مقدمة(1/3)
كلمة عن هذا الكتاب ومؤلفه البارع
الأمير العلامة أبو سعيد نشوان بن سعيد بن نشوان الحميرى المتوفى سنة 573هـ كان معتزليا، فقيها، فاضلا، عارفا باللغة والنحو، والتاريخ وسائر فنون الأدب، فصيحا بليغا، شاعرا مجيدا، له شهرة عالمية شرقا وغربا، فرقعة سلطنته العلمية مترامية الأطراف، تشمل المدن والأرياف، والبقاع والأصقاع، فى المشارق والمغارب، وإن ضاقت ساحة حكمه في جبل (صبر) باليمن، الّذي كان تولى حكمه برهة من الزمن، ولو كان اكتفى بماله من سلطان، فى عالم العلم والبيان، لما كادت دائرة حكمه الضيقة المحصورة من كل جانب، تغطى على شهرة هذا العالم العالمى الجليل المآرب، لكن لم تحل ولله الحمد دون انتشار أنوار علومه، تلك الحواجز الكثيفة المحيطة بدار حكمه، حيث بقى على منصة الدهر كتابه (شمس العلوم) فى ثمانية مجلدات ذلك الأثر الخالد البديع الّذي استرعى أنظار الأدباء، واستلفتها فى كل بقعة إلى نوره الوضاء، الخارق لكل حجاب، النافذ وراء كل سحاب، فأعجبوا به كل الاعجاب، وهو وان كان كتابا فى اللغة لكن فيه استطرادات، وافاضات فى شتى العلوم بمناسبات، حتى أصبح موسوعة علمية واسعة الآفاق، كثيرة الاشراق، يتشوف إليها أهل العلم فى البلاد، ليتزودوا من فوائدها بأفخر زاد.
ونسخ هذا الكتاب غير قليلة فى خزانات الكتب فى البلدان.
وأما مختصر ابنه لكتاب (شمس العلوم) المعروف ب (ضياء الحلوم) فمجلدان محفوظان فى المكتبة العاشرية بالاستانة تحت رقمى (1091) و (1092).
ومن آثار هذا الامام الفذ: هذه المقامة البديعة المكنية برسالة (الحور العين، عن كتب العلم الشرائف، دون النساء العفائف) كتبها مؤلفها المبدع، ليرتاض بها الناشئ الصغير فى كل باب من أبواب البيان، ويزداد بها علم العالم النحرير فى كل ساحات العرفان، فأجاد وأفاد، على طريقته فى نشر العلم فى كل ناد وواد.
وكتب المقامات تكون فى الغالب جارية فى موضوعات أدبية، روائية خيالية، لا يتوخى فيها مؤلفوها بيان الواقع، فى كل المواقع، بل مجرد بيان المعانى، بألفاظ جزلة المبانى، تزويدا للمتأدبين ببلغة، توصلهم إلى الاتساع فى اللغة، لكن صاحبنا هذا قد انتهج فى مقامته هذه منهج الجد، فى كل ما أورد، ناصحا لحاكم نال ثناء المؤلف عليه، وحاز الرضى لديه، وأردف تلك المقامة البديعة بتفسير غريب ألفاظها وشرح معانيها، جائلا فيها كل مجال للكلام، من لغة ونحو وصرف، وعروض وقافية، وأنباء عن الجاهلية وتأريخ، للأديان والمذاهب والنحل، وفقه، وحديث وأمثال، على طريقة مبتكرة فى تحبيب شتى البحوث للباحثين، بحيث لا يقدر مطالعها على أن يتخلى عن مطالعتها الى أن يستنفد ما فيها، فيتزود فى خطوات مطالعتها بكل معنى شريف، وبحث طريف.(1/5)
ومن آثار هذا الامام الفذ: هذه المقامة البديعة المكنية برسالة (الحور العين، عن كتب العلم الشرائف، دون النساء العفائف) كتبها مؤلفها المبدع، ليرتاض بها الناشئ الصغير فى كل باب من أبواب البيان، ويزداد بها علم العالم النحرير فى كل ساحات العرفان، فأجاد وأفاد، على طريقته فى نشر العلم فى كل ناد وواد.
وكتب المقامات تكون فى الغالب جارية فى موضوعات أدبية، روائية خيالية، لا يتوخى فيها مؤلفوها بيان الواقع، فى كل المواقع، بل مجرد بيان المعانى، بألفاظ جزلة المبانى، تزويدا للمتأدبين ببلغة، توصلهم إلى الاتساع فى اللغة، لكن صاحبنا هذا قد انتهج فى مقامته هذه منهج الجد، فى كل ما أورد، ناصحا لحاكم نال ثناء المؤلف عليه، وحاز الرضى لديه، وأردف تلك المقامة البديعة بتفسير غريب ألفاظها وشرح معانيها، جائلا فيها كل مجال للكلام، من لغة ونحو وصرف، وعروض وقافية، وأنباء عن الجاهلية وتأريخ، للأديان والمذاهب والنحل، وفقه، وحديث وأمثال، على طريقة مبتكرة فى تحبيب شتى البحوث للباحثين، بحيث لا يقدر مطالعها على أن يتخلى عن مطالعتها الى أن يستنفد ما فيها، فيتزود فى خطوات مطالعتها بكل معنى شريف، وبحث طريف.
تراه عند ذكره لمعتقدات الجاهلية ينحو منحى كتاب البدء والتاريخ لمطهر ابن طاهر المقدسى فى توزيع قبائلها على فرق الزيغ من سوى الوثنية، وأوسع ما تعرض له من الموضوعات فى هذا الكتاب بحث المذاهب والفرق والنحل، لكنه اقتصر بيانه على أئمتها وأربابها، ومصنفى الكتب وأصحابها، غير مستطرد من الأصول الى الفروع، وغير ذاكر للتابع اكتفاء بذكر المتبوع، وجل عنايته فى باب الفرق باختلاف المختلفين من الأنام، فى معرفة المعبود والامام، حيث اختصر الاختلاف فى غير هذين الوجهين، لكثرة تشعب آراء البشر فى هذين الأمرين، فذكر آراء الحكماء فى حدوث العالم وقدمه، ومعرفة الصانع وامتناع عدمه، وأقوال طوائف الفلاسفة والسمنية والثنوية والصائبة والدهرية والبراهمة والخرمدينية والمزدكية والزرادشتية وبعض فرق اليهود، ثم تجد إقحام ذكر كتب افلاطون وأرسطو فى الوسط، وترجمه أبى الهذيل العلاف المعتزلى المشهور بتوسع، حتى ألم بمناظراته ووصفه بسعة العلم وكبر العقل، ولا عجب فى ذلك، لأن كل امرئ معجب بامامه وبعد أن فرغ المطالع من النظر فى الصفحات (161145)
المقحم فيها ذكر أفلاطون وأرسطو وأبى الهذيل، يجابهه ذكر البيانية من غلاة الروافض، وسرد باقى فرق الشيعة من جعفرية ومنصورية ومغيرية، ثم يذكر افتراق الجعفرية الى اسماعيلية وفطحية وخطابية، وذكر فروع الاسماعيلية وفروع فروعها، وسائر فروع الجعفرية المختلفين فى الإمامة غاية الاختلاف، من زرارية وممطورة واثنى عشرية، ثم يتوسع فى ذكر فروع الخطابية وبيان مخازيها فى باب تأليههم للأئمة، ومزاعمهم فى النبوة، وصلة الاسماعيلية بهم، ويستوفى ذكر باقى فرق الغلاة الخارجة عن الملة، من مغيرية ومنصورية وفروعها، وقد عول فى كلامه على فرق الشيعة على كتابى أبى عيسى الوراق وأبى القاسم البلخى.(1/6)
تراه عند ذكره لمعتقدات الجاهلية ينحو منحى كتاب البدء والتاريخ لمطهر ابن طاهر المقدسى فى توزيع قبائلها على فرق الزيغ من سوى الوثنية، وأوسع ما تعرض له من الموضوعات فى هذا الكتاب بحث المذاهب والفرق والنحل، لكنه اقتصر بيانه على أئمتها وأربابها، ومصنفى الكتب وأصحابها، غير مستطرد من الأصول الى الفروع، وغير ذاكر للتابع اكتفاء بذكر المتبوع، وجل عنايته فى باب الفرق باختلاف المختلفين من الأنام، فى معرفة المعبود والامام، حيث اختصر الاختلاف فى غير هذين الوجهين، لكثرة تشعب آراء البشر فى هذين الأمرين، فذكر آراء الحكماء فى حدوث العالم وقدمه، ومعرفة الصانع وامتناع عدمه، وأقوال طوائف الفلاسفة والسمنية والثنوية والصائبة والدهرية والبراهمة والخرمدينية والمزدكية والزرادشتية وبعض فرق اليهود، ثم تجد إقحام ذكر كتب افلاطون وأرسطو فى الوسط، وترجمه أبى الهذيل العلاف المعتزلى المشهور بتوسع، حتى ألم بمناظراته ووصفه بسعة العلم وكبر العقل، ولا عجب فى ذلك، لأن كل امرئ معجب بامامه وبعد أن فرغ المطالع من النظر فى الصفحات (161145)
المقحم فيها ذكر أفلاطون وأرسطو وأبى الهذيل، يجابهه ذكر البيانية من غلاة الروافض، وسرد باقى فرق الشيعة من جعفرية ومنصورية ومغيرية، ثم يذكر افتراق الجعفرية الى اسماعيلية وفطحية وخطابية، وذكر فروع الاسماعيلية وفروع فروعها، وسائر فروع الجعفرية المختلفين فى الإمامة غاية الاختلاف، من زرارية وممطورة واثنى عشرية، ثم يتوسع فى ذكر فروع الخطابية وبيان مخازيها فى باب تأليههم للأئمة، ومزاعمهم فى النبوة، وصلة الاسماعيلية بهم، ويستوفى ذكر باقى فرق الغلاة الخارجة عن الملة، من مغيرية ومنصورية وفروعها، وقد عول فى كلامه على فرق الشيعة على كتابى أبى عيسى الوراق وأبى القاسم البلخى.
ثم استوفى ذكر الخوارج متوسعا فى ذلك توسعا مفيدا، ونقل عن البلخى أن إمام الإباضية عبد الله بن إباض لم يمت حتى ترك قوله أجمع، ورجع إلى الاعتزال.
فتكون هذه الفرقة طائفة لا إمام لها. ثم تحدث عودا على بدء عن التشيع وفرق الشيعة من (178) ثم ذكر ما للإمام الشهيد، ذى المهج السديد، السيد زيد بن على، من فضل جلى، وسجايا كريمة، ومزايا عظيمة، وعلوم جمة زاخرة، وصفات مجيدة فاخرة، زيادة على ماله من طهر المنبت وطيب المرتع، وذكاء الأصل والفرع، فأجاد وأفاد، عليه وعلى سائر أهل البيت رضوان الله ورحماته، وسلامه وبركاته.
ثم استطرد إلى ذكر زندقة الوليد بن يزيد، وسائر بعض من اتهم بالزندقة فى الاسلام.
ثم ذكر أول من دعا الى مذهب زيد باليمن، وتحدث عن أول من نشر النحلة الاسماعيلية فى اليمن، وعن أحداثهم هناك فى عهد المنصور بن زاذان وعلى بن الفضل، وأفاض فى بيان ما صنعه أسعد بن يعفر بالقرامطة باليمن ثم ذكر أصل الخوارج والبلاد التى تغلبوا عليها ثم ذكر فرق المرجئة والحشوية، وعد تلقيبهم بها ناشئا من حشوهم صحاح الأحاديث بدسيس الأخبار الباطلة، وقال عنهم:
إن جميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه، فعلى هذا يكونون من أجمع الفرق لخصال الشر فى نظر الناشئ، حيث قال:
ما فى البرية أخزى عند فاطرها ... ممن يقول بإجبار وتشبيه
وحاول المؤلف أن يبعد لقب القدرية عن المعتزلة، وقال: إن القدرية هم الذين يقولون فى كل ما يفعلونه: إن الله قدره عليهم. كما هو رأى المعتزلة فى الحديث الوارد فى ذلك ثم ذكر سبب تسمية المعتزلة معتزلة، وذكر بعض الآراء فى ذلك ولم يذكر ما ذكره أبو الحسين الملطى فى بيان رد البدع والأهواء فى سبب تلقيبهم بذلك من اعتزالهم الفريقين بعد التنازل بالخلافة لمعاوية، ولعله لم يكن اطلع عليه ثم ذكر وجه الخلاف فى تفضيل على كرم الله وجهه، نقلا عن شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار الهمذانى وهو من كتبهم المفقودة اليوم ثم بين صفات المعتزلة فى نظره، وترجم لواصل منهم ترجمة واسعة، ونقل عن البلخى الرجال الذين بعثهم واصل إلى شتى الأقطار، للدعوة الى دين الله على مذهب المعتزلة وذكر عمرو بن عبيد وأبا الهذيل، عودا على بدء ثم ذكر مواطن المعتزلة فى الغرب والشرق، وتطرق لبحث الاختلاف فى الامامة وذكر الشورى.(1/7)
إن جميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه، فعلى هذا يكونون من أجمع الفرق لخصال الشر فى نظر الناشئ، حيث قال:
ما فى البرية أخزى عند فاطرها ... ممن يقول بإجبار وتشبيه
وحاول المؤلف أن يبعد لقب القدرية عن المعتزلة، وقال: إن القدرية هم الذين يقولون فى كل ما يفعلونه: إن الله قدره عليهم. كما هو رأى المعتزلة فى الحديث الوارد فى ذلك ثم ذكر سبب تسمية المعتزلة معتزلة، وذكر بعض الآراء فى ذلك ولم يذكر ما ذكره أبو الحسين الملطى فى بيان رد البدع والأهواء فى سبب تلقيبهم بذلك من اعتزالهم الفريقين بعد التنازل بالخلافة لمعاوية، ولعله لم يكن اطلع عليه ثم ذكر وجه الخلاف فى تفضيل على كرم الله وجهه، نقلا عن شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار الهمذانى وهو من كتبهم المفقودة اليوم ثم بين صفات المعتزلة فى نظره، وترجم لواصل منهم ترجمة واسعة، ونقل عن البلخى الرجال الذين بعثهم واصل إلى شتى الأقطار، للدعوة الى دين الله على مذهب المعتزلة وذكر عمرو بن عبيد وأبا الهذيل، عودا على بدء ثم ذكر مواطن المعتزلة فى الغرب والشرق، وتطرق لبحث الاختلاف فى الامامة وذكر الشورى.
ثم ذكر حال الهنود فى عهد المؤلف وبعد عهد المؤلف أصبحوا أصحاب أياد بيض فى العلوم العقلية والشرعية فى آن واحد، كما تشهد بذلك مؤلفاتهم منذ القرن السادس الهجرى، رغم وجود بعض الفاتنين بينهم ثم ذكر ما خص الله به العرب من المزايا العقلية والخلقية، فأجاد وأفاد ثم ذكر خصائص الهند، وخصائص الروم والفرس فى فصول ونقل فى غضون ذلك عن كتاب الأخبار للجاحظ نتفا مفيدة فى ذلك المعنى، وأفاض فيما نقله عنه فى وجه قلة عناية الناس بأكثر الدين، تحت تأثير التقليد، والاستسلام للمنشإ، والذهاب مع العصبية والهوى، فشرح أحوال البصرة والكوفة والشام فى عهد الجاحظ ثم نقل عن كتاب الجاحظ هذا نقدا مرّا وجهه النظام إلى حملة الرواية بافاضة لا توجد فى كتاب سواه، وجل ذلك تحكم مجاب عنه، لكن لا يخلو من عبر وأنحى باللائمة على تقليد الآباء والغلو فى حب الرجال، وعد ذلك هو الّذي أعماهم وأصمهم ثم أفاض المؤلف فيما أدى إليه التقليد
من توالى الزيغ فى طوائف، وكثرة الهالكين بين الأولين والآخرين بهذا السبب:(1/8)
ثم ذكر حال الهنود فى عهد المؤلف وبعد عهد المؤلف أصبحوا أصحاب أياد بيض فى العلوم العقلية والشرعية فى آن واحد، كما تشهد بذلك مؤلفاتهم منذ القرن السادس الهجرى، رغم وجود بعض الفاتنين بينهم ثم ذكر ما خص الله به العرب من المزايا العقلية والخلقية، فأجاد وأفاد ثم ذكر خصائص الهند، وخصائص الروم والفرس فى فصول ونقل فى غضون ذلك عن كتاب الأخبار للجاحظ نتفا مفيدة فى ذلك المعنى، وأفاض فيما نقله عنه فى وجه قلة عناية الناس بأكثر الدين، تحت تأثير التقليد، والاستسلام للمنشإ، والذهاب مع العصبية والهوى، فشرح أحوال البصرة والكوفة والشام فى عهد الجاحظ ثم نقل عن كتاب الجاحظ هذا نقدا مرّا وجهه النظام إلى حملة الرواية بافاضة لا توجد فى كتاب سواه، وجل ذلك تحكم مجاب عنه، لكن لا يخلو من عبر وأنحى باللائمة على تقليد الآباء والغلو فى حب الرجال، وعد ذلك هو الّذي أعماهم وأصمهم ثم أفاض المؤلف فيما أدى إليه التقليد
من توالى الزيغ فى طوائف، وكثرة الهالكين بين الأولين والآخرين بهذا السبب:
ثم ضرب لذلك الأمثال.
وذكر طوائف النصارى واليهود، وقال: (وما فعلت الجالوتية منهم فى مضاهاتها الرقوب، وارثها الأرض عن يوسف بن يعقوب، وما وجدت فى سفر شعيا ودانيال من صفة قديم الأيام، أنه لا يزال من الأملاك فى فيام، قاعدا على الكرسى، بيده ناصية كل وحشى وانسى، أبيض اللحية والرأس) واستمر يسرد الأمثال، ويشرح ما يحتاج منها إلى الشرح.
واستعرض هكذا وجوه الزيغ فى الأديان الباطلة، والنحل الآفلة، الى أن قال: (وحاد أكثر الشيعة، عن منهج الشريعة، واتخذوا الغلوّ دينا، والسب خدينا، كم ينتظر لهم إمام غائب، ولم يؤب من سفر المنون آئب، وطال انتظار السبائية لعلى، وأتت فيه السحابية بالكفر الجلى، وطال انتظار جعفر على الناووسية العمية، كما طال انتظار أبى مسلم على الخرمية، وانتظار الحاكم بأمر الله على الحاكمية وانتظار محمد العسكرى على الاثنى عشرية)، ثم شرح جميع الطوائف الذين لهم انتظار الى غائب باستقصاء، ثم قال: (وكل فرقة من هذه الفرق تدعى غائبها مهديا، وتهدى اللعنة إلى مخالفها هديا).
وأشار إلى أهل الالحاد، ثم قال ناقلا عن السيد أبى طالب: إن كثيرا من أسانيد الاثنى عشرية مبنية على أسام لا مسمى لها من الرجال، وقال: وقد عرفت من رواتهم المكثرين من كان يستحل وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه. ثم قال: (إن صح ما روى عن المقاتلية، فقد عبدت صنما كأصنام الجاهلية، زعمت أن معبودها كالآدمى من لحم ودم، يبطش بيد ويمشى على قدم) واستمر يحكى عن كل فرقة فرقة زائف آراء كل منها، ويشدد النكير عليها، معلقا استنكاره لها على تقدير ثبوتها عنهم بقوله: (أو صح) عند ذكر كل فرقة إلى أن يستوفى ذكر الفرق كلها (275154) مفندا للآراء الباطلة التى تعزى إليها، لكنه
قال فيما قال: (أو صح ما روى عن مالك، فى العبد المملوك وسيده المالك. أو صح ما روى عن الشافعى فى القمار والشطرنج أو صح ما روى عن أبى حنيفة من تحليل مسكر الشراب.) مع أنه لا يعول على مثل أبى العلاء المعرى فى تلك العزويات، والمعرى الّذي لا يتحاشى عن التطاول على رسل الله لا يتورع عن التحامل على الأئمة. وقد فجر هذا الملحد المكشوف الامر، حيث قال:(1/9)
وأشار إلى أهل الالحاد، ثم قال ناقلا عن السيد أبى طالب: إن كثيرا من أسانيد الاثنى عشرية مبنية على أسام لا مسمى لها من الرجال، وقال: وقد عرفت من رواتهم المكثرين من كان يستحل وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه. ثم قال: (إن صح ما روى عن المقاتلية، فقد عبدت صنما كأصنام الجاهلية، زعمت أن معبودها كالآدمى من لحم ودم، يبطش بيد ويمشى على قدم) واستمر يحكى عن كل فرقة فرقة زائف آراء كل منها، ويشدد النكير عليها، معلقا استنكاره لها على تقدير ثبوتها عنهم بقوله: (أو صح) عند ذكر كل فرقة إلى أن يستوفى ذكر الفرق كلها (275154) مفندا للآراء الباطلة التى تعزى إليها، لكنه
قال فيما قال: (أو صح ما روى عن مالك، فى العبد المملوك وسيده المالك. أو صح ما روى عن الشافعى فى القمار والشطرنج أو صح ما روى عن أبى حنيفة من تحليل مسكر الشراب.) مع أنه لا يعول على مثل أبى العلاء المعرى فى تلك العزويات، والمعرى الّذي لا يتحاشى عن التطاول على رسل الله لا يتورع عن التحامل على الأئمة. وقد فجر هذا الملحد المكشوف الامر، حيث قال:
فافسق وو اشرب وقامر واحتجج ... فى كل مسألة بقول إمام
فالإثفار ينكر أصحاب مالك العراقيون ثبوته عن مالك بشدة، فضلا عن خرافة المملوك وإباحة القمار افتراء على الشافعى، وإنما يبيح اللعب بالشطرنج، شحذا للذهن لكونه مبنيا على الحساب، إذا خلا عن المقامرة، وله فى ذلك سلف وأبو حنيفة إنما أباح شرب ما سوى الخمر من الأنبذة، للتقوى لا للتلهى، لثبوت ذلك عن بعض فقهاء الصحابة، والخلاف فيه معروف بين السلف، على أن الفتوى فى المذهب على تحريم ما أسكر كثيره، ولا يستساغ للأديب أن يعدو حد الأدب. فى التنكيت كقول الزمخشرى:
وإن سألوا عن مذهبى لم أبح به ... وأكتمه كتمانه هو أحزم
فان حنفيّا قلت، قالوا: بأنّنى ... أبيح الطّلا، وهو الشّراب المحرّم
وإن مالكيا قلت، قالوا: بأننى ... أبيح لهم لحم الكلاب، وهم هم
وإن شافعيا قلت، قالوا: بأننى ... أبيح نكاح البنت، والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت، قالوا: بأننى ... بغيض حلولىّ ثقيل مجسّم
وإن قلت: من أهل الحديث وحزبه ... يقولون: تيس ليس يدرى ويفهم
تعجّبت من هذا الزمان وأهله ... فما أحد من ألسن النّاس يسلم
ثم ذكر المؤلف اختلاف الناس فى النبوة، وذكر قول أهل التناسخ بأنها مكتسبة، وهم خارجون عن الملة متوغلون فى الضلال ثم ذكر اختلاف المختلفين من شتى الطوائف فى حجية خبر الآحاد
وذكر فى ثنايا كلامه كثيرا من الأشعار الرائعة، فقام المؤلف البارع بشرح غريبها، وإظهار مكنونها، وإيضاح خفاياها.(1/10)
وإن سألوا عن مذهبى لم أبح به ... وأكتمه كتمانه هو أحزم
فان حنفيّا قلت، قالوا: بأنّنى ... أبيح الطّلا، وهو الشّراب المحرّم
وإن مالكيا قلت، قالوا: بأننى ... أبيح لهم لحم الكلاب، وهم هم
وإن شافعيا قلت، قالوا: بأننى ... أبيح نكاح البنت، والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت، قالوا: بأننى ... بغيض حلولىّ ثقيل مجسّم
وإن قلت: من أهل الحديث وحزبه ... يقولون: تيس ليس يدرى ويفهم
تعجّبت من هذا الزمان وأهله ... فما أحد من ألسن النّاس يسلم
ثم ذكر المؤلف اختلاف الناس فى النبوة، وذكر قول أهل التناسخ بأنها مكتسبة، وهم خارجون عن الملة متوغلون فى الضلال ثم ذكر اختلاف المختلفين من شتى الطوائف فى حجية خبر الآحاد
وذكر فى ثنايا كلامه كثيرا من الأشعار الرائعة، فقام المؤلف البارع بشرح غريبها، وإظهار مكنونها، وإيضاح خفاياها.
ثم ألم بأحاديث تدور على ألسنة الفقهاء، فشرح غريبها، وبين مكنون معانيها،
وذكر كثيرا من الأمثال العربية، مبديا مضربها ومساقها، ومبينا للحكايات التى وردت تلك الأمثال فيها.
وختم الكتاب بدعوة ومناجاة، مرفوعة إلى قاضى الحاجات، مباركة المبادئ والغايات، قوية النبرات، لذيذة النغمات، فى سمع كل سامع، جامعة لكل مطلب نافع.
فالكتاب على اعتزال مؤلفه، جم الفوائد، غزير العلم، ممتع للغاية، يغذى كل طائفة بفوائد ممتعة، فنعم الجليس هو لمن يريد أنيسا، على مآخذ يسيرة فيه، لا تفوتها يقظة القارئ الكريم.
والله أعلم بما قاسى الأستاذان الفاضلان الأديبان النشيطان السيد ابراهيم الأبيارى والسيد كمال مصطفى فى تحقيق هذا الكتاب وإصلاحه، كل فيما تولى أمره، حتى أصدراه بهذا المظهر الأنيق، والثوب القشيب، فجزى الله سبحانه مؤلفه البارع على هذا الأثر المفيد خير الجزاء، وسامحه فيما شط به قلمه، وكافأ الأستاذ محمد نجيب الخانجى، وسائر الساعين فى نشره وتحقيقه وإخراجه إلى الناطقين بالضاد، بهذا الجمال والكمال، مكافأة المحسنين، وله الحمد فى الآخرة والأولى
محمد زاهد الكوثرى(1/11)
محمد زاهد الكوثرى
تصدير
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير نبى مبعوث، بأوفى دين مبثوث، وعلى آله الذين رزّنهم توقيرا، ونزّههم تطهيرا
«وبعد» فهذا كتاب «شرح رسالة الحور العين، وتنبيه السامعين» لعلّامة اليمن، الأمير أبو سعيد، نشوان بن سعيد بن نشوان الحميرى، من علماء القرن السادس الهجرى تذيعه المكتبة العربية المصرية أول نشر، وهى معى تؤمن أنه جليل النفع.
موضوعات الكتاب
1 - تحدث فيه مؤلفه عن اللغة والعروض والقافية.
ب كما تحدث عن بعض التاريخ حديث الدارس الواعى.
ج وكذلك تناول فى بعض فصوله عادات العرب، وأخلاقهم ومعتقداتهم فى الجاهلية
د ولم يقصر بحثه فى مثل هذه الفصول على العرب وحدهم، بل تناول فيه عادات الهنود والروم والفرس، وطباعهم ومعتقداتهم وهى بحوث فياضة، تكشف عن بصيرة وتأمل عميقين.
هـ ولعل أبرز ما فى هذا الكتاب، تلك الفصول التى تناول فيها باسهاب المذاهب البشرية، والمباحث الفلسفية فى أصل العالم على رأى الطبيعيين والفلاسفة والأطباء، ومختلف الملل والنّحل، وشتى المذاهب والفرق، من اسلامية، إلى نصرانية، إلى يهودية، إلى مجوسية، إلى صابئة(1/12)
د ولم يقصر بحثه فى مثل هذه الفصول على العرب وحدهم، بل تناول فيه عادات الهنود والروم والفرس، وطباعهم ومعتقداتهم وهى بحوث فياضة، تكشف عن بصيرة وتأمل عميقين.
هـ ولعل أبرز ما فى هذا الكتاب، تلك الفصول التى تناول فيها باسهاب المذاهب البشرية، والمباحث الفلسفية فى أصل العالم على رأى الطبيعيين والفلاسفة والأطباء، ومختلف الملل والنّحل، وشتى المذاهب والفرق، من اسلامية، إلى نصرانية، إلى يهودية، إلى مجوسية، إلى صابئة
نسخة الكتاب
ونسخة كتابنا، التى أبرزنا منها هذا المطبوع، هى نسخة خطية كتبت سنة 1353هـ عن أصل قديم، بقطع الثلث، فى تسع وستين ومائتى صفحة، بخط نسخى جميل واضح.
النسخة التيمورية
ومما كان عضدا لى على التحقيق العلمى لهذا الكتاب، أنى وجدت نسخة من الرسالة، فى بضع وثلاثين صفحة، بالمكتبة التيمورية بدار الكتب الملكية المصرية، وعلى هامشها بعض تفسيرات لغوية، وتعليقات تاريخية مقتضبة، على أن بها بعض ما أشرف بى على المشقة، واحتاج الى جهود لاستخلاص الحقيقة التى أرادها المؤلف من الرسالة.
آثارنا فى الكتاب
ولقد عانيت علم الله لاخراج الرسالة وشرحها ما يعانى قاطع الصخر، فقد كان هناك كثير من الاسماء والكلمات بدون إعجام، ومن تصحيف وتحريف فى الأبيات الشعرية التى استشهد بها المؤلف، وأسماء قائليها، ولم يتسنّ لى الوصول إلى درك الصواب إلا بعد مجهود ومشقة عظيمة، وتفريق الموضوع الواحد فى عدة صفحات، ونقص فى أصل الرسالة.
وتم لنا بعون الله وفضله، ابراز هذا الأثر النفيس، بعد تصحيحه، ورد الأبيات الشعرية إلى أصلها ونسبتها إلى قائليها، ورد كل موضوع إلى أصله، وإكمال النقص، وكشف غامضه، وشرح عويصه، وتوضيح مبهمه، ووضع فهارس مفصلة للاعلام، والأمم والقبائل والبطون، والمذاهب والفرق والطوائف، والأمثال والأقوال المأثورة، والشعر والقوافى، والأمكنة والبلاد والمياه، هذا الى فهرس مجمل لموضوعات الكتاب وفهارسه.(1/13)
ولقد عانيت علم الله لاخراج الرسالة وشرحها ما يعانى قاطع الصخر، فقد كان هناك كثير من الاسماء والكلمات بدون إعجام، ومن تصحيف وتحريف فى الأبيات الشعرية التى استشهد بها المؤلف، وأسماء قائليها، ولم يتسنّ لى الوصول إلى درك الصواب إلا بعد مجهود ومشقة عظيمة، وتفريق الموضوع الواحد فى عدة صفحات، ونقص فى أصل الرسالة.
وتم لنا بعون الله وفضله، ابراز هذا الأثر النفيس، بعد تصحيحه، ورد الأبيات الشعرية إلى أصلها ونسبتها إلى قائليها، ورد كل موضوع إلى أصله، وإكمال النقص، وكشف غامضه، وشرح عويصه، وتوضيح مبهمه، ووضع فهارس مفصلة للاعلام، والأمم والقبائل والبطون، والمذاهب والفرق والطوائف، والأمثال والأقوال المأثورة، والشعر والقوافى، والأمكنة والبلاد والمياه، هذا الى فهرس مجمل لموضوعات الكتاب وفهارسه.
وعلى الرغم مما نالنى فى إصلاح هذا الكتاب من نصب، أعترف بأنى لم أصل إلى الغاية فى إصلاحه من جميع نواحيه، فلا تزال هناك ألفاظ لا أجرم أنها هى التى وضعها المؤلف، بل قد يكون غيرها أنسب منها.
ما صار إليه الكتاب
وإنا لنرى أن هذه الذخيرة الثمينة وهى تكون حلية فى المكتبة العربية قد برزت فى ثوب أنيق، ليس به ما يشينه، أو يلحق به ذاما.
وعسى قارئها ألا يجد فيها مغمزا، ولا مطعنا، لا فى ناحية الألفاظ، ولا فى ناحية الأغراض والمعانى.
وضعنا للرسالة
ولما كان الشرح واسع الذيول، بحيث يطغى على الرسالة، وتكاد تضيع بين سطوره، رأينا ألا نهوّش على القارئ فهم غرض المؤلف، ولا مراميه التى يشير إليها، ولا الناحية البيانية فى كلامه فأخرجنا الرسالة جملة دون شرح أو تعليق عليها أولا، بعد ضبطها وتصحيحها واكمالها ثم أتبعنا ذلك بالرسالة وشرحها وتعليقنا عليهما ليكون فى هذا متعة للناظر، وطرفة من الأدب العربى، وسلوة للقاري، وانتقال به من فنّ إلى فنّ، ومن فنن الى فنن، حتى يجتنى من ثماره ما لذ وطاب.(1/14)
شكر وثناء
وإن كان لأحد بعد الله أن يشكر، فانى لأحمد الحمد كله، وأثنى جم الثناء، على حضرة صاحب السمو الملكى، الأمير اليمنى الجليل، سيف الاسلام عبد الله، نجل المغفور له ملك اليمن السابق، المتوكل على الله، الامام يحيى بن محمد حميد الدين فقد تفضل سموه، فأمر بالاسهام فى نفقات طبع هذا الكتاب، رغبة منه فى نشر الآثار العلمية القيمة، وحرصا على ذيوع ذخائر علماء اليمن.
ولست بناس، فى مقام الحمد والثناء، أن أسدى منهما الموفور إلى حضرة صاحب الفضيلة، العالم المحقق، القاضى الفاضل، محمد بن عبد الله بن حسين العمرى اليمنى، فانه هو الّذي أكرمنا وأكرم المكتبة العربية المصرية، فقدم المخطوط، للمعاونة على إخراج هذا الأثر الكريم.
ولا يفوتنى هنا شكر حضرة الأستاذ ابراهيم الابيارى، عضو لجنة تخليد ذكرى أبى العلاء، على ما قام به من تصحيح وضبط ونشر الملازم الست الأولى من شرح الرسالة.
وكذلك شكر حضرة صاحب الفضيلة، العالم الفاضل، الأستاذ محمد زاهد بن الحسن الكوثرى، على كلمته القيمة التى قدم بها الكتاب.
رجاء
والله سبحانه وتعالى أسأل التوفيق إلى نشر آثار علماء لغتنا الكريمة، إنه على ما يشاء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
حلوان الحمامات فى يوم الاثنين 4من جمادى الأولى سنة 1367 15من مارس سنة 1948(1/15)
حلوان الحمامات فى يوم الاثنين 4من جمادى الأولى سنة 1367 15من مارس سنة 1948
التعريف بالمؤلف
نسبه
أبو سعيد، الأمير العلامة الفقيه، نشوان بن سعيد بن نشوان، اليمنى الحميرى، ينتهى نسبه إلى الأذواء من ملوك اليمن، وقد أشار الى هذا فى قصيدته الحميرية، حيث قال:
أو ذو مراثد جدّنا القيل ابن ذى ... سحر أبو الأدواء رحب السّاح (1)
ويقول بدر الدين الصّعدى (2) فى كتاب مآثر الأبرار فى تفصيل مجملات جواهر الأخبار (3):
والعجب ممن يزعم أنه أخ للامام احمد بن سليمان (4) من أمه، فان أم الامام
__________
(1) ذو مراثد: ملك من ملوك اليمن، واسمه حسان ذو مراثد بن ذى سحر، ولا يوجد مراثد (على وزن مقاتل ومحارب) إلا فى حمير، ثم لا يوجد فى حمير إلا فى هذا البيت، وهو بيت بلقيس ملكة سبأ ابنة الهدهاد بن شرح بن ذى سحر، التى ذكرها الله سبحانه تعالى فى سورة النمل.
والقيل: الملك من ملوك حمير، وجمعه أقيال وقيول
(2) هو بدر الدين محمد بن على بن يونس الصعدى، من مؤرخي اليمن، في أوائل القرن العاشر الهجرى.
(3) هو شرح قصيدة اسمها «جواهر الأخبار» نظمها صارم الدين ابراهيم بن محمد للامام المؤيد محمد بن الناصر فى اليمن، واقترح الامام على بدر الدين أن يشرحها، ففعل، وفرغ من شرحها سنة 906هـ، والشرح يشتمل علي تاريخ أئمة اليمن، والقصيدة 36بيتا، مطلعها:
الدهر ذو عبر عظمى وذو غير ... وصرفه شامل للبدو والحضر
(4) سنتحدث عنه فى الكلام عن أئمة اليمن إذ ذاك(1/16)
الشّريفة الفاضلة مليكة بنت عبد الله بن القاسم، وأم نشوان عربية من ولد أبى عشن (1) من ملوك اليمن، وهو الّذي قال فيه الشاعر:
وسيّد همدان أبو عشن الّذي ... غزا بيشة فاجتاحها بعطان (2)
مولده
لم يرشدنا التاريخ على وجه صحيح الى مولد هذا الامام العظيم.
علمه وأخلاقه
كان أوحد أهل عصره، وأعلم أهل دهره، نبلا وفضلا وعلما، مفنّا معنّا فى اللغة والنحو، والأنساب والتواريخ، وسائر ما يتصل بفنون الأدب، شاعرا كاتبا، خطيبا مفوّها.
وكانت له اليد الأولى فى علم الفرائض، ويقول القفطى (3) فى كتابه انباه الرواة: وكانت له فى الفرائض وقسمتها يد.
__________
(1) أبو عشن ملك من ملوك اليمن، وفى نسبه اختلاف، فهمدان تقول: أبو عشن بن يريم بن أحمد بن يريم بن مرة بن عمرو بن مرثد بن الحارث بن أصبا.
وحمير تقول: هو من ولد مرثد بن مرة بن شرحبيل بن معديكرب الرعينى
(2) بيشة: اسم واد في اليمن.
همدان: قبيلة من اليمن، وهم ولد همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان. اجتاح: استأصل وأهلك
(3) أبو الحسن، جمال الدين على بن يوسف بن ابراهيم الشيبانى القفطى، وزير، مؤرخ، من الكتاب، ولد سنة 568هـ (1165م) بقفط، من الصعيد الأعلى بمصر، وسكن حلب فولى بها القضاء فى أيام الملك الظاهر، وأطلق عليه لقب «الوزير الأكرم» وكان صدرا محتشما جماعا للكتب، وله مؤلفات عديدة، وتوفى بحلب سنة 646هـ (1248م)(1/17)
وكانت النّغرة اليمنية متحكمة فى طباعه وعلمه، ومن ثمّ كتب كثيرا فى تفضيل اليمنيين على الحجازيين وفى هذا يقول الصعدى، فى شرحه أحد أبيات قصيدة صارم الدين التى أشرنا إليها وهو:
وكم أجاب على غاو ومبتدع ... كمثل نشوان واليامىّ ذى الذّكر (1).
المراد بنشوان: هو القاضى العلامة نشوان بن سعيد الحميرى، فانه من جملة علماء الزّيدية، ولم يكن يقدح عليه الا بكثرة افتخاره بقحطان على عدنان، نظما ونثرا، وله فى ذلك هو والأشراف بنو القاسم نقائض كثيرة.
والمشهور عن نشوان أنه كان يقدم أقوال الهادى (2) عليه السلام على سائر فقهاء الاسلام، ويحكم بها للخاص والعام، الا فيما أجمعت عليه الأمة واتّفق فيه الأئمة.
وقد كان بينه وبين الفقهاء المبرزين فى عصره، على كثرة عددهم، ووفور عددهم، مناظرات ومساجلات، يكتب له فيها الغلبة والفوز عليهم، ويكون فيها المجلّى، وسواه المصلّى وفى هذا يقول الصعدى:
وكان فى عصره جملة من العلماء، هم نجوم فى الأرض كنجوم فى السماء، من علماء قحطان، فلم يزر عليه فى مذهبه زار، مع كثرة المناظرة فى ذلك والمذاكرة.
__________
(1) اليامى: حاتم بن عمران، وسنتحدث عنه
(2) هو يحيي بن الحسين بن القاسم الحسنى العلوى الرسى، إمام زيدى، ولد بصنعاء سنة 220هـ (835م) ونشأ فقيها كبيرا فى مذهب الزيدية، وصنف كتبا، ثم قام فى خلافة المعتضد العباسى سنة 283هـ فملك ما بين صنعاء وصعدة، وبث عماله فى النواحي، فنشبت بينه وبين عمال بنى العباس حروب، فملك صنعاء سنة 288هـ، وامتد ملكه، فخطب له بمكة سبع سنين، وضربت السكة باسمه، وأكثر من ملك اليمن بعده من أئمة الزيدية هم من ذريته، توفى بصعدة سنة 298هـ (910م)(1/18)
ولم يقع بينه وبين أحد من أصحابه جفاء، سوى الأشعار التى قالها هو والشرفاء فقد كان بينه وبين الامام أحمد بن سليمان فى ابتداء الأمر عداوة ومهاجاة، ثم تلا ذلك تعاطف وتلاطف، وصفاء ووداد، وفى هذا يقول نشوان:
أتعقب النقائض بينى وبين الأشراف الهاشميين، وذلك قبل طرور الشارب (1)، وبلوغ المآرب، فأما اليوم وقد رددت على الأشد، من الهزل والجدّ، وأتانى نذير الشيب، وزايلنى كل ريب، وتحليت بحلية الوقار، ونظرت نفسى بعين الاحتقار، ودعيت عن القريض، وملاهى معبد والغريض (2)، وأقمت الشعر، بأبخس السعر، واعتضت القرآن بالشعر بدلا، وتركت الجدال وكان الانسان أكثر شيء جدلا، وذهبت فى ذلك مذهب لبيد (3)، واستبداله الشّهد بالهبيد (4)، وجعلت مقاطع الآيات، عوضا عن مصارع الأبيات، وذكر الله عوضا عن النسيب، وذكر المعاد عن الربع والحبيب، ولست من
__________
(1) طر الشارب: طلع
(2) معبد بن وهب، نابغة الغناء العربي فى صدر الاسلام، أصله من الموالى، ونشأ فى المدينة، وأصواته وأخباره كثيرة، وعاش طويلا إلى أن انقطع صوته ومات سنة 126هـ (743م)
والغريض: عبد الملك، مولى العبلات، من مولدى البربر، من أشهر المغنين فى صدر الإسلام، ومن أحذقهم فى صناعة الغناء، سكن مكة وغنى سكينة بنت الحسين، ولقب «الغريض» لجماله ونضارة وجهه، توفى نحو سنة 95هـ (174م)
(3) لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل العامرى، أحد الشعراء الفرسان الأشراف فى الجاهلية، أدرك الاسلام، وترك الشعر، وسكن الكوفة، وعاش عمرا طويلا، وتوفي سنة 41هـ (661م)، ولم يقل فى الاسلام إلا بيتا واحدا، وهو:
الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى اكتسيت من الاسلام سربالا
(4) الهبيد: الحنظل، أو حبه(1/19)
الشعراء، بل من عبيد الله الفقراء، الذين تحل لهم صدقة الدعاء وزكاة الاستغفار، التى تصرف العذاب عن الكفار، والشرفاء أبقاهم الله مما سألت مبرءون، ومما طلبت مكثرون، فلتشملنى بركتهم بهبة أفضل الصدقات، إذا ذكروا الله فى أفضل الأوقات، وهى صدقة الدعوات عقيب الصلوات، إن الله يجزى المتصدقين، ويجعل العاقبة للمتقين فدعاء الشرفاء المالكين مستجاب، وليس بين العبد وربه حجاب، فلعل الله أن يمحو عنى موبق الذّنوب، ويختصنى من رحمته بالذّنوب، فقد ضقت ذرعا فيما فرطت، وأنشبت نفسى فى أضيق المسالك وأورطت، وأصبحت لنفسى ظالما، ومن ظلم غيرها سالما، لكنى أستغفر ربا كريما، ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما
شعره:
يقول القفطى ولنشوان شعر كشعر العلماء، لا يخلو من تكلف، وقد كتب على كل جزء من أجزاء كتابه «شمس العلوم» أبياتا من الشعر لم يكن حلو المذاق.
ومن شعره، ما كتبه تحت عنوان كتابنا هذا، وهو رسالة الحور العين:
أموت ويبقى كلّ شيء كتبته ... فبالله من يقرأ الكتاب دعا ليا
لعل إلهى يقرن العفو بالرّضا ... ويغفر زلاتى وسوء فعاليا
وله من قصيدة يمدح فيها الامام أحمد بن سليمان:
يا ابن الأئمة من بنى الدّهراء ... وابن الهداة الصفوة النجباء
وإمام أهل العصر والنّور الّذي ... هدى الولىّ به من الظلماء
كم رامت الكفار إطفاء له ... عمدا، فما قدروا على إطفاء
شمس يراها الحاسدون فلم يطق ... منهم لها أحد على إخفاء
يا داعيا يدعو الأنام لرشدهم ... وصلاحهم فى بكرة وعشاء
أسمعتهم، فكأنهم لم يسمعوا ... ما جاءهم من دعوة ونداء
يا خير من تمشى به قدم على ... وجه البسيطة من بنى حواء(1/20)
يا ابن الأئمة من بنى الدّهراء ... وابن الهداة الصفوة النجباء
وإمام أهل العصر والنّور الّذي ... هدى الولىّ به من الظلماء
كم رامت الكفار إطفاء له ... عمدا، فما قدروا على إطفاء
شمس يراها الحاسدون فلم يطق ... منهم لها أحد على إخفاء
يا داعيا يدعو الأنام لرشدهم ... وصلاحهم فى بكرة وعشاء
أسمعتهم، فكأنهم لم يسمعوا ... ما جاءهم من دعوة ونداء
يا خير من تمشى به قدم على ... وجه البسيطة من بنى حواء
منزلته ووصوله الى الملك:
كان نشوان ذا نفس وثابة، طموحة إلى المعالى، لا ترضى إلا بالوصول إلى قمة المجد، والجمع بين شرف العلم وشرف الملك، وكأنه كان يناجى أبا تمام حين كان يقول:
ويصعد حتى لظنّ الجه ... ول أنّ له منزلا فى السّماء
ومن ثم لم يكن هادئا، مغتبطا بما هو فيه من الكفاية فى الفضل والعلم، بل سمت نفسه إلى رئاسة الملك، وأن يكون ممن يخلد الدهر أسماءهم، ويعتز بأعمالهم، فأعدّ للأمر عدّته، ولبس ثوب المجاهد القائد، وخلع زى العالم الزاهد فقاد الجند، ومشى إلى الهيجاء، بعزم صادق، ونفس لا ترضى إلا بركوب الأخطار، وراء السمو والمعالى، فبدأ يخوض ميادين القتال، وينتقل من فوز إلى فوز، ومن نصر إلى نصر، حتى أتيح له أن يقبض على صولجان الملك فى ناحية صبر (1)، ويستوى على عرشه.
وفى ذلك يقول ياقوت فى معجم الأدباء:
استولى نشوان على عدة قلاع وحصون، وقدّمه أهل جبل صبر، حتى صار ملكا.
__________
(1) صبر: جبل شامخ عظيم، مطل على قلعة تعز، فيه عدة حصون وقرى باليمن، وبه قلعة يقال لها صبر(1/21)
ويقول القفطى:
نشوان بن سعيد اللغوى اليمنى، المدعو بالقاضى فى زماننا الأقرب، من قضاة بعض مخاليف (1) اليمن الجبلية
وقيل إنه فى آخر عمره تحيّل على حصن فى بلاده وملكه، وسماه أهل ذلك العمل (2) بالسلطان.
ولعل فى وصول نشوان إلى الملك فى زمان جمع ثلاثة ملوك غيره باليمن ما يدل على عظم مكانته الدينية والعلمية والسياسية، خصوصا إذا علمنا أنه يشترط فيمن يتولى الملك ببلاد اليمن صفات، أهمها: أن يكون محاربا، قائدا، خبيرا بضروب الحرب، أهلا لقيادة الناس وقت الجهاد، عالما، متبحرا فى العلوم الدينية بوجه خاص.
ولقد كان باليمن على عهد نشوان ثلاثة ملوك سواه، هم:
1 - حاتم بن عمران بن كريم همدان الفضل اليامى، الملقب بحميد الدولة، سلطان اليمن، تملك صنعاء، وأعمالها سنة 533هـ، وفى أيامه ظهر المتوكل على الله احمد بن سليمان، وعلى بن مهدى، وكانت له معهما وقائع كثيرة ضاقت بها رقعة ملكه، واستمر إلى أن توفى بصنعاء سنة 566هـ (1161م)
2 - على بن مهدى الحميرى، كان فى بداية أمره من رجال الصلاح والارشاد والوعظ، يحجّ كلّ سنة، ولقى بعض علماء العراق والشام والحجاز، فاستمال إليه القلوب، واتبعه خلق، فكانت تأتيه الهدايا والصدقات فيردّها، إلى أن كانت سنة 545هـ فبايعه بالإمامة عدد كبير من أهل اليمن، وقوى أمره، فارتفع إلى
__________
(1) المخاليف: جمع المخلاف: الكورة من البلاد. والمخاليف أيضا: الأطراف والنواحي
(2) العمل: ما يتولى عليه العامل، وأعمال البلد: ما يكون تحت حكمها(1/22)
الجبال، وسمّى من ارتفع معه المهاجرين، وأخذ يغير على قرى تهامة، ويعود إلى الجبال، فملك كثيرا من التّهائم، ونشبت بينه وبين حاتم بن عمران حروب، واستمر على حاله هذه إلى أن توفى سنة 554هـ (1159م)
3 - المتوكل على الله احمد بن سليمان، أحد المتغلبين على اليمن، ظهر فى أيام حاتم حوالى سنة 550هـ، ودعا الناس الى بيعته بالامامة، فبايعه خلق كثير، وملك صعدة ونجران ومواضع متعددة من الديار اليمنية، ونشبت بينه وبين حاتم حروب، ثم اصطلحا على أن يكون لكل منهما ما فى يده من بلاد وحصون واستمر على ذلك إلى أن توفى سنة 566هـ (1171م)
مؤلفاته
لنشوان تصانيف عديدة، هى:
1 - شمس العلوم، ودواء كلام العرب من الكلوم، وصحيح التأليف، والأمان من التحريف وهو من كتب الأدب الهامة، ألفه فى ثمانية أجزاء، ورتبه على حروف المعجم، وقسمه إلى أبواب، لكل حرف من الهجاء باب، وقسم كل باب إلى شطرين، أحدهما للأسماء والآخر للأفعال، وجعل لكل حرف من الأسماء أو الأفعال بابا يشرحها فيه وقد سلك فيه مسلكا غريبا، يذكر الكلمة من اللغة، فان كان لها نفع من جهة الطب أو غيره ذكره، فهو معجم لغوى، لكنه يمتاز عن سواه من المعاجم اللغوية أنه يتضمن شروحا علمية وطبيعية.
فاذا عرضت كلمة من اسم حيوان أو نبات أو معدن ذكر خصائصها، كقوله فى لفظ دجاج، قال: هو جمع دجاجة، من الطير، لحمها معتدل فى الحرارة والرطوبة.
وقال فى الذهب بعد وصفه اللغوى:
والذهب أعدل الأجسام فى طبعه، لا يبليه الثرى، ولا تأكله النار، ولا يتغير ريحه على المكث، وإذا برد وخلط فى الأودية نفع فى ضعف القلب.(1/23)
وقال فى الذهب بعد وصفه اللغوى:
والذهب أعدل الأجسام فى طبعه، لا يبليه الثرى، ولا تأكله النار، ولا يتغير ريحه على المكث، وإذا برد وخلط فى الأودية نفع فى ضعف القلب.
وكذلك إذا عرض اسم رجل من القدماء، ذكر عنه شيئا من حيث التاريخ.
وكثيرا ما يأتى بالأحكام الشرعية
فالكتاب معجم لغة وعلم، نحو دوائر المعارف فى العصر الحديث.
وتتولى نشره الآن مكتبة الخانجى.
وقد اختصر هذا الكتاب ابنه فى جزءين، وسماه ضياء الحلوم.
ونشرت منتخبات منه فى أخبار اليمن بعناية عظيم الدين أحمد، مطبوعة فى مطبعة بريل فى مدينة ليدن سنة 1916.
2 - رسالة الحور العين، وتنبيه السامعين وشرحها، وهى كتابنا هذا.
3 - القصيدة الحميرية، أو النشوانية، وهى خلاصة السيرة الجامعة لأخبار ملوك التابعة وغيرهم، وقد ذكر فيها ملوك حمير والأذواء والأقيال متسلسلة، ومطلعها:
الأمر جدّ وهو غير مزاح ... فاعمل لنفسك صالحا يا صاح
ومنها.
أين المثامنة الملوك وملكهم ... ذلّوا لصرف الدّهر بعد جماح
ذو ثعلبان وذو خليل ثمّ ذو ... سحر وذو جدن وذو صرواح
أو ذو مراثد جدّنا القيل ابن ذى ... سحر أبو الأدواء رحب السّاح
وبنوه ذو قين وذو شعر وذو ... عمران أهل مكارم وسماح
والقيل ذو ذبيان من أبنائه ... راح الحمام إليه فى الرّوّاح
خدمتهم حرّ الهواء وسخّرت ... لمقاول بيض الوجوه صباح
وسنقوم إن شاء الله بنشرها والتعليق عليها.
4 - كتاب القوافى، ولعله كتاب بيان مشكل الروى وصراطه السوى، الّذي أشار إليه المؤلف فى شرح رسالة الحور العين، بالصفحة رقم 87(1/24)
أين المثامنة الملوك وملكهم ... ذلّوا لصرف الدّهر بعد جماح
ذو ثعلبان وذو خليل ثمّ ذو ... سحر وذو جدن وذو صرواح
أو ذو مراثد جدّنا القيل ابن ذى ... سحر أبو الأدواء رحب السّاح
وبنوه ذو قين وذو شعر وذو ... عمران أهل مكارم وسماح
والقيل ذو ذبيان من أبنائه ... راح الحمام إليه فى الرّوّاح
خدمتهم حرّ الهواء وسخّرت ... لمقاول بيض الوجوه صباح
وسنقوم إن شاء الله بنشرها والتعليق عليها.
4 - كتاب القوافى، ولعله كتاب بيان مشكل الروى وصراطه السوى، الّذي أشار إليه المؤلف فى شرح رسالة الحور العين، بالصفحة رقم 87
5 - التبيان فى تفسير القرآن
6 - أحكام صنعاء وزبيد
7 - وصية لولده جعفر
8 - أرجوزة فى الشهور الرومية
9 - رسالة على التصريف.
وفاته:
مات نشوان رحمه الله عصر يوم الجمعة رابع عشرين ذى الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة (12يونيه سنة 1178)(1/25)
مات نشوان رحمه الله عصر يوم الجمعة رابع عشرين ذى الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة (12يونيه سنة 1178)
متن رساله(1/27)
بسم الله الرحمن الرّحيم وبه الاعانة والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه.
السّلام عليك أيّتها العقوة، الّتي لا تلمّ بها الشّقوة، والرّبوة، الموقّرة عن الصّبوة، ذات القرار والمعين، والمستقرّ لحور العين، بعيدة عن رجم الظّنون، كأمثال الّلؤلؤ المكنون، بيض الغرر والتّرائب، سود الطّرر والذّوائب، مقرونة الحواجب، موشومة الرّواجب، تفترّ عن درر من الثغور، ودرارىّ طالعة لا تفور، عواطل من الحلىّ، لا تعرف عدوّا من ولىّ، يخلو بها ذو الرّيب، وهى بريئة الجيب، من التهمة والعيب، لم تطمث بأنس ولا جان، ولا استترت عن الأبصار بالبراقع ولا المجان لا تجزى المحبّ بنفار، ولا تحرّم بنكاح على الكفّار تحلّ بعد ثلاث من الطّلاق، بمسّ وتلاق لا تنشز عن بعل، وإن وطئها بالنّعل مقعدة تسير فى بعد وقرب، صائمة عن الأكل والشّرب ممنوعة عن اللّذّات، نقيّة العرض والذّات لا تغسل من درن ولا توصف بكسل ولا أرن تنطق بصموت، وتحيا بعد أن تموت يسمع نطقها بالعين، لا تلفظ بلسان ولا شفتين تضحك وتبكى السّامر والضّجيع، بنظام حسن وتسجيع، تخبر عن جديس وطسم، وما عفا من أثر ورسم، حبّهنّ دين، وهواهنّ فرض على الموحّدين وحديقة الأدب الّتي لا تهيج، وتربته الّتي أنبتت من كلّ زوج بهيج، وسيمة الأزهار، جارية الأنهار،
غصونها دانيه، وعيونها غير آنية، لا خبت أنوارك، ولا ذبل نوّارك، لأنت جنّة العدن، الحقيقة بالسّدن، نحييك من بعد بالجنان، ونشير بأطراف البنان، هل أتاك نبأ النّار المونسة، فى الأرض المقدّسة، بجالب القصر المشيد، وجناب الملك الرّشيد؟ نار سؤدد رفعت للنّواظر، وهديت بها البوادى والحواضر، جاهلها فى النّاس مليم، وفاز من هولها كليم مضرمة للولىّ بلهب من ذهب، وللعدوّ بهلاك ورهب، أجّجت بأعواد الكرم لا الكروم، وأرّجت بطيّب الأغصان والأروم، تخضرّ بقربها الغرائس ويترب المفتقر البائس، يعوذ بها الأوّاه المنيب، ويلوذ اللّاحق والجنيب بورك من فى النّار، وعلى علوّ ذلك المنار أنّى وإن غدوت والبين عليّ جان، وضربت من الدّهر بصولجان، ضرب كرة بين الحزاور، ولفظة ينطق بها كلّ محاور: بحفظ الغيب لجدير، وعلى هديّة الشّكر لقدير، لسيّد مطاع، أصبح لبيت الشرف كالسّطاع، صنائعه فى كلّ جناب، كالاوتاد له والأطناب، لا يفتأ من صيانة حسب، غير مؤتشب، بإهانة ما اكتسب، من وفر ونشب، حكم بالعدل مقسط، ولدوحة الشّرف متوسّط، بين والد مشب، ومغرس كرم نامى العشب، وطرف من الأخوة والأولاد منجب، وشرف عالى العماد مرجب، فهو كعبة للثّناء يضيق بقاصدها الفجاج، ويفيء بحمدها الحجّاج، ما صفرت يد القابض، ولا رمى الظنّ بنكس حابض، فحرس الله الحضرة المطهرة بأزال، عن كلّ ما غيّر النّعم وأزال، حتّى تنخفض واجبات الأفعال، وتنطبق الشّفاه بمطبق عال، ويتولّد الإدغام بين متوسّط ذو لقىّ، وآخرها بطىّ حلقىّ، فتلك حراسة تهرم الأزلم
الجذع، ودوام لا أمد له ولا منقطع، وأطال بقاءها حتّى تدنو الميم فى المخرج من العين، على تباين النّوعين، إنّ بينهما لأبعد بين، بعد المشرقين من المغربين، وحاطها عن النّوائب، ومخشىّ الغير والشّوائب، حتّى تعود السّين وأخواتها التّسع من حروف الجهر، وليلة التّمام أوّل غرّة الشّهر أين الجهر من الهمس، ونصف عدّة المنازل من منزلة الشّمس؟ تضرع بالدّعاء إلى ربّ السّماء، وتوصّل بالأفعال والأسماء، وابتهال من أسير عان فى يد الزّمان، لا يطمع منه بسلامة ولا أمان، منى بحال مثل تاء الافتعال، فى الانقلاب والإبدال، مرّة بطاء ومرّة بدال، أبدلت فى الحالتين بشديد، غير راخ ولا مديد، وضروب من حوادث الدّهر تدور، مع السّنة والشّهور، تعيد الجلد من الرّجال، كثلاثىّ الأفعال، عليل الطّرفين، ثمّ تنقص منه للعلّة حرفين، فيصبر حرفا واحدا، وتعيضه فى الوقف حرفا زائدا ونوائب، معابلها صوائب، تردّ الصّفو مشيبا، والشّباب شيبا، وتخلق برد الشّبيبة وقد كان قشيبا، فهو معها كحرف اعتلال، لا يوسم بصحّة وإبلال، يختلف باختلاف الحركات المختلفات، فيعود على غير ما كان من الصّفات، ويذهب بدخول الجوازم، ويلزمه للحذف لوازم وآونة تنغّص المرء بالممرّر، وتردّ إلى الأرذل كلّ معمّر، فهى لنظم الحيوان زحاف، ولها فى طلب النفوس إلجاف، تلحق الصّحيح بخامس الخفيف، وتارة تجعله من مصادر اللفيف، تحلّ منه قوّة بعد قوّة، وتحطّه من ربوة إلى هوّه وزمان كأبي قابوس، فى النّعيم والبوس، يسىء بذوى الإحسان، ويشكر ثم يشكى(1/29)
السّلام عليك أيّتها العقوة، الّتي لا تلمّ بها الشّقوة، والرّبوة، الموقّرة عن الصّبوة، ذات القرار والمعين، والمستقرّ لحور العين، بعيدة عن رجم الظّنون، كأمثال الّلؤلؤ المكنون، بيض الغرر والتّرائب، سود الطّرر والذّوائب، مقرونة الحواجب، موشومة الرّواجب، تفترّ عن درر من الثغور، ودرارىّ طالعة لا تفور، عواطل من الحلىّ، لا تعرف عدوّا من ولىّ، يخلو بها ذو الرّيب، وهى بريئة الجيب، من التهمة والعيب، لم تطمث بأنس ولا جان، ولا استترت عن الأبصار بالبراقع ولا المجان لا تجزى المحبّ بنفار، ولا تحرّم بنكاح على الكفّار تحلّ بعد ثلاث من الطّلاق، بمسّ وتلاق لا تنشز عن بعل، وإن وطئها بالنّعل مقعدة تسير فى بعد وقرب، صائمة عن الأكل والشّرب ممنوعة عن اللّذّات، نقيّة العرض والذّات لا تغسل من درن ولا توصف بكسل ولا أرن تنطق بصموت، وتحيا بعد أن تموت يسمع نطقها بالعين، لا تلفظ بلسان ولا شفتين تضحك وتبكى السّامر والضّجيع، بنظام حسن وتسجيع، تخبر عن جديس وطسم، وما عفا من أثر ورسم، حبّهنّ دين، وهواهنّ فرض على الموحّدين وحديقة الأدب الّتي لا تهيج، وتربته الّتي أنبتت من كلّ زوج بهيج، وسيمة الأزهار، جارية الأنهار،
غصونها دانيه، وعيونها غير آنية، لا خبت أنوارك، ولا ذبل نوّارك، لأنت جنّة العدن، الحقيقة بالسّدن، نحييك من بعد بالجنان، ونشير بأطراف البنان، هل أتاك نبأ النّار المونسة، فى الأرض المقدّسة، بجالب القصر المشيد، وجناب الملك الرّشيد؟ نار سؤدد رفعت للنّواظر، وهديت بها البوادى والحواضر، جاهلها فى النّاس مليم، وفاز من هولها كليم مضرمة للولىّ بلهب من ذهب، وللعدوّ بهلاك ورهب، أجّجت بأعواد الكرم لا الكروم، وأرّجت بطيّب الأغصان والأروم، تخضرّ بقربها الغرائس ويترب المفتقر البائس، يعوذ بها الأوّاه المنيب، ويلوذ اللّاحق والجنيب بورك من فى النّار، وعلى علوّ ذلك المنار أنّى وإن غدوت والبين عليّ جان، وضربت من الدّهر بصولجان، ضرب كرة بين الحزاور، ولفظة ينطق بها كلّ محاور: بحفظ الغيب لجدير، وعلى هديّة الشّكر لقدير، لسيّد مطاع، أصبح لبيت الشرف كالسّطاع، صنائعه فى كلّ جناب، كالاوتاد له والأطناب، لا يفتأ من صيانة حسب، غير مؤتشب، بإهانة ما اكتسب، من وفر ونشب، حكم بالعدل مقسط، ولدوحة الشّرف متوسّط، بين والد مشب، ومغرس كرم نامى العشب، وطرف من الأخوة والأولاد منجب، وشرف عالى العماد مرجب، فهو كعبة للثّناء يضيق بقاصدها الفجاج، ويفيء بحمدها الحجّاج، ما صفرت يد القابض، ولا رمى الظنّ بنكس حابض، فحرس الله الحضرة المطهرة بأزال، عن كلّ ما غيّر النّعم وأزال، حتّى تنخفض واجبات الأفعال، وتنطبق الشّفاه بمطبق عال، ويتولّد الإدغام بين متوسّط ذو لقىّ، وآخرها بطىّ حلقىّ، فتلك حراسة تهرم الأزلم
الجذع، ودوام لا أمد له ولا منقطع، وأطال بقاءها حتّى تدنو الميم فى المخرج من العين، على تباين النّوعين، إنّ بينهما لأبعد بين، بعد المشرقين من المغربين، وحاطها عن النّوائب، ومخشىّ الغير والشّوائب، حتّى تعود السّين وأخواتها التّسع من حروف الجهر، وليلة التّمام أوّل غرّة الشّهر أين الجهر من الهمس، ونصف عدّة المنازل من منزلة الشّمس؟ تضرع بالدّعاء إلى ربّ السّماء، وتوصّل بالأفعال والأسماء، وابتهال من أسير عان فى يد الزّمان، لا يطمع منه بسلامة ولا أمان، منى بحال مثل تاء الافتعال، فى الانقلاب والإبدال، مرّة بطاء ومرّة بدال، أبدلت فى الحالتين بشديد، غير راخ ولا مديد، وضروب من حوادث الدّهر تدور، مع السّنة والشّهور، تعيد الجلد من الرّجال، كثلاثىّ الأفعال، عليل الطّرفين، ثمّ تنقص منه للعلّة حرفين، فيصبر حرفا واحدا، وتعيضه فى الوقف حرفا زائدا ونوائب، معابلها صوائب، تردّ الصّفو مشيبا، والشّباب شيبا، وتخلق برد الشّبيبة وقد كان قشيبا، فهو معها كحرف اعتلال، لا يوسم بصحّة وإبلال، يختلف باختلاف الحركات المختلفات، فيعود على غير ما كان من الصّفات، ويذهب بدخول الجوازم، ويلزمه للحذف لوازم وآونة تنغّص المرء بالممرّر، وتردّ إلى الأرذل كلّ معمّر، فهى لنظم الحيوان زحاف، ولها فى طلب النفوس إلجاف، تلحق الصّحيح بخامس الخفيف، وتارة تجعله من مصادر اللفيف، تحلّ منه قوّة بعد قوّة، وتحطّه من ربوة إلى هوّه وزمان كأبي قابوس، فى النّعيم والبوس، يسىء بذوى الإحسان، ويشكر ثم يشكى(1/30)
السّلام عليك أيّتها العقوة، الّتي لا تلمّ بها الشّقوة، والرّبوة، الموقّرة عن الصّبوة، ذات القرار والمعين، والمستقرّ لحور العين، بعيدة عن رجم الظّنون، كأمثال الّلؤلؤ المكنون، بيض الغرر والتّرائب، سود الطّرر والذّوائب، مقرونة الحواجب، موشومة الرّواجب، تفترّ عن درر من الثغور، ودرارىّ طالعة لا تفور، عواطل من الحلىّ، لا تعرف عدوّا من ولىّ، يخلو بها ذو الرّيب، وهى بريئة الجيب، من التهمة والعيب، لم تطمث بأنس ولا جان، ولا استترت عن الأبصار بالبراقع ولا المجان لا تجزى المحبّ بنفار، ولا تحرّم بنكاح على الكفّار تحلّ بعد ثلاث من الطّلاق، بمسّ وتلاق لا تنشز عن بعل، وإن وطئها بالنّعل مقعدة تسير فى بعد وقرب، صائمة عن الأكل والشّرب ممنوعة عن اللّذّات، نقيّة العرض والذّات لا تغسل من درن ولا توصف بكسل ولا أرن تنطق بصموت، وتحيا بعد أن تموت يسمع نطقها بالعين، لا تلفظ بلسان ولا شفتين تضحك وتبكى السّامر والضّجيع، بنظام حسن وتسجيع، تخبر عن جديس وطسم، وما عفا من أثر ورسم، حبّهنّ دين، وهواهنّ فرض على الموحّدين وحديقة الأدب الّتي لا تهيج، وتربته الّتي أنبتت من كلّ زوج بهيج، وسيمة الأزهار، جارية الأنهار،
غصونها دانيه، وعيونها غير آنية، لا خبت أنوارك، ولا ذبل نوّارك، لأنت جنّة العدن، الحقيقة بالسّدن، نحييك من بعد بالجنان، ونشير بأطراف البنان، هل أتاك نبأ النّار المونسة، فى الأرض المقدّسة، بجالب القصر المشيد، وجناب الملك الرّشيد؟ نار سؤدد رفعت للنّواظر، وهديت بها البوادى والحواضر، جاهلها فى النّاس مليم، وفاز من هولها كليم مضرمة للولىّ بلهب من ذهب، وللعدوّ بهلاك ورهب، أجّجت بأعواد الكرم لا الكروم، وأرّجت بطيّب الأغصان والأروم، تخضرّ بقربها الغرائس ويترب المفتقر البائس، يعوذ بها الأوّاه المنيب، ويلوذ اللّاحق والجنيب بورك من فى النّار، وعلى علوّ ذلك المنار أنّى وإن غدوت والبين عليّ جان، وضربت من الدّهر بصولجان، ضرب كرة بين الحزاور، ولفظة ينطق بها كلّ محاور: بحفظ الغيب لجدير، وعلى هديّة الشّكر لقدير، لسيّد مطاع، أصبح لبيت الشرف كالسّطاع، صنائعه فى كلّ جناب، كالاوتاد له والأطناب، لا يفتأ من صيانة حسب، غير مؤتشب، بإهانة ما اكتسب، من وفر ونشب، حكم بالعدل مقسط، ولدوحة الشّرف متوسّط، بين والد مشب، ومغرس كرم نامى العشب، وطرف من الأخوة والأولاد منجب، وشرف عالى العماد مرجب، فهو كعبة للثّناء يضيق بقاصدها الفجاج، ويفيء بحمدها الحجّاج، ما صفرت يد القابض، ولا رمى الظنّ بنكس حابض، فحرس الله الحضرة المطهرة بأزال، عن كلّ ما غيّر النّعم وأزال، حتّى تنخفض واجبات الأفعال، وتنطبق الشّفاه بمطبق عال، ويتولّد الإدغام بين متوسّط ذو لقىّ، وآخرها بطىّ حلقىّ، فتلك حراسة تهرم الأزلم
الجذع، ودوام لا أمد له ولا منقطع، وأطال بقاءها حتّى تدنو الميم فى المخرج من العين، على تباين النّوعين، إنّ بينهما لأبعد بين، بعد المشرقين من المغربين، وحاطها عن النّوائب، ومخشىّ الغير والشّوائب، حتّى تعود السّين وأخواتها التّسع من حروف الجهر، وليلة التّمام أوّل غرّة الشّهر أين الجهر من الهمس، ونصف عدّة المنازل من منزلة الشّمس؟ تضرع بالدّعاء إلى ربّ السّماء، وتوصّل بالأفعال والأسماء، وابتهال من أسير عان فى يد الزّمان، لا يطمع منه بسلامة ولا أمان، منى بحال مثل تاء الافتعال، فى الانقلاب والإبدال، مرّة بطاء ومرّة بدال، أبدلت فى الحالتين بشديد، غير راخ ولا مديد، وضروب من حوادث الدّهر تدور، مع السّنة والشّهور، تعيد الجلد من الرّجال، كثلاثىّ الأفعال، عليل الطّرفين، ثمّ تنقص منه للعلّة حرفين، فيصبر حرفا واحدا، وتعيضه فى الوقف حرفا زائدا ونوائب، معابلها صوائب، تردّ الصّفو مشيبا، والشّباب شيبا، وتخلق برد الشّبيبة وقد كان قشيبا، فهو معها كحرف اعتلال، لا يوسم بصحّة وإبلال، يختلف باختلاف الحركات المختلفات، فيعود على غير ما كان من الصّفات، ويذهب بدخول الجوازم، ويلزمه للحذف لوازم وآونة تنغّص المرء بالممرّر، وتردّ إلى الأرذل كلّ معمّر، فهى لنظم الحيوان زحاف، ولها فى طلب النفوس إلجاف، تلحق الصّحيح بخامس الخفيف، وتارة تجعله من مصادر اللفيف، تحلّ منه قوّة بعد قوّة، وتحطّه من ربوة إلى هوّه وزمان كأبي قابوس، فى النّعيم والبوس، يسىء بذوى الإحسان، ويشكر ثم يشكى
بلسان، يثيب المحسن بعقوبة وكيد، كما صنع بعبيد وعدى بن زيد، يختلف بصرفه الملوان، فى النّبات
والحيوان، فلخيره من الشّر عقيب، وعلى النّعم من النّقم رقيب، كما اعتقب فى الطّويل عقيبان، وارتقب فى المضارع رقيبان، وذلك أنّ من المحال، حذفهما معا فى حال، إلّا فى شعر شاذّ، قمن بإشقاذ، وأعباء المئونة، تفتقر إلى معونة، افتقار السّبعة النّواقص إلى الأربع الصّلات، وعوائدها الّتي هى عنها غير منفصلات وجار على غير السّبيل جار، لا ينسخ ليله بإفجار، شاركته فى الطّبع بالجوار، شركة أعراب الجوار، فى الخطاب والحوار، فالرّواة منه فى أمر مريج، لا يتّفق له العلماء عل تخريج وحاسد، يبيع الثّمين بكاسد، ويروم تغطية الشّمس، براحته وأنامله الخمس، ينظر سليم الطّرف بأحوله، نظر آخر الرّجز إلى أوّله، وخليل كاسمه خليل، بين الصّحيح والعليل، يمدّ الكفّ إلى الجرباء، ويتلوّن تلوّن الحرباء، فهو كالدّخيل المروىّ، بين الأساس والرّوىّ، يتمثّل كلّ ساعة فى صوره، ولا يقف على طريقة محصوره، يلبس كلّ حين إهاب حرف، ويبدو فى هيئة وظرف، ما ضرّه لو كان كالوصل والخروج، ولم يتنقّل فى المنازل والبروج وأناس ليسوا على الحقيقة بناس، ولا الفكر بذاكر لهم ولا بناس، أهل نيرب ودد، خفضهم عن السّؤدد، خفض ما بعد المائة من العدد، فهم فى النّسبة أنفار، وفى التّجربة أصفار، ربيعهم جماد، وعدّهم ثماد، ونقدهم عدّة ضمار، ولجوادهم وسكّيتهم مضمار، عندهم مربع العالم، دارس المعالم، ومرتع الأديب، مستو بل جديب، فهما فى الاجتراح فعل أمر، وفى الاطّراح واو عمرو، أتى بها للفرق بينه وبين عمر، إذا اتّسق بالكلام واستمر، واستغنى عنها بدخول الألف، التى جعلت عوضا فى المنصرف، ظروف وغىّ، لا يظفر منهم بألمعىّ، يصفون رغاء البذج والعدان،
وكلّ ورع منهم هدان، بشدة فارس زبيد، وعبادة عمرو بن عبيد، وفهم حكيم فرهود، وبركة كليم المهود، وسخاء أبى عدىّ، ووقار سيّد أهل الوبر فى النّدىّ، وبيان شيخ إياد، وقصيد الضّليل وزياد، ووفاء ربّ الأبلق الفرد، فى التّرك المتروك عنده والسّرد، ويجعلون الخاظئ من الهزلى، والشاكى من العزلى، ويحسبون أن السّراب ماء، تروى به الظّلماء، أين السّراب، من الشّراب، والآل، من ضحضاح اللآل؟ كم غرّ خايله جهام، وسرّ حامله كهام، أذهل من سوائم الأنعام، إلّا فى كفاية العام، من الشّراب والطّعام ومذاهب، ضاقت فيها المذاهب، وتضاهى اللّص والرّاهب، أطل منها الفهم، على وهم، وظفر القلّب، يخلّب، يسندون إلى الأحبار الأخبار، ويولّون عن ألبابهم الأدبار، ويفنّدون العقول، بخبر منقول، وهنت منه القوى، وهن الأقوى، وضعف الاسناد، ضعيف السّناد، بين طبّ، داع إلى عطب، يفيد جليسه، تدليسه، ويمنح اخوانه، زوانه، قد فتن بمين راقه، ضمنه أو راقه، يتعلّق برواية، من الغواية، وعله، من التعلة، وخلاف، عن الأسلاف، ويحتج بحائف، من الصّحائف، وفاتر، من الدّفاتر، يتلو منها سطورا، أصبح عمودها عن الرشد مأطورا، فهى حبالة المنمّس، وصحيفة المتلمّس، وأب، أفرى وما رأب، يلقّن وليده، تقليده، ويلهم ابنه، أفنه، فحفظ الآخر عن الأول، ما ليس عليه بمعول، وبعض على بعض زار، وهو مثقل من الأوزار، يرى ضدّه جاهلا غبيا، ولو كان صدّيقا أو نبيا، ويجعل مخالفه مخطيا، وعن اللحاق بالسوابق مبطيا، ويعد سكّيته سابقا مجلّيا، لاحقا مصليا، ومجلّى غيره فسكلا، وجليّه الواضح مشكلا، كلّ يداوى سقيما من مقالته، فمن لنا بصحيح ما به سقم؟ غلبت على الفطن الاهواء، فكل جؤجؤ هواء، واستحسنت الأسواء، فالحسن وضدّه سواء، كلّ يؤسّس على هار، ويصل الليل بالنهار، قد صكّ بالعمىّ، صكة عمىّ، وشغف بالغىّ، شعف غيلان بمىّ، بذّ الدّاء كل آس، وأعجز ردّ العضد من الآس، صمّى صمام، لقد أغرب هاتف الحمام، وأتى لذوى الكمد بامام، أغنى من طرب،
أم هتف لغير أرب؟ لعله فقد إلفا، فرضع من مرّ الفراق خلفا، فهو عروة الحمائم، ومرقشهنّ الهائم، أو فجع بهديل، موف على البديل، هلك بزعمهم فى عصر نوح، فكلّ حمامة تؤبّنه وتنوح، تأبين متمم لمالك، ومراثيه لأخيه الهالك، وعلم ربك ما فى الصدور، وحمّ على الرضا والسّخط كلّ مقدور، إلّا أنّه سلم من كفر وإسلام، وتحصّن عن الملام بأحصن لام، وتحلّى بأطواق، لم تبع فى الأسواق، واستشار جذلا بمذل، ناء عن العزل(1/31)
بلسان، يثيب المحسن بعقوبة وكيد، كما صنع بعبيد وعدى بن زيد، يختلف بصرفه الملوان، فى النّبات
والحيوان، فلخيره من الشّر عقيب، وعلى النّعم من النّقم رقيب، كما اعتقب فى الطّويل عقيبان، وارتقب فى المضارع رقيبان، وذلك أنّ من المحال، حذفهما معا فى حال، إلّا فى شعر شاذّ، قمن بإشقاذ، وأعباء المئونة، تفتقر إلى معونة، افتقار السّبعة النّواقص إلى الأربع الصّلات، وعوائدها الّتي هى عنها غير منفصلات وجار على غير السّبيل جار، لا ينسخ ليله بإفجار، شاركته فى الطّبع بالجوار، شركة أعراب الجوار، فى الخطاب والحوار، فالرّواة منه فى أمر مريج، لا يتّفق له العلماء عل تخريج وحاسد، يبيع الثّمين بكاسد، ويروم تغطية الشّمس، براحته وأنامله الخمس، ينظر سليم الطّرف بأحوله، نظر آخر الرّجز إلى أوّله، وخليل كاسمه خليل، بين الصّحيح والعليل، يمدّ الكفّ إلى الجرباء، ويتلوّن تلوّن الحرباء، فهو كالدّخيل المروىّ، بين الأساس والرّوىّ، يتمثّل كلّ ساعة فى صوره، ولا يقف على طريقة محصوره، يلبس كلّ حين إهاب حرف، ويبدو فى هيئة وظرف، ما ضرّه لو كان كالوصل والخروج، ولم يتنقّل فى المنازل والبروج وأناس ليسوا على الحقيقة بناس، ولا الفكر بذاكر لهم ولا بناس، أهل نيرب ودد، خفضهم عن السّؤدد، خفض ما بعد المائة من العدد، فهم فى النّسبة أنفار، وفى التّجربة أصفار، ربيعهم جماد، وعدّهم ثماد، ونقدهم عدّة ضمار، ولجوادهم وسكّيتهم مضمار، عندهم مربع العالم، دارس المعالم، ومرتع الأديب، مستو بل جديب، فهما فى الاجتراح فعل أمر، وفى الاطّراح واو عمرو، أتى بها للفرق بينه وبين عمر، إذا اتّسق بالكلام واستمر، واستغنى عنها بدخول الألف، التى جعلت عوضا فى المنصرف، ظروف وغىّ، لا يظفر منهم بألمعىّ، يصفون رغاء البذج والعدان،
وكلّ ورع منهم هدان، بشدة فارس زبيد، وعبادة عمرو بن عبيد، وفهم حكيم فرهود، وبركة كليم المهود، وسخاء أبى عدىّ، ووقار سيّد أهل الوبر فى النّدىّ، وبيان شيخ إياد، وقصيد الضّليل وزياد، ووفاء ربّ الأبلق الفرد، فى التّرك المتروك عنده والسّرد، ويجعلون الخاظئ من الهزلى، والشاكى من العزلى، ويحسبون أن السّراب ماء، تروى به الظّلماء، أين السّراب، من الشّراب، والآل، من ضحضاح اللآل؟ كم غرّ خايله جهام، وسرّ حامله كهام، أذهل من سوائم الأنعام، إلّا فى كفاية العام، من الشّراب والطّعام ومذاهب، ضاقت فيها المذاهب، وتضاهى اللّص والرّاهب، أطل منها الفهم، على وهم، وظفر القلّب، يخلّب، يسندون إلى الأحبار الأخبار، ويولّون عن ألبابهم الأدبار، ويفنّدون العقول، بخبر منقول، وهنت منه القوى، وهن الأقوى، وضعف الاسناد، ضعيف السّناد، بين طبّ، داع إلى عطب، يفيد جليسه، تدليسه، ويمنح اخوانه، زوانه، قد فتن بمين راقه، ضمنه أو راقه، يتعلّق برواية، من الغواية، وعله، من التعلة، وخلاف، عن الأسلاف، ويحتج بحائف، من الصّحائف، وفاتر، من الدّفاتر، يتلو منها سطورا، أصبح عمودها عن الرشد مأطورا، فهى حبالة المنمّس، وصحيفة المتلمّس، وأب، أفرى وما رأب، يلقّن وليده، تقليده، ويلهم ابنه، أفنه، فحفظ الآخر عن الأول، ما ليس عليه بمعول، وبعض على بعض زار، وهو مثقل من الأوزار، يرى ضدّه جاهلا غبيا، ولو كان صدّيقا أو نبيا، ويجعل مخالفه مخطيا، وعن اللحاق بالسوابق مبطيا، ويعد سكّيته سابقا مجلّيا، لاحقا مصليا، ومجلّى غيره فسكلا، وجليّه الواضح مشكلا، كلّ يداوى سقيما من مقالته، فمن لنا بصحيح ما به سقم؟ غلبت على الفطن الاهواء، فكل جؤجؤ هواء، واستحسنت الأسواء، فالحسن وضدّه سواء، كلّ يؤسّس على هار، ويصل الليل بالنهار، قد صكّ بالعمىّ، صكة عمىّ، وشغف بالغىّ، شعف غيلان بمىّ، بذّ الدّاء كل آس، وأعجز ردّ العضد من الآس، صمّى صمام، لقد أغرب هاتف الحمام، وأتى لذوى الكمد بامام، أغنى من طرب،
أم هتف لغير أرب؟ لعله فقد إلفا، فرضع من مرّ الفراق خلفا، فهو عروة الحمائم، ومرقشهنّ الهائم، أو فجع بهديل، موف على البديل، هلك بزعمهم فى عصر نوح، فكلّ حمامة تؤبّنه وتنوح، تأبين متمم لمالك، ومراثيه لأخيه الهالك، وعلم ربك ما فى الصدور، وحمّ على الرضا والسّخط كلّ مقدور، إلّا أنّه سلم من كفر وإسلام، وتحصّن عن الملام بأحصن لام، وتحلّى بأطواق، لم تبع فى الأسواق، واستشار جذلا بمذل، ناء عن العزل(1/32)
بلسان، يثيب المحسن بعقوبة وكيد، كما صنع بعبيد وعدى بن زيد، يختلف بصرفه الملوان، فى النّبات
والحيوان، فلخيره من الشّر عقيب، وعلى النّعم من النّقم رقيب، كما اعتقب فى الطّويل عقيبان، وارتقب فى المضارع رقيبان، وذلك أنّ من المحال، حذفهما معا فى حال، إلّا فى شعر شاذّ، قمن بإشقاذ، وأعباء المئونة، تفتقر إلى معونة، افتقار السّبعة النّواقص إلى الأربع الصّلات، وعوائدها الّتي هى عنها غير منفصلات وجار على غير السّبيل جار، لا ينسخ ليله بإفجار، شاركته فى الطّبع بالجوار، شركة أعراب الجوار، فى الخطاب والحوار، فالرّواة منه فى أمر مريج، لا يتّفق له العلماء عل تخريج وحاسد، يبيع الثّمين بكاسد، ويروم تغطية الشّمس، براحته وأنامله الخمس، ينظر سليم الطّرف بأحوله، نظر آخر الرّجز إلى أوّله، وخليل كاسمه خليل، بين الصّحيح والعليل، يمدّ الكفّ إلى الجرباء، ويتلوّن تلوّن الحرباء، فهو كالدّخيل المروىّ، بين الأساس والرّوىّ، يتمثّل كلّ ساعة فى صوره، ولا يقف على طريقة محصوره، يلبس كلّ حين إهاب حرف، ويبدو فى هيئة وظرف، ما ضرّه لو كان كالوصل والخروج، ولم يتنقّل فى المنازل والبروج وأناس ليسوا على الحقيقة بناس، ولا الفكر بذاكر لهم ولا بناس، أهل نيرب ودد، خفضهم عن السّؤدد، خفض ما بعد المائة من العدد، فهم فى النّسبة أنفار، وفى التّجربة أصفار، ربيعهم جماد، وعدّهم ثماد، ونقدهم عدّة ضمار، ولجوادهم وسكّيتهم مضمار، عندهم مربع العالم، دارس المعالم، ومرتع الأديب، مستو بل جديب، فهما فى الاجتراح فعل أمر، وفى الاطّراح واو عمرو، أتى بها للفرق بينه وبين عمر، إذا اتّسق بالكلام واستمر، واستغنى عنها بدخول الألف، التى جعلت عوضا فى المنصرف، ظروف وغىّ، لا يظفر منهم بألمعىّ، يصفون رغاء البذج والعدان،
وكلّ ورع منهم هدان، بشدة فارس زبيد، وعبادة عمرو بن عبيد، وفهم حكيم فرهود، وبركة كليم المهود، وسخاء أبى عدىّ، ووقار سيّد أهل الوبر فى النّدىّ، وبيان شيخ إياد، وقصيد الضّليل وزياد، ووفاء ربّ الأبلق الفرد، فى التّرك المتروك عنده والسّرد، ويجعلون الخاظئ من الهزلى، والشاكى من العزلى، ويحسبون أن السّراب ماء، تروى به الظّلماء، أين السّراب، من الشّراب، والآل، من ضحضاح اللآل؟ كم غرّ خايله جهام، وسرّ حامله كهام، أذهل من سوائم الأنعام، إلّا فى كفاية العام، من الشّراب والطّعام ومذاهب، ضاقت فيها المذاهب، وتضاهى اللّص والرّاهب، أطل منها الفهم، على وهم، وظفر القلّب، يخلّب، يسندون إلى الأحبار الأخبار، ويولّون عن ألبابهم الأدبار، ويفنّدون العقول، بخبر منقول، وهنت منه القوى، وهن الأقوى، وضعف الاسناد، ضعيف السّناد، بين طبّ، داع إلى عطب، يفيد جليسه، تدليسه، ويمنح اخوانه، زوانه، قد فتن بمين راقه، ضمنه أو راقه، يتعلّق برواية، من الغواية، وعله، من التعلة، وخلاف، عن الأسلاف، ويحتج بحائف، من الصّحائف، وفاتر، من الدّفاتر، يتلو منها سطورا، أصبح عمودها عن الرشد مأطورا، فهى حبالة المنمّس، وصحيفة المتلمّس، وأب، أفرى وما رأب، يلقّن وليده، تقليده، ويلهم ابنه، أفنه، فحفظ الآخر عن الأول، ما ليس عليه بمعول، وبعض على بعض زار، وهو مثقل من الأوزار، يرى ضدّه جاهلا غبيا، ولو كان صدّيقا أو نبيا، ويجعل مخالفه مخطيا، وعن اللحاق بالسوابق مبطيا، ويعد سكّيته سابقا مجلّيا، لاحقا مصليا، ومجلّى غيره فسكلا، وجليّه الواضح مشكلا، كلّ يداوى سقيما من مقالته، فمن لنا بصحيح ما به سقم؟ غلبت على الفطن الاهواء، فكل جؤجؤ هواء، واستحسنت الأسواء، فالحسن وضدّه سواء، كلّ يؤسّس على هار، ويصل الليل بالنهار، قد صكّ بالعمىّ، صكة عمىّ، وشغف بالغىّ، شعف غيلان بمىّ، بذّ الدّاء كل آس، وأعجز ردّ العضد من الآس، صمّى صمام، لقد أغرب هاتف الحمام، وأتى لذوى الكمد بامام، أغنى من طرب،
أم هتف لغير أرب؟ لعله فقد إلفا، فرضع من مرّ الفراق خلفا، فهو عروة الحمائم، ومرقشهنّ الهائم، أو فجع بهديل، موف على البديل، هلك بزعمهم فى عصر نوح، فكلّ حمامة تؤبّنه وتنوح، تأبين متمم لمالك، ومراثيه لأخيه الهالك، وعلم ربك ما فى الصدور، وحمّ على الرضا والسّخط كلّ مقدور، إلّا أنّه سلم من كفر وإسلام، وتحصّن عن الملام بأحصن لام، وتحلّى بأطواق، لم تبع فى الأسواق، واستشار جذلا بمذل، ناء عن العزل(1/33)
بلسان، يثيب المحسن بعقوبة وكيد، كما صنع بعبيد وعدى بن زيد، يختلف بصرفه الملوان، فى النّبات
والحيوان، فلخيره من الشّر عقيب، وعلى النّعم من النّقم رقيب، كما اعتقب فى الطّويل عقيبان، وارتقب فى المضارع رقيبان، وذلك أنّ من المحال، حذفهما معا فى حال، إلّا فى شعر شاذّ، قمن بإشقاذ، وأعباء المئونة، تفتقر إلى معونة، افتقار السّبعة النّواقص إلى الأربع الصّلات، وعوائدها الّتي هى عنها غير منفصلات وجار على غير السّبيل جار، لا ينسخ ليله بإفجار، شاركته فى الطّبع بالجوار، شركة أعراب الجوار، فى الخطاب والحوار، فالرّواة منه فى أمر مريج، لا يتّفق له العلماء عل تخريج وحاسد، يبيع الثّمين بكاسد، ويروم تغطية الشّمس، براحته وأنامله الخمس، ينظر سليم الطّرف بأحوله، نظر آخر الرّجز إلى أوّله، وخليل كاسمه خليل، بين الصّحيح والعليل، يمدّ الكفّ إلى الجرباء، ويتلوّن تلوّن الحرباء، فهو كالدّخيل المروىّ، بين الأساس والرّوىّ، يتمثّل كلّ ساعة فى صوره، ولا يقف على طريقة محصوره، يلبس كلّ حين إهاب حرف، ويبدو فى هيئة وظرف، ما ضرّه لو كان كالوصل والخروج، ولم يتنقّل فى المنازل والبروج وأناس ليسوا على الحقيقة بناس، ولا الفكر بذاكر لهم ولا بناس، أهل نيرب ودد، خفضهم عن السّؤدد، خفض ما بعد المائة من العدد، فهم فى النّسبة أنفار، وفى التّجربة أصفار، ربيعهم جماد، وعدّهم ثماد، ونقدهم عدّة ضمار، ولجوادهم وسكّيتهم مضمار، عندهم مربع العالم، دارس المعالم، ومرتع الأديب، مستو بل جديب، فهما فى الاجتراح فعل أمر، وفى الاطّراح واو عمرو، أتى بها للفرق بينه وبين عمر، إذا اتّسق بالكلام واستمر، واستغنى عنها بدخول الألف، التى جعلت عوضا فى المنصرف، ظروف وغىّ، لا يظفر منهم بألمعىّ، يصفون رغاء البذج والعدان،
وكلّ ورع منهم هدان، بشدة فارس زبيد، وعبادة عمرو بن عبيد، وفهم حكيم فرهود، وبركة كليم المهود، وسخاء أبى عدىّ، ووقار سيّد أهل الوبر فى النّدىّ، وبيان شيخ إياد، وقصيد الضّليل وزياد، ووفاء ربّ الأبلق الفرد، فى التّرك المتروك عنده والسّرد، ويجعلون الخاظئ من الهزلى، والشاكى من العزلى، ويحسبون أن السّراب ماء، تروى به الظّلماء، أين السّراب، من الشّراب، والآل، من ضحضاح اللآل؟ كم غرّ خايله جهام، وسرّ حامله كهام، أذهل من سوائم الأنعام، إلّا فى كفاية العام، من الشّراب والطّعام ومذاهب، ضاقت فيها المذاهب، وتضاهى اللّص والرّاهب، أطل منها الفهم، على وهم، وظفر القلّب، يخلّب، يسندون إلى الأحبار الأخبار، ويولّون عن ألبابهم الأدبار، ويفنّدون العقول، بخبر منقول، وهنت منه القوى، وهن الأقوى، وضعف الاسناد، ضعيف السّناد، بين طبّ، داع إلى عطب، يفيد جليسه، تدليسه، ويمنح اخوانه، زوانه، قد فتن بمين راقه، ضمنه أو راقه، يتعلّق برواية، من الغواية، وعله، من التعلة، وخلاف، عن الأسلاف، ويحتج بحائف، من الصّحائف، وفاتر، من الدّفاتر، يتلو منها سطورا، أصبح عمودها عن الرشد مأطورا، فهى حبالة المنمّس، وصحيفة المتلمّس، وأب، أفرى وما رأب، يلقّن وليده، تقليده، ويلهم ابنه، أفنه، فحفظ الآخر عن الأول، ما ليس عليه بمعول، وبعض على بعض زار، وهو مثقل من الأوزار، يرى ضدّه جاهلا غبيا، ولو كان صدّيقا أو نبيا، ويجعل مخالفه مخطيا، وعن اللحاق بالسوابق مبطيا، ويعد سكّيته سابقا مجلّيا، لاحقا مصليا، ومجلّى غيره فسكلا، وجليّه الواضح مشكلا، كلّ يداوى سقيما من مقالته، فمن لنا بصحيح ما به سقم؟ غلبت على الفطن الاهواء، فكل جؤجؤ هواء، واستحسنت الأسواء، فالحسن وضدّه سواء، كلّ يؤسّس على هار، ويصل الليل بالنهار، قد صكّ بالعمىّ، صكة عمىّ، وشغف بالغىّ، شعف غيلان بمىّ، بذّ الدّاء كل آس، وأعجز ردّ العضد من الآس، صمّى صمام، لقد أغرب هاتف الحمام، وأتى لذوى الكمد بامام، أغنى من طرب،
أم هتف لغير أرب؟ لعله فقد إلفا، فرضع من مرّ الفراق خلفا، فهو عروة الحمائم، ومرقشهنّ الهائم، أو فجع بهديل، موف على البديل، هلك بزعمهم فى عصر نوح، فكلّ حمامة تؤبّنه وتنوح، تأبين متمم لمالك، ومراثيه لأخيه الهالك، وعلم ربك ما فى الصدور، وحمّ على الرضا والسّخط كلّ مقدور، إلّا أنّه سلم من كفر وإسلام، وتحصّن عن الملام بأحصن لام، وتحلّى بأطواق، لم تبع فى الأسواق، واستشار جذلا بمذل، ناء عن العزل
، وترنّم بأوزان، مسلية عن الأحزان، لا تفتقر من العروض إلى ميزان، وصدح بقريض، عزب عن الغريض، ورجّع بألحان حسان، كرّرها بإحسان، وعرى من خطل الإنسان، ما فعلت قدما العرب فى عبادة الأوثان، وليس مع الله فى الإلهية شريك ثان، وما سنّت جهّالهم فى الجاهلية، على قبر الميّت من صبر البلية، وارتباط الفرس أو المطيّة، وعدّ ترك ذلك من الخطيّة، كيلا يصبح ذلك الميت بين الركبان ماشيا، إذا هبّ إلى الجمع يوم يبعث الناس عاشيا.
وما فعلت حكماء الهند، فى عبادة البدّ، واختبار العبّاد منهم فى المواقيت، بأبكار كاليواقيت، بضم لهم منهنّ والتثام، ولمس للفروج للبرّ لا للآثام، بعد تجردهنّ وتجردهم من الثياب، لزوال الشّك والارتياب، فمن شبق منهم وأنعظ، فقد كفر وما اتّعظ، ووجب عليه القتل، وعبادته مكيدة وختل، فعملت رجالهم فى استحضار المنيّة، وحمل للهدايا السنيّه، والتكفّن والتّضمّخ بالصّندل، وطرح النفوس فى النار طرح عود المندل، شوقا إلى زيادة من هلك من الأحباب، وكم للجهل فى الناس من سورة وعباب!
وما فعلت الرّوم فى عبادة الصليب، والحضّ على ذلك والتأليب، وأكل لحوم الخنازير، بغير تثريب على الأكل ولا تعزير، وقولهم أمكن ربّهم عبيده من أسره وغلبه، وأقدرهم على قتله وصلبه، ليتأسّى بذلك أنبياؤه، ويتشبّه حزبه وأولياؤه، ثم أحيا نفسه بعد الموت، وأعادها بعد الفوت.
وما فعلت الفرس فى عبادة النيران، وغسل الوجوه بأبوال الثّيران، وأكل الميتة ووطء الأمّهات، بصروح الحدود لا الشّبهات، واحتجّوا بأن الذبح مؤلم ضارّ، والنكاح لأهله سار، وقالوا للخلق فاعلان متضادّان، أحدهما أهرمن والآخر يزدان، فاعل الخير والسّرور، وأهرمن فاعل الغم والشّرور، وقالوا ليس الحكيم لما بنى من الحكمة هادما، ولا يصبح على الفعل الحسن نادما، ونسبوا من فعل ذلك إلى العبث، وصريح الأديان شبيه بالخبث.(1/34)
وما فعلت الرّوم فى عبادة الصليب، والحضّ على ذلك والتأليب، وأكل لحوم الخنازير، بغير تثريب على الأكل ولا تعزير، وقولهم أمكن ربّهم عبيده من أسره وغلبه، وأقدرهم على قتله وصلبه، ليتأسّى بذلك أنبياؤه، ويتشبّه حزبه وأولياؤه، ثم أحيا نفسه بعد الموت، وأعادها بعد الفوت.
وما فعلت الفرس فى عبادة النيران، وغسل الوجوه بأبوال الثّيران، وأكل الميتة ووطء الأمّهات، بصروح الحدود لا الشّبهات، واحتجّوا بأن الذبح مؤلم ضارّ، والنكاح لأهله سار، وقالوا للخلق فاعلان متضادّان، أحدهما أهرمن والآخر يزدان، فاعل الخير والسّرور، وأهرمن فاعل الغم والشّرور، وقالوا ليس الحكيم لما بنى من الحكمة هادما، ولا يصبح على الفعل الحسن نادما، ونسبوا من فعل ذلك إلى العبث، وصريح الأديان شبيه بالخبث.
وما فعل أصحاب السّبت فى استقباح نسخ الأديان، وحظر المناهل على الصّديان، إلا منهلا واحدا للفارط والتالى، والعشار والمتالى، وقالوا النسخ هو البداء، ولا يجوز على الرحمن أبدا، ورووا عن موسى أنه قال إن شريعته غير منسوخه، وعقدها غير محلولة ولا مفسوخه، وحججهم من التّوراة، وكل الفرق ظاهر العورات.
وما فعلت الجالوتيّة منهم فى مضاهاتها الرّقوب، وإرثها الأرض عن يوسف ابن يعقوب، وما وجدت فى سفر شعيا أو دانيال من صفد قديم الأيام، أنه لا يزال من الأملاك فى فيام، قاعدا على الكرسىّ، بيده ناصية كل وحشىّ وأنسىّ، أبيض اللحية والرّاس، لما مر عليه من الاحراس.
وما فعلت السّامرية منهم فى عبادة العجل الّذي له خوار، ولكل جنس من المذاهب شين وعوار والسّامرية بالقول يعلنون، أن لا نبوّة لغير موسى ويوشع بن نون.
وما فعلت العزيريّة منهم فى عزير، وسيرهم فيه بأبعد سير، ورفعهم له من درجة النبوة، إلى بنوّة الأبوّة.
وما فعل أصحاب الأحد فى المسيح، وسيرهم فيه بالعنق الفسيح، وقولهم فى الحىّ الواحد القيّوم، هو ثلاثة أقانيم يوصف بأقنوم، وأب وابن وروح
قدس، وكلّ يدين بتظنّن وحدس، وحججهم من الإنجيل، وضلّ عن قصد السّبيل كلّ جيل.(1/35)
وما فعل أصحاب الأحد فى المسيح، وسيرهم فيه بالعنق الفسيح، وقولهم فى الحىّ الواحد القيّوم، هو ثلاثة أقانيم يوصف بأقنوم، وأب وابن وروح
قدس، وكلّ يدين بتظنّن وحدس، وحججهم من الإنجيل، وضلّ عن قصد السّبيل كلّ جيل.
وما فعلت منهم اليعقوبية، فيما جعلت لعيسى من الرّبوبية زعمت أنه كان قديما لا فى مكان، ثم تجسّم فصار جسدا ذا أركان، وأنه قادر على الزّيادة فى الذّات، ليصل بذلك إلى اللّذات ونفوا عنه بذلك وهن العجز، وما يختصّ بغيره من المنع والحجز، لأنه القادر على ما يشاء، لا يتعذّر عليه الفعل والانشاء.
وما فعلت النّسطورية منهم فى صفات اللاهوت، واستتاره ببدن النّاسوت، وقولهم فى الماسح والممسوح، ولم يزل الجهل نازلا بكل سوح.
وما فعلت الفلاسفة فى ضرب المزاهر، والاطناب فى الأعراض والجواهر، ووصف المركّب والبسيط، وما ظفروا من الدين بفسيط، وإقدامهم على إبطال الشرائع، وقولهم بتدبير الأربع الطبائع، وقد قالوا مع الأربع بخامس، كقول هرمس الهرامس وأكثر الفلاسفة، على غير الطريق عاسفة، وفى أباض من الحيرة راسفة، وشموسها المنيرة كاسفه.
وما فعلت الهيولانيّة فى قدم الهيولىّ الّذي هو عندهم أصل الأشياء، ومدبر للموات والأحياء، بتحريك قوّة فى الجوهر أصليّة، قديمة أزليه، تجعل الميت ناطقا من الحيوان، وتنفرد بتدبير هذه الأكوان وقولهم بقدم الجوهر القابل للأعراض، والصحاح أشبه شيء بالمراض، وقيل هى مقالة أرسطاطاليس، ومن اطّلع على الأغنياء وجدهم مفاليس.
وما فعل أصحاب التناسخ فى تنقل الأرواح فى الأجساد، وصلاحها بعد الفساد، ومثوبة المحسنين بالأبدان الإنسية، والهياكل الحسية، وعقوبة المقدمين على الجرائم، بأبدان أعجم البهائم، ودوام الدنيا على الأبد، وما للمثرين من سبد ولا لبد وقيل هى مقالة بزر جمهر بن بختكان، وكم انقاد للغىّ حكيم واستكان.
وما فعلت فى تعطيلها الزنادقة، وفصلت فى أحكامها المزادكة، زعموا أن
أهل الأرض فى الأرزاق متظالمون، وأنهم بين النّاس فى ذلك حاكمون، يقسّمون الأرزاق بالسّويّة، ولا يجيزون الأثرة باللويّة.(1/36)
وما فعلت فى تعطيلها الزنادقة، وفصلت فى أحكامها المزادكة، زعموا أن
أهل الأرض فى الأرزاق متظالمون، وأنهم بين النّاس فى ذلك حاكمون، يقسّمون الأرزاق بالسّويّة، ولا يجيزون الأثرة باللويّة.
وما فعلت الفضائية فى عبادة الفضاء، وردّ الحكم له والقضاء، والمشيّة فى الخلق والامضاء قالوا لحاجة كل شيء فى المشاهدة إليه، وغناه عما أحاط به واستولى عليه، ولأنه لا تحصره الأماكن، ولا يغرب عنه ولا يشبهه متحرك ولا ساكن قالوا ولأنه غير متناه، وما نهى الجاهل عن الجهالة ناه.
وما فعلت المانيّة الغويّة، ومن وافقها من الثنويّة، إذ جعلت مع الله صانعا، وله عن بعض الأفعال مانعا وقولهم بتدبير ربّين خلّاقين، وضدّين متشاقين، حيّين عالمين، ومن جميع الآفات سالمين، وهما النور والظلام، وما رشد الشيخ ولا الغلام، فالنور عن فعل القبيح متعال، والظلام لكلّ شرّ فعّال قالوا ولن يكون التّضاد من الذّات الواحدة ممكنا، فيكون المحسن مسيئا والمسىء محسنا، كما ليس فى النار برودة، ولا فى الثلج حراره، ولا فى الشّرى حلاوة، ولا فى الأري مراره.
وما فعلت الدّيصانيّة فى تدبير حىّ وميت، وطال التعلّل بعسى وليت، فالحىّ هو النور الحسّاس الدّراك، والميت هو الظلّام الّذي ليس به حراك، كلاهما بزعمهم ربّان، على البريّة يعتقبان، ولكل واحد منهما فى الخلق من جنسه تأثير، وأود المذاهب وسقطها كثير.
وما فعلت المرقبونيّة فى تدبير الثلاثة الأرباب، خالق الهرم وخالق الشّباب، وثالث بينهما معدّل، لما يستقبح من أفعالهما مبدّل.
وما فعل الصابئون فى عبادتهم الملائكة المتعبّدين، وخروجهم من دين إلى دين.
وما فعلت البراهمة فى نفى الوسائط، وكم للصّحة والسّقم من شائب وسائط، إلا واسطة العقل فانها عندهم غير منفيه، وشواهدها النيرة غير غامضة ولا خفيّه،
قالوا لأن إرسال المرسل إلى من علم أنه يعصيه ويمثّل برسله، دليل عندهم على عيب المرسل وجهله.(1/37)
وما فعلت البراهمة فى نفى الوسائط، وكم للصّحة والسّقم من شائب وسائط، إلا واسطة العقل فانها عندهم غير منفيه، وشواهدها النيرة غير غامضة ولا خفيّه،
قالوا لأن إرسال المرسل إلى من علم أنه يعصيه ويمثّل برسله، دليل عندهم على عيب المرسل وجهله.
وما فعلت الأطبّاء فى تدبير الطبائع، وكم للضرر من شار وبائع؟
وما فعلت الفلكيّة فى تدبير الفلك، وسلوك سبيل الغىّ فيمن سلك.
وما فعل الحرانيّون عبدة النجوم، وأصحاب الظّنّ والهجوم، فى تدبير البروج والأملاك، على قدر نزولها فى الأفلاك، وقضائها فى الخيرات والشّرور، على التوالى والمرور، وليس فى التنجيم، غير ترجيم، ولا عند الكواكب، نفع لواكن ولا واكب.
وما فعلت السّوفسطائية فى نفى الحقائق، وقطع الأسباب فى الدين والعلائق، لقد جار عن الحقّ سوفسطا، ومال عن الطّريقة الوسطى، ولقد اختصّ ما ذهب إليه بمذهبه، وبعد عن الأسفار قطع غيهبه.
وما فعل أصحاب الدّهر، ومن قال بتدبير السنة والشّهر، فيما نقل عنهم من الأقوال، من قدم الأعيان وحدث الأحوال، وبعضهم يقول بقدم الصفات، وما ظفر ذو السقم بالمعافات.
وأما فرق هذه الملّة، فللتّقاطع مستحلّه، يكفّر بعضها بعضا، ويرى عداوته عليه فرضا، وقد أمسكت كل طائفة منهم برئيس، وعدت حسنا منه كل بئيس، ولكلّ محاسن ومساو، وقول ليس بمتساو، وقلّ من يوجد على غير دين أبيه، ومعلّمه وأقربيه، وداء الناس فى دينهم داء قديم، ما صحّ معه من النّغل أديم ومن أوضع فى المذاهب، وقع فى الغياهب، أو أغرق فى البحث عن الفرق، لم ير ناجيا من الغرق، أو نظر فى الملل، عثر على الزّلل، وأشرف على اختلاف، مؤدّ إلى إتلاف، وهجم على رياض مرّة الثّمار، منهجة للأعمار، وموارد ماؤها أجاج، والمسيغ لها مجّاج، فى العين الصحيحة عور، وفى القناة الصّليبة خور، يشقى بها الغامز والعاجم، شقاء وافد البراجم فهل عند ضدّ أو ولىّ، من نبأ جلىّ، يحدّث عنه الرائد بما لقى، ويمسك عمّا بقى، يزيل دجى الشكوك والشّكاة،
بقبس هدى لا قبس مشكاه، يصدق جهينة الخبر عن أخيها، ويبلغ الخاتمة من توخّيها أكثر من ينتحل السنّة، فى دجنه فالعامّة، فى طرق الحيرة آمّه والقدرية، للطعن دريّة وحجّة الرافضة، عند الله داحضه والحشويّة، غويّة شوية وركبت المرجئة، مطية غير منجيّة، ومشت الخوارج، بأقدام عوارج ونزلت المعتزلة، من الفضل بمنزله، فهم ملائكة الأرض، وأعلم الناس بالسّنة والفرض، فرسان الكلام، وذروة أهل الاسلام وحاد أكثر الشيعة، عن منهج الشّريعة، واتخذوا الغلوّ دينا، والسبّ خدينا، كم ينتظر لهم إمام غائب، ولم يؤب من سفر المنون آئب طال انتظار السبائية لعلىّ، وأتت فيه السحابية بالكفر الجلىّ، وأخرجته إلى الرّبوبيّة من الانسانيه، كما فعلت فى أئمتها الكيسانيّة، وطال انتظار ابن الحنفيّة على الكربيّة، كما طال انتظار ابن ذى الجناحين على الحربيّة، وطال انتظار جعفر بن الباقر على الناووسيّة العميّة، كما طال انتظار أبى مسلم على الجرمية، وانتظار الحاكم بأمر الله على الحاكمية، واستراحت القطعية فى موسى بن جعفر من انتظار الواقفة الممطورة، وأكاذيبها المسطورة، وطال انتظار ولد الحسن بن على، المعروف بالعسكرى، على الاثنى عشرية، كما طال انتظار اسماعيل بن جعفر على فرقة من الجعفرية، وطال انتظار محمد بن اسماعيل على المباركية، كما طال انتظار فرق من الشيعة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية، وطال انتظار محمد بن القاسم الطلقانى ويحيى بن عمر الكوفى على الجارودية، كما انتظر غيرهما من أئمة الزيدية، وطال انتظار الحسين بن القاسم الرسى على الحسينية، كما طال انتظار المستورين على الباطنية وكل فرقة من هذه الفرق تدعى غائبها مهديّا، وتهدى اللعنة الى مخالفها هديّا، وتعلّق كلّ بروايات الآحاد، وما لبّس به على المسلمين أهل الالحاد، ولو كشف الحجاب، لظهر العجاب، من تشبيهات الغرابية، وشهادات الخطابية، وشعوذة المغيرية، وإفك المنصورية، وشرك العميرية، ومين الحريرية، وضلال الكاملية، وتيه المفضليّة، وجهل
المقاتلية، وفسوق المعمّريّة، ومروق الحرورية، وتصوير الجوالقية، وتجويز المجبرة الشقية.(1/38)
وأما فرق هذه الملّة، فللتّقاطع مستحلّه، يكفّر بعضها بعضا، ويرى عداوته عليه فرضا، وقد أمسكت كل طائفة منهم برئيس، وعدت حسنا منه كل بئيس، ولكلّ محاسن ومساو، وقول ليس بمتساو، وقلّ من يوجد على غير دين أبيه، ومعلّمه وأقربيه، وداء الناس فى دينهم داء قديم، ما صحّ معه من النّغل أديم ومن أوضع فى المذاهب، وقع فى الغياهب، أو أغرق فى البحث عن الفرق، لم ير ناجيا من الغرق، أو نظر فى الملل، عثر على الزّلل، وأشرف على اختلاف، مؤدّ إلى إتلاف، وهجم على رياض مرّة الثّمار، منهجة للأعمار، وموارد ماؤها أجاج، والمسيغ لها مجّاج، فى العين الصحيحة عور، وفى القناة الصّليبة خور، يشقى بها الغامز والعاجم، شقاء وافد البراجم فهل عند ضدّ أو ولىّ، من نبأ جلىّ، يحدّث عنه الرائد بما لقى، ويمسك عمّا بقى، يزيل دجى الشكوك والشّكاة،
بقبس هدى لا قبس مشكاه، يصدق جهينة الخبر عن أخيها، ويبلغ الخاتمة من توخّيها أكثر من ينتحل السنّة، فى دجنه فالعامّة، فى طرق الحيرة آمّه والقدرية، للطعن دريّة وحجّة الرافضة، عند الله داحضه والحشويّة، غويّة شوية وركبت المرجئة، مطية غير منجيّة، ومشت الخوارج، بأقدام عوارج ونزلت المعتزلة، من الفضل بمنزله، فهم ملائكة الأرض، وأعلم الناس بالسّنة والفرض، فرسان الكلام، وذروة أهل الاسلام وحاد أكثر الشيعة، عن منهج الشّريعة، واتخذوا الغلوّ دينا، والسبّ خدينا، كم ينتظر لهم إمام غائب، ولم يؤب من سفر المنون آئب طال انتظار السبائية لعلىّ، وأتت فيه السحابية بالكفر الجلىّ، وأخرجته إلى الرّبوبيّة من الانسانيه، كما فعلت فى أئمتها الكيسانيّة، وطال انتظار ابن الحنفيّة على الكربيّة، كما طال انتظار ابن ذى الجناحين على الحربيّة، وطال انتظار جعفر بن الباقر على الناووسيّة العميّة، كما طال انتظار أبى مسلم على الجرمية، وانتظار الحاكم بأمر الله على الحاكمية، واستراحت القطعية فى موسى بن جعفر من انتظار الواقفة الممطورة، وأكاذيبها المسطورة، وطال انتظار ولد الحسن بن على، المعروف بالعسكرى، على الاثنى عشرية، كما طال انتظار اسماعيل بن جعفر على فرقة من الجعفرية، وطال انتظار محمد بن اسماعيل على المباركية، كما طال انتظار فرق من الشيعة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية، وطال انتظار محمد بن القاسم الطلقانى ويحيى بن عمر الكوفى على الجارودية، كما انتظر غيرهما من أئمة الزيدية، وطال انتظار الحسين بن القاسم الرسى على الحسينية، كما طال انتظار المستورين على الباطنية وكل فرقة من هذه الفرق تدعى غائبها مهديّا، وتهدى اللعنة الى مخالفها هديّا، وتعلّق كلّ بروايات الآحاد، وما لبّس به على المسلمين أهل الالحاد، ولو كشف الحجاب، لظهر العجاب، من تشبيهات الغرابية، وشهادات الخطابية، وشعوذة المغيرية، وإفك المنصورية، وشرك العميرية، ومين الحريرية، وضلال الكاملية، وتيه المفضليّة، وجهل
المقاتلية، وفسوق المعمّريّة، ومروق الحرورية، وتصوير الجوالقية، وتجويز المجبرة الشقية.(1/39)
وأما فرق هذه الملّة، فللتّقاطع مستحلّه، يكفّر بعضها بعضا، ويرى عداوته عليه فرضا، وقد أمسكت كل طائفة منهم برئيس، وعدت حسنا منه كل بئيس، ولكلّ محاسن ومساو، وقول ليس بمتساو، وقلّ من يوجد على غير دين أبيه، ومعلّمه وأقربيه، وداء الناس فى دينهم داء قديم، ما صحّ معه من النّغل أديم ومن أوضع فى المذاهب، وقع فى الغياهب، أو أغرق فى البحث عن الفرق، لم ير ناجيا من الغرق، أو نظر فى الملل، عثر على الزّلل، وأشرف على اختلاف، مؤدّ إلى إتلاف، وهجم على رياض مرّة الثّمار، منهجة للأعمار، وموارد ماؤها أجاج، والمسيغ لها مجّاج، فى العين الصحيحة عور، وفى القناة الصّليبة خور، يشقى بها الغامز والعاجم، شقاء وافد البراجم فهل عند ضدّ أو ولىّ، من نبأ جلىّ، يحدّث عنه الرائد بما لقى، ويمسك عمّا بقى، يزيل دجى الشكوك والشّكاة،
بقبس هدى لا قبس مشكاه، يصدق جهينة الخبر عن أخيها، ويبلغ الخاتمة من توخّيها أكثر من ينتحل السنّة، فى دجنه فالعامّة، فى طرق الحيرة آمّه والقدرية، للطعن دريّة وحجّة الرافضة، عند الله داحضه والحشويّة، غويّة شوية وركبت المرجئة، مطية غير منجيّة، ومشت الخوارج، بأقدام عوارج ونزلت المعتزلة، من الفضل بمنزله، فهم ملائكة الأرض، وأعلم الناس بالسّنة والفرض، فرسان الكلام، وذروة أهل الاسلام وحاد أكثر الشيعة، عن منهج الشّريعة، واتخذوا الغلوّ دينا، والسبّ خدينا، كم ينتظر لهم إمام غائب، ولم يؤب من سفر المنون آئب طال انتظار السبائية لعلىّ، وأتت فيه السحابية بالكفر الجلىّ، وأخرجته إلى الرّبوبيّة من الانسانيه، كما فعلت فى أئمتها الكيسانيّة، وطال انتظار ابن الحنفيّة على الكربيّة، كما طال انتظار ابن ذى الجناحين على الحربيّة، وطال انتظار جعفر بن الباقر على الناووسيّة العميّة، كما طال انتظار أبى مسلم على الجرمية، وانتظار الحاكم بأمر الله على الحاكمية، واستراحت القطعية فى موسى بن جعفر من انتظار الواقفة الممطورة، وأكاذيبها المسطورة، وطال انتظار ولد الحسن بن على، المعروف بالعسكرى، على الاثنى عشرية، كما طال انتظار اسماعيل بن جعفر على فرقة من الجعفرية، وطال انتظار محمد بن اسماعيل على المباركية، كما طال انتظار فرق من الشيعة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية، وطال انتظار محمد بن القاسم الطلقانى ويحيى بن عمر الكوفى على الجارودية، كما انتظر غيرهما من أئمة الزيدية، وطال انتظار الحسين بن القاسم الرسى على الحسينية، كما طال انتظار المستورين على الباطنية وكل فرقة من هذه الفرق تدعى غائبها مهديّا، وتهدى اللعنة الى مخالفها هديّا، وتعلّق كلّ بروايات الآحاد، وما لبّس به على المسلمين أهل الالحاد، ولو كشف الحجاب، لظهر العجاب، من تشبيهات الغرابية، وشهادات الخطابية، وشعوذة المغيرية، وإفك المنصورية، وشرك العميرية، ومين الحريرية، وضلال الكاملية، وتيه المفضليّة، وجهل
المقاتلية، وفسوق المعمّريّة، ومروق الحرورية، وتصوير الجوالقية، وتجويز المجبرة الشقية.
لقد جار فى التجسيم عن الثّكم، هشام بن الحكم، شبّه ربّ البرية، بالدرّة المضيئة، ومثله بالخشام، هبلت أمّ هشام، له حد وأبعاض، وحيّز وأعراض، تحيط به الجهات الست، اليمين والشمال والخلف والأمام والفوق والتحت.
وفرّ من التشبيه ضرار، فلم ينجه الفرار، زعم أن ربّه يدرك فى المعاد بحاسّة سادسة، برويّة منه وفكرة حادسة، يا ضرار بن عمرو، لقد جئت من العجب بأمر، أى حاسة تعقل غير الخمس، من بصر وسمع وذوق وشم ولمس؟ وغير ضرار يجيز رؤية البصر، لما ورد فى الكتاب والخبر وعنده أن الجسم أعراض بالخلقة مؤلفه، وهى على هذا التأليف متضادة مختلفه، وعنده اثبات فعل واحد على الحقيقة من فاعلين، كجور من جائرين، وعدل من عادلين، وهو أول مبتدع لهذه المقالة، فهل له عند الله من عذر أو إقالة؟
إن صحّ ما روى عن المقاتلية، فقد عبدت صنما كأصنام الجاهلية، زعمت أن معبودها كالآدمىّ من لحم ودم، يبطش بيد ويمشى على قدم.
أو صح قول البطحية فى التلذذ بعذاب النار، لقد سلك واردها سبيلا من الرشد على منار.
أو صحّ قول جهم بن صفوان فى أفعال العباد، فلا ذنب للحاضر ولا الباد، إذ الفاعل عنده كشجرة حرّكت بالريح، صرح عن الكفر أى تصريح أو صحّ قوله فى فناء النّار والجنّة، انّهما لجانى الكبائر أحصن جنّة.
أو صحّ قول المرجئة فى إخلاف الوعيد، فما أشبه الشّقيّ بالسّعيد، والعفو من الكريم المنّان غير بعيد.
أو صحّ قول المجبرة والخوارج فى عذاب الأطفال، لقد حملت أحمال البوازل على الآفال.
أو صحّ ما قالت العوفيّة، إذا كفر الإمام كفرت بكفره الرعيّة، لقد آخذ المسلم بذنب الكافر، وضربت ذات الخفّ بجرم ذات الحافر، كمداواة ذى العر، بكىّ آخر سالم من الضرّ.(1/40)
أو صحّ قول المجبرة والخوارج فى عذاب الأطفال، لقد حملت أحمال البوازل على الآفال.
أو صحّ ما قالت العوفيّة، إذا كفر الإمام كفرت بكفره الرعيّة، لقد آخذ المسلم بذنب الكافر، وضربت ذات الخفّ بجرم ذات الحافر، كمداواة ذى العر، بكىّ آخر سالم من الضرّ.
أو صحّ ما روى عن الميمونية من الهنات، من نكاح بنات البنين وبنات البنات، لقد أحيوا سنّة المجوس، وتزويج حاجب لدختنوس.
أو صحّ قول اليزيديّة فى آخر الزمن، من ظهور نبىّ مؤتمن، يأتى من السماء بكتاب، يزيل ريب كلّ مرتاب، لقد سعد من نسيه الحمام، حتى يدركه نبى أو إمام.
أو صحّ ما روى عن مالك، فى العبد المملوك وسيده المالك، لقد جاء بإحدى الكبر، وأتى فى الدّين بصمّاء العبر.
أو صحّ ما روى عن الشّافعى فى القمار بالشّطرنج، فليت شعرى ما عنده فى لعب الزّنج، وضربها على الطّبل والصّنج.
أو صحّ ما روى عن أبى حنيفة من تحليل مسكر الشّراب، لقد نقل بيت الخمّار إلى المحراب.
أو صحّ ما روى عن الجوالقيّة فى تزويج المتعة بالأجور، لقد حملوا المحصنات على الفجور.
أو صحّ قول الأباضية إنه يجوز أن يبعث نبىّ بلا دليل، لقد أجازوا النبوة لكلّ ضلّيل
أو صحّ قولهم فى تصديق ما ورد من الأخبار، عن المؤمن والكافر بغير اختبار، لقد خلطوا الصّدق بالمين، وصدّقوا الأذن على العين.
أو صحّ ما روى عن الخطابيّة من استحلال شهادة الزور، وأن الشّاهد بها منهم على المخالف غير موزور، وأن مخالفيهم ضلّال، وأموالهم ونساءهم لهم حلال، لقد أتوا فى الدّين بشنعاء نآد، وأوهنوا منه عضدا قويّة الآد.
أو صح ما روى عن المعمّرية من استحلال الزنا والفسوق، لقد أقاموا للفساد فى الأرض شرّ سوق.(1/41)
أو صحّ ما روى عن الخطابيّة من استحلال شهادة الزور، وأن الشّاهد بها منهم على المخالف غير موزور، وأن مخالفيهم ضلّال، وأموالهم ونساءهم لهم حلال، لقد أتوا فى الدّين بشنعاء نآد، وأوهنوا منه عضدا قويّة الآد.
أو صح ما روى عن المعمّرية من استحلال الزنا والفسوق، لقد أقاموا للفساد فى الأرض شرّ سوق.
أو صحّ ما روى عن المعمريّة المفضليّة من ربوبيّة جعفر، لقد باءوا بذنب غير مكفّر، وأنهم رسله إلى الخليقه، لقد جاءوا فى الدين بالفليقة، من ربهم بعد جعفر هلك ذلك الربّ، وأصبح به ذو السّنام وهو أجب؟
أو صحّ ما روى عن أبى منصور، أنه الكسف السّاقط من السّماء، وأنه عرج إلى العرش بكلمة يمشى بها على الماء، وأن معبوده مسح رأسه بيده للايناس، وقال أى بنى اذهب فبلغ عنّى كافّة الناس، وأن النّار والجنّة، والبدعة والسنّة، أسماء رجال، ما لها غير التسمية من مجال، يجب لبعضهم عداوة ولبعضهم إجلال، فالفروض ساقطة والمحارم حلال، وأن النبوة لا تنقطع بمحمّد، ولا بد فى كل وقت من نبىّ مصمّد، وأن أول ما خلق الله موسى ثم عليّ، لقد خاب وخسر العجلى، ورجع دون العروج بالعرج، ولم ينج عند الله من حرج.
أو صحّ ما روى عن ولده الحسين من استحلال الخنق، وغيلة المخالف بوقص العنق، وأخذ ما معه من مال، لقد حمل من ظلم البريّة أثقل الأحمال، وأنه ولىّ الأخماس من ما غنم أصحابه من الخنق بالتماس، لقد تزوّد شرّ زاد للمعاد، وخرج إلى الله بجرم باغ عاد.
أو صحّ ما روى عن المغيرة بن سعيد، لبئس ما حفظ عنه أكرم قعيد، أن معبوده رجل من نور على رأسه من النور تاج، ينبع قلبه بالحكمة ويهتاج، وأن أعضاءه بعدد حروف أبجد، لقد عضه ربّه وما مجّد، وأشار بالعورة إلى الصاد، إن ربّك للظّالم بالمرصاد، هلك المغيرة، وأحصيت الكبيرة والصغيرة.
أو صحّ قول البيان بن سمعان، إنّ معبوده فى صورة الإنسان، وإنه يهلك ويبقى وجهه، كما يهلك بزعمه نظيره وشبهه، وإنه يدعو النجوم بالاسم الأعظم فتجيب، إن شأن التميمى لعجيب، لقد بان كفر البيان، وأعلن بالكفر أى إعلان.
أو صحّ ما روى عن المختارية، ونقل عن الضرارية، أن الدنيا غير فانية، لقد فاز كل جان للذنوب وجانيه.(1/42)
أو صحّ قول البيان بن سمعان، إنّ معبوده فى صورة الإنسان، وإنه يهلك ويبقى وجهه، كما يهلك بزعمه نظيره وشبهه، وإنه يدعو النجوم بالاسم الأعظم فتجيب، إن شأن التميمى لعجيب، لقد بان كفر البيان، وأعلن بالكفر أى إعلان.
أو صحّ ما روى عن المختارية، ونقل عن الضرارية، أن الدنيا غير فانية، لقد فاز كل جان للذنوب وجانيه.
أو صحّ ما روى عن الطّيارة الغالية أن ربّهم يحتجب بأبدان الأئمة، وأن عبادتهم واجبة على كل أمه لقد كثرت الأرباب، واتسع للداخل هذا الباب.
أو صحّ قول أصحاب الرجعة، فى قدوم من انتجع من المنون أبعد نجعه، وظهور الأموات قبل القيامة مع ابن الحنفية، ورد جميع الأديان على الحنيفية، لقد ضعف ناصر الرمم، وبعد استظهارها على الأمم.
أو صحّ قول الغرابية فى أبى تراب، إنه بالنبى أشبه من الغراب بالغراب، وإن جبريل غلط فى تبليغ الرسالة إلى عليّ، لقد نسبوا الغلط جل عن ذلك إلى الواحد العلىّ.
أو صحّ قول الراوندية إن الامامة من التراث، وإنها لأقرب العصبة والورّاث، فانها بعد النبىّ للعباس، بغير شك بينهم ولا التباس، وإن بنى البنات لا يرثون شيئا مع العم، ولا إمامة فى النساء فيدلون بإرث الأم، لقد اشترك فيها البر والفاجر، ووقع الاختلاف والتّشاجر، وحكم بها لكل ظالم فظ، على قدر الوارثة والحظ.
أو صحّ قول أصحاب النص بإمامة من فى المهد، وأحد البيعة له والعهد، لقد طابقوا الأكاسرة فى تقديم غير الكامل، ووضع التيجان على بطون الحوامل، والائتمام بالجنين، قبل حدوث النّجو والذّنين.
أو صحّ قول الجاروديّة إنها منصوصة بالاشارة والوصف، بأخبار عندهم كخبر النّعل والخصف، لقد وصفوا الخالق بالرّمز، والتلبيس بالاشارة والغمز أو صحّ قولهم فى حصرها على الذرية، دون غيرهم من البرية، وإنها لهم كالقلادة، بما لهم من
الولادة لقد شرك فيها ولد قرين، وولد الدّيباج ابن ذى النّورين كما أن عيسى من ذرّية الخليل، لوجود الشاهد والدليل. أو صحّ قولهم إنها شورى منهم بين الأفاضل، لقد أيّدوا حجّة المناضل، ورجعوا إلى العموم بعد الخصّ، والى الشورى بعد النّص، واستحسنوا ما استقبحوه من قبل، وانقطع عن التمسك ذلك الحبل ولن توجد حجّة قاطعة على النّص والحصر، تشهد لصاحبها على المخالف بالنّصر، من تنزيل، لا يعارض بالتّأويل، وتأويل لا ينقض بالسماع أو ضرورة العقل، التى لا تفتقر الى النقل.(1/43)
أو صحّ قول الجاروديّة إنها منصوصة بالاشارة والوصف، بأخبار عندهم كخبر النّعل والخصف، لقد وصفوا الخالق بالرّمز، والتلبيس بالاشارة والغمز أو صحّ قولهم فى حصرها على الذرية، دون غيرهم من البرية، وإنها لهم كالقلادة، بما لهم من
الولادة لقد شرك فيها ولد قرين، وولد الدّيباج ابن ذى النّورين كما أن عيسى من ذرّية الخليل، لوجود الشاهد والدليل. أو صحّ قولهم إنها شورى منهم بين الأفاضل، لقد أيّدوا حجّة المناضل، ورجعوا إلى العموم بعد الخصّ، والى الشورى بعد النّص، واستحسنوا ما استقبحوه من قبل، وانقطع عن التمسك ذلك الحبل ولن توجد حجّة قاطعة على النّص والحصر، تشهد لصاحبها على المخالف بالنّصر، من تنزيل، لا يعارض بالتّأويل، وتأويل لا ينقض بالسماع أو ضرورة العقل، التى لا تفتقر الى النقل.
أو صحّ ما روى عن عبد الله بن معاوية، لقد هوى به إلى الهاوية، إن العلم ينبت فى قلبه نبات العشب وبنات أوبر، لقد أساء العبارة بما عبّر، وإن روح الله تحوّلت فى آدم، ثم نسخت فى كلّ نبىّ حدث وتقادم، حتى صارت فيه، لقد أعلن من الكفر ما يخفيه، فعبدته شيعته وكفروا بالقيامة، وكفّروا على شرب المدامة.
أو صحّ ما روى عن الشّمراخية، لقد شدّوا لملل الكفر مرس الآخيّه، إنّ الصّلاة جائزة خلف من صلّى إلى القبلة، وإن كان مخالفا للنّحلة، من النّصارى واليهود، إنهم على التّصويب لهم شهود.
أو صحّ ما روى عن الصفرية فى تجويز مناكحة المشركين والمشركات، وقبول شهادتهم وموارثتهم فى التركات، لقد مزجوا الغثّ بالسّمين، وجعلوا الكفار مسلمين.
أو صحّ ما روى عن الخشبية فى إجازة نسخ ما حكى الله من الأخبار، لقد نسبوا الكذب جل عن ذلك إلى الجبّار.
أو صحّ قول الثّعلبية إنّ أطفال المشركين مشركون كالآباء، لقد أخذهم بما حمل غيرهم من الأعباء.
أو صحّ قول الفضيليّة أن يكون مؤمنا من اظهر الايمان، وأسرّ الكفر بالرّحمن، لقد أجازوا النفاق، وأوجبوا عليه الاتفاق أو صح قولهم فى صغائر الذّنوب، لقد حكموا للمؤمنين من الشرك بذنوب.(1/44)
أو صحّ قول الثّعلبية إنّ أطفال المشركين مشركون كالآباء، لقد أخذهم بما حمل غيرهم من الأعباء.
أو صحّ قول الفضيليّة أن يكون مؤمنا من اظهر الايمان، وأسرّ الكفر بالرّحمن، لقد أجازوا النفاق، وأوجبوا عليه الاتفاق أو صح قولهم فى صغائر الذّنوب، لقد حكموا للمؤمنين من الشرك بذنوب.
أو صحّ قول البيهسيّة إنّ المسكر إذا اتّخذ من المال الحلال، فهو أحلّ من الماء الزّلال، وإنّ الذّنوب موضوعة عنهم فى حال السكر، لقد أتوا فى الدّين بشيء نكر والبيهسية تسير فى المخالف بأخذ المال وقتل الغيلة، وأعمال الكيدة فى ذلك والحيلة.
أو صحّ قول النّجديّة إنّ من أذنب منهم من الايمان غير خارج، ومن أذنب من غيرهم فقد كفر بذى المعارج لقد صيّروا الذّنوب إيمانا، تكون من العذاب لأهلها أمانا.
أو صحّ قول الأزارقة إن المسلم بدار الكفر كافر، ليس لذنبه غافر لقد جعلوا الاسلام كفورا، واتباع الحق نفورا والأزارقة تستحلّ قتل الأطفال، وترى مال المخالف من الأنفال، ويحتجون بقوله تعالى: {«رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبََادَكَ وَلََا يَلِدُوا إِلََّا فََاجِراً كَفََّاراً»}.
هذه جملة من مذاهب يسيره، وقلّ من يمشى بقدم غير كسيره، وسائرها يكثر به الشرح، ويحسن الإلغاء له والطّرح. فانظر إلى اختلال هذه العقائد، وضلال مقودها والقائد، فلكلّ عروة منها انفصام، وخسر من له بها اعتصام.
أيها الرّابط على ما فى الكيس، هل أمنت على ما فيه من التوكيس؟ انصرف إلى الصيارف، فكم له من ناقد وعارف، وطف به على الطّوائف، لعله من الزّوائف.
كم لهذه الجملة من قار، لا يرتدى عن القراءة بوقار، هل معه من الدّين غير تقليد، أم فتح بابا مغلقا بإقليد؟(1/45)
أيها الرّابط على ما فى الكيس، هل أمنت على ما فيه من التوكيس؟ انصرف إلى الصيارف، فكم له من ناقد وعارف، وطف به على الطّوائف، لعله من الزّوائف.
كم لهذه الجملة من قار، لا يرتدى عن القراءة بوقار، هل معه من الدّين غير تقليد، أم فتح بابا مغلقا بإقليد؟
أنّى بالأران لفارس الأران، وطرفه الحرىّ بالحران، أين المحض من الضّيح، وأبو غبيش من أبى وضيح؟
ما للهدان، بالفتك يدان، ولا للعيهب، إقدام على الغيهب.
ظفر طالب الثّار، بكبوة العثار، وضعف ظنبوب الدّار، عن الفوز بالأبرار.
هل يبارى الفرسان إلى الأنفال، كفل على ثقال، يعجز عن الذّياد، على الجياد، وعن قبض الرّهان، بكليل الجرى مهان، أصبح عن السّباق، مضاعف الرّباق، وعن الطّراد، مثنيّا عن المراد، وقد جمع بين المبنّ الغابر، والمعنّ السائر، دهر كأم الستة من الدوائر، واللبيب مع الجميع، كحدّ السريع، نزل للخلاص بربع غير مريع، لا يستمتع بضرع ولا ضريع، ولزم للفكاك جزءا وحده، واشتركت الثلاثة فى الجزء الّذي بعده، ولزم الآخران ثالث الأجزاء، وهو آخر النّقوض والأبزاء، ولن يكون فكّ إلا من حركة، من آخر الدوائر المشتركة، وربما أدت الحركة، إلى غير بركة، وأل بالحرف، السّكون إلى حذف.
كثرت حركات المتكاوس فسمّى مخبولا، وأصبح على النقص مجبولا، وطرح من عبّه الضروب، وأفلت شمسه بالغروب، واعتدلت حركات المتواتر، فستره عن الوصم ساتر، والناس للدهر نظام وقصيد، وزروع منها قائم وحصيد وقد تدخل العلل على صحيح الوزن، وتبدّل سهله بالحزن، وربما قطع المذال، فاستراح العذّال، وحذف المشبع، وبشّر بغير السلامة مربع، وإلى النقص غاية التمام، ونغّص اللذات ذكر الحمام، وإقبال الدّهر إدبار، وعجماؤه جبار، لا يطلب فى الجناية بضمان، وكم وقع هلك من أمان، كما هلك الضّيزن بابنته النّضيرة، ودلالة نفيضة الجيش والحضيرة، حين هويت سابور، واجتلبت لأهلها الثّبور،
وكان الضّيزن ملكا من قضاعة بالحضر عظيم الملك، فلم ينج بذلك من الهلك، وغزاه سابور ذو الأكتاف الفارسىّ، وللدّهر السهام الصائبة والقسىّ، فأطال عليه مدّة الحصار، وما قدر منه على انتصار، فهمّ عنه بالاقلاع، حتى كان من النضيرة اطّلاع، فرأت سابور فعشقته، فرمت أباها بالحتف ورشقته، وخانته وهى عنده أمينه، وأرسلت إلى سابور أنها له بالفتح ضمينه، وشارطته على النكاح والإيثار، وأعلمته أن عورة الحصن من الثّرثار، وغبقت أباها المدام، وسقت الحرس والخدّام، وأرسلت إليه من شدة الغلمة، عند اعتكار الظّلمة، أن ايت من السّرب، فهذه هى ليلة القرب، فبعث إليها بالأبطال، فقضى الدين بعد المطال، وطلع الفجر على أهل الحصن بالذّما، وبلّت العراص منه بالدّما، فقتل سابور الضّيزن وقومه، ولن يعد معمّر يومه، وبدل الحصن خرابا بحده، وغضارة الأيام إلى مده، وأصبح خرابا تضغو به الثعالب، وللقدر أسباب وجوالب وبات سابور بالنّضيرة معرّسا، وكان فى العواقب متفرّسا، فتجافى جنبها عن المهاد، فسألها عما لقيت من السهاد، فشكت خشونة المضجع، ومنعها ذلك أن تهجع، فقال: إنه فراش حشوه زغب النعام، لا ما يتّخذ من وبر الأنعام، ولم تنم الملوك على ألين ولا أوطأ منه، فما تجافيك أيتها المرأة عنه؟ ونظر إلى ورقة من آس بين عكنتين من عكنها، فتناولها فسال موضعها دما من بدنها فقال: بم كان يغذوك أبواك، فى طول مقامك معهما ومثواك؟ فقالت: بالمخّ والزبد، وصفو الخمر والشهد فقال: إذا كان هذا حالك عندهما، فلن تصلحى لأحد بعدهما، وينبغى ألّا أركن إليك، وقد فعلت ما فعلت بأبويك! وأمر بها فشدّت ذوائبها بين فرسين فقطعاها، ما رعت الصّنيعة ولا رعاها.(1/46)
كثرت حركات المتكاوس فسمّى مخبولا، وأصبح على النقص مجبولا، وطرح من عبّه الضروب، وأفلت شمسه بالغروب، واعتدلت حركات المتواتر، فستره عن الوصم ساتر، والناس للدهر نظام وقصيد، وزروع منها قائم وحصيد وقد تدخل العلل على صحيح الوزن، وتبدّل سهله بالحزن، وربما قطع المذال، فاستراح العذّال، وحذف المشبع، وبشّر بغير السلامة مربع، وإلى النقص غاية التمام، ونغّص اللذات ذكر الحمام، وإقبال الدّهر إدبار، وعجماؤه جبار، لا يطلب فى الجناية بضمان، وكم وقع هلك من أمان، كما هلك الضّيزن بابنته النّضيرة، ودلالة نفيضة الجيش والحضيرة، حين هويت سابور، واجتلبت لأهلها الثّبور،
وكان الضّيزن ملكا من قضاعة بالحضر عظيم الملك، فلم ينج بذلك من الهلك، وغزاه سابور ذو الأكتاف الفارسىّ، وللدّهر السهام الصائبة والقسىّ، فأطال عليه مدّة الحصار، وما قدر منه على انتصار، فهمّ عنه بالاقلاع، حتى كان من النضيرة اطّلاع، فرأت سابور فعشقته، فرمت أباها بالحتف ورشقته، وخانته وهى عنده أمينه، وأرسلت إلى سابور أنها له بالفتح ضمينه، وشارطته على النكاح والإيثار، وأعلمته أن عورة الحصن من الثّرثار، وغبقت أباها المدام، وسقت الحرس والخدّام، وأرسلت إليه من شدة الغلمة، عند اعتكار الظّلمة، أن ايت من السّرب، فهذه هى ليلة القرب، فبعث إليها بالأبطال، فقضى الدين بعد المطال، وطلع الفجر على أهل الحصن بالذّما، وبلّت العراص منه بالدّما، فقتل سابور الضّيزن وقومه، ولن يعد معمّر يومه، وبدل الحصن خرابا بحده، وغضارة الأيام إلى مده، وأصبح خرابا تضغو به الثعالب، وللقدر أسباب وجوالب وبات سابور بالنّضيرة معرّسا، وكان فى العواقب متفرّسا، فتجافى جنبها عن المهاد، فسألها عما لقيت من السهاد، فشكت خشونة المضجع، ومنعها ذلك أن تهجع، فقال: إنه فراش حشوه زغب النعام، لا ما يتّخذ من وبر الأنعام، ولم تنم الملوك على ألين ولا أوطأ منه، فما تجافيك أيتها المرأة عنه؟ ونظر إلى ورقة من آس بين عكنتين من عكنها، فتناولها فسال موضعها دما من بدنها فقال: بم كان يغذوك أبواك، فى طول مقامك معهما ومثواك؟ فقالت: بالمخّ والزبد، وصفو الخمر والشهد فقال: إذا كان هذا حالك عندهما، فلن تصلحى لأحد بعدهما، وينبغى ألّا أركن إليك، وقد فعلت ما فعلت بأبويك! وأمر بها فشدّت ذوائبها بين فرسين فقطعاها، ما رعت الصّنيعة ولا رعاها.
وصلاح الدهر إلى فساد، وكم رحم غابط من الحساد، ولكل أجل كتاب، وليس من الزّمن إعتاب أهون بأمّ دفر، وأيامها الشبيهة بأيّام النّفر، فتنت منها الرجال بكعاب، غير بريّة من ألعاب، تخدع البعولة تحت النكاح، خديعة الزّباء
لجذيمة الوضّاح، وكم وصفها بالمكر بصير، لو يطاع قصير، وحذّر منها نذير، لو ينفع التّحذير، فحبّها للقلوب متيّم، وكل يوم هى من بعل أيّم، كثيرة العشاق والخطّاب، وكل خائب صفر الوطاب، قد دقوا بينهم عليها عطر منشم، وتجشّم الصعب كلّ متجشم، عارية تستردّ من مستعيرها، وعرية يرتجعها معيرها، كم لها من آبر، يعلن بذمّها على المنابر، ومن لائم، وهو بها جدّ هائم، يغدو منها الزّاهد، وهو لضنك العيش مجاهد، فقيل هو للدنيا رافض، وقد ركضه عن الدنوّ منها راكض سمعت فى الناس بزاهد واحد، ولا تخفى الغزالة لجاحد، رب الخورنق، فى صفو عيش غير مرنّق، فسرّه ما رأى من ملكه العقيم، وميّز بصحيح من الفكر غير سقيم، فقال أو كلّ ما أرى إلى زوال؟ قيل نعم وتقلب من الأحوال، فقال لأطلبنّ عيشا لا يزول، وملكا ربّه عنه غير معزول، فانخلع من ملكه ولبس الأمساح، وذهب فى الأرض مترهبا وساح، وحق للعاقل أن يتوب، قبل أن يوافى أجله المكتوب.(1/47)
وصلاح الدهر إلى فساد، وكم رحم غابط من الحساد، ولكل أجل كتاب، وليس من الزّمن إعتاب أهون بأمّ دفر، وأيامها الشبيهة بأيّام النّفر، فتنت منها الرجال بكعاب، غير بريّة من ألعاب، تخدع البعولة تحت النكاح، خديعة الزّباء
لجذيمة الوضّاح، وكم وصفها بالمكر بصير، لو يطاع قصير، وحذّر منها نذير، لو ينفع التّحذير، فحبّها للقلوب متيّم، وكل يوم هى من بعل أيّم، كثيرة العشاق والخطّاب، وكل خائب صفر الوطاب، قد دقوا بينهم عليها عطر منشم، وتجشّم الصعب كلّ متجشم، عارية تستردّ من مستعيرها، وعرية يرتجعها معيرها، كم لها من آبر، يعلن بذمّها على المنابر، ومن لائم، وهو بها جدّ هائم، يغدو منها الزّاهد، وهو لضنك العيش مجاهد، فقيل هو للدنيا رافض، وقد ركضه عن الدنوّ منها راكض سمعت فى الناس بزاهد واحد، ولا تخفى الغزالة لجاحد، رب الخورنق، فى صفو عيش غير مرنّق، فسرّه ما رأى من ملكه العقيم، وميّز بصحيح من الفكر غير سقيم، فقال أو كلّ ما أرى إلى زوال؟ قيل نعم وتقلب من الأحوال، فقال لأطلبنّ عيشا لا يزول، وملكا ربّه عنه غير معزول، فانخلع من ملكه ولبس الأمساح، وذهب فى الأرض مترهبا وساح، وحق للعاقل أن يتوب، قبل أن يوافى أجله المكتوب.
اللهم إنّى إليك تائب، ومن لم يتب من عبادك فهو خائب، توبة من بهضه الذّنب، وأثقل منه الغارب والجنب، واستغفرك استغفار منيب هائد، إلى كل ما يسخطك غير عائد، قد اعترف بما اقترف، ووجل ممّا عمل، فخجل، نادم من تلك الخطايا وركوب تلك المطايا، التى اقتعد منها العشواء، فتابعت به الأهواء، حتّى أوردته فى المهالك، وسلكت به أضيق المسالك، فهو يتململ تململ السّليم، ويتأوّه تأوّه المليم، كدابغة أديم ذى حلم، ومداوى ميت لا يحسّ بألم، كيف السبيل إلى الخلاص من الورطة. ودخول باب حطّه؟ لا خلاص إلا بالاخلاص، ولات حين مناص، لمن علق بشرك القناص، لو كظمت، لما ظلمت، أو عفوت، لما هفوت، فهل من متصدّق على بائس فقير، مثقل من الذنوب وقير، بصدقة من حلّ، تفكّه من الغلّ، أو دعوة مثابه، يرجى له بها إجابة؟ إنّ الله يجزى المتصدقين، ويثيب المتّقين.
نحن بنو آدم وحواء، لأب وأمّ فى الولادة سواء، فما فضل أخ على أخيه، إلا بالعمل الصالح وتوخّيه، كلّنا لله عبيد أكرمنا عنده من اتّقاه، وصان وجهه عن حرّ النّار ووقّاه، لا نسأل يوم القيامة عن نسب، كلّ يؤخذ بما اجترح واكتسب نجا المخفون، وأمن الخائفون، أفلح من أخلص النيّة، قبل هجوم المنيّة، وبتّك أسباب الأمل، ووصل حبال العمل، وشغله ذكر المعاد، عن ذكر دعد وسعاد(1/48)
اللهم إنّى إليك تائب، ومن لم يتب من عبادك فهو خائب، توبة من بهضه الذّنب، وأثقل منه الغارب والجنب، واستغفرك استغفار منيب هائد، إلى كل ما يسخطك غير عائد، قد اعترف بما اقترف، ووجل ممّا عمل، فخجل، نادم من تلك الخطايا وركوب تلك المطايا، التى اقتعد منها العشواء، فتابعت به الأهواء، حتّى أوردته فى المهالك، وسلكت به أضيق المسالك، فهو يتململ تململ السّليم، ويتأوّه تأوّه المليم، كدابغة أديم ذى حلم، ومداوى ميت لا يحسّ بألم، كيف السبيل إلى الخلاص من الورطة. ودخول باب حطّه؟ لا خلاص إلا بالاخلاص، ولات حين مناص، لمن علق بشرك القناص، لو كظمت، لما ظلمت، أو عفوت، لما هفوت، فهل من متصدّق على بائس فقير، مثقل من الذنوب وقير، بصدقة من حلّ، تفكّه من الغلّ، أو دعوة مثابه، يرجى له بها إجابة؟ إنّ الله يجزى المتصدقين، ويثيب المتّقين.
نحن بنو آدم وحواء، لأب وأمّ فى الولادة سواء، فما فضل أخ على أخيه، إلا بالعمل الصالح وتوخّيه، كلّنا لله عبيد أكرمنا عنده من اتّقاه، وصان وجهه عن حرّ النّار ووقّاه، لا نسأل يوم القيامة عن نسب، كلّ يؤخذ بما اجترح واكتسب نجا المخفون، وأمن الخائفون، أفلح من أخلص النيّة، قبل هجوم المنيّة، وبتّك أسباب الأمل، ووصل حبال العمل، وشغله ذكر المعاد، عن ذكر دعد وسعاد
اللهم قد علمت السّرائر، وحفظت الجرائر، فأمّن من الخيفة، وامح سيئاتى من الصحيفة، بقبول هذه التوبة، والتّجاوز عن الحوبة
اللهم إنّى غير قائم بشكرك، ولا آمن لمكرك، لا يجير عليك أحد، ولا لمخلوق دونك ملتحد، وقد استجرت من عذابك بكرمك، ومن بطشك بحلمك، وهربت منك إليك، وجعلت توكلى عليك، وقرعت باب فضلك بالسّؤال، وطلب ما عندك من النوال، وجعلت جودك لى إليك شافعا، ولما أخشى من الردّ دافعا، ولن تخيّب سائلك، ولا تردّ وسائلك
اللهم هذا مقام العائذ بك من عذابك، والثّائب إلى ثوابك، فغفرا غفرا، ورأبا لما أفرط فيه وأفرى، لن يجدى الأسف، بعد ركوب المعتسف، ولا الأرق، بعد الغرق، إلا بعفو من الكريم، عن مطالبة الغريم، ومحو ما سلف، والصّفح عمّا اجترم واستلف
اللهم اهد ضلّيلا جار على اللّقم، واشف عليلا موفيا عن السّقم، طال ما ضربت له الأمانى حبالها، وألبسته المطامع سربالها، فشام خلّبا يومض فى جهام، وقتاما يحسبه دفع الرّهام، حتى انقضت أيام العنفوان، ومضت بوادر الأوان، وقد شغل شغل ذات النّحيين، وبلغ حزام رحله الطّبيين، وهو فى ذلك المضمار، يعلّل النّفس بضمار، قد أنفق رأس المال، بالآمال، ومنع بالأثقال، عن الانتقال، طمع فى الدّنيا طمع أشعب، فعنّى نفسه وأتعب، فظفر منها بخفّى حنين، وبصر بكمه
القلب لا العينين، يا صفر الكفّين، بظفر الخفّين، ويا ندم الكسعيّ، لنظيره فى العىّ.(1/49)
اللهم اهد ضلّيلا جار على اللّقم، واشف عليلا موفيا عن السّقم، طال ما ضربت له الأمانى حبالها، وألبسته المطامع سربالها، فشام خلّبا يومض فى جهام، وقتاما يحسبه دفع الرّهام، حتى انقضت أيام العنفوان، ومضت بوادر الأوان، وقد شغل شغل ذات النّحيين، وبلغ حزام رحله الطّبيين، وهو فى ذلك المضمار، يعلّل النّفس بضمار، قد أنفق رأس المال، بالآمال، ومنع بالأثقال، عن الانتقال، طمع فى الدّنيا طمع أشعب، فعنّى نفسه وأتعب، فظفر منها بخفّى حنين، وبصر بكمه
القلب لا العينين، يا صفر الكفّين، بظفر الخفّين، ويا ندم الكسعيّ، لنظيره فى العىّ.
اللهم أقل عاثرا زلّت به القدم، وطال تأسّفه والنّدم، وارحم قنيصا أوقع نفسه فى الحبالة، ومفرحا مفحم اللّبيد والباله، وافكك أسيرا يرسف فى الصّفاد، لا الصّفد المستفاد، يا خير مدعوّ، وأفضل مرجوّ، يدعوه المضطرّ، ويرجوه القانع والمعترّ، إنك بالاجابة جدير، وأنت على كلّ شيء قدير.(1/50)
تفسير رسالة الحور العين
بسم الله الرحمن الرّحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله
[مقدمة المؤلف]
أمّا بعد حمد الله الّذي استوجب الحمد بكرمه وجوده، وأوجب المزيد لمن شكره من عبيده فإنّ الأدب لمّا صار بضاعة، فى أهل هذا الوقت مضاعه قد رميت بالكساد، لما شمل أهل الدهر من الفساد وصار العلم عارا على حامليه، والفضل شينا لأهليه ولم يبق من أهل المروءات من يوما إليه، ولا من أهل النّخوات من يعتمد عليه وأصبح ملوك العصر بين تاجر ينسب إلى الرئاسة، وخمّار يملك أمر السياسه ولكل واحد منهما ندامى وأتباع، قد جمعت بينهم الطّباع وشرّف الله السلطان الفاضل عن جلساء هذه الأجناس الدّنيّة، بالأفعال الحميدة والهمة السّنية فأصبح غرة لبهيم زمانه، وذروة يعتصم بها الخائف لأمانه وأضحى نسيج وحده، وسقط (1) ما قدح الدهر من زنده رجوت أن يكون عنده لبضاعة الأدب سوق، ولأغصان دوحته بسوق (2) فبعثت إليه بهذه الرّسالة، محذوفة عن الإسهاب والإطالة وسمّيتها «رسالة الحور العين، وتنبيه السامعين».
__________
(1) السقط (مثلثة): ما وقع من النار من الزند حين يقدح.
(2) بسوق: طول، يقال: بسقت النخلة بسوقا: طالت، وعليهم: علاهم.(2/1)
وكنيت ب «الحور العين» عن كتب العلم الشّرائف، دون حسان النّساء العفائف وجعلتها لرياضة الناشئ الصغير، وزيادة العالم النّحرير ولم أر وجها لإنفاذها بغير تفسير، فقرنتها من ذلك بشيء يسير على اشتغال من القلب، وتقسيم من اللبّ (1) بأسباب فى الرسالة مذكوره، وأخرى مطويّة مستورة تنسى الفطن الذّكىّ اسمه، وتلبس ثوب النّحول جسمه. وإنى فى هذا المقام، لمتمثّل بقول أبى تمام:
وليس امرؤ فى الناس كنت سلاحه ... عشيّة يلقى الحادثات بأعزلا
فإن قصّرت فيما اختصرت، أو عثرت فيما أكثرت فله المنّة بالتّغمّد، (2)
فى الخطأ والتّعمّد وما أبرّئ نفسى من الزّلل، ولا أبرئ السّقيم بالعلل (3). ومن هو من الزلل معصوم؟ مدّعى ذلك محجوج مخصوم (4)، وعند العقلاء موصوم.
وهذا أول التفسير، والله ولىّ التوفيق والتيسير.
__________
(1) تقسيم: توزع وتفرق.
(2) التغمد: الستر، يقال: تغمد فلان فلانا، إذا ستر ما كان منه.
(3) العلل: جمع علة، وهى ما تلهو به وتتشاغل.
(4) محجوج: قامت عليه الحجة. ومخصوم: مغلوب. قال الفيروزآبادي (خصم):
«خاصمه مخاصمة وخصومة، فخصمه يخصمه: غلبه، وهو شاذ، لان فاعلته ففعلته يرد يفعل منه الي الضم إن لم تكن عينه حرف حلق، فانه بالفتح، كفاخره يفخره. وأما المعتل، كوجدت وبعت، فيرد الى الكسر، إلا ذوات الواو فانها ترد الى الضم، كراضيته فرضوته أرضوه، وخاوننى فخفته أخوفه».(2/2)
التفسير
* قوله: «السلام عليك أيتها العقوة، التى لا تلم بها الشّقوة والرّبوة، الموقّرة عن الصّبوة».
المراد بذلك السلام على ربّ العقوة وصاحبها. والعرب تخاطب الديار بخطاب أهلها قال الله تعالى: {(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنََّا فِيهََا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنََا فِيهََا)} أى واسأل أهل القرية وأهل العير. قال الأحوص بن محمد الأنصارى:
يا بيت عاتكة الّذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل (1)
إنى لأمنحك الصّدود وإننى ... قسما إليك مع الصّدود لأميل
وقال ذو الرمة التميمىّ:
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (2)
والسلام، اسم من أسماء الله تعالى فى قوله تعالى: {«السَّلََامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ»}. والسلام: شجر، واحدته سلامة. والسلام: السلامة. والسلام:
الاستسلام. والعقوة: ما حول الدار، وكذلك العقاة. الشّقوة (3): ضدّ
__________
(1) أتعزّل، أى أتنحى منه، ويجوز في «أتعزل» أن يتعدى بنفسه وبعن. وفى الاصل: «التى أتعزل». تصحيف انظر اللسان (عزل).
(2) حزوى (بضم أوله وتسكين ثانيه، مقصور): موضع بنجد فى ديار تميم: وقيل ومال بالدهناء. (انظر معجم البلدان). ويرفض: يسبل. ويترقرق: يجئ ويذهب.
والّذي فى الاصل: «فماء الحيا». وما أثبتنا من ديوان ذى الرمة طبعة أوربة.
(3) الشقو، بالفتح ويكسر.(2/3)
السعادة، وكذلك الشّقاوة والشّقاء (1)، بمعنى واحد. والرّبوة: المكان المرتفع من الأرض، وفيها لغات: ربوة وربوة وربوة، بفتح الراء وكسرها وضمها، وكذلك (2) الرّباوة: المكان المرتفع. وربى الشيء يربو، إذا زاد، ومنه الرّبا فى البيع، ويثنى ربوان وربيان. وربا الرجل الرابية، إذا علاها. وربا، إذا أصابه الربو، يربو فيهما. قال الراجز، (3) فجمع بين اللغتين:
حتى علا رأس يفاع فربا (4) ... رفّه عن أنفاسه وما ربا (5)
وربوت فى بنى فلان، أى نشأت. والموقرة: الموصوفة بالوقار. ومنه قوله تعالى: {(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)}. قال أبو عبيدة: هو عندى من الوقار. ورجل موقر، أى مجرب ورجل موقّر، أى مبجل. ومنه قوله تعالى: {(وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)}. والصّبوة والصّبوّ والتصابى، كل ذلك بمعنى، وهو الميل إلى الصبا واللهو والحداثة يقال: صبا يصبو: صبوا وصبوة، وهو أن يفعل فعل الصبيان (6).
قال أبو إبراهيم: يقال: صبى يصبى صبا، إذا لعب مع الصبيان (7). والصبا، يمد ويقصر، إذا كسرت الصاد قصرت، وإذا فتحتها مددت.
__________
(1) الشقاوة، فيها الفتح والكسر. والشقاء، فيه المد والقصر.
(2) وكذلك، أى الرباوة، كالربوة، مثلثة.
(3) هو العجاج. (انظر الورد 1: 74).
(4) اليفاع: المشرف من الارض والجبل. ورواية البيت فى الورد: «إذا علا رأس بقاع (صوابه يفاع) قربا». والبيت هناك دون تاليه بأبيات.
(5) فى الاصل: «على أنفاسها». وما أثبتنا من الورد.
(6) هذا غير ما فى كتب اللغة، ففيها: أن صبا يصبو صبوا وصبوة، إذا مالى إلى الجهل الفتوة. أما أن يفعل فعل الصبيان، ففعله صبى بصبى، كرضى يرضى، والمصدر صبا، كرضى.
(7) انظر الحاشية السابقة.(2/4)
* قوله: «ذات القرار والمعين، والمستقرّ لحور العين»:
القرار والمستقر من الأرض: موضع الإقامة. والمعين: الماء الجارى يقال:
معن الماء (1) يمعن معنا، إذا جرى. والمعنان: (2) مجارى الماء. والمعان: المنزل.
والمعن: الشيء اليسير السهل. قال النّمر بن تولب العكلى ثم البصرى: (3)
* فإنّ هلاك مالك غير معن * (4)
أى ليس بهين. والحور: جمع حوراء وأحور، مثل أعور وعوراء، وجمعه عور وأسود وسوداء، وجمعه سود. وعنى بالحور فى هذا الموضع الكتب.
والحور: شدة بياض العين فى شدة سوادها. قال أبو عمرو: الحور أن تسودّ العين كلها، مثل [أعين] الظّباء (5) والبقر. وليس فى بنى آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العين، لأنهن شبّهن بالظباء (6) والبقر. قال الأصمعى: ما أدرى (7)
ما الحور فى العين. ويقال: حوّرت الثياب، إذا بيضتها. وقيل لأصحاب عيسى عليه السلام الحواريون، لأنهم كانوا يحورون الثياب، أى يبيضونها.
__________
(1) يقال: معن الماء، من باب كرم، ومعن، من باب نصر، وأمعن وذلك إذا سهل وسال، وقيل إذا جرى.
(2) فى الاصل: «المعان». تحريف.
(3) فى الاصل: البعلبكي ثم المصرى»: صوابه ما أثبتنا. وقد مات النمر فى أيام أبي بكر أو بعدها بقليل. ومن المؤرخين من يذكر أنه نزل البصرة، مع أنها بنيت زمن عمر.
(انظر الأغانى والاصابة والاستيعاب).
(4) صدره: «ولا ضيعته فألام فيه». انظر اللسان (معن). وفيه «ضياع» بدل «هلاك».
(5) فى الاصل: «مثل الضبا». والتكملة والتصويب من اللسان (حور). والعبارة فيه غير معزوة إلى أبي عمرو.
(6) فى الاصل: «بالضبا». والتصويب من اللسان (حور).
(7) فى اللسان: «لا أدرى».(2/5)
والحوارىّ أيضا: الناصر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الزبير ابن عمتى، وحوارىّ من أمتى». والحواريات: نساء الأمصار (1) سمين بذلك لبياضهن. (2) قال أبو جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النّوابح (3)
والحوارى من الطعام: ما حور، أى بيّض. ويقال: حوّر خبزته، إذا أدارها ليضعها (4) فى الملّة. ويقال: حوّر عين بعيرك، أى حجّر حولها بكىّ، وهو شيء مدوّر (5). ويقال: احورّ الشيء، إذا ابيضّ. والجفنة المحوّرة: المبيضة بالسّنام. ويقال: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهو النقصان بعد الزّيادة (6). والأحور، عند العرب: كوكب، وهو المشترى.
والعين، بكسر العين: جميع عيناء، وهى البقرة الوحشية، سمّيت بذلك لسعة عيونها يقال: بقرة عيناء وثور أعين وقال بعضهم: لا مذكر له.
وأمّا العين، بالفتح، فالعين عين الإنسان. والعين: مصدر عنت الشيء أعينه عينا، إذا أصبته بعينك وغبطته، فهو معين ومعيون (7)، والفاعل عائن.
__________
(1) فى الاصل: «النساء البيض». والتصويب من اللسان.
(2) زاد فى اللسان: «وتباعدهن عن قشف الاعراب بنظافتهن».
(3) وبعده:
بكين إلينا خيفة أن تبيحها ... رماح النصارى والسيوف الجوارح
جمل أهل الشام نصارى لأنها تلى الروم، وهى بلادها.
(4) فى الأصل: «ليقلبها». وما أثبتنا من اللسان. والعبارة فيه: «وحور الخبزة تحويرا: هيأها ليضعها فى الملة». والملة: الرماد الحار والجمر.
(5) يريد أنه يدير الكية،
(6) وقيل معناه: من فساد أمورنا بعد صلاحها. وقيل معناه: نعوذ بالله من الخروج عن الجماعة بعد الكور، أى بعد أن كنا فى الكور، أى الجماعة.
(7) معين، على النقص، ومعيون، على التمام.(2/6)
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد يضر الغبط. كما يضر العضاه الخبط». (1) والعين: المتجسس للخبر. ويقال: بلد قليل العين، أى قليل النّاس. والعين: عين الماء. والعين: مطر يدوم خمسة أو ستّة لا يقلع.
والعين: عين الشمس. والعين: المال الناضّ (2). والعين: نفس الشيء. والعين الميل فى الميزان (3). والعين: عين الركية. والعين: الثقب فى المزادة.
وأنشد ثعلب:
* بذات لوث عينها فى جيدها * (4)
وأسود العين: جبل. قال الشاعر (5):
إذا زال عنكم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم
لئام وألائم، مثل كرام وأكارم. وعين الشيء: خياره. ويقال: لقيته أوّل عين، أى أوّل شيء.
__________
(1) الغبط: حسد خاص. وذلك اذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له وأن يدوم عليه ما هو فيه. والحسد: أن يكون لك ما له وأر يزول عنه ما هو فيه. فأراد عليه السلام أن الغبط لا يضر ضرر الحسد، وأن ما يلحق الغابط من الضرر الراجع الى نقصان الثواب دون الاحباط بقدر ما يلحق العضاه من خبط ورقها الّذي هو دون قطعها واستئصالها، ولأنه يعود بعد الخيط. والّذي فى الاصل: «قد تضر الغيظة كما تضر العضاه الخبطة». وما أثبتنا استئناسا بما فى ابن الأثير (غبط). والحديث فيه: «انه سئل: هل يضر الغبط. قال: لا الا كما يضر العضاه الخبط». وبمثل هذا جاء فى اللسان (غبط).
(2) الناض من المال: ما كان ذهبا أو فصة عينا أو ورقا.
(3) هو أن ترجح احدى كفتيه على الأخرى.
(4) البيت من ابيات ثلاثة جاءت غير منسوبة فى معانى الشعر للأشنانداني (ص 33) فى وصف القربة، وهى:
قالت سليمى قولة لريدها ... ما لا بن عمى مقبلا من شيدها
بذات لوث عينها فى جيدها
وذات لوث، أى معصوبة. وفى الأصل. «بذات لون».
(5) هو الفرزدق.(2/7)
* وقوله: «بعيدة عن رجم الظّنون، كأمثال الّلؤلؤ المكنون».
رجم الظنّ، الّذي لا يوقف على حقيقته. والرّجم أيضا: الشتم. والشيطان الرّجيم: البعيد عن رحمة الله. والمكنون: المصون ومنه: كنانة النّبل، لأنها تصونها. والكانون: الثقيل الملازم فى المجلس. قال الحطئية بهجو أمه:
أغر بالا إذا استودعت سرّا ... وكانونا على المتحدّثينا
* قوله: «بيض الغرر والتّرائب، سود الطّرر والذّوائب»
الغرر هاهنا: الوجوه، وهو جمع غرة، وغرة كل شيء: أوله وأكرمه.
والأغر: الأبيض. والغرر: ثلاث ليال من أوّل الشهر. وأمّا قول النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم: «فى الجنين غرة: عبد أو أمة». فإنّه عبّر عن الجسم كله بالغرّة (1). والغرة: البياض فى الجبهة فوق الدرهم وجمع دلك كله غرر. والغرار:
النّوم القليل. والغرار: المثال الّذي تطيع عليه نصال السهام وغيرها. والغرار، فى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا غرار فى الصّلاة» (2) هو ألّا يتم
__________
(1) الرواية فى ابن الأثير: «انه جعل فى الحنين غرة: عبدا أو أمة». وقال:
«وجاء فى بعض روايات الحديث: بغرة: عبد أو أمة». وقال فى شرحه: «الغرة: العبد نفسه أو الأمة. وأصل الغرة: البياض الّذي يكون فى وجه الفرس. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الغرة: عبد أبيض أو أمة بيضاء، وسمى غرة لبياضه. فلا يقبل فى الدية عبد أسود ولا جارية سوداء. وليس ذلك شرطا عند الفقهاء. وانما الغرة عندهم ما بلغ تمنه نصف عشر الدية من العبيد والاماء. وانما نجب الغرة فى الجنين اذا سقط مينا، فان سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة»
(2) الّذي فى النهاية (غرر): «لا غرار فى صلاة ولا تسليم». وفيها: «ويريد بغرار الصلاة: نقصان هيئتها وأركانها. وغرار التسليم: أن يقول المجيب: وعليك ولا يقول السلام. وقيل أراد بالغرار: النوم. والتسليم، يروى بالنصب والجر، فمن جر كان معطوفا على الغرار، ويكون المعنى: لا نقص ولا تسليم فى الصلاة، لأن الكلام فى الصلاة بغير كلامها لا يجوز».(2/8)
ركوعها وسجودها. والغرار: حدّ السّيف والشفرة وغيرهما. والغرير: الخلق الحسن يقال للشيخ: أدبر غريره، وأقبل هريرة. (1) والترائب: جمع تريبة، وهى عظام الصّدر. والتريب أيضا: الصدر. قال الراجز، الأغلب العجلى:
أشرف ثدياها على التّريب ... لم يعدوا التّفليك فى النّتوب (2)
وطرة الشّعر معروفه، وكذلك طرة الثوب. وطرّ النبت، إذا اهتز ومن ذلك يقال: طرّ شارب الغلام، فهو طارّ (3). والرجل الطّرير: ذو الهيئة. قال ابن مالك معوّد الحكماء (4):
ويعجبك الطّرير فتبتليه ... فيخلف ظنّك الرّجل الطرير
والذّوائب: جمع ذؤابة، وذؤابة كل شيء: أعلاه وبذلك سمّيت الذؤابة.
* قوله: «مقرونة الحواجب، موشومة الرّواجب تفتر عن درر من الثّغور، ودرارىّ طالعة لا تغور».
القرن فى الحاجبين: اتصالهما، وهو مصدر: قرن (5). والّذي ليس بأقرن يسمّى الأبلد والأبلج، ومصدراهما (6) البلد والبلج، وهو الّذي بين حاجبيه
__________
(1) أى قد ساء خلقه.
(2) التفليك، من فلك الثدي، بالتضعيف، إذا استدار. والنتوب: النهود، وهو ارتفاعه.
(3) يقال: طر شاربه، بالبناء للفاعل، ويقال: طر شاربه، بالبناء للمفعول، والأول أفصح.
(4) كذا فى الأصل. وهو معاوية بن مالك. وسمى معود الحكماء لقوله:
أعود مثلها الحكماء بعدى ... اذا ما الحق فى الحدثان نابا
غير أن البيت؟؟؟ رواه ابن منظور فى اللسان (طرر) منسوبا للعباس بن مرداس، وقيل للمتلمس.
(5) فى الأصل: «اتصالهما وهو مصدر الأقرن». ظاهر أنه صوابه ما أثبتنا. وفيما سيأتي مثله.
(6) فى الأصل: «ومصدره».(2/9)
فرجة لا شعر فيها تسمى البلدة (1). وبذلك سميت البلدة من منازل القمر، لأنها لا نجوم فيها (2). والقران: الحبل الّذي يقرن به شيئان، أى يوصل بينهما.
والقرن: الجبل أيضا. قال الشاعر:
أبلغ أبا مسمع إن كنت لاقيه ... أنّى لدى الباب كالمشدود فى قرن
والقران أيضا: أن يجمع بين تمرتين عند الأكل، ومنه: قران الحج بالعمرة. والمقرن: المطيق للشيء، ومنه قوله تعالى: {(وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ)}.
ووشم اليد: نقشها، (3) وهو أن تغرز بالإبرة ثم يذر عليها النّئور، وهو دخان الفتيلة. وكنى بالوشم عن الكتابة فى هذا الموضع. والرواجب: مفاصل الأصابع كلّها، وهى جمع راجبة. تفتر، أى تبسم. والدّرر: جمع درّة.
والدّراري: جمع درىّ، وهو الكوكب الثاقب المضيء، شبّه بالدرة المضيئة.
تغور، أى تغيب يقال: غارت الشمس تغور غيارا. قال أبو ذؤيب.
هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلّا طلوع الشمس ثم غيارها
أى مغيبها. وغار الماء يغور غورا (4). ومنه قوله تعالى: {(إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً)} أى غائرا، أقام المصدر مقام اسم الفاعل، كقولهم: جاء القوم ركضا، أى راكضين. وغارت عينه تغور غورا. قال العجّاج:
__________
(1) البلدة، بالفتح والضم.
(2) البلدة: من منازل القمر، بين النعائم وسعد الذابح، خلاء الا من كواكب صغار.
وقيل لا نجوم فيها؟؟؟.
(3) الفتيلة: الذبالة. وعبارة كتب اللغة: «والنئور: دخان الشحم».
(4) وغئورا، أيضا.(2/10)
كأن عينيه من الغئور ... قلتان أو حوجلتا قارور (1)
الحوجلة: قارورة صغيرة واسعة الرأس. والغور: تهامة يقال: غار الرجل وأغار (2)، إذا أتى الغور. قال الشاعر يصف الخيل:
تغور زمانا ثم تبدو قد اكتست ... من المال جلّات العشار القناعس
ويروى: «وتعرى زمانا (3)». وقال آخر:
ليت شعرى ما أماتهم ... نحن أنجدنا (4) وهم غاروا
وغور كل شيء: قعره. وأغار الرجل على العدا إغارة. والاسم الغارة.
* قوله: «عواطل من الحلىّ، لا تعرف عدوّا من ولى يخلو بها ذو الرّيب، وهى بريئة الجيب، من التهمة والعيب».
يقال: امرأة عاطل، إذا كانت غير حالية. والرّيب: الشك يقال. دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. (5) وريب المنون: حوادث الدهر. ومنه قوله تعالى:
{(نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)}. وأراب الرجل، إذا صار ذا ريبة. ورابنى، إذا أدخل عليّ شكا وخوفا. والرّيب: الحاجة. قال كعب بن مالك الأنصارىّ:
__________
(1) القلت (باسكان اللام): النقرة فى للجبل تمسك الماء، وقد أنشد ابن منظور البيت فى اللسان (حجل) منسوبا للعجاج ثم قال: «قال ابن يرى: الّذي فى رجز العجاج:
قلتان فى لحدى صفا مقور ... صفران أو حوجلتا قارور»
(2) وقيدها ابن منظور بأنها لغة قليلة. وزاد «التغوير».
(3) من المال، بيان لجلات بعده. والجلات: الكبار المسان من الابل. والقناعس:
الضخام العظام. والبيت كما يبدو فى وصف ابل لا خيل.
(4) أنجدنا، أى أتينا نجدا. وفى الأصل: «أولجنا». وما أثبتنا من هامش الأصل.
وقد أشير فى هامشه أيضا إلى أن الرواية كانت «وهم فاتوا» فأبدلها «وهم غاروا».
(5) يروى بفتح الياء وضمها.(2/11)
قضينا من تهامة كل ريب ... وخير ثم أجممنا السّيوفا (1)
* قوله: «لم تطمث بأنس ولا جان، ولا استترت عن الأبصار بالبراقع ولا المجان».
الطّمث: الجماع، مصدر طمث الرجل زوجته يطمثها، فهو طامث، إذا جامعها ويقال. إذا افتضها. ومنه قوله تعالى: {(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلََا جَانٌّ)}. والطامث أيضا: الحائض. والطّمث: المس، فى كل شيء يمسّ.
قال: ويقال: ما طمث هذا المرتع قبلنا أحد. قال: وكل شيء يطمث. قال الخليل: طمثت البعير طمثا، إذا عقلته. ويقال: ما طمث هذه الناقة حبل قط، أى ما مسّها. والطّمث أيضا: الدنس.
والمجنّ. ما يسترك، وسمى الترس مجنا لستر صاحبه، واختصّ بذلك لكثرة الاستعمال. والجنة: ما استترت به من السلاح ومنه قوله تعالى:
{(فَلَمََّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)} أى ستره بالظلام. يقال: جنّ الليل جنونا وجنانا. قال خفاف بن ندبة (2):
ولولا جنان اللّيل أدرك ركضنا
بذى الرّمث والأرطى عياض بن ناشب (3)
__________
(1) أجممنا: أرحنا.
(2) ويروى البيت أيضا لدريد بن الصمة. انظر اللسان (جنن) ومعجم البلدان (فى رسم الرمث).
(3) ويروى: «ولولا جنون». والرواية فى اللسان (خيلنا) مكان (ركضنا). والرمث:
مرعى من مراعى الابل، وهو من الحمض. وذو الرمث: وادلبنى أسد. والأرطى: شجر من شجر الرمل. وعياض بن ناشب، فزارى. والّذي فى الأصل: «بن ثابت» تحريف. وبعد هذا البيت:
قتلنا يعبد الله خير لدانه ... ذئاب بن أسماء بن بدرين قارب(2/12)
والجنين: الولد فى بطن أمه. والجنين أيضا: المقبور. والجنان: القلب.
واشتقاق ذلك كله من الستر والتّغطية. وسميت الجنّ جنّا لاستتارهم.
* قوله: «لا تجزى المحبّ بنفار، ولا تحرّم بنكاح على الكفار تحلّ بعد ثلاث من الطّلاق، بمساس وتلاق لا تنشز من بعل، وإن وطئها بالنّعل مقعدة تسير فى بعد وقرب، صائمة عن الأكل والشرب».
النفار: التباعد، وكذلك النّفور. لا تنشز، يقال: نشزت المرأة على بعلها نشوزا (1)، إذا عصته. ونشز بعلها عليها: ضربها وجفاها. والنّشز: (2)
المكان المرتفع. والنّشز: الارتفاع. والبعل: الزوج. والبعل: الرب. والبعل:
الصاحب. يقال منه: بعل يبعل، إذا صار بعلا. قال الشاعر:
* يا ربّ بعل ساء ما كان بعل *
والبعل: صنم كان يعبد. ومنه قوله تعالى. (أتدعون بعلا). والبعل:
ما يشرب بعروقه من الأرض بغير سقى. وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما شرب بعلا». والبعل (3): الأرض المرتفعة لا يصيبها مطر [إلا مرّة واحدة فى السنّة]. (4) والبعال: ملاعبة الرجل أهله. وفى الحديث: «إنّها أيام أكل وشرب وبعال». يعنى أيام التشريق.
__________
(1) يقال: نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها. والمضارع منه بكسر العين وضمها.
(2) النشر، بالفتح والتحريك.
(3) لفظ الحديث كما فى النهاية واللسان (بعل) «ما سقى بعلا ففيه العشر».
(4) التكملة من كتب اللغة.(2/13)
* قوله: «ممنوعة عن اللذات، نقيّة العرض والذات لا تغسل من درن، ولا توصف بكسل ولا أرن تنطق بصموت، وتحيا بعد أن تموت يسمع نطقها بالعين، لا تلفظ بلسان ولا بشفتين».
والعرض: النّفس. والعرض: الحسب. ويقال: بل العرض: كل موضع يعرق من الجسد. ويقال: بل العرض: الجسد (1)، والريح طيّبة كانت أو خبيثة.
والدّرن. الوسخ. والدّرين: الحولىّ من النبات اليبيس. والإدرون: (2)
الأصل. ودرينة. اسم للأحمق.
والأرن والإران: النّشاط فى الخيل وغيرها. والإران: النعش يحمل عليه الموتى.
* قوله: «تضحك وتبكى السّامر والضجيع، بنظام حسن وتسجيع».
والسامر، واحد السّمّار. والسّامر أيضا: القوم يسمرون. قال الحارث الجرهمي (3):
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر (4)
بلى نحن كنّا أهلها فأزالتا (5) ... صروف الليالى والجدود العواثر
__________
(1) فى الأصل: «الجلد». والتصويب من كتب اللغة.
(2) الادرون، بالكسر، ومنه شعر القلاخ:
ومثل عتاب رددناه إلى ... ادرونه ولؤم أصه على
الرغم موطوء الحصى مذللا
(3) هو الحارث بن عمرو بن مضاض الجرهمى، وهذا الشعر كما ينسب إليه ينسب إلى أبيه مضاض أيضا. (انظر السيرة لابن هشام والأغاني ومعجم البلدان فى رسم حجون).
(4) الحجون (بفتح الحاء): جبل بأعلى مكة.
(5) فى الأغانى ومعجم البلدان: «فأبادنا».(2/14)
والسّامر: المكان يجتمع فيه للسمر. قال:
* وسامر طال لهم فيه السّمر * (1)
والسّمر: فعل السّامر. والسّمر أيضا: سواد اللّيل.
والضجيع: المضاجع. والنّظام: الشّعر، شبه بنظام الدر والخرز، وهو ما نظم بعض إلى بعضه، أى جمع بخيط، وذلك الخيط يسمى السلك.
والسّجع من الكلام: ما كان له قواف كقوافى الشّعر.
* قوله: «تخبر عن جديس وطسم، وما عفا من أثر ورسم حبّهنّ دين، وهواهن فرض على الموحّدين».
جديس وطسم: هما أمتان عظيمتان من الأمم الماضية انقرضوا فلا بقية لهم.
وجديس، أخو ثمود. وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح. وطسم، ابن لاوذ بن سام بن نوح. وكانت طسم وجديس يسكنون اليمامة، وكان لهم ملك من طسم سيئ السيرة، وكانوا لا يزوجون امرأة من جديس الا بعث إليها ليلة زفافها فافترعها قبل زوجها. فوثبت جديس على ذلك الملك فى غرّة فقتلوه، وقتلوا معه من طسم مقتلة عظيمة. فمضى رجل من طسم إلى حسان بن أسعد تبّع ابن كلى كرب (2) بن تبّع الأكبر بن تبّع الأقرن بن شمّر يرعش بن إفريقيش ابن أبرهة ذى المنار بن الحارث الرائش الحميرىّ يستصرخه. فوجّه معه جيشا إلى اليمامة، وكانت اليمامة تسمى يومئذ جوّ، وكانت بها امرأة اسمها اليمامة، وهى الزرقاء، وكانت تبصر الراكب من مسيرة أيام. وباسمها سمّيت جوّ اليمامة.
__________
(1) فى اللسان (سمر): * وسامر طال فيه اللهو والسمر *
(2) فى الاصل: «ملككرب» انظر السيرة لابن هشام (1: 20) طبعة الحلبي.(2/15)
فلما خافوا أن تبصرهم فتنذر بهم قطعوا الشجر، وجعل كلّ رجل من الجيش بين يديه شجرة. فنظرت اليمامة فقالت: يا معشر جديس. لقد جاءتكم حميّر أو سار إليكم الشجر. فقالوا ما ترين؟ فقالت: أرى فى الشجر رجلا معه كتف يأكلها أو نعل يخصفها، فكذّبوها. فصبّحتهم حمير فقتلتهم وأفنتهم. وقد ذكرت ذلك الشعراء. قال الأعشى:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... يوما ولا كذب الذّئبيّ إذ سجعا (1)
قالت أرى رجلا فى كفّه كتف ... أو يخصف النعل لهفى أيّة صنعا
فكذبوها بما قالت فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجى السّم والسّلعا (2)
فاستزلوا أهل جوّ من مساكنهم (3) ... وهدّموا يافع (4) البنيان فاتّضعا
«وما عفى من الخ». يقال: عفا المنزل يعفو عفاء، أى درس، وعفته الريج أيضا، عفاء، أى درسته، يتعدى ولا يتعدّى.
وأثر الشيء. بقيته. والرسم: الأثر. وترسمت الدار، نظرت إلى رسومها.
قال ذو الرّمة:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم (5)
والرّسيم: ضرب من سير الابل. وناقة رسوم: تؤثر فى الأرض من شدة
__________
(1) يريد بذات الأشفار: زرقاء اليمامة. والذئبى، هو سطيح الكاهن، واسم سطيح: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب. والرواية فى ديوان الأعشى: «حقا كما صدق» مكان «يوما ولا كذب»
(2) السلع: سم. والرواية في الديوان: «يزجى الموت والشرعا». والشرع:
الأوتار، الواحدة شرعة.
(3) فى الديوان: «فى مساكنهم»
(4) فى الديوان: «شاخص».
(5) خرفاء: موضع(2/16)
الوطء. والرّوسم: الرّسم. والرّوسم: واحد الرّواسيم، وهى كتب كانت فى الجاهلية قال ذوا الرمة:
من دمنة هيّجت شوقى معا لمها ... كأنّها بالهدملات الرّواسيم (1)
* قوله: «وحديقة الأدب التى لا تهيج، وتربته التى أنبتت من كل زوج بهيج وسيمة الأزهار، جارية الأنهار غصونها دانية، وعيونها غير آنية».
الحديقة: واحدة الحدائق، وهى أرض ذات شجر، سميت حديقة لأن النبات محدق بها، أى مدير. ويقال: هاج النبت هياجا وهيجا، إذا اصفرّ ويبس. وأرض هائجة، إذا يبس بقلها ومنه قوله تعالى: {(ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرََاهُ مُصْفَرًّا)}. يقال: هاجت الحرب هيجانا.
والبهيج: الحسن. والبهجة الحسن. والوسيمة: الحسنة. والآنية: الحارّة التى انتهى حرّها ومنه قوله تعالى: {(يَطُوفُونَ بَيْنَهََا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)}.
* قوله: «لا خبت أنوارك، ولا ذبل نوّارك لأنت جنة العدن، الحقيقة بالسّدن نحيّيك من بعد بالجنان، ونشير بأطراف البنان».
يقال: خبت النار، إذا طفئت، وكذلك السراج. ويقال: ذبل البقل ذبولا، وذبلا إذا يبس. والنّوار والنّور، جميعا: الزهر. والعدن: الإقامة.
يقال: عدن بالمكان يعدن، إذا أقام به ومنه قوله تعالى: {(جَنََّاتِ عَدْنٍ)}.
والسّدن: الخدمة، وكذلك السّدانة ومنه: سدانة الكعبة. «نحييك» أى ندعو لك بدوام التحية. والتحية: الملك. قال زهير بن جناب الكلبى (2):
__________
(1) الهدملات: رمال معروفة بناحية الدهناء. والرواية فى اللسان (رسم) والديوان:
«ودمنة».
(2) فى الأصل: «زهير بن جنان الكلابى» تحريف. (انظر اللسان حيا). وكان زهير سيد كلب فى زمانه، كثير الغارات. وعمر عمرا طويلا. وهذا الشعر قاله لما حضرته الوفاة، وأوله:
أبني إن أهلك فانى قد بنيت لكم بنيه(2/17)
وتركتكم أولاد سا ... دات زنادكم وريّه
ولكلّ ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
ومعنى قول القائل: حيّاك الله، أى ملّكك
* قوله: «هل أتاك نبأ النّار المؤنسة، فى الأرض المقدّسة بجانب القصر المشيد. وجناب الملك الرشيد نار سؤدد رفعت للنّواظر وهديت بها البوادى والحواضر جاهلها فى النّاس مليم، وفاز من هولها كليم مضرمة للولىّ بلهب من ذهب، وللعدوّ بهلاك (1) ورهّب أجّجت بأعواد الكرم لا الكروم، وأرجت بطيّب الأغصان والأروم تخضرّ بقربها الغرائس، ويترب المفتقر البائس يعوذ بها الأوّاه المنيب، ويلوذ اللّاصق والجنيب بورك من فى النّار وعلى علو ذلك المنار».
المؤنسة: المنظورة ومنه قوله تعالى: {(آنَسَ مِنْ جََانِبِ الطُّورِ نََاراً)}، أىّ رأى. الهذلى (2):
وإنّي إذا ما الصّبح آنست ضوءه ... يعادونى قطع عليّ ثقيل (3)
المقدّسة: المطهّرة ومنه: روح القدس. والمشيد: البناء (4).
والسؤدد: الرئاسة. والمليم. الّذي يأتى ما يلام عليه ومنه قوله تعالى:
__________
(1) فى التيمورية: «يهلك».
(2) هو أبو خراش الهذلى.
(3) القطع (بالضم): البهر. والرواية فى اللسان (قطع): «قطع جواه طويل».
(4) كذا بالأصل. والّذي فى كتب اللغة: «الشيد، بالكسر: كل ما طلى به الحائط من جص أو بلاط وبالفتح: المصدر. تقول: شاده يشيده شيدا: جصصه. وبناء مشيد:
معمول بالشيد: وكل ما أحكم من البناء فقد شيد».(2/18)
{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}. والكليم: المكالم، وهو المراجع فى الكلام.
ومنه قيل لموسى: كليم الله. والكليم (1) أيضا: الجريح. والكلم. الجرح، وجمعه كلوم وكلام. قال أبو بكر بن أبى قحافة يرثى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم:
أجدّك ما لعينك لا تنام ... كأن جفونها فيها كلام
والرّهب: الرّهبة وهو الرّهب أيضا ومنه قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنََاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}. والرّهب: البعير المهزول (2): والرّهب أيضا: الرّغبة.
والرّهب. النّصل الرّقيق. والرّهابة (3): عظم فى الصّدور مشرف على البطن مثل اللسان. والتّرهّب: التعبد ومنه اشتقاق الرّهبان. والإرهاب: قدع الإبل عن الحوض وذيادها. أجّجت، أى أوقدت. وأرّجت، يقال: أرج الطّيب يأرج أرجا، إذا فاح. والأروم والأرومة: الأصل. ويترب المفتقر، يقال:
أترب الرجل، إذا استغنى (4). وترب، إذا افتقر ومنه قولهم: تربت يداك.
أى افتقرت. فأما قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذََا مَتْرَبَةٍ} فإنما هو لاصق بالتراب.
والبائس: المحتاج ومنه قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبََائِسَ الْفَقِيرَ}. يقال منه:
بئس الرجل يبأس بؤسا، إذا اشتدّت حاجته، والأواه: كثير الدعاء. وقال قوم: الفقيه. وقال قوم: المؤمن. والمنيب: المقبل إلى الله التائب. ومنه قوله تعالى: {وَخَرَّ رََاكِعاً وَأَنََابَ}.
والجنيب: البعيد يقال منه: جنب يجنب جنابة، فهو جانب (5).
__________
(1) يقال بالفتح والضم. وبهذه الروايات الثلاث قرئت الآية الكريمة. (انظر تفسير أبى حيان).
(2) وقيل: هو الجمل العريض العظام المشبوح الخلق.
(3) الرهابة، بالضم والفتح.
(4) المعروف أن «أثرب» من الأضداد يقال: أثرب الرجل، إذا قال ماله وكثر، وكذلك ثرب، بالتضعيف.
(5) الجانب: الغريب، أيضا. والفعل منه من باب نصر وضرب.(2/19)
والجنب: أن يشتدّ عطش البعير حتى تلصق رئته بجنبه. قال ذو الرمة يصف نافته ويشبّهها بحمار وحش.
وثب المسجّح من عانات معقلة ... كأنه مستبان الشّك أو جنب (1)
ورجل جنب، أى قريب، ومنه قوله تعالى: {وَالْجََارِ الْجُنُبِ}. ويقال:
قعد فلان جنبة، إذا اعتزل النّاس. قال الرّاعى:
أخليد إن أباك ضاق وساده ... همّان باتا جنبة ودخيلا (2)
والجنبة: نبت (3) يقال: مطرنا مطرا كثرت منه الجنبة.
بورك، البركة: الخير يقال: بارك الله فيك، وبارك عليك، وبارك لك، وباركك. ومعنى قول القائل: تبارك الله، أى تعالى.
والمنار: علم الطّريق. وذو المنار: ملك من ملوك اليمن، سمى بذلك لأنه أول من بثّ (4) الأعلام فى الطريق ليهتدوا بها، (5)
وهو أبرهه ذو المنار بن الحارث الرّائش (6) بن شدّاد بن
__________
(1) المسجح: المعضض. والعانات: جمع عانة، وهى القطيع من حمر الوحش. ومعقلة:
موضع بالدهناء. والشك: الظلع الخفيف. والجنب: الّذي يشتكى جنبه من شدة العطش.
(2) أراد: هما داخل القلب، وآخر قريبا من ذلك، كالضيف إذا حل بالقوم فأدخلوه، فهو دخيل، وإن حل بفنائهم فهو جنبة. والّذي فى الأصل: «همان ذاتا جنبة ودخيلا».
والتصويب من اللسان (دخل).
(3) هو ما كان بين البقل والشجر، وهما مما يبقى أصله فى الشتاء ويبيد فرء.
(4) فى الأصل: «بعث». وظاهر أنه محرف عما أثبتنا.
(5) قيل إنه غزا غزوا بعيدا فكان يبنى على طريقه المنار ليستدل به إذا رجع. (انظر السيرة لابن هشام، طبعة الحلبى 1: 20)
(6) فى الأصل: «ابن الرائش» والتصويب من السيرة وشرح القصيدة الحميرية المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية برقم 1309تاريخ. والرائش كما فى السيرة، هو ابن عدى بن صيفى بن سبأ الأصغر بن كعب، كهف الظلم، بن قيس بن معاوية بن جثم بن عبد شمس، إلى آخر النسب كما هنا، غير أنه أسقط «قطن» بين الغوث وجيدان.(2/20)
الملظاظ (1) بن عمرو بن ذى أبين (2) بن ذى يقدم بن الصوّار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع ابن حمير الأكبر.
* قوله: «إنّى وإن غدوت وألين عليّ جان، وضربت من الدّهر بصولجان ضرب كرة بين الحزاور، ولفظة ينطق بها كل محاور بحفظ الغيب لجدير، وعلى هدية الشكر لقدير، لسيّد مطاع، أصبح لببت الشّرف كالسّطاع».
الصّولجان: العود الّذي تضرب به الكرة. والحزاور: الغلمان جمع حزور، وهو الغلام المترعرع. والمحاورة: المجاوبة. والغيب: المغيب يقال:
غاب غيبا ومغيبا، مثل سار سيرا ومسيرا، كل ذلك بمعنى. والغيب: المطمئن من الأرض. قال لبيد:
وتسمّعت رزّ الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها (3)
والغيب. ما غاب من أمر الله عز وجل عن عباده. ومنه قوله تعالى {(يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)}. ويقال: إن فلانا بكذا وكذا لجدير وحقيق وحرىّ وقمين وخليق، كل ذلك بمعنى. السّطاع: عمود البيت. قال القطامىّ:
أليسوا بالألى قسطوا قديما ... على النّعمان وابتدروا السّطاعا (4)
* قوله: «وصنائعه فى كل جناب، كالأوتاد له والأطناب لا يفتأ من صيانة حسب، غير مؤتشب، بإهانة ما اكتسب».
__________
(1) فى الأصل: «الملطاط». وما أثبتنا من شرح القصيدة الحميرية.
(2) ويقال: «ذو أنس». انظر شرح القصيدة الحميرية.
(3) الرز: الصوت الخفى. وسقامها، أى هلاكها. والبيت من معلقته.
(4) يريد قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند وذلك أنهم دخلوا على النعمان قبته. وفى الأصل: «قسطوا وجاروا». وما أثبتنا من اللسان (سطع) والديوان.(2/21)
الجناب: الفناء. والأطناب: جمع طنب (1)، وهى الحبال التى يشد بها البيت. والإطنابة: سير فى طرف الوتر تشدّ به (2) القوس العربيّة. والإطنابة:
المظلّة. والإطناب فى الكلام: المبالغة فيه.
لا يفتأ، أى لا يزال. وحسب الرّجل: شرفه ومآثره ويقال: حسبى الشّيء، أى كفانى. والحسب: الكفاية. والحسبان: العذاب ومنه قوله تعالى {حُسْبََاناً مِنَ السَّمََاءِ}. والحسبان: الحساب ومنه قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبََانٍ}. والحسبان: سهام صغار يرمى بها عن القسىّ الفارسيّة، الواحدة حسبانه. قال أبو زياد الكلابىّ (3): أصاب الأرض حسبان، أى جراد.
والحسبان، بكسر الحاء: الظن. والحسبانة: الوسادة الصّغيرة. قال الشاعر:
غداة ثوى فى اللّحد غير محسّب (4)
أى غير موسّد. والمحسّب: الموسّد. قال ابن الأعرابى: المحسّب:
المكفّن. والاحسب: الّذي ابيضت جلدته من داء أصابه ففسدت شعرته كأنه أبرص. قال امرؤ القيس بن مالك الحميرىّ:
أيا هند لا تنكحى بوهة ... عليه عقيقته أحسبا
يصفه باللؤم والشح، يقول: كأنّه لم تحلق عقيقته فى صغره حتى شاخ.
والعقيقة: شعر المولود الّذي يولد وهو عليه. والبوهة: طائر مثل البومة، يشبّه به الأحمق.
__________
(1) الطنب، بالضم وبضمتين.
(2) فى الأصل «بها». والعبارة فى اللسان (طنب): «والطنب والاطنابة، جميعا:
سير يوصل بوتر القوس العربية ثم يدار على كظرها».
(3) فى الأصل: «الكلبى». تحريف. وانظر اللسان (1: 207)
(4) الرواية فى اللسان (حسب): «فى الرمل» مكان «فى اللحد». وفيه بعد العشر: «أى غير مدفون، وقيل غير مكفن ولا مكرم، وقيل غير موسد. والأول أحسن».(2/22)
والمؤتشب: الّذي هو غير خالص النّسب. والإشابة. الأخلاط من الناس.
قال الذّبيانىّ:
وثقت له بالنّصر إذ قيل قد غزت
قبائل من غسّان غير أشائب
وتأشّب القوم، إذا اختلطوا. ويقال: أشبه يأشبه أشبا، إذا لامه وعابه.
قال أبو ذؤيب:
ويأشبنى فيها الذين يلونها ... ولو علموا لم يأشبونى بطائل (1)
بطائل، أى بفضل. أى لو علموا أنها لا تولينى إلّا شيئا يسيرا، كالنظرة والكلمة، لم يأشبونى بطائل، أى بأمر طائل.
* قوله: «من وفر ونشب».
النّشب: المال. قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
* قوله: «حكم بالعدل مقسط، ولدوحة الشّرف متوسّط بين والد نشب، ومغرس كرم نامى العشب، وطرف من الأخوّة والأولاد منجب، وشرف عالى العماد مرجب، فهو كعبة للثناء، سامية البناء تضيق بقاصدها الفجاج، ويفى بحمدها الحجّاج، ما صفرت يد القابض، ولا رمى الظنّ بنكس حابض».
المقسط: العادل. والقاسط: الجائر يقال: أقسط، إذا عدل، وقسط، إذا جار ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. وقوله تعالى:
{أَمَّا الْقََاسِطُونَ فَكََانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}. قال ابن وكيع:
__________
(1) فى الصحاح: «بباطل».(2/23)
أمنك للدّهر غلط ... أقسط يوما أو قسط
والدوحة: الشجرة العظيمة وجمعها: دوح. قال امرؤ القيس:
فأضحى يسحّ الماء من كل فيقة
تكبّ على الأذقان دوح الكنهبل (1)
الكنهبل، بفتح الباء وضمها: ضرب من الشجر، والنون زائدة.
مشب، يقال: أشبى الرجل يشبى إشباء فهو مشب، إذا كان أولاده كراما.
قال ذوا الإصبع:
وهم إن (2) ولدوا أشبوا ... بسرّ النّسب (3) المحض
«طرف» طرف الرجل: أقاربه. قال الشاعر (4):
وكيف بأطرافى إذا ما شتمتنى ... وما بعد شتم الوالدين صلوح
ويقال: ما يدرى فلان أىّ طرفيه أطول. المراد بذلك نسب أبيه وأمه.
ومعنى: أطول، أى أشرف. وقيل فى قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنََّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهََا مِنْ أَطْرََافِهََا}. إنّ الأطراف هاهنا: العلماء. قال الشاعر:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها ... وإن يمت عالم منها يمت طرف
والنجيب من الرجال: الكريم، وجمعه نجباء، ومصدره نجابة. يقال: نجب
__________
(1) الفيقة: ما بين الحليتين. والرواية: «حول كنيفة». وكنيفة: اسم أرض.
(2) فى الأصل: «من». وما أثبتنا من اللسان (شبى).
(3) فى اللسان: «الحسب».
(4) هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. (انظر اللسان: طرف).(2/24)
الرجل، إذا صار نجيبا وأنجب، إذا ولد ولدا نجيبا.
والمرجب (1): المعظّم. ومنه: اشتقاق رجب، لأنهم كانوا يعظّمونه. وترجيب الشّجرة: أن تدعم إذا كثر حملها لئلا تنكسر أغصانها. قال حباب بن المنذر يوم السقيفة لقريش. أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب. منا أمير ومنكم أمير.
الصفر (2): الخالى يقال: صفرت يداه، إذا افتقر. ويقال فى الشتم:
ماله صفر إناؤه، أى هلكت ماشيته. والصّفر. حية تكون فى البطن تصيب الماشية والناس، يقال منها: رجل مصفور. قال الأعشى (3) يرثى المنتشرين وهب: (5)
لا يتأرّى (4) لما فى القدر يرقبه ... ولا يزال أمام القوم يفتقر
لا يغمز السّاق من أين ولا وصب (6)
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
والنّكس: السهم الّذي انكسر فوقه فنكّس وجعل أعلاه أسفله.
والنّكس: الرجل الضعيف. والحابض: السهم الّذي يقع بين يدى راميه.
والحبض: التحرك. يقال: ما به حبض ولا نبض، ويقال: حبض ماء الركية، إذا نقص. والمحابض: العيدان التى يشتار بها العسل.
* قوله «فحرس الله الحضرة المطهّرة بأزال، عن كلّ ما غيّر النّعم وأزال حتى تنخفض واجبات الأفعال، وتنطبق الشّفاه بمنطبق عال».
__________
(1) أرجب، ورجب، بالتضعيف، بمعنى.
(2) الصفر، مثلثة.
(3) هو أعشى باهلة عامر بن الحارث. (انظر الديوان واللسان صفر).
(4) ساق اللسان البيت الأول من هذين البيتين وقال: «قال أعشى ياهلة يرثي أخاه».
(5) يقال: تأرى بالمكان، إذا تحبس.
(6) فى الديوان: «نصب». وفيه عجز البيت الاول لصدر البيت الثاني، وعجز الثانى لصدر البيت الاول.(2/25)
أزال (1): اسم صنعاء مدينة اليمن، سميت باسم أزال بن قحطان، لأنه الّذي بناها، وقيل هو أزال بن يقطن. وسميت صنعاء بصنعاء بن أزال هذا. «الأفعال»، يعنى الماضية، وتسمّى الأفعال الماضية واجبة، والأفعال المستقبلة تالية.
«تنطبق الشّفاه» يعنى أن حروف الإطباق لا تخرج أبدا من الشّفة، فدعا للحضرة بالدّوام حتى تخرج الحروف المطبقة من مخرج حروف الشّفة، وذلك ما لا يكون أبدا. وحروف الشّفة ثلاثة: الفاء والباء والميم. والحروف المطبقة أربعة: الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء، وسميت مطبقة لانطباق اللّسان على ما حاذاه من الحنك الأعلى.
«بمطبق عال» لأنّ الحروف المطبقة من حروف الاستعلاء يجمعها قولك:
ضغط فظ خص. قال عبد الرّازق بن على النحوىّ (2) فى رسالته المسمّاة ب «إكسير الذهب»: إنه جمع هذا أبو بكر بن أشته البغدادىّ فى كتاب «المحبّر».
وما عدا حروف الاستعلاء فهو مستفل. ومعنى الاستعلاء صعود الصّوت إلى جهة من فوق الحنك.
* قوله «ويتولّد الإدغام بين متوسّط ذولقى. وآخر هابطىّ حلقى».
فالحروف الذّولقيّة ثلاثة: الرّاء واللّام والنّون. سميت ذو لقية لأن مخرجها من ذولق اللسان. وذولق اللسان: طرفه. والحروف الحلقيّة ستة: العين والغين والحاء والخاء والهاء والهمزة. والحروف الحلقيّة لا يتولّد بينها وبين الذّولقيّة إدغام أبدا. ومعنى الإدغام: أن يجعل حرفين فى الكلام حرفا واحدا مشدّدا.
__________
(1) أزال، بالفتح وروى بالكسر.
(2) هو عبد الرزاق بن على النحوى أبو القاسم. شاعر مولع بالطباق والتجنيس، والقوافى العويصة. والغالب عليه علم الشرائع. وعنده من الأصول والخلاف نصيب.
(انظر بغية الوعاة للسيوطى).(2/26)
ولا يصح الإدغام إلا لأحد وجهين، إما أن يلتقى حرفان من جنس واحد فتسكن الأوّل منهما وتدغمه فى الثانى، أى تدخله فيه، فيصيرا حرفا واحدا مشدّدا، نحو قولك: شدّ، ومدّ، وردّ، وما شاكل ذلك، هذا أحد وجهى الإدغام.
والوجه الآخر: أن يلتقى حرفان متقاربان فى المخرج، فتبدل الأول منهما من جنس الثانى وتدغمه فيه، كقولك: الرّجل والذّاهب، وما شاكل ذلك. فإذا أمرت من الأول كان لك وجهان: إن شئت أدغمت فقلت: مدّ، وشدّ، وردّ، وان شئت أظهرت فقلت: اشدد، وامدد، واردد. قال الأعشى (1):
وما عليك أن تقولى كلّما ... سبّحت أو صلّيت يا للهم ما
اردد علينا شيخنا مسلّما (2)
فإذا ثنّيت أو جمعت لم يجز الإظهار، تقول: شدّا، ومدّا، وردّا وشدّوا، ومدّوا، وردّوا ولا يجوز: اشددا وامددا، وارددا واشددوا، وامددوا، وارددوا. والحروف التى تدغم فيها لام المعرفة ثلاثة عشر حرفا، لا يجوز إظهارها معها لقرب مخرجها منها، وهى: النّون والدّال والذّال والتّاء والثّاء والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والزّاى والسّين والشّين والرّاء، كقولك:
الدّاعى، والنّاصر، والذّاكر، والتّائب، والصّاحب، وما شاكل ذلك.
* «فتلك حراسة تهرم الأزلم الجذع، ودوام لا أمد له ولا منقطع وأطال بقاءها حتى تدنوا لميم فى المخرج من العين، على تباين النّوعين إنّ بينهما
__________
(1) لم نجد هذا الرجز فى ديوان الأعشى. وهو من شواهد الخزانة (1: 359).
قال بعد إنشاده: «وهذا الرجز أيضا مما لا يعرف قائله. وزاد بعد هذا الكوفيون:
من حيثما وكيفما وأينما ... فاننا من خيره لن نعدما
(2) مسلما: اسم مفعول من السلامة وهذا الرجز من قول الأعشى:
تقول ابنتى حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم
فلعل المؤلف وهم لهذا ونسب هذا الرجز للأعشى.(2/27)
لأبعد بين بعد المشرقين من المغربين، وحاطها عن النّوائب، ومخشىّ الغير والشّوائب حتى تعود السّين وأخواتها التّسع من حروف الجهر، وليلة التّمام أول غرّة الشّهر أين الجهر من الهمس، ونصف عدّة المنازل من منزلة الشّمس».
الأزلم الجذع: الدّهر. قال لقيط بن يعمر (1) الإيادىّ، وكان كاتب كسرى:
يا قوم بيضتكم لا تفضحنّ بها ... إنى أخاف عليها الأزلم الجذعا (2)
جعل الملك كالدّهر فحذّر قومه سطوته. فقال: احفظوا جماعتكم.
«حتى تدنو» يريد: حتى يكون مخرج العين والميم واحدا، وذلك ما لا يكون أبدا، لأن مخرج العين أوّل مخارج حروف المعجمة من الحلق، والميم آخر الحروف مخرجا من الشّفة، وقد تقدّم ذكرها.
«تباين النّوعين» لأن الحروف الحلقيّة مباينة لحروف الشّفة. والبين:
البعد، فى هذا الموضع. والبين: الوصل، فى قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}.
وهذا الحرف من الأضداد. والبين، بالكسر: قطعة من الأرض قدر مدّ البصر.
قال ابن مقبل يخاطب الخيال:
من سرو حمير أبوال البغال به ... أنى تسدّيت وهنا ذلك البينا (3)
__________
(1) كان لقيط شاعرا جاهليا، واتصل بكسرى سابور ذى الأكتاف، فكان من كتابه والمطلعين على أسراره. وهذا البيت من قصيدته التى بعث بها إلى قومه ينذرهم بأن كسرى بعث جيشا لغزوهم. فسقط فى يد كسرى. فسخط عليه وقطع لسانه ثم قتله. والّذي فى الأصل: «معمر». تحريف.
(2) الّذي في اللسان: «بيضة القوم: وسطهم. وبيضة القوم: ساحتهم». ثم ساق بيت لقيط هذا، ثم قال: «يقول: احفظوا عقر داركم».
(3) السرو: ما ارتفع من الجبل عن موضع السيل وانحدر عن غلظ الجبل. وسرو حمير:(2/28)
«بعد المشرقين» يعنى مشرقى الشّمس ومغربيها حيث تنتهى عند الطّلوع والغروب فى الشّتاء والصّيف من جهة الجنوب والشمال فى المغرب والمشرق.
«الشّوب»: الخلط، ومنه قوله تعالى: {لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ}.
«من الهمس» فالحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك: «سكت فحثّه شخص». وما عدا الحروف المهموسة فهو مجهور، لأنّ الجهر ضدّ الهمس فى الكلام. والهمس: الصّوت الخفىّ. ومنه قوله تعالى:
{وَخَشَعَتِ الْأَصْوََاتُ لِلرَّحْمََنِ فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً}. وهمس الأقدام: أخفى ما يكون من صوتها عند المشى. والجهر: الإعلان بالشيء. ومنه قوله تعالى:
{وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا}. ورجل جهير الصّوت: عاليه. ورجل جهير بيّن الجهارة، أى ذو منظر. قال أبو النّجم:
وأرى البياض على النّساء جهارة ... والعتق أعرفه على الأدماء
وجهراء القوم: جماعتهم.
«ليلة التّمام»: ليلة يتم القمر فيها، وهى ليلة أربع عشرة. والغرر: ثلاث ليال من أول الشّهر. والشّمس والقمر يجتمعان عند آخر كل شهر وأوّله، وينتهى البعد ما بينهما ليلة الإبدار، وهى ليلة أربع عشرة.
«ونصف عدة المنازل» وذلك أنّ بينهما أربع عشرة منزلة، تميّز بينهما ليلة التمام، وذلك منتهى البعد بينهما. فاجتماعهما فى تلك اللّيلة لا يمكن.
ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلة، منها أربع عشرة منزلة شآمية، وهى
__________
النعف والخيف. وقيل: سرو حمير: محلتها. وتسدى الشيء: ركبه وعلاه.
ومن كسر التاء والكاف ذهب بالتأنيث إلى ابنة البكرى صاحبة الخيال. والتذكير أصوب. وقيل هذا البيت:
لم تسر ليلى ولم تطرق لحاجتها ... من أهل ريمان إلا حاجة فينا
وفى رواية: «بسرو حمير». (انظر اللسان: بين، سرو).(2/29)
النّاطح (1)، والبطين (2)، والثّريا (3)، والدّبران (4)، والهقعة (5)، والهنعة (6)
والذّراع (7)، والنّثرة (8)، والطّرف (9)، والجبهة (10)، والزّبرة (11)، والصّرفة (12)
والعوّاء (13) والسّماك (14).
ومنها أربع عشرة منزلة يمانية، وهى: الغفر (15)، والزّبانى (16)، والإكليل (17)
__________
(1) وكذا فى عجائب المخلوقات للقزوينى. ويسميان: قرني الحمل، والشرطين. والّذي فى الأصل: «النطح».
(2) البطين، على صيغة التصغير: ثلاثة كواكب صغار كأنها أثافى.
(3) الثريا، ويقال لها النجم: ستة أنجم فى خلالها أنجم كثيرة خفية.
(4) الدبران: كوكب أحمر منير يتلو الثريا، ويسمى نابع النجم. وسمى دبران لاستدباره الثريا.
(5) الهقعة: ثلاثة كواكب فوق منكبى الجوزاء كالأتافى، إذا طلعت مع الفجر اشتد حر الصيف.
(6) الهنعة: كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط فى المجرة، ويحيط بهما ثلاثة.
(7) الذراع، وهى ذراع الأسد المقبوضة، وللاسد ذراعان: مقبوضة ومبسوطة.
فالمبسوطة تلى اليمن، والمقبوضة تلى الشام.
(8) التترة: ثلاثة كواكب متقاربة، وهى أنف الاسد.
(9) الطرف: هو طرف الاسد، وهو كوكبان صغيران مثل الفرقدين.
(10) الجبهة: هى جبهة الاسد، وهى أربعة كواكب فيها عوج، بين كل كوكبين فى رأى العين قيد سوط.
(11) الزبرة. بالضم: زبرة الاسد، وكاهله، وهى كوكبان نيران بينهما قيد سوط.
(12) الصرفة، بالفتح: نجم واحد نير يتلو الزبرة، سمى لانصراف البدر بطلوعها.
(13) العواء: خمسة كواكب أو أربعة كانها ألف.
(14) السماك، هو السماك الاعزل، وأما السماك الرامح فلا ينزله القمر، والسماك الاعزل: كوكب أزهر، وانما سمى أعزل، لان الرامح عنده كوكب يقال له راية السماك، وأما الاعزل فلا شيء عنده.
(15) الغفر (بالفتح): ثلاثة أنجم صغار.
(16) الزبانى: هما زبانيا العقرب، أى قرناها، وهما كوكبان مفترقان بينهما فى رأى العين مقدار خمسة أذرع.
(17) الاكليل: هو رأس العقرب، وهو ثلاثة كواكب زاهرة مصطفة معترضة.(2/30)
والقلب (1)، والشّولة (2)، والنّعائم (3)، والبلدة (4)، وسعد الذّابح (5)
وسعد بلع (6)، وسعد السّعود (7)، وسعد الأخبية (8)، وفرع الدّلو (9) الأعلى والفرع الأسفل (10)، والحوت (11).
قال أبو إسحاق الزجّاج (12) فيما روى عنه أبو القاسم الزّجاجى (13) فى تفسير رسالة أدب الكتاب: فى شرح الأنواء: «السنة أربعة أجزاء. لكل ربع منها سبعة أنواء، كل نوء منها ثلاثة عشر يوما. ويزاد يوم لتكمل السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وهى مقدار ما تقطع الشمس به بروج الفلك كلها. فإذا نزلت
__________
(1) القلب، هو قلب العقرب، وهو الكوكب الأحمر وراء الاكليل بين كوكبين يقال لهما: النياط، وليسا على حمرته.
(2) الشولة: كوكبان متعاربان يكاد ان يماسان ذنب العقرب، وسميت شولة لارتفاعها.
(3) النعائم: ثمان كواكب على اثر الشولة، أربعة فى المجرة، وهى النعائم الواردة، وأربعة خارجة عنها، وهى النعائم الصادرة.
(4) البلدة: فضاء فى السماء لا كوكب بها، بين النعائم وبين سعد الذابح وليس فيه إلا نجم واحد خامد لا يكاد يرى. وهى ستة كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس.
(5) سعد الذابح. كوكبان غير نيرين بينهما في رأى العين قدر ذراع.
(6) سعد بلع: نجمان مستويان فى المجرّة. أحدهما خفى، وسمى الاكبر بالعا كأنه بلع الآخر الخفى وأخذ ضوءه.
(7) سعد السعود: ثلاثة كواكب أحدها نير والآخران دونه.
(8) سعد الأخبية: أربعة كواكب متقاربة، واحد منها فى وسطها، وهو مثل رجل بطة.
(9) فرع الدلو، أو الفرع الأول: أربعة كواكب واسعة مربعة، فاثنان منها هما الفرع الأول، واثنان منها هما الفرع المؤخر.
(10) انظر الحاشية السابقة.
(11) بطن الحوت: كواكب كثيرة فى مثل حلقة السمكة، وقسمى الرشاء أيضا. وهى معترضة، ذنبها نحو اليمن ورأسها نحو الشام.
(12) هو إبراهيم بن السرى بن سهل أبو إسحاق الزجاج. مات فى جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة عن سبعين سنة. (انظر بغية الوعاة).
(13) هو عبد الرحمن بن اسحاق، أبو القاسم الزجاجى صاحب الجمل، منسوب إلى شيخه إبراهيم الزجاج، أصله من حمير ونزل بغداد ولزم الزجاج حتى برع فى النحو، ثم سكن طبرية وأملى وحدث بدمشق عن الزجاج وغيره. وتوفى بطبرية فى رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وأنظر البغية.(2/31)
الشمس منزلة من هذه المنازل سترته، لأنها تستر ثلاثين درجة، خمس عشرة درجة خلفها، وخمس عشرة درجة أمامها، فاذا انتقلت عنه ظهر. فاذا اتفق أن يطلع (1) منزل من هذه المنازل، مع الغداة ويعرف رقيبه فذلك النوء، وهو مأخوذ من: ناء ينوء، إذا نهض متثاقلا. والعرب تجعل النوء للغارب (2)، لأنه ينهض للغروب متثاقلا، وعلى ذلك أكثر أشعارها. وبعض العرب يجعله للطّالع، وهذا هو مذهب المنجمين، لأنّ الطّالع له التأثير والقوة، والغارب لا قوة له.
هذه المنازل كلّها تقطع من المشرق إلى المغرب فى كل يوم وليلة مرّة (3)، وهو دور الفلك، ولكن التّوء لا ينسب (4) إلا إلى المنزل الّذي يظهر من تحت الشّعاع، ويتّفق طلوعه مع الغداة كما ذكرت لك. [ولا يتفق ذلك] لكل واحد منهما إلا مرة (5) فى السنة.
وأجزاء السنة الأربعة التى أراد الزّجاج: ربيع وصيف وخريف وشتاء.
فالربيع له سبع منازل، أولها طلوع مؤخر الدّلو بالغداة وآخرها طلوع الهقعة.
والصيف له سبع منازل، أولها الهنعة وآخرها الصّرفة. والخريف له سبع منازل، أولها العوّاء وآخرها الشولة. والشتاء له سبع منازل، أولها النّعائم وآخرها مقدم الدلو. وهذا رأى المنجمين. وبعض العرب تجعل الربيع لسقوط سبع منازل، فى أولها العوّاء، ثم على هذا الترتيب (6) والمنزلة ثلاثة عشر درجة وثلث درجة.
والبرج ثلاثون درجة.
__________
(1) كذا فى شرح أدب الكتاب للزجاجى (الورقة 17: 1). والّذي فى الأصل: «ينزل»
(2) كذا فى شرح أدب الكتاب. والّذي فى الاصل: «الغارب».
(3) فى الأصل: «كلها تطلع من المشرق فى كل يوم وليلة وتغرب فى المغرب». وما أثبتنا من شرح أدب الكتاب.
(4) فى الاصل: «ينسب». وما أثبتنا من شرح أدب الكتاب.
(5) التكملة من شرح أدب الكتاب.
(6) انظر شرح أدب الكتاب للزجاجى فبين القول هنا وهناك خلاف كثير.(2/32)
* قوله: «تضرع بالدّعاء إلى ربّ السّماء، وتوصّل بالأفعال والأسماء، وابتهال من أسير عان فى يد الزّمان، لا يطمع منه بسلامة ولا أمان منى بحال مثل تاء الأفعال فى الانقلاب والإبدال، مرّة بطاء ومرّة بدال».
فالتضرّع: التذلل. قال الفرّاء: التضرّع: طلب الحاجة والتّعرض لها.
والضّراعة: الذّلّ. والضّارع: النّحيل الجسم. من ذلك أن ابنى جعفر جيء بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ما لى أراهما ضار عين»؟
فقالوا: إن العين تسرع إليهما. فقال: «استرقوا لهما». والضّريع: سلع، وهو نبت مرّ. قال ابن عيزارة (1):
وحبسن فى هزم الضّريع فكلّها ... جدباء دامية اليدين حرود (2)
يذكر إبلا وسوء مرعاها. والضّريع. يبيس الشّبرق. قال الشاعر:
رعى الشّبرق الرّيّان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا نازعته النّحائض (3)
ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعََامٌ إِلََّا مِنْ ضَرِيعٍ}.
والربّ: المالك، والسماء، تجمع على سماوات. والسماء: كل ما علاك فأظلّك ومنه قيل لسقف البيت: سماء. والسماء: السحاب ومنه قوله تعالى:
{وَنَزَّلْنََا مِنَ السَّمََاءِ مََاءً مُبََارَكاً}. وهو مذكّر فى المعنى. قال معاوية بن مالك
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال النّمر بن تولب:
__________
(1) هو قيس بن عيزارة الهذلى. (انظر اللسان ضرع).
(2) هزم الضريع: ما تكسر منه. والحرود: التى لا تكاد تدر.
(3) النحائض: المكتنزات لحما. الواحدة: نحيضة:(2/33)
سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر (1)
غمام ينزّل رزق العباد ... فأحيا البلاد وطاب الشّجر
ويجمع على سمىّ. قال العجّاج (2):
تلفّه الرّياح والسّمىّ ... فى دقّ (3) أرطاة لها حنىّ
«وتوصّل» يعنى الدّعاء، لأنه كلام، والكلام أفعال وأسماء. والابتهال:
التضرع. والمبتهل: المتضرّع. والمباهلة: الملاعنة. ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ}
والبهل: اللّعن. والبهل: الماء القليل. والباهل: النّاقة التى لا صرار (4) عليها.
قالت امرأة (5) من العرب لزوجها. أتيتك باهلا غير ذات صرار. ويقال:
أبهلته، إذا خلّيتة وإرادته.
والعانى: مشتق من العناء، وهو التّعب: يقال: عنى يعنى عناء، فهو عان.
«منى بحال». قال يعقوب بن السّكّيت (6). نقول: منوت الرّجل ومنيته:
إذا ابتليته. والمنى: القدر يقال منى له يمنى منى فهو مان، أى قدّر.
قال الشاعر (7):
ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... حتى تلاقى ما يمنى لك المانى
__________
(1) ريحانه، أى استرزاقه، وهو عند سيبويه من الأسماء الموضوعة موضع المصادر، تقول: خرجت أبغى ريحان الله. وسماء درر، أى ذات درر، بالكسر، جمع درة، بالكسر أيضا، وهى فى الامطار أن يتبع بعضها بعضا.
(2) أنشده اللسان (سما) لرؤية واضعا «الارواح» مكان «الرياح» ثم قال:
وهذا الرجز اورده الجوهرى: «تلفه الرياح والسمى» والصواب ما أوردنا.
(3) فى اللسان: «فى دفء». وفى مجموع أشعار العرب (ص 69): «فى دف».
(4) الصرار: ما يشد به الضرع. وفى الاصل: «ضرار» بالضاد، تصحيف.
(5) هى امرأة دريد بن الصمة، وكان أراد أن يطلقها، فقالت: «أتطلقني وقد أطعمتك ما دومى، وأتيتك باهلا غير ذات صرار». جعلت هذا مثلا لحالها، وأنها أباحت له مالها.
(6) هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت. كان عالما بنحو الكوفيين. ومات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة 244هـ (انظر البغية)
(7) هو أبو قلابة الهذلى. (انظر اللسان منى).(2/34)
وقال آخر:
سأعمل نصّ العيس حتى يكفّنى
غنى المال يوما أو منى الحدثان (1)
وقال الهذلىّ (2):
لعمر أبى عمرو لقد ساقه المنى ... إلى جدث نوزى له بالأهاضب (3)
«تاء الافتعال» فإن تاء الافتعال تنقلب مع سبعة أحرف، وهى: الصاد، والضّاد، والدّال، والذّال، والطّاء، والظّاء، والزّاى. وتبدل طاء مع أربعة أحرف منها، مع: الصّاد، والضّاد، والطّاء، والظّاء نحو قولك: اصطلح، واضطجع، واطلع، واظطلم. وتبدّل دالا مع ثلاثة منها، وهى: الدّال، والذّال، والزّاى.
نحو قولك: ادلج، وادّكر، وازدجر.
حروف البدل
وحروف البدل اثنا عشر حرفا، وهى: الهمزة، والألف، والياء، والواو، والجيم، والنون، والهاء، واللام، والميم، والتاء، والطاء، والدال. وأكثرها الواو، والياء، والألف. ويجمعها قولك: «أدمجها لتنطوى». فالهمزة تبدل من الواو والياء، فى مثل: قضاء وشقاء لأن الأصل: قضاى وشقاو لأن الياء والواو لا يتطرفان بعد الألف إلا انقلبتا همزة. قال قطرب (4) فى كتاب «جماهير الكلام (5): والدليل على أن شقيت من ذوات الواو، قولهم: شقوة، وشقاوة
__________
(1) النص: السير الشديد.
(2) هو صخر الفى. (انظر اللسان منى).
(3) يوزى، يقال: أوزى ظهره إلى الحائط، إذا أسنده. وأوزيته: أشخصته ونصبته، وعلى الوجهين بيت الهذلى. والّذي فى الأصل: «يورى» بالراء المهملة، تصحيف.
(4) قطرب. بضم القاف والراء بينهما طاء ساكنة: اسم دويبة لا تزال تدب ولا تغتر.
سماه به سيبويه، وكان ملازما له. وهو أبو على محمد بن المستنير بن أحمد النحوى اللغوى البصرى. وقيل فى اسمه غير ذلك. توفى سنة 206هـ. (انظر ابن خلكان والبغية).
(5) ذكر ابن خلكان والسيوطى كتبا لقطرب ولم يذكرا منها هذا الكتاب. كما لم يذكره كشف الظنون.(2/35)
وإنما انقلبت فى «شقيت» لسكونها وللكسرة قبلها، كما قالوا: غبيت، ورضيت وهما من الأضداد. لقولهم: غباوة ورضوان. ولو كانا من الياء، لقالوا: غبيان، ورضيان، كما قالوا: عصيان.
والألف تبدل من الواو والياء، فى مثل: قفا ورحى، والأصل: قفى ورحى، يدل على ذلك قولهم: قفوان، ورحيان. فأبدلا فى التّثنية لأن الواو والياء إذا تطرّفتا بعد الفتحة قلبتا ألفا.
والواو تبدل من الياء فى مثل: موسر، وموقن.
والياء تبدل من الواو فى مثل: ميزان، وميعاد. والأصل: موزان، وموعاد، لأنه مفعال، من وزنت ووعدت، فقلبت للكسرة.
والتاء تبدل من الواو فى مثل: تجاه، وتراث وفى قولهم: اتعدّ، وأ ترث، لأنها من الوراثة، والوجه، والوعيد، والوزن.
والهاء تبدل من تاء التأنيث فى الوقف، فى مثل: طلحة، وما شاكله.
وتبدل من الهمزة فى مثل قولهم: هراق الماء.
والنون تبدل من الواو فى مثل قولهم: صنعانى، وبهرانى، والأصل:
صنعاوىّ، وبهراوىّ.
والميم تبدل من النّون فى مثل: عنبر، وقنبر، وشنباء (1)، فيصير عمبر، وقمبر، وشمباء. وتبدل أيضا من الواو فى: فم، والأصل: فوه، لأن تصغيره فويه وجمعه أفواه.
والدّال تبدل من تاء الافتعال إذا كان فاء الفعل دالا، أو ذالا، أو زايا نحو: ازدجر، وادّكر، وادّلج.
__________
(1) شنباء: ذات شنب، وهو ماء ورقة يجرى على الثغر.(2/36)
واللّام تبدل من النّون فى قولهم: أصيلال، إنّما هو أصيلان.
والطّاء تبدل من تاء الافتعال إذا كان فاء الفعل صادا، أو ضادا، أو طاء، أو ظاء، نحو: اصطلح، واضطرب، واطّرد، واظطلم، وكذلك تصرّفه نحو:
يصطلح، ويضطرب، ويطّرد، ويظطلم.
والجيم تبدل من الياء فى مثل قول الشاعر:
(1) خالى عويف وأبو علج ... المطعمان الضّيف بالعشجّ
* وبالغداة فلق البرنجّ *
أراد: أبو على والعشى والبرنى. فأبدل من الياء جيما، ومثله قول أبى النجم:
كأنّ فى أذنابهن الشّوّل ... من عبس الصّيف قرون الإجّل
أراد: الإيل (2)، فأبدل من الياء جيما، وليس لذلك قياس مطرد فيعمل عليه.
* قوله: «أبدلت فى الحالتين بشديد، غير راخ ولا مديد وضروب من حوادث الدّهر تدور، مع السّنة والشّهور (3) تعيد الجلد من الرّجال كثلاثى الأفعال عليل الطّرفين، ثم تنقص منه للعلّة حرفين (4) فيصير حرفا واحدا، وتعيضه فى الوقف حرفا زائدا».
فإن الطّاء والدّال من الحروف الشديدة، والحروف الشديدة ثمانية، يجمعها قولك: «أجدك قطبت». وما عدا الحروف الشديدة والمتوسطة فهو رخو. (5)
__________
(1) هذه رواية الاشمولى. وفى الاماني (2: 77): «عمى». وفى اللسان: «خالى لقيظ»،
(2) العبس: ما يس على هلب الذنب من البول والبعر. والابل، بكسر الهمزة وضمها:
جمع أيل، بفتح الهمزة، وهو الذكر من الاوعال.
(3) فى التيمورية: «الدهر، تدور مع السنة والشهر».
(4) فى التيمورية: «ثم للعلة بحرفين».
(5) الرخو، مثلثة: الهش من كل شيء، وهى بهاء.(2/37)
والحروف المتوسطة ثمانية أيضا، يجمعها قولك: «يعلومارن». وحروف المد ثلاثة، وهى: الواو، والياء، والألف، وهى المديدة.
الجلد: القوىّ، وكذلك الجليد. والجلد: القوة، وكذلك الجلادة.
والجليد: الصّقيع الجامد، وهو البرد. قال ابن السكيت: الجلد: الإبل التى لا أولاد معها ولا لبن فيها. والجلد: الأرض الغليظة الصّلبة. قال النابغة الذّنيانى:
إلّا أوارىّ لأيّا ما أبيّنها ... والنّؤى كالحوض بالمظلومة الجلد (1)
المظلومة: الأرض التى لم تمطر (2).
والجلد: أن يسلخ الحوار فيلبس جلده حوارا آخر.
«كثلاثى» مثل: وشى ووعى، إذا أمرت نقّصت منه حرفى الاعتلال، فقلت: ع الكلام، وش الثّوب، والأصل: يوعى ويوشى، فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وسقطت الياء للأمر.
«فيصير حرفا» يعنى أنك إذا وصلت الكلام لم يبق من هذا الفعل غير حرف واحد، مثل: ع الكلام، وش الثّوب، وما شاكله. فإن وقفت قلت:
عه، وشه، فزدت اله. وحروف الزيادة عشرة، وهى: الواو، والألف، والياء، والهاء، والتّاء، والسّين، والميم، والنّون، والهمزة، واللام. يجمعها قولك «اليوم لنسأة». ويجمعها أيضا قولك: «سألتمونيها». ويجمعها أيضا قولك: «هويت السّمان». وروى أبو عليّ الفارسى (3) فى كتابه المعروف
__________
(1) البيت من معلقته. والأوارى: الأواخى، وهى التى تحبس بها الخيل. واللأى: البطء.
والنؤى: حاجز من تراب يعمل حول البيت. والمظلومة: التى قد حفر فيها فى غير موضع الحفر.
(2) انظر الحاشية السابقة.
(3) كذا فى الاصل. والمعروف ان كتاب التصريف الملوكى لابن جنى أبي الفتح عثمان ابن عبد الله المتوفى سنة 392. والكتاب مطبوع فى مصر سنة 1913: وقد ورد النقل فيه (ص 5) مع خلاف يسير. وأما أبو على الفارسى الحسن بن أحمد. فلم يذكر من ترجم له كتابا بهذا الاسم.(2/38)
ب «التّصريف الملوكى» أن أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد الثّمالى، سأل أبا عثمان المازنى عن حروف الزّيادة، فأنشده أبو عثمان:
هويت السّمان فشيّبننى ... وما كنت قدما هويت السّمانا
فقال له أبو العباس: الجواب؟ فقال: قد أجبتك دفعتين. يعنى قوله «هويت السّمان».
فالهمزة تزاد فى أول الكلمة، مثل: أحمر وأصفر وفى آخر الكلمة، مثل: حمراء وصفراء وفى وسط الكلمة، مثل: شمأل، لأنه من شملت الرّيح.
والميم تزاد فى أول الكلمة زيادة مطردة القياس، كقولهم: مضرب ومقتل، وما شاكل ذلك. وتزاد فى وسط الكلمة وفى آخرها زيادة شاذّة عير مطردة القياس. فزيادتها حشوا فى مثل قول الأعشى (1):
إذا جرّدت يوما حسبت خميصة ... عليها وجريا لا يضيء دلامصا (2)
فالميم فى «دلامص» زائدة، لأن أصله من الدّلّاص، وهى البراقة (3)
وتزاد آخرا فى مثل قولهم: زرقم وفسحم (4)، لأنه من الزّرق والانفساح.
والنون تزاد فى مثل: عنبس، لأنه من العبوس، وتزاد فى التثنية والجمع، كقولك: الزّيدان والزيدون. وتزاد فى فعل الاثنين والجمع والمؤنث، كقولك:
يفعلان، ويفعلون، وتفعلين. وتزاد فى باب الانفعال، مثل: الانطلاق، وما شاكله. وتزاد فى فعل الجماعة، كقولك: نقوم، ونقعد، وما شاكله.
__________
(1) الأعشى، هو ميمور بن قيس. (انظر الديوان ص 108طبعة أوربة).
(2) الخميصة: كساء معلم، شبه شعرها به، وجريال: ذهب أو زعفران. شبه ملاسة بدنها بالذهب.
(3) يريد: درعا.
(4) الزرقم، بالضم: الارزق الشديد الرزق، الذكر والأنثى فى ذلك سواء. والفسحم، بالضم: الواسع الصدر.(2/39)
والتاء تزاد فى فعل المخاطب. كقولك: تقوم، وما شاكله. وفى باب الافتعال، مثل: الاجتراح: والاكتساب، وما شاكله. وتزاد للتّأنيث، فى مثل: مسلمات، وما شاكله.
والهاء تزاد فى الوقف، مثل قولك: ارمه، واغزه، وعه، وشه، وما شاكله.
والسين تزاد فى باب الاستفعال، كالاستخراج، وما شاكله.
واللام تزاد فى: هنالك، والأصل: هناك وفى: عبدل، وفحجل، لأن معناه: العبد، والأفحج (1).
والواو والياء والألف تزاد فى مثل: كرام، وكريم، وعليم، وضروب، وحسود، وما شاكله لأنه من الكرم، والعلم، والضّرب، والحسد. والقياس فى ذلك مطرد.
* قوله: «ونوائب، معابلها صوائب تردّ الصّفو مشيبا، والشّباب شيبا، وتخلق برد الشّبيبة وقد كان قشيبا فهو معها كحرف اعتلال، لا يوسم بصحة ولا إبدال يختلف باختلاف الحركات المختلفات، فيعود على غير ما كان من الصّفات يذهب بدخول الجوازم، ويلزمه للحذف لوازم».
النوائب: جمع نائبة، وهى ما ينوب الإنسان، أى يصيبه. والمعابل:
جمع معبلة، وهى النّصل العريض الطويل. والقشيب: الجديد. لا يوسم، يقال:
وسمت الصّبىّ وسما إذا أثّرت فيه سمة، والسّمة: العلامة. والوسم: الكىّ.
سمى بذلك لأنه يورث علامة فى الجسد. والوسمىّ: أول المطر، لأنه يسم
__________
(1) الأفحج: المتكبر.(2/40)
الأرض بالنّبات. قال الأصمعى: توسّم الرجل، أى طلب كلأ الوسمىّ، وأنشد:
فأصبحن كالدّوم النّواعم غدوة ... على وجهة من ظاعن متوسّم (1)
وفلان موسوم بالخير. وامرأة ذات ميسم، إذا كان عليها أثر الجمال.
وفلان وسيم الوجه، أى حسنه. والوسامة: الحسن.
والإبلال: الصحة من المرض. وكذلك البلول يقال: بلّ من مرضه وأبلّ، إذا صحّ. وبللت به، بالكسر، إذا ظفرت به وصار فى يدك. يقال:
لئن بلّت بك يدى لا تفارقنى، أو تؤدى حقى. قال ابن أحمر:
فبلّى إن بللت بأريحىّ ... من الفتيان لا يضحى بطينا (2)
وحروف الاعتلال هى حروف المدّ واللين.
«يختلف» يعى أنّ الواو والياء إذا تحركنا وانفتح ما قبلهما انقلبتا ألفين، مثل: قام، وسار، أصلهما عند النحويين: قوم وسير، فلمّا تحركتا، وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين. هذا فى الأفعال وأمّا فى الأسماء، فمثل: باب، وناب، أصلهما عندهم: بوب ونيب. يدل على ذلك الجمع والتصغير، تقول:
أبواب وأنياب، وبويب ونويب، فيرجع إلى أصله. فلما تحرّك الواو والياء فى: نوب ونيب، وانفتح ما قبلهما انقلبتا ألفين، فقيل: باب وناب.
وكذلك إذا كان قبل الواو كسرة قلبت ياء فى مثل: ميعاد وميزان، لأنهما من:
الوعد والوزن. وكذلك إذا كان قبل الياء ضمّة قلبت واوا، مثل: موسر، وموقن، لأنهما من اليسر واليقين. فتختلف حروف الاعتلال باختلاف الحركات التى قبلها. والقياس فى ذلك مطرد.
__________
(1) البيت فى اللسان (وسم).
(2) رواية اللسان (بلل): «لا يمشى» مكان «لا يضحى» ولعلها «لا يمسى» بالسين المهملة.(2/41)
«يذهب» يعنى أنّ الفعل المعتل إذا دخل عليه حرف جزم قلت: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش فذهبت حروف الاعتلال.
«ويلزمه للحذف» فالحذف على وجهين: أحدهما عن علة فهو مقيس، والآخر عن استخفاف، فهو مسموع ولا يجوز قياسه. فالحذف عن علّة: إذا كانت فاء الفعل واوا وكان مستقبله مكسور العين حذفت فاء الفعل فى المستقبل، لوقوع الواو بين ياء وكسرة، كقولك: وجب يجب، ووصل يصل، وما شاكله.
أصله عند أهل العربية: يوجب ويوصل، فحذفت الواو لما ذكرت لك.
فإن وقعت الواو بين ياء وفتحة لم تحذف، كقوله تعالى: {(لََا تَوْجَلْ)}، وكقوله تعالى:
{(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)}. وكذلك حذفوا الواو المكسورة من مصادر الباب الّذي حذفت فاؤه فى المستقبل منه، كقولهم: وعد عدة، ووسم سمة، ووزن زنة، وكان الأصل: وعدة، ووزنة، ووسمة، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما بعدها، وحذفت الواو تخفيفا من المصدر كما حذفت فى مستقبله.
وكذلك حذفوا الهمزة فى مستقبل باب أفعل، كقولهم: أحسن يحسن، وأكرم يكرم، كراهيّة أن تجتمع همزتان فى قولهم: أحسن، وأكرم، وقد جاء من ذلك على الأصل، قال الراجز:
* فإنه أهل لأن يؤكرما *
الحذف الثانى الّذي هو مسموع: قد حذفت الهمزة، والألف، والواو، والياء، والهاء، والنون، والتاء، والحاء، والخاء، والفاء، والطاء. فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وصارت الألف واللّام عوضا منها فى اسم الله تعالى، وأصله فى أحد قولى سيبويه: إله، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وصارت
الألف واللام عوضا عنها. وحذفت أيضا فى أناس تخفيفا. قال الشاعر:(2/42)
الحذف الثانى الّذي هو مسموع: قد حذفت الهمزة، والألف، والواو، والياء، والهاء، والنون، والتاء، والحاء، والخاء، والفاء، والطاء. فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وصارت الألف واللّام عوضا منها فى اسم الله تعالى، وأصله فى أحد قولى سيبويه: إله، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وصارت
الألف واللام عوضا عنها. وحذفت أيضا فى أناس تخفيفا. قال الشاعر:
أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... أناخوا فعادوا بالسّيوف الضوارب
وحذفت أيضا فى قولهم: خذ، وكل. وأصله: أأخذ، وأ أكل، وأ أمر.
فحذفت الهمزة تخفيفا. وربما جاءت على الأصل فى مثل قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلََاةِ}. وحذفت فى قوله عز وجلّ: {(خُذْ مِنْ أَمْوََالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ)}.
وحذفت أيضا فى مثل قولهم: يا با فلان. يريدون: يا أبا فلان. قال أبو الأسود: (1)
يا با المغيرة ربّ أمر معضل ... فرّجته بالنّكر منى والدّها (2)
وحذفت أيضا فى مضارع: رأيت، فقالوا: يرى وترى [ونرى]. وربما جاء ذلك على أصله. قال سراقه البارقى:
أرى عينىّ ما لم تر إياه ... كلانا عارف (3) بالتّرّهات
قال أبو عمرو: وهذا البيت من قصيدة فى قصّة مع المختار بن عبيد الثّقفى، وقبله:
ألا أبلغ أبا إسحاق عنّى ... رأيت البلق دهما مصمتات
كفرت بدينكم وجعلت حقّا (4) ... عليّ قتالكم حتّى الممات
«أرى عينى» البيت.
__________
(1) فى الاصل: «الاسود». وما اثبتنا من التصريف الملوكى (ص 38).
(2) كذا فى التصريف الملوكى وفى الأصل:
رب أمر معضل فرجته ... بالمكر منى والدها يا أبا المغيرة
(3) فى التصريف الملوكى والعقد الفريد (2: 171) طبعة لجنة التأليف. وديوان سراقة والاغانى (9: 14) طبعة دار الكتب: «عالم».
(4) فى العقد الفريد والأغانى وديوان سراقة: «وجعلت نذرا»(2/43)
قال أبو الحسن الأخفش: أشياء، أصلهما أشيياء، كأصدقاء وأنبياء، فحذفت الهمزة التى هى لام تخفيفا. قال الفراء: فى مثل قول الحارث بن حلّزة:
* فإنا من قتلهم لبراء (1) *
قال: أصله برآء، كظرفاء، فحذفت الهمزة، التى هى لام، تخفيفا.
وحذفت الألف فى مثل قول لبيد:
وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ (2)
أراد: ابن المعلّى. قال أبو عثمان: فى قوله تعالى حكاية: {(يََا أَبَتِ)}.
أراد: يا أبتا. وأنشد أبو الحسن (3) وابن الأعرابى (4):
فلست بمدرك ما فات منّى ... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
أراد «بلهفا»: وحذف الألف قليل لخفتها.
وحذفت الواو فى مثل قولهم: غد، وأصله: غدو. وربما جاء على أصله، قال الشاعر:
__________
(1) من بيت له فى معلقته، وهو:
أم جنايا بنى عتيق فمن يغ ... در فانا من حربهم لبراء
وفى اللسان (برأ): ونص ابن جنى على كونه جمعا فقال: يجمع بريء على أربعة من الجموع، بريء وبراء، مثل ظريف وظراف، وبريء وبرآء، مثل شريف وشرفاء، وبريء وابرياء، مثل صديق واصدقاء، وبريء وبراء، مثل ما جاء من الجموع على فعال، بالضم، مثل توأم، جمع توأم».
(2) لم يرد هذا البيت فى ديوانه طبعة فينا سنة 1880. ولكيز: قبيلة من ربيعة ومرجوم وابن المعلى: سيدان من لكيز
(3) هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعى البلخى، الأخفش الاوسط. وكانت وفاته سنة 215هـ (انظر بغية الوعاة) والعبارة فى اللسان: «لهف»: «وأما قوله أنشده الأخفش وابن الاعرابى وغيرهما» ثم ساق البيت.
(4) فى الاصل: «أبو الاعرابي» تحريف. وهو محمد بن زياد أبو عبد الله، راوية نسابة علامة باللغة. من أهل الكوفة. توفى سنة 231هـ (انظر بغية الوعاة).(2/44)
لا تغلواها (1) وادلواها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا
وروى أبو سعيد السّيرافي النحوى فى كتاب «أخبار النحويين البصريين»:
أن جارية غنّت فى مجلس الواثق، ومعه أبو محمد التّوزى (2)، قول الشاعر:
أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
فقال أبو محمد: لحنت، وإنما هو: مصابكم رجل، بالرفع. فأبت ذلك وقالت:
يا أمير المؤمنين، سمعته ممن هو أعلم بهذا منه. قال: وممّن سمعته؟ قالت: من أبى عثمان المازنى (3) بالبصرة. فأمر الواثق بإشخاصه. فلما وصل سلّم على أمير المؤمنين. ثم قال له الواثق بعد ردّ السّلام: بسمك؟ قال أبو عثمان: قلت: بكر.
وإنما أراد أن يعلمنى أنّ العرب تبدل الباء من الميم فى مثل هذا. ثم قال: ممن أنت؟ فقلت: من بنى مازن. فقال: أمن مازن تميم أم من مازن شيبان؟
فقلت: من مازن شيبان. ثم قال. ألك ولد؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين، ولكن لى أخت تقوم مقام الولد، رأفة ورحمة لها. قال: فما قالت لك حين هممت بالشخوص؟ قلت: قالت لى: نحن بعدك كما قال الأعشى:
ترانا (4) إذا اضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم
أبانا فلا رمت من عندتا ... فإنّا بخير إذا لم ترم
__________
(1) كذا فى الاصل واللسان «غدا». وفى التصريف الملوكى (ص 41): «لا تقلواها».
(2) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون التوزى، بفتح المثناة وتشديد الواو المفتوحة وبالزاى، مولى قريش، من أكابر أئمة اللغة. مات سنه 233. (انظر البغية).
(3) هو أبو عثمان المازنى بكر بن محمد بن بقية، من بنى مازن، أحد الأئمة فى النحو من أهل البصرة، وفيها توفى سنة 249هـ. (انظر البغية).
(4) فى الديوان: «أرانا». وقد جاء فيه هذا البيت بعد تاليه ببيت.(2/45)
قال: فبماذا أجبتها؟ قلت: بقول جرير:
ثقى بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح (1)
قال: ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى. ثم قال الواثق: أفدنا شيئا. فقلت:
يا أمير المؤمنين، أقول كما قال الشاعر:
لا تغلواها وادلواها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا (2)
أراد أبو عثمان: ارفق بى، ولا تستعجل عليّ. فقال: يكفينا من الفائدة تفسير هذين البيتين. فقلت: معنى قوله: لا تغلواها، أى لا تعنفا بها. يقال:
غلوت الإبل غلوا، إذا حثثتها فى السير، ودلوتها، إذا رفقت بها. وقوله:
«غدوا» إنما المستعمل منه غد، لأنه على حرفين، مثل: يد، وما أشبهه.
وأصله: غدو، فحذفت منه الواو، فلما اضطر إليه الشاعر ردّه إلى أصله.
فقال: يكفينا هذا. وأمرنى فنزلت وأكرمت، ثم جلس مجلسا آخر وأحضرت الجارية وأبو محمد التوزي، فغنّت البيت:
* أظلوم إنّ مصابكم رجلا *
فردّ عليها أبو محمد أن ترفع «رجلا». فقلت له: كيف تقول: إنّ ضربك زيدا معجب لى؟ فقال أبو محمد: حسبى، وأمرها: أن تنصب «رجلا».
وسألنى الواثق الإقامة بحضرته، فاعتذرت له إليه. فأمر لى بعشرة آلاف
__________
(1) البيت من قصيدة له فى مدح عبد الملك بن مروان، مطلعها:
أتصحو بل فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح
(2) انظر الحاشية (1ص 40)(2/46)
درهم وبكساء وغير ذلك، وقال: لا تقطعنا. فانصرفت ولم أعد إليه.
وحذفت الواو أيضا فى قولهم: حم، وأصله: حمو. وحذفت الواو أيضا فى قولهم: أب، وأخ، وهما من الواو، لقولك: أبوان وأخوان. وحذفت أيضا فى: كرة، وثبة (1)، وما جانسهما من الأسماء.
وحذفت الياء فى قولهم: يد، وأصلها: يدى، لقولهم: يديت إلى فلان يدا، إذا أسديت إليه معروفا. وحذفت أيضا فى قولهم: دم وأصله: دمى.
لقولهم فى التثنية: دميان. قال بعض بنى سليم:
فلو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين (2)
ومنهم من يقول: دموان، وهو قليل.
وحذفت الهاء فى قولهم: شفة، وأصلها: شفهة، لأنّ تصغيرها شفيهة.
وجمعها: شفاه، بالهاء. وحذفت الهاء أيضا فى قولهم: عضة (3)، وأصلها عضهة، عند بعضهم، لقولهم: جمل عاضه، أى يأكل العضاه، وعند بعضهم أنها من الواو وأصلها: عضوة، واحتجوا بقول الراجز:
هذا طريق يأزم المآزما ... وعضوات تمشق اللهازما (4)
تمشق: تضرب. والمآزم هاهنا: كل طريق ضيق بين جبلين.
وحذفت الهاء فى قولهم: فم، وأصله: فوه، لأن تصغيره فويه، وجمعه أفواه،
__________
(1) الثبة: الجماعة من الناس.
(2) البيت من أبيات ثلاثة فى اللسان (دمى). قال: «ونزعم العرب أن الرجلين المتعاديين إذا ذبحا لم تختلط ماؤهما.
(3) العضه: الكذب والبهتان.
(4) البيت من أبيات سيبويه، وفى اللسان (عضه). والرواية فيه: «يقطع» مكان «تمشق».(2/47)
بالهاء. وحذفت الهاء فى قولهم: شاة، وأصلها: شوهة، لأن تصغيرها:
شويهة، وجمعها. شياه، بالهاء.
وحذفت النّون فى قولهم: مذ، وأصلها: منذ، لأنك إذا سمّيت رجلا «بمذ» ثم صغّرته قلت: منيذا، وجمعته قلت: أمناذ. وحذفت أيضا فى قولهم:
إن زيدا لمنطلق، مخفّفه، وأصله: إنّ زيدا، فحذفوا النون الثانية تخفيفا.
وحذفت الياء فى قول الشاعر:
* رب هيضل لجب لففت بهيضل (1) *
الهيضل: الجماعة يغزون بسلاحهم. فحذفت الياء الثانية تخفيفا.
وحذفت الحاء فى قولهم: حر، وأصله: حرح، لأن تصغيره: حريح:
وجمعه: أحراح. قال الشاعر:
إنّى أقود جملا ممراحا ... ذا قبّة مملوءة أحراحا (2)
وحذفت الخاء فى قولهم. بخ بخ. قال أعشى همدان:
بين الأشجّ وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود (3)
وأصله. بخّ بخّ (4). قال العجّاج:
* فى حسب بخّ وعزّ أقعسا *
__________
(1) هذا عجز بيت لابى كبير الهذلى. وصدره:
* أزهير إن يشب القذال فاننى *
(2) فى اللسان (حرح): «موقرة» مكان «مملوءة» وقد أشار إلى هذه الرواية الاخيرة بعد إيراده البيت بالرواية الاولى.
(3) فى الديوان: «بخبخ». وبخبخ: قال: بخ بخ.
(4) أى بالتشديد.(2/48)
وحذفت الفاء فى قولهم: أف، وأصله التشديد. وفيها ثمان لغات: أف وأفّ وأفّ، وأفّ وأفّا وأفّ، وأف وأفّى (1). وحذفت أيضا فى قولهم: وسو أفعل.
يريدون: وسوف أفعل.
* قوله «وآونة تنغص المرء بالممرّر، وتردّ إلى الأرذل كلّ معمّر فهى لنظم الحيوان زحاف، ولها فى طلب النّفوس إلحاف تلحق الصّحيح تارة بخامس الخفيف».
الآونة: جمع أوان، مثل زمان وأزمنة. قال الشاعر (2):
أبو حنش ينعّمنا وطلق ... وعبّاد وآونة أثالا (3)
نصب «آونة» لأنها ظرف. قال سيبويه: أصله أثالة، فحذف الهاء، وهو فى موضع رفع لأنه عطف على «طلق». وأثال، عنده مرخّم فى ضرورة الشعر، وأصله: أثالة، فترك فتحة اللام على حالها. وخالفه أبو العبّاس المبرّد، فقال:
لا يجوز الترخيم فيما ليس بمنادى، وهو أثال، بغير هاء، وهو منصوب، لأنه عطف على النون والألف، فى «ينعّمنا».
والأرذل: الرديء الخسيس. وأرذل كلّ شيء: أدنؤه وأردؤه، وأرذل العمر: آخره، لأن المعمّر يصير إلى الضعف بعد القوة.
والزّحاف: ما حذف من حروف أبيات الشعر للعلة. والإلحاف: الإلحاح فى السؤال، ومنه قوله تعالى: {لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً}.
__________
(1) عدما ابن منظور فى اللسان (أف) عشرة، وساق بيت ابن مالك الّذي يجمعها وهو:
فأف ثلث ونون إن أردت وقل ... أفي وأ في وأف وأفة تصب
(2) هو ابن أحمر (انظر سيبويه 1: 343)
(3) فى سيبويه: «يؤرقنا» مكان «ينعمنا» و «عمار» مكان «عباد».(2/49)
والصحيح من الشعر عند العروضيّين: ما لم يكن فيه زحاف ولا علّة.
والصحيح عند النّحويين من الكلام: ما لم يكن من حروفه الأصليّة حرف من حروف الاعتلال الثّلاثة.
وخامس الخفيف: ضرب من ضروب الشّعر. وسنذكر فى هذا الموضع جملة من أصول الشّعر والعروض، ينتفع بها من وقف عليها، ونقتصر على الأصول، دون العلل والفروع، لأنّ الغرض المقصود تفسير الرّسالة، فمن أحبّ الوقوف على ذلك بكماله، فهو فى مختصرنا المعروف بكتاب «ميزان الشّعر وتثبيت النظم (1)».
اعلم أن الشعر على وجهين: مستعمل ومهمل فالمستعمل منه: ما خفّ على اللّسان، وحسن نظمه، وتساوت أوزانه، وعذب لفظه. ولذّ نشيده، وأسرعت القلوب إلى حفظه، وأصغت الآذان إلى سماعه، ولم يتتبّع صاحبه وحشىّ الكلام، ولا ركيك اللّغات، ولا بعيد المعانى. وكان أوّل البيت منه يدلّ على آخره، وصدره على سائره. ولم يكن فيه تعقّد ولا تكلّف، ولا تلكّؤ ولا تعجرف. قال أبو تمام:
لم يتّبع شنع اللّغات ولا مشى ... رسف المقيّد فى حدود المنطق.
فما كان بهذه الصّفة فهو المستعمل، وما كان بخلافها فهو المهمل. ولله درّ القائل:
سأقضى ببيت يحمد النّاس غبّه ... ويكثر من أهل الرّوايات حامله (2)
يموت ردىّ الشّعر من قبل أهله ... وجيده يبقى وإن مات قائله
__________
(1) لم يذكره كشف الظنون. وأشارت إليه بعض المراجع التى ترجمت للمؤلف.
(2) أشير إلى هذه الرواية فى هامش الأصل. ورواية الأصل: «حاصله».(2/50)
واعلم أنّ الشّعر كله: جيّده ورديئه، وحسنه وقبيحه، ومستعمله ومهمله، مؤلّف من ثمانية أجزاء، هى أصولها وعليها مداره ستّة أجزاء منها سباعيّة، وهى: فاعلاتن، مستفعلن، مفاعيلن، متفاعلن، مفاعلتن، مفعولات.
وجزءان خماسيان وهما: فعولن، فاعلن. هذه أجزاء الشعر التى يتألف منها ويصدر عنها. وهذه الأجزاء مؤلفة من ثلاثة أشياء: أسباب وأوتاد وفواصل. فالأسباب سببان: خفيف وثقيل. فالخفيف متحرّك بعده ساكن، والثقيل متحركان.
والأوتاد وتدان: مجموع ومفروق، فالمجموع متحركان بعدهما ساكن، والمفروق متحركان بينهما ساكن. والفواصل فاصلتان: صغيرة وكبيرة. فالصّغيرة ثلاثة متحرّكة بعدها ساكن، والكبيرة أربعة متحركة بعدها ساكن. وهذه الأجزاء تدخل عليها العلّة. والعلّة علّتان: علّة زيادة، وعلّة نقصان.
وأكثر ما زيد على الجزء حرفان، وأكثر ما نقص منه ثلاثة.
وللشعر خمسة عشر حدّا، لهن خمس دوائر، وخمسة أسماء، وأربعة وثلاثون عروضا، وثلاثة وستّون ضربا.
والحدود، أولها: الطّويل، ثم المديد، ثم البسيط، ولهن دائرة والوافر والكامل، ولهما دائره والهزج، والرّجز، والرّمل، ولهن دائرة والسّريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتثّ، ولهنّ دائرة والمتقارب، وله دائرة.
وزاد عبد الله بن المنذر حدّا سماه «المتقاطر» له أربع عروضات وخمسة أضرب، وهو من دائرة المتقارب. وروى أنّ الخليل بن أحمد رحمه الله كان يردّه ويدفعه ولا يجيزه والأسماء الخمسة، أوّلها: المترادف: ساكن ومسكّن، وهو تسعة أضرب
والمتواتر: متحرك وساكن، وهو ثلاثون ضربا والمتدارك. ساكنان ومتحرك، وهو سبعة عشر ضربا والمتراكب: ثلاثة متحركة وساكن، وهو سبعة أضرب.(2/51)
وزاد عبد الله بن المنذر حدّا سماه «المتقاطر» له أربع عروضات وخمسة أضرب، وهو من دائرة المتقارب. وروى أنّ الخليل بن أحمد رحمه الله كان يردّه ويدفعه ولا يجيزه والأسماء الخمسة، أوّلها: المترادف: ساكن ومسكّن، وهو تسعة أضرب
والمتواتر: متحرك وساكن، وهو ثلاثون ضربا والمتدارك. ساكنان ومتحرك، وهو سبعة عشر ضربا والمتراكب: ثلاثة متحركة وساكن، وهو سبعة أضرب.
فذلك ثلاثة وستّون ضربا والمتكاوس: أربعة متحركة وساكن، ولا حظّ له من الضروب لأنه داخل على المتدارك بسبب العلّة.
والعروض: الجزء الآخر من أجزاء النّصف الأول من البيت، وهى مؤنّثة لأنها مشتقّه من أحد وجهين، إما من قولهم: ناقة عروض، أى صعبة لم ترض، وإمّا من العروض التى هى النّاحية والطّريق يقال: فلان أخذ فى عروض فلان. قال الأخنس، بن شهاب بن شريق (1) التّغلبىّ:
لكل أناس من معدّ عمارة (2) ... عروض إلينا يلجئون وجانب
يقول: لكل حي حرز إلا بنى تغلب، فإنّ حرزهم السّيوف. وعمارة، خفض لأنه بدّل من «أناس». ومن رواه، عروض، بضم العين، جعله جمع عرض، وهو الجبل. وروى الكوفيون عمارة، بفتح العين وضم الهاء. والصّحيح الأول:
فكأنّ العروض ناحية من العلم، وهو أقرب الوجهين إلى اشتقاقها.
والضّرب: الجزء الآخر من جميع أجزاء البيت. والضّرب: النّصف من كلّ شيء.
__________
(1) فى الأصل: «الأخنس بن شميان بن شريف التغلبى» تحريف. (انظر الأمالى وسمط اللآلى والاشتقاق والمفضليات).
(2) العمارة: الحى العظيم يقوم بنفسه، تروى بفتح العين وكسرها، فمن فتح فلالتفاف بعضهم على بعض، ومن كسر فلأن بهم عمارة الأرض.(2/52)
فصل فى أبيات أنواع الحدود
الطويل
وهو ثلاثة أنواع: له عروض واحدة وثلاثة أضرب:
النوع الأول: عروضه مقبوضة وضربه سالم، وبيته:
أبا منذر كانت غرورا صحيفتى
ولم أعطكم فى الطّوع مالى ولا عرضى (1)
الثانى: المقبوضان، وبيته:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (2)
الثالث: المقبوضة والمحذوف، وبيته:
وإنّى على فجع اللّيالى بمالك ... لجلد ومن ذا لم تخنه اللّيالى
المديد
له ستّة أنواع: له ثلاثة أعاريض، وستة أضرب:
النّوع الأوّل: المجزوءان، وبيته:
يا لبكر انشروا لى كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار (3)
__________
(1) البيت لطرفة بن العبد
(2) البيت لزهير من معلقته.
(3) البيت لمهلهل.(2/53)
والرمل: مسدس أيضا من جزء واحد مكرر: فاعلاتن.
هذه حدود الدائرة الثالثة. ويفك الرجز من السّبب الأول من «مفاعيلن» فى الهزج، ويفك الرمل من السّبب الآخر من «مستفعلن» فى الرجز.
والسريع، مسدس من جزءين سباعيّين الأول منهما مكرر: مستفعلن مستفعلن مفعولات.
والمنسرح، مسدس أيضا من جزءين سباعيين، ثالثهما هو الأول منهما:
مستفعلن مفعولات مستفعلن.
والخفيف، مسدس أيضا من جزءين سباعيين، ثالثهما هو الأول منهما، فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن.
والمضارع، مسدس أيضا من جزءين سباعيين، ثالثهما هو الأول منهما:
مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن.
والمقتضب، مسدس أيضا من جزءين سباعيين، الآخر منهما مكرر:
مفعولات مستفعلن مستفعلن.
والمجتث، مسدس أيضا من جزءين سباعيّين، والآخر منهما مكرر:
مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن.
هذه حدود الدائرة الرابعة. ويفك المنسرح من أول «مستفعلن» الثانى من أجزاء السريع. ويفك الخفيف من السبب الثانى من «مستفعلن» فى المنسرح. ويفك المضارع من وتد «فاعلاتن» فى الخفيف. ويفك المقتضب من السبب الأول من «مفاعيلن» فى المضارع. ويفك المجتث من السّبب الثانى من «مفعولات» فى المقتضب.
والمتقارب، مثمّن من جزء مكرر خماسىّ: فعولن.
والمتقاطر، مثمن من جزء واحد خماسى مكرّر: فاعلن.
هذه حدود الدائرة الخامسة. ويفك المتقاطر من سبب «فعولن» فى المتقارب.(2/54)
هذه حدود الدائرة الخامسة. ويفك المتقاطر من سبب «فعولن» فى المتقارب.
فصل فى ألقاب الأجزاء وما يدخل عليها
فعولن، يدخل عليه فعلن، وهو الأثلم (1) وفعل، وهو الأثرم (2)
وفعول، وهو المقبوض وفعول، ساكنة اللّام، وهو المقصور (3) وفعو، وهو المحذوف (4) وفع، وهو الأبتر (5).
فاعلن، يدخل عليه فعلن، وهو المخبون (6) وفعلن ساكنه العين، وهو المقطوع (7)، وفاعلان، وهو المذال (8).
فاعلاتن، تدخل عليه فعلاتن، وهو المخبون وفاعلان فى القوافى، وهو المقصور وفاعلن، وهو المحذوف وفعلات، وهو المشكول (9) وفاعلات، وهو المكفوف عجزا وفعلن، ساكنة العين، وهو الأبتر وفعلن،
__________
(1) الاثلم: الّذي يدخله الخرم فى الابتداء، والخرم: سقوط حركة من أول البيت ولا يكون الا فى وتد.
(2) الاثرم: الّذي يدخله القبض مع الخرم. والقبض، ذهاب الخامس الساكن.
(3) القصر: حذف ساكن؟؟؟ وإسكان متحركة.
(4) المحذوف: الّذي حذف منه سبب خفيف.
(5) البتر: قطع (وهو حذف ساكن الوتد المجموع واسكان ما قبله) وحذف (وهو ذهاب سبب خفيف).
(6) الخبن: حذف الثافى الساكن.
(7) انظر الحاشية الخامسة من هذه الصفحة
(8) التذبيل: زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع.
(9) المشكول: الّذي دخله الكف (وهو حذف السابع الساكن) والحبن.(2/55)
متحركة العين، وهو المخبون المحذوف ومفعولن، فى الخفيف وحده، وهو المشعّث (1) وفاعلاتان (2)، وهو المسبّغ (3).
مستفعلن، تدخل عليه مفاعلن، وهو المخبون ومفتعلن، وهو المطوىّ (4)
ومستفعل، وهو المكفوف وفعلتن، وهو المخبول (5) ومفعولن، وهو المقطوع وفعولن، وهو المخبون المقطوع ومفاعل، وهو المشكول ومستفعلان، وهو المذال (6).
مفاعيلن، تدخل عليه مفعولن، وهو الأخرم ومفاعلن، وهو المقبوض ومفاعيل، وهو المكفوف ومفعول، وهو الأخرب (8) وفاعلن، وهو الأشتر (7) وفعولن، وهو المحذوف.
متفاعلن، تدخل عليه مستفعلن، وهو المضمر ومقتعلن، وهو المخزول (9)، ومفاعلن، وهو الموقوص (10) وفعلاتن فى القوافى، وهو المقطوع ومفعولن، وهو المقطوع المضمر (11) وفعل (12)، وهو الأحذ (13) وفعل، ساكنة العين، وهو الأحذ المضمر.
__________
(1) المشعّث: هو ما دخله القطع (مر شرحه). أو هو ما سقط أحد متحركى وتده.
(2) فى الاصل: «فاعليتان».
(3) التسبيغ: زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف.
(4) الطى: حذف الرابع الساكن.
(5) المخبول: ما دخله الطى مع الخين.
(6) التذييل: زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع.
(7) الاخرب: الّذي دخله الكف مع الخرم.
(8) الاشتر: الّذي دخله القبض مع الخرم.
(9) المخزول: ما سكن ثانيه المتحرك وذهب رابعه الساكن.
(10) الوقص: حذف الثانى المتحرك.
(11) الاضمار: اسكان الثانى المتحرك.
(13) فى الاصل: «فعلن».
(12) الأحذ: ما حذف منه وتد مجموع.(2/56)
مفاعلتن، تدخل عليه مفتعلن، وهو الأعصب (1) ومفاعيل، وهو المعصوب (2) ومفاعلن، وهو المعقول (3) ومفعولن، وهو الأقصم (4)
ومفاعيل، وهو المنقوص (5)، ومفعول، وهو الأعقص (6) وفاعلن، وهو الأجمّ (7) وفعولن، وهو المقطوف (8).
مفعولات، تدخل عليه مفاعيل وفعولات، وهو المخبون وفاعلات، وهو المطوىّ ومفعولان، وهو الموقوف (9) وفاعلان، وهو المطوىّ الموقوف ومفعولن، وهو المكسوف (10) وفعلان، وهو المخبول (11) وفعولان، وهو المخبون الموقوف وفعلن، بتحريك العين، وهو المخبول المكسوف وفعلن، ساكنة العين، وهو الأصلم (12).
__________
(1) الاعصب: الّذي دخله الخرم فى الابتداء.
(2) المعصوب: ما اجتمع فيه حذف (وهو ذهاب سبب خفيف) وعصب (وهو اسكان الخامس المتحرك).
(3) المعقول: ما حذف خامسه المتحرك.
(4) الاقصم: الّذي دخله العصب مع الخرم.
(5) المنقوص: ما دخله الكف مع العصب.
(6) الاعقص: الّذي يدخله النقص مع الخرم.
(7) الاجم: الّذي يدخله العقل مع الخرم.
(8) المقطوف: ما ذهب من آخره سبب خفيف، وسكن آخر ما بقى. ولا يدخل القطف الا فى العروض والضرب من تمام الوافر.
(9) الموقوف: الّذي سكن سابعه المتحرك.
(10) المكسوف: الّذي حذف سابعه المتحرك.
(11) المخبول: الّذي اجتمع فيه الطى مع الخبن.
(12) الاصلم: الّذي حذف منه وتد مفروق. والكلمة فى الاصل. «الاعلم».(2/57)
واعلم أن معنى هذه الأمثلة التى أدخلتها على الأجزاء هو دخول العلّة عليها، فنقصت منها حروف وزيدت حروف، فحوّل كل جزء منها بعد النقصان والزيادة إلى مثاله من الفعل، وذلك مثل قولك فى «فعولن»: «يدخل عليه «فعلن»، وهو الأثلم. المعنى فى ذلك أن الفاء سقطت منه للعلّة، وهو الثّلم، فصار «عولن» فحوّل إلى مثاله من الفعل، وهو فعلن ساكنة العين، لأنه أحسن فى الألفاظ، فصار المتحرّك من ذلك عوضا من المتحرك، والساكن عوضا من الساكن، وكذلك سائر الأمثلة على هذا الترتيب.(2/58)
واعلم أن معنى هذه الأمثلة التى أدخلتها على الأجزاء هو دخول العلّة عليها، فنقصت منها حروف وزيدت حروف، فحوّل كل جزء منها بعد النقصان والزيادة إلى مثاله من الفعل، وذلك مثل قولك فى «فعولن»: «يدخل عليه «فعلن»، وهو الأثلم. المعنى فى ذلك أن الفاء سقطت منه للعلّة، وهو الثّلم، فصار «عولن» فحوّل إلى مثاله من الفعل، وهو فعلن ساكنة العين، لأنه أحسن فى الألفاظ، فصار المتحرّك من ذلك عوضا من المتحرك، والساكن عوضا من الساكن، وكذلك سائر الأمثلة على هذا الترتيب.
فصل في الحدود
جميع الحدود: حدّان: مثمّن ومسدّس. فالمثمّن خمسة حدود، وهى:
الطويل، والمديد، والبسيط، والمتقارب، والمتقاطر، وهو ما تضمنته الدائرة الأولى والدائرة الخامسة. وسائرها مسدس. ولا ينبنى شيء من جميع الحدود على أكثر من جزءين مختلفين من الأجزاء.
فالطويل، مثمّن، من جزءين مكرّرين مختلفين: خماسى وسباعى:
فعولن مفاعيلن.
والمديد، مثمن من جزءين مكررين مختلفين: سباعى وخماسى: فاعلاتن فاعلن.
والبسيط، مثمّن من جزءين مكرّرين مختلفين: سباعى وخماسى: مستفعلن فاعلن.
هذه حدود الدّائرة الأولى. ويفك المديد (1) من سبب «فعولن» فى الطويل. ويفك البسيط من السّبب الآخر من «فاعلاتن» فى المديد.
والوافر، مسدّس من جزء سباعىّ واحد مكرر: مفاعلتن.
والكامل، مسدّس أيضا من جزء سباعى واحد مكرر: متفاعلن.
هذه حدود الدائرة الثانية. ويفك الكامل من أول فاصلة «مفاعلتن» فى الوافر.
والهزج، مسدّس من جزء مكرّر: مفاعيلن.
والرجز، مسدس من جزء واحد مكرر: مستفعلن.
__________
(1) فى الاصل: «المزيد» تحريف.(2/59)
الثانى: المجزوءة المحذوفة، والمجزوء المقصور، وبيته:
لا يغرنّ امرأ عيشه ... كلّ عيش صائر للزّوال
الثالث: المجزوءان المحذوفان، وبيته:
اعلموا أنّى لكم حافظ ... شاهدا ما كنت أو غائبا
الرابع: المجزوءة المحذوفة، والمجزوء الأبتر، وبيته:
علّقت عيناى رعبوبة ... مثل قرن الشّمس معطارا
الخامس: المجزوءان المحذوفان المخبونان (1)، وبيته:
ربّ رام من بنى ثعل ... مخرج كفّيه من ستره (2)
السادس: المجزوءة المحذوفة المخبونة، والمجزوء الأبتر، وبيته:
ربّ نار بتّ أرمقها ... تقضم الهندىّ والغارا (3)
البسيط
وهو (ستة أنواع: له) ثلاثة أعاريض وستة أضرب:
النوع الأول: المخبونان، وبيته:
يا حار (4) لا أرمين منكم بداهية
لم يلقها سوقة قبلى ولا ملك
الثانى: المخبونة والمقطوع، وبيته:
__________
(1) المخبونان، أى عروضه وضربه.
(2) فى رواية: «كل حي». والبيت لامرئ القيس. وثعل: أبو حي من طيئ وهو ثعل ابن عمرو أخو نبهان.
(3) البيت لعدى بن زيد. والغار: ضرب من الشجر ورقه طيب الريح.
(4) يا حار، يريد: يا حارث. والبيت من أبيات خمسة أوردها العقد الفريد (3: 107)(2/60)
قد أشهد الغارة الشّعواء تحملنى
جرداء معروقة اللّحيين سرحوب (1)
الثالث، وهو المخلّع. والمخلع أربعة أنواع: المجزوءة والمجزوء المذال (2)، وبيته:
سائل سليمى إذا لاقيتها ... هل تبلغنّ بلدة الأبراد (3)
الرابع، وهو ثانى المخلّع، المجزوءان، وبيته.
ماذا وقوفى على رسم عفا ... مخلولق دارس مستعجم (4)
الخامس، وهو ثالث المخلّع، المجزوءة والمجزوء، المقطوع، وبيته:
يصغو ومخلها فى دقة ... لا بدّ حيزومه مثقوب
السادس، وهو رابع المخلّع، المجزوءان المقطوعان، وبيته:
ماذا تذكّرت من أطلال ... أضحت قفارا كوحى الواحى (5)
الوافر
وهو ثلاثة أنواع. له عروضان وثلاثة أضرب:
النوع الأول: المقطوعان، وبيته:
__________
(1) اللحيان: حائطا الفم، وهما العظمان اللذان منهما الاسنان، أوهما اللذان ينبت عليهما العارضان. ومعروفة المحيين، أى عرى لحياها من اللحم، وهو من علامات عتقها.
ويروى: «معروفة الجنبين» والسرحوب: الطويلة على وجه الأرض. وقيل: فرس سرحوب:
سرح اليدين بالعدو. والبيت فى اللسان (عرق) لعمر بن إبراهيم الأنصارى.
(2) أى بعروض مجزوءة وضرب مجزوء مذال.
(3) كذا فى الأصل.
(4) البيت من أبيات خمسة فى العقد الفريد (3: 108)
(5) وحى الواحى: كتابة الكاتب.(2/61)
لنا غنم نسوّقها غزار ... كأنّ قرون جلّتها العصىّ (1)
الثانى: المجزوءان، وبيته:
أهاجك رسم منزلة ... تخرّم أهلها القدر
الثالث: المجزوءة والمجزوء المعصوب. وبيته:
لقد هدم الهوى بدنى ... وضقت لحمله ذرعا
الكامل
وهو تسعة أنواع: له ثلاثة أعاريض وتسعة أضرب:
النوع الأول: التامّان، وبيته:
وإذا صحوت فما أقصّر عن ندى ... وكما علمت شمائلى وتكرّمى (2)
الثانى: التامة والمقطوع، وبيته:
وإذا دعونك عمّهنّ فإنه ... نسب يزيدك عندهنّ حبالا (3)
الثالث: التامة والأحذ المضمر، وبيته:
لمن الديار برامتين فعاقل ... درست وغيّر آيها القطر (4)
الرابع: الأحذّان، وبيته:
لمن الدّيار محى معارفها ... هطل أجش وبارح ترب (5)
__________
(1) جلتها: جمع جليل، وهو العظيم. والبيت لامرئ القيس. وبهذه الرواية رواه ابن عبد ربه فى العقد (3: 210). ورواية الديوان:
ألا إلا تكن إبل فمعزى
(2) البيت لعنترة من معلقته.
(3) البيت للاخطل يهجو جريرا.
(4) رامتان: موضع لبنى دارم. وعاقل. موضع لبنى أبان بن دارم.
(5) ويروى: «دمن عفت ومحا معارفها». والبارح: الريح الحارة فى الصيف. وترب، كفرح: يحمل التراب.(2/62)
الخامس: الحذّاء والأحذ المضمر، وبيته:
ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولجّ فى الذّعر (1)
السادس: المجزوءة والمجزوء المرفّل، وبيته:
عمدوا لجودك يا يزيد ... ولنعم معتمد المسائل
السابع: المجزوءة والمجزوء المذال، وبيته:
شهدت قبائل خندف ... ببلاء قومك فى تميم
الثامن: المجزوءان، وبيته:
وإذا افتقرت فلا تكن ... متخشعا وتجمّل (2)
التاسع: المجزوءة والمجزوء المقطوع، وبيته:
بكت المنابر والكتا ... ئب والعفاة حسيننا
الهزج
وهو نوعان: له عروض واحدة وضربان:
النوع الأول: المحذوفان، وبيته:
صبا قلبى إلى هند ... وهند مثلها يصبى
الثانى: المجزوءة والمجزوء المحذوف، وبيته:
وما ظهرى لباغى الضّ ... يم بالظّهر الذّلول
__________
(1) البيت لزهير يمدح هرم بن سنان. وأسامة: علم جنس للسبع.
(2) يروى: «متجشعا» بالجيم، من الحشع، وهو الحرص على الأكل.(2/63)
الرجز
وهو خمسة أنواع: له أربعة أعاريض وخمسة أضرب:
النوع: الأول التامّان (1) وبيته:
دار لسلمى إذ سليمى جارة ... قفرا ترى آياتها مثل الزّبر
الثانى: التامة والمقطوع، وبيته:
القلب منها مستريح راقد ... والقلب منىّ جاهد مجهود
الثالث: المجزوءان، وبيته:
قد هاج قلبى منزل ... من أمّ عمرو مقفر
الرابع، المشطور، وبيته:
ما هاج أحزانا ... وشجوا قد شجا (2)
الخامس، المنهوكان، وبيته:
* يا ليتنى فيها جذع (3) *
ومثله: * ما الدين إلّا بالورع *
الرمل
وهو ستة أنواع: له عروضان وستة أضرب:
النوع الأول: المحذوفة والتام، وبيته:
__________
(1) فى الأصل: «المحذوفان». مع أن العروض هنا تامة والضرب تام كذلك، أى لم تدخلهما علة، (انظر العقد الفريد والحاشية الكبرى للدمنهورى).
(2) هو للعجاج.
(3) الجذع، يريد الشاب القوى. وهذا البيت يروى لورقة بن نوفل. كما يروى لدريد (انظر الحاشية الكبرى).(2/64)
أبلغ النّعمان عنّى مألكا ... أنّه قد طال حبسى وانتظارى (1)
الثانى: المحذوفة والمقصور، وبيته:
لست أعطى باقتسار خطة ... إنما يفعل هذا بالذليل (2)
الثالث: المحذوفان، وبيته:
قالت الخنساء لمّا جئتها ... شاب بعدى رأس هذا واشتهب
الرابع: المجزوءة والمجزوء المشبع (3)، وبيته:
لان حتى لو مشى ذرّ ... عليه كاد يدميه
الخامس: المجزوءان (4)، وبيته:
كلما أزمعت يأسا ... أطمعت فيك الأمانى
السادس: المجزوءة والمجزوء المحذوف، وبيته:
نحن قتلنا ملوكا ... بالمثنّى أربعة
السريع
وهو سبعة أنواع: له أربعة أعاريض وسبعة أضرب:
النوع الأول: المطويّة المكسوفة والمطوىّ الموقوف، وبيته:
قد يدرك المبطئ من حظّه ... والخير قد يسبق جهد الحريص
الثانى: المطويّان المكسوفان، وبيته:
__________
(1) ساق هذا البيت صاحب الحاشية الكبرى ورواه «وانتظار» شاهدا للمقصور.
وهو لعدى بن زيد من أبيات رويها مكسور مطلق. ومألكا: رسالة.
(2) صدره كما فى الحاشية الكبرى:
* يا بنى الصيداء ردوا فرسى *
(3) هو ما زيد فيه حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف.
(4) فى الأصل: «المحذوفان» صوابه ما أثبتنا.(2/65)
هاج الهوى رسم بذات الغضى ... مخلولق مستعجم محول (1)
الثالث: المطوية المكسوفة والأصلم، وبيته:
هاجت عليّ الشّوق قمريّة ... ناحت فأبكت كلّ مشتاق
الرابع: المخبولان المكسوفان، وبيته:
النّشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكف عنم (2)
الخامس: المخبولة المكسوفة والأصلم، وبيته:
يا هل أريك الظّعن باكرة ... كالنّخل بالبطحاء من ملهم (3)
السادس: المشطورة الموقوفة الممنوعة من الطىّ، [والضرب مثله]، وبيته
* الحمد لله العظيم المنّان *
السابع: المشطورة المكسوفة [الممنوعة من الطى وضربها مثلها]، وبيته
* يا صاحبى رحلى أقلا عذلى *
المنسرح
وهو ثلاثة أنواع: له ثلاث أعاريض وثلاثة أضرب:
النوع الأول: التامة والمطويّ، وبيته:
إن ابن زيد لا زال مستعملا ... للخير يفشى فى مصره العرفاء
وبيته المستقيم من العلل «فاعلات مفتعلن، مطويّان»:
إن عميرا رأى عشيرته ... قد حدبوا دونه وقد أفقوا (4)
__________
(1) محول: حال عليه الحول.
(2) البيت للمرقش من قصيدة له فى رثاء عمه.
(3) ملهم: قرية باليمامة.
(4) أفقوا: بلغوا الغاية.(2/66)
الثانى من المنسرح: المنهوكة الموقوفة الممنوعة من الطى [وضربها مثلها]، وبيته:
* صبرا بنى عبد الدار (1) *
الثالث: المنهوكة المكسوفة الممنوعة من الطى [وضربها مثلها]، وبيته:
ويل أم سعد سعدا (2)
الخفيف
وهو خمسة أنواع: له ثلاث أعاريض وخمسة أضرب:
النوع الأول: التامان، وبيته:
كل حىّ حاس من الموت كأسا ... لا يعرّى منها سوى ذى المعالى
الثانى: التامة والمحذوف، وبيته:
قد عنينا فى العسر واليسر دهرا ... وأفرّت أعراضنا فيهما
الثالث: المحذوفان، وبيته:
إن قدرنا يوما على عامر ... ننتصر منه أو ندعه لكم
الرابع: المجزوءان، وبيته.
ليت شعرى ماذا ترى ... أمّ عمرو فى أمرنا
الخامس المجزوءة والمجزوء المقصور (3)، وهو الّذي ذكره فى الرسالة، وبيته:
كل خطب إن لم تكو ... نوا غضبتم يسير
المضارع
وهو نوع واحد له عروض واحدة وضرب واحد مجزوآن، وبيته:
دعانى إلى سعادا ... دواعى هوى سعادا
__________
(1) هو لهند بنت عتبة يوم أحد. وانظر الشعر فى العقد الفريد والحاشية الكبرى.
(2) من كلام أم سعد بن معاذ رضى الله عنه، لما مات ابنها سعد من جراحة أصابته غزوة الخندق.
(3) وزاد الصبان فى شرح منظومته (ص 21): «المخبون».(2/67)
المقتضب
وهو نوع واحد، له عروض واحدة وضرب واحد مجزوآن مطويان، وبيته
هل عليّ ويحكما ... إن لهوت من حرج (1)
المجتث
وهو نوع واحد، له عروض واحدة وضرب واحد مجزوآن، وبيته:
البطن منها خميص ... والوجه مثل الهلال (2)
المتقارب
وهو خمسة أنواع، له عروضان وخمسة أضرب:
النوع الأول التامّان، وبيته:
فأمّا تميم تميم بن مرّ ... فألفاهم القوم روبى نياما (3)
الثانى: التامة والمقصور، وبيته:
إذا حلّ هذا الهوى فى فؤاد ... فهيهات عنه دواء الطّبيب
الثالث: التامة والمحذوف، وبيته:
وأروى من الشّعر شعرا عويصا ... ينسّى الرواة الّذي قد رووا
__________
(1) وقبله:
أقبلت فلاح لها ... عارضان كالسبج
أدبرت فقلت لها ... والفؤاد فى وهج
ويقال إن الشعر لرجل انشده بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل إن الحديث موضوع: (انظر الرسالة القشيرية).
(2) الشعر لرجل من أهل مكة. وقد ذكر الدمنهورى فى الحاشية سائر الأبيات.
(3) الشعر لبشر. وروبى: جمع روبان، وهو الّذي أثخنه السير. (انظر الصحاح).(2/68)
الرابع: التامة والأبتر، وبيته:
خليلىّ عوجا على رسم دار ... خلت من سليمى ومن ميّه
الخامس: المجزوءان المحذوفان، وبيته:
أمن دمنة أقفرت ... لسلمى بذات الغضى (1)
المتقاطر
(2)
ومنهم من سماه الخبب، ومنهم من سماه المخترع، ومنهم من جعله من المتقارب.
وهو خمسة أنواع: له أربع أعاريض وخمسة أضرب:
النوع الأول: التامّان، وبيته:
أو كبرق بدا ضوؤه موهنا ... فى بشاص كلا مزنة يابس (3)
الثانى: التامة والمذال، وبيته:
قف بنا نسأل الدّار عن أهلها ... إن أجابت لنا الدّار رجع السؤال
الثالث: المقطوعان، وبيته:
كلما عنّ لى منهم ذكر ... عيل صبرى فما أملك الدّمعا
الرابع. المجزوءان المقطوعان، وبيته:
طفلة ناعم بكر ... غادة حبّها يضنى
__________
(1) الهمزة للاستفهام، وهى داخلة على محذوف. والتقدير: أنفف من أجل دمنة.
وفى الأصل: «لمن». وما أثبتنا من الحاشية الكبرى. وشرح الصبان. وزيد فى هذا الاخير لهذا النوع الخامس ضرب ثان أبتر.
(2) الّذي عليه الكثير أنه «المتدارك» واتفق صاحب الحاشية الكبرى والصبان مع المؤلف فى أنه يسمى المخزع والخبب. وزاد الدمنهورى أنه يسمى أيضا: المحدث والمنتسق والشقيق، لأنه أخو المتقارب. ولم يذكرا هذا الاسم الّذي ذكره المؤلف وهو المتقاطر.
(3) كذا ورد هذا العجز فى الأصل.(2/69)
الخامس: المجزوءان المخبونان، وبيته:
منزل باللّوى محيل (1) ... غيّرت رسمه الليالى
وبيته المعلل مخبون، مثل قول امرئ القيس:
الشحط (2) خليطك إذ بكروا ... ونأوا فمضى بهم السّفر
__________
(1) فى نسخه: «خرب».
(2) كذا. ولم نجد البيت فى ديوان امرئ القيس.(2/70)
وهذه صورة الدوائر كما ترى، فالمصفّر من الدوائر علامة المتحرك، والألف علامة الساكن
* قوله: «وتارة تجعله من مصادر اللّفيف».(2/71)
وهذه صورة الدوائر كما ترى، فالمصفّر من الدوائر علامة المتحرك، والألف علامة الساكن
* قوله: «وتارة تجعله من مصادر اللّفيف».
فإنّ اللّفيف من الأفعال ما كان معتلّ العين واللّام (1)، مثل: طوى، وشوى، وكوى، وما شاكله. تقول فى مصادره: طويت الكتاب طيّا، وشويت اللّحم شيّا، وكويت الجرح كيّا. وكان أصله: طويا، وشويا، وكويا.
إلّا أن الواو والياء إذا اجتمعتا وسكنت الأولى منهما قلبت الواو ياء وادغمت الياء فى الياء، ومثل ذلك قولهم: سيّد، وميّت، وهين، وجيّد، وحيّز، للمكان أصل ذلك كله: سيود، وميوت، وهيون، وجيود، وحيوز. فانقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فى الياء. يدل على ذلك أنها فيعل، من السؤدد، والموت، والهوان، والجود، والحوز.
فصل فى مثل ذلك من التصريف
حكم الواو المكسور ما قبلها
إذا انكسر ما قبل الواو وكانت الواو لا ما قلبت ياء، مثل قولهم: غازية، وغادية، وما شاكله. والأصل: غازوة، وغادوة. فإن كانت الواو عينا قويت بتوسّطها ولم تقلب، مثل قولهم: حرل، وعوض، وطول. قال القطامى الثّغلبى:
إنّا محيّوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّول (2)
وإذا كانت الواو عينا فى فعل وجمعته على فعال، قلبت الواو ياء، كقولك:
حوض وحياض، وثوب وثياب، وسوط وسياط. فإن كانت عينا فى فعيل لم تقلب، كقولك: طويل وطوال، وقويم وقوام وذلك للفرق بين الجمعين
__________
(1) يريد اللفيف المقرون.
(2) الرواية فى ديوان القطامى طبعة أوربة: «الطيل». قال الشارح: «الطيل:
الدهر ويروى: الطول، أيضا، وهو من المطاولة».(2/72)
لئلا يلتبس أحدهما بالآخر. وقد قلبت فى جمع فعيل، وهو شاذ. قال الطائى:
تبيّن لى أن القماءة ذلّة ... وأن أعزاء الرجال طيالها
والياء عينين لفعل
وإذا اعتلت عين الفعل بالواو والياء، وانقلبت ألفا فى الماضى، انقلبت الواو والياء همزتين بعد ألف الفاعل، نحو قام فهو قائم، وسار فهو سائر، وهاب فهو هائب. فإن صحّتا فى الماضى صحّتا فى اسم الفاعل نحو: عار فهو عاور، وحول فهو حاول، وصيد فهو صائد، غير مهموز.
الواوان فى أول الكلمة
وإذا اجتمع فى أول الكلمة واوان قلبت الأولى منهما همزة، وذلك فى جمع «واصل» وتصغيره، فتقول فى جمعه: أواصل، وفى تصغيره. أويصل.
والأصل: وواصل، وو يصل. وذلك لكراهية اجتماع واوين فى أول الكلمة وثقل النطق بهما. فأما قوله تعالى: {(مََا وُورِيَ عَنْهُمََا)} فإنما ذلك على أن الواو الثانية مدّت لأنها بدل من ألف «واريت». قال الشاعر (1) فى الهمزة:
ضربت صدرها إلى وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقى
والأصل الواو فى جمع واقية، كعافية وعواف.
هذا رأى أبى عمرو فى نصب الاسم العلم المنادى الّذي جاز ثبوته فى ضرورة الشعر (2)، واعتلّ فى ذلك برده إلى أصله، والخليل ينوّنه ويرفعه على لفظه.
ومثل ذلك قول الفرزدق:
سلام الله يا مطرا عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
فان يكن النّكاح أحلّ شيء ... فإنّ نكاحها مطرا حرام
__________
(1) هو مهلهل بن ربيعة، واسمه عدى.
(2) يريد نصب «عدى» فى البيت السابق.(2/73)
والخليل يرويه «يا مطر» بالرفع، و «يا عدى».
الواوان المتوسطتان
فان توسطت الواوان صحّتا، كقولك فى النسب إلى نوى وهوى: نووى وهووىّ.
جمع فاعل على فعل
وإذا جمعت «فاعلا» من معتل العين على «فعّل» فبناء ذوات الياء على الياء، كقول أبى النجم:
* نباته بين التلاع السّيّل *
وكقول الهذلى (1):
* وإذا هم تزلوا فمأوى العيّل *
وبناء ذوات الواو على الواو، كقولك: صوّم وقوّم. ويجوز البدل بالياء.
لثقل الجمع، فنقول: فى صوم: صيّم، وفى قوم: قيّم. قال الراجز:
لولا الإله ما سكنّا خضّما (2) ... ولا ظللنا بالمشائى قيّما
وقال ذو الرّمة:
ألا طرقتنا ميّة بنت منذر ... فما أرّق النّيّام إلا سلامها (3)
هكذا أنشده ابن الأعرابى بالياء.
__________
(1) هو أبو كبير الهذلى. وصدر البيت:.:. بحمى الصحاب إذا تكون عظيمة.:.
(انظر شرح الحماسة).
(2) خضم، بفتح أوله وتشديد ثانيه وفتحه: موضع. والمشائى، واحدها مشآة، وهى الزبيل، يخرج به تراب البئر. وقيل هى ما آت. والرواية فى معجم البلدان: «طلبنا» مكان «ظللنا» التى هى رواية اللسان، وهى فى الأصل: «ضللنا». (انظر اللسان شأو ومعجم البلدان فى رسم خضم).
(3) البيت فى ديوان ذى الرمة طبعة أوربة (ص 638):
ألا ضلت هى وقد نام صحبتى ... فما نفر التهويم الا سلامها
وأشير فى هامشه الى رواية الأصل.(2/74)
وإذا كان لام الاسم واوا مثل: دلو وحقو (1)، وجمعته على «أفعل» أبدلت كسرة الواو ياء، كقولك: أدل وأحق، والأصل: أدلو وأحقو. فإن جمعته على فعول قلت: دلىّ وحقّى. وكذلك فى جمع: عصا عصيّ، لأنّ أصل ألفها الواو.
والأصل: دلوّ، وعصوّ، وحقو. وربما جاء بعض ذلك على أصله، قال الشاعر:
أليس من البلاء وحبيب قلبى ... وإبضاعى الهموم مع النّجو
فأحزن أن تكون على صديق ... وأفرح أن تكون على عدوّ (2)
النّجو: السحاب، هاهنا، جمع نجو (3).
وحكى أبو حاتم (4) عن أبى زيد (5) فى الصدر (6): يهو وبهوّ، وبهىّ. وحكى ابن الأعرابى: أب وأبوّ، وأخ وأخوّ. وأنشد للقنانى (7) يمدح الكسائى: (8)
أبى الذّم أخلاق الكسائى وانتمى ... إلى (9) المجد أخلاق الأبوّ السوابق
جمع ما لامه واو
فان جمعته على «فعال» قلبت الواو همزة، كقول حسان:
لسان صارم لا عيب فيه ... وبحرى لا تكدّره الدّلاء
* قوله: «يحلّ منه قوة بعد قوة، وتحطه من ربوة إلى هوّة وزمان كأبي
__________
(1) الحقو: موضع شد الازار، وهو الخاصرة.
(2) فى الأصل: «وأفرح» «وأحزن». وما أثبتنا من التعريف الملوكى.
(3) فى الأصل: «وجمعه نجو». صوابه ما أثبتنا.
(4) هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم، ابو حاتم السجستانى، من ساكنى البصرة.
توفى بين الثماني والاربعين والخمس والخمسين بعد المائتين عن تسعين سنة. (انظر البغية).
(5) هو سعيد بن اوس بن ثابت بن بشير ابو زيد الانصارى الامام المشهور. وجده أحد الستة الذين جمعوا القرآن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. توفى سنة خمس عشرة ومائتين عن ثلاث وتسعين سنة بالبصرة. (انظر البغية).
(6) فى الاصل: «السور» وما اثبتنا من التصريف الملوكى. وليس لأبى زيد كتاب قريب فى رسمه من رواية التصريف إلا كتابه «المصادر» ولا ندرى إن كان المراد هو أو غيره.
(7) القنانيّ: نسبة إلى قنان، جبل، وهو أستاذ الغراء. (انظر معجم البلدان فى رسم قنان).
(8) هو على بن حمزة البصرة من العلماء فى الأدب. توفى سنة 275هـ (انظر بغية الوعاة).
(9) فى الأصل: «وانتمت به» وما أثبتنا من التصريف الملوكى.(2/75)
قابوس، فى النعيم والبوس، يسيء بذوى الإحسان، ويشكر ثم يشكى بلسان يثيب المحسن بعقوبة وكيد، كما صنع بعبيد وعدىّ بن زيد».
الربوة: المكان المرتفع، وقد تقدم ذكرها، وجمعها ربى. والهوّة: المكان المنخفض، وجمعها هوى.
أبو قابوس، كنية النّعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ القيس بن عمرو ابن عدىّ بن نصر، الملك اللّخمى، صاحب الغريّين والطّربالين. والطّربالان:
صومعتان، كان يغرّيهما بدم من يقتله إذا ركب يوم بؤسه. وكان له يومان يوم يسميه يوم نعيم، إذا ركب فيه ولقيه من يستحق العقوبة حيّاه وأكرمه وأبلغه مناه.
ويوم يسميه يوم بؤس، إذا ركب فيه ولقيه فيه من أوليائه من يستحق الحباء والإحسان قتله ومثّل به. فلقيه عبيد بن الأبرص الشاعر، من بنى أسد، فى يوم بؤسه، وكان له وليّا، فقال له النعمان: ما جاء بك فى هذا اليوم؟ وددت لو أنك لقيتنا فى غيره. فقال عبيد: أتتك بحائن رجلاه. فأرسلها مثلا. فقال له النعمان: أنشدنا شعرك الّذي تقول فيه:
أقفر من أهله ملحوب (1)
فقال عبيد:
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا نبدى ولا نعيد
فقال له النعمان، تمنّ ما شئت غير نفسك، فلا بد من القتل. فقال:
لا أجد شيئا أعزّ عليّ من نفسى فأتمناه فقتله فى ذلك اليوم.
الكيد: المكر والعداوة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً}.
وأما عدىّ بن زيد [بن حمّاد بن زيد] بن أيوب بن محروف العبادىّ (2)
الشاعر، فهو من تميم بن مرّ. وكان من خبره أنه كان كاتب كسرى أبرويز [بن]
__________
(1) صدر البيت الأول من معلقته، وعجزه:
* فالقطبيات فالذنوب *
(2) التكملة من الطبرى والأغانى وابن الأثير.(2/76)
هرمز بن كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد، الملك الفارسىّ، يترجم له بالفارسية ما يرد من كتب العرب. وكان النعمان بن المنذر نشأ فى حجر آل عدىّ بن زيد، فطلب كسرى رجلا يستعمله على العرب، فاحتال عدىّ بن زيد فى توليته النّعمان، وكان له فيه هوى لتربيتهم إيّاه، وكان للنّعمان عدة إخوة. فقال عدىّ لكل واحد من إخوة النّعمان: إذا قال لك الملك: أتكفينى العرب كلها؟ فقل: نعم، أكفيك العرب كلّها ما خلا بنى أبى. فأدخلهم واحدا واحدا على كسرى، وهو يسألهم، ويجيبونه بما قال لهم عدىّ بن زيد. ثم أدخل النّعمان على كسرى بعد إخوته، وكان أزراهم منظرا. وقال له: إذا قال لك الملك: أتكفيني العرب كلها؟ فقل: نعم أكفيك العرب كلها. فإذا قال: وتكفينى بنى أبيك؟ فقل: إذا لم أكفك بنى أبى فكيف أكفيك العرب كلّها. فسأله كسرى. فقال له كما قال له عدّى. فولّاه على جميع العرب بسبب عدىّ ولطف احتياله. وكان عدىّ [بن] مرينا مع بعض إخوة النعمان، وكان ببغض عديّا ويحسده. فجعل عدىّ بن مرينا يقع فى عدىّ بن زيد عند النعمان ويحمّله عليه ويقول للنّعمان: إنه يحقرك ولا يعرف قدرك، ولا آمن أن يشى بك إلى كسرى. فغضب النعمان من ذلك وبعث إلى عدىّ بن زيد يستزيره. فأتاه عدى. فأمر النعمان بحبسه والتضيق عليه. فقال فى السجن أشعارا كثيرة يستعطف النعمان فيها، منها قوله:
أبلغ النّعمان عنى مألكا ... أنه (1) قد طال حبسى وانتظارى
لو بغير الماء حلقى شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصارى (2)
قاعدا يكرب نفسى بثّها (3) ... وحراما كان حبسى (4) واحتقارى (5)
__________
(1) فى رواية: «أننى».
(2) الاعتصار: أن يغص الانسان بالطعام فيعتصر بالماء، وهو أن يشرب به قليلا قليلا.
(3) يكرب نفسى بثها: يشتد عليها حزنها.
(4) فى رواية: «سجنى».
(5) كذا. وفى رواية: «واحتصارى» ولعلهما محرفتان عن: «واحتضارى» كما ذهب إليه مصححو الاغانى.(2/77)
وعداتى شمتت أعجبهم ... أننى غيّبت عنهم فى أسارى
لامرئ لم يبل منّى سقطة ... إن أصابته ملمّات العثار
وقال:
ألا من مبلغ النّعمان عنّى ... وقد تهدى النّصيحة بالمغيب
أحظّى كان سلسلة وقيدا ... وغلا والبيان لدى الطّبيب
أتاك بأننى قد طال حبسى ... فلم تسأم لمسجون غريب (1)
وبيتى مقفر الأرجاء فيه ... أرامل قد هلكن من النّحيب (2)
يبادرن الدموع على عدىّ ... كشنّ خانه خرز الرّبيب (3)
يحاذرن الوشاة على عدىّ ... وما قرفوا (4) عليه من الذّنوب
فقد أضحى إليك كما أرادوا ... وقد ترجى الرغائب ملمثيب (5)
فإن أخطأت أو أوهمت أمرا ... فقد يهم المصافى بالحبيب
وإن أظلم فقد عاقبتمونى ... وإن أظلم فذلك من نصيبى
فهل لك أن تدارك ما لدينا ... ولا تغلب على الرأى المصيب
فإنّى قد وكلت اليوم أمرى ... إلى ربّ قريب مستجيب
وباتت عنده امرأته أميمة (6) ليلة فى السجن ومعها ابنته هند جويرية صغيرة.
__________
(1) فى الاغاني: «حريب». والحريب: الّذي سلب ماله.
(2) الرواية فى الاغانى:
وبيتى مقفر إلا نساء ... أرامل قد هلكن من النحيب
(3) الشن: الخلق من كل آنية صنعت من جلد. والربيب: من رب الامر، إذا أصلحه.
(4) فى الاغانى: «اقترقوا».
(5) ملمثيب، أى من المثيب. ولم يرو أبو الفرج هذا البيت.
(6) فى الأصل: «أمية». تحريف.(2/78)
فلما رأت الغلّ قالت: يا أبت، أى شيء هذا فى يدك؟ فبكت أمها من ذلك وبكت هى. فقال يذكر ذلك فى شعره.
ولقد ساءنى زيارة ذى قر ... بى صغير لودّنا مشتاق (1)
ساءها ما بنا تبيّن فى الأي ... دى وإشناقها إلى الأعناق (2)
فلما نامت الصبيّة دنت منه أمها فحدّثته ساعة، ثم قال:
فاذهبى يا أميم غير بعيد ... لا يؤاتى العناق من فى الوثاق
واذهبى يا أميم إن يشأ الل ... هـ يفرّج من أزم هذا الخناق (3)
أو تكن وجهة فتلك سبيل النّ ... اس لا تمنع الحتوف الرواقى (4)
فلما بعث إلى النعمان بأشعاره رقّ له وندم على ما جاء منه. فخشى أن يخلى عنه فيمكر به. وقد عرف ذنبه إليه. فتركه حتى جاءه كتاب من كسرى فى أمر عدّى فقطع به. فأمر حرس السجن بقتل عدىّ فقتلوه، وقال: إنه كان يتشكّى.
وأمر رسولى كسرى أن يدخلا السجن. فدخلا عليه وهو ميّت، وأعطاهما النعمان ذهبا ليحسنا عذره عند كسرى، ففعلا.
وكان لعديّ بن زيد ولد يقال له: زيد بن عدىّ، وكان أديبا عاقلا، فتوصّل زيد بن عدّى إلى كسرى حتى أحله محلّ أبيه، ثم جعل زيد بن عدىّ يذكر نساء آل المنذر بالجمال والأدب، ويصفهنّ لكسرى ويرغبه فيهن، حتى اشتقاق إلى النكاح منهن. فقال زيد بن عدّى: ابعث أيها الملك إلى النعمان
__________
(1) الرواية فى الاغاني: «حبيب» مكان «صغير».
(2) الاشناق: أن تغل اليد إلى العنق. وهذه الرواية تتفق ورواية الاغاني واللسان (شنق). والرواية فى اللسان (يدى):
ساءها ما تاملت فى أيادي ... نا واشناقها إلى الاعناق
(3) الازم: الشدة. والرواية فى الاغاني: «ينفس» مكان «يفرج».
(4) الرواق: جمع راقية، للمذكر والمؤنث، والهاء للمبالغة.(2/79)
فى نكاح بعض بناته، وما أظنّه يجيبك إلى ذلك احتقارا لك. فكتب كسرى إلى النعمان كتابا فى بعض بناته، وأرسل رسولين، ومعهما زيد بن عدىّ. فلما دخلوا على النعمان قرأ الكتاب. فقال له النعمان: وما يصنع الملك بنسائنا وأين هو عن مها السواد والمها: البقر الوحشية. والعرب تشبه النساء بالها فحرّف زيد القول وقال: إنه قال: أين هو عن البقر لا ينكحهنّ. فطلب كسرى النعمان. فهرب منه حينا، ثم بدا له أن يأتيه بالمدائن فأتاه. فلقيه زيد بن عدىّ، فقال له: انج (1) نعيم، بالتصغير. فقال النعمان: لألحقنك بأبيك: قال زيد بن عدىّ:
إنى قد شددت لك أخيّة (2) لا يقطعها المهر الأرن (3). فأمر. كسرى فصف له ثمانية آلاف جارية صفّين، فلما صار بينهن قلن: أما للملك فينا غنى عن بقر السّواد. فعلم النعمان أنه غير ناج منه. ثم أرسل إليه: أنت القائل: عليك ببقر السواد؟ فأرسل إليه النعمان يعتذر. فأبى أن يقبل منه، وأمر به فبطح فى ساباط الفيلة. فوطئته حتى مات. فقال الأعشى يذكر أبرويز:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ... نحور فيول بعد بيت مسردق (4)
وفنى ملك آل المنذر. وولى كسرى إياس بن قبيصة الطائى، فوليها ثمانية أشهر، ثم مات إياس بعين التمر (5)، واضطرب آل كسرى وضعف ملكهم، وظهر الاسلام.
وروى أن الحرقة بنت النعمان بن المنذر استأذنت فى الدخول على سعد
__________
(1) فى الأصل: «لج». وما أثبتنا من الأغانى.
(2) الأخية، كابية، وبتخفيف الياء، وبالمد مع تشديد الياء: عود يعرض فى الحائط ويدفن طرفاه فيه ويصير وسطه كالعروة، تشد إليه الدابة.
(3) الارن: النشيط.
(4) المسردق: الّذي يكون أعلاه وأسفله مشدودا. والبيت ليس فى ديوان الاعشي. وهو فى اللسان (سردق) منسوب إلى سلامة بن جندل. والرواية فيه.
«صدور» مكان «نحور».
(5) عين التمر: لدة قريبة من الانبار غربي الكوفة: (انظر معجم البلدان).(2/80)
ابن أبى وقّاص بالكوفة، وذلك بعد وقعة القادسيّة، وكانت فى حياة أبيها إذا خرجت (1) خرجت معها مائتا جارية، يفرشن لها الديباج، ويسترنها بمطارف الخزّ. فأذن لها سعد، فدخلت امرأة متضائلة. فقال لها سعد: أنت حرقة؟ قالت:
نعم. فكرّر عليها ثلاثا. فقالت: وما الّذي يعجبك من أمرى يا سعد؟ كنّا ملوك هذا المصر يجبى إلينا خرجه، ويطيعنا أهله، أيام المدة والدولة فلما حلّ القدر، وأدبر الأمر، صاح بنا صائح الدهر ففرّق شملنا، وصدع عصانا، وسلبنا ملكنا.
وكذلك الدهر يا سعد ليس يأتى قوما بحبرة، إلا وأعقبهم عبرة. وأنشأت تقول:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيه سوقة نتنصّف (2)
فأفّ لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلّب تارات بنا وتصرّف
* قوله: «يختلف بصرفه الملوان، فى النّبات والحيوان فلخيره من الشرّ عقيب، وعلى النّعم من النّقم رقيب كما اعتقب فى الطويل عقيبان، وارتقب فى المضارع رقيبان وذلك أنّ من المحال، حذفهما معا فى حال إلا فى شعر شاذّ، قمن بإشقاذ وأعباء المئونة، تفتقر إلى معونة افتقار السّبعة النّواقص إلى الأربع الصلات، وعوائدها التى هى عنها غير منفصلات».
صرف الدهر: حدثانه. والملوان: الليل والنهار. قال ابن مقبل العامرىّ تميم بن أبىّ:
ألا يا ديار الحىّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان (3)
وهما (4) أيضا الجديدان والعصران. قال النابغة:
__________
(1) فى نسخة: «خرجت البيعة خرج».
(2) تنصف: خدم.
(3) السبعان: موضع معروف فى ديار قيس. وأمل عليها: ألح عليها حتى أثر فيها.
والبيت فى اللسان (مل، ملو). وفى معجم البلدان (فى رسم سبعان) من أبيات ثلاثة، غير أن ياقوت لم يقطع بنسبتها لابن مقبل فزاد: «وقيل لابن أحمر».
(4) وهما، يريد الليل والنهار.(2/81)
لم يلبث العصران أن عصفا ... ولكلّ باب يسّرا مفتاحا
ومثله لحميد بن ثور:
ولا (1) يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
العقيب: المعاقب. والرّقيب: الحارس. ومنه قوله تعالى: {إِلََّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. والعقيبان، فى الطويل: الياء والنون من «مفاعيلن».
والرقيبان، فى المضارع أيضا: الياء والنون من «مفاعيلن» إذا سقط أحدهما ثبت الآخر. «حذفهما معا»، يعنى أن العقيبين والرقيبين لا يجوز حذفهما معا فى حال واحدة. والشاذ: القليل الّذي لا يعتد به. ويقال: هو قمن بكذا وقمن وقمين، كل ذلك بمعنى، فإذا كسرت ميمه ثنّيت وجمعت، وإذا فتحت الميم لم يجز التثنية ولا الجمع. الإشقاذ: الإقصاء والإبعاد. قال عامر بن كثير المحاربىّ:
لقد (2) غضبوا عليّ وأشقذونى ... فصرت كأننى فرأ متار (3)
والفرا: حمار الوحش. ومتار: مطرود تارة بعد تارة. والأعباء: جمع عبء، وهو الثّقل.
السبعة النواقص
والسبعة النواقص، هى: الّذي، والتى، وما، ومن، وأن، وأى، والألف واللام، فى اسم الفاعل واسم المفعول. بجمعها قول الشاعر:
ألا إن أسماء النواقص سبعة ... وهى الّذي ثم التى ثم ما ومن
وأى بعد هذا ثم لام مضافة ... إلى ألف من بعد ذلك ثم أن
__________
(1) الرواية فى اللسان والديوان: «ولن»
(2) قبله فى اللسان (شقذ):
فاني لست من غطفان أصلي ... ولا بينى وبينهم اعتشار
والاعتشار: العشرة.
(3) قال ابن حمزة: هذا تصحيف. وإنما هو «منار» بالنون، يقال: أنرته، بمعنى أفزعته. ومنه: النوار، وهى النفور. (انظر اللسان شقذ).(2/82)
هذه الأسماء السبعة لا تتم إلا بصلاتها، وصلاتها أربع: الفعل وما اتصل به من فاعل ومفعول وغير ذلك، والظرف، والمبتدأ وخبره، والجزاء وجوابه.
ولا يفرق بينها وبين صلاتها بشيء ليس من الصلة، ولا يجوز تقديم صلاتها عليها، ولا توقع بعد أخبارها، ولا يجوز نعت الاسم الموصول ولا توكيده ولا العطف عليه، ولا الاستثناء منه إلّا بما صلته. وانما لم يجز ذلك لأنّه مع صلته بمنزله اسم واحد، تقول فى «الّذي» إذا وصلته بالفعل: الّذي قام زيد.
فالّذى، رفع بالابتداء، وقام، صلته. وفى «قام» ضمير، يعود على «الّذي».
وتقول فى التّثنية: اللّذان قاما الزيدان وفى الجمع: الذين قاموا الزيدون. فإذا وصلت بالظرف قلت: الّذي أمامك زيد، والّذي خلفك عمرو، والّذي فى الدّار أخوك. وإذا وصلته بالابتداء والخبر قلت: الّذي أبوه منطلق زيد، فالذى مبتدأ.
وخبره زيد. وصلة «الّذي» قولك «أبوه منطلق». فالأب، مبتدأ ثان، وخبره «منطلق»، والهاء، فى قولك «أبوه» هى العائد على «الّذي». وتقول إذا وصلته بالجزاء: الّذي إن يأته تأتك زيد. فالّذي، مبتدأ، وخبره «زيد». والجزاء وجوابه صلة. ومثله: الّذي إن تكرمه يكرمك زيد، وما أشبه ذلك. وسبيل «ما» «ومن» سبيل الّذي فى الصّلة، إلا أنهما يقعان فى التّثنية والجمع بلفظ واحد على المذكر والمؤنّث والاثنين والجميع، كقولك: من (1) قام الزيدون، توحّد الفعل، وإن شئت ثنّيته وجمعته فقلت: من قاما الزيدان، ومن قاموا الزيدون. وقد جاءت اللّغتان فى كتاب الله تعالى فى توحيد الفعل:
{(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)}. وقال فى جمعه: {(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)}.
وقال الفرزدق:
تعشّ فإن عاهدتنى (2) لا تخوننى ... تكن مثل من يا ذئب يصطحبان
__________
(1) فى الأصل: «من قولك قام» ولا يستقيم الكلام بهذه الزيادة.
(2) فى رواية: «وافقتنى».(2/83)
وتقول فى المؤنّث: من قام هند، ومن قام الهندان، ومن قام الهندات.
وإن شئت قلت: من قامت هند، ومن قامتا (1) الهندان. ومن قمن الهندات.
وقد قرئ فى كتاب الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ وَرَسُولِهِ} بالتّاء والياء، على الوجهين جميعا.
وسبيل «ما» سبيل «من» فى قولك: ما أكلت الخبز، وما شربت الماء. وسبيل «أى» إذا كانت خبرا سبيل «ما» و «من». كقولك:
أيّهم فى الدّار أخوك. تريد: الّذي فى الدّار أخوك. وكذلك: أيّهم قام عمرو، وما أشبهه.
و «أن» إذا كانت بتأويل المصدر كقولك: أحبّ أن تقوم، ويعجبنى أن تقوم.
والألف واللّام، إذا كانتا بمعنى الّذي والّتي فى اسم الفاعل والمفعول المشتقين من الأفعال، كقولك: القائم زيد، والخارج عمرو. وتقديره: الّذي قام زيد، والّذي خرج عمرو وفى التّثنية: القائمان الزيدان وفى الجمع: القائمون الزيدون. وتقديره: اللّذان قاما الزّيدان، والذين قاموا الزيدون، هذا فى اللّازم. وتقول فى المتعدى: الضارب عمرا زيد، والضاربان العمرين الزيدان، والضاربون العمرين الزيدون، هذا فى الإخبار عن الفاعل. فإذا أخبرت عن المفعول قلت: الضاربة [زيد] عمرو. وتقديره: الرّجل الّذي ضربه زيد عمرو.
وفى التثنية والجمع: الضّاربهما الزّيدان العمران، والضاربهم الزيدون العمرون.
* قوله: «وجار على غير السّبيل جار، لا ينسخ ليله بإفجار شاركته فى الطّبع بالجوار، شركة إعراب الجوار، فى الخطاب والحوار فالرّواة منه فى أمر مريج، لا يتّفق له العلماء على تخريج وحاسد، يبيع الثمين بكاسد ويروم تغطية
__________
(1) فى الأصل: «قامت».(2/84)
الشمس، براحته وأنامله الخمس ينظر سليم الطرف بأحوله، نظر آخر الرجز إلى أوله وخليل كاسمه خليل، بين الصّحيح والعليل يمد الكفّ إلى الجرباء، ويتلوّن تلوّن الحرباء فهو كالدخيل المروى، بين الأساس والروى».
السبيل: الطريق الواضح، يذكر ويؤنّث. والإفجار: موافاة الفجر.
الحوار، بالكسر (1): الجواب يقال: كلمته فما ردّ إلى حوارا وحويرا ومحورة. والحوار، بالضم: ولد الناقة. قال الشاعر يصف الإبل:
رعت قطنا حتى كأن حوارها ... ملمّعة دأياته بطلاء (2)
والطّلاء هاهنا: القطران. والدأيات: فقار الظهر، واحدتها دأية ولذلك قيل للغراب: ابن دأية.
وإعراب الجوار، فى مثل قول امرئ القيس:
كأن ثبيرا فى عرانين وبله ... كبير أناس فى بجاد مزمل (3)
ولم يوجد لخفضه علة غير جوار ما قبله، وهى علة ضعيفة. وكان الأصمعى يرويه «مزمّل» بالرفع على الإكفاء، وهو من عيوب الشعر.
الرواة: جمع راوية للحديث والعلم. والمريج: المختلط. ومنه قوله تعالى:
{فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}. قال أبو دواد:
مرج الدّين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد (4)
__________
(1) وزاد اللسان: «الحوار» بفتح الحاء.
(2) قطن: جبل ينجد فى بلاد بنى أسد.
(3) ثبير: جبل. والعرانين: الأوائل. والوبل: ما عظم من القطر. والبجاد:
الكساء المخطط. ومزمل: ملتف، وهو نعت لكبير وحقه الرفع فجره على الجوار.
(4) يقال: مرج العهد والامانة والدين: فسد. والحارك: أصل الكاهل. والكتد (بفتح التاء وكسرها مع فتح الكاف): مجتمع الكتفين. وفى الأصل: والكتل» تحريف.
(انظر اللسان مرج).(2/85)
فأما قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ} فإنما هو خلّاهما فأرسلهما.
والثمين: غالى الثمن كثيره من كل شيء. والكاسد: ضد الثمين يقال:
كسدت السّلعة ومنه قوله تعالى: {وَتِجََارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسََادَهََا}. ويقال: إنّ الكسيد: الدّون من كل شيء (1).
كلام في الرجز
«نظر آخر الرجز». يعنى أن أول الرجز سالم تام وآخره ناقص قد دخلت عليه العلل، وقد تقدّم ذكره. ومن النّاس من لا يرى الرّجز شعرا، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا ابن عبد المطلب، أنا النبىّ لا كذب». والله تعالى يقول: وما علمناه الشّعر وما ينبغى له.
الخليل، الأول: الصّديق، وهو من المخالة، وهى المصادقة، قال طرفة:
كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه (2)
كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه اللّيلة بالبارحه
والخليل الثانى: مأخوذ من إخلال المودة، وهو نقصانها، ومنه اختلال الجسم، وهو نقصانه. والخليل. الفقير، وهو من إخلال الحال. والجرباء:
السماء. قال ذو الرّمة:
كأنّ فى كبد الجرباء حاجته ... يرعى كواكبها طورا ويرتقب (3)
والحرباء. فى هذا الموضع: ذكر أم حبين. والحرباء، أيضا: مسامير الدرع. قال لبيد يصف درعا:
__________
(1) ومنه قول الشاعر:
إذ كل حي نابت بأرومة ... نبت العضاه فماجد وكسيد
(2) الواضحة: الاسنان التى تبدو عند الضحك، صفة غالبة. والرواية فى اللسان (وضح) «صافيته» مكان «خاللته». وقبل هذين البيتين:
اسلمنى قومى ولم يغضبوا ... لسوأة حلت بهم فادحه
والأبيات الثلاثة قالها طرفه لعمرو بن هند يلومه ويلوم قومه على منذ لانهم.
(انظر شرح ديوان طرفة).
(3) البيت ليس فى ديوان ذى الرمة.(2/86)
أحكم الجنثىّ من عوراتها ... كلّ حرباء إذا أكره صلّ (1)
والحزباء: الأرض الغليظة، بالزاى. وحزابىّ المتن: لحماته (2).
والدخيل: الحرف الّذي بعد ألف التّأسيس، ولا يلزم الشاعر إعادته بعينه وتكريره، وأى حروف المعجم، ما وقع بعد ألف التأسيس، فهو الدخيل.
الروى وحروفه وحركاته
والروى: الحرف الّذي تبنى عليه القصيدة. وسنذكر فى هذا الموضع جملة مختصرة من علم الرّوى يستدل بها من وقف عليها، فمن أحبّ علم ذلك بكماله فهو فى مختصرنا المعروف: كتاب بيان مشكل الرّوى، وصراطه السّوىّ.
اعلم أن الروى على وجهين: مطلق ومقيّد. فالمطلق ما كان متحركا موصولا.
ووصله بأحد أربعة أحرف، وهى: الهاء، والواو، والياء، والألف. هذه حروف الوصل التى تأتى بعد الرّوى المتحرّك، ولا يأتى بعدها شيء من الحروف، إلّا أن تتحرك هاء الصّلة فيجىء بعدها الخروج. والخروج أحد ثلاثة أحرف.
وهى: الألف، والواو، والياء. ولا يكون بينه وبين الرّوى حرف غيره.
ويأتى قبل الروىّ أيضا التأسيس والدّخيل. فالتأسيس لا يكون إلا ألفا ساكنة بينها وبين الرّوى حرف يسمى الدخيل. فهذه الحروف التى تأتى قبل الروى وبعده.
وأما الحركات فهى ستّ، وهى: الرّسن، والحذو، والتّوجيه، والإشباع، والمجرى، والنفاذ. فالرّسن: حركة ما قبل ألف التأسيس. والحذو: حركة ما قبل الرّدف. والتّوجيه: حركة ما قبل الرّوى فى المقيّد، والفرّاء يسمى الدخيل توجيها، ويسمّيه، إذا دخل الفتح فيه على الكسر والضم، دخيلا. والإشباع: حركة الدّخيل فى الشعر المطلق، ذكر ذلك سعيد بن مسعدة. وقيل إنّ الخليل لم
__________
(1) الجثى، بالكسر والضم:؟؟؟ أو الحداد. وقيل فى بيت لبيد: الجنتى: السيف بعينه. وأحكم، أى رد الحرباء، وهو المسمار من عوراتها، السيف.
(2) يظهر أن الكلام من قولى «والخرباء» إلى هنا استطراد.(2/87)
يذكره. والمجرى: حركة الرّوى. والنفاذ: حركة هاء الوصل.
المقيد وأقسامه
والمقيد من الرّوى ما سكّن حرف رويّه. وهو ينقسم على ثلاثة أضرب:
مقيّد مجرّد، ومقيّد مردف، ومقيّد مؤسّس.
فالمقيّد المجرد لا يلزمه من الحروف إلّا حرف واحد، وهو الرّوى، ولا من الحركات إلّا حركة واحدة، وهى التّوجيه فقط، وهى مثل قول الشاعر، وهو لبيد:
إنّ تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن الله ريثى وعجل
فاللّام روىّ والحركة التى قبله توجيه.
والمقيد المردف يلزمه حرفان، وهما: الرّدف، والرّوى وحركة واحدة، وهى الحذو. وهو مثل قول الشاعر:
يا صاح ما هاجك من رسم خال ... ودمنة تعرفها وأطلال
اللام روىّ، والألف الّذي قبله ردف، والفتحة التى قبل الألف حذو.
وأمّا ياء الرّدف وواوه فيعتقبان فى القصيدة لأن الضمة أخت الكسرة، ولا يجوز دخول الألف معها، وذلك مثل قول الشاعر:
يا أمة الواحد فيم الصّدود ... والقلب عان فى هواكم عميد
فالدّال روى، والواو والياء ردف، والضمّة التى قبل الواو والكسرة التى قبل الياء حذو.
والمقيد المؤسّس يلزمه حركتان وثلاثة أحرف، فالحركتان الرّسن والتوجيه. والأحرف: التّأسيس، والدّخيل، والرّوىّ. وهو مثل قول الشاعر:
نهنه فؤادك إنّ من ... يبكى من الحدثان عاجز
فالزاى روى، والجيم دخيل، وحركته إشباع. والألف التى قبل الجيم تأسيس، والحركة التى قبلها رسن.
والمطلق ينقسم على ثلاثة أضرب: مطلق يلزمه الخروج، ومطلق مردف،(2/88)
نهنه فؤادك إنّ من ... يبكى من الحدثان عاجز
فالزاى روى، والجيم دخيل، وحركته إشباع. والألف التى قبل الجيم تأسيس، والحركة التى قبلها رسن.
والمطلق ينقسم على ثلاثة أضرب: مطلق يلزمه الخروج، ومطلق مردف،
المطلق وأقسامه
ومطلق يلزمه التّأسيس والخروج.
فالمطلق المجرّد يلزمه حرفان، وهما الرّوىّ والوصل وحركة واحدة، هى المجرى. وهو مثل قول امرئ القيس:
وتعطوا برخص غير شئن كأنّه ... أساريع ظبى أو مساويك إسحل (1)
ومثله قول الأعشى:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهّدا (2)
ومثله قول أبى ذؤيب:
أمن المنون وربيها تتوجّع ... والدّهر ليس بمعتب من يجزع (3)
ومثله قول طرفة:
أشجاك الرّبع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه (4)
واللام والدال والعين والميم فى هذه الأبيات، كلّ حرف منها رويّ للبيت الّذي هو فيه. فالياء التى بعد اللام، والألف التى بعد الدال، والواو التى بعد العين، والهاء التى بعد الميم، كل حرف منهنّ وصل للرّوى الّذي قبله.
وحركة الرّوى المجرى (5).
__________
(1) تعطوا: تناول. ورخص، أى يبنان رخص. وغير شئن، أى غير كز غليظ. وظبى:
كثيب. والأساريع: جمع أسروع، وهى دابة تكون فى الرمل ظهرها أملس، والاسحل:
شجر له اغصان ناعمة.
(2) ليلة أرمد، اى كليله أرمد.
(3) ويروى: «وريبه» مكان «وريبها». إذ المنون بمعنى الدهر والمنية.
(4) الحمم: كل ما احترق من النار.
(5) فى الأصل: «المجرعة» تحريف.(2/89)
والمطلق المردف يلزمه حركتان: الحذو والمجرى وثلاثة أحرف: الردف، والروى، والوصل. وهو مثل قول القطامى فيما كان ردفه ألفا:
قفى قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا (1)
فالعين روى، والألف التى بعدها وصل، وحركة العين المجرى، وحركة ما قبل الردف حذو.
وما كان ردفه واوا أو ياء فى المطلق، كقول امرئ القيس:
أبلغ سلامة أنّ الصبر مغلوب ... وإنّما حبّها شوق وتعذيب (2)
ومثله قول الآخر:
وما أنا للشّيء الّذي ليس نافعى ... ويغضب منه صاحبى بقئول
والمطلق الّذي يخرج يلزمه حركتان وثلاثة أحرف. فالحركتان: المجرى، والنفاذ. والأحرف: الوصل، والروى، والخروج. وهو مثل قول [ابن] هرمة فيما كان خروجه ألفا:
إنّ سليمى والله يكلؤها ... ضنّت بشيء ما كان يرزؤها
فالهمزة روى، والهاء وصل، والألف خروج، وحركة الهمزة مجرى، وحركة هاء الوصل نفاذ. وما كان خروجه ياء مثل قول الكميت:
وعلمك (3) جهل إذا ما وثقت ... بمن ليس يؤمن من غدره
وما كان خروجه واوا مثل قول الشاعر:
وبلد يضلّ فيه ركبه ... ما زلت حتى ذلّ عندى صعبه
والمطلق المؤسس الّذي يلزمه الردف والخروج يلزمه أربعة أحرف وثلاث
__________
(1) ضباعة، هي بنت زفر بن ضبة بن الحارث الكلابى. يقول: لا يكونن ذلك وداعا. أى آخر ما يكون منك آخر العهد. (انظر ديوان القطامي طبعة أوربة ص 37).
(2) لم يرد هذا البيت فى ديوان امرئ القيس. وله قصيدة من هذا البحر والروى.
(3) فى الاصل: «وعلفك». ظاهر أن صوابه ما أثبتنا.(2/90)
حركات. فالأحرف: الردف، والروىّ، والوصل، والخروج. والحركات: الحذو، والمجرى، والنفاذ. وهو مثل قول لبيد فيما كان خروجه ألفا:
عفت الدّيار محلها فمقامها ... بمنى تأيد غولها فرجامها (1)
الميم روى، وحركته مجرى، والهاء التى بعد الميم وصل، وحركتها نفاذ، والألف التى بعد الهاء خروج، والألف التى قبل الميم ردف، والفتحة التى قبلها حذو. وما كان خروجه واوا مثل قول رؤبة:
وبلد عامية أعماؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه (2)
وما كان خروجه ياء مثل قول الآخر:
* فانقضّ مثل النّجم من سمائه *
والمطلق المؤسس يلزمه أربعة أحرف وثلاث حركات. فالأحرف:
التأسيس، والدخيل، والروىّ، والوصل. والحركات: الرسن، والإشباع، والمجرى. وهو مثل قول الشاعر:
ألا يا ديار الحىّ بالأخضر اسلمى ... وليس على الأيام والدّهر سالم (3)
فالميم روىّ، والواو التى بعدها وصل، واللام التى قبل الميم دخيل، والألف التى قبل اللام تأسيس، والحركة التى قبل الألف رسن، وحركة اللام إشباع، وحركة الميم المجرى. ومثله فيما كان وصله ياء قول النابغة:
كلينى لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيّ الكواكب
__________
(1) الغول والرجام: موضعان يا لحمى.
(2) الإغماء: المجاهل، وعامية أعماؤه، أى متناهية فى العمى، على حد قولهم: ليل لائل، فكأنه قال: اعماؤه عامية، فقدم وأخر. وفلما يأتون بهذا الضرب من المبالغ به إلا تابعا لما قبله. كقولهم: شغل شاغل، وليل لائل، لكنه اضطر إلى ذلك فقدم وأخر.
وقيل: عامية: دارسة. وأعماء: مجاهله.
(3) الأخضر: منزل قرب تبوك، بينه وبين وادى القرى. (انظر معجم البلدان).(2/91)
ومثله فيما كان وصله ألفا قول جرير:
لنا كلّ مشبوب يروّى بكفّه (1) ... غرارا سنان ديلمىّ وعامله (2)
والمطلق المؤسّس الّذي يخرج يلزمه خمسة أحرف وأربع حركات. فالأحرف:
التأسيس، والدخيل، والروى، والوصل، والخروج. والحركات: الرّسن، والإشباع، والمجرى، والنفاذ. وهو مثل قول الشاعر فيما كان خروجه واوا:
وليل (3) لا أنيس به ... مطحلبة جوانبه (4)
وردت وليله داج ... وقد غارت كواكبه
الياء روى، وحركته مجرى، والهاء وصل، وحركتها نفاذ، والواو التى بعد الهاء خروج، والنون فى «جوانبه» دخيل، وحركته إشباع، والألف التى قبل النون تأسيس، والفتحة التى قبلها رسن.
ومثله فيما كان خروجه ياء مثل قول الشاعر:
أشكو إليك زمانا داؤه أبدا ... ينحى عليّ بكلّ من كلاكله
ومثله فيما كان خروجه ألفا قول الشاعر:
يوشك من فرّ من منيّته ... فى بعض غرّاته يوافقها (5)
فصل فى أحكام حروف الوصل إذا كانت رويا
إذا تحرك ما قبل الهاء من سنخ الكلمة كانت رويا ولم تكن وصلا، كقول رؤبة:
__________
(1) المثبوب: الّذي يجيبك إذا دعوته.
(2) فى الديوان: «جناحا سنان». والبيت ليس شاهدا لما كان وصله ألفا كما ذكر، وليس هذا موضع البيت. وظاهر ان فى الكلام نقصا.
(3) كذا.
(4) مطحلبة: مخضرة لكثرة طحلها.
(5) البيت لأمية بن أبى الصلت.(2/92)
قالت (1) أبيلى لى ولم أسبّه ... ما السّنّ إلا غفلة المدلّة
فإن لم يكن من السّنخ فهى وصل لا غير.
ويجوز أن تكون الهاء الأصليّة وصلا مع الهاء الزائدة، مثل أن تبنى القصيدة على «كتابه وخطابه»، ثم يجيء فيها «المتشابه» وما شاكل ذلك.
وكذلك لو كانت القصيدة على «جداره وحذاره»، ثم جاء فيها «الفاره والكاره» لكان جائزا.
وإذا سكن ما قبل الهاء كانت رويّا ولا ينظر من سنخ الكلمة كانت أم من غيره، وذلك مثل قول جعل صريع الركبان يصف دلوا:
شلّت يدا فارية فرتها (2) ... وعميت عين التى أرتها
أساءت الخرز فأنجلتها (3) ... أعارت الإشفى وقدرتها (4)
مسك شبوب ثم وفّرتها (5) ... لو كانت النازع أصغرتها (6)
فالروى الهاء فى هذه الأبيات.
وروى أبو الحسن العروضى أن أبا اسحاق سئل عن الروى فى قول أبى عبادة:
ميلوا إلى الدار من ليلى نحيّيها
__________
(1) أبيلى: اسم امرأة ولم أسبه، أى لم يذهب عقلى من الهرم. وفى الاصل:
«لم أشبه» بالشين المعجمة. تصويبه من الديوان واللسان (سبه).
(2) فرتها، أى عملتها. وعن الكسائى: «أفريت الأديم، قطعته على جهة الافساد، وفريته: قطعته على جهة الاصلاح. والّذي فى الاصل: «شلت يدا قاربه فرتها» صوابه فى اللسان (فرى).
(3) انجلتها، أى اوسعت مكان الخرز.
(4) الأشفى: المثقب.
(5) المسك: الجلد. والشبوب: الشاب من الثيران.
(6) أصغرت القربة: خرزتها صغيرة. ويروى: «الساقى» و «النزع» مكان «النازع» انظر اللسان: فرى، صغر، نزع، وانظر؟؟؟ «صغر».(2/93)
فزعم أنه الياء، فروجع فى ذلك فلم ينتقل عنه. وإنما ذكر ذلك أبو الحسن يعيبه عليه لأن مذهب الخليل والطبقة الذين بعده أن الروى الهاء فى قول أبى عبادة، وأن الروى الساكن لا يكون بعده وصل، ومثل ذلك قول الشاعر:
إنّ قلبى كاد يكويه ... ذو دلال لا أسميه
لان حتى لو مشى ذرّ عل ... يه كاد يدميه
هذا فى الزائدة. وأما الأصلية فمثل قول الشاعر:
ألا لا قبح الرحم ... ن ذاك الوجه من وجه
فما إن عاين الناس ... له فى النّاس من شبه
وأما الواو، فإذا سكن ما قبلها وكانت أصلية لم تكن إلا رويّا، مثل قول الراجز:
إنّى إذا ما خذلتنى دلوى ... سقيت من حوض غزير الصّفو
ما لم يكن فى طرف من شكو (1)
وكذلك إذا انفتح ما قبل الواو، لم تكن إلّا رويّا، ولا يجوز أن تكون وصلا مثل: غزوا وزمرا. وأنشد محمد بن يزيد المبرّد ويحيى بن زياد الفرّاء فى مختصرهما:
حدّثنا الراوون فيما رووا ... أنّ شرار النّاس قوم عصوا
وإذا انضم ما قبل الواو وكانت أصلية جاز أن تكون رويّا، فى مثل تخفيف:
عدوّ وهدوّ، ويغزو ويدعو، وجاز أن تكون وصلا، وكونها وصلا أكثر عند الفصحاء. فإن كانت الواو المضموم ما قبلها غير أصلية لم تكن إلا وصلا لا غير.
وقد جاءت رويّا فى قول مروان بن الحكم، وهو محمول على الإقواء، وهو قوله:
__________
(1) الشكو. وعاء من أدم يبرد فيه الماء ويحبس فيه اللبن.(2/94)
هل نحن إلّا مثل من كان قبلنا ... نموت كما ماتوا ونحيا كما حيوا
وينقص منّا كل يوم وليلة ... ولا بد أن نلقى من الأمر ما لقوا
وأما الياء فإذا تحركت فإنها تكون رويّا ولا يجوز أن تكون وصلا فى مثل قول الشاعر:
رميتيه فأقصدت ... وما أخطأت الرّميه
بسهمين مليحين ... أعارتكهما الظّبيه
وكذلك إذا سكنت الياء وانفتح ما قبلها فإنها تكون رويا أيضا فى مثل تخفيف «الغىّ والطىّ» وما شاكله.
وإذا سكنت الياء وانكسر ما قبلها فإنها تكون وصلا، كانت من السّنخ أو زائدة. وقد جعلها بعضهم رويّا إذا كانت من السنخ مثل قول الشاعر:
ألم تكن حلفت بالله العلىّ ... إنّ مطاياك لمن خير المطىّ
ومثل قول الآخر:
أشاب الصّغير وأفنى الكبي ... ر كرّ الغداة ومرّ العشى
إذا ليلة أهرمت أختها ... أتى بعد ذلك يوم فتى
تروح مع المرء حاجاته ... وحاجة من عاش لا تنقضى
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقى
وكذلك إذا كانت الياء مخففة من ياء النسب مثل قول الشاعر:
فنجديّة وحروريّة ... وأزرق يدعو إلى أزرقى
فملّتنا أنّنا مسلون ... على دين صدّيقنا والنّبي
وأما الألف، فإذا كانت بدلا من التنوين، أو مع هاء التأنيث، أو كانت للترنم، فلا يجوز أن تكون رويّا. وإذا كانت من السّنخ أو كانت زائدة للتأنيث
أو للإلحاق، فإنّ كونها رويّا جائز، مثل أن تكون القافية على: كرى، وبلى، وعصا، والشنفرى، وحبوكرى، وما شاكل ذلك، وهى التى تسمى المقصورة.(2/95)
فنجديّة وحروريّة ... وأزرق يدعو إلى أزرقى
فملّتنا أنّنا مسلون ... على دين صدّيقنا والنّبي
وأما الألف، فإذا كانت بدلا من التنوين، أو مع هاء التأنيث، أو كانت للترنم، فلا يجوز أن تكون رويّا. وإذا كانت من السّنخ أو كانت زائدة للتأنيث
أو للإلحاق، فإنّ كونها رويّا جائز، مثل أن تكون القافية على: كرى، وبلى، وعصا، والشنفرى، وحبوكرى، وما شاكل ذلك، وهى التى تسمى المقصورة.
قال الشاعر فى ألف السّنخ:
أتعب (1) جونات معا خفن المسا ... تسعا وهقلا بينها يعدو النّجا (2)
وقال:
إنّ أمير المؤمنين قد بنى ... على الطريق علما مثل الصّوى (3)
فصل. فى اختلاف الحروف والحركات وما يعاب من ذلك وما لا يعاب
ذكر التوجيه
قد روى عن الخليل أنه كان يرى اختلاف التّوجيه عيبا. إلا أنه يجيز الضمة مع الكسرة ولا يجيز الفتحة معهما. ولم يكن سعيد بن مسعدة (4)
والفراء (5) يريان [فى] ذلك بأسا. وقد جاء فى أشعار الفصحاء قال الأعشى:
أتهجر غانية أم تلمّ ... أم الحبل واه بها منجذم
ثم قال:
وصهباء طاف يهوديّها ... فأبرزها وعليها ختم
__________
(1) وردت هذه الكلمة فى الاصل مهملة النقط. ولعلها مصحفة عما اثبتنا.
(2) الجونات: جمع جوقة، وهى السوداء المشرية حمرة. والهقل: الفتى من النعام، وقيل هو الظليم.
(3) الصوى: العلامات فى الطريق، الواحدة صوة، بالضم.
(4) هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط وله العروض والقوافى. مات سنة عشر ومائتين، وقيل غير ذلك.
(5) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمى ابو زكريا المعروف بالفراء. ومات سنة سبع ومائتين.(2/96)
وقال أبو ذؤيب:
عرفت الدّيار لأمّ الرّهي ... ن بين الظباء فوادى عشر (1)
ثم قال:
فجاء وقد فصّلته الشّما ... ل (2) عذب المذاقة يسرا خصر (3)
وقد استعملوا ذلك فى المقيد والمؤسس. قال الحطيئة:
شاقتك أظعان لليلى (4) ... يوم ناظرة (5) بواكر
ثم قال:
الواهب المائة الهجا ... ن وفوقها وبر مظاهر (6)
قال الشيخ أبو العلاء أحمد بن سليمان التنوخى، المعروف بالمعرّى: هو عندى فى المقيّد والمؤسس أقبح منه فى المقيّد المجرّد، لأنه يختلف الحرف بالحركات بين حرفين لازمين. وليس كذلك فى المجرد.
ذكر الحذو (7) والردف
إذا كان بيت مردفا وبيت لا ردف له، فذلك من السناد، وهو عيب من عيوب الشّعر، ولا يجوز، وهو مثل قول الحطيئة:
__________
(1) الظباء: واد بتهامة. ووادى عشر: شعب لهذيل. والّذي فى الأصل: «بين الصيبا فوادى العشر» وما أثبتنا من الديوان.
(2) فى الأصل: «الجنوب». وما أثبتنا من الديوان.
(3) يسر: غض. وخصر: بارد.
(4) فى الأصل. «لسلمى» وما أثبتناه من الديوان.
(5) ناظرة: ماء لبنى عبس.
(6) الهجان: خيار الابل ومظاهر: مطابق. والّذي فى الأصل
الواهب المائة الصعابا ... وفوقها وبر مظاهر
وما أثبتناه من الديوان.
(7) فى الأصل: «الحر» تحريف.(2/97)
من (1) الروم والأحبوش حتّى تناولا ... بأيديهما (2) مال المرازبة الغلف (3)
ثم قال:
وبالطّوف نالا خير ما ناله الفتى ... وما المرء إلا بالتقلّب والظّرف (4)
ومنه قول الكسعيّ (5):
ندمت ندامة لو انّ نفسى ... تطاوعنى إذا لقطعت خمسى (6)
ثم قال:
تبيّن لى سفاه الرأى منّى ... لعمر أبيك (7) حين كسرت قوسى
ويجوز فى الرّدف دخول الواو على الياء والياء على الواو، ولا يجوز دخول الألف عليهما، وكذلك فى الحذو، ولا يجوز دخول الضمة على الكسرة، والكسرة على الضمة، ولا يجوز دخول الفتحة عليهما. فإن دخلت فهو شاذ.
وهو مثل قول عدىّ:
فوافاها رقد جمعت فيوجا ... على أبواب حصن مصلتينا (8)
__________
(1) فى الأصل: «إلى» وما أثبتناه من الديوان
(2) بالديوان: ببيعهما
(3) الغلف: جمع الأغلف: الّذي لم يختن، ويقال له: الأقلف، والاعزل والمعبر
(4) الظرف: التصرف فى الأشياء. وفى رواية: «والطرف».
(5) هو غامدين الحارث الكسعى الّذي اتخذ قوسا وخمسة أسهم، وكمن فى قترة فمر قطيع فرمى عيرا منها بسهم فمرق منه بعد أن أنفذه وضرب صخرة فأورى نارا فظن أنه قد أخطأ، فرمى ثانيا، وثالثا إلى آخرها، وهو يظن خطأه، فعمد إلى قوسه فكسرها ثم بات. فلما أصبح نظر فاذا الحمر مصرعة وأسهمه بالدم مضرجة. فندم وقطع ابهامه.
(6) ويروى: لقتلت نفسى
(7) ويروى: لعمر الله
(8) الفيوج: جمع فيج، وهو رسول السلطان على رحله، فارسى معرب، وقيل:
الفيوج: الجماعة من الناس.(2/98)
ثم قال:
فقدّدت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا (1)
ومثل قول عبيد (2):
فإن يك فاتنى أسفا شبابى ... وأمسى الرّأس منه كاللّجين (3)
ثم قال:
فقد ألج الخباء على عذارى ... كأنّ عيونهنّ عيون عين (4)
وكقول عمرو بن معديكرب:
تقول ظعينتى لما رأته ... شريجا بين مبيض وجون (5)
تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الغاليات إذا فلينى (6)
ثم قال:
لصلصلة اللّجام برأس مهرى ... أحبّ إلى من أن تنكحي
ذكر الرسن والتأسيس
لا يجوز اختلاف الرّسن ولا اختلاف التّأسيس، لأن التأسيس ألف ساكنة مفتوح ما قبلها، فاذا انكسر ما قبلها وانضم خرجت عن كونها ألفا ولم تكن بتأسيس. فإن وقع ذلك فهو من السّناد ولا يجوز. وقد روى أن العجّاج قال:
يا دار سلمى يا سلمى ثم اسلمى ... بسمسم أو عن يمين سمسم (7)
__________
(1) الراهشان: عرقان فى باطن الذراعين. المين: الكذب.
(2) عبيد بن الابرص
(3) أمسى: يروى: أضحى. منه: تروى: منى
(4) ويروى
فقد ألج الخباء على ملوك ... كأن ديارهم أمل الحزين
(5) شريج: ذو لونين
(6) الثغام (كسحاب): نبت ينبت أخضر ثم يبيض إذا يبس. وفلينى: أراد فليننى (بنونين) فحذف إحداهما استثقالا للجمع بينهما
(7) سمسم: نقابين القصيبة وبين البحر بالبحرين، كما فى ياقوت، وقد نسب فيه الشعر لرؤية(2/99)
ثم قال:
* فخندف هامة هذا العالم *
وروى أن رؤبة كان يعيب هذا على أبيه. وحكى عن يونس النحوىّ أنه كان يهمز «العالم» على رأى من يرى همزه. وإذا صحّ ذلك فليس سنادا، لأن الهمزة من الحروف السالمة، ولا يكون التأسيس إلا أحد حروف الكلمة التى فيها الرّوى، فان كانت الألف من غير الكلمة التى فيها الرّوى، فليست بتأسيس، وهو مثل قول العجاج:
* ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا *
ثم قال:
فهنّ يعكفن به إذا حجا ... يربض الأرطى وحقف أعوجا (1)
عكف النّبيط يلعبون الفنزجا (2)
ومثل قول عنترة:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابنى ضمضم
الشاتمى عرضى ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمى
فإن كان ما بعد ألف التأسيس كلمة مضمرة قائمة بنفسها أو متصلة بحرف، كان البيت مؤسّسا، فالأول مثل قول زهير:
رأيتهم لم يدفعوا بنفوسهم ... منيّته لمّا رأوا أنها هيا (3)
__________
(1) عكف على الشيء: أقبل عليه مواظبا لا يصرف عنه وجهه. وحجا: أقام به.
والحقف: ما اعوج من الرمل واستطال. الربض: جماعة الشجر الملتف، والأرطى:
نبت فى الرمل.
(2) الفنزج: النزوان، وقيل: هو اللعب الّذي يقال له الاستبند يعنى به رقص المجوس.
(3) فى الديوان: «لم يشركوا» مكان «لم يدفعوا»: ولم يشركوا: لم يعدوا، أنها هيا: أى منيته.(2/100)
والثانى كقول الآخر:
ألا ليت شعرى هل يرى النّاس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
قال الشيخ أبو العلاء: وإذا كان التأسيس منفصلا جاز أن يجعل لغوا، فإن بنيت القصيدة على مثل قولك: معطيا وموليا، ثم جاء فيها: بدا ليا، لكان ذلك عند أهل العلم جائزا، وذلك قليل فى الاستعمال. قال: وكذلك لو بنيت قصيدة أخرى قوافيها: منعما ومكرما، لجاز أن يجيء فيها: كما هما، على أن تجعل الألف فى «كما» لغوا.
ذكر الدخيل والاشباع
يجوز اختلاف الدخيل فى ذاته، ولا يجوز اختلاف حركاته. وقد أجازوا الضمة مع الكسرة، لأنهما أختان، ولم يجيزوا الفتحة معهما، وجاء ذلك فى أشعار الفصحاء. قال النابغة:
فبتّ كأنّى ساورتنى ضئيلة ... من الرّقش فى أنيابها السّمّ ناقع (1)
ثم قال:
بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالا سيرهنّ التّدافع (2)
__________
(1) ساورتنى: واثبتنى. ضئيلة: دقيقة اللحم، تقول العرب: سلط الله عليه أفعى حارية، يريدون: أنها تحرى، أى ترجع من غلظ إلى دقة ومن طول إلى قصر وذلك أنه يقل دمها ورطوبتها ويشتد سمها إذا أسنت. الرقشاء: التى فيها نقط سود وبيض.
الناقع: الثابت
(2) لصاف وثبرة: موضعان، ولصاف: يروى بالكسر والفتح.
الآل: جبل عن بمين الامام بعرفة، ويقال: الآل: موقف الامام بعرفة، سمى بذلك لانه اذا طلعت عليه الشمس رؤى له بريق كالحراب. سيرهن التدافع: أى يدفع بعضها بعضا من العجلة، وقيل: انها قد أعيت وجهد السير فهن يتحاملن فى سيرهن على ما بهن من الاعياء.
وفى الاصل: سيرهن تدافع
ومعنى البيت: انه يقسم بالابل التى يمطيها الحجاج الى مكة تعظيما لها.(2/101)
وقال الهذلى (1):
لعمر أبى عمر ولقد ساقه الرّدى (2) ... إلى جدث يوزى له بالأهاضب (3)
ثم قال:
فلم يرها الفرخان بعد (4) مسائها ... ولم يهدءا فى عشّها من تجاوب
وهو كثير فى أشعارهم غير معيب.
وأما دخول الفتحة على الكسرة والضمة فهو سناد، ولا يجوز ذلك، مثل قول ورقاء بن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى نحوه وأبادر (5)
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يحاول نصل السّيف والسّيف نادر (6)
ثم قال:
فشلّت يمينى يوم أضرب خالدا ... ويمنعه منّى الحديد المظاهر (7)
ذكر الروى والمجرى
لا يجوز اختلاف الروى ولا اختلاف المجرى. فإن اختلف الروى فهو الإقواء، وهو عيب لا يجوز، مثل قول الراجز:
__________
(1) هو صخر الغى بن عبد الله، والشعر فى رثاء أخيه أبى عمرو بن عبد الله، نهشته حية فمات
(2) فى ديوان الهذليين، المنى، والمنى والمنية بالفتح: قدر الله، الموت
(3) الجدث: القبر. يوزى: ينصب. الاهاضب: جج الهضبة: ما ارتفع من الارض
(4) فى الديوان: «عند».
(5) الكلكل: الصدر. نحوه: يروى: كالعجول، وهى من النساء والابل: الواله التى فقدت ولدها
(6) يخاول: يروى: يريغان، أى يديران. نادر: ساقط ويروى: «داثر» ودثر السيف: صدئ
(7) ظاهر الدرع: لأم بعضها على بعض، ويراد بالحديد: الدرع.(2/102)
بازل عامين سنّى ... لمثل هذا ولدتنى أمّى
وأما اختلاف المجرى، فهو الإكفاء، وهو من عيوب الشعر ولا يجوز، وهو مثل قول النابغة:
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد (1)
ثم قال:
بمخضّب رخص كأنّ بنانه ... عنم يكاد من اللّطافة يعقد (2)
ذكر الوصل والنفاذ والخروج
لا تختلف حركة الروى إذا كان الوصل واوا، وإذا اختلفت حركة الروى، فهو الإكفاء، وهو من السّناد، ولا يجوز، وقد تقدم تفسيره وأمّا الهاء فلا تختلف إذا كانت ساكنة، وإذا تحركت واختلفت حركتها فهو الإكفاء
* * *
عيوب الشعر
ومن عيوب الشعر: الإيطاء، وهو إعادة القافية والمعنى واحد، وهو مثل قوله:
أبى القلب إلّا أن تزيد بلابله ... وتهتاج من ذكر الحبيب بلابله
قال الفرّاء: هو إذا تقارب، وإذا تباعد لم يكن به بأس.
ومن عيوب الشعر: التضمين، وهو ألا يتم البيت إلا بما بعده، ويكون معناه فى البيت الّذي بعده، وقد استعمله الفصحاء، قال بشر بن أبى خازم:
__________
(1) النصيف: كل ما غطى الرأس من خمار ونحوه
(2) العنم: شجر لين الأغصان لطيفها، والواحدة: عنمة، وقيل: هو شجر أحمر ينبت فى جوف السمر، وليس من السمر، له ورد أحمر مثل البنان الطوال يقال له العنم، وهو من نبات مكة. وقوله: بمخضب: بيان لقوله: باليد، أى اتّقتنا بكف مخضب يكاد بنانه يعقد من لطافته ونعمته. وكان النابغة يقول: إن فى شعرى لعاهة ما أقف عليها، فلما قدم المدينة غنى فى شعره، فلما سمع قوله: وأتقننا باليد. ويكاد من اللطافة يعقد. تبين له لما مدت القينة باليد فصارت الكسرة ياء ومدت يعقد فصارت الضمة كالواو، ففطن فغيره وجعله: عنم على أغصانه لم يعقد، وكان يقول: وردت يثرب وفى شعرى بعض العاهة فصدرت عنها وأنا أشعر الناس(2/103)
وسعدا فسائلهم والرّباب ... وسائل هوازن عنّا إذا ما
لقيناهم كيف نعليهم ... بواتر يفلقن بيضا وهاما
وهو كثير فى أشعارهم. وبعضه أهون من بعض (1).
* قوله: «يتمثّل كل ساعة فى صورة، ولا يقف على طريقة محصورة، يلبس كلّ حين إهاب حرف، ويبدو فى هيئة وظرف ما ضرّه لو كان كالوصل والخروج، ولم يتنقّل فى المنازل والبروج، وأناس ليسوا على الحقيقة بناس، ولا الفكر بذاكر لهم ولا بناس أهل نيرب ودد، خفضهم عن السّؤدد، خفض ما بعد المائة من العدد، فهم فى النّسبة أنفار، وفى التّجربة أصفار ربيعهم جماد، وعدّهم ثماد ونقدهم عدّة ضمار، وجوادهم وسكّيتهم مضمار، عندهم مربع العالم، دارس المعالم».
الاهاب: الجلد ما لم يدبغ، وهو استعارة فى هذا الموضع، لأن كل حرف من حروف المعجم يقع بين ألف التأسيس والرّوى فهو دخيل. وقد تقدم ذكره، وكذلك الوصل والخروج، قد تقدم ذكرهما.
والنّيرب: النميمة، قال الراعى:
* وفى الأقربين ذو أذاة ونيرب *
والدّد: اللهو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست من دد ولا دد منّى»، وكذلك الدّدن أيضا (2): اللهو. قال عدى بن زيد:
أيها القلب تعلّل بددن ... إنّ همّى فى سماع وأذن (3)
__________
(1) لم يذكر المؤلف بقية عيوب القافية، وهى الأقواء: وهو اختلاف المجرى بكسر وضم، والاصراف: وهو اختلاف المجرى بفتح وغيره، والاكفاء: وهو اختلاف الروى بحروف متقاربة المخارج، والاجازة: وهو اختلافه بحروف متباعدة المخارج، والسناد: وهو اختلاف ما يراعى قبل الروى من الحروف والحركات
(2) وفيه أيضا لغة ثالثة، وهى: ددا، مثل: عصا
(3) الأذن: الاستماع(2/104)
والسّؤدد: العلوّ والشرف.
من العدد: فلا يكون ما بعد المائة إلا مخفوضا بالإضافة، نحو مائة رجل ومائة امرأة، ومائتا رجل، وثلاثمائة رجل، وما شاكله. فإن نونت وأدخلت النون نصب على التفسير، قال الرّبيع بن ضبع الفزارىّ:
إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللّذاذة والفتاء (1)
النسبة فى الحساب الهندى
والنسبة فى الحساب الهندى: العدد، كقولك. واحد، اثنان، ثلاثة، وما شاكل ذلك.
والتجربة: الاختبار، قال النّابغة يصف السيوف:
تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب
والأصفار: جمع صفر، وهو علامة لخلوّ تلك المنزلة التى هو فيها من العدد، وهو مأخوذ من صفرت يداه، إذا افتقر، وصفر البيت، إذا خلا، وقد تقدم ذكر ذلك.
والجماد: الأرض التى لم تمطر.
والعدّ من الماء: ما كانت له مادّة فلا تنقطع أبدا.
والثّماد: جمع ثمد (2) وهو الماء القليل الّذي لا مادة له فهو ينقطع، قال النابغة:
واحكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثّمد (3)
والضمار: الوعد الكاذب، قال الراعى:
__________
(1) الفتاء: الشباب أنظر الأمالى (3: 215214) فقد أورد البيت بين أبيات مع خلاف فيه، واللسان (فتى).
(2) الّذي فى المعاجم أن الثماد كالثمد، وأن جمع الثمد: أثماد
(3) فتاة الحى: زرقاء اليمامة، شراع: مجتمعة، الثمد، الماء القليل الّذي يكون فى الشتاء ويجف فى الصيف، والرواية فى الديوان: أحكم كحكم(2/105)
وأنضاء أنخن إلى سعيد ... طروقا ثم عجلن ابتكارا (1)
حمدن مزاره فأصبن منه ... عطاء لم يكن عدة ضمارا
والسّكيت، بتخفيف الكاف وتشديدها: آخر خيل الحلبة (2) وهو العاشر منها، وهى خيل تضمر للسباق، يقال للسابق من الخيل: المجلّى، وللثانى:
المصلى، وللثالث: المسلى. وللرابع. التّالى، وللخامس: المرتاح، وللسادس:
العاطف، وللسابع: الحظى، وللثامن: المؤمّل، وللتاسع: اللّطيم، وللعاشر:
السّكيت، وهو آخر الخيل سبقا.
والمضمار: الموضع الّذي تضمّر فيه الخيل للسباق، وهو أن يقصر بعد السمن على الحبّ وعلى الشيء اليسير من العلف.
والمربع: المنزل فى الربيع خاصة.
والرّبع: المنزل فى الرّبيع وغيره. وجعل منزل العالم مربعا لما فيه من الفوائد، تشبيها بالمنزل فى الربيع لما فيه من الخصب.
والمعالم: جمع معلم وهو الأثر، يعنى: أنّ منزل العالم مهجور، وكذلك هو باليمن خاصة. وكان يقال لكل عالم من الناس: عالم بنى فلان، وعالم أرض بنى فلان، إلّا وهب بن منبّه، فكان يسمّى: عالم الناس، وهو من أبناء فارس باليمن، فذكر وهب يوما فى مجلس الحسن البصرى، فقال الحسن: وأىّ رجل! لكنّه وقع بين حاكه. وقيل جاءه العلم بالعراق، وجاءه المال بمصر، وجاءه السلطان باليمن.
* * * ومن أمثال الناس السائرة: قيل للعلم: أين تريد؟ قال العراق، قال العقل:
وأنا معك. وقيل للمال: أين تريد؟ قال: مصر، قال البخل: وأنا معك. وقيل
__________
(1) الانضاء: جمع النضو (بالكسر): البعير المهزول، وقيل: هو المهزول من جميع الدواب وهو أكثر. طرق القوم طروقا: أتاهم ليلا
(2) الحلبة: الدفعة من الخيل فى الرهان، أو مجال الخيل للسباق(2/106)
للحب: أين تريد؟ قال اليمن، قال الكرم: وأنا معك وكذلك أهل اليمن بهذه الصفة، إلا أن العىّ غالب لهم.
ولمّا ظفر الحجاج بعبد الرحمن بن الأشعث، أتى بأيوب بن يزيد البليغ الفصيح، الّذي يقال له ابن القرية ابن الثمر بن قاسط، وكان ابن القرية، مع ابن الأشعث، فكان له وللحجاج حديث، فسأله الحجاج عن البلدان والأمصار وأهلها فوصفهم له بصفاتهم، حتّى انتهى إلى اليمن، فقال له الحجاج: أخبرنى عن اليمن قال: أصل العرب، وأهل البيوتات والحسب، هم الدّهماء عددا، والبكم أبدا.
* * * * قوله: «ومرتع الأديب، مستو بل جديب».
المرتع: موضع الرّتوع، وهو المرعى. قال قيس بن زهير العبسى:
تعلّم أنّ خير النّاس ميت ... عل جفر الهباءة لا يريم (1)
ولولا بغيه ما زلت أبكى ... عليه الدّهر ما طلع النجوم (2)
ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغى مرتعه وخيم (3)
أظنّ الحلم دلّ عليّ قومى ... وقد يستجهل الرّجل الحليم
ومارست الرجال ومارسونى ... فمعوج عليّ ومستقيم
والمستوبل: غير الموافق. يقال: استوبل الرجل البلاد، إذا لم توافقه فى جسمه.
* * * __________
(1) جفر الهباءة: بئر قريبة القعر ماؤها معين كثير
(2) البغى: تروى: الظلم، وهما بمعنى
(3) الوخامة: الثقل يعرض من الطعام(2/107)
* «فهما فى الاجتراح فعل أمر، وفى الاطراح واو عمرو، أتى بها للفرق بينه وبين عمر، إذا اتسق بالكلام واستمر، واستغنى عنها بدخول الألف، التى جعلت عوضا فى المنصرف ظروف وغىّ، لا يظفر منهم بألمعىّ، يصفون رعا البذج والعدان، وكل ورع منهم هدان، بشدة فارس زبيد، وعبادة عمرو بن عبيد».
* * * فهما: يعنى: العالم والأديب أنهما موقوفان عن الاكتساب وقوف فعل الأمر، مطرحان عندهم اطّرح واو عمرو.
والاجتراح: الاكتساب، ومنه قوله تعالى: {«مََا جَرَحْتُمْ بِالنَّهََارِ»}، وقوله تعالى: {«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئََاتِ}» ومنه سمّيت كلاب الصيد:
جوارح. قال تعالى: {«وَمََا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوََارِحِ»} ومنه جوارح الانسان، وهى أعضاؤه التى يكتسب بها، قال الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت جارحهم (1) فى قعر مظلمة ... فاغفر، عليك سلام الله يا عمر
يقال لهذا الفعل: موقوف، ولا يقال له: مجزوم، لأنه لم يدخل عليه عامل فيجزمه، فلما خلى من المضارعة خلا من الاعراب، وأصل البناء للافعال والحروف إلّا ما ضارع الأسماء من الأفعال، فأعرب لمضارعته إياها.
وأما واو عمرو: فانما زادها الكتّاب فرقا بين مشتبهين، بين عمرو وعمر، فى حال الرفع والخفض، فاذا صاروا إلى النصب حذفوا الواو، لأن الاشتباه قد زال بانصراف عمرو وزيادة الألف منه التى جعلت عوضا من التنوين.
__________
(1) فى الديوان: كاسبهم(2/108)
والظروف: جمع ظرف وهو الوعاء، وظروف الانسان: جسمه، قال المغيرة بن حساء التميمى يهجو أخاه صخرا:
أبوك أبى وأنت أخى ولكن ... تفاضلت الطبائع والظّروف
وأمّك حين تنسب أمّ صدق ... ولكنّ ابنها طبع سخيف
والغىّ: الجهل يقال منه: رجل غيى، على فعيل وغىّ على فعل، وغيايا.
ويقال أيضا: فحل غيايا: إذا لم يهتد للضراب.
والألمعىّ: الذكىّ الفطن الّذي يعرف الأمور قبل كونها، قال أوس بن حجر:
الألمعىّ الّذي يظنّ بك الظّنّ ... م كأن قد رأى، وقد سمعا
نصب الألمعىّ بفعل متقدم. وكذلك اليلمعى.
والبذج: الصغير من أولاد الضأن، قال أبو محرز المحاربى:
قد هلكت جارتنا من الهمج ... وإن تجع تأكل عتودا أو بذج
والهمج هاهنا، قيل: سوء التدبير فى المعاش، وقيل الهمج: الجوع.
والعتود: الصغير من أولاد المعز، وهو ما رعى وقوى، وهو مثل البذج، وجمعه: عدّان، والأصل: عتدان، مثل: قعود وقعدان، فأدغمت التاء فى الدال لقرب المخرجين، لأنهما من الحروف النطعية وهى ثلاثة: الطاء والتاء والدال، ومخرجها (1) من النطع، وهو ما ظهر من غار الفم الأعلى.
والورع: الجبان الهيوب، قال الراعى:
فبت أنجو بها نفسا تكلّفنى ... ما لا يهمّ به الجثّامة الورع
قال ابن السكيت: هو الصغير الضعيف.
__________
(1) فى الأصل: ومخرجهما(2/109)
والهدان: الأحمق الخامل، وجمعه هدون، قال الراعى يصف الجوارى:
يمشين مشى الهجان الأدم أقبلها ... خلّ الطريق هدان غير مهتاج
* * * فارس زبيد: عمرو بن معديكرب الزبيدى، وكان أشد الناس وأشجعهم، من مضى منهم ومن غبر، وكان يقال لكل فارس من العرب: فارس بنى فلان، إلا عمرو بن معد يكرب، فيقال له: فارس العرب جميعا، وله أيام فى الجاهلية مشهورة، وبقى إلى زمن عمر بن الخطّاب. وشهد معه الفتوح، وشهد القادسية مع سعد بن أبى وقاص، فأجمعت العرب والعجم على شدته. وله أشعار يتعتب فيها على سعد، منها قوله:
ألّم خيال من أميمة موهنا ... وقد جعلت أولى النجوم ثغور (1)
ونحن بصحراء العذيب ودارها ... حجازيّة انّ المحلّ شطير (2)
أكرّ بباب القادسية معلما ... وسعد بن وقاص عليّ أمير
وسعد أمير، شرّه دون خيره ... كثير الشذى كأبي الزناد قصير (3)
تذكّر، هداك الله، وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكرّ عسير
عشيّة ودّ القوم لو أن بعضهم ... يعار جناحى طائر فيطير
وقال أيضا:
إذا قتلنا ولم يبك (4) لنا أحد ... قالت قريش ألا تلك المقادير
__________
(1) الموهن من الليل: نحو منتصفه أو بعد ساعة منه
(2) العذيب: ماء بين القادسية ومغيثة. الشطير: البعيد
(3) أكبى الزند: لم يور، والزناد: جمع الزند: العود الأعلى الّذي يقتدح به النار
(4) فى الأصل: ولم يبكى(2/110)
ونحن بالصفّ إذ تدمى حواجبنا ... نعطى السوية مما يخلص الكير
نعطى السّوية من طعن له بعد (1) ... ولا سوية إذا تعطى الدّنانير
وقال أيضا:
وكانت قريش تحمل البرّ تارة ... تجارا فأضحت تحمل السّم منقعا
واختلف الرواة فى موت عمرو، فمنهم من قال: انه استشهد فى بعض فتوح عمر، وقال محمد بن الحسن بن دريد (2) فى كتاب الاشتقاق: انه مات على فراشه من حيّة لسعته.
* * * وأما عمرو بن عبيد بن ناب، فأصله من كابل من ثغور بلخ، وهو مولى لآل عرادة من يربوع بن مالك، وكان أبوه عبيد من أصحاب شرط بالبصرة، وكان الناس إذا رأوا عمرا مع ابيه قالوا: خير الناس ابن شرّ الناس، فيقول عبيد:
صدقتم، هذا ابراهيم وأنا آزر.
ومن جبلّة أصحاب الحسن بن أبى الحسن البصرى، وكان الحسن إذا ذكر، قال: خير فتيان أهل البصرة.
قال أبو القاسم البلخىّ: لعمرو فضائل كثيرة لا يجمعها إلا كتاب مفرد، حج أربعين سنة ماشيا وبعيره يقاد يركبه الفقير والضعيف والمنقطع به، وكان يحى الليل كله فى ركعة، فعل ذلك غير مرّة فى المسجد الحرام.
وقال أبو جعفر المنصور، لما صلّى على قبر عمرو بن عبيد بمرّان: ما بقى على الأرض أحد يستحى منه.
__________
(1) فى الأصل بدون اعجام، والبعد: جمع بعد: الهلاك والموت
(2) فى الأصل. زيد، وهو تحريف(2/111)
ورثاه المنصور فقال:
صلّى عليك الله من متوسّد ... قبرا مررت به على مران
قبرا تضمّن مؤمنا متحنّفا ... صدق الإله ودان بالقرآن
فلو انّ هذا الدهر أبقى واحدا ... أبقى لنا حقا أبا عثمان
وكان عمرو يكنى: أبا عثمان.
وقال بعضهم: إن المنصور أنشد الأبيات وهى لغيره. وذكر العتبى أنها للمنصور،
وقال المنصور: القيت الحبّ للناس فلقطوا إلا عمرو بن عبيد، ومعاذ بن معاذ، ثم إن معاذا أثنى جناحيه فلقط.
وكان سفيان بن عيينة يقول: ما رأيت عينى مثل عمرو بن عبيد، وقد رأى التابعين فمن دونهم.
وقال بعضهم: رأيت عمرا بمكة، فرأيته كأنه حديث عهد بمصيبة، ثم رأيته بمنى، فرأيته كأنه أحضر للقود (1)، ثم رأيته بعرفة فرأيت رجلا كأنّ النار لم تخلق إلا له.
* قوله: «وفهم حكيم فرهود، وبركة كليم المهود».
يعنى بحكيم فرهود: الخليل بن أحمد العروضى النحوى وفرهود حىّ من الأزد بعمان، ويقال لهم الفراهيد أيضا، منهم الخليل بن أحمد هذا، وهم من ولد فرهود بن شبان بن مالك بن فهم أخى جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نضر بن الأزد ويقال الأسد.
وكان الخليل ذكيا فطنا لطيفا عالما، وهو أول من استخرج علم العروض
__________
(1) القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل.(2/112)
وابتدعه، وفتق عيون النحو وشرح علله وهو صاحب كتاب العين، الّذي هو أصل لكتب اللغة ومنه تفرعت، وكان الخليل شاعرا فصيحا، فقيل له: لم (لا) تقول الشعر؟ (1) فقال: لأنى آبى رديّه ويأبانى جيّده
قال ابن قتيبة: أنشدنى ابن هانى، قال: أنشدنا سعد بن مسعدة الأخفش للخليل بن احمد:
اعمل بعلمى ولا تنظر إلى عملى ... ينفعك علمى ولا يضررك تقصيرى
قال وأنشدنا له أيضا:
كفّاك لم تخلقا للنّدى ... ولم يك لؤمهما بدعه
فكف عن الخير مقبوضة ... كما خطّ عن مائة تسعه
وأخرى ثلاثة آلافها ... وتسعمئنيها لها شرعه (2)
وقال أيضا:
الله صور كفّه ... ممّا يراه فأبدعه
من تسعة فى تسعة ... وثلاثة فى أربعة
وكان الخليل ورعا ديّنا مع علمه، ودرس فى علم النحو فبلغ منه مبلغا ثم رفضه، والخليل أيضا القائل:
__________
(1) لعل الصواب: لم لا تقول، كما أثبتنا، حيث لم ترد (لا) بالأصل
(2) رويت هذه الأبيات بالأصل محرفة هكذا
وكفاه لم تخلق للندى ... ولم تك تحلهما بدعه
فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة تسعه
وكف ثلاث مائتها يتمنا لها ... وتسعة آلافها شرعه
وقد أثبتنا الرواية الصحيحة التى وردت بلسان العرب
والندى: الجود والفضل والخير.
والبدعة: ما أحدث على غير مثال سابق
والشرعة: العادة(2/113)
أبلغ سليمان أنّى منه فى سعة ... وفى غنى، غير أنّى لست ذا مال
سخا بنفسى أنى لا أرى أحدا ... يموت هولا ولا يبقى على حال
فالرّزق عن قدر لا الضعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه خول مختال (1)
والفقر فى النفس لا فى المال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى فى النفس لا المال
وأما كليم المهود: فهو عيسى عليه السلام، (وأمه) (2) هى مريم بنت عمران ابن ماثان بن يعاقيم من ولد داود عليه السلام من سبط يهودا ابن يعقوب. وكان زكريا أيضا من ولد داود. وكان هو وعمران فى زمن واحد. وكانت تحت زكريا اشياع (3) بنت عمران أخت مريم، وكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابنى خالة، وكان زكريا نجارا، وأشاعت اليهود أنه ركب من مريم الفاحشة. وقتلوا زكريا فى جوف شجرة قطعوها وقطعوه معها.
قال (4) ابن قتيبة فى كتاب المعارف: ويذكر فى الإنجيل أن يوسف بن داود النجار خطب مريم وتزوّجها، فلما صارت عنده وجدها حبلى قبل أن يباشرها، وكان رجلا صالحا، فكره أن يفشى عليها، وعزم على أن يسرّحها خفية، فتراءى له ملك فى النّوم فقال: يا يوسف بن داود: إن امرأتك مريم ستلد غلاما يسمى عيسى، وهو ينجى أمته من خطاياهم.
ونشأ عيسى فى حجر يوسف بن داود، وذهب به وبأمّه إلى أرض الخليل، فسكن بها قرية تسمى: نصران، من أرض الشام، وقيل: ناصره، فلذلك قيل:
نصارى.
__________
(1) خال خولا على أهله: دبر أمورهم وكفاهم
(2) لعلها سقطت من الأصل
(3) فى كتاب المعارف: ايساع
(4) فى الأصل: قاله(2/114)
وقد قص الله تعالى فى كتابه من خبره وخبر أمه وكلامه فى المهد، وإحيائه الموتى أبين القصص.
* قوله: «وسخاء (1) أبى عدىّ، ووقار سيد أهل الوبر (2) فى النّدىّ»
الندى والنّادى: المجلس، ومنه قوله تعالى: {«وَتَأْتُونَ فِي نََادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}».
وأبو عدىّ: حاتم بن عبد الله بن سعيد الحشرج الطّائى، الجواد، أكرم الناس جميعا، وأسخاهم، لماضيهم وغابرهم، وكرمه مشهور، يمثّل به العالم والجاهل، يزداد جدّة على مر الليالى والأيام.
وأنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبايا طيّ، فيهم جارية ظاهرة الجمال.
قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: فقلت: لأستوهبنها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقالت: يا رسول الله: إنى بنت من يشبع الجائع، ويكسو العارى، ويفك العانى (3)، ويؤثر الجار على نفسه، وما ردّ طالب حاجة قطّ، إنى بنت حاتم طىّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يحب مكارم الأخلاق، ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، وخلى سبيلها.
وابنه عدىّ بن حاتم، كان يكنّى أبا طريف، وكان طوالا، إذا ركب الفرس كادت رجلاه تخطان الأرض.
وقدم على عمر بن الخطاب، فكأنه رأى منه جفاء، فقال: أما تعرفنى يا أمير المؤمنين؟ فقال: بلى والله أعرفك، أكرمك الله بأحسن المعرفة: أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذ نكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا، فقال:
حسبى يا أمير المؤمنين، حسبى.
وشهد مع على رضى الله عنه يوم الجمل، ففقئت عينه فى ذلك اليوم، وقتل ابنه
__________
(1) فى الأصل: وسخى
(2) فى الأصل: الوتر. وأهل الوبر: هم أهل البدو
(3) العانى: الأسير(2/115)
محمد، وقتل ابنه الآخر فى قتال الخوارج.
وشهد عدى مع على عليه السلام صفّين، ومات فى زمن المختار، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وأوصى ألّا يصلى عليه المختار.
ولا عقب لعدى بن حاتم من الذكور، وإنما عقب حاتم بن عبد الله الطائى من ولد عبد الله بن حاتم، وهم ينزلون بنهر كربلاء.
ودخل رجل على المأمون، فكلمه بكلام أعجبه، فقال: ممن الرجل؟ فقال:
من طىّ. فقال: من أىّ طىّ؟ فقال: من ولد عدىّ بن حاتم. فقال المأمون:
ألصلبه (1)؟ قال الرجل: نعم. فقال المأمون: هيهات أضللت! إن أبا طريف لم يعقب.
وأما سيد الوبر: فهو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر التميمى، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وفد تميم بعد الفتح فأسلم، وكان شريفا، وسماه صلى الله عليه وآله وسلم: سيّد أهل الوبر، وهو الّذي رثاه عبدة (2) بن الطيّب فقال:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من غادرته غرض الرّدى ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما (3)
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما (4)
وكان لقيس من الولد ثلاثة وثلاثون ابنا، وكان قيس موقورا حليما.
وكان الأحنف بن قيس، واسمه: صخر بن قيس، وقيل: الضّحاك بن قيس التميمى أحلم العرب جميعا.
وقيل للأحنف: ممّن تعلمت الحلم؟ فقال: من عمّى قيس بن عاصم، والله لقد كان ذات يوم يحدّثنا بحديث، إذ أقبل جماعة معهم قتيل يحملونه وأسير موثق يقودونه،
__________
(1) الصلب: النسل والولد
(2) فى الأصل: عبيدة
(3) الغرض: الهدف الّذي يرمى إليه. الردى: الهلاك. الشحط: البعد
(4) الهلك: الموت(2/116)
فقالوا لقيس: هذا ابنك قتله ابن أخيك، فو الله ما حلّ حبوته (1) ولا قطع حديثه حتى فرغ منه، ثم التفت إلى ابن أخيه فقال: يا بنى، والله ما ضررت إلا نفسك، ولا قطعت إلّا يدك، ولا قصصت إلا جناحك، ولا أهنت (2) إلا عضدك.
ثم قال لبنيه: حلوّا الرّباط عن أخيكم، واذهبوا جميعا فواروا أخاكم، وادفعوا إلى أمّه مائة من إبلى، فانها امرأة فينا غريبة.
* قوله: «وبيان شيخ إياد، وقصيد الضّليل وزياد»
يعنى بشيخ إياد: قسّ بن ساعدة الأيادى، وهو حكيم العرب وفصيحها، وأول:
من قال: أما بعد، وكان على دين المسيح، قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يخطب الناس بعكاظ على جمل أحمر وله حديث.
والضّليل: كثير الضلال، كما يقال: رجل شرّيب: كثير الشّراب
وعنى (3) بالضّليل: امرؤ القيس بن حجر الملك الكندى، وسئل على رضى عنه:
من أشعر الناس؟ فقال: الملك الضّليل. وذكر امرؤ القيس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ذلك سيّد الشعراء وحامل لوائهم يوم القيامة بيده يقودهم حتى يدهدى (4) فى النار.
وحكى هذا الخبر الأعشى، فقال: ليت هذا القول قيل لى، وأنا المدهدى فى النار.
قال أبو عبيدة: مرّ لبيد بن ربيعة، بمجلس لنهد بالكوفة، وكان يتوكأ على عصا، فلما جاوزه أمروا فتى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعر الناس؟ ففعل.
فقال له لبيد: الملك الضّليل، يعنى: امرئ القيس، فرجع، فقالوا: ألا سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: صاحب المحجن (5)، يعنى نفسه.
__________
(1) الحبوة: الثوب الّذي يحتبى به، أى يتلفف به
(2) وهن: ضعف
(3) عنى بالقول كذا: أراده وقصده
(4) دهده ودهدى الحجر فتدهده وتدهدى: دحرجه فتد حرج
(5) المحجن: العصا المعطوفة الرأس(2/117)
وأما زياد: فهو زياد بن عمرو، وهو النابغة الذبيانى، وهو من فحول الشعراء.
* قوله: «ووفاء ربّ الأبلق الفرد، فى التّرك المتروك عنده والسّرد»
الترك: جمع تركة: وهى البيضة، بيضة الحديد. قال لبيد يصف درعا:
فخمة ذفراء ترنى بالعرى ... قردمانيا وتركا كالبصل
وفخمة: أى ضخمة. وذفراء: منتنة الريح. وترنى: أى تشدد. والقردمانى:
سلاح كانت الأكاسرة تتخذه فى خزائنها. وشبه الترك بالبصل: لبياضه واستدارته.
والسّرد: اسم جامع للدروع. ومنه قوله تعالى: {«وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ»}.
ورب الأبلق الفرد، يعنى: السموءل بن عاديا الغسانى. والأبلق الفرد:
حصن كان له بتيماء.
والسموءل بن عاديا وفىّ العرب، يضرب بوفائه المثل، وكان من خبره: أن امرأ القيس بن حجر الكندى لما سار إلى ملك الرّوم قيصر مستنصرا على بنى أسد، حين قتلوا أباه، مر فى طريقه بالسموأل بن عادياء وهو فى حصنه الأبلق، فودعه سلاحا كثيرا، ومتاعا، وبلغ الحارث بن جبلة بن أبى شمر الغسانى، وهو الحارث الأكبر، ما خلفه امرؤ القيس عند السموءل بن عادياء، من السلاح والمتاع، فوجّه إلى السموءل رجلا من أهل بيته، يقال له: الحارث بن مالك فى جيش عظيم. فلما دنوا من الحصن، حصن السموءل، أغلق باب الحصن وامتنع فيه.
فقال له الحارث: اعطنى سلاح امرئ القيس. فقال: لا سبيل إلى ذلك. وكان للسموأل ابن خارج الحصن يتصيد، فظفر به الحارث، فقال للسموأل: اختر: إما تسليم سلاح امرئ القيس، وإما قتل ابنك؟ فقال: لا أسلم وديعتي أبدا، فاصنع ما أنت صانع. فقتل ابنه، فضربت العرب المثل بوفاء السموءل، فقال (1)
كنّ كالسموأل طاف الهمام به ... فى جحفل كسواد اللّيل جرّار (2)
__________
(1) الاعشى يخاطب شريح بن السموءل من قصيدة
(2) الجحفل: الجيش. الجرار: الكثير(2/118)
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار
إذ سامه؟؟؟ حسف فقال له: ... قل ما تشاء فأنى سامع حار (1)
فقال: ثكل وغدر، أنت بينهما ... فاختر، وما فيهما حظّ لمختار
فشكّ غير طويل، ثمّ قال له: ... اقتل أسيرك إنّى مانع جارى
وقال آخر:
فاعتبر بابن عاديا أخى الحصن ... بتيماء من سراة اليهود (2)
إذ أتاه الهمام فابتاع منه ... خفرة الجار بابنه المودود (3)
فابتنى بالوفاء مكرمة الدّهر ... ولم يرض باللّقا الزّهيد (4)
* قوله: «ويجعلون الخاظئ من الهزلى، والشّاكى من العزلى، ويحسبون أن السراب ماء، تروى به الظماء، أين السّراب، من الشراب، والآل، من ضحضاح اللآل؟ كم غرّ حامله جهام، وسر خامله كهام، أذهل من سوائم الأنعام، إلا فى كفاية العام، من الشراب والطعام، ومذاهب ضاقت فيها المذاهب، وتضاهى اللّص والراهب، أطل منها الفهم، على وهم، وظفر القلّب، بخلب، يسندون إلى الأحبار الأخبار، ويولون عن ألبابهم الأدبار، ويفنّدون العقول، بخبر منقول، وهنت منه القوى، وهن الأقوى، وضعف الأسناد، ضعيف السّناد، بين طبّ، داع إلى عطب، يفيد جليسه، تدليسه، ويمنح إخوانه، زوانه، قد فتن بمين راقه، ضمّنه أوراقه، يتعلق برواية، من الغواية، وعلّة، من التعلة، وخلاف، عن الأسلاف، ويحتج بحائف، من الصّحائف، وفاتر، من الدّفاتر، يتلو منها سطورا،
__________
(1) فى الاصل: مهمى تقول من الانباياجار، وقد أثبتنا ما روى بديوان الأعشى، ويا حار: ترخيم حارث
(2) السراة: جمع السرى: صاحب الشرف والمروءة والسخاء
(3) الخفرة: الأمان. المودود: المحبوب
(4) المكرمة: فعل الكرم(2/119)
أصبح عمودها عن الرّشد ما طورا فهى «حبالة المنمّس، وصحيفة المتلمّس».
الخاظئ: السمين، قال امرؤ القيس:
لها متنتان خظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النّمر (1)
أراد خظاتان، فحذف النون استخفافا، ويقال: أراد خظتا، فرد الألف التى كانت سقطت لاجتماع الساكنين فى الواحد لما تحركت التاء. وقال الآخر:
خاظى البضع لحمه خظا بظا (2)
والهزلى: جمع مهزول. قال المرّار:
ترى فصلانه فى الورد هزلى ... وتسمن فى المقالى والحبال (3)
والشاكى: ذو الشوكة وهو الحدّ فى سلاحه. ومنه قوله تعالى: {«وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذََاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ»}. وهو قلب الشائك.
والعزلى: جمع أعزل وهو الّذي لا سلاح معه.
والسّراب: الّذي يكون نصف النهار لاطئا (4) بالأرض، ومنه قوله تعالى:
{«كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ»}.
والآل: الّذي يرفع الشخوص بالغداة فى هذا الموضع. والآل: آل الرجل، وهم أشياعه، وأتباعه وأهل ملته. ومنه قوله تعالى: {«أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذََابِ»}
ومنه قول القائل فى الصلاة وغيرها: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد. قال عبد المطلب ابن هاشم:
__________
(1) خظاتا: كثيرتا اللحم، وحذف نون الاثنين ضرورة وقوله: كما أكب على ساعديه النمر: أراد كساعدى النمر البارك فى غلظهما، وانما خص البارك لأنه يبسط ذراعيه فيستبين غلظهما
(2) البضع: اللحم
(3) الفصلان: جمع الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه. الورد: الماء الّذي يورد
(4) لطأ بالأرض: لصق بها(2/120)
نحن آل الله فى بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم
يريد: ابراهيم الخليل عليه السلام. ويقال: آل الأمير: رعيته إذا ساسها، ومنه قول عمر: قد ألنا وأيل علينا. وآل الرجل أيضا: أهله، وهو من الأول.
والضحضاح: الماء القريب القعر
وخايله (1): أى راجيه.
والجهام: السّحاب الّذي لا ماء فيه. والكهام: السيف الّذي لا يقطع، والرّجل الكهام (2): الّذي لا جداء عنده، وهو من الأول.
والذّهول: الغفلة والنسيان. ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهََا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمََّا أَرْضَعَتْ}.
والسوائم: جمع سائمة، وهى التى ترعى، ومنه قوله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ}
والمذاهب: الأولى: جمع مذهب، وهو الدين، والمذاهب الأخرى: جمع مذهب: وهو السيرة والقصد.
والمضاهاة، والمقاناة، والمشابهة: بمعنى واحد، ومنه قول الله تعالى:
{«يُضََاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا}».
واللّصّ: الخارب، والخارب: الّذي يسرق البعران خاصة (3).
والرّاهب: واحد الرهبان، وهم العباد.
وأطلّ: أى أشرف.
والقلّب: الرجل المتقلب فى الأمور من علمه بها، يقال: رجل حوّل قلّب، أى متقلب متحوّل من الحيلة. يقال: تحوّل وتحيّل، وبالواو أفصح.
والخلّب (4): البرق الكاذب.
__________
(1) خايله السحاب: اذا كان يرجى المطر
(2) الرجل الكهام: الّذي لا مال عنده
(3) الجداء: النفع والعطاء وفى الأصل: جدا
(4) فى لسان العرب: الخارب: اللص، ولم يخصص به سارق الابل، ولا غيرها.
البعران: جمع البعير(2/121)
والأسناد: النص والرواية.
والأحبار: جمع حبر، وهو العالم بكسر الحاء مشتق من الحبر وهو المداد، لأنه يحفظ العلم، كما يحفظه المداد، وقد تفتح الحاء، والكسر أفصح، لأنه يجمع على أحبار.
والتّفنيد: التكذيب ومنه قوله تعالى: {لَوْلََا أَنْ تُفَنِّدُونِ}
والقوى: جمع قوة.
والوهن: الضعف، منه قوله تعالى {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}
والاقواء والسناد: من عيوب الشعر، وقد تقدم ذكر ذلك.
والطّبّ: العالم. والعطب: الهلاك.
والتّدليس: خلط الباطل بالحق. ومنه تدليس البائع السلعة على المشترى إذا كتم عيبها
والزّوان (1): الاخلاط الغثّة فى الطعام من الحنذره وغيرها
والمين: الكذب
ويقال: راقه الشيء: إذا أعجبه، يروقه، فهو له رائق
والتّعلّة: ما يتعلّل به، مثل التّحلة: ما يتحلّل به. ومنه قوله تعالى {تَحِلَّةَ أَيْمََانِكُمْ}
والاسلاف: الآباء والكبراء
والحائف (2): المائل
والفاتر: الضعيف، ومنه فتور العين
والمأطور: المعطوف. يقال: أطر العود يأطره أطرا: إذا عطفه، وفى
__________
(1) الزوان: ما يخرج من الطعام فيرمى به، وهو الردىء منه
(2) الحائف: الجائر الظالم(2/122)
الحد: «يأطروه على الحقّ أطرا»، أى يعطفوه، وتأطّر الرمح: تثنّيه وانعطافه. قال الشاعر:
وأنتم أناس تشمصون عن القنا ... إذا صاد فى أكنافكم وتأطّرا (1)
الشمص: الطرد، قال الشاعر:
وحثّ بعيرهم حاد شموص
والمنمّس: الّذي يتخذ الناموس، والناموس (2): قترة الصائد.
والمتلمّس: نقب جرير بن عبد المسيح بن عبد الله الشاعر من بنى دوقن من ضبيعة بن ربيعة من نزار، ويسمى: المتلمّس، لقوله:
فهذا أوان العرض جنّ (3) ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس
وكان المتلمس ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة هو وطرفة بن العبد، الشاعر، من قيس بن ثعلبة (4) بن عكابة، من بكر بن وائل، فهجوا عمرا، فمن هجائهما قول طرفة:
إن شرار الملوك قد علموا ... طرّا وأدناهم من الدّنس
عمرو وقابوس وابن أمّهما ... من يأتهم للخنا بمحتبس
يأتى الّذي لا تخاف سبّته ... عمرو وقابوس قينتا عرس
يصبح عمرو على الأمور وقد ... خضخض ما للرّجال كالفرس (5)
__________
(1) شمص الدواب: أعجلها وطردها طردا عنيفا
(2) الناموس: قترة الصائد وهى كالغرفة يختبئ فيها الصائد وقت الصيد
(3) العرض: واد من أودية اليمامة
(4) بياض بالاصل، وقد أكملنا هذا عن شعراء النصرانية. جن ذبابة: كثر ونشط، ويروى: طن، وحي ذبابه: عاش بالخصب فيه. الأزرق المتلمس: اشارة إلى جنس آخر غير الأول وهو ما كان أخضر ضخما. والمتلمس: الطالب.
(5) فى الاصل
يصبح عمرو يقضى الامور ... وقد خضخض ماء الرجال كالقريس
والمرء قابوس وابن والده ... المنذر فيتا عرس
وقد أثبتنا ما ورد بديوانه طبع اوربا وآثرنا نشر الأبيات الأربعة لارتباطها ببعضها(2/123)
فلما علم عمرو بهجائهما إياه: كتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين يأمره أن يقتلهما أقبح قتلة، وقال لهما: قد كتبت بجائزتكما إليه، فانصرفا، حتى إذا صارا فى النجف، قال المتلمس لطرفة: يا طرفة أنت حدث غرّ، وكلنا قد هجا الملك ولا آمن مكره بنا فى كتابيه، فهل لك أن تقرأ كتابيه؟ فقال طرفة: همة الملك أرفع من هذا، ولو همّ بذلك لكان على بابه أعظم لهيبته.
وغدا المتلمس إلى غلام من أهل الحيرة ليقرئه الصحيفة. ومضى طرفة ولم يلو عليه. فلما قص الغلام الصحيفة إذا فيها: أما بعد، فإذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيّا. فقال الغلام: ثكلت المتلمس أمه، وهو لا يعرفه.
فأخذ الملمس الصحيفة وخرج لأن يحدث طرفة ويرده فلم يلحقه. فألقى المتلمس صحيفته فى نهر الحيرة وقال:
وألقيتها بالثنىّ من جنب كافر ... كذلك أقنو كل قطّ مضلّل (1)
رضيت لها لما رأيت مدادها ... يجول به التّيار فى كل جدول (2)
والثنى: ما انثنى من الوادى والنهر، والكافر هاهنا: النهر العظيم، واقنو:
أجزى، والقط: الصحيفة والصك، والبيت الأول مجزوم.
وهرب المتلمس نحو الشام، وأتى طرفة إلى عامل البحرين، فقتله، فقال المتلمّس:
من مبلغ الشّعراء عن أخويهم ... خبرا فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الّذي علق الصّحيفة منهما ... ونجا حذار حياته المتلمّس
__________
(1) كافر: اسم علم لنهر الحيرة، وقيل: اسم قنطرته، ويروى البيت:
قذفت بها فى اليم من بطن كافر ... كذلك ألقى كل رأى مضلل
ويروى أيضا.
وألقيتها من حيث كانت لأننى ... كذلك أجزى كل قط مضلل
(2) يروى البيت.(2/124)
ألقى صحيفته ونجّت كوره ... عنس مداخلة الفقارة عرمس (1)
فضربت العرب المثل بصحيفة المتلمس.
وقد ذكرها الفرزدق فى شعره إلى مروان بن الحكم، وذلك أن الفرزدق مدح سعيد بن العاص بشعر يقول فيه:
ترى الغرّ الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر بالحدثان عالا (2)
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به الهلالا
فقال مروان: ألا جعلتهم جلوسا؟ فقال: لا والله إلا قياما، وأنت من بينهم صافن (3)، فحقد ذلك عليه مروان، وكتب له كتابا مختوما إلى بعض عماله يأمره فيه يجلد الفرزدق، فأبى الفرزدق أن يغدو إلى العامل، فكتب إليه مروان (4):
قل للفرزدق والسّفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
أى: الحق بنجد، يقال: جلس: إذا أتى نجدا، فرد عليه الفرزدق:
يا مرو إن مطيّتى محبوسة ... ترجو الحباء وربّها لم ييأس (5)
__________
رضيت لها بالماء لما رأيتها ... يجول عليها الموت فى كل جدول
(1) الكور: رحل البعير. العنس: الناقة الصلبة. المداخلة: التى دوخل بعضها ببعض. العرمس: الناقة الشديدة شبهت بالصخرة لصلابتها، ويروى:
وجنا محمرة المناسم عرمس
(2) عال أمر القوم: اشتد واضطرب وتفاقم، وفى الاصل غالا. الغر: جمع الاغر:
كريم الفعال واضحها، ويروى: الشم
(3) الصافن من الخيل: القائم على ثلاث قوائم
(4) كان مروان وقت ولايته المدينة دفع الى الفرزدق صحيفة يوصلها الى بعض عماله وأو همه أن فيها عطية، وكان فيها مثل ما فى صحيفة المتلمس، فلما خرج عن المدينة كتب إليه مروان:
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها
إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
ودع المدينة انها محروسة
واقصد لأيلة أو لبيت المقدس
ألق الصحيفة يا فرزدق إنها
نكراء مثل صحيفة المتلمس
وإنما فعل ذلك خوفا من الفرزدق أن يفتح الصحيفة فيدرى ما فيها، فيتسلط عليه بالهجاء
(5) الحباء: العطية(2/125)
وأمرت لى بصحيفة مختومة ... يخشى عليّ بها حباء النّقرس (1)
ألق الصّحيفة يا فرزدق إنّها ... نكراء مثل صحيفة المتلمّس (2)
* قوله: «وأب، أفرى وما رأب، يلقن وليده، تقليده، يلهم ابنه، افنه، فحفظ الآخر عن الأول، ما ليس عليه بمعوّل، وبعض على بعض زار، وهو مثقل من الأوزار، يرى ضدّه جاهلا غبيا، ولو كان صدّيقا أو نبيا، ويجعل مخالفه مخطيا، وعن اللّحاق بالسّوابق مبطيا، ويعدّ سكيته سابقا مجلّيا، لا لاحقا مصليا، ومجلّى غيره فسكلا (3)، وجليه الواضح مشكلا، كلّ يداوى سقيما من مقالته، فمن لنا بصحيح ما به سقم؟ غلبت على الفطن الأهواء، فكل جؤجؤ هواء، واستحسنت الأسواء، فالحسن وضده سواء، كل يؤسّس على هار، ويصل الليل بلا نهار، قد صكّ بالعمى، صكّة عمىّ، وشغف بالغىّ، شغف غيلان بمى، بذّ الداء كلّ أس، وأعجز رد العضد من الآس، صمىّ لقد أغرب هاتف الحمام، وأتى لذوى الكمد بإمام، أغتى من طرب، أم هتف لغير أرب، لعله فقد إلفا، فرضع من مرّ الفراق خلفا، فهو عروة الحمائم، ومرقشهن الهائم، أو فجع بهديل، موف على البديل، هلك بزعمهم فى عصر نوح، وكل حمامة تؤبّنه وتنوح، تأبين متمم لمالك، ومراثيه لأخيه الهالك، وعلم ربك ما فى الصدور، وحم على الرضا والسخط كل مقدور».
أفرى، يقال: أفرى الرجل الشيء: إذا أفسده، وفراه: إذا أصلحه.
والرأب: الاصلاح، يقال: رأب الشيء يرأبه: إذا أصلحه.
والافن: قلّة العقل، والأفن: إحصاء ما فى الضرع من اللبن، قال المخبل التميمى، ثم أحد بنى قريع، واسمه الرّبيع (4) بن ربيعة:
__________
(1) يخشى: فى الاصل: أحشو. النقرس: الهلاك والداهية
(2) نكراء: فى الاصل تكذا
(3) وفى التيمورية فسكلا
(4) فى الاصل: اقريبع(2/126)
إذا أفنت أروى عيالك أفمنها ... وإن حيّنت أربى على الوطب حينها (1)
والغبى: ذو الغباوة، وهى قلة الفطنة، يقال: غبى عن الأمر يغبو غباوة، وقال أبو عبيد: غبيت الشيء أغباه، وغبى عليّ مثله.
والصدّيق: كثير التصديق، مثل الشّريب: كثير الشراب، وما شاكله، ومن ذلك سمى أبو بكر الصديق: لكثرة تصديقه للنبى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدََاءِ وَالصََّالِحِينَ}
تفسير النبي
وأما النبي: ففيه وجهان، إذا همزته فهو من الأنباء، وهو الاخبار عن الله عز وجل، وإذا شدّدته ولم تهمزه، فهو من النبوة، والنباوة: وهو الارتفاع، والنبي: الطريق، والنبي: المكان المرتفع، قال أوس بن حجر يرثى فضالة بن كلدة (2) الأسدى:
على السيد الصّعب لو أنه ... يقوم على ذروة الصاقب
لأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبي من الكاثب
الكاثب هنا: اسم جبل فيه رمل، وحوله رواب يقال لها النبي، الواحد:
ناب، مثل غار وغرى، يقول: لو قام فضالة على الصاقب، وهو جبل، يذلله لسهل له حتى يصير كالرمل الّذي فى الكاثب، ونصب مكان على الظرف، ويقوم:
بمعنى يقام. والرتم: الكسر والدق
والسكيت والمجلّى والمصلّى: من خيل الحلبة، وقد تقدم ذكر ذلك، والفسكل:
هو السكيت.
__________
(1) أفنت الابل: إذا جلبت كل ما فى ضرعها، وأفن الحالب: إذا لم يدع فى الضرع شيئا. والتحيين: أن تحلب كل يوم وليلة مرة واحدة. والوطب: سقاء اللبن
(2) فى الأصل: كلمده(2/127)
والجؤجؤ: الصدر، والهواء: الّذي لا عقل له قال زهير:
كأن الرّحل منها فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء (1)
والتأسيس: البناء. والهار: المنهدم، وهو الهائر أيضا، يقال هار البناء يهور، وتهور، وانهار: إذا انهدم، ومنه قوله تعالى: {فَانْهََارَ بِهِ فِي نََارِ جَهَنَّمَ}.
وصكة عمىّ (2): نصف النهار، يقال إن رجلا من العرب يقال له عمىّ أغار على قوم نصف النهار فأخذهم، فسمّى ذلك الوقت صكة عمى. والشغف: أشدّ الحبّ، ومنه قوله تعالى (قد شغفها حبّا) أى بلغ الحب شغفها، والشغاف: غلاف القلب.
وأما غيلان: فهو غيلان بن عقبة، وهو ذو الرمة الشاعر. ومىّ: المرأة التى يشبب بها، وهى من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقرى.
__________
(1) قوله: فوق صعل: شبه الناقة فى سرعتها بالظليم فكأن رحلها فوقه. والصعل:
الصغير الرأس، وبذلك يوصف الظليم. وقوله: جؤجؤه هواء: أى صدره خال كأن لا قلب له، وإنما أراد أنه ليس له عقل، وكذلك الظليم هو أبدا كأنه مجنون، فيقول:
كان بناقته هوجا لنشاطها ويحتمل أن يريد بقوله: جؤجؤه هواء: انه فزع مذعور فكأن لا قلب له لشدة ذعره، وإذا ذعر كان أسرع له
(2) فى تاج العروس «ولقيته صكة عمى كسمى» هذا هو المشهور فى المثل وبه جاء لفظ الحديث وصكة عمى بالضم وسكون الميم. جاء هكذا فى الشعر يعنى قول رؤبة
صكة عمى زاخرا قد أترعا ... إذا الصدى أمسى بها تفجعا
أراد صكة عمى فلم يستقم له فقال عمى. ويقال أيضا: صكة أعمى. وفى الحديث نهى عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة صكة عمى، أى فى أشد الهاجرة حرا، ولا يقال إلا فى القيظ، لأن الانسان إذا خرج وقتئذ لم يقدر أن يملأ عينيه من ضوء الشمس.
وقال ابن سيده: لأن الظبى يطلب الكناس إذا اشتد الحر وفد برقت عينه من بياض الشمس ولمعانها فيسدر بصره حتى يصك كناسه لا يبصره، وفيه أيضا أنه كان يستظل بظل جفتة عبد الله بن جدعان صكة عمى، يريد الهاجرة.
والأصل فيها أن عميا مصغر مرخم كأنه تصغير أعمى. قاله ابن الأثير، أى أنه يصير كالأعمى. وقيل: حين كاد الحر يعمى من شدته
وفى لسان العرب: وقيل: عمى رجل من عدو ان كان يفنى فى الحج، فأقبل معتمرا ومعه ركب حتى نزلوا بعض المنازل فى يوم شديد الحر، فقال عمى: من جاءت عليه هذه الساعة من غد وهو حرام لم يقض عمرته فهو حرام إلى قابل، فوثب الناس يضربون حتى وافوا البيت وبينهم وبينه من ذلك الموضع ليلتان؟؟؟، فضرب مثلا(2/128)
وبذّ الداء: أى غلب الداء. والآسى: المداوى، يقال: أسا يأسو، فهو آس، أى داوى، فهو مداو.
والعضد: الشجر المقطوع، قال عبد مناف بن ربع الهذلى:
فالطعن شغشغة والضّرب هيقعة ... ضرب المعوّل تحت الدّيمة العضدا
الشغشغة: حكاية صوت الطعن. والهيقعة: حكاية صوت الضرب بالسيف.
والمعول: الّذي يبنى عالة، وهى شجر يقطعه الراعى فيستظل به. وقال: تحت الديمة: لأنه أسمع لصوته إذا ابتل. والمعول: الّذي يتخذ العالة. والعالة: شبه الظّلة يستظل بها عن المطر (1).
والآس: الرماد فى هذا الموضع. والآس أيضا: الهدس.
ويقال للداهية: صمى صمام، مثل جذام وقطام، مبنى على الكسر، أى: زيدى.
ويقال: أغرب الرجل، إذا أتى بالغريب، وكذلك غيره. والكمد: الحزن.
والطرب: خفة تصيب الانسان من شدة الفرح أو شدة الغم. والأرب: الحاجة فى هذا الموضع، وكذلك الإربة والمأربة، بفتح الراء وضمها. والأرب أيضا: العلم والعقل، قال أبو العيال الهذلى فى (2) عبد بن زهرة:
يلفّ طوائف الفرسا ... ن وهو بلفّهم أرب (3)
والإلف: الصاحب، وكذلك الأليف. قال الشاعر:
وكلّ أليف فاقد لأليفه ... ومعترف بالبين حتّى البهائم (4)
__________
(1) فى الكلام تكرار، فقد تقدم الكلام على المعول
(2) لم تكن بالأصل
(3) فى الأصل:
يلف طرائف الأعدى ... وهو يلفهم أرب
وقد اعتمدنا على رواية لسان العرب.
(4) البين: الفرقة(2/129)
والخلف والطّبى: الضّرع، وجمعه أخلاف وأطباء
وعروة ومرقش: رجلان من الشعراء. والهائم: المشتاق فى هذا الموضع. والهائم:
العطشان، والهيام: العطش، والهيم: الابل التى أخذها الهيام، وهو داء.
والهديل: الذكر من الحمام، ويسمى أيضا: ساق حرّ. قال حميد بن ثور الهلالى:
وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامه ... دعت ساق حرّ ترحه وترنّما
وحمّ: أى قدّر. وأحمّ: أى دنا. قال:
حييّا ذلك الغزال الأحمّا ... إن يكن ذلك الفراق أجمّا (1)
والعرب تزعم أن هديلا كان فى عصر نوح صاده خارج من جوارح الطير، فكل حمامة تبكى عليه من ذلك الوقت إلى آخر الدنيا.
والموفّى: الزائد فى هذا الموضع، والموفى: المشرف. والبديل: البدل.
والتأبين: مدح الميت. والتقريظ (بالظاء والضاد المعجمتين): مدح الحى.
وأما متمم: فهو متمم بن نويرة اليربوعى الشاعر، وله مرات كثيرة فى أخيه مالك بن نويرة، منها قوله:
وكنّا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا (2)
__________
(1) أحم الأمر وأجم: إذ حان وقته. وفى الاصل:
حييا ذلك الغزال الا حمّا ... ان يكن ذا كما الفراق حما
(2) جذيمة الابرش ملك العراق (215ب. م) وكان ثاقب الرأى، بعيد المغار شديد النكاية، ظاهر الحزم، وهو أول من غزا بالجيوش، وشن الغارات على قبائل العرب. وكان به برص، فأكبرته العرب على أن تنعته به اعظاما، فسمته جذيمة الابرش وجذيمة الوضاح، واستولى على السواد ما بين الحيرة والانبار، وطال ملكه نحو ستين سنة بالتقريب.
ونديماه هما مالك وعقيل ابنا فارج، رجلان من بلقين كانا يتوجهان إلى جذيمة بهدايا وتحف، فوجدا بطريقهما ابن اخته عمرو بن عدى، وكان يطلبه منذ زمان، فحملاه إليه، فعرفه جذيمة وقال لمالك وعقيل: حكمكما، فسألاه: منادمته فلم يزالا نديميه حتى فرق الموت بينهم، ويضرب بهما المثل بطول المنادمة، ويقال: إنهما نادمناه أربعين سنة(2/130)
فلمّا تفرّقنا كأنّى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ومنها قوله:
وقالوا: أتبكى كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللّوى فالدّكادك؟ (1)
فقلت لهم: إن الأسى يبعث الأسى ... دعونى فهذا كلّه قبر مالك
الأسى الأول: جمع أسوة وهى التعزية، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
والأسى الثانى: الحزن، وهو مصدر أسى يأسى: إذا حزن، ومنه قوله تعالى:
{لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ}
وكان مالك بن نويرة ممن قتل فى الرّدة، قتله خالد بن الوليد، وتزوج امرأته، وقتل من قومه مقتلة عظيمة، وبهذا السبب سخط عمر بن الخطاب على خالد بن الوليد.
ودخل متمم بن نويرة على أبى بكر، وهو يصلى بالناس، وكان متمم رجلا ذميما أعور، فاتّكأ على سية قوسه (2) ثم قال يرثى أخاه مالكا:
نعم القتيل اذا الرّياح تناوحت ... خلف الستور قتلت يا ابن الأزور
فقال أبو بكر: زد، فبكى متمم وانحطّ على سية قوسه حتى دمعت عينه العوراء، ثم قال:
لا يمسك العوراء تحت ثيابه ... حلو شمائله عفيف المئزر (3)
ولنعم حشو الدّرع كنت وخاسرا ... ولنعم مأوى الطارق المتنوّر
__________
(1) اللوى: ما التوى وانعطف من الرمل أو مسترقه، ومنقطع الرملة. الدكادك:
جمع الدكدك: أرض فيها غلظ
(2) سية القوس: ما عطف من طرفيها، والجمع: سيات.
(3) العوراء: القبيحة. الشمائل: جمع الشمال والشميلة: الطبع. المئزر: كل ما ستر(2/131)
فقام إليه عمر بن الخطاب، وقال: لوددت أنى رثيت أخى بما رثيت به أخاك.
فقال له متمم: رفّه عنك أبا حفص، فلو صار أخى حيث صار أخوك ما رثيته.
فقال عمر: ما عزّانى أحد عن أخى بمثل تعزيتك
وكان زيد بن الخطاب استشهد يوم مسيلمة.
* * * * قوله: «إلا أنه سلم من كفر واسلام، وتحصّن عن الملام بأحصن لام، وتحلى بأطواق، لم تبع فى الأسواق، واستشار جذلا بمذل، ناء عن العذل، وترنّم بأوزان، مسلية عن الأحزان، لا يفتقر من العروض الى ميزان، وصدح بقريض، عزب عن الغريض، ورجّع بألحان حسان، كرّرها باحسان، وعرى من خطل الانسان»
اللام: جمع لأمة، وهى الدرع الحصينة، مهموز، ويجوز تخفيفه
والجذل: الفرح
والمذل: اذاعة السر. والعذل: وهو اللوم. والترنم: الصوت
والأوزان: جمع وزن، وهو استواء حروف أبيات الشعر بغير زيادة ولا نقصان.
والقريض: الشعر، يقال منه: قرض يقرض: اذا قال الشعر، وقرضه يقرضه: إذا حاذاه، ومنه قوله تعالى: {وَإِذََا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذََاتَ الشِّمََالِ}، قال ذو الرّمة:
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهنّ الفوارس (1)
المشرف والفوارس: موضعان، يقول (2): نظرت إلى ظعن يجزن بين هذين الموضعين، مشرف: اسم رمل.
ويقال: صدح الطائر: إذا صوت
وعزب: أى غاب، ومنه قوله تعالى: {لََا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقََالُ ذَرَّةٍ}
__________
(1) الفوارس: رمال بالدهناء
(2) فى الأصل: تقول(2/132)
والغريض ومعبد: رجلان كانا يحسنان الغناء
والترجيع: ترديد الصوت فى الحلق
والالحان: جمع لحن، وهو الصوت فى هذا الموضع
والألحان: المعانى، واحدهن: لحن، ومنه قوله تعالى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}
أى فى معناه، واللحن (بالتحريك): الفطنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
«لعلّ أحدكم ألحن بحجّته من بعض»: أى أفطن، قال مالك بن أسماء بن خارجة الفزاريّ:
وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت النّاعتون يوزن وزنا (1)
منطق رائع ويلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
يريد: إنها تتكلم بشيء وهى تريد غيره، وتعرّض فى حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها، كما قال الله عز وجل: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، أى فحواه ومعناه
واللحن: الخطأ فى الكلام، وهو إزالة الاعراب عن معناه
والخطل: المنطق الفاسد، والفحش، ومنه سمى الاخطل الشاعر.
* * * * قوله: «ما فعلت قدما العرب فى عبادة الأوثان، وليس مع الله فى الالهية شريك ثان، وما سنّت جهالهم فى الجاهلية، على قبر الميت من صبر البليّة، وارتباط الفرس أو المطية، وعدّ ترك ذلك من الخطية، كيلا يصبح ذلك الميت بين الركبان ماشيا، اذا هبّ الى الجمع يوم يبعث الناس عاشيا»
الأوثان: جمع وثن، وهى حجارة كانت تعبد من دون الله، وكانوا يتقربون
__________
(1) فى الأصل.
وحديث ألذه هو من ما ... ينعت الفاعتون يوزن وزنا
منطق رائع ويلحن أحيانا ... وأحلى الحديث ما كان لحنا(2/133)
بعبادتها إلى الله عز وجل، وقد ذكر الله ذلك فى كتابه عز وجل، حيث يقول:
{مََا نَعْبُدُهُمْ إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ زُلْفى ََ}
أول من دعا العرب إلى عبادة الأوثان
وأول من دعا العرب إلى عبادة الاوثان، وغيّر دين اسماعيل: خزاعة، واسمه عمرو بن لحىّ، واسم لحى ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الازدى، وهو أول من بحر البحيرة (1)، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامى، وقد ذكر الله ذلك فى كتابه بقوله: {مََا جَعَلَ اللََّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلََا سََائِبَةٍ وَلََا وَصِيلَةٍ وَلََا حََامٍ}
وكان لبنى حنيفة فى الجاهلية صنم من حيس (2) فعبدوه دهرا طويلا، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه، فعيرتهم العرب بذلك، قال الشاعر:
أكلت حنيفة ربّها ... زمن التّقحّم والمجاعة (3)
لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتّباعة (4)
أحنيف هلّا إذ جهلت ... م صنعت ما صنعت خزاعه
نصبوه من حجر أصمّ ... م وكلّفوا العرب اتّباعه
وقال رجل من بنى تميم:
أكلت ربّها حنيفة من جوع ... قديما بها ومن أعواز (5)
واطلع رجل من العرب يوما على صنم لهم فرأى عليه ثعلبا يبول، فقال:
أربّ يبول الثّعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب
وصبر البلية: حبسها، ومنه قوله تعالى: {«وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدََاةِ وَالْعَشِيِّ}»
__________
(1) بحرت اذن الناقة أو الشاه بحرا: شققتها وخرقتها، وكانت العرب تفعل بهما ذلك إذا نتجتا عشرة ابطن فلا تنتفع منهما بلبن ولا ظهر وتترك البحيرة ترعى وترد الماء ويحرم لحمها على النساء ويحلل للرجال
(2) الحيس: الخلط ومنه سمى الحيس وهو الأقط يخلط بالتمر والسمن
(3) التقحم: الجدب.
(4) التباعة. ما يترتب على الفعل من الخير والشر
(5) الاعواز: الفقر وسوء الحال(2/134)
والمصبورة التى نهى عنها فى الحديث: هى المحبوسة على الموت، ومنه قولهم: قتل صبرا، إذا حبس على القتل حتى يقتل
والبلية: الفرس أو الناقة تحبس عند قبر صاحبها ولا تعلف ولا تسقى حتى تموت، وهى من سنن الجاهلية على موتاهم، ليركبها صاحبها يوم البعث، وكانوا يرون ذلك دينا. قال جريبة ابن أشيم الفقعسيّ (1) يوصى ابنه:
يا سعد إما أهلكنّ فأننى ... أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب
لا تتركن أباك يعثر خلفهم ... تعبا يخرّ على اليدين وينكب (2)
ولقلّ لى مما جعلت مطيّة ... فى إلهام أركبها إذا ما ركّبوا (3)
ويقال: هبّ النائم، إذا استيقظ من نومه هبّا وهبّت الريح هبوبا، وهب التيس: إذا هاج وصاح، هبيبا، وهبت الناقة فى سيرها: إذا تساقطت فيه وتهافتت هبابا، قال لبيد:
فلها هباب فى الزّمام كأنّها ... صهباء راح مع الجنوب جمامها (4)
ويقال: أيضا: عشوت إليه: أى استدللت إليه ببصر ضعيف، قال الحطيئة:
متى تأتى تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد (5)
ويقال أيضا: عشوت إليه: أى قصدته، وعشوت عنه: أى صددت عنه، ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمََنِ}.
__________
(1) فى الاصل: الاشيم، وفى لسان العرب: أشيم
(2) نكب الرجل: اشتكى منكبه
(3) إلهام: جمع الهامة: جماعة من الناس، والبيت فى الاصل:
ولعل لى مما تركت مطية ... فى إلهام أركبها إذا قيل اركبوا
وقد أثبتنا ما ورد بلسان العرب
(4) الهباب: النشاط ما كان، وهبت الناقة فى سيرها: أسرعت
(5) تعشو: من عشا: إذا أتى نارا يرجو عندها خيرا أو هدى(2/135)
أديان العرب غير عبادة الاوثان
وكان لقوم من العرب أيضا فى الجاهلية أديان غير عباده الأوثان.
فكانت اليهودية فى حمير، وبنى كنانة، وبلحرث بن كعب، وكندة.
وكانت النصرانية فى ربيعة وغسان، وبعض قضاعة.
وكانت المجوسية فى تميم، منهم زرارة بن عدس التميمى، وابنه حاجب بن زرارة، وكان تزوج بنته، ومنهم الأقرع بن حابس، وكان مجوسيا، والأسود جد وكيع بن حسان، كان مجوسيا.
وكانت الزندقة فى قريش، أخذوها من الحيرة.
المذاهب
وسنذكر فى هذا الموضع جملة من عيون المذاهب، مختصرة تكون سببا لنظر الناظر وتذكرة، ونقتصر منها على المذاهب المشهورة، والمقالات المأثورة، ونسند كل مذهب منها إلى أول من ابتدعه، وسنّه لمن بعده وشرعه (1).
ونقتصر على أئمة الأديان وأربابها، ومصنفى الكتب وأصحابها، ولا نتعدى الأصول إلى الفروع، ولا نذكر التابع اكتفاء بذكر المتبوع، ونبين اختلاف المختلفين من الأنام، فى معرفة المعبود والامام، فأما اختلافهم فى سوى هذين الوجهين، فاختصرناه خوفا أن يطول به الكتاب، لو ذكرناه، والله الموفق للصواب، والمسدد لما يرضيه من العمل فى جميع الأسباب.
ا
اختلاف الأقوال فى معرفة الصانع
علم أن الناس اختلفوا فى معرفة الصانع، فقال بعضهم: العالم محدث، لما فيه من دلائل الحدث، من التأليف والتصوير، والحركة والسكون، وذلك دليل على أن له صانعا قديما بخلافه.
__________
(1) شرع: سن شريعة(2/136)
أقوال من يثبت قدم العالم
وقال بعضهم: هو قديم، لأنهم لم يشاهدوا شيئا إلا من شيء، كالانسان لا يكون إلا من نطفة، والطائر لا يكون إلا من بيضة، وإنما يقع نمو ذلك باعتدال الحر والبرد، والرطوبة واليبس، ويقع فسادها بافراط أحدها فيه.
ثم اختلف من قال بقدم العالم.
فقالت الهولانية أرسطاليس، ومن قال بقوله هيولى (1): له قدم، وتفسير الهيولى: أصل الأشياء، مثل القطن للثوب، هو هيولى له، والهيولى هو المدبر للعالم، وهو أصل له لم يزل، وقوة معه، فالعالم لن ينفك من عرض وجوهر (2)، فالجوهر هو القابل للأعراض والهيولى حرّك القوة، فحرك البرد، ثم حركها فحدث الحر، فقبلهما الجوهر والجوهر قديم معه واعتلوا فى ذلك: أنهم يرون الانسان ضعيفا ثم يرونه قويا، والذات قائمة بعينها، فعلموا أن القوة لمعنى الحدث، والضعف لمعنى الحدث ودليلهم على الجوهر أنه قابل للأعراض: أن البشرة يحدث فيها الألوان، وهى قائمة بعينها، وذلك دليل على أن العين غير الالوان، والطعوم دليلهم على الفعل: أنك ترى الانسان قد يحدث الفعل بعد إذ كان غير فاعل له، والفعل عرض، كذلك يجوز أن يحدث الهيولى أعراضا هو غيرها، ولا يقال:
كيف حدث هذا الفعل؟ كما لا يقال: كيف حدثت هذه الحركة من الانسان (3)؟
وقالت الاطباء جالينوس، ومن قال بقوله: أربع طبائع لم يزل العالم منها:
الحر والبرد والرطوبة واليبس، قياسا على تأثيرها فى المشاهد.
__________
(1) الهيولى (بتخفيف الياء وتشديدها): المادة الاولى، والنسبة إليه: هيولى وهيولانى، والجمع: هيوليات
(2) العرض: اسم لما لا دوام له، ومن كل شيء: ما كان قائما فى جوهره وليس جوهرا. والجوهر: الموجود القائم بنفسه، ويقابله العرض
(3) ويقول الامام فخر الدين الرازى فى كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين:
مذهبهم أن العالم قديم، وعلته مؤثرة بالايجاب، وليست فاعلة بالاختيار، وأكثرهم ينكرون علم الله تعالى، وينكرون حشر الاجساد(2/137)
وقالت الفلاسفة: أربع طبائع لم تزل، وخامس معها بخلافها، والدليل على ذلك: انهم لما رأوا الشيء لن ينقلب عن حاله التى كان عليها، مثل النار لن تنقلب رطوبة أبدا ولا بردا وكذلك هذه الأربع الطبائع لما كانت غير محتازة (1) للفعل، فلما احتاجت فهى بحالها الأولى لن تنتقل عن طباعها فلما رأوا الاحتياز والتمثيل، علموا أن ذلك المحتاز المثل هو الخامس.
وقالت الجوهرية: جوهرة قديمة واحدية الذات، وإنما اختلفت على قدر التقاء أجزاء الجوهرة وحركاتها، فاذا كان جزءان كان ذلك حرا، فاذا كان ثلاثة صار بردا، فاذا كان ذلك أربعة صار رطوبة، وعلى هذا المثال، وأثبتوا الحركات، وزعموا أن حركة قبل (2) حركة إلى ما لا نهاية
وقال أصحاب الجثة: إن العالم كله لم يزل بصورة تفلقت هذه الجثة عنها فكان الخلق كاملا فظهر، وأنكروا أن يكون كانت غير صورة، فيحتاج إلى مصور.
وقال هرموس: أربع طبائع وخامس لم تزل مثل مقالة الفلاسفة وأثبت العالم ساكنا لم يحرك، والسكون عنده ليس بمعنى والحركة معنى ودليله على ذلك:
أنه لما وجد الفعل هو الحركة، وهو زوال عن المكان، فوجده لا يبقى زمنين، ووجده ليس بمحبوس ولا مدرك، وهو فعل، كان محالا أن يكون السكون فعلا، لأن السكون لبث فى المكان، ولو كان فعلا، كان يكون زوالا، كما أن الفعل الزوال.
وقال بلعم بن باعور: إن العالم قديم، وإن له مدبرا بخلافه من جميع المعانى، وأثبت الحركات، فقال: إن الحركة الأولى هى الحركة الثانية معادة، وإن الجسم
__________
(1) حاز الشيء: ضمه وجمعه وحصل عليه
(2) فى الاصل: قيل (بالياء)(2/138)
يبقى الأزمنة، والحركة لا تبقى، فمحال أن يكون الحديث كالقديم، وإن النفس معنى سادس غير الحواس الخمس.
وقال بعض اليونانية: أربع طبائع لم تزل، وخامس بخلافها، وفضاء، والفضاء عندهم ليس بجسم، وأنه مكان الأشياء، وأنه ليس بمعنى، وقالوا: بل حركات، على مثل مقالة أصحاب الجوهرة.
وقال بعض اليونانية الآخرون وهم أصحاب الأسبطون: بمثل مقالة بلعم بن باعور، إلا أنهم زعموا أن العالم لم يزل متحركا بحركات لا نهاية لها، وادعوا ذلك من قبل أنهم أنكروا حدث شيء فى العالم، وأنكروا أن تكون الحركة لها أول وآخر، لأنها لو كان لها أول وآخر، ثبت حدث العالم، لأنه غير منفك منها
وقالت السمينية من الهند: العالم قديم كله، إلا أنهم لا يدرون أكان الانسان قبل النطفة، أو كانت النطفة قبل الانسان؟ لأنهم لم يروا إنسانا إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من انسان، ولا يدرون أيهما قبل صاحبه إلا أن لهما أولا، وأن أحدهما مولد عن الآخر وقالوا: لا موجود إلا ما وقعت عليه الحواس، وأنكروا الأعراض.
وقالت السوفسطانية: لا حقيقة للاشياء، وإنما هى خيالات، وليس لها صفات، ولا حالات متغايرات، ولا يقال: موجودة ولا معدومة، قياسا على ما يرى، ولا حقيقة له.
وقالت الشكاك: باثبات الحواس، وزعم أنه محال أن يكون شيء إلّا من شيء، مثل السنبلة، محال أن تكون إلا من الحبة والهواء والارض والماء، واستحال أن يصور الشيء عندهم نفسه، فقالوا: لا ندرى، أقديمة أم محدثة؟
اختلاف الثنوية (1) وقالت المانية أصحاب مانى، وهو سريانى: الأصل
__________
(1) يقول الامام فخر الدين الرازى: الثنوية أربع فرق:
الفرقة الاولى: المانوية، أتباع مانى، وقد كان رجلا نقاشا خفيف السيد، ظهر(2/139)
شيئان قديمان، وهما جسمان محدودان، نور وظلام خلاقان، سميعان بصيران، (1)
عالمان، كل واحد منهما فى نفسه اسم لخمسة معان: اللون والطعم والرائحة والمحسّة والصوت، وإنهما كانا غير ممتزجين، ثم امتزجا فحدثت الصور لامتزاجها، فالنور فاعل الخير، والظلام فاعل الشر، والدليل على ذلك: أنهم وجدوا الذات الواحدة لا يكون فيها فعلان متضادان، مثل النار لا يكون فيها التبريد، والثلج لا تكون منه الحرارة (والشيخين) (2) كذلك فاعل الخير غير فاعل الشر، وفاعل الشر غير فاعل الخير، وأنهما كانا قبل الامتزاج متماسين على مثال الظل والشمس وليس فى مذهبهم ذبيحة ولا نكاح.
وقالت الديصانية: شيئان قديمان خلاقان، أحدهما حي، والآخر موات، فالحى هو النور الحساس الدارك، وهو يؤثر ما كان فى العالم من جنسه، من الخير والحياة، والموات هو الظلام، الّذي لا ينتقل إلا بالنور، وهو يؤثر ما كان فى
__________
فى زمن سابور بن أردشير بن بابك، وادعى النبوة، وقال: إن للعالم أصلين: نور وظلمة وكلاهما قديمان. فقبل سابور قوله، فلما انتهت نوبة الملك إلى بهرام أخذ مانى وسلخه وحشا جلده تبنا وعلقه، وقتل أصحابه إلا من هرب والتحق بالصين ودعوا إلى دين مانى، فقيل أهل الصين منهم، وأهل الصين إلى زماننا هذا على دين مانى الثانية: الديصانة، وهم يقولون بالنور والظلمة أيضا. والفرق بينهم وبين المانوية:
أن المانوية يقولون إن النور والظلمة حيان، والديصانية يقولون: إن النور حي والظلمة ميتة.
الثالثة: المرقونية، وهم يثبتون متوسطا بين النور والظلمة، ويسمون ذلك المتوسط:
العدل
الرابعة: المزدكية أتباع مزدك بن نامدان كان موبذ موبذان (اسم محل) فى زمن قباذ بن فيروز والد أنوشروان العادل ثم ادعى النبوة، وأظهر دين الاباحة، وانتهى أمره إلى أن ألزم قباذ الى أن يبعث امرأته ليمتع بها غيره أى يرى الحلال زوجة غيره على نفسه فتأذى أنو شروان من ذلك غاية التأذى، وقال لوالده: اترك بينى وبينه لا ناظره، فان قطعنى طاوعته وإلا قتلته. فلما ناظر مع أنو شروان انقطع مزدك وظهر عليه أنو شروان فقتله وأتباعه، وكل من هو على دين الاباحة فى زماننا هذا، فهم بقية أولئك القوم
(1) فى الاصل: سمعان يصيران
(2) كذا بالأصل(2/140)
العالم من جنسه من الموت والشر، وكل واحد منهما معنى فى نفسه، ولون كل هو طعمه، وهو رائحته، وهو صوته، وهو شيء واحد، ودليلهم على قدمهما استحالة حديث شيء إلا من شيء قبله، ودليلهم على حياة النور: تنقل الشمس وحركتها، والظلام قائم بحاله.
وقالت المرقيونية أصحاب يعقوب بن مرقيون (1): ثلاثة أشياء قديمة:
شيئان نور وظلام، فالنور فاعل الخير، والظلام فاعل الشر، وثالث معدل بينهما ليس من جنسهما، وهما مصطلحان على فعله. وهم يرون النكاح وأكل اللحم، ويكرهون الذبيحة لما فيها من الألم.
وقالت الماهانية أصحاب ماهان وهو فارسى الأصل: بمثل مقالة المرقيونية، إلا أنهم وافقوا المانية فى كراهية النكاح والذبائح.
وقال الصابئون (2): شيئان قديمان: نور وظلام، فالنور عالم، والظلام جاهل، لأن النور يدخل على الظلام، ولا يدخل الظلام عليه، وذبحوا ونكحوا، وصاحبهم قابيل، وهو سريانى الأصل، وقيل إن الصابئين قوم يعبدون الملائكة، وقيل:
إن الصابئين قوم يخرجون من دين إلى دين.
وقالت الصامونية: بمثل ما قاله الصابئين فى النور والظلام، إلا أنهم خالفوا الصابئين فى الذبائح والنكاح، وصاحبهم صامون، وهو سريانى الأصل.
وقالت الكنانية: الأصل ثلاثة: الماء والأرض والنار، ثم امتزجت هذه
__________
(1) فى الاصل: مرقبون (بالباء)
(2) يقول الامام فخر الدين الرازى: الصبائية قوم يقولون إن مدبر هذا العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة والنجوم. فهم عبدة الكواكب. ولما بعث الله إبراهيم عليه السلام كان الناس على دين الصبائية فاستدل إبراهيم عليه السلام عليهم فى حدوث الكواكب كما حكى الله تعالى عنه فى قوله: {لََا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}. واعلم أن عبادة الأصنام أحدث من هذا الدين. لأنهم كانوا يعبدون النجوم عند ظهورها ولما أرادوا أن يعبدوها عند غروبها لم يكن لهم بد من أن يصوروا الكواكب صورا ومثلا. فصنعوا أصناما واشتغلوا بعبادتها، فظهر من هاهنا عبادة الكواكب.(2/141)
الثلاثة، فصار منها مدبران: خير وشر، وهم يرون النكاح، وصاحبهم كينان وهو سريانى الأصل.
وقال الحرانيون وهم عبدة النجوم: مقالة المانية، إلا أنهم زعموا: أن المدبرات للعالم: السبعة الأفلاك، والبروج الاثنا عشر.
وقالت المزادكة (1) أصحاب مزدك (2) الفارسى: بمثل مقالة المانية، إلا أنها نكحت وسفكت الدماء، وكان مزدك فى وقت قباد بن فيروز بن يزدجرد (3)
الملك الفارسى، فخرج مزدك، ومن قال بقوله، على قباذ، فقالوا: إن الله جعل الأرض لعباده بالسوية، فتظالم الناس، واستأثر بعضهم على بعض، ونحن قاسمون بين الناس، ورادون على الفقراء حقوقهم فى أموال الأغنياء
وقالت المجوس (4) وهم ثلاثة أصناف: الجرمدينيّة والهرابذة والموابذة
فقالت الجرمدينيّة: أصل العالم النور، إلا أنه مسخ بعضه بعضا لما غضب، فاستحال الممسوخ ظلمة، فالخير من النور، والشر من الظلمة، والأصل واحد، وهو النور، وذبحت ونكحت
وقالت الهرابذة: الصانع واحد قديم، وهو نور، وليس كمثله فى النور والعظمة والقدرة والعلم، والطول والعرض، شيء، وإنه هم همّة فتولد منها الظلام،
__________
(1) فى الأصل: المزادقة. وهى إحدى فرق الثنوية. انظر صفحة 139
(2) فى الأصل: مزدق
(3) فى الأصل: قباد بن قيرور بن يرد جرد
(4) يقول الامام فخر الدين الرازى: وبين المجوس خلاف كثير، الا أن الكل يتفقون على أن الله تعالى حارب مع الشيطان ألوف السنين، ولما طال الأمر توسطت الملائكة بينه وبين الشيطان على أن الله تعالى يسلم العالم الى الشيطان سبعة آلاف سنة يحكم ويفعل ما يريد، وبعد ذلك عهد أن يقتل الشيطان، ثم أخذت الملائكة سيفهما منهما وقررا بينهما أن من خالف منهما ذلك العهد قتل بسيفه. وكان هذا الكلام غير لائق بالعقلاء، لكن المجوس متفقون على ذلك.(2/142)
فهو ابليس، فمنه جميع الشرور، وذبحت ولم تنكح، وصاحبهم زرادشت، وهو فارسى الأصل.
وقالت الموابذة وهم قضاة المجوس وأصحاب خزائن كتبهم وعلومهم:
بقدم النور والظلام، وانهما سميعان بصيران، إلا أن بينهما جوّا، وهو مكان لهما فيه جولانهما، ورأوا النكاح على طريق التزويج، ورأوا الذبح للبهائم، وقالوا بنبوة زرادشت (1)
وقالت الدهرية: بقدم العالم، وقدم الدهر، وتدبيره للعالم، وتأثيره فيه، وأنه ما أبلى الدهر من شيء أحدث شيئا آخر وقد حكى الله عنهم ذلك فى كتابه بقوله عز وجلّ: {«وَقََالُوا مََا هِيَ إِلََّا حَيََاتُنَا الدُّنْيََا نَمُوتُ وَنَحْيََا وَمََا يُهْلِكُنََا إِلَّا الدَّهْرُ»}. وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر» فإنما يعنى به، الّذي يقضى عليكم بما تنسبونه (2) إلى الدهر، وللعرب أشعار كثيرة فى ذم الدهر، منها قول الشاعر:
الدّهر أبلانى وما أبليته ... والدّهر غيّرنى وما يتغيّر
والدّهر قيّدنى بقيد مبرم ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر
وقال صنف من البراهمة، وهم ثلاثة أصناف: العالم قديم، وله مدبر قديم، مثيب معاقب، يفرح ويحزن، ويرضى ويغضب، وإنه ليس من جنس العالم، وليس على الخلق طاعة غير المعرفة.
فهذه أقوال من يثبت أول العالم وقدمه من الملحدين، وهم ستة وعشرون صنفا
آراء من يقول بحدوث العالم
اختلاف من قال بحدوث العالم.
__________
(1) رجل من أهل أذربيجان، ظهر فى أيام بشتاسف بن لهراسف، وادعى النبوة، فآمن به بشتاسف، وأظهر اسبنديار بن بشتاسف دين زرادشت فى العالم، وكانت وفاة زرادشت فى سنة 487ق. م.
(2) فى الأصل: تسبونه(2/143)
وقال صنف من البراهمة: العالم محدث على مقالة المسلمين إلا انهم قالوا: إن الصانع حكيم، وليس من صفة الحكيم أن يبعث الرسل الى المعلوم منه خلاف القبول، لأنه متى فعل ذلك كان عابثا منقوصا جاهلا، والله يتعالى عن ذلك، وقالوا بالتوحيد، وأبطلوا الرسل والكتب، وقالوا: ليس بين الله وبين خلقه واسطة غير العقل، وإنما هو شيء رآه العقلاء، فمن أراد أن يجعل نفسه نبيا، فليفعل، وقالوا: لا يجب على الخلق إلا معرفة الله وترك المظالم
وقال صنف آخر من البراهمة: العالم محدث، وله محدث، إلا أن مدبرات العالم: السبعة الأفلاك، والبروج الاثنا عشر، وإمامهم برهم، وهو هندى الأصل.
وقالت اليهود (1): العالم محدث وله محدث، ثم اختلفوا على أربعة أصناف:
الجالوتية، والعنانية، والأصفهانية، والسامرية.
فقالت: الجالوتية أصحاب رأس الجالوت: بالتشبيه، وذلك أنهم ادعوا أن معبودهم أبيض الرأس واللحية، واحتجوا بأنهم وجدوا فى سفر دانيال
__________
(1) يقول الامام فخر الدين الرازى: وهم متفقون على أن النسخ غير جائز، وكلهم يؤمنون بموسى عليه السلام وهارون ويوشع، وأكثرهم يؤمنون بالأنبياء الذين جاءوا بتقرير شرع موسى عليه السلام، وبعضهم ينكر ذلك. والاغلب عليهم التشبيه، وهم فرق كثيرة، الا أنا نذكر الا شهرين منهم:
الأولى: العنانية، أتباع عنان بن داود، ولا يذكرون عيسى بسوء، بل يقولون:
إنه كان من أولياء الله تعالى، وان لم يكن نبيا، وكان قد جاء لتقرير شرع موسى عليه السلام، والإنجيل ليس بكتاب له، بل الإنجيل كتاب جمعه بعض تلاميذه.
الثانية: العيسوية، أتباع عيسى بن يعقوب الاصفهانى، وهم يثبتون نبوة محمد عليه السلام، يقولون: هو رسول الله الى العرب لا الى العجم ولا الى بنى اسرائيل
الثالثة: المعادية، أتباع رجل من همدان، وهم فى اليهود كالباطنية فى المسلمين.
الرابعة: السامرية، وهم لا يؤمنون بنبي غير موسى وهارون، ولا بكتاب غير التوراة، وما عداهم من اليهود يؤمنون بالتوراة وغيرها من كتب الله تعالى، وهى خمس وعشرون كتابا، ككتاب أشعيا وأرميا وحزقيل.(2/144)
أو سفر شعيا (رأيت قديم الأيام قاعدا على كرسى من نور وحوله الاملاك، فرأيته أبيض اللحية والرأس)، والجالوتية يقولون: إن الله تعالى ملّك الارض يوسف بن يعقوب ونحن وارثوه والناس مماليك لنا
وقالت العنانية أصحاب عنان (1): بالتوحيد ونفى التشبيه، كما قالت المعتزلة من المسلمين
وقالت الاصفهانية: بالتشبيه، مثل الجالوتية، إلا أنها زعمت أن عزيرا ابن الله على جهة التبنى، كما اتخذ الله ابراهيم خليلا
وقالت السامرية: مثل مقالة العنانية، إلا أنها زعمت أنه لم ينبأ من الأنبياء إلا موسى ويوشع بن نون.
وقالت النصارى (2): بحدث العالم وأن له محدثا، ثم افترقوا أربع فرق:
اليعقوبية، والنسطورية، والفولية، والملكانية (3)،
فقالت اليعقوبية: إن الله لم يكن بجسم فتجسم، ولم يكن فى مكان فصار فى مكان متجسدا متناسيا، بعد أن كان غير متجسد ولا متناس، وهو المسيح، ودليلهم
__________
(1) فى الأصل: عانين، وفى كتاب اعتقادات فرقى المسلمين والمشركين للامام الرازى: عنان بن داود، كما ذكر آنفا.
(2) يقول الامام فخر الدين الرازى: وهم فرق، العظيمة منهم خمس:
الملكانية: وهم يقولون ان اتحاد الله تعالى بعيسى كان باقيا حالة صلبه.
الثانية: النسطورية، ولم يتم الحديث عنها، اذ قال: وهم يقولون ان اتحاد الله بعيسى لم
الثالثة: اليعقوبية، وهم يقولون: ان روح البارى اختلط ببدن عيسى عليه السلام اختلاط الماء باللبن.
الرابعة: الفرفوريوسية، وهم أتباع فرفوريوس الفيلسوف، وقد أخرج أكثر دين النصارى على قواعد الفلسفة.
الخامسة: الارمنوسية، يقولون ان الله تعالى دعا عيسى ابغا على سبيل التشريف.
(3) فى الأصل: المكانية، وفى الملل والنحل: المكائية: أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها، ومعظم الروم ملكائية، قالوا: ان مريم ولدت إلها أزليا، وان القتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت.(2/145)
فى ذلك أنهم قالوا: لما كان قادرا على الزيادة فى حدثه، كان قادرا على الزيادة فى ذاته، ولو لم يقدر على الزيادة فى ذاته لكان عاجزا، وهو القادر على ما يشاء.
وقالت النسطورية: إن الله تعالى ثلاثة أقانيم، وهو أقنوم واحد، الأب والابن وروح القدس، كقولك الله الرحمن الرحيم، والمعنى واحد، كالشمس لها حر وضوء وذات، وهى شيء واحد، وأنه لم يزل لاهوتا قائما فى مكان، ثم اتخذ ناسوتا، وهو المسيح، فصار له مكان لاظهار الصنع والتدبير، ومعنى اللاهوت:
الاله، والناسوت الّذي انتقل إليه، هو الانسان.
وقالت الملكانية: إن الله أقنوم واحد، إلا أنه اسم لثلاثة معان: الأب والابن والجوهر، والجوهر عندهم روح القدس، ومعناهم فى قولهم: أب وابن وجوهر، أى بدن وروح وكلام، وإن له علما هو غيره، وإنه لم يزل قديما معه.
وقالت الفولية: قولك الله، اسم لمعنى واحد، والعلم غيره، وهو قديم معه، وزعمت أن المسيح ابن الله على جهة التبنى والمحبة، كما اتخذ الله موسى نجيا، وابراهيم خليلا.
وقال أصحاب التناسخ منهم بزرجمهر بن بختكان الفارسى ومن قال بقوله:
باثبات الصانع ونفى التشبيه، ودوام الدنيا على الأبد. قالوا: لأن الصانع الحكيم لا يوصف بالبداوات، ولا يهدم بنيان الحكمة. قالوا: ولا يفعل ذلك إلا عابث.
وقالوا بدوام التعبد، وهو معرفة الله تعالى، وترك المظالم، وبدوام الثواب والعقاب، فالثواب انتقال أرواح المحسنين إلى الأبدان الإنسية، والعقاب انتقال أرواح المسيئين الى أبدان البهائم والسباع والهوام، وبقولهم قال خالد الهمذانى.
وقالت الفضائية (1): بحدث العالم، وأن له محدثا، وهو الفضاء، ثم افترقوا بفرقتين:
__________
(1) فى الأصل: الفضابيه، وانما هى نسبة الى الفضاء.(2/146)
فقالت فرقة منهم: العالم محدث، وله صانع، وصانعه قديم، وهو الفضاء، وهو جسم طويل عريض، مكان للاشياء، والأشياء فيه وتحتاج إليه، لأنهم لا يعقلون إلا ما كان عريضا طويلا، وإنه أكبر من كل شيء، ولا يجوز أن يكون شيء أكبر منه، وبعض الأجسام تغيب عن بعض، ولا يغيب عنه شيء منها
وقالت فرقة منهم: صانع العالم: فضاء، ليس بجسم، والأشياء فيه، ودليلهم على أنه ليس بجسم: أن جميع الأجسام تحتاج إلى أمكنة، وهو لا يحتاج إلى مكان، ويجوز عليها الزوال والتغيير، ولا يجوز عليه.
وقالت كفار العرب: بحدث العالم، وأن له محدثا، وهم صنفان:
فقال صنف منهم، وهم عبدة الأوثان: صانع العالم قديم، الا أنه مستغن عن عبادة خلقه، ولا يقوون على عبادته، وانما يعبدون الأوثان لتقربهم إليه، وقد حكى عنهم ذلك بقوله عز وجل: {مََا نَعْبُدُهُمْ إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ زُلْفى ََ} (1)) وأثبتوا المعاد، والثواب، والعقاب.
وقال صنف منهم: صانع العالم قديم، متفضل غير معذّب، وإنه يخلق خلقا ويتفضل عليهم، ثم يميتهم، ويخلق خلقا بعدهم على الدوام، بغير غاية ولا نهاية، وأنكروا المعاد والبعث، وقد ذكرهم الله تعالى فى كتابه بقوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمََا عَمِلْتُمْ وَذََلِكَ عَلَى اللََّهِ يَسِيرٌ}
القائلون بالعدل والتوحيد
فأما المسلمون، فهم ست فرق: المعتزلة، والمرجئة، والشيعة، والخوارج، والحشوية، والعامة، وهم مجمعون على حدث العالم ووحدانيته، ثم اختلفوا بعد ذلك فى معبودهم.
فقالت المعتزلة كلها، والخوارج، والمرجئة، الا أبا حنيفة، والزيدية من الشيعة، الا سليمان بن جرير، فانه خالف فى العلم: إن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء،
__________
(1) الزلفى: القربة والدرجة والمنزلة.(2/147)
ولا تدركه الأبصار فى دنيا ولا آخرة، ولا تكيفه العقول، ولا تضبطه الأوهام، ولا تمثله القلوب، ولا تحده الأفكار، ولا تقطعه المقادير، ولا تقع عليه مساحة، وإنه غير جسم، ولا له حدود، ولا أقطار، ولا يجوز عليه التنقل من مكان الى مكان، ولا من حال الى حال.
الادراك بحاسة سادسة
وقال أبو حنيفة، وضرار بن عمرو، ومن قال بقولهما: انه يدرك فى المعاد، بحاسة سادسة وقالوا: لن يكون شيء موجود الا وله أنيّة، ومأنيّة، وعلمك بالأنية غير علمك بالمانية، وذلك أن تسمع الصوت، فتعلم أن له مصوّتا. ويجهل ما هو، فعلمك بما هو، غير علمك بأن له مصوتا.
وقال سليمان بن جرير الرقى من الزيدية: بنفى التشبيه، إلا أنه زعم أن الله عالم شيء، لا هو هو، ولا هو غيره وإنه وعلمه قائم معه قال: ولا يجوز أن يكون عالم بغير علم، ولا يجوز أن يكون الشيء علم نفسه، ولا يجوز أن يكون علم الله غيره، لأنه لو كان غيره، لكان عالما بغيره، ووقع التغاير بينهما.
وقالت الجهمية من المجبرة أصحاب جهم بن صفوان الترمذي: بنفى التشبيه وزعموا أن العلم محدث قالوا: ولا يجوز أن يقال إن الله شيء، ولكنه منشئ الشيء قالوا: لأنّه لم يقع اسم الشيء إلا على مخلوق، ولا يكون الله تعالى بصفة الخلق. وقالوا: لم يزل العالم على أنه يكون علمه، كما لم يزل الخالق على أنه يكون بخلقه.
وقالت الاسماعيلية من الجعفرية: إن الله لا شيء، ولا لا شيء، لأن من قال: إنه شيء، فقد شبهه، ومن قال: إنه لا شيء، فقد نفاه فقالوا فيه بالنفى والاثبات جميعا.
وقال هشام بن الحكم من القطعية ومن قال بقوله: هو شيء جسيم، لا طويل ولا عريض، نور من الأنوار، له قدر من الأقدار، مصمت ليس بما فوق ولا
متخلل، وهو كالسنبلة والذرة، يتلألأ من كل نواحيه. وقالوا: لا يعقل شيئا إلا موجودا أو معدوما، والموجود عندهم ما كان جسيما محتملا للصفات، وما خرج من الصفات، فهو عندهم عدم خارج من الوجود. وقالوا: لم يكن فى مكان، ثم أحدث المكان فاستوى بحدث الحركة.(2/148)
وقال هشام بن الحكم من القطعية ومن قال بقوله: هو شيء جسيم، لا طويل ولا عريض، نور من الأنوار، له قدر من الأقدار، مصمت ليس بما فوق ولا
متخلل، وهو كالسنبلة والذرة، يتلألأ من كل نواحيه. وقالوا: لا يعقل شيئا إلا موجودا أو معدوما، والموجود عندهم ما كان جسيما محتملا للصفات، وما خرج من الصفات، فهو عندهم عدم خارج من الوجود. وقالوا: لم يكن فى مكان، ثم أحدث المكان فاستوى بحدث الحركة.
وقالت الجوالقة منهم هشام بن سالم، وشيطان الطاق، ومن قال بقولهما:
هو صورة من الصور على صورة الانسان، إلا أنه نور من الأنوار، ليس له لحم ولا دم، وله حواس قالوا: ولا يعقل عالما أبدا يدرك علما، إلا بالحواس، وأحالوا أن يوصف بغير ما تحيط به أوهامهم.
وقالت المقاتلية من المجبرة (1) أصحاب مقاتل بن سليمان: هو لحم ودم، وله صورة كصورة الانسان قالوا: لأنا لم نشاهد شيئا موسوما بالسمع والبصر والعقل والعلم والحياة والقدرة، إلا ما كان لحما ودما.
وقالت الحشوية: هو واحد ليس كمثله شيء، ومعنى ذلك، أى ليس كمثله شيء، فى العظمة والسلطان والقدرة والعلم والحكمة، وهو موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر، وحجتهم فى ذلك من الكتاب قوله تعالى: {«يَدُ اللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»} وقوله: {«وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ»} وقوله تعالى: {«كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ»} وقوله: {«وَكََانَ اللََّهُ سَمِيعاً بَصِيراً»}
وقالوا: لا تدركه الأبصار فى الدنيا، ولكنها تدركه فى الآخرة، ويحتجون بقوله تعالى: {«إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}» وبقوله: {«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ}» وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سترون ربّكم يوم القيامة، كما ترون القمر ليلة أربع عشرة».
فهذه خمسون مقالة من اختلاف الناس فى صانعهم عز وجل.
__________
(1) فى الأصل: المحبرة، ويقال لها: الجبرية.(2/149)
الامامة واختلاف المسلمين فيها
وأما اختلاف المسلمون فى الامامة.
فقالت المعتزلة والخوارج، إلا النجدات، والشيعة، وأكثر المرجئة: إن الإمامة فرض واجب من الله تعالى يجب على المسلمين إقامتها، وإن الناس لا يصلحون إلا على إمام واحد يجمعهم، ويمنع بعضهم من بعض، وينفذ أحكامهم، ويقيم حدودهم، ويغزوا بجيوشهم. ويقسم فيأهم (1)، وغنائمهم، وصدقاتهم بينهم.
وقالت الحشوية، وبعض المرجئة والنجدات من الخوارج: إن الإمامة ليست لازمة، ولا واجبة، ولكن إن أمكن الناس أن ينصبوا إماما عدلا من غير إراقة دم ولا حرب، فحسن، وان لم يفعلوا ذلك، وقام كل رجل منهم بأمر منزله، ومن يشتمل عليه من ذوى قرابة ورحم وجار، فأقام فيهم الحدود والأحكام على كتاب الله وسنة نبيه، جاز ذلك، ولم يكن بهم حاجة الى إمام، ولا يجوز اقامة السيف والحرب.
وافترق المشتتون (2) للامامة: بم تستحق؟ فصاروا ثلاث فرق:
فقالت فرقة: هى بالشورى، وهم جميع الأمة إلّا الشاذ القليل.
وقالت فرقة: هى بالقربى والوراثة.
وقالت فرقة: هى بالنّص.
القائلون بالشورى
فأما من يقول بالشورى:
فقالت المعتزلة، والمرجئة، والخوارج، وبعض الحشوية، والحزيرية (3)، والبترية، وهما فرقتان من الزيدية: إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
__________
(1) الفيء: الغنيمة.
(2) كذا بالأصل، ولعله استعمل هذه الكلمة بمعنى «المريدين» من اشتهى الشيء:
اذا أراده.
(3) كذا بالاصل(2/150)
لم ينصّا على رجل بعينه واسمه، فيجعلوه إماما للناس، وإن الإمامة شورى بين خيار الأمة وفضلائها، يعقدونها لأصلحهم لهم، ما لم يضطروا إلى العقد قبل المشورة، لفتق يخاف حدوثه على الأمة، فاذا خافوا وقوع ذلك، وبادر قوم من خيار الامة وفضلائها، أو رجلان من عدو لها وأهل الشورى، فعقدوا الإمامة لرجل يصلح لها، ويصلح على القيام بها، ثبتت إمامته، ووجبت على الأمة طاعته، وكان على سائر الناس الرضاء
قيام امامين أو أكثر فى وقت واحد
ثم اختلف الذين أوجبوا الإمامية: هل يجوز كون إمامين، أو أكثر فى وقت واحد؟
فقال بعضهم: لا يجوز ذلك، لما فيه من الاختلاف والانتشار
وقال بعضهم: يجوز كون إمامين وثلاثة، وأكثر من ذلك، فى البلدان المتقاربة، فى وقت واحد
جواز إمامة المفضول
ثم اختلفوا فى إمامة المفضول:
فقال أهل الشورى جميعا، إلا الشاذ القليل منهم: إن الامامة لا يستحقها إلا الفاضل الّذي يعرف فضله، وتقدمه على جميع الأمة فى خلال الخير، إلا أن تحدث علة، أو يعرض أمر يكون فيه نصب المفضول للامامة: أصلح للامة، وأجمع لكلمتها، وأحقن لدمائها، وأقطع لاختلافها، ولطمع العدو فيها أو يكون فى الفاضل علّة، تمنعه من القيام، كالمرض ونحوه فإذا كانت الحال كذلك، فالمفضول أحق بها من الفاضل، ولا يجوز أن يولّى الفاضل على هذه الحال
قالوا: ولن يجوز أن يكون المفضول عطلا من الفقه والعلم، أو معروفا بريبة، أو سوء، بل يكون خيّرا فاضلا من عداد العلماء، وإن كان فى الأمة من هو خير أو أفضل أو أعلم منه.
وقال سليمان بن جرير، والبترية من الزيدية: إذا كان الحال بهذه الصفة،
فإقامة المفضول جائزة، وهى هدى وصواب، غير أن إقامة الفاضل على كل حال أفضل وأصوب وأصلح(2/151)
وقال سليمان بن جرير، والبترية من الزيدية: إذا كان الحال بهذه الصفة،
فإقامة المفضول جائزة، وهى هدى وصواب، غير أن إقامة الفاضل على كل حال أفضل وأصوب وأصلح
وقال قوم من المعتزلة، منهم عمرو بن بحر الجاحظ، وأكثر الشيعة، وأكثر المرجئة: إن الامامة لا يستحقها إلا الفاضل على كل حال، ولا يجوز أن تصرف الى المفضول ما وجد الفاضل
جواز الامامة فى جميع الناس
ثم اختلفوا فيها: فيمن تكون من الناس؟
فقال بعض المعتزلة، وبعض المرجئة، وجميع الخوارج، وقوم من سائر الفرق:
إن الامامة جائزة فى جميع الناس، لا يختص بها قوم دون قوم، وإنما تستحق بالفضل والطلب، وإجماع كلمة أهل الشورى
وقال ابراهيم بن سيار النظام، مولى بلحارث بن عباد من بنى قيس بن ثعلبة، وهو أحد فرسان المتكلمين، ومن قال بقوله من المعتزلة وغيرهم: الإمامة لأكرم الخلق وخيرهم عند الله، واحتجوا بقوله تعالى: {«يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنََّا خَلَقْنََاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ََ وَجَعَلْنََاكُمْ شُعُوباً وَقَبََائِلَ لِتَعََارَفُوا} الآية» قال:
فنادى جميع خلقه الأحمر منهم والأسود، والعربى والعجمى، ولم يخص أحدا منهم دون أحد، فقال: {«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللََّهِ أَتْقََاكُمْ}»، فمن كان أتقى الناس لله، وأكرمهم عند الله، وأعلمهم بالله، وأعملهم بطاعته، كان أولاهم بالإمامة، والقيام فى خلقه، كائنا من كان منهم، عربيا كان أو عجميا.
قال مصنف الكتاب (1): وهذا المذهب الّذي ذهب إليه النظام، هو أقرب
__________
(1) جاء بهامش الكتاب: هذا، أعنى قول المصنف، هو الّذي كلف الشيعة على التحمل على نشوان، وليس فيه الى ما عرفت من الأقوال القبيحة ما يقدح مع قوله بالعدل والتوحيد وبروزه فى كل علم، مع أن قد عرفت أنه لا يجوز التقليد فى الأصول، مع أنه يحتمل أنه يريد بالوجوه غير ما اختاره أئمة الزيدية، يدل على ذلك أنه روى عنه أنه قال:
متى وجدت للهادي عليه السلام فى مسألة كلاما اعتمد بها لأنى وجدت مذهبه أحوط، وصح عنه انه قال: أنا هدوى الفروع ما لم أجد نصا، وهذا كلام اهل المذهب حيث قالوا إلا إلى ترجيح نفسه الخ فتأمل وابحث.(2/152)
الوجوه إلى العدل، وأبعدها من المحاباة
جواز الإمامة فى قريش وفى غيرهم
وقال بعض المعتزلة والمرجئة: هى فى قريش، ما وجد فيهم من يصلح لها، فان لم يوجد فيهم من يصلح لها، جازت فى الفضلاء من سائر الناس
وقالت الشيعة: لن تخرج من قريش، ولن تخلو قريش ممن يصلح للقيام بها
الاعجمى أولى بالإمامة
وقال ضرار: ان الأعجمى أولى بها من العربى، لأن إزالته أهون وأيسر، منى احتيج إلى ذلك،
فهذا قول الشورى.
القائلون بالقربى والوراثة
وقالت الراوندية: إن أولى الناس بالامامة، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عمه العباس بن عبد المطلب، لأنه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسبا وأمسهم بهم رحما، وأولاهم بميراثه فى مقامه، واحتجوا بقول الله تعالى: {«وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اللََّهِ}»، قالوا: ولا إمامة فى النساء بالاجماع، فيكون لفاطمة إرث فى الإمامة، ولا ولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال لقول الله تعالى: {«مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ}»، ولا يرث بنو العم وبنو البنت مع العم شيئا، فيكون لعلى ولولد فاطمة إرث مع العباس فى الإمامة، فصار العباس وبنوه أولى بها من جميع الناس بهذه الوجوه
وقال مروان بن سليمان بن يحيى بن أبى حفصة:
أنّى يكون، وليس ذاك بكائن ... لبنى البنات وراثة الأعمام (1)
ولهذا السبب قالت الجعفرية: هى متوارثة فى ولد الحسين، ولا يرث العم مع البنت شيئا
القائلون بالنص
واختلف الذين قالوا: إن الإمامة بالنص، على ضربين:
__________
(1) فى الأصل:
أنى يكون وذلك ذاك بكائن ... لبنى البنات وراثة الأعمام(2/153)
فمنهم من قال: إنها منصوصة بالتسمية، منصوصة بالاشارة والوصف ومنهم من قال: إنها منصوصة بالتسمية والتعيين
النص على أبى بكر رضى الله عنه
فقال قوم من المرجئة، والحشوية: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أبى بكر بالإشارة والصفة، ودل على إمامته واستخلافه بما أمره به من الصلاة بالناس، وبغير ذلك مما رووه من الأخبار.
وقال قوم من الحشوية: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على إمامة أبى بكر بالتسمية، والتعيين، ونصبه للناس واستخلفه
فرق الشيعة ومقالاتها
وقالت الشيعة كلها: إن عليّا عليه السلام كان أولى الناس بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده، وأحقهم بالإمامة والقيام بالأمر فى أمته، وأجمعوا على ذلك. ثم افترقوا ست فرق: سبئية (1)، وسحابية، وغرابية، وكاملية، وزيدية، وإمامية
مقالة السبئية
فقالت السبئية عبد الله بن سبأ، ومن قال بقوله: ان عليّا حىّ لم يمت، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ويرد جميع الناس على دين واحد قبل يوم القيامة
وقال عبد الله بن سبأ للذى جاء بنعي على عليه السلام الى المدائن: لو جئتنا بدماغه فى صورة لعلمنا أنه لا يموت، حتى يسوق العرب بعصاه.
فقال ابن عباس وقد ذكر له قول ابن سبأ: لو علمنا ذلك ما زوجنا نساءه، ولا اقتسمنا ميراثه
مقالة السحابية
وقالت السحابية: إن عليّا لم يمت وإنه معبودهم، وإنه تشبّه للناس فى صورة على عليه السلام، وإن البرق سيفه، والرعد صوته، وقد قال فيهم الشاعر:
برئت من الخوارج لست منهم ... ومن قول الروافض وابن داب
__________
(1) فى الأصل: سبية، ويقال لها السبابية.(2/154)
ومن قوم، إذا ذكروا عليّا ... يردّون السّلام على السّحاب
مقالة الغرابية
وقالت الغرابية: إن عليّا عليه السلام أشبه بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم من الغراب بالغراب، فغلط جبريل عليه السلام حين بعث بالرسالة إلى على لشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
مقالة الكاملية
وقالت الكاملية أصحاب ابن كامل، ومن قال بقوله: كفرت الأمة وضلت، بصرفها الأمر إلى غير على، وكفر على وحاشا له من الكفر بترك للقيام، والدعاء إلى نفسه، والجهاد على إمامته، وتضييع الوصية بالأمور (1) التى أوصى بها إليه
افتراق الزيدية
وافترقت الزيدية ثلاث فرق: بترية، وجريرية، وجارودية
البترية
فقالت البترية: إن عليا عليه السلام كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبى بكر وعمر ليست بخطإ، لأن عليا عليه السلام سلّم لهما ذلك بمنزلة رجل كان له حق على رجل فتركه له، ووقفت فى أمر عثمان، وشهدت بالكفر على من حارب عليّا وسموا البترية، لأنهم نسبوا إلى كثير النّوى، وكان المغيرة بن سعد يلقب كثيرا بالأبتر
الجريرية
وقالت الجريرية (2): إن عليّا كان الإمام، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن بيعة أبى بكر وعمر، كانت خطأ لا يستحق عليه اسم الكفر، ولا اسم الفسوق، وإن الأمة قد تركت الأصلح، وبرئت من عثمان سبب احداثه، وشهدت عليه وعلى من حارب عليّا بالكفر
الجارودية
وقالت الجارودية: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نص على عليّ عليه السلام بالإشارة والوصف، دون التسمية والتعيين، وإنه أشار إليه، ووصفه بالصفات التى لم توجد إلا فيه، وإن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره،
__________
(1) فى الأصل بالأمر.
(2) وتسمى: السليمانية، نسبة إلى سليمان بن جرير.(2/155)
وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص على الحسن والحسين عليهما السلام بمثل نصه على عليّ، ثم الإمام بعد هؤلاء الثلاثة ليس بمنصوص عليه، ولكن الإمامة شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين، فمن شهر منهم سيفه، ودعا إلى سبيل ربه، وباين (1) الظالمين، وكان صحيح النسب، من هذين البطنين، وكان عالما زاهدا شجاعا، فهو الامام
افتراق الجارودية في المهدى المنتظر
وافترقت الجارودية فى نوع آخر ثلاث فرق:
1 - فرقة زعمت أن محمد بن عبد الله النفس الزكية بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب لم يمت، ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلا، وانه القائم المهدى المنتظر عندهم وكان محمد بن عبد الله خرج على المنصور فقتل بالمدينة
ب وفرقة زعمت أن محمد بن القاسم بن على بن عمر بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب، حىّ لم يمت، ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلا، وانه المهدى المنتظر عندهم وكان محمّد بن القاسم هذا خرج على المعتصم بالطالقان فأسره المعتصم، فلم يدر بعد ذلك كيف كان خبره
ج وفرقة زعمت أن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب حي لم يمت، وأنه القائم المهدى المنتظر عندهم، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا وكان يحيى بن عمر هذا خرج على المستعين، فقتل بالكوفة
هذه رواية أبى القاسم البلخى عن الزيدية، وليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما
الحسينية
ومنهم فرقة، يقال لها الحسينية يقولون: إن الحسن بن القاسم بن على ابن عبد الله بن محمد بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب حىّ لم يمت، ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلا، وانه
__________
(1) باينه: هاجره.(2/156)
القائم المهدى المنتظر عندهم وكان قتل يوم السبت الرابع من شهر صفر سنة أربع وأربعمائة، وكان مولده فى سنة ثمانى وسبعين وثلاثمائة سنة، قتلته همدان فى موضع من أعمال صنعاء.
ويقولون فى الحسين هذا: إنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كلامه أبهر من كلام الله، ومعنى: أبهر عندهم من كلام الله: أى اقطع لخصوم الملحدين من كلام الله ويروون أن من لم يقل بقولهم هذا فيه فهو من أهل النار
افتراق الحسينية
ثم افترقوا فرقتين: فرقة تزعم أنه يأتيهم فى السر ولا ينقطع عن زيارتهم، فى حال مغيبه، وانهم لا يفعلون شيئا إلا بأمره
وفرقة تبطل ذلك، ويقولون: إنه لا يشاهد بعد الغيبة، إلى وقت ظهوره وقيامه، وانما هم يعملون بما وضع فى كتبه
الامامية
وقالت الإمامية جميعا: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم نص على إمامة على عليه السلام باسمه وعينه ونسبه، ونصبه للناس إماما واستخلفه وأظهر الأمر فى ذلك إلى غيره، وإن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر الى غيره
فرقتا الامامية
ثم افترقت الإمامية فرقتين:
الكيسانية
فقالت فرقة منهما: إن الإمام بعد على ابنه الحسن بن على، ثم الحسين بن على، ثم ابنه محمد بن على الباقر وهو ابن الحنفية، وهذه الفرقة تسمى الكيسانية.
وقالت الفرقة الثانية: إن الإمام بعد الحسين بن على: ابنه على بن الحسين، ثم محمد بن على الباقر وهو أبو جعفر.
فرق الكيسانية
ثم افترقت الكيسانية ثلاث فرق:
الكربية
فقالت فرقة منهم تسمى الكربية أصحاب أبى كرب الضرير والسيد الحميرى:
إن محمد بن الحنفية حي لم يمت، مقيم بجبال رضوى بين ملكين فى صورة أسد ونمر يحفظانه من عن يمينه وشماله يأتيه رزقه بكرة وعشيا، وإن الله تعالى يبعث إليه كل يوم ملائكة تحادثه وتحمل إليه من ثمار الجنة ما يأكله. وإنه القائم
المهدى المنتظر عندهم، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وإن الجبال لم تخلق الا من أجله، ولله فيه تدبير عجيب، لا يعلمه غيره.(2/157)
إن محمد بن الحنفية حي لم يمت، مقيم بجبال رضوى بين ملكين فى صورة أسد ونمر يحفظانه من عن يمينه وشماله يأتيه رزقه بكرة وعشيا، وإن الله تعالى يبعث إليه كل يوم ملائكة تحادثه وتحمل إليه من ثمار الجنة ما يأكله. وإنه القائم
المهدى المنتظر عندهم، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وإن الجبال لم تخلق الا من أجله، ولله فيه تدبير عجيب، لا يعلمه غيره.
وبعض الكربية تقول: إنما فعل به ذلك عقوبة له على ركونه الى عبد الملك ابن مروان وبيعته اياه، قال شاعر الكربية:
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ... وبنا من الصبابة أولق (1)
حتى متى والى متى وكم المدى ... يا ابن الوصىّ وأنت حىّ ترزق
وقال شاعرهم: (2)
ألا إنّ الأئمة من قريش ... ولاة الأمر أربعة سواء
عليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط لبس بهم خفاء (3)
فسبط سبط إيمان وبرّ ... وسبط غيّبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتّى ... يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيّب لا يرى عنّا زمانا ... برضوى عنده عسل وماء (4)
وقال شاعرهم أيضا (5):
ألا قل للوصىّ فدتك نفسى ... أطلت بذلك الجبل المقاما (6)
أضرّ بمعشر والوك منّا ... وسمّوك الخليفة والإماما (7)
__________
(1) رضوى: جبل على سبع مراحل من المدينة. الأولق: الجنون، أو مس منه.
(2) هو كثير عزة، وكان كيسانيا.
(3) الاسباط: جمع سبط: ولد الولد.
(4) تغيب: فى الأصل: يغيب.
(5) هو السيد الحميرى، والشعر فى محمد بن الحنفية، وهو أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، والحنفية أمه، وهى خولة بنت جعفر بن قيس.
(6) الجبل: هو جبل رضوى، وكان قوم من القائلين بامامة محمد بن الحنفية يزعمون أنه حي لم يمت وأنه فى جبل رضوى وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منهما رزقه وعن يمينه أسد وعن يساره نمر يحفظانه من أعدائه الى وقت خروجه.
(7) فى الأصل: أضر يعشر وابوك منا.(2/158)
وعادوا (1) فيك أهل الأرض طرّا ... مقامك عنهم ستّين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بمورق (2) شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له به لمقيل صدق ... وأندية تحدثه كراما
وإنّ له لرزقا من طعام ... وأشربة يعلّ بها الطّعاما
هدانا الله إذ جرتم لأمر ... به وعليه نلتمس التّماما
تمام مودّة المهدى حتى ... تروا راياتنا تترى نظاما
وكان محمد بن الحنفية تحول إلى الطائف، هاربا من عبد الله بن الزبير، فمات بالطائف، سنة احدى ومائتين (3) وهو ابن خمس وستين سنة.
أصحاب الرجعة
وقالت الفرقة الثانية من الكيسانية وهم أصحاب الرجعة، حيان السراج ومن قال بقولهم: إن محمد بن الحنفية ميت بجبال رضوى، وإنه يرجع إلى الدنيا، ويبعث قبل يوم القيامة، ويبعث معه شيعته، فيملك بهم الدنيا، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ولا تقبل التوبة ممن خالفه، وإن الله تعالى عناه بقوله:
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ لََا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمََانُهََا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}
الهاشمية
وقالت الفرقة الثّالثة من الكيسانية: إن محمد الحنفية قد مات، وإنه أوصى إلى ابنه عبد الله بن محمد وهو أبو هاشم، وهو الامام بعده، فهلك أبو هاشم ولا عقب له، وكان عظيم القدر.
افتراق الهاشمية
ثم افترق أصحاب أبى هاشم من بعده خمس فرق:
__________
(1) فى الأصل: وعادا.
(2) فى الاصل: غورق، وتروى: بمجرى.
(3) قيل: انه توفى رحمه الله فى أول المحرم سنة 181، وقيل: 183، ودفن بالبقيع، وقيل دفن ببلاد أيلة.(2/159)
المنتظرون
فقالت فرقة منهم: إن أبا هاشم أوصى إلى ابن أخيه الحسن بن على بن محمد ابن الحنفية، وإنه الامام بعده، وإن الحسن بن على أوصى الى ابنه على بن الحسن، وإنه الإمام بعد أبيه فهلك على بن الحسن ولا عقب له، فهم ينتظرون رجعة محمد ابن الحنفية إلى الدنيا، بعد موته، ويقولون: انه سيرجع قبل يوم القيامة ويملك، فهم فى التيه (1) لا إمام لهم بعده إلى أن يرجع محمد بن الحنفية
العباسية
وقالت الفرقة الثانية من أصحاب أبى هاشم: إن الامام بعد أبى هاشم: محمد ابن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وإن أبا هاشم صار بأرض السّراة بعد متصرفه من الشام، فأوصى إلى محمد بن على، فهو الإمام بعده، ثم أفضت الخلافة إلى بنى العباس بوصيّة بعضهم الى بعض
فرقتا العباسية
ثم افترقت هذه الفرقة فرقتين:
المسلمية
فرقة يقال لها: المسلميّة: زعمت أن أبا مسلم الخراسانى، حىّ لم يمت، وتسمى أيضا: الحرميّة.
قال أبو القاسم البلخى: وعندنا منهم ببلخ قوم يستحلون المحارم، على ما بلغنى عنهم
وفرقة تقول بموت أبى مسلم
الحزبية
وقالت الفرقة الثالثة من أصحاب أبى هاشم، وهم الحزبية: إن أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن حرب الكندى، وانه الإمام بعده، وإن روح أبى هاشم تحولت فيه، ووقفوا على كذبه فرفضوه (2) فذهبوا الى المدينة يلتمسون إماما، فلقيهم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، فدعاهم الى إمامته، فأجابوه وقالوا بإمامته، وادعوا أن أبا هاشم أوصى إليه
وكان عبد الله بن معاوية يقول: إنه ربّ، وإن العلم ينبت فى قلبه، كما تنبت
__________
(1) التيه: التحير
(2) فى الاصل: فى فضوة(2/160)
الكمأة (1) والعشب، وإن الأرواح تتناسخ، وإن روح الله كانت فى آدم ثم نسخت حتى صارت فيه، فعبدته شيعته، وكفروا بالقيامة، وزعموا أن الدنيا لا تفنى، واستحلّوا الخمر والميتة وغيرهما من المحارم، وتأوّلوا قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ جُنََاحٌ فِيمََا طَعِمُوا}
فرق الحزبية
فلما هلك عبد الله بن معاوية، افترقت الحزبية بعده فرقتين:
1 - فرقة قالت: إنه حي بجبال أصبهان، ولا يموت حتى يلى أمور الناس، ويملأ الأرض عدلا، وإنه المهدى المنتظر عندهم ومنهم من يقول: حتى يقود نواصى الخيل مع المهدى ب وفرقة قالت: إنه مات، فبقوا بعده مذبذبين لا إمام لهم
وقالت الفرقة الرابعة من أصحاب أبى هاشم: إن أبا هاشم أوصى الى بيان (2) بن سمعان التميمى، وإنه الامام بعده، وليس لبيان أن يوصى بها فى عقبه، ولكنها ترجع إلى الأصل وكان بيان بن سمعان يقول: إن الله تعالى على صورة الانسان وإنه يهلك ويبقى وجهه، لقوله تعالى: {«كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ}»، وادعى أنه يدعو الزهرة باسم الله الأعظم فتجيبه فبلغ خبره خالد بن عبد الله القسرى (3) فقتله
وقالت الفرقة الخامسة من أصحاب أبى هاشم: إن الإمام بعد أبى هاشم على ابن الحسين بن على بن أبى طالب، ثم اجتمعت هذه الفرقة من أصحاب أبى هاشم على إمامة أبى جعفر الباقر مع الفرقة التى قالت: إنها فى ولد الحسين، فصاروا فرقة واحدة.
__________
(1) الكماة: نبات يقال له: شحم الارض، يوجد فى الربيع تحت الارض وهو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له ولا عرق، لو نه يميل الى الغبرة
(2) فى الاصل: البيان
(3) فى الاصل: القشرى(2/161)
ثم اختلفوا فصاروا ثلاث فرق: جعفرية ومنصورية ومغيرية
الجعفرية
فقالت الجعفرية: إن الإمام بعد محمد بن على الباقر ابنه جعفر بن محمد
ثم افترقت الجعفرية ست فرق: ناووسية، واسماعيلية، وشمطية، وفطحية، وجوالقية، وخطابية.
الناووسية
فقالت الناووسية: إن جعفر بن محمد حي لم يمت، ولا يموت حتى يملك شرق الارض وغربها ويملأها عدلا، وإنه القائم المهدى المنتظر عندهم ونسبت هذه الفرقة الى رجل من أهل البصرة يقال له: ابن ناووس، كان ذا قدر فيهم
الاسماعيلية
وقالت الاسماعيلية: إن جعفرا نص على ولده اسماعيل أنه الامام بعده، وجعل الوصية إليه، لأنه كان أسن ولده وآثرهم عنده، فمات اسماعيل فى حياة أبيه ثم افترقت الاسماعيلية فرقتين:
1 - فقالت فرقة منهم: إن الامام بعد جعفر ابنه اسماعيل وإنه حىّ لم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، ويكون إماما بعد أبيه، واحتجوا بأن جعفرا قال:
ما كان الله ليدواله (1) عليّ فى إمامة اسماعيل
المباركية
ب وقالت الفرقة الثانية من الاسماعيلية وهم يسمون المباركية نسبوا إلى عظيم من عظمائهم يسمى المبارك: إن الإمام بعد جعفر ابن ابنه محمد بن اسماعيل بن جعفر، لأن جعفرا كان جعل الأمر والوصية لاسماعيل دون سائر ولده، وأن اسماعيل قد مات فى حياة أبيه وأوصى الى ولده محمد بن اسماعيل بمقامه من أبيه، فصار محمد ولىّ عهد جده جعفر، دون عمومه، فلما مات جعفر استحق محمد الامامة بعده بذلك
فرقتا المباركية
ثم افترقت المباركية فرقتين:
السبعة الأئمة
1 - فقلت فرقة منهم: إن محمد بن اسماعيل بن جعفر حي لم يمت، ولا يموت حتى
__________
(1) الأصل: ليدوله(2/162)
يملأ الأرض عدلا، وإنه القائم المهدى المنتظر عندهم، واحتجوا بروايات لهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سابع الأئمة قائمهم
قالوا فالسبعة: على، والحسن، والحسين، وعلى بن الحسين، ومحمد بن على، وجعفر بن محمد، والسابع محمد بن إسماعيل بن جعفر
ب وقالت الفرقة الثانية من المباركية: إن محمد بن اسماعيل قد مات، وإن الإمامة فى ولده من بعده
ثم اختلفت هذه الفرقة فى الحاكم بأمر الله
فقالت فرقة: إنه قتل فى شعب من شعاب المقطم ليلا، وكان يركب إليه كل ليلة، ويتفرد فيه
وقالت الفرقة الثانية: إنه حىّ لم يمت، ولا يموت حتى يملك جميع الأرض ويملأها عدلا، وإنه المهدى المنتظر عندهم
الشمطية
وقالت الشمطية من الجعفرية: إن الإمام بعد جعفر ابنه محمد بن جعفر، وإن الإمامة من بعد محمد فى ولده، وقد كان خرج محمد بن جعفر وهو المعروف بديباجة (1) على المأمون، ثم أسر وأتى به المأمون فعفا عنه وتوفى بجرجان، وله عقب، ونسبت هذه الفرقة إلى رجل من كبرائهم يقال له: يحيى بن أبى شمط
الفطحية
وقالت الفطحية: إن الامام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر، وكان أكبر من خلف من ولده، وسموا الفطحية، لأن عبد الله كان أفطح الرأس، وأفطح القدم، أى عريضها، قال الراعى يصف جملا
له عنق عارى المحال وكاهل ... كلوح اليمانى ذو أساس أفطح
والمحال: فقار الظهر. والكاهل: ما بين العنق إلى الظهر. والسادس: أطراف الفقار
__________
(1) كذا فى الأصل بدون تعريف(2/163)
وقيل: إنما نسبوا إلى رجل من رؤسائهم يسمى: عبد الله بن فطح وتسمى الفطحية أيضا: العمارية، نسبوا إلى رجل من عظمائهم يقال له: عمار الساباطى
قال أبو القاسم البلخى: والفطحية أعظم فرق الجعفرية، وأكثرهم جمعا
الزرارية
قال: وقد مال إلى العمارية خلق كثير من الزرارية
والزرارية أكثر الشيعة فقها وحديثا، قال: والفطحية يزعمون أن زرارة ابن أعين كان [على] مقالتهم (1) وإنه لم يرجع عنها، وزعم بعضهم أنه رجع عنها حين سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل فلم يجد عنده جوابها، فتركه وقال بإمامة (2)
موسى بن جعفر
وقال بعضهم: لم يأتم به، ولكنه أشار إلى المصحف وقال: هذا إمامى ثم ان الفطحية بعد موت عبد الله بن جعفر قالوا بإمامة (3) أخيه موسى بن جعفر، وقالوا: هو الإمام من بعد عبد الله بن جعفر، ودخلوا فى القطعية
الجوالقية
وقالت الجوالقية: إن الامام بعد جعفر ابنه موسى بن جعفر، وإن جعفر نص على إمامة موسى عند جمهور شيعته.
ثم افترقت الجوالقية بعد حياة (4) موسى بن جعفر الثانية، فصاروا ثلاث فرق:
القطعية
فقالت فرقة منهم: إن موسى بن جعفر قد مات، وقطعوا على موته فسموا:
القطعية.
الممطورة
وقالت فرقة: إن موسى بن جعفر حي لم يمت، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا، وإنه القائم المهدى المنتظر عندهم، وهذه الفرقة تسمى: الواقفة (5) وتسمى
__________
(1) فى الأصل: كان مقالتهم، ولعل الصواب كما أثبتناه
(2) فى الأصل: يامامه
(3) فى الاصل: وقالوا يامامه
(4) فى الاصل: حه
(5) فى الاصل: الوافقة(2/164)
أيضا: الممطورة. لأن رجلا منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن، وهو من القطعية، فقال له يونس: لأنتم أنتن عليّ من الكلاب الممطورة (1).
وقالت فرقة: لا ندرى أمات موسى بن جعفر أو لم يمت، إلا أنا مقيمون على إمامته حتى يصح أمره لنا، وأمر هذا المنصوب، يعنون ولده.
فرقتا القطعية
ثم افترقت القطعية فرقتين:
1 - فقالت فرقة منهما: إن الامام بعد موسى بن جعفر ابنه على بن موسى، وإن الامام بعد على بن موسى محمد بن على بن موسى، ومات أبوه على وهو ابن أربع سنين، وقيل ابن ثمانى سنين. فاختلف الذين قالوا بإمامة محمد بن على، فقال بعض المؤتمين به: إنه كان إماما فى حال صغره واجب الطاعة عالما بما تعلمه الأئمة من الأحكام والحلال والحرام، وغير ذلك من أمور الدين، يجب استفتاؤه فى الحوادث، ويصلح لما يصلح له غيره من الأئمة وقالوا: ليس كبر السن من شرائط الامامة.
وقال بعضهم: إنه كان فى تلك الحال إماما، على أن الأمر له وفيه دون سائر الناس، ولا يصلح للامامة فى وقته أحد غيره، فاما يجتمع فيه فى تلك الحال ما اجتمع فى الأئمة المتقدمين من خلال الامامة فلا. قالوا: ولا يجوز أن يؤمهم فى الصلاة، ولا يجب استفتاؤه فى الحوادث فى ذلك الوقت، وإنما يتولى ذلك غيره من أهل الصلاح منهم الى وقت إدراكه، وقالوا بعد ذلك: إن الامام بعد محمد ابن على ابنه على بن محمد، وإن الامام بعد على ابنه الحسن بن على وهو المعروف بالعسكرى، ومات العسكرى، وهو الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد، فى شهر ربيع الأول لثمان خلون منه، سنة ستين ومائتين،
__________
(1) يعنى: أنهم كالكلاب المبتلة(2/165)
ولا ولد للعسكرى، فاختلط عليهم أمره، فقالوا: إن له ولدا مكتوما يظهره الله عز وجل إذا شاء، وإنه القائم المهدى المنتظر عندهم، وإن خواص شيعته تعرفه وتلقاه، وإنه يظهر إذا شاء الله.
الأئمة اثنا عشر
ورووا أخبارا عن أسلافهم أن الأئمة من آل محمد اثنا عشر إماما لا يزيدون ولا ينقصون، أولهم على ثم الحسن ثم الحسين ثم على بن الحسين ثم محمد بن على ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم على بن موسى ثم محمد بن على ثم على بن محمد ثم الحسن بن على العسكرى.
قالوا: فهؤلاء أحد عشر إماما، والثانى عشر هو ولد العسكرى هذا المستور الّذي ادعوه، وهو المهدى المنتظر عندهم.
وهؤلاء يسمون: القطعية والاثنى عشرية، وهم أكثر الشيعة عددا على وجه الأرض.
الخطابية
وقالت الخطابية: إن الامام بعد جعفر أبو الخطاب، واسمه محمد بن أبى زينب مولى لبنى أسد وقالوا: إن الأئمة أنبياء لا يزال منهم رسولان، واحد صامت، والآخر ناطق، فالصامت على، والناطق محمد، وإن رسل الله تترى، أى اثنان فى كل وقت. قالوا: فجعفر أحد الرسولين إليهم، والآخر أبو الخطاب. وقالوا: إن ولد الحسين وشيعتهم أبناء الله وأحباؤه. وقالوا: إن عبادة الأئمة واجبة، وتأوّلوا فى ذلك قول الله تعالى: {فَإِذََا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} الآية وعبدوا أبا الخطاب وقالوا: إنه الهم، وأن جعفر بن محمد إلههم أيضا، إلا أن أبا الخطاب أعظم من جعفر ومن على. وخرج أبو الخطاب على أبى جعفر المنصور، فقتله عيسى بن موسى فى سبخة الكوفة.
والخطابية يستحلّون شهادة الزور لمن وافقهم فى دينهم على من خالفهم فى
الأموال والدماء والفروج وتقول: إن دماء مخالفيهم، وأموالهم، ونساءهم: لهم حلال(2/166)
والخطابية يستحلّون شهادة الزور لمن وافقهم فى دينهم على من خالفهم فى
الأموال والدماء والفروج وتقول: إن دماء مخالفيهم، وأموالهم، ونساءهم: لهم حلال
فرق الخطابية
ثم افترقت الخطابية أربع فرق:
المعمرية
فرقة يقال لها: المعمرية، عبدوا معمرا الصفار وكان رجلا يبيع الحنطة، كما عبدوا أبا الخطاب. وزعموا أن الدنيا لا تفنى، وأن الجنة هى ما يصيب الناس من العافية والخير، وأن النار ما تصيب الناس من خلاف ذلك. وقالوا بالتناسخ وإنهم لا يموتون ولكن ترفع أرواحهم إلى السماء وتوضع فى أجساد غير تلك الأجساد واستحلوا الخمر والزنا وسائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة.
الفرقة الثانية من الخطابية
وقالت الفرقة الثانية من الخطابية: إن جعفر بن محمد هو الله، ولكن تشبّه للناس فى صورة جعفر، وزعموا أن كل ما حدث فى قلوبهم وحى، وأن كل مؤمن يوحى إليه، وتأوّلوا قول الله تعالى: {وَأَوْحى ََ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوََارِيِّينَ}. وزعموا أن فيهم خيرا من جبريل ومن ميكائيل ومن محمد.
وزعموا أنه لا يموت منهم أحد، وان احدهم اذا بلغ عبادته رفع الى الملكوت.
وادعوا معاينة موتاهم وانهم يرونهم بكرة وعشيا
العميرية
وقالت الفرقة الثالثة من الخطابية: بتكذيب هؤلاء فى الموت، وقالوا: انهم يموتون ولا يزال منهم خلف فى الأرض أئمة وأنبياء، وعبدوا جعفرا كما عبده (1)
المتقدمون، وزعموا أنه ربهم، وضربوا خيمة فى كناسة الكوفة ثم اجتمعوا يلبّون لجعفر، ويدعون إلى عبادته، وهؤلاء يسمون: العميرية، نسبوا إلى عمير بن البنان العجلى وكان رئيسهم، فأمر عمير بن هبيرة بعمير بن البنّان فقتل وصلب فى كناسة الكوفة، وحبس قوما من أصحابه
المفضلية
وقالت الفرقة الرابعة من الخطابية: بالبراءة من هؤلاء، وقالوا: بربوبية جعفر
__________
(1) فى الاصل: عبدوه(2/167)
وانتحلوا النبوة (1) والرسالة، إنما خالفوهم فى البراءة من أبى الخطاب فقط، لأن جعفرا أظهر البراءة من أبى الخطاب حين لبّى به أصحابه فى الطريق، وهؤلاء يسمون: المفضلة، نسبوا إلى رئيس لهم كان صيرفيا يسمى المفضل
قال البلخى: وقد مال إلى الائتمام بمحمد بن اسماعيل جماعة من الخطابية أيضا، ودخلوا فى المباركية
المغيرية
وقالت المغيرية: إن الامام بعد أبى جعفر، محمد بن على الباقر المغيرة بن سعد العجلى، وإن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة، فهم يأتمون به إلى أن يظهر المهدى، والمهدى عندهم: محمد بن عبد الله النفس الزكية ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام، فلما أظهر المغيرة هذا القول، برئت منه الجعفرية، وكان المغيرة بن سعد يدعى أنه نبىّ، وأنه يعلم اسم الله الأكبر، وأن معبوده رجل من نور على رأسه تاج من نور، وله من الأعضاء مثل ما للرجال، وله جوف، وقلب ينبع بالحكمة، وأن حروف أبجد على عدد اعضائه، فالألف موضع قدمه، لاعوجاجها وذكر الصاد فقال: لو رأيتم موضع الصاد منه لرأيتم أمرا عظيما، يعرض لهم بالعورة، وأنه قد رآه وقال: إنه يحيى الموتى بالاسم الأعظم
وبلغ خالد بن عبد الله القسرى (2) خبره، فقتله وصلبه، فاستأمت المغيرية بعده جابر الجعفى، فمات جابر، فادعى وصيته بكر الأعور الهجرى العتات فاستأمّوه، ثم هجموا (3) منه على الكذب فخلعوه، وانصرفوا إلى عبد الله بن المغيرة بن سعد، فنصبوه إماما، فأكل عبد الله أموالهم
المنصورية
وقالت المنصورية: إن الامام بعد محمد بن على الباقر، أبو منصور العجلى،
__________
(1) فى الأصل: وانتحلوا النبوية
(2) فى الأصل: القشرى
(3) كذا بالأصل(2/168)
وإن محمد بن على إنما أوصى إلى أبى منصور دون بنى هاشم، كما أوصى موسى إلى يوشع بن نون، دون ولده، ودون ولد هارون، ثم ان الامام بعد أبى منصور يرجع إلى ولد على
وقال أبو منصور: إنما أنا مستودع، وليس لى أن أضعها فى غيرى، إلى أن يظهر المهدى المنتظر، وهو محمد بن عبد الله النفس الزكية
وقال أبو منصور: إن آل محمد هم السماء، وشيعتهم الأرض، وإنه هو الكسف الساقط (1) من بنى هاشم
وقال: فىّ نزل: «وإن يروا كسفا من السّماء ساقطا»
وقال: إنه عرج إلى السماء فمسح معبودة رأسه بيده، ثم قال: أى بنى اذهب فبلغ عنى، ثم نزل به إلى الأرض
ويمين أصحابه اذا حلفوا أن يقولوا: لا والكلمة
وزعم أن عيسى أول ما خلق الله من خلقه، ثم على، وأن رسل الله لا تنقطع أبدا، وكفر بالجنة والنار، وزعم أن الجنة رجل والنار رجل، واستحل الزنا وأحل ذلك لأصحابه، وزعم أن الميتة والدم والخمر والميسر، وغير ذلك من المحارم: حلال.
وقال: إن ذلك أسماء رجال حرم الله ولايتهم، واسقط جميع الفرائض مثل الصلاة والزكاة والحج والصيام وقال: هى أسماء رجال أوجب الله ولا يتهم. واستحل خنق المخالفين، وأخذ أموالهم. فأمر به يوسف بن عمر فقتل وصلب
فرق المنصورية
وافترقت المنصورية بعد أبى منصور فرقتين: حسينية، ومحمدية
الحسينية
فقالت: الحسينية إن الامام بعد أبى منصور ولده الحسين بن أبى منصور، وجعلوا له الخمس مما وقع فى أيديهم من الخنق (2)
__________
(1) الكسف والكسفة والكسيفة: القطعة مما قطعت
(2) كذا بالأصل(2/169)
المحمدية
وقالت المحمدية: إن الامام بعد أبى منصور محمد بن عبد الله النفس الزكية، لأن أبا منصور قال: إنما أنا مستودع وليس لى أن أضعها فى غيرى، ولكنّه محمد ابن عبد الله
فهذه الشيعة فى الإمامة على ما حكاه عنهم أبو عيسى الرزاق، وزرقان بن موسى، وابو القاسم البلخى فى كتبهم
الخوارج
وأما الخوارج: فقد ذكرنا أقوالهم فى أصل الامامة، وسنذكر من فرقهم (1)
ما ذكره أبو القاسم البلخى ورواه عنهم من الاختلاف
النجدية
فمن فرق الخوارج النجدية: إمامهم نجدة بن عامر الحنفى، والّذي تفردوا به أنهم قالوا: ان المخطئ بالجهل معذور، فمن استحل شيئا من طريق الاجتهاد مما هو محرم فهو معذور على جهله. قالوا: ومن خاف العذاب على المجتهد المخطئ فى الاحكام متى (2) تقوم عليه الحجة فهو كافر. وقالوا: من نقل عن دار هجرتهم فهو منافق. وقالوا: دماء أهل العهد فى دار التقية حلال، وبرئوا ممّن حرمها. وقالوا: إن أصحاب الحدود المذنبين منهم غير خارجين من الأيمان، والمذنبين من غيرهم كفار. وقالوا: لا ندرى لعل الله يعذب المؤمنين بقدر ذنوبهم فى غير النار. وقالوا:
من أصر على نظرة محرمة، أو كذبة فهو مشرك ومن زنى أو سرق غير مصرّ فهو مسلم
الفديكية
ومنهم الفديكيّة. إمامهم أبو فديك قاتل نجدة بن عامر بعد إحداثه، ولا يعلم لهم قول أبدعوه، غير انكارهم على نجدة ونافع ابن الأزرق (3) احداثهما
العطوية
ومنهم العطوية: إمامهم عطية بن الأسود الحنفى، وكان عطية أنكر على نجدة، ونافع بن الأزرق، ما أحدثاه، ومضى إلى سجستان وخراسان، فهو أصل الخوارج بهما.
__________
(1) فى الأصل: فوقهم
(2) فى الأصل: متى، حتى
(3) فى اعتقادات فرق المسلمين: أبو نافع راشد بن الأزرق(2/170)
العجردية
ومن العطوية: العجردية: إمامهم عبد الكريم بن العجرد، وهم يقولون:
يجب دعاء الطفل إذا بلغ، ويجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الاسلام.
الميمونية
ومن العجاردة: الميمونية: إمامهم ميمون، وقيل: إن ميمونا هذا كان رجلا من أهل بلخ، وقيل: بل كان عبد الكريم بن (1) العجرد، والميمونية لا يرون إلا قتال السلطان خاصة، وأعوانه، ومن رضى بحكمه، ومن طعن فى دينهم. وهم يجيزون نكاح بنات البنين، وبنات البنات، وبنات بنات الأخوات، وبنات بنى الأخوة. ويقولون: إن الله حرم نكاح البنات والأخوات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأحل ما رواء ذلك. وهم يقولون بالعدل. وكانت الغلبة بخراسان وسجستان لهؤلاء وللعجاردة.
الحلفية
ومن الميمونية: الحلفية: وهم يخالفون الميمونية فى القول بالعدل، ويقولون بالجبر، وهم بكرمان. وقالوا: لا نستحلّ العقد لامام بعده، حتى يصحّ لنا خبره، أو يتم مائة وعشرين سنة، من يوم ولد، وكان إمامهم هذا يحارب الحمزية.
الحمزية
ومن الميمونية: حمزية: إمامهم حمزة بن ادرد، وهم يجيزون كون إمامين وأكثر من ذلك فى وقت واحد، وهم يقولون بالعدل.
الخازمية
ومن العجاردة خازمية: وهم يقولون بالأحبار، ويقولون: إن الولاية والعداوة صفتان فى الذات.
المجهولية
ومن الخازمية: مجهولية: وهم يقولون: من لم يعلم الله تعالى بجميع أسمائه فهو له جاهل، وإن أفعال العباد ليست بمخلوقة، وإن الاستطاعة مع الفعل كالكون إلا ما شاء الله.
المعلومية
ومن الخازمية: معلومية: وهم يقولون: من علم الله ببعض أسمائه فلم يجهله.
الصلتية
ومن العجاردة: صلتية: إمامهم عثمان بن أبى الصلت، والصلت بن أبى الصلت. وهم يقولون: إذا استجاب الرجل فى الاسلام توليناه، وبرئنا من أطفاله،
__________
(1) فى الأصل: من(2/171)
لأنهم ليس لهم إسلام حتى يدركوا، فيدعوا إلى الاسلام ويسلموا.
فرقة من العجاردة
ومن العجاردة فرقة يقولون: ليس لأطفال المؤمنين، ولا لأطفال الكافرين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا ويسلموا.
الثعلبية
ومن العجاردة: ثعلبية: إمامهم ثعلبة، وهم يقولون فى الأطفال: إنهم مشتركون (1) فى عقاب آبائهم، وإنهم ركن من أركانهم، وبعض من ابعاضهم.
الاخنسية
ومن الثعلبية: أخنسية: إمامهم الأخنس، وهم يقفون عن جميع ما فى دار التقية من أهل القبلة، إلّا من عرفوه باسلام، أو كفر، ويحرمون البيات (2)
والاغتيال والقتل فى السر، وأن يبدأ أحد بقتال حتى يدعى إلى الاسلام، فبرئ (3) منهم جمهور الثعالبة.
المعبدية
ومن الثعالبة: معبدية: إمامهم معبد، وهم يرون أخذ زكاة أموال عبيدهم إذا استغنوا، وإعطاءهم من زكاتهم إذا افتقروا، وكان مواليهم على رأيهم أو لم يكونوا، فبرئت منهم الثعالبة.
الشيبانية
ومن الثعلبية: شيبانية: إمامهم شيبان بن سلمة الخارج فى أيام أبى مسلم، وكان أحدث أحداثا منها معاونة أبى مسلم، فبرئت منه الخوارج وقتل فقالت الشيبانية: إنه قد تاب، وقال سائر الثعالبة: لا تقبل توبة مثله، إلا بأن يقص منه، أو يعفو صاحب الحق، وبرئوا ممن أجاز توبته.
الرشيدية
ومن الثعالبة: رشيدية: إمامهم رشيد، وهم يقولون: إنه يجب فيما يسقى الفيول الجارية، والأنهار، نصف العشر، فبرئت منهم الثعالبة.
المكرمية
ومن الثعالبة: مكرمية: إمامهم أبو مكرم، وهم يقولون: إن تارك الصلاة كافر،
__________
(1) فى الأصل: مشركون
(2) البيات: الهجوم على الأعداء ليلا
(3) فى الأصل: فيرى(2/172)
وليس من قبل ترك الصلاة كفر، ولكن من قبل جهله. وكذلك قالوا فى سائر الفرائض. وقالوا: من أتى كبيرة، فقد جهل الله تعالى. وقالوا بالموافاة، وهو أن الله إنما يتولى عباده، ويعاديهم على ما هم صائرون (1) إليه لا على أعمالهم.
فبرئت منه الثعالبة.
الاباضية
ومن الخوارج الأباضية: إمامهم عبد الله بن أباض التميمى من مقاعس تيم الحارث بن عمر بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
قال أبو القاسم البلخى: حكى أصحابنا أن عبد الله بن أباض لم يمت حتى ترك قوله أجمع، ورجع إلى الاعتزال، والقول بالحق.
قال: والّذي يدل على ذلك، أن أصحابه لا يعظمون أمره.
وجمهور الأباضية يقولون: إن مخالفيهم من أهل القبلة كفار، وليسوا بمشركين، حلال مناكحتهم، وحلال غنيمة أموالهم عند الحرب من السلاح والكراع (2)، حرام ما وراء ذلك من سبيهم وقتلهم فى السر، إلا من دعا إلى شرك فى دار تقية (3) وادعى الاسلام، ولا ذمّة له. وقالوا: إن الدار، دار مخالفيهم، دار توحيد، إلا عسكر السلطان فانه دار بغى. وقالوا: إن مرتكبى (4) الكبائر.
موحدون، وليسوا بمشركين. وقالوا: من سرق وزنى، أقم عليه الحد، ثم استتيب، فان تاب والا قتل.
اختلاف الاباضية فى النفاق
واختلفوا فى النفاق.
فقالت فرقة منهم: النفاق براءة من الشرك، واحتجوا بقوله تعالى {«لََا إِلى ََ هََؤُلََاءِ وَلََا إِلى ََ هََؤُلََاءِ}»
__________
(1) فى الأصل: صابرون
(2) الكراع: اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير
(3) فى الأصل: بقية
(4) فى الأصل: مرتكب(2/173)
وقالت فرقة منهم: كل نفاق شرك، لأنه يضاد (1) التوحيد
وقالت فرقة منهم: لا حجة لله على أحد فى توحيد إلا بخبر، أو ما يقوم مقام الخبر من إيماء أو اشارة.
وقالت فرقة منهم: لا يجوز أن يخلى الله عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته وقالت فرقة منهم: يجوز أن يخليهم الله من ذلك.
وقالت فرقة منهم: من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه الشرائع والأحكام، ثم وقف على ذلك، أو لم يقف، سمعه، أو لم يسمعه.
وقالت فرقة منهم: يجوز أن يبعث الله نبيا بلا دليل.
وقالت فرقة منهم: من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حلّلت، وأن القبلة قد حوّلت، فعليه أن يعمل بذلك، أخبره بذلك مؤمن أو كافر، وعليه أن يفعل ذلك بالخبر، وليس عليه أن يعلم ذلك بالخبر.
وقالت فرقة منهم: من قال بلسانه إن الله واحد، وعنى (2) المسيح، فهو صادق فى قوله مشرك بقلبه.
وقالت فرقة منهم: ليس على الناس المشى الى الصلاة والزكاة والحج، ولا شيء من أسباب الطاعة، التى توصل بها إليها وانما عليهم فعلها بعينها فقط.
وقالت فرقة منهم: الدرهم بدرهمين يدا بيد حلال. وقالوا: قد يكون فى الانسان ايمان، ولا يسمى به مؤمنا.
وقالت فرقة منهم: بتحليل الأشربة التى يسكر كثيرها، اذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر، وهم يرون قتل المشبهة وبسبيهم وغنيمة أموالهم ويجهزون (3) على جريحهم.
__________
(1) فى الأصل: لا يضاد، ولعل لا زائدة
(2) عنى بالقول كذا: أراده وقصده
(3) أجهز على الجريح: شد عليه وأتم قتله، وفى الأصل: ويجهورون(2/174)
الحفصية
ومن الأباضية. حفصية: إمامهم حفص بن أبى المقدام. وهم يقولون: إن ما بين الشرك والكفر معرفة الله، فمن عرف الله، ثم كفر بما سواه من رسول أو كتاب أو جنة أو نار، أو عمل جميع الجنايات، فهو كافر برئ من الشرك ومن جهل الله وأنكره، فهو مشرك
اليزيدية
ومنهم اليزيدية: إمامهم يزيد بن أبى أنيسة، قال: إن الله تعالى سيبعث رجلا من العجم، وينزّل عليه كتابا من السماء، ثم يكتب فى السماء، وينزل عليه جملة واحدة، فيترك شريعة محمد ويأتى بشريعة أخرى وغيرها، وإن ملته تكون الصابية، وليست هذه الصابية ولكن الصابئين الذين ذكرهم (1) الله فى كتابه، قال: ولم يأتوا بعد وزعم أن فى هذه الأمة شاهدين عليها، وانه أحدهما، وأنه لا يدرى أمضى الآخر، أم هو كائن؟ فبرئ منه جل الأباضيّة
الواقفة
ومن الخوارج الواقفة: من قصّتهم أن رجلا منهم يقال له: ابراهيم من أهل المدينة، كان يصبى فى منزله من دين إلى دين قال أبو عبيدة: صبى من دينه إلى دين آخر، كما تصبى النجوم، أى تخرج من مطالعها ومعه جماعة منهم، فبعث جارية له إلى السوق كانوا يتولونها، فأبطأت، فغضب ابراهيم وقال: لأبيعها فى الاعراب (2)
فقال له رجل ممن حضر يقال له ميمون غير ميمون الّذي من العجاردة: فكيف يسعك أن تبيع جارية مسلمة من قوم كفار؟ فقال ابراهيم: إن الله أحل البيع وحرم الربا، وقد مضى أسلافنا وهم يستحلون ذلك!! فبرئ ميمون ممن استحل بيعها، ووقف سائر من فى البيت، فلم يقولوا بتحليل ولا تحريم، وكتبوا إلى علمائهم يسألونهم عن ذلك، قأفتوا أن بيعها حلال، وبأن يستتاب أهل البيت من توقفهم فى ولاية ابراهيم، وبأن يستتاب ميمون، وبالبراءة من امرأة (3) كانت
__________
(1) فى الأصل: ذكر
(2) فى الأصل: الاغراب
(3) فى الأصل: وبالراء من أمره(2/175)
معهم وقفت، فماتت قبل ورود الفتوى، فأبى من كان فى البيت أن يبرءوا منها، وأن يتوبوا من الوقوف، وثبتوا عليه، فسموا: الواقفة، فبرئت منهم الخوارج
الضحاكية
ومن الخوارج الضحاكية: إمامهم الضّحاك، وهم يجيزون أن تزوج المرأة المسلمة عندهم من كفار قومهم فى دار التقية، كما يجوز للرجل منهم أن يتزوج الكافرة من قومه فى دار التقية، فأما دار العلانية، ودار حكمهم، فلا يجوز فبرئت منهم الخوارج، ووقفت فرقة فى ذلك فسموا الواقفة، وقالوا: لا نعطى هذه المرأة من حقوق المسلمين شيئا، ولا نصلى عليها إن ماتت، ونقف فى أمرها، ومنهم من برئ منها
البيهسية
ومن الخوارج البيهسية: وإمامهم أبو بيهس الهيصم بن جابر (1) وهم يقولون:
إن السكر من كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه، وكل ما كان من ترك صلاة أو شتم فهو موضوع عن صاحبه، لا حدّ فيه ولا حكم، ولا يكفر أهله بشيء من ذلك، ما داموا فى حال السكر وقالوا: إن الشراب الّذي هو حلال الأصل، لم يأت فيه من التحريم ولا إقلال أو إكثار أو سكر، ويقولون: إنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله عز وجل، رسوله، ومعرفة ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم جملة من الشريعة وقالوا: من جهل شيئا من ذلك فهو مشرك، وقالوا: بقتل الغيلة (2)، وأخذ مال المخالفين
العوفية
ومن البيهسية: العوفية: وهم يقولون: إذا كفر الامام كفرت بكفره الرعية، الشاهد منهم والغائب، وصارت الدار دار شرك، يحل قتل أهلها وسبيهم على كل حال.
__________
(1) فى الأصل: بهس هصم بن جابر، وفى الملل والنحل: أبو بيهس الهيصم بن جابر، وهو أحد بنى سعد بن ضبيعة
(2) اغتاله: أهلكه وأخذه من حيث لا يدرى، وفى الأصل: العيلة(2/176)
قال المدانى: طلب الحجاج أبا بيهس (1) الهيصم بن جابر، وهو أحد بنى سعد بن ضبيعة بن قيس أيام الوليد، فهرب الى المدينة، فلم يعرفه أحد، فطلبه الحجاج، فأعياه، فبلغ الوليد أنه بمكة، فكتب إلى عثمان بن حبان المرّيّ فيه، ووصفه له صفته، فظفر به عثمان وحبسه، وكان يسامره إلى أن ورد الكتاب من الوليد بقطع يديه ورجليه وصلبه، ففعل به ذلك
الصفرية
ومن الخوارج الصفرية: نسبوا إلى إمامهم زياد بن الأصفر، وزعم قوم أن الّذي نسبوا إليه عبد الله بن الصفار، وانهم الصفرية (بالصاد)، وهم يقولون:
إن كل ذنب مغلّظ كفر وشرك، وكل شرك كيادة للشيطان، وهو قول الخوارج إلا الفضيلية.
والصفرية يجيزون مناكحة المشركين والمشركات، وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم ومواريثهم، ويحتجون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج بناته من المشركين فى دار التقية
الفضيلية
ومن الخوارج: الفضيليّة: وهم يقولون: إن كل معصية صغرت أو كبرت، فهى شرك، وإن صغائر المعاصى مثل كبائرها ويقولون: إنه لا يكفر عندهم من قال بضرب من الحق وهو يضمر غيره، نحو أن يقول: لا إله إلا الله، وهو يريد قول النصارى، أى الّذي له الولد والزوجة، أو يريد [ضما قد الحدوة (2)]، ويقول:
محمد رسول الله، وهو يعنى غيره، ممن هو حىّ، وأشباه ذلك
الشمراخية
ومن الخوارج الشمراخية: إمامهم عبد الله بن شمراخ، وهم يصلون خلف من صلى إلى القبلة، ولو كان يهوديا أو نصرانيّا ينافق بصلاته
الأزارقة
ومن الخوارج الأزارقة (3) إمامهم نافع بن الأزرق الحنفى، وهو أول من الحد (4)
__________
(1) فى الأصل: مهيس
(2) كذا بالأصل
(3) يقول الامام فخر الدين الرازى: أتباع أبى نافع راشد بن الازرق، ومن مذهبهم أن قتل من خالفهم جائز
(4) كذا بالاصل(2/177)
الخلاف من الخوارج، وهم يقولون: إن من أقام من المسلمين فى دار الكفر، فهو كافر، ويرون قتل النساء والأطفال، ويحتجون بقول الله تعالى: {«رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً} الآية إلى قوله {كَفََّاراً»}
البدعية
ومن الخوارج: البدعيّة وهم يقولون: إن الصلوات ركعتان بالعشى وركعتان بالغداة، لا غير ذلك، لقول الله تعالى: {«وَأَقِمِ الصَّلََاةَ طَرَفَيِ النَّهََارِ}»
والبدعيّة يقطعون بالشهادة على أنفسهم وموافقهم أنهم من أهل الجنة من غير شرط ولا استثناء
أصل فرق الخوارج
وأصل فرق الخوارج: الأزارقة، والأباضية، والنجدية، والصفرية، وسائرها متفرع من هذه الفرق، وقيل: سائرها متفرع من الصفرية
هذه أصول فرق الشيعة والخوارج المشهورة التى نسبت إلى أول من ابتدعها منهم وقال بها من أئمتهم
فأما الفروع التى تفرعت منها والشعب التى تشعبت عنها فهى كثيرة، وكذلك أئمة هاتين الفرقتين الخارجون، والداعون إلى الجهاد لا يجمع ذكرهم إلا كتاب مفرد
والشيعة والخوارج أشد فرق الأمة تمسكا بالأئمة، وأكثرهم اختلافا وتفرّقا وبراءة من ولاية بعضهم
أصل تسمية الشيعة
وانما سميت الشيعة: شيعة، لمشايعتهم على بن أبى طالب، ولأولاده عليهم السلام والمشايعة: الموالاة والمناصرة، والشيعة: الأولياء والأنصار والأصحاب والأحزاب، ومنه قوله تعالى: {«فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ}»، وقوله: {«وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرََاهِيمَ}»، ومنه قول الكميت بن زيد الأسدى:
اذا الخيل ورّاها العجاج وتحته ... غبار أثارته السّنابك أصهب (1)
__________
(1) ورى الشيء: أخفاه. العجاج: الغبار. السنابك: جمع سنبك: طرف الحافر.
الاصهب: ما كان فى لونه حمرة أو شقرة(2/178)
فما لى إلّا آل أحمد شيعة ... وما لي إلّا مشعب الحق مشعب (1)
اشتقاق اسم الشيعة
المشعب: الطريق ويقال شيع الرجل: اذا صحبه، والمشايعة أيضا: المخالطة والمشاركة فى الأمر وغيره، ومنه يقال: سهم مشاع (2) أى غير مقسوم، وسهم شائع أيضا، كما يقال سائر وسار، قال أبو ذؤيب يصف ظبية:
فسوّد ماء المزد فاها فلونها ... كلون النّئور وهى ادماء سارها (3)
أى سائرها، وقال آخر فى صفة الوتد:
ومشج أماسوا قذاله ... فبدا وغيّب ساره المعزاء
وقيل: إن اسم الشيعة مأخوذ من السهم الشائع، فان صح هذا، فالشيعة جمع شاع، مثل حيرة جمع حار، والشيعة أيضا من غير هذا: مثل الأسد وهو ولده وهو الشيع أيضا، ويقال: هذا شوع هذا وشيع هذا: للذى ولد بعده، ولم يولد بينهما، ويقال: آتيك غدا شيع غد: أى بعد غد، قال عمر بن أبى ربيعة:
قال الخليط غدا تصدّعنا ... أو شيعه أفلا تودّعنا؟ (4)
ويقال: إن الشيع: المقدار، ويقال: أقام شهرا أو شيعه، ويقال: شيع الراعى بإبله، وشايع، إذا صاح بها، ودعاها إذا استأخر بعضها: والمصدر: المشايعة والشياع، الشياع: صوت مزمار الراعى، قال قيس بن أبى ذريح الكنانى، أخو ليث بن بكر بن كنانة، المشهور بالعشق:
__________
(1) شعب الحق: طريقه المفرق بين الحق والباطل، وفى الاصل:
وما لى إلا مشعب الحق أشعب
(2) مشاع: مشترك غير مقسوم: وفى الاصل: شائع
(3) المزد: البرد. النئور: دخان الشحم. أدماء: سمراء
(4) فى الاصل: قال الخليط غدا يصد عنا(2/179)
إذا ما تذكرين يحنّ قلبى ... حنين النّيب تطرب للشّياع (1)
ويقال شيعه: إذا أحرقه، ويقال: شيعت النار بالحطب تشييعا إذا أذكيتها به، والمشيّع: الشجاع، قال أبو ذؤيب:
فتبادروا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل للقاء مشيّع
الرواية المشهورة: بطل اللقاء مخدع (بالخاء المعجمة ودال مهملة) أى خدع مرارا فى الحرب حتى صار مجربا، ويروى: مجذع (2) (بالذال المعجمة مفتوحة) أى مقطع، أى مضروب بالسيف. والمشايع: اللاحق.
ابتداء ظهور الشيعة وفرقهم
وكانت الشيعة الذين شايعوا عليا عليه السلام على قتال طلحة والزبير وعائشة، ومعاوية، والخوارج فى حياة على عليه السلام، ثلاث فرق:
1 - فرقة منهم، وهم الجمهور الأعظم الكثير، يرون إمامة أبى بكر وعمر، وعثمان، إلى أن غير السيرة، وأحدث الأحداث.
2 - وفرقة منهم، أقل من أولئك عددا: يرون الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبا بكر، ثم عمر، ثم عليا (3)، ولا يرون لعثمان إمامة قال أيمن ابن خزيم الأسدى:
له فى رقاب الناس عهد وبيعة ... كعهد أبى حفص وعهد أبى بكر
وحكى الجاحظ أنه كان فى الصدر الأول لا يسمّى: شيعيا، إلا من قدم عليا على عثمان ولذلك قيل: شيعى، وعثمانى فالشيعى: من قدم عليا على عثمان، والعثمانى: من قدم عثمان على عليّ.
__________
(1) النيب: جمع ناب: الناقة المسنة
(2) فى الاصل: محذع
(3) فى الاصل: يرون الامام أبو بكر ثم عمر ثم على(2/180)
وكان واصل بن عطاء ينسب إلى التشيع فى ذلك الزمان، لأنه كان يقدم عليا على عثمان
3 - وفرقة منهم يسيرة العدد جدا، يرون عليا أولى بالامامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويرون إمامة أبى بكر وعمر كانت من الناس على وجه الرأى والمشورة، ويصوبونهم فى رأيهم ولا يخطئونهم، إلا أنهم يقولون: إن إمامة على كانت أصوب وأصلح (1).
افتراق الشيعة بعد الحسين بن على
ولم تزل الشيعة على هذه الأقوال الثلاثة، إلى أن قتل الحسين بن على عليه السلام، ثم افترقت الشيعة بعده على ثلاث فرق:
1 - فرقة قالت: إن الامام بعد الحسين ابنه على بن الحسين، وإن الامامة بعد الحسين فى ولده خاصة، لأنها استقرت فى يده فلم تكن لتخرج من أيدى ولده إلى غيرهم، وإنها تمضى قدما قدما لا تأخذ يمينا ولا شمالا، وإنها لا ترجع القهقرى ولا تمشى إلى وراء، ولا تكون إلا بنصّ من الامام الأول على الامام الثانى، وإن الأرض لا تخلو من إمام طرفة عين، إما مشهور وإما مستور، ولهذا سموا: بالامامية، لالتزامهم بالامام.
2 - وقالت الفرقة الثانية: لم يصح عندنا أن الحسين عهد إلى أحد، ولا دعى ابنه عليّ الى بيعة، فنحن نقف حتى نرى رجلا من أحد البطنين يعنون:
ولد الحسن والحسين يصحّ لنا ولادته، وزهده، وعلمه، وشجاعته، وعدالته، وورعه، وكرمه، يشهر السيف، ويباين الظالمين، فتلزمنا طاعته، فسموا: الواقفة، فمكثوا بعد قتل الحسين ستين سنة، حتى قام زيد بن على بن الحسين بالكوفة،
__________
(1) جاء بهامش الكتاب: يكفى هذه الفرقة اليسيرة أن الثقلان معها!!(2/181)
فى زمن هشام بن عبد الملك، فبايعوه، فسموا: الزيدية (1).
3 - وقالت الفرقة الثالثة: إن الامام بعد الحسين أخوه محمد بن على، وهو ابن الحنفية، واحتجوا فى ذلك بأن عليا عليه السلام أحضره فى وقت وصيته مع أخويه الحسن والحسين، ووصاه بطاعتهما، ووصاهما ببرّه وتعظيمه، قالوا: فلم يحضره فى الوصية إلّا وله شرك فى الامامة، وهذه الفرقة تسمى: الكيسانية، نسبوا إلى رئيس لهم يقال له: كيسان، وهو مولى لبطن من بجيلة بالكوفة، وقيل: إن كيسان مولى لعلى عليه السلام.
وقيل: إن كيسان هو المختار بن أبى عبيد الثقفى، وإن عليا سماه بذلك، وكان المختار كيسانيا، يؤمن بالرجعة، ويقول: إن محمد بن الحنفية، سيموت، ثم يبعث هو وشيعته، فيملأ الأرض عدلا، وكان يدعى أن خروجه كان عن أمره، وتتبع قتلة الحسين بن على، فقتل عمر بن سعد بن أبى وقاص وابنه حفص بن عمر، وقتل شمر بن ذى الجوشن الضبابى، ووجه ابراهيم بن الأشتر، فقتل عبد الله ابن زياد، وغيرهم، وغلب على الكوفة، حتى خرج نفر من أهل الكوفة يستنجدون أهل البصرة على المختار، فخرج أهل البصرة مع مصعب بن الزبير، فقاتلوه، وكان فى عسكر مصعب: عبد الله بن على بن أبى طالب، ومحمد بن الأشعث ابن قيس، فقتلهما المختار ثم قتل المختار، قتله صراف بن يزيد الحنفى فى سنة سبع وستين، وعقب المختار بالكوفة كثير، وكان المختار يزعم أن جبريل يأتيه وينزل عليه قرآنا، وهو أحد الكذابين، قال فيه أعشى همدان، وفى الحجاج ابن يوسف:
__________
(1) جاء بهامش الكتاب: انظر بعين الإنصاف، ما أبعد هذا القول عن الاعتساف، وما أعدله وما أقربه إلى قوله تعالى: {«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} الآية» تمت من الأم.(2/182)
إن ثقيفا منهم الكذّابان ... كذّابها الماضى وكذّاب ثان
إنا سمونا للكفور الفتّان ... حين طغى الكفر بعد الإيمان
بالسيد الغطريف عبد الرحمن ... يا ربّ مكّن من ثقيف همدان (1)
وكان المختار توعّد أسماء بن خارجة بن حصن الفزارى، وولد سعيد بن قيس ابن يزيد بن ذى مرت الهمدانى، بهدم داريهما، وبلغ أسماء بن خارجة أن المختار يقول لأصحابه: إنه نزل عليه فى قرآنه: (لتنزلن من السماء نار بالدهماء، فلتخوفنّ دار أسماء!!) فقال أسماء: ويلى على ابن الخبيثة، أقد عمل فى دارى قرآنا!! لا أقف بعد هذا فهرب أسماء من المختار، فهدم داره وأحرقها، وحالت همدان دون دار صاحبهم فقال عبد الله بن الزبير الأسدى، يؤنب مضر فى هدم دار أسماء:
فلو كان من همدان أسماء أصحرت ... كتائب من همدان صعر خدودها (2)
لهم كان ملك النّاس من قبل تبّع ... تقود وما فى النّاس حىّ يقودها
وقيل لعبد الله بن عمر: إن المختار يعمد إلى كرسى فيجعله على بغل أشهب، ويحفّ بالديباج، ثم يطوف حوله هو وأصحابه فيستسقون به ويستنصرون به، ويقولون: هذا الكرسى فينا، مثل تابوت آل موسى
فقال ابن عمر: فأين بعض جنادبة الأزد عنه؟
قال هشام بن محمد بن السائب الكلبى: يعنى: جندب بن كعب بن عبد الله ابن حر بن عامر بن مالك بن ذهل بن ثعلبة بن ظبيان، قاتل الساحر الّذي يقال له:
بستانى، وكان يلعب للوليد بن عقبة، يريد انه يقتل رجلا، ثم يحييه، ويدخل
__________
(1) الغطريف: السيد السخى، وفى الأصل: العطوبنى
(2) أصحر: أظهر، وفى الأصل: أصخرت. الكتائب جمع الكتيبة: الطائفة من الجيش مجتمعة(2/183)
فى فم ناقة، ثم يخرج من حيائها، فرآه جندب بن كعب يفعل ذلك فقال لمولى له صقل: اعطنى سيفا هذاما (1)، فأعطاه السيف، فأقبل جندب إلى الساحر فضربه ضربة فقتله، ثم قال: أحيي نفسك، فأخذه الوليد بن عقبة فحبسه فلما رأى السّجان صلاة جندب، وصومه، خلى سبيله فأخذ الوليد السجان فقتله قال أعشى همدان فى المختار وأصحابه:
شهدت عليكم أنكم سبيئة ... وأنّى بكم يا شيعة الكفر عارف
وأن ليس كالكرسى فينا وإن سعت ... شبام حواليه ونهم وخارف
وإن شاكر طافت به وتمسّحت ... بأعواده وأدبرت لا تساعف
أصل تسمية الرافضة
وسميت الرافضة من الشيعة: رافضة، لرفضهم زيد بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب، وتركهم الخروج معه، حين سألوه البراءة من أبى بكر وعمر، فلم يجبهم إلى ذلك
وروى عوانة بن الحكم قال: لما استتب الأمر لزيد بن على عليه السلام جمع أصحابه فخطبهم وأمرهم بسيرة على بن أبى طالب فى الحرب
فقالوا: قد سمعنا مقالتك، فما تقول فى أبى بكر وعمر؟
فقال: وما عسيت أن أقول فيهما؟ صحبا رسول الله صلى عليه وآله وسلم بأحسن الصحبة، وهاجرا معه، وجاهدا فى الله حق جهاده، ما سمعت أحدا من أهل بيتى تبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيرا
قالوا: فلم تطلب بدم أهل بيتك، ورد مظالمهم اذا، وليس قد وثبا على سلطانهم، فنزعاه من أيديكم، وحملا الناس على أكتافكم، يقتلونكم إلى يومكم هذا؟
__________
(1) الهذام: السيف القاطع،(2/184)
فقال لهم زيد: إنما وليّا علينا وعلى الناس، فلم يألوا العمل بكتاب الله وسنة رسوله.
قالوا: فلم يظلمك بنو أمية إذا، إن كان أبو بكر وعمر لم يظلماك! فلم تدعونا الى قتال بنى أميّة، وهم ليسوا لكم ظالمين، لأن هؤلاء إنما تبعوا فى ذلك سنة أبى بكر وعمر؟
فقال لهم زيد: إن أبا بكر وعمر ليسا كهؤلاء، هؤلاء ظالمون لكم ولأنفسهم، ولأهل بيت نبيّهم، وإنما أدعوكم إلى كتاب الله ليعمل به، وإلى السنة أن يعمل بها، وإلى البدع أن تطفأ، وإلى الظّلمة من بنى أميّة أن تخلع وتنفى، فان أجبتم سعدتم، وإن أبيتم خسرتم، ولست عليكم بوكيل
قالوا: إن برئت منهما وإلا رفضناك!!
فقال زيد: الله أكبر، حدثنى أبى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلى عليه السلام: إنه سيكون قوم يدعون حبّنا لهم نبز (1) يعرفون به، فاذا لقيتموهم فاقتلوهم فانهم مشركون. اذهبوا فانكم الرّافضة
ففارقوا زيدا يومئذ فسماهم: الرافضة، فجرى (2) عليهم هذا الاسم
اجتماع فرق الأمة على إمامة زيد
وروى السيد أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسنى فى كتاب الدعامة:
أن جميع فرق الأمة اجتمعت على إمامة زيد بن على عليه السلام، إلا هذه الفرقة التى تقدم ذكرها
فقال: لمّا شهر فضله وتقدمه، وظهر علمه وبراعته، وعرف كماله، الّذي تقدم به أهل عصره، اجتمع طوائف الناس، على اختلاف آرائهم، على مبايعته، فلم يكن الزيدى أحرص عليها من المعتزلى، ولا المعتزلى أسرع إليها من المرجئيّ،
__________
(1) النبز (بالتحريك): اللقب، وفى الأصل: نبر (بالراء).
(2) فى الأصل: فحزا:(2/185)
ولا المرجئيّ من الخارجى فكانت بيعته عليه السلام مشتملة على فرق الأمة، مع اختلافها، ولم يشذّ عن بيعته إلا هذه الطائفة العليلة التوقيف
صفات زيد
قال: ومن الواضح الّذي لا إشكال فيه، أن زيد بن على، يذكر مع المتكلمين إن ذكروا، ويذكر مع الزهاد إن ذكروا، ويذكر مع الشجعان وأهل المعرفة بالضبط والسياسة، وكان أفضل العترة (1)، لأنه كان مشاركا لجماعتهم فى جميع خصال الفضل، ومتميزا عنهم بوجوه لم يشاركوه فيها
فمنها: اختصاصه بعلم الكلام، الّذي هو أجل العلوم، وطريق النجاة (2)
والعلم الّذي لا ينتفع بسائر العلوم إلّا معه، والتقدم فيه، والاشتهار عند الخاص والعام.
هذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يصفه فى صنعة الكلام ويفتخر به ويشهد له بنهاية التقدم، وجعفر بن حارث فى كتاب الديانة، وكثير من معتزلة بغداد كمحمد ابن عبد الله الاسكافى وغيره، ينسبون إليه فى كتبهم، ويقولون: نحن زيدية.
وحسبك فى هذا الباب انتساب المعتزلة إليه، مع أنها تنظر الى الناس بالعين التى ينظر بها ملائكة السماء الى أهل الأرض مثلا، فلولا ظهور علمه وبراعته، وتقدمه كل أحد فى فضيلته، لما انقادت له المعتزلة
واذا أردت تحقيق ما قلناه فسم (3) بعض تلامذتهم، أو متوسطهم أن ينسب الى غيره من أهل البيت، ممن لا تحصيل له فى رتبة زيد بن على، ليسمع منه العجائب
ومن الوجوه التى اختص بها: تميزه عن جماعتهم بفضل الفصاحة والبيان
ومنها: اختصاصه بعلم القرآن ووجوه القراءات، وله قراءة مفردة مرويّة عنه
ومنها: تقدمه بالشجاعة، والرغبة فى الجهاد، فقد روى عنه عليه السلام أنه
__________
(1) العترة: ولد الرجل وذريته أو عشيرته ممن مضى.
(2) فى الأصل: النحاة.
(3) فسم: (كذا بالأصل) وقد شرحت فوقها فى الأصل: أى اطلب(2/186)
لما خفقت الروايات على رأسه، قال: الحمد لله الّذي أكمل لى دينى بعد أن كنت أستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ارد عليه، ولم آمر فى أمته بمعروف، ولم أنه عن منكر
ومما يدل على صحة ما رواه السيد أبو طالب من اجماع فرق الأمة، على زيد ابن على، لما كان من فضله، قول شاعر الخوارج (1) يرثى زيدا عليه السلام ويقرع الزيدية:
يا با حسين والأمور إلى مدى ... أولاد درزة أسلموك وطاروا (2)
يا با حسين لو شراة عصابة ... علقتك كان لوردهم إصدار (3)
وقال أيضا:
أولاد درزة أسلموك مبلا ... يوم الخميس لغير ورد الصّادر
تركوا ابن فاطمة الكرام تقوده ... بمكان مسخلة لعين النّاظر (4)
وروى حسن بن على، عن يحيى بن أبى يعلا، عن عمر بن موسى، قال: قلت لزيد بن على: أكان على إماما؟
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيا مرسلا، لم يكن أحد من الخلق بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا كان لعلى ما ينكر الغالية، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان على من بعده إماما للمسلمين فى حلالهم وحرامهم، وفى السنة عن نبى الله، وتأويل كتاب الله، فما جاء به على من حلال أو حرام أو كتاب أو سنة، أو أمر أو نهى، فرده الراد عليه، وزعم
__________
(1) هو حبيب بن جدرة الهلالى
(2) مدى: تروى بالكامل: بلى. أولاد درزة: السفلة والسقاط
(3) الشراة: الخوارج. علقتك. أحبتك، وتروى: صبحوك
(4) المسخول: المرذول(2/187)
أنه ليس من الله، ولا من رسوله، كان ردّه عليه كفرا، فلم يزل ذلك حتى أظهر السيف، وأظهر دعوته، واستوجب الطاعة، ثم قبضه الله شهيدا.
ثم كان الحسن والحسين، فو الله ما ادّعيا منزلة رسول الله، ولا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القول فيهما ما قال فى على عليه السلام، وأيضا أنه قال: سيدا شباب الجنة، فهما كما سمّاهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانا إمامين عدلين، فلم يزالا كذلك، حتى قبضهما الله تعالى شهيدين.
ثم كناذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعدهما ولد الحسن والحسين، ما فينا إمام مفترضة طاعته، وو الله ما ادعى على بن الحسين أبى ولا أحد منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا منزلة على، ولا كان من رسول الله فينا ما قال فى الحسن والحسين، غير أنا ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهؤلاء يقولون: حسدت أخى وابن أخى!! أحسد أبى حقا هو له؟ لبئس الولد أنا من ولد، إنى إذا لكافر، إن جحدته حقا هو له من الله. فو الله ما ادعاها على بن الحسين، ولا ادعاها أخى محمد بن على، منذ صحبته حتى فارقنى.
قول زيد: الامام منا أهل البيت
ثم قال: إن الامام منّا أهل البيت، المفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين، من شهر سيفه، ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه، وجرى على أحكامه، وعرف بذلك، فذلك الامام الّذي لا تسعنا وإياكم جهالته (1).
فأما عبد جالس فى بيته، مرخ عليه ستره، مغلق عليه بابه، يجرى عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، فأنّى يكون ذلك إماما مفروضة طاعته؟
فضل زيد
وفى فضل زيد ما روى محمد بن سالم، قال: قال لى جعفر بن محمد: يا محمد هل شهدت عمى زيدا؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت فينا مثله؟ قلت: لا، قال:
__________
(1) فى الأصل: جهاليه.(2/188)
ولا أظنك والله ترى فينا مثله، إلى أن تقوم الساعة كان والله سيدنا، ما ترك فينا لدين ولا دنيا مثله.
وروى عن محمد بن على أنه قال وأشار إلى زيد: هذا سيد بنى هاشم، اذا دعاكم فأجيبوه، واذا استنصركم فانصروه.
خروج زيد على هشام بن عبد الملك
وروى أن زيدا بن على دخل على هشام بن عبد الملك فدار بينهما كلام، حتى قال له هشام: إنك لترجى بالخلافة وأنت ابن أمة؟
فقال له زيد: يا أمير المؤمنين، إن أمّى مع أمّك كأمّ اسماعيل مع أمّ اسحاق فلم يمنعه ذلك من أن جعله صدّيقا نبيا.
فلما خرج زيد أتبعه هشام بصره، وقال: كذب من قال: ذهب أهل بيت فيهم مثل هذا.
ثم خرج زيد بن على بالكوفة على هشام بن عبد الملك ووالى العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفى فقتل زيد فى المعركة، وذهبت أصحابه، فعلم به يوسف بن عمر، فنبشه وصلبه. ثم كتب هشام يأمر أن يحرق. فاحرق ونسف فى الفرات.
خروج يحيى بن زيد على الوليد بن يزيد
ثم خرج ابنه يحيى بن زيد بالجورجان على الخليع الكافر الوليد بن يزيد ابن عبد الملك بن مروان، فبعث نصر بن سيار إليه، وأحضر المازنى، فحاربه، فقتل يحيى بن زيد بالجورجان من أرض خراسان بقرية يقال لها أرعويّة، ودفن فى بعض الخانات.
زندقة الوليد
وكان الوليد بن يزيد زنديقا (1) خليعا، كافرا، فصيحا شاعرا. ونظر يوما الى المصحف ليتفاءل، فوقع على قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخََابَ كُلُّ جَبََّارٍ عَنِيدٍ}،
فجعل المصحف غرضا برميه، ثم مزقه وأحرقه وقال يخاطب المصحف:
__________
(1) الزندقة: الكفر باطنا مع التظاهر بالايمان(2/189)
أتوعد كلّ جبّار عنيد ... فها أنا ذاك جبّار عنيد
إذا لا قيت ربّك يوم حشر ... فقل: يا ربّ حرقنى الوليد (1)
وقال أيضا:
تلعّب بالخلائق هاشمىّ ... بلا وحى أتاه ولا كتاب (2)
أتوعدنى الحساب ولست أدرى ... أحقّ ما تقول من الحساب؟ (3)
فقل لله: يمنعنى طعامى ... وقل لله: يمنعنى شرابى
وقال أيضا:
يا أيها السائل عن ديننا ... وهم على دين أبى شاكر (4)
نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر (5)
وقال أيضا (6):
أدر الكأس يمينا ... لا تدرها ليسار
أسق هذا ثمّ هذا ... صاحب العود النّضار
من كميت عتقوها ... منذ دهر فى جرار (7)
ختموها بالأفاوي ... هـ وكافور وقار (8)
فلقد أيقنت أنّى ... غير مبعوث لنار
__________
(1) لاقيت: تروى: ما جئت. حرقنى: تروى: مزقنى، وخرقنى
(2) تلعب بالخلائق تروى: تلاعب بالنبوة، ورواية اخرى: تلعب بالخلافة
(3) أتوعدني: تروى: تخوفنى ورواية أخرى: يذكرنى
(4) أبو شاكر هذا: هو مسلمة بن هاشم
(5) فى الأصل: بالسحر وبالفاير
(6) لقد أثبتنا ما ورد بديوانه، وفى الأصل:
ادنيا منى خليلى عند لا ... دون الازار
فلقد أيقنت أنى ... غير مبعوث لنار
واتركا من يطلب الجنة ... يسعى فى خسار
وسأروض الناس حتى ... يركبوا دين الحمار
(7) الكميت: من أسماء الخمر لما فيها من من سواد وحمرة
(8) الأفاويه: نوافج الطيب(2/190)
سأروض الناس حتى ... يركبوا أي الحمار
وذروا من يطلب الجنّ ... ة يسعى لتبار (1)
مرثية بجير القشيرى فى هشام المخزومى
وأما قول الوليد بن يزيد: فقل لله يمنعنى طعامى البيت، فانّ هذا البيت لبجير بن عبد الله بن عامر بن سلمة القشيرى، فى شعره الّذي رثى به هشام بن مغيرة المخزومى، إلا أن الوليد قلب البيت فجعل عروضه ضروبا وضروبه عروضا، وهذا قول بجير،
تحيّى بالسلامة أمّ بكر ... وهل لك بعد رهطك من سلام (2)
ذرينى أصطبح يا بكر إنّى ... رأيت الموت نقّب عن هشام (3)
ونقّب عن أبيك وكان قرما ... من الفتيان شراب المدام (4)
فودّ بنو المغيرة لو فدوه ... بألف من رجال أو سوام (5)
وودّ بنو المغيرة لو فدوه ... بألف مدّجج وبألف رام (6)
وكائن بالطوىّ، طوىّ بدر ... من الفتيان والخيل الجسام
وكائن بالطوىّ، طوىّ بدر ... من الإحسان والقوم الكرام
وكائن بالطوى، طوىّ بدر ... من الشّيزى تكلّل بالسنام (7)
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام؟ (8)
أيعجز أن يردّ الموت عنّى ... ويحيينى إذا بليت عظامى
ألا من مبلغ الرحمن عنّى ... بأنى مفطر شهر الصّيام
فقل لله: يمنعنى شرابى ... وقل لله: يمنعنى طعامى
__________
(1) التبار: الهلاك
(2) الرهط: قوم الرجل وقبيلته
(3) نقب عن الشيء: بحث، وفحص عنه فحصا بليغا
(4) القرم: السيد العظيم، والجمع: قروم. المدام: الخمر
(5) السوام: الماشية والابل الراعية
(6) المدجج: من لبس سلاحه وكأنه تغطى به، وفى الاصل مدحج
(7) الشيزى: خشب أسود صلب جدا أو هو الابنوس
(8) الاصداء: جمع صدى: جسد الانسان بعد موته. وإلهام: رأس كل شيء، وتطلق على الجثة.(2/191)
وكان المشركون يسمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ابن كبشة، وابن أبى كبشة
أبو كبشة
وكان أبو كبشة، رجلا من خزاعة، مخالفا لقريش فى عبادة الأوثان، وكان يعبد الشّعرى (1) العبور، وقد ذكر الله تعالى ذلك فى كتابه بقوله: «وإنّه هو ربّ الشّعرى»، أى رب هذا النجم الّذي يعبد من دونه
وأبو كبشة جدّ جدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمه، وأم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وأم وهب بن عبد مناف كبشة بنت أبى كبشة الخزاعى
الزندقة فى الاسلام
وممن رمى بالزندقة من أهل الإسلام: معن بن زايدة بن عبد الله بن زايدة بن مطر بن شريك بن عمرو الشيبانى.
ومنهم عبد السلام بن رعبان، وقيل إنه القائل:
هى الدّنيا، وقد نعموا بأخرى ... وتسويف الظّنون من السّوافى
فإن يك بعض ما قالوه حقّا ... فإنّ المبتليك هو المعافى
ومنهم أبو نواس الحسن بن هانئ، وقيل إنه وجد فى بيته بعد موته هذان البيتان:
باح لسانى بمضمر السّرّ ... وذاك أنّى أقول بالدّهر
وليس بعد الممات حادثة ... وإنما الموت بيضة العقر (2)
وقيل: كان سبب موته أنه كان صديقا لبنى نوبخت، ولهم إليه احسان (3)، وكان لهم مذهب فى التشيع، فأغرى بهجائهم، وكان لهم كاتب بغدادى، يقال له زنبور، فروى عليه هجاء كثيرا فيهم، من ذلك قوله فى رئيس لهم يقال له اسماعيل (4):
خبز اسماعيل كالوشى ... إذا ما شقّ يرفا
عجبا من محكم الصّنعة ... فيه كيف يخفى
__________
(1) الشعرى: كوكب فى الجوزاء
(2) بيضة العقر: اوّل بيضة للدجاج
(3) فى الأصل: نويحة
(4) هو اسماعيل بن ابى سهيل بن نوبخت(2/192)
الأبيات. وكان مما روى عنه أيضا فى هجائهم، وهجاء أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، يقول فيه:
لله رافضة بليت بهم ... يتلاحظون بأعين خزر (1)
يرضون أن أرضى أبا حسن ... لهم وأبرأ من أبى بكر
فلأجمعنّ على عداوته ... ولأشهدنّ عليه بالكفر (2)
ولأشكرن لراحة ضربت ... تلك المفارق آخر الدّهر
فلما بلغتهم هذه الابيات سقوه سمّا فمات منه.
وقيل: بل كانوا فى متنزه لهم عند سليمان بن أبى سهل، ومعهم أبو نواس وزنبور، فأنشد زنبور هذا الشعر، وقد عمل فيهم الشراب، فقاموا إلى أبى نواس فداسوا بطنه، فلم يزل يضع أمعاءه حتى مات
ومنهم عبد الكريم بن نويرة الدهلى، وهو الّذي سير عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة آلاف حديث كذبا، فقتله محمد بن سليمان بن على بالكوفة وصلبه، فقال للمسلمين حين أحسّ بالقتل: اعملوا ما شئتم فقد لبّست (3) عليكم دينكم وجعلت حلالكم حراما وحرامكم حلالا، ودسست عليكم فى كتبكم أربعة آلاف حديث كذبا، كل يعملون به منها
ومنهم الأخطل، الشاعر: غياث بن غوث بن الصلت التغلبى، وهو القائل:
ولست بصائم رمضان عمرى ... ولست بآكل لحم الأضاحى (4)
ولست براكب عيسا بكورا ... إلى بطحاء مكة للنّجاح (5)
__________
(1) الخزر: النظر بمؤخر العين، وفى الأصل: جزر
(2) ولأشهدن: فى الأصل: ولا شهدت
(3) ليس الشيء: دلسه
(4) عمرى: تروى بديوانه: طوعا
(5) يراكب: تروى: بزاجر. العيس: الابل البيض يخالط بياضها سواد خفيف، وتروى: عنسا، والعنس. الناقة القوية. البكور: المعجل الادراك من كل شيء، وفى الاصل: بكوزا. والبطحاء: سيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى(2/193)
ولست بقائم كالغير أدعو ... مع الأصباح حىّ على الفلاح (1)
ولكنى سأشربها شمولا ... وأسجد قبل منبلج الصّباح (2)
وغير هؤلاء ممّن رمى بالزندقة، وهم كثير، واختصارهم أولى من ذكرهم، إلا أنا ذكرناهم عند ذكر الوليد بن يزيد وما كان من كفره
خروج يزيد بن الوليد على الوليد ابن يزيد
وكان الوليد بن يزيد، أحد خلفاء بنى أمية، فلما أعلن بالكفر خرج عليه ابن عمه، يزيد بن عبد الملك، وهو الّذي يقال له: النّاقص، وخرجت معه الغيلانيّة، وهم يقولون بالعدل والتوحيد، فقتل الوليد، وولى الأمر بعده وسمى النّاقص، لأنه نقّص الجند من أرزاقهم
وكان يزيد بن الوليد صالحا، مرضى السيرة، ولم يكن فى خلفاء بنى أمية مثله، ومثل عمر بن عبد العزيز
فلما استولى يزيد على الأمر، قام فى الناس خطيبا، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله ما خرجت أشرا، ولا بطرا (3)، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة فى الملك، وما أطرى (4) نفسى وإنى لها لظلوم، ولكنى خرجت غضبا لله، ولدينه، وداعيا إلى كتاب الله، وسنة نبيه، لما هدمت معالم الهدى، وأطفئ نور أهل التقى، وظهر الجبار العنيد، المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان ليؤمن بيوم الحساب، وانه لابن عمّى فى الحسب وكفيئى (5) فى النسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله فى أمرى، وسألته ألا يكلنى إلى نفسى، واستعنت من أطاعنى من أهل ولايتى،
__________
(1) يروى بديوانه
ولست بقائم أبدا أنادى ... كمثل الغير حي على الفلاح
(2) الشمول: الخمر. انبلج الصبح وتبلج وابتلج: بمعنى بلج، أى أضاء وأشرق
(3) أشر وبطر: طغى بالنعمة أو عندها فصر فها إلى غير وجهها
(4) أطرى: أحسن الثناء وأبالغ فى المدح، وفى الأصل: أطرا
(5) الكفىء: المماثل(2/194)
إلى أن أراح الله منه العباد، وطهّر منه البلاد، بحول الله وقوته، لا بحولى وقوتى.
أيها الناس: إنّ لكم عليّ ألّا أضع حجرا، ولا أجرى نهرا، ولا أكتنز مالا، ولا أعطيه زوجة ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد، حتى أسدّ فقرة ذلك البلد، وخصصت أهله بما يغنيهم، فان فضلت فضلة نقلته إلى البلد الّذي يليه، ممن هو أحوج إليه، ولا أجهّزكم فى ثغوركم، فأفتنكم وأفتن أهاليكم، ولا أغلق بابى دونكم، فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمّل أهل جزيتكم ما أجليهم (1)
به عن بلادهم، ولكن لكم عطاياكم كل سنة، وأرزاقكم فى كل شهر، حتى تستدر (2) المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم فان أنا وفيت لكم بهذا، فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة (3) وإن لم أف لكم، فلكم أن تخلعونى (4) إلا أن تستتيبونى، فان تبت قبلتم منى، فان رأيتم أحدا، أو عرفتموه بالفضل يعطيكم من نفسه، مثل ما أعطيتكم، وأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من يبايعه، ويدخل فى طاعته
أيها النّاس، لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، أقول قولى هذا، واستغفر (5)
الله لى ولكم
وكانت ولاية يزيد بن الوليد خمسة أشهر ثم مات
مروان بن محمد
وولى بعده مروان بن محمد بن مروان، وهو الّذي يقال له الحمار، فأمر بيزيد ابن الوليد، فنبش وصلب، وكان مروان الحمار آخر خلفاء بنى أمية
قال البلخى: ولا أعلم كورة (6) يغلب فيها التشيع إلّا قمّ وبلاد ادريس وأهلها معتزلة.
__________
(1) أجلاه عن بلده: أخرجه
(2) استدر: كثر
(3) المؤازرة: المعاونة
(4) فى الأصل: تجعلونى
(5) فى الأصل: واستغفروا
(6) الكورة: المدينة والناحية، أو البقعة التى تجتمع فيها المساكن والقرى(2/195)
وباليمن من الشيعة فرقتان (1): الجارودية من الزيدية، والمباركية من الاسماعيلية.
أول من دعا إلى الزيدية باليمن
وأول من دعا باليمن إلى مذهب الزيدية، ونشر مذهب أئمتهم: يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، ولقبه الهادى الى الحق، فنزل بين خولان، وغلب على صعدة
فخرج احمد بن عبد الله بن محمد بن عبّاد الأكيلى من اليمن، إلى العراق، وافدا على المعتضد بالله فى آخر أيامه، يستنجده على يحيى بن الحسين، فوجد المكتفى قد بويع له، فواجهه المكتفى (2) بالعراق، وأمر معه بالجيوش العظيمة، حتى ورد كتاب أبى مزاحم عج بن شاح، والى الحرمين، يخبر أن يحيى بن الحسين العلوى خرج من صنعاء، ففتر السلطان عن ذلك العزم
قال أبو محمد الحسن بن احمد الهمدانى فى الجزء الأول من الإكليل:
حدثنى أبو الصباح الحسن بن احمد عن أبيه، قال: دخلت على الخليفة فبثثت (3) له خبرى، وأعلمته بما قصدت له، من نجدته لى
فقال لى: أتيت على حاجتك، وبلغت منّا أقصى مرادك
قال: ثم أدخلت عليه بعد ذلك، ليتأكد عليّ فى بعثه، الّذي يبعث معى قال: فألحّ عليّ فى ذلك.
قال: فقلت يا أمير المؤمنين، انهم خدمك يصيرون إلى بلدك، والى جوار رعيتك وطاعتك
قال: فقال لى: إن لأهل اليمن وثبات كوثبات السباع النهمة
__________
(1) فى الأصل: فى فنان
(2) واجهه: قابله وجها لوجه، وفى الأصل: فاوجهه
(3) بثه الخبر: أطلعه عليه(2/196)
قال: فما أقمنا إلا أياما حتى أتى كتاب عج، يذكر إخراج العلوى من صنعاء فقال لى الوزير: كيف رأيت قول أمير المؤمنين؟
قال: قلت: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، ما جعله الله عميد هذا الخلق بأمر قريب.
واحمد بن عبد الله القائل فى شعره إلى العراق:
هى العين أمست والكرى لا يطيعها ... ففيم تلوم النفس، أو ما صنيعها؟
والقائل أيضا:
لعمرك ما زال المطايا نواجيا ... لهنّ رسيم دائم وخبيب (1)
شعرين من أحسن الأشعار وأفصحها
مذهب الاسماعيلية باليمن
وأول من نشر مذهب الاسماعيلية باليمن منهم: الداعى أبو القاسم أبو الحسن بن فرج بن حوشب بن زادان الكوفى، وهو منصور مستور وهم يرون أن محمد بن اسماعيل بن جعفر كان بالمدينة، وولد بها ولدين: جعفر واسماعيل، وأقام حتى شهر أمره فى زمن الرشيد، فحدث به يوما أن يومئ إليه، فبعث بحمله إليه، وحدث محمد فاتخذ سربا (2)، وغاب فيه زمانا واستتر فى داره بالمدينة، ثم انه بعد أن هدأ (3)
عنه الطلب خرج مستترا، وخلف ولديه بالمدينة، فصار إلى نيسابور
ثم صار إلى أرض ديلم، لا يعرف مكانه إلا خواصّ شيعته، وهو يجول فى أرض الديلم إلى نيسابور، وولد هنالك ولدا يكتمون اسمه، ويسمونه: الامام المستور.
وتوفى محمد بن اسماعيل بالمشرق، وأوصى إلى ابنه هذا بالإمامة، وأكّد عليه فى سترة اسمه
__________
(1) نواجيا: مسرعات، يقال: بعير نجى: سريع. الرسيم: ضرب من السير، يقال:
رسم البعير رسيما: مشى مشيا شديدا. الخبيب: ضرب من السير، يقال: خب الفرس فى عدوه: راوح بين يديه ورجليه، أى قام على أحدهما مرة وعلى الأخرى مرة
(2) السرب: الحفير تحت الأرض
(3) فى الأصل: هدى(2/197)
قال: وكذلك توصى إلى ولدك الّذي تعهد إليه (1) وتأمره أن يوصى إلى ولده بمثل ذلك، فانه لا يزال الأمر مستورا، حتى يظهره الله بالرابع من ولدك، فيقوم بالغرب وينجز الله له وعده، وينصب راية لا تنكس إلى يوم القيامة، من ولده يكون القائم المنتظر
فمضى ابنه بعده على هذه السيرة، وهم يلقبونه بالمهدى، ثم أوصى الى ابنه الثانى بمثل ذلك، وهو يلقّب بالمقتدى، ثم أوصى الى ابنه الثالث بمثل ذلك، وهو يلقّب بالهادى
ثم انتقل الهادى إلى الكوفة، وبعث منها المنصور أبا القاسم بن فرج بن حوشب بن زادان الكوفى داعيا إلى اليمن، وأمره أن يقصد اليمن، وينزل بعدن لاعة، فى مغرب اليمن، فان الله عز وجل قسم لليمانية ألّا يتم أمر فى هذه الشريعة الا بنصرهم، وأمره أن يدعو إلى ابنه عبد الله المهدى.
قال: فأما أنا فلا حظّ لى فى الملك، وبعث معه على بن الفضل الخنفرى وكان قد وفد إليه من اليمن، فخرجا جميعا إلى مكة، ثم افترقا، فقصد المنصور عدن لاعة، وقصد ابن فضل إلى أرض يافع، ثم ان المنصور شهر السيف وطلع جبل مسور واستفتحه، وأسر العامل الّذي كان فيه للامير ابراهيم بن محمد بن يعفر الحوالى، وبنى حصن مسور ونزل به، وغلب على تلك الناحية فبعث إليه الهادى بأبى عبد الله الحسين بن أمرن الهرمزى، ولقبه المنصور أيضا، وأمره أن يبعث أبا عبد الله هذا من اليمن إلى المغرب، فان على يديه تمام الأمر، فبعثه المنصور، فمضى أبو عبد الله إلى كتامة، وهم من حمير من ولد مرة بن عبد شمس ابن وابل الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب (2) بن زهير بن أيمن بن الهميسع ابن حمير الأكبر وكتامة هؤلاء فى بلد البرابر فنزل بينهم، وكان يعلّم أولادهم،
__________
(1) فى الاصل: يوصى إلى ولدك الّذي يعهد إليه
(2) فى الأصل: غريب(2/198)
فلقّب بالمعلّم وعرف به، ثم عرف بالشيعي وبالمشرفي، وربما لقّب بالصنعانى فمكث فيهم ستة عشر سنة، حتى تم له الأمر وخرج عبد الله المهدى، بعد أن كان أبوه قد نزل بالشام هاربا من العراق مستترا، فأقام فى مدينة سلمية، من أعمال حمص، حتى مات الهادى فى الستر، وهو آخر المستورين، وطلب ابنه عبد الله أشد الطلب، وبعث له المكتفى من يقبض عليه من سلمية، فهرب بوقته، حتى صار إلى سواحل الشام، ثم مضى إلى مصر فأقام بها، ثم لحقه الطلب، فخرج إلى المغرب، فظفر به وبولده بسجلماسة، فحبسا وبلغ إلى أبى عبد الله الشيعى خبره، وقد كان استفتح القيروان، فكتم أمره، وسار بكتامة حتى نزل بسجلماسة، فافتتحها، وأخرج المهدى وابنه عبد الله، وقد ملك المغرب كله، وجعل فيه العمال، وصارت إليه أموال عظيمة، مما جمعه أبو عبد الله من الاخماس والهدايا والوصايا والزكاة فى مدته التى أقام فيها بينهم، وجاء المهدى حتى نزل القيروان، وبنى مدينة المهدية على ساحل البحر الغربى، واتخذها دار خلافته، وولده بمصر يخرج الأمر منهم، من رجل إلى ولده بالنصّ عليه كما مر ذكره فى فرق الخطابية إلى وقت الحافظ ويومنا هذا، وهو سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة سنة من مهاجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وسار على بن فضل الخنفرى الى أرض يافع، فاشتدت وطأته باليمن، واستولى على أكثر مخالفيه، وأعلن بالكفر، وأحل جميع المحرمات، وخرّب المساجد، وكان يدعى أنه نبىّ، فقال فيه بعض شعراء أهل عصره:
خذى العود يا هذه واضربى ... نقيم شرائع هذا النّبي
تولّى نبىّ بنى هاشم ... وهذا نبىّ بنى يعربى
فحطّ الصّلاة وحطّ الزّكاة ... وحطّ الصّيام ولم يتعب
وغالب الظن أنه كان من الخطابية، لأنهم يدعون أنهم أنبياء
وابن فضل أول من سنّ (1) القرمطة فى اليمن، والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطىّ فجمعه قرامطة(2/199)
خذى العود يا هذه واضربى ... نقيم شرائع هذا النّبي
تولّى نبىّ بنى هاشم ... وهذا نبىّ بنى يعربى
فحطّ الصّلاة وحطّ الزّكاة ... وحطّ الصّيام ولم يتعب
وغالب الظن أنه كان من الخطابية، لأنهم يدعون أنهم أنبياء
وابن فضل أول من سنّ (1) القرمطة فى اليمن، والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطىّ فجمعه قرامطة
فلما مات عليّ بن فضل، قام ابنه بالمذيخرة من بعده، وفرق الأموال فى أصحابه، فخرج الأمير أسعد بن يعفر بن ابراهيم بن محمد بن يعفر بن عبد الرحمن ابن كريب الحوالى من صنعاء، فى رجب سنة ثلاث وثلاثمائة، ومعه قواد اليمن، فلم يزل يحارب القرامطة، حتى استفتح بلدانهم، ودخل المذيخرة فى جمادى الأولى سنة أربع وثلاثمائة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، وظفر بهم فى رجب من هذه السنة، فتقتل منهم خلقا كثيرا، وأخذ أموالا عظيمة، يقصر عنها الوصف، وسبى (2) نساء ابن فضل، فوهب بنته لابن أخيه قحطان بن عبد الله بن أبى يعفر، فولدت له عبد الله بن قحطان أمير اليمن وبيع من القرامطة ناس كثير، وأخذ ولدين لعلىّ ابن فضل، وجماعة من رؤساء القرامطة، معه إلى صنعاء، وأمر بهم فذبحوا جميعا، وطرحت أبدانهم فى بئر فى الجبانة، وأخذت رءوسهم فبقرت (3) ووجه بها فى أربعة صناديق إلى مكة، فنصبت هنالك أيام الموسم
أصل تسمية الخوارج
وسميت الخوارج: خوارج، لخروجهم على أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام ورضى الله عنه، ومحاربتهم اياه
ولهم أسماء غير الخوارج يسمون بها
فمن أسمائهم: الحرورية: سموا بذلك لنزولهم بحروراء، اسم قرية، تمد وتقصر.
ومن أسمائهم: الشّراة: سموا بذلك لأنهم يقولون: إنهم شروا أنفسهم من الله بالجهاد.
__________
(1) سن السنة: وضعها، وفى الأصل: أسن
(2) سبى العدو: أسره
(3) بقره: شقه(2/200)
ومن أسمائهم: المحكمة: سموا بذلك لانكارهم التحكيم فى صفين، وقالوا:
لا حكم إلا لله.
ومن أسمائهم: المارقة: وهم لا يرضون بهذا الاسم ويرضون بسائر الأسماء، وكان منهم عبد الرحمن بن ملجم المرادى، قاتل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه.
قال عمران بن حطان (1) الخارجى الشاعر، من بنى سدوس، يمدح عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله:
يا ضربة من تقىّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا (2)
إنى لأذكره حينا فأحسبه ... أو فى البريّة عند الله ميزانا (3)
أكرم بقوم بطون الطّير قبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا (4)
فبلغت الأبيات القاضى أبا الطيب الطبرى فقال (5):
إنّى لأبزأ مما أنت قائله ... عن ابن ملجم الملعون بهتانا (6)
إنّى لأذكره يوما فألعنه ... وألعن الدهر عمران بن حطّانا (7)
عليك، ثم عليه الدّهر متصلا، ... لعائن الله إسرارا وإعلانا
فأنتم من كلاب النار جاء به ... نصّ الشريعة برهانا وتبيانا
وكان على بن محمد، الّذي يسمى علوى البصرة، من الخوارج، وكان يرى رأى الأزارقة.
__________
(1) فى الاصل: عمرو بن حطان
(2) تقى: تروى: منيب
(3) حينا: تروى: يوما.
(4) قبرهم: فى الاصل: افترهم.
(5) قبله:
يا ضربة من شقى ما أراد بها ... إلا ليهدم من ذى العرش بنيانا
(6) لا برأ: فى الاصل: لا يرى
(7) وألعن: تروى: إيها(2/201)
قال البلخى: وأفعاله فى النساء والصبيان تدل على ذلك.
قال: وله خطبة يقول فى أولها: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ألا لا حكم إلّا لله.
وكان يرى أن الذنوب كلها شرك، وكان أنصاره الزنج، وكان خرج بالبصرة سنة خمس وخمسين ومائتين، فقتله على بن أحمد الموفق.
وفى نسبه اختلاف، فمن الناس من يقول: هو على بن محمد بن على بن أحمد ابن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب.
ومن الناس من يقول: إنه دعى، وإنه من أهل الرى (1) من قرية يقال لها: وزوى.
وفيه يقول على بن محمد العلوى الزيدى الكوفى:
يقول لك ابن عمك من تعيذ ... لتبّت أو لنوح أو لهود؟ (2)
لهجت بنا بلا نسب إلينا ... ولو نسب اليهود الى القرود
لحقت بنا على عجل كأنّا ... على وطن وأنت على البريد
فهبنا قد رضيناك ابن عمّ ... فمن يرضى بأحكام اليهود؟
الكور التى تغلب عليها الخوارج
والكور التى تغلب عليها الخوارج: الجزيرة، والموصل، وعمان، وسجستان.
الخوارج فى عمان
وأهل عمان أباضيّة، وأئمتهم من الأزد من بطن يقال له: التحمد بن حمى بن غيمان بن نصر بن زهران بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وهم غير منقطعين من سائر الكور
الأباضيّة فى اليمن وحضر موت
ومن الأباضيّة باليمن: طائفة من همدان فى مغارب همدان
__________
(1) فى الأصل. الزى
(2) فى الأصل لنبت، ولعل الصواب: لتبت، نسبة إلى التبت بالصين(2/202)
ومنهم أيضا طائفة يحضر موت من همدان أيضا من بشق، بطن من بطون همدان
وممن أنكر أمر الحكمين، وليس من الخوارج، بل من أنصار على وأوليائه:
الأحنف بن قيس، والأشتر النخعىّ، والحسن بن أبى الحسن البصرى، وهؤلاء يتولون عليا عليه السلام قبل التحكيم وبعده.
أصل تسمية المرجئة
وسميت المرجئة: مرجئة، لأنهم يرجون أمر أهل الكبائر، من أهل محمد، إلى الله تعالى، ولا يقطعون على العفو عنهم ولا على تعذيبهم، ويحتجون بقوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللََّهِ، إِمََّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمََّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} ويقولون:
إخلاف الوعد كذب، وإخلاف الوعيد عفو وتفضل وكرم، ولو تهدد رجل عبدا من عبيده قد أساء إليه، وعصى وخالف أمره، وتوعده بالجلد أو القتل أو الصلب أو غير ذلك من العذاب، ثم عفا عنه، وأخلف وعيده، ما كان يسمى (1) كاذبا عند العرب واحتجوا بقول الشاعر عامر بن الطفيل:
ولا يرهب ابن العمّ منّى صولتى ... ولا إحنتى من قوله المتهدّد (2)
وإنى إذا أوعدته (3) ووعدته (4) ... لمخلف ميعادى ومنجز موعدى
قالوا: فجائز أن يخلف الله وعيده فى القرآن، ولا يعذب أحدا من أهل الكبائر من المسلمين، ويجوز أن يعذبهم بقدر ذنوبهم، وأرجوا الأمر فى ذلك إلى الله تعالى، يقال: أرجوا وأرجئوا، بالهمزة والتخفيف، فسموا: المرجئة.
وليس من كور الاسلام كورة إلا والمرجئة غالبون عليها إلا القليل منها والمرجئة على ضربين: منهم يقولون بالعدل والتوحيد، مثل: الغيلانيّة والشمريّة
__________
(1) فى الاصل: يسيما
(2) الإحن. اضمار العداوة والحقد
(3) أوعده: تهدده. ووعد فلان الأمر وبالأمر: قال له إنه يجريه له أو ينيله إياه
(4) فى الأصل: وعده، وسياق الكلام لا يستقيم مع هذا اللفظ(2/203)
وضرب منهم يقولون: بالجبر والتشبيه.
وخرجت المرجئة على الحجاج بن يوسف الثقفى، مع عبد الرحمن بن الأشعث، حين قال الحجاج على المنبر: أيها الناس، أرسول أحدكم فى حاجته أكرم أم خليفته فى أهله؟ فقالوا: إنه كفر بذلك وكان الشيعىّ فيمن خرج، وخرجت منهم الغيلانية مع يزيد بن الوليد الناقص على الخليع الكافر الوليد بن يزيد فقتلوه
سبب تسمية الحشوية
وسميت الحشوية: حشوية، لأنهم يحشون الأحاديث التى لا أصل لها فى الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أى يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه.
سبب تسمية العامة
وسميت العامّة: عامة، لالتزامهم بالعموم، الّذي اجتمع عليه أهل الخصوص، وهم الذين يقولون بالأصول ولا يعرفون شيئا من الفروع، ويقرون بالله، وبرسوله، وكتابه، وما جاء به رسوله على الجملة، ولا يدخلون فى شيء من الاختلاف
سبب تسمية القدرية
وسميت القدريّة: قدريّة: لكثرة ذكرهم القدر، وقولهم فى كل ما يفعلونه قدّره الله عليهم.
والقدرية يسمون: العدلية، بهذا الاسم، والصحيح ما قلناه، لأن من أكثر من ذكر شيء نسب إليه، مثل من أكثر من رواية النحو، نسب إليه، فقيل:
نحوى، ومن أكثر من رواية اللغة نسب إليها، فقيل: لغوى، وكذلك من أكثر من ذكر القدر، وقال فى كل فعل يفعله: قدره الله عليه، قيل: قدرى، والقياس فى ذلك مطّرد.
المعتزلة
وسميت المعتزلة: معتزلة، لقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، وذلك أن المسلمين اختلفوا فى أهل الكبائر من أهل الصلاة
فقالت الخوارج: هم كفار مشركون
وقال بعض المرجئة: إنهم مؤمنون لاقرارهم بالله ورسوله وبكتابه، وبما جاء به رسوله، وإن لم يعملوا به.
وقالت المعتزلة: لا نسمهم (1) بالكفر ولا بالايمان ولا يقولون: إنهم مشركون ولا مؤمنون، ولكن يقولون: إنهم فساق فاعتزلوا القولين جميعا، وقالوا بالمنزلة بين المنزلين، فسموا: المعتزلة.(2/204)
وقال بعض المرجئة: إنهم مؤمنون لاقرارهم بالله ورسوله وبكتابه، وبما جاء به رسوله، وإن لم يعملوا به.
وقالت المعتزلة: لا نسمهم (1) بالكفر ولا بالايمان ولا يقولون: إنهم مشركون ولا مؤمنون، ولكن يقولون: إنهم فساق فاعتزلوا القولين جميعا، وقالوا بالمنزلة بين المنزلين، فسموا: المعتزلة.
ومن الناس من يقول: إنما سموا معتزلة، لاعتزالهم مجلس الحسن بن أبى الحسن البصرى، وكان الّذي اعتزله عمرو بن عبيد ومن تبعه، ذكر ذلك ابن قتيبة فى المعارف.
ومن الناس من يقول: سموا معتزلة، لاعتزالهم على بن أبى طالب عليه السلام فى حروبه، وليس كذلك، لأن جمهور المعتزلة، وأكثرهم إلا القليل الشاذ منهم، يقولون: إن عليا عليه السلام كان على الصواب، وإن من حاربه فهو ضال، وتبرءوا ممن لم يتب من محاربته، ولا يتولون أحدا ممن حاربه إلا من صحت عندهم توبته منهم ومن كان بهذه الصفة فليس بمعتزل عنه عليه السلام، ولا يجوز أن يسمى بهذا الاسم.
وقال كثير من المعتزلة: إن أفضل الأمة بعد نبيها: أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، بتقدمه لنظرائه فى خصال الفضل فى الدين.
قال قاضى القضاة عبد الجبّار بن أحمد، فى شرح الأصول الخمسة وهذا القول هو الّذي يقول به أكثر شيوخنا البغداديين، وبعض البصريين، هو الّذي نصره الشيخ أبو عبد الله رحمه الله، والمشهور فى كتب أبى على وأبى هاشم، الوقوف فى ذلك قال: وإنما استحق عليه السلام الفضل من جهة الأفعال، لا من جهة الأخبار، التى يرويها الشيعة، لأنها غير مجمع عليها، وهى مع ذلك تحتمل التأويل، والأفعال التى استحق بها الفضل فى الدين، فهى العلم والتبحر فيه، والورع
__________
(1) فى الأصل: لا تسميهم(2/205)
والزهد والتقى، والهجرة، والسبق إلى الاسلام، والجهاد، والدعاء إلى الله عز وجل، وتعليم الناس الفروع والأصول ومعلوم من حال أمير المؤمنين التقدّم فى هذه الخصال، فيجب أن نشهد بأنه أفضل الأمة، لا بأن الأخبار دلّت على فضله.
وصف المعتزلة
والمعتزلة يسمون: لسان الكلام، ويسمون: العدليّة، لقولهم بالعدل والتوحيد.
وقيل: إن المعتزلة ينظرون إلى جميع المذاهب كما تنظر ملائكة السماء إلى أهل الأرض مثلا، ولهم التصانيف الموضوعات، والكتب المؤلفات فى دقائق التوحيد، والعدل والتنزيه لله عز وجل، ما لا يقوم به سواهم ولا يوجد لغيرهم، ولا يحيط به علما لكثرته إلا الله عز وجل، وكل متكلم بعدهم يغترف من بحارهم، ويمشى على آثارهم ولهم فى معرفة المقالات، والمذاهب المبتدعات، تحصيل عظيم، وحفظ عجيب، وغوص بعيد، لا يقدر عليه غيرهم، ينقدون المذاهب كما تنقد الصيارفة الدنانير والدراهم.
ويقال: إن لمذهب المعتزلة أسانيد تتصل بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم، ليس لأحد من فرق الأمة مثلهم، ولا يمكن خصومهم دفعه، وذلك أن مذهبهم مستند الى واصل بن عطاء، وإن واصلا يستند الى محمد بن على بن أبى طالب وهو ابن الحنفية، والى ابنه أبى هاشم عبد الله بن محمد بن على، وإن محمد يسند إلى أبيه على بن أبى طالب رضى الله عنه، وأن عليا يسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
واصل بن عطاء
وكان واصل بن عطاء من أهل المدينة، ربّاه محمد بن الحنفية وعلّمه، وكان مع ابنه أبى هاشم فى الكتاب، ثم صحبه بعد موت أبيه صحبة طويلة وحكى عن بعض العلماء أنه قيل له: كيف كان علم محمد بن على؟ قال: إذا أردت أن تعلم ذلك فانظر الى أثره فى واصل
ثم انتقل واصل إلى البصرة، فلزم الحسن بن أبى الحسن البصرى
وكان واصل ألثغ بالراء، فما زال يروض (1) نفسه، حتى أسقط الراء من كلامه فى محاجته للخصوم وخطبه(2/206)
ثم انتقل واصل إلى البصرة، فلزم الحسن بن أبى الحسن البصرى
وكان واصل ألثغ بالراء، فما زال يروض (1) نفسه، حتى أسقط الراء من كلامه فى محاجته للخصوم وخطبه
قال البلخى: وله الخطبة المشهورة التى ارتجلها بحضرة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فأسقط منها الراء، فذكرته الشعراء بذلك، قال الشاعر:
ويجعل البرّ قمحا فى تصرّفه ... وجانب الرّاء حتّى احتال للشّعر
ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاد بالغيث إشفاقا من المطر
وقال صفوان الأنصارى:
ملقّن مفهم (2) فيما يحاوله ... جمّ خواطره جوّاب آفاق
وقال آخر:
تكلفوا القول والاقوام قد حفلوا ... وحبّروا خطبا ناهيك من خطب (3)
فقام مرتجلا تغلى بديهته ... كمرجل القين لمّا حفّ باللهب (4)
وجانب الرّاء لم يشعر بها أحد ... قبل التّصفّح والإغراق فى الطّلب (5)
وقال آخر:
فهذا بديه لا كتحبير قائل ... إذا ما أراد القول زوّره شهرا (6)
وقال آخر:
عليم بإبدال الحروف وقامع ... لكلّ خطيب يغلب الحقّ باطله (7)
__________
(1) راض نفسه: ذللها وطوعها
(2) تروى: ملهم
(3) تكلفوا: فى الاصل: تكلف. وحبروا فى الاصل: وخبروا.
(4) المرجل: القدر. القين: الحداد، ويطلق على كل صانع، وفى الاصل: الضر حف: أحاط به، وفى الاصل: حق
(5) التصفح: التصحف. أغرق فى الامر: بالغ فيه، وفى الاصل الاعراق.
(6) بديه: مرتجل من دون توقف، وفى الاصل: يديه. وزور الشيء: حسنه وقومه.
(7) قمعه: قهره وذلّله وصرفه عما يريد.(2/207)
وقال بشار بن برد المرعث وذكر خطبته، وكان واصل يكنى بأبى حذيفة:
أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ... من خطبة بدهت من غير تفكير
وإنّ قولا يروق الخالدين معا ... لمسكت مخرس من غير تحبير (1)
أوصاف واصل
وروى عن رجل جليل من أصحاب الحسن أنه قال: ما كنا نعد علينا أيام واصل ملكا.
قال البلخى: وفرق واصل رسله فى البلاد، يدعون إلى دين الله
فأنفذ إلى المغرب: عبد الله بن الحارث، فأجابه الخلق، وهنالك بلد يدعى البيضاء، يقال إن فيه مائة ألف يحملون السلاح، يعرف أهله بالواصلية
وأنفذ إلى اليمن: القاسم بن الصعدى
وإلى الجزيرة: أيوب بن الأوتر
وإلى خراسان: حفص بن سالم، وأمره بلقاء جهم ومناظرته
وإلى الكوفة: الحسن بن ذكوان، وهو من أصحاب الحسن وسليمان بن أرقم وإلى أرمينية: عثمان بن أبى عثمان الطويل، أستاذ أبى الهذيل، وكان واصل قال له: اخرج إلى أرمينية، فقال له: يا أبا حذيفة، خذ شطر مالى وأنفذ غيرى. فقال له: أنت يا طويل، فلعل الله أن يصنع لك!! قال عثمان: فخرجت فربحت مائة ألف درهم عن صفقة يدى، وأجابنى أكثر أهل أرمينية. وكان قال له: الزم سارية من سوارى المسجد تصلى عندها حتى يعرف مكانك، ثم إذا كان كذا وكذا من شهر كذا فابتدئ فى الدعاء للناس إلى الحق، فاتى أجمع أصحابى فى هذا الوقت ونبتهل فى الدعاء لك والرغبة إلى الله، والله ولىّ توفيقك
وعتب رجل من المعتزلة جليل (2) على عمرو بن عبيد فى شيء كان بينهما، فانشد معرّضا (3)
__________
(1) حبر الكلام: حسنه، وفى الاصل: تجبير.
(2) فى الاصل: خليل
(3) عرض له وبه: قال قولا وهو يعنيه ويريده ولم يصرح(2/208)
إنّ الزّمان، وما تفنى عجائبه، ... أبقى لنا ذنبا واستأصل الرّاسا
ثم قال: يرحم الله واصل بن عطاء!!
قال: فرفع عمرو رأسه، وقد اغرورقت عيناه ثم قال: نعم، يرحم الله واصل ابن عطاء، كان لى رأسا، وكنت له ذنبا، والله ما رأيت أعبد من واصل قط، والله ما رأيت أزهد من واصل قط، والله ما رأيت أعلم من واصل قط، والله الّذي لا إله إلا هو، لصحبت واصل بن عطاء ثلاثين سنة، أو قال: عشرين سنة، ما رأيته عصى الله قط.
علماء المعتزلة
وأرباب المذاهب من المعتزلة، ومصنفو الكتب، منهم: أبو حذيفة واصل ابن عطاء، وعمرو بن عبيد، وروى عمرو عن واصل عن الحسن بن أبى الحسن البصرى، وروى عن عمر وسفيان الثورى، وسفيان بن عتبة، وأبى يوسف، وأبى مطيع.
وبعد واصل وعمرو: أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف، وهو من أهل البصرة مولى لعبد القيس وأبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، وهو من أهل البصرة وأبو المعتم بن عبّاد السلمى، وهشام بن عمرو الفوطى، وأبو سهل بشر ابن المعتمر رئيس المعتزلة بالبصرة، وجميع معتزلة بغداد، وأبو عمر ثمامة بن أشرس النميرى، وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكنانى، وغير هؤلاء أيضا ممن صنف الكتب منهم، وهم كثير لا يجمع ذكرهم إلا كتاب مفرد.
خروج المعتزلة على أبى جعفر المنصور
وخرجت المعتزلة مع ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب على أبى جعفر المنصور، ورئيس المعتزلة يومئذ: بشير الرحال، وكان متقلدا سيفا حمائله (1) تسعة، وعليه مدرعة (2) صوف، متشبها بعمّار
__________
(1) الحمائل: جمع الحمالة والحميلة، علاقة السيف
(2) المدرعة: جبة مشقوقة المقدم(2/209)
ابن ياسر، فقتلوا بين يديه صبرا، وذلك أن أصحاب ابراهيم انهزموا، فوقف هو والمعتزلة، فقتلوا جميعا بباخمرى (1) على ستة عشر فرسخا من الكوفة.
وكان أبو جعفر المنصور يقول: ما خرجت المعتزلة حتى مات عمرو بن عبيد،
وكان بلغ المنصور أن محمد بن عبد الله، النفس الزكية، كتب إلى عمرو بن عبيد يستميله فضاق المنصور بذلك ذرعا، وأرسل إلى عمرو بن عبيد، فلما وصله، أكرمه وشرفه، وقال له: بلغنى أن محمد بن عبد الله كتب إليك كتابا قال عمرو: قد جاءنى كتاب، يشبه أن يكون كتابه فقال له المنصور: فبم أجبته؟
قال: لم أجبه إلى ما أراد فقال المنصور: أجل، ولكن أحب أن تحلف لى ليطمئنّ قلبى فقال عمرو: ولئن كنت كذبتك تقية، لأحلفن لك تقية فقال له المنصور: أعنى بأصحابك فقال له عمرو: أظهر الحق والعدل، يتبعك أهله.
فقال له المنصور: عظنا يا أبا عثمان.
فقال عمرو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد إلى آخرها
فبكى المنصور بكاء شديدا كأنه لم يسمع تلك الآيات (2) إلّا الساعة.
ثم قال: اتق الله، فان الله قد أعطاك الدنيا بأسرها، فأفقد نفسك منه ببعضها، واعلم أن الأمر الّذي صار أليك إنما كان فى يد غيرك ممن كان قبلك، ثم أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وأحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة.
فبكى المنصور بكاء شديدا، كبكائه الأول، حتى كادت نفسه تفيض (3)
__________
(1) موضع على ستة عشر فرسخا من الكوفة من أرض الطف، وفى الاصل: بباخرا
(2) فى الاصل: لم يسمع تلك الآيات الساعة
(3) فاضت نفسه: خرجت(2/210)
فقال له سليمان بن مخالد: رفقا بأمير المؤمنين (1) فقد أتعبته منذ اليوم.
فقال له عمرو: اسكت لا أبا لك، وماذا خفت عليه إن بكى من خشية الله؟
فلما همّ عمرو بالنهوض، قال له المنصور: هل من حاجة يا أبا عثمان؟ فقال عمرو: نعم، وذلك ألا تبعث إلى حتى آتيك قال المنصور: إذا لا نلتقى فقال عمرو: عن حاجتى سألتنى فقال المنصور: أستحفظك الله، وودعه. وانصرف عمرو.
مواطن المعتزلة
والكور التى تغلب عليها الاعتزال والقول بالعدل، على ما حكى البلخى:
عمانة، وهى مدينة كبيرة وتدمر أيضا، وهى من بناء الشياطين لسليمان بن داود عليه السلام وبلاد المدارح كلها، وأهلها كلب وقضاعة، وتدمر أيضا فى أيدى كلب وأعرابهم بين حمص إلى رحبة مالك بن طوق، وعامّة كلب يذهبون مذهب الاعتزال وكثير من قرى الشام، منها: نهبا، وأزكه، وبعلبك، وغير ذلك.
ومن الغرب: البيضاء، وهى كورة كبيرة، يقال إن فيها مائة ألف يحملون السلاح يقال لهم: الواصلية، وقد تقدم آنفا، وبها أيضا صنف من الصفرية وطنجة: وهى بلاد إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب، وهم معتزلة، وكان رئيسهم اسحاق بن محمود بن عبد الحميد، وهو الّذي اشتمل على إدريس بن عبد الله بن الحسن، حين ورد عليه، فأدخله فى الاعتزال.
ومن اليمن: وهب بن منبه وأصحابه، وهم أبناء فارس الذين باليمن، ثم ارتدوا بعد ذلك عن الاعتزال، حين وليت بنو أمية اليمن، وكان بنو أمية يسمون المعتزلة:
__________
(1) فى الاصل. يا أمير المؤمنين(2/211)
شيعة، لمحبتهم عليا رضى الله عنه، فضربوا من الأبناء لهذا السبب اثنتين وسبعين رقبة، فارتدّوا عن ذلك.
وأكثر أهل أرمينية، وفيهم ضرارية، وبعض أهل أذربيجان، وبعضهم خوارج.
ومن كور الأهواز: عسكر مكرم كلها، وهى كورة عظيمة فيها بشر كثير، يقال إن بها مائة الف حائك، سوى سائر أهل الصناعات، ورامهرمز، وستر، والسوسن وغير ذلك.
ومن كور فارس: سيراق، وغيرها أيضا. وكورة أيضا بكرمان.
ومن كور السند: المنصورة، وكورة أيضا غيرها، وقيل عامة السند.
ومن جزيرة العرب: هجر، والبحرين، وعامة الأيلة، وعامة البصرة.
أول اختلاف فى الاسلام
واعلم أن أول اختلاف جرى بين الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، اختلافهم فى الامامة يوم سقيفة بنى ساعدة.
فقالت الأنصار لقريش: الامامة فينا وفيكم، منا أمير ومنكم أمير.
وقالت قريش: نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والامامة فى قريش دون غيرهم، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء.
فجرى هذا الاختلاف فى الامامة بين الأمة إلى يومنا هذا.
فمن الناس من يقول: الامامة فى قريش خاصة
ومنهم من يقول: هى فى جميع الناس.
بيعة الانصار لسعد بن عبادة
وكانت الأنصار قد بايعوا يوم السقيفة أبا ثابت سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج، فحسده ابن عمه بشير بن سعد بن خلاس بن زيد بن مالك الاصغر
ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.(2/212)
وكانت الأنصار قد بايعوا يوم السقيفة أبا ثابت سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج، فحسده ابن عمه بشير بن سعد بن خلاس بن زيد بن مالك الاصغر
ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
خذلان بشر لسعد
فكسر بشير على سعد، وكان بشير أول من بايع أبا بكر من جميع الناس، ثم تبعته الأنصار، فازدحموا على بيعة أبى بكر، ورفضوا بيعة سعد، وكان سعد بن عبادة مريضا يوم السقيفة: فقال قائل: لا تطأوا سعدا، لا تقتلوا سعدا فقال عمر بن الخطاب: اقتلوا سعدا، قتله الله فقام قيس بن سعد بن عبادة فلزم بلحية عمر، وقال: والله لو قذّذت (1) منه شعرة لأخذت ما فيه عيناك.
فقال سعد: والله لولا المرض لتسمعن لسعد بين لابنيها زئيرا كزئير الأسد يخرجك منها وأصحابك إلى حيث كنتم أذلة صاغرين!
ولم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر، وخرج إلى الشام غاضبا من قومه فى خذلانهم إياه، فمات (بحوران) لسنتين ونصف من خلافة عمر بن الخطاب
أشعار الانصار يوم السقيفة
وللأنصار أشعار كثيرة فى يوم السقيفة، يلوم فيها بعضهم بعضا على خذلانهم سعد بن عبادة، ويعنفون بشير بن سعد، وابن الحصين، ومن تبعهما منهم فى ميلهم إلى قريش وكسرهم على سعد
فمن أشعار الأنصار: قول الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصارى:
سعى بن الحصين فى العناد لحاجة ... وأسرع منه فى الفساد بشير
يظنّان أنّا قد أتينا عظيمة ... وخطبهما، فيما تراه، صغير
وما صغّر الّا بما كان منهما ... وخطبهما، لولا الفساد، كبير
ولكنّه من لا يراقب قومه ... قليل ذليل، فاعلمن، وحقير
فيا ابن الحصين وابن سعد كلاكما ... بتلك التى تعنى الرجال خبير
ألم تعلما، لله در أبيكما، ... وما الناس إلا أكمه وبصير:
بأنا إذا ما سار منا كتائب ... أسود لها بالغايتين زئير
__________
(1) قد الشعر: قصه وسواه.(2/213)
نصرنا وآوينا النبىّ وماله ... سوانا من اهل المكتين نصير
فديناه بالأبناء بعد دمائنا ... وأموالنا، والمشركون حضور
وكنّا له فى كل أمر يرينه ... سهاما حدادا ضمّهن جفير (1)
وكان عظيما أننى قلت: منهم ... أمير، ومنا يا بشير أمير
وقال حسان بن ثابت:
لا تنكرنّ قريش فضل صاحبنا ... سعد وما فى مقالى اليوم من أود (2)
قالت قريش: لنا السلطان دونكم ... لا تطمعنّ بهذا الأمر من أحد
قلنا لهم: ثوّروا حقّا فنتبعه ... لسنا نريد سواه آخر الأبد (3)
إن كان عندكم عهد فيظهر فى ... أشياخ بدر وأهل الشّعب من أحد
نحن الذين ضربنا النّاس عن عرض ... حتى استقاموا وكانوا بيضة البلد
فى كل يوم لنا أمر نفوز به ... يعطى الإله عليه جنّة الخلد
لستم بأولى به منّا لأنّ لنا ... وسط المدينة فضل العزّ والعدد (4)
وإننا يوم بعنا الله أنفسنا ... لم نبد خوفا على مال ولا ولد
والناس حرب لنا فى الله كلهم ... مثل الثعالب تغشى غابة الأسد
وقال آخر من الأنصار:
علام قريش تطلب الأمر دوننا ... وكأن نبيّان يكونان فى عصر
فتحمل رأيا خالف الرأى بيننا ... وفرقنا يوم السقيفة بالغمر (5)
وهل كان، لولا ذاك، خلق مكابر ... لنا من جميع الخلق فى ساعة العسر
__________
(1) رين به: وقع فبما لا يستطيع الخروج منه ولا طاقة له به، ورجل مرين عليه: أحيط به. الجفيرة: الجعبة من خشب أو من جلد يجعل فيها السهام.
(2) الأود: الاعوجاج
(3) ثور الأمر: بحثه
(4) فى الأصل: فصل العر
(5) رأيا: الأصل: رما. والغمر: الحقد(2/214)
وقال آخر منهم:
وخبرتمونا أنّما الأمر بيننا ... خلاف رسول الله يوم التّشاجر
فهلا وزيرا واحدا تحسبونه ... إذا ما عددنا منكم ألف آمر
سقى الله سعدا يوم ذاك ولا سقى ... عراجلة هابت صدور البواتر
وقال آخر منهم أيضا:
ما لي أقاتل عن قوم إذا قدروا ... عدنا عدوّا وكنا قبل أنصارا
ويل أمّها أمة لو أنّ قائدها ... يتلو الكتاب ويخشى العار والنّارا
أما قريش فلم نسمع بمثلهم ... غدرا وأقبح فى الاسلام آثارا
ضلّوا، سوى عصبة حاطوا نبيّهم ... بالعرف عرفا وبالإنكار إنكارا
وقال آخر منهم أيضا:
دعاها إلى حرماننا وجفائنا ... تذكّر قتلى فى القليب تكبكبوا (1)
فان يغضب الأبناء من قتل من مضى ... فو الله ما جئنا قبيحا فتعتبوا (2)
اجتماع الصحابة على الشورى
وكان المهاجرون والأنصار مجمعين على الشورى غير مختلفين فى ذلك، يدل على ذلك قول أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه فى نهج البلاغة فى كتاب كتبه إلى معاوية: إنه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه (3) إماما، كان ذلك لله رضى، وإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردوه الى ما خرج منه، فان أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى
* وقوله فى الرسالة: «وما فعلت حكماء الهند، فى عبادة البدّ، واختيار العبّاد منهم
__________
(1) القليب: البئر التى لم تبن، وفى الأصل: القليد. تكبكب القوم: تجمعوا.
(2) من مضى: فى الأصل: ما مضى. فتعتبوا: فى الاصل: فيغضب
(3) فى الأصل: يسموه، وقد اعتمدنا على ما ورد بنهج البلاغة.(2/215)
فى المواقيت، بأبكار كاليواقيت، بضمّ لهم منهن والتثام، ولمس للفروج للبر لا للآثام، بعد تجردهنّ وتجردهم من الثياب، لزوال الشك والارتياب»
عادات الهنود
من حكمة الهند أنهم يقدمون فى معرفة الحساب والنجوم، ويقدمون فى معرفة الطب وعلاج الادواء
والبد: الصنم بلغة الهند، وجمعه بددة، وهى أصنام ينحتونها بأيديهم، ثم يعبدونها، ويجعلون لها بيوتا كمساجد المسلمين، وفيها بنات رؤسائهم موهوبة لتلك البددة على وجه التقريب بها، والنذور والكفارات، وتلك النساء واقفة للفساد والفجور، يأمرها أهلها بذلك، ويرون أن لهم فيه أجرا عظيما، ولهم عبّاد ورهبان فى تلك البيوت، متجردون من اللباس، يدّعون الزهد فى الدنيا، لا يمسون الماء، يتبرّكون بأوساخهم، ويختبرونهم بتلك النساء وملاعبتها، فمن اشتاق من أولئك العباد الى تلك النساء وأنعظ، فقد كفر كفرا عظيما عندهم، وأتى بأعظم منكر، وألحقوه أنواع العذاب والنّكال (1) وقتلوه
هذا فى الزهاد خاصة، وأما غيرهم منهم فلا ينكر عليهم الفجور بتلك النساء
وهذا عجيب فى جمع (2) الهند بين الحكمة فى دنياهم، والجهل العظيم فى دينهم، وكذلك غيرهم بهذه الصفة، وإنك لتلقى الرجل الذكىّ الفطن الكامل من الناس، فترى من معرفته بأمور الدنيا وفطنته فيما يعيى (3) به غيره، وحسن نظره، واصابة حدسه، وجودة تمييزه، وشدة ذكائه، ما يستحق به الفضل على غيره، ويستوجب به المزية على سواه، ثم إذا باحثته فى أمور دينه، أنكرت منه ما عرفت، ووجدته رجلا مستلب اللّب، عازب الفهم، أعمى البصيرة، كالمصاب فى عقله، والصبى فى مهده
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فى كتاب الاخبار: وبعد، فان الناس
__________
(1) نكل به: صنع به صنيعا يحذر غيره ويجعله عبرة لغيره
(2) فى الأصل: جميع.
(3) يعجز(2/216)
يحضون الدين من فاحش الخطأ، وقبيح المقال، بما لا يحضون به سواه من جميع العلوم والآراء والآداب، والصناعات ألا ترى أن الفلاح والصائغ (1) والنجار، والمهندس والمصور، والكاتب والحاسب، من كل أمة، لا تجد بينهم من التفاوت فى الفهم والعقل والصناعة، ولا من فاحشة الخطأ وافراط النقص، مثل الّذي تجد فى أديانهم، وفى عقولهم، عند اختيار الأديان والدليل على ما وصفت لك: أن الأمم التى عليها المعتمد فى العقل والبيان والرأى والأدب والاختلاف فى الصناعات، من ولد سام خاصة: العرب والهند والروم والفرس، ومتى نقلتهم من علم الدين، حسبت عقولهم مجتبلة وفطرهم مسترقة
خصائص العرب
كالعرب فانها مخصوصة بأمور، منها: البيان الّذي ليس مثله بيان، واللغة التى ليس مثلها فى السعة لغة، وقيافة الأثر مع قيافة البشر، وليس فى الأرض قوم غير العرب يرون المتباينين فى الصور، والمتفاوتين فى الطول والقصر، والمختلفين فى الألوان، فيعلمون أن هذا الأسود ابن لهذا الأبيض، وهذا الطويل ابن أخى هذا القصير، وهذا القبيح عمّ هذا المليح
انفراد العرب بالشعر
وللعرب الشعر الّذي لم يشاركهم فيه أحد من العجم
قال: وقد سمعت للعجم كلاما حسنا، وخطبا طوالا يسمونها أشعارا، فأما أن يكون لهم شعر على أعاريض معلومة وأوزان معروفة، إذا نقص منها حرف أو زاد حرف، أو ترك ساكن أو سكن متحرك، كسره وغيره، فليس يوجد إلا للعرب خاصة دون غيرهم، وليس فى الأرض قوم أعنى بذم جليل القبيح ودقيقه، وبحمد دقيق الحسن وجليله، من العرب، حتى لو أجهد أفطن البرية وأعقل الخليقة أن يذكر معنى لم يذكروه لما أصابه
انفراد العرب بأشياء عقلية وصفات خلقية
وللعرب من صدق الحس، وصواب الحدس، وجودة الظن، وصحة الرأى، ما لا يعرف لغيرهم ولهم العزم الّذي لا يشبهه عزم، والصبر الّذي لا يشبهه صبر،
__________
(1) فى الأصل: والصايخ.(2/217)
والجود والأنفة والحميّة التى لا يدانيهم أحد فيها، ولا يتعلق بها رومىّ ولا هندى ولا فارسى، لأن هذه الأمم كلها بخلاف العرب شيما
ثم لهم من بعد الهمم، والطلب بالطوائل، ما ليس لغيرهم، مع المعرفة بمساقط النجوم، والعلم بالأنواء، وحسن المعرفة بما يكون منها للاهتداء
ولهم خط العربية، مع الحفظ لا نسابهم، ومحاسن أسلافهم، ومساوئ أكفائهم، للتعاثر (1) بالقبيح والتفاخر بالحسن، ليجعلوا ذلك عونا لهم على اثبات الجميل، واصطناع المعروف، ومزجرة لهم عن اثبات القبيح وفعل العار، وليؤدبوا أولادهم بما أدبهم به آباؤهم، ثم الحفظ الّذي لا يقدر أحد على مثله، وان دوّنه عنده وجلده فى كتبه
وخصلة لا تصاب إلا فيهم، وذلك أن العىّ والبيان فى كل قوم مبثوث (2)
متفرق، ولست واجدا بالبادية عيّا رأسا، على أنهم وإن تفاوتوا فى البيان فليس ذلك بمخرج أحسنهم إلى العى.
وفيهم أيضا خصلة لا تصاب إلا فيهم، وذلك أن سلفة كل جيل وعلية كل صنف إذا اشتد تشاجرهم، فطالت ملاحاتهم (3)، وكثر مزاحمهم، والدعابة (4)
بينهم، وجدتهم يخرجون إلى ذكر الحرمات، وشتم الأمهات، واللفظ السيئ، والسفه الفاحش، ولست بسامع من هذا وشبهه حرفا بالبادية، لا من صغيرهم ولا كبيرهم، ولا جاهلهم، ولا عالمهم، وكيف يقولون هذا والحيان منهم يتعايبان بدون ذلك.
صبيان العرب في عقول رجال
وليس فى الأرض صبيان فى عقول الرجال غير صبيانهم، وكل شيء تقوله
__________
(1) أعثر به: طعن فيه
(2) فى الأصل: مثبوت
(3) تلاحى القوم: تلاعنوا وتشاتموا.
(4) الدعابة: الممازحة، وفى الأصل: الدعاية(2/218)
العرب، فهو سهل عليها وبطبيعة منها وكل شيء تقوله العجم، فهو تكلف واستكراه.
بديهة العرب
وللعرب البديهة فى الرأى والقول خاصة، ولهم الكنى مع أسماء خاصة، وهى من التعظيم وقد زعم قوم من الفرس: أن فيهم الكنى، واحتجوا بقول عدى ابن زيد.
أين كسرى، كسرى الملوك أبوسا ... سان، أم أين قبله سابور؟
وليس كذلك، إنما كناه عدى بن زيد على عادته، حين أراد تعظيمه، إن صحت الكنية فى هذا البيت.
فأما عمرو بن العلاء، ويونس النحوى، وأبو عبيدة، فرووا جميعا أن عديا قال:
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان، أم أين قبله سابور؟
فأخطأ الرواية، وقيل ذلك عنه من لا علم له، وليس فى الأرض أعجمى له كنية إلا أن تكنّيه العرب.
عناية العرب بالخيل
وليس فى الناس أشد عجبا بالخيل من العرب، ولا أصنع لها، وأكثر لها ارتباطا، ولا أشد لها إيثارا، ولا أهجى لمن لا يتخذها، أو لمن اتخذها وأهانها، وأهزلها، ولا أمدح لمن اتخذها وأكرمها ولم يهنها، ولذلك أضيفت الخيل إليهم بكل لسان، حتى قالوا جميعا: هذا فرس عربى، ولم يقولوا: هذى فرس هندى، ولا رومى، ولا فارسى، فحصنوها تحصين الحرم، وصانوها صون الاعراض، ليبتذلوها يوم الروع (1) وليدركوا عليها الثأر.
إيثار العرب الخيل على أنفسهم
وكانوا يؤثرونها على أنفسهم وأولادهم، ويصبرون على مئونتها فى الجدب والأزل (2)، ويغتبقون (3) الماء القراح، ويؤثرونها بالحليب، لأنها كانت حصونهم
__________
(1) الروع: الفزع
(2) الأزل: الضيق والشدة
(3) اغتبق: شرب بالعشى.(2/219)
ومعاقلهم وقالوا فى إيثارها أشعارا كثيرة فى الجاهلية والاسلام، ليقتدى الآخر منهم بالأول، ولتبقى ذكر مآثرهم وقديم مفاخرهم.
فمن أشعارهم فى الجاهلية: قول الأسعر الجعفى (1)، واسمه مرثد بن حمران، وسمى الأسعر ببيت قاله، البيت:
قلا تدعنى الأقوام من آل مالك ... إذا أنا أسعر عليهم وأثقب
وهو هذا:
لكن قعيدة بيتنا مجفوّة ... ناد جناجن صدرها ولها غنا (2)
تقفى بعيشة أهلها وثابة ... أو جرشع عبل المحارم والشّوى (3)
وقال خالد بن جعفر بن كلاب:
أريغونى إراغتكم فانى ... وحذفة كالشّجى تحت الوريد (4)
مقرّبة أسوّيها بخزّ ... وألحفها ردائى فى الجليد (5)
وأوصى الحالبين ليؤثروها ... لها لبن الخليّة والصّعود (6)
وقال الضبى:
__________
(1) فى الأصل: الأشعر، والصواب ما أثبتناه كما ورد بلسان العرب.
(2) الجناجن: عظام الصدر، وقيل: رءوس الأضلاع.
(3) الجرشع: العظيم الصدر، وقيل: الطويل. والعبل: الضخم. والشوى:
ما كان غير مقتل من الأعضاء
(4) أراغه: أراده وطلبه. وحذفة فرس خالد بن جعفر، ويروى: أديرونى أداتكم.
(5) فى الأصل:
مقرية اسوها بحر ... وألحقها رداى فى الجليد
ويروى: أسويها بجارى أو بجزء
(6) الخلية: الناقة تنتج فينحر ولدها ليدوم لهم لبنها. والصعود: الناقة يموت حوارها فتعطف على فصيلها. وفى الأصل: لها لبن الحلة والصعود(2/220)
نولّيها الصّريح إذ اشتونا ... على علّاتنا ونلى السّمارا (1)
وقال عمرو بن مالك:
وسابح كعقاب الدّجن أجعله ... دون العيال له الإيثار واللّطف (2)
وقال جرير بن لوذان، وقيل لعنترة:
لا تذكرى مهرى وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
كذب العتيق وماء شنّ بارد ... إن كنت سائلتى غبوقا فاذهبى (3)
إنّى امرؤ إن يأخذونى عنوة ... أقرن إلى سير الرّكاب وأجنب (4)
إنّى لأخشى أن تقول حليلتى ... هذا غبار ساطع فتلبّب (5)
إن العدوّ لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلى وتخضّبى
ويكون مركبك العقود وحدجه ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبى (6)
وقال لبيد بن ربيعة:
معاقلنا التى نأوى إليها ... بنات الأعوجية والسّيوف
الأعوجيّة: منسوبة إلى الأعوج: فرس كريم
وقال المرّار بن منقذ الحنظلى:
__________
(1) الصريح: الخالص من كل شيء. على علاتنا: على كل حال. السمار: اللبن الكثير الماء.
(2) السابح من الخيل: السريع. العقاب: طائر من الجوارح يطلق على الذكر والأنثى. والدجن: الغيم المطبق المظلم. واللطف: الهدية.
(3) العتيق: التمر القديم. والشن: القربة الخلق، والماء يكون فيها أبرد منه فى القربة الجديدة، وفى الأصل: ومائش.
(4) العنوة: القسر والقهر. السير: قدة من جلد مستطيلة، وتروى: شر. الركاب:
الابل التى يحمل عليها الأثقال. أقرن: ألصق بها، واجعل مقرونا إليها. أجنب: أقاد
(5) التلبب: التحزم بالسلاح.
(6) القعود: ما اتخذ من الابل للركوب خاصة. والحدج: ما تركب فيه النساء على البعير كالهودج، ويروى: ورحله. ابن النعامة: اسم فرسه.(2/221)
أخلصته حولين أمسح وجهه ... وأخو المواطن من يصون ويدأب
وجعلته، دون العيال، مقربا ... حتى انجلت، وهو الدّخيل المقرب
وقال طفيل بن عوف الغنوى: (1)
إنّى، وإن قلّ مالى، لا يفارقنى ... مثل النعامة فى أوصالها طول
أو ساهم الوجه لم تقطع أباجله ... يصان وهو ليوم الرّوع مبذول (2)
تقريبها المرطى والجوز معتدل ... كأنه سبد بالماء مغسول (3)
وقال آخر:
بنى عامر إنّ الخيول وقاية ... لأنفسكم، والموت وقت مؤجل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا ... صيانتها، والصّون بالخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه ... وكلّ امرئ من قومه حيث ينزل
وقال آخر من بنى تميم، قد سأله بعض الملوك فرسا له يقال لها: سكاب، فمنعه إياها:
أبيت اللّعن إن سكّاب علق ... نفيس لا يعار ولا يباع (4)
مفدّاة مكرّمة علينا ... يجاع لها العيال ولا تجاع
__________
(1) فى الأصل: العتوى
(2) ساهم الوجه: عاليه، وهى صفة ممدوحة للحرب فى الخيل. الأباجل: جمع الأبجل: عرق غليظ فى الرجل أو فى اليد، ويروى: أناجله، والناجل: الكريم النسل. ليوم: فى الأصل: لئيم، وهو خطأ.
(3) التقريب: ضرب من العدو. المرطى: فوق التقريب ودون الالهاب. الجوز:
الوسيط. والسبد: ثوب يسد به الحوض المركو لئلا يتكدر الماء يفرش فيه وتسقى الابل عليه
(4) أبيت اللعن: من تحيات العرب لملوكهم، وكانت هذه تحية ملوك لخم وجذام وكانت منازلهم الحيرة وما يليها، ومعنى أبيت اللعن: أبيت أن تأتى من الأخلاق المذمومة ما تلعن عليه. وسكاب: اسم فرس. وعلق نفيس: مال يبخل به، وهذا كما يقال:
هو علق مضنة، أى ما يضن به.(2/222)
سليلة سابقين تناجلاها ... إذا نسبا يضمهما الكراع (1)
وفيها عزّة من غير نفر ... يحيدها إذا حر القراع (2)
فلا تطمع، أبيت اللّعن، فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع
وكفّي يستقلّ بحمل سيفى ... وبى ممّن تهضّمنى امتناع (3)
وحولى من بنى قحفان شيب ... وشبان إلى الهيجا سراع (4)
إذا فزعوا فأمرهم جميع ... وإن لاقوا فأيديهم شعاع (5)
ولهم أشعار كثيرة غير هذه فى اكرام الخيل فى الجاهلية، غير ما قالوا فى الاسلام
عقائد العرب الفاسدة
قال: وهم مع ما حكيت لك من صحة العقل، وكرم الطبيعة، وحسن البيان، وسعة المعرفة، وجودة الرأى، وشدة الأنفة: يعبدون الحجارة، ويحلفون بها، ويحاربون دون كسرها، وتهجينها، وينكسون لها، ويدعونها آلهة، ويخاطبونها، ولا يستجيزون عيبها، وينكرون على من ينتقصها، ثم مع ذلك ربما رموا بها، واتخذوا سواها، ثم كانوا يرون أن الرجل منهم إذا مات فلم يأخذ وليّه بعده بعيره، فيحفر له حفرة ثم يقيّده على شفيرها، ويطرح برذعته على وجهه ورأسه، ثم لا يسقيه ولا يعلفه حتى يموت، ثم أن ذلك الرجل الميت بزعمهم يحيا يوم القيامة حافيا راجلا، وإذا فعل ذلك أتى راكبا، وذلك البعير البلية، قال أبو زبيد:
__________
(1) نجلا ولدهما وتناجلاه: بمعنى واحد، ومنه النجل بمعنى الولد. والكراع: فحل كريم، معروف وأصل الكراع: أنف يتقدم من الجبل، فسمى هذا الفحل به لعظمته. وفى الأصل:
* يطمها إذا نسب الكراع *
(2) يحيدها: يجعلها حائدة. وحر: اشتد. والقراع: مصدر قارعة: اذا ضاربه
(3) تهضم حقه: أى ظلمه.
(4) الهيجا (يمد ويقصر): الحرب
(5) الشعاع: المتفرق، يقول: ان فزعوا من أمر فكلمتهم واحدة، واذا لاقوا العدو؟؟؟ متفرقة عليه بالطعن(2/223)
كالبلايا رءوسها فى الولايا ... ما نحات السّموم حرّ الحدود (1)
يعنى الناقة التى كانت تعكس على قبر صاحبها، ثم تطرح الولية على رأسها إلى أن تموت، وقال الطرماح:
منازل لا ترى الأنصاب فيها ... ولا حفر المبلى للمنون
أى انها منازل أهل الإسلام دون أهل الجاهلية، ويقولون: أيّما رجل قتل، فلم يطلب وليّه بدمه، خلق من دماغه طير يسمى: هامة، فلا يزال يزقو (2) على قبره، وينعى إليه عجز وليّه، حتى يبعث، قال الشاعر:
فإن تك هامة بهراة تزقو ... فقد أزقيت بالمروين هاما (3)
وقال جريبة بن أشيم الأسدى، وهو أحد شياطين بنى أسد وشعرائها:
لا تزقون لى هامة فوق مرقب ... فان زقّى إلهام أخبث خابث
وقال توبة بن الحمير:
فلو أن ليلى الأخيلية سلّمت ... عليّ ودونى تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وكانوا يقولون: أيّما شريف قتل، فوطأته امرأة مقلاة (4): عاش ولدها، قال بشر بن أبى حازم:
__________
(1) الولايا: البراذع. وكان العرب يقورون البرذعة ويدخلونها فى عنق البعير.
وقال الشهرستانى: كانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس الى مؤخرها مما يلى ظهرها أو مما يلى كلكلها أو بطنها ويأخذون ولية فيشدون وسطها ويقلدونها عنق الناقة ويتركونها كذلك حتى تموت عند القبر.
(2) يزقو يصبح، وفى الاصل: يرقوا.
(3) أزقيت هامة فلان: إذا قتلته، وفى الاصل:
فان تك هامة بهراه ترقوه ... فقد اسقيت بالمرونى هاما
وعلق على كلمة المرونى: بكلمة: موضع.
(4) المرأة المقلاة: التى لا يعيش لها ولد.(2/224)
تظلّ مقاليت النّساء يطأنه ... يقلن: ألا يلقى على المرء مئزر؟ (1)
وكانوا يقولون: إذا كان لرجل ألف بعير فلم يفقأ عين بعير منها: إن السّواف (2) تأتى على إبله، فان زادت على ألف: فقأ عينيه جميعا، فذلك:
المفقأ والمعمى.
وكانوا إذا أجدبت بلادهم، فأرادوا الاستمطار: أخذوا بعيرا أورق فشدّوا فى ذنبه العشر والسلع وصعدوه فى جبل وأشعلوا فى ذنبه النار، ودعوا وتضرعوا، فان لم يفعلوا ذلك لم يستجب الله منهم، بزعمهم
وكانوا إذا وقع العرّ (3) فى الإبل: يأخذون بعيرا سليما لا عيب فيه، فيقطعون مشفره ثم يكوونه، ليذهب العر من سائر الابل وإلّا فشا فيها، قال النابغة:
وحمّلتنى ذنب امرئ وتركته ... كذى العرّ يكوى غيره وهو راتع
وكانوا يرون أن النّهيس (4) إذا علقوا عليه الحلى سلم، وإن لم يعلقوها عليه هلك.
وكان الرجل منهم إذا غزا عقد خيطا فى ساق شجرة، فاذا رجع ورآه منحلا، فقد خانته قعيدته، بزعمهم، وإن وجده بحاله، فقد حفظت نفسها، قال الشاعر:
هل ينفعنك اليوم إن همّت بهم ... كثرة ما توصى وتعقاد الرتم (5)
والرتمة: اسم الخيط بعينه
وكانوا يقولون: إذا أحب الرجل امرأة وأحبته، فان لم يشقّ عليها برقعها وتشقّ رداءه، فسد حبهما، وان فعلا ذلك، دام حبهما، قال سحيم عبد بنى الحساس (6):
__________
(1) المئزر: الملحفة، أو كل ما ستر.
(2) السواف: مرض المواشى وهلاكها.
(3) العر: الجرب.
(4) النهيس: القليل اللحم.
(5) فى الأصل: * [ما ينفعك اليوم] *
(6) فى الاصل: قال عبد بنى الحسحاس. وقيل: اسمه حية ومولاه جندل، وهو(2/225)
وكم قد شققنا من رداء محبّر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس (1)
إذا شق برد شقّ بالبرد مثله ... دواليك حتى كلّنا غير لابس (2)
هذا مع إيمانهم بغزو الجن وتلوّن الغيلان، وأن الجن هى التى طردت أهل وبار عن ديارهم، وصارت الجن سكانها، فليس بها إلا الجن والوحش
ومع مذهبهم فى الحامى والبحيرة والوصيلة والسائبة، مع أمور كثيرة لا يحتاج إلى ذكرها، وإنما أردنا من ذلك أن يعرف الناس تفاوت ما بين حال العاقل فى دنياه ودينه، فاذا صار إلى التكذيب والتصديق والأيمان والكفر، صار إلى غير الّذي كان.
خصائص الهند
قال: ثم ملنا إلى الهند، فوجدناهم يقدمون فى الحساب والنجوم، ولهم الخط الهندى خاصة، ويقدمون فى الطب، ولهم أسرار الطب وعلاج فاحش الأدواء، ولهم حفظ التماثيل، ونحت الصور مع التصوير بالأصباغ كزى المحاريب وأشباه ذلك، ولهم الشطرنج، وهى أشرف لعبة، وأكثرها تدبيرا وفطنة، ولهم صنعة السيوف، ولهم
__________
من المخضرين قد أدرك الجاهلية والاسلام، ولا تعرف له صحبة، وكان أسود شديد السواد، وكان مع جودة شعره أعجمى اللسان ينشد الشعر ثم يقول: «أهسنت والله» يريد: «أحسنت الله». وكان عبد الله بن أبى ربيعة قد اشتراه وكتب إلى سيدنا عثمان رضى الله عنه: (إنى قد ابتعت لك غلاما شاعرا حبشيا) فكتب إليه: لا حاجة لى به، فاردده فانما قصارى أمل العبد الشاعر ان شبع أن يشبب بنسائهم، وان جاع أن يهجوهم) فرده عبد الله، فاشتراه معبد، فكان كما قال ذو النوريين شبب، ببنته عميرة وفحش وشهرها فحرقة معبد بالنار
(1) المحبر من الثياب: الناعم الجديد، وفى الأصل: منتر، ونتر الشيء: مزقه.
الطفلة: الناعمة. العانس: التى طال مكثها فى منازل أهلها بعد ادراكها حتى خرجت عن عداد الابكار، وهذا ما لم تتزوج، فان تزوجت فلا يقال: عنست، ويروى:
[* على طفلة ممكورة غير عانس *] والممكورة: الطويلة الخلق من النساء، يقال: امرأة ممكورة الساقين: جدلاء مفتولة.
(2) البرد: ثوب مخطط. دواليك: مداولة بعد مداولة، ولا يفرد له واحد، ومن ذلك: حنانيك وحواليك وغيرهما. ويروى بعد هذين البيتين:
نروم بهذا الفعل بقيا على الهوى ... وإلف الهوى يغرى بهذه الوساوس(2/226)
الكنكلة، وهو وتر واحد على قرعه فيقوم مقام العود والصنج، ولهم ضروب الرقص والخفة، ولهم الثقافة خاصة، ولهم السحر، والتدخين، والخطب الطوال، ولهم الرأى والنجدة والصبر، وليس لأحد من الصبر ما لهم، ولهم الزيّ الحسن والأخلاق المحمودة، والسواك والخضاب
وهم مع جميع ما ذكرنا: أصحاب بددة، ينحتونها بأيديهم، ويوجبون عبادتها على أنفسهم، وهم اجتلبوها وأوجبوا طاعتها، ثم يتكفنون، ويتصندلون، ويحملون معهم الألطاف والهدايا، ويدخلون النيران، إذا اشتاقوا إلى موتاهم، على أنهم بزعمهم يرجعون إلى أهليهم، إذا قضوا أوطارهم من زيارة موتاهم، لا ينهى الآخر طول غيبة الأول، مع هذه الحكمة الشريفة، والأخلاق السنية، والمعرفة الحسنة، يعرفون من أمر الدنيا ما لا يعرفه أحد، ويجهلون من أمر الدّين ما لا يجهله أحد
خصائص الروم
قال: ثم ملنا إلى الروم، فوجدناهم أطباء وحكماء ومنجمين، ولهم أصول اللحون (1) وصنعة القرسطون، وكيان الكتب، وهم الغايات فى التصوير، يصوّر مصوّرهم الانسان حتى لا يغادر شيئا، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوّره شابا، وإن شاء كهلا، وإن شاء شيخا، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره باكيا أو ضاحكا، ثم لا يرضى بذلك حتى يجعله جميلا ناعما عتيقا، ثم لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك السامت، وضحك الخجل، وبين المبتسم والمستعبر، وبين ضحك السرور وضحك الهازئ، وضحك المتهدد، فيركب صورة فى صورة، وصورة فى صورة، وصورة فى صورة ثم لهم فى البناء ما ليس لغيرهم، ومن الخرط والنجر والصناعة ما ليس لسواهم
ثم هم مع ذلك أصحاب كتاب وملة، ولهم بعد فى الجمال والحساب، والقضاء
__________
(1) اللحون: جمع اللحن، وهو من الاصوات: ما صيغ منها ووضع على توقيع ونغم معلوم، وصناعة الالحان: هى الموسيقى(2/227)
فى النجوم، والخط، والنجدة والرأى، وأنواع المكيدة، ما لا ينكر ولا يجحد وإنما قلّت عقول الزّنج، وأشباه الزنج، لتباعدهم عن هذه الخصال
ثم هم مع ذلك أجمع: يرون أن الآلهة: ثلاثة بطن اثنان وظهر واحد، كما لا بدّ للمصباح من الدهن، والفتيلة، والوعاء، فكذلك جوهر الآلهة، فزعموا أن مخلوقا استحال خالقا، وأن عبدا تحول ربّا، وأن حديثا انقلب قديما، إلا أنه قد قتل وصلب بعد هذا، وفقد، وجعل على رأسه أكاليل الشوك، ثم أحيا نفسه بعد موته، وإنما أمكن عبيده من أخذه وأسره، وسلطهم على قتله وصلبه، ليواسى أنبياءه بنفسه، وليتحبب إليهم بالتشبه بهم، ولأن يستصغروا جميع ما صنع بهم، ولئلا يعجبوا بأعمالهم فيستكثرونها لربهم، فكان عذرهم أعظم من جرمهم.
قال: فلولا أنا رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا، لما صدقنا ولا قبلنا أن قوما متكلمين، وأطباء ومنجمين، ودهاة وحسابا، وكتبة وحذاق كل صنعة، يقولون فى انسان رأوه يأكل ويشرب، ويبول وينجو (1) ويجوع ويعطش، ويكتسى ويعرى، ويزيد وينقص، ثم يقتل بزعمهم ويصلب: إنه رب خالق، وإله رازق، وقديم غير محدث، يميت الأحياء ويحيى الموتى، وإن شاء خلق أضعافا (2) للدنيا، ثم يفخرون بقتله وصلبه، كما يفخر اليهود بقتله وصلبه
خصائص الفرس
قال: ثم ملنا إلى فارس، فوجدنا هناك العقول التى لا تبلغها عقول، والاحلام التى لا تشبهها أحلام (3) والسياسة العجيبة، والملك المؤبد، وترتيب الأمور، والعلم بالعواقب ثم كانوا مع ذلك يغشون الأمهات، ويأكلون الميتة، ويتوضون الأبوال، والماء لهم مباح، ويعظمون النار، وهم أظهروها، فاذا شاءوا أطفئوها ويقولون:
بان الله تعالى كان وحده لا شيء معه، فلما طالت وحدته استوحش، فلما استوحش
__________
(1) ينجو: يتغوط
(2) وفى نسخة كما جاء بهامش الاصل: أضعاف الدنيا
(3) الاحلام: جمع الحلم: العقل(2/228)
فكّر، فلما فكر، تولد من فكرته أهرمن، وهو ابليس، فلما مثل بين يديه أراد قتله، فلما أراد قتله امتنع، فصالحه إلى أجل معلوم، ووادعه إلى مدة مسماة، على ألا يمتنع عليه إذا استوفى الأجل وبلغ المدة ثم أن أهرمن نوى الغدر، وذلك شيمته، فأنشأ يخلق أصناف الشر، يستمد بها عليه فلما عرف ذلك منه أنشأ يخلق أصناف الخير، ليضع بإزاء كل جند جندا، وله بعد ذلك فضل قوته، وإنه يسمى القديم دونه
ثم قالوا فى قسمة العوالم الخمس عندهم، وفى أسمائها وجواهرها وهيآتها، وفى خلق مهنة ومهينة وهما آدم وحواء، وفى سويين المنتظر عندهم، ولا يستطيع وصفه أحمق منقوص، ولا عالم تام، ولو جهد كل جهده واستفرغ كل قوته
سبب قلة عناية الناس بالدين
قال: ووجه يستدل به على قلة عناية الناس باكثر الدين، وإن شأنهم تعظيم الرجال، والاستسلام للمنشإ، والذهاب مع العصية والهوى، والرضى بالسابق إلى القلوب، واستثقال التمثيل، وبغض التحصيل، ما تجد من اعتقاد أكثر البصريين وسوادهم لتقديم عثمان بن عفان، ومن اعتقاد أكثر الكوفيين وسوادهم لتقديم على بن أبى طالب عليه السلام، ومن اعتقاد أكثر الشامين لدين بنى أمية، وتعظيم عثمان وحب بنى مروان، حتى غلط لذلك قوم، فزعموا أن ذلك من قبل الطالع، وقال آخرون: بل من عمل التربة، كما تجد لأهل كل ماء وهواء وطينة: نوعا من الأخلاق، والمنظر والزى، والصناعة واللغة وليس ذلك أكرمك الله إلّا من قبل تقليد السلف، وحب الرجال، وما وقع فى القلوب، وهيجته المحبة، لأن تقليد الآباء هو الّذي ارتهنهم، وحب الرجال هو الّذي أعمالهم وأصمهم، والنسق على التقليد هو الّذي ملأ (1) خواطرهم، وأمات قلوبهم، ولو كان ذلك من قبل الطالع أو التربة، لما حسن الأمر والنهى، ولما جاز الحمد والثواب، واللائمة والعقاب، ولما كان لإرسال الرسل معنى ولو كان ذلك للطالع والبلدة،
__________
(1) فى الاصل: املا(2/229)
لجاز ذلك فى المصيب كما فى المخطئ، ولجاز فى الناظر كما جاز فى المقلّد
وانما صيّر أكثر أهل البصرة عثمانية، لأنهم كانوا صنائع ثلاثة أمراء عليهم:
أولهم عبد الله بن عامر، والثانى زياد، والثالث الحجاج بن يوسف، وهؤلاء الثلاثة الغايات فى حب عثمان وبنى أمية، فلم يقصروا فى تقديمه واستمالة الناس إليه بالترغيب والترهيب، والسياسة والتدبير، ولصنائع ابن عامر فيهم فزع إليهم طلحة والزبير وعائشة، حين قدموا عليهم يطلبون بدم عثمان، ولأن عليّا عليه السلام حاربهم وقتل أعلامهم وفلّ حدهم (1)، ولذلك قال رجل من كبراء البصريين فى على عليه السلام: كيف أحب رجلا قتل من قومى من لدن كانت الشمس هاهنا إلى أن صارت هاهنا إحدى عشرة (2) مائة
ولو كان هذا من قبل البحث والنظر، لما صار أهل عمان كلهم أباضية، وغيرهم مرجئة، ولما اختار أولاد النصارى كلهم النصرانية، وأولاد اليهود كلهم اليهودية بالنظر؟ وقد تجد الأخوين ينظران فى الشيء الواحد فيختلفان فى النظر، ولربما نظر الناظر فيصير له فى كل عام قول، ولربما كان ذلك فى كل شهر فصحّ أن دين الناس بالتقليد لا بالنظر، وليس التقليد إلى الحق بأسرع منه إلى الباطل
كلام النظام فى اختلاف الرواة والاخبار
وروى الجاحظ فى كتاب الأخبار أيضا، عن أبى اسحاق ابراهيم بن سيار النظام، أنه قال فى الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وكيف يجيز السامع صدق المخبر، إذا كان لا يضطره خبره، ولم يكن معه علم يدل على صدق غيبه، ولا شاهد قياس يصدقه، وكون الكذب غير مستحيل منه مع كثرة العلل التى يكذب الناس لها ودقة حيلهم فيها، ولو كان الصادق عند الناس لا يكذب، والأمين لا يخون، والثقة لا ينسى، والوفيّ لا يغدر، لطابت المعيشة، ولسلموا من سوء العاقبة
__________
(1) فل السيف: ثلمه
(2) فى الأصل: أحد عشر(2/230)
قال ابراهيم: وكيف نأمن كذب الصادق، وخيانة الأمين، وقد ترى الفقيه يكذب فى الحديث، ويدلس فى الأسناد، ويدّعى لقاء من لم يبلغه، ومن غريب، الخبر ما لم يسمعه، ثم لا يرى أن يرجع عن ذلك فى مرضه قبل أن تغرغر نفسه وقد أيقن بالموت، وأشفى (1) على حفرته، بعد طول اصراره، والتمتع بالرئاسة فى حياته، وأكل أموال الناس به؟
ولولا أن الفقهاء والمحدثين، والرواة والصلحاء المرضيين، يكذبون فى الأخبار، ويغلطون فى الآثار، لما تناقضت آثارهم، ولا تدافعت أخبارهم
قالوا: ولو وجب علينا تصديق المحدث اليوم لظاهر عدالته، لوجب علينا تصديق مثله، وان روى ضدّ روايته، وخلاف خبره، وإذا نحن قد وجب علينا تصديق المتناقض، وتصحيح الفاسد، لأن الغلط فى الأخبار، والكذب فى الآثار، لم نجده خاصا فى بعض دون بعض!!
قال ابراهيم: وكيف لا يغلطون، ولا يكذبون، ولا يجهلون، ولا يتناقضون والذين رووا منهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، وأنه قال: فمن أعدى الأول؟ هم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فرّ من المجذوم فرارك من الأسد، وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام، فأرسل إليه من بايعه مخافة اعدائه وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توجه إلى بدر أراد أن ينزل الصفراء، وهى بين جبلين، فسأل عن اسميهما، وعن الحيين النازلين بهما، فقيل: ينزلهما بنو النار، وبنو حرّاق، بطنان من بنى عفار، فتطيّر منهما، وتعداهما إلى غيرهما، واسم الجبلين الضيقين
وأنه قال: الشّؤم فى المرأة والدار والدابة
قال: والذين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: خير أمتى القرن الّذي بعثت فيه، هم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثل أمتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره.
قال: والذين رووا منهم أن الصعب بن جثامة قال: يا رسول الله ذرارى المشركين
__________
(1) أشفى: أشرف(2/231)
تطأهم خيلنا فى ظلم الليل عند الغارة قال: اقتلوهم فانهم مع آبائهم وأنه حين أغزى أسامة بن زيد الى ناحية الشام، أمر أن يحرق المشركين بالنار وذراريهم هم الذين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سريّة فقتلوا النساء والصبيان، فانكر النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك انكارا شديدا فقالوا:
يا رسول الله، إنهم ذرارى المشركين وان خالد بن الوليد لما قتل بالغمصا (1)
الأطفال، رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه، حتى رأى المسلمون بياض إبطيه، وقال: اللهم إنى أبرأ أليك مما صنع خالد، ثم بعث عليا عليه السلام فودّاهم (2)
قال: والذين يروون أن خديجة قالت للنبى صلى الله عليه وآله وسلم:
يا رسول الله أرأيت أطفالى منك أين هم؟ قال: هم فى الجنة، قالت: أفرأيت أطفالى من غيرك أين هم؟ قال: فى النار، فأعادت عليه الكلام، فقال مثل ذلك، فلما أعادت عليه، قال: إن سكت وإلا أسمعتك ضغاءهم (3) فى النار
وإن عقبة بن أبى معيط لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتله قال:
من للصّبية؟ قال: النار. هم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
الموءودة فى الجنة والشهيد فى الجنة وإن أولاد المشركين خدم أهل الجنة
قال: والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله جل ذكره أوحى إلى إنّى خلقت عبادى كلهم حنفاء (4) فأتتهم الشياطين فاغتالتهم عن دينهم، وأنه قال: كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهودانه أو ينصّرانه أو يمجسانه. هم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه قال: اعملوا
__________
(1) موضع
(2) أعطى ديتهم، والدية: ما يعطى من المال بدل نفس القتيل، وفى الاصل:
فوادهم.
(3) ضغا: صاح
(4) أى مسلمين مخلصين(2/232)
فكل ميسر لما خلق له، أمّا من كان من أهل السعادة فهو يعمل للسعادة، وإن كان من أهل الشقاء فهو يعمل للشقاء وأن الله عز وجل مسح ظهر آدم فقبض قبضتين، فأما الذين فى قبضته اليمنى فقال: إلى الجنة برحمتى، وقال للذين فى اليسرى:
إلى النار ولا أبالى، والسعيد من سعد فى بطن أمه، والشقى من شقى فى بطن أمه، وإذا وقعت النطفة فى الرحم أوحى الله إلى ملك الأرحام: اكتب فيقول: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب شقيّا أو سعيدا
والذين رووا أن القدريّة مجوس هذه الأمة، وانهم قد لعنوا على لسان سبعين نبيا هم الذين رووا أن ميكائيل كان قدريا حتى خصمه جبريل، وأن موسى كان قدريا حتى خصمه آدم، وأن أبا بكر كان قدريا حتى خصمه عمر
قال: وتلوا علينا قول الله عز وجل: {«وَإِبْرََاهِيمَ الَّذِي وَفََّى، أَلََّا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ»}
ثم رووا أن ولد الزنا شرّ الثلاثة، وأن المعوّل (1) عليه يعذب بعويل أهله، وأيّما صبى مات ولم يعف (2) عنه أبواه فهو محتبس عن الجنة حتى يعفا (3) عنه
قال: وتلوا علينا: «الله أعلم حيث يجعل رسالاته» وقوله: «ولقد اخترناهم على علم على العالمين»، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«ما كفر نبىّ قط»، ثم رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان على دين قومه أربعين سنة، وأنه قال: ما ذبحت للعزّى، إلا كبشا واحدا، وأنه زوّج ابنتيه:
عتبة بن أبى لهب وأبا العاص بن الربيع، وأنه قال قبل الوحى لزيد بن عمرو ابن نفيل: يا زيد، إنك فارقت دين قومك وشتمت آلهتهم، فقال له زيد:
يا أيّها الإنسان إياك والرّدى ... فإنّك لن تخفى من الله خافيا
__________
(1) العول والعوالة والعويل: رفع الصوت بالبكاء
(2) فى الاصل: يعق
(3) فى الاصل: يعقا(2/233)
والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:، لا يفضلنى أحد على يونس بن متى، فقد كان يرفع له فى اليوم الواحد مثل عمل جميع أهل الأرض هم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وإن كل نبىّ يقول فى القيامة: نفسى نفسى!! وأنا أقول: أمّتي أمّتي، ومعى لواء الحمد.
وهم الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تفضّلوا بعض الأنبياء على بعض، فانهم بنو علّات (1) أمهاتهم واحدة، والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن روح لشهداء تكون فى حواصل طير خضر تأوى الليل إلى قناديل فى الجنة، وإن الأرواح فى الهواء جنود مجندة، تتشام كما تتشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف على قليب بدر فقال: يا عتبة بن ربيعة، يا شبيبة بن ربيعة، يا أبا جهل، يا أمية بن خلف: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقيل له فى ذلك، فقال: والّذي نفسى بيده إنهم ليسمعون كما تسمعون، وإن منكرا ونكيرا ليأتيان الرجل فى قبره فيسألانه: من ربك وما دينك؟ وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: والّذي نفسى بيده إنهم ليسمعون خفق نعالكم. هم الذين تلوا علينا: «وما أنت بمسمع من فى القبور» وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
اللهم ربّ الأرواح الفانية والأجساد البالية
أين مصير الارواح إذا فارقت الاجساد
وأن عبد الله بن عباس سئل عن الأرواح أين تكون إذا فارقت الأجساد وأين تذهب الأجساد إذا بليت؟
__________
(1) جاء بهامش الكتاب: بنو العلات: هم أولاد لرجل من نسوة شتى، وسميت بذلك لان الّذي تزوجها على الاولى قد كانت قبلها ثم على من هذه، والعلل: الشرف الثانى، والاخياف: الاخوة الذين ليسوا لأب، والاعيان: الاخوة لاب وأم، وقد جمعهم من قال:
ومتى أردت عين الاعيان ... فهم الذين يضمهم أبوان
أخياف أم ليس يجمعهم أب ... وبعكسه العلات يفترقان(2/234)
قال: أين يذهب السراج، إذا طفئ، وأين يذهب البصر إذا عمى، وأين يذهب لحم الصحيح إذا مرض؟
فقال السائل: لا أين!!
قال: كذلك الأرواح، إذا فارقت الأجساد
قال: والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ليؤمكم خياركم فانهم وفدكم إلى الجنة وقال: صلاتكم قربانكم، فلا تقرّبوا بين أيديكم إلا خياركم، ولا صلاة لأمام قوم له كارهون. هم الذين رووا: صلّوا خلف كل إمام، برّا كان أو فاجرا، ولا بد من إمام بر أو فاجر
قال: والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وأذن لى أن أحدّث عن ملك من الملائكة رجلاه فى الأرض السفلى وعاتقه تحت العرش، ما بين عاتقه إلى شحمة أذنه سبعمائة عام، خفقان الطير المسرع هم الذين رووا أن الله عز وجل ينزل عشية عرفة، ويوم النصف من شعبان على جمل أورق (1)، وأنه ينزل فى قفص من ذهب
والذين رووا أن أربعة أملاك التقوا، واحدا من المشرق، والآخر من المغرب، وآخر من السماء السابعة، وآخر من الأرضيين السفلى، فقال كل واحد منهم للآخر: أين تركت ربك؟ فقال: من عند ربّى جئت!! هم الذين رووا أن حملة العرش من فرق غضب الله ثقل العرش على كواهلهم، وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
أتانى ربى فى أحسن صورة فوضع كفه بين كتفيّ فوجدت برد أنامله بين ثدى قال ابراهيم: ثم يتحدث فقيههم بمثل هذه الأحاديث، ويخبر بمثل هذه الأخبار، ويشهد على الله عز وجل بمثل هذه الشهادة، وهو غير محتفل بذلك ولا مستح منه
__________
(1) الاورق: الّذي لونه لون الرماد(2/235)
وانما ذكر الجاحظ والنظّام: أن دين الناس بالتقليد، لا بالنظر والبحث والاستدلال، وقد ذمّ الله تعالى فى كتابه المقلدين فقال: {«إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ وَإِنََّا عَلى ََ آثََارِهِمْ مُقْتَدُونَ}» الأمة هاهنا: الدّين
التقليد والمقلدون
وقالت العلماء: المقلد مخطئ فى التقليد، ولو أصاب الحق، لأن من اعتقد الحق بغير حجة ولا دليل، مثل من اعتقد الباطل بغير حجة ولا دليل، وإذا دخل فى الحق بالتقليد، خرج منه بالتقليد، قال الشاعر فى ذم التقليد:
ما الفرق بين مقلّد فى دينه ... راض بقائده الجهول الحائر
وبهيمة عمياء قاد زمامها ... أعمى على عوج الطّريق الجائر
وفى كل أهل مذهب ثقة يسندون إليه، وعالم يعتمدون عليه، وكلهم يحتج بقول الله تعالى، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كثر التدليس فى الكتب، والزيادة فى الأخبار، والتأويل لكتاب الله عز وجل، على قدر الأهواء والمذاهب والآراء
فيجب على العاقل التيقّظ والتحرز والتحفظ من التقليد، الّذي هلك به الأولون والآخرون، وجار عن قصد السبيل الحائرون، أعاذنا الله من اتباع الأهواء (1) فى الدين، وانقياد الأتباع والمقلّدين
* وقوله فى الرسالة: «فمن شبق منهم وانعظ، فقد كفر وما اتّعظ»
الشبق: شهوة النكاح، وهو مصدر شبق يشبق شبقا، قال رؤبة بن العجاج (2):
* لا ينرك الغيرة من عهد الشّبق *
ويقال: انعظ الرجل: إذا تحرك عضوه
__________
(1) فى الاصل: الاهوى
(2) يصف حمارا(2/236)
* وقوله: «ووجب عليه القتل، وعبادته مكيدة وختل، فعملت رجالهم فى استحضار المنية، وحمل للهدايا السنيّة، والتكفّن والتضمخ بالصّندل» (1)
* وقوله: «وطرح النفوس فى النّار طرح عود المندل»
عود المندل: الّذي يتبخر به، والمندل: بلد من بلاد الهند إليها ينسب العود، قال العجير السّلولى (2) يصف جارية بطيب الريح:
إذا ما مشت نادى بما فى ثيابها ... ذكىّ الشّذا والمندلىّ المطيّب (3)
والشذا: كسر العود هاهنا، ويروى: المندلىّ المطير (4)
* وقوله: «شوقا إلى زيارة من هلك من الأحباب» (5)
* وقوله: «وكم للجهل فى النّاس من سورة وعباب!!»
السورة: الحدة، ومنه سورة الشراب. والعباب: الكثرة والزيادة، ومنه عباب الماء
* وقوله: «وما فعلت الروم فى عبادة الصليب، والحض على ذلك والتأليب، وأكل لحوم الخنازير، بغير تثريب على الأكل ولا تعزير، وقولهم أمكن ربهم عبيده من أسره وغلبه، وأقدرهم على قتله وصلبه، ليتأسى بذلك أنبياؤه، ويتشبه حزبه وأولياؤه، ثم أحيا نفسه بعد الموت، وأعادها بعد الفوت»
صليب النصارى معروف، والصليب: المصلوب، ومنه صليب النصارى، مثل قتيل وصريع وما شاكله، والصليب أيضا: الودك: قال مرة بن خويلد الهذلى وذكر عقابا:
__________
(1) نقص فى الاصل، وقد أكملناه من النسخة التيمورية.
(2) فى الاصل: العجيرة
(3) المندل: العود الرطب، وهو المندلى، وينسب إلى مندل وهو اسم علم بالهند يجلب منه العود.
(4) المطير: الّذي سطعت رائحته وتفرقت.
(5) نقص فى الاصل، وقد أكملناه من النسخة التيمورية.(2/237)
جريمة ناهض فى رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا (1)
يقال: اصطلب الرجل: إذا جمع العظام، فاستخرج ودكها ليأتدم به، قال الكميت الأسدى:
واحتل برك الشّتاء منزله ... وبات شيخ العيال يصطلب (2)
ويقال: المصلوب من هذا، لأنه يسيل ودكه (3) على العود الّذي يصلب عليه، والصليب العلم، قال النابغة:
ظلّت أقاطيع أنعام مؤبلة ... لدى صليب على الزّراء منصوب (4)
والحض: الحث، ومنه قوله تعالى: {«وَلََا يَحُضُّ عَلى ََ طَعََامِ الْمِسْكِينِ}»
والتأليب: الجمع، يقال: ألب الجيش: إذا جمعه. والتثريب: اللوم والتعنيف، ومنه قوله تعالى: {«لََا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}»
والتعزير: الضرب والتأديب، وهو الحد، والتعزيز أيضا فى غير هذا الموضع: التعظيم، ومنه قوله تعالى: {«وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}»
__________
(1) ينسب هذا البيت إلى أبى خراش الهذلى، وهو يذكر عقابا شبه فرسه بها، وقبله:
كأنى اذ غدوا ضمنت نرى ... من العقبان خائتة طلوبا
أى كأنى اذ غدوا للحرب ضمنت بزى أى سلاحى عقابا خائتة أى منقضة، يقال:
خاتت: اذا انقضت. وجريمة: بمعنى كاسبة، يقال: هو جريمة أهله، أى كاسبهم.
والناهض: فرخها. والنيق: أرفع موضع فى الجبل. وصلب العظام يصلبها صلبا واصطلبها: جمعها وطبخها واستخرج ودكها ليأتدم به وهو الاصطلاب، وكذلك إذا شوى اللحم فأساله.
(2) احتل: حل. البرك: الصدر، واستعاره للشتاء، أى حل صدر الشتاء ومعظمه فى منزله، يصف شدة الزمان وجد به، لأن غالب الجدب انما يكون فى زمن الشتاء
(3) الودك: الدسم من اللحم والشحم
(4) ظلت: أقامت. أقاطيع: جمع قطيع على غير قياس، وهى الطائفة من الابل.
المؤبلة: التى تتخذ للقينة لا تركب ولا تستعمل. الزوراء: دار بالحيرة بناها النعمان بن المنذر. والبيت فى الاصل:
ضلت أقاطيع أنعام مؤبلة ... لدا صليب لدا الزوراء منصوب(2/238)
* وقوله: «وما فعلت الفرس فى عبادة النيران، وغسل الوجوه بأبوال الثيران، وأكل الميتة ووطء الأمهات، بصريح الحدود لا الشّبهات، واحتجوا بأن الذبح مؤلم ضار، والنكاح لأهله سارّ»
النيران: جمع نار، وهو جمع فعل بفتح الفاء إلا أنه معتل العين بالألف، وكان أصل ألفه واوا يدل على ذلك تصغيره فتقول: نويرة
والثيران: جمع ثور، وهو جمع فعل بتسكين العين، وأتى الجمعان بلفظ واحد
وكانت المجوس يغسلون وجوههم بأبوال البقر، تخشعا وتقربا إلى الله تعالى، قال الشاعر فيهم، وفى غيرهم من أهل المذاهب (1):
عجبت لكسرى وأشياعه ... وغسل الوجوه ببول البقر
وقول النّصارى: إله يضام ... ويظلم حقّا ولا ينتصر
وقول اليهود: إله يحبّ ... دسيس الدّماء وريح الفتر (2)
وقوم أتوا من أقاصى البلاد ... لرمى الجمار ولثم الحجر (3)
فوا عجبا من مقالاتهم ... أيعمى عن الحقّ كلّ البشر؟
* قوله: «وقالوا للخلق فاعلان متضادان، أحدهما أهرمن والآخر يزدان، فيزدان فاعل الخير والسرور، واهرمن فاعل الغم والشرور، وقالوا ليس الحكيم
__________
(1) ينسب هذا الشعر لابى العلاء، وفى الاصل:
عجبت لكسرى وأتباعه ... وغسل الوجوه ببول البقر
وفصير إذ ينحنى ساجدا ... لما صنعته أكف البشر
وعجب اليهود برب يسر ... بسفك الدماء وشم الفتر
وقوم أتوا من أقاصي البلا ... لحلق الرءوس ولثم الحجر
وقد اعتمدنا على ما روى بكتاب المختصر فى أخبار البشر للملك المؤيد صاحب حماة أبى الفداء اسماعيل بن على بن الأفضل.
(2) الدسيس: الصنان الذفر الفائح. القتار: رائحة البخور واللحم والشواء والعظم المحرق والعود.
(3) جاء بهامش الكتاب:
أما البيت الآخر (يريد الرابع) فما كان يصلح ذكره، اذ هو اعتراض على الاسلام وشريعة سيد الأنام(2/239)
لما بنى من الحكمة هادما، ولا يصبح على الفعل الحسن نادما، ونسبوا فعل ذلك إلى العبث، وصريح الأديان شبيه (1) بالخبث»
* «وما فعل أصحاب السبت فى استقباح نسخ الأديان، وحظر (2) المناهل على الصديان، إلا منهلا واحدا للفارط والتالى، والعشار والمتالى، وقالوا النسخ هو البداء، ولا يجوز على الرحمن أبدا، ورووا عن موسى أنه قال إن (3) شريعته غير منسوخة، وعقدها غير محلولة ولا مفسوخة، وحججهم من التوراة، وكل الفرق ظاهر العورات».
الصديان: العطشان. والمنهل: المورد. والنّهل: الشرب فى أول الورد، ومنه اشتقاق المنهل. والحظر: المنع والتحريم، ومنه قوله تعالى: {«وَمََا كََانَ عَطََاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}»
والفارط: المتقدم فى طلب الماء. والتالى: الّذي يتلوه. والعشائر: جمع عشراء وهى الحوامل التى لها عشرة أشهر منذ حملت، ثم كثر استعمال ذلك حتى قيل لكل حامل عشراء. والمتالى: التى يتلوها أولادها
* وقوله: «وما فعلت الجالوتية منهم فى مضاهاتها الرقوب، وإرثها الأرض عن يوسف بن يعقوب، وما وجدت فى سفر شعيا أو دانيال (4) من صفة قديم الأيام، أنه لا يزال من الأملاك فى فيام، قاعدا على الكرسى، بيده ناصية كل وحشى وأنسىّ، أبيض اللحية والرأس»
المضاهاة: المشابهة، ومنه قوله تعالى: «{يُضََاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا}»
والرقوب هاهنا: المرأة التى لا يعيش لها ولد، والرقوب هاهنا: المرأة التى ترقب
__________
(1) فى التيمورية: يشبهه
(2) فى الأصل: وخطر.
(3) زيادة عن النسخة التيمورية:
(4) تكملة عن النسخة التيمورية(2/240)
موت زوجها لترثه. والرقوب: الناقة التى لا تشرب مع الإبل إذا ازدحمت على الحوض لكرمها
والجالوتية يقولون: إن الله عز وجل ملك الأرض يوسف بن يعقوب ونحن وارثوه، والناس مماليك لنا
والسّفر: الكتاب، جمعه أسفار.
وشعيا: هو شعيا بن راموص النبي عليه السلام، وهو نبى من انبياء بنى اسرائيل.
وقديم الأيام عندهم: هو الله تعالى
والفيام: الجماعة
* وقوله: «لما مرّ عليه من الأحراس»
* «وما فعلت السّامرية منهم فى عبادة العجل الّذي له خوار، ولكل جنس (1) من المذاهب شين وعوار، والسامرية بالقول يعلنون، ألّا نبوءة لغير موسى ويوشع بن نون».
* «وما فعلت العزيرية منهم فى عزير، وسيرهم فيه بأبعد السير (2)، ورفعهم له من درجة النبوة، إلى بنوّة (3) الأبوّة»
الاحراس: الدهور، واحدها حرس، وهو الدهر
* وقوله: «وما فعل أصحاب الأحد فى المسيح، وسيرهم فيه بالعنق الفسيح، وقولهم فى الحى القيوم، هو ثلاثة أقانيم يوصف بأقنوم، أب وابن وروح قدس (4)، وكل يدين بتظنن وحدس وحججهم من الإنجيل، وضلّ عن قصد السبيل كلّ جيل»
__________
(1) تكملة عن النسخة التيمورية.
(2) فى التيمورية: وجريهم فيه بأبعد سير
(3) فى التيمورية: درجة
(4) فى الاصل: قدوس(2/241)
* «وما فعلت منهم اليعقوبية، فيما جعلت لعيسى من الربوبية زعمت أنه كان قديما لا فى مكان، ثم تجسم فصار جسدا ذا أركان، وأنه تناسى بعد علم، وتجسم بعد أن كان غير جسم، وأنه قادر على الزيادة فى الذات (1)، ليصل بذلك إلى اللذات، ونفوا عنه لذلك وهن العجز، وما يختص بغيره من المنع والحجز، لأنه القادر على ما يشاء، لا يتعذر عليه الفعل والانشاء»
أصحاب الأحد: النصارى، وهم يعظمون من الأيام الاحد، مثل ما تعظم اليهود السبت، ويعظم المسلمون الجمعة
والعنق: السير الفسيح
والأقانيم: الأشياء بلغة النصارى، واحدها: أقنوم
* وقوله: «وما فعلت النسطورية منهم فى صفات اللاهوت، واستتاره ببدن الناسوت».
اللاهوت: الإله بلغة النصارى. والناسوت: الانسان بلغتهم
* وقوله: «وقولهم فى الماسح والممسوح، ولم يزل الجهل نازلا بكل سوح»
الماسح عندهم: هو الله تعالى. والممسوح: هو الّذي انتقل إليه، وهو عيسى. والسوح: جمع ساحة (2).
* وقوله: «وما فعلت الفلاسفة فى ضرب المزاهر، والاطناب فى الأعراض والجواهر، ووصف المركب والبسيط، وما ظفروا من الدين بفسيط، واقدامهم على ابطال الشرائع وقولهم بتدبير الأربع الطبائع»
المزاهر: جمع مزهر وهو العود. والاطناب: المبالغة
والاعراض: جمع عرض، وهو صفة الجوهر
__________
(1) فى الاصل: اللذات
(2) الساحة: الناحية(2/242)
والجواهر: جمع جوهر، وهو القائم بذاته الحامل للأعراض، والجوهر عندهم على ضربين: مركب وبسيط، فالمركب: هو الجسم مثل الجسد وما شاكله، والبسيط: هو النفس والروح وما شاكل ذلك، والنفس: هى الروح عندهم، وهى القوة الناطقة، فكل جسم عندهم جوهر، وليس كل جوهر جسما
والفسيط: قلامة الظفر. والفسيط: ثفروق (1) التمرة، وهو قمعها
* وقوله: «وقد قالوا مع الأربع بخامس، كقول هرمس الهرامس، وأكثر الفلاسفة، على غير الطريق عاسفة، وفى أباض من الحيرة راسفة، وشموسها المنيرة كاسفة»
* «وما فعلت الهيولانيّة فى قدم الهيولى الّذي عندهم أصل الأشياء، ومدبّر للموات والأحياء، بتحريك قوة فى الجوهر أصلية (2)، قديمة أزلية، تجعل الميت ناطقا من الحيوان، وتنفرد بتدبير هذه الاكوان وقولهم بقدم الجوهر القابل للاعراض، والصحاح أشبه شيء بالمراض، وقيل هى مقالة أرسطاطاليس»
هرمس الهرامس بهذه اللغة: حكيم الحكماء
والعسف: الأخذ على غير الطريق
والأباض: الحبل الّذي يوبض به البعير، يقال: أبض البعير يأبضه: إذا شد رسغ يده إلى عضده
والرسفان: مشى المقيد
* وقوله: «ومن اطلع على الأغنياء وجدهم مفاليس»
* «وما فعل أصحاب التناسخ فى تنقل الأرواح فى الأجساد، وصلاحها بعد الفساد، ومثوبة المحسنين بالأبدان الإنسية، والهياكل الحسية، وعقوبة
__________
(1) الفسيط: علاق ما بين القمع والنواة، وهو ثفروق التمرة، وفى الأصل نقروق
(2) فى التيمورية: الجواهر الأصلية(2/243)
المقدمين على الجرائم، بأبدان أعجم (1) البهائم، ودوام الدنيا على الأبد»
يقال: اطّلع الأمر واطّلع على الأمر: بمعنى إذا أشرف عليه وعرف حقيقته، وقد جاءت اللغتان معا فى كتاب الله، قال الله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمََنِ عَهْداً} وقال تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرََاراً}
* وقوله: «وما للمثرين (2) من سبد ولا لبد، وقيل: هى مقالة بزرجمهر ابن بختكان، وكم انقاد للغىّ حكيم واستكان»
* «وما فعلت فى تعطيلها الزنادقة، وفصلت فى أحكامها المزادقة (3)، زعموا أن أهل الأرض فى الأرزاق متظالمون، وأنهم بين الناس فى ذلك حاكمون»
المثرون: الأغنياء أصحاب الثراء (4) وهو المال
والسبد: الشعر. واللبد: الصوف، يقال للفقير: ماله سبد ولا لبد، قال الراعى:
أما الفقير الّذي كانت حلوبته ... رفق العيال فلم يترك له سبد
* وقوله: «يقسمون الأرزاق بالسوية، ولا يجيزون الأثرة باللوية»
* «وما فعلت الفضائية فى عبادة الفضاء، ورد الحكم له والقضاء، والمشيّة فى الخلق والامضاء، قالوا لحاجة كل شيء فى المشاهدة إليه (5)، وغناه عما أحاط به واستولى عليه، ولأنه (6) لا تحصره الأماكن، ولا يغرب عنه ولا يشبهه (7) متحرك ولا ساكن، وقالوا لأنه غير متناه، وما نهى الجاهل عن الجهالة ناه»
__________
(1) فى الاصل: عجم، وقد أثبتنا ما ورد بالنسخة التيمورية، فالأعجم: مذكر العجماء، وهى البهيمة.
(2) فى التيمورية: للمشرين
(3) المزادكة:
(4) فى الاصل: الثرى
(5) فى التيمورية: المشاهدة إليه
(6) فى النسخة التيمورية: وأنه
(7) تكملة عن النسخة التيمورية(2/244)
* «وما فعلت المانية الغوية، ومن وافقها من الثنوية، إذ جعلت مع الله صانعا، وله عن بعض الأفعال مانعا وقولهم بتدبير ربّين خلاقين، وضدين متشاقين، حيّين عالمين، ومن جميع الآفات سالمين، وهما النور والظلام، وما رشد الشيخ ولا الغلام، فالنور عن فعل القبيح متعال، والظلام لكل شر فعّال قالوا ولن يكون التضاد من الذات (1) الواحدة ممكنا، فيكون المحسن مسيئا والمسىء محسنا، كما ليس فى النار برودة، ولا الثلج حرارة»
اللوية: ما خبأته المرأة لزوجها من الطعام وآثرته به، وكذلك ما خبأت لغيره، قال الراعي:
الآكلين اللّوايا دون ضيفهم ... والقدر مخبوءة منها أثافيها (2)
* قوله: «ولا فى الشّرى حلاوة، ولا فى الأري مرارة»
* «وما فعلت الدّيصانية فى تدبير حىّ وميت، وطال التعلل بعسى وليت، فالحىّ هو النور الحساس الدّراك، والميت هو الظلام الّذي ليس له حراك، وكلاهما بزعمهم (3) ربّان، على البرية يعتقبان، ولكل واحد منهما فى الخلق (4) من جنسه تأثير، وأود المذاهب وسقطها كثير»
* «وما فعلت المرقيونية فى تدبير الثلاثة الأرباب، خالق الهرم وخالق الشباب، وثالث بينهما معدّل، لما استقبح (5) من أفعالهما مبدّل»
* «وما فعل الصابئون فى عبادتهم للملائكة المتعبدين (6)، وخروجهم من دين إلى دين»
__________
(1) فى الاصل: اللذات
(2) الاثافى: جمع الأثفية: الحجر توضع عليه القدر.
(3) فى الاصل: يزعم، وقد أثبتنا ما ورد فى النسخة التيمورية
(4) تروى: العالم
(5) فى التيمورية: يستقبح
(6) فى الاصل: المعبودين(2/245)
* «وما فعلت البراهمة فى نفى الوسائط، وكم للصحة والسقم من شائب وسائط، إلّا واسطة العقل فانها عندهم غير منفية، وشواهدها النيرة غير غامضة ولا خفيّة، قالوا لأن إرسال المرسل إلى من علم أنه يعصيه ويمثل برسله، دليل عندهم على عبث المرسل وجهله»
* «وما فعلت الأطبّاء فى تدبير الطبائع، وكم للضرر من شار وبائع؟»
* «وما فعلت الفلكيّة فى تدبير الفلك، وسلوك سبيل الغىّ فيمن سلك»
* «وما فعل الحرانيّون عبدة النجوم، وأصحاب الظن والهجوم، فى تدبير البروج والأملاك، على قدر نزولها فى الأفلاك، وقضائها فى الخيرات والشرور، على التوالى والمرور»
الشرى: الحنظل. والأري: العسل
* وقوله: «وليس فى التنجيم، غير ترجيم، ولا عند الكواكب، نفع لواكن ولا واكب»
* «وما فعلت السّوفسطائيّة فى نفى الحقائق، وقطع الأسباب فى الدين والعلائق، لقد جار عن الحق (1) سوفسطا، ومال عن الطريق الوسطى»
الترجيم، والرجم: الظن الّذي لا يوقف على حقيقته
والواكن: الطائر الّذي يحضن بيضته فى وكنه، يقال: وكن الطائر بكن وكونا، ووكن الطائر، ووكنته وكره
والواكب: الّذي يدرج فى مشيته، والوكبان: مشية فيها درجان، ويقال:
ظبية وكوب، ومن ذلك اشتقاق الموكب
الدليل السمعى على ابطال قول المنجمين
والمنجمون يزعمون أنهم يدركون فى علم النجوم ما سيكون من علم الغيب، الّذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يشاركه فيه أحد من خلقه، وفساد قولهم ظاهر،
__________
(1) يروى: القصد(2/246)
لقوله تعالى: {«عََالِمُ الْغَيْبِ فَلََا يُظْهِرُ عَلى ََ غَيْبِهِ أَحَداً إِلََّا مَنِ ارْتَضى ََ مِنْ رَسُولٍ}»، ولقوله تعالى: «لو كنت أعلم الغيب لا استكثرت من الخير وما مسّنى السّوء» وغير ذلك من الآيات
وفى نهج البلاغة أن أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام، لما عزم على المسير الى الخوارج، فقال له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين، إن سرت فى هذا الوقت خشيت ألّا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم، فقال عليه السلام:
أتزعم أنّك تهدى إلى الساعة التى من سار (1) فيها صرف عنه الشر (2)، وتخوّف من الساعة التى من سار فيها حاق (3) به الضّرّ؟ فمن صدّق (4) بهذا، فقد كذب القرآن، واستغنى عن استعانة (5) بالله فى نيل المحبوب، ودفع المكروه، وتبتغى بقولك للعامل (6) بأمرك أن يوليك الحمد دون ربّه، لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التى نال فيها النّفع وأمن الضّر؟
ثم أقبل على الناس فقال:
أيّها الناس إياكم وتعلّم النجوم إلا ما يهتدى به فى برّ وبحرّ (7) فانها تدعو إلى الكهانة، والمنجم كالكاهن (8) والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر فى النار، سيروا على اسم الله عز وجل
__________
(1) فى الأصل: صار
(2) فى نهج البلاغة: السوء
(3) فى الأصل: حق. وحاق به الضر: أحاط به
(4) فى الأصل: صدقك
(5) فى نهج البلاغة: الاعانة
(6) فى الأصل: وينبغى للعامل
(7) ينهى الامام على كرم الله وجهه عن علم التنجيم الّذي يتخذه المحتالون وسيلة لجلب الأرزاق وخدعة لضعاف العقول من الناس، ويطلب لتعلم علم الفلك الّذي يبحث عن سر الكواكب فى أفلاكها وسبحها فى مجاريها للاهتداء بها.
(8) الكاهن: من يدعى كشف الغيب.(2/247)
* «وقوله: ولقد (1) اختص ما ذهب إليه بمذهبه، وبعد عن الأسفار قطع غيهبه»
* «وما فعل أصحاب الدهر، ومن قال بتدبير السنة والشهر، فيما نقل عنهم من الأقوال، من قدم الأعيان وحدث الاحوال، وبعضهم يقول بقدم الصفات، وما ظفر ذو السقم بالمعافات»
* «وأما فرق هذه الملة، فللتقاطع مستحلة، يكفر بعضهم بعضا، ويرى عداوته عليه فرضا، وقد أمسكت كل طائفة منهم برئيس، وعدت حسنا منه كل بئيس، ولكل محاسن ومساو، وقول ليس بمتساو، وقلّ من يوجد على غير دين أبيه، ومعلمه وأقربيه، وداء الناس فى دينهم داء قديم، ما صح معه من النغل أديم»
يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء، والقطع: ظلمة آخر الليل، ومنه قوله تعالى:
{«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}» قال الشاعر:
افتحى الباب وانظرى فى النّجوم ... كم علينا (2) من قطع ليل بهيم
البهيم: الّذي لا يخلط لونه لون سواه. والغيهب: الظلمة، وجمعه غياهب
* وقوله: «ومن اوضع فى المذاهب، وقع فى الغياهب، أو أغرق فى البحث عن الفرق، لم ير ناجيا من الغرق»
الايضاع: الاسراع فى السير، ومنه قوله تعالى: {«وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ»}
* وقوله: «أو نظر فى الملل، عثر على الزّلل، وأشرف على اختلاف، مؤدّ إلى إتلاف، وهجم على رياض مرّة الثمار، منهجة (3) للاعمار»
يقال عثر على الشيء: إذا اطّلع عليه، ومنه قوله تعالى: {«وَكَذََلِكَ أَعْثَرْنََا عَلَيْهِمْ»}
__________
(1) زيادة عن النسخة التيمورية.
(2) فى الأصل: عليا
(3) النهج: تتابع النفس واللهات من شدة الحركة، وفى الأصل: مبهجة:(2/248)
* وقوله: «وموارد ماؤها أجاج، والمسيغ لها مجّاج»
الأجاج: الماء المثلج المر. والمسيغ: الّذي يسوغ له الشراب، يقال: ساغ الشراب فى الحلق، إذا نزل، وكانت له لذاذة. والمجاج: الّذي يمجّ الماء من فيه، أى يصبّه
* وقوله: «فى العين الصحيحة عور، وفى القناة (1) الصليبة خور، يشقى بها الغامز والعاجم، شقاء وافد البراجم، فهل عند ضدّ أو ولىّ، من نبأ جلىّ؟»
الخور: الضعف، يقال: رمح خوار أى ضعيف رخو غير صليب، ورجل خوار: أى ضعيف، وهو من الأول مصدره الخور، قال عمر بن لجأ التميمى يهجو جريرا:
بل أنف نزرة خوّار على أمة ... لا يسبق الحلبات اللّؤم والخور (2)
والغمز: اللمس باليد ليعرف السمين من غيره، قال جرير:
غمز ابن مرّة يا فرزدق كينها ... غمز الطبيب نغانغ المعذور (3)
وعجم العود: عضه ليعرف صلابته من خوره
وافد البراجم
ومن أمثال العرب: إنّ الشّقىّ وافد البراجم، وكان سبب ذلك أن عمرا ابن هند، عم النعمان بن منذر وهو الّذي يلقب مضرط الحجارة لتجبّره وشدة ملكه كان له أخ مسترضع فى بنى تميم، يقال له أسعد، فخرج يوما يتصيد، فمرّ بإبل لرجل من بنى تميم، فرمى ناقة منها فعقرها، فجاء صاحبها، فلما رآها معقورة وثب عليه فقتلة، فنذر عمرو بن هند أن يقتل من بنى تميم مائة، فغزاهم يوم
__________
(1) القناة: الرمح أو عوده، وفى الأصل: الفتاه
(2) الخوار: الضعيف.
(3) النغانغ: لحم أصول الاذان من داخل الحلق، وفى الأصل: نعانع. والعذرة:
قرحة فى الحلق.(2/249)
أوارة، فأقبل يقتلهم على الثنية، أى العقبة، وآلى (1) ليقتلنهم حتى تصل دماؤهم الحضيض وليحرقنهم فقال له الوصاف، وهو الحارث بن مالك من بنى ضبيعة ابن عجل بن الحر: أيها الملك، لو ذبحت الخلق كلهم على حلق واحد، ما بلغت دماؤهم الحضيض، وكنت قد أفسدت ملكك، ولم تبرر أليتك، ولكن صبّ على دم كل قتيل منهم قربة من ماء ففعل، فبلغت دماؤهم الأرض، فسمى الحارث الوصاف لذلك وأمر عمرو فاحتفر له حفير عظيم، وألقى فيه الحطب واشتعلت النار، فألقى فيها تسعة وتسعون رجلا منهم، وبقى واحد من نذره، وأبصر رجل من البراجم، لم يعلم بذلك الدخان، وشمّ القتار (2) فظن أنه طعام يصنع، فأقبل إلى النار فأخذ فأتى به عمرا بن هند فقال: ممن أنت؟ قال: رجل من البراجم والبراجم حي من تميم (3) فقال عمرو: إن الشقىّ وافد البراجم، فأرسلها مثلا، وألقى الرجل فى النار، فتم نذره مائة
* وقوله: «يحدّث عنه الرّائد بما لقى، ويمسك عمّا بقى، يزيل دجى الشكوك والشّكاة، بقبس هدى لا قبس مشكاه»
الرائد: الّذي يتقدم فى طلب الكلأ، يقال: لا يكذب الرائد أهله. والشكاة:
الشكاية، قال أبو ذؤيب الهذلى:
وعيّرها الواشون أنى أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أى ينبو عنك، ولا يعلق بك. والقبس: شعلة من النار، يقال: قبست من فلان نارا، واقتبست منه علما، ومنه قوله تعالى: {«بِشِهََابٍ قَبَسٍ}». والمشكاة:
الكوة التى ليست بنافذة، ومنه قوله تعالى: {«كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ}»
* وقوله: «يصدق جهينة الخبر عن أخيها، ويبلغ الخاتمة من توخّيها»
يعنى بذلك قول الشاعر:
__________
(1) آلى: خلف، وفى الاصل: ألا
(2) القتار: الدخان من المطبوخ ورائحة اللحم والشواء والعظم والمرق
(3) جاء بها من الكتاب: بنو تميم يرجعون فى نسبهم الى مضر لا الى ربيعة(2/250)
تسائلنى جهينة عن أخيها ... وعند جهينة الخبر اليقين
قال أبو بكر بن دريد فى كتاب الاشتقاق: إن قولهم فى هذا البيت خطأ، وهو قول العامة، وإنما هو جفينة، وله حديث
* وقوله: «أكثر من ينتحل السّنة، فى دجنة، والعامة، فى طرق الحيرة آمة، والقدرية، للطعن دريّة، وحجة الرّافضة، عند الله داحضة، والحشويّة، غويّة شويّة، وركبت المرجيّة، مطيّة غير منجيّة، ومشت الخوارج، بأقدام عوارج، ونزلت المعتزلة، من الفضل بمنزله، فهم ملائكة الأرض، وأعلم الناس بالسنة والفرض، فرسان الكلام، وذروة أهل الاسلام»
الدجنة: الظلماء فى كتاب الخليل، قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازى فى المجمل: ولو خففه الشاعر لجاز، كقول حميد الأرقط:
* حتى انجلت دجا الدجون *
والآمة: القاصدة، والأم: القصد، ومنه قوله تعالى: {«وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ}»
ويقال: فلان غيىّ شوىّ اتباع له، وكذلك غوىّ شوىّ
* وقوله: «وجار أكثر الشيعة، عن منهج الشريعة، واتخذوا الغلوّ دينا، والسّب خدينا، كم ينتظر لهم إمام غائب، ولم يؤب من سفر المنون آئب، وطال انتظار السبائية لعلىّ، وأتت فيه السحابية بالكفر الجلىّ، وأخرجته إلى الربوبيّة من الانسانية، كما فعلت فى أئمتها الكيسانيّة، وطال انتظار ابن الحنفية، على الكربيّة، كما طال انتظار ابن ذى الجناحين على الحربيّة، وطال انتظار جعفر ابن الباقر على الناووسية العمية، كما طال انتظار أبى مسلم على الجرميّة، وانتظار الحاكم بأمر الله على الحاكميّة، واستراحت القطعية فى موسى بن جعفر من انتظار الواقفة الممطورة، وأكاذيبها (1) المسطورة، وطال انتظار ولد الحسن بن على،
__________
(1) فى النسخة التيمورية: وأحاديثها.(2/251)
المعروف بالعسكرى، على الاثنى عشرية، كما طال انتظار اسماعيل بن جعفر على فرقة من الجعفرية، وطال انتظار محمد بن اسماعيل على المباركيّة، كما طال انتظار فرق من الشيعة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية، وطال انتظار محمد بن القاسم الطلقانى ويحيى بن عمر الكوفى على الجاروديّة، كما انتظر غيرهما من أئمة الزيديّة، وطال انتظار الحسين بن القاسم الرسى على الحسينية، كما طال انتظار المستورين على الباطنيّة»
المنهج: الطريق الواضح، وكذلك المنهاج
والخدين: الصاحب، وكذلك الخدن، والمخادنة: المصاحبة، والأخدان:
الأصحاب.
والمنون: المنيّة، ومنه قوله تعالى: {«نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}»، وسميت المنيّة منونا، لأنها تنقص المدد، وتقطع المدد، وهى مأخوذة من المنّ، وهو النقص، ويقال: القطع، ومنه قوله تعالى: {«لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}» أى غير منقوص، وقيل: غير مقطوع، ومنه قول لبيد (1):
لمعفّر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب لا يمنّ طعامها (2)
وقول الراجز:
* ومنه سوق المطايا منّا *
والآئب: الراجع من سفره، قال أبو ذؤيب الهذلى:
وحتى يئوب القار ظان كلاهما ... وينشر فى القتلى كليب لوائل
* وقوله: «وكل فرقة من هذه الفرق تدعى غائبها مهديا، وتهدى اللعنة إلى مخالفها هديّا، وتعلق الكل بروايات الآحاد، وما لبّس به على المسلمين أهل الإلحاد»
__________
(1) يصف بقرة وحشية أكل السباع ولدها
(2) القهد: الصغير من البقر الشلو: العضو من أعضاء اللحم، أو كل مسلوخ أكل منه شيء وبقيت منه بقية. الغبس: جمع أغبس، وهو الذئب الّذي لون الرماد وهو بياض فيه كدرة.(2/252)
المهدى الّذي تنتظر كل فرقة من فرق الشيعة أنه على رأيها، وأنه يملأ الأرض عدلا، وقد تقدم ذكر ذلك، ورواياتهم فى المهدى كثيرة يطول شرحها والهدىّ: العروس
وروايات الآحاد: التى هى غير مجمع عليها، وهى التى يرويها الواحد من الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يجمع معه أحد غيره من الصحابة، وأخبار الآحاد ضعيفة عند العلماء
وأهل الإلحاد: مثل عبد الكريم بن نويرة الذهلى الّذي سير عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة آلاف حديث كذبا، وغيره من الملحدين، والحشوية وغيرهم
قال السيد أبو طالب فى كتاب الدعامة: إن كثيرا من أسانيد الاثنى عشرية مبنية على أسام لا مسمى لها من الرجال، قال: وقد عرفت من رواتهم المكثرين من كان يستحل وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه.
وحكى عن بعضهم: أنه كان يجمع روايات بزرجمهر، وينسبها إلى الأئمة بأسانيد يضعها فقيل له فى ذلك فقال: الحق الحكمة بأهلها!!
ومدلسو الأخبار على المسلمين فى كتبهم كثر من الملحدين وغيرهم لا يحتمل ذكرهم هذا الكتاب لكثرتهم وكثرة رواياتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
* وقوله: «ولو كشف الحجاب، لظهر العجاب، من تشبيهات (1) الغرابية، وشهادات الخطابية، وشعوذة المغيرية، وإفك المنصورية، وشرك العميرية، ومين الهريرية (2)، وضلال الكاملية، وتيه المفضلية، وجهل المقاتلية، وفسوق المعمرية، ومروق الحرورية، وتصوير الجوالقية، وتجويز المجبرة (3) الشقية»
__________
(1) فى النسخة التيمورية: شبهات
(2) فى للتيمورية: الحريرية
(3) فى الأصل: وتجوير المحبرة(2/253)
العجاب: أعظم من العجب، ومنه قوله تعالى: {«إِنَّ هََذََا لَشَيْءٌ عُجََابٌ}»
* وقوله: «لقد جار (1) فى التجسيم عن الثّكم، هشام بن الحكم، شبه صانع البرية، بالدرة المضية، ومثله بالخشام، هبلت أمّ هشام، له حد وأبعاض، وحيز وأعراض، تحيط به الجهات الست، الخلف والامام واليمين والشمال والفوق والتحت»
* «وفر من التشبيه ضرار، فلم ينجه الفرار، زعم أن ربه يدرك فى المعاد بحاسة سادسة، بروية منه وفكرة حادسة، يا ضرار بن عمرو، لقد جئت من العجب بأمر، أى حاسة تعقل غير الخمس، من بصر وسمع وشم وذوق ولمس؟ وغير ضرار يجيز رؤية البصر، لما ورد فى الكتاب والخبر، وعنده أن الجسم أعراض بالخلقة مؤلفة، وهى على هذا التأليف مضادة مختلفة، وعنده اثبات فعل واحد على الحقيقة من فاعلين، كجور من جائرين، وعدل من عادلين، وهو أول مبتدع لهذه المقالة، فهل له عند الله من عذر واقالة (2)؟»
* «وإن صح ما روى عن المقاتلية، قد عبدت صنما كأصنام الجاهلية، زعمت أن معبودها كالآدمى من لحم ودم، يبطش بيد ويمشى على قدم»
* «أو صح قول البطحية فى التّلذذ بعذاب النار، لقد سلك واردها سبيلا من الرشد على منار»
يعنى: هشام بن الحكم القطعى، وكان يقول: إن ربه كالدرة المضيّة تتلألأ من كل جوانبها
وحكى عن أبى الهذيل أنه سأل هشام بن الحكم بمنى بحضرة جماعة من المتكلمين، منهم عبد الله بن يزيد فقال: هذا الجبل يومى إلى جبل هنالك أعظم أم ربك؟ فقال هشام: هذا الجبل!!
__________
(1) فى النسخة التيمورية: جار
(2) فى التيمورية: أو اقالة(2/254)
والثكم: الطريق الواضح
والخشام: الجبل الطويل الّذي له أنف
والهبل: الثكل، يقال: هبلته أمه تهبله هبلا، كما تقول: ثكلته تثكله (1)
وقوله: وفر من التشبيه ضرار، فلم ينجه الفرار، يعنى: ضرار بن عمرو الّذي تنسب إليه الضرارية
رئيس الضرارية
وكان ضرار يقول: بفعل من فاعلين على الحقيقة، وإن الله تعالى خالق لأفعال عباده، وهم فاعلون لها على الحقيقة دون المجاز، وهو أول من ابتدع (2)
هذا القول واحدثه
وكان يقول: إن الله تعالى يدرك فى المعاد بحاسة سادسة، وإن الجسم أعراض مجتمعة هى له أبعاض، وإن الأعراض يجوز أن تقلب أجساما، وإن الاستطاعة بعض المستطيع
رئيس الجهمية
* وقوله: «أو صح قول جهم بن صفوان فى أفعال العباد، فلا ذنب للحاضر ولا الباد، إذ (3) الفاعل عنده كشجرة حركت بالريح، صرح بالجبر (4) أى تصريح أو صح قوله فى فناء النار والجنة، انهما (5) لجانى الكبائر أحسن جنة»
* «أو صح قول المرجئة فى اخلاف الوعيد، فما أشبه الشقى بالسعيد، والعفو من الكريم المنان غير بعيد»
يعنى: جهم بن صفوان الترمذي، وكان جهم خرج مع الحارث بن سريح ينتحل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقتل بمرو، قتله سلم بن أحور فى آخر ملك بنى أمية على شط نهر بلخ، وهو الّذي تنسب إليه الجهمية
__________
(1) ثكل ابنه: فقده
(2) ابتدع: أتى بالبدعة، وفى الأصل: أبدع
(3) عن النسخة التيمورية
(4) فى التيمورية: صرح عن الكفر
(5) فى الاصل: أنها(2/255)
وكان جهم يقول: إن الجنة والنار يفنيان، وإن الايمان هو المعرفة دون الاقرار، ودون سائر الطاعات، وإنه لا فعل لأحد على الحقيقة إلا الله تعالى، وإن الخلق فيما ينسب إليهم من الافعال كالشجرة تحركها الريح، إلا أن الله تعالى خلق فى الانسان قوة بها كان الفعل، وخلق فيه إرادة الفعل واختياره، كما خلق فيه سرورا بذلك وشهوة له.
* وقوله: «أو صح قول المجبرة والخوارج فى عذاب الأطفال، لقد حملت أحمال البوازل على الآفال»
الآفال: بنات المخاض فما فوقها
واختلف الناس فى عذاب الأطفال المشركين
فقال واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وغيلان، ومحمد بن الحنفية، وبشير الرجال، والحسن بن أبى الحسن البصرى، وقتادة، وعبد الواحد بن زيد، وجميع المعتزلة، والميمونية، والنجدات من الخوارج: أطفال المشركين فى الجنة ولا يقع العذاب إلا على البالغين، واحتجوا بقول الله تعالى: {«كُلُّ امْرِئٍ بِمََا كَسَبَ رَهِينٌ}» وبقوله: {«لََا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ}» وبقوله: {«وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ}»
أطفال المشركين
قالوا: وليس للأطفال كسب يرتهنون به (1)
وقالت المجبرة كلها، والحشوية، وسائر الخوارج: أطفال المشركين فى النار، لأنهم بعض من أبعاضهم، واحتجوا بأن الله تعالى خسف الأرض بقوم لوط، وأغرق قوم نوح وفيهم الأطفال، قالوا: فلما خسف بهم وأغرقهم مع آبائهم، قلنا:
إنه يعذبهم مع آبائهم فى النار، وكل فعل الله عدل، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
__________
(1) يحاسبون به(2/256)
وقال عبد الله بن يزيد، وابن التمار من الزيديّة، وحسين النجار والمريسى من المرجئة: أطفال المشركين خدم أهل الجنة
وقالت الروافض جميعا إلا هشام بن الحكم: يجوز أن يعذبهم، ويجوز أن يعفو عنهم
* وقوله: «أو صحّ ما قالت العوفيّة، إذا كفر الامام كفرت بكفره الرعية، لقد أخذ المسلم بذنب الكافر، وضربت ذات الخف بجرم ذات الحافر (1)»
* وقوله: «كمداواة ذى العرّ، بكىّ آخر سالم من الضّر»
* «أو صحّ ما روى عن الميمونة من الهنات، من نكاح بنات البنين وبنات. البنات»
العرّ: داء يقع فى الابل، وكانت الجاهلية، إذا وقع العرّ فى إبلهم أخذوا بعيرا سليما منها لا داء به (2) فقطعوا مشفره وكووه، وزعموا أن ذلك يرفع الدّاء من سائر الابل، قال النابغة الذبياني:
وحمّلتنى ذنب امرئ وتركته ... كذى (3) العرّ يكوى غيره وهو راتع
* وقوله: «لقد أحيوا سنة المجوس، وتزويج حاجب لدختنوس»
* «أو صح قول اليزيديّة فى آخر الزّمن، من ظهور نبىّ مؤتمن، يأتى من السماء بكتاب، يزيل ريب كلّ مرتاب، لقد سعد من نسيه الحمام، حتى يدركه نبىّ أو إمام»
كان زرارة بن عدس التميمى مجوسيا، وكذلك ابنه حاجب بن زرارة، كان على دين المجوس، وتزوج ابنته دختنوس، وهو القائل عند وفاته:
__________
(1) نقص بالأصل، وقد أكملناه من النسخة التيمورية
(2) بالأصل: لا دبه
(3) بالأصل: كذا(2/257)
يا ليت شعري عنك دختنوس ... إذا أتاها الخبر المرموس (1)
أتسحب الذّيلين أم تميس؟ ... لا بل تميس، إنها عروس (2)
وقيل: إن دختنوس ابنة أخيه لقيط بن زرارة، وإن لقيطا قائل الأبيات
* وقوله: «أو صحّ ما روى عن مالك، فى العبد المملوك وسيّده المالك، لقد جاء باحدى الكبر، وأتى فى الدين بصمّاء العبر (3)»
* «أو صحّ ما روى عن الشافعى فى القمار بالشّطرنج، فليت شعرى ما عنده فى لعب الزّنج، وضربها على الطبل والصّنج»
* «أو صحّ ما روى عن أبى حنيفة من تحليل مسكر الشّراب، لقد نقل بيت الخمّار إلى المحراب!!»
* «أو صح ما روى عن الجوالقيّة فى تزويج المتعة بالأجور، لقد حملوا المحصنات على الفجور»
* «أو صح قول الأباضيّة إنه يجوز أن يبعث نبىّ بلا دليل، لقد أجازوا النبوّة لكل ضلّيل أو صح قولهم فى تصديق ما ورد من الأخبار، عن (4)
المؤمن والكافر بغير اختيار، لقد خلطوا الصدق بالمين، وصدقوا الأذن على (5) العين»
* «أو صح ما روى عن الخطابيّة من استحلال شهادات الزّور، وأن الشاهد بها منهم على المخالف غير موزور، وأن مخالفيهم ضلّال، وأموالهم ونساءهم لهم حلال، لقد أتوا فى الدّين بشنعاء نآد، وأوهنوا منه عضدا قوية الآد»
__________
(1) الخبر المرموس: المكتوم.
(2) تسحب: تجر. تميس: تتبختر. وفى الأصل.
يا ليت شعرى اليوم دختنوس ... أتلطم الخدين أم تميس
لا بل تميس انها عروس
ويروى: أتحلق القرون أم تميس؟
(3) فى الأصل: الغبر
(4) فى الأصل: من
(5) فى الأصل: عن(2/258)
* «أو صح ما روى عن المعمريّة من استحلال الزنا والفسوق، لقد أقاموا للفساد فى الأرض شرّ سوق»
* «أو صح ما روى عن المعمريّة المفضليّة من ربوبية جعفر، لقد باءوا بذنب غير مكفّر، وأنهم رسله إلى الخليقة، لقد جاءوا فى الدّين بالفليقة، من ربّهم بعد جعفر هلك ذلك الرّب؟ وأصبح به ذو السّنام وهو أجب»
* «أو صح ما روى عن أبى منصور إنه الكسف الساقط من السماء، وإنه عرّج إلى العرش بكلمة يمشى بها على الماء، وأن معبوده مسح رأسه بيده للإيناس، وقال: أى بنيّ اذهب فبلغ عنى كافة الناس، وأن النّار والجنّة، والبدعة والسّنة، أسماء رجال، ما لها غير التسمية من مجال، يجب لبعضهم عداوة ولبعضهم إجلال، فالفروض ساقطة والمحارم حلال، وأن النبوّة لا تنقطع بمحمّد، ولا بد فى كل وقت من نبىّ مصمّد، وأن أول ما خلق الله موسى ثم عليّ، لقد خاب وخسر العجلى، ورجع دون العروج بالعرج، ولم ينج عند الله من حرج»
* «أو صح ما روى عن ولده الحسين من استحلال الخنق، وغيلة المخالف بوقص العنق، وأخذ ما معه من مال، لقد حمل من ظلم البرية أثقل الأحمال، وأنه ولىّ الأخماس، من ما غنم أصحابه من الخنق بالتماس، لقد تزوّد شر زاد للمعاد، وخرج إلى الله بجرم باغ (1) عاد»
* «أو صح ما روى عن المغيرة بن سعيد، لبئس (2) ما حفظ عنه أكرم قعيد، أن معبوده رجل من نور على رأسه من النور (3) تاج، ينبع قلبه بالحكمة ويهتاج، وأن أعضاءه بعدد حروف أبجد، لقد عضه (4) ربه وما مجّد، وأشار بالعورة إلى الصّاد، إن ربك للظالم بالمرصاد، هلك المغيرة، وأحصيت الكبيرة والصغيرة»
__________
(1) فى الاصل: بحزم باع.
(2) فى الاصل: ليس.
(3) فى الاصل: النار.
(4) فى الاصل: غضة(2/259)
* «أو صح قول البيان بن سمعان، إنّ معبوده فى صورة الانسان، وإنه يهلك ويبقى وجهه، كما يهلك بزعمه نظيره وشبهه، وأنه يدعو النجوم بالاسم الأعظم فتجيب، إنّ شأن التميمى لعجيب، لقد بان كفر البيان، وأعلن بالكفر أى إعلان»
* «أو صح ما روى عن المختارية، ونقل عن الضراريّة، أن الدّنيا غير فانية، لقد فاز كلّ جان للذّنوب وجانية»
* «أو صح ما روى عن الطيّارة الغالية أن ربهم يحتجب بأبدان الأئمة، وأن عبادتهم واجبة على كل أمّة، لقد كثرت الأرباب، واتّسع للداخل هذا الباب»
* «أو صح قول أصحاب الرجعة، فى قدوم من انتجع من المنون أبعد نجعة، وظهور الأموات قبل القيامة مع ابن الحنفية، ورد جميع الأديان على الحنيفية (1)، لقد ضعف ناصر الرّمم، وبعد استظهارها على الأمم»
* «أو صح قول الغرابيّة فى أبى تراب، إنه بالنّبي أشبه من الغراب بالغراب، وإنّ جبريل غلط فى تبليغ الرّسالة إلى غير عليّ، لقد نسبوا الغلط جلّ عن ذلك إلى الواحد العلىّ»
* «أو صحّ قول الرّاونديّة إنّ الإمامة من التراث، وإنها لأقرب العصبة من الورّاث (2)، فانها بعد النبىّ للعباس، بغير إفك عندهم ولا التباس، وإن بنى البنات لا يرثون شيئا مع العم، ولا إمامة فى النساء فيدلون بإرث الأم، لقد اشترك فيها البرّ والفاجر، ووقع الاختلاف والتّشاجر، وحكم بها لكلّ ظالم فظ، على قدر الوراثة والحظّ»
* «أو صح قول أصحاب النص بأمامة من فى المهد، وأخذ البيعة له والعهد، لقد
__________
(1) فى الاصل: الحنفية
(2) تروى بالنسخة التيمورية: والوارث.(2/260)
طابقوا الأكاسرة فى تقديم غير الكامل، ووضع التّيجان (1) على بطون الحوامل، والائتمام بالجنين، قبل حدوث النّجو والذّنين (2)»
* «أو صح قول الجارودية إنها منصوصة بالاشارة والوصف، باخبار عندهم كخبر النعل والخصف، لقد وصفوا الخالق بالرّمز، والتلبيس بالاشارة والغمز أو صح قولهم (3) فى حصرها على الذرية، دون غيرهم من البرية، وانها لهم كالقلادة، بما لهم من الولادة»
الكبر: الكبائر، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهََا لَإِحْدَى الْكُبَرِ}
وصماء العبر: اسم من أسماء الداهية. قال الحرمانى يمدح المنذر بن الجارود:
أنت لها منذر من بين البشر ... داهية الدّهر وصماء العبر
يريد: يا منذر
مالك بن أنس
يعنى: مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن حمير ثم من الأصحاب، وهو الّذي تنسب إليه المالكية بالمغرب، ويروى عن المالكية أنهم يستحلون اللواط بالمماليك، وان الشافعية يجيزون القمار بالشطرنج، وأن الحنفية يجيزون شرب الخمر، وأن الروافض يجيزون المتعة
قال المعرى يذكر هذه المذاهب:
الشافعىّ من الأئمة واحد ... ولديهم الشطرنج غير حرام
وأبو حنيفة قال، وهو مصدق، ... فيما يفسّره من الأحكام:
شرب المنصف والمثلث جائز ... فاشرب على أمن من الآثام
وأجاز (4) مالك الفقاح (5) تطرفا ... وهم دعائم قبة الاسلام
__________
(1) فى الاصل: السجان
(2) فى الاصل: والزنين
(3) فى الاصل: قوله
(4) يروى: وأباح
(5) اللواط تقريبا، فالفقحة: حلقة الدبر، وقيل: الدبر الواسع، وقيل: هى الدبر بجمعها، ثم كثر حتى سمى كل دبر: فقحة.(2/261)
وأرى الروافض قد أجازوا متعة (1) ... بالقول لا بالعقد والابرام
فافسق ولط واشرب وقامر واحتجج ... فى كل مسألة بقول إمام
وذو النآد: اسم من أسماء الداهية، قال الكميت:
وإياكم وداهية نآدى ... أظلتكم بعارضها المخيل (2)
والوهن: الضعف، ومنه قوله تعالى: {«فَمََا وَهَنُوا لِمََا أَصََابَهُمْ}» وقوله تعالى:
{«إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}»
والآد: القوة: قال الشاعر:
* باد ما تنهض فى أدها *
والأيد أيضا: القوة، ومنه قوله تعالى: {«وَاذْكُرْ عَبْدَنََا دََاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوََّابٌ}»
وباء: يقال: باء الرجل بإثمه أى احتمله، ومنه قوله تعالى: {«إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}» ويقال: باء أيضا: أى رجع، ومنه قوله تعالى: {«وَبََاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ}» أى رجعوا
ويقال: باء القتيل بالقتيل: إذا كان كف ءا (3) له، ويقال باء بالحق: إذا قرّبه، قال لبيد:
أنكرت باطلها وبؤت بحقّها ... عندى ولم يفخر على كرامها
والفليقة: الداهية
والرب معرّفا: اسم الله تعالى، ورب كل شيء: مالكه
__________
(1) المتعة: التمتع بالمرأة لا تريد ادامتها لنفسك، أى تزوجها إلى أجل فاذا انقضى وقعت الفرقة.
(2) أظله: ألقى عليه ظله، وفى الاصل: أضلتكم. العارض: السحاب. المخيل من السحب: المنذر بالمطر.
(3) فى الأصل: كفالة.(2/262)
والأجب: مقطوع السنام، قال النابغة:
ونمسك بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام (1)
وأول الأبيات:
ألم أقسم عليك لتخبرنى ... أمحمول على النّعش الهمام
فانى لا ألومك فى دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام؟ (2)
فان يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع النّاس والبلد الحرام (3)
ونمسك بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام
وعصام: حاجب النعمان بن المنذر، وهو من تيم اللات بن ثعلبة، وهو الّذي قال فيه النابغة:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكرّ والاقداما
وصيّرته ملكا هماما ... حتى علا وجاوز الاقواما
والمصمد: المقصود كثيرا، قال طرفة:
وإن يلتق الحىّ الجميع تلاقنى ... إلى ذروة المجد الكريم المصمّد (4)
والصّمد: السيد المقصود كثيرا، ومنه قوله تعالى: {«اللََّهُ الصَّمَدُ}»، قال سيرة بن عمرو الأسدى:
ألا بكرّ النّاعى بخير بنى أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصّمد
__________
(1) ذناب كل شيء: عقبه، وأذنوب الشيء: طرفه. أجب الظهر: لا سنام له، يقول نتمسك بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الّذي قد ذهب سنامه
(2) لا ألومك فى الأصل: لا أرومك، وتروى لا ألام على دخول، أى لا ألام على ترك الدخول إليه لأنى محجوب منه لغضبه على وخوفى إياه على نفسى إذ كان قد هدر دمى.
(3) ربيع الناس: جعله بمنزلة الربيع فى الخصب لكثرة عطائه وفضله. البلد الحرام:
هو موضع أمن من كل مخافة لمستجير وغيره، ويروى: الشهر الحرام، والمعنى: ان هلك لم يرع الناس للبلد الحرام حرمة.
(4) ذروة كل شيء: أعلاه. المصمد: الّذي يصمد إليه الناس لشرفه ويلجئون إليه فى حوائجهم. والصمد: القصد.(2/263)
اختلاف الناس في النبوة
واعلم أن الناس اختلفوا فى النبوة: هل هى مخصوصة أم مكتسبة
فقال أصحاب التناسخ منهم أبو خالد الهمدانى، وأبو خالد الأعمى المشعبذ الواسطى، ومن قال بقولهم: إن النبوة مكتسبة بالطاعة، واحتجاجهم فى ذلك أنهم قالوا: لو كانت النبوة من طريق المثوبة على اكتساب الطاعة لكانت جبرا وضرورة، ولو كانت جبرا لكانت الأنبياء غير ممتنعه منها، ولو كان من الأنبياء ثواب على فعل الله فيهم، فصح أنها مكتسبة بالطاعة
وقال حسين النجار ومن قال بقوله، والمريسى من المرجئة، وهشام بن الحكم ومن قال بقولهم: إن النبوة خصوصية من الله عز وجل، وتفضّل على من تفضّل عليه قسرا وجبرا، وإن الله يثبت (1) النبوة على الأنبياء تفضلا، كما تفضل بها عليهم، ويثبتهم على الطاعة دون النبوة جزاء، وعلى الله جزاء المحسنين
وقال واصل بن عطاء، ومن قال بقوله: النبوة أمانة قلدها الله تعالى من كان فى علمه الوفاء بها، والقبول لها، والثبات عليها، من غير جبر، لقوله تعالى: {«اللََّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسََالَتَهُ»} أى لم يجعلها الله تعالى إلا فيمن علم منه الوفاء بها والقبول لها، وثواب الأنبياء على قبولهم وتأديتهم الرسالة، لا على فعل الله تعالى فيهم وتعريضهم
وقال بهذا أبو الهذيل (2)، وبشرين المعتمر (3)، والنظام، وسائر العدلية
والعرج: الصعود، مصدر عرج يعرج بفتح العين من الماضى وضمها من المستقبل، ومنه قوله تعالى: {«تَعْرُجُ الْمَلََائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}»
__________
(1) فى الأصل: ينت
(2) فى الأصل: قال أبو الهذيل.
(3) فى الأصل: المعتم.(2/264)
والعرج: مصدر (1) يعرج: إذا صار أعرج (2) بكسر العين من الماضى وفتحها من المستقبل
والحرج: الاثم، ومنه قوله تعالى: {«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ََ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلََا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}»
وقص (3) العنق: دقه. والوقص (4): العيدان تلقى على النار قال حميد: (5)
لا تصطلى النّار إلا مجمرا أرجا ... قد كسّرت من يلنجوج له وقصا (6)
والقعيد: المقاعد، وهو الجليس المجالس، ومنه قوله تعالى: {«عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ}» والقعيد أيضا: الّذي يحموك من ورائك، والقعيد: الجراد (7) الّذي لم يستو جناحه بعد، والعرب تقول: قعيدك لا آتيك، وهى يمين لهم، قال متمم بن نويرة اليربوعى: (8)
قعيدك ألا تسمعين ملامة ... ولا تنكئى قرح الفؤاد فييجعا (9)
وقعيدة الرجل: زوجته، قال الحطيئة:
أطوّف ما أطوّف ثم آوى ... إلى بيت قعيدته لكاع (10)
والقعيدة: الغرارة (11)، والقعيدة من الرمل: التى ليست بمستطيلة
__________
(1) فى الأصل: مصدرا
(2) فى الأصل: أعرض: (بالضاد)
(3) فى الأصل: وقمص.
(4) الوقص: دقاق العيدان تلقى على النار
(5) حميد بن ثور يصف امرأة.
(6) اليلنجوج: عود طيب الريح وهو الّذي يتبخر به وفى الاصل:
لا يصطلى النار الا محمرا ارجا ... قد كسرت من يلنجوح له وقصا
(7) فى الاصل: الجداد
(8) فى الاصل: نويرة اليربوعى
(9) نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ، وفى الأصل: ولا تنكى قرح الفؤاد قبيحا
(10) لكاع: حمقاء
(11) فى الاصل: العرارة، وهى الغرارة أو شبيهها يكون فيها القديد والكعك(2/265)
والعضه: الشتم، والعضيهة: الشتيمة
والتمجد لله تعالى والتعظيم
والمرصاد: الطريق الواضح، وكذلك المرصد، مثل منهج ومنهاج
والنجعة: الاسم من الانتجاع فى طلب الكلأ
والفظّ: سيئ الخلق، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. والفظّ أيضا: ماء الكرش (1) وقيل: إنّ اشتقاق الرجل الفظّ من هذا
والجنين: الولد ما دام فى بطن أمّه، سمى بذلك لاجتنانه
والنجو فى هذا الموضع: ما يخرج من البطن. والنجو فى غير هذا الموضع:
السّحاب، وجمعه نجاء، قال المسحال الهذيل، واسمه مالك بن عويمر، أحد بنى لحيان بن هذيل:
كالسّحل البيض جلا لونها ... سحّ نجاء الحمل الأسول (2)
والنجو أيضا: السّر. والنجوة: المكان المرتفع الّذي لا يبلغه الماء، قال عبيد:
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكنّ كمن يمشى بقرواح (3)
والنّجوى (مقصورا): السّر. ومنه قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوى ََ}، والنجوى:
مثل المطوى، والمطوىّ: المتمطى ممدود التمطى، قال شبيب بن البرصاء:
__________
(1) فظ: عصر ماء الكرش وشربه فى المفاوز، وهو أن يسقى بعيره ثم يشد فمه لئلا يجتر فاذا أصابه عطش شق بطنه فعصر ما فيه وشرب منه.
(2) جلا: فى الاصل: حلا. السحل: ثوب أبيض رقيق من قطن. وأراد بالحمل:
السحاب الاسود والاسول من السحاب: الّذي فى أسفله استرخاء ولهدبه اسبال
(3) عقوة الدار: ساحتها. والقرواح: الارض البارزة للشمس، والقرواح أيضا:
البارز الّذي ليس يستره من السماء شيء. وفى الأصل:
فمن ينجو به كمن يعقو به ... والمستكن كمن يمشى بفراوح(2/266)
وهمّ تأخذ النّجواء منه ... يعلّ بصالب أو بالملال (1)
والذّنين (2): ما يسيل من الأنف
سابور ذو الأكتاف
وكانت الأكاسرة إذا مات الملك منهم وليس له ولد، وببعض نسائه حمل تركوا تاجه (3) على بطن امرأته الحامل إلى أن تضع ولدها، ثم ملكوه عليهم، ولما هلك هرمز بن نرسا بن نهران الملك الفارسى، ولا ولد له، شق ذلك عليهم، فسألوا عن نسائه، فذكر لهم أن ببعضهن (4) حملا، فأرسلوا إليها: أيتها المرأة التى قد قاست الحمل، قد تعرف علامات الذكران وعلامات الإناث، فأعلمينا بالذى يقع عليه ظنك فى بطنك، فأرسلت (5) إليهم: إنى أرى من نظارة لونى وتحرك الجنين فى الشق الأيمن مع خفة الحمل ويسره ما أرجو أن يكون الجنين ذكرا! فاستبشروا بذلك وعقدوا التاج على بطن تلك المرأة، حتى وضعت غلاما سموه سابور، وهم سابور ذو الأكتاف، وهو أعظم ملوكهم. وأقامت الوزراء يتولون تدبير الأمر والمملكة فى حال صغره على انتشار عظيم، وضاع من ملكهم حتى طمع فيهم من يليهم من أعدائهم، وأوعثت (6) العرب من عبد القيس وغيرهم فى كثير من بلاد فارس، وأكثروا فيها الفساد
فبينما سابور نائم ذات ليلة، وقد أثغر وأيفع (7) إذ أنبهه ضجة الناس وأصواتهم
__________
(1) عل: مرض. صلبت عليه الحمى: دامت واشتدت، فالحمى صالب. الملال:
التصلب من المرض. وفى الأصل:
وهم تأخذ النجوى منه ... تعك بصالب أو بالمرال
(2) الذنين: المخاط السائل، وفى الاصل: والدمن.
(3) فى الاصل: نساجه.
(4) فى الاصل: بعضن.
(5) فى الأصل: فأرسل.
(6) أوعث الامر: أفسده.
(7) أثغر الصبى: سقط أو نبت ثغره، والثغر: مقدم الأسنان، وأيفع الغلام:
يرعرع وناهز البلوغ. وفى الأصل: وقد أثغروا بقع(2/267)
فسأل الخدمة (1) عن ذلك، فأعلموه أن تلك الأصوات مما على الجسر (2) من الناس، وما يصيح (3) به المقبل منهم، والمدبر يتنحى (4) له عن الطريق، فقال وما دعاهم (5) إلى احتمال هذه المشقة وهم يقدرون (6) على ازالتها بأيسر المئونة؟ ألا يجعلون لهم جسرين، فيكون أحدهما للمقبلين والآخر للراجعين، ولا يزحم الناس بعضهم بعضا؟
فسر من حضر بمقالته ولطف فطنته على صغر سنه
فلما أتت له ست عشرة سنة (7) أمرهم أن يختاروا ألف رجل من أهل النجدة (8) والبأس ففعلوا، فأعطاهم الارزاق، ثم سار لهم الى نواحى العرب الذين كانوا يعيثون (9) فى أرضهم، فقتل من قدر عليه منهم ونزع أكتافهم، فسمى ذو الاكتاف لذلك، وهو بانى الايواء الأعظم بالمدائن.
* «لقد شرك فيها ولد قرين، وولد الدّيباج ابن ذى النّورين، كما إن عيسى من ذرية الخليل، لوجود الشاهد والدّليل».
* «أو صحّ قولهم إنها شورى منهم بين الأفاضل، لقد أيّدوا حجة المناضل، ورجعوا إلى العموم بعد الخصّ، وإلى الشورى بعد النص، واستحسنوا ما استقبحوا من قبل، وانقطع بهم عن التّمسك ذلك الحبل (10)».
__________
(1) فى الأصل: فساء لخدمه.
(2) فى الأصل: منما على الحر.
(3) فى الأصل: يصح.
(4) فى الأصل: تتحى
(5) فى الأصل: دعائهم
(6) فى الأصل: يقدرو
(7) فى الأصل: ستة عشر سنة
(8) فى الأصل: من النجد. والنجدة: الشجاعة والبأس.
(9) يعيثون: يفسدون، وفى الأصل: يعبثون.
(10) فى الاصل: الجيل.(2/268)
قرين (1): لقب عثمان بن عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام.
وأم قرين: سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب، وكانت سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب عند مصعب بن الزبير بن العوام، فولدت له جارية، ثم قتل مصعب فخلف عليها عبد الله بن حكيم بن حزام، فولدت له قرينا (2)، وله عقب ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان أخو عمر بن عبد العزيز، فمات بمصر قبل أن يدخل بها ثم تزوجها زيد بن عمر بن عثمان بن عفان، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها، ففعل.
وقال ابن الكلبى: أول أزواج سكينة: الأصبغ بن عبد العزيز، ومات عنها بمصر قبل أن يدخل بها ثم خلف عليها مصعب بن الزبير، وولدت له جارية، ثم خلف عليها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكم بن حزام، فولدت له عثمان الّذي يقال له: قرين، وله عقب، ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف جد إبراهيم بن سعد الفقيه.
قال العقيقي، يحيى بن الحسين الحسينى، فى كتاب أنساب مضر: قتل الحسين ابن على بن أبى طالب عليهما السلام، وعليه بضعة وسبعون ألف دينار، فباع على ابنه ضياعا لأبيه تسقيها (3) عين جدية إلى الوليد بن عقبة بن أبى سفيان، فقضى عن أبيه دينه، فورثها آل حكيم بن حزام.
وأما الديباج: فهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وأمه فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب، وسمى الديباج: لجماله، وكان له قدر ونبل، وكان يقال فيه: سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذريته، وزرع الخليفة المظلوم.
__________
(1) لم يرد هذا اللفظ بالاصل.
(2) فى الاصل: فولدت له قريبا.
(3) فى الاصل: فسقيها(2/269)
وذى النورين: عثمان بن عفان.
وأخذ أبو المنصور الديباج وأخواله الفاطميين، فضرب عنقه صبرا، وله عقب
وكانت بنت الحسين بن على عند ابن عمها الحسن بن الحسن (1) بن على بن أبى طالب، فمات عنها، ثم خلف عليها عبد الله بن عمرو (2) بن عثمان، وهو الّذي يقال له: المطرف، سمى بذلك: لجماله، قال فيه مدرك بن حصن:
كأنّى إذ دخلت على ابن عمرو ... دخلت على مخبئات كعاب (3)
فولدت لعبد الله المطرف: محمد الديباج.
فقال العقيقى، يحيى بن الحسين الحسينى: كان الحسن بن الحسن خطب إلى عمّه الحسين بن على فقال الحسين: يا ابن أخى قد انتظرت هذه منك، اختر:
إما فاطمة، وإما سكينة فاختار الحسن فاطمة، فزوجه، فولدت فاطمة للحسن ابن الحسن: عبد الله بن الحسن وحسنا وإبراهيم وزينب وأم كلثوم، فكانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب عند الوليد بن عبد الملك ابن مروان وهو خليفة، وكانت أم كلثوم عند محمد بن على بن الحسين بن على، فتوفيت عنده وليس لها ولد.
قال العقيقى: فلما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة، قال لفاطمة بنت الحسين:
إنك امرأة مرغوب فيك، فكأنى بعبد الله بن عمرو بن عثمان إذا خرج بجنازتى، وقد جاء على فرس مرجلا جمّته (4) لابسا حليّه يسير فى جانب الناس يتعرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإنّي لا داع ولا رائى من الدنيا همّا غيرك.
قالت له فاطمة: أنت آمن من ذلك وغلّظته الايمان من العتق والصدقة، لا نكحته
__________
(1) فى الاصل: الحسين.
(2) فى الاصل: عمر
(3) كعبت الجارية: نهد ثديها وارتفع وأشرف
(4) رجل الشعر: سرحه. الجمة: مجتمع شعر الرأس، وفى الاصل: مرحلا حمية.(2/270)
ومات الحسن بن الحسن، وخرج بجنازته، فوافى عبد الله بن عمرو بن عثمان، فى الحال التى وصف، وكان يقال لعبد الله بن عثمان: المطرف، من حسنه فنظر إلى فاطمة حاسرة تضرب (1) وجهها، فأرسل إليها: إن لنا فى وجهك حاجة فارفقى!! به فاسترخت يداها، وعرف ذلك فيها وحمرة (2) وجهها فلما رحلت أرسل إليها يخطبها فقالت: كيف بيمينى التى حلفت بها؟ فأرسل إليها: لك مكان كل يمين من مملوك (3) مملوكان، ومكان كل شيء شيئان فوضعها من يمينها، فنكحته، فولدت له محمد الديباج بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وله عقب، والقاسم بن عبد الله، ولا عقب للقاسم، ورقية بنت عبد الله.
قال العقيقى: وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن يكنى أبا محمد، وكان خيّرا، ورئى يوما يمسح على خفيه، فقيل له: تمسح على خفيك؟ فقال: قد مسح عمر ابن الخطاب، ومن جعل عمر بن الخطاب بينه وبين الله تعالى فقد استوثق.
وكان مع أبى العباس السفاح، وكان له مكرما وبه أنيسا، فأخرج يوما سفط (4)
جوهر، فقاسمه إياه، وأراه بناء قد بناه، وقال له: كيف ترى هذا؟ فقال عبد الله متمثلا:
ألم تر حوشبا أمسى يبنى ... قصورا نفعها لبنى نفيله
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله
فقال له أبو (5) العباس: تتمثل بهذين البيتين، وقد رأيت صنيعى (6) بك؟
فقال عبد الله: والله ما أردت بها سوءا، ولكنها أبيات خطرت، فان رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان منى. قال: قد فعلت، ورده إلى المدينة.
__________
(1) فى الاصل: حاسرت تظرب.
(2) فى الاصل: وحمزت.
(3) فى الاصل: ملوك.
(4) السفط: وعاء كالقفة، وفى الاصل: سقط
(5) فى الاصل: فقال له العباس
(6) الصنيع: الاحسان، وفى الاصل: صنعى(2/271)
فلما ولى أبو جعفر ألح فى طلب ابنيه إبراهيم ومحمد ابنى عبد الله، وتغيبا فى البادية، فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبو هما عبد الله بن الحسن بن الحسن واخوته الحسن وداود وإبراهيم، ويشدوا وثاقا ويبعث بهم إليه، فوافوه فى طريق مكة بالرّبذة (1)
موضع قبر أبى ذرّ الغفارى مكتوفين فسأله عبد الله أن يأذن له فى الدخول عليه فأبى أبو جعفر، فلم يره حتى فارق الدنيا، ومات فى الحبس هو واخوته جميعا.
وخرج ابناه محمد وابراهيم، وغلبا على المدينة، ومكة، والبصرة، فبعث إليهما العساكر، فقتل محمد بالمدينة، وقتل ابراهيم بباخمرى (2) على ستة عشر فرسخا من الكوفة.
وادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أخوهما، هو الّذي صار الى الأندلس والبربر فغلب على تلك الناحية.
* «ولن توجد حجة قاطعة على النص والحصر، يشهد لصاحبها على المخالف بالنصر، من تنزيل، لا يعارض بالتأويل، وتأويل لا ينقض بالسماع أو ضرورة العقل، التى لا تفتقر الى النقل».
اختلاف الناس فى الحجة بالخبر بعد النبي صلى الله عليه وسلم
اختلف الناس فى الحجة بالخبر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قول الإمامية
فقالت الإمامية: لا تعقل الحجة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الا عن الامام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) الربذة: قرية قرب المدينة، وفى الاصل: بالرندة
(2) انظر صفحة 210، وهو الموضع الّذي ذكرته الشعراء ممن رثوا ابراهيم فممن ذكر ذلك دعبل بن على فى قصيدة أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
ومنها قوله:
قبور بكوفان وأخرى بطيبة ... واخرى بفخ ما لها صلوات
وأخرى بأرض الجوزبان محلها ... وقبر بباخمرى لدى القريات(2/272)
وقول الزيدية
قالت الزيدية: لا تثبت الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا بشهادة أربعة رجال من أهل العدالة، قياسا على شهادة الزنا.
قول الخوارج
وقالت الخوارج كلها الا الفضيلة: الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة عدلين، لقول الله عز وجل: {«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}».
قول النظام
وقال النظام: لا تعقل الحجة عند الاختلاف من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا من ثلاثة أوجه:
امن نص من تنزيل لا يعارض بالتأويل.
ب أو من اجماع الأمة على نقل خبر واحد لا تناقض فيه.
ج أو من جهة العقل وضرورته.
وبقوله: قال أكثر المعتزلة.
قول أبى الهذيل
وقال أبو الهذيل: الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة عشرين رجلا من أهل العدالة، لقوله تعالى: {«إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}».
قول واصل
وقال واصل بن عطاء، وغيلان بن عمرو بن عبيد: لا تعقل الحجة الا بالاجماع، إما فى اجماع الأمة على الخطأ والكذب من بطلان الدين وعدم الاسلام
قول الجاحظ
وحكى الجاحظ فى كتاب الأخبار: ان من الناس من يقول: إن الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادة سبعين رجلا، من أهل العدالة، لقوله تعالى: {«وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقََاتِنََا}»
قول الحشوية
وقالت الحشوية: كل ثقة من العلماء يأتى بخبر مسند عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو حجة
قول الفضيلية
وقالت الفضيلية من الخوارج: لا تعقل الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا بتقليد أهل الثقة من العلماء الصالحين.
وبه قالت عامة المرجئة(2/273)
وقالت الفضيلية من الخوارج: لا تعقل الحجة فى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا بتقليد أهل الثقة من العلماء الصالحين.
وبه قالت عامة المرجئة
* «قوله أو صحّ ما روى عن عبد الله بن معاوية، لقد هوى به إلى الهاوية، إن العلم ينبت فى قلبه نبات العشب وبنات أوبر، لقد أساء العبارة بما عبّر، وإن روح الله تحولت فى آدم، ثم نسخت فى كل نبى حدث وتقادم، حتى صارت فيه، لقد أعلن (1) بالكفر ما يخفيه، فعبدته شيعته وكفروا بالقيامة، وكفّروا على شرب المدامة»
* «أو صح ما روى عن الشمراخية، لقد شدوا لملل (2) الكفر مرس الأخية، ان الصلاة جائزة خلف من صلى الى القبلة، وإن كان مخالفا للنحلة (3)، من النصارى واليهود، انهم على التصويب لهم شهود»
* «أو صح ما روى عن الصّفرية فى تجويز مناكحة المشركين والمشركات، وقبول شهادتهم وموارثتهم فى التركات، لقد مزجوا الغثّ بالسمين، وجعلوا الكفار مسلمين»
* «أو صح ما روى عن الخشبية فى إجازة نسخ ما حكى (4) الله من الأخبار، لقد نسبوا الكذب جلّ عن ذلك الى الجبار»
أو صح قول التعلبية إن أطفال المشركين (5) مشركون كالآباء، لقد أخذهم بما حمل غيرهم من الأعباء»
* «أو صح قول الفضيلية إنه يكون مؤمنا من أظهر الايمان، وأسر (6)
الكفر بالرحمن، لقد أجازوا النفاق، وأوجبوا عليه الاتفاق أو صح قولهم
__________
(1) فى الاصل: علن.
(2) فى الاصل: الملك، وقد آثرنا ما جاء في النسخة التيمورية.
(3) النحلة: المذهب والديانة، وفى الاصل: للحلة، وفى النسخة التيمورية: للخلة
(4) فى الاصل: ما حلى، وقد أثبتنا ما ورد بالنسخة التيمورية.
(5) فى الاصل: المشركون.
(6) أسر السر: كتمه، وفى الاصل: وأشد(2/274)
فى صغائر الذنوب، لقد حكموا للمؤمنين من الشرك بذنوب»
* «أو صح قول البيهسية إن المسكر إذا اتخذ من المال الحلال، فهو أحل من الماء الزلال، وإن الذنوب موضوعة عنهم فى حال السكر (1)، لقد أتوا فى الدين بشيء (2) نكر، والبيهسية تسير (3) فى المخالف بأخذ المال وقتل الغيلة، وأعمال المكيدة فى ذلك والحيلة».
* «أو صح قول النجدية إن من أذنب منهم فى الايمان غير خارج، ومن أذنب من غيرهم فقد كفر بذى المعارج، لقد صيروا الذنب إيمانا، تكون من العذاب لأهلها أمانا»
* «أو صح قول الأزارقة: إن المسلم بدار الكفر كافر (4)، ليس لذنبه غافر، لقد جعلوا الاسلام كفورا، واتباع الحق نفورا، والأزارقة تستحل قتل الأطفال، وترى مال المخالف من الأنفال، ويحتجون بقوله تعالى: {«رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبََادَكَ، وَلََا يَلِدُوا إِلََّا فََاجِراً كَفََّاراً}».
* «وهذه جملة من مذاهب يسيرة، وقلّ (5) من يمشى بقدم غير كسيرة، وسائرها يكثر به (6) الشرح، ويحسن الالغاء (7) له والطرح، فانظر الى اختلال هذه العقائد، وضلال مقودها والقائد، فكلّ عروة منها انفصام، وخسر من له بها (8) اعتصام».
__________
(1) فى الاصل: المسكر.
(2) النكر: المنكر، وفى الاصل: ذكر.
(3) فى الاصل: نير.
(4) فى الاصل: الكافر.
(5) فى الاصل: وقد.
(6) فى الاصل: تكثرها.
(7) فى الاصل: يحسن الالقا.
(8) فى الاصل: وحرمن له بما.(2/275)
* «أيها الرابط على ما فى الكيس، هل أمنت على ما فيه (1) من التوكيس؟
انصرف به الى الصيارف، فكم له من ناقد وعارف، وطف به على الطوائف، لعله من الزوائف، كم لهذه الجملة من قار، لا يرتدى عند القراءة (2) بوقار، هل معه من الدين غير تقليد، أم فتح بابا مغلقا بالقيد، أنّى بالأران لفارس الأران، وطرفه الحرى بالحران، أين المحض من الضيح، وأبى غبيش (3) من أبى وضيح، ما للهدان بالفتك يدان، ولا للعيهب، اقدام على الغيهب، ظفر طالب الثار (4)
بكبوة العثار، وضعف ظنبوب (5) الرار، عن الفوز بالأبرار، هل يبارى الفرسان الى الأنفال، كفل على ثفال (6)، يعجز عن الزياد، عن الجياد، وعن قبض الرهان، بكليل الجرى (7) مهان، أصبح عن السباق، مضاعف الرباق (8)، وعن الطراد، مثنيا عن المراد»
بنات أوبر (9): ضرب من الكمأة، قال الشاعر:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (10)
والمرس: الحبل، وجمعه: أمراس.
والأخية: مربط الدابة، وهى معروفة.
__________
(1) فى الاصل: على من.
(2) فى الاصل: القرابة.
(3) فى الاصل: وأبو عنيس.
(4) فى الاصل: ظفر طالبا لثأر
(5) فى الاصل: ظبوب
(6) فى الاصل: ثقال.
(7) فى الاصل: الحرى
(8) فى الأصل: الدباق.
(9) بنات أوبر: كمأة صغار مزعبة على لون الأرض
(10) جنيتك: جنيت لك، كقوله تعالى: {«وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ»} وفى الأصل:
حنيتك، وجنى الثمر: تناوله من شجرته. العساقل: السراب(2/276)
والذنوب: النصيب، ومنه قوله تعالى: {«فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحََابِهِمْ}». قال علقمة بن عبّدة (1):
وفى كلّ حىّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشاس من نداك ذنوب
وشاس (2) اسم أخى علقمة.
والذّنوب: الدلو العظيمة، قال الراجز:
إنى إذا نازعنى شريب ... فلى ذنوب وله ذنوب (3)
والذنوب: الفرس الطويل الذنب. والذنب: لحم المتن
والنكر: المنكر، ومنه قوله تعالى: {«لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً}».
والعقائد (4): جمع عقيدة، وعقيدة الرجل: دينه وما يعتقده.
وفصم الشيء: كسره من غير أن يبين، ومنه قوله تعالى: {«لَا انْفِصََامَ لَهََا»}.
والاقليد: المفتاح، وهو جمع على غير القياس، ومنه قوله تعالى: {«لَهُ مَقََالِيدُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ}».
وأنّى بالأران: أى كيف بالأران، ومنه قوله تعالى: {«أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا}»، قال الشاعر:
عجبت لمسراها، وأنّى تخلصت ... إلى، وباب السجن دونى مغلق
__________
(1) هو علقمة الفحل من شعراء الجاهلية، وفى الأصل. علقمة بن عبد.
(2) فى الأصل: شاش، وقد أسره الحارث بن جبلة بن أبى شمر الغسانى، فرحل إليه علقمة يطلبه فيه ومدحه بقصيدة منها هذا البيت.
(3) نازعه: خاصمه. الشريب: صاحبك الّذي يشاربك ويورد ابله معك. الذنوب: الدلو فيها ماء، وقيل: الدلو التى يكون الماء دون ملئها أو قريب منه وقيل: هى الدلو الملآى
(4) فى الأصل: والقائد.(2/277)
والإران: النشاط. والأران: النعش الّذي يحمل عليه الموتى.
والطّرف: الفرس الكريم.
والحرىّ: الحقيق، يقال: فلان حقيق بكذا، وحرى بكذا، وخليق، وقمين، وجدير، كل ذلك بمعنى واحد.
وحران (1) الفرس: معروف.
والمحض: الخالص من اللبن.
والضيح: الممزوج بالماء.
وأبو غبيش: الليل، وغبشه: ظلامه.
وأبو وضيح: النهار، وضحه: ضوؤه، قال الفراء: فى الحديث: «صوموا من وضح الى وضح»، يريد: من ضوء الى ضوء. وجاء بهما مصغرين، وهو يريد التكثير، كما قال الحباب بن المنذر يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منّا أمير ومنكم أمير.
والهدان: الرجل الأحمق الخامل، والجمع هدون.
والعيهب: الرجل الضعيف عن طلب وتره. قال محمد بن حمران الجعفى (2)، وليس الشويعر الحنفى:
حللت به وترى وأدركت ثؤرتي ... إذا ما تناسى ذحله كلّ عيهب (3)
والعيهب: الظلمة.
__________
(1) فى الأصل: وخراب. وحرن: وقف ولم ينقد
(2) فى الأصل: حميد، وفى لسان العرب نسب البيت للشويعر، ثم قال: الشويعر هذا هو محمد بن حمران الجعفى، وهو أحد من سمى فى الجاهلية بمحمد، وليس هو الشويعر الحنفى، والشويعر الحنفى اسمه هانئ بن توبة الشيباني.
(3) الوتر: الانتقام والظلم فيه. الذحل: الثأر. وفى الاصل:
حللت به وترى وأدركت ثورتى ... اذا ما تناسى ذحله كل عيهب(2/278)
والكبوة: السقوط، يقال منه كبا يكبو: إذا سقط.
والظنبوب (1): عظم الساق.
ويقال، مخ رار: أى ذائب من الهزال، يقال: لمخ الضعيف: رار، ولمخ السمين: نقىّ.
والأبرار: السبق والغلبة. والمباراة (2): المسابقة.
والأنفال: الغنائم، وهى جمع نفل، وهى الغنيمة، قال لبيد.
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وباذن الله ريثى والعجل
والكفل: الّذي لا يستقيم على ظهر الفرس ولا يحسن ركوب الخيل، والثّفال بالفتح: الجمل البطيء (3)
والذّياد (4): الطرد.
والجياد: الخيل، ومنه قوله تعالى: {«إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصََّافِنََاتُ الْجِيََادُ}».
والرّهان: جمع رهن وهو ما يرهن عند السباق.
والكليل: نقيض الحديد
والرّباق: جمع ربقة: وهو حبل يشد به العنق.
* «قوله: وقد جمع بين المين الغابر، والمعن السائر، دهر كأم الستة من الدوائر، واللبيب مع الجميع، كحد السريع، نزل للخلاص بربع غير مريع، لا يستمتع بضرع ولا ضريع، ولزم للفكاك جزءا وحده، واشتركت الثلاثة فى
__________
(1) الظنبوب: حرف الساق اليابس من قدم، وقيل: هو ظاهر الساق، وفى الأصل: طنبوب.
(2) فى الأصل: الحاراه
(3) فى الأصل: الحمل البطيء.
(4) فى الأصل: الرباد.(2/279)
الجزء الّذي بعده، ولزم الآخران ثالث الأجزاء، وهو [آخر النقوض والأبزاء، ولن يكون فكّ إلا من حركة، من (1)] آخر الدوائر المشتركة، وربما أدت الحركة، إلى غير البركة، وإل بالحرف، السكون إلى حذف (2)»
* «كثرت حركات المتكاوس فسمى مخبولا، وأصبح على النقص مجبولا (3)، وطرح من عبّه الضروب، وأفلت شمسه بالغروب، واعتدلت حركات المتواتر، فستره (4) عن الوصم ساتر، والناس للدهر نظام وقصيد، وزروع منها قائم وحصيد، وقد تدخل العلل على صحيح الوزن، وتبدل سهله بالحزن، وربما قطع المذال، فاستراح العذال، وحذف المشبع، وبشر (5) بغير السلامة مربع، وإلى النقص غاية التمام، ونغّص (6) اللذات ذكر الحمام، وإقبال الدهر إدبار، وعجماؤه جبار، لا يطلب (7) فى الجناية بضمان، وكم وقع هلك من أمان».
والمبن: المقيم، يقال: أبن بالمكان: إذا أقام به.
والغابر: الباقى، ومنه قوله تعالى: {«إِلََّا عَجُوزاً فِي الْغََابِرِينَ}».
والمعن: الّذي يلبس فرسه العيان.
والرّبع: المكان المرتفع، قال عمارة: هو الجبل.
والريع: الطريق، ومنه قوله تعالى: {«أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}».
والضريع: يبس الشبرق، وهو نبت، وقد تقدم تفسير ذلك والحجة عليه وكذلك قد تقدم ذكر حدود العروض ودوائرها وفكوكها، فلا معنى
__________
(1) نقص بالأصل، وقد أكملناه من النسخة التيمورية:
(2) فى الأصل: وال بالحروف السكون الى حذف يكون، وقد أثبتنا ما ورد بالنسخة التيمورية.
(3) فى الأصل: وأصبح محبولا
(4) فى الأصل: قتوه.
(5) فى الأصل: ودثر
(6) فى التيمورية: ونقص.
(7) فى الأصل: وأبطلت(2/280)
لاعادة ذلك.
والنقوض (1): يقال: تقوضت الصفوف: إذا انتقضت، وتقوضت الخلق:
إذا تفرقت.
والأبزاء (2): رفع العاجز للنهوض
والمخبول من إجزاء العروض: ما دخل عليه الخبن والطى، فالخبن: سقوط ثانيه الساكن، والطى: ذهاب رابعه الساكن، مثل: مستفعلن، سقطت منه السين والفاء، فحول إلى فعلين، واشتقاقه من الخبل بالتسكين: وهو فساد الأعضاء، قال أوس:
أبني لبينى لستم بيد ... إلا يدا مخبولة العضد
والمخبول: المخلوق.
والوصم: العيب، قال الشاعر:
فان تك جرم ذات وصم فانما ... دلفنا إلى جرم بالأم من جرم (3)
والمذال من الأجزاء: ما كان فى آخره وتد مجموع فزيد عليه حرف من غير الجزء، مثل فاعلن فصار فاعلاتن، فاذا قطع أسقطت منه الألف والنون وأسكنت اللام، فيصير فاعل، فتحول إلى مثله من الفعل، وهو مثل فعلن، والقطع فى الأوتاد، والحذف فى الأسباب.
والمشبع: ما كان فى آخره سبب خفيف مثل فعولن فزيد عليه الألف فصار فعولان، فاذا حذفته أسقطت اللام والنون والألف من آخره فبقى فعو، وهو المحذوف
قوله: وبشر بغير السلامة مربع، يريد قول جرير:
__________
(1) فى الأصل: والنقوص، وتقوصت، اذا انتقصت، وتقوصت.
(2) فى الأصل: والأبذاء.
(3) جرم: بطنان، بطن فى قضاعة وهو جرم بن زياد، والآخر فى طيئ، وجرم أيضا: قبيلة من اليمن(2/281)
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يا مربع
وهو مربع بن وعوعة بن سعيد بن قرط من بنى كلاب بن ربيعة، وكان (1)
راوية جرير، قال الصنعانى: مربع لقبه، واسمه وعوعة.
والجبار: الهدر، يقال: ذهب دمه جبارا، أى هدرا (2)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: العجماء جبار (3) أى هدر، وإنما جعل جرح (4) العجماء هدرا إذا كانت منفلتة وليس معها قائد ولا سائق ولا راكب، فاذا كان معها أحد هؤلاء فهو ضامن، لأن الجناية له لا للعجماء، إلا فيمن لا يمكنه، نحو أن تركض (5) ما خلفها برجلها لأنه لا يبصر ما خلفه ولا يمكنه منعها منه فى حال سيره، فاذا كان واقفا عليها فى طريق لا يملكه، ضمن ما أصابت بيدها أو رجلها أو غير ذلك.
فى أصول الفقه
ومن ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى أصول الفقه قوله: «الخراج بالضمان، والعجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفى الرّكاز الخمس، والمنحة مردودة، والعارية مؤداة، والزعيم غارم، ولا يغلق الرهن بما فيه، ولا وصية لوارث، ولا قطع فى ثمر ولا كثر، ولا قود إلا بحديد، والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها، ولا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا، ولا طلاق فى إغلاق، والبيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، والجار أحق بسقبه (6)، والطلاق بالرجال، والعدة بالنساء.
__________
(1) فى الأصل: وان كان.
(2) لم يؤخذ بثأره
(3) فى الاصل: جرح العجماء جبارا
(4) فى الأصل: خرج، ولكن معنى الحديث: ان تنفلت البهيمة العجماء فتصيب فى نفلاتها انسانا أو شيئا، فجرحها هدر
(5) ركضه: دفعه
(6) سقب البيت: قرب، وفى الأصل: يصقبه(2/282)
ونهى عن بيع المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والثّنيا (1)، وعن ربح ما لا يضمن، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيعتين فى بيعة، وعن الغرر (2)
وبيع المواصفة، وعن تلقى الركبان، وعن الكالئ بالكالى، وعن بيع وسلف، وعن العربان (3)، وعن النجش، والمنابذة، والملامسة (4)، وعن حلوان الكاهن، وعن عسب الفحل (5) وعن المجر، والملاقيح، والمضامين، وحبل الحبلة (6).
وقال: ليس فى الجبهة (7) ولا فى النّخّة (8) ولا فى الكسعة صدقه.
الخراج بالضمان
فالخراج بالضمان فى ضروب من البيع، مثل: رجل يشترى عبدا فيغله كل يوم دينارا، ثم يجب له ردّه على بائعه لعيب يجده فيه، كان به قبل ابتياعه، فانه يردّه على بائعه، وله ما أغله بضمانة رقبته، لأنه لو تلف عنده كان من مال المشترى
البئر جبار
وقوله: والبئر جبار: قيل هى البئر العادية لا يعرف من حفرها تكون فى فلاة، فمن وقع فيها فهو جبار وقيل: هى البئر تكون فى ملك الإنسان، فان سقط فيها إنسان أو دابة فلا ضمان عليه وقيل: هو رجل يستأجر من يحفر له بئرا فى ملكه فينهار به، فلا ضمان عليه.
__________
(1) الثنيا المنهى عنها فى البيع: أن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع، وذلك إذا باع بثمن معلوم واستثنى رأسه وأطرافه فان البيع فاسد، وقيل: هو ان يباع شيء جزافا فلا يجوز أن يستثنى مه قل أو كثر. وفى الأصل: والثباء
(2) الغرر: التغرير
(3) فى الأصل: الغربان
(4) فى الأصل: والمسلامة
(5) العسب: ماء الفحل فرسا كان او بعيرا، ولا يتصرف منه فعل
(6) بيع حبل الحبلة: هو أن يباع ما يكون فى بطن الناقة وقيل: بيع حمل الكرمة قبل أن تبلغ، وجعل حملها قبل أن تبلغ حملا، وهذا كما نهى عن بيع ثمر النخلة قبل أن يزهى، وقيل:
ولد الولد الّذي فى البطن، وكانت العرب فى الجاهلية تتبايع على حبل الحبلة فى أولاد أولادها فى بطون الغنم الحوامل، وقال أبو عبيد: حبل الحبلة: نتاج النتاج وولد الجنين الّذي فى بطن الناقة وهو قول الشافعى، وقيل: كل ذات ظفر حبلى
(7) الجبهة: اسم يقع على الخيل لا يفرد
(8) النخة: الرقيق من الرجال والنساء، يعنى بالرقيق: المماليك، وقيل النخة:
كل دابة استعملت من ابل وبقر وحمير ورقيق. وفى الأصل: النحة(2/283)
والمعدن جبار
قوله: والمعدن جبار: هى هذه المعادن التى يستخرج منها الذهب والفضة، فيحفر فيها قوم بالأجرة، فربما انهار (1) المعدن عليهم فقتلهم قدما، وهم جبار لأنهم عملوا بأجرة، وهذا أصل فى كل عامل عمل بأجرة ثم عطب أنه لا ضمان على مستأجره.
الركاز
والرّكاز عند أهل الحجاز: الكنوز الجاهلية توجد مدفونة، وفيها ما فى أموال المسلمين من كل مائتى درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا (2) نصف مثقال، وما زاد فبحساب ذلك، هذه حكاية أبى القاسم الزجاجى عند أبى عبيد.
لا يغلق الرهن بما فيه
وقوله: لا يغلق الرهن بما فيه، أى لا يستحقه المرتهن ولا يحال بين الراهن وبينه إذا أدّى فكاكه والفقهاء مختلفون فى الرهن إذا تلف عند المرتهن، فمنهم من يقول: هو بما عليه، ومنهم من يقول: هو من مال الراهن له فضله وعليه نقصانه.
المنحة مردودة
وقوله: والمنحة مردودة: أصل المنحة الناقة والشاة يمنحها الرجل رجلا آخر ينتفع بلبنها مدة ثم يردها، فردها واجب (3) عليه إلى صاحبها هذا أصل المنحة، ثم كثر استعمالها حتى جعلت الهبة والصلة: منحة.
أنواع العارية عند العرب
وللعرب أسماء تضعها موضع العارية
فمنها: المنحة، والعرية، والأفقار، والأخبال، والإكفاء، والأعمار، والأقارب.
العرية
فالعرية: هى النخلة يهب الرجل ثمرها لرجل آخر عامه ذلك، وهى التى رخص فى بيع ثمرها قبل أن تصرم، واشتقاقها من الأعراء والتجرّد، كأنه لما وهب ثمرها فقد عراها
__________
(1) فى الأصل: انها
(2) فى الاصل: مثقال
(3) فى الاصل: وجب(2/284)
الافقار
والأفقار: أن يعطى رجل رجلا دابته فيركبها ما أحبّ ثم يردها، واشتقاقه من فقار الظهر.
الاخبال
والأخبال: أن يعطى الرجل الرجل البعير أو الناقة، يركبها ويجتز وبرها وينتفع بها ثم يردها، قال زهير:
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا (1)
واشتقاقه من قولهم: به خبل وخبال، والخبل: فساد الأعضاء، فاذا أصابت الرجل السنة استخبل صاحبه، أى استدعى منه معونته على ما به من خبل، فأخبله، أى أعانه، قال الشاعر:
لما أتانى حيدر مستخبلا ... أخبلته قرما هجانا فابتهج (2)
الاكفاء
والأكفاء: أن يعطى الرجل الرجل الناقة لينتفع بلبنها ووبرها وما تلده فى عامها ثم يردها، والفرق بين الأخبال والأكفاء: أن المخبل يردّ الولد، والمكفأ لا يرده، والاسم منه الكفاءة، قال ذو الرمة:
كلا كفأتيها تنقصان ولم تجد ... لها ثيل سقب فى النّتاجين لامس (3)
يقول: إنها نتجت أناثا كلها، والهاء فى له عائدة على الفحل فى البيت الّذي قبله
الأعمار والأقارب
وأما الأعمار والأقارب: فهو فى الدور والمساكن، والاسم منه: العمرى، والرقبى
العمري
فالعمرى (4): أن يسكن الرجل الرجل، دارا عمره، فاذا مات الساكن.
أخذها المسكن، وهى مشتقة من العمر
__________
(1) هنالك إن يستخبلوا المال: أى فى تلك الشدة يفضلون ويتكرمون. وان ييسروا يغلوا:
إذا قامروا بالميسر يأخذون سمان الجزر فيقامرون عليها لا ينحرون إلا غالية
(2) القرم: الفحل إذا ترك عن الركوب والعمل. الهجان من الابل: البيض الكرام يستوى فيه المذكر والمؤنث والجمع.
(3) كلا كفأتيها: يعنى أنها نتجت كلها أناثا وهو محمود عندهم. كفأة الابل: نتاج عام، ونتج الابل كفأتين وأكفأها: اذا جعلها كفأتين، وهو أن يجعلها نصفين ينتج كل عام نصفا ويدع نصفا كما يصنع بالارض بالزراعة، لان أفضل النتاج أن تحمل على الابل الفحولة عاما وتترك عاما
(4) العمرى والرقبى: أن يدفع الرجل إلى أخيه؟؟؟ د فيقول: هذه لك عمرك أو عمرى أينا مات دفعت الدار إلى أهله وكذلك كان فعل العرب فى الجاهلية(2/285)
القربى
والرّقبى: أن يسكن الرجل الرجل دارا، فاذا مات المسكن، ردها الساكن على ورثته، يقال: أعمرتك دارا وأرقبتك دارا
العارية
وقوله: والعارية مؤداة: يقول ردّها واجب على المعار إلى صاحبها
الوصية
وقوله: ولا وصية لوارث: فإن للرجل أن يوصى بثلث ماله، ولا يزيد عليه، ويستحب له أن يوصى بأقل من الثلث، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسعد: والثلث كثير، لأن تترك عيالك أو ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة (1) يتكففون الناس
واختلف الناس فى الثلث الّذي يجوز للرجل أن يوصى به، هل يجوز أن يوصى به لأحد من الورثة؟
فقال أكثر الأئمة: لا يجمع بين الميراث والوصية، ولا تجوز الوصية لأحد من الورثة، وإنما تجوز لغير الوارث، واحتجوا بالخبر: لا وصية لوارث
ومنهم من قال: يجوز أن يوصى بالثلث لبعض ورثته دون بعض، وإن معنى الخبر: لا وصية لوارث، فيما زاد على الثلث
الثمر والكثر
وقوله: لا قطع فى ثمر ولا كثر، الكثر: جمار النخل وهو شحمه، ولا قطع فى الثمر إذا أخذ من رءوس الشجر، فأما إذا أحرز فحكمه حكم غيره من الأموال المحرزات، وفيه القطع
القود
وقوله: لا قود إلا بحديد، فيه اختلاف بين الفقهاء
منهم من قال: من قتل إنسانا بغير حديد لم يجب عليه القتل، وإنما تجب عليه الدية، فان قتله بحديدة وجب عليه القود والقتل
__________
(1) عالة: فقراء(2/286)
وبعضهم يقول: إذا قتله بما بمثله يقتل، قتل، مثل أن يرميه بصخرة عظيمة وما أشبه ذلك، فانه يقتل
عقل المرأة
وقوله: والمرأة تعاقل (1) الرجل إلى ثلث ديتها، أى تساوى الرجل فيما دون ثلث ديتها، ثم دية المرأة نصف دية الرجل فى الثلث وفيما زاد على الثلث، ومساواتهما فيما دون الثلث من الدية، نحو الأصبع فان فيها خمسا من الابل وكذلك الأصبعان، والثلث مما لا يجب فيه ثلث الدية، فان دية أعضاء الرجل فيه كدية أعضاء المرأة، فاذا بلغت الثلث صارت المرأة على النصف من دية الرجل، نحو دية اليد والرجل والعين، وما أشبه ذلك
لا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا
وقوله: ولا تعقل العاقلة (2) عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا، يقول:
لا تحمل عاقلة الرجل قتل العمد، لأن ذلك فى صليب ماله، ولا صلحا، ولا ما اعترف به، ولا عبدا
__________
(1) العقل: الدية، سميت عقلا، لأن الدية كانت عند العرب فى الجاهلية ابلا لأنها كانت أموالهم، فسميت الدية عقلا، لأن القاتل كان يكلف أن يسوق الدية إلى فناء ورثة المقتول فيعقلها بالعقل ويسلمها إلى أوليائه، وأصل العقل: مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، وهو حبل تثنى به يد البعير إلى ركبته فتشد به، قال ابن الأثير: وكان أصل الدية الابل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم وغيرها
(2) العاقلة: هم العصبة وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ وهى صفة جماعة عاقلة، وأصلها اسم فاعلة من العقل وهى من الصفات الغالبة، ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوة الجانى من قبل الأب فيحملون ما تحمل العاقلة فان احتملوها أدوها فى ثلاث سنين وإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جد أبية فان لم يحتملوها رفعت إلى بنى جد أبى جده، ثم هكذا لا نرفع عن بنى اب حتى يعجزوا
وقال اسحاق بن منصور: قلت لأحمد بن حنبل: من العاقلة؟ فقال: القبيلة، إلا أنهم يحملون بقدر ما يطيقون، قال: قال لم تكن عاقلة لم تجعل فى مال الجانى ولكن تهدر
وقال اسحاق: إذا لم تكن العاقلة أصلا، فانه يكون فى بيت المال ولا تهدر الدية(2/287)
لا طلاق فى اغلال
وقوله: ولا طلاق فى إغلاق، الأغلاق: الاكراه، وهو من إغلاق الباب، أى لا سبيل إلى التخلص مما أكره عليه
البيعان بالخيار
وقوله: والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، هما البائع والمشترى، سميا بيّعين لأن كل واحد منهما يقال له: بائع، والبيع فى كلام العرب من الأضداد، يقال:
بعت الشيء إذا بعته، وبعته إذا اشتريته، قال الراجز:
إذا الثريا طلعت عشاء ... فبع لراعى غنم كساء
أى اشتر
واختلف الفقهاء فى افتراق البيّعين
فمنهم من قال: الافتراق افتراق الأبدان.
ومنهم من قال: الافتراق بالقول ووقوع العقد
الجار أحق بسقبه
وقوله: والجار أحق بسقبه، (1) أى بما لاصقه وقاربه والسقب: (2) القرب، يقال:
أسقبت (3) دارك، أى دنت، يرى الشفعة.
الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
وقوله الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، وهو مذهب أهل المدينة، وذلك فى الأمة تكون تحت الحر فأن عدتها حيضتان، والحرة تكون تحت العبد فعدتها ثلاث حيض، وكذلك قال أهل العراق فى العدة وخالفوا فى الطلاق، فقالوا:
الطلاق بالنساء: وقال أهل المدينة: هو بالرجال
المخابرة
وأما المخابرة: فهى المزارعة على النصف والثلث والربع، وأكثر من ذلك وأقل، وهو الخبر أيضا بالكسر، ومن ذلك قيل للأكار: وهو الزراع خبير، وكان ابن الأعرابى يقول: أصل المخابرة من خيبر لأن النبي صلى الله عليه وآله
__________
(1) سقب البيت: قرب، وفى الأصل: بصقبه
(2) فى الأصل: الصقب.
(3) فى الأصل أصقبت(2/288)
وسلم أقرّها فى أيدى أهلها على النصف، فقيل: خابروهم، أى عاملوهم بخيبر، قال: ثم تنازعوا، فنهى عن ذلك، ثم جازت بعد
المحاقلة
وأما المحاقلة، ففيها ثلاثة أقوال:
قال بعضهم: هو بيع الزرع فى سنبله بالحنطة
وقيل: هو أكثر الأرض بالحنطة
وقيل: هى المزارعة بالثلث والربع وأكثر من ذلك وأقلّ
واشتقاقه من، الحقل وهو الزرع إذا تشعّب (1) ورقه قبل أن يغلظ (2) سوقه (3)
المزابنة
وأما المزابنة (4): فهى بيع التمر فى رءوس النخل بالتمر كيلا، وبيع العنب على الكرم بالزبيب كيلا، واشتقاقه من الزّبن، وهو الدفع، لأن المتبايعين إذا وقفا فيه على العين تزابنا، أى تدافعا، فأراد الغابن (5) أن يمضى البيع، وأراد المغبون أن يفسخه
وروى عن مالك أنه قال: المزابنة كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده ابتيع بشيء مسمى من الكيل والوزن والعدد
المعلومة
وأما المعلومة: مبيع النخل أو الشجر سنتين أو ثلاثا أو أكثر من ذلك، وهو مشتق من العام
قال الأصمعى: يقال للنخلة إذا حملت سنة، ولم تحمل سنة: قد عاومت وسانهت ويقال: عاومت فلانا معاومة ومسائهة ومشاهرة
الثنيا
وأما الثّنيا: فيبيع الرجل شيئا جزافا لم يعرف كيله ولا وزنه ولا عدده،
__________
(1) تشعب: صار ذا شعب، وفى الأصل: تثعب
(2) فى الأصل: يغلط
(3) السوق: الساق
(4) زبنه: دفعه وصادمه
(5) غبنه فى البيع والشراء: خدعه(2/289)
ثم يستثنى منه شيئا، مكيلا أو موزونا أو معدودا، قلّ ما استثناه أو كثر، فلا يجوز ذلك، لأنه لا يدرى لعل ما استثناه يأتى على جميعه، إن كان لا يؤمن فيه مثل ذلك ولا يدرى كم يبقى منه، هذا مذهب الشافعى فى الاستثناء
وقال مالك: من باع ثمرة فاستثنى منه مكيلا فلا بأس بذلك، إذا كان المستثنى ثلث ذلك الشيء فما دونه، هذا هو الثنيا فى البيع
وأما فى المزارعة: فأن يستثنى بعد الثلث أو النصف كيلا معلوما، فهذا معنى الثنيا
بيع ما لم يقبض
وأما بيع ما لم يقبض: ففيه وجوه: منها أن يسلم الرجل فى طعام ثم يبيعه من غير المسلم إليه، قبل أن يقبضه، فان باعه بأكثر من الثمن فهو ربح ما لم يضمن
بيعتان في بيعة
وأما بيعتان: فمثل أن يشترى الرجل السلعة إلى شهر بدينارين، وإلى ثلاثة أشهر بثلاثة دنانير، وهو شرطان فى بيع
بيع المواصفة
وبيع المواصفة: هو أن يبيع الرجل سلعة ليست عنده، ثم يبيعها المشترى بالصفة قبل القبض والرؤية، وإنما قيل لها: مواصفة، لأنه باع من غير نظر ولا جبارة ملك
وكان عبد الله بن عمر يقول للبائع: لا تبع ما ليس عندك، ويقول للمشترى:
لا تشتر ما ليس عنده
تلقى الركبان
وتلقى الركبان: هو تلقّى الجلوبات، وكان أهل المصر (1) إذا بلغهم ورود الأعراب بالسلع تلقوهم قبل أن يدخلوا المصر فاشتروا منهم، ولا علم للاعراب بسعر المصر فغشّوهم، ثم أدخلوه المصر فأغلوه
بيع حاضر لباد
ومثله النهى عن بيع حاضر لباد، وكان الاعراب إذا قدموا بالسلع توكل لهم ناس من أهل المصر فى بيعها، وانطلق الاعراب إلى باديتهم، فنهوا عن ذلك، ليصيب الناس معهم
__________
(1) المصر: المدينة(2/290)
الكالى بالكالى
وأما الكالئ بالكالى (1) فهو النّسيئة بالنّسيئة (2) مهموز
قال أبو عبيدة: وهو مثل أن يسلّم الرجل إلى الرجل مائة درهم إلى سنة فى كرّ (3) طعام، فاذا انقضت السنة ووجب الطعام عليه، قال الّذي عليه الطعام للدافع: ليس عندى طعام، ولكن هذا، يعنى الكرّ، بمائتى درهم إلى شهر، فهذه نسيئة انتقلت الى نسيئة، وهو الكالئ بالكالئ، وما أشبهه، ولو كان قبض الطعام منه ثم باعه منه أو من غيره بنسيئة، لم يكن كالئا بكالئ
قال الأموى: يقال بلغ الله بك كلأ العمر، أى آخره، وأبعده، وهو من التأخير.
البيع والسلف
وأما البيع والسلف، فهو أن يقول الرجل لصاحبه أبيعك هذه السلعة بكذا على أن تسلفنى كذا وكذا، لانه لا يؤمن أن تبيعه السلعة بأقل من ثمنها، من أجل القرض
بيع العربان
وأما بيع العربان: فهو أن يساوم الرجل بسلعة ثم يدفع إلى صاحبها دينارا أو درهما عربونا، على أنه ان اشترى سلعة كان الّذي دفعه إليه من الثمن، وإن لم يشترها كان ذلك الشيء لصاحب السلعة، لا يرتجعه منه، يقال: عربان وعربون، وأربان وأربون، وهو الّذي تسميه العامّة الرّبون
النّجش
وأما النّجش (4) فى المبايعة: فهو أن يدخل الرجل فى ثمن السلعة، وهو لا يريد شراءها ليزيد غيره بزيادته، وهو من نجش الصّيد، وهو جوشه وسوقه إلى الشرك، يقال للصّائد: ناجش، ونجش الأمل: جمعها بعد التفرق، قال الراجز:
اجرش لها يا ابن أبى كباش ... فما لها اللّيلة من إنفاش
__________
(1) الكالئ والكالى: العربون والدين المتأخر
(2) النسيئة: التأخير
(3) الكر: مكيال، قيل إنه أربعون إردبا، وقيل غير ذلك، والجمع أكرار
(4) تناجش القوم فى البيع وغيره: تزايدوا(2/291)
غير السّرى وسائق نجّاش (1)
المنابذة
والمنابذة (2): أن يقول الرجل لصاحبه انبذ إلى الثوب أو غيره من المتاع، أو أنبذه إليك، وقد وجب البيع بكذا وكذا
وقيل: هو أن يقول الرجل: إذا نبذت أليك الحصاة من يدى، فقد وجب البيع بكذا، وهو معنى قوله: إنه نهى عن بيع الحصاة
الملامسة
والملامسة: أن يقول الرجل إذا لمست ثوبى، أو لمست ثوبك، فقد وجب البيع بكذا
وقيل: بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثوب ولا ينظر إليه
فهذه بيوع كان أهل الجاهلية يتبايعونها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها
حلوان الكاهن
وأما حلوان الكاهن: فهو ما يعطاه الكاهن على كهانته، يقال: حلوته، إذا أعطيته على فعله
والحلوان (3) أيضا: الرشوة، وهو ما يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه، وكانت العرب تعيّر به، قالت امرأة فى زوجها:
* لا يأخذ الحلوان من بناتنا *
عسب الفحل
وعسب الفحل: كراؤه، الّذي يؤخذ على ضرابه (4)
__________
(1) أنفش الراعى الغنم: أرسلها ليلا ترعى ونام عنها، أى تركها ترعى بلا راع.
السرى: سير الليل. النجش: السوق الشديد. النجاش: الّذي يسوق الركاب والدواب فى السوق يستخرج ما عند ما من السير
(2) كانوا فى الجاهلية يحضر الرجل قطيع الغنم فينبذ الحصاة ويقول لصاحب الغنم:
إن ما أصاب الحجر فهو لى بكذا، وكانوا يدعون هذا البيع: بيع المنابذة، وبيع القاء الحجر، وبيع الحصاة
(3) وحلا الرجل حلوا وحلوانا: وذلك أن يزوجه ابنته أو أخته أو امرأة ما بمهر مسمى على أن يجعل له من المهر شيئا مسمى
(4) ووجه الحديث: أنه نهى عن كراء عسب الفحل، فحذف المضاف، وهو كثير فى الكلام. واعارة الفحل مندوب إليها(2/292)
المجر
والمجر: أن يشترى الرجل البعير أو الناقة أو غير ذلك بما فى بطن ناقته، قبل أن تضعه
الملاقيح
والملاقيح: ما فى البطون، وهى الأجنة لم تولد، واحدتها: ملقوحة
المضامين
والمضامين: ما فى أصلاب الفحول، كانوا يتبايعون الجنين الّذي فى بطن الناقة، وما يضرب الفحل فى عامه وفى أعوام، وهذا الغذوىّ (1) قال ابو عمرو الشيبانى: الغذوى: أن يباع البعير أو الفرس أو غير ذلك بما يضرب هذا الفحل فى عامه، وانشد للفرزدق:
ومهور نسوتهم اذا ما أنكحوا ... غذوىّ كلّ هبنقع تنبال (2)
حبل الحبلة
وحبل الحبلة. نتاج النتاج، كأنه ولد ما يولد بعد إذا ولد ثم يولد ولدا، فذلك حبل الحبلة، وهذا كله كان لاهل الجاهلية يفعلونه ويتبايعون بينهم، ثم نهى عنه الاسلام.
الجبهة
وأما الجبهة: ففى الخيل
النخة
والنخّة: الرقيق (3)
الكسعة
والكسعة: الحمير، هذا قول أبى عبيدة
وقيل: إن النخة: البقر الحوامل، قال ثعلب: هذا هو الصواب، وأصله من النخ وهو الشوق الشديد، قال الفراء: والنخة أيضا: أن يأخذ المصدّق دينارا بعد فراغه من الصدقة، وأنشد:
عمّى الّذي منع الدّينار ضاحية (4) ... دينار نخّة كلب وهو مشهود
__________
(1) الغذويّ: أن يبيع الرجل الشاة بنتاج ما نزا به الكبش ذلك العام
(2) الهبنقع: الّذي إذا قعد أقعى على استه وضم فخذه وفرج بين رجليه، وفى الأصل: هينقع. والتنبال من الرجال: القصير
(3) النسخة: بتثليث النون
(4) فى الأصل: صاحبه(2/293)
وسميت الحمير: كسعة، لأنها تكسع مآخيرها، أى تضرب
وفى الحديث (1): أن رجلا من المهاجرين، كسع (2) رجلا من الأنصار، فقال الأنصارى: يا للأنصار، وقال المهاجرون: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما بال دعوى الجاهلية
وفى الحديث أيضا: لا صدقة فى الابل الجارّة، ولا القتوبة
الجارة
فالجارّة: التى تجرّ بأزمتها وتقاد، وهى فاعلة فى معنى مفعوله، ومنه قوله تعالى: {«خُلِقَ مِنْ مََاءٍ دََافِقٍ}» أى مدفوق، ومثله قوله تعالى: {«فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ}» أى مرضية، ومثله قولهم: شر كاتم، وليل نائم
القتوبة
والقتوبة: التى توضع الأقتاب على ظهورها، وهى فعولة فى معنى مفعوله، مثل ركوبة وحلوبة، لما يركبون ويحلبون
* وقوله: «كما هلك الضّيزن بابنته النّضيرة، ودلالة نفيضة الجيش والحضيرة، حين هويت سابور، واجتلبت لأهلها الثبور، وكان الضيزن ملكا من قضاعة بالحضر عظيم (3) الملك، فلم ينج بذلك من الهلك، وعزاه سابور ذو الاكتاف
__________
(1) فى لسان العرب: وفى حديث زيد بن أرقم
(2) الكسع: أن تضرب بيدك أو رجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء
(3) فى النسخة التيمورية: بالحصن والحضر: هو حصن عظيم كالمدينة، كان على شاطئ الفرات، وكان صاحبه الضيزن ابن معاوية بن العبيد بن قضاعة، وأمه جيهلة، امرأة من بنى يزيد بزحلوان أخى سليح ابن حلوان. وكان لا يعرف إلا بامه هذه، وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة وكان معه من بنى الأجرام وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى، وكان ملكه قد بلغ الشام فاغار الضيزن فأصاب أختا لسابور ذى الأكتاف، وفتح مدينة نهر شير وفتك فيهم، فقال فى ذلك عمرو بن السليح بن حدى بن الدها بن غنم بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة
لقيناهم بجمع من علاف ... وبالخيل الصلادمة الذكور
فلاقت فارس منا نكالا ... وقتلنا هرابذ نهر شير
دلفنا للاعاجم من بعيد ... بجمع م الجزيرة كالسعير
ثم أن سابور ذا الأكتاف جمع إليهم وسار إليهم، فاقام على الحضر أربع سنين لا يستغل منهم شيئا، ثم كان ما ذكر بالرسالة(2/294)
الفارسى، وللدهر السهام الصائبة والقسى، فأطال عليه مدّة الحصار، وما قدر منه على انتصار، فهمّ عنه بالاقلاع، حتى كان من النضيرة اطّلاع، فرأت سابور فعشقته، فرمت أباها بالحتف ورشقته، وخانته وهى عنده أمينه، وأرسلت إلى سابور أنّها له بالفتح ضمينه، وشارطته على النكاح والايثار، وأعلمته أن عورة الحصن من الثرثار، وعبّقت أباها المدام، وسقت الحراس والخدام، وأرسلت إليه من شدة الغلمة، عند اعتكار الظّلمة، ان ائت من السّرب، فهذه الليلة ليلة القرب فبعث إليها بالابطال، فقضى الدين بعد المطال، وطلع الفجر على أهل الحصن بالذما (1)، وبلّت العراص منه بالدما، فقتل سابور الضيزن وقومه، ولن يعد معمّر يومه، وبدّل الحضر خرابا بحده، وغضارة الأيام إلى مده، وأصبح خرابا تضغو به الثعالب، وللقدر أسباب وجوالب، وبات سابور بالنضيرة معرّسا، وكان فى العواقب متفرسا، فتجافى جنبها عن المهاد، فسألها عما لقيت من السّهاد، فشكت خشونة المضجع، ومنعها ذلك أن تهجع، فقال: إنه فراش حشوه زغب (2) النعام، لا ما يتحذ (3) من وبر الانعام، ولم تنم الملوك على ألين ولا أوطأ منه، فما تجافيك أيتها المرأة عنه؟ ونظر إلى ورقة من آس بين عكنتين من عكنها، فتناولها فسال موضعها دما من بدنها، فقال: بم كان يغذوك أبواك، فى طول مقامك معهما ومثواك؟
فقالت: بالمخّ والزّبد، وصفو الخمر والشّهد، فقال: إذا كان هذا حالك معهما، فلن تصلحى لأحد بعدهما، وينبغى ألا أركن إليك، وقد فعلت ما فعلت بأبويك وأمر بها فشدت ذوائبها بين فرسين فقطعاها، ما رعت الصنيعة ولا رعاها، وصلاح الدهر إلى فساد، وكم رحم غابط من الحسّاد، ولكل أجل كتاب، وليس من الزمن
__________
(1) فى الأصل: بالدما
(2) فى الأصل: زعب
(3) فى الأصل: يتحد(2/295)
أعقاب، أهون بأم دفر، وأيامها الشبيهة بأيام (1) النّفر، فتنت منها الرّجال بكعاب، غير بريّة من ألعاب تخدع البعولة تحت النكاح، خديعة الزباء (2) لجذيمة الوضاح، وكم وصفها بالمكر بصير، لو يطاع قصير، وحذر منها نذير، لو ينفع التحذير»
النفيضة: الجيش الذين ينفضون (3) الطريق، ينظرون هل فيها عدو أو خوف
والحضيرة: الجماعة أيضا يغزون ليسوا بالكثير، قالت سعدى الجهنية ترثى اخاها (4) أسعد:
يرد المياه حضيرة ونفيضة ... ورد القطاة إذا اسمألّ التّبّع (5)
والتبع: الظل هاهنا
الضيزن بن معاوية
وأما الضيزن: فهو الضيزن بن معاوية بن عبيد بن الأخرم بن سعد بن سليح بن عمرو بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
قال اليربوعى، اسحاق بن زكريا: والحضر حصن كان بالموصل بناه الساطرون ابن اسطيرون ملك السريانيين من أهل الموصل من رستاق، يقال له باحرم، وهو الّذي ذكره ابو دؤاد، واسمه جارية بن حجاج الأيادى بقوله:
وأرى الموت قد تدلّى من الحضر على ربّ أهله الساطرون
ولقد كان آمنا للدّواهى ... ذا ثراء وجوهر مكنون (6)
قال: وهو الّذي عناه عدى بن زيد بقوله:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... م تجنى إليه والخابور
__________
(1) فى الأصل: الشبهة يأمام
(2) فى الأصل: الزنا
(3) فى الأصل: ينفظون
(4) فى الأصل: أخا
(5) المياه: فى الأصل المناة. النفيضة: الجماعة الذين يبعثون فى الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف، نحو الطليعة. اسمأل: قصر الظل نصف النهار، أى رجع الظل إلى أصل العود. والمعنى: أنه يغزو وحده فى موضع الحضيرة والنفيضة
(6) مكنون: مستور(2/296)
شاده مرمرا وجلله كلسا (1) ... م فللطّير فى ذراه وكور
لم يهبه ربّ المنون فباد الملك ... م عنه فبابه مهجور
قال اليربوعى: ثم كان أهل الحضر من بعد الساطرون تنوخ (2) وهم (3)
بنو مالك بن فهم بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وسليح بن عمرو بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ويزيد، وحيدان بنو عمرو بن الحاف بن قضاعة
فغزاهم سابور ذو الأكتاف بن هرمز الملك الفارسى وملكهم يومئذ الضيزن ابن جيهلة، أمه، بها يعرف، وهو الضيزن بن معاوية بن عبيد بن الأخرم بن سعد ابن سليح فحاصرهم سابور فأطال حصارهم، فلم يقدر فيهم بشيء، لامتناع حصنهم، حتى أشرفت النضيرة بنت الضيزن يوما من الحصن فرأت سابور فعشقته، فأرسلت إليه إن أنت ضمنت لى أن تتزوجنى وتقدمنى على نسائك دللتك على فتح هذا الحصن، وقد كان سابور حين اطال حصارهم همّ بالاقلاع عنهم، لما رأى من حصانة (4)
حصنهم فأجابها سابور إلى ذلك، فقالت له ائت على الثرثار، وهو نهر الحضر، فألق التبن فى الماء ثم اتبع ذلك التبن، فحيثما رأيت التبن قد غاب من النهر، فادخل الرجال من ذلك الموضع، فانك تصل إلى الحصن، ففعل سابور ذلك، فوجد التبن يغيب فى سرب يفضى إلى الحصن وعمدت النضيرة فأسكرت أباها، وأرسلت إلى سابور أن ادخل الليلة فانى قد أسكرت أبى، وسكر المقاتلة من أهل الحصن الذين يخاف بأسهم وقتالهم فادخل سابور الرجال من ذلك السّرب، فظفر بالحصن
__________
(1) جلله: غطاه. الكلس: ما يقوم به الحجر والرخام ونحوهما ويتخذ منها باحراقها
(2) تنوخ: حي من العرب أو من اليمن، وفى الأصل: نتوخ
(3) فى الأصل: وهو
(4) حصن حصانة: كان منيعا(2/297)
فهدمه، وقتل أهله، ودعا بالنضيرة فبات معرّسا بها، فجعلت تتململ على الفراش ساهرة فقال لها سابور: ما لي أراك مسهدة (1)؟ فقالت: جنبى يتجافى (2) عن فراشك هذا!! فقال: ولم؟ فو الله ما نامت الملوك على أوطأ منه ولا ألين، وإن حشوه لزغب النعام!!
فلما أصبح نظر فاذا ورقة آس بين عكنتين من عكنها، فتناولها، فسال موضعها دما فقال لها: بم كان أبواك يغذوانك؟ فقالت بالزّبد والمخ والشهد، وصفو الخمر!! فقال سابور: إذا لم تصلحى لأبويك، وكانت هذه حالك عندهما، فأنت أجدر ألا تصلحى لى، وما ينبغى لى أن آمنك، ولا أثق بك فأمر بها فشدّت ذوائبها بين فرسين ثم خلى عنهما فقطعاها (3) وقد ذكرت ذلك الشعراء، قال أبو دؤاد الأيادى (4)
ألم يحزنك والأنباء تنمى ... بما لاقت سراة بنى العبيد
ومقتل ضيزن وبنى أبيه ... وأخلاس القبائل من يزيد (5)
أتاهم بالفيول مجلّلات ... وبالأبطال سابور الجنود
فهدّم من بروج الحضر صخرا ... كأنّ ثقاله زبر الحديد (6)
وقال الأعشى:
__________
(1) سهد: أرق ولم ينم
(2) تجافى عن مكانه: لم يطمئن عليه
(3) ويروى: ثم أمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطعها قطعا
(4) يروى الشعر فى شعراء النصرانية لعمرو بن آلة، وفى الأصل: أبو ذؤاد (بالذال)
(5) ومقتل: ويرى: ومصرع. واخلاس القبائل: يروى واحلاس الكتائب، واحلاس الخيل: الملازمون ركوبها، والحلس أيضا: الكبير من الناس والشجاع
(6) الزبر: جمع الزبرة: القطعة الضخمة من الحديد(2/298)
ألم تر للحضر إذ أهله ... بنعمى، وهل خالد من سلم؟
أقام به سابور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم
وفى ذاك للمؤتسى أسوة ... ومأرب عفّى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير ... إذا جاء موّاره لم يرم
فأروى الزّروع وأعنابها ... على سعة ماؤهم إذ قسم
فصاروا أيادى ما يقدرو ... ن منه على شرب طفل فطم
وقال عدى بن زيد:
والحضّر صابت عليه داهية ... من قعره أيّد مناكبها (1)
ربيّة لم توقّ والدها ... لخبّها إذ أضاع راقبها (2)
أجشمها حبّها لما فعلت ... إذ نام عنها للغى حاجبها (3)
إذ غبقته صهباء صافية ... والخمر وهل يهيم شاربها (4)
وأسلمت أهلها بليلتها ... تظنّ أن الرئيس خاطبها
فكان حظّ العروس إذ بر ... ق الصّبح دماء تجرى سبائبها
وخرّب الحضر واستبيح وقد ... أحرق فى خدرها مشاجبها
لم يبق فيه إلا مراوح طايات ... وبور تضغو ثعالبها
وقال أيضا:
__________
(1) يروى:
والحضر صبت عليه داهية ... من فوقه أيد مناكها
وأيد مناكبها: قوى حبالها
(2) ربية: فى الأصل: ربته، وتروى: ربيبة. لخبها: لخدعها. وتروى.
لحينها، وكذلك: يحبها. أضاع. فى الأصل. ضاع.
(3) أجشمها: كلفها
(4) غبقته. سقثه، صهباء. خمر، وفى الأصل. غبقهه حمرا(2/299)
أقفر الحضر من نضيرة فالمر ... باع منها فجانب الثّرثار
اذ تواصوا بالكبش لما أحسوه وقالوا مع الحذار حذار وقال آخر:
هلّا بكيت لضيزن ... بالحضر إذ أمن الزمن
منع العدوّ وكان ذا ... م الطولى بهم لو لم يخن
فرمى به سهم النضيرة ... لليدين وللذّقن
باعت أباها والعشير ... م بوجه سابور الحسن
فأتى عليهم حينهم ... والبيض أخون مؤتمن
والثبور بالضم: الهلاك، ومنه قوله تعالى {«لََا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وََاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً}»
والغلمة: شدة شهوة الجماع. والقرب: الورد. وليلة القرب: ليلة أن ترد الإبل الماء، وذلك أن يسيمون الابل وهم مع ذلك يسيرون نحو الماء، وإذا بقيت بينهم وبين الماء عشية عجلوا نحوه، فتلك الليلة ليلة القرب
والسّرب: النفق تحت الأرض، وسيأتى تفسيره. وضغاء الثعالب: أصواتها.
والذماء: بقية النفس. وأم دفر: الدنيا، والدفر: النّتن، يقال: للأمة إذا شتمت يا دفار، مثال قطام، أى دفرة منتنة وكنيتها دفراء، أى سهكة من الحديد مدية
والبعولة: جمع البعل، ومنه قوله تعالى، {«وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}»
الزباء وجذيمة
والزباء: امرأة من ملوك العماليق، وقيل من سليح
وجذيمة الوضاح: هو جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن مالك بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك ابن نصر بن الازد
وكان جذيمة ملكا عظيما ينزل الأنبار والحيرة، وكان فى أيام الطوائف، وملك السواد ستين سنة، وقتل أبا الزباء وغلب على ملكه، والتجأت الزباء الى أطراف
مملكتها، وكان يغير على ملوك الطوائف، حتى غلبهم على كثير من بلادهم، وكان أبرص، فهابت العرب أن تقول: أبرص، فقالوا: الأبرش والوضاح(2/300)
وكان جذيمة ملكا عظيما ينزل الأنبار والحيرة، وكان فى أيام الطوائف، وملك السواد ستين سنة، وقتل أبا الزباء وغلب على ملكه، والتجأت الزباء الى أطراف
مملكتها، وكان يغير على ملوك الطوائف، حتى غلبهم على كثير من بلادهم، وكان أبرص، فهابت العرب أن تقول: أبرص، فقالوا: الأبرش والوضاح
وكانت الزباء أديبة عاقلة، فبعثت تخطبه على نفسها، ليتصل ملكها بملكه، فدعته نفسه إلى ذلك، فشاور وزراءه فأشاروا عليه أن يفعل إلا قصير بن سعد القضاعى (1) فانه قال: أيها الملك لا تفعل، فان هذا خدعة ومكر، فعصاه، فأجابها إلى ما سألت
فقال قصير لا يقبل لقصير رأى، فجرت مثلا
ثم كتبت إليه بعد ذلك أن صر إلى، فجمع أصحابه بشاطئ الفرات، فأشاروا عليه بالخروج إليها، فقال قصير: لا تفعل، فانما تهدى النساء الى الرجال، فعصاه.
فقال: أيها الملك أمّا إذا عصيتنى، فاذا رأيت جنودها قد أقبلوا إليك فترجلوا وحيوك، ثم ركبوا وتقدموا، فقد كذب ظنى، وإن رأيتهم إذا حيوك أطافوا بك، فأنى معرض لك العصا، وهى فرس لجذيمة لا تدرك. فاركبها وانج، فلما أقبل أصحابها حيوه ثم أطافوا به، فقرب إليه قصير العصا، فشغل عنها، وركب قصير فنجا، وأخذوا جذيمة، فنظر إلى قصير وهو على العصا، وقد حال دونه السراب فقال: ما ضل من تجرى به العصا (2) فجرت مثلا، وأدخل جذيمة على الزباء، وكانت مضفورة الاسب (3) فلما دخل تكشفت، وقالت له: أدأب (4)
عروس ترى يا جذيمة؟ أما أنه ليس ذلك من عوز المواس، ولا من قلة الأواس، ولكنها شيمة من أناس وأمرت به فأجلس على نطع (5) وجيء بطست من
__________
(1) فى مجمع الأمثال: نصير بن سعد اللخمى
(2) فى الأصل ما ضل ما تجرى عليه العصا، وفى مجمع الأمثال: ويل أمه حزما على متن العصا
(3) الاسب: شعر الفرج
(4) الدأب: الشأن، والعادة، وفى الأصل: أدات عروسى
(5) النطع: بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس(2/301)
ذهب، فقطعت رواهشه، قال عدى بن زيد:
فقدّمت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا (1)
وكان قيل لها: احتفظى بدمه، فان أصابت الأرض منه قطرة، طلب بثأره فقطرت قطرة من الدم إلى الأرض، فقالت: لا تضيعوا دم الملك فقال جذيمة:
دعوا دما ضيعه أهله، فأرسلها مثلا، ومات.
ونجا قصير بن سعد على العصا، فصار إلى عمرو بن عدى بن نصر اللخمى، وهو ابن أخت جذيمة فقال له قصير: ألا تطلب بثأر خالك؟ فقال عمرو:
وكيف أقدر على الزباء، وهى أمنع من عقاب الجو؟ فأرسلها مثلا. فقال له قصير:
اجدع أنفى وأذنى واضرب ظهرى حتى تؤثر فيه، ودعنى وإياها ففعل عمرو ذلك، ولحق قصير بالزباء، وقال لها: لقيت ذلك من أجلك! قالت: وكيف ذلك؟
قال: إن عمرا قال إنى أشرت على خاله بالخروج، حتى فعلت به ما فعلت ثم أحسن خدمتها، وأظهر لها النصيحة، حتى حسنت منزلته عندها، ورغبها فى التجارة، فبعثت معه عيرا (2) إلى العراق، فصار قصير إلى عمرو مستخفيا، فأخذ منه مالا وزاده على مالها، واشترى لها طرفا (3) من طرف العراق، ورجع إليها، فأراها تلك التجارة والأرباح، فسرت به، ثم كرّ كرّة أخرى فأضعف لها المال، فلما كان فى الكرّة الثالثة، اتخذ جواليق من المسوح (4) وجعل ربطها من أسافلها إلى داخل وأدخل فى كل جولق رجلا بسلاحه وواحد الجوالق جولق بضم الجيم وهو اللبيد أيضا، ومنه اشتق اسم لبيد الشاعر وأقبل إليها، فجعل يسير الليل ويكمن النهار، وأخذ عمرا معه، وكانت الزباء قد صوّر لها صورة عمرو قائما وقاعدا وراكبا، وكانت قد اتخذت نفقا قد أجرت عليه الفرات، من قصرها إلى قصر
__________
(1) الأديم: الجلد، ألفى: وجد
(2) العير: قافلة الحمير، وأطلقت على كل قافلة
(3) الطرف: جمع الطرفة: الغريب النادر
(4) المسوح: جمع المسح: الكساء من الشعر(2/302)
أختها زبينة، فلما قرب قصير من بلدها تقدّم عن العير، وكان قد أبطأ عليها، وأخذ غير الطريق النهج (1) فسألت عنه، فقيل لها: أخذ طريق الغوير (2) فقالت:
عسى الغوير أبؤسا (3) فأرسلتها مثلا، ودخل قصير إلى الزباء، فقال لها: قفى فانظرى إلى العير، فجعلت تنظر إلى العير مقبلة تحمل الرجال، فقالت:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا (4)
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا؟ (5)
ووصف قصير لعمرو باب السرب، ووصف له الزباء فلما دخلت العير المدينة، وعلى الباب بوابون من النبط، وفيهم واحد معه مخصرة (6)، فطعن بها جوالقا منها فأصابت المخصرة رجلا فضرط، فقال البواب بالنبطية: بشنا بشنا (7) يعنى:
فى الجوالق الشر الشر وحلت الرجال ربط الجوالقات، ومثلوا فى المدينة بالسلاح،
__________
(1) النهج: الواضح
(2) جاء بهامش الكتاب: الغوير: تصغير الغار، وفى المثل عسى الغوير أبؤسا، قال الأصمعى: أصله أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم، أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصاروا مثلا لكل شيء يخاف أن يأتى منه شر.
وفى لسان العرب: الغوير: ماء لكلب فى ناحية السماوة.
(3) الأبؤس: جمع بؤس، وهو الشدة، ويضرب المثل للرجل يقال له: لعل الشر جاء من قبلك. أو يقال: ربما جاء الشر من معدن الخير.
(4) الجندل: الحجارة، الواحدة: جندلة، والجمع جنادل
(5) الصرفان: ضرب من أجود التمر وأوزنه، والصرفان: الرصاص القلعى والصرفان:
الموث، ومنهما قول الزباء
وقال أبو عبيد: ولم يكن يهدى لها شيء أحب إليها من التمر الصرفان وأنشد:
ولما أتتها العير، قالت: أبارد ... من التمر، أم هذا حديد وجندل
(6) المخصرة: شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه مثل العصا ونحوها
(7) فى مجمع الأمثال للميدانى بشنب ساقا.(2/303)
ووقف عمرو على باب السرب مصلتا (1) سيفه، وأقبلت الزباء تبادر السّرب، فلما رأت عمرا عرفته بالصفة، فمصت فص خاتمها، وكان مسموما، وقالت:
بيدى لا بيد عمرو (2)، ويقال إن عمرا جللها بالسيف فقتلها واستباح بلدها ورجع عمرو وقصير بالغنائم وخلفا فى بلادها خيلا تضبطها
* وقوله: «فحبّها للقلوب متيّم، وكل يوم هى من بعل أيّم»
يقال: تيّمه: الحب إذا عبّده، واشتقاق تيم الله من ذلك، أى عبد الله
والأيّم: المرأة التى لا بعل لها، يقال: آمت المرأة تئيم أيمة، وفى الحديث أنه كان يتعوذ من الأيمة، والحرب مأيمة، أى تئيم فيها النساء، قال الشاعر:
ألم تر أن الله أنزل نصرة ... وسعد بباب القادسية معصم
فرحنا وقد أمّت نساء كثيرة ... ونسوة سعد ليس فيهن أيّم
* وقوله: «كثيرة العشّاق والخطّاب، وكل خائب صفر الوطاب»
والصفر: الخالى. والوطاب: جمع وطب، وهو سقاء اللبن ومن دعاء العرب:
ماله صفر إناؤه، وصفرت وطابه، أى ماتت ماشيته
قال امرؤ القيس:
ألا يا لهف هند من أناس ... هم كانوا الشّفاء فلم يصابوا (3)
وقاهم جدّهم ببنى أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب (4)
__________
(1) أصلت السيف: جرده
(2) جاء بهامش الكتاب: وفى نسخة: لا بيدك يا عمرو
(3) من أناس: تروى إثر قوم
(4) يعنى بأبيهم: بنى كنانة لأن أسدا وكنانة ابنى خزيمة أخوان. وبالأشقين ما كان العقاب: أى بالأشفين كان العقاب، وأدخل ما صلة وحشوا، إذ يجوز أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر على تقدير: وبالأشقين كون العقاب.(2/304)
وأفلتهنّ علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب (1)
عطر منشم
* وقوله: «قد دقّوا بينهم عليها عطر منشم ... ، وتجشّم الصعب كلّ متجشّم»
العرب تضرب المثل بعطر منشم فى الشؤم، إذا تفانى الحيّان فى الحرب، فقيل: دقّوا بينهم عطر منشم
واختلف الناس فى منشم، فقال بعضهم: إن امرأة كانت تبيع الحنوط فى الجاهلية تسمى منشما، فقيل للقوم إذا تحاربوا: دقوا بينهم عطر منشم، أى طيب الموتى وحنوطهم (2)
وقال بعضهم: إنها منشم ابنة الوحيد (3) الخزاعية، وإنها كانت تطيب الفتيان فى الحرب، وتدق أوعية الطيب بينهم، وكان من لمس من طيبها لم يرجع فى يومه ذلك حتى يبلى (4) ويرى أثره أو يقتل أو يحمل جريحا
وقال بعضهم: هى من غدانة (5) وهى صاحبة يسار الكواعب، وكان عبدا لها يعشقها ويعرض لها فزجرته، فلم يزدجر، فقالت له يوما: اصبر فان للحرائر طيبا حتى أشمك منه، وأتت بموسى، ثم اتكأت على أنفه فاستوعبته (6) فضرب المثل بعطر منشم (7)
__________
(1) وأفلتهن: يعنى الخيل وعلباء: اسم رجل. والجريض: المفلت بعد شر، ويقال: أفلت فلان جريضا، أى يكاد يقضى. أدركته: تروى. أدركته، يقول: لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن. وقيل: صفر الوطاب: أى إنه كان يقتل فيكون جسمه صفرا من دمه، كما يكون الوطاب صفرا من اللبن
(2) الحنوط: كل طيب يمنع الفساد
(3) فى لسان العرب: منشم بنت الوجيه من حمير
(4) بلى فى القتال: بالغ واجتهد
(5) غدانة: حي من يربوع
(6) يقال: جدع أنفه فاستوعبه: استأصله فلم يترك منه شيئا
(7) وقيل: منشم امرأة كانت صنعت طيبا تطيب به زوجها، ثم أنها صادقت رجلا وطيبته بطيبها، فلقيه زوجها، فشم ريح طيبها عليه فقتله، فاقتتل الحيان من أجله(2/305)
وقال بعضهم: هى منشم بنت عامر، امرأة ثعلبة بن الاعرج الغنوى، قاتل شاس بن زهير (1) بن جذيمة العبسى الّذي هاجت بسبب قتله الحرب بين هوازن وغطفان
وذلك أن شاس بن زهير راح من عند النعمان بن المنذر وكان تحت النعمان أخته النوار بنت زهير حتى إذا كان فى بلد غنىّ جنّه الليل، ورد ماء من مياه بنى غنى (2) وكان على ذلك الماء رجل من بنى غنى يسمى ثعلبة بن الأعرج، وكان صيادا يكمن للوحوش على ذلك الماء، وكان راميا غلقا (3) فلما ورد عليه شاس، قال له: هل فى حوضك هذا شيء من الماء؟ قال: فيه ما يكفيك إن قنعت! فغضب شاس من كلامه، وقال: ممّن الفتى؟ قال: من بنى غنىّ. قال شاس: إن كلامكم لفحيش!
ومضى شاس يركض راحلته وهى موقرة (4) هدايا، فاستدبره الفتى الغنوى، وهو لا يعرفه، فشمّ معه رائحة المسك، فسعى خلفه حتى أدركه، ثم رماه بسهم، فصرعه عن راحلته، فلما نظر فى وجهه عرفه، فندم على قتله، ثم قام فحفر له ودفنه وأخفى مكانه، وأخذ راحلته فنحاها عن الطريق ثم نحرها وأخذ من لحمها ما استطاع وأخذ ما عليها
وكان مع شاس غلامان له قد تقدما إلى أهله، فأعلماهم بقدومه، فلما أبطأ على أهله سار زهير ومن معه الى الموضع يطلبونه قصصا (5) حتى وجدوه مدفونا فحملوه إلى أهله فكفنوه وعقروا (6) عليه، وبكاه الرجال والنساء، ولم يدر أحد من قتله
ثم أن زهيرا عمد إلى راحلة له فنحرها، وملأ منها جرابين كبيرين شحما ولحما، ثم دعا جارية له يقال لها سلامة، دهيّة (7) أريبة (8)، فقال لها: خذى
__________
(1) زهير بن جذيمة العبسى، سيد قيس عيلان
(2) غنى: حي من غطفان، والنسبة إليه غنوى
(3) رجل غلق: سيئ الخلق، والغلق: الضيق الخلق العسر الرضا
(4) الوقر: الحمل الثقيل.
(5) قص أثره قصصا: تتبعه شيئا فشيئا
(6) عقر الابل: قطع قوائمها بالسيف
(7) الدهية: العاقلة
(8) الأريبة: الماهرة، وفى أصل: أديبة(2/306)
هذين الجرابين فاذهبى فى قبائل ذبيان وبنى غنى وبنى عامر، واعرضى ما فيهما على النساء بالمسك والعنبر، وكان ذلك فى سنة مجاعة أصابتهم.
فمرت سلامة تعرض على نسائهم ما معها، فلم تجد من ذلك شيئا، حتى مرت بمنشم بنت عامر زوجة ثعلبة بن الأعرج، قاتل شاس بن زهير، وهى يومئذ حاملة مضطرة، فأعلمتها أنها تطلب مسكا أو عنبرا لبنت لها تريد أن تزفها إلى زوجها فقالت لها منشم: عندى قضاء حاجتك، إن كتمت عنى قالت الجارية: لست مظهرة لك سرا، فأخرجت لها منشم حاجتها وما تطلب فلما نظرت سلامة إلى ذلك، قالت لها: من أين لك هذا المتاع الرفيع، ولا يكون إلا عند الملوك؟ فأعلمتها منشم بقصة زوجها وقصة شاس فرجعت سلامة إلى مولاها زهير بن جذيمة، فأخبرته الخبر، فقال زهير:
أتتنى سلامة بعد الضحى ... تهتك لى الستر من منشم
فلست لشاس إذا والدا ... ولا من جذيمة الأكرم
إذا لم أقم لغنىّ العدا ... مقام امرئ ثائر بالدم
وقال زهير بن أبى سلمى:
تداركتما عبسا وذبيان بعد ما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم (1)
فلما تبيّن لزهير قاتل ولده، قال لبنى غنى وبنى عامر: هلم إلى النّصفة (2) قبل الحرب فقالوا: نحن نحكمك يا أبا شاس فقال لهم زهير: إنى مخيركم إحدى ثلاث،
__________
(1) التفانى: انتشارك فى الفناء. يقول: تلافيتما يخاطب هرم بن سنان والحارث ابن عوف بن سعد بن ذبيان المريين وأمر هاتين القبيلتين بالصلح بعد إفناء القتال رجالهما، وبعد دقهم عطر منشم، أى بعد اتيان القتل على آخرهم، كإتيانه على آخر المتعطرين بعطرها
(2) النصفة: الانصاف والعدل(2/307)
قالوا: وما هن يا أبا شاس؟ اجعل لنا فى الثالثة مخرجا!! قال: إما أن تردوا شاسا حيا، وإما أن تملئوا لى ثوبى هذا من نجوم السماء، وإما أن تأتونى بغبى كلها، رجالها ونسائها، فان شئت قتلت، وإن شئت صفحت!!
فقالوا: لا نقدر على واحدة منها، لا نقدر على إحياء الموتى، ولا على نجوم السماء، وأما بنو غنى فانهم أحرار لا ينقادون لأحد ولا يهدرون نفوسهم فى جريرة (1)
غيرهم، ولكن يا أبا قيس نعطيك خيرا مما تطلبه، وندفع إليك قاتل ولدك تحكم فيه بحكمك، وندفع إليك بعد ذلك عشر ديات حتى نرضيك فقال زهير: ما كان شاس بحزوّر (2) فآكل ثمنه، ولا قاتله مثله، فأقتله به، واستكبر حتى هاجت (3)
الحرب بين هوازن وغطفان بسبب ذلك، وإنما دخلت هوازن مع بنى غنى لأنهم كانوا حلفا، فقتل زهير فى تلك الحرب، قتله خالد بن كلاب، وقتل ثعلبة بن الأعرج وغيرهما، ولهم حديث (4).
__________
(1) الجريرة: الجناية او الذنب، وفى الأصل: جزيرة
(2) الحزور: الغلام إذا راهق ولم يدرك بعد، وكذلك إذا أدرك وقوى واشتد، وكذلك الضعيف من الرجال
(3) هاج الشيء: ثار وتحرك وانبعث
(4) ويقول ابن عبد ربه، صاحب العقد الفريد، فى أيام العرب:
يوم منعج، ويقال له: يوم الردهة، وفيه قتل شاس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسى بمنعج على الردهة. وذلك أن شاس بن زهير أقبل من عند النعمان بن المنذر، وكان قد اكرمه وحباه أفضل الحبوة مسكا وكسى وقطيفة وطنافس، فورد منعجا وهو ماء لغنى فأناخ راحلته إلى جانب الردهة وعليها خباء لرياح بن؟؟؟ الغنوى
ثم أنشأ شاس يغتسل بين الناقة والبيت وامرأة رياح تنظر إليه، وهو مثل الثور الأبيض، فقال رياح لامرأته: أعطينى قوسى، فمدت إليه قوسه وسهما، ثم أهوى لشاس بسهم، وبتر صلبه وحفر له حفرا فهدمه عليه ونحر جمله وأكله وأدخل متاعه بيته
وقد شاس وقص أثره ونشد، وركبوا إلى الملك وسألوه عن حاله، فقال لهم:
حبوته وسرحته، فقالوا: وما متعه به؟ قال: مسك وكسى ونطوع وقطف
فأقبلوا يقصون أثره فلم تتضح لهم سبيله، ومكثت عبس كذلك ما شاء الله، حتى رأوا امرأة رياح باعث بعكاظ قطيفة حمراء وبعض ما كان من حباء الملك، فعلموا أن رياحا صاحب ثارهم، فغزت بنو عبس غنيا قبل أن يطلبوا قودا أو دية الخ(2/308)
* قوله: «عارية تستردّ من مستعيرها، وعرية يرتجعها معيرها (1)، كم لها من آبر، تعلن بذمها على المنابر، ومن لائم، وهو بها جدّ هائم، يغدو منها (2) الزاهد، وهو لضنك العيش مجاهد، فقيل هو للدنيا رافض، وقد ركضه عن الدنو منها راكض، سمعت فى الناس بزاهد واحد، ولا تخفى الغزالة لجاحد، رب الخورنق، (3)
فى صفو عيش غير مرنق (4)، فسره ما رأى من ملكه العقيم، وميز بصحيح من الفكر غير سقيم، فقال أو كلما أرى إلى زوال؟ قيل نعم وتقلّب من (5) الأحوال، فقال: لأطلبن عيشا لا يزول، وملكا ربّه عنه غير معزول، فانخلع من ملكه ولبس الأمساح، وذهب فى الأرض مترهبا وساح، وحقّ للعاقل أن يتوب، قبل أن يوافى أجله المكتوب».
العارة (6): أن يستعير الانسان من شيء ثم يرده، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «العارية مؤدّاة»، واشتقاقها من التّعاور، وهو التداول، يقال: تعاوروا الشيء بينهم: إذا تداولوه، وعاورت فلانا الشيء: إذا داولته إياه، وأصل العارية:
عورية، فانقلبت واوها الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
والعرية: النخلة يهب الرجل ثمرها لرجل آخر عامه ذلك، وهى التى رخص فى بيع ثمرها فى رأسها، وجمعها عرايا، قال سويد بن الصامت الأنصارى:
__________
(1) هذا عن النسخة التيمورية، وفى الأصل: عارية تسترد معيريها وغرية يرتجعها مغيريها.
(2) فى الأصل: تعدو امها.
(3) جاء بهامش الكتاب: هذه نسخة الشرح على هذه الصفة: رب الخورنق والسدير، والزهد والحكم لمضطلع قدير.
(4) فى الأصل: مزبق
(5) عن النسخة التيمورية.
(6) العارة والعارية: الاعارة وما تعطيه لغيرك على شرط أن يعيده لك(2/309)
ليست بسنهاء ولا رجبيّة ... ولكن عرايا فى السّنين الحوائج (1)
الشدائد
ويقال: أعار بنو فلان خيلهم: إذا سمنوها، وفرس معار: أى سمين.
قال الشاعر:
أعيروا خيلكم ثم اركضوها ... أحق الخيل بالركض المعار
وقال الطرماح:
وجدنا فى كتاب بنى تميم ... أحق الخيل بالركض المعار
والآبر: الّذي يلقّح (2) النخل.
والغزالة: الشمس.
رب الخورنق والسدير
ورب الخورنق والسدير: النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدى بن ربيعة بن نصر بن عدى، الملك اللخمى، وهو النعمان الأكبر، وكان عظيم الملك، وكان أعور، وهو الّذي بنى الخورنق، وهو الّذي عناه المنخل اليشكري، واسمه أبى بن مسعود، والمنخل لقبه، بقوله:
وإذا سكرت (3) فانّنى ... ربّ الخورنق والسّدير
وإذا صحوت فانّنى ... ربّ الشّويهة والبعير
ويقال: إن أنو شروان بن قباذ هو الّذي ملكه، فأشرف النعمان بن امرئ القيس يوما على الخورنق، فنظر الى ما حوله، فقال: أكلّ ما أرى إلى فناء وزوال؟ قالوا: نعم، قال: فأى خير فيما لا يبقى؟ لأطلبن عيشا لا يزول.
__________
(1) يقول: إننا نعريها الناس. والعرية أيضا: التى تعزل عن المساومة عند بيع النخل، وفى الأصل:
ليست بسنها ولا رجية ... ولكن عرايا فى السنين الجوائح
(2) فى الأصل: ينكح
(3) ويروى: فاذا انتشيت. ونشى: سكر(2/310)
فانخلع من ملكه ولبس الأمساح (1) وساح فى الأرض، فلم يعلم أحد بمكانه، وهو الّذي ذكره عدى بن زيد العبادى بقوله:
وتفكّر ربّ الخورنق إذ م ... أشرف يوما وللهدى تفكير
سرّه حاله وكثرة ما يملك م ... والبحر معرضا والسّدير
فارعوى قلبه، وقال: فما غبطة ... حىّ إلى الممات يصير؟
وملّك أنوشروان بعده أخاه (2) المنذر بن امرئ القيس، الّذي يقال له:
ابن ماء السماء، وكانت أم المنذر من النمر بن قاسط، ويقال لها: ماء السماء، لجمالها وكان أيضا يقال لعامر بن حارثة الأزدى: ماء السماء، سمى بذلك لأن الناس كانوا إذا أقحطوا، أقام ماله مقام القطر.
والمنذر بن امرئ القيس هذا جد النعمان الأصغر ابن المنذر بن امرئ القيس، سمى بالنعمان الأكبر.
الخاتمة
* قوله: «اللهم إنى إليك تائب، ومن لم يتب من عبادك فهو خائب، توبة من بهضه الذنب، وأثقل منه الغارب والجنب، واستغفرك استغفار منيب هائد، إلى كل ما يسخطك غير عائد، قد اعترف، بما اقترف، ووجل مما عمل، فخجل، نادم من تلك الخطايا، وركوب تلك المطايا، التى اقتعد منها العشواء، فتابعت (3) به الأهواء، حتى أوردته فى المهالك، وسلكت به أضيق المسالك، فهو يتململ تململ السليم، ويتأوّه تأوه المليم، كدابغة أديم ذى حلم، ومداوى ميت لا يحسّ بألم، كيف السبيل إلى الخلاص من الورطة، ودخول باب حطّه، لا خلاص إلا بالاخلاص، ولات حين مناص، لمن علق بشرك القناص، لو كظمت لما ظلمت،
__________
(1) الأمساح: جمع المسح: ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد
(2) فى الأصل: أخوه
(3) فى الأصل: فنابعت.(2/311)
أو عفوت لما هفوت، فهل من متصدق على بائس فقير، مثقّل من الذنوب وقير، بصدقة من حلّ (1)، تفكّه من الغلّ، أو دعوة مثابة، يرجّى له بها الاجابة، إن الله يجزى المتصدقين ويثيب المتقين».
* «نحن بنو آدم وحواء، لأب وأم فى الولادة سواء، فما فضل أخ على أخيه، إلا بالعمل الصالح وتوخّيه، كلنا لله عبيد أكرمنا عنده من اتقاه، وصان وجهه عن حرّ النار ووقّاه، لا نسأل يوم القيامة عن نسب، كل يؤخذ بما اجترح واكتسب، نجا المخفون، وأمن الخائفون، أفلح من أخلص النية، قبل هجوم المنية، وبتّك أسباب الأمل، ووصل حبال العمل، وشغله ذكر المعاد، عن ذكر هند وسعاد».
* «اللهم قد علمت السرائر، وحفظت الجرائر، فأمّنى من الخيفة، وامح سيئاتى من الصحيفة، بقبول هذه التوبة، والتجاوز عن الحوبة».
* «اللهم إنى غير قائم بشكرك، ولا آمن لمكرك، لا يجير عليك أحد، ولا لمخلوق دونك ملتحد، وقد استجرت من عذابك بكرمك، ومن بطشك بحلمك، وهربت منك إليك، وجعلت توكّلى عليك، وقرعت باب فضلك بالسؤال، وطلب ما عندك من النوال، وجعلت جودك لى (2) إليك شافعا، ولما أخشى من الرد دافعا، ولن تخيب سائلك، ولا تردّ وسائلك».
* «اللهم هذا مقام العائذ بك من عذابك، والثائب إلى ثوابك، فغفرا غفرا، ورأبا لما أفرط فيه وأفرى، لن يجدى الأسف، بعد ركوب المعتسف، ولا الأرق، بعد الغرق، إلا بعفو من الكريم، عن مطالبة الغريم، ومحوما سلف، والصفح عما اجترم واستلف».
* «اللهم اهد ضليلا جار عن اللّقم، واشف عليلا موفيا عن السقم، طال
__________
(1) فى الأصل: مرحل
(2) فى الأصل: فى(2/312)
ما ضربت له الأمانى حبالها، وألبسته المطامع سربالها، فشام خلّبا يومض فى جهام، وقتاما يحسبه دفع الرهام، حتى انقضت أيام العنفوان، ومضت بوادر الأوان، وقد شغل شغل ذات النّحيين، وبلغ حزام رحله الطبيين، وهو فى ذلك المضمار، يعلّل النفس بضمار، قد أنفق رأس المال بالآمال، ومنع بالأثقال عن الانتقال، طمع فى الدنيا طمع أشعب، فعنّى نفسه وأتعب، فظفر منها بخفى حنين، وبصر بكمه القلب لا العينين، يا صفر الكفين، بظفر الخفين، ويا ندم الكسعيّ، لنظيره فى العىّ».
* «اللهم أقل عاثرا زلّت به القدم، وطال تأسفه والندم، وارحم قنيصا (1)
أوقع نفسه فى الحبالة، ومفرحا مفعم اللبيد والباله. وافكك أسيرا يرسف (2) فى الصفاد، لا الصّفد المستفاد، يا خير مدعو، وأفضل مرجو، يدعوه (3) المضطر، ويرجوه القانع (4) والمعتر، إنك بالاجابة جدير، وأنت على كل شيء قدير».
بهضه الذنب: أى أثقله. والهائد: التائب، ومنه قوله تعالى {«إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ}» قال إعرابى:
* إنّ امرؤ من مدحه هائد *
والعشواء، فى قول الخليل: الناقة التى لا تبصر ما أمامها فهى تخبط بيديها كل شيء، وترفع طرفها لا تنظر موقع يديها. فضرب بها المثل لمن لا يتبين فى أمره، فقيل: كراكب العشواء، وركب العشواء، وهو يخبط خبط العشواء.
والسليم: الملدوغ (5)، وهو مما كنّى به عن العاهات، كالبصير، وهو الأعمى.
__________
(1) فى الأصل: قبيصا
(2) نقص بالأصل، وقد أضيف من النسخة التيمورية
(3) فى الأصل، بدعوة
(4) نقص بالأصل وقد زيد عن التيمورية
(5) السليم: اللديغ، أو الجريح المشرف على الموت، سموه به تفاؤلا بالسلامة، وفى الأصل: الملذوع(2/313)
والمليم: الّذي يأتى بما يلام عليه، ومنه قوله تعالى: {«فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}» مثل: أقام يقيم إقامة فهو مقيم، وما شاكل ذلك من الألفاظ.
والحلم: النّغل، وهو مصدر حلم الأديم يحلم حلما: إذا نغل، قال الوليد بن عقبة بن أبى عقبة (1) يحرض معاوية على حرب على رضى الله عنه:
قطعت الدّهر كالسّدم المعنى ... يهدّر فى دمشق فما يريم (2)
فأنّك والكتاب إلى عليّ ... كدابغة وقد حلم الأديم
والوقير: حامل الوقر (3)، يقال فقير وقير (4).
والحوبة: الاثم، يقال فى الدعاء: اللهم اغفر حوبتى، أى إثمى، وكذلك الحوب أيضا.
والنّوبة: واحدة النّوب، والنائبة: واحدة النوائب.
والملتحد: الملجأ، قال الله تعالى: {«وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً}».
والبطش: الأخذ بقوة، ومنه قوله تعالى: {«إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}».
والغفر: مصدر غفر يغفر غفرا وغفرانا ومغفرة، ومعنى ذلك كله: ستر الذنوب، ومنه اشتقاق المغفرة (5).
والمجترم: المكتسب للجرم، وكذلك الجرم، ومنه قوله تعالى:
{«فَعَلَيَّ إِجْرََامِي}» والجائر: المائل. واللقم: الطريق الواضح. والخلب: البرق الكاذب. والجهام: السحاب الّذي لا ماء فيه. والرهام: جمع رهمة (6)، وهى المطرة.
__________
(1) فى الأصل: معيط
(2) السدم: الفحل الهائج، وقيل: هو الّذي يرسل فى الابل فيهدر بينها فاذا ضبعت أخرج عنها استهجانا لنسله، وقيل: الّذي يرغب عن فحلته فيحال بينه وبين ألافه ويقيد إذا هاج فيرعى حوالى الدار وإن صال جعل له حجام يمنعه عن فتح فمه
(3) الوقر: الحمل الثقيل
(4) الوقير: الذليل المهان
(5) المغفرة: زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة، والجمع مغافر
(6) الرهمة: المطر الخفيف الدائم(2/314)
وعنفوان الشباب: أوله، وكذلك بادرته وشرخه وريّقه.
ذات النحيين
وذات النّحيين: امرأة كانت تبيع فيهما سمنا بسوق عكاظ. فأتى إليها خوّات بن جبير الأنصارى فى الجاهلية، فساومها فى السمن وحل رباط أحد النحيين، فنظر إلى ما فيه ودفعه، فأمسكته بيدها لينظر إلى ما فى الآخر، فلما فتح الآخر دفعه إليها، فأخذته بيدها الأخرى، ثم فجر بها، ويداها مشغولتان بالنّحيين، مخافة أن يسيل السمن من النحيين، فضرب بها المثل فى الشغل، فقيل: أشغل من ذات النحيين، ثم أسلم خوات بعد ذلك وحسن إسلامه، وهو القائل فيها:
وذات عيال واثقين بعقلها ... خلجت لها جار استها خلجات (1)
فأخرجته ريّان بنطف رأسه ... من الرّامك المدموم بالمقرات (2)
وشدّت يديها إذ أردت خلاطها ... بنحيين من سمن ذوى عجرات
فكانت لها الويلات من ترك سمنها ... ورجعتها صفرا بغير بتات
فشدّت على النّحيين كفّا شديدة ... على سمنها، والفتك من فعلاتى (3)
فلمّا أسلم وشهد بدرا، قال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: يا خوات كيف شراؤك (4)؟ وتبسم صلّى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله قد رزق الله خيرا، وأعوذ بالله من الحور بعد الكور.
بلغ السيل الزنى
والعرب تقول، إذا اشتد الامر: بلغ السيل الزّبى، وجاوز الحزام الطبيين، يعنون حزام الفرس والناقة وغيرهما، وهو منتهى الجهد، والطبيان: الضرعان، واحدهما: طبى، وجمعه أطباء.
ولما اشتد الحصار على عثمان بن عفان كتب إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه يستنجده:
__________
(1) الخلج: ضرب من النكاح
(2) الرامك: شيء تضيق به المرأة قبلها. المدموم: المخلوط. والمقرة: الصبر
(3) كفا شديدة: تروى: كفا شحيحة. وكفى شحيحة (تثنية كف)
(4) تروى: شرادك(2/315)
أما بعد، فقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين (1)، وتمثل بقول الممزّق العبدى، واسمه شاس بن مهازن:
فأن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركنى ولما أمزّق
فأمده بالحسن والحسين فى جماعة من بنى هاشم، فدفعوا الناس عن باب دار عثمان، ففرضوا الدار ودخلوا عليه من خلفها فقتلوه، ولا علم للذين بالباب.
خفا حنين
وخفيّ حنين يضرب بهما المثل لمن جاء خائبا، وحنين إسكاف من أهل الحيرة، ساومه أعرابى فى خفّين، فاختلفا حتى أغضبه الأعرابى، فتركه حنين حتى ارتحل، وتقدم له فى طريقه، وألقى أحد الخفين فى موضع وأحدهما فى موضع آخر، فلما مر الأعرابى بالخف الأول منهما، قال: ما أشبه هذا الخف بخفى حنين، ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى حتى انتهى إلى الآخر، فلما رآه ندم على عدم أخذ الأول، فأناخ راحلته وأخذه، ورجع للأول فأخذه، وقد كمن له حنين، فأخذ الراحلة وما عليها، فأتى الأعرابى إلى الراحلة، فلم يجدها، فراح الأعرابى وليس معه غير الخفّين فقال له قومه: ما الّذي أتيت به؟ فقال: بخفى حنين، فضربت العرب المثل بذلك لكل من جاء خائبا
والكمه: العمى، والأكمه الأعمى، ومنه قوله تعالى: {«وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ}»، قال سويد بن أبى كاهل اليشكري:
كمهت عيناه لمّا ابيضّتا ... فهو يلحى نفسه لمّا نزع
الكسعى
والكسعى: صائد وقف على طريق الظباء (2) فمرت عليه وهو يرمى كل ظبى منها بسهم، فلم تتحير الظباء حتى توارت عنه، فظن أنه أخطأها، فكسر قوسه، وعض على إبهامه فقطعها وقال:
__________
(1) بعده: وطمع فى من لا يدفع عن نفسه، ولم يغلبك مثل مغلب، فأقبل إلى صديقا كنت أو عدوا.
(2) فى الأصل: الضبا. ويرمى كل ضبى. وقد سبق أن اشير إلى قصة الكسعى فى صفحة 98.(2/316)
ندمت ندامة لو أن نفسى ... تطاوعنى إذا لقطعت خمسى
تبين لى سفاه الرأى منى ... لعمر أبيك حين كسرت قوسى
وهذا مما يعاب فى الشعر، لأنه أتى ببيت مردف وبيت لا ردف فيه وهو السناد، فضربت العرب المثل بندامة الكسعى.
والقنيص (1) المقنوص، مثل قتيل ومقتول وصريع ومصروع.
والحبالة: حبال الصائد.
والمفرح (2): المثقل، يقال: أفرحه الدين إذا أثقله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يترك فى الاسلام مفرح» (3)، وقال بيهس (4) العذرى:
إذا أنت لم تبرح تؤدّى أمانه ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع (5)
والمفعم: المملوء.
واللبيد: الجوالق وهو الخرج، ومنه اشتق اسم لبيد الشاعر.
والبالة: شبيهة بالحراب والوسفان: مشى المقيد. والصفاد: الصيد، والصّفد أيضا: الغل وجمعه أصفاد، ومنه قوله تعالى {«مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفََادِ}» والصّفد فى هذا الموضع: العطاء قال: النابغة:
__________
(1) فى الأصل: القبيص، المقصبوص
(2) المفرح: الفقير المحتاج
(3) أى لا يترك فى أخلاف المسلمين حتى يوسع عليه ويحسن إليه
(4) فى الأصل: ينهس
(5) وقبله
إذا أنت أكثرت الاخلاء صادفت
بهم حاجة بعض الّذي أنت مانع(2/317)
هذا الثّناء فإن تسمع لقائله ... فلم أعرّض أبيت اللّعن بالصّفد (1)
والمعتر: المتعرض للمسألة.
والقانع السائل، ومنه قوله تعالى: {«وَأَطْعِمُوا الْقََانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}».
والجدير: الحقيق بالشيء. يقال فلان جدير بكذا، وقمين به، وخليق به، وحقيق به، كل ذلك بمعنى.
__________
(1) يروى
* هذا الثناء فان تسمع به حسنا *
والمعنى: هذا الثناء الصحيح الصادق، فمن الحق أن تقبله منى، ولم أمدحك متعرضا لعطائك، لكنى امدحتك إقرارا بفضلك.(2/318)
تم الكتاب بحمد الله ويليه الفهارس(2/319)
تم الكتاب بحمد الله ويليه الفهارس
الفهارس
1 - فهرس مقدمات الكتاب
(أرقام هذا الفهرس موضوعة فى أسفل الصفحات) صفحة 5كلمة عن الكتاب ومؤلفه، للاستاذ الجليل محمد زاهد الكوثرى تصدير:
12 - مقدمة موضوعات الكتاب
13 - نسخة الكتاب النسخة التيمورية آثارنا فى الكتاب
14 - ما صار إليه الكتاب وضعنا للرسالة
15 - شكر وثناء رجاء التعريف بالمؤلف:
16 - نسبه
17 - مولده علمه وأخلاقه 20شعره
21 - منزلته ووصوله إلى الملك
23 - مؤلفاته
25 - وفاته
27 - رسالة الحور العين
29 - نص الرسالة
51 - شرح رسالة الحور العين(2/321)
51 - شرح رسالة الحور العين
2 - فهرس الأعلام
ا
آدم 233/ 234/ 274
آزر 11 (1)
آمنة بنت وهب 192
إبراهيم الخليل عليه السلام 121/ 141 145/ 233/ 268
إبراهيم بن الأشتر 182
إبراهيم بن الحسن بن الحسن 270
إبراهيم بن السرى بن سهل الزجاج 31/ 93
إبراهيم بن سيار النظام 152/ 209/ 230 231/ 235/ 236/ 264/ 273
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 269
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن 209/ 210/ 272
إبراهيم بن محمد بن يعفر الحوالى 198
أبرهة ذو المنار بن الحارث 20
أبرويز بن هرمز 76/ 77/ 80
ابن الأثير (على بن محمد بن محمد بن عبد الكريم)
ابن أحمر 41/ 49/ 81
ابن الأعرابى (محمد بن زياد بن عبد الله)
ابن برى (عبد الله بن برى)
ابن التمار 257
ابن جنى (عثمان بن عبد الله أبو الفتح)
ابن الحصين (عبد الله بن أبى الحصين الأزدى)
ابن حمزة 82
ابن حنبل (أحمد بن محمد بن حنبل)
ابن الحنفية (محمد بن على بن أبى طالب)
ابن خلكان (احمد بن محمد)
ابن السكيت (يعقوب بن اسحاق)
ابن عباس (عبد الله بن عباس)
ابن عبد ربه (أحمد بن محمد بن عبد ربه)
ابن عيزارة (قيس بن عيزارة الهذلى)
ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم)
ابن القرية (أيوب بن زيد)
ابن كامل 155
ابن الكلبى (هشام بن محمد)
ابن مالك معود الحكماء (معاوية بن مالك)
ابن المعلى 44
ابن مقبل (تميم بن أبى)
ابن منظور (محمد بن مكرم)
ابن ناووس 162
ابن هشام (عبد الله بن يوسف)
أبو اسحاق الزجاج (ابراهيم بن السرى بن سهل)
أبو الأسود (ظالم بن عمرو)
أبو بكر الصديق (عبد الله بن عثمان)
أبو بكر بن أشته البغدادى 26
أبو بكر بن دريد (محمد بن الحسن بن دريد)
أبو بيهس (الهيصم بن جابر)
__________
(1) لم يرد فى هذه الاعلام اسم علم من الأعلام الواردة في المقدمات.(2/322)
أبو تراب (على بن أبى طالب)
أبو تمام (حبيب بن أوس)
أبو جعفر المنصور (عبد الله بن محمد بن على)
أبو جلدة اليشكري 6
أبو جهل (عمرو بن هشام)
أبو حاتم السجستانى (سهل بن محمد بن عثمان)
أبو حذيفة (واصل بن عطاء)
أبو الحسن الأخفش (سعيد بن مسعدة المجاشعى البلخى)
أبو الحسن العروضى 93/ 94
أبو الحسين (أحمد بن فارس)
أبو حنيفة (النعمان بن ثابت)
أبو خالد الأعمى المشعبذ الواسطى 264
أبو خالد الهمدانى 264
أبو خراش (خويلد بن مرة)
أبو الخطاب (محمد بن أبى زينب)
أبو دؤاد (جارية بن الحجاج الأيادى)
أبو ذر الغفارى (جندب بن جنادة)
أبو ذؤيب (خويلد بن خالد الهذلى)
أبو زياد الكلابي 22
أبو زيد (سعيد بن أوس بن ثابت)
أبو سعيد السيرافى (الحسن بن عبد الله)
أبو سهل (بشر بن المعتمر)
أبو الصباح (الحسن بن أحمد)
أبو الطيب الطبرى 201
أبو العاص بن الربيع 273
أبو عبادة البحتري (الوليد بن عبيد الطائى)
أبو العباس السفاح (عبد الله بن محمد بن على)
أبو العباس المبرد (محمد بن يزيد)
أبو عبد الله (الحسين بن أمرن)
أبو عبيد (القاسم بن سلام)
أبو عبيدة (معمر بن المثنى)
أبو عثمان المازني (بكر بن محمد بن بقية)
أبو العلاء المعرى (أحمد بن سليمان التنوخى)
أبو على الفارسى (الحسن بن أحمد بن عبد الغفار)
أبو على القالى (اسماعيل بن القاسم)
أبو عمر (ثمامة بن أشرس النميرى)
أبو عمرو العلاء (زبان بن العلاء بن عمار)
أبو عمرو بن عبد الله الهذلى 102
أبو العيال الهذلى 129
أبو عيسى الرزاق 170
أبو الفداء (اسماعيل بن على بن الأفضل)
أبو فديك 170
أبو قابوس (النعمان بن المنذر)
أبو القاسم أبو الحسن بن فرج بن حوشب 197/ 198
أبو القاسم البلخى 111/ 156/ 160/ 164 168/ 170/ 172/ 195/ 202/ 207 208/ 211
أبو القاسم الزجاجى (عبد الرحمن بن اسحاق)
أبو قلابة الهذلى 34
أبو كبشة 192
أبو كبير الهذلى 48/ 74
أبو كرب الضرير 157
أبو محرز المحاربى 109
أبو محمد (الحسن بن أحمد الهمدانى)(2/323)
أبو محرز المحاربى 109
أبو محمد (الحسن بن أحمد الهمدانى)
أبو محمد التوزى (عبد الله بن محمد بن هارون)
أبو مزاحم (عج بن شاح)
أبو مطيع 209
أبو مسلم الخراسانى (عبد الرحمن بن مسلم)
أبو المعتم بن عباد السلمى 209
أبو مكرم 172
أبو منصور العجلى 168/ 169/ 170
أبو نافع راشد بن الأزرق (نافع بن الأرزق)
أبو النجم (الفضل بن قدامة)
أبو نواس (الحسن بن هاني)
أبو هاشم (عبد الله بن محمد)
أبو الهذيل (محمد بن الهذيل العلاف)
أبو يوسف (يعقوب بن ابراهيم الانصارى)
أبى بن مسعود (المنخل اليشكري) 310
أبيلى 93
أحمد بن سليمان (أبو العلاء المعرى) 97
101/ 239/ 261
أحمد بن طلحة (المعتضد) 196
أحمد بن عبد الله الأكيلي 196/ 197
أحمد بن فارس (أبو الحسين) 251
أحمد بن محمد (ابن خلكان) 35
أحمد بن محمد بن حنبل 287
أحمد بن محمد بن عبد ربه 62/ 308
أحمد بن محمد بن هارون (المستعين) 156
أحمد بن يحيى بن زيد (ثعلب) 7
الأحنف بن قيس (الضحاك بن قيس)
الأحوص بن محمد الانصارى (عبد الله بن محمد)
الأخطل (غياث بن غوث)
الأخنس بن شهاب التغلبى 52/ 172
ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن 211/ 272
أرسطاطاليس 137
أرميا 144
أزال بن قحطان 26
أسامة بن زيد 232
الأسبطون 139
أسبندريار بن بشتاسف 143
اسحاق بن زكريا (اليربوعى) 296/ 297
اسحاق بن محمود بن عبد الحميد 211
اسحاق بن منصور 287
أسعد التميمى 249
أسعد الجهنى 296
أسعد بن يعفر بن ابراهيم 200
الأسعر الجعفى (مرثد بن حمران)
أسماء بن خارجة الفزارى 183
اسماعيل بن أبى سهل 192
اسماعيل بن جعفر بن محمد بن على الباقر 162/ 252
اسماعيل بن حماد (الجوهرى) 34
اسماعيل بن على الأفضل (أبو الفداء) 239
اسماعيل بن القاسم (القالى) 37
اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن جعفر 197/ 198
اسماعيل بن محمد بن يزيد (السيد الحميرى) 157/ 158
الأسود 136(2/324)
اسماعيل بن محمد بن يزيد (السيد الحميرى) 157/ 158
الأسود 136
الأشتر النخعى (مالك بن الحارث)
الاشمونى (على بن محمد)
الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان 296
الأصمعي (عبد الملك بن قريب الباهلى)
أعشى باهلة (عامر بن الحارث)
أعشى قيس (ميمون بن قيس)
أعشى همدان (عبد الرحمن بن عبد الله)
الأغلب العجلى 9
الاقرع بن حابس 136
أم اسحاق (سارة)
أم إسماعيل (هاجر)
امرؤ القيس 24/ 60/ 62/ 70/ 85/ 89 90/ 117/ 118/ 120/ 304
امرؤ القيس بن مالك الحميرى 22
أم سعد بن معاذ 67
أم كلثوم بنت الحسن بن الحسين 270
أم المنذر بن امرئ القيس (ماء السماء)
أم وهب بن عبد مناف 192
الأموى 291
أميمة 78/ 79
أمية بن أبى الصلت 92
أمية بن خلف 234
أنو شروان بن قباذ (كسرى) 77/ 140 219/ 310
أهرمن 239
أوس 281
أوس بن حجر 109/ 127
إياس بن قبيصة الطائى 80
أيمن بن خريم الأسدى 180
أيوب بن الأوتر 208
أيوب بن زيد (ابن القرية) 107
ب
بجير بن عبد الله بن عامر 191
بزرجمهر بن بختكان 146/ 244/ 253
بشار بن برد 208
بشتاسف بن لهراسف 143
بشر بن أبى حازم 103/ 224
بشر بن غياث (المريسى) 257/ 264
بشر بن المعتمر (أبو سهل) 209/ 264
بشير الرجال 209/ 256
بشير بن سعد الخزرجى 212/ 213
بكر الأعور الهجرى 168
بكر بن محمد بن بقية (أبو عثمان المازنى) 39/ 44/ 45/ 46
بلعم بن باعور 138/ 139
بهرام 140
البيان بن سمعان 161/ 260
بيهس العذرى 317
ت
تميم بن أبى (ابن مقبل) 28/ 81
توبة بن الحمير 224
ث
ثعل بن عمرو 60
ثعلب (أحمد بن يحيى بن زيد)
ثعلبة 172(2/325)
ثعلب (أحمد بن يحيى بن زيد)
ثعلبة 172
ثعلبة بن الأعرج 306/ 307/ 308
ثمامة بن أشرس النميرى (أبو عمر) 209
ج
جابر الجعفى 168
الجاحظ (عمرو بن بحر)
جارية بن حجاج الأيادى (أبو داود) 85
296/ 298
جالينوس 137
جبريل 155/ 167/ 182/ 260
جذيمة الأبرش 130/ 296/ 300/ 302
جرول بن أوس (الحطيئة) 8/ 97 108/ 265
جريبة بن أشيم 135/ 224
جرير بن عبد المسيح (المتلمس) 9/ 123 124/ 125
جرير بن عطية الخطفى 46/ 62/ 92 249/ 281/ 282
جرير بن لوذان 221
جعفر بن حارث 186
جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر 197
جعفر بن محمد بن على الباقر 161/ 162 163/ 164/ 166
جفينة 251
جندب بن جنادة (أبو ذر) 272
جندب بن كعب 183/ 184
جندل 225
جهم بن صفوان 148/ 208/ 255/ 256
جهينة 250/ 251
الجوهرى (إسماعيل بن حماد)
جيهلة 297
ح
حاتم الطائى 73/ 115
حاجب بن زرارة 136/ 257
الحارث بن جبلة الغسانى 188/ 277
الحارث بن حلزة 44
الحارث بن سريج 255
الحارث بن عمرو بن مضاض الجرهمى 14
الحارث بن عوف 307
الحارث بن مالك 118/ 250
الحاكم بأمر الله (منصور بن نزار)
حباب بن المنذر 25/ 213/ 278
حبيب بن أوس (أبو تمام) 50
حبيب بن جذرة الهلالى 187
الحجاج 107/ 177/ 182/ 204/ 230
الحرقة بنت النعمان 80/ 81
الحرمانى 261
حزقيل 144
حسان بن أسعد تبع 15
حسان بن ثابت 75/ 214
الحسن بن أحمد (أبو الصباح) 196
الحسن بن أحمد عبد الغفار (أبو على الفارسى) 38/ 251
الحسن بن أحمد الهمدانى (أبو محمد) 196
الحسن بن أبى الحسن البصرى 106/ 111 203/ 204/ 206/ 208/ 209/ 256(2/326)
الحسن بن أحمد الهمدانى (أبو محمد) 196
الحسن بن أبى الحسن البصرى 106/ 111 203/ 204/ 206/ 208/ 209/ 256
حسن بن الحسن بن الحسين 270
الحسن بن الحسن بن على 270/ 271
الحسن بن ذكوان 208
الحسن بن عبد الله بن محمد (السيرافى) 45
حسن بن على 155/ 157/ 163/ 166 181/ 182/ 187/ 188/ 316
الحسن بن على العسكرى 165/ 166/ 251
الحسن بن على بن محمد بن الحنفية 160
الحسن بن القاسم بن على 156
الحسن بن هانئ (أبو نواس) 192/ 193
الحسين بن أمرن (أبو عبد الله) 198
الحسين بن على 153/ 156/ 157/ 161 163/ 166/ 181/ 182/ 188 269/ 316
الحسين بن القاسم الرسى 252
الحسين بن أبى منصور 169
حسين النجار 257/ 264
الحطيئة (جرول بن أوس)
حفص بن سالم 208
حفص بن عمر بن سعد بن أبى وقاص 182
حفص بن أبى المقدام 175
حمزة بن أدرد 171
حميد الأرقط 251
حميد بن ثور الهلالى 16/ 82/ 130/ 265
حنين 313/ 316
حوشب 271
حية عبد بنى الحساس 225
خ
خالد بن جعفر بن كلاب 220
خالد بن عبد الله القسرى 161/ 168
خالد بن كلاب 308
خالد الهمذانى 146
خالد بن الوليد 131/ 232
خديجة أم المؤمنين 232
خفاف بن ندبة 12
الخليل (إبراهيم عليه السلام)
الخليل بن أحمد 51/ 73/ 87/ 94/ 112 113/ 313
خوات بن جبير الأنصارى 315
خويلد بن خالد الهذلى (أبو ذؤيب) 10 23/ 89/ 97/ 180/ 250/ 252
خويلد بن مرة (أبو خراش) 18/ 238
د
دانيال 145/ 240
دختنوس 257/ 258
دريد بن الصمة 12/ 34/ 64
دعبل بن على 272
الدمنهورى 64/ 68/ 69
الديباج (محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان)
ذ
ذو الأصبع (غرثان بن محرث)
ذو الرمة (غيلان بن عقبة)(2/327)
ذو الرمة (غيلان بن عقبة)
ر
الرائش (عدى بن صيفى)
رؤبة 91، 92، 100
الراعى (عبيد بن حصين)
الربيع بن ربيعة 126
ربيع بن ربيعة بن مسعود (سطيح الكاهن) 16
الربيع بن ضبع الفزارى 105
ربيعة بن حارثة الأزدى 134
رسول الله (محمد صلى الله عليه وسلم)
رشيد 172
رقية بنت عبد الله بن عمرو 271
رياح بن الأسل 308
ز
زرادشت 143
الزباء 296/ 300/ 301/ 302/ 304
زبان بن العلاء بن عمار (أبو عمرو) 73، 219
الزبير 180/ 230
زبينة 303
زرارة بن أعين 164
زرارة بن عدس التميمى 136/ 257
الزرقاء (اليمامة) 15
زرقان بن موسى 170
زكريا عليه السلام 114
زنبور 192/ 193
زهير بن جذيمة العبسى 306/ 307/ 308
زهير بن جناب الكلبى 17
زهير بن أبى سلمى 53/ 63/ 100/ 128 285/ 307
زياد 230
زياد بن الأصفر 177
زياد بن معاوية (النابغة) 23/ 38/ 81 91/ 101/ 103/ 105/ 118/ 225 238/ 257/ 263/ 317
زيد بن الخطاب 132
زيد بن عدى بن زيد 79/ 80
زيد بن على بن الحسين 181/ 184/ 185 186/ 187/ 188/ 189
زيد بن عمر بن عثمان 269
زيد بن عمرو بن نفيل 233
زينب بنت الحسن بن الحسن 270
س
سابور بن أزدشير بن بابك 140/ 219
سابور ذو الأكتاف 28/ 264/ 294 295/ 297/ 298/ 299/ 300
سارة (أم إسحاق عليه السلام) 189
الساطرون بن أسطيرون 296/ 297
سحيم عبد بنى الحساس 225
سراقة البارقى 43
سطيح الكاهن (ربيع بن ربيعة بن مسعود)
سعاد 67
سعد بن عبادة الخزرجى (أبو ثابت) 212/ 213
سعد بن معاذ 67(2/328)
سعد بن عبادة الخزرجى (أبو ثابت) 212/ 213
سعد بن معاذ 67
سعد بن أبى وقاص 80/ 81/ 110 182/ 304
سعدي الجهنية 296
سعيد بن أوس بن ثابت (أبو زيد) 75
سعيد بن قيس الهمداني 183
سعيد بن مسعدة المجاشعى (الأخفش) 44 87/ 96/ 113
سفيان الثورى 209
سفيان بن عتبة 209
سكينة بنت الحسين بن على 269
سلامة 306/ 307
سلامة بن جندل 80
سلم بن أحور 255
سليمان بن أرقم 208
سليمان بن جرير 147/ 148/ 151/ 155 سليمان بن أبي سهل 193
سليمان بن عبد الملك 269
سليمان بن مخالد 211
السموأل بن عاديا 118
سهل بن محمد بن عثمان (أبو حاتم) 705
سويد بن الصامت الانصارى 309
سويد بن أبي كاهل اليشكري 316
سيبويه (عمرو بن عثمان)
السيد أبو طالب (يحيى بن الحسين بن هارون الحسينى)
السيد الحميري (اسماعيل بن محمد بن يزيد)
سيرة بن عمرو الأسدى 263
السيوطي (عبد الرحمن بن أبى بكر)
ش
شاس بن زهير 306/ 307/ 308
شاس بن عبدة 277
شاس بن مهازن (الممزق العبدى) 316
الشافعى (محمد بن ادريس)
شبيب بن البرصاء 266
شبيبة بن ربيعة 234
شعيا بن راموص 144/ 145/ 240/ 241
شمر بن ذى الجوشن الضبابى 182
شيبان بن سلمة 172
شيطان الطاق (محمد بن النعمان)
ص
صامون السرياني 141
الصبان (محمد بن على)
صخر بن حساء التميمي 109
صخر الغى الهذلى 35/ 102
صخر بن قيس (الأحنف بن قيس)
الصعب بن جثامة 231
صفوان الأنصارى 207
الصلت بن أبى الصلت 171
الصنعانى (عبد الرزاق بن همام)
ض
ضباعة بنت زفر الكلابى 90
الضبى 220
الضحاك الشيبانى 176(2/329)
الضحاك بن قيس (الأحنف) 116/ 203
ضرار بن عمرو 148/ 254/ 255
الضيزن بن معاوية 294/ 295/ 296/ 297 298/ 300
ط
الطائى (حاتم) طرفة بن العبد 53/ 86/ 89/ 123/ 124 263
الطرماح 224/ 310
طفيل بن عوف الغنوى 222
طلحة 180/ 230
ظ
ظالم بن عمرو (أبو الأسود) 43
ع
عائشة أم المؤمنين 180/ 230
عابر بن أرم بن سام بن نوح 15
عامر بن الحارث (أعشى بأهله) 25
عامر بن حارثة 311
عامر بن الطفيل 203
عامر بن كثير المحاربى 82
العباس بن عبد المطلب 153/ 260
العباس بن مرداس 9
عبد بن زهرة 129
عبد الجبار بن أحمد 205
عبد الرحمن بن اسحاق (الزجاجى) 31/ 32
عبد الرحمن بن الأشعث 107/ 204
عبد الرحمن بن أبى بكر (السيوطى) 26/ 35
عبد الرحمن بن عبد الله (أعشي همدان) 182/ 184
عبد الرحمن بن مسلم (أبو مسلم الخراسانى) 160/ 172/ 251
عبد الرحمن بن ملجم 201
عبد الرزاق بن على النحوى 206
عبد الرزاق بن همام (الصنعانى) 282
عبد السلام بن رعبان 192
عبد الكريم بن نويرة الدهلى 193/ 253
عبد الله بن أباض التميمي 173
عبد الله بن برى 11
عبد الله بن جعفر 163/ 164
عبد الله بن الحارث 208
عبد الله بن حرب 160
عبد الله بن الحسن 270/ 271/ 2/ 272
عبد الله بن الحصين الأزدى 213
عبد الله بن حكيم بن حزام 269
عبد الله بن رؤبة (العجاج) 4/ 10/ 11 34/ 48/ 64/ 99/ 100
عبد الله بن الزبير 159
عبد الله بن الزبير الأسدى 183
عبد الله بن زياد 182
عبد الله بن سبأ 154
عبد الله بن شمراخ 177
عبد الله بن الصفار 177
عبد الله بن عامر 230
عبد الله بن عباس 154/ 234
عبد الله بن عثمان (أبو بكر الصديق) 5 19/ 127/ 131/ 154/ 155/ 180/ 181 184/ 185/ 213/ 233(2/330)
عبد الله بن عباس 154/ 234
عبد الله بن عثمان (أبو بكر الصديق) 5 19/ 127/ 131/ 154/ 155/ 180/ 181 184/ 185/ 213/ 233
عبد الله بن على بن أبى طالب 182
عبد الله بن عمر 183/ 290
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز 207
عبد الله بن عمرو بن عثمان (المطرف) 270/ 271
عبد الله بن فطح 164
عبد الله بن قحطان 200
عبد الله بن محمد (أبو هاشم) 159/ 160 205/ 206
عبد الله بن محمد (الأحوص) 3
عبد الله بن محمد بن على (أبو العباس السفاح) 271
عبد الله بن محمد بن على (أبو جعفر المنصور) 111/ 112/ 156/ 166/ 209/ 210 211/ 270/ 272
عبد الله بن محمد بن هارون (التوزى) 45/ 46
عبد الله بن مسلم (ابن قتيبة) 113/ 114 205
عبد الله بن معاوية 160/ 161/ 274
عبد الله بن المغيرة بن سعد 168
عبد الله بن مناف بن ربيع الهذلى 129
عبد الله بن المنذر 51
عبد الله بن المهدى بن اسماعيل 198/ 199
عبد الله بن يزيد 254/ 257
عبد الله بن يوسف (ابن هشام) 14/ 15/ 20
عبد المطلب بن هاشم 120
عبد الملك بن قريب (الأصمعى) 85/ 289 303
عبد الملك بن مروان 46/ 158
عبد الواحد بن زيد 256
عبدة بن الطيب 116
عبيد بن الأبرص 76/ 99/ 266
عبيد بن حصين (الراعى) 20/ 104/ 105 109/ 110/ 245
عتبة بن ربيعة 134
عتبة بن أبى لهب 233
عتبة بن أبى معيط 132
عثمان بن حبان المرى 177
عثمان بن أبى الصلت 171
عثمان بن عبد الله (ابن جنى) 38
عثمان بن عبد الله بن عثمان 269
عثمان بن أبى عثمان الطويل 208
عثمان بن عفان 155/ 180/ 181/ 215 226/ 229/ 230/ 270/ 315/ 316
عج بن شاح (أبو مزاحم) 196/ 197
العجاج (عبد الله بن رؤبة)
العجير السولى 237
عدى بن حاتم الطائي 115/ 116
عدى بن ربيعة (المهلهل) 53/ 73
عدى بن زيد 60/ 65/ 76/ 77/ 79/ 79 98/ 219/ 296/ 299/ 302/ 311
عدى بن صيفى بن سبأ (الرائش) 20
عدي بن مرينا 77
عزير 145(2/331)
عدي بن مرينا 77
عزير 145
العسكرى (الحسن بن على)
عصام 263
عطية بن الأسود الحنفى 170
العقيقى (يحيى بن الحسين الحسينى)
عقيل بن فارج 130
علباء 305
علقمة بن عبدة 277
علوى البصرة (على بن محمد)
على بن أحمد (المكتفى) 196/ 199
على بن الحسن 160/ 166
على بن الحسين بن على 161/ 163/ 166/ 181/ 188/ 269
على بن حمزة البصر (الكسائى) 75
على بن أبى طالب 115/ 154/ 155/ 157 163/ 166/ 169/ 178/ 180/ 181 182/ 184/ 187/ 188/ 193/ 200 203/ 205/ 206/ 212/ 215/ 229 230/ 247/ 251/ 259/ 260/ 314 315
على بن الفضل الخنفرى 198/ 199/ 200
على بن محمد (علوي البصرة) 201/ 202
على بن محمد الأشمونى 37
على بن محمد العلوى الزيدى 202
على بن محمد بن عبد الكريم (ابن الأثير) 8
على بن محمد بن على 165/ 166
علي بن موسى بن جعفر 165/ 166
عمار الساباطى 164
عمار بن ياسر 209
عمر بن إبراهيم الأنصارى 61
عمر بن الخطاب 5/ 110/ 131/ 132 155/ 180/ 181/ 184/ 185/ 213 215/ 233/ 271
عمر بن أبى ربيعة 179/ 226
عمر بن عبد العزيز 194/ 269
عمر بن لجأ التميمى 249
عمر بن موسى 187
عمران بن حطان 201
عمرو بن آلة 298
عمرو بن بحر الجاحظ 152/ 180/ 186 209/ 216/ 230/ 236/ 273
عمر بن السليح 294
عمرو بن عبيد 111/ 112/ 205/ 208 209/ 210/ 211/ 256
عمرو بن عثمان (سيبويه) 34/ 35/ 42 47/ 49
عمرو بن عدى اللخمى 130/ 302/ 303 304
عمرو بن كلثوم 21
عمرو بن لحى 134
عمرو بن مالك 221
عمرو بن معديكرب 99/ 110/ 111
عمرو بن هشام (أبو جهل) 234
عمرو بن هند 21/ 49/ 123/ 124/ 250
عمير بن البنان العجلى 167
عمير بن هبيرة 167
عميرة بنت معبد 226
عنان بن داود 144/ 145(2/332)
عميرة بنت معبد 226
عنان بن داود 144/ 145
عنترة 62/ 100/ 221
عوانة بن الحكم 184
عون بن عبد الله بن عقبة بن مسعود 24
عياض بن ناشب 21
عيسى عليه السلام 114/ 145/ 146 169/ 172/ 241/ 242/ 268
عيسى بن يعقوب 144
غ
غامر بن الحارث (الكسعي) 98/ 313/ 316
غرثان بن محرث (ذو الأصبع) 24
الغريض 132/ 133
غياث بن غوث (الأخطل) 62/ 133/ 193
غيلان بن عقبة (ذو الرمة) 3/ 16/ 17 20/ 86/ 128/ 132/ 285
غيلان بن عمرو بن عبيد 256/ 273
ف
فاطمة بنت الحسين بن على 269/ 270/ 271
الفخر الرازى (محمد بن عمر)
الفراء (يحيى بن زياد)
الفرزدق (همام بن غالب)
فرفوريوس 145
فضالة بن كلدة الأسدى 127
الفضل بن قدامة (أبو النجم) 29/ 37/ 74
ق
القاسم بن سلام (أبو عبيد) 127/ 283 303
القاسم بن الصعدى 208
القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان 271
قباذ بن فيروز 140/ 142
قتادة 256
قحطان بن عبد الله بن أبى يعفر 200
قس بن ساعدة 117
قصير بن سعد 296/ 301/ «30/ 303
القطامى التغلبى 21/ 72/ 90
قطرب (محمد بن المستنير أبو على)
القلاخ 14
القنانى 75
قيس بن أبى ذريح الكنانى 179
قيس بن زهير العبسى 107
قيس بن سعد بن عبادة 213
قيس بن عاصم 116/ 117
قيس بن عيزارة الهذلى (ابن عيزارة) 33
قيس بن معاوية 20
ك
كثير عزة 158
كثير النوى 155
الكسائى (على بن حمزة البصرى)
كسرى (أبرويز)
كسرى (أنو شروان)
الكسعي (غامر بن الحارث)
كعب بن مالك الأنصارى 11
كليم المهود (عيسى عليه السلام)
الكميت 90/ 178/ 238/ 262
كيسان 182
كينان 142(2/333)
كيسان 182
كينان 142
ل
لاوذ بن سام بن نوح 115
لبيد بن ربيعة 21/ 44/ 86/ 88/ 91/ 117 118/ 135/ 221/ 252/ 262/ 279 302/ 317
لقيط بن زرارة 258
لقيط بن يعمر الأيادى 28
ليث بن بكر بن كنانة 179
ليلى الأخيلية 224
م
ماء السماء (أم المنذر) 311
المازنى 189
مالك بن أسماء بن خارجة 133
مالك بن أنس 258/ 261/ 289/ 290
مالك بن الحارث (الأشتر) 203
مالك بن عويمر (المسحال) 266
مالك بن فارج 130
مالك بن نويرة 130/ 131
مانى 139
ماهان 141
المبارك 162
المتلمس (جرير بن عبد المسيح)
متمم بن نويرة 130/ 131/ 132/ 265
محمد بن إدريس (الشافعى) 258/ 261 283/ 290
محمد بن إسماعيل بن جعفر 162/ 163 168/ 197/ 252
محمد بن الأشعث بن قيس 182
محمد بن جعفر 163
محمد بن الحسن (ابن دريد) 251
محمد بن حمران الجعفي 278
محمد بن زياد (ابن الأعرابي) 22/ 44/ 74
محمد بن أبى زينب (أبو الخطاب) 166 167/ 168
محمد بن سالم 188
محمد بن سليمان بن على 193
محمد بن عبد الله الاسكافى 186
محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن 272
محمد صلى الله عليه وسلم 2/ 6/ 7/ 8/ 13 19/ 33/ 68/ 104/ 115/ 117/ 127 133/ 150/ 153/ 154/ 155/ 156 157/ 167/ 176/ 177/ 181/ 187 188/ 192/ 194/ 206/ 21/ 230 231/ 23/ 233/ 234/ 235/ 239 253/ 260/ 272/ 273/ 282/ 288 292/ 294/ 315/ 317
محمد بن عبد الله النفس الزكية 156/ 168 169/ 17/ 210/ 252
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان (الديباج) 269/ 270/ 271
محمد بن على بن أبى طالب (ابن الحنيفة) 182/ 206/ 251/ 256/ 260
محمد بن على الباقر 157/ 158/ 159 162/ 163/ 168/ 169(2/334)
محمد بن على بن أبى طالب (ابن الحنيفة) 182/ 206/ 251/ 256/ 260
محمد بن على الباقر 157/ 158/ 159 162/ 163/ 168/ 169
محمد بن علي بن الحسين 188/ 189/ 170
محمد بن على (الصبان) 67/ 69
محمد بن على بن عبد الله العباس 160
محمد بن على بن موسى 160/ 166
محمد بن عمر (الفخر الرازى) 137
139/ 141/ 142/ 144/ 145/ 177
محمد بن القاسم الطلقاني 252
محمد بن القاسم بن على 156
محمد بن المستنير (قطرب) 35
محمد بن محمد بن يوسف (الميداني) 303
محمد بن مكرم (ابن منظور) 11/ 49
محمد بن النعمان (شيطان الطاق) 149
محمد بن هارون (المعتصم) 156
محمد بن الهذيل العلاف 208/ 209/ 254 264/ 279
محمد بن يزيد المبرد 39/ 94
المخبل التميمى 126
المختار بن عبيد الثقفى 43/ 181/ 183
مدرك بن حصن 170
المرار بن منقذ 120/ 221
مربع (وعوعة بن سعيد)
مرثد بن حمران (الأسعر) 220
مرجوم 44
المرقش 66
مرة بن خويلد 237
مروان بن الحكم 94/ 125
مروان بن سلمان بن أبى حفصة 153
مروان بن محمد بن مروان 195
المريسى (بشر بن غياث)
مريم بنت عمران 114/ 145
مزدك بن نامدان 140/ 142
المستعين (أحمد بن محمد)
المسحال الهذيل (مالك بن عويمر)
المسيح (عيسى عليه السلام)
مصعب بن الزبير 182/ 269
المطرف (عبد الله بن عمرو بن عثمان)
معاوية بن أبي سفيان 180/ 314
معاوية بن مالك (ابن مالك معود الحكماء) 9
معبد المغنى 133
معبد بن عبد الله الجهنى 172
المعتصم (محمد بن هارون)
المعتضد (أحمد بن طلحة)
معمر الصفار 167
معمر بن المثنى (أبو عبيدة) 117/ 219 291
معن بن زائدة 192
المغيرة بن حساء التميمى 109
المغيرة بن سعد 155/ 168
المغيرة بن سعيد 259
المفضل 168
مقاتل بن سليمان 149
المكتفى (على بن أحمد)
ملكا 145
الممزق العبدي (شاس بن مهازن)
المنخل اليشكري (أبى بن مسعود)
المنذر بن امرئ القيس 311(2/335)
المنخل اليشكري (أبى بن مسعود)
المنذر بن امرئ القيس 311
المنذر بن الجارود 261
منصور بن نزار (الحاكم بأمر الله) 113/ 251
المهلهل (عدي بن زيد)
موسى عليه السلام 144/ 145/ 146/ 239 241/ 259/ 273
موسى بن جعفر 161/ 165/ 166/ 251
مى 128
الميدانى (محمد بن محمد بن يوسف)
ميكائيل 165/ 233
ميمون 171
ميمون بن قيس (الأعشى) 16/ 27/ 39
45/ 80/ 89/ 96/ 118/ 179/ 298
ن
النابغة الذبيانى (زياد بن معاوية)
نافع بن الأزرق الحنفى 170/ 177
النبي (محمد صلى الله عليه وسلم)
نجدة بن عامر الحنفى 170
نشوان بن سعيد 152
نصر بن سيار 189
النضيرة بنت الضيزن 294/ 295/ 297 298/ 300
النظام (ابراهيم بن سيار)
النعمان بن امرئ القيس 310
النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) 147/ 148 258/ 261
النعمان بن المنذر (أبو قابوس) 21/ 76/ 77 79/ 80/ 238/ 249/ 263/ 306/ 308
النمر بن تولب 5/ 33
نوح عليه السلام 130/ 271
هـ
هاجر (أم إسماعيل عليه السلام) 189
هارون 144/ 169
هارون الرشيد 197
هارون بن محمد (الواثق) 45/ 46
هانى بن توبة الشيبانى 278
هرم بن سنان 307
هرمز بن نرسا 267
هرمس 138/ 243
هشام بن الحكم 148/ 254/ 257/ 264
هشام بن سالم 149
هشام بن عبد الملك 182/ 189
هشام بن عمرو الفوطى 209
هشام بن محمد (ابن الكلبى) 183/ 269
هشام بن مغيرة 191
همام بن غالب (الفرزدق) 7/ 73/ 82 125/ 249/ 282/ 293
هند 304
هند بنت عتبة 67
هند بنت عدى 78
الهيثم بن جابر (أبو بيهس) 176/ 177
والواثق (هارون بن محمد)
واصل بن عطاء (أبو حذيفة) 180/ 206 207/ 208/ 209/ 256/ 264/ 273
ورقاء بن زهير 102(2/336)
واصل بن عطاء (أبو حذيفة) 180/ 206 207/ 208/ 209/ 256/ 264/ 273
ورقاء بن زهير 102
ورقة بن نوفل 64
وعوعة بن سعيد (مربع) 280/ 282
وكيع بن حسان 136
الوليد بن عبد الملك 177/ 270
الوليد بن عبيد (أبو عبادة البحترى) 93
الوليد بن عقبة 183/ 184/ 269/ 314
الوليد بن يزيد 189/ 191/ 194/ 204
وهب بن منبه 106/ 211
ى
ياقوت 81
يحيى بن الحسين بن القاسم 196
يحيى بن الحسين بن هارون الحسينى (العقيقى) 185/ 187/ 253/ 269/ 270/ 271
يحيى عليه السلام 114
يحيى بن زياد (الفراء) 44/ 94/ 96/ 103
يحيى بن زيد 189
يحيى بن أبى شمط 163
يحيى بن عمر الكوفى 252
يحيى بن عمر بن يحيى 156
يحيى بن أبى يعلا 187
اليربوعى (اسحاق بن زكريا)
يزدان 239
يزيد بن أبى أنيسه 175
يزيد بن الوليد 194/ 195/ 204
يسار الكواعب 305
يعقوب بن ابراهيم (أبو يوسف) 209
يعقوب بن اسحاق (ابن السكيت) 34/ 38
يعقوب بن مرقيون 141
اليمامة (الزرقاء)
يوسف بن داود 114
يوسف بن عمر 169/ 189
يوسف بن يعقوب 145/ 240/ 241
يوشع 144/ 145/ 169/ 241
يونس النحوى 219
يونس بن عبد الرحمن 165(2/337)
3 - فهرس الأمم والقبائل والبطون
ا
بنو أبان بن دارم 62
بنو الاجرام 294
الأزد 112/ 134/ 311
بنو أسد 76/ 178/ 183/ 224/ 304
بنو أمية 194/ 211/ 230
الأنصار 212/ 213/ 214/ 215/ 294 325
أياد 117
ب
باهلة 250
بجيلة 182
البدو 115
بشق 203
بكر 53
ت
تغلب 52/ 193
تنوخ 297
بنو تميم 76/ 134/ 136/ 249/ 250
تيم اللات 263
ث
بنو ثعل 60
ثمود 15
ج
جديس 15/ 16
جرم 281
جهينة 296
ح
بلحرث بن كعب 136
بنو الحساس 225
حكيم بن خزام 269
حمير 16/ 21/ 31/ 136/ 198/ 299
بنو حنيفة 134
حيدان 297
خ
خارف 184
خزاعة 134
الخزرج 212
خزيمة 304
د
بنو دارم 62
بنو دوقن 123
ذ
ذبيان 118/ 307
ر
ربيعة 250
الروم 6/ 145/ 218/ 227/ 237(2/338)
الروم 6/ 145/ 218/ 227/ 237
ز
زبيد 110
س
بنو ساعدة 211
السريان 139/ 142
بنو سعد بن ضبيعة 176/ 177
سليح 297/ 300
بنو سليم 47
ش
شاكر 184
شبام 184
ص
الصين 140
ض
بنو ضبيعة 123/ 150
ط
طسم 15
طى 60/ 115
ع
بنو عامر 307
بنو العباس 160
بنو عبد الدار 67
عبد القيس 209/ 267
عبس 307/ 308
بنو العبيد 298
العجم 110/ 152/ 217
عرادة 111
العرب 77/ 110/ 133/ 136/ 152/ 153 217/ 218/ 219/ 267/ 268
العماليق 300
بنو عمرو بن الحاف 297
غ
غدانة 305
غسان 23/ 277
غطفان 306/ 308
بنو غنى 306/ 307/ 308
ف
الفرس 141/ 142/ 211/ 218/ 219 228/ 239/ 267
فرهود 112
فزارة 133/ 183
ق
قحطان 26
قريش 25/ 110/ 111/ 136/ 137/ 212
213/ 214
قضاعة 211/ 281/ 294/ 301
بنو قيس بن ثعلبة 152
قيس عيلان 306
ك
كتامة 198/ 199
بنو كلاب 282
كلب 17/ 211
بنو كنانة 136/ 179/ 209/ 304
كندة 136
ل
بنو لحيان بن هذيل 266
لخم 301/ 302/ 310(2/339)
بنو لحيان بن هذيل 266
لخم 301/ 302/ 310
لكيز 44
م
مازن تميم 45
مازن شيبان 45
بنو مالك 297
مرة بن عبد شمس 198/ 307
بنو مروان 229
مضر 250/ 269
ن
النصارى 239/ 241/ 242
نهم 184
بنو نوبخت 192
هـ
بنو هاشم 316
هذيل 97
همدان 48/ 157/ 182/ 183/ 202/ 203
الهند 139/ 144/ 215/ 216/ 218/ 226
هوازن 306/ 308
ى
يربوع 305
يزيد 294/ 297/ 298
اليمن 20/ 156/ 198/ 200/ 281/ 297
اليهود 114/ 119/ 136/ 144/ 239 240/ 242
اليونانية 139(2/340)
اليونانية 139
4 - فهرس المذاهب والفرق والطوائف
ا
الأباضية 173/ 178/ 202/ 230/ 258
الاثنا عشرية 166/ 252/ 253
الأخنسية 172
الأرمنوسية 145
الأزارقة 177/ 178/ 201/ 275
الاسماعيلية 148/ 162/ 197
أصحاب التناسخ 146/ 243/ 264
أصحاب الجثة 138
أصحاب الرجعة 159/ 260
أصحاب النص 260
الأصفهانية 144/ 145
الأطباء 137/ 246
الإمامية 154/ 157/ 272
أهل الإلحاد 252/ 253
ب
الباطنية 252
البترية 150/ 151/ 155
البدعية 178
البراهمة 143/ 144/ 246
البطحية 254
بلعم 138
البيهسية 176/ 275
ث
الثعلبية 172/ 274
الثنوية 139/ 245
ج
الجارودية 155/ 156/ 252/ 261
الجالوتية 144/ 240/ 241
الجبرية 149
الجرمدينية 142
الجرمية 251
الجريرية 155
الجعفرية 148/ 162/ 163/ 252
الجهمية 148/ 255
الجوالقية 149/ 164/ 258
الجوهرية 138
ح
الحاكمية 251
الحرانيون 142/ 246
الحربية 160/ 251
الحرورية 200/ 253
الحريرية 150/ 253
الحسينية 156/ 157/ 169/ 252/ 259
الحشوية 147/ 148/ 150/ 154/ 204
251/ 256/ 273
الحفصية 175
الحلفية 171
الحمزية 171
الحنفية 258/ 261(2/341)
الحمزية 171
الحنفية 258/ 261
الحواريون 5/ 6
خ
الخازمية 171
الخشبية 274
الخطابية 166/ 167/ 199/ 253/ 258
الخوارج 147/ 150/ 152/ 154/ 170
173/ 175/ 177/ 178/ 180/ 186 200/ 202/ 203/ 212/ 251/ 256 273
د
الدهرية 143/ 248
الديصانية 140/ 245
ر
الراوندية 153/ 260
الرشيدية 172
الروافض 184/ 185/ 257/ 261/ 262
ز
الزرارية 164
الزندقة 136/ 189/ 192/ 194/ 200 244
الزهاد 216
الزيدية 147/ 148/ 150/ 151/ 152 154/ 155/ 156/ 185/ 196/ 202 252/ 273
س
السامرية 144/ 145/ 241
السبئية 154/ 184/ 251
السحابية 154/ 251
السليمانية 155
السوفسطائية 139/ 246
السيمينية 139
ش
الشافعية 258/ 261
الشراة 203
الشكاك 139
الشمراخية 177/ 274
الشمطية 163
الشمرية 203
الشيبانية 172
الشيعة 147/ 150/ 152/ 153/ 154 170/ 178/ 179/ 180/ 181/ 184 192/ 199/ 212/ 251/ 252
ص
الصابئون 141/ 245
الصامونية 141
الصفرية 177/ 178/ 274
الصلتية 171
ض
الضحاكية 176
الضرارية 212/ 254/ 255(2/342)
الضرارية 212/ 254/ 255
ط
الطيارة 260
ع
العامة 147/ 204/ 251
العباسية 160
العثمانية 180/ 230
العجردية 171/ 172
العدلية 204/ 206/ 264
العزيزية 241 العطوية 170
العميرية 167
العنانية 144/ 145
العوفية 176/ 257
العيسوية 144
غ
الغرابية 154/ 155/ 253/ 260
الغيلانية 203
ف
الفديكية 170
الفرفوريوسية 145
الفضائية 146/ 147/ 244
الفضيلية 177/ 273/ 274
الفطحية 163
الفلاسفة 138/ 242/ 243
الفلكية 246
الفولية 146
ق
القدرية 204/ 233/ 251
القرامطية 200
القطعية 148/ 164/ 165/ 166/ 251
ك
الكاملية 154/ 155/ 253
الكربية 157/ 158/ 251
كفار العرب 147
الكنانية 141
الكيسانية 157/ 158/ 159/ 182/ 251
م
المارقة 201
المالكية 258/ 261
المانية 139/ 140/ 142/ 245
الماهانية 141
المباركية 162/ 163/ 252
المجبرة 149/ 253/ 256
المجهولية 171
المجوسية 136/ 142/ 230/ 233/ 239 257
المحكمة 201
المحمودية 170
المختارية 260
المرجئة 147/ 150/ 152/ 153/ 154 186/ 203/ 204/ 251/ 255/ 256 264
المرقيونية 141/ 245
المزدكية 140/ 142/ 244
المسلمون 147/ 150/ 188/ 216/ 252 253(2/343)
المزدكية 140/ 142/ 244
المسلمون 147/ 150/ 188/ 216/ 252 253
المسلمية 160
المشركون 192/ 204/ 205/ 232/ 256 274
المعادية 144
المعبدية 172
المعتزلة 147/ 150/ 152/ 153/ 185 204/ 205/ 206/ 209/ 210/ 211 251/ 256/ 273
المعلومية 171
المعمرية 167/ 253/ 259
المغيرية 168/ 253/ 259
المفضلية 167/ 168/ 253/ 259
المقاتلية 149/ 253/ 254
المكرمية 172
الملكانية 145/ 146
الممطورة 164/ 165/ 251
المنصورية 168/ 169/ 253/ 259
المنتظرون 160
الموابذة 142/ 143
الميمونية 171/ 256/ 257
ن
الناووسية 162/ 251
النجدات 150/ 256
النجدية 170/ 178/ 275
النسطورية 145/ 146/ 242
النصرانية 136/ 145/ 227/ 230/ 239 241/ 242/ 274
هـ
الهاشمية 159
الهرابذة 142
هرموس 138/ 243
الهريرية 253
الهيولانية 137/ 243
والواصلية 208/ 211/ 264/ 273
الواقفة 164/ 175/ 251
الوثنية 133/ 134/ 136/ 147/ 192/ 216/ 223/ 227
ى
اليزيدية 175/ 257
اليعقوبية 145/ 242
اليهودية 136/ 144/ 230/ 239/ 240 274
اليونانية 139(2/344)
اليونانية 139
5 - فهرس الأمثال والأقوال المأثورة
ا
أتتك بحائن رجلاه 76
أنا جذيلها المحكك 25
إن الأسى يبعث الأسى 131
إن الشقى وافد البراجم 249/ 250
ب
البئر جبار 282/ 283
أبشر بطول سلامة يا مربع 280/ 281/ 282
أبصر من زرقاء اليمامة 15/ 16
البغى مرتعه وخيم 107
بلغ الحزام الطبيين 313/ 315/ 316
بلغ السيل الزبى 315/ 316
أبلغ من قس 117
بيدى لا بيد عمرو 304
البيض أخون مؤتمن 300
بيضة العقر 192
البيعان بالخيار 282/ 288
ت
تسويف الظنون من السوافى 192
ج
جاء بصحيفة المتلمس 125
الجار أحق بسقبه 282/ 218
جاوز الحزام الطبيين 315/ 316
ح
الحرب مأيمة 304
أحلم من الأحنف 116
خ
الخراج بالضمان 282/ 283
د
دعوا دما ضيعه أهله 302
دقوا بينهم عطر منشم 305/ 307
ذ
ذل من بالت عليه الثعالب 134
ر
راكب العشواء 313
رجل حول قلب 121
ركب العشواء 314
أروغ من ثعلب 86
ز
الزعيم غارم 282
س
أسخى من حاتم 115(2/345)
أسخى من حاتم 115
ش
أشأم من منشم 305/ 307
أشجع من فارس زبيد 110
أشغل من ذات النحيين 313/ 315
ص
صحيفة المتلمس 124/ 125/ 126
صفرت وطابه 304
صمى صمام 126/ 129
ط
الطلاق بالرجال 282/ 288
ظ
ظفر بخفى حنين 313/ 316
ع
العارية مؤداة 282/ 286
العجماء جبار 282
العدة بالنساء 282/ 288
عسى الغوير أبؤسا 303
عند جهينة الخبر اليقين 251
ق
قد يستجهل الرجل الحليم 107
قد يضر الغبط 7
ك
كذى العر يكوى غيره وهو راتع 225/ 257
أكرم من حاتم 115
كل امرئ من قومه حيث ينزل 222
كل يوم يقصر 143
ل
لا تعقل العاقلة عبدا 282/ 288
لا طلاق فى اغلاق 282/ 288
لا غرار فى الصلاة 8
لا قطع فى ثمر ولا كثر 282/ 286
لا قود إلا بحديد 282/ 286
لا وصية لوارث 282/ 286
لا يأخذ الحلوان من بناتنا 292
لا يغلق الرهن بما فيه 282/ 284
لا يقبل لقصير رأى 301
لقيته صكة عمى 126/ 128
لكل أجل كتاب 295
لكنه بنيان قوم تهدما 116
م
ما أشبه الليلة بالبارحة 86
ما يضل من تجرى به العصا 301
ماله صفر إناؤه 304
ما وراءك يا عصام 263
المرأة تعاقل الرجل 282/ 287
المعدن جبار 282/ 284
المنحة مردودة 282/ 284
أمنع من عقاب الجو 302(2/346)
أمنع من عقاب الجو 302
ن
أندم من الكسعى 98/ 313/ 316
نفس عصام سودت عصاما 263
نكراء مثل صحيفة المتلمس 126
هـ
هبلته أمه 254
هل خالد من سلم 299
هما كندمانى جذيمة 130
هو يخبط خبط العشواء 313
وأورى به الأزلم الجذع
أو فى من السموأل 118
وما الناس إلا أكمه وبصير 213
ويل أمه حزما على متن العصا 301
ى
يسار الكواعب 305(2/347)
يسار الكواعب 305
6 - فهرس الشعر والقوافى أنصاف الابيات
ب
وفى الأقربين ذو أذاة ونيرب 104
غداة ثوى فى اللحد غير محسب 22
أقفر من أهله ملحوب 76
د
إنى امرؤ من مدحه هائد 313
ويل أم سعد سعدا 67
ر
صبرا بنى عبد الدار 67
وسامر طال لهم فيه السمر 15
س
يا بنى الصيداء ردوا فرسى 65
فى حسب بخ وعز أقعسا 48
ص
وحث بعيرهم حاد شموص 123
ظ
خاظي البضع لحمه خظا بظا 120
ع
يا ليتنى فيها جذع 64
ما الدين إلا بالورع 64
ق
لا يترك الغيرة من عهد الشبق 236
ل
يا صاحبى رحلى أقلا عذلى 66
يا رب بعل ساء ما كان بعل 13
نباته بين القلاع السيل 74
وإذا هم نزلوا فمأوى العيل 74
م
فانه أهل لأنه يؤكرما 42
ن
الحمد لله العظيم المنان 66
لا يأخذ الحلوان من بناتنا 292
فان هلاك مالك غير معن 5
ومنه سوق المطايا منا 252
حتى انجلت دجا الدجون 251
هـ
فانقض مثل النجم من سمائه 91
باد ما تنهض فى أدها 262
ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها 93(2/348)
ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها 93
القوافى
الهمزة
إذا عاش الفتاء 105
أم جنايا لبراء 44
ومشج أماسوا المعزاء 179
إذا الثريا كساء 288
لسانى صارم الدلاء 75
دعت قطنا بطلاء 85
وأرى البياض الادماء 29
ألا إن الأمة سواء 158
كأن الرحل هواء 128
ا
ما هاج أحزانا شجا 64/ 100
أتعب جونات النجا 96
أمن دمنة الغضى 69
لكن قعيدة غنا 220
إن أمير المؤمنين الصوى 96
ب
وثقت له أشائب 23
اعلموا انى غائبا 60
أخلصته يدأب 222
تلعب بالخلائق كتاب 190
ألا يا لهف يصابوا 304
إذا سقط السماء غضابا 33
كأني إذا دخلت كعابا 270
أعود مثلها نابا 9
حتى علا رأس ربا 4
يلف طوائف أرب 129
تخيرن التجارب 105
قتلنا بعبد الله قارب 12
أناس إذا ما الضوارب 43
لمن الديار ترب 62
لا تذكرى مهرى الأجرب 221
يا سعد الأقرب 135
أيا هند أحسبا 22
ولولا جنان الليل ناشب 12
أمرتك الخير نشب 23
صبا قلبى يصبى 63
لعمرو أبي عمرو بالأهاضب 35/ 102
تكلفوا القول خطب 207
على السيد الصاقب 127
كأن فى كبد يرتقب 86
فلا تدعنى وأثقب 220
كلينى لهم الكواكب 91
دعاها إلى حرماننا تكبكبوا 215
واحتل برك يصطلب 238
لكل أناس وجانب 52
وثب المسجع جنب 20
قالت الخنساء واشتهب 65
اذا الخيل أصهب 178
حللت به عيهب 278
أشرف ثدياها النتوب 9
قد أشهد سرحوب 61(2/349)
أشرف ثدياها النتوب 9
قد أشهد سرحوب 61
ظلت أقاطيع منصوب 238
يصغو ومخلها مثقوب 61
وفى كل حي ذنوب 277
انى اذا نازعنى ذنوب 277
لعمرك ما زال وخبيب 197
إذا حل الطبيب 68
أبلغ سلامة تعذيب 90
إذا ما مشت المطيب 237
ألا من مبلغ بالمغيب 78
جريمة ناهض صليبا 238
ت
ألا أبلغ مصمتات 43
وذات عيال خلجات 315
أرى عينى بالترهات 43
ث
لا تزقون لى خابث 224
ج
يمشين مشي مهتاج 110
ليست بسنهاء الحوائج 310
قد هلكت بذج 109
هل على حرج 68
خالى عويف بالعشج 37
لما أتانى فابتهج 285
ح
فلو أن ليلى صفائح 224
لم يلبث مفتاحا 82
ثقي بالله بالنجاح 46
إنى أقود أحراحا 48
ولست بصائم الأضاحى 193
فمن بنجوته بقرواح 266
ماذا تذكرت الواحى 61
فقل للحواريات النوابح 6
له عنق عاري أفطح 163
وكيف بأطرافى صلوح 24
د
سائل سليمى الأبراد 61
دعانى سعادا 67
أما الفقير سبد 244
مرج الدين الكتد 85
ولا يرهب المتهدد 203
أبني لبيني العضد 281
فالطعن شغشغة العضدا 129
هذا الثناء بالصفد 318
متى تأته موقد 135
إلا أوارى الجلد 38
وأحكم كحكم الثمد 105
ألا بكر الصمد 263
وإن يلتق المصمد 263
ألم تغتمض مسهدا 89
لا تنكرن قريش أود 214
كالبلايا الخدود 224
وحبسن فى هزم حرود 33
القلب منها مجهود 64(2/350)
وحبسن فى هزم حرود 33
القلب منها مجهود 64
بين الأشج وللمولود 48
عمى الّذي مشهود 293
يقول لك لهود 202
فاعتبر يا بن عاديا اليهود 119
ستبدى لك الأيام تزود 53
ألم يحزنك العبيد 298
ما للجمال حديدا 303
أريغونى الوريد 220
أقفر من أهله نعيد 76
سقط النصيف باليد 103
يا أمة الواحد عميد 88
أتوعد كل عنيد 190
ر
ما الفرق بين الحائر 236
أقفر الحضر الثرثار 300
كن كالسموأل جرار 118
يا لبكر انشروا الفرار 53
أدر الكأس ليسار 190
ما لي أقاتل أنصارا 215
يا با حسين وطاروا 187
علقت عيناى معطارا 60
أبلغ النعمان وانتظارى 65/ 77
أعيروا خيلكم المعار 310
وجدنا فى كتاب المعار 310
ليت شعرى غاروا 11
رب نار الغارا 60
وأنضاء أنحن ابتكارا 106
نوليها الصريح السمارا 221
لقد غضبوا منار 82
دار لسلمى الزبر 64
أنت لها منذر العين 261
ولقد جنيتك الأوبر 276
وخبرتمونا التشاجر 215
ماذا تقول شجر 215
رأيت زهيرا وأبادر 102
أولاد درزة الصادر 187
سلام الإله درر 34
أهاجك رسم القدر 62
تظل مقاليت شذر 225
لله رافضة خزر 193
عرفت الذيار عشر 97
فجاء وقد خضر 97
علام قريش عصر 214
وأنتم أناس وتأطرا 123
لمن الديار القطر 62
ولأنت أشجع الذعر 63
الشحط خليطك السفر 70
ويجعل البر للشعر 207
لا يغمر الساق الصفر 25
قد هاج مقفر 64
عجبت لكسري البقر 239
يا أيها السائل أبى شاكر 190
شاقتك أظعان بواكر 97
له فى رقاب أبى بكر 180
كأن لم يكن سامر 14(2/351)
لها متنتان النمر 120
باح لسانى بالدهر 192
فهذا بديه شهرا 207
وأخو الحضر والخابور 296
أين كسرى سابور 219
بل أنت نزوة الخور 249
غمز ابن مرة المعذور 249
كأن عينيه قارور 11
نعم القتيل الأزور 131
ألم خيال ثغور 110
لقيناهم بجمع الذكور 294
إذا قتلنا المقادير 110
وإذا سكرت السدير 310
ويعجبك الطرير 9
كل خطب يسير 67
سعى ابن الحصين بشير 213
اعمل بعلمى تقصيرى 113
أبا حذيفة تفكير 208
وتفكر تفكير 311
الدهر أبلانى يتغير 143
ز
أكلت ربها أعواز 134
تهنئة فؤادك عاجز 88
س
إن الزمان الراسا 209
يامر وييأس 125
أو كبرق يابس 69
إلى ظعن الفوارس 132
تغور زمانا القناعس 11
من مبلغ الأنفس 124
قل للفرزدق فاجلس 125
كلا كفأتيها لامس 285
ندمت ندامة خمسى 98/ 317
فهذا أوان المتلمس 123
وكم قد شققنا عانس 226
إن شرار الدنس 123
يا ليت شعرى المرسوس 258
ش
اجرش لها انفاش 291
ص
لا تصطلى النار وقصا 265
إذا جردت دلا مصا 39
قد يدرك الحريص 65
ض
رعى الشبرق النحائض 33
وهم إن ولدوا المحض 24
أبا منذر عرضى 53
ط
أمنك للدهر قسط 42
ع
قفى قبل الوداعا 90
أبيت اللعن يباع 222
أليسوا بالألى الطباعا 21
أطوف لكاع 265
إذا ما تذكرين للشياع 180
يرد المياه التبع 296(2/352)
إذا ما تذكرين للشياع 180
يرد المياه التبع 296
زعم الفرزدق مربع 282
وحملتنى ذنب راتع 225/ 257
ما نظرت سجعا 16
صكة عمى تفجعا 128
قعيدك فييجعا 265
وكنا كندماني يتصدعا 130
يا قوم بيضتكم الجذعا 28
لقد هدم ذرعا 62
فبت أنجو الورع 109
أمن المنون يجزع 89
كمهت عيناه نزع 316
فبت كأنى ناقع 101
وكانت قريش منقعا 111
كلما عن الدمعا 69
الألمعى سمعا 109
إذا أنت الودائع 317
فتبادروا مشيع 180
ف
هى الدنيا السوافي 192
شهدت عليكم عارف 184
الأرض تحيا طرف 24
إن ابن زيد العرفا 66
خبز اسماعيل يرفا 192
فبينا نسوس نتنصف 81
وسابح كعقاب اللطف 221
من الروم الغلف 98
أبوك أبى والظروف 109
معاقلنا والسيوف 221
قضينا من تهامة السيوفا 12
ق
هاجت على الشوق مشتاق 66
ولقد ساءنى مشتاق 79
فاذهبى يا أميم الوثاق 79
ملقن مفهم آفاق 207
ضربت صدرها الأواقى 73
أبى الذم السوابق 75
هو المدخل مسردق 80
أدارا بحزوى يترقرق 3
فان كنت مأكولا أمزق 316
لم يتبع المنطق 50
إن عميرا أفقوا 66
عجبت لمسراها مغلق 277
يا شعب رضوى أولق 158
ك
وقالوا أتبكي فالدكادك 113
يا حار لا أرمين ملك 60
ل
قف بنا السؤال 69
ويأشبنى فيها بطائل 23
وحتى يئوب لوائل 252
ترى فصلانه الحبال 120
وإذا دعونك حبالا 62
ومهور نسوتهم تنبال 293
أبو حنش أثالا 49(2/353)
ومهور نسوتهم تنبال 293
أبو حنش أثالا 49
ترى الغر عالا 125
كل حي المعالى 67
يا صاح ما هاجك وأطلال 88
وهم تأخذ بالملال 267
أبلغ سليمان مال 114
البطن منها الهلا 68
لا يغرن امرأ للزوال 60
وإنى على فجع الليالى 53
منزل للوى الليالى 70
فأضحى يسح الكنهبل 24
كأن فى أذنابهن الأجل 37
بنى عامر مؤجل 222
ان تقوى وعجل 88/ 279
وتعطوا برخص إسحل 89
وليس امرؤ بأعزلا 2
أحكم الجنثي صل 87
فخمة ذفراء كالبصل 118
أزهير إن يشب بهيضل 48
وقبيل من لكيز المعل 44
هنالك إن يستخبلوا يغلوا 285
يا بيت عاتكة موكل 3
وألقيتها بالثنى مضلل 124
واذا افتقرت وتجمل 63
كأن ثبيرا مزمل 85
وما أنا للشىء بقئول 90
هاج الهوى محول 66
كالسحل البيض الأسول 266
إنى وإن قل طول 222
وما ظهرى الذلول 63
أخليد دخيلا 20
وإني إذا ما الصبح ثقيل 18
لست أعطى بالدليل 65
م
وما عليك يا للهم ما 27
إذا زال عنكم ألائم 7
وكل أليف البهائم 129
نفس عصام الاقداما 263
وسعدا فسائلهم إذا ما 104
الشافعى من الأئمة حرام 261
ألا قل للوصى المقاما 158
تحيى بالسلامة سلام 191
سلام الله السلام 73
أجدك ما لعينك كلام 19
أنى يكون الأعمام 153
ألم أقسم الهمام 263
ونمسك بعده سنام 263
فان تك هاما 224
فأما تميم نياما 68
وصهباء ختم 96
هل ينفعنك الرتم 225
حييا ذلك أجما 130
ماذا وقوفى مستعجم 61
عليك سلام الله يترحما 116(2/354)
ماذا وقوفى مستعجم 61
عليك سلام الله يترحما 116
ترانا إذا الرحم 45
أتهجر غانية منجذم 96
فان تك جرم جرم 281
وإذا صحوت وتكرمى 62
هذا طريق اللهازما 47
يا دار سلمى سمسم 99
فأصبحن كالدوم متوسم 41
أتثنى سلامة منشم 307
تداركتما عبسا منشم 307
ألم تر أن الله معصم 304
ولقد خشيت ضمضم 100
إن قدرنا لكم 67
ألا يا ديار سالم 91
ألم تر للحضر سلم 299
أظلوم ظلم 45/ 46
بازل عامين أمى 103
أشجاك الربع حممه 89
ولا يلبث تيمما 82
وما هاج وترنما 130
النشر مسك عنم 66
نحن آل الله ابرهم 121
يا هل أريك ملهم 66
قد عنينا فيهما 67
أإن ترسمت مسجوم 16
تعلم أن خير يريم 107
قطعت الدهر يريم 314
من دمنة الرواسيم 17
لولا الاله قيما 74
شهدت قبائل تميم 63
افتحى الباب بهيم 248
ن
فلست بمدرك ولو أني 44
تعش فان يصطحبان 83
انى لأبرأ بهتانا 201
إن ثقيفا ثان 183
سأعمل نص الحدثان 35
صلى عليك مران 112
كلما أزمعت الأماني 65
هويت السمان السمانا 39
ولا تقولن المانى 34
يا ضربة من تقى رضوانا 201
ألا يا ديار الملوان 81
أيها القلب وأذن 104
أبلغ أبا مسمع قرن 10
ليت شعرنا أمرنا 67
وحديث ألذه وزنا 133
طفلة ناعم يضنى 69
قال الخليط تودعنا 179
هلا بكيت الزمن 300
ألا إن أسماء ومن 82
بكت المنابر حسيننا 63
تقول ظعينتى وجون 99(2/355)
بكت المنابر حسيننا 63
تقول ظعينتى وجون 99
وأرى الموت الساطرون 296
منازل لا ترى للمنون 224
من سرو حمير البينا 28
فوافاها مصلتينا 98
أغر بالا المتحدثينا 8
فان يك كاللجين 99
فبلى إن بللت بطينا 41
فلو أنا اليقين 47
تسائلنى جهينة اليقين 251
فقدمت الأديم ومينا 99/ 302
هـ
وبلد عامية سماؤه 91
إن سليمى يرزؤها 90
وبلد يضل صعبه 90
والحضر صابت مناكبها 299
وليل لا أنيس جوانبه 95
شلت يدا أرتها 93
ألا لا قبح وجه 94
كل خليل واضحه 86
يا با المغيرة والدها 43
فلو كان خدودها 183
فسود ماء المزد سارها 179
وعيرها الواشون عارها 250
هل الدهر غبارها 10
رب رام ستره 60
وعلمك جهل غدره 90
أكلت حنيفة المجاعة 134
نحن قتلنا أربعة 65
كفاك بدعه 113
الله صور فأبدعه 113
هي العين أمست صنيعها 197
يوشك من فر يوافقها 92
تبين لى طيالها 73
قالت أبيلى المدلة 93
سأقضى ببيت حامله 50
أبى القلب بلابله 10
عليم بابدال وباطله 207
أشكو إليك كلاكله 92
لنا كل مشبوب وعامله 92
ألم تر حوشبا نفيله 271
عفت الديار فرجامها 91
أنكرت باطلها كرامها 262
لمعفر قهد طعامها 252
وتسمعت سقامها 21
ألا طرقتنا سلامها 74
فلها هباب جمامها 135
وتركتكم أولاد وريه 18
الآكلين اللوايا أثافيها 245
خليلى عوجا ميه 69
لان حتى يدميه 65
هل الدهر غبارها 10
رب رام ستره 60
وعلمك جهل غدره 90
أكلت حنيفة المجاعة 134
نحن قتلنا أربعة 65
كفاك بدعه 113
الله صور فأبدعه 113
هي العين أمست صنيعها 197
يوشك من فر يوافقها 92
تبين لى طيالها 73
قالت أبيلى المدلة 93
سأقضى ببيت حامله 50
أبى القلب بلابله 10
عليم بابدال وباطله 207
أشكو إليك كلاكله 92
لنا كل مشبوب وعامله 92
ألم تر حوشبا نفيله 271
عفت الديار فرجامها 91
أنكرت باطلها كرامها 262
لمعفر قهد طعامها 252
وتسمعت سقامها 21
ألا طرقتنا سلامها 74
فلها هباب جمامها 135
وتركتكم أولاد وريه 18
الآكلين اللوايا أثافيها 245
خليلى عوجا ميه 69
لان حتى يدميه 65
رميته الرمية 95(2/356)
لان حتى يدميه 65
رميته الرمية 95
إن قلبى أسميه 95
أبني إن أهلك بنيه 17
وأليس من البلاء النجو 75
لا تغلواها غدوا 45/ 46
حدثنا الراوون عصوا 94
إنى إذا الصفو 94
وأروى من الشعر رووا 68
هل نحن حيوا 95
ى
خذى العود النبي 199
أشاب الصغير العشى 95
لنا غنم العصى 62
ألم تكن المطي 95
يا أيها الإنسان خافيا 233
فنجدية أزرقى 95
ألا ليت شعرى بدا ليا 101
تلفه الرياح حي 34
رأيتهم لم يدفعوا هيا 100(2/357)
رأيتهم لم يدفعوا هيا 100
7 - فهرس الأمكنة والبلاد والمياه
ا
الأبلق 118/ 119
أحد 67/ 214
الأخضر 91
أذربيجان 143/ 212
أرعوية 189
أرمينية 208/ 212
أزال 25/ 26
أزكة 211
إلال 101
الأنبار 80/ 130/ 300
الأندلس 272
الأهواز 212
أوربا 123
أبلة 159/ 212
ب
باخمرى 210/ 272
البادية 218
البحرين 124/ 212
بدر 214/ 231/ 234
البربر 272
البصرة 5/ 45/ 75/ 111/ 182/ 200 201/ 206/ 209/ 212/ 230/ 272
بعلبك 211
بغداد 31/ 186/ 209
البقيع 159
بلخ 111/ 160/ 255
البيضاء 208/ 211
ت
التبت 201
تبوك 91
تدمر 211
تهامة 11/ 12/ 97
تيماء 118/ 119
ث
ثبرة 101
ثبير 85
الثرثار 297/ 300
ج
جرجان 163/ 189/ 272
الجزيرة 201/ 208/ 294
جزيرة العرب 212
جفر الهباءة 107
جو 15
ح
الحجون 14
الحرمان 196(2/358)
الحجون 14
الحرمان 196
حروراء 200
حزوى 3
الحضر 294/ 295/ 296/ 297/ 298 299/ 300
حضر موت 202
حمص 198/ 211
حوران 213
الحيرة 124/ 130/ 136/ 222/ 238 300/ 316
خ
الخابور 296
خراسان 170/ 189/ 208
خضم 74
خولان 196
الخورنق 309/ 310/ 311
د
دجلة 296
دمشق 31/ 314
الدهناء 17/ 132
ديلم 197
ذ
ذو الرمث 12
ر
رامتان 62
رامهرمز 212
الربذة 272
رجام 91
رحبة مالك 211
الردهة 308
رستاق 296
رضوي 157/ 158
الرى 201
ز
الزوراء 238
س
السبعان 81
ستر 212
سجستان 170/ 201
سجلماسة 199
السدير 309/ 310/ 311
السراة 160
سرو حمير 28/ 29
سقيفة بنى ساعدة 25/ 212/ 213/ 214 278
سلمته 199
السماوة 303
سمسم 99(2/359)
السماوة 303
سمسم 99
السند 212
السواد 80/ 300
السوسن 212
سيراق 212
ش
الشام 30/ 31/ 114/ 160/ 199/ 211 213/ 232/ 294
ص
الصاقب 127
صعدة 196
الصفا 14
الصفراء 231
صفين 116
صنعاء 26/ 196/ 197/ 200
الصين 140/ 201
ض
الضيقان 231
ط
الطائف 159
طبرية 31
الطربالان 76
الطف 210
طنجة 211
طيبة 272
ظ
الظباء 97
ع
عاقل 62
عدن لاعة 198
العذيب 110
العراق 106/ 130/ 189/ 196/ 199 302
عرفة 101/ 112
عسكر مكرم 212
عكاظ 117/ 315
عمان 112/ 201/ 230
عمانة 211
عين التمر 80
غ
الغرب 198
الغمصا 232
الغول 91
الغوير 303(2/360)
الغوير 303
ف
فارس 106/ 211/ 212/ 228/ 267
فخ 272
الفرات 188/ 294/ 302
الفوارس 132
فيينا 44
ق
القادسية 81/ 110/ 304
قطن 85
قم 195
قنان 75
القيروان 199
ك
كابل 111
الكاثب 127
كافر 124
كرمان 171/ 212
كوفان 272
الكوفة 44/ 80/ 81/ 117/ 181/ 182 189/ 193/ 198/ 208/ 210/ 272
ل
لصاف 101
اللوى 70
مأرب 299
المدائن 80/ 268
المدارج 211
المدينة 125/ 175/ 177/ 197/ 214 272
المذيخرة 200
مران 111/ 112
المرباع 300
مرو 255
مسور 198
مشرف 132
المشرق 197/ 235
مصر 38/ 106/ 198/ 199/ 269
المغرب 198/ 199/ 208/ 235/ 261
مغيثة 110
مكة 14/ 68/ 103/ 112/ 177/ 193 200/ 272
ملهم 66
منى 112
المنصورة 212
منعج 308
المهدية 199
موبذان 140
الموصل 201/ 296
ن
ناصرة 114
نجد 11/ 125
النجف 124(2/361)
نجد 11/ 125
النجف 124
نصران 114
نهبا 211
نهر بلخ 255
نهر شير 294
نيسابور 197
هـ
هجر 212
الهدملات 17
الهند 139/ 215/ 216 226
ووبار 226
وادى عشر 97
وادي القري 91
ى
يافع 168/ 196
يثرب 103
اليمامة 15
اليمن 30/ 31/ 106/ 107 196/ 197/ 198/ 200 201/ 208/ 211/ 281 297(2/362)
اليمن 30/ 31/ 106/ 107 196/ 197/ 198/ 200 201/ 208/ 211/ 281 297
فهرس مجمل لموضوعات الكتاب وفهارسه
1 - مقدمة المؤلف
3 - التفسير
15 - جديس وطسم
15 - زرقاء اليمامة
20 - ذو المنار
22 - تفسير العقيقة
26 - أسامى الحروف
28 - الأزلم الجذع
29 - ليلة التمام
29 - نصف عدة المنازل
31 - أجزاء السنة الأربعة
35 - تاء الافتعال
35 - حروف البدل
37 - الحروف الشديدة
38 - الحروف المتوسطة
41 - حروف الاعتلال
45 - رواية أبى سعيد السيرافى
45 - كلام أبى عثمان المازنى
49 - الآونة
49 - الزحاف
50 - وجوه الشعر
51 - أجزاء الشعر
51 - حدود الشعر وأسماؤه ودوائره
51 - الحدود
51 - الأسماء
52 - العروض
52 - الضرب
53 - أبيات أنواع الحدود
53 - الطويل
53 - المديد
54 - حدود الدائرة الرابعة
54 ««الخامسة
55 - ألقاب الأجزاء وما يدخل عليها
58 - بيان ما سبق
59 - الحدود
59 - حدود الدائرة الأولى
59 «الدائرة الثانية
59 «الدائرة الثالثة
60 - البسيط
61 - الوافر
62 - الكامل
63 - الهزج
64 - الرجز(2/363)
63 - الهزج
64 - الرجز
65 - السريع
66 - المنسرح
67 - الخفيف
67 - المضارع
68 - المقتضب
68 - المجتث
68 - المتقارب
69 - المتقاطر
71 - صورة الدوائر
72 - اللفيف وحكمه
72 - فصل فى مثل ذلك من التصريف
72 - حكم الواو المكسور ما قبلها
73 ««والياء عينين لفعل
73 - الواوان فى أول الكلمة
73 - رأى أبى عمرو والخليل فى نصب العلم
74 - الواوان المتوسطتان
74 - جمع فاعل على فعل
75 - جمع ما لامه واو
76 - النعمان ويوماه وقصته مع عبيد
76 - عدى بن زيد ومقتله
79 - زيد بن عدى وثأره لأبيه
80 - تولية إياس بن قبيصة وموته
80 - الحرقة بنت النعمان وسعد بن أبى وقاص
82 - السبعة النواقص
86 - كلام في الرجز
87 - الروى وحروفه وحركاته
88 - المقيد وأقسامه
89 - المطلق وأقسامه
92 - أحكام حروف الوصل إذا كانت رويا
96 - اختلاف الحروف والحركات وما يعاب
96 - ذكر التوجيه
97 - ذكر الحذف والردف
99 - ذكر الرسن والتأسيس
101 - ذكر الدخيل والاشباع
102 - ذكر الروى والمجرى
103 - ذكر الوصل والنفاذ والخروج
103 - عيوب الشعر
105 - النسبة فى الحساب الهندى
106 - خيل السباق
106 - أمثال الناس السائرة
110 - عمرو بن معديكرب
111 - عمرو بن عبيد
112 - الخليل بن أحمد
114 - عيسى عليه السلام
115 - حاتم الطائى
115 - عدى بن حاتم
116 - قيس بن عاصم
116 - الأحنف بن قيس
117 - قس بن ساعدة(2/364)
116 - الأحنف بن قيس
117 - قس بن ساعدة
117 - امرؤ القيس
117 - لبيد بن ربيعة
118 - النابغة الذبيانى
118 - السموأل بن عاديا
123 - المتلمس وطرفة بن العبد
125 - الفرزدق ومروان بن الحكم
127 - تفسير النبي
128 - صكة عمى
128 - ذو الرمة
130 - عروة ومرقش
130 - أصل الهديل
130 - متمم بن نويرة
130 - جذيمة الأبرش
133 - الألحان
134 - أول من دعا العرب إلى عبادة الأوثان
134 - صنم بنى حنيفة
135 - المصبورة
135 - البلية
136 - أديان العرب غير عبادة الاوثان
136 - المذاهب
136 - اختلاف الأقوال فى معرفة الصانع
137 - أقوال من يثبت قدم العالم
137 - الهولانية
137 - الأطباء
138 - الفلاسفة
138 - الجوهرية
138 - أصحاب الجثة
138 - هرموس
138 - بلعم بن باعور
139 - بعض اليونانية
139 - بعض اليونانية الآخرون
139 - السمينية
139 - السوفسطائية
139 - الشكاك
139 - فرق الثنوية
140 - الديصانية
141 - المرقيونية
141 - الماهانية
141 - الصابئون
141 - الصامونية
141 - الكنانية
142 - الحرانيون
142 - فرق المجوس
142 - الجرمدينية
142 - الهرابذة
143 - الموابذة
143 - الدهرية
143 - صنف من البراهمة
143 - آراء من يقول بحدوث العالم
144 - صنف من البراهمة
144 - صنف آخر من البراهمة
144 - اليهود وفرقهم
144 - الجالوتية(2/365)
145 - العنانية
145 - الاصفهانية
145 - السامرية
145 - النصارى وفرقهم
145 - اليعقوبية
146 - النسطورية
146 - الملكانية
146 - الفولية
146 - أصحاب التناسخ
146 - الفضائية
147 - كفار العرب
147 - الفرق الاسلامية
147 - القائلون بالعدل والتوحيد
148 - الادراك بحاسة سادسة
148 - قول سليمان بن جرير
148 - الجهمية
148 - الاسماعيلية
148 - القطعية
149 - الجوالقة
149 - المقاتلية
149 - الحشوية
150 - الامامة واختلاف المسلمين فيها
150 - قول من يوجب الامامة
150 - قول من لا يوجب الامامة
150 - القائلون بالشورى
151 - قيام امامين أو أكثر فى وقت واحد
151 - جواز إمامة المفضول
152 - جواز الامامة فى جميع الناس
152 - رأى النظام فى الامامة
152 - رأي المؤلف فى الامامة
153 - جواز الإمامة فى قريش وفى غيرهم
153 - لن تخرج الامامة من قريش
153 - الاعجمى أولى بالإمامة
153 - القائلون بالقربى والوراثة
153 - القائلون بالنص
154 - النص على أبى بكر رضى الله عنه
154 - فرق الشيعة ومقالاتها
154 - مقالة السبئية
153 - مقالة السحابية
155 - مقالة الغرابية
155 - مقالة الكاملية
155 - افتراق الزيدية
155 - البترية
155 - الجريرية
155 - الجارودية
156 - افتراق الجارودية في المهدى المنتظر
156 - الحسينية
157 - افتراق الحسينية
157 - الامامية
157 - فرقتا الامامية
157 - الكيسانية
157 - الكربية
159 - أصحاب الرجعة
159 - الهاشمية(2/366)
159 - أصحاب الرجعة
159 - الهاشمية
159 - افتراق الهاشمية
160 - المنتظرون
160 - العباسية
160 - فرقتا العباسية
160 - المسلمية
160 - الحزبية
160 - عبد الله بن معاوية
161 - فرق الحزبية
161 - بيان بن سمعان
162 - الجعفرية
162 - الناووسية
162 - الاسماعيلية
162 - المباركية
162 - فرقتا المباركية
163 - السبعة الأئمة
163 - الشمطية
163 - الفطحية
164 - الزرارية
164 - الجوالقية
164 - القطعية
164 - الممطورة
165 - فرقتا القطعية
166 - الأئمة اثنا عشر
166 - الخطابية
167 - فرق الخطابية
167 - المعمرية
167 - الفرقة الثانية من الخطابية
167 - العميرية
167 - المفضلية
168 - المغيرية
168 - المنصورية
168 - أبو منصور العجلى
169 - فرق المنصورية
169 - الحسينية
170 - المحمدية
170 - الخوارج
170 - النجدية
170 - الفديكية
170 - العطوية
171 - العجردية
171 - الميمونية
171 - الحلفية
171 - الحمزية
171 - الخازمية
171 - المجهولية
171 - المعلومية
171 - الصلتية
172 - فرقة من العجاردة
172 - الثعلبية
172 - الاخنسية
172 - المعبدية
172 - الشيبانية
172 - الرشيدية
172 - المكرمية
173 - الاباضية(2/367)
172 - المكرمية
173 - الاباضية
173 - اختلاف الاباضية فى النفاق
175 - الحفصية
175 - اليزيدية
175 - الواقفة
176 - الضحاكية
176 - البيهسية
176 - العوفية
177 - الصفرية
177 - الفضيلية
177 - الشمراخية
177 - الأزارقة
178 - البدعية
178 - أصل فرق الخوارج
178 - أصل تسمية الشيعة
179 - اشتقاق اسم الشيعة
180 - ابتداء ظهور الشيعة وفرقهم
181 - افتراق الشيعة بعد الحسين بن على
182 - المختار بن أبى عبيد
182 - زعمه أن جبريل يأتيه وينزل عليه
قرآنا
183 - رأى عبد الله بن عمر فى المختار
183 - جندب بن كعب وقتله الساحر بستانى
184 - أصل تسمية الرافضة
184 - اعتقاد زيد بن علي فى أبى بكر
وعمر
185 - اجتماع فرق الأمة على إمامة زيد
186 - صفات زيد
188 - قول زيد: الامام منا أهل البيت
188 - فضل زيد
189 - خروج زيد على هشام بن عبد الملك
189 - خروج يحيى بن زيد على الوليد بن يزيد
189 - زندقة الوليد
190 - شعره
191 - مرثية بجير القشيرى فى هشام المخزومى
192 - أبو كبشة
192 - الزندقة فى الاسلام
192 - من رمى بالزندقة من أهل الاسلام
194 - خروج يزيد بن الوليد على الوليد
ابن يزيد
194 - قتل الوليد وولاية يزيد
195 - مروان بن محمد
196 - أول من دعا إلى الزيدية باليمن
197 - مذهب الاسماعيلية باليمن
197 - الامام المستور
198 - خروج المنصور إسماعيل إلى اليمن
199 - علي بن فضل الخنفري
200 - أسعد بن يعفر وما صنع بالقرامطة
200 - أصل تسمية الخوارج
200 - الحرورية
200 - الشراة
201 - المحكمة
201 - المارقة
201 - عبد الرحمن بن ملجم
201 - علوى البصرة الخارجى(2/368)
202 - قول على بن محمد الزيدى فى علوى
البصرة
202 - الكور التى تغلب عليها الخوارج
202 - الخوارج فى عمان
202 - الأباضيّة فى اليمن وحضر موت
203 - أنصار على الذين أنكروا التحكيم
203 - أصل تسمية المرجئة
203 - انتشار المرجئة فى الأقطار الاسلامية
204 - سبب تسمية الحشوية
204 - سبب تسمية العامة
204 - سبب تسمية القدرية
204 - المعتزلة
205 - أصل تسمية المعتزلة
206 - وصف المعتزلة
206 - واصل بن عطاء
207 - الدعاة إلى مذهب واصل
208 - أوصاف واصل
209 - علماء المعتزلة
209 - خروج المعتزلة على أبى جعفر المنصور
210 - موعظة عمرو بن عبيد لأبى جعفر
211 - مواطن المعتزلة
212 - أول اختلاف فى الاسلام
212 - بيعة الانصار لسعد بن عبادة
213 - خذلان بشر لسعد
213 - أشعار الانصار يوم السقيفة
215 - اجتماع الصحابة على الشورى
216 - عادات الهنود
216 - جهل الهنود بأمور الدين
216 - عدم اهتمام الناس بالدين
217 - خصائص العرب
217 - انفراد العرب بالشعر
217 - انفراد العرب بأشياء عقلية وصفات
خلقية
218 - الخصال الردية فى غوغاء العرب
218 - صبيان العرب في عقول رجال
219 - بديهة العرب
219 - عناية العرب بالخيل
219 - إيثار العرب الخيل على أنفسهم
وأولادهم
223 - عقائد العرب الفاسدة
226 - خصائص الهند
227 - خصائص الروم
228 - خصائص الفرس
229 - سبب قلة عناية الناس بالدين
230 - كلام النظام فى اختلاف الرواة والاخبار
234 - أين مصير الارواح إذا فارقت الاجساد
236 - التقليد والمقلدون
246 - الدليل السمعى على ابطال قول المنجمين
249 - وافد البراجم
255 - رئيس الضرارية
255 - رئيس الجهمية
256 - أطفال المشركين
261 - مالك بن أنس
264 - اختلاف الناس في النبوة
267 - سابور ذو الأكتاف
272 - اختلاف الناس في الحجة بالخبر
272 - قول الإمامية(2/369)
272 - اختلاف الناس في الحجة بالخبر
272 - قول الإمامية
273 - قول الزيدية
273 - قول الخوارج
273 - قول النظام
273 - قول أبى الهذيل
273 - قول واصل
273 - قول الجاحظ
273 - قول الحشوية
273 - قول الفضيلية
282 - فى أصول الفقه
283 - الخراج بالضمان
283 - البئر جبار
284 - المعدن جبار
284 - الركاز
284 - لا يغلق الرهن بما فيه
284 - المنحة مردودة
284 - أنواع العارية عند العرب
284 - العرية
285 - الافقار
285 - الاخبال
285 - الاكفاء
285 - الأعمار والأقارب
285 - العمري
286 - القربى
286 - العارية
286 - الوصية
286 - الثمر والكثر
286 - القود
287 - عقل المرأة
287 - لا تعقل العاقلة عبدا
ولا عمدا
288 - الطلاق فى إغلاق
288 - البيعان بالخيار
288 - الجار أحق بسقبه
288 - الطلاق بالرجال والعدة
بالنساء
288 - المخابرة
289 - المحاقلة
289 - المزابنة
289 - المعاومة
289 - الثنيا
290 - بيع ما لم يقبض
290 - بيعتان في بيعة
290 - بيع المواصفة
290 - تلقى الركبان
290 - بيع حاضر لباد
291 - الكالى بالكالى
291 - البيع والسلف
291 - بيع العربان
291 - النجش
292 - المنابذة
292 - الملامسة
292 - حلوان الكاهن
292 - عسب الفحل
293 - المجر
293 - الملاقيح(2/370)
293 - المجر
293 - الملاقيح
293 - المضامين
293 - حبل الحبلة
293 - الجبهة
293 - النخة
293 - الكسعة
294 - الجارة
294 - القتوبة
296 - الضيزن بن معاوية
300 - الزباء وجذيمة
305 - عطر منشم
310 - رب الخورنق والسدير
311 - الخاتمة
315 - ذات النحيين
315 - بلغ السيل الزنى
316 - خفا حنين
316 - الكسعى
319 - الفهارس
1321 - فهرس مقدمات الكتاب
2322 - فهرس الأعلام
3338 «الأمم والقبائل والبطون
4341 «المذاهب والفرق
والطوائف
5345 «الأمثال والأقوال
المأثورة
6348 «الشعر والقوافى
7358 «الأمكنة والبلاد والمياه(2/371)