه من آخره إلا الألف، لخفتها. (1/ 252،
253، 322، 323).
31 - زيادة الواو أو الياء طرفا لا بدّ أن تحصّن بالتاء بعدها، نحو: عرقوة وعلانية.
(1/ 251).
32 - قد تكون الزيادة لتكثير عدّة الحروف، لا للإلحاق، ولا للمعنى، نحو: قرنوة وقلنسوة. (1/ 245، 246).
33 - زيادة المدّات فى آخر الكلم لأجل المدّ، يفسد أنه يؤدى إلى نقض الغرض وهو الزيادة بحذفهن أو الوقف عليهن. (1/ 251، 252).
[الزيادة أوّلا وحشوا]:
34 (تفعّل) للتجنب، نحو تأثم وتحوّب، أى ترك الحوب والإثم. (1/ 481).
(2/ 312).
35 - من الزيادة الدالة على قوة المعنى وكثرته: افعوعل وافتعل. (2/ 466).
[الزيادة حشوا وآخرا]:
36 (عريقصان) تناوبته زيادتان، و (علندى) تناهبته الزوائد. (1/ 281، 282).
[مزيد وغير مزيد]:
37 - من الأسماء الرباعية ما استعمل مزيدا وغير مزيد، نحو: عرطليل، خنشليل، عنتريس، قنفخر. (1/ 281).(3/97)
[زيادة لازمة]:
38 - من الكلمات ما لا تفارقها زيادتها، فلا تستعمل أصولها المجردة، من ذلك فى الثلاثى: حوشب ودودرّى وأبنبم. (1/ 266، 280، 281).
39 (حيزبون) رباعىّ لزمته الزيادة (الواو) ولا يصح أن يكون ثلاثيا، من (الحزب).
(1/ 281).
40 - لزوم الزيادة لما لزمته من الأصول يضعف تحقير الترخيم، لأن فيه حذفا للزوائد.
(1/ 282).
[زيادة كلمة]:
41 - الحرف الذى يزاد فى الكلام يجرّد من دلالته الخاصة، وينصرف إلى دلالة التوكيد لما قبله فقط، نحو (إن) بعد (ما) النافية، و (الباء) فى: بحسبك، و (من) فى:
قد كان من مطر، و (ما) بعد (إن). (2/ 336).
42 - تزاد (ما) حشوا وآخرا ولا تزاد أوّلا إلا فى شاذّ من القول. (1/ 297).
43 - من زيادة الحروف: (اللام) بعد اللام فى قوله: ولا للمابهم أبدا دواء، و (ما) بعد حرف الجر، و (الباء) فى المفعول به، وفى المبتدأ و (لا) بعد (ما) النافية، و (اللام) فى خبر (أمسى)، وفى خبر (أنّ) مفتوحة الهمزة، وزيادة (لا).
(2/ 339).
44 - ذهب بعضهم ومنهم أبو عبيدة إلى أن (ذو) و (آل) و (اسم) وما يتصرف منها قد تزاد، وبه فسر قوله تعالى: {بِسْمِ اللََّهِ} وقول لبيد: (ثم اسم السلام عليكما) ورأى ابن جنى وأبى علىّ عدم الزيادة وفى الكلام حذف. (2/ 271).
45 - وذهبوا أيضا إلى أن (مثل) فى نحو: مثلى لا يأتى القبيح زائدة، ومنع ذلك ابن جنى. (2/ 271، 272).
46 (أل) زائدة فى (الأمس) و (الآن) و (الأوبر) والأسماء الموصولة كالذى والتى.
(2/ 294).
47 - يرى أبو الحسن أن حرف التعريف فى: (إنى لأمرّ بالرجل مثلك) زائد، ورجح ذلك أبو على، ولابن جنى فى ترجيح أبى على رأى. (2/ 329).
48 - زيادة حرف الجر لا تمنع عمله فى لفظ المجرور، وهى لتثبيت المعنى وتمكينه.
(2/ 336).(3/98)
[توهّم أصالة الزائد]:
49 - قد يتوهم الحرف الزائد أصليا، توفية للمعنى المراد وحراسة له، ودلالة عليه، ومن ذلك: تعفرت، تمسكن، تمدرع، تمنطق، تمندل، مخرق، تمسلم، مرحبك الله ومسهلك. (1/ 246).
[ليس من الزيادة]:
50 - النون فى (عنتر، وعنير، وخنشلت، وحنزقر، وحنبتر) ينبغى أن تكون أصلا، وإن كان قد جاء عنهم: عنبس وعنسل، لأن الأخيرين أخرجهما الاشتقاق، والأول لا اشتقاق لها يحكم بكون شىء منها زائدا. (1/ 268).
51 - النون فى (عشوزن) أصلية، وإن كانت تحذف فى الجمع (عشازن) لشبهها بالزائد.
(2/ 343، 344).
52 - الهمزة فى (إبراهيم وإسماعيل) أصلية لا زائدة، وإن كانت تحذف عند التحقير، فتقول: بريهيم وسميعيل، تشبيها لها بالزائد. (2/ 343).
53 (السين) لا تزاد إلا فى (استفعل) وما تصرف منه. (2/ 482).
* * * (62) الضمائر
1 - الضمير أبعد شىء من الفعل، من حيث كان الفعل موغلا فى التنكير، والضمير متناه فى التعريف. (1/ 144).
2 - إنما بنيت المضمرات، لشبهها بالحروف. (1/ 534).
3 - ياء المتكلم تقتضى كسر ما قبلها إذا كان صحيحا، تقول: رأيت فىّ، وقول بعضهم:
(رأيت فاى) خطأ دلّ على عدم فصاحته. (1/ 395، 1/ 202).
4 - كسرة ما قبل ياء المتكلم ليست حركة إعراب ولا بناء. (2/ 137).
5 - بعض العرب يقلب ألف المقصور ياء مع ياء المتكلم، فيقول: عصىّ ورحىّ ونوىّ.
(1/ 203).
6 - الكاف فى (ذلك، أولئك، هاك، هاءك، أبصرك زيدا، ليسك أخاك، أرأيتك زيدا، بلاك والله، كلّاك والله) جرّدت عن الاسمية وأصبحت للخطاب فقط، فهى حرف وليست اسما. (1/ 534532).
7 - ذهب أبو الحسن إلى أن الكاف حرف خطاب فى قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ}
{الْكََافِرُونَ} والتقدير عنده: ويك، أى أعجب، وهى (وى) دخلتها كاف الخطاب.(3/99)
7 - ذهب أبو الحسن إلى أن الكاف حرف خطاب فى قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ}
{الْكََافِرُونَ} والتقدير عنده: ويك، أى أعجب، وهى (وى) دخلتها كاف الخطاب.
(2/ 289).
8 - الضمير فى (أنت) هو (أن) فقط، والتاء حرف خطاب. (1/ 533).
9 - الضميران (هو وهى) إذا دخلت عليهما الواو العاطفة أو الفاء أو لام الابتداء أو همزة الاستفهام قد تسكن (الهاء) منهما (تفسير ابن جنى لذلك). (2/ 109).
10 - الهاء والياء والكاف فى (إيّاه، إيّاى، إيّاك) حروف: الأول للغيبة، والثانى للحضور، والثالث للخطاب. وهذا عند أبى الحسن. (1/ 534).
11 - الضمير اللاحق للفعل مع مرفوعه الظاهر لغة أكلونى البراغيث حرف دالّ على المثنى أو الجمع، وليس اسما. (1/ 538).
12 - اعتراض على عدّ التاء فى (قمت) ونحوه، مرّة اسما مجردا عن الخطاب، ومرة دالا على الاسمية والخطاب وتفسير ابن جنى ذلك. (1/ 534).
13 - ضمير الشأن لا بدّ أن تفسره جملة، ولا يوصف، ولا يؤكد ولا يعطف عليه، ولا يبدل منه، ولا يعود عائد ذكر عليه. (1/ 146).
14 - الضمير لا يوصف. (1/ 407، 408).
15 - الضمير لا يعمل، فلو أضمرت (ضاربا) من قولك: هذا ضارب زيدا، لكنت تقول: هذا هو زيدا، ولا يصح. وتوجيه ابن جنى لقولهم: قيامك أمس حسن وهو اليوم قبيح. (1/ 407).
16 - ضمير الرفع المتحرك يقتضى سكون ما قبله. (1/ 209، 324).
17 - مفسّر الضمير قد يكون بعده، نحو: ضربنى وضربت زيدا، وقد يكون قبله نحو:
زيد ضربته. (1/ 471، 472).
18 - يجب أبراز الضمير إذا جرى على غير من هو له، صفة أو صلة أو خبرا أو حالا.
(1/ 213).
19 - السبب فى إحلال الضمير محل الظاهر، هو خوف الإلباس وطلب الخفة، كما إذا قلنا: زيد ضربت زيدا، بدلا من: زيد ضربته. (1/ 536).
20 - معنى اتصال الضمير، وبم اتّصل المنصوب فى نحو: ضربتك؟ (1/ 144142).
21 - وضعوا الضمير المتصل موضع المنفصل قليلا، وعكسوا كثيرا. (1/ 229، 538).
22 - الضمير المنفصل محمول فى البناء على الضمير المتصل. (1/ 537).(3/100)
23 - الضمير المتصل وإن كان أضعف من المنفصل فإنه أكثر وأسير فى الاستعمال، ولذلك متى أمكن اتصال الضمير لا يعدل عنه إلى انفصاله. (1/ 536).
24 - الأصل فى العائد على الظاهر أن يكون ضميرا، وقد يكون ظاهرا، وأجوده أن يعاد لفظ الأول، ولا يجوز أن يكون العائد كنية الأول عند سيبويه، وأجازه أبو الحسن. (2/ 290، 291).
25 - الضمير المنصوب المحذوف لا يؤكد عند أبى الحسن، فلا تقول: الذى ضربت نفسه زيد. (1/ 163).
26 - اسم الفعل يتحمل الضمير، بدليل العطف عليه بعد توكيده فى قوله تعالى:
{مَكََانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكََاؤُكُمْ} (2/ 276).
* * * (63) سقطات العلماء
1 - الأصمعى يفرق بين (البنى والبنى) والجماعة لا يفرقون. (2/ 93).
2 - الأصمعى يحقّر (مختارا) على: مخيتير، وصحته: مخيّر أو مخيّير. (2/ 494).
3 - أبو عبيدة يقول فى الأمر من (عنيت بحاجتك): اعن بحاجتى. (2/ 493).
4 - الفراء يقول: الأصل فى (قم): أقوم، فأعلّ بنقل ضمة الواو المستثقلة إلى الساكن قبلها. (2/ 493).
5 - الجرمىّ يخطئ فى إنشاد قول الشاعر: (فالآن حين بدون للنظار) فينشده هو:
بدأن. (2/ 494).
6 - سيبويه سأله أحدهم عن قول الشاعر: (يا صاح يا ذا الضامر العنس) فرفع سيبويه (الضامر) فقال له: إن فيها (والرّحل ذى الأقتاد والحلس) فقال سيبويه: من هذا فررت. (2/ 495، 496).
7 - المفضل يصحّف (تولبا جدعا) فيقول (جذعا). (2/ 498).
8 - ابن الأعرابى يرفع (ليلة) من قول الشاعر: (سمين الضواحى لم تؤرقه ليلة)، والأصمعى يردّه إلى النصب. (2/ 499).
9 - تصحيفات أخرى: (لا تنى فى الصيف تامر) فى: لابن فى الصيف تامر، (الجرّ أصل) فى: الجر اصل، (نمسّ بأعراف الجياد) فى: نمشّ، (طرقت عينى) فى:
(طرفت عينى، (محيل) مخيل، (تحسّ وتسفع) فى: تحشّ وتسفع، (تليله) فى:
بليته، (تعنز) فى: تعتر، (يعوز) فى: يعور، (بدفّيه) فى: بذقنه، (محرزق) فى:(3/101)
(طرفت عينى، (محيل) مخيل، (تحسّ وتسفع) فى: تحشّ وتسفع، (تليله) فى:
بليته، (تعنز) فى: تعتر، (يعوز) فى: يعور، (بدفّيه) فى: بذقنه، (محرزق) فى:
محزرق. (2/ 500481).
10 - توهمات: (مندوحة) من: انداح، وإنما هو من (ندح). يوم (أرونان) من (الرّنّة) وإنما هو من (الرّونة). (أسكفّة) الباب، من: (استكفّ) وإنما هو من (سكف).
(2/ 482).
11 - كتاب (العين) فيه من التخليط والفساد والخلل ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلا عن نفسه، وهو تخليط لحق الكتاب من قبل غيره.
(2/ 484).
12 - كتاب (الجمهرة) فيه من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه، لبعده عن معرفة هذا الأمر. (2/ 485).
* * * (64) العدل اللغوى
1 - العدل ضرب من التصرف، وفيه إخراج للأصل عن بابه إلى الفرع. (1/ 103).
2 - عدلوا (فعلا عن (فاعل) فى أحرف محفوظة هى: ثعل، زحل، غدر، عمر، زفر، جشم، قثم وما يقلّ تعداده. (1/ 103).
3 (فجار) معدول عن (فجرة) معرفة علما، وليس معدولا عن الفجرة، وفى عبارة سيبويه تسمّح. (2/ 463).
4 - قد يعدل عن فعيل فى الصفات إلى (فعال) لضرب من المبالغة نحو: طويل وطوال، وقليل وقلال، وسريع وسراع، وليس كل فعيل يعدل عنه إلى فعال، فلا يقال:
جمال وبطاء وشداد وغراض من: جميل وبطئ وشديد وغريض. (2/ 468).
* * * (65) العطف
1 - العطف نظير التثنية. (1/ 147).
2 - إعادة العامل فى العطف نحو: مررت بزيد وبعمرو أوكد من: مررت بزيد وعمرو. (2/ 340).
3 - تأتى (الواو) العاطفة زائدة عند الكوفيين، (ردّ ابن جنى عليهم). (2/ 142).
4 - أجاز أبو الحسن زيادة الواو فى خبر (كان) نحو: كان ولا مال له، وابن جنى يوجّه
ذلك. (2/ 142).(3/102)
4 - أجاز أبو الحسن زيادة الواو فى خبر (كان) نحو: كان ولا مال له، وابن جنى يوجّه
ذلك. (2/ 142).
5 - واو العطف موضوعة للعموم من غير ترتيب، ولكن قد تخصص فيراد منها بعض ما وضعت له، نحو: اختصم زيد وعمرو. (2/ 510).
6 (الواو) العاطفة إذا عطفت أحد الضميرين (هو وهى) فقد تسكن الهاء منهما.
(1/ 310).
7 (الفاء) الداخلة على (إذا) الفجائية عاطفة، وليست زائدة كما قال أبو عثمان، ولا للجزاء كما قال الزيادى. (2/ 511).
8 (أو) فى أصل وضعها لأحد الشيئين، وقد تأتى بمعنى الواو عند قطرب بقرينة أو بغير قرينة، كأن تقع بعد (سواء وسيّان)، (ردّ ابن جنى عليه). (2/ 127، 128،
219، 221، 225).
9 (أو) تأتى بمعنى (بل) عند الفراء، (ردّ ابن جنى عليه). (2/ 219، 221).
10 - بعض العلماء يجيز تقديم المعطوف عطف نسق على المعطوف عليه، نحو: قام وزيد عمرو. (1/ 89، 2/ 159).
11 - لا يجوز تقديم المعطوف فى النسق على المعطوف عليه، إلا مع (الواو) خاصة، على قلّة. (2/ 161، 162).
12 - لا يجوز تقديم المعطوف مع عاطفه على الفعل، فلا تقول: وزيد قام عمرو.
(2/ 159).
13 - لا يجوز تقديم عطف البيان على المعطوف عليه. (2/ 161).
14 - حذف حرف العطف مع بقاء المعطوف، به شاذّ، إنما حكى منه أبو عثمان عن أبى زيد أمثلة ثلاثة، ولعله جميع ما جاء منه. (1/ 297، 2/ 67).
15 - حذف المعطوف يستتبع حذف حرف العطف، ولا يجوز بقاء الحرف بعد حذف المعطوف لأن حرف العطف لا يجوز تعليقه، وما جاء من ذلك ضرورة.
(1/ 298).
16 - قولهم: (راكب الناقة طليحان) إما من حذف العاطف والمعطوف معا، أو من حذف المعطوف عليه. (1/ 296، 2/ 151، 221).
17 - يسهل الفصل بين حرف العطف وما عطفه، إذا كان المعطوف عليه منصوبا.
(2/ 395).(3/103)
18 - لا يجوز العطف على المضمر المجرور بغير إعادة الجارّ. (1/ 406).
19 - يجوز العطف على محل المجرور فى نحو: مررت بك وزيدا، ونزلت عليه وجعفرا. (1/ 144، 146، 342).
20 - يقبح العطف على الضمير المرفوع المتصل، سواء أكان له لفظ أم لا، وسواء أكان الضمير على حرف واحد أم معه زيادة أو أكثر. (2/ 264).
21 - قد يعطف الظرف على الفعل، والفعل على الظرف، أجاز ذلك ابن جنى وخالف فيه بعضهم. (3/ 511، 1/ 147، 148).
22 - عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية بالواو. (1/ 443).
23 - العطف على التوهم، نحو: ليس زيد بقائم ولا قاعدا. (2/ 194، 191،
192).
24 - من العطف على المعنى لا على اللفظ قول الشاعر:
يا صاح يا ذا الضامر العنس ... والرّحل ذى الأقتاد والحلس
(2/ 495، 496).
25 - الفرق بين قولهم: لا أدرى أأذّن أو أقام، وقولهم: لا أدرى: أأذّن أم أقام؟.
(1/ 517).
* * * (66) العلل اللغوية
[العلل العامة]:
1 - علل النحويين ليست على سمت علل المتكلمين، وإنما هى أقرب إليها من علل المتفقّهين. (1/ 100، 130، 179).
2 - الفرق بين النوعين: أن الأولى ظاهرة، مبعثها ثقل الحال أو خفّتها على النفس، والثانية خفيّة، وهى أمارة لوقوع الأحكام. (1/ 104100).
3 - بعض علل الفقه قد يكون واضح الأمر معروفه، نحو: رجم الزانى أو حدّه، والقصاص، والأذان، والحج. (1/ 102).
4 - بعض علل اللغة قد يكون مجهولا، كالمهملات اللغوية، والاقتصار على بعض المثل من غير داع إلى ذلك، والعدل اللغوى فى بعض الألفاظ. (1/ 103).
5 - أكثر ما أهمل من اللغة، إنما كان للاستثقال، وبقيّته ملحق به. (1/ 104).(3/104)
6 - تفسير ابن جنى لعلة الاقتصار على بعض المثل فى بعض الأصول. (1/ 105،
111، 114).
7 - علل النحويين على ضربين: أحدهما واجب لا بدّ منه (علّة برهانيّة)، والآخر ما يمكن تحمله على تجشّم واستكراه. (1/ 130، 178، 192).
8 - قد يكثر الشىء فيسأل عن علّته، فيذهب قوم إلى شىء، ويذهب آخرون إلى غيره فيجب تأمّل القولين واعتماد أقواهما، فإن تساويا اعتقدا جميعا، وعلى هذا معظم قوانين العربية. (1/ 142).
9 - قد يسمع الشىء فيستدلّ به من وجه على تصحيح شىء أو إفساد غيره، ويستدلّ به من وجه آخر على شىء غير الأول. (1/ 144142).
10 - العلة اللفظية إذا تأملتها لم تجدها عارية من اشتمال المعنى عليها. (1/ 149).
11 - العلة المعنوية أشيع وأسير حكما من اللفظية لأنك فى العلة اللفظية متصوّر لحال المعنوىّ، ولست فى المعنوىّ بمحتاج إلى تصور حكم اللفظىّ. (1/ 150).
12 - أكثر علل النحويين إنما تجرى مجرى التخفيف والفرق، ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنا وإن كان على غير قياس ومستثقلا، وليست كذلك علل المتكلمين، لأنه لا قدرة على غيرها. (1/ 178).
13 - الحكم الواحد قد يكون معلولا بعلتين اثنتين أو أكثر، فى وقت واحد تارة، وفى وقتين اثنين تارة أخرى. (1/ 185، 187).
14 - يجب الاحتياط فى وصف العلة نحوية أو كلامية بذكر كل ما يلزمها من شروط ومحترزات، حتى لا يضطّرّ إلى تخصيصها عند ما يورد عليه ما ينقضها.
(1/ 183178).
15 - كتب «محمد بن الحسن» إنما ينتزع أصحابنا منها (العلل) لأنهم يجدونها منثورة فى أثناء كلامه، فيجمع بعضها إلى بعض بالملاحظة والرفق، ولا تجد علّة فى شىء من كلامه مستوفاة محررة. (1/ 191).
16 - أكثر العلل عندنا مبناها على الإيجاب بها كنصب الفضلة ورفع المبتدأ أو الخبر وضرب آخر يسمى (علّة) وإنما هو فى الحقيقة سبب يجوّز ولا يوجب، ومنه الأسباب الداعية إلى الإمالة. (1/ 193192).
17 - الضّدّان أو النقيضان إذا حلّ أحدهما محلّا ما، كان ذلك علّة لوجوب ظهور
أثره، لا لجوازه، كالسواد والبياض، والحركة والسكون. (1/ 193).(3/105)
17 - الضّدّان أو النقيضان إذا حلّ أحدهما محلّا ما، كان ذلك علّة لوجوب ظهور
أثره، لا لجوازه، كالسواد والبياض، والحركة والسكون. (1/ 193).
18 - الحكم الواحد قد تتجاذبه علّتان أو أكثر، والحكمان المختلفان فى الشىء الواحد قد تدعو إليهما علّتان مختلفتان. (1/ 195194).
19 - من علل النحويين ما هو قاصر غير متعدّ إلى الأشباه والنظائر، وهذا النوع لا يصح. (1/ 199196).
20 - ما سمّاه «ابن السراج» (علّة العلّة) إنما هو تجّوز فى اللفظ، فإنه فى الحقيقة شرح وتفسير وتتميم للعلة. (1/ 200، 201).
21 - قد تتصاعد عدّة العلل، فيؤدى ذلك إلى هجنة القول وضعفة القائل به.
(1/ 200).
22 - لا ينبغى للنحويين اختصار العلة (إدراجها)، بل عليهم أن يستوفوا ذكر أصلها ويتقصّوا شرحها حتى لا يكون اختصارها مدعاة لسؤال أو استفسار. (1/ 207).
23 - من العلل ما يلزم (الدّور) أى توقّف كل علة على الأخرى، نحو: أن يعتلّ لسكون ما قبل الضمير فى (ضربن) بأنه لحركة الضمير بعده، ثم يعتلّ لحركة الضمير فيه بأنه لسكون ما قبله. (1/ 209، 210).
24 - سوء فهم علل النحويين، قد يورد عليهم اعتراضات من الضّعفة فى هذه الصنعة.
(1/ 211، 212).
25 - الزيادة فى صفة العلة لا شىء فيها إذا كانت مثبّتة لحال المزيد عليه، أما لو كانت غير مؤثرة فى الحكم الواجب بالعلة لكان ذلك خطلا ولغوا من القول. (1/ 219
221).
26 - قد تكون المشابهة اللفظية وحدها علّة لإعطاء أحد الشيئين حكم صاحبه.
(1/ 235، 236).
27 - العرب أصحاب هذه اللغة كانوا يدركون علل استعمالهم اللغوىّ على طرائق مختلفة، وهى العلل التى يقول بها النحويون، وليس يجوز أن يكون اختلاف مناحى القول عندهم قد وقع لهم اتفاقا. (1/ 254، 260، 264).
28 - الأصمعىّ ليس ممن ينشط للمقاييس، ولا لحكاية التعليل. (1/ 360).
29 - علة جواز الحكم بشىء قد تصلح أن تكون علّة للحكم بضده. (2/ 289
292).(3/106)
30 - الحكم مرتبط بالعلة، فإذا زالت زال، ولكن قد يبقى الحكم مع زوال العلة، وهذا قليل. (2/ 380، 384).
31 - من العلل عندهم أن إجازتهم لشىء قد تؤدى إلى نقض الغرض من الامتناع عنه.
(2/ 247242).
[العلل الخاصة]:
[فى الأسماء]:
32 - إنما رفعوا المبتدأ، لتقدمه، فأعربوه بأثقل الحركات وهى الضمة، وكما رفعوا الفاعل، لتقدمه، ونصبوا المفعول، لتأخره. (1/ 105).
33 - توضيح ابن جنى لعلّة ورود الثلاثى ساكن الوسط أو محرّكه. (1/ 106).
34 - ألحقوا نون التوكيد باسم الفاعل، لشبههه بالمضارع، (1/ 171).
35 - إنما منعت بعض الأسماء من الصرف لشبهها بالفعل لفظا، ولعلل ثمانية معنوية، والأولى تسمى القياس اللفظىّ، والثانية تسمى (القياس المعنوىّ). (1/ 111،
149، 204).
36 - من العلل المعنوية علّة رفع الفاعل ونصب المفعول. (1/ 149، 182).
37 - من عللهم (الفرق بين الاسم والصفة) وهى علة استحسان غير معتدّة، وبها لجأوا إلى الأثقل وتركوا الأخفّ، نحو: الفتوى والتّقوى، مع أن الاسم قد يشارك الصفة فى أشياء كثيرة، لا يوجبون على أنفسهم الفرق بينهما فيها. (1/ 169).
38 - العلة فى إحلال الضمير محلّ الظاهر، هى خوف الإلباس وطلب الخفة، كما إذا قلت: زيد ضربت زيدا وأنت تريد: ضربته. (1/ 536).
39 - العلة فى أنه متى أمكن اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله، هى طلب الخفة بتقليل عدد الأحرف. (1/ 537).
40 - العلة فى كثرة الأعلام فى الأعيان (الأشخاص) وقلّتها فى المعانى أن الأعيان أظهر للحاسّة وأبدى إلى المشاهدة، فكانت أشبه بالعلمية مما لا يرى ولا يحسّ.
(2/ 6).
41 - علة مجىء بعض المصادر بالتاء نحو: الرشاقة والموجدة أن أجناس الأعيان قد تأتى مؤنثة ولا حقيقة تأنيث فى معناها، نحو: غرفة، فكذلك أجناس المعانى يجىء بعضها مؤنثا لفظا لا معنى. (2/ 6).(3/107)
42 - علة بناء اسم الفعل للأمر والنهى، هى تضمن معنى لام الأمر، وأما اسم الفعل للخبر فالعلّة فيه حمله على ما دلّ عليه الأمر. (2/ 287).
43 - علة (نقض الغرض) هى التى جعلتهم يمتنعون من: تثنية المثنى، ووصف العلم إذا كثر المسمّون به، وتنوين المضاف، والإتيان ب (من) فى التفضيل بعد ما فيه الألف واللام، والادّغام فى الملحق. (2/ 447442).
44 - علة بناء نحو (كم، من، ما، إذ) هى مشابهة ما جاء من الحروف على حرفين نحو: هل. (1/ 196).
[فى الأفعال]:
45 - العلة فى إعراب المضارع هى شبهه باسم الفاعل. (1/ 110).
46 - علة بناء الماضى على الحركة هى أن تكون له مزيّة على ما لا نسبة بينه وبين المضارع، وهو أمر المواجه. (1/ 110).
47 - علة إعلال (الياء) بالقلب ألفا فى (استافوا) وعدم إعلال (الواو) فى (اجتوروا، واعتونوا). (1/ 182).
48 - علة مجىء الأفعال لازمة مرّة ومتعدية أخرى، أن كلّ فاعل غير الله سبحانه فإنما الفعل منه شىء أعيره وأقدر عليه، فهو وإن كان فاعلا، فإنه لمّا كان معانا مقدرا صار كأنّ فعله لغيره. (2/ 17).
49 - علة حذف الواو من (يعد) ونحوه وهى حرف أصلى دون حرف المضارعة وهو زائد أن الزائد هنا يدلّ على معنى، هو أنه علم المضارعة. (2/ 236).
50 - علة (نقض الغرض) هى التى جعلتهم يمتنعون من تنوين الفعل، وتعريفه.
(2/ 442، 443).
[فى الحروف]:
51 - علة جواز الجمع بين الياء والواو ردفين، واستكراه اجتماعها وصلين.
(1/ 127).
52 - علة جواز زيادة (إن) بعد (ما) إنما هى المشابهة اللفظية ل (ما) النافية التيظ تؤكّد ب (إن)، فصارت المصدرية كأنها هى التى فى معنى النفى، وإلا لم يجز إلحاق (إن) بها. (1/ 149).
53 - العلة فى التنوين اللاحق فى مثال الجمع الأكبر نحو (جوار وغواش) هى أنه
عوض من ضمّة الياء (عند بعضهم). (1/ 197).(3/108)
53 - العلة فى التنوين اللاحق فى مثال الجمع الأكبر نحو (جوار وغواش) هى أنه
عوض من ضمّة الياء (عند بعضهم). (1/ 197).
54 - علة (نقض الغرض) هى التى منعتهم من أن يعملوا الحروف فى شىء من الفضلات، كالظرف والحال والتمييز. (2/ 63، 67).
55 - علة إيثارهم حذف لام (قاض) ونحوه دون التنوين، مع أن التنوين زائد، واللام أصل أن الزائد هنا جاء لمعنى هو أنه علم الصرف. (2/ 235).
* * * (67) العلم
1 - الاسم غير المسمّى، هذا هو رأى أبى علىّ وتلميذه ابن جنى، ولذا صحت إضافة أحدهما إلى الآخر، وذهب غيرهما إلى أن الاسم هو المسمّى. (2/ 267).
2 - الموقع عليه الاسم العلم شيئان: عين وهو الجوهر، ومعنى وهو العرض.
(2/ 274).
3 - قلّت الأعلام فى المعانى، وكثرت فى الأعيان (الأشخاص). (1/ 3، 6).
4 - من أسماء المعانى الأعلام: سبحان، زوبر، الأمثلة الموزون بها، أسماء الأعداد
إلخ. (2/ 274، 275). (2/ 3، 6).
5 - قد يختص العلم بشىء لا يكون فى غيره من الأجناس، كالتصحيح مع وجود سبب العلة فيه، وفكّ الادّغام مع وجود شرطه، ومخالفة نظائره فى الصياغة.
(2/ 275).
6 - العلة فى مخالفة العلم غيره من الأجناس أحيانا هى (كثرة الاستعمال)، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرا. (2/ 275).
7 (موألة) علما: إن كان من (وأل) فهو شاذ، لعدم إعلاله، وإن كان من (مأل) فلا شىء فيه. (2/ 275).
8 - الجمل إذا سمّى بها تبقى معانى الأفعال فيها، نحو (شاب قرناها)، علم فيه معنى الذّمّ. (2/ 147).
9 - قد يكون العلم منقولا. (2/ 398).
10 - قد يحمل العلم معنى الفعل أو الوصف، فيصح أن يتعلق به الظرف، نحو: (أنا أبو المنهال بعض الأحيان). (2/ 471، 472، 473).
11 - من الأعلام التى بقيت فيها دلالة الصفة أو جملتها قولهم: (إنما سمّيت هانئا
لتهنأ، كلّ غانية هند، الناس كلّهم بكر إذا شبعوا). (2/ 471، 472).(3/109)
11 - من الأعلام التى بقيت فيها دلالة الصفة أو جملتها قولهم: (إنما سمّيت هانئا
لتهنأ، كلّ غانية هند، الناس كلّهم بكر إذا شبعوا). (2/ 471، 472).
12 - وصف العلم جار مجرى نقض الغرض، لأنه وضع ليغنى عن أوصاف كثيرة، وإنما يوصف إذا كثر المسمّون به فدخله اللبس، ولذا ما كان من الأعلام لا شريك له فى العلمية لا يوصف. (2/ 446، 447، 470).
13 - رأى ابن جنى فى الأعلام المتفردة بأسمائها إذا وردت موصوفة، نحو: الفرزدق، ويشجب. (2/ 447).
14 - إنما نوّنوا الأعلام والتنوين علامة التنكير لأنها ضارعت بألفاظها النكرات، إذ كان تعرّفها معنويا لا لفظيا. (2/ 447).
15 - الكنية لا تصلح أن تكون عائدا على الاسم الظاهر عند سيبويه، نحو: زيد مررت بأبى محمد، وأجاز ذلك أبو الحسن. (2/ 291).
* * * (68) العوامل النحوية
1 - قول النحويين عامل لفظى وعامل معنوىّ، إنما يراد به أن بعض العمل يأتى مسببا عن لفظ يصحبه، وبعضه يأتى عاريا من مصاحبة لفظ، هذا ظاهر الأمر، فأما فى الحقيقة فالعمل إنما هو للمتكلم نفسه. (1/ 149).
2 - العوامل اللفظية راجعة فى الحقيقة إلى أنها معنوية. (1/ 149).
3 - المضارع مرفوع لوقوعه موقع الاسم. (1/ 151).
4 - المبتدأ مرفوع بالابتداء. (1/ 149).
5 - المعانى لا تعمل فى المفعول به، إنما تعمل فى الظروف والأحوال. (1/ 144،
145).
6 - عامل النصب فى المفعول: الفعل، أو الفاعل، أو هما معا. (1/ 145143).
7 - المكان لا يعمل فى المفعول به، كما أن الزمان لا يعمل فيه، ولذا كان (ملاحس) من قولهم: (تركته بملاحس البقر أولادها) مصدرا، لا اسم مكان لأنه نصب (أولادها). (2/ 12).
8 - المصدر المجموع قد يعمل فى المفعول به، وهو غريب، نحو: (مواعيد عرقوب أخاه بيثرب). (2/ 12).
9 - فى التنازع: اختار بعضهم إعمال الثانى، لقربه، واختار آخرون إعمال الأول
لسبقه. (1/ 519، 520، 2/ 13).(3/110)
9 - فى التنازع: اختار بعضهم إعمال الثانى، لقربه، واختار آخرون إعمال الأول
لسبقه. (1/ 519، 520، 2/ 13).
10 - الضمير لا يعمل، وتوضيح ابن جنى لقولهم: قيامك أمس حسن وهو اليوم قبيح. (1/ 407).
11 - الحروف لإرادة الاختصار فيها لا يجوز أن تعمل فى شىء من الأسماء الصريحة ولا فى الفضلات: الظرف والحال والتمييز والاستثناء، وغير ذلك، إلا (ليت وكأنّ) بما فيهما من معنى التمنى والتشبيه، فإنهما قد يعملان فى الحال أو الظرف. (2/ 63، 64).
12 (يا) هى العاملة فى المنادى، لمزيّة فيها ليست لسائر الحروف. (2/ 65، 66).
13 (ما) فى قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت. هى التى عملت الرفع والنصب فيما بعدها، لأنها عاقبت الفعل فعملت عمله. (2/ 158).
14 - طريقة أبى علىّ وجلّة أصحابنا من قبله أن الشىء إذا عاقب الشىء ولى من الأمر ما كان المحذوف يليه، من ذلك: الظرف إذا تعلق بالمحذوف فإنه يتضمن الضمير الذى كان فيه، ويعمل ما كان يعمله من نصبه الحال والظرف. (2/ 158).
15 (ربّ) إذا حذفت وعوّض منها (الواو) فالعمل ل (ربّ) المضمرة، لا للواو.
(1/ 275).
16 - إذا حذف الفعل وناب غيره منابه، مصدرا كان أو غيره، فالعمل لما ناب لا للفعل، نحو: ضربا زيدا، دونك زيدا، عندك جعفرا. (1/ 275).
17 - إذا نصب المضارع بعد (الفاء) أو (الواو) أو (أو) فالعمل ل (أن) المضمرة، لا لهذه الأحرف. (1/ 275).
* * * (69) غلط العربى
1 - كان أبو على يقول: إنما دخل الغلط فى كلامهم، لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يعتصمون بها، وإنما تهجم بها طباعهم على ما ينطقون به، فربّما استهواهم الشىء فزاغوا به عن القصد. (2/ 474).
2 - من أغلاطهم فى المعانى: (دوّمت الأرض) و [تعابير دوقية وقعت لكثير عزة، ولبشّار، وللحطيئة]. (2/ 479، 480).
3 - ومن أغلاطهم فى الألفاظ: مالك الموت، مصائب، راءة، زاء، منائر، مزائد،
حلأت، رثأت، استلأمت، لبّأت، أدمانة، سآيلتهم. (2/ 474، 480).(3/111)
3 - ومن أغلاطهم فى الألفاظ: مالك الموت، مصائب، راءة، زاء، منائر، مزائد،
حلأت، رثأت، استلأمت، لبّأت، أدمانة، سآيلتهم. (2/ 474، 480).
* * * (70) الفاعل
1 - الفاعل مع فعله بمنزلة الجزء الواحد. (1/ 144، 290، 2/ 47، 141).
2 - الإعراب هو الذى يميز الفاعل من المفعول به، فإن اتفقا فى علامته كان المقدم هو الفاعل، ما لم تكن قرينة مبينة، والقرينة قد تكون لفظية، أو معنوية، أو دلالة الحال. (1/ 89).
3 - رفع الفاعل لتقدمه، ونصب المفعول لتأخره. (1/ 108).
4 - لماذا خصّ الفاعل بالرفع، والمفعول بالنصب، ولم يعكس الحال؟ (1/ 101).
5 - رفع الفاعل بالضمة، لأن صاحب الحديث أقوى الأسماء، والضمة أقوى الحركات، فجعل الأقوى للأقوى. (1/ 200).
6 - توهم بعضهم، فظنّ أن النحويين أخطأوا حين قالوا: الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب، فقد يكون الأمر على خلاف ذلك فى زعمه. (1/ 211).
7 - ورد نصب الفاعل ورفع المفعول: كقول الجعدىّ: (كأنه رعن قفّ يرفع الآلا).
(تخريج ابن جنى لذلك). (1/ 169، 170).
8 - إنما وجب رفع الفاعل، من حيث كان مسندا إليه وقبله عامل لفظىّ قد عمل فيه، وهو الفعل. (1/ 220).
9 - الصفة إذا كانت جملة أو حرف جر أو ظرفا، لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل، لأن الفاعل لا يحذف. (2/ 148، 149).
10 - فى نحو قولنا: لك مال، وعليك دين بعضهم يعرب المرفوع فاعلا بالظرف، لا مبتدأ. (1/ 321).
11 - إذا أضيف المصدر إلى فاعله جرّ فى اللفظ، واعتقد مع هذا أنه فى المعنى مرفوع. (1/ 291).
12 - إذا أضيف المصدر إلى فاعله جرّ فى اللفظ، واعتقد مع هذا أنه فى المعنى مرفوع. (1/ 291).
13 - يمتنع تقديم الفاعل فى نحو: ضرب غلامه زيدا، لما فيه من عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وقد أجمعوا على ذلك الامتناع. (1/ 300).(3/112)
14 - يجوز عند ابن جنى تقديم الفاعل المتصل بضمير المفعول على المفعول، فى نحو:
(جزى ربّه عنى عدىّ بن حاتم) ويحتجّ لذلك. (304301).
15 - لا يفصل بين الفعل وفاعله بالأجنبى، والفصل بالظرف متجوّز فيه. (1/ 444،
2/ 164).
16 - قد يحذف فعل الفاعل لتقدم دليل عليه من لفظه، نحو {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهََا بِالْغُدُوِّ وَالْآصََالِ رِجََالٌ}. (2/ 133).
17 - تدخل (ما) على الفعل، فتكفّه عن طلب الفاعل نحو: قلّما يقوم زيد، وجاز عندهم إخلاء الفعل من الفاعل، لما دخله من مشابهة حرف النفى. (1/ 482).
* * * (71) فوائت الكتاب
1 - هذه الفوائت المستدركة على كتاب سيبويه، منها ما ليس قائله فصيحا عنده، ومنها ما لم يسمع إلا فى الشعر موضع الاضطرار، ومنها ما هو لازم له، وهو دليل مناقب سيبويه ومحاسنه بأن يستدرك عليه هذا القليل من بين هذه اللغة المنتشرة.
(2/ 404).
2 - أما هذه الفوائت فهى فى (الجزء الثانى):
تلقامة وتلعابة (2/ 404، 406) ترعاية (2/ 406، 3/ 413) قرناس (2/ 407) فرانس (2/ 407) تنوفى (2/ 407، 408) ترجمان (2/ 409) شحم أمهج (2/ 409) مهوأنّ (2/ 410، 411) عياهم (2/ 411) تماضر وترامز (2/ 412) ينابعات (2/ 412) دحندح (2/ 413) عفرّين (2/ 413) صنّبر (2/ 414) هزنبران وعفزّران (2/ 415) هديكر (2/ 416). زيتون (2/ 416) ميسون (2/ 416) قيطون (2/ 416) هتدلع (2/ 417) قذبذب، قذّبذب (2/ 417) درداقس (2/ 418) خزرانق (2/ 418) شمنصير (2/ 418) مؤق (2/ 418) مأق (2/ 419) جبروّة (2/ 420) مسكين ومنديل (2/ 420) حوريت (2/ 420) خلبوت (2/ 420) ترقؤة (2/ 421) سمر طول (2/ 421) قرعبلانة (2/ 421) عقرّبان (2/ 423) مألك (2/ 424) أصرّى (2/ 425) إصبع، زئبل، ضئبل، خرقع (2/ 425) إزلزل (2/ 425) سراوع (2/ 426) فرنوس (2/ 426) الحبليل (2/ 426) ضهيد، عتيد الخرنباش (2/ 429) تعفرت، يرنأ (2/ 430) يستعور
(2/ 427) أرونان 2/ 427) صعفوق (2/ 427) زيزفون (2/ 428) سقلاطون (2/ 428) أطربون (2/ 429) زونزك (2/ 430) زوزى (2/ 430) زرنوق (2/ 430) الأربعاوى (2/ 426) رجل ويلمّه (2/ 426) الماطرون (2/ 428) القهوباة (2/ 429) الزّونّك (2/ 430) الضّفنّط (2/ 430).(3/113)
تلقامة وتلعابة (2/ 404، 406) ترعاية (2/ 406، 3/ 413) قرناس (2/ 407) فرانس (2/ 407) تنوفى (2/ 407، 408) ترجمان (2/ 409) شحم أمهج (2/ 409) مهوأنّ (2/ 410، 411) عياهم (2/ 411) تماضر وترامز (2/ 412) ينابعات (2/ 412) دحندح (2/ 413) عفرّين (2/ 413) صنّبر (2/ 414) هزنبران وعفزّران (2/ 415) هديكر (2/ 416). زيتون (2/ 416) ميسون (2/ 416) قيطون (2/ 416) هتدلع (2/ 417) قذبذب، قذّبذب (2/ 417) درداقس (2/ 418) خزرانق (2/ 418) شمنصير (2/ 418) مؤق (2/ 418) مأق (2/ 419) جبروّة (2/ 420) مسكين ومنديل (2/ 420) حوريت (2/ 420) خلبوت (2/ 420) ترقؤة (2/ 421) سمر طول (2/ 421) قرعبلانة (2/ 421) عقرّبان (2/ 423) مألك (2/ 424) أصرّى (2/ 425) إصبع، زئبل، ضئبل، خرقع (2/ 425) إزلزل (2/ 425) سراوع (2/ 426) فرنوس (2/ 426) الحبليل (2/ 426) ضهيد، عتيد الخرنباش (2/ 429) تعفرت، يرنأ (2/ 430) يستعور
(2/ 427) أرونان 2/ 427) صعفوق (2/ 427) زيزفون (2/ 428) سقلاطون (2/ 428) أطربون (2/ 429) زونزك (2/ 430) زوزى (2/ 430) زرنوق (2/ 430) الأربعاوى (2/ 426) رجل ويلمّه (2/ 426) الماطرون (2/ 428) القهوباة (2/ 429) الزّونّك (2/ 430) الضّفنّط (2/ 430).
* * * (72) القلب المكانى
1 - القلب فى كلامهم كثير. (1/ 451).
2 - كل لفظين وجد فيهما تقديم وتأخير، فأمكن أن يكونا جميعا أصلين ليس أحدهما مقلوبا عن صاحبه، فهو القياس الذى لا يجوز غيره، وإن لم يمكن ذلك حكمت بأن أحدهما مقلوب عن صاحبه. (1/ 442).
3 - يحكم بأصالة اللفظين إذا تصرفا جميعا تصرفا متساويا، نحو جذب وجبذ، فلكل منهما مصدره ومشتقاته على حدّ سواء. (1/ 442، 2/ 205).
4 - من أدلّة القلب: عدم وجود المصدر، وعدم الإعلال مع وجود موجبه، وقلّة الاستعمال وقلّة التصرف. (1/ 445442، 2/ 205، 206).
5 - سيبويه والجرمى يختلفان فى قلب (اطمأن) قلبا مكانيا، ولكل منهما حجة.
(1/ 445).
6 - سيبويه له فى (أينق) مذهبان. (1/ 276، 445، 446، 449).
7 - رأى الفراء وأبى على وأبى زيد فى (الجاه). (1/ 446).
8 - رأى الفراء وابن جنى فى (الحادى). (1/ 447، 2/ 497).
9 - رأى الخليل فى (أشياء). (1/ 446، 455).
10 - الآراء فى (اليمى) من قول الشاعر: (مروان مروان أخو اليوم اليمى) ورأى خاص لابن جنى. (1/ 446، 447، 455).
11 - من طريف المقلوب قولهم للقطعة الصعبة: (تيهورة) آراء العلماء فى عدّها من المقلوب، وفى أصلها، ووزنها. (1/ 450448).
12 (زبردج) أى: زبرجد قلب لحق الكلمة فى بعض الشعر، ولا يقاس.
(1/ 109، 110).
13 (إراة) من قول أبى خيرة: حفرت إراتك فيها قلب مكانى. (2/ 497).(3/114)
14 - أمثلة للقلب المكانى: القال (1/ 61) باز (1/ 61) ثبة (1/ 87) ما أبطبة.
(1/ 111) امضحلّ (1/ 111) قسىّ (2/ 305) الطادى (2/ 497) عدا فى قول الشاعر: (وأخلفوك عدا الأمر) على رأى الأصمعى (2/ 391) مألكة ومألوك عند بعضهم (2/ 475) آن يئين، أيس، اكرهفّ، حشم (1/ 445442).
* * * (73) القول
1 - معنى القول. (1/ 72).
2 - الفرق بين القول والكلام. (1/ 72).
3 - تجوزهم بتسمية الآراء والاعتقادات قولا. (1/ 73).
4 - الكلام والقول يقع كل واحد منهما موقع صاحبه. (1/ 75، 76).
* * * (74) الكلمة والكلام
1 - اشتقاق الكلم وبيان تقاليبه وما تدور عليه. (1/ 68).
2 - الكلام كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه. (1/ 72).
3 - الفرق بين الكلام والقول. (1/ 73).
4 - الكلام واقع على الجمل دون الآحاد. (1/ 80).
* * * (75) كان وأخواتها
1 - يجوز فى القياس تقديم خبر كان وأخواتها على أسمائها، وعليها أنفسها.
(2/ 159).
2 - يجيز ابن جنى تقديم خبر كان إذا كان فعلا على اسمها، فنحو: كان يقوم زيد، يرى أن (زيد) اسم كان و (يقوم) خبر كان مقدم على الاسم، ثم يجيب عن اعتراض لغيره ويقول: ونحن نعتقد أن (زيدا) مرفوع ب (كان). (1/ 284).
3 - يجوز تقديم خبر (ليس) عليها، نحو: زيدا ليس أخوك، وامتناع أبى العباس من ذلك خلاف للبصريين والكوفيين وترك لموجب القياس عند النظّار والمتكلمين.
(2/ 159).
4 (كان) ترد تامّة كما فى قول الفرزدق: (وعينان قال الله كونا فكانتا) (2/ 495).(3/115)
5 (كان) تزاد حشوا أو آخرا، ولا يجوز زيادتها أوّلا. (1/ 297، 320).
6 - يجوز زيادة الواو فى خبر (كان) عند أبى الحسن، وابن جنى يوافقه. (2/ 222).
7 - يجوز أن تعمل (ليس) فى الظروف، وإن لم يمكن فيها تقدير الحدث. (2/ 171).
8 - حذف خبر (كان). (2/ 153).
9 - أفعال الاستمرار لا يقترن خبرها ب (إلّا)، فلم يجيزوا: ما زال زيد إلا قائما، لما آل المعنى به من النفى إلى: ثبت زيد إلا قائما، فكما لا يقال هذا لا يقال ذاك.
(2/ 224، 2/ 448).
* * * (76) كسر الإعراب
1 - تفسير أبى زيد وابن جنى لعدم الجزم ب (لم) فى ظاهر قوله: (أيوم لم يقدر أم يوم قدر). (2/ 324، 325).
2 - تفسير ابن جنى لتسكين الفاعل وأفعال الأمر والنهى فى: (بداهنك، أشرب غير مستحقب، اشتر لنا سويقا، لا تكتر كريّا. (2/ 325، 326).
3 - تفسير ابن جنى لحذف حرف العلة من الأوجوف والناقص فى حال الرفع، فى قوله: (بالذى تردان) وقوله: (وأخرى تعط بالسيف الدّما). (2/ 321).
* * * (77) اللغة
1 - تعريف اللغة. (1/ 87).
* * * (78) لا النافية للجنس
1 - تبنى مع اسمها، فتصير كجزء منه، نحو: لا بأس عليك. (1/ 517، 528).
2 - الفتحة فى نحو: لا رجل عندك، ليست فتحة نصب، وإنما هى فتحة بناء، وقعت موقع فتحة الإعراب، الذى هو عمل (لا) فى المضاف والممطول. (2/ 293).
3 - الفتحة فى قولك: (لا خمسة عشر لك) فتحة بناء التركيب فى هذين الاسمين، واقعة موقع فتحة البناء فى: لا رجل عندك لأن هذا المركب لا يغيره العامل القوى، فما بال الضعيف؟ (2/ 293).
4 - إذا كان اسم (لا) جمعا بالألف والتاء نحو: لا مسلمات لك، صح فيه الوجهان:
النصب بالفتحة أو بالكسرة، وهذا شىء قاسه أبو عثمان، وأما بقية الجماعة فالكسر لا غير. (2/ 497).(3/116)
4 - إذا كان اسم (لا) جمعا بالألف والتاء نحو: لا مسلمات لك، صح فيه الوجهان:
النصب بالفتحة أو بالكسرة، وهذا شىء قاسه أبو عثمان، وأما بقية الجماعة فالكسر لا غير. (2/ 497).
5 - حذف خبر (لا). (2/ 152).
* * * (79) المبتدأ والخبر
1 - إنما وجب رفع المبتدأ، من حيث كان مسندا إليه، عاريا من العوامل اللفظية قبله فيه. (1/ 220).
2 - المبتدأ مرفوع بالابتداء، والكوفيون (أو البغداديون) يرفعونه إما بالجزء الثانى الذى هو مرافعه عندهم، وإما بما يعود عليه من ذكره على حسب مواقعه. (1/ 72،
73، 149، 194، 223).
3 - إنما رفعوا المبتدأ لتقدمه، فأعربوه بأثقل الحركات وهى الضمة. (1/ 105).
4 - المبتدأ فاعل فى المعنى، فقولنا: قام زيد، مثل: زيد قام فى المعنى ولكنك سلكت طريق صنعة اللفظ، فاختلفت السّمة. (1/ 343).
5 - يجوز ارتفاع المبتدأ بعد (إذا) الزمانية بالابتداء، استدلالا بقول ضيغم: (إذا هو لم يخفنى فى ابن عمى) هو رأى أبى الحسن، والظاهر من كلام ابن جنى. (1/ 144
146).
6 - يجوز الابتداء بالنكرة إذا أفادت، كقولهم: أمت فى حجر لا فيك، شرّ أهرّ ذا ناب، سلام عليك، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}. (1/ 321).
7 - بقّوا المبتدأ بلا خبر فى قولهم: أقلّ امرأتين تقولان ذلك، لمّا ضارع المبتدأ حرف النفى. (1/ 482).
8 - أقيمت الصفة الجملة مقام المبتدأ، فى نحو: (لو قلت ما فى قومها لم تيثم).
(2/ 149).
9 - يجب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة، وكان الخبر عنه ظرفا، والكلام على الإثبات، فإن كان فى غير الإثبات جاز التقديم والتأخير، نحو: هل غلام لك؟ وما بساط تحتك.
(1/ 304، 321).
10 - قد يحذف المبتدأ للدلالة عليه، فهو كالمتلفظ به. (1/ 293، 2/ 142).(3/117)
11 - رافع الخبر عندنا هو المبتدأ والابتداء معا، وعند أبى الحسن رافعه هو المبتدأ وحده.
(2/ 161).
12 - تدخل الفاء فى خبر المبتدأ، لما فيه أو فى صفته من معنى الشرط. (2/ 514،
515).
13 - الجملة الخبرية قد تخلو من ضمير يعود إلى المبتدأ. (1/ 146).
14 - يجوز فى القياس تقديم خبر المبتدأ عليه. 2/ 159، 167).
15 - يقبح الفصل بين المبتدأ والخبر بالأجنبى، ويجوز بالظرف. (2/ 164).
16 - لا تقول: أحقّ الناس بحال أبيه ابنه، ولا: ناكح الجارية واطئها، ولا: ربّ الجارية مالكها، لأن الجزء الأول مستوف لما انطوى عليه الثانى، فلا فائدة فى الخبر. (2/ 526524).
17 - قد يتّحد لفظ المبتدأ والخبر، ولكن يختلف المراد، فيحمل الثانى على المعنى، نحو: (أنا أبو النجم وشعرى شعرى). (2/ 526524).
18 - قد يحذف الخبر حملا على المعنى، نحو قولهم: كلّ رجل وصنعته، وأنت وشأنك، والتقدير: مقرونان، مصطحبان. (1/ 291).
19 - حذف الخبر وجوبا فى: (لعمرك، وايمن الله) وصار طول الكلام بجواب القسم عوضا من الخبر، والقياس يجيز ذكر الخبر هنا، ولكن لم يرد به سماع.
(1/ 229).
* * * (80) المبنى
1 - الماضى مبنىّ على الحركة، لشبهه بالمضارع. (1/ 110).
2 - يبنى الاسم إذا أشبه الحرف. (1/ 206، 316).
3 (كم، ومن، وما، وإذ) يجب بناؤها، لأنها أشبهت الحرف فى الوضع على حرفين. (1/ 196، 316).
4 - الحرف، والمضمر، والمنادى المفرد المعرفة كلّها مبنيات. (1/ 110، 196).
5 - باب (حذام وقطام ورقاش) مبنىّ لشىء أتاه من باب (دراك ونزال). (1/ 206).
(وانظر: «لا» النافية للجنس).
* * *
(81) المركب(3/118)
* * *
(81) المركب
1 - قد يركّب الحرف مع الاسم، فينتقل الإعراب إلى الحرف ويفتح آخر الاسم، نحو قوله: (أثور ما أصيدكم أم ثورين) وقوله: (إلىّ وأصحاب بأين وأينما) وقوله:
(وويحا لمن يكن منهن ويحما) وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}.
(1/ 528، 529).
2 - المركب إذا سمّى به بقى فيه معناه قبل التسمية، نحو: (شاب قرناها) علما، بقى فيه معنى الذم. (2/ 147).
3 - الفتحة فى قولك: (لا خمسة عشر لك) فتحة بناء التركيب واقعة موقع فتحة البناء فى: لا رجل عندك لأن هذا التركيب لا يغيّره العامل القوى، فما بال الضعيف؟
(2/ 293).
* * * (82) المصادر
1 - المصدر يتناول الجنس وآحاده تناولا واحدا. (1/ 80).
2 - المصادر أصول للأفعال. (1/ 242).
3 - المصدر مشتق من الجوهر، كالنبات من (النبت) والاستحجار من (الحجر).
(1/ 417).
4 - من المصادر ما امتنع العرب من الإتيان بفعل منه، ليس للاستغناء، بل لأن القياس نفاه ومنع منه، ومن ذلك أفعال (الويح والويل والويب) شرح ابن جنى لذلك.
(1/ 387).
5 - المصدر على وزن اسم المفعول من الرباعى قليل، إلا أن تقيسه. (1/ 363
366).
6 - المصدر على وزن (فعلولة) خاصّ بمعتل العين، نحو: صيرورة وكينونة، ولا يوجد ذلك فى الصحيح. (2/ 241).
7 - جاء المصدر عى وزن اسم الفاعل، نحو: الفالج والباطل والعائر والباغز والنّاهى.
(2/ 245).
8 - قد يجىء المصدر من المزيد بحذف زوائده، نحو: وحده، عمرك الله، قيد الأوابد، وليس منه (عطاء). (2/ 2422).(3/119)
9 - قد يجرى المصدر على غير فعله إذا كان بمعناه، نحو: تعاود عوادا، وتتّبع اتّباعا، وتبتّل تبتيلا، وطىّ المحمل. (2/ 92).
10 - الأصل فى وزن (إفعال) الدلالة على المصدرية، وجاء فى الدلالة على الاسمية غير المصدرية قليلا، نحو: إمخاض، وإطنابة. (2/ 239).
11 - علة مجىء بعض المصادر بالتاء، نحو: الرشاقة والموجدة. (2/ 11).
12 - المصادر الرباعية المضعفة تأتى للتكرير، دلالة على معانيها، نحو: الزلزلة.
(1/ 505).
13 - المصادر على (الفعلى) تأتى للسرعة دلالة على معانيهم. (1/ 505).
14 - المصدر إذا وصف به يستوى فيه النوع والعدد، فيلزم الإفراد والتذكير، وقد جاء بعضه بالتاء، وجاء بعضه غير مفرد، وهذا قليل. (1/ 184، 2/ 127).
15 - إذا وصف بالمصدر فهو على المبالغة والتوكيد، كأنّ الموصوف هو المعنى نفسه، وهذا أولى من تقدير مضاف محذوف. (2/ 405).
16 - إنما انصرفت العرب إلى الوصف لأمرين: أحدهما صناعى، وهو زيادة الأنس بشبه المصدر للصفة، والآخر معنوى، وهو صيرورة الموصوف كأنه فى الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل. (2/ 461).
17 - ما فيه تاء الوحدة لا يوصف به، فلا تقول: زيد إقبالة ولا إدبارة. (2/ 405،
406).
18 - قد تقع الصفة موقع المصدر، نحو: أقائما والناس قعود؟ (2/ 461).
19 - المصدر فى نحو (إقامة وإرادة) الهاء فيه عوض من ألف (إفعال) الزائدة عن الخليل وسيبويه، أو من عين (إفعال) عند أبى الحسن. (2/ 89).
20 - إذا أضيف المصدر إلى ماله الصدر قدّم على ناصبه، نحو: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. (1/ 304).
21 - لا يتقدم شىء من صلة المصدر عليه. (2/ 245).
22 - تجوز إضافة المصدر إلى فاعله المظهر، قياسا على جوازها إلى المضمر. (2/ 136،
177).
23 - الفصل بين المصدر ومعموله المتعلق به بالأجنبى لا يجوز. (2/ 459، 460).
24 - المصدر إذا وصف لا يعمل، فلا تقول: عجبت من ضربك الشّديد عمرا، إلا أن
تؤخر الصفة عن المعمول. (2/ 461).(3/120)
24 - المصدر إذا وصف لا يعمل، فلا تقول: عجبت من ضربك الشّديد عمرا، إلا أن
تؤخر الصفة عن المعمول. (2/ 461).
25 - لم أعلم المصدر حذف فى موضع، وذلك أن الغرض فيه إذا تجرد من الصفة أو التعريف أو عدد المرّات، إنما هو لتوكيد الفعل، وحذف المؤكد لا يجوز.
(2/ 156).
26 - قد يحذف الحرف السابك (أن) ويبطل عمله فى الفعل، ولكن يبقى معنى الكلام على المصدرية، وأجاز هشام ذلك قياسا. (2/ 201).
27 - المصدر المجموع قد يعمل فى المفعول به، نحو: (مواعيد عرقوب أخاه بيثرب) وهو غريب. (2/ 12).
28 - من المصادر التى جاءت على (فعل وفعلى) نحو: الحسن والحسنى، والبؤس والبؤسى، والنّعم والنّعى. (2/ 495).
29 - قد ينصب على المصدرية ما ليس مصدرا فى الأصل، بتأويل الحذف والإحلال.
(2/ 513، 514).
30 - قد يخصص المصدر ببعض أفراده، نحو الكلمات: (نحو، فقه، بيت الله).
(1/ 88).
* * * (83) المضعف
1 - بنو تميم يختلفون فى آخر الآمر من المضعف، فمنهم من يتبع فيقول: مدّ، فرّ، عضّ، ومنهم من يكسر فيقول: مدّ، فرّ، عضّ. (2/ 277، 278).
2 - قد يحذف أحد المثلين من الفعل الثلاثى عند الإسناد إلى ضمير الرفع المتحرك، وهذا لا يقاس عليه، نحو: ظلت، ومست. (2/ 263). (1/ 431، 2/ 205).
(وانظر: الادّغام)
* * * (84) المغالبة
1 - أجمع العرب على أنها تجىء مضمومة العين فى الصحيح كله، نحو: ضاربنى فضربته فأنا أضربه. (2/ 25).
2 - علة الضم هنا أن هذا موضع اعتلاء وغلبة، فدخله بذلك معنى الطبيعة والنّحيزة التى تغلب، وتلازم ولا تفارق، وهذا باب (فعل). (2/ 26).(3/121)
3 - كان القياس فى هذا الباب كسر العين فى المضارع. (2/ 25، 26).
4 - المغالبة من معتل الآخر، ومما فاؤه واو تأتى بكسر العين، نحو: قاضانى فقضيته فأنا أقضيه، وواعدنى فوعدته فأنا أعده. (2/ 27).
5 - حكى الفتح فى بعض الصحيح، وذلك قولهم: فأنا أفخره، وحكى أبو زيد فى هذا أيضا الضم على الأصل. (2/ 25).
* * * (85) المفعول به
1 - ناصب المفعول به هو الفعل، أو الفاعل، أو هما معا تفصيل ذلك، وردّ الضعيف. (1/ 145143).
2 - لا ينبغى أن تقول فى علة نصب (زيدا) من قولك: ضربت زيدا، إنه إنما انتصب لأنه فضلة ومفعول به، إذ الجواب قد استقل بقولك: لأنه فضلة، فلا ضرورة لزيادة (ومفعول به). (1/ 220، 221).
3 - مذهب أبى الحسن الأخفش أن (ظن وأخواتها) مما ينصب مفعولين، يجوز تعديتها إلى ثلاثة بالهمزة، نحو: أظننت زيدا عمرا عاقلا، وامتنع أبو عثمان.
(1/ 282).
4 - قد ينصب المفعول به بفعل محذوف، لدلالة الحال عليه، فكأنه موجود والعمل له.
(1/ 293).
5 - يجوز فى القياس تقديم المفعول به على الفاعل تارة، وعلى الفعل النّاصبه تارة أخرى. (2/ 158).
6 - إذا أضيف المفعول به إلى ما له الصدر قدّم على الفعل، نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ}. (1/ 304).
7 - حذف المفعول به. (2/ 151). (وانظر بعض مسائل الفاعل).
* * * (86) المفعول له
1 - يجوز تقديم المفعول له على الفعل الذى نصبه. (2/ 159).
* * *
(87) المفعول معه(3/122)
* * *
(87) المفعول معه
1 - لا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل، فلا تقول: والطّيالسة جاء البرد.
(2/ 159).
2 - يجوز تقديم المفعول معه على مرفوع الفعل، نحو: جاء والطيالسة البرد.
(2/ 159).
3 - يمتنع النصب فى نحو: انتظرتك وطلوع الشمس أى: مع طلوع الشمس على أنه مفعول معه، كما ينصبون فى نحو: قمت وزيدا أى: مع زيد وإنما ذلك:
لأن الواو التى بمعنى (مع) لا تستعمل إلا فى الموضع الذى لو استعملت فيه عاطفة لجاز، ولو قلت: انتظرتك وطلوع الشمس بالرفع أى: وانتظرك طلوع الشمس، لم يجز. (1/ 317).
* * * (88) الممدود
1 - ما فيه ألف التأنيث الممدودة تقلب واوا فى التثنية والجمع. (1/ 316).
2 - همزة (قساء) أصلية، إذ لا يعرف لها تصرف، اللهم إلا أن تكون هى (قسى) فهى حينئذ بدل من ياء أو من واو، والأول أولى. (1/ 266، 267).
* * * (89) الممنوع من الصرف
1 - يمنع الاسم من الصرف لعلتين متضامّتين، لا تؤثّر إحداهما فى المنع مفردة.
(1/ 204، 2/ 264).
2 - الاسم الممنوع من الصرف الذى اجتمع فيه أكثر من علتين، أللعلّة الثالثة فما فوقها أثر فى المنع أم لا؟ (1/ 204، 205).
3 - ذهب بعض العلماء إلى أن الاسم الذى اجتمع فيه سببان للمنع من الصرف، ثم انضم إلى ذلك ثالث امتنع من الإعراب أصلا، وصار مبنيا. (1/ 206).
4 - من الأسماء ما يجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف، وهو مع ذلك معرب غير مبنى. (1/ 206).
5 - الأعلام المعلّقة على المعانى تمنع من الصرف إذا وجد فيها سبب آخر غير العلمية، كالألف والنون فى (سبحان) والعدل فى (فجار) والتأنيث فى (برّة). (2/ 4، 5).(3/123)
6 - العلم المؤنث: متى يجب منعه من الصرف؟ ومتى يجوز فيه الوجهان؟ (2/ 101).
7 - وزن (أفعل) إذا وقع صفة غير مفيدة صرف فى رأى المازنى، نحو قولك: مررت برجل أفعل، صرف (أفعل) لّما لم تكن الصفة مفيدة. (1/ 223).
8 - الوصف على (أفعل) إذا سميت به منعته الصرف، وكذلك إذا نكّرته بعد التسمية.
(2/ 471).
9 - ما عرّب من أجناس الكلمات الأعجمية أجراه العرب مجرى أثول كلامها، فصرفوا فى العلم نحو: آجرّ وإبريسم، لأنه لما دخلته الألف واللام أشبه أول كلامهم أعنى النكرات فجرى فى الصرف وعدمه مجراها. (1/ 356).
10 - ما كان فيه الألف واللام، أو الإضافة، أو علامة التثنية، أو الجمع على حدّها لا يقال له: منصرفة ولا غير منصرفة. (2/ 137، 138).
11 - إذا احتاجوا إلى صرف الممنوع لعلّة، صرفوه. (2/ 127).
12 - لم يعتدّوا التحقير مانعا من الصرف، بخلاف التكسير الذى يمنع من الصرف، إذ الثانى قوىّ فى التغيير يخرج المفرد عن الواحد وفيه زيادة فى العدة بخلاف الأول.
(2/ 468).
13 - بعض العرب يصرف جميع ما لا ينصرف. (1/ 461).
* * * (90) المواضعة
1 - قول من ذهب إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة. (1/ 9794).
* * * (91) الموصول
1 (من) الموصولة يراعى معناها، كما يراعى لفظها. (2/ 191188).
2 - لا يجوز تقديم الصلة ولا شىء منها على الموصول. (2/ 161).
3 - حذف العائد المنصوب يستوى فيه أن يكون على حرف واحد، أو على أكثر، نحو:
الذى ضربت زيد، واللذان ضربت الزيدان. (2/ 264).
4 - حذف العائد المجرور تمّ بتدرج عند أبى الحسن، بأن حذف الجارّ أوّلا ثم العائد بعده، وتمّ مرة واحدة عند سيبويه. (2/ 231).
* * *
(92) الميزان الصرفى(3/124)
* * *
(92) الميزان الصرفى
[الثلاثى]:
1 - أصول الكلمة ثلاثة. ثلاثىّ ورباعىّ وخماسىّ، أكثرها استعمالا، وأعدلها تركيبا الثلاثىّ توضيح ذلك. (1/ 109105).
2 - الثلاثى يتركب من ستة أصول. (1/ 109).
3 - أهمل العرب بعض الثلاثى. (1/ 110).
4 - جميع أمثلة الثلاثى مستعملة إلا مثالا هو (فعل). (1/ 114).
5 - كثر باب (فعل) بضمتين وقلّ باب (فعل) بكسرتين مع أن الضم أثقل من الكسر.
(1/ 114، 115، 2/ 397).
6 (فعل يفعل) فى المضعف المتعدى أكثر من (فعل يفعل) نحو: شدّه يشدّه، و (يفعل) فيه قليل محفوظ، نحو: هرّه يهرّه، وعلّه يعلّه، وأحرف قليلة.
(1/ 375).
7 - قد يحوّل الثلاثى إلى وزن (فعل) لقصد المبالغة، فيصبح جامدا، نحو نعم وبئس وفعل التعجب. (2/ 128).
8 - تحامى العرب أن يبنوا (فعل) مما عينه أو لامه ياء، وخرج عن ذلك (هيؤ)، و (رمو) للمبالغة. (2/ 128، 129).
9 - قول النحويين: (قام) أصلها (قوم) ونحوه، أصل مفترض، لم يأت عنهم فى نثر ولا نظم صحيح. (2/ 128).
10 (فعل) مما فاؤه واو، لا يأتى مضارعه أبدا مضموم العين، إنما هو (فعل) بالكسر، نحو: وعد يعد. (2/ 27).
11 - أثبت سيبويه وزن (فعلت تفعل) بقولهم (كدتّ تكاد). (1/ 265).
12 (فعل يفعل) من غير حلقىّ العين أو اللام جاء: أبى يأبى، غسى يغسى، جبا الماء يجباه. (2/ 297).
13 - وزن (فعل) بضم فكسر، لا حظّ فيه للاسم، وإنما هو أمر يخص الفعل، وأما (دئل) فشاذّ، ويجوز أن يكون منقولا من الفعل. (2/ 398).
14 - الكلمات الثلاثية كثرت الواو فيها فاء، نحو: (وعد). وقلّت الياء هناك نحو:
(يسر)، مع ثقل الواو تفسير ابن جنى لذلك. (2/ 399، 400).(3/125)