فهرس الكلمات السغديّة والفارسيّة واليونانيّة 253
النسخة الخطّيّة، مشكاة رقم 339، الورقة 3ظ
النسخة الخطّيّة، مشكاة رقم 339، الورقة 20ظ
النسخة الخطّيّة، مشكاة 339، الورقة 21و
النسخة الخطّيّة، مشكاة رقم 339، الورقة 52ظ(1/24)
(1) أهمّيّة الكتاب وموضوعه
كتاب «الحروف» الذي ينشر نصّه لأوّل مرّة من أكبر مصنّفات أبي نصر الفارابيّ وأعظمها غناء للمهتمّين بدراسة الفكر العربيّ عامّة والفلسفة الإسلاميّة وفقه اللغة العربيّة خاصّة. كتبه إمام المنطقيّين في عصر بلغ فيه الفكر العربيّ أوجه في تفهّم أمور العلم واللغة، وضرورة التعبير الصحيح عن ما ينظر الإنسان فيه ويعقله. فلا يستغني عن قراءته من يشتغل في تأريخ الفلسفة واللغة، ويجب أن يمعن النظر فيه من يقصد فهم الصلة بين نموّ العلوم واللغة التي بها يعبّر عن العلوم والمجتمع الذي تنمو فيه.
وأهمّ ما يجده الناظر في الكتاب اليوم هي الشروح الوافية لمعاني المصطلح العلميّ الفلسفيّ في العربيّة ولغات أخرى غير العربيّة، والتعريف بما عمله المترجمون عند نقلهم هذا المصطلح من اليونانيّة والسريانيّة، وتفسير المعاني العامّيّة وصلتها بالمعاني العلميّة، ثمّ البحث في أصل اللغة واكتمالها وعلاقتها بالفلسفة والملّة.
وهذه أمور لم نكن نعرف قبل العثور على أصل كتاب «الحروف» أنّ الفلاسفة الذين كتبوا بالعربيّة قد استقصوا البحث فيها.
ومع ذلك فموضوع الكتاب ليس اللغة والمصطلح العلميّ فحسب. فالكتاب كما سنبيّن فيما يأتي (ص 30وما بعدها) تفسير لكتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطوطاليس. وهو أوّل كتاب شامل ينشر للفارابيّ في علم ما بعد الطبيعة، وما نشر له من قبل في هذا العلم مختصرات موجزة لا يفصّل الفارابيّ فيها القول في الموجود وأعراضه كما يفعل في هذا الكتاب. وهو أقدم شرح واف بالعربيّة لأغراض كتاب «ما بعد الطبيعة» يعثر على أصله. ولا شكّ في أنّه كان مصدرا استقى منه شرّاح كتاب «ما بعد الطبيعة» الذين أتوا بعد الفارابيّ، مثل ابن سينا وابن رشد، الكثير من آرائهم في العلم الإلهيّ.
ولفظة الحروف تقال على معان. منها حروف الهجاء أو حروف التهجّي. والحرف بهذا المعنى «صوت له فصل ما يحدث فيه بقرع شيء من أجزاء الفم وفصولها التي يتميّز بها بعضها عن بعض إنّما تختلف باختلاف أجزاء الفم القارعة أو المقروعة» (الفارابيّ «شرح العبارة» ص 29، س س 1210). والفارابيّ يبحث في حدوث الحروف بهذا المعنى في الفقرات 119114من كتاب «الحروف» (ص ص 137134) ضمن البحث في أصل اللغة ونشوئها واكتمالها.(1/27)
ومع ذلك فموضوع الكتاب ليس اللغة والمصطلح العلميّ فحسب. فالكتاب كما سنبيّن فيما يأتي (ص 30وما بعدها) تفسير لكتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطوطاليس. وهو أوّل كتاب شامل ينشر للفارابيّ في علم ما بعد الطبيعة، وما نشر له من قبل في هذا العلم مختصرات موجزة لا يفصّل الفارابيّ فيها القول في الموجود وأعراضه كما يفعل في هذا الكتاب. وهو أقدم شرح واف بالعربيّة لأغراض كتاب «ما بعد الطبيعة» يعثر على أصله. ولا شكّ في أنّه كان مصدرا استقى منه شرّاح كتاب «ما بعد الطبيعة» الذين أتوا بعد الفارابيّ، مثل ابن سينا وابن رشد، الكثير من آرائهم في العلم الإلهيّ.
ولفظة الحروف تقال على معان. منها حروف الهجاء أو حروف التهجّي. والحرف بهذا المعنى «صوت له فصل ما يحدث فيه بقرع شيء من أجزاء الفم وفصولها التي يتميّز بها بعضها عن بعض إنّما تختلف باختلاف أجزاء الفم القارعة أو المقروعة» (الفارابيّ «شرح العبارة» ص 29، س س 1210). والفارابيّ يبحث في حدوث الحروف بهذا المعنى في الفقرات 119114من كتاب «الحروف» (ص ص 137134) ضمن البحث في أصل اللغة ونشوئها واكتمالها.
لكنّ الكتاب لم يسمّ كتاب «الحروف» لهذا السبب، والحروف التي يبحث فيها أكثر ما يبحث ليست حروف الهجاء.
والحروف موضوعة لعلوم عدّة تبحث في طبائعها وخواصّها، انتشرت في القرنين الثالث والرابع من الهجرة (وهو عصر جابر بن حيّان وإخوان الصفاء).
فمنها علم الحروف، وهو فرع من علم الجفر، يشرح خواصّ الحروف وطبائعها الخفيّة مستندا إلى أصول يستمدّها من حساب الجمل والكيمياء والقرانات.
وإلى الحروف بهذا المعنى نسبت الحروفيّة، وهي فرقة أسّسها فضل الله الأسترآبادي في إيران في أواخر القرن الثامن الهجريّ. وكتابنا لا صلة له بهذه العلوم وهذه الفرقة، فالفارابيّ كتب في إبطال الكيمياء والتنجيم، وكان بعيدا عن هذه العلوم.
وإنّما وجب ذكرها لدفع الالتباس.
والحروف قسمة كبرى من أقسام القول والألفاظ الدالّة، وهي التي يسمّيها نحويّو اليونان «الأدوات» ونحويّو العرب «حروف المعاني» أو «الحروف التي وضعت دالّة على معان» (الفارابيّ «شرح العبارة» ص 43، س 9، «الألفاظ» ص 42، س س 87). فسيبويه، مثلا، يقول في باب علم ما الكلم من العربيّة «فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل
وأمّا ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل فنحو ثمّ وسوف وواو القسم ولام الإضافة ونحو هذا» («كتاب» سيبويه، ج 1، ص 2). والفارابيّ يقبل هذه القسمة وإن اختلفت الأسماء عنده. فما يسمّيه سيبويه «الكلم» يسمّيه الفارابيّ «الألفاظ الدالّة»، وما يسمّيه سيبويه ونحويّو العرب «الأفعال» يسمّيه الفارابيّ «الكلم»،
أمّا «الاسم» و «الحرف» فتتّفق فيهما التسمية عند سيبويه والفارابيّ (الفارابيّ «الألفاظ» ص ص 4241). ومحتويات كتاب «الحروف» تبيّن أنّه يبحث أكثر ما يبحث في الحروف بهذا المعنى، وأنّ الأمور الأخرى التي يبحث فيها لواحق وأشياء لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الحروف.(1/28)
وأمّا ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل فنحو ثمّ وسوف وواو القسم ولام الإضافة ونحو هذا» («كتاب» سيبويه، ج 1، ص 2). والفارابيّ يقبل هذه القسمة وإن اختلفت الأسماء عنده. فما يسمّيه سيبويه «الكلم» يسمّيه الفارابيّ «الألفاظ الدالّة»، وما يسمّيه سيبويه ونحويّو العرب «الأفعال» يسمّيه الفارابيّ «الكلم»،
أمّا «الاسم» و «الحرف» فتتّفق فيهما التسمية عند سيبويه والفارابيّ (الفارابيّ «الألفاظ» ص ص 4241). ومحتويات كتاب «الحروف» تبيّن أنّه يبحث أكثر ما يبحث في الحروف بهذا المعنى، وأنّ الأمور الأخرى التي يبحث فيها لواحق وأشياء لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الحروف.
لا يبحث الفارابيّ في كتاب «الحروف» في جميع الحروف ولا في أكثرها، بل في عدد قليل منها. وقد بحث الفارابيّ في حروف أكثر من هذه في كتاب «الألفاظ» (ص ص 5644) وعدّد أصنافها وعرّف المعاني التي تدلّ عليها عند أهل صناعة المنطق، وكذلك فعل في مواضع عدّة من «شرح العبارة».
والحروف التي يبحث فيها في كتاب «الحروف» (وهي الحروف التي يسأل بها عن المقولات، «الحروف» الفقرة 3وما بعدها، ص 62وما بعدها)، يفصّل البحث في بعضها ويختصره في البعض الآخر، ولا يكاد يبحث في حرف «كم» والكمّيّة (راجع ص ص 4342من هذه «المقدّمة»). ويبحث في «الأشياء المطلوبة بهذه الحروف وما ينبغي أن يجاب به فيها»، وأكثر هذه يسمّيها الفلاسفة «باسم تلك الحروف أو باسم مشتقّ منها» («الحروف» الفقرة 3، ص 62، قارن «الألفاظ» ص ص 4746). ومن الأشياء المطلوبة بالحروف ما لها أسماء ليست حروفا ولا مشتقّة من الحروف بحسب الشكل اللفظيّ، ومع ذلك يمكن اعتبارها حروفا أو مشتقّة من حروف بحسب معناها، وهو الأمر الذي ينظر فيه المنطقيّ والفيلسوف. ولذلك يبحث كتاب «الحروف» في ألفاظ هي في اصطلاح النحويّين من الأسماء، مثل الجوهر والذات والشيء، ويستعمل الفارابيّ عبارات تكاد تكون غير مفهومة إذا أخذت على اصطلاح النحويّين، مثل «حرف يوجد» و «حرف الوجود» («شرح العبارة» ص 129، س 6، ص 165، س 23). ويشير الفارابيّ إلى هذا الاختلاف بين المصطلح النحويّ والمصطلح المنطقيّ بقوله «وكذلك كثير ممّا سنعدّه في الحروف يرتّبه كثير من النحويّين لا في الحروف لكن إمّا في الاسم وإمّا في الكلم [أي الأفعال]. ونحن إنّما نرتّب هذه الأشياء بحسب الأنفع في الصناعة التي نحن بسبيلها» («الألفاظ» ص ص 4645).(1/29)
والحروف التي يبحث فيها في كتاب «الحروف» (وهي الحروف التي يسأل بها عن المقولات، «الحروف» الفقرة 3وما بعدها، ص 62وما بعدها)، يفصّل البحث في بعضها ويختصره في البعض الآخر، ولا يكاد يبحث في حرف «كم» والكمّيّة (راجع ص ص 4342من هذه «المقدّمة»). ويبحث في «الأشياء المطلوبة بهذه الحروف وما ينبغي أن يجاب به فيها»، وأكثر هذه يسمّيها الفلاسفة «باسم تلك الحروف أو باسم مشتقّ منها» («الحروف» الفقرة 3، ص 62، قارن «الألفاظ» ص ص 4746). ومن الأشياء المطلوبة بالحروف ما لها أسماء ليست حروفا ولا مشتقّة من الحروف بحسب الشكل اللفظيّ، ومع ذلك يمكن اعتبارها حروفا أو مشتقّة من حروف بحسب معناها، وهو الأمر الذي ينظر فيه المنطقيّ والفيلسوف. ولذلك يبحث كتاب «الحروف» في ألفاظ هي في اصطلاح النحويّين من الأسماء، مثل الجوهر والذات والشيء، ويستعمل الفارابيّ عبارات تكاد تكون غير مفهومة إذا أخذت على اصطلاح النحويّين، مثل «حرف يوجد» و «حرف الوجود» («شرح العبارة» ص 129، س 6، ص 165، س 23). ويشير الفارابيّ إلى هذا الاختلاف بين المصطلح النحويّ والمصطلح المنطقيّ بقوله «وكذلك كثير ممّا سنعدّه في الحروف يرتّبه كثير من النحويّين لا في الحروف لكن إمّا في الاسم وإمّا في الكلم [أي الأفعال]. ونحن إنّما نرتّب هذه الأشياء بحسب الأنفع في الصناعة التي نحن بسبيلها» («الألفاظ» ص ص 4645).
(2) الصلة بينه وبين كتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطوطاليس
والحروف التي يبحث فيها الفارابيّ في كتاب «الحروف» بحث فيها أرسطوطاليس في كتابين من كتبه خاصّة، هي كتاب «المقولات» وكتاب «ما بعد الطبيعة». والبحث في هذين الكتابين وفي أجزائهما وفي الصلة بينهما أمر شغل القدماء والمحدثين وكثر فيه النقاش واختلاف الرأي. والمسألة التي تهمّنا هي هل كتاب «الحروف» تفسير أو شرح أو تلخيص لكتاب «المقولات» أو لكتاب «ما بعد الطبيعة». ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إذا ما حصرنا اهتمامنا في المقولات ذاتها، إذ أنّ الكتابين يبحثان فيها، بل يجب أن نشير أوّلا إلى بعض الفروق بين الكتابين والفروق في الجهة التي يبحثان فيها في المقولات.
شاع القول إنّ كتاب «المقولات» ينظر في «المعقولات المفردة» (الفارابيّ «الألفاظ» ص 104، س س 2221) أو «المعقولات المفردة المدلول عليها بالألفاظ المفردة والألفاظ المفردة الدالّة على المعقولات المفردة» (الفارابيّ «رسالة
في المنطق» ص 227، س س 65) أو «أجناس الأشياء البسيطة التي يقع الكلام عليها» (الفارابيّ «ما ينبغي» ص 55، س س 54)، وإنّ هذه هي أجزاء المقدّمات التي منها تلتئم المقاييس والبراهين. وأجمع جلّ المفسّرين على أنّ كتاب «المقولات» متقدّم لجميع أجزاء المنطق وأنّه أوّل كتب أرسطوطاليس المنطقيّة وأنّ ترتيبه قبل كتاب «العبارة» (راجع الفارابيّ «شرح العبارة» ص ص 2120) على ما في هذا الترتيب من شكّ. ومنهم من جعل «كتاب المقولات متقدّما لكتاب طوبيقا [أي المواضع الجدليّة] وسمّوه ما قبل طوبيقا». والفارابيّ يقول إنّ كتاب «المقولات» متقدّم لجميع أجزاء المنطق لأنّه «متقدّم لجميع أجزاء الفلسفة، لأنّ الفلسفة ليست تنظر في شيء آخر غير المقولات أوّلا، لا التعاليم ولا العلم الطبيعيّ ولا العلم المدنيّ، فأمّا العلم الإلهيّ فإنّه إنّما ينظر أكثر شيء ينظر فيه في المقولات» («شرح العبارة» ص 23، س س 108).
فالمقولات ليست موضوعة لعلم المنطق فحسب، بل هي الموضوعات الأول لجميع الصنائع المنطقيّة وجميع العلوم الفلسفيّة، ولعلم ما بعد الطبيعة أو العلم
الإلهيّ خاصّة (الفارابيّ «الحروف» الفقرة 11وما بعدها، ص 66وما بعدها)، لأنّه ينظر في الأحوال العامّة لموضوعات جميع الصنائع والعلوم. والفرق بين كتاب «المقولات» وكتاب «ما بعد الطبيعة» عند نظرهما في المقولات هو أنّ كتاب «المقولات» يكاد يقتصر على تعريف المقولات وحدّها وتمييز دلالات الأسماء المفردة الدالّة على أجناس المعقولات المفردة بإيجاز. فهو لا يفصّل النظر في كيفيّة وجودها، وجهة تصوّر النفس لها، وتعيين الألفاظ التي تقع عليها، وجهة استعمالها في العلوم والصنائع. ولا ينظر في أمور تلحق هذه، مثل الفرق بين معاني المقولات في اللغة وعلى المشهور وبين معانيها في العلوم والصنائع الفلسفيّة، ومثل نشأة المعاني العامّيّة والفلسفيّة وحدوث اللغة والفلسفة والملّة واكتمالها والصلة بينها. وهذه أمور يفصّل أرسطوطاليس النظر في أغلبها في كتاب «ما بعد الطبيعة».(1/30)
فالمقولات ليست موضوعة لعلم المنطق فحسب، بل هي الموضوعات الأول لجميع الصنائع المنطقيّة وجميع العلوم الفلسفيّة، ولعلم ما بعد الطبيعة أو العلم
الإلهيّ خاصّة (الفارابيّ «الحروف» الفقرة 11وما بعدها، ص 66وما بعدها)، لأنّه ينظر في الأحوال العامّة لموضوعات جميع الصنائع والعلوم. والفرق بين كتاب «المقولات» وكتاب «ما بعد الطبيعة» عند نظرهما في المقولات هو أنّ كتاب «المقولات» يكاد يقتصر على تعريف المقولات وحدّها وتمييز دلالات الأسماء المفردة الدالّة على أجناس المعقولات المفردة بإيجاز. فهو لا يفصّل النظر في كيفيّة وجودها، وجهة تصوّر النفس لها، وتعيين الألفاظ التي تقع عليها، وجهة استعمالها في العلوم والصنائع. ولا ينظر في أمور تلحق هذه، مثل الفرق بين معاني المقولات في اللغة وعلى المشهور وبين معانيها في العلوم والصنائع الفلسفيّة، ومثل نشأة المعاني العامّيّة والفلسفيّة وحدوث اللغة والفلسفة والملّة واكتمالها والصلة بينها. وهذه أمور يفصّل أرسطوطاليس النظر في أغلبها في كتاب «ما بعد الطبيعة».
وليس هذا موضع تفصيل أمر المقالات التي جمعت في كتاب «ما بعد الطبيعة» أو القول في آراء القدماء والمحدثين في أجزاء الكتاب وصلة أجزائه بعضها بالبعض الآخر. وللفارابيّ «مقالة في أغراض الحكيم في كلّ مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرض أرسطوطاليس في كتاب ما بعد الطبيعة» أشار فيها إلى حيرة أكثر الناظرين في هذا الكتاب وضلالهم فقال «إذ كثير من الناس سبق إلى وهمهم أنّ فحوى هذا الكتاب ومضمونه هو القول في الباري سبحانه وتعالى والعقل والنفس وسائر ما يناسبها وأنّ علم ما بعد الطبيعة وعلم التوحيد واحد بعينه.
فلذلك نجد أكثر الناظرين فيه يتحيّر ويضلّ، إذ نجد أكثر الكلام فيه خاليا عن هذا الغرض، بل لا نجد فيه كلاما خاصّا بهذا الغرض إلّا في المقالة الحادية عشر ة منه التي عليها علامة اللام» (ص 34، س س 138). وقد ذكرنا فيما سبق (ص 30من هذه «المقدّمة») قوله في العلم الإلهيّ وأنّه ينظر أكثر ما ينظر في المقولات. وكتاب «الحروف» ينظر في المقولات نظر كتاب «ما بعد الطبيعة» فيها، ويفصّل النظر في الأمور التي قلنا إنّ أرسطوطاليس لا يفصّل النظر فيها في كتاب «المقولات» بل في كتاب «ما بعد الطبيعة».
كتاب الحروف 3
وهناك دلائل أخرى تشير إلى الصلة بين كتاب «الحروف» وكتاب «ما بعد الطبيعة». منها أنّ الفارابيّ يرجع إلى كتاب «المقولات» لأرسطوطاليس مرّات عدّة ويصرّح أنّ أرسطوطاليس قال أو بيّن أمرا ما في كتاب «المقولات»، ممّا يدلّ على أنّ كتاب «المقولات» غير الكتاب الذي يشرحه في كتاب «الحروف». وكذلك يقول الفارابيّ إنّه ذكر هو أمورا من قبل، يظهر أنّها ذكرت في شروحه لكتاب «المقولات». أمّا كتاب «ما بعد الطبيعة» فلا يذكره الفارابيّ بعنوانه مع أنّه يشرح أجزاء كبرى منه ويقتطف من نصّه مواضع عديدة.(1/31)
كتاب الحروف 3
وهناك دلائل أخرى تشير إلى الصلة بين كتاب «الحروف» وكتاب «ما بعد الطبيعة». منها أنّ الفارابيّ يرجع إلى كتاب «المقولات» لأرسطوطاليس مرّات عدّة ويصرّح أنّ أرسطوطاليس قال أو بيّن أمرا ما في كتاب «المقولات»، ممّا يدلّ على أنّ كتاب «المقولات» غير الكتاب الذي يشرحه في كتاب «الحروف». وكذلك يقول الفارابيّ إنّه ذكر هو أمورا من قبل، يظهر أنّها ذكرت في شروحه لكتاب «المقولات». أمّا كتاب «ما بعد الطبيعة» فلا يذكره الفارابيّ بعنوانه مع أنّه يشرح أجزاء كبرى منه ويقتطف من نصّه مواضع عديدة.
فكأنّ كتاب «الحروف» بكامله هو تفسير لكتاب «ما بعد الطبيعة». فالفارابيّ يفترض أنّ قارئ كتابه قد اطّلع على كتاب «ما بعد الطبيعة» أو أنّه يقرأ في الكتابين معا، وأنّه يعرف المواضع التي يشار إليها من كتاب «ما بعد الطبيعة».
ومنها ترتيب كتاب «الحروف» الذي لا يتّفق وترتيب المقولات في كتاب «المقولات» (وترتيب المقولات في كتاب «المقولات» كان قد أصبح تقليدا تبعه أغلب مفسّري الكتاب ومنهم الفارابيّ، راجع ترتيب كتاب «قاطاغورياس أي المقولات» للفارابيّ مثلا).
وأخيرا فإنّ أكثر ما يقتطفه ابن رشد من كتاب «الحروف» موجود في كتابين من كتبه، هي «تلخيص ما بعد الطبيعة» و «تفسير ما بعد الطبيعة»، ولا نجد شيئا منه في كتابه «تلخيص كتاب المقولات». فابن رشد عرف من موضوع كتاب «الحروف» وترتيبه أنّه شرح لكتاب أرسطوطاليس في «ما بعد الطبيعة» لا لكتابه في «المقولات».
والنصّ الذي يلخّصه ابن رشد من كتاب «الحروف» في «تفسير ما بعد الطبيعة» وضع في تفسير مقالة الدال أو المقالة الخامسة من كتاب «ما بعد الطبيعة». وهذه هي المقالة التي يسمّيها أرسطوطاليس «القول الذي ذكرنا فيه على كم نوع يقال الشيء»، أو «المقالة التي بيّنّا فيها على كم نوع تقال الأسماء المستعملة في هذا العلم» كما يقول ابن رشد في تفسيره (ص ص 746744).
ومع أنّ أرسطوطاليس يبيّن الجهات التي تقال عليها الأشياء في أغلب مقالات
«ما بعد الطبيعة»، فإنّ مقالة الدال عرفت بأنّها قاموس للمصطلح الفلسفيّ.(1/32)
ومع أنّ أرسطوطاليس يبيّن الجهات التي تقال عليها الأشياء في أغلب مقالات
«ما بعد الطبيعة»، فإنّ مقالة الدال عرفت بأنّها قاموس للمصطلح الفلسفيّ.
وابن رشد يقول في أوّل تفسيره لهذه المقالة «غرضه في هذه المقالة أن يفصّل دلالات الأسماء على المعاني التي ينظر فيها في هذا العلم، وهي التي تتنزّل منه منزلة موضوع الصناعة من الصناعة، وهذه الأسماء هي التي تقال بالنسبة إلى شيء واحد بجهات مختلفة، ولذلك جعل النظر في شرح هذه الأسماء جزءا من هذا العلم فالنظر هاهنا في الأسماء هو من جنس النظر في أصناف الموضوع الذي ينظر فيه صاحب العلم، وما هذا شأنه فينبغي أن يفرد بالقول وأن يتقدّم النظر فيه على جميع المطالب التي في ذلك العلم» (ص 475).
ومقالات كتاب «ما بعد الطبيعة» عامّة، ومقالة الدال منه خاصّة، تنظر في حروف المعاني وتفصّل دلالاتها والجهات التي تقال عليها. ولنقتصر على ما يقوله ابن رشد عند تفسير أوّل الفصل الرابع والعشرين من مقالة الدال: «لمّا عدّد على كم وجه يقال حرف له وحرف في، يريد أن يعدّد الآن على كم وجه يقال حرف من.
وإنّما عدّد هذه الحروف من بين سائر الحروف لكثرة استعمالها في العلوم ولكثرة وجوه المعاني التي تدلّ عليها» (ص 657).
وخلاصة القول إنّ كتاب «الحروف» هو تفسير لكتاب أرسطوطاليس في «ما بعد الطبيعة». ولا يعني هذا أنّ الكتابين يتّفقان في جميع الموضوعات التي ينظران فيها، بل هناك فروق يرجع بعضها إلى أنّ الفارابيّ ينظر في الألفاظ والمعاني المشهورة في لغات وعصور وملل غير لغة أرسطوطاليس وعصره وملّته، وبعضها إلى ما يرى الفارابيّ في فحوى كتاب «ما بعد الطبيعة» ومضمونه وفي أغراض أرسطوطاليس من هذا الكتاب.
إنّ الترجمات العربيّة لكتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطوطاليس لم تنشر بعد على حدة. وكتاب «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد الذي نشره الأب بويج لا يحوي النصّ الكامل لكتاب «ما بعد الطبيعة». ومع ذلك فيحسن الرجوع إلى ما نشره الأب بويج من هذا الكتاب ومقارنته بكتاب «الحروف» للفارابيّ للاطّلاع على الأصول اليونانيّة للحروف والمصطلحات التي ينظر فيها وعلى تفاصيل
إشاراته في كتاب «الحروف» إلى كتاب «ما بعد الطبيعة» وعلى الفروق بين الكتابين، خاصّة وأنّ الأب بويج قد وضع فهارس كاملة ومفيدة تسهّل على القارئ عمله.(1/33)
إنّ الترجمات العربيّة لكتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطوطاليس لم تنشر بعد على حدة. وكتاب «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد الذي نشره الأب بويج لا يحوي النصّ الكامل لكتاب «ما بعد الطبيعة». ومع ذلك فيحسن الرجوع إلى ما نشره الأب بويج من هذا الكتاب ومقارنته بكتاب «الحروف» للفارابيّ للاطّلاع على الأصول اليونانيّة للحروف والمصطلحات التي ينظر فيها وعلى تفاصيل
إشاراته في كتاب «الحروف» إلى كتاب «ما بعد الطبيعة» وعلى الفروق بين الكتابين، خاصّة وأنّ الأب بويج قد وضع فهارس كاملة ومفيدة تسهّل على القارئ عمله.
(3) عنوان الكتاب
إنّ أقدم فهارس كتب الفارابيّ التي تذكر هذا الكتاب تسمّيه «كتاب الحروف» (القفطيّ «إخبار» ص 279، س 23، «برنامج» الفارابيّ في نسخة الإسكوريال الخطّيّة رقم 884، الورقة 82و، س 19، ولفظة «تعليق» التي اعتبرها محقّق النسخة المطبوعة من كتاب القفطيّ جزءا من عنوان كتاب «الحروف» هي جزء من عنوان كتاب «شرح الآثار العلويّة» كما يظهر من «برنامج» الفارابيّ في نسخة الإسكوريال الخطّيّة)، وهو العنوان الذي عرف به الكتاب عند أقدم الذين اقتطفوا منه والذين سنذكرهم فيما بعد (ص 37وما بعدها).
أمّا ابن أبي أصيبعة فيسمّيه «كتاب الألفاظ والحروف» («عيون» ج 2، ص 139، س 3، قارن الصفديّ «الوافي» ج 1، ص 109، س 9)، وهذا هو العنوان الذي عرفه به السيوطيّ (ص 40من هذه «المقدّمة») واعتمده المحدثون في فهارسهم التي عملوها لكتب الفارابيّ (شتاينشنايدر «الفارابيّ» ص 118، بروكلمان «تأريخ» ج 1من الملحق، ص 376، رقم 12). أمّا النسخة الخطّيّة الوحيدة من هذا الكتاب فتسمّيه «رسالة الحروف» («الحروف» ص 226).
وقد سمّيناه نحن كتاب «الحروف» اعتمادا على اقدم فهارس كتب الفارابيّ وأقدم الذين اقتطفوا من الكتاب ولأنّ «الألفاظ» لا ترد في عنوان النسخة الخطّيّة.
ويظهر أنّ إضافة «الألفاظ» إلى عنوان الكتاب في المصادر المتأخّرة نتجت عن أسباب. منها أنّ الفارابيّ يبحث في مواضع عديدة، وفي «الباب الثاني» من كتابه خاصّة، في الألفاظ ونشوئها، ولا يبحث في «الباب الثاني» في حروف المعاني وما يشتقّ منها كما يفعل في «الباب الأوّل» و «الباب الثالث»، فأضيفت كلمة الألفاظ للإشارة إلى أنّ الفارابيّ يبحث في هذا الكتاب في الألفاظ
أيضا. والفارابيّ يذكر الحروف في «الباب الثاني» («الحروف» ص ص 134 137) بمعنى حروف التهجّي، والكتاب لا يبحث عادة في الحروف بهذا المعنى، فأضيفت كلمة الألفاظ للإشارة إلى أنّ الفارابيّ يبحث في هذا الكتاب في أشياء غير حروف التهجّي. والحروف في مصطلح النحويّين لا تدلّ على أسماء وأفعال وعبارات يبحث فيها الفارابيّ بحثا مستفيضا، فالذي لم يعرف أنّ الفارابيّ يعتبر هذه الألفاظ حروفا بحسب معانيها أضاف كلمة الألفاظ للدلالة عليها.(1/34)
ويظهر أنّ إضافة «الألفاظ» إلى عنوان الكتاب في المصادر المتأخّرة نتجت عن أسباب. منها أنّ الفارابيّ يبحث في مواضع عديدة، وفي «الباب الثاني» من كتابه خاصّة، في الألفاظ ونشوئها، ولا يبحث في «الباب الثاني» في حروف المعاني وما يشتقّ منها كما يفعل في «الباب الأوّل» و «الباب الثالث»، فأضيفت كلمة الألفاظ للإشارة إلى أنّ الفارابيّ يبحث في هذا الكتاب في الألفاظ
أيضا. والفارابيّ يذكر الحروف في «الباب الثاني» («الحروف» ص ص 134 137) بمعنى حروف التهجّي، والكتاب لا يبحث عادة في الحروف بهذا المعنى، فأضيفت كلمة الألفاظ للإشارة إلى أنّ الفارابيّ يبحث في هذا الكتاب في أشياء غير حروف التهجّي. والحروف في مصطلح النحويّين لا تدلّ على أسماء وأفعال وعبارات يبحث فيها الفارابيّ بحثا مستفيضا، فالذي لم يعرف أنّ الفارابيّ يعتبر هذه الألفاظ حروفا بحسب معانيها أضاف كلمة الألفاظ للدلالة عليها.
ويحتمل أيضا أن يكون قد التبس عنوان هذا الكتاب بعنوان كتاب آخر للفارابيّ.
فهناك للفارابيّ كتاب عنوانه «كتاب الألفاظ المستعملة في المنطق»، وهو جزء من جوامعه أو شروحه الوسطى لكتب المنطق ولذلك لم تذكره الفهارس القديمة على حده (راجع مقدّمة كتاب «الألفاظ» ص 19)، يبحث في الألفاظ المستعملة في المنطق عامّة ومنها الحروف (ص ص 42وما بعدها)، يصنّفها الفارابيّ ويذكر معانيها بإيجاز. وبين موضوع هذا الكتاب وموضوع كتاب «الحروف» صلة ظاهرة على الرغم من أنّ كتاب «الألفاظ» يبحث في مواضيع لا يبحث فيها كتاب «الحروف» وأنّ كتاب «الحروف» يبحث في مواضيع لا يبحث فيها كتاب «الألفاظ»، وأنّ المواضيع التي يبحث فيها الكتابان تلخّص عادة في كتاب «الألفاظ» وتشرح في كتاب «الحروف». ويمكن أن يكون قد التبس الأمر على الذين عملوا فهارس كتب الفارابيّ دون الاطّلاع على نصوص هذه الكتب، فجمعوا بين العنوانين.
وللفارابيّ مقالة أشرنا إليها من قبل (ص 31) عنوانها «في أغراض الحكيم في كلّ مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرض أرسطوطاليس في كتاب ما بعد الطبيعة» («الثمرة المرضيّة» ص ص 3834)، وهو عنوان يبيّن غرض المقالة وموضوعها. و «الكتاب الموسوم بالحروف» الذي يبيّن الفارابيّ أغراض كلّ مقالة من مقالاته هو كتاب أرسطوطاليس في ما بعد الطبيعة الذي عرفت كلّ مقالة من مقالاته بحرف من حروف التهجّي اليونانيّة، وكانت توضع على مقالات الكتب الكبيرة في الأصل اليونانيّ كأرقام وعلامات لها ثمّ
تعرف بها مقالات الكتب. ومقالة الفارابيّ هذه من مصنّفاته التي شاع نسخها، وتوجد منها اليوم نسخ خطّيّة عديدة. وسمّيت المقالة في بعض النسخ (كنسخة جامع سپهسالار الخطّيّة في طهران، رقم 1216، الورقة 203202) «رسالة الحروف»، وهو العنوان ذاته الذي نجده في آخر كتاب «الحروف» (ص 226).(1/35)
وللفارابيّ مقالة أشرنا إليها من قبل (ص 31) عنوانها «في أغراض الحكيم في كلّ مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرض أرسطوطاليس في كتاب ما بعد الطبيعة» («الثمرة المرضيّة» ص ص 3834)، وهو عنوان يبيّن غرض المقالة وموضوعها. و «الكتاب الموسوم بالحروف» الذي يبيّن الفارابيّ أغراض كلّ مقالة من مقالاته هو كتاب أرسطوطاليس في ما بعد الطبيعة الذي عرفت كلّ مقالة من مقالاته بحرف من حروف التهجّي اليونانيّة، وكانت توضع على مقالات الكتب الكبيرة في الأصل اليونانيّ كأرقام وعلامات لها ثمّ
تعرف بها مقالات الكتب. ومقالة الفارابيّ هذه من مصنّفاته التي شاع نسخها، وتوجد منها اليوم نسخ خطّيّة عديدة. وسمّيت المقالة في بعض النسخ (كنسخة جامع سپهسالار الخطّيّة في طهران، رقم 1216، الورقة 203202) «رسالة الحروف»، وهو العنوان ذاته الذي نجده في آخر كتاب «الحروف» (ص 226).
وبين المصنّفين علاقة تتجاوز الصلة بين عنوانيهما، وذلك لأنّهما يشتركان في النظر في كتاب واحد وهو كتاب أرسطوطاليس في ما بعد الطبيعة.
أمّا لفظة الحروف التي عنون بها الفارابيّ كتابه، فيمكن شرح معناها من جهتين. الأولى هي أنّ الفارابيّ أعطى كتابه الذي يفسّر فيه «الكتاب الموسوم بالحروف» لأرسطوطاليس اسم هذا الكتاب، وهذا أمر لا يصعب الحصول على دلائل عديدة عليه من أسماء كتب الفارابيّ الأخرى، فقد سمّى أكثر الكتب التي لخّص أو فسّر فيها كتب أرسطوطاليس بأسماء هذه الكتب. وإذا كان كتاب الفارابيّ سمّي بكتاب «الحروف» لأنّ هذا كان اسم كتاب أرسطوطاليس الذي يفسّره، فيجب أن يفهم منه أنّه اسم اصطلاحيّ لا غير، ولا يصحّ أن يقال إنّه سمّي بهذا الاسم لأنّه يبحث في حروف التهجّي، وذلك لأنّ لفظة الحروف التي سمّي بها كتاب أرسطوطاليس في ما بعد الطبيعة لا تعني أكثر من أنّ حرفا حرفا من حروف التهجّي وضع على مقالة مقالة من مقالاته كرقم وعلامة لها. والذين ترجموا عنوان كتاب «الحروف» للفارابيّ إلى العبريّة واللاتينيّة أخذوا لفظة الحروف فيه على أنّها تعني حروف التهجّي، وهو معنى اللفظة في عنوان كتاب «الحروف» لأرسطوطاليس.
ويمكن شرح لفظة الحروف في عنوان الكتاب على أنّها تعني حروف المعاني التي قلنا إنّ الفارابيّ يبحث فيها أكثر ما يبحث في كتابه، كما فعل أرسطوطاليس قبله في كتاب «ما بعد الطبيعة». وهذا هو المعنى الذي يغلب على لفظة الحروف التي يكثر ذكرها في نصّ الكتاب. وقد فصّلنا القول في هذا المعنى من قبل (ص ص 3128).
وسواء أخذنا لفظة الحروف بالمعنى الأوّل أو بالمعنى الثاني، لا يمكننا
قبول إضافة «الألفاظ» إلى العنوان عند المتأخّرين من القدماء، ونعتقد أنّه نتج من عدم فهمهم لغرض الكتاب. فالذي سمّاه كتاب «الألفاظ والحروف» عنى بهذا الاسم أنّ الفارابيّ يبحث في كتابه هذا في حروف التهجّي والألفاظ التي تتركّب منها، وهو بحث لا يتجاوز طوله بضع فقرات من كتاب كبير ليس هذا غرضه، بل غرضه تفسير كتاب «الحروف» لأرسطوطاليس والنظر الفلسفيّ في حروف المعاني الموضوعة لعلم ما بعد الطبيعة وما يشتقّ منها.(1/36)
وسواء أخذنا لفظة الحروف بالمعنى الأوّل أو بالمعنى الثاني، لا يمكننا
قبول إضافة «الألفاظ» إلى العنوان عند المتأخّرين من القدماء، ونعتقد أنّه نتج من عدم فهمهم لغرض الكتاب. فالذي سمّاه كتاب «الألفاظ والحروف» عنى بهذا الاسم أنّ الفارابيّ يبحث في كتابه هذا في حروف التهجّي والألفاظ التي تتركّب منها، وهو بحث لا يتجاوز طوله بضع فقرات من كتاب كبير ليس هذا غرضه، بل غرضه تفسير كتاب «الحروف» لأرسطوطاليس والنظر الفلسفيّ في حروف المعاني الموضوعة لعلم ما بعد الطبيعة وما يشتقّ منها.
(4) الشواهد
ذكر كتاب «الحروف» ومؤلّفه، وأشار إلى موضع أو مواضع منه، ولخّص أو اقتطف شيئا من نصّه، عدد من المؤلّفين القدماء. وهذه الشواهد والمقتطفات تعين في تحقيق الكتاب والنظر في هويّته وترتيبه وكمال نصّه ونسبته إلى الفارابيّ، وتعزّز ما تشهد به الفهارس القديمة لكتب الفارابيّ (وذلك لأنّ الفهارس تعرّفنا أنّ الفارابيّ كتب كتابا بهذا الاسم ولا تذكر محتوياته ولا تدلّ على أنّ الكتاب الذي تذكر اسمه هو الذي وجدناه في النسخة الخطّيّة). وهي صنفان. صنف منها يذكر فيه اسم الكتاب واسم مؤلّفه، وأكثره كان معروفا قبل العثور على النسخة الخطّيّة للكتاب. أمّا الصنف الثاني فلا يذكر فيه اسم الكتاب ولا اسم مؤلّفه، ولم يكن من الممكن إرجاعه إلى كتاب «الحروف» للفارابيّ قبل العثور على أصل الكتاب. ولا شك في أنّ هناك مقتطفات أو تلاخيص من هذا الصنف الثاني غير التي عثرنا عليها، ونرجو أن يعين نشر الكتاب من يقرأ كتب القدماء الذين أتوا بعد الفارابيّ على العثور عليها. وسنذكر فيما يأتي الشواهد والمقتطفات التي عثرنا عليها مرتّبة بحسب تواريخ وفيات مؤلّفي الكتب التي وردت فيها:
(آ) مؤلّف المسألتين في المنطق اللتين طبع نصّهما اللاتينيّ مع شروح ابن رشد لكتب أرسطوطاليس في «مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد» (ج 1، قسم 2ب، ورقة 124، عمود 2ورقة 126، عمود 4). والمسألتان تنسبان في الترجمة اللاتينيّة إلى «أبي القاسم (أو القاسس) محمّد بن قسم» المسمّى
. أمّا الترجمة العبريّة للمسألة الأولى منهما فتسمّي المؤلّف «أبو العبّاس أحمد بن قاسم» وتضع مكان «همشيج» (شتاينشنايدر «الفارابيّ» ص ص 5251) التي تعني العارف. وأعتقد أنّ مؤلّف هاتين المسألتين (اللتين يذكر فيهما الفارابيّ ولا يذكر فيهما ابن رشد) أحد اثنين: إمّا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن موسى الصنهاجيّ المريّ الأندلسيّ المعروف بابن العريف أو ابن العرّيف، المولود في المريّة سنة 481هـ / 1088م والمتوفّى في المغرب سنة 536هـ / 1141م (بروكلمن «تأريخ» ج 1، ص 434، رقم 6)، وإمّا تلميذه أبو القاسم أحمد بن قسيّ، الذي قام سنة 536هـ / 1141م وأسّس دولة في الغرب (في جنوب البرتغال) وقتل سنة 546هـ / 1151م (بروكلمن «تأريخ» ج 1، ص 434، رقم 6آ) وهما من متصوّفة الأندلس. ومؤلّف أولى هاتين المسألتين يشير إشارة عابرة إلى «ما قال أبو نصر في كتاب الحروف» في الفرق بين برهان أنّ الشيء وبرهان لم الشيء («مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد»، ج 1، قسم 2ب، ورقة 125، عمود 3).(1/37)
(آ) مؤلّف المسألتين في المنطق اللتين طبع نصّهما اللاتينيّ مع شروح ابن رشد لكتب أرسطوطاليس في «مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد» (ج 1، قسم 2ب، ورقة 124، عمود 2ورقة 126، عمود 4). والمسألتان تنسبان في الترجمة اللاتينيّة إلى «أبي القاسم (أو القاسس) محمّد بن قسم» المسمّى
. أمّا الترجمة العبريّة للمسألة الأولى منهما فتسمّي المؤلّف «أبو العبّاس أحمد بن قاسم» وتضع مكان «همشيج» (شتاينشنايدر «الفارابيّ» ص ص 5251) التي تعني العارف. وأعتقد أنّ مؤلّف هاتين المسألتين (اللتين يذكر فيهما الفارابيّ ولا يذكر فيهما ابن رشد) أحد اثنين: إمّا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن موسى الصنهاجيّ المريّ الأندلسيّ المعروف بابن العريف أو ابن العرّيف، المولود في المريّة سنة 481هـ / 1088م والمتوفّى في المغرب سنة 536هـ / 1141م (بروكلمن «تأريخ» ج 1، ص 434، رقم 6)، وإمّا تلميذه أبو القاسم أحمد بن قسيّ، الذي قام سنة 536هـ / 1141م وأسّس دولة في الغرب (في جنوب البرتغال) وقتل سنة 546هـ / 1151م (بروكلمن «تأريخ» ج 1، ص 434، رقم 6آ) وهما من متصوّفة الأندلس. ومؤلّف أولى هاتين المسألتين يشير إشارة عابرة إلى «ما قال أبو نصر في كتاب الحروف» في الفرق بين برهان أنّ الشيء وبرهان لم الشيء («مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد»، ج 1، قسم 2ب، ورقة 125، عمود 3).
(ب) أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد حفيد ابن رشد القرطبيّ، المولود سنة 520هـ / 1126م والمتوفّى سنة 595هـ / 1198م. يذكر ابن رشد كتاب «الحروف» ويقتطف منه في مواضع من كتبه:
(1) «المسائل البرهانيّة» (راجع رينان «ابن رشد» ص 463) أو «المسائل المهمّة على كتاب البرهان لأرسطوطاليس» (ابن أبي أصيبعة «عيون» ج 2، ص 77، س 28). طبعت ترجمتها اللاتينيّة ضمن شروح ابن رشد لكتب أرسطوطاليس في «مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد». يشير ابن رشد في المسألة الثامنة (ج 1، قسم 2ب، ورقة 119، عمود 2عمود 3) إلى أنّ الفارابيّ بحث في الحدّ والبرهان في «كتاب البرهان وفي كتاب الحروف». وقد بيّن شتاينشنايدر («الفارابيّ» ص 50) أنّ كلمة يجب أن تقرأ على أساس الترجمة العبريّة التي تقول «صفر هاوتوت».
(2) «شرح كتاب البرهان» في الفصل الخامس من المقالة الثانية منه.
طبعت ترجمته اللاتينيّة ضمن شروح ابن رشد لكتب أرسطوطاليس في «مؤلّفات أرسطوطاليس وشروح ابن رشد» (ج 1، قسم 2آ، ورقة 458، عمود 2وما بعده).(1/38)