الكلمة الأولى
بسم الله الرحمن الرّحيم يعدّ ابن السّيد البطليوسيّ في رءوس علماء الأندلس وأدبائها في القرنين الخامس، والسّادس، فقد عاش من سنة 444هـ إلى أن وافاه الأجل سنة 521هـ. وتجاوزت شهرته الأندلس، وبلغت المغرب والمشرق. وتداول النّاس كتبه ورسائله، ورزقت قبولا من العلماء والمتعلّمين. وكان ابن السّيد أستاذا فائق الأستاذيّة ومعلّما بارعا، وكاتبا طاع له القلم في الموضوعات التي عالجها على اختلاف وجهاتها وعلى كثرة تنوّعها.
ومؤلّفات ابن السّيد موزّعة على كثير من أبواب الثقافة العربيّة: في النّحو واللّغة والنّقد، وفي الأصول، والكلام، والفلسفة وعلوم الأوائل ذلك أنّه تلقّى عن شيوخ الأندلس الكبار العلوم النقلية، والعلوم العقليّة ثم تفنّن صعدا في الإبداع والتّوليد حتى بلغ درجة الأساتذة الكبار، وصار مع طبقته من الأدباء والعلماء حلقة جديدة من حلقات العلم والثقافة في ديار الأندلس ذات العزّ الباهر.
وكان ابن السّيد إلى جوانبه العلميّة الغزيرة مشاركا في الشّعر، متفنّنا في الكتابة وهو وإن لم يكن معدودا في شعراء الطبقة الأولى معدود في شعرائهم وكتّابهم ولكنّ صورته الحقيقية مثبتة في جوانب الثّقافة والعلم فإنه بلغ القمّة.
وكنت قبل نشر كتاب الحدائق هذا الّذي بين يدي القارئ الكريم
نشرت له كتاب: الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم (1) واعتنيت ببعض شعره الذي لم ينشر ثم ضممت إليه شعره المتفرّق، في المظان المختلفة، وشرحته، عسى أن أصدره محققا مشروحا إسهاما في بعث تراث ابن السّيد البطليوسي ووضعا لأشعار الأندلسيين بين أيدي الدّارسين.(1/5)
وكنت قبل نشر كتاب الحدائق هذا الّذي بين يدي القارئ الكريم
نشرت له كتاب: الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم (1) واعتنيت ببعض شعره الذي لم ينشر ثم ضممت إليه شعره المتفرّق، في المظان المختلفة، وشرحته، عسى أن أصدره محققا مشروحا إسهاما في بعث تراث ابن السّيد البطليوسي ووضعا لأشعار الأندلسيين بين أيدي الدّارسين.
وكتاب الحدائق الذي ننشره اليوم معروف مجهول.
هو معروف لأنّه نشر مرّتين بعناية عالمين كبيرين (2)
ومجهول أو كالمجهول لأنّه مفقود من التداول منذ زمان بعيد من جهة، ولأنّه لم ينتشر على الوجه الذي يستحقّه، ننشره لأهميّته، وفائدته، وموقعه من البحث الفلسفي في التراث الأندلسي من جهة، والبحث الفلسفي في تاريخ الفكر العربي عامّة.
وكنت منذ اعتنيت بشخصيّة ابن السّيد وآثاره قرأت كتاب الحدائق، في طبعتيه، وعلّقت عليهما تعليقات هنا وهناك ممّا يدخل في طبيعة النّص وقراءته حتى حصلت على نسخة مخطوطة حسنة من الكتاب، فرجعت إلى النّسختين المطبوعتين، وجعلتهما نسخا ثانية. وأعدت تحقيق النصّ على الوجه الذي يراه القارئ الكريم.
ولم أتدخّل في حواشي النّصّ بأكثر من إثبات فروق النّسخ، إلّا في مواضع يسيرة جدّا لا تحتسب، فالكتاب ميسّر للقرّاء تيسيرا، ومقرّب تقريبا.
واستغنيت عن ذلك بمقدّمة كتبها أستاذي وشيخ جيلي وأجيال سبقتني ولحقتني:
الدكتور عبد الكريم اليافي متكرّما متفضّلا، أكرمه الله وأعزّه، وأدامه
__________
(1) صدرت منه الطبعة الثالثة في دار الفكر بدمشق: 1987
(2) وسنصف الطبعتين في مقدمة التحقيق، مع صفة المخطوطة المعتمدة.(1/6)
وأتبعتها بمقدّمة لطيفة كان قدّم بها الشّيخ محمّد زاهد الكوثري للطّبعة القاهرية من: الحدائق. والشيخ الكوثري (1296هـ 1371هـ، 1879م 1952م) فقيه من علماء جامع الفاتح بالآستانة لجأ إلى مصر من اضطهاد الكماليّين (1341هـ 1922م) واشتغل موظفا في دار المحفوظات لترجمة ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية، وكان يتقن العربية والتركية والفارسية والجركسيّة. وألّف في موضوعات شتى من الفقه والتراجم والرجال والحديث، وكانت له مشاركات في الأدب (1).
ونقلت ما كتبه مختصرا أستاذي الدكتور عمر فرّوخ رحمه الله وأوسع له في الجنان فإنه مرّ بكتاب الحدائق، وبابن السّيد البطليوسي في كتابه: تاريخ الفكر العربي (على الصفحتين 606605) وكنت قد تلقّيت مع الجيل الّذي تتلمذ له في دمشق محاضرات مهمّة في تاريخ الأندلس السّياسي والحضاري، وكان رحمه الله وأجزل مثوبته قد عرّفنا بأشهر فلاسفة الإسلام في الأندلس قبل أن يظهر كتابه الذي نقلت عنه بعدد من السّنين.
وها هو ذا كتاب الحدائق نقدّمه إلى المشتغلين بقضايا الفلسفة، وعلم الكلام، والفكر العربيّ، كما نقدّمه إلى محبّي التّراث الأندلسي خاصة والتراث العربي عامّة
وأدعو الله تعالى أن ينفع به، وأن يهدينا سواء السبيل.
دوما دمشق: جمادى الثانية 1408هـ شباط 1988م
د. محمد رضوان الداية
__________
(1) ترجمة الزركلي للشّيخ الكوثري في الأعلام 6: 129(1/7)
تقديم الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي
الدّكتور محمّد رضوان الدّاية، أستاذ الأدب الأندلسي ونقده بكليّة الآداب في جامعة دمشق. وهو من أعلام الأساتذة والمحقّقين في سورية، اتّجه خاصّة فوق تدريسه ونشاطه اللّغويّ والأدبيّ الواسع إلى تحقيق كتب التّراث الأندلسي، فأصدر عددا منها مرموقا في اللّغة والأدب والتّاريخ. وها هو ذا يحقّق كتاب «الحدائق» لأبي محمّد عبد الله بن السّيد البطليوسي.
وهو كتاب ذو شأن في التراث الفلسفيّ العربيّ.
بحث المؤلّف فيه قضايا فلسفيّة وميتافيزيائيّة وكلاميّة مهمّة، تناقلها الفلاسفة والصّوفيّة والحكماء تناقلا واسعا، وعرضوها في أساليب مختلفة تستغلق تارة وتلتوي تارة أخرى.
وقد استوعب العلّامة ابن السّيد البطليوسيّ تلك القضايا، فعمد إلى شرحها شرحا بسيطا واضحا لا لبس فيه، وبدقّة كافية، حتّى إذا قرأها طالب الحكمة والفلسفة استطاع أن يسلك كتب الصّوفيّة المتأخّرة المعقّدة والكتب الفلسفيّة المشتبكة وعنده زاد من المعرفة يخوّله أن يتفهّم تلك القضايا ويتابع مؤلّفيها متابعة مفيدة.
أهمّ تلك القضايا: مراتب الموجودات عن السّبب الأوّل، ومبدؤها ومرجعها، ومقايسة مبلغ ذات الإنسان بعد مماته بدرجة علمه في حياته، وتشبيه تلك المراتب بمراتب الأعداد الصّادرة عن الواحد الّذي هو عندهم ليس بعدد ومسألة صفات الله: هل يقتصر فيها على وجه السّلب أم يعتمد التّشبيه، وكذلك قضيّة معرفة الله تعالى نفسه، ومسألة إحاطة علمه بالكلّيّات أو
بالكلّيّات والجزئيّات، وبقاء النّفس النّاطقة حيّة بعد الموت وكلّها شئون ذوات بال في تاريخ علم الكلام والميتافيزياء والفلسفة.(1/8)
أهمّ تلك القضايا: مراتب الموجودات عن السّبب الأوّل، ومبدؤها ومرجعها، ومقايسة مبلغ ذات الإنسان بعد مماته بدرجة علمه في حياته، وتشبيه تلك المراتب بمراتب الأعداد الصّادرة عن الواحد الّذي هو عندهم ليس بعدد ومسألة صفات الله: هل يقتصر فيها على وجه السّلب أم يعتمد التّشبيه، وكذلك قضيّة معرفة الله تعالى نفسه، ومسألة إحاطة علمه بالكلّيّات أو
بالكلّيّات والجزئيّات، وبقاء النّفس النّاطقة حيّة بعد الموت وكلّها شئون ذوات بال في تاريخ علم الكلام والميتافيزياء والفلسفة.
بيد أنّ العلماء لا يتورّعون عن تجشّم العقبات في البحث عن حلّ القضايا المعقّدة وجلائها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وهم في بحوثهم هذه يرغبون في بثّها وشرحها لطلّابهم ومريديهم، ولكنّهم يلزمون الحذر دفعا للاتّهام، وتحاميا للأقاويل، وتجنّبا لاحتمال النّبذ والتّضييق:
وعندنا أنّ ابن السّيد البطليوسيّ قد أقبل في كتابه «الحدائق في المطالب العالية الفلسفيّة العويصة» على عرض ما استوعبه من تلك المطالب عرضا واضحا سليما، مع الحذر الشّديد من اتّهامه بالمروق فهو يدافع عن حصيلة الفلسفة اليونانيّة التي انسابت إلى آراء المفكّرين المسلمين، ويبرّئ أرسطو وأفلاطون من القول بأزليّة العالم وقدمه، ويتلطّف في عرض آرائهما كما وصلت إليه، ويحاول أن يكشف عمّا يراه من الحقائق، على أن لا يحيد عن حدود شرع الله ما استطاع.
ولكنّ هذه الحقائق التي عرضها مع فائدتها في جلاء القضايا الفلسفيّة ربّما لا توافق علماء الكلام الأشاعرة والماتريديّة، الذين يعتمدون فكرة الخلق بدلا من الفيض، ولا يرغبون في تشبيه الواحد العدديّ بالواحد الأحد الميتافيزيائيّ، إلى غير ذلك من الأمور الّتي تحتاج إلى الإيضاح في عقيدة أهل السّنّة والجماعة.
وعندنا انّ الاختلاف إن وقع فمردّه إلى اختلاف وجهات النّظر، وإلّا فإنّ التأمّل الميتافيزيائيّ والدّينيّ إنّما يعبّران عن الحقيقة الواحدة. وفي بعض الأحيان يغدو التّعبير اللّفظيّ والرّياضيّ تقريبا للفكرة من الأفهام.
هذا وقد دخلت تيّارات الفلسفة اليونانيّة والمشرقيّة إلى الأندلس بدخول الكتب المؤلّفة فيها، ككتب الفارابيّ وابن سينا ورسائل إخوان الصّفا، وأمثالها.(1/9)
وفي أواخر دولة المرابطين نفقت كتب المذهب المالكيّ وفروعه، وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها، كما يحدّثنا عبد الواحد المرّاكشيّ في كتاب:
«المعجب في أخبار المغرب»، ووصل الأمر في زمن أمير المؤمنين ملك المرابطين أبي الحسن عليّ بن يوسف بن تاشفين التقيّ الصّالح المتبتّل الّذي عاصر البطليوسيّ «إلى تقبيح علم الكلام، وكراهة السّلف له، وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنّه بدعة في الدّين، وربّما أدّى أكثره إلى اختلال العقائد، في أشباه لهذه الأقوال، حتّى استحكم في نفسه (نفس أمير المؤمنين) بغض علم الكلام وأهله فكان يكتب عنه في كلّ وقت إلى البلاد، بالتّشديد في نبذ الخوض في شيء منه وتوعّد من وجد عنده شيء من كتبه». حتّى إنّه أمر بإحراق كتب أبي حامد الغزالي لمّا دخلت المغرب «وتقدّم بالوعيد الشّديد: من سفك الدّم، واستئصال المال، إلى من وجد عنده شيء منها».
وإذا كانت الأمور على هذه الحال في شأن علم الكلام وهو من بعض الوجوه يعتبر من العلوم الشّرعية والنّقليّة (كما يعدّه ابن خلدون إذ كان متفرّعا عن الشّريعة) وفي شأن كتب الغزالي الذي هاجم هو الفلسفة في كتابه «تهافت الفلاسفة»، فما بالنا بالفلسفة نفسها وقضاياها المستفادة من علوم اليونان وآرائهم الّتي قد تبعد عن صفاء الدّين وبساطته؟
وأيّا كان الأمر، فإنّ الاعتبارات الّتي وردت في كتاب «الحدائق» على صغر حجمه من أهمّ القضايا الفكريّة الّتي تهمّ الباحث في الميتافيزياء وفي التّراث الفلسفيّ العربيّ والإنسانيّ.
هذا وإن نشر كتاب «الحدائق» مجدّدا ومحقّقا يقتضي الثّناء والتقريظ لأنّه تيسير لفهم تلك الشئون الفلسفيّة في التّراث الإسلاميّ المؤثّل، وإيضاح لعلاقات بعضها ببعض.(1/10)
مقدمة الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله
يتصوّر الفلاسفة الإشراقيّون والصّوفيّة دائرة وهميّة في ترتيب الموجودات الصّادرة عن المبدع الحكيم جلّ جلاله، ويعتبرون أنّها تبتدئ من نقطة مرجعها إليها، ويتلون في ذلك قوله تعالى: {كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}، ويشير إليها أغلب من كتب في «المبدأ والمعاد» من أمثال عزيز النّسفي الباطني، وابن سينا الحكيم المشهور، والصّدر الشّيرازي، والصّدر الشّرواني، وصاحب «معرفتنامه»، والبرهان الكوراني في «المسلك المختار في أوّل صادر من الواجب بالاختيار»، وكذلك الكتب المؤلّفة في مراتب الوجود.
وبين هؤلاء من ينحو ناحية التّناسخ في البدء والعود، ويضلّ عن الجادّة، ويعتاص على كثير من الباحثين وجه الصّواب في تلك المطالب، فيحمل بعضهم الكلام على غير محمله تذرّعا بالإجمال القائم فيه إلى تأويل باطل.
ومن ادّعاءاتهم بلوغ ذات الإنسان بعد الممات إلى حيث يبلغ علمه، ويتصوّرون في ذلك أيضا دائرة وهميّة، كما يتصوّرون دائرة كذلك في الأعداد، ويقولون: إنّ العقل الجزئيّ قد يتصوّر بصورة العقل الكلّي، وتلك مباحث توجب التمهيد لها بإيضاح مغزاهم في العقول العشرة وما إليها.
ومن الآراء المعزوّة إليهم: دعوى أنّ البارئ جلّ شأنه لا يصحّ أن يوصف بصفات إلّا على طريق السّلب، وأنّه تعالى لا يعلم إلّا نفسه سبحان الله عن إفك الأفّاكين وقد سئل المؤلّف عن تلك المشاكل وعن البرهان على بقاء النّفس الناطقة بعد الموت.(1/11)
وتلك كما يقول المؤلّف مطالب ضيّقة المسالك، وكثيرا ما تؤدّي بسالكها إلى المهالك، وقد أجاب المؤلّف في هذا الكتاب عن تلك الأسئلة العويصة، إجابة خرّيت (1)، خبير بتلك المضائق، بصير بوجوه الكشف عن الحقائق، وسعى في ألّا يحيد في بيانه قيد شعرة عن حدود شرع الله بقدر ما استطاع، ولمباحثه صلة وثيقة بمباحث «اللّمعة» وأجاد في بيان آراء الفلاسفة في تلك المطالب.
وقد صدق الفتح بن خاقان في «قلائد العقيان ومحاسن الأعيان» حيث قال في ترجمة المؤلّف: «وله تحقّق في العلوم الحديثة والقديمة، وتصرّف في طرقها القويمة، ما خرج بمعرفتها عن مضمار شرع، ولا نكّب (2) عن أصل للسّنّة ولا فرع، وتآليفه صنوف، وهي اليوم في الآذان شنوف». كما صدق ابن خلّكان وابن فرحون وغيرهما من المترجمين له حيث قالوا: «كان حسن التّعليم، جيّد التّفهيم، ثقة ضابطا».
فها هو كتابه هذا، تجده إليه المنتهى في حسن البيان وجودة التّفهيم لتلك المسائل العويصة، فيجعلها سهلة التّفهّم لكلّ من ألقى إلى كلامه سمعه ووجّه إليه بصيرته.
وكتابه «التّنبيه على الأسباب الموجبة للخلاف بين الأمّة» لم يؤلّف مثله في موضوعه على صغره وشرحه على سقط الزّند يفضّله ابن خلّكان على شرح المعرّيّ نفسه عليه، وكتابه في المثلّثات العربية إليه المنتهى في الإجادة عندهم، وله شرح أدب الكاتب المشهور بالاقتضاب، والحلل في شرح أبيات الجمل، وإصلاح الخلل الواقع في الجمل، وشرح ديوان المتنبّي، والمسائل المنثورة، وشرح الموطّأ، وغير ذلك.
__________
(1) الخرّيت (على وزن سكّيت): الدليل الحاذق.
(2) نكّب عن الشيء: عدل عنه.(1/12)
ومن شيوخه أبو عليّ الغسّاني الحافظ، كان عالما باللغة والأدب متبحّرا فيهما، فقيها، وكان له يد في الفلسفة والعلوم القديمة، وله أشعار رنّانة ذكرت في قلائد العقيان ووفيات الأعيان نماذج منها كافية.
ولد في بطليوس بفتحتين فسكون سنة 444هـ، وتوفّي ببلنسية في رجب سنة 521هـ، وكلتاهما من بلاد الأندلس، والسّيد بكسر السين وسكون الياء من أسماء الذئب في اللغة، سمّي به جدّه. سامحه الله وأعلى منزلته في الجنّة.(1/13)
ملاحظات الدكتور عمر فرّوخ على كتاب الحدائق
هذا كتاب فيه استعراض لعدد من وجوه الفلسفة القديمة: (الفيض والنّفس وقواها) ووجوه الفلسفة في الإسلام: (في صفات الله والخلود).
ويبدو أنّ ابن السّيد يقبل بالقول بالفيض والعقول الثّواني، ويذكر أنّ ذلك كان مذهب أرسطاطاليس وأفلاطون وسقراط وغيرهم من مشاهير الفلاسفة وزعمائهم القائلين بالتّوحيد. وهو يرفض رأي الفلاسفة المجوس (الدّهرية) ويعدّه كفرا بحتا عند أرسطاطاليس لأن ذلك يوجب استحالة الباري، أي:
إنكار وجود الله (راجع كتاب الحدائق، ص: 46) ويبدو أيضا أن البطليوسيّ مقتنع بنظرية العدد عند فيثاغورس وصلتها بالفيض (الحدائق، ص: 39) ولعلّه عرف ذلك من رسائل إخوان الصّفا. وهو ينكر أن يكون الله صورة للعالم أو أنه مجموع الوجود على ما ذكره ثاليس وزينون الإيلي مثلا (الحدائق، ص: 8685).
ثم هو ليس معتزليّا، وليس خصما لهم ولكنّه أميل إلى الأشعريّة في جعله صفات الله قديمة، وأنّ الاستدلال عليها يكون بالشّرع وممّا ذكره الله تعالى عن نفسه.
وكذلك نجد لابن السّيد البطليوسيّ ميلا إلى قول أهل الظاهر (الحدائق، ص: 48وما بعدها).
من كتابه: تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون ص: 606605(1/14)
من كتابه: تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون ص: 606605
مقدّمة التّحقيق
مدينة بطليوس التي ينسب ابن السّيد إليها (1)
مؤلف هذا الكتاب أبو محمد عبد الله بن السّيد البطليوسيّ نسبة إلى مدينة بطليوس إحدى مدن الأندلس الكبرى وهي اليوم عند الحدود الإسبانيّة البرتغاليّة، وترسم باللغة الإسبانية وتنطق باداخوس. وهي مدينة كبيرة، على مدى الحكم العربي الإسلامي في الأندلس، وتقع في منحنى وادي آنه (أو وادي؟؟؟ انة) عند ملتقى رافده: سو. وكانت محسوبة من إقليم ماردة.
وبطليوس مدينة محدثة (عربية) بناها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجيليقي أيام الأمير عبد الله (أحد أمراء دولة بني أميّة في القرن الثالث).
__________
(1) ترجمة ابن السّيد البطليوسي في أزهار الرّياض 3: 101 (وفيه ترجمة مطولة نقلها عن كتيّب خاص بابن السيد لابن خاقان) وقلائد العقيان 193، والصلة 1: 292، وبغية الملتمس 324 (التّرجمة: 892: وقال فيه: وكان ثقة مأمونا على ما قيّد وروى ونقل وضبط) والمغرب في حلى المغرب 1: 385، والديباج المذهب 1: 441، ونفح الطيب 1: 185، 649643، ووفيات الأعيان 3: 96 (ووصفه ابن خلّكان بالنحوي وقال فيه: كان عالما بالآداب واللغات متبحّرا فيهما، مقدّما في معرفتهما وإتقانهما وكان الناس يجتمعون إليه ويقرءون عليه ويقتبسون منه، وكان حسن التعليم جيّد التفهيم ثقة ضابطا. ألّف كتبا نافعة ممتعة وبالجملة فكلّ شيء يتكلّم فيه فهو في غاية الجودة). ومرآة الجنان 3: 328، والبداية والنهاية 12: 198، وغاية النهاية 1: 449، وبغية الوعاة 2: 55، وشذرات الذهب 4: 64، وشجرة النور الزكية 1: 130، وكشف الظنون 48: 602، وهدية العارفين 1: 454، وروضات الجنّات 450، وسير أعلام النبلاء 19: 532 (ووصفه بصاحب التصانيف).(1/15)
عصر الطوائف على أيامه
وفي فترة دول الطّوائف (نحو سنة 400هـ إلى نحو سنة 484هـ) قامت في بطليوس ومنطقتها دويلة لبني الأفطس. فقد كانت في مدّة الفتنة تحت ولاية سابور الفارسي أحد أعوان فائق الخادم مولى الحكم المستنصر يساعده في إدارة المنطقة وزيره عبد الله بن محمد بن مسلمة. ولما توفّي سابور سنة 413هـ وترك ولدين استبد بالأمر ابن الأفطس: وهو من قبيلة مكناسة البربرية (على أنّهم نسبوا أنفسهم إلى قبيلة تجيب العربية) وتلقب بالمنصور وكانت وفاته سنة 437هـ فخلفه ابنه محمد، وتلقب بالمظفّر (وكان عالما فارسا شجاعا).
وفي مدة المظفّر استولى فرناندو بن سانشو ملك قشتالة وليون على عدد من المدن المهمة من الأراضي التي تحت نظر بني الأفطس مثل مدينة مليقة (لاميجو) وبازو وهما في شمال البرتغال واستولى على مدينة قلمريّة سنة 456هـ وارتكب الفظائع في حق أهلها.
وتوفي المظفر سنة 461هـ وخلفه ابنه يحيى الملقب بالمنصور، ولكنه توفي فجأة سنة 464هـ، وحكم أخوه عمر الذي كان ينافسه وتلقّب بالمتوكل ووزر له ابن عبدون الأديب الشاعر المشهور.
وفي هذه المدّة كان يحكم طليطلة بنو ذي النّون الذين أضاعوا مدينة طليطلة سنة 478هـ استولى عليها ألفونسو السادس ملك قشتالة. واشتهر في بني ذي النون المأمون (توفي 467هـ) وخلفه حفيده يحيى القادر، وكان ضعيفا متهاونا. وفي أيّامه سقطت طليطلة في يد ألفونسو السّادس حليفه القديم!
وكان في قرطبة بنو جهور استمروا من سقوط دولة بني أمية إلى أن داهمهم المعتمد ابن عبّاد فضمّ مملكتهم إلى مملكته الواسعة سنة (422هـ 463هـ).(1/16)
وكانت إشبيلية عاصمة لدولة بني عبّاد أكبر دويلات الأندلس في مدّة الطوائف، وكان أمراؤها يسعون إلى ضم الأندلس تحت رايتهم بوسائل مختلفة أهمها القوّة والحرب من جهة والمكايد من جهة أخرى.
وكانت مدينة (السّهلة) (1) ومنطقتها في يد بني رزين: حكمها هذيل بن عبد الملك (سنة 436403هـ) ثم ابنه أبو مروان عبد الملك (سنة 436 496هـ) ثم يحيى بن عبد الملك وأنهى المرابطون دولتهم سنة 497هـ.
وكانت سرقسطة في يد بني هود الذين واجهوا مملكة أراجون وأمراء برشلونة.
وغرناطة في يد بني زيري (من البربر) وكان أكثر دويلات جنوبي الأندلس إمارات تحت نظرهم.
أمّا شرق الأندلس فكان تحت نظر الفتيان الصّقالبة وخلفائهم ثم آلت مدينة المرية إلى بني صمادح التّجيبيّين وتولى أمر المرية ومنطقتها أبو الأحوص معن بن صمادح وتلقّب بالمعتصم (سنة 484433هـ). وضبط بنو طاهر مدينة مرسية.
وحكم مجاهد العامري: دانية والجزائر الشرقية (الباليار) توفي سنة 436هـ، وخلفه ابنه عليّ وتلقب بإقبال الدّولة، ثم استولى المقتدر بن هود صاحب سرقسطة على دانية سنة 468هـ، وانتهت الدولة المجاهدية.
وحكم بلنسية في أول الفتنة مبارك والمظفّر من موالي العامريّين. ثم قدّموا عبد العزيز بن عبد الرحمن المنصور العامريّ (حكم من سنة 452413هـ) وخلفه ولده عبد الملك (تلقّب بنظام الدولة، وبالمظفر)، ولكن المأمون بن ذي النون ضمّ بلنسية إليه سنة 457هـ وعهد بتدبيرها إلى أبي بكر محمد بن عبد العزيز الّذي أعلن استقلاله في سنة 467هـ في ظرف موات. وأصهر سنة 477هـ إلى المؤتمن من بني هود
__________
(1) ويقال فيها شنتمرية الشرق تمييزا لها عن شنتمرية الغرب: (وهي اليوم سانتا ماريّا).(1/17)
فزوج ابنته من ابنه المستعين بن المؤتمن. وتوفي أبو بكر سنة 478هـ وخلفه ابنه أبو عمر وعثمان بن أبي بكر. ولكن القادر بن ذي النون لم يلبث أن دخل بلنسية مؤيدا من الفونسو حليفه القشتالي! على أنّ ابن جحّاف القاضي البلنسي تولى الأمر في المدينة سنة 485هـ وقتل القادر لخيانته البلاد وتآمره مع النصارى. واحتل السّيد القمبيطور (الكمبيادور) وهو مغامر أفّاق قشتالي سفّاك للدّماء سنة 478هـ.
واسترجع المرابطون المدينة وما احتلّه ذلك المغامر سنة 495هـ.
وكان المرابطون قد دخلوا الأندلس سنة 479هـ منجدين البلاد والعباد، وكان نصر الزلاقة الشهير ضد قوات ألفونسو وتحالف الدول الشمالية والقوّات الأوربية التي أنجدتهم في الحرب الصليبية الطويلة التي التفتت إلى الغرب الإسلامي كما التفتت إلى الشرق الإسلامي أيضا.
ابن السّيد وأسرته وشيوخه وأحواله
مؤلّف الكتاب هو أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن السّيد البطليوسيّ، واشتهر بلقب النّحوي. ونعرف من أسرته أخاه أبا الحسن عليّ بن محمد، وكان أسنّ من أبي محمّد، ويعدّ أحد أساتذته، ولعلّه كان معلمه الأوّل وراعيه، وموجّهه وفي ترجمته أنه كان مقدّما في علم اللغة، وحفظها، والضبط لها «وأخذ عنه أخوه أبو محمد كثيرا من كتب الأدب وغيرها». وكان أبو الحسن قد وقع في قبضة ابن عكاشة والي قلعة رباح وبقي في اعتقاله حتى توفي قريبا من سنة 480هـ.
ولد أبو محمد في مدينة بطليوس سنة 444هـ (1) في هذه المدة القلقة من
__________
(1) أصل أسرته من شلب في غرب الأندلس وأبوه هو الذي انتقل إلى بطليوس، وليس له ذكر في كتب التراجم أو في أخبار ابن السّيد ولده غير أن عنايته بأولاده وعرفنا منهم اثنين وتخريجهم في فنون العلم يدلّ على التفات منه إلى الثقافة واهتمام بها، وتوجيه لأولاده إليها.
وكأنّ عدم امتداد جذور أبي محمد بن السّيد في بطليوس هو الذي هوّن عليه الاغتراب عنها نهائيا بالإضافة إلى عوامل أخر(1/18)
الناحية التاريخية والسّياسية والعسكريّة والاجتماعيّة. وقضى طفولته وفتوّته في هذه المدينة. وكانت بطليوس وناحيتها تحت نظر بني الأفطس كما ذكرت. وكان الحاكم وقتها المظفر محمد بن عبد الله بن الأفطس (حكم سنة 461437هـ) وفي زمانه سقطت مدينة مليقة (لاميجو: 449) ومدينة قلمرية (سنة 456هـ) ونكب أهلها نكبة مروّعة على يد فرناندو، وحاكمها سسند و (يسمّيه العرب ششند) وكان مستعربا (من نصارى الأندلس) خدم القشتاليين وأسرف في التنكيل والقتل والتشريد والسبي (راجع مثلا: عصر الطوائف لمحمد عبد الله عنان: 84 86) ثم حكم المنصور (سنة 464461هـ) ثم عمر الملقب بالمتوكل (سنة 464 487هـ). (راجع هذه التواريخ للمقارنة في معجم زامباور 1: 89).
وسقطت طليطلة سنة 478هـ وابن السّيد البطليوسيّ في نحو الرابعة والثلاثين من عمره وكان نصر الزلّاقة سنة 479هـ وهو ابن خمس وثلاثين سنة.
فهو إذن شهد مدّة دول الطوائف في عزّ اصطراعها: وكانت دولة بني الأفطس مهاجمة حينا ومهاجمة حينا آخر وكانت مطامحهم ومطامعهم لا تتجاوز أن ينال أحدهم من أراضي صاحبه ومناطق نفوذه: يتشدّد بعضهم على بعض ويتخذون جميعا أمام ملوك قشتالة وغيرها من الدول المعادية المحاربة.
ولا شكّ في أن هذه الظروف القاسية كانت في جملة الحوافز التي حفزت ابن السيد على مغادرة بطليوس إلى أكثر من مدينة وبلد: ونقرأ في شعره قوله من قصيدة:
فسرنا وما نلوي على متعذّر ... إذا وطن أقصاك آوتك أوطان!
على أنّ «ملوك» الطوائف وأمراءهم ومتغلّبيهم، وإن اتّسم كثير منهم بالجهل أو البعد عن الثقافة: قرّبوا العلماء والأدباء: إمّا معرفة بحقوقهم ومكانتهم، وإمّا مباهاة ورغبة في استكمال هالة السلطة والإدارة. على أن
تقريب العلماء والأدباء والشعراء لم يكن حكما عاما دائما، ولكنه غالب.(1/19)
فسرنا وما نلوي على متعذّر ... إذا وطن أقصاك آوتك أوطان!
على أنّ «ملوك» الطوائف وأمراءهم ومتغلّبيهم، وإن اتّسم كثير منهم بالجهل أو البعد عن الثقافة: قرّبوا العلماء والأدباء: إمّا معرفة بحقوقهم ومكانتهم، وإمّا مباهاة ورغبة في استكمال هالة السلطة والإدارة. على أن
تقريب العلماء والأدباء والشعراء لم يكن حكما عاما دائما، ولكنه غالب.
ويختلف معنى (التقريب) أو (العناية) بين مكان وآخر، وحاكم وآخر من حكام ذلك الزّمان.
* وفي شيوخه من أهل بطليوس: أبو بكر عاصم بن أيّوب البطليوسي أحد أئمة اللغة والأدب روى علما غزيرا، وألف كتبا نافعة وصل إلينا بعضها وهو ممن عني بشرح الأشعار الستّة. وهو توفي سنة 494هـ.
وفيهم: أبو الحسن علي بن أحمد بن حمدون المعروف بابن اللّطينة، وكان من القراء المشهورين، وكانت وفاته سنة 466هـ في بطليوس.
وفي شيوخه أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي الدّارمي التّميمي، وهو مشرقيّ دخل المغرب والأندلس، وتوفي في طليطلة سنة 505هـ. وكان أبو الفضل لقي أبا العلاء المعري وروى عنه ونقل معه كتبه، وكان من أهل الأدب والعلم.
وفيهم أبو القاسم عبد الدائم بن مرزوق بن خير القيرواني من أئمة اللغة والنحو والأدب وكانت له عناية بكتب أبي العلاء المعرّي، وكانت وفاته بطليطلة سنة 472هـ.
وفيهم أبو الحسين بن محمد بن أحمد الغسّاني الجيّاني من العلماء الأدباء، وأحد علماء الحديث، (توفّي سنة 498هـ).
ولا شكّ في تلقيه عن غير هؤلاء، وروايته عن عدد كبير من رجال عصره.
ومعلوم أن القرن الخامس الهجري كان عصر ازدهار فكري وحضاري، وزمان قطف ثمرات طيبة من زرع الحضارة الأندلسيّة أيام الدولة الأمويّة. وأفاد ابن السّيد أيضا من التّراث الأندلسي الغزير في الفنون المختلفة إضافة إلى التراث المشرقي الذي استمرّت العناية بروايته جيلا بعد جيل.(1/20)
وحفظت كتب التراجم أسماء عدد من تلاميذته النّابهين الذين نبغوا في اللغة والنحو والأدب والشعر وغير ذلك.
* وأدّى تنقّل ابن السّيد في بلدان الأندلس إلى وفرة أصحابه وأصدقائه وكثرة تلامذته، وخصوصا في المرحلة الأخيرة من حياته حين انقطع إلى العلم والتعليم. وتدل أخباره الباقية وصلاته برجال عصره من ذوي الشأن السياسي ومن العلماء أنه أقام مددا مختلفة في عدد من عواصم الأندلس آنذاك: قرطبة والسهلة وبلنسية وطليطلة وبطليوس وسرقسطة وغيرها. ولقي فيها الشيوخ في عملية مستمرّة للرواية، وبثّ العلم، وتثبيت الصّلات مع طبقة الكتّاب والوزراء ومن في منزلتهم. وله مقارضات شعرية مع كبار رجال زمانه كابن خفاجة وابن العريف وابن لبون وابن أبي الخصال.
بعد مرحلة الطفولة والفتوة، وفيها الدّرس والطلب ولقاء الشيوخ للتعلم والحفظ والرّواية استوى ابن السيد على عوده، واشتهر بين شباب عصره واجتذبه ما اجتذب غيره من قصور الحكام ودواوينهم ولخّص ابن خاقان هذه المرحلة من حياته بقوله: «خدم الرّئاسات وعلم طرق السّياسات، ونفق وكسد، ووقف وتوسّد».
ونعرف له صلة ببني ذي النون أصحاب طليطلة، ولقاء بالقادر بن ذي النون (حكم في طليطلة سنة 478467هـ، ثم انتقل إلى بلنسية سنة 483478هـ)، وله قصيدة في أزهار الرياض (3: 107) ذكر فيها مجلس الناعورة من قصر القادر، وفيها: [من المنسرح]
يا منظرا إن رمقت بهجته ... أذكرني حسن جنّة الخلد
وصلة بابن رزين صاحب السّهلة (وهي شنتمرية الشرق). والمقصود بابن رزين هو أبو محمد هذيل بن عبد الملك، ولقبه عزّ الدولة. واستمرّ في الحكم
من سنة 496436هـ أي نحو ستين عاما كما يفهم من الحلة السّيراء لابن الأبّار.(1/21)
يا منظرا إن رمقت بهجته ... أذكرني حسن جنّة الخلد
وصلة بابن رزين صاحب السّهلة (وهي شنتمرية الشرق). والمقصود بابن رزين هو أبو محمد هذيل بن عبد الملك، ولقبه عزّ الدولة. واستمرّ في الحكم
من سنة 496436هـ أي نحو ستين عاما كما يفهم من الحلة السّيراء لابن الأبّار.
وكان ابن رزين هذا ينظم الشعر، ولكن ابن رزين الذي أحسن استقباله نقم عليه، واستعطفه ابن السّيد عسى أن يعود إلى رضاه، ويبدو أنّ ابن السيد يئس من صفاء الحال معه، فغادر إلى سرقسطة.
واتصل بالمستعين بن هود صاحب سرقسطة وهو المستعين الثاني منهم، واسمه أحمد بن يوسف (حكم سنة 503478هـ) ويعرف أيضا بالمستعين الأصغر.
ووصفت دولة بني هود بأنها كانت مركز حركة علمية وأدبيّة زاهرة، وأنهم كانوا من حماة العلوم والآداب «وقد اشتهرت سرقسطة في هذا العصر بنوع خاص بالدراسات الفلسفية والرياضية، وكان من أعلام أبنائها في هذا العصر فيلسوف من أعظم فلاسفة الإسلام وعلمائه هو أبو بكر بن محمد بن الصائغ المعروف بابن باجّة» كما في عصر الطوائف: 283.
واتصل ببني عبد العزيز أصحاب بلنسية.
وبعد تطوافه في بلدان الأندلس، عاملا في دواوين بعض أمراء الطوائف أو في رعايتهم التي تعلو وتهبط، وترتفع وتنخفض وتسلس القياد وتصعب، وتكون حسنة حينا وخطيرة وعرة إلى درجة خطر الموت استقر في مدينة بلنسية يؤلف ويدرّس ويلتقي بأهل العلم وينشر مؤلّفاته، ويرويها عنه تلامذته وأصحابه.
وكانت وفاته سنة 521هـ وقد استقر حال بلنسية في ظل حكم المرابطين.
مؤلّفاته
تناولت تآليف ابن السّيد أغراضا شتّى من اللغة والنحو والفقه والأصول والأدب والفلسفة والتاريخ، وله رسائل وأشعار.(1/22)
ووصل إلينا قدر صالح من مؤلفاته، وطبع أكثرها.
فمن كتبه الباقية: الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب، طبع في مجلد واحد سنة 1901م في بيروت، ثم طبع في القاهرة في ثلاثة أجزاء.
والحلل في شرح أبيات الجمل، شرح فيه شواهد جمل الزّجّاجي (وهو أبو القاسم الزجاجي: ت 339) وكتابه الجمل مشهور، كان له تداول كبير في الأندلس، واعتنى به عدد من علماء الأندلس شرحا وتعليقا وتنبيها. وطبع الكتاب في مصر (القاهرة 1979م).
وإصلاح الخلل الواقع في شرح الجمل، وطبع في بغداد سنة 1980م بعنوان: كتاب الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل.
وكان كتاب الجمل كتابا مقرّرا يدرسه الطلبة قبل الاستبحار في دراسة النحو والتوسع فيه. وهو كتاب مختصر في النّحو. ووجد ابن السّيد ملاحظات مختلفات قال في المقدّمة: «وليس غرضي أن أستوفي ما لم يذكره من أنواع هذا العلم وأقسامه، وإنما غرضي أن أنبّه على أغلاطه والمختلّ من كلامه فإنه أصّل أصولا لا تصحّ مع الاعتبار، واختار في أشياء ما ليس بالمختار، وربّما تناقض كلامه من حيث لا يشعر، وخفي عليه منه ما يبدو لغيره ويظهر».
والفرق بين الحروف الخمسة، طبع أوّل مرة في القاهرة 1982م طبعة سقيمة جدّا، ثم طبع ع ثانية في دمشق 1404هـ 1984م.
والمثلّث، كنت حقّقته مع د. هـ. حمودي يوم كنت في وهران بالجزائر، وبقي عنده زمانا على ذمّة النشر. ثم نشر في بغداد، في جزءين، تسبقه دراسة فيها طول ويبدو أن محقّقه نال به درجة جامعية (1401هـ 1981م) وأجرى عليه د. حمودي مراجعة مطوّلة كما أخبرني ولعلّه نشرها.(1/23)
والانتصار ممّن عدل عن الاستبصار، ردّ فيه على اعتراضات أبي بكر بن العربيّ. وطبع في القاهرة سنة 1955م في سفر صغير.
والإنصاف في التّنبيه على الأسباب الّتي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم، طبع في القاهرة سنة 1319هـ بعناية الشيخ عمر المحمصاني. ثم حقّقته وطبع في دار الفكر (انظر منه الطبعة الثّالثة الصادرة سنة 1987م).
والحدائق، وهو هذا الكتاب الذي ننشره.
وشرح سقط الزّند، طبع طبعة قديمة، الأولى بتبريز كما ذكر بروكلمان سنة 1276هـ. والثانية في القاهرة سنة 1940م وضمّ إلى شرحه شرحان آخران:
للخوارزمي والتبريزي.
وشرح على قصائد من لزوميّات أبي العلاء، طبعت في مصر في جزءين بعنوان: شرح المختار من لزوميات أبي العلاء سنة 1970م، ثم 1984م.
ورسالة الاسم والمسمّى، وهي من رسائله (المسائل والأجوبة) طبعت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 47، الجزء الثاني ص 343330.
ونشر قطعا من المسائل والأجوبة الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه:
نصوص ودراسات عربية وإفريقية في اللغة والتاريخ والأدب ص 189140، قال المحقق الفاضل ص 141: «وهو الكتاب الذي نعنى بنشر مختارات منه في هذا المجموع».
* وفي بعض المكتبات العامّة بعض رسائله وآثاره المخطوطة مما ينتظر التحقيق والطباعة، أمّا كتبه المفقودة فكثيرة، وهي تدور في الفلك الذي ذكرناه، وهو فلك واسع.(1/24)
كتاب (الحدائق) نشر كتاب (الحدائق) أول مرّة المستشرق الإسبانيّ آسين بلاثيوس مع ترجمة إسبانية للكتاب (1)، وأصدره في عدد من مجلة (الأندلس) سنة 1940م.
ونوّه آنخل جنثالث بالنثيا في كتابه: تاريخ الفكر الأندلسي، (ترجمة الدكتور حسين مؤنس، ص 335334) بصنيع بلاثيوس، ونقل عنه قوله:
«إن كتاب الحدائق لا يمكن اعتباره مجرّد كتاب سهل الاستعمال يعين جمهور غير المتخصّصين في الفلسفة على معرفة المبادئ الفلسفيّة بل له بفضل طابعه السّهل المبسّط أهميّة أخرى وهي أنّه يعرض علينا صورة صادقة إلى حدّ كبير للحالة التي كانت عليها المعارف الفلسفيّة في إسبانية الإسلامية في الفترة التي ألّف فيها. فقد كتب في الوقت نفسه الذي كان ابن باجّة (2) يؤلّف فيه كتبه، وقبل أن يفكّر ابن طفيل، وابن رشد في شرح مؤلفات فيلسوف اسطاغاريا (أي أرسطو).
وممّا يزيد في أهمّيته أن ابن السّيد يورد فقرات بنصّها من محاورة تيماوس (طيماوس) لأفلاطون وهذه الفقرات التي يوردها ابن السّيد من تلك المحاورة لا تتّفق مع نصّها اليوناني المعروف، ممّا يثير مشكلات متعدّدة تتعلق بالمراجع الخاصّة بدراسة أفلاطون، وهي مشكلات جديرة بأن يناقشها المتخصّصون في
__________
(1) تفضل الدكتور سيمون حايك بترجمة مقدمة المحقق ووصلت متأخرة فجعلناها ملحقا (انظر ص 152141)
(2) ابن باجّة: أبو بكر محمد بن يحيى الصّائغ (الملقب بابن باجّة) المتوفّى 533هـ. أحد فلاسفة الأندلس، أديب، شاعر، موسيقيّ، طبيب، رياضي، من علماء الطبيعة. قال فيه الدكتور فرّوخ (تاريخ الفكر العربي): «أول الفلاسفة العقليين على الحصر، أخذ بالفلسفة منفصلة عن الدين ومعزولة عن العامّة ثم أقامها على أساس من الرياضيات والطبيعيات وهو أشبه بالفارابي من الإسلاميّين، وبأرسطو من القدماء».
واشتهر له كتابه: تدبير المتوحّد.(1/25)
الفلسفة وفوق ذلك كلّه فإنّ كتاب الحدائق يعتبر أوّل محاولة للتوفيق بين الشريعة الإسلامية والفكر اليونانيّ».
وفي سنة 1365هـ الموافق 1946م صدر (كتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة) في القاهرة في سلسلة «كتب نادرة» التي كان يصدرها السيد عزّة العطار الحسيني رحمه الله، وكان له ولع بنشر التراث الأندلسي.
وأوكل مهمة مراجعة الكتاب والنّظر فيه والتّقديم له ومقابلة المطبوع بالمخطوط (1)
إلى (صاحب الفضيلة الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري: وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقا).
وصدر في نحو سبعين صفحة من القطع الصّغير.
ونقلنا في مقدّمات طبعتنا للكتاب ما كتبه الشيخ الكوثري رحمه الله وأجزل ثوابه.
ولم تخل الطبعتان من أخطاء، مرجعها في الأغلب إلى أمرين:
طبيعة النسخ التي اعتمد عليها المحققان الفاضلان.
وكثرة أخطاء الطباعة.
وتبيّن لي من مقابلة مخطوطتنا بالنّسختين المطبوعة سقوط سطور أو كلمات، من بعض الأصول فكان للمقابلة فائدة تقديم نصّ حسن جدّا.
والنسخة المخطوطة التي اعتمدنا عليها مدرجة في رسائل ابن السّيد المعروفة بالمسائل والأجوبة. وتقع في ثمان وثلاثين صفحة:
__________
(1) جاء في خاتمة طبعة القاهرة ما نصه: «وهنا يجدر بنا أن نتقدم بجزيل الشكر لحضرة الأخ الأستاذ محمد نجيب أمين الخانجي صاحب المكتبة المشهورة لتكرّمه علينا بنسخة خطّية من هذا الكتاب راجعنا عليه نسختنا الأصلية». انتهى.(1/26)
تبدأ بالبسملة واسم المؤلف: «قال الفقيه الأستاذ أبو محمد عبد الله بن محمد بن السّيد البطليوسي رحمه الله: سألتني أبان الله لك الخفيّات» إلخ الرسالة. فلما انتهت الرسالة قال بالقلم نفسه الذي كتبت به: «كملت المسائل الفلسفية والحمد لله كثيرا».
وفي الورقة 25سطرا في المتوسط، في السطر نحو 12كلمة. وكتبت النسخة بخطّ أندلسي جيّد مضبوط بالشّكل. وميّز الناسخ العناوين بخط كبير وقلم غليظ.
والنسخة على جهة العموم حسنة الضبط والشّكل. وندّ عن الكاتب (الناسخ) أمران:
أحدهما: أنه قد يسقط سطرا بنقلة عين.
والثاني: أنه ربّما سها عن حرف بحرف أو شكل بشكل على أن هذا الأمر الثاني قليل جدّا، بل هو نادر، ولكنّ الأمانة اقتضت التنبيه عليه. على أن إسقاط بعض السّطور كان سيشوّه الرسالة لو لم نستدركها من المطبوع.
وجعلت النسخة المخطوطة أصلا. وقابلت النّصين المطبوعين عليها.
ورمزت لما اتفقا عليه برمز (ط) فإذا ما اختلف شيء ذو بال بينهما بيّنت طبعة بالاثيوس من طبعة مصر.
والخلاف بين مطبوعة مجلة الأندلس وطبعة القاهرة يسير جدّا، يرتد أكثره إلى الأخطاء المطبعية أو إلى ما تنبّه إليه الشيخ الكوثري فأصلحه من مخطوطة الخانجي أو بما هو لازم من قراءة النص وسياقه.
ولم أخرج عمّا في النّسخة المخطوطة إلا في حالتين:
1 - إرجاع السّطور الضائعة إلى مواضعها، نقلا عن المخطوط.(1/27)
2 - عند التّصحيف الظّاهر والخطأ البيّن الذي تصلحه النسختان المطبوعتان. ونبّهت إلى ما صنعت في مواضعه. وجعلت المعقوفتين [] دلالة على ما نقلته من المطبوع (ط) إلى المخطوط (خ)، سواء نبّهت على ذلك أم اكتفيت بالمعقوفتين رمزا على النقل والاستدراك من المطبوع.
وأمّا ما سقط من المطبوع وهو كثير وورد في الأصل المخطوط فأشرت إليه باستعمال رقم بين قوسين () أذكره في أول الكلام الضائع من (ط) ثم أذكره نفسه ثانية في آخر الكلام.
ورقّمت المواضع التي تحتاج إلى حواش بأرقام متسلسلة تبدأ مع أوّل الباب وتنتهي في آخره.
فإذا بدأ الباب التالي بدأت بالترقيم من الرقم الأوّل (الواحد) ومضيت بأرقام متسلسلة حتى ينتهي الباب، ويأتي باب آخر، فنبدأ ثالثة وهكذا.
وصنعت للكتاب فهارس فنية تساعد القارئ الكريم على استخراج ما يطلبه من موادّ الكتاب، وتيسّر له الاستفادة ممّا فيه.
والحمد لله ربّ العالمين
الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السّيد البطليوسي الأندلسي 521444هـ(1/28)
الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السّيد البطليوسي الأندلسي 521444هـ(1/31)
تقديم المؤلّف للكتاب(1/32)
تقديم المؤلّف للكتاب
بسم الله الرّحمن الرّحيم وهو حسبي قال عبد الله بن محمّد بن السّيد البطليوسيّ (1)، رحمة الله عليه:
سألتني أبان الله لك الخفيّات، وعصمك من الشّبهات، وأمدّك بنور من العقل يجلو عن عين بصيرتك (2) ظلم الجهل، حتّى ترى بعين لبّك مراتب المعقولات، كما رأيت بعين جسمك مراتب المحسوسات عن معنى قول الحكماء: إنّ ترتيب الموجودات عن السّبب الأوّل يحكي دائرة وهميّة، تبدأ من نقطة، وترجع إليها، ومرجعها في صورة الإنسان.
وعن قولهم: إنّ الإنسان تبلغ ذاته بعد مماته إلى حيث يبلغ علمه في حياته، وإنّ علمه يحكي أيضا دائرة وهميّة.
وعن قولهم: إنّ في قوّة العقل الجزئيّ أن يتصوّر بصورة العقل الكلّي.
وعن قولهم: إنّ العدد دائرة وهميّة كدائرة الآحاد والعشرات، ودائرة المئات، ودائرة الألوف.
__________
(1) انظر ترجمته، ومصادرها في ذيل مقدّمة التّحقيق.
(2) في ط: يجلو عن بصيرتك ظلمة(1/33)
وعن قولهم: إنّ صفات الباري تعالى لا يصحّ أن يوصف بها إلّا عن طريق السّلب.
وعن قولهم: إنّ البارئ تعالى لا يعرف إلّا نفسه.
وما البرهان على بقاء النّفس النّاطقة بعد الموت؟
وهذه أعزّك الله مطالب ضيّقة المسالك، وكثيرا ما تقضي بسالكها إلى المهالك! وسأقول فيها بما انتهى إليه علمي، وأحاط به فهمي.
وبالله أعتصم من الخطأ والزّلل، وإيّاه أسأل التّوفيق إلى الصّواب من القول والعمل، [لا ربّ غيره] (1).
__________
(1) العبارة من: ط.(1/34)
الباب الأوّل في شرح قولهم: إنّ ترتيب الموجودات عن السّبب الأوّل يحكي دائرة وهميّة مرجعها إلى مبدئها في صورة الإنسان
أقول (1) وبالله أعتصم مخبرا عن أغراضهم ومقاصدهم وإن كنت استعملت على جهة التّقريب ألفاظا غير ألفاظهم: إنّ البارئ تعالى وهو (2) الّذي يسمّونه السّبب الأوّل، والعلّة الأولى، وعلّة العلل لمّا كان هو الّذي أفاض الموجودات وأعطى كلّ موجود منها قسطه من الوجود، ولم يجز في الحكمة أن تكون كلّها في مرتبة واحدة، صار بعضها أرفع من بعض، وبعضها أحطّ من بعض وصار وجود أقربها مرتبة منه وساطة (3) لوجود [2] [أبعدها، فلا يوجد أبعدها منه إلّا بوجود أقربها منه وتوسّطه] (4).
ولست أريد بذكر القرب والبعد إثبات مكان، لأنّ البارئ
__________
(1) في ط: فأقول.
(2) في (ط مصر): فهو.
(3) في المطبوع: علّة.
(4) ما بين معقوفتين من (ط) فقط.(1/35)
عزّ وجلّ (5) لا يوصف بالمكان ولا بالزّمان (6) وكذلك كلّ معقول لا مادّة له. وإنّما أريد بذكر القرب والبعد مراتبها في الوجود.
وأقرب ما يمثّل به وجود الموجودات عنه تعالى وجود الأعداد عن الواحد وإن كان البارئ تعالى لا يجوز أن يشبّه بشيء. وكذلك صفاته وأفعاله ولكنّه على جهة التّقريب. فكما أنّ الثّلاثة لا توجد عن الواحد إلا بتوسّط وجود الاثنين، كذلك (7) الأربعة لا توجد إلّا بتوسّط وجود الثّلاثة (8) والاثنين، ولا توجد الخمسة إلا بتوسّط وجود الأربعة والثّلاثة والاثنين، وكذلك سائر الأعداد.
ولهذا صار وجود كلّ واحد علّة لوجود ما بعده مع كون الواحد علّة لوجود جميعها إذ كان لا يصحّ وجود الأبعد إلّا بوساطة وجود (9)
الأقرب. فكذلك (10) يمثّل بالتّقريب وجود الموجودات عن البارئ تعالى لا على الحقيقة.
ومعلوم أنّ الشّيء لا يشبّه بغيره من جميع جهاته، إنّما يشبّه به في بعض معانيه وصفاته. فلمّا كان وجود الموجودات عنه تعالى على هذه
__________
(5) في (ط): لأن البارئ تعالى.
(6) قوله: «ولا بالزمان» سقط من (ط).
(7) في (ط): «وكذلك». والوجه هنا حذف الواو.
(8) بالاثيوس: «وجود ثلاثة والاثنين» وهو سهو.
(9) في ط: الا بوجود الأقرب.
(10) في ط: وكذلك.(1/36)
الصّفة كان كمال كلّ موجود على قدر مرتبته منه في الوجود: [فكان أكملها وجودا وأقلّها نقصا الموجود الّذي هو في مرتبة الاثنين تمثيلا وتقريبا لما قدّمناه من العدد في ذلك] (11). ثمّ الثّالث أنقص من الثّاني، ثم الرّابع أنقص من الثّالث، وهكذا لم تزل الموجودات تنقص مرتبة مرتبة (12) على قدر بعدها من المرتبة الأولى حتّى انتهت إلى أنقصها مرتبة الّذي لا أنقص منه إذ كانت مراتب الموجودات متناهية، وكان إثبات ما لا نهاية له بالفعل من المحال، وإنّما يصحّ إثباته بالقوّة والإمكان، ثمّ تنعكس الموجودات متصاعدة من أدناها مرتبة إلى أعلاها، إلى أن تنتهي إلى أكمل المراتب الّتي جعل (13) لها بالطّبع أن تبلغها وتسلك في تصاعدها المسلك الّذي سلكته في تسافلها أعني أنّها لا تصعد إلى المرتبة الثّانية إلّا بعد الأولى، ولا الرّابعة إلّا بعد الثّالثة.
وبيان ذلك أنّ البارئ تعالى له المرتبة الأولى من الوجود، وهو متوحّد بوجوده لا يشركه في وجوده شيء، كما لا يشركه [3] في شيء من صفاته (14).
__________
(11) أثبتّ هنا ما في (ط). وها هو ذا نصّ النسخة (خ): «فكان أكملها وجودا أقلّها نقصا في الوجود فكان أكملها في مرتبة الاثنين تمثيلا وتقريبا كما قدّمنا من العدد في ذلك».
والذي في مطبوعة القاهرة هنا: «تمثيلا وتقريبا لما قدّمناه من العذر في ذلك».
(12) في ط: تنقص مرتبة على.
(13) في ط: حصلت.
(14) في ط: كما لا يشركه شيء في صفاته.(1/37)
وأوّل موجود أوجده وأبدعه تعالى: الموجودات الّتي يسمّونها الثّواني، ويسمّونها العقول المجرّدة عن المادّة، وهي تسعة على عدد الآحاد التّسعة ترتّبت في الوجود عنه كمراتب الأعداد: أوّل، وثان، وثالث إلى التّاسع الّذي هو نهايتها، كما صار التّاسع من العدد نهاية الآحاد.
وأوّل هذه الثّواني بالنسبة (15) إلى الله تعالى في مرتبة الاثنين على وجه (16) التقريب [وبالنّسبة إلى الموجودات المبدعات في مرتبة الواحد، لأنّ البارئ تعالى بائن عن الموجودات] (17)، غير موصوف بشيء من صفاتها وكلّ واحد من هذه التّسعة موجود عن البارئ تعالى بتوسّط وجود كلّ واحد من هذه التّسعة.
[ثمّ تلي مرتبة هذه الثّواني التّسعة] (18) في الوجود مرتبة العقل الموكّل بعالم العناصر وهو الّذي يسمّونه العقل الفعّال وهو يوافق الموجودات الثّواني التّسعة في أنّه عقل مجرّد من المادّة (19) مثلها، وإنّما فصلوه منها وجعلوه لها (20) مرتبة عاشرة على حدة لوجهين:
__________
(15) في ط: وأوّل النّسبة إلى الله تعالى.
(16) في ط: على جهة التّقريب.
(17) هذا السّطر من: ط مستدرك على خ.
(18) سقط الكلام من: خ.
(19) في خ: مجرّد عن المادّة.
(20) في ط: وجعلوا له مرتبة.(1/38)
أحدهما: أنّ الثّواني التّسعة موكّلة بالأفلاك التّسعة والعقل الفعّال موكّل بعالم العناصر.
والوجه الثّاني: أنّ هذا العقل الفعّال تسري قوّته في الأجرام النّاطقة الّتي دون فلك القمر، كما يسري نور الشّمس وعنه يحصل النّطق في كلّ مكوّن، مستعدّ لقبول القوّة النّاطقة. وكلّ ما تجوهر من الموجودات الطّبيعيّة فهو به ملحق (21). وهذا المعنى ليس بموجود في الثّواني.
وذكروا أنّ فيض العقول المجرّدة انقطع عند العقل الفعّال فليس بعد مرتبته إلّا مرتبة النّفس النّاطقة وإنّما وجب أن ينقطع فيض العقول المجرّدة عنده لأنّه اجتمعت فيه قوى العقول التّسعة كلّها، فصار مبدأ لما دونه من الموجودات كما اجتمعت قوى الآحاد التّسعة من العدد في العشرة، فصارت بذلك مبدأ لما عداها من العشرات.
ولذلك جعلوا هذا العقل المجرّد عن المادّة في مرتبة العشرة [من العدد] (22). ألا ترى أنّ العشرة في مرتبة الواحد، والعشرين في مرتبة الاثنين، والثّلاثين في مرتبة الثّلاثة حتّى تصير التّسعون في مرتبة التّسعة، فينتهي وجود العشرات في التّسعين، وتصير المائة في مرتبة الواحد.
__________
(21) في ط: فبمرتبة يلحق.
(22) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.(1/39)
وسنزيد هذا بيانا عند ذكرنا دوائر العدد الوهميّة إن شاء الله تعالى.
[4] ثم تلي مرتبة العقل الفعّال في الوجود مرتبة النّفس، وهي موافقة للعقول المجرّدة من المادّة (23) في أنّها ليست بجسم، كما أنّ تلك ليست أجساما وهي مخالفة لها في أنّها توجد مع الجسم وتقترن به (24)، فأكسبها ذلك كدرا وظلمة ولذلك صارت نفس الإنسان تجهل ذاتها، ولا تراها حتّى تستضيء بنور العقل.
وهي في ذلك بمنزلة رجل حصل في ظلمة، فهو لا يرى جسمه ولا غيره، فإذا أضاء له الجوّ، وسرى في عينيه نور الشّمس رأى حينئذ جسده وما حوله من الجسمان كذلك النّفس تمنعها ظلمة الجهل من رؤية ذاتها، ورؤية الصّور العقليّة المجرّدة. فإذا أفاض العقل نوره رأت ذاتها وغيرها من المعقولات.
ولها مراتب كثيرة كما كان للعقول المجرّدة المذكورة مراتب. فمن الحكماء من رأى أنّ مراتبها اثنتا عشرة (25): تسع للأفلاك، وثلاث لما تحت فلك القمر وهي:
__________
(23) في ط: المجرّدة عن المادّة.
(24) في ط: وتقرن به.
(25) في ط: من رأى مراتبها اثنتي عشرة.(1/40)
النّفس النّباتيّة
والنّفس الحيوانيّة،
والنّفس الناطقة.
ومنهم من جعلها خمس عشرة مرتبة: تسع للأفلاك، وخمس لما تحت فلك القمر وهي:
النّفس النّباتيّة وهي أدناها مرتبة
وفوقها: النفس الحيوانيّة
وفوقها: النّفس النّاطقة
وفوقها: النّفس الفلسفيّة
وفوقها: النّفس النّبويّة.
فهذه (26) أربع عشرة مرتبة، والخامسة عشرة مرتبة النفس الكلّية.
ونحن نذكر خواصّ كلّ واحدة من هذه النّفوس وفصولها ليتبيّن (27) صحّة هذا التّقسيم إذا فرغنا من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ونرجع إلى ما كنّا فيه من مراتب الموجودات فنقول: إنّ الّذي يلي مرتبة النّفس (28) في الوجود مرتبة الصّورة، ثم يلي مرتبة الصّورة مرتبة
__________
(26) في ط: فهي أربع عشرة.
(27) في طق: لتتبيّن. وفي بلاثيوس: ليبيّن.
(28) قوله (النفس في) سقط من: ط.(1/41)
الجوهر الحامل للصّورة. [وإنّما جعلت مرتبة الصّورة قبل مرتبة الجوهر الحامل للصّورة] (29) بوجهين (30):
أحدهما: أنّا بدأنا (31) من أعلى مراتب الموجودات منحدرين إلى أدناها، فكانت الصّورة على هذا التّرتيب قبل الجوهر الحامل لها. ولو بدأنا من أدنى مراتب (32) الموجودات متصاعدين إلى أعلاها لكان الجوهر (33)
الحامل للصّورة قبل الصّورة في الرّتبة (34).
وهذا الجوهر (35) الحامل للصّورة صنفان:
أرفعهما الجوهر الّذي يحمل [صورة الأفلاك وما فيها، وأدناها الجوهر الّذي] (36) يحمل الصّورة الّتي تحت فلك القمر. وهذا [5] الجوهر (37) الحامل لصورة الموجودات الّتي دون فلك القمر يسمّونه الهيولى وإنّما فصل هذا الجوهر من الجوهر الحامل لصورة الأفلاك وما فيها من
__________
(29) سقط من: خ، واستدركناه من: ط.
(30) في ط: لوجهين.
(31) في ط: لأن ابتداءنا.
(32) كلمة (مراتب) سقطت من ط.
(33) في ط: الجوهر الذي هو الحامل.
(34) في ط: في المرتبة.
(35) في ط: ولهذا الجوهر.
(36) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.
(37) في ط: فهذا الجوهر.(1/42)
الكواكب، وإن كانا قد اتّفقا في أنّ كلّ واحد منهما جوهر حامل للصّور لأنّ صور الأفلاك (38) والكواكب ثابتة في موضوعاتها وهذا الجوهر الآخر صورة غير ثابتة، لأنّه يلبس الصّورة تارة ويخلعها تارة فهو مستحيل متغيّر بجملته. وذلك إنّما يتغيّر ويستحيل بالمكان وما فيه من اختلاف (39) النّسب.
وهذه الهيولى (40) عندهم أحطّ الموجودات وأنقصها مرتبة. ومنها [تبدأ] (41) الموجودات الطّبيعيّة بالتّرقي صاعدة نحو أعلى مراتبها بعكس حالها حين انحدرت إلى أدنى مراتبها. وإنّما يكون (42) ذلك لدوران (43)
الأفلاك حولها ولباسها للصّور الّتي كانت فيها بالقوّة، ثم تخرج بدوران (44) الأفلاك إلى الفعل كما شاء بارئها لا إله إلّا هو.
فأوّل صورة لبستها الهيولى صور (45) الأركان الأربعة الّتي هي:
__________
(38) في ط: حامل للصورة لأنّ صورة الأفلاك.
(39) في ط: من الاختلاف اختلاف النّسب.
(40) في بالاثيوس: وهذا الهيولى وصوّبها في: طبعة مصر.
(41) سقطت الكلمة من: خ.
(42) في ط: وإنّما كان ذلك وإلباسها للصورة.
(43) في خ: كدوران.
(44) في بالاثيوس: لدوران.
(45) في ط: صور الأركان.(1/43)
الأرض، والماء، والهواء، والنّار فكان (46) ذلك أوّل كمال لحقها. ثم لبست صور المعادن بوساطة (47) صور الأركان، ثم صور (48) النّبات بوساطة صور المعادن وصور الأركان ثم صور الحيوان غير النّاطق بوساطة صور النّبات، وصور المعادن وصور الأركان ثم صورة الإنسان الّذي هو حيوان ناطق بتوسّط صور الحيوان غير النّاطق، وصور النّبات، وصور المعادن وصور الأركان.
فكانت صورة الإنسان أكمل الصّور الطبيعيّة، ولا مرتبة بعدها إلّا أن يتجوهر الإنسان بالمعارف، فيلحق (49) بمرتبة المعقولات المجرّدة من الهيولى، والمادّة الشّبيهة بالهيولى أعني موضوع صور الأفلاك وما فيها.
فإذا حصل بالتّجوهر في مرتبة المعقولات حصل في المرتبة التي منها انحطّت النّفس النّاطقة إلى الأجرام وهي مرتبة العقل الفعّال فصارت الموجودات بهذا الاعتبار كدائرة استدارت حتّى التقى طرفاها، وصار الإنسان آخر الدّائرة الّذي يرجع على أوّلها. إلّا أنّ الإنسان عندهم لا يلحق عند تجوهره بأوّل الثّواني الّذي هو أعلاها مرتبة، وإنّما أقصى كماله أن يلحق بالمرتبة العاشرة، وهي مرتبة العقل الفعّال.
__________
(46) في ط: وكان.
(47) في ط: بواسطة (في الفقرة كلّها).
(48) في ط: ثم لبست صور المعادن ثم صور النّبات ثم صور الحيوان.
(49) في ط: فيلتحق.(1/44)
فهذا مذهب أرسطاطاليس (50) وأفلاطون (51) وسقراط (52) وغيرهم من
__________
(50) أرسطوطاليس يلقّب بالمعلم الأوّل، وبصاحب المنطق أعظم الفلاسفة وأبعدهم صيتا. ولد سنة 384ق. م لأب طبيب مشهور وتتلمذ لأفلاطون إلى وفاته.
وتولّى تربية الاسكندر المقدوني مدّة من حياته. وفتح في أثينا مدرسة بالقرب من معبد أبولون اللوقيوني فعرفت باسم اللّوقيون ونافست أكاديمية أفلاطون التي كان على رأسها أكسينوقراط فدرس فيها 12سنة. ولما مات الاسكندر سنة 323انتقل أرسطو إلى بلدة والدته خلقيس، وكانت وفاته سنة 322ق. عن اثنتين وستين سنة. ولأرسطو مؤلفات كثيرة شهيرة في المنطق والطبيعة، والميتافيزيقا والأخلاق والشعر (راجع مقالة أرسطو في موسوعة الفلسفة 1: 13298) وقال د. بدوي ص 104 «وهكذا ينتهي أرسطو إلى التوحيد» بعد عرض مطوّل لآرائه.
(51) أفلاطون: فيلسوف يوناني مشهور ولد سنة 428ق. م تتلمذ على سقراط. وقام برحلات خارج اليونان، ونزل صقلية مدّة. وعاد إلى أثينا بعد ظروف صعبة 387 388ق. م وأنشأ الأكاديمية (بالقرب من ضريح أكاديموس) ومن هنا سمّيت الأكاديميّة، فكانت أول جامعة علمية في أوربة ودرّست فيها العلوم المختلفة. وكان لأفلاطون محاورات (وصلت إلينا) ودروس ألقاها على الطلبة (لم تصل) وأعظم تلامذته أرسطوطاليس الذي التحق بالأكاديميّة سنة 367
ورحل أفلاطون إلى صقلية رحلتين أخريين 367و 361وعاد 360إلى أثينا. ومات سنة 347ق. م) قال د. بدوي في موسوعة الفلسفة 1: 156 «وقد نسب إليه في العربية كتب ورسائل عديدة غير (المحاورات) اليونانية ومن المقطوع به أنها منحولة إلى أفلاطون».
(52) سقراط فيلسوف يوناني مشهور ولد نحو 470ق. م في أثينا، تتلمذ له أفلاطون وكثير غيره من مشهوري عصره. «ولم يؤلف سقراط كتابا ولا ترك أثرا مكتوبا» وعرفت آراؤه من كتابات أكسينوفون وأفلاطون وأرسطو. وأخذت على سقراط مآخذ، وحوكم سنة 399ق. م وحكم عليه بأنه يتناول السّمّ فمات على هذا الوجه.
قال د. بدوي إنهم حاكموه وقتلوه لأنه: جلب على نفسه عداوة عامة القوم لما دأب(1/45)
مشاهير الفلاسفة وزعمائهم القائلين بالتّوحيد.
وأمّا فلاسفة المجوس (1) فزعموا أنّ العقول المفارقة [6] للمادّة يترقّى بعضها إلى مرتبة بعض (53) حتّى يصير أعلاها في مرتبة البارئ عزّ وجلّ تعالى الله عمّا يقول الجاهلون علوّا كبيرا وهذا القول كفر محض (54)
عند أرسطاطاليس وجميع من ذكرناه لأنّه يوجب استحالة البارئ، تعالى عن قولهم.
فإن قال قائل: فكيف صار كالدّائرة؟ وإنّما لحق (55) بمرتبة العقل الفعّال على رأي أرسطو وهي المرتبة العاشرة، وإنّما كان حكمه إذا كان كالدّائرة أن يرجع إلى الثّاني (56) الّذي هو أوّل موجود بدأ منه الفيض؟
فالجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أنّ العقل الفعّال [هو في المرتبة العاشرة عندهم، وهو] (57)
__________
عليه من بيان جهلهم، وعلاقته بألقبيارس الذي صار ديكتاتورا وبأقريطس الذي أخضع أثينا لحكم الديماغوجية أي حكم العامّة وما أشاعه أرسطوفانس وأبرزه في مسرحية (السّحب) من أن سقراط لم يكن يؤمن بالعقائد الشعبية.
(1) في ط: الفلاسفة المجوس. والفلاسفة المجوس: الدهريّة، كما فسرّها الدكتور فرّوخ (انظر مقدّمات هذا الكتاب).
(53) في ط: تترقّى أيضا بعضها إلى مرتبة بعض.
(54) في ط: كفر بحت.
(55) في ط: وإنّما نحن.
(56) في ط: إلى الباري تعالى.
(57) ما بين قلابين سقط من: ط.(1/46)
آخر المعقولات المفارقة عند انحدار الوجود وهو أوّلها عند تصاعد الأشياء فإذا بلغ العقل الإنسانيّ تلك المرتبة كان بمنزلة رجوع أحد طرفي الدّائرة على الآخر (58).
والوجه الثّاني:
أنّ العقل الإنسانيّ ليس مبدؤه من الثّواني عندهم إنّما مبدؤه من العقل الفعّال، فإذا عاد إليه كان بمنزلة الدّائرة.
وقد وجب علينا أن نصل بهذا الباب ذكر خواصّ النّفوس الخمس التي قدّمنا ذكرها ليتبيّن الفرق بينها إذ كانت الخاصّيّة (59) قد تقوم مقام الفصل الجوهريّ فيما يتعذّر تحديده (60).
خواصّ النّفس النّباتيّة وتسمّى الشّهوانيّة
خواصّ هذه النّفس النّزاع (61) إلى الغذاء وطلبه، والالتذاذ بوجوده إذا وجدته، والاستضرار بفقده إذا فقدته، واستدعاء الموافق من الأغذية، ودفع المخالف، وحفظ الشّيء بشخصه ونوعه.
__________
(58) في ط: إلى الآخرة.
(59) في ط: الخاصّة.
(60) في ط: فما نتعدى سدده.
(61) في ط: النّزوع.(1/47)
أمّا حفظ شخصه فإنّه يكون بالغذاء وأمّا حفظ نوعه فبالتّوليد.
ويسمّى هذا الحفظ: التّقويم الطّبيعيّ ولها الهياكل غير اللّحميّة، والأعضاء المتشابهة [الأجزاء] (62) ولها سبع (63) قوى:
جاذبة
وممسكة
وهاضمة
ومغذّية (64)
ودافعة
ومنمّية
ومصوّرة.
ولها من الشّعور والإحساس تمييز الجهات السّتّ، وإرسال العروق نحو المواضع النّديّة، وتوجيه الفروع والأغصان (65) نحو المواضع المتّسعة (66)، والانحراف عن المواضع الضّيّقة.
__________
(62) الكلمة من: ط.
(63) في ط: ولها من القوى: جاذبة وممسكة الخ.
(64) في ط: ودافعة وغاذية الخ
(65) في ط: والأعصاب.
(66) في ط: المنبعثة.(1/48)
خواصّ النّفس الحيوانيّة وتسمّى الغضبيّة
خواصّ هذه النّفس شهوة النّكاح، وشهوة الانتقام، وشهوة الرّئاسة، [7] والغلبة. ولها الهياكل اللحميّة والدّمويّة. وقد يوجد من هياكلها ما لا دم له. ولها الأعضاء الآليّة، والحركة الإراديّة الاختياريّة، ولها الحواسّ الخمس.
ومنها ما ينقصه بعض الحواسّ.
ولها اللّذّة والألم.
ويوجد (67) لبعضها التّخيّل والوهم.
خواصّ النّفس الإنسانيّة وهي النّاطقة (68)
خواصّ هذه النّفس: الرّويّة (69)، والفكر، ومحبّة العلم والمعرفة، ولها الهياكل المنتصبة، والعمل باليدين (70).
__________
(67) في ط: فيوجد.
(68) في ط: وتسمّى الناطقة.
(69) في ط: الرّؤية.
(70) في ط: بالقدر.(1/49)
خواصّ النّفس الحكميّة الفلسفيّة
خواصّ هذه النّفس محبّة العلوم النّظريّة (71) التي لا يراد منها أكثر من الوقوف على حقائقها فقط، والحرص على معرفة أسباب الأشياء وعللها، والاستدلال بظواهر الأمور (72) على بواطنها، ومعرفة مراتب الموجودات في الوجود، وكيف انبعثت عن البارئ عزّ وجلّ، وكيف انبعث (73) بعضها من بعض بما سرى (74) فيها من وحدانيّة الله تعالى التي حصلت لكلّ موجود ذات ينفصل بها من ذات موجود آخر.
وبها يكون وجود الصّور في الهيولى، وفي الموضوع الشّبيه بالهيولى، وهو الجوهر الحامل (75) لصور الأفلاك والكواكب. وهل العالم قديم أو محدث؟ وما الفرق بين الأزليّ والمحدث؟
وما الفرق بين الأزليّ المطلق، والأزليّ المضاف؟
وما الفرق بين المبدع والمكوّن؟
وكيف صار المبدع واسطة بين الأزليّ والمكوّن؟
__________
(71) في ط: العلوم الفلسفيّة.
(72) في ط: بظواهر الصور.
(73) في خ: انبعثت.
(74) في ط: بعضها عن بعض لما سرى فيها وحدانيّة من الله تعالى حصل لكلّ موجود ذات ينفصل بها من ذات موجود آخر.
(75) في ط: الحاصل.(1/50)
وهل خالق العالم واحد أو أكثر من واحد؟
وإقامة البراهين على أنّه لا يصحّ أن يكون إلّا واحدا لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء.
وما الحكمة في وجود الأشياء على ما هي عليه؟
وما المكوّن منها وما المبدع؟
وما الفرق بين الفاعل على الحقيقة والفاعل على المجاز، والفاعل المطلق (76) [وما الحكمة] (77) في دوران الأفلاك حركة مستديرة غير مستقيمة؟
وما الواجب، وما الممكن (78)، وما الممتنع؟
وكيف صار ما فوق الأربعة الأركان من حيّز الواجب وما تحت الأركان (79) من حيّز الممكن؟
وما الموجودات الّتي أوتيت كمالها في جواهرها وأفعالها؟
وما الموجودات الّتي لم تؤت كمالها لا في جواهرها، ولا في أفعالها، فهما طرفان؟
__________
(76) في ط: والفاعل على الإطلاق.
(77) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.
(78) في ط: وما الواجب، والممكن، وما الممتنع.
(79) في ط: وما تحت الأفلاك.(1/51)
وما الموجودات (80) التي أوتيت كمالها في جواهرها ولم تؤت كمالها في أفعالها [8] فصارت متوسّطة بين الطّرفين؟
ولم سكن الصّنف الأوّل فلم تكن له حركة (81)، وتحرّك الصّنفان الآخران؟
وما الحكمة في وجود النّواميس (82) والنّبوّات في عالم الكون والفساد؟
وما الفرق بين النّبوّة والسّحر؟ والكهانة والفلسفة؟
وكيف تفيض قوّة الوحي على الأنبياء؟
وما الفرق بين الإنسان الّذي يوحى إليه والّذي لا يوحى إليه؟
ولم صار الإنسان مأمورا منهيّا دون غيره؟
ولم سمّي عالما صغيرا، وسمّي العالم إنسانا كبيرا (83)؟
وما السّياسة؟ وكم أنواعها؟
فهذه الأمور كلّها من خاصّة النّفس الفلسفيّة [أن تعرفها
__________
(80) في ط: والموجودات.
(81) في ط: «ولم لم يكن للنصف الأول حركة. ويتحرك النصف الآخر؟» وفي حاشية (مط) يعني بالنصف الأول: ما فوق العقل الفعال، وبالثاني: ما دون العقل الفعّال.
(82) في ط: وما الحكمة في النواميس.
(83) في ط: ولم يسمّى ويسمّى.(1/52)
بعضها] (84) على جهة التّصوّر، وبعضها على جهة التّصديق (85) من غير تصوّر ولكن ليست كلّ نفس تتعاطى الفلسفة يتهيّأ لها أن تعرف ذلك كلّه، ولكن تعرف بعضه.
وإنّما تتهيّأ معرفة هذه الأمور على كمالها للنّفس الّتي اتّفق لها في فطرتها وكونها أن فطرت وفيها (86) استعداد لقبول ذلك، وكانت هاجرة للّذات مميتة للشّهوات، زاهدة في الدّينار والدّرهم، محبّة للخير وأهله، مبغضة للشّرّ وأهله، مرتبطة بالنّواميس، مكتسبة للفضائل، مطّرحة للرّذائل، قد اجتمع لها العلم والعمل
فهذا هو الفيلسوف الحقّ عند أرسطو (87)، وأفلاطون، وزعماء الفلاسفة.
ومن لم (88) يكن عندهم بهذه الصّفة فليس بفيلسوف ولذلك قال أرسطو (89): ليس الغرض أن تعلم فقط، وإنّما (90) الغرض أن تعلم وتعمل، وتكونوا أخيارا فضلاء مرتبطين بالنّواميس.
__________
(84) ما بين معقوفتين مستدرك: من ط.
(85) في ط: التّحقيق.
(86) سقط من ط عبارة: أن فطرت وفيها.
(87) في ط: أرسطاطاليس
(88) في ط: فمن لم
(89) في ط: أرسطاطاليس
(90) في ط: إنّما.(1/53)
وقال: اقتلوا من لا دين له.
وقال أفلاطون: من أراد قراءة الفلسفة فليطهّر أخلاقه من الرّذائل فإنّه لا يتعلّم الفلسفة الطّاهرة من كان نجسا كما لا يمكن أحد (91) أن يرى وجهه في ماء كدر، ومرآة صدئة.
خواصّ النّفس النّبويّة
خواصّ هذه النّفس الشّريفة تلقّي الوحي والإلهام، والاتّصال بالعقل الفعّال، وتقويم سائر النّفوس المنحرفة عن الحقّ، وتسديد الإنسان حتّى يفعل ما ينبغي، على الوجه الّذي ينبغي من الوجه الّذي ينبغي من أجل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي وإكمال الفطر النّاقصة بوضع السّنن والوعظ والتّذكير، والتّرغيب والتّرهيب، والإخبار بالأشياء التي ليست في قوّة النّفس [9] الفلسفيّة أن تعلمها لأنّ النّفس الفلسفيّة إنّما تتعاطى النّظر في الكلّيّات خاصّة ولذلك قال أفلاطون:
نحن عاجزون عن فهم ما جاءت به الشّرائع. وإنّما نعلم من ذلك يسيرا، ونجهل كثيرا. ولذلك كان أرسطو يأمرنا بالتّسليم لما جاءت به الشّرائع، ويأمرنا بتأديب من تعرّض لتعليل (92) أوامرها ونواهيها وتعاطي الخوض فيها.
__________
(91) في خ: أحدا.
(92) في ط: كان أرسطو يأمر بالتسليم لما جاءت به الشرائع، ويأمر بالتأديب لمن تعرّض لتعليل أوامرها(1/54)
وهذه النّفس أشرف النّفوس التي في عالم الأركان، وأعلاها، وهي السّائسة المدبّرة لسياسة النّفوس ولا يتّفق أن توجد هذه النّفس الشريفة إلّا في ذوي الفطر الكاملة.
وهذه النّفس لا تحتاج إلى اكتساب المعارف والعلوم بالمقاييس (93)
والمقدّمات كما تحتاج النفس الفلسفيّة لأنّ المقاييس العلميّة إنّما هي قوانين وضعها ذو والفطر الكاملة تسديدا وتقويما لذوي الفطر النّاقصة.
فإذا اتّفق للإنسان في أصل مولده أن يعطى فطرة كاملة استغنى عن تلك المقاييس ووجد الأمور العقليّة كأنّها مصوّرة في نفسه.
وكما أنّا نجد في الفطر (94) الإنسانيّة فطرا في نهاية النّقص قريبة من فطر البهائم كذلك (95) لا محالة أن نجد فيها فطرا في نهاية الكمال قريبة من فطر الملائكة فتكون هذه الفطر (940) لا تحتاج [إلى تقويم بالمقاييس العلميّة كما لا تحتاج الملائكة] (96) بل يكفيها أقلّ إشارة وأيسر عبارة، ويكون الله تبارك وتعالى قد أكمل هذه الفطر (9400) في أصل خلقتها لتسوس (97) العالم بوساطتها.
__________
(93) في ط: وهذه النفس لا تحتاج في اكتساب المعارف والعلوم إلى المقاييس، كما تحتاجه النفوس الفلسفيّة.
(94) في ط: في الفطرة.
(940) في ط: في الفطرة.
(9400) في ط: في الفطرة.
(95) في ط: فكذلك.
(96) ما بين معقوفتين من: ط.
(97) في: ط: ليسوس العالم بواسطتها.(1/55)
وهذا يوجب أن تكون النّبوّة إلهاما لا اكتسابا.
خواصّ النّفس الكلّيّة (98)
مرتبة هذه النّفس الكلّية (99) عند من أثبتها من الفلاسفة تحت أفق العقل الفعّال والعقل محيط بها من جميع جهاتها وهي محيطة بكرة الأفلاك.
ولها فيما زعموا دائرتان، وخطّ مستقيم
فالدّائرة الأولى متّصلة بالفلك المحيط، وهو طرفها الأعلى
والدّائرة الثّانية هي الطّرف الأدنى، ومكانها مركز الأرض. وهذا تقريب لأنّ الجواهر المعقولة (100) لا توصف بالأمكنة ولا بالجهات السّتّ (101). وزعموا أنّ بين طرفها الأعلى وطرفها الأدنى خطّا يصل بين الدّائرتين، يسمّونه: سلّم المعراج (102) وبه (103) يتّصل الوحي بالأنفس
__________
(98) في: ط: خاصيّة.
(99) «الكلية» لم ترد في: ط.
(100) في: ط: العقليّة.
(101) في: ط: والوجهات.
(102) في ط: سلّم المعارج.
(103) سقطت كلمة (به) من: ط.(1/56)
[10] الجزئيّة الطّاهرة، وبه تنزل الملائكة وتصعد الأرواح الزّكيّة إلى العالم الأعلى.
ولهم فيها كلام طويل اقتصرنا منه على هذه الجملة لأنّ غرضنا في هذا الكتاب غير ذلك.(1/57)
الباب الثاني في شرح قولهم: إنّ الإنسان يحكي دائرة وهميّة، وإنّ ذاته تبلغ بعد مماته إلى حيث يبلغ علمه في حياته
قد تأمّلت أرشدنا الله وإيّاك إلى صواب القول والعمل (1)، وعصمنا من الخطأ والزّلل هذا الّذي قالوه، واعتبرت ما ذكروه فوجدته يحتمل تأويلين
أحدهما: أنّ الإنسان يفتح نظره بشيء لا مادّة له، وينتهي نظره (2)
إلى شيء لا مادّة له فيكون مرجع علمه ونظره إلى مثل مبدئه (3)، كما أنّ مبدأ صورة الإنسان من شيء لا مادّة له، وغايته أن يعود شيئا (4)
لا مادّة له. ولست أعني مبدأ صورة جسمه (5) التي هي شكل هيولاه لأنّ هذه: مبدؤها المادّة وإنّما أعني مبدأ [صورته] (6) النّاطقة التي بها
__________
(1) في ط: إلى الصواب في القول والعمل.
(2) في ط: وينتهي إلى شيء.
(3) في ط: فيكون مرجع نظره عليه إلى مبتدئه.
(4) في ط: أن يعود إلى شيء.
(5) في ط: ولست أعني بمبتدئه صورة جسمه
(6) ذهب معظم الكلمة بأثر محو. وهي واضحة في: ط.(1/58)
صار الإنسان إنسانا، وانفصل عن الحيوان الذي لا نطق له لأنّ هذه الصّورة مبدؤها من العقل [الفعّال] (7) ومرجعها إليه.
وشرح هذه الجملة أنّ (8) مبدأ علم الإنسان: الأعداد الّتي لا تحتاج في تفهّمها إلى مادّة. ثم يترقّى منها إلى النّظر في الأعظام التي تحتاج في تفهّمها إلى مادّة (9)، غير أنّ ما يحتاج إليه في بعضها من المادّة (10) أقلّ ممّا يحتاج إليه في بعض لأنّ مبدأ الأعظام النّقطة التي هي مبدأ الخطّ، ولا بعد لها ثمّ الخطّ الذي هو مبدأ السّطح ثم السّطح الذي هو مبدأ الجسم. وهذه يحتاج في تفهّمها (11) إلى مادّة يسيرة. فإذا انتهى إلى النّظر في الجسم استغرق في المادّة وحصل بنظره في العلم الطّبيعيّ، ثمّ يبدأ (12) ينسلخ من المادّة قليلا قليلا على تدرّج كما ترقّى إليها قليلا [قليلا] (13) عند نظره في النّقطة والخطّ والسّطح فلا يزال كذلك حتّى يفارق المادّة قليلا! وذلك أنّه إذا نظر في العناصر والمعادن فإنّما ينظر في أجسام غضّة (14) ليس فيها مبدأ غير الطّبيعة. فإذا صار إلى
__________
(7) في ط: العقل الفعّال. وفي خ العقل والمثبت من: ط.
(8) صحّفت العبارة في: ط إلى «وسنشرح هذه الجمليات. مبدأ علم الخ».
(9) في ط: التي تحتاج إلى تفهيم المادّة.
(10) أثبتنا رواية: ط. والذي في خ هنا: غير أنه يحتاج في بعضها من المادة أقلّ مما الخ.
(11) في ط: وهذه تحتاج في تفهيمه إلى
(12) في ط: ثم يبتدئ ينسلخ.
(13) قليلا الثانية من: ط.
(14) في: ط: أجسام محيطة.(1/59)
النّظر في النّبات وجد فيه مبدأ من مبادئ النّفس وتسمّى هذه (15):
النّفس النّباتيّة، فيكون قد ابتدأ بالانسلاخ من المادّة قليلا قليلا (16)
[11] فإذا صار إلى النّظر في الحيوان غير النّاطق وجد أمر (17) النّفس فيه أقوى وتسمّى هذه (18): النّفس الحيوانيّة، فيكون قد انسلخ من المادّة أكثر فإذا صار إلى النّظر في الحيوان النّاطق وجد فيه أمر (19) النّفس أقوى، ووجد فيه (20) مبدأ آخر غير النّفس الحيوانيّة (21)، وهو الاستعداد لقبول الأمور المعقولات.
ثم يشرع بالنّظر في أمور النّفس فيصير متوسّطا بين الأمور العقليّة المجرّدة من المادّة، وبين الأمور الجسمانيّة ذوات الموادّ فإذا أمعن في النّظر في أمر النّفس [الناطقة] (22) لاحت إليه (23) المبادئ العقليّة الّتي ليست بمادّة (24) فيكون قد انسلخ من المادّة كلّها، وحصل في أوّل مراتب العلم الإلهيّ.
__________
(15) في ط: هذه النفس: النفس النباتية.
(16) في ط: «قليلا». ولم يكرر الثانية.
(17) في ط: وجد أثر النفس.
(18) في ط: وتسمّى هذه النفس: النفس الحيوانية.
(19) في ط: وجد أثر النفس فيه أقوى.
(20) في خ: وجد منه. وأثبت ما في (ط) مجازة للعبارات المماثلة السّابقة.
(21) «الحيوانية» من ط.
(22) «الناطقة» من ط.
(23) في ط: لاحت له.
(24) في ط: ليست في مادّة.(1/60)
ثمّ يشرع بالنّظر في الأمور العقليّة المفارقة للمادّة فأوّل معقول يصادفه، باعتباره عند صعوده، العقل الفعّال.
فإذا أكمل النّظر فيه وعلم مرتبته من المعقولات المفارقة، وأنّه في المرتبة العاشرة صعد بالاعتبار إلى النّظر في التاسع (25) ثمّ إلى الثّامن، ثمّ إلى السّابع، ثمّ إلى السّادس حتّى يصير بفكره إلى المعقول (26) الأوّل الّذي هو في مرتبة الواحد فيجده (27) نهاية الموجودات الذي أفاد كلّ شيء الوجود وكلّ موجود مفتقر إليه مقتبس الوجود منه، فيكون قد انسلخ من النّظر في الثّواني التّسعة والعقل الفعّال وهذه هي الّتي تسمّى بالملائكة (28) المقرّبين، والكروبيّين ويكون قد انتهى باعتباره وفكره إلى البارئ تعالى فيشرع حينئذ بالنّظر (29) في صفاته، وما يجوز أن يوصف به، وما لا يجوز وكيف انبعثت الموجودات عنه [وعلى أيّ جهة يصحّ أن يقال: إنّه فاعلها وعلّتها وحتّى لا يلحقه نقص] (30) وكيف دبّر عالم الأفلاك بتوسّط الثّواني، والعقل الفعّال، ودوران الأفلاك حول
__________
(25) في ط: «في التاسعة ثم إلى الثامنة حتى يصل بفكره» وأسقط قوله: ثم إلى السابع ثم إلى السادس».
(26) في ط: إلى المعقولات الأول التي هي مرتبة الواحد.
(27) في ط: فيجد نهاية الموجودات.
(28) في ط: تسمّى الملائكة.
والكروبيّون كما في متن اللغة (ك ر ب): سادة الملائكة، وهم المقرّبون.
(29) في ط: فيشرع حينئذ النّظر.
(30) ما بين قلابين سقط من: ط.(1/61)
الأركان الأربعة فيقع في العلم السّياسيّ والنّواميس. ولا يزال (32) ينحدر حتّى يرجع (33) إلى الأشخاص المحسوسة التي منها بدأ بالنّظر عند صعوده بالاعتبار.
فشبّهت الحكماء رتبة هذا النّظر والاعتبار بالدّائرة لأنّه ينظر (34)
في الموجودات عند انحداره غير النّظر الّذي ينظر فيها في حين صعوده، كما يبدأ خطّ الدّائرة من نقطة ثم يعود إليها [12] على غير الجهة الّتي ذهب منها.
ويسمّى النّظر الأوّل (35): الإنسانيّ، والنّظر الثّاني: الإلهيّ.
ويسمّون النّظر الأوّل: الطّريق إلى الله تعالى.
فكما أنّ مبدأ الإنسان (36) من معقول ومنتهاه إلى معقول، وهو ما بين الطّرفين محسوس، فكذلك علمه يبدأ من معقول وينتهي إلى معقول بينهما العلم المحسوس (37). فيكون منتهى علم الإنسان هو منتهى (38)
__________
(32) في ط: ولا زال.
(33) في ط: حتى يصل إلى
(34) في ط: لأنّ نظره في الموجودات عند النزول غير نظره الذي نظره حين الصعود.
(35) في ط: ويسمّى النظر الأوّل: النظر الإنسانيّ، والطريق إلى الله تعالى، والنظر الثاني النظر الإلهي.
(36) في ط: فكما أن مبتدأه يكون من معقول ومنتهاه إلى معقول، وهو فيما بين الطرفين محسوس.
(37) في ط: وما بينهما العلوم المحسوسة.
(38) في ط: منتهى علم الإنسان منتهى ذاته.(1/62)
ذاته، فيصل إلى عالم العقل في حياته الأولى بعلمه ونظره، وفي حياته الثّانية بذاته وجوهره.
فهذا هو المراد بقول من قال: إنّ ذات الإنسان (39) تصل بعد مماته إلى حيث وصل علمه في حياته إلّا أنّه لا يتجاوز (40) مرتبة العقل الفعّال، وهي المرتبة العاشرة من مرتبة السّبب الأوّل.
وقال بعضهم: إنّ غايته أن يلحق بمرتبة النّفس الكلّيّة، ومرتبتها دون مرتبة العقل الفعّال كما ذكرنا فيما تقدّم.
فهذا ما ظهر إليّ في شرح (41) كلامهم الّذي سألت عنه.
وهاهنا (42) وجه آخر، وهو: أنّ كلّ موجود يوصف بالنّطق (43)
فإنّ تجوهره لا يكمل إلّا بأن يعقل السّبب الأوّل الّذي منه انبعثت الموجودات إلّا أنّ كلّ موجود تبعد مرتبته من مرتبته لا يمكن (44) أن يعقله حتّى يعقل ما بينه وبينه من الموجودات السّابقة له بالمرتبة.
[فالموجود الثّاني الّذي هو أقرب الموجودات إليه بالمرتبة] (45)
__________
(39) في ط: إن نفس الإنسان متّصل.
(40) في ط: لا يجاوز.
(41) في ط: فهذا ما ظهر من شرح كلامهم (بسقوط: إليّ).
(42) وثبت هاهنا وجه آخر.
(43) في خ: «يوصف بالنظر». وأثبتنا ما في ط لرجاحته.
(44) في ط: لا يمكنه أن يعقله.
(45) سقط ما بين قلابين من ط. بنقلة عين لتكرر كلمة المرتبة. وفي ط هنا: الرّتبة.(1/63)
لا يحتاج في تكميل تجوهره (47) إلى واسطة.
وأمّا الموجود الثّالث فإنّه لا يعقل الأوّل إلّا بتوسّط الثّاني.
فكذلك الموجود الرّابع لا يمكن أن يعقله (48) إلّا بتوسّط الثّالث والثّاني، وكذلك ما بعد ذلك.
ولا يحتاج (49) موجود من هذه الموجودات غير النّاطقة (50) في كمال تجوهره إلى أن يعقل ما دونه في مرتبته (51) إلّا الإنسان وحده فإنّه يحتاج في كمال تجوهره إلى أن يعقل ما فوقه (52) وما دونه ولذلك احتاج في كمال تجوهره إلى أن يعقل جميع الموجودات والعلّة في ذلك أنّ مرتبته من (53) الوجود الفائض من السّبب الأوّل تعالى آخر المراتب لأنّه إنّما يكون بعد تقدّم الحيوان غير النّاطق، والنّبات والمعادن، والأركان، والهيولى. فصارت هذه الأشياء أسبق منه بمرتبة (54)
__________
(47) في خ: جوهره. وأثبتنا ما في ط، لانسجامه مع ما في الفقرة السّابقة: «فإن تجوهره لا يكمل إلا بأن يعقل السبب الأول إلخ».
(48) في ط: وكذلك الرابع لا يمكنه أن يعقل.
(49) في ط: فلا يحتاج.
(50) في ط: من هذه الموجودات الناطقة في تكميل تجوهرها.
(51) في ط: يعقل ما هو دونه في المرتبة إلا الإنسان وحده.
(52) في ط: إلى أن يعقل ما دونه في الشرف ومرتبة العقل كما يحتاج أن يعقل ما فوقه، ولذلك
(53) في ط: مرتبته في الوجود الفائض عن السّبب.
(54) في ط: بالمرتبة إلى الوجود.(1/64)
الوجود، وإن كان هو أفضل منها لأنّ النّفس النّاطقة [13] صورة في النّفس الحيوانيّة والنّفس الحيوانيّة صورة في النّفس النّباتيّة والنّفس النّباتيّة صورة في المعادن، والمعادن صورة في الأركان الأربعة، والأركان (55) الأربعة صورة في الهيولى.
فلمّا كانت هذه الأشياء كلّها قبله في رتبة الوجود، وكان لا سبيل له إلى أن يعقل السّبب الأوّل حتّى يعقل ما بينه وبينه من الموجودات احتاج إلى أن يعقل ما دونه كما احتاج إلى أن يعقل ما فوقه.
ولمّا (56) كانت الموجودات الفائضة من السّبب [الأوّل] (57) شكلها شكل دائرة آخرها الإنسان كما ذكرنا في الباب الأوّل احتاج الإنسان إذا سلك على رتبة (58) وجوده أن يعكس الدّائرة عند الاعتبار فينحطّ من مرتبته في الوجود إلى مرتبة الحيوان غير النّاطق الّتي هي أدنى المراتب إليه ثمّ إلى النّبات ثمّ إلى المعادن (59) ثمّ إلى الأركان ثمّ إلى الهيولى.
فإذا بلغ إلى الهيولى كان قد (60) وصل إلى أحطّ الموجودات مرتبة في
__________
(55) ضبطها في خ هكذا، على الاستئناف: والنفس الحيوانية صورة والنفس النّباتيّة والمعادن والأركان.
(56) في ط: فلما كانت.
(57) زيادة من: ط.
(58) في ط: من مرتبة وجوده.
(59) في ط: «ثم النبات ثم المعادن» بإسقاط (إلى) منهما.
(60) في ط: فقد وصل.(1/65)
الوجود (61) فيبدأ بالصّعود منها نحو المبدأ الأعلى، فيكون إلى الصّورة أوّل صعوده (62)، ثمّ إلى النّفس، ثمّ إلى العقل الفعّال، ثمّ إلى الثّواني التّسعة (63) ثمّ إلى البارئ تعالى. غير أنّه إذا وصل إلى مرتبة العقل الفعّال وقف لأنّ قوّته النّاطقة منه بدأت وإليه تعود (64). وإنّما يحتاج إلى معرفة ما فوق العقل لتكمل ذاته وجوهره (65) لا لتكمل دائرة علمه ونظره.
ونحن نكمل هذا الباب بأن ندير دائرة نمثّل بها ما ذكرناه ونقسمها تسعة أقسام على مراتب الآحاد التّسعة، ونجعل مبدأها العقل الفعّال، ونتلوه بما يتّصل بمرتبته في الوجود (66)، ثمّ ما يلي منحدرا أو صاعدا (67)
حتّى ينعطف آخر الموجودات عليه.
ولا نذكر في هذه الدّائرة أشياء ممّا فوق العقل الفعّال لنبيّن لمن رآها أنّ الإنسان مرجعه إلى العقل الفعّال.
__________
(61) في ط: مرتبة ثم يبدأ.
(62) في ط: فيكون أول صعوده إلى الصورة ثم إلى النفس.
(63) في ط: ثم إلى الثّواني التسعة التي تسمّى الملائكة المقرّبين.
(64) في ط: بعد عبارة العقل الفعال: كملت الدائرة ولم يحتج في كمالها إلى أن يتخطى العقل الفعّال، لأن القوّة الناطقة إلخ.
(65) في ط: وتجوهره.
(66) في ط: بما يتّصل مرتبته في الوجود بمرتبته.
(67) في ط: منحدرا وصاعدا.(1/66)
وهذه صورة الدّائرة.
الدائرة(1/67)
الدائرة
الباب الثالث في شرح قولهم: إنّ في قدرة (1) العقل الجزئيّ أن يتصوّر بصورة العقل الكلّيّ
هذا أوضح الله لك الخفيّات، وأعانك على فهم أسرار الموجودات فرع لطيف تحته معنى شريف ومرادهم بهذا أنّ الإنسان مهيّا (2) بفطرته [14] إذا فاض عليه نور العقل فخرجت قوّته النّاطقة إلى الفعل لأن يتصوّر جميع الموجودات فيتحصّل (3) في عقله الجزئيّ الصّور التي في العقل الكلّي.
وذلك أنّ البارئ تعالى لمّا أبدع العقل الكلّيّ أفاض عليه صورة (4)
الأشياء التي شاء إيجادها دفعة بلا زمان (5) ولا حركة [وأفاضها العقل الكلّي على النّفس الكلّيّة على دفعة أيضا بلا زمان] (6) [وأفاضتها النّفس
__________
(1) في ط: إن في قوّة العقل إلخ.
(2) في ط: تهيّأ.
(3) في ط: فحصل.
(4) في ط: صور الأشياء.
(5) في ط: اتخاذها دفعة واحدة بلا زمان إلخ.
(6) ما بين قلابين سقط من: ط.(1/68)
الكلّيّة على الهيولى بالزّمان] (8) ووساطته (9) حركة الفلك إذ لم تكن في قوّة الهيولى أن تقبلها كلّها دفعة، وإنّما تقبلها على المعاقبة.
وخلق الله تبارك وتعالى الإنسان آخر المخلوقات، وجمع في خلقته (10) جميع ما في العالم فصار مختصرا منه ولذلك سمّي: العالم الأصغر (1).
وقيل إنّه مختصر من اللّوح المحفوظ، وجعله حدّا بين عالم الحسّ وعالم العقل. فهو آخر الموجودات الطّبيعيّة وأوّل الموجودات العقليّة وهو معرّض لأن يعلو فيلحق بالعالم الأعلى، أو يسفل (11) فيلحق بالعالم الأدنى.
وقد قلت في ذلك (12):
[من الخفيف] أنت وسطى (13) ما بين ضدّين يا إن ... سان ركّبت صورة في هيولى
__________
(8) ما بين معقوفتين لم يرد في خ، واستدركناه من: ط.
(9) في ط: وواسطة حركة الفلك (بحذف الضمير).
(10) في ط: وجمع في خلقه.
(1) قال في كتاب (التوقيف على مهمّات التعاريف): باب العين:
«والعالم عالمان: كبير وهو الفلك، وما حواه من جوهر وعرض وصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم، وأوجد الله فيه كل ما أوجده في العالم الكبير».
ينظر كتاب التوقيف بتحقيقنا مطبوعا في دار الفكر بدمشق.
(11) في ط: بالملإ الأعلى، ويسفل.
(12) القطعة في شعره المجموع.
(13) في ط: أنت وسط.(1/69)
إن عصيت الهوى علوت علوّا ... أو أطعت الهوى سفلت سفولا!
فمن أجل أنّه جمع في خلقة (14) جميع ما في العالم الأكبر صار مهيّأ بفطرته الفاضلة، مستعدّا بقوّته العاقلة لأن يتصوّر جميع ما في العالم الأكبر.
وبيان ذلك أنّ مدركات الإنسان صنفان:
محسوسات
و: معقولات.
فالأشخاص هنّ محسوساته (15).
وأنواعها، وأجناسها، ومباديها هنّ معقولات (16).
وله إدراكان:
إدراك بالحسّ للأشياء المحسوسات (17).
وإدراك بالعقل للأشياء المعقولات لأنّ كلّ شيء إنّما يدرك بشكله.
__________
(14) في ط: في خلقته. (ويلاحظ أن ما بين المطبوع والمخطوط مخالفة في هذا الموضع، وفي الموضع السابق انظر الحاشية ذات الرقم (10) من هذا الباب).
(15) في ط: فالأشخاص هي المحسوسات.
(16) في ط: هي معقولاتها.
(17) اخترت المحسوسات على المحسوسة التي في خ، والذي في ط: «إدراك بالحسّ للأشياء المحسوسات، وإدراك بالعقل للأشياء المعقولة».(1/70)
فإدراكه المحسوسات يسمّى كماله الأوّل، وحياته الأولى وإدراكه المعقولات يسمّى كماله الثّاني وحياته الأخرى (18).
فإذا كان العالم كلّه صنفين: محسوس ومعقول (19) وكان كمال تجوهر (20) الإنسان بإدراكهما معا وكان مهيّأ بفطرته لذلك صار الإنسان إذا أدرك المحسوسات والمعقولات فقد (21) تصوّر بصورة العالم الأكبر فالإنسان إذن يستحقّ أن يسمّى عالما صغيرا من جهتين:
إحداهما (22): خلقة لا عمل له فيها.
والثانية: اكتساب يكتسبه. إلا أنّ سعادته إنّما هي بالاكتساب وحصول العقل المستفاد.
وأمّا [15] الخلقيّة (23) فإنّما هي هيئة واستعداد جعل معرّضا بهما لنيل السّعادة إن فهم ذاته، وعلم مرتبته من العالم، أي (24) مرتبة [تحصيل هي نجا وسعد وإن جهل ذاته، ولم يعرف ما الغرض] (25)
__________
(18) في ط: الأخيرة.
(19) في ط: محسوسا ومعقولا.
(20) في ط: كمال جوهر الإنسان.
(21) في ط: فقد، وفي خ: قد. والمثبت من ط أقوم، فهي في صدر جواب إذا.
(22) في ط: أحدهما والثاني.
(23) في ط: وأما خلقته.
(24) في خ بعد كلمة «مرتبة» إشارة استلحاق كلام ولكن لا شيء على هامش النّسخة التي معنا (وهي صورة) وقد يكون المستدرك على طرف غاب عن المصوّر.
(25) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.(1/71)
بكونه آخر الموجودات هلك وطال شقاؤه ولذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم (26):
«النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». وقال (27): «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربّه» وقال لعليّ رضي الله عنه (28): «تقرّب إلى الله بعقلك إذا تقرّب النّاس إليه بأعمالهم».
ولهذا الّذي قدّمناه صار العالم خمسة أصناف من الوجود سوى وجوده في علم البارئ تعالى:
وجود في العقل الفعّال.
ووجود في النّفس الكلّيّة.
ووجود في الهيولى.
ووجود في قوّة الإنسان المتخيّلة.
__________
(26) قال في كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس 1: 312، عند ذكره الكلام المشهور: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ما نصّه: هو من قول علي بن أبي طالب، لكن عزاه الشعراني في الطّبقات لسهل التّستري ولفظه في ترجمته: ومن كلامه: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا ماتوا ندموا، وإن ندموا لم تنفعهم ندامتهم.
(27) في: عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرئاسة لابن هذيل الغرناطي: 155 قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله متى يعرف الإنسان ربّه قال: إذا عرف نفسه».
(28) روى النّهرواني في كتابه الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي عن علي رضي الله عنه بإسناد ذكره بطوله، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البرّ فتقرّب إليه بأنواع العقل تسبقهم بالدرجات والزّلف عند الناس في الدّنيا، وعند الله في الآخرة (1: 524).(1/72)
ووجود في قوّته النّاطقة (29) إذا حصل له العقل المستفاد.
فيصير بهذا الاعتبار كالدّائرة الّتي تبدأ من نقطة وتعود إليها لأنّ مبدأه أن يكون صورة مجرّدة في العقل، ونهايته أن يصير صورة مجرّدة في العقل. وعند ذلك يتصوّر العقل الجزئيّ بصورة العقل الكلّي، ويصير الإنسان موضوعا بصورة العالم يحمل صورة (30) في ذاته كما تحمل الهيولى الصّور.
فالإنسان إذا اعتبر به (31) المعتبر أغرب المخلوقات صنعة، وأكثرها أعجوبة. ولهذا قالت الحكماء: إنّ الغرض في وجوده كمال الحكمة لأنّه انتظم بفطرته (32) طرفي العالم، وصار واسطة بينهما.
وكمال الطّرفين بالواسطة التي تنظمهما:
أرادوا بذلك أنّ البارئ جلّ جلاله لمّا خلق جوهرا معقولا وجوهرا محسوسا كان كمال الخلقة (33) في أن خلق جوهرا ثالثا يصل بين الجوهرين، وينظم (34) الطّبيعتين فصار الإنسان حدّا بين عالم العقل وعالم الحسّ، وصار من جهة صورته الطبيعيّة في أعلى مراتب الصّور الطّبيعيّة، ومن جهة صورته العقليّة في أدنى مراتب الصّور العقليّات (35).
__________
(29) في ط: في قوّة الناطقة إذا جعل له العقل المستفاد.
(30) في ط: صورته كما تحمل الهيولى الصّورة.
(31) في ط: اعتبر فيه المعتبر.
(32) في ط: انتظم بقطريه طرفي العالم، وصار بينهما. وكمال إلخ.
(33) في ط: كمال الحكمة.
(34) في ط: فينظم الطبيعتين.
(35) في ط: مراتب الصور العقليّة.(1/73)
وفي كتب بني إسرائيل أنّ الإنسان خلق على التّخوم بين الطّبيعة المائيّة، والطّبيعة الّتي ليست بمائيّة. ويدلّ أيضا على أنّه واسطة بطبعه:
أنّه من قسم الممكن، والممكن بطبيعته واسطة بين الواجب والممتنع.
وقد قلت في ذلك على سبيل الوعظ (36): [من الطويل] تتيه وقد أيقنت أنّك ممكن ... فكيف لو استيقنت أنّك واجب؟
وهل لك من عدن إذا متّ أو لظى ... محيص يرجّى أو عن الله حاجب (37)
[16] ومعنى كون الإنسان من الممكن أنّه صورة من الصّور الّتي موضوعها الهيولى، وبالهيولى قامت طبيعة الممكن لأنّها تلبس الصّورة تارة، وتخلعها تارة، وتكون فيها الصّور (38) تارة بالقوّة، وتارة بالفعل. ولولا الهيولى لبطلت طبيعة الممكن ولم يوجد للأشياء إلّا عنصران: واجب وممتنع.
__________
(36) القطعة في مجموع شعره.
(37) في خ: واجب وأثبتنا ما في: ط.
(38) في ط: وتكون فيها الصورة تارة بالقوّة.(1/74)
الباب الرّابع في شرح قولهم: إنّ العدد دوائر (1) وهميّة
اعلم أنّ الواحد أصل العدد ومبدؤه وهو غاية (2) لوجود العدد وليس بعدد. وكلّ عدد منسوب إليه ومنعطف عليه انعطاف آخر الدّائرة على أوّلها.
وللأعداد (3) إليه نسبتان:
إحداهما: نسبة تضعيف وتكثير.
والثّانية: نسبة تجزئة وتقليل.
فأمّا نسبة التّكثير فكقولك (4): واحد، واثنان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة فما زاد (5)، وأمّا نسبة التّقليل فهي نسبة الكسور كقولك: نصف وربع، وخمس، وثلث (6) ونحو ذلك.
__________
(1) في ط: إن العدد دائرة وهميّة.
(2) في ط: وهو علّة.
(3) في ط: والأعداد.
(4) في خ: «فقولنا». وفي ط: كقولك. واخترت هنا ما في ط، مع الفاء اللازمة بعد أمّا التي في خ. وسيعيد العبارة بعد سطر.
(5) في ط: وما زاد.
(6) في ط: نصف، وثلث، وربع، وخمس.(1/75)
والنّصف أوّل مراتب التّجزئة والتّقليل كما أنّ الاثنين أوّل مراتب التّضعيف والتّكثير. وهو يذهب في كلتا الجهتين إلى غير نهاية غير أنّ (7) [التّكثير يبتدئ من أقلّ (8) الكميّة ويذهب في تزيّد إلى غير نهاية، و] التقليل يبتدئ من أكثر (9) الكميّة وهو النّصف، ويذهب في التّجزّؤ (10) إلى غير نهاية.
وإذا اعتبرت (11) بفكرك الأعداد كلّها، والواحد، وجدتها ناشئة منه، وراجعة إليه. أمّا نشوؤها منه فإنّ قوّة الواحد تسري إلى الأعداد فتصوغها (12) بواسطة وبغير واسطة. والعدد الّذي يتولّد منه بغير واسطة هو الاثنان. وأمّا الثّلاثة فلا توجد من الواحد إلّا بتوسّط (13) الاثنين، وكذلك الأربعة لا توجد منه إلا بتوسّط (14) الثّلاثة والاثنين وكذلك الخمسة لا توجد إلّا بتوسّط الأربعة، والثّلاثة، والاثنين وهكذا (15) كلّ
__________
(7) ما بين معقوفتين مستدرك من ط.
(8) في المطبوع: بأقلّ الكميّة. ورجحت ما أثبت مناظرة لما ورد بعد سطر، فإنه قابل بأكثر الكميّة. وقال: «يبتدئ من».
(9) في خ: «من أقلّ» وهو من اضطراب السّقط السابق والصواب ما في المطبوع.
(10) في ط: ويذهب التّجزّي إلى غير نهاية.
(11) في ط: فإذا اعتبرت.
(12) في ط: يسري إلى الأعداد فيصوغها.
(13) في ط: بواسطة.
(14) في ط: وكذلك الأربعة لا توجد إلّا بواسطة الثلاثة.
(15) في ط: وكذلك كل عدد.(1/76)
عدد لا يوجد من الواحد إلا بتوسّط ما بينه [وبين ذاك] (16) من الأعداد فيكون العدد الّذي بينهما هو الّذي يؤدّي (17) إليه قوّة الوحدانيّة فيصير موجودا بما يسري إليه من تلك القوّة. فالاثنان يؤدّيان قوّة الواحد إلى الثّلاثة والاثنان والثّلاثة يؤدّيان قوّته إلى الأربعة، والاثنان والثّلاثة والأربعة تؤدّي قوّته إلى [17] الخمسة وهكذا ما زاد بالغا ما بلغ (18).
فهذه كيفيّة تنشّؤ (19) العدد وتولّده من الواحد.
وأمّا كيفيّة انعطافه عليه كانعطاف (20) أحد طرفي الدّائرة على الطّرف الآخر فإنّ ذلك لا يكون إلّا بعد تولّد الأعداد منه واستيفائها (21).
مراتب الآحاد التّسعة الّتي عليها تدور مراتب الأعداد، وليست للعدد بعد التّسعة مرتبة ولكن كلّما بلغ عدد إلى مرتبة التّسعة انعطف إلى مرتبة الواحد فصار دائرة وهميّة.
بيان ذلك أنّ الواحد ينشأ منه الاثنان، وتؤدّي الاثنان قوّته إلى الثّلاثة، [فيكون الثّلاثة من الواحد بواسطة الاثنين وكلاهما علّة لوجود الثّلاثة] غير أنّ الاثنين علّة قريبة، والواحد علّة بعيدة. ثم تؤدّي
__________
(16) زادها في الطبعة المصرية فزدناها للمعنى.
(17) في ط: تؤدّي إليه.
(18) في ط: بالغا ما بلغه.
(19) في ط: كيفية نشوء العدد.
(20) في ط: فانعطاف.
(21) في ط: واستبقائها.(1/77)
الثّلاثة ما سرى إليها من قوّة الاثنين وقوّة والواحد إلى الأربعة، فتكون الأربعة من الواحد بوساطة (22) الثلاثة والاثنين. فيكون لوجود الأربعة ثلاث علل ثم يستمرّ الأمر كذلك (23) إلى أن تكون التّسعة بما يسري إليها من قوّة الواحد بوساطة الثّمانية.
ومنتهى مراتب العدد التّسع (24) عند وجود التّسعة فإذا تجاوزت قوّة الواحد التّسعة كوّنت (25) العشرة بتجاوز قوّة الواحد إليها مع قوّة التّسعة، واستدار العدد دوائر وهميّة إلى مرتبة الواحد لكمال المراتب، فكانت عشرة كواحد، وعشرون كاثنين، وثلاثون كثلاثة إلى أن تكون تسعون كتسعة وتسمّى هذه: دوائر العشرات. ثم تزيد على التّسعين تسعة لتقوم طبيعة العشرة (26) الّتي بها يصحّ وجود المائة فيصير العدد تسعة وتسعين.
فإذا تجاوزت (27) قوّة الواحد السّارية في الأعداد التّسعة والتّسعين قامت طبيعة المائة بما انتهى إليها من قوّة الواحد وقوى التّسعة والتّسعين واستدار العدد استدارة وهميّة إلى مرتبة الواحد فتكون مائة كواحد،
__________
(22) في ط: بواسطة الثلاثة بوساطة الثمانية.
(23) في ط: هكذا.
(24) في ط: وتنتهي مراتب العدد التسعة.
(25) في ط: تكوّنت العشرة بتجاوز قوّة الواحد إليها في قوّة التسعة.
(26) في ط: لتقويم طبيعة العشرة.
(27) في ط: فإذا تجاوز.(1/78)
ومائتان كاثنين، وثلاث مائة كثلاثة، وأربع مائة كأربعة إلى أن تصير تسع مائة كتسعة.
وتسمّى هذه: دوائر المئين. فإذا بلغ العدد تسع مائة كملت مراتب الآحاد التّسعة، فتزيد عليها تسعة وتسعين لتقوم بها طبيعة المائة فيجتمع لذلك تسع مائة وتسعة وتسعون (28).
فإذا تجاوزت قوّة الواحد السّارية في الأعداد هذا العدد يكون الألف بما سرى إليه (29) [18] من قوّة الواحد وقوى (30) الأعداد الّتي بينه وبينه (31) واستدار العدد استدارة وهميّة فرجع (32) إلى مرتبة الواحد فيكون ألف كواحد (33)، وألفان كاثنين (34)، وثلاثة آلاف كثلاثة إلى أن تصير تسعة آلاف كتسعة. وتسمّى هذه دوائر الآلاف (35).
وهكذا أبدا تنمي (36) الأعداد بما يسري إليها من قوّة الواحد بوساطة (37)
__________
(28) في ط: فتزيد عليها فتجتمع لك تسع مائة وتسعين.
(29) في ط: تكوّنت الألف بما يسري إليها.
(30) في ط: وقوى الأعداد التي بينه وبينها.
(31) أي: بين الواحد وبين الألف. فجاء بالضميرين مذكّرين لتذكير الواحد والألف.
(32) في ط: ورجع.
(33) في ط: الألف كواحد.
(34) في ط هنا، وفي عبارة سبقت مشابهة (كاثنان) على الحكاية.
(35) في ط: دوائر الألف.
(36) في ط: تسمّى الأعداد.
(37) في ط: بواسطة.(1/79)
الأعداد الّتي قبلها. ويكون كلّ عدد سبق (38) وجوده علّة لما تأخّر وجوده فيكون لما بعدت مرتبته عن مرتبة الواحد علل كثيرة كلّ واحد منها علّة لوجوده ويصير الواحد علّة العلل، وسبب الأسباب.
وكلّما كملت مراتب الآحاد التّسعة استدار العدد إلى مرتبة الواحد فصارت منه دوائر وهميّة (39).
وعلى مقدار بعد ذلك العدد من الواحد يكون عظم دائرته وصغرها.
فاعتبر ذلك تجده على ما قلناه.
ولأهل الهند وغيرهم في هذه الدّوائر العدديّة رموز وألغاز طوي عن النّاس علمها إذ كانت أذهان الجمهور تنبو (40) عن فهمها وعقولهم تقصر عن علمها.
ويرون أنّ في معرفة تنشّؤ (41) العدد من الواحد، ونسبته إليه، وانعطافه عليه (42)، وكمال مراتب الأعداد التّسعة عليه معرفة (43) العالم وكيف وجد عن البارئ تعالى.
__________
(38) في ط: ليسبق وجوده علّة.
(39) في ط: دائرة وهميّة.
(40) في ط: أذهان الناس تنبو.
(41) في ط: نشوء.
(42) في ط: وانعطافه عند كمال مراتب إلخ.
(43) في ط: (معرفته) نشوء العالم.(1/80)
قالوا: وليس يمكن الإنسان (44) أن يعلم حدوث الموجودات [وانبعاثها] (45) عن البارئ تعالى بطريق أقرب من طريق العدد.
وقد علم البارئ جلّ جلاله أنّ العقلاء المستعدّين بفطرهم (46)
الشّريفة لقبول الحكمة سيفكّرون (47) في حدوث الموجودات عنه فلا يقدرون (48) على تصوّر ذلك لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يتصوّر حدوث شيء إلّا من هيولى، وفي زمان وفي مكان وبحركة (49) وآلات [وأدوات.
ووجود الموجودات عن البارئ تعالى ليس هكذا] (50) لأنّ الأشياء كلّها محدثة مبدعة حدثت كلّها معا (52) فجعل البارئ عزّ وجلّ لمعرفة ذلك طريقا أسهل من هذه الطّريق، وهو (53) الاعتبار بنشء (54) العدد عن الواحد.
__________
(44) في ط: وليس يمكن للإنسان.
(45) «وانبعاثها» من ط.
(46) في ط: بفطرتهم.
(47) في ط: لقبول العلم سيتفكّرون.
(48) في ط: ولا يقدرون.
(49) في ط: بحركة.
(50) ما بين هذين قلابين سقط من: ط.
(52) في ط: حديثة كلها معا.
(53) في ط: وهي الاعتبار.
(54) في ط: بنشوء. وفي اللغة يقال: نشأ نشأ ونشأة ونشوءا.(1/81)
فكما أنّ الواحد علّة لوجود العدد وليس من العدد، فكذلك البارئ جلّ جلاله علّة لوجود العالم وليس من العالم.
وكما أنّ الواحد لو توهّم ارتفاعه وعدمه لارتفعت الأعداد كلّها وعدمت فكذلك البارئ تعالى [19] لو ارتفع وعدم لم يكن شيء موجودا.
وكما أنّ الأعداد كلّها لو ارتفعت لم يوجب ارتفاعها عدم الواحد كذلك الموجودات كلّها لو ارتفعت لم يوجب ذلك ارتفاع البارئ تعالى (55).
فثبت بهذا أنّ البارئ عزّ وجلّ غنيّ عن العالم والعالم مفتقر إليه.
وكما أنّ وجود الواحد وجود مطلق أعني أنّه لا يحتاج في وجوده إلى غيره ووجود الأعداد كلّها وجود مضاف [أعني أنّها غير مستقلّة بأنفسها في وجودها، لأنّ وجودها بوجود الواحد، وكذلك البارئ تعالى وجود مطلق لأنّه لا يحتاج في وجوده إلى غيره، ووجود الموجودات كلّها وجود مضاف] لأنّ وجودها مقتبس من وجوده فائض عنه (56).
وكما أنّ الأعداد كلّها اقتبست الوجود من الواحد من غير حركة ولا زمان ولا مكان ولم يحتج الواحد في إيجادها إلى شيء آخر غير ذاته
__________
(55) في ط: «لو ارتفعت لم يوجب ذلك ارتفاع الواحد، فكذلك لو ارتفع جميع الموجودات لم يوجب ذلك ارتفاع البارئ تعالى».
(56) في ط: وفائض عنه.(1/82)
فكذلك حدوث الموجودات عن البارئ تعالى بغير حركة، وبغير زمان وبغير مكان، وبغير أدوات، ومن غير أن يحتاج في إيجادها إلى شيء غيره.
وكما أنّ الواحد يوصف بأنّه تقدّم الأعداد بالزّمان، ولا يبطل ذلك بأن تكون (57) الأعداد محدثة عنه، كذلك لا يوصف (58) البارئ بأنه تقدّم العالم بالزمان ولا يبطل ذلك أن يكون العالم محدثا عنه.
وكما أنّ الواحد لم يتغيّر (59) عن وحدانيّته بكثرة ما حدث من الأعداد عنه ولم يوجب ذلك تكثّرا في ذاته ولا استحالة في جوهره، فكذلك حدوث العالم على كثرته لم يوجب (60) تغيّر الباري: تعالى عن وحدانيّته، ولا تكثّرا في ذاته تعالى الله عن صفات النّقص.
وكما أنّ الأعداد توجد عن الواحد بتوسّط الآحاد التّسعة، وما يجتمع في العشرة من قواها كذلك وجدت الموجودات عن البارئ تعالى بوساطة (61) الثّواني التّسعة وما اجتمع (62) في الموجود (63) العاشر من القوى
__________
(57) في ط: ولا يبطل ذلك أن يكون.
(58) في ط: وكذلك الباري سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه
(59) في ط: لا يتغيّر.
(60) في ط: فكذلك حدوث العالم وكثرته لا توجب تغيّر الباري
(61) في ط: بواسطة الثّواني.
(62) في ط: وما يجتمع.
(63) في المطبوع: «وما اجتمع في الموجود (العقل) العاشر» والقوس الذي عند (العقل) من المطبوع.(1/83)
السّارية إليه من الثّواني، وما فاض عليه من قوّة الوحدانيّة بوساطتها (64).
وكذلك إذا اعتبر المعتبر وفكّر المفكّر وجد كلّ شيء من الموجودات إنّما حصل (65) موجودا بأن صارت له ذات يوجد بها وانفصل من غيره (66).
وتلك الوحدة الّتي تهوّى بها وتوحّد (67) إنّما سرت إليه من البارئ تعالى بوساطة (68) ما بينه وبينه من الموجودات. وتلك الوحدة هي هويّته وصورته التي بها قوامه، وتميّزه عن (69) سواه، فمتى فارقته تلك [20] الوحدة عدم.
فسريان الوحدة من البارئ تعالى إلى الأشياء (70) هو الّذي كوّنها، واقتضى (71) وجودها على مراتبها، وصيّر بعضها عللا لبعض وهو تعالى علّة وجود الجميع، ولذلك سمّوه علّة العلل، والفاعل المطلق، والفاعل بالحقيقة لأنّ فعل غيره إنّما هو فعل بالمجاز. وبالإضافة (72) لأنّه
__________
(64) في ط: بواسطتها.
(65) في ط: يصير.
(66) في ط: ذات يتوحّد بها وفصل يفصل من غيره.
(67) في ط: التي بها توجد إنما سارت إليه
(68) في ط، بواسطة.
(69) في ط: وتميّزه عمّن سواه.
(70) في ط: للأشياء.
(71) في ط: وأفاض الوجود على مراتبها.
(72) في ط: والإضافة.(1/84)
يقبل الفعل عمّا هو أسبق منه وجودا (73)، ويؤدّيه إلى ما بعده. فهو منفعل لما فوقه وفاعل لما دونه (74) وهو منفعل بالحقيقة فاعل بالمجاز والإضافة، فيكون مبدأ الأفعال من فاعل لا ينفعل كغيره البتّة، ومنتهاها إلى منفعل لا يفعل البتّة وما بينهما فاعل فيما دونه منفعل لما فوقه.
ولما ذكرناه في هذا الباب قالت الحكماء إنّ البارئ تعالى مع كلّ شيء (75).
وإنّما أرادوا بذلك وجود آثار صنعته في الموجودات، وسريان الوحدة منه التي بها تكوّنت (76) المحدثات. ولم يريدوا بذلك أنّه يحلّ الأمكنة (77)، ويقع تحت الأزمنة أو يلتبس بشيء من العالم. تقدّس عن ذلك وعلا علوّا كبيرا.
وقد غلط قوم من الفلاسفة في هذا الموضع غلطا فاحشا فزعموا أنّ البارئ تعالى عن قولهم (78) سيّالة في العالم (79) ولهذا قال ثالس (80):
__________
(73) في ط: عما هو أسبق وجودا منه.
(74) في ط: وفاعل لما تحته.
(75) في ط: في كل شيء إنما أرادوا.
(76) في ط: تكون المحدثات.
(77) في ط: أنه بكلّ الأمكنة.
(78) عبارة (عن قولهم) لم ترد في ط.
(79) في ط: صورة تتهيّأ له في العالم.
(80) ثالس، ويرسم عادة: طالس (نحو 547624ق. م من ملطية (في اليونان)، قال فيه في الموسوعة الفلسفية: 284: أول فيلسوف إغريقي قديم معروف من الناحية(1/85)
إنّ الله ناشب في الأشياء (81).
وقال زينون (82): إن كرة العالم هو الله تعالى (83) وأنّ المعلول هو العلّة.
وإنّما حملهم على هذه الآراء الفاسدة ما رأوه من سريان الوحدة في الموجودات، وأنّ وجود كل شيء متعلّق بوجود البارئ تعالى. وسمعوا مع
__________
التاريخية. واشتغل بالرياضيات والفلك، واطلع على مدونات المصريّين والبابليّين عن الأجرام السماويّة. وفي الموسوعة الفلسفية المختصرة: (280) ويبدو أن طاليس قد قال بأن الأشياء كلها مملوءة بالآلهة» وفسّرت هنا بمعنى أنها مملوءة بالروح أو الحركة، ومبدأ الحياة الذي بسبب سعته وقوته لا بدّ أن يكون إلهيّا.
وفي الموسوعة الفلسفية 1: 227قال د. بدوي: وهم يذكرون عن طاليس أنه كان يقول بإله واحد، وأن هذا الإله مختلف عن الإنسان، وأن صفات الله ليست تلك الصفات التي ينسبها الشعراء إلى الآلهة فإنها صفات إنسانية خالصة. ثم قال: إن ما ينسب إليه من هذه الناحية مشكوك فيه الخ ويراجع مقاله فيه.
(81) في ط: إن الله تعالى ثابت في الأشياء.
(82) زينون: هو زينون الإيلي (نحو 430490ق. م) من تلاميذ برمنيدس أول الفلاسفة الحقيقيّين في المدرسة الإيليّة.
قال د. بدوي في الموسوعة الفلسفيّة «ويعدّه البعض أوّل فيلسوف ميتافيزيقي وجد في بلاد اليونان، خصوصا إذا لاحظنا أنه قد قصر بحثه على فكرة الوجود، ونظر إلى الوجود بحسبانه شيئا مجرّدا وليس هو الطبيعة نفسها، كما أضاف إلى الوجود الصفات الأصليّة التي تجعل من هذا الوجود كالألوهية سواء بسواء، ولهذا لم يكن يفرّق بين الوجود والآلهة فالوجود أوّلا يتصف بالوحدة لأنه لا شيء غير الموجود، ويتّصف ثانية بالثبات».
(83) في ط: هي الله.(1/86)
هذا (84) قول القدماء من الحكماء: إنّ الله تعالى مع كل شيء (85) فتنتج لهم من ذلك هذا (86) التوهّم الخبيث ولم يفكّروا في أنّ (87) ذلك يقودهم إلى المحال، لأنّه لو كان كذلك لكان البارئ تعالى محمولا في غيره، لأنّ كلّ صورة مفتقرة إلى موضوع يحملها (88). ويلزم من ذلك أن يكون العالم قديما، وتبطل دلائل الحدوث، ويلزم منه (89) أن يكون البارئ تعالى واقعا تحت الأزمنة، محلّا (90) في الأمكنة في استحالة دائمة لأنّ من شأن الهيولى أن يلبس الصّورة تارة، ويخلعها تارة، وأن يكون البارئ تعالى شخصا تارة (91)، وتارة نوعا. وتارة جنسا، [وتارة فصلا] (92)، وتارة فاعلا وتارة [21] منفعلا.
وشبه هذا من المحال (93). نعوذ بالله من الخذلان!
ومثل هؤلاء إنّما يعدّون في سخفاء الفلاسفة لا في عقلائهم (94)، وفي
__________
(84) في ط: وسمعوا مع ذلك
(85) في ط: إن الله تعالى في كل شيء فأنتج
(86) كلمة (هذا) لم ترد في: ط.
(87) في ط: لم يفكروا أنّ
(88) في ط: موضوع يحلّها
(89) في ط: ويلزمهم أن
(90) في ط: محتملا
(91) في ط: تارة شخصا.
(92) ما بين معقوفتين من ط فقط. وتتمة العبارة لم ترد في ط.
(93) في ط: من المحالات.
(94) في ط: ومثل هؤلاء يعدّون من سخفاء لا من(1/87)
جهّالهم لا في علمائهم (95).
وقد أجمع العارفون بالله عزّ وجلّ (96) أنّ الله تعالى مباين للعالم من جميع الجهات: لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء (97) مباينة لا تقتضي تحيّزا بمكان وانفصالا وأنّه موجود (98) مع كل شيء وجودا لا يقتضي ممازجة واتّصالا، بل صفة مباينة وصفته صفة لا تحيط بها العقول (99).
وإنّما يعلم ذلك بما يدلّ عليه الدّليل (100) من غير تصوير ولا تمثيل كسائر صفاته الّتي تثبت ولا تكيّف.
وقد ردّ أرسطاطاليس (101) كلّ قول من هذه الأقوال (102)، وأنكره، وضلّل قائله وكفّره.
فإن قال قائل: كيف أنكر هذه الأقوال (1020) وكفّر من قالها، وهو قد قال (103) في كتابه المرسوم ب (ما بعد الطّبيعة) إن البارئ تعالى علّة
__________
(95) في ط: ومن جهالهم لا من علمائهم.
(96) في ط: وأجمع العارفون بالله تعالى على أن الله عزّ وجلّ مباين الخ
(97) في ط هنا تقديم وتأخير بين العبارتين.
(98) في ط: وأنّه موجود منه كلّ شيء.
(99) في ط: بل صفة جليّة وصفية لا تحيط بها العقول.
(100) في ط: بما تدلّ عليه الدلائل.
(101) في ط: أرسطو.
(102) في ط: من هذه الأقاويل.
(1020) في ط: من هذه الأقاويل.
(103) في ط: وهو قال في كتابه الموسوم.
كان أرسطو يسمّي كتابه هذا: الفلسفة الأولى، وإنما سمّاه: ما بعد الطبيعة أندرونيقوس (عاش في القرن الأول قبل الميلاد) ويتألف من أربع عشرة مقالة.(1/88)
للعالم (104)، على معنى أنّه فاعل له، وأنّه غاية له، وأنّه صورة [له].
فالجواب: أنّه لم يرد ما توهّمته (105). وكيف يصحّ أن ينكر شيئا ويقول بمثله؟ (106) وقد صرّح بأنّ البارئ سبحانه (107) لا يوصف بالصّورة الشّخصيّة ولا بالصّورة النّوعيّة ولا بصفة يلحقه بها نقص تعالى عن ذلك وأنّه مباين (108) للأشياء غير موصوف بصفاتها فثبت بهذا أنّه إنّما وصفه بأنّه صورة للعالم بمعنى لا يلحقه به نقص ولا شبه كما يسمّى حيّا وعالما وقادرا ونحو ذلك على معان [لا توجب شبها، ولا تقتضي نقصا، وذلك على ثلاثة معان] (109)
أحدها: أنّه لمّا لم يكن وجود على الحقيقة (110) إلّا البارئ تعالى ومصنوعاته، ولم يكن له ضدّ ولا ندّ، وكان هو الموجود على الإطلاق، فوجود (111)
مصنوعاته مقتبس من وجوده حتّى إنّه لو توهّم ارتفاعه تعالى لارتفع كلّ موجود وصار وجود العالم كلا وجود إذ لم يكن له قوام بذاته وصار
__________
(104) في ط: علّة العالم على معنى أنه فاعل، وأنه غاية له، وأنّه صورة له.
(105) في ط: ما توهّمه.
(106) في ط: وهو يمثّله.
(107) في ط: وقد صرّح بأن البارئ تعالى لا يوصف بالصورة الخ.
(108) في ط: وإنما هو مباين للأشياء بمعنى أنه غير موصوف.
(109) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.
(110) في ط: أنه لمّا لم يكن موجودا بالحقيقة إلا الباري.
(111) في خ: ووجود. والمثبت من: ط.(1/89)
كأنّه موجود واحد (112)، وصار كأنه صورة له إذ كان وجوده (113) به كما يوجد المصوّر بصورته وإن كان تعالى لا يوصف بالصّورة
وقد قال أفلاطون (114) نحو هذا في كتاب طيماوس وذلك أنّه قال:
«ما الشّيء الّذي هو موجود الدّهر وليس له تكوّن البتّة؟
وما الشّيء الذي (115) يتكوّن [22] الدّهر وليس له البتّة وجود؟ (116)».
فالأوّل (117): الأنواع والأجناس، والثّاني: الأشخاص.
فجعل الأشخاص الّتي هي موجودة عندنا (118) كأنّها غير موجودة لأنّها في سيلان متّصل، واستحالة دائمة. وأثبت الوجود لأنواعها وأجناسها وإن كانت غير موجودة بالحواسّ عندنا لثباتها على حال
__________
(112) في ط: وصار كأنه موجودا واحدا.
(113) في ط: موجودا به.
(114) من كتب أفلاطون: كتاب طيماوس (الموسوعة الفلسفية 1: 157)
وصدر الكتاب في ترجمة عربية، في دمشق 1968عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي (ترجمة الأب فؤاد جرجي بربارة وتحقيق ألبير ريقو وتقديمه: بعنوان، الطيماوس واكريتّيس).
(115) في ط: الشيء الذي والشيء الذي يتكوّن
(116) في ط: يتكون في الدهر ليس له وجود البتّة.
(117) في ط: أراد بالأوّل: الأنواع وبالثّاني
(118) في خ: عندها. والمثبت من: ط.(1/90)
واحدة (119) لا تتغيّر عن طبعها. فهكذا جعل أرسطاطاليس (120) العالم حين كان لا قوام له بنفسه، كأنّه غير موجود، وجعل الوجود (121) إنّما هو البارئ عزّ وجلّ وحده، وجعله كالصّورة الّتي لا يوجد المصوّر إلّا بها تقريبا لا حقيقة حين كان وجوده سببا لوجودها (122) كما تكون الصّورة سببا لوجود مصوّرها.
وتسمّي الصّوفيّة هذا: الفناء (123) في التّوحيد، ويرونه أرفع مراتبه فهذا أحد المعاني الّتي بها سمّي (124) البارئ تعالى صورة للأشياء.
والمعنى الثّاني: أنّه تعالى أفاض من وحدته على كلّ موجود ما صارت (125) له به هويّة يتصوّر بها فكلّ موجود إنّما يوجد بتلك الوحدة الّتي سرت منه إليه بصورته (126).
__________
(119) في ط: على حال واحد لا تتغيّر.
(120) في ط: أرسطو.
(121) في ط: وجعل الموجود هو الباري وحده
(122) في ط: سببا لوجوده
(123) في ط: ويسمّي هذا الصوفية: الفناء الخ.
وفي خ: «هذا لبنا في التوحيد». وأثبت كلمة الفناء من: ط.
(124) في ط: يسمّى.
(125) في ط: ما صار.
(126) في ط: بصورتها.(1/91)
والمعنى الثّالث: أنّ الصّورة هي غاية المصوّر وكماله لأنّ الشّيء إذا كان بالقوّة فهو على كماله الأوّل. فإذا خرج إلى الفعل كان على كماله الآخر (127).
وخروجه من القوّة إلى الفعل إنّما هو بالصّورة.
فلمّا كان البارئ تعالى هو الّذي أخرج العالم من القوّة إلى الفعل، أعني من العدم إلى الوجود، صار من هذا الوجه كأنّه صورة للعالم (128)، وإن كان غير صورة على الحقيقة.
وسترى (129) كلامنا، فيما بعد هذا، بما يزيد (130) هذا المعاني وضوحا إن شاء الله تعالى.
__________
(127) في ط: صار على كماله الآخر.
(128) في ط: صورة العالم.
(129) في ط: وسترى في كلامنا.
(130) في ط: بأزيد من هذه المعاني(1/92)
الباب الخامس في شرح قولهم: إنّ صفات البارئ تعالى لا يصحّ أن يوصف بها إلّا على وجه السّلب
اعلم أنّ الصّفات نوعان:
نوع يوصف به (1) الموصوف لإزالة اشتراك يكون بينه وبين موصوف آخر، كقولك: «جاءني زيد» والمخاطب يعرف رجلين كلّ واحد منهما يسمّى بهذا الاسم، أو رجالا: كلّ واحد منهم له هذا الاسم [23] فيحتاج المخبر أن يصفه بصفة يمتاز بها عند المخاطب ممّن يشاركه في اسمه.
والنّوع الآخر: لا يراد به إزالة اشتراك (2)، ولكن يراد به مدح الموصوف، أو ذمّه. والمخاطب غنيّ عن أن يوصف له المذكور كقول القائل: رأيت ابنك النّجيب، وليس لمن تخاطبه إلّا ابن واحد ونحو ذلك.
وصفات البارئ جلّ جلاله كلّها من هذا النّوع الثّاني (3) إنّما هي صفات يمجّده بها الواصفون، ويثني عليه بها المثنون.
__________
(1) في ط: يوصف بها لإزالة الاشتراك.
(2) في ط: الاشتراك.
(3) في ط: من هذا النوع، وهذا النوع إنما هو صفات إلخ.(1/93)
ولمّا كان البارئ جلّ جلاله بائنا عن جميع الموجودات (4) غير مشبّه بشيء من المخلوقات صار المثني عليه مقصّرا في ثنائه وإن اجتهد غير بالغ (5) ما يستوجبه وإن عظّم ومجّد.
وبيان ذلك أنّ المدح ثلاثة أنواع (6):
إفراط
واقتصاد
وتقصير
فالإفراط: أن يرفع المادح الممدوح إلى مرتبة أرفع من مرتبته، ومنزلة أعلى من منزلته.
والاقتصاد: أن لا يتجاوز به مرتبته، ولا يتخطّى منزلته.
والتّقصير: أن يحطّه عن مرتبته، ولا يوفّيه حقّ منزلته.
فالوجهان الأوّلان محال (7) في وصف البارئ تعالى لأنّه لا يمكن المادح (8) أن يمدحه بما يستحقّه ويستوجبه لأنّ مرتبته مجهولة الكنه، لا تحيط بها العقول وليس فوق مرتبته مرتبة أعلى منها فيرفع (9)
__________
(4) في ط: جميع المحدثات غير مشبه لشيء.
(5) في ط: غير بالغ لما.
(6) في ط: على ثلاثة أنواع.
(7) في ط: محالان.
(8) كلمة (المادح) لم ترد في: ط.
(9) في ط: فيرفعه.(1/94)
إليها لأنّه نهاية الأشياء وغايتها فليس في مدح المادح له إفراط ولا اقتصاد. وكلّ مادح له مقصّر في مدحه غير واصف له بالواجب من حقّه، لأنّه يصفه بصفات: المعقول منها (10) معان مخالفة لما هو عليه.
فإذا قال: إنّه حيّ، [وإنّه عالم، وإنه سميع] (11)، وإنّه بصير، فإنّما يصفه بصفات إن حملت على تعلّقه بجزء منها لم تلق به عزّ وجلّ، وأوجبت شبهه بالمخلوقات، تعالى عن ذلك (12).
فلهذه العلّة افترق النّاس في وصفه جلّ جلاله فرقتين: فقالت فرقة لا تثبت له صفة على طريق الإيجاب لأنّ ذلك يوجب شبهه بخلقه، ولكن تسلب عنه أضداد هذه الصّفات فلا نقول عنه (13):
عالم، ولكن نقول: ليس بجاهل ولا نقول: هو (14) قادر ولكن ليس بعاجز ولا نقول: هو موجود، ولكن: ليس بمعدوم.
وقالت فرقة ثانية: نوجب له الصّفات [24] ونتبعها حرف السّلب لنزيل ما توهّم فيه من التّشبيه بالمخلوقين (15) فنقول: هو حيّ لا كالأحياء، وعالم لا كالعلماء، وموجود لا كالموجودات.
__________
(10) في ط: المعقول فيها.
(11) ما بين قلابين لم يرد في: ط.
(12) في ط: إن حملت على ما نعقله نحن منها لم يلق به عزّ وجلّ، بل هذا رأي خبيث من الّذين شبّهوه بالمخلوقات، تعالى عن ذلك.
(13) كلمة (عنه) لم ترد في: ط.
(14) في ط: ولا نقول: قادر، ولكن نقول: ليس بعاجز، ولا نقول هو موجود ولكن نقول: ليس بمعدوم.
(15) في ط: من الشّبه للمخلوقات.(1/95)
قالوا:
وإذا قلنا: هو حيّ، وموجود، وعالم، وقادر ولم نذكر حرف السّلب فإنّما نترك (16) ذاك اختصارا ولا بدّ من أن يكون مضمّنا في الصّفة، وإن لم يكن مضمّنا فيها لم تصحّ (17).
فإن قال قائل: من أين كرهت الفرقة الأولى إيجاب الصّفة، وأبوا أن يصفوه إلّا على وجه السّلب، وقد علمنا أنّ قول القائل: «زيد ليس بجاهل» يفيد ما يفيده قولنا: «زيد عالم»؟
فالجواب أنّ القول المنفيّ لا يوجب حكما غير حكم النّفي، وليس يحصل منه (18) تشبيه ولا تمثيل يقع بهما قياس كما يحصل من الإيجاب.
ألا ترى أنّك إذا قلت (19): «زيد غير قائم» و «عمرو غير قائم» فقد نفيت (20) عنهما جميعا القيام، ولم توجب لهما اجتماعا في معنى آخر لأنّه (21) قد يجوز أن يكون أحدهما قاعدا والآخر نائما [أو] مضطجعا (22)
وكلاهما غير قائم؟
__________
(16) في ط: نتركه.
(17) في ط: لم يصحّ.
(18) في ط: يحصل فيه.
(19) في ط: أنّا إذا قلنا.
(20) في ط: فإنّا نفينا ولم نوجب.
(21) في ط: إلّا أنه.
(22) حرف (أو) زيادة من عندي. والذي في المطبوع: أحدهما قاعدا والآخر مضطجعا(1/96)
وكذلك أنّا (23) إذا نفينا عن نفسين البياض لم نوجب لهما اجتماعا (24)
في لون آخر من حمرة أو صفرة أو سواد أو غير ذلك.
وكذلك لو شهد شاهدان عند حكم (25) بأنّ زيدا لم يبع ضيعته من عمر ولم يكن موجبا أنّ عمرا لا يملكها (26) لأنّ للملك وجوها كثيرة غير البيع. فليس في شهادتهما أكثر من نفي البيع. وهذا أمر متّفق عليه في الأضداد الّتي بينهما وسائط. فأمّا الأضداد التي ليس (27) بينهما وسائط ففيها خلاف.
فقوم يرون أنّ القائل إذا قال: «في الدّار رجلان أحدهما ليس بحيّ» فقد أوجب أنّ الآخر حيّ.
وقوم يرون أنّه لم يوجب أكثر من موت الّذي نفى عنه الحياة فقط.
وكذلك إذا قال (28): «أحدهما حيّ» فقد أوجب الموت للآخر عند من رأى (29) الرّأي الأوّل. وليس فيه إيجاب موت الآخر على رأي من رأى الرّأي الثّاني.
ولا حاجة بنا إلى ذكر ما احتجّ به كلّ واحد من الفريقين في هذا
__________
(23) في ط: وكذلك إذا نفينا عن جسمين.
(24) في ط: اشتراكا.
(25) في ط: حاكم.
(26) في ط: لم يكن ذلك موجبا إلا أن يكون عمرو ملكها لأنّ للملك
(27) في ط: ليست.
(28) في ط: كان أحدهما حيّا.
(29) في ط: فقد أوجب موت الآخر على رأي من رأى(1/97)
الموضع لأنّ ذلك ليس ممّا قصدناه وإنّما قصدناه هاهنا شرح معنى قولهم: إنّ صفات البارئ جلّ جلاله لا تصحّ حتّى يقرن بها حرف السّلب [25].
باب ذكر الشّبه الّتي اغترّ بها (30) من زعم أنّ صفات الله (31) محدثة جلّ عن ذلك
اعلم عصمنا الله وإيّاك من الضّلالة، وأرانا سبل العلم والجهالة (32) أنّ ما دعا هؤلاء القوم (33) إلى هذا الاعتقاد الخبيث أنّهم رأوا أنّ إثبات الصّفات لا يصحّ إلّا على وجهين:
أحدهما: العقل والنّظر.
والآخر: السّمع والبصر (34).
__________
(30) في ط: باب ذكر التشبيه الذي اغترّ به
(31) في ط: تعالى عن قولهم.
(32) في ط: سبل العلم والهداية.
وقوله: سبل العلم والجهالة: أي: معرفة طريقي العلم والجهل للتمييز بينهما.
ولكل من عبارتي (ط) و (خ) وجه مقبول.
(33) في ط: أن السبب الذي دعا هؤلاء القوم إلى هذا الرّأي الخبيث أنّهم
(34) في ط: السّمع والخبر.(1/98)
ولا طريق إلى إثباتها إلّا (35) من هذين الوجهين. [وإنما يصحّ كلّ واحد من هذين الوجهين] (36) بوجود المحدثات. فلمّا كان البارئ تعالى في القدم قبل حدوث الأشياء منفردا بالوجود، ولم يكن هناك موجود يستدلّ عليه بآثار مصنوعاته (37)، ويخاطبه هو تعالى بمشروعاته لم يكن حينئذ موصوفا بصفة لعدم المخاطبين والمعتبرين. فلمّا أحدث الموجودات وقع حينئذ الاستدلال عليه، ومخاطبته للبشر (38) بأنّه حيّ وبأنّه عالم، وبأنّه قادر، ونحو ذلك فوصف حينئذ بالصّفات، ووصف نفسه هو بها. فصارت الصّفات محدثة بحدوث الموجودات.
ومن لا يقرّ بالنّبوّات، ولا يعترف بأنّ الله بعث بشرا فالصّفات على رأيه أمور أحدثها المخلوقون (39)، ثم استدلّوا عليه بآثار مصنوعاته، واشتقّوا (40) له من أفعاله وما تقرّر في نفوسهم من معرفة صفات وصفوه بها.
فيقال (41) لمن قال بهذا القول الفاسد: هذا الّذي قلتموه (42) لا يبطل
__________
(35) أكثر من هذين الوجهين.
(36) ما بين قلابين لم يرد في ط، وسقط منه سهوا.
(37) في ط: بآثاره ومصنوعاته، ومخاطبته.
(38) في ط: ومخاطبته البشر.
(39) في ط: المخلوقات.
(40) في ط: بآثاره ومصنوعاته فاشتقّوا.
(41) في ط: فنقول.
(42) في ط: هذا الذي قلتموه من معرفة أنّه صفات وصفوه بها لا يبطل(1/99)
أن يكون موصوفا بالصّفات النّفسانيّة في الأزل، فيكون عالما، قادرا [مريدا]، موجودا وإن لم يكن هناك مخلوق يستدلّ أو يخاطب (43).
وليس من جهة الشّرط (44) في الصّفات النّفسانيّة ألّا تثبت لموصوفها حتّى يوجد من يصفه بها، ويخاطب بصحّتها.
وإنّما حدث العلم للعلماء (45) من الخلق باعتبارهم، وبمخاطبة الله إيّاهم بعد أن كانوا جهّالا بالصّفات.
وأمّا الصّفات أنفسها فثابتة له تعالى، لا يبطلها جهل من جهلها كما لا يثبتها علم من علمها.
ويدلّ (46) على صحّة قولنا وبطلان قولهم أنّ الكتاب لا يبطل كتابته عدم المكتوب وكذلك الباني لا يبطل صفته بالبنيان عدم [26] المبنيّ ولا يلزم إذا علمنا الشّيء أن يكون المعلوم والعلم [معا] (47)
بالزّمان ولكن العالم قد يعلم الشّيء الموجود في وقت علمه، وقد يعلمه (48) بعد مضيّه، ويعلم أنّه سيكون في الوقت الّذي يجب أن يكون فيه.
__________
(43) في ط: مخلوق يستدلّ به أو مخاطب.
(44) في ط: وليس من شروط الصفة النفسانية.
(45) في ط: للحكماء. وفي بلاثيوس: العالم للحكماء. وفي ط: أو بمخاطبة الله ايّاهم.
(46) في ط: وقد دلّ.
(47) في ط: «العلم والمعلوم معا». وزدنا (معا) من ط. وقد ترك لها ناسخ (خ) فراغا.
(48) في خ: «يعلم». وأثبتنا ما في: ط.(1/100)
ومن الدّليل على فساد ما قالوه أنّ من صفاته عزّ وجلّ ما يتعلّق بالذّات (49) كقولنا: إنّه شيء، وإنّه موجود، وإنّه حيّ. فيجب على هذا الرّأي الفاسد أن يكون البارئ تعالى كان في الأزل قبل خلق (50)
الأشياء غير شيء وغير موجود، وغير حيّ (51) وهذا يوجب أنّه كان معدوما، ويلزمهم إن كانت الصّفات محدثة مع الأشياء أن يخبرونا من أحدثها له. فإن كان هو الّذي أحدثها لنفسه فكيف يجعل نفسه موجودا من هو معدوم؟ وشيئا من ليس بشيء؟ وحيّا من ليس بحيّ؟
وحقّا من ليس بحقّ؟
وإن كان غيره أحدثها له: لم يخل ذلك الغير أن يكون إلها آخر غيره.
أو يكون البشر هم الّذين أحدثوها له.
فإن كان أحدثها له إله آخر فهو أحقّ بالعبادة منه.
وإن كان أحدثها البشر فكيف يحدثونها له (52) وهو الذي أحدثهم.
وإن جاز للمعدوم أن يحدث موجودا (53) فما الّذي ينكر من أن يكون العالم هو الذي أحدث نفسه؟
__________
(49) في ط: أنّ من صفاته عزّ وجلّ ما لا يتعلّق بالذّات، وما لا يتعلّق بشيء من الموجودات، وأنه موجود وأنه حقّ وأنّه حيّ.
(50) في ط: قبل خلقه الأشياء.
(51) في ط: وغير حقّ.
(52) في ط: فكيف أحدثوها له؟
(53) كلمة (موجودا) لم ترد في: ط.(1/101)
وكيف [يحدث] (54) غيره من هو محتاج إلى أن يحدث نفسه (55)؟
وكيف يصحّ أن يوصف بالأزل من ذاته وصفاته محدثات؟
فإن قال قائل: فإذا أثبتّم له تعالى الصّفات فهل تقولون إنّها راجعة إلى الذّات بنفسها (56) أم إلى معان غير الذّات؟
[ففي هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّها ترجع إلى معان غير الذّات وهو قول المجسّمة] (57). وهذا (58)
كفر بحت، نعوذ بالله منهم، لأنّهم جعلوا البارئ تعالى حاملا ومحمولا، وجوهرا تتعلّق به الصّفات والأعراض. تعالى الله عن قولهم.
والوجه الثّاني (59): أنّها على اختلافها ترجع إلى الذّات لا إلى معنى غيرها زائد عليها بأنّه عالم وأنّه علم وأنّه حيّ وأنّه حياة (60)، ذات واحدة لا تغاير فيها.
__________
(54) من: ط.
(55) إلى من يحدث نفسه؟
(56) في ط: بعينها.
(57) ما بين قلابين لم يرد في: ط.
(58) في ط: الأول قول المجسّمة، وهو كفر بحت نعوذ بالله منه. وفي بلاثيوس: وهو كفر بحت.
(59) في ط: والقول الثاني.
(60) في ط: بأنه عالم وأنّه حيّ، ذاته واحدة لا تغيّر فيها.(1/102)
وكذلك سائر صفات الذّات.
وهذا قول كبراء (61) الفلاسفة وزعمائهم وإليه ذهب الشّافعيّ وداود (62) وجماعة من علماء [27] المسلمين.
وقال قوم: لا نقول إنّها هو (63) ولا إنّها غيره.
فاعترض (64) عليهم من قال: إنّها غير زائدة على الذّات بأن قالوا:
«ليس يعقل شيئان ليس أحدهما الآخر ولا هو غيره (65)». فاعترض عليهم أصحاب هذا القول وقالوا: من أين استحال إثبات شيئين ليس أحدهما الآخر ولا هو غيره (66)؟ فإن قلتم: لأنّ هذا خلاف المعهود، قلنا لكم: فكيف جاز لكم أن يكون العالم هو العلم، والحياة هو الحيّ، والقادر هو القدرة وهذا كلّه خلاف المعهود؟ فإن جاز لكم هذا جاز لنا (67) إثبات شيئين لا يقال إنّ أحدهما هو الآخر، ولا هو غيره، وإن كان خلاف المعهود.
__________
(61) في ط: أكثر.
(62) الإمام الشافعي، وداود الظّاهري رأس المذهب الظّاهري.
(63) في ط: لا تقولوا إنّها هي هو ولا أنّها غيره.
(64) في ط: فإن اعترض.
(65) في ط: بأن قال: لا يعقل شيئان أحدهما ليس هو الآخر.
(66) في ط: ليس أحدهما هو الآخر ولا غيره.
قوله بعد هذا: «والحياة هو الحي» كذا ورد ترتيب الألفاظ في النسخ كلها.
(67) في ط: ولم يجز لنا إثبات شيئين لا يقال إنّ أحدهما(1/103)
قالوا: ونسألكم: هل يجب إذا قام الدّليل على صحّة شيء (68) أن يبطل إذا لم يوجد له نظير من المعهود أم لا؟ فإن أوجبتم أنّه لا يصحّ إثبات شيء حتّى يكون له نظير من المعهود لزمكم أن يبطل (69)
قولكم: إنّ العلم هو العالم، والحياة هو الحيّ على ما قدّمنا. ولزمكم ألّا تثبتوا شيئا ليس في زمان ولا مكان، ولا يشبه شيئا، ولا يشبهه شيء لأنّه كلّه خلاف [المعهود].
وإن وجب أن يثبت الشّيء إذا دلّ عليه الدّليل من غير أن يوجد له نظير صحّ قولنا: إنّ صفات البارئ تعالى وجلّ لا يقال إنّها هو ولا (70) إنّها غيره كما صحّ وصفه بأشياء يخالف جميعها المعهود.
قالوا: فإن قال لنا (71) قائل: فمن أين صحّحتم (72) قولكم وأبطلتم قول خصومكم من المعتزلة إنّ الله عالم بلا علم، قادر بلا قدرة ونحو ذلك؟ وقد استوى قولكم (73) وقولهم في أنّه خلاف المعهود؟.
فالجواب: أنّا إنّما قلنا إنّ قولنا هو الصّحيح لأنّ قولنا مبنيّ على أصل صحيح يجوز أن يوصف الله تعالى به.
__________
(68) في ط: صحّة الشيء.
(69) في ط: لزمكم بطلان قولكم.
(70) في ط: ولا يقال.
(71) في ط: فإن قال قائل.
(72) أي: من أين عددتموه (جعلتموه) صحيحا؟
(73) في ط: قولك.(1/104)
وقولهم مبنيّ على أصل فاسد، وهو أنّ صفات الله محدثة، وهو أمر يبطله الشّرع (74) والعقل. وأيضا فإنّ نصوص الشّرع تصحّح قولنا وتبطل قولهم لأنّ الله تعالى قد أثبت لنفسه علما في نصّ القرآن.
وتواترت الأخبار عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بأنّ له قدرة وإرادة، ونحو ذلك ممّا لا تقدر المعتزلة على دفعه (75).
وإنّما في قولنا شبهة عرضت وقفنا عندها (76). فإذا صحّ الأصل لم يترك (77) لشبهة تعرض في التّفريع وأمّا قولهم ففاسد الأصل والتّفريع معا.
[28] وأمّا صفات الأفعال: كخالق، ورازق فالقول فيها أنّ البارئ تعالى لم يزل موصوفا بها، لأنّه يستحيل أن يكون البارئ تعالى في الأزل غير خالق، وغير رازق ثم صار كذلك. وإنّما المحدثات (78):
الخلق، والرّزق، والمخلوق، والمرزوق.
فإن قيل: هذا يوجب عليكم تقدّم (79) العالم، وأنّه لم يزل موجودا معه. قلنا: لا يوجب ذلك لأنّ الصّفات (80) في اللّغة يوصف بها من
__________
(74) في ط: السّماع.
(75) في ط: على رفعه.
(76) في ط: وإذا عرضت في قولنا شبهة وقفنا عندها. وفي بلاثيوس: وأنّا في قولنا.
(77) في ط: لم نزل عنه إلى شبهة تعرض
(78) في ط: وإنّما المحدثات هي الخلق
(79) في ط: القول بقدم العالم.
(80) في ط: لأنّ الصّفات يوصف بها في اللغة من فعل(1/105)
فعل فيما مضى، ومن يفعل في الحال، من هو يريد أن يفعل في المستقبل، فيقال: (81) إنّه ضارب عمرو أمس، وضارب عمرا الآن، وضارب عمرا غدا. وهذا أشهر في اللّغة العربيّة من أن يحتاج إلى شاهد.
__________
(81) في ط: يقال: زيد ضارب عمرا أمس.
وفي خ: فيقال: إنه ضارب عمرو أمس.
الباب السادس في شرح قولهم: إنّ البارئ تعالى لا يعلم (1) إلّا نفسه(1/106)
الباب السادس في شرح قولهم: إنّ البارئ تعالى لا يعلم (1) إلّا نفسه
هذا القول عصمنا الله وإيّاك من الزّلل قد أوهم كثيرا (2) من النّاس أنّهم أرادوا به أنّه غير عالم بغيره.
واستعظم قوم منهم أن يصفوه بهذه الصّفة فزعموا أنّه عالم بالكلّيّات غير عالم بالجزئيّات.
وزعم آخرون أنّه عالم بعلم الكلّيّات (3) والجزئيّات بعلم كلّي.
وهذا القول الثّالث أقرب أقوالهم إلى الحقّ وإن كان فيه موضع للتّعقّب. وأمّا القولان الآخران فقد اجتمع فيهما الخطأ الفاحش، والجهل بصفات البارئ جلّ جلاله، وسوء (4) التّأوّل لكلام القدماء من الفلاسفة.
ويجب علينا أوّلا أن نبيّن معنى قول الفلاسفة المتقدّمين: إنّ البارئ
__________
(1) في ط: لا يعرف إلّا نفسه.
(2) في ط: أوهم كثيرا (بحذف قد).
(3) في ط: أنه يعلم الكلّيات والجزئيات بعلم كلّي.
(4) في ط: الخطأ الفاحش، والجهل في صفات الله تعالى بسوء التّأويل.(1/107)
تعالى لا يعلم إلّا نفسه، وأنّهم لم يريدوا بذلك أنّه جاهل بغيره. ونورد (5)
من كلامهم ما يدلّ على براءتهم ممّا توهّمه هؤلاء عليهم، ثمّ نناقضهم (6)
بعد ذلك فيما احتجّوا به وبالله التّوفيق.
فصل
أمّا قولهم إنّ البارئ تعالى لا يعلم إلّا نفسه فيحتمل أربعة معان يقرب بعضها من بعض:
أحدها: أنّ الوجود نوعان: وجود مطلق، ووجود مضاف. فالوجود المطلق هو الّذي لا يفتقر إلى موجد، ولا هو معلول لعلّة هي أقدم منه. والوجود المضاف هو الّذي يفتقر إلى موجد كان علّة له.
فالوجود المطلق [29]: هو (7) الّذي يوصف به البارئ جلّ جلاله لأنّه الموجود المطلق الذي لا علّة لوجوده.
والوجود المضاف: هو الّذي يوصف به سواه من الموجودات. لأنّ وجود كلّ موجود (8) مقتبس من وجوده وتابع له، ومتعلّق به، حتّى إنّه لو توهّم ارتفاع وجوده تعالى لارتفع وجود كلّ شيء.
__________
(5) في ط: فنورد.
(6) في ط: تناقضهم (بالتاء).
(7) في ط: هو الوجود الذي.
(8) في ط: كل شيء.(1/108)
ولأجل هذا شبّهوا وجود الأشياء عنه بوجود نور الشّمس عن الشّمس (9)، لأنّ الشّمس إذا ذهبت ذهب نورها ولم يريدوا بهذا الكلام تشبيهه (10) بالشّمس على الحقيقة لأنّ البارئ يتعالى عن (11) أن يكون له نظير وإنما أرادوا بهذا تمثيل (12) افتقار الموجودات إلى وجوده على جهة التّقريب من الأفهام.
كما قالوا أيضا: إنّ وجود الموجودات عنه كوجود الكلام من المتكلّم لا كوجود الدّار من البنّاء لأنّ الدّار يمكن أن توجد مع عدم البنّاء ولا يمكن أن يوجد شيء إلّا بوجود البارئ تعالى.
فلمّا كان البارئ تعالى هو الموجود الصّحيح الوجود كان وجود غيره لاحقا بوجوده وتابعا له، ولم يكن في الوجود إلّا هو في مصنوعاته (13)
صار الوجود من هذه الجهة كأنّه موجود [واحد] (14) والمعلوم كأنّه معلوم واحد، وصار إذا علم نفسه فقد علم كلّ وجود تابع لوجوده.
__________
(9) في ط: من الشمس.
(10) في ط: تشبيها بالشمس.
(11) في ط: لأنّ البارئ تعالى عزّ أن يكون له نظير.
(12) في ط: أرادوا بهذا المثل افتقار
(13) في ط: ولم يكن في الوجود إلّا هو ومصنوعاته.
(14) ما بين معقوفتين مضاف من: ط.(1/109)
والمعنى الثّاني: أنّ المعقول تتميم للعاقل وتتميم للجوهر (15): ولولا ذلك ما احتاج إلى أن يعقل غيره. وليس في كثرة معقولات (16) العاقل دليل على فضله بل فيها دلالة (17) على شدّة نقصه. فعلى قدر كمال الشّيء في جوهره تقلّ معقولاته، وعلى قدر نقصه تكثر معقولاته. ولأجل هذا صار النّقص لازما لكلّ موجود دون البارئ تعالى [لأنّها كلّها لا تنال الفضيلة والكمال إلا بعقلها البارئ جلّ جلاله] (18). فأقربها إليه أكملها، وأقلّها نقصا لأنّه لا يحتاج في كمال جوهره إلى أكثر من عقله العلّة الأولى.
وكلّما انحطّت (19) مراتب الموجودات كثر نقصها، واحتاج كلّ واحد منها في كمال جوهره إلى أن يعقل كلّ موجود قبله مع عقله العلّة الأولى إذ لا يمكنه عقل العلّة الأولى حتّى يعقل الوسائط الّتي بينه وبينها. فلمّا كان البارئ تعالى هو نهاية الكمال كان غنيّا عن أن يعقل غيره، وإذا [30] كان (20) عقل نفسه فقد عقل (21) سواه.
__________
(15) في ط: أن المعقول بتتميم العاقل وتكميل تجوهره ولولا ذلك ما احتجنا إلى أن نعقل غيره.
(16) في ط: وليست كثرة المعقول دليلا على فضله
(17) ضبطها في الأصل المخطوط بكسر الدال: دلالة. ويصح فيها دلالة ودلالة.
(18) ما بين قلابين سقط من النسخة: ط وقوله: بعقلها البارئ: كلمة البارئ مفعول به للمصدر عقل.
(19) في ط: فكلّما انحطّت.
(20) في ط: وكان إذا عقل إلخ.
(21) في ط: فقد عقل ما سواه المعنى الثالث (بحذف الواو).(1/110)
والمعنى الثّالث: قد ذكرناه في باب شرح قولهم: إنّ الأعداد دوائر وهميّة، عند شرح قول أرسطو: إنّ البارئ تعالى علّة الأشياء، على أنّه فاعل لها وعلى أنّه غاية لها، وعلى أنّه صورة لها وذكرنا أنّه لم يرد الصّورة (22) الّتي هي شكل وتخطيط، ولا الصّورة الّتي هي النّوع لأنّه لا يوصف بالصّورة.
وقلنا إنّ معنى ذلك أنّ وجود غيره لمّا كان مقتبسا من وجوده صار من هذه الجهة كأنّه صورة للموجودات إذ كانت إنّما توجد بوجوده كما يوجد المصوّر بصورته. وصار وجوده كالجنس الّذي يجمع الأنواع والأشخاص، وإن كان البارئ تعالى يتنزّه (23) عن أن يوصف بجنس أو نوع أو شخص ولكنّه تمثيل (24) وتقريب لا حقيقة. فيصير المعلوم أيضا من هذه الجهة (25) واحدا.
والمعنى (26) الرّابع: أنّ الإنسان لا يعلم (27) الأشياء بذاته وجوهره، ولو علمها بذلك (28)
لكانت ذاته عالمة أبدا، ولم يحتج إلى اكتساب العلم. وإنّما يعلم الأشياء
__________
(22) في ط: لم يرد بالصّورة
(23) في ط: تنزّه عن
(24) في ط: بتمثيل
(25) في ط: فيصير المعلوم من هذه الجهة أيضا واحدا.
(26) في ط: المعنى الرابع (بحذف الواو).
(27) في ط: أنّ الإنسان لا يعرف
(28) في ط: ولو علمها بذاته وجوهره.(1/111)
بأمور زائدة على ذاته يتّخذها آلات يتوصّل بها إلى نيل معقولاته (29)
وهي:
الحواسّ الخمس والمعقولات الأول الّتي يجدها مركوزة في نفسه، ولا يدري من أين حصلت له.
فبهذين الصّنفين من الآلات يتوصّل إلى اكتساب المعارف الّتي يتجوهر بها (30)، ويحصل له عقل مستفاد.
والبارئ تعالى لا يوصف بأنّه يعلم الأشياء بهذه الصّفة، جلّ عن ذلك (31).
وإذا استحال أن يعلم الأشياء على هذا السّبيل صحّ أن علمه ذاتيّ ليس باكتساب. وإذا استحال أن يوصف بأنّ علمه شيء زائد على ذاته كانت ذاته هي العلم بعينه. وإذا لم يصحّ أن يوصف بأنّه مفتقر إلى غيره، بل كلّ شيء مفتقر إليه صحّ أنّ العالم والعلم والمعلوم منه شيء واحد بخلاف ما نعقله من أنفسنا.
وإذا ثبت هذا بالدّلائل الّتي يضطرّ إليها (32)، صار: إذا علم نفسه فقد علم كلّ شيء.
__________
(29) في ط: معلوماته.
(30) في ط: إلى اكتساب المعاني التي تجوهر بها، ويحصل له العقل المستفاد.
(31) في ط: بهذه الصفة، عزّ ذلك. (أظنها سقط منها جلّ، وتصحفت عن إلى عزّ).
(32) في ط: نضطر إليها (بالنون).(1/112)
فصل
وممّا يدلّ على اعتقاد كبراء الفلاسفة وجلّتهم (33) أنّ البارئ تعالى عالم [31] بكلّ شيء لا يغيب عنه مقدار الذّرّة (34) وما هو ألطف منها، وأنّه عالم بضمائر النّفوس ووساوس الصّدور مع قولهم إنّه لا يعرف إلّا نفسه قولهم (35): إنّ البارئ تعالى موجود (36) مع كلّ شيء يريدون أن الوحدة السّارية منه تعالى، بها حصل لكلّ موجود ذات ينفصل بها عن ذات أخرى (37) وبها تهوّى (38) كلّ متهوّ. فكيف يتوهّم على من يعتقد هذا أن يقول: إنّ البارئ تعالى يجهل شيئا أو يغيب عنه شيء وهذا إثبات الشّيء ونقيضه معا؟.
ومن ذلك قولهم: إنّ البارئ تعالى عقل متجرّد عن المادّة، بخلاف ما يوصف من أنّه (39) عقل إذ كان لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء (40).
__________
(33) في ط: وممّا يدل على اعتقاد الفلاسفة وذكرهم أنّ. وفي بلاثيوس: اعتقاد ذكر الفلاسفة.
(34) في ط: مقدار ذرّة.
(35) في ط: فقولهم.
(36) في ط: إن البارئ تعالى مع كلّ شيء. (بإسقاط: موجود).
(37) في ط: ذات آخر.
(38) في ط: يتهيّأ كل متهيّئ، فكيف يتمّ (بدلا من يتوهم).
و: تهوّى: من الهويّة وهي: «حقيقة الشيء من حيث تميّزه عن غيره، وتسمّى أيضا وحدة الذات» من المعجم الفلسفي
(39) في ط: ما يوصف بأنّه عقل.
(40) في ط: إذا كان لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا(1/113)
وإذا كان عندهم عقلا متجرّدا (41) من المادّة لم يخف عنه شيء لأنّ المانع لنا من إدراك الأشياء إنّما هو المادّة.
ومن ذلك قولهم: إنّ العاقل والعقل والمعقول منه شيء واحد.
وكذلك: العالم والعلم والمعلوم (42) شيء واحد. فذاته عندهم عقل وعلم، فكيف يتوهّم على من ذاته عقل وعلم أنّه (43) يغيب عنه شيء؟
ومن ذلك قولهم: إنّ الغرض في (44) العلم القرب من الله تعالى في الصّفات، وقولهم في حدّ الفلسفة: إنّ معناها التّشبّه بالله تعالى بمقدار طاقة الإنسان. فصحّ (45) بهذا أنّه تعالى العالم (46) على الإطلاق، وأنّ علمه هو العلم على الإطلاق.
من ذلك قول أفلاطون في كتاب طيماوس حين (47) تكلّم في العوالم العالية فذكر فضلها ثم قال: وهذا ليس لنا في عالمنا هذا بل لو عسى أنّا في العوالم العالية إذا (48) نحن تهذّبنا فجزنا الأفلاك التّسعة وحركاتها بتطلّعنا وجزنا عالم النّفس بتهذيبنا (49) حتّى نحلّ في عالم العقل الّذي
__________
(41) في ط: مجرّدا عن المادّة.
(42) في ط: والمعلوم منه.
(43) في ط: أن يغيب
(44) في ط: الغرض من العلم. (وهذا هو المشهور في مثل هذه العبارة).
(45) في ط: فيصحّ
(46) في ط: عالم على الإطلاق.
(47) في ط: حيث تكلّم.
(48) في ط: إذ نحن
(49) في ط: فهذّبنا.(1/114)
لا تخفى عليه خافية، ولا تحوزه (50) صورة (51)، وليس فيه زمان، ولا مكان، ولا حركة، ولا كيفيّة، ولا هيولى بل الأشياء فيه حقائق مجرّدة مكشوفة ليس فيه قوّة (52)، بل الصّورة فيه ثابتة راجعة (53) على أنفسها [وذواتها تعرف أنفسها] (54) وغيرها لما فيه من مطالعة البارئ جلّ وعزّ لها.
وقال في موضع آخر، وهو [يريد] أن ينفي عن نفسه أن يتوهّم عليه القول بأزليّة العالم وقدمه، فقال:
«إنّما نريد [32] بقولنا: إنّ العالم لم يزل: أنّ العوالم قد كانت مصوّرات عند البارئ عزّ وجلّ متمثّلات بالقوّة قبل كونها. وذلك أنّ البارئ تعالى لم يزل متطلّعا إليها، ناظرا إلى ذاته، عارفا بوحدانيّته.
فتزداده (55) على ذاته بالمعرفة هو عالم العقل المطابق له فيه الصّور محضة».
وهذا الكلام وإن كان فيه ما يحتاج إلى التعقّب فقد صحّ منه أنّ
__________
(50) في ط: ولا تجوز عنه.
(51) زاد في المطبوع هنا: ومنه انتشاق الصّورة.
(52) في ط: ليس قوّة (بإسقاط الأداة: في).
(53) في ط: ثابتة وراجعة (بحرف العطف).
(54) ما بين معقوفتين من: ط.
(55) في ط: غير زائد على ذاته بالمعرفة هو(1/115)
مذهبه: أنّ البارئ جلّ جلاله عالم بالأشياء قبل كونها بخلاف ما يتوهّم عليه.
وممّا يدلّ على ذلك أيضا من مذهبه (56) قوله في النّواميس:
«ما من (57) شيء أعون على صلاح أمر كلّ واحد من النّاس، وأمر جماعتهم من أن يعلموا ويعتقدوا ثلاثة آراء، ولا أضرّ من أن يجهلوها ويعتقدوا خلافها:
أحدها: أن يعلموا أنّ للأشياء صانعا
والثاني: أن يعلموا أنّه لا يغفل شيئا، ولا يفوته شيء، بل كلّ الأشياء تحت علمه (58) وتحت عنايته وتدبيره.
والثّالث: أنّه لا يرضيه ولا يقبل من أحد أن يخطئ خطيئة يتعمّدها على أن يقيم بإزائها قربانا إليه فيغفر له بل إنّما يقبل قربانه إذا عمل عملا صالحا».
ثمّ قال:
«وهذه معان إنّما معدنها وموضع تعلّمها من علم (59) الأمور الإلهيّة» وهو يسمّى باليونانيّة (60): أثولوجيا.
__________
(56) سقطت كلمة «مذهبه» من ط.
(57) في الأصل المخطوط: بل هي شيء. وأثبتّ ما في ط لجريه مع نسق العبارة ويكون من ناسخ (خ) تصحيفا.
(58) في ط: في علمه.
(59) في ط: من عالم الأمور الإلهيّة.
(60) لم تظهر الكلمة بوضوح في خ. وأثبتنا ما في: ط.(1/116)
وممّا يدلّ على ذلك من مذاهبهم اعتقادهم وتصريحهم بأنّ العالم إنسان كبير: كما أنّ الإنسان عالم صغير. فكما أنّ المحسوسات تصل إلى النّفس الجزئيّة بتوسّط الحواسّ الجسمانيّة، بلا زمان فتنطبع صورها (61)
في العقل الجزئيّ الهيولانيّ فكذلك في العالم الّذي هو الإنسان (62) الكبير أشياء هي بمنزلة (63) الحواسّ للنّفس الكلّيّة الّتي هي نفس الإنسان الأكبر يتّصل (64) بها من قبلها أحوال العالم بلا زمان. وإذا اتّصلت بالنّفس الكلّيّة اتّصلت بالعقل الكلّي كاتّصالها بالعقل الجزئيّ وإذا اتّصلت بالعقل الكلّيّ اتّصلت بالبارئ جلّ وتعالى لأنّ العقل الكلّيّ لا واسطة بينه وبين الله تعالى.
فهذه جمل من كلامهم (65) تدلّ من تأمّلها على براءتهم من سوء تأويل من نسب إليهم القول (66) بأنّ البارئ لا يعلم الأشياء: [ولا يعلم إلا نفسه] (67).
__________
(61) في ط: فتطبع صورتها
(62) في ط: إنسان كبير
(63) في ط: تماثل
(64) في ط: تتصل.
(65) في ط: تتصل من كلامهم ومذاهبهم (بزيادة هذه الأخيرة)
(66) في ط: قولهم إنّ
(67) العبارة مزيدة من: ط.(1/117)
فصل وقد احتجّ من زعم أنّ الله تعالى لا يعلم الأشياء بأن قال:
إنّما استحال أن يوصف بأنّه يعلم [33] الأشياء لأنّ العلم بالأشياء (68) يحتاج فيه إلى إدراك الحواسّ، وتقديم المقدّمات الّتي بها يتوصّل إلى معرفة الكلّيات من الجزئيات، وفيه كمال العالم ويحتاج فيه إلى تصوّر وتخيّل والبارئ سبحانه يجلّ عن أن يوصف بأنّه يتصوّر شيئا أو يتخيّله، أو [أنه] (69) ذو حواسّ يتوصّل بها إلى معرفة شيء، أو يحتاج إلى مقدّمات، وأنّ غيره يفيده (70) كمالا في ذاته، بل هو المفيد الكمال (71)
لكلّ كامل على مقدار مرتبته (72) وهو غنيّ عن غيره وغيره مفتقر إليه، ففي وصفنا له بأنّه يعلم غيره نقص له لا كمال».
وجوابنا عن هذا هو أن نقول لهم:
هل تزعمون أنّ البارئ تعالى يشبه البشر في ذاته وصفاته أم هو مخالف لهم؟ فإن زعموا أنّه مشبه لهم بالذّات والصّفات، أو في بعض ذلك لزم أن يلحقه من النّقص ما يلحق البشر، وأن يلزمه من الحدوث ما يلزم سائر الأشياء.
__________
(68) في ط: لأنّ العالم بالأشياء.
(69) «أنه» مضافة من: ط.
(70) في ط: يفيد كمالا.
(71) في ط: بل هو مفيد للكمال
(72) في ط: على قدر مرتبته منه.(1/118)
وإن قالوا إنّه مخالف للبشر لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء قلنا لهم:
من أين قستم علمه على علمكم، وأوجبتم أنّه إن كان عالما لزم (73) أن يعلم باستنباط ومقدّمات، واحتاج إلى حواسّ؟
وما تنكرون من (74) أن يكون يعلم الأشياء بنوع آخر من العلم لا يكيّف، ولا يشبه علم البشر؟.
وما الّذي تبطلون به هذا؟ فإن قالوا لا يعقل علم إلّا بهذه الطّرق لزمهم تشبيه البارئ تعالى بمخلوقاته، وقلنا لهم: من أين زعمتم أنّه عالم، وأنّه علم، وأنّه معلوم: شيء واحد لا تغاير فيه؟ وكذلك أنّه عاقل، وأنّه عقل، وأنّه معقول شيء (75) واحد من صفاته (76)، وهذا أمر غير معقول فيما نعهده من أنفسنا؟.
ويقال لهم كذلك: لا نعقل موجودا إلّا أن يكون جوهرا حاملا للأعراض، أو عرضا محمولا في جوهر. فاحكموا على البارئ تعالى وجلّ أنّه جوهر من جنس الجواهر المعقولة، ولا فرق.
ويقال لمن زعم منهم أنّه يعلم الكلّيات ولا يعلم الجزئيّات: من أين فرّقتم بين الأمرين؟.
__________
(73) في ط: لزمه
(74) في ط: وما تنكرون أن يكون (بحذف الأداة: من)
(75) في الأصل المخطوط: بشيء واحد. ورجّحت ما في (ط) لمجاراته العبارة السابقة.
(76) في ط: شيء واحد في صفاته. وهذا غير معقول. (بإسقاط كلمة: أمر).(1/119)
فإن قالوا: لأنّ الجزئيّات تدخل تحت الزّمان، وتتغيّر بتغيّره، ويحتاج في معرفتها [34] إلى الحواسّ (77).
وجوابنا (78) عن هذا أن نقول (79):
ألستم تعلمون أنّ الإنسان إنّما يعلم الكلّيات بمشاهدة الجزئيّات الواقعة تحت الزّمان، والاستدلال عليها بالمقدّمات الغريزيّات. فهل تزعمون أنّ الله تعالى يدرك الكلّيات بهذا السّبيل؟.
فإن قالوا: نعم شبّهوه بالبشر، وقلنا لهم: إذا جاز عندكم أن يشبه البشر في علم الكلّيات فما الّذي يمنعه أن يشبههم (80) في علم الجزئيّات؟
وإن قالوا: لا يجوز أن يعلم الكلّيات على نحو ما يعلمه (81) البشر، وإنّما يعلمها بنوع آخر من العلم لا يكيّف ولا يشبه علم البشر [قلنا: فما المانع أن يعلم الجزئيّات بهذا العلم] ولا فرق؟.
وعمدة هذا الباب، وغيره، من الكلام في صفات الله تعالى أن تجعل أصلك (82) أنّ البارئ سبحانه لا يشبه شيئا، ولا يشبهه شيء. وتجتهد في أن تعلم هذه الجملة بالبراهين الواضحة.
__________
(77) في ط: إلى الحواسّ الخمس.
(78) في: خ وفي: ط أيضا: «وجوابنا» بالواو. والكلام يقتضي الفاء.
(79) في ط: أن نقول لهم.
(80) في ط: يشبهه.
(81) في ط: ما يعلمها.
(82) في ط: أملك (بالميم) وهو تحريف ظاهر.(1/120)
فإذا تقرّرت في نفسك سقطت عنك هذه الوساوس كلّها: [لأنّ الّذين غلطوا في هذه المعاني إنّما عرض لهم الغلط] (83) لأنّهم يقيسون الله تعالى بالبشر، ويشبّهون صفاته بصفاتهم (84).
وقد أثبتت شريعتنا الحنيفيّة، الّتي شرّفنا الله تعالى بها، أنّ الله عالم بكبير الأشياء وصغيرها، لا يعزب (85) عنه مثقال ذرّة في السّماوات ولا في الأرض (86) وأنّه {يَعْلَمُ خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمََا تُخْفِي الصُّدُورُ} (87)
و {مََا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلََّا يَعْلَمُهََا، وَلََا حَبَّةٍ فِي ظُلُمََاتِ الْأَرْضِ وَلََا رَطْبٍ وَلََا يََابِسٍ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} (88).
وهذه صفة الكمال الّتي تليق بالله تعالى، لا ما زعمه (89) هؤلاء المبطلون.
__________
(83) ما بين قلابين سقط من: ط.
(84) في ط: صفاته بصفاته.
(85) في ط: لا يغيب.
(86) من الآية (3) من سورة سبأ (34): وتمامها: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَأْتِينَا السََّاعَةُ قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عََالِمِ الْغَيْبِ لََا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقََالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمََاوََاتِ وَلََا فِي الْأَرْضِ وَلََا أَصْغَرُ مِنْ ذََلِكَ وَلََا أَكْبَرُ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ}.
(87) الآية (19) من سورة غافر (40).
(88) من الآية (59) من سورة الأنعام (6). وتمامها: {وَعِنْدَهُ مَفََاتِحُ الْغَيْبِ لََا يَعْلَمُهََا إِلََّا هُوَ وَيَعْلَمُ مََا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمََا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلََّا يَعْلَمُهََا وَلََا حَبَّةٍ فِي ظُلُمََاتِ الْأَرْضِ وَلََا رَطْبٍ وَلََا يََابِسٍ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ}.
(89) في ط: لا ما زعم(1/121)
وقد ذكرنا من كلام الفلاسفة المتقدّمين ما يطابق هذا الّذي ورد به شرعنا (90) وقد قلت في ذلك: (91)
[من مخلّع البسيط] يا واصفا ربّه بجهل ... لم تقدر الله حقّ قدره
كيف يفوت الإله علم ... بسرّ مخلوقه وجهره
وهو محيط بكلّ شيء ... وكلّها كائن بأمره؟!
__________
(90) في ط: وردت به شريعتنا
(91) الأبيات في مجموع شعره.(1/122)
الباب السابع في إقامة البراهين على أنّ النّفس النّاطقة حيّة بعد مفارقة الجسم
النّفوس ثلاثة:
نباتيّة
وحيوانيّة
وناطقة.
فأمّا النّفس النّباتيّة والنّفس الحيوانيّة فلا نعلم خلافا في عدمها بعدم (1) الجسم، وإنّما وقع الخلاف في النّفس [35] النّاطقة وهي العاقلة المميّزة. فزعم قوم أنّها تعدم عند فراقها الجسم كعدم النّباتيّة والحيوانيّة.
وقال قوم إنّها باقية حيّة، لا عدم لها، وهو مذهب [سقراط وأرسطو وأفلاطون، وسائر] (2) زعماء الفلاسفة. وعلى ذلك تدلّ الشرائع كلّها.
__________
(1) في الأصل المخطوط: بعد الجسم. ورجّحت ما في: ط، ائتلافا مع ما سيلحق في كلام المؤلّف.
(2) ما بين معقوفتين مضاف من: ط.(1/123)
وأنا أذكر جملة من البراهين الفلسفيّة على بقائها لأنّ الشّرعيّة لا تليق بهذا الموضع وبالله التّوفيق.
برهان أوّل (3)
ميل الإنسان إلى الشّهوات الطّبيعيّة، وانغماره في اللّذّات الجسديّة (4)
تمنعه من تصوّر الحقائق، وقبول المعارف، وتكسب ذهنه بلادة.
وإقلاله من ذلك يفيد ذهنه حدّة، ويعينه على قبول المعارف وتصوّر الحقائق. فدلّ ذلك على أنّ المادّة الطبيعيّة آفة للنّفس النّاطقة (5) وأنّها كلّما انسلخت منها كانت أكثر تمييزا، وأصحّ معرفة (6)
وينتج من هذه المقدّمات أن تكون عند الموت أصحّ تمييزا، وأبصر للحقائق لانسلاخها من جميع المادّة. ولا يكون التّمييز والتّصوّر إلا لحيّ، فالنّفس إذن حيّة بعد موت الجسم (7).
وقد وافق هذا البرهان الفلسفيّ من نصوص شرعنا قول الله تعالى:
__________
(3) في ط هنا، وفي سائر ما ورد من (برهان) في هذا الباب من عناوين جاء في ط معرّفا: البرهان الأول، والبرهان الثاني إلخ.
(4) في ط: الطبيعية والأهواء واللّذات الجسديّة.
(5) في ط: فدلّ ذلك إذابة الطبيعة للنّفس الناطقة.
(6) في ط: وأوضح معرفة فينتج من
(7) في ط: بعد الجسم. (بنقص كلمة: موت).(1/124)
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هََذََا فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (8).
وقول نبيّنا عليه السّلام:
«النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» (9).
برهان ثان (10)
كلّ موجود بالفعل من الأشياء الطّبيعيّة فقد كان موجودا بالقوّة وكلّ ما كان موجودا بالقوّة ثمّ وجد بالفعل فمخرجه (11) إلى الوجود شيء آخر هو موجود بالفعل كالماء الّذي هو بارد بالقوّة، ويخرجه (12) إلى الحرارة بالفعل: النّار الّتي هي حارّة بالفعل. وهذا اضطرار إذ لا يصحّ أن يوجد الشّيء نفسه (13). ولا يصحّ أيضا أن يخرجه من الوجود بالقوّة
__________
(8) الآية 22من سورة ق (50).
(9) قال في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس» 1: 312عند ذكره الكلام المشهور «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) ما نصّه: «هو من قول علي بن أبي طالب لكن عزاه الشعراني في الطبقات لسهل التستري. ولفظه في ترجمته، ومن كلامه: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا ماتوا ندموا، وإذا ندموا لم تنفعهم ندامتهم».
(10) في ط: البرهان الثاني.
(11) في ط: يخرجه إلى الوجود.
(12) في ط: ومخرجه إلى الحرارة.
(13) في ط: إذ لا يصح أن يكون موجد الشيء نفسه.(1/125)
إلى الوجود بالفعل ما هو موجود بالقوّة لأنّهما (14) قد تساويا في العدم.
وكلّ واحد منهما مفتقر إلى موجد (15). وإذا استحال الأمران صحّ أنّ مخرج الشّيء (16) من القوّة إلى الفعل لا يكون إلّا غيره، ولا [يكون] إلّا موجودا بالفعل.
وإذا ثبت (17) هذا قلنا: إنّ بعض الأجسام حيّ بالقوّة، ثم يصير (18)
حيّا بالفعل فمخرجه إذن (19) إلى الحياة [36] جوهر آخر غيره حيّ بالفعل. والجسم أيضا إنّما يصير حيّا بمقارنة النّفس له. فالنّفس إذن حيّة بالفعل وما هو حيّ بالفعل لا يعدم الحياة فالنفس إذن لا تعدم الحياة.
برهان ثالث (20)
نفوسنا النّاطقة إنّما تفتقر إلى الحواسّ الجسديّة ما دامت عارية من الصّور العقليّة. فإذا حصلت فيها صورة من الصّور العقليّة لم تحتج إلى استعمال الحاسّة الّتي كانت تتوصّل بها إليها فدلّ ذلك على أنّ للنّفس
__________
(14) في ط: فإنهما قد تساويا في العدم فكلّ واحد.
(15) في خ: موجود. وأثبتنا ما في: ط.
(16) في خ: يخرج. وأثبتنا ما في ط.
(17) في ط: فإذا ثبت. وهي بالفاء أمثل.
(18) في ط: لم يصر حيّا.
(19) في ط: فمخرجه إلى الحياة (بإسقاط: إذن).
(20) في ط: البرهان الثالث.(1/126)
استقلالا بذاتها تستغني به عن الجسم، وأنّ أعضاء الجسم إنّما هي آلات (21) تلتقط بها معارفها. فانتتج من ذلك أنّ النّفس النّاطقة إذا تجوهرت بالمعارف (22)، وحصل لها العقل المستفاد لم تحتج إلى التّعلّق بالجسم.
برهان رابع (23)
نفوسنا تجد الأشياء الهيولانيّة مصوّرة في ذاتها (24)، عند مغيب الأشياء المصوّرة عن حواسّنا. وكذلك نرى الأشياء في حال نومنا.
وما تراه نفوسنا من ذلك في حالتي (25) اليقظة والنّوم إنّما هي صورة مجرّدة من هيولاتها (26). فثبت بذلك أن الصّور لها وجودان.
وجود في الهيولى
ووجود خلو من الهيولى (27).
__________
(21) في ط: وأن أعضاء الجسم إنما هي آلات لها تلتقط بها. (بزيادة: لها). وبها يكون الكلام أكثر وضوحا.
(22) كلمة «بالمعارف» من خ فقط.
(23) في ط: البرهان الرّابع.
(24) في ط: مصورة في ذواتها.
(25) في ط: في حالي.
(26) في ط: صورة مجرّدة من هيولاها.
(27) في خ: خلق من. وفي ط: خلو عن وأثبتناه.(1/127)
ولولا ذلك لم يمكن نفوسنا أن تجد صورة إلّا في هيولاتها (28).
وإذا ثبت ذلك لم يستنكر وجود الإنسان بعد الموت صورة مجرّدة من الهيولى ولم يمنع من ذلك مانع.
برهان خامس (29)
نجد الإنسان بالمشاهدة يبدأ طفلا لا يعلم شيئا. ثم لا يزال كلّما نشأ يترقّى في المعارف، وتكثر المعقولات في نفسه حتى يصير فيلسوفا حكيما.
فلا يخلو ما يستفيده (30) من التّمييز والمعرفة أن يكون:
من قبل جسمه فقط
أو من قبل نفسه فقط
أو من قبلهما معا.
فإن كان من قبل جسمه فيجب أن يكون الإنسان كلّما (31) ضخم جسمه وكثرت مادّته كان أقعد بقبول المعارف (32)، [وكلّما ضؤل، وقلّت مادّته
__________
(28) في ط: لم تتمكّن نفوسنا أن تجد صورة لا في هيولاها. (كأن: لا مصحفة من:
إلّا).
(29) في ط: البرهان الخامس.
(30) في خ: ما يستفيد وأثبتنا ما في: ط.
(31) في ط: مهما ضخم.
(32) في ط: كان أشدّ تهيّؤا لقبول المعارف.(1/128)
كان أبعد عن قبول المعارف] (33). ونحن نجد الأمر بعكس ذلك (34) لأنّا نرى من به السّلال (35) والذّبول ينقص جسمه كلّ يوم وذهنه باق على كماله إلى أن تفارقه النّفس. فبطل (36) بهذا الدّليل أن يكون [ذلك] (37) من قبل جسمه.
وبنحو هذا الدّليل يبطل أن يكون [ذلك] (38) من قبل نفسه [37] وجسمه معا فإذن ما يستفيده [الإنسان] (39) من التّمييز والمعارف [إنّما هو من قبل النّفس فقط ولا حظّ في ذلك للجسم أكثر من أنّه آلة لها بمنزلة الآلات للصّناعة. ولا يصحّ وجود التّمييز والمعارف] (40) من موات، وإنّما يصحّ وجودهما (41) من حيّ.
فالنّفس إذن حيّة بالطّبع لأنّ في طبعها قبول العلوم والمعارف.
والجسم موات بالطّبع إذ ليس في طبعه قبول شيء من ذلك.
فبان بالبرهان أنّ الإنسان مركّب من جوهرين:
__________
(33) ما بين معقوفتين من: ط وسقط من: خ.
(34) في ط: ونحن نرى الأمر بالعكس من ذلك.
(35) في ط: السلّ.
(36) في ط: فيبطل.
(37) الزيادة من: ط.
(38) الكلمة من: ط.
(39) كلمة الإنسان من ط.
(40) ما بين معقوفتين مستدرك من: ط.
(41) في ط: وجودها (بإفراد الضمير).(1/129)
أحدهما حيّ بالطّبع وهي النّفس.
والآخر (42) موات بالطّبع وهو الجسم.
وإنهما لمّا اقترنا عرض لكلّ واحد منهما عرض (43) من قبل صاحبه.
[فعرض للجسم الحياة التي هي الحسّ من قبل النّفس، وعرض للنّفس الموت الذي يراد به الجهل من قبل الجسم] (44).
فالنّفس إذن حيّة بالطّبع ميّتة بالعرض، والجسم ميّت بالطّبع حيّ بالعرض. فإذا انفصل كلّ واحد منهما من صاحبه خلص للجسم الموت المحض الّذي هو طبعه وفارقته الحياة العرضيّة الّتي كان استفادها من النّفس. وخلص (45) للنّفس الحياة المحضة التي هي طبعها. وفارقها الموت العرضيّ الّذي كان عرضا لها من قبل استغراقها في الجسم.
برهان سادس (46)
النّفس النّاطقة تناقض النّفس الحيوانيّة لأنّها ترغب في كسب الفضائل واطّراح الرّذائل. وتزهد في اللّذّات الجسديّة، وترغب في اللذّات العقليّة.
__________
(42) في ط: والثاني موات.
(43) في ط: وإنهما لمّا افترقا زال ما عرض لكل واحد من قبل صاحبه.
(44) ما بين قلابين لم يرد في: ط.
(45) في ط: وخلصت.
(46) في ط: البرهان السّادس.(1/130)
والنّفس الحيوانيّة بضدّ ذلك، ولذلك سمّيت بهميّة.
فإن كان لا بقاء للنّفس الناطقة بعد فراق (47) الجسد، ولا لها حياة أخرى تجني فيها ثمرة ما كانت تسعى فيه، وتحضّ عليه (48) فالنّفس الحيوانيّة [إذن أشرف من النّاطقة وما تأمر به النّفس الحيوانيّة] (49) من استغراقها (50) في الشّهوات هو الصّواب والعقل وما تأمر به النّفس النّاطقة هو الخطأ والجهل.
وهذا قلب العقول (51) وعكس ما تقتضيه الحكمة.
برهان سابع (52)
كلّ شيء مركّب من بسائط فإنّه ينحلّ إلى بسائط (53). والإنسان مركّب من سببين (54):
روحانيّ
وجسمانيّ
__________
(47) في ط: فراقها الجسد.
(48) في ط: ما كانت فيه تسعى وعليه تحرص فالنفس
(49) ما بين معقوفتين من: ط.
(50) في ط: من الاستغراق.
(51) في ط (مصر): وهذا قلب للمعقول، وعكس لما
(52) في ط: البرهان السّابع.
(53) في ط: إلى بسائطه.
(54) مركّب من شيئين.(1/131)
ونحن نرى الإنسان إذا مات لحق جسمه بجسمانيّ مثله، فكذلك روحانيّة يجب أن يلحق بروحانيّ مثله (55).
وقد صحّ مما قدّمناه في البراهين السّالفة أنّ ذلك الرّوحانيّ هو الّذي يفيد جسمه الحياة وأنّه حيّ بالفعل، فهو إذن حيّ بعد مفارقة الجسم (56)، لا يعدم الحياة.
برهان ثامن (57)
[38] معنى الحياة الجسديّة عندنا (58) هو مقارنة النّفس للجسم (59)
واستعمالها إيّاه ومعنى الموت مفارقة النّفس إيّاه وتركها استعماله.
وقال من زعم أنّ النّفس هالكة بهلاك الجسم: «معنى الحياة أن تكون النّفس ذات حسّ. ومعنى الموت أن تعدم الحسّ».
فنسألهم عن الحسّ الموجود للنّفس طول مقارنتها للجسم (60): هل هو ذاتيّ لها، أو عرضيّ فيها (61)؟
__________
(55) في ط: روحانيته يجب أن تلحق بروحانيّ مثلها.
(56) في ط: بعد مفارقة الجسد.
(57) في ط: البرهان الثامن.
(58) في ط: معنى الحياة الجسدية عندنا هو وفي خ: عند مقارنة. وأثبتنا ما في ط.
(59) في ط: الجسم (بحذف أداة الجرّ).
(60) في ط: للجسد.
(61) كلمة: فيها. لم ترد في: ط.(1/132)
فإن كان ذاتيّا لها بطل أن تعدم الحسّ بعد مفارقتها الجسم (62) وإن كان عرضيّا فيها (63) فلا يخلو من أن يكون استفادته من الجسم، أو من جوهر آخر مصاحب له (64).
فإن كان الجسم هو الّذي يفيدها الحسّ وجب ألّا يعدم الجسم [الحسّ] (65) إذا فارقته النّفس وهذا خلاف (66) ما نشاهده من حالها، وحال جسمها.
وإن كانت (67) النّفس إنّما تستفيد الحسّ من جوهر آخر روحانيّ متّصل بها وجب أن نسألهم عن ذلك الجوهر الآخر: هل هو حسّاس بذاته أم بجوهر (68) آخر أيضا ويستمرّ ذلك إلى ما لا نهاية له. وما لا نهاية له بالعقل (69) فمحال فثبت أنّ النّفس حسّاسة بذاتها وجوهرها. وما كان حسّاسا بذاته وجوهره بطل أن يعدم الحياة.
فالنّفس إذن حيّة بعد فراق الجسم.
__________
(62) في ط: للجسد.
(63) كلمة: فيها، لم ترد في: ط.
(64) في ط: مصاحب لها.
(65) الزيادة من: ط.
(66) في ط: وهذا ضد ما نشاهده.
(67) في ط: فإن كانت.
(68) في ط: أو بجوهر.
(69) في خ: وما لا نهاية بالعقل. وفي ط: وما لا نهاية له بالفعل. وأثبتنا (له) من:
ط.(1/133)
وقد استدلّ الحكماء على بقاء النّفس النّاطقة بأدلّة كثيرة غير هذه.
وفيما ذكرناه منها مقنع.
وبالله التّوفيق.
كملت المسائل الفلسفيّة والحمد لله كثيرا (70).
__________
(70) في ط، في موضع هذه العبارة: «تمّ الكتاب بحمد الله وعونه وتوفيقه. والحمد لله وصلاته على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلامه». انتهى.(1/134)
المستشرق الإسباني البحّاثة مقدمة ميغيل آسين بلاثيوس على طبعته لكتاب (الحدائق) في مجلة الأندلس وتعريف به ترجم المقدمة: الدكتور سيمون حايك(1/135)
م. آ. بلاثيوس، ومقدمته لكتاب الحدائق
في أثناء ندوة حطين التي دعت إليها وزارة الثقافة عام 1987م، التقيت مرة أخرى بالصّديق الأستاذ الدكتور سيمون حايك، وسألته أن يتفضل بمراجعة مقدّمة كتاب (الحدائق) التي كتبها المستشرق الإسباني ميچيل آسين بلاثيوس حين أصدر هذا الكتاب في مجلة الأندلس، ويتكرم بترجمتها.
ولبّى الزميل الكريم رغبتي فترجم مقدمة بلاثيوس وها أنا ذا أضعها مع هذه المقدّمات التي أصدّر بها نشرتي لكتاب الحدائق (1).
وإنني أسجل هنا شكري وتقديري للدّكتور حايك، وأرجو أن يستمر تعاوننا في مجال الدراسات والبحوث العربية عامة والأندلسية خاصّة.
وأقدّم قبل النصّ المترجم بتقدمة سريعة عن هذا الباحث الإسباني القدير، المحب للثقافة العربية الإسلامية، والذي قدّم جهودا عظيمة في الأدب العربي، والفلسفة الإسلامية، وكان له شأن خاص في حقل تبيّن الأثر الإسلامي في الفكر الأوربي.
ميغيل آسين بلاثيوس
ميغيل آسين بلاثيوس (19441871م) أحد أعلام الدراسات العربية في إسبانية، وأحد أركان المدرسة الأندلسية في هذا القرن.
ولد في مدينة سرقسطة عاصمة مقاطعة أرغون. ودرس في مدارسها، ودخل كلية الآداب في جامعتها. ودرس في الوقت نفسه في المعهد المجمعي (معهد ديني لتخريج رجال الدّين) وتخرج فيه فعلا سنة 1895م وعيّن قسيسا في كنيسة سان كينانو بسرقسطة.
__________
(1) تركت المقدمة على حالها، لم أحذف منها شيئا، أعني خصوصا تقويمه لكتب ابن السيّد التي اطلع عليها م. آ. بلاثيوس، وما أورده عن كتاب الإنصاف فتحت أحكامه نظر كثير.(1/137)
وتتلمذ ميجيل آسين بلاثيوس على خليان ريبيرا (19341858م) وهو مستشرق من ذوي الفضل على الدراسات الأندلسية، وأسهم في نشر عدد من النصوص التراثية الأندلسية وساعد ريبيرا تلميذه على دراساته العربية.
وحصل م. آ. بلاثيوس على درجة الدكتوراة من جامعة مدريد سنة 1896م. وكانت رسالته عن الإمام الغزالي، ثم أصدرها معدّلة سنة 1901م بعنوان الغزالي: (العقائد والأخلاق، والزّهد).
وخلف م. آ. بلاثيوس أستاذه ربيرا على شغل منصب أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة مدريد سنة 1903م.
وأسهم هذا المستشرق النشيط في كتابة المقالات وتقديم البحوث، إلى المجلّات المتخصصة، والمؤتمرات الأدبية والثقافية، واشترك في المؤتمر الدولي للمستشرقين المنعقد في الجزائر 1905م بصحبة كوديرا، وحضر معه المؤتمر الآخر لهم في كوبنهاجن 1908م.
واختير سنة 1912م عضوا في الأكاديمية الملكية للعلوم الأخلاقية والسياسية وألقى سنة 1914م عند ممارسته الفعلية لهذه العضوية بحثا عن: ابن مسرّة ومدرسته: أصول الفلسفة الإسبانية الإسلامية. وتابع أثر هذه المدرسة في الفكر الأوربيّ.
وم. آ. بلاثيوس معروف في الدراسات الإسلامية والأوربية وخصوصا عند المهتمين بالأثر الإسلامي في أوربة بالبحث الخطير الذي ألقاه في 26كانون الثاني 1919م، بمناسبة تعيينه عضوا في الأكاديمية الملكية الإسبانية بعنوان:
«الأخرويّات الإسلامية في الكوميديا الإلهيّة». فقد قرّر بالأدلة والاستنتاجات التي أيّدتها البحوث التالية تأثر دانتي بالتصورات الإسلامية للآخرة في وضعه للكوميديا الإلهيّة.
وتابع هذا المنهج فأثبت أن الراهب تورميدا الفرنسسكاني (نحو
14231362 - م) نسب إلى نفسه أجزاء من رسائل إخوان الصفا. وقد أسلم هذا الراهب (ينظر في تفصيل هذا موسوعة المستشرقين: 78).(1/138)
وتابع هذا المنهج فأثبت أن الراهب تورميدا الفرنسسكاني (نحو
14231362 - م) نسب إلى نفسه أجزاء من رسائل إخوان الصفا. وقد أسلم هذا الراهب (ينظر في تفصيل هذا موسوعة المستشرقين: 78).
وأنفق بلاثيوس زمانا متطاولا في العناية بكلّ من ابن حزم القرطبي ومحيي الدين بن عربي. ودرس كتاب طوق الحمامة قبل أن يصدره بتروف أول مرة.
وأصدر ترجمة لكتابه: الفصل في الملل والأهواء والنحل، ودراسة مستفيضة عن ابن حزم. وأصدر عن ابن عربي أكثر من أثر، أشهرها كتاب بعنوان «ابن عربي: حياته ومذهبه» وكتب بحثا عن أثر ابن عباد الرندي في يوحنّا الصليبي.
وترجم بعض كتب الغزالي
واستمرّ م. آ. بلاثيوس على نشاطه في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية وبعدها. في التأليف والترجمة والتصنيف، والمشاركة في نشاط الأكاديميات الثلاث التي كان عضوا فيها: (الأكاديميّة الإسبانية، وأكاديميّة التاريخ، وأكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسيّة).
وجمع مقالاته المتعلّقة بتأثير الإسلام في أوربة والمسيحيّة في كتاب عنوانه «تأثيرات الإسلام» أصدره سنة 1941م.
وعني سنة 1940بدراسة الأسماء العربية للبلاد الإسبانية، وحاول التعرف إلى نظائرها الحالية في إسبانية. وبحث في الأسماء الرومانثية التي سجلها عالم نبات أندلسي مسلم مجهول لقيه في مخطوط في الأكاديميّة الملكية للتاريخ.
وكانت وفاته سنة 1944م في 12آب من ذلك العام، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.
وصدر له بعد وفاته مجموعة مختارة من آثاره طبعت بعنوان: (مؤلفات مختارة) صدرت في ثلاثة أجزاء.
وقد أثبتت عناوين مقالاته وبحوثه ودراساته ومؤلفاته وتراجمه في ترجمته
في مجلة الأندلس الصادرة سنة 1944م: (ج 9ص 319267).(1/139)
وقد أثبتت عناوين مقالاته وبحوثه ودراساته ومؤلفاته وتراجمه في ترجمته
في مجلة الأندلس الصادرة سنة 1944م: (ج 9ص 319267).
وأثنى مترجمو م. آسين بالاثيوس عليه ونذكر هنا قول الدكتور بدوي في ترجمة له في موسوعة المستشرقين: «لقد كان آسين بلاثيوس طودا شامخا من أطواد الاستشراق يحتلّ مكان الصدارة التي يحتلّها نلّينو (إيطالية) وجولد زيهر (المجر) ونولدكه (ألمانية) وماسينيون (فرنسة) وكراتشكوفسكي (روسية) ودوزي (هولندة)، وبه رسخت أقدام البحث العلمي المتميّز في تاريخ الإسلام الرّوحي في إسبانية، ولئن كان منهجه العلمي يستند إلى اللمحات البعيدة واللوامع العبقرية أكثر مما يستند إلى الوثائق والقواعد المنهجية الوثيقة، ويحفل بالفروض أكثر ممّا يحفل بالوسائل الكفيلة بتحقيقها على أصول راسخة فإن كثيرا من نظراته اللّماحة التي بدت في البدء خياليّة، قد جاءت الوثائق المكتشفة فيما بعد لتؤيّدها فضلا عن أنها وجّهت وستوجّه البحث في اتجاهات جديدة ما كان يمكن الانتباه إليها لولا قبساته الوضّاءة هذه. ومن هنا جاء الكثير منها موحيا أكثر منه مقنعا».
وقد اختير بلاثيوس عضوا في مجمع اللغة العربية بدمشق تقديرا لجهوده في الثقافة العربية وكان له تقديره ومكانته في كل محفل له اهتمام بالتراث العربي الإسلامي أو عناية بالثقافة العربيّة، وخصوصا: آدابها وفلسفتها وفكرها الديني.
(ترجم لميغيل آسين بلاثيوس: إميليو غارثية غومس في مجلة الأندلس ج 9الصادرة سنة 1944م الصفحات: 321293.
واهتم به الكتّاب الذين اعتنوا بالمستشرقين: ينظر مثلا: المستشرقون لنجيب العقيقي 2: 595، وموسوعة المستشرقين 77، ومناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في جزءين، والدراسات العربية والإسلامية في أوربة: 138).(1/140)
مقدمة لكتاب (الحدائق) لابن السّيد البطليوسي (2)
بقلم ميغيل آسين بلاثيوس انتقلت شخصيّة هذا الكتاب الإسباني المسلم إلى تاريخ الثقافات العربية كأنها صورة للغوي ونحوي عادي، وامتزجت مع جماعات لا تحصى من الأدباء من هذا النّوع، واللائمة تقع على الذين ترجموا له (1) فقد أبرزوا فيه تلك المواهب التي لم يتميّز بها وتركوا جانبا مواهبه الحقيقيّة أي: «المفكّر والفيلسوف». وهاتان الصّفتان لا ينظر إليهما بعين الرّضى في الأندلس المؤرّخون وغيرهم، فابن باجّة وابن طفيل وابن رشد لا قوا المصير نفسه، وإذا أدرجت أسماؤهم في جملة الأدباء والعلماء والأطباء غير ذلك فذلك لكي يتركوا مؤلفاتهم الفلسفيّة في الظلّ أو لكي يستنكروا مذاهبهم الفكريّة لأسباب لاهوتيّة دون التوقّف لتحليل فحواها. وقد توصّلوا إلى إهمال عناوين مؤلّفاتهم نفسها.
ولا عجب إذا رأينا أن مؤلّفات ابن السّيد الفلسفيّة لم تحظ بالشّهرة التي تستحقّها حتى ولم تنعت بخروجها على الدّين لأنّها ظلّت مجهولة، ومع ذلك ففي تاريخ الفلسفة الإسلاميّة الإسبانيّة فإنّ مؤلفات هذا الرّجل الفلسفيّة تمثّل نواة تلك الفلسفة المتمخّضة التي ولدت عند ابن باجة وابن طفيل وابن رشد.
حياته:
عاصر ابن باجّة وسبق ابن طفيل وابن رشد، لقد تطوّرت حياته في فترة حرجة انتقاليّة من ملوك الطّوائف إلى المرابطين أي عند ما بدأ الانحطاط
__________
(2) من ترجمة الأستاذ الدكتور: سيمون حايك.
(1) ابن بشكوال رقم 639، الضبي رقم 892، ابن خلكان وفيات طبعة القاهرة 1299م، ابن خاقان طبعة مرسيليا باريس 1277م وبروكلمان جزء أول 427.(1/141)
السّياسي الإسلامي الإسباني، فوحدة الخلافة الأمويّة في قرطبة تحطّمت، وملوك الطّوائف معرّضون من الخارج لغزوات النّصارى المستمرة، فهرع بعض ملوك الطّوائف إلى يوسف بن تاشفين لينشلهم من الهوّة التي وقعوا فيها على أيدي النّصارى غير أنّ الأزمات السّياسية لا يرافقها دائما الانحطاط الثّقافي، ففي الغالب يقابلها ازدهار أدبيّ وعلميّ هو بالواقع نتيجة الجمود أي مجرّد استمرار الازدهار الذي حدث قبل وقوع الأزمة. ويقول لنا صاعد الطّليطلي مؤرّخ تاريخ العلوم وعاش قبل ابن السّيد بزمن قليل في كتابه «الطّبقات (1) كيف أن ملوك الطوائف ورثوا الازدهار البلاطي عن قرطبة ثم نما هذا الازدهار عن طريق سياسة أكثر انفتاحا من قبل أولئك الملوك الصّغار الذين رحّبوا بالعلماء والأدباء ووضعوهم تحت حمايتهم نابذين الوساوس ذات الطابع الديني.
في بلاط مملكة بطليوس قاعدة بني الأفطس، ولد ابن السّيد عام 444هـ، 1052ميلادية على عهد المظفّر وهو ثالث ملك من ملوك بني الأفطس، ولا يظهر أنّ الفلاسفة شاركوا في تثقيفه الفكريّ بل ثقفه فقهاء وأدباء. وبلاط المظفر ازدهرت فيه الآداب أكثر من أيّ بلاط آخر. والملك نفسه أسهم في ازدهاره. وما لبث أن غادر ابن السّيد مسقط رأسه وانتقل إلى مناطق أكثر أمانا وسلما إذ أن مملكة بطليوس هي على عراك مستمرّ مع مملكة إشبيلية، ومهدّدة باستمرار من قبل الملك فرننده الأوّل القشتالي فأصبحت مملكة بطليوس تدفع الجزية لقشتالة وما لبث الأمر أن سقطت بأيدي المرابطين، ومن المرجّح أن ابن السّيد انتقل إلى بلنسية إذ أن جميع الّذين ترجموا له يتحدّثون عن هذه المدينة، ولا يذكرون مدينة أخرى. وابن خاقان وحده يقدم لنا معلومات واضحة
__________
(1) راجع ترجمة (بلاشير) باريس 1935م صفحة 127
(والمقصود هنا كتاب: طبقات الأمم لصاعد الأندلسي، وله أكثر من طبعة عربية، وهو في حاجة إلى تحقيق علميّ المحقق).(1/142)
وكاملة تقول إنّ ابن السّيد طلب حماية الأمير عبد الملك بن رزين (10581102) فقد شغل عنده وظيفة كاتب إذ أن ابن السّيد يسيطر على هذه المهنة ويجيدها تمام الإجادة. وقد سقطت مملكة ابن رزين بأيدي المرابطين عام 1103ميلادية، وابن السّيد الذي توقّع هذا المصير غادر وظيفته قبل ذلك بزمان وانتقل إلى طليطلة عازما على تكريس ما بقي من حياته في استثمار العلوم. وكان يملك في طليطلة آنذاك المأمون (10371075) وهذا المركز يعتبر من أحسن المراكز لتحقيق غايته فهو يتقاسم مع سرقسطة احتكار الثّقافة في المناطق الشّمالية من الأندلس، بينما إشبيلية وقرطبة تهيمنان على المناطق الجنوبية منه. لا نعرف شيئا عن حياة ابن السّيد في طليطلة، غير أن ابن خاقان يذكر أنّ ابن السّيد لم ينصرف في طليطلة إلى تعاطي العلوم بل انصرف إلى الآداب. ويذكر له مقطوعة شعريّة أنشدها أمام المامون بن ذي النون. ومن الأكيد أيضا أنه أقام فترة قصيرة في سرقسطة كما يتبين ذلك من حادثة أخرى ذكرها ابن خاقان إذ أنّ ابن السّيد نظم قصيدة يمدح فيها المستعين بن هود ملك سرقسطة المتوفّى عام 1110، وقد يمكن أن نضع في هذه الفترة من حياته النّقاش الذي دار بينه وبين ابن باجة حول مواضيع تتعلّق بالقواعد والجدل. وقد ذكره ابن السّيد في كتابه الذي يحمل عنوان: «كتاب المسائل». يستعمل فيه لهجة احتقاريّة لابن باجّة إذ أنّ ابن باجّة في ذلك الحين لم يكن بعد أمير الفلسفة الإسبانيّة الإسلامية بل كان رجل أدب عاديّا. توفّي المستعين في معركة بلتيرة (1110) ربحها ألفونسو المقاتل ملك أراغون ممّا أدّى إلى أن تصبح سرقسطة تحت رحمة المرابطين. وبعد ثمانية أعوام أي في عام 1118 استولى عليها النّصارى ومن المفترض أنه في أيّام اضطرابات مثل هذه غادر ابن السّيد سرقسطة كما اضطرّ إلى مغادرة بطليوس والبراسين وطليطلة لكي يبحث عن ملجا، ووجده في مملكة بلنسية التي خضعت مثل بقيّة المناطق الأندلسية
لحكم المرابطين، وهناك توفي عام 521/ 1127. وكرس أعوامه الأخيرة للنّظر في مؤلّفاته والإشراف على تلاميذه الذين قصدوه من جميع الأنحاء لكي يتقبّلوا تعاليمه.(1/143)
وكاملة تقول إنّ ابن السّيد طلب حماية الأمير عبد الملك بن رزين (10581102) فقد شغل عنده وظيفة كاتب إذ أن ابن السّيد يسيطر على هذه المهنة ويجيدها تمام الإجادة. وقد سقطت مملكة ابن رزين بأيدي المرابطين عام 1103ميلادية، وابن السّيد الذي توقّع هذا المصير غادر وظيفته قبل ذلك بزمان وانتقل إلى طليطلة عازما على تكريس ما بقي من حياته في استثمار العلوم. وكان يملك في طليطلة آنذاك المأمون (10371075) وهذا المركز يعتبر من أحسن المراكز لتحقيق غايته فهو يتقاسم مع سرقسطة احتكار الثّقافة في المناطق الشّمالية من الأندلس، بينما إشبيلية وقرطبة تهيمنان على المناطق الجنوبية منه. لا نعرف شيئا عن حياة ابن السّيد في طليطلة، غير أن ابن خاقان يذكر أنّ ابن السّيد لم ينصرف في طليطلة إلى تعاطي العلوم بل انصرف إلى الآداب. ويذكر له مقطوعة شعريّة أنشدها أمام المامون بن ذي النون. ومن الأكيد أيضا أنه أقام فترة قصيرة في سرقسطة كما يتبين ذلك من حادثة أخرى ذكرها ابن خاقان إذ أنّ ابن السّيد نظم قصيدة يمدح فيها المستعين بن هود ملك سرقسطة المتوفّى عام 1110، وقد يمكن أن نضع في هذه الفترة من حياته النّقاش الذي دار بينه وبين ابن باجة حول مواضيع تتعلّق بالقواعد والجدل. وقد ذكره ابن السّيد في كتابه الذي يحمل عنوان: «كتاب المسائل». يستعمل فيه لهجة احتقاريّة لابن باجّة إذ أنّ ابن باجّة في ذلك الحين لم يكن بعد أمير الفلسفة الإسبانيّة الإسلامية بل كان رجل أدب عاديّا. توفّي المستعين في معركة بلتيرة (1110) ربحها ألفونسو المقاتل ملك أراغون ممّا أدّى إلى أن تصبح سرقسطة تحت رحمة المرابطين. وبعد ثمانية أعوام أي في عام 1118 استولى عليها النّصارى ومن المفترض أنه في أيّام اضطرابات مثل هذه غادر ابن السّيد سرقسطة كما اضطرّ إلى مغادرة بطليوس والبراسين وطليطلة لكي يبحث عن ملجا، ووجده في مملكة بلنسية التي خضعت مثل بقيّة المناطق الأندلسية
لحكم المرابطين، وهناك توفي عام 521/ 1127. وكرس أعوامه الأخيرة للنّظر في مؤلّفاته والإشراف على تلاميذه الذين قصدوه من جميع الأنحاء لكي يتقبّلوا تعاليمه.
مؤلفاته:
أكثرها في علم القواعد واللّغة والانتقاد الأدبي. وقليلة تلك الّتي لا تحمل هذا الطّابع اللّغوي. وهذه لائحة بمؤلفاته التي تكرم بها علينا ابن خلكان:
1 - كتاب الأسماء (1): ويقول عنه ابن خلكان أنه أسمى من كتاب قطرب المتوفى عام 821نظرا لدقّة معلوماته، واتّساعه.
2 - شرح سقط الزند: وقال عنه ابن خلكان إنه أكمل وأجود من شرح أبي العلاء نفسه لهذا الكتاب تحت عنوان «ضوء السقط».
3 - كتاب الحروف الخمسة: أي السين والصّاد والضاد والطّاء والذّال لأن لفظها يحمل على الالتباس والتبديل.
4 - كتاب الحلل في شرح أبيات الجمل: وهو شرح للأشعار الواردة في كتاب (الجمل) وهو من أهم التآليف في القواعد العربية في الإسلام كتبه الزجاجي (949).
5 - الحلل: تكملة الكتاب السابق وفيه يصلح ابن السيد أخطاء وردت في كتاب الزجاجي.
6 - كتاب شرح الموطّأ: وهو شرح لأشهر كتاب لمالك في الشّرع.
7 - شرح ديوان المتنبي: وهو شرح لقصائد أمير الشعراء العرب المتوفّى عام 965م.
8 - كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب: وهو شرح لكتاب ابن قتيبة المتوفى عام 889م.
__________
(1) يريد كتاب المثلثات (انظر مقدمة التحقيق).(1/144)
9 - كتاب الإنصاف في التنبيه على الأسباب الموجبة لاختلاف الأمّة.
10 - كتاب المسائل.
11 - كتاب الحدائق.
وإذا استثنينا رقم 6و 9و 10و 11فإن بقيّة الكتب هي في اللّغة، وقليلة جدّا الكتب المحفوظة، فبروكلمان يذكر الكتاب الذي يحمل رقم 11أي كتاب الحدائق الذي نعمل على طبعه (1) إذ أنّ «شرح الخمس مقالات من كلام الفلاسفة» الّذي يذكره بروكلمان ليس في الواقع سوى كتاب الحدائق. طبع اثنان من هذه الكتب وهما رقم 8في بيروت 1901ورقم 9في القاهرة 1319هجرية.
كتاب رقم 10موجود مخطوطا في مكتبة الاسكوريال تحت رقم 1518وقد تحدثت عن هذا الكتاب في مجلة الأندلس عام 1935م مجلد رقم 3من صفحة 345 إلى 389، ويتحدث عن عدم إيمان الشاعر الوقاشي، وقد طرحت هذه المسألة في إسبانية، والشّاعر يحلّل على طريقته الخاصة التوفيق بين العقل والإيمان قبل ابن رشد بمائة عام. والمسائل الأخرى التي تتناول مواضيع فلسفية هي هذه:
1 - حول خطأ مزعوم للفارابي في تعداد المقولات الثّلاث الأولى بكتاب أورغانون لأرسطو.
2 - حول خلود النفس.
3 - حول «إصابة العين».
4 - حول الكيمياء السّحرية.
5 - حول الجدل الذي حصل بين المؤلّف وابن باجة، المشار إليه سابقا.
ليس هذا هو الكتاب الذي يبين عن تثقيف ابن السّيد الفلسفيّ، فبصرف النّظر عن كتاب (الحدائق) الذي نحن بصدده يوجد كتابان هما المذكوران تحت
__________
(1) الطبعة التي أخرجها المستشرق الأستاذ آسين بلاثيوس (انظر مقدمة التحقيق).(1/145)
رقم 8ورقم 9، يلمح فيهما ابن السّيد إلى مواضيع فلسفيّة مضطرا لمجاراة متطلّبات شرح النّصوص الغريبة عنه، ونظرا للعلاقات الوثيقة التي تربط المسائل اللاهوتية بالفلسفة.
تحليل كتاب الاقتضاب:
إنه تعليق على كتاب ابن قتيبة «أدب الكتّاب، وبالحقيقة فإن ابن السّيد لا يشرح ولا يحلّل سوى مقدّمة هذا الكتاب إذ أنه في الباقي يقتصر على تصحيح وتوضيح الأشعار التي أدرجها ابن قتيبة في تأليفه. وعند ما يحلّل ابن السّيد المقدّمة كلمة كلمة يتوقف عند تلك الكلمات التي لها طابع فلسفي لكي يفسرها باقتضاب ولكن بكل وضوح وحسب المعنى المطلوب وكما هو موجود في الموسوعة اليونانية، والأمثلة على ذلك في كلمة «الكون»، وكلمة «الفساد»، والجوهر، والعرض، والخطّ والنّقطة والسّطح والجسم والآن والزّمان، ويفسّر الكلمات الهندسيّة كما يوافق الهندسة والكلمات الفلكيّة كما يوافق علم الفلك، وفي كل هذا ظهرت مواهب ابن السّيد كما اعترف له بذلك الذين ترجموا له: الوضوح والبساطة والنّظام في التّفسير. أمّا بقية الكتاب فلا تقدّم لنا الفائدة المرجوّة إذ أنّها تبحث في مواضيع بورقراطية (1). وحتى في هذه المواضيع لا توجد مطابقة مع الزّمن الذي عاش فيه ابن السّيد، ولو أنه جاري عصره لكان لهذا الشرح قيمة كبيرة بالنّسبة إلى تاريخ التنظيم الإداري في الأندلس إذ أنّه على التّوالي يتكلّم عن الكاتب البسيط ثم عن أمين السّر للمراسلات ثم الكاتب المالي ثم الكاتب الحربي ثم كاتب العدل ثم كاتب الشّرطة ثم كاتب الدّولة.
تحليل كتاب الإنصاف:
في هذا الكتاب يظهر الطابع الفلسفيّ عند ابن السّيد أكثر من الكتاب
__________
(1) يريد قضايا تتعلق بأدب الكتّاب، ولغة الدواوين. (المحقق).(1/146)
السّابق لأنه يدرس موضوعا من أخطر المشاكل الّتي واجهها المفكّرون المسلمون وهي كثرة الفرق في الإسلام والدّواء لردها إلى فرقة واحدة، ويعترف ابن السّيد في المقدمة أنّه من المستحيل الوصول إلى هذه الوحدة في الحياة الدّنيا (2) لأن الاختلاف في وجهات النظر ناتج عن الفوارق الإنسانيّة وهي غير قابلة للتوفيق لا طبيعيّا ولا نفسيّا ولا أخلاقيا فبقضاء إلهي يختلف النّاس فيما بينهم من حيث العرق واللّون واللّغة والأساليب وطرق التفكير، ولكن مجرد هذه الفوارق التي لا بدّ منها تعني ضمنا ضرورة ردّها إلى الوحدة عند ما تكون الخلافات عقائديّة لأن الحقيقة هي واحدة بحدّ ذاتها وإن تغيّرت الأساليب للوصول إليها في هذه الحياة الدّنيا. لا يمكن أن توجد الكثرة دون وجود الوحدة ولهذا نقع في الشّك المطلق الذي يتخبّط به السّوفسطائيون إذا لم يكن يوجد حياة أخرى يتحوّل فيها الخلاف في الرّأي عند النّاس في المسائل اللّاهوتية إلى وحدة كاملة. وحتى يتمّ ذلك لا بدّ لنا في هذه الحياة من وجود وسيلة تزيل هذه الفوارق أو تخفف على الأقل من حدّتها، أو البحث في مصدرها عن الأسباب التي أدّت إلى حصولها، وهي على العموم المعاني المختلفة التي تبنّاها الناس في التّعبير عن أفكارهم عند ما يريدون الكلام عن العقائد المنزّلة. والفرق التي يشير إليها ابن السّيد هي الجبرية والقدرية والجهمية والشيعية وغيرها، ولا يتوقّف عند كلّ فرقة من هذه الفرق بل يكتفي بذكر الأسباب العامّة لوجود مثل هذه الفرق، ويعزوها إلى ثمانية أسباب (1):
1 - استخدام ألفاظ قابلة للالتباس وقابلة لعدّة تفسيرات وبعض هذه التفسيرات متناقضة بحد ذاتها أو بعوامل أخرى صرفيّة أو نحوية.
__________
(1) الإنصاف: (القاهرة 1319هجرية) ص 105
(2) انظر مقدمة تحقيقنا لكتاب (الإنصاف) الطبعة الثالثة بدار الفكر (المحقّق)، ومقدمة ابن السّيد لكتابة هذا، فإن في عبارات المستشرق الفاضل شيئا من الغموض واللّبس.(1/147)
2 - اختلاف الآراء المتولّدة عن أخذ المعنى الحقيقي، أو المعنى المجازي في العقائد الموحاة.
3 - اختلاف في الآراء متولّد عن استخدام نصوص موحاة ولكنّها بحد ذاتها لا تتضمن المعنى الكامل والحاسم بل تحتاج إلى إيضاحات بنصوص أخرى عن طريق برهان القياس.
4 - اختلافات متأتية عن أخذ كلمات النّصوص (الموحاة) بمعنى مطلق بينما في الحقيقة لها معنى مقيد، أو العكس.
5 - اختلاف في الآراء ناتج عن الاستعمال غير الدقيق للحجج بالاعتماد على الحديث المشكوك في صحة نسبته.
6 - اختلاف حاصل عن التفكير نفسه وعن برهان القياس في مسائل لا تحل عن طريق النصوص الموحاة.
7 - خلافات ناتجة عن إهمال النصوص الموحاة التي تلغي نصوصا أخرى.
8 - اختلاف الآراء في موادّ عملية يعتبرها الشّرع الدّيني جائزة.
تحليل كتاب الحدائق
من الواضح أنه من كتاب «الاقتضاب» وكتاب «الإنصاف» لا يمكن أن نعتبر ابن السّيد فيلسوفا ولا حتّى من هواة الفلسفة ولولا كتابه «الحدائق» لما كان يستحقّ أن يسمّى أكثر من لغويّ. فبصرف النّظر عن مواهبه الشعرية التي لا مجال لذكرها هنا، وقد أشاد بوصفها الذين ترجموا له، مرّوا بكتابه هذا مرّ الكرام كما لو كان غير موجود والأوروبيون أنفسهم أيضا أهملوا هذا الكتاب حتى جاء بروكلمان وذكره في مؤلّفه الضخم (المجلد الأول ص 427). وعرف هذا الكتاب بين اليهود فقط بفضل ترجمة عبرية له قام بها الكاهن اليهودي المعروف مارسيلا، موسى بن طبون 12831240ونشرها يهودي آخر قشتالي اسمه صموئيل بن موطوط في وادي
الحجارة عام 1370، ولكن اسم ابن السّيد البطليوسي حرّفه اليهود بحيث اعتقد الناس أن هذا الرجل هو بطليموس العالم الفلكي اليوناني. وهذا جعل اسم ابن السّيد يضيع حتى جاء «كوفمان» عام 1880وكشف الغموض عن هذه القضية عند ما طبع التّرجمة العبرية لموسى بن طبون (راجع دافيد كوفمان في كتابه المطبوع في بودابست عام 1880م، وجورج سارتون في كتابه مقدمة لتاريخ العلوم المطبوع عام 1931م ذاك بالألمانية وهذا بالإنكليزية).(1/148)
من الواضح أنه من كتاب «الاقتضاب» وكتاب «الإنصاف» لا يمكن أن نعتبر ابن السّيد فيلسوفا ولا حتّى من هواة الفلسفة ولولا كتابه «الحدائق» لما كان يستحقّ أن يسمّى أكثر من لغويّ. فبصرف النّظر عن مواهبه الشعرية التي لا مجال لذكرها هنا، وقد أشاد بوصفها الذين ترجموا له، مرّوا بكتابه هذا مرّ الكرام كما لو كان غير موجود والأوروبيون أنفسهم أيضا أهملوا هذا الكتاب حتى جاء بروكلمان وذكره في مؤلّفه الضخم (المجلد الأول ص 427). وعرف هذا الكتاب بين اليهود فقط بفضل ترجمة عبرية له قام بها الكاهن اليهودي المعروف مارسيلا، موسى بن طبون 12831240ونشرها يهودي آخر قشتالي اسمه صموئيل بن موطوط في وادي
الحجارة عام 1370، ولكن اسم ابن السّيد البطليوسي حرّفه اليهود بحيث اعتقد الناس أن هذا الرجل هو بطليموس العالم الفلكي اليوناني. وهذا جعل اسم ابن السّيد يضيع حتى جاء «كوفمان» عام 1880وكشف الغموض عن هذه القضية عند ما طبع التّرجمة العبرية لموسى بن طبون (راجع دافيد كوفمان في كتابه المطبوع في بودابست عام 1880م، وجورج سارتون في كتابه مقدمة لتاريخ العلوم المطبوع عام 1931م ذاك بالألمانية وهذا بالإنكليزية).
وأهمية هذا الكتاب الفلسفية بادية من حيث أنّ ابن طبون موسى وهو من أهم المترجمين في القرون الوسطى قرّر ترجمة هذا الكتاب إلى العبرية، وبفضل هذا المترجم الكبير تعرفت أوروبا على قسم كبير من مؤلّفات الفلاسفة وعلماء الحساب وعلماء الفلك والأطباء العرب مثل ابن رشد والفارابي وابن سينا وجابر، والبطروجي والرازي وغيرهم، مؤلفات نقلت فيما بعد إلى اللاتينية وطبع بعضها في إيطاليا، غير أننا لا يجب أن نسترسل في المبالغة في قيمة هذا الكتاب، إذ أنه بالواقع لا يتعدى كونه تأليفا لكي يوضع في أيدي المبتدءين بعلم الفلسفة فإنّه يعكس المعارف الفلسفيّة السّائدة في إسبانية الإسلاميّة آنذاك عند ما كان ابن باجّة يؤلّف كتبه، وعند ما كان ابن طفيل وابن رشد غير موجودين، أو قبل أن يفكر ابن رشد في شرح أرسطو.
تزداد أهميّة ابن السيد عند ما نعلم أنّه استشهد ببعض مقاطع من كتاب أفلاطون «طيموس»، وهي استشهادات لا تتّفق تماما مع الأصل اليوناني المعروف. وبصرف النظر عن هذا فإنّ كتاب (الحدائق) هو أوّل محاولة في الأندلس للتوفيق أو لانسجام اللّاهوت الإسلامي بالفكر اليوناني، وقد دافع ابن السّيد عن هذا الانسجام عند ما قال: إنّ الوحي والفلسفة لا يختلفان: لا من حيث الموضوع ولا من حيث الغاية فالاثنان يبحثان عن الحقيقة ويعلّمانها، وإن اختلف الأسلوب. ويكتفي ابن السّيد بإيراد هذه المبادئ دون التّعرّض
لتطبيقها: لا يمكن أن يقوم نزاع بين الفلسفة والعقيدة الموحاة إذ أن الفلاسفة أنفسهم مثل أفلاطون وأرسطو دافعا عن ضرورة الإيمان الدّيني بإله مدبّر وقدير وعادل، أمّا الذين في الإسلام يقولون بهذا النزاع فإنّهم لا يستحقون اسم «فلاسفة»: إمّا لأنّهم كفرة أو لأنهم فاسدو الأخلاق، وهذا هو الغرض من كتاب الحدائق لابن السّيد أن يسدّها. ولذا عمدنا إلى طبع هذا الكتاب بأصله العربيّ وترجمته إلى الاسبانية. وقد اعتمدنا على المخطوط الوحيد الموجود في المكتبة الملكية ببرلين رقم 2303من الورقة 167حتى 195والمخطوط واضح الخطّ والكتابة شرقية والنص متواصل دون مقاطع أو فصول.(1/149)
تزداد أهميّة ابن السيد عند ما نعلم أنّه استشهد ببعض مقاطع من كتاب أفلاطون «طيموس»، وهي استشهادات لا تتّفق تماما مع الأصل اليوناني المعروف. وبصرف النظر عن هذا فإنّ كتاب (الحدائق) هو أوّل محاولة في الأندلس للتوفيق أو لانسجام اللّاهوت الإسلامي بالفكر اليوناني، وقد دافع ابن السّيد عن هذا الانسجام عند ما قال: إنّ الوحي والفلسفة لا يختلفان: لا من حيث الموضوع ولا من حيث الغاية فالاثنان يبحثان عن الحقيقة ويعلّمانها، وإن اختلف الأسلوب. ويكتفي ابن السّيد بإيراد هذه المبادئ دون التّعرّض
لتطبيقها: لا يمكن أن يقوم نزاع بين الفلسفة والعقيدة الموحاة إذ أن الفلاسفة أنفسهم مثل أفلاطون وأرسطو دافعا عن ضرورة الإيمان الدّيني بإله مدبّر وقدير وعادل، أمّا الذين في الإسلام يقولون بهذا النزاع فإنّهم لا يستحقون اسم «فلاسفة»: إمّا لأنّهم كفرة أو لأنهم فاسدو الأخلاق، وهذا هو الغرض من كتاب الحدائق لابن السّيد أن يسدّها. ولذا عمدنا إلى طبع هذا الكتاب بأصله العربيّ وترجمته إلى الاسبانية. وقد اعتمدنا على المخطوط الوحيد الموجود في المكتبة الملكية ببرلين رقم 2303من الورقة 167حتى 195والمخطوط واضح الخطّ والكتابة شرقية والنص متواصل دون مقاطع أو فصول.
المحور الأساسي الذي اتّخذه ابن السيد هو النّظرية الأفلاطونية الحديثة، ونظرية أفلوطين في مبدأ الانبثاق والصدور (1) مع إضافات من الفيثاغوروثية الجديدة. ولكن كل هذا متستّر بلباقة تحت الصّيغ التقليدية للعقيدة الإسلامية الصّحيحة: الله إله القرآن خالق الكون والمدبر، يرمز إلى «الواحد» عند أفلوطين وفيثاغورس. فهو وإن لم يكن عددا هو مبدأ وسبب وماهيّة وغاية جميع الأرقام.
كل الأشياء تتولّد عن الخالق غير المخلوق كما تتولّد الأعداد عن الواحد.
ولكي ينزّه الله تعالى عن كل تركيب وتبديل يدافع ابن السّيد عن أزليّة صفات الله، وهذه الصفات لا تتميّز عن ماهيّته قبل وبعد خلق العالم والإنسان (الحدائق فصل 5).
وعلم الله لا يستثنى عن هذه القاعدة، فالله بماهيّته ليس فقط يعرف ذاته بل يعرف أيضا جميع الكائنات المتميّزة عنه، الكليّات منها والجزئيات.
والانتقال من الوحدة إلى الكثرة أي أصل العالم لا يفسّره كتاب الحدائق
__________
(1) في نظرية الفيض (المحقق).(1/150)
بالخلق من العدم كما هو وارد في اللاهوت الإسلامي رغم أن ابن السيد يدعو الله «البارئ»، بل هذا الخلق يتم عن طريق الإفاضة (الفيض) كما هي معروفة عند الأفلاطونيّين المحدثين. فبينما الفلاسفة العرب الشرقيون مثل الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل في الأندلس يكتفون بإيراد التسلسل الأفلوطيني من حيث الانبثاق من الواحد (1)، فإن ابن السّيد يتبنّى براهين ذات طابع حسابيّ فيثاغوري. وهذا غير وارد عند الفلاسفة الذين جئنا على ذكرهم. (هنا يذكر آسين بلاثيوس نظرية ابن السّيد في الإفاضة كما جاءت في كتاب الحدائق الفصل السادس والفصل الأول).
ويؤكّد ابن السّيد أنّ هذه النظرية الانبثاقية المعقدة موجودة عند سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، ولكن هؤلاء الفلاسفة لا يثبتونها، فابن السّيد يرى أنّ الأعداد هي رمز الكون. فمن الواضح أن ابن السّيد لم يلجا إلى الفلاسفة اليونانيّين لتوضيح نظريته هذه في الانبثاق والصّدور والإفاضة، فمن المعروف أنّه في الأندلس قبل ظهور ابن السّيد بمائة عام ونيف ظهر أو بالأحرى انتشرت تآليف من هذا النوع استقى منها ابن السّيد مذهبه. وهي رسائل إخوان الصّفا. فهي تحتوي على تسلسل لمبادئ الأفلاطونية الحديثة في الكائن. وهي تشبه كثيرا ما جاء عند ابن السّيد (يمكن مراجعة رسائل إخوان الصّفا «طبعة بومباي 1306هـ، المجلد الثالث من صفحة 4إلى 8و 16و 32و 33و 39و 41. بشأن إخوان الصّفا ووصول رسائلهم إلى الأندلس راجع مجلة الأندلس العدد 4 عام 19391936صفحة 462).
وبعد النّظرية اللاهوتيّة، والنّظرية الكونية، تأتي النظريّة النّفسية في كتاب الحدائق. وهذه النظرية في النفس وعلمها لا يقدّم لنا شيئا جديدا لا من حيث جوهر النّظرية ولا من حيث عرضها. وقد شاء ابن السّيد في آخر فصل
__________
(1) الفيض عن الواحد.(1/151)
من فصول كتابه أن يبرهن عن خلود النفس البشرية لكي يكون على وفاق مع الدّيانة الإسلامية، والبرهان عن النّفس العقلية أو العاقلة. وقد جاء بثمانية براهين يقول عنها إنه أخذها من الفلاسفة الذين ورثوا أفكار سقراط وأفلاطون وأرسطو. فالنّفس تفهم أكثر وأفضل عند ما تتجرد من المحسوس والحس وهما من خصائص الجسد وتتخلّص منهما في الموت وعند ما تصبح جوهرية باقترانها بالعقل الفعّال لا تعود بحاجة إلى الحواسّ الجسدية لكي تتوصل إلى الصّور القابلة للفهم.
إذا تركنا جانبا هذا الثّوب الفيثاغوري الجديد الذي لبسه ابن السيد، رأينا أنه يقترب كثيرا جدّا من الفلاسفة الأفلاطونيين المحدثين في الأندلس أمثال ابن باجة وابن طفيل وابن رشد الذين بعد ابن السّيد استطاعوا أن يلفتوا أنظار الناس إليهم، لكي يصبّوا عليهم الحرم من قبل اللاهوتيين المسلمين بينما لم يتعرض أحد لابن السّيد كما لو أن فلسفته ظلّت مجهولة. وأنا أعتقد أن هذا الاهمال الذي وجده ابن السّيد عائد إلى أن فلسفته سطحيّة لم يعبأ بها المتعمّقون في دراسة المذاهب الفلسفيّة.
أكثر من حرص ابن السيد على التّوفيق بين الفلسفة والإيمان، فإن ابن رشد حرص أكثر بكثير من ابن السّيد على التّوفيق بين الفلسفة والدّين في كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال، وفي كتابه أيضا مناهج الأدلة ومع ذلك فلم يستطع التخلّص من غضب اللّاهوتيين المسلمين. ولكن ابن رشد في شروحه لكتاب النفس لأرسطو قد ترك جانبا كلّ ما له طابع لاهوتيّ، واقتصر فقط على درس المشكلة بواقعيّتها: «وحدة النفس» عند جميع البشر. فانتقل مذهبه إلى الرّشديين بعده وإلى توما الإكويني معارضه، مع أن الاثنين: ابن رشد وابن السّيد قالا بوحدة العقل الفعّال وهذا ما أدى إلى ذلك النّقاش الذي استمرّ طليلة القرون الوسطى المتأخّرة، فهذا العقل الفعّال هو الخالد وحده في نظر الاثنين: أي ابن رشد وابن السّيد.(1/152)
فهارس الكتاب
1 - فهرس الآيات القرآنية.
2 - فهرس الأحاديث والآثار.
3 - فهرس الشّعر.
4 - فهرس الأعلام.
5 - فهرس البلدان والأماكن.
6 - فهرس الكتب والمجلّات والموسوعات.
7 - فهرس لغويّ مصطلحيّ.
8 - فهرس المحتويات.(1/153)
فهرس الآيات
الآية الصفحة {كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 11
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هََذََا فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} 125
{وَمََا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلََّا يَعْلَمُهََا وَلََا حَبَّةٍ فِي ظُلُمََاتِ الْأَرْضِ وَلََا رَطْبٍ وَلََا يََابِسٍ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} 121
{يَعْلَمُ خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمََا تُخْفِي الصُّدُورُ} 121
فهرس الأحاديث
الحديث الصفحة «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربّه» 78
«تقرّب إلى الله بعقلك إذا تقرّب الناس إليه بأعمالهم». 72
«الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». 72، 125
فهرس الشعر
كلمة القافية الصفحة واجب 74
حاجب 74
الخلد 21
قدره 122
جهره 122
بأمره 122
هيولى 69
سفولا 70
أوطان 19(1/155)
فهرس الأعلام
أإبراهيم السامرّائي: 24
أحمد بن يوسف، المستعين بن هود: 22
إخوان الصّفا: 9
أرسطو، أرسطاطاليس، فيلسوف أسطاغاريا:
9، 14، 25، 45، 46، 53، 54، 88، 91، 111، 123
أرسطو فان: 46
بنو إسرائيل: 74
الإسكندر المقدوني: 45
آسين بلاثيوس: 25، 27
الأشعرية، الأشاعرة: 9، 14
بنو الأفطس: 15، 16، 19
أفلاطون: 9، 14، 25، 45، 53، 54، 90، 114، 123
أقريطس: 46
أكاديموس: 45
أكسينو فون: 45
أكسينوقراط: 45
ألفونسو السادس: 16، 18
أقبيارس: 46
بنو أمية: 15، 16
آنخل جنثاليث بالنثيا: 25
أهل الظاهر: 14
ب ابن باجة، أبو بكر بن محمد بن الصانع: 22، 25
بالاثيوس آسين بلاثيوس
د. بدوي: 45
بروكلمان: 24
أبو بكر بن العربي: 24
ت تجيب (قبيلة): 16
التبريزي: 24
ث ثالس: 14، 85
ج ابن جحّاف القاضي البلنسي: 18
بنو جهور: 16
ح أبو حامد الغزالي: 10
حسين مؤنس: 25
أبو الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجيّاني: 20
الحكماء: 40، 62
الحكم المستنصر: 16
خ ابن خاقان: 12، 15، 21
ابن أبي الخصال: 21
ابن خفاجة: 21(1/156)
ابن خلدون: 10، 14
ابن خلكان: 12
الخوارزمي: 24
د داود (الظّاهري): 103
الدّهرية: 14
ذ بنو ذي النون: 21
ر بنو رزين: 17، 21، 22
ابن رشد: 25
ز الزجاجي: 23
الزركلي: 7
زعماء الفلاسفة: 53، 123
بنو زيري: 17
زينون الإيلي: 14، 86
س سابور الفارسي: 16
سسند و، ششند: 19
سقراط: 14، 45، 123
ابن السّيد البطليوسي: 5، 6، 7، 8، 9، 10، 14، 15، 16، 18، 19، 21، 22، 25، 26، 27، 33
ابن سينا: 9، 11
ش (الإمام) الشافعي: 103
ص صاحب «معرفتنامه»: 11
الصّدر الشرواني: 11
الصّدر الشيرازي: 11
الصّوفية: 11
ط بنو طاهر: 17
ابن طفيل: 25
طيماوس، تيماوس: 25
ع عاصم بن أيوب البطليوسي: 20
بنو عباد: 17
عبد الله الأموي (أمير): 15
عبد الله بن محمد بن مسلمة: 16
عبد الرّحمن بن مروان، الجيليقي: 15
بنو عبد العزيز: 22
عبد العزيز بن عبد الرحمن المنصور العامري: 17
عبد الكريم اليافي: 6، 8
عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العامري: 17
عبد الملك بن هذيل بن عبد الملك: 17
عبد الواحد المراكشي: 10
ابن عبدون: 16
عثمان بن أبي بكر، أبو عمرو: 18
ابن العريف: 21
عزة العطار الحسيني: 26
عزيز النسفي الباطني: 11
ابن عكاشة: 18
أبو العلاء المعرّي: 12، 20
علي بن أحمد بن حمدون، ابن اللّطينة: 20
أبو علي الغسّاني الحافظ: 33
علي بن مجاهد العامري: 17(1/157)
علي بن محمد بن السّيد البطليوسي: 18
علي بن يوسف بن تاشفين: 10
عمر فروخ: 7، 14، 25، 46
عمر المتوكّل (من بني الأفطس): 16، 19
عمر المحمصاني: 24
ف فائق الخادم: 16
الفارابي: 9، 25
الفتح بن خاقان: 12، 15، 21
الفتيان الصقالبة: 17
ابن فرحون: 12
فرناندو بن سانشو: 16
فلاسفة الإسلام: 22
الفلاسفة الإشراقيون: 11
فلاسفة المجوس: 46
فيثاغورس: 14
ق القادر بن ذي النون: 18، 21
القمبيطور (الكمبيادور): 18
ك كبراء الفلاسفة: 113
الكماليون (أصحاب مصطفى كمال أتاتورك): 7
ل ابن ليون: 21
م الماتريدية: 9
المأمون بن ذي النون: 16، 17
مبارك (مولى العامريين): 17
مجاهد العامري: 17
المجوس: 14
محمد رضوان الداية: 7، 8
محمد زاهد الكوثري: 7، 11، 26، 27
محمد بن عبد الله بن الأفطس، المظفر: 17، 19
محمد بن عبد العزيز: 17، 18
محمد بن عبد الواحد البغدادي الدارمي التميمي:
20 - محمد نجيب أمين الخانجي: 26، 27
المرابطون: 10، 18
المظفّر (مولى العامريين): 17
المستعين بن المؤتمن: 18
المعتزلة: 14، 104، 105
المعتمد بن عبّاد: 16
معن بن صمادح: 17
المقتدر بن هود: 17
مكناسة (قبيلة): 15
المنصور (من بني الأفطس): 19
المؤتمن (من بني هود): 17
ابنة المؤتمن: 18
ن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): 105
هـ هـ. حمودي: 23
هذيل بن عبد الملك، عز الدولة، أبو محمد، ابن رزين: 17، 21
بنو هود: 17، 18، 22
ي يحيى بن عبد الملك: 17
يحيى القادر: 16
يحيى المنصور: 16(1/158)
فهرس البلدان والأماكن
أأثينا: 45
أراجون:
إسبانية الإسلامية: 25
الآستانة: 7
إشبيلية: 17
الأكاديمية: 45
الأندلس: 5، 7، 9، 13، 15، 16، 17، 18، 20، 21
ب بازو: 16
الباليار (الجزائر الشرقية): 17
البرتغال: 15، 16
برشلونة: 17
بطليوس: 13، 15، 16، 18، 19، 20، 21
بغداد: 23
بلنسية: 13، 17، 18، 21، 22
بيروت: 23
ت تبريز: 24
ج جامع الفاتح: 7
جامعة دمشق: 8
الجزائر: 23
خ خلقيس: 45
د دانية: 17
دمشق: 8، 23، 69
ز الزلّاقة: 18، 19
س سرقسطة: 17، 21، 22
السهلة: 17، 21
سو (رافد نهري): 15
سورية: 18
ش شنتمرية الشرق (سانت ماريّا) السّهلة: 17، 21
شنتمرية الغرب: 17
ص صقلية 45
ط طليطلة: 16، 19، 20، 21
غ غرناطة: 17(1/159)
ف فرناندو: 19
ق القاهرة: 23، 24، 26، 27
قرطبة: 16، 21
قشتالة: 16، 19
قلعة رباح: 18
قلمرية: 16، 19
ك كلية الآداب في جامعة دمشق: 8
ل لاميجو مليقة
ليون: 16
م ماردة: 15
مرسية: 17
المرية: 17
مصر: 7، 23، 27
معبد أبولون: 45
المغرب: 10، 20
مليقة: 16، 19
ووادي يانة: 15
وهران: 23
ي اليونان: 45(1/160)
فهرس الكتب والمجلّات
أأزهار الرياض: 15، 21
إصلاح الخلل الواقع في شرح الجمل: 12، 23
الأعلام: 7
الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب: 23
الانتصار ممّن عدل عن الاستبصار: 24
الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الخلاف بين المسلمين في آرائهم: 6، 12، 24
ب البداية والنهاية: 15
بغية الملتمس: 15
بغية الوعاة: 15
ت تاريخ الفكر الأندلسي: 25
تاريخ الفكر العربي: 7، 25
تاريخ الفكر العربي إلى أيّام ابن خلدون: 14
تدبير الموحّد: 25
التنبيه على الأسباب الموجبة للخلاف بين الأمّة الإنصاف
تهافت الفلاسفة: 10
التوقيف على مهمّات التعاريف: 69
ح الحدائق: 6، 7، 8، 10، 14، 24، 25، 26، 32
الحلة السيراء: 22
الحلل في شرح أبيات الجمل: 12، 23
د الديباج المذهب: 15
ر رسائل إخوان الصفا: 14
رسالة الاسم والمسمّى: 24
روضات الجنات: 15
س السّحب (مسرحية): 46
سير أعلام النبلاء: 15
ش شجرة النور الزكية: 15
شذرات الذهب: 15
شرح الأشعار الستة: 20
شرح ديوان المتنبي: 12
شرح سقط الزند: 12
شرح المختار من لزوميات أبي العلاء: 24
شرح الموطّأ: 12
ص الصلة: 15
ط طيماوس: 90(1/161)
ع عصر الطوائف: 19، 22
غ غاية النهاية: 15
ف الفرق بين الحروف الخمسة: 23
ق قلائد العقيان: 12، 13، 15
ك كشف الظنون: 15
ل اللمعة: 12
م ما بعد الطبيعة: 88
المثلّثات العربية: 12
المثلث: 23
مجلة الأندلس: 25، 27
مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق: 24
مرآة الجنان: 15
المسائل المنثورة: 12
المسائل والأجوبة: 24، 26
المعجب في أخبار المغرب: 10
معرفتنامه: 11
المغرب في حلى المغرب: 15
موسوعة الفلسفة: 45
ن نصوص ودراسات عربية وإفريقية في اللغة والتاريخ والأدب: 24
نفح الطيب: 15
هـ هديّة العارفين: 15
ووفيات الأعيان: 13، 15(1/162)
فهرس لغويّ مصطلحيّ
أأرض: الأرض: 44، 67
مركز الأرض: 56
أزل: الأزل: 102، 105
الأزلي: 50
الأزلي المطلق: 50
الأزلي المضاف: 50
أزلية العالم: 9، 115
أل م: الألم: 49
أم ر: الأمور العقلية: 61
أم ل: التأمّل الديني: 9
التأمّل الميتافيزيائي: 9
أن س: الإنسان: 33، 44، 52، 58، 59، 63، 64، 65، 67، 68، 69، 70، 81.
الإنسان عالم: 117
الإنسان الكبير: 52
ب ب د أ: المبدأ: 11، 59، 60
مبدأ الأفعال: 85
مبدأ الموجودات: 8
المبادئ العقلية: 60
ب د ع: المبدع: 50، 51
مبتدعة: 81
ب ر د: باردة بالقوّة: 125
ب ر هـ ن: البراهين: 51
ب س ط: بسائط: 131
ب ص ر: البصر: 98
البصير: 95
ب ط ل: المبطلون: 121
ب ع د: البعد: 35، 36
ب هـ م: البهائم: 55
بهيمية: 131
ب ي ن: مباين: 88، 89
ت ت ب ع: تابع: 109
ت م م: تتميم: 110
ث ث ب ت: إثبات شيئين: 103
تثبيت: 88
ث ن ي: الثواني: 38، 39، 44، 37، 61، 66، 83
المثني: 94
ج ج ر د: مجرّدة: 73
ج ر م: الأجرام: 44
الأجرام الناطقة: 39
ج ز أ: الجزئيّات: 9، 107، 118، 119، 120(1/163)
ج س م: جسم: 40، 59، 123، 128، 130
جسماني: 132131
المجسّمة: 102
ج وهـ د: الجوهر: 50، 51، 52، 66، 73، 83، 102، 110، 111، 119، 126، 133
الجوهر الحامل للصورة: 4342
الجوهر الحامل للعرض: 119
الجوهرين: 129
الجواهر المعقولة: 11956
التّجوهر: 44، 64، 73
تجوهرات: 127
يتجوهر: 112
ج ن س: جنس: 11187
الأجناس: 90
ج هـ ل: الجهل: 130
ظلمة الجهل: 40
جاهل: 95، 108
ح ح د ث: حدوث: 81، 83، 99، 118
محدث: 50
محدثة: 81، 83، 98، 105
المحدثات: 99
يحدث: 102
أحدث: 101
ح د د: حدّ الفلسفة: 114
ح ر ر: حارّة بالفعل: 125
ح ر ك: حركة: 52، 68، 81، 83، 115
الحركة الإرادية: 49
حركة الفلك: 69
ح س س: الحسّ: 130، 133
الإحساس: 48
حواس: 118، 119، 120
الحواس الجسدية: 126
الحواس الجسمانية: 117
الحواس الخمس: 49، 112
محسوس: 62، 71، 73
المحسوسات: 70، 71، 117
ح ق ق: الحقّ: 54
الحقيقة: 36، 111
الحقائق: 124
حقائق مجرّدة: 115
ح ك م: الحكمة: 8، 35، 51، 52
الحكماء: 8
ح ل ل: محلّ في الأمكنة: 87
يحلّ: 85
ينحلّ: 131
ح م ل: حامل: 102، 119
محمول: 87، 102، 119
ح ول: الحال: 106
استحالة: 87، 90
المحال: 37، 87
استحال: 118، 126
ح ي ز: تحيّز: 88
ح ي و: حياة: 102، 103، 104
الحياة الجسديّة: 132
الحياة المحضة: 130
حيّ: 89، 95، 96، 97، 99، 101، 102، 103، 104، 109
حيّ بالطبع: 130(1/164)
حيّ بالفعل: 126، 132
حيّ بالقوّة: 126
حيّة [النفس حيّة] 123، 129
الأحياء: 95
الحيوان: 44، 59، 65، 67
حيوان ناطق: 44، 60
حيوان غير ناطق: 60، 64
حيوانية: 123
خ خ ص ر: اختصار: 96
خ ط أ: الخطأ: 131
خطيئة: 16
خ ط ط: الخطّ: 59، 62
تخطيط: 111
خ ل د: الخلود: 14
خ ل و: الخلوّ: 9، 105
خ ل ق: الخلقة: 73
خالق: 51، 105
المخلوق: 105
المخلوقات: 59
الأخلاق: 54
الخلقية: 71
خ ي ر: الخير: 53
خ ي ل: التخيّل: 53، 118
المتخيّلة: 72
د د ر ك: الإدراك: 70
إدراك بالحسّ: 70
إدراك بالحواس: 118
إدراك بالعقل: 70
د ل ل: الاستدلال: 99، 120
الدليل: 104
دلائل الحدوث: 87
يستدلّ: 100
د هـ ر: الدّهر: 90
الدّهرية: 46
د ور: دوران الأفلاك: 51، 61
الدائرة: 46، 47، 56، 62، 65، 66، 67، 73
دائرة الآحاد والعشرات: 33
دائرة الألوف: 33
دائرة المئات: 33
دائرة وهمية: 11، 33، 35، 58، 77، 78
دوائر: 111
دوائر الآلاف: 79
دوائر العدد الوهمية: 40
الدوائر العددية: 80
دوائر العشرات: 78
دوائر المئين: 79
دوائر وهمية: 70
استدار: 79، 80
ذ ذ ر د: الذرّة: 113
ذ ي ت: الذات: 66، 101، 111، 113، 114
ذات الإنسان: 8، 11، 33، 58، 63
ذاتي: 112، 132، 133(1/165)
ر ر ت ب: الرتبة: 42، 63، 65
المرتبة: 35، 37، 40، 43، 44، 46، 47، 60، 63، 64، 71، 80
مراتب: 91
مراتب الآحاد: 79، 80
مراتب المعقولات: 33
مراتب الوجود: 11
مراتب الموجودات: 8، 41، 42، 50، 110
مراتب المحسوسات: 33
ر ذ ل: الرذائل: 5453
ر ز ق: الرّزق: 105
رازق: 105
المرزوق: 105
ر ق ي: الترقي: 43، 46، 59
ر ك ن: الأركان: 43، 44، 51، 62، 64، 65
عالم الأركان: 55
ر م ز: رموز: 80
ر وح: روح: 132
الأرواح الزكية: 57
روحاني: 131، 132، 133
روحانية: 132
ر وي: الرويّة: 49
ر ي د: إرادة: 105
مريد: 100
ز ز م ن: الزمان: 36، 68، 69، 81، 83، 104، 115، 117، 120
الأزمنة: 85
س س ب ب: سبب: 80
السبب الأوّل: 8، 33، 35، 63، 64، 65
أسباب الأشياء: 50
س ح ر: السحر: 52
س ر ي: سريان الوحدة: 84، 85، 86
يسري: 79
سرت: 84
س ط ح: السطح: 59
س ل ب: السّلب: 8، 11، 34، 93
حرف السلب: 95، 98
س ل ل: السّلال: 129
س م ع: السمع: 98
سميع: 95
س ي س: السياسة: 52
س ي ل: سيلان: 90
سيّالة: 85
ش ش ب هـ: التشبيه: 8
ش خ ص: شخص: 87
الأشخاص: 90، 111
ش ر ر: الشرّ: 53
ش ر ع: الشرع: 105، 122
شرع الله: 9، 12
الشريعة الإسلامية: 26
شريعتنا الحنيفية: 121
الشرائع: 54، 123
الشرعية: 124
ش ع ر: الشعور: 48(1/166)
ش ك ل: شكل: 111
ش هـ د: المشاهدة: 128
ش هـ و: الشهوات الطبيعية: 124
ص ص د ق: التصديق: 53
ص ن ع: صانع: 116
مصنوعات: 89
ص ور: التصوّر: 53، 81، 118، 124
التصوير: 88
الصورة: 41، 43، 50، 66، 73، 74، 84، 89، 91، 92، 111، 115، 128
صورة الإنسان: 33، 35، 58
الصورة الشخصية: 89
صورة الأشياء: 98
الصورة العقلية: 73
صور الأفلاك: 43، 44
المصوّر: 90، 91، 92، 111
يتصوّر: 73
ص وغ: تصوغ: 76
ص وف: الصوفية: 8، 91
ص ي ر: صيّر: 84
ض ض د د: ضدّ: 89
أضداد: 95
ض م ر: ضمائر النفوس: 113
ض م ن: مضمّنا: 96
ط ط ب ع: الطبع: 37، 74
الطبيعة المائية: 74
ط ل ق: مطلق: 82
ع ع د د: العدد: 33، 75، 76، 79، 80، 81
الأعداد: 79، 80، 82، 83، 111
ع د م: عدم: 82
معدوم: 95، 101
ع د ن: معدن: 116
معادن: 44، 59، 64، 65، 67
ع ر ج: سلم المعراج: 56
ع ر ض: عرض: 119، 130، 131
الأعراض: 102، 119
العرض المحمول في جوهر: 119
عرضيّ: 133
ع ر ف: المعرفة: 49
معرفة الله تعالى نفسه: 8
معرفة العالم: 80
المعارف: 44، 55، 124، 127، 129
ع ط ف: انعطاف: 80
منعطف: 75
ع ق ل: العقل: 33، 56، 73، 98، 105، 114، 119
العقل الإنساني: 47
عقل متجرّد: 113، 114
العقل الجزئي: 11، 33، 68، 73، 117
العقل الفعّال: 38، 39، 40، 44، 46، 47، 54، 56، 59، 61،(1/167)
63، 66، 67، 72
العقل المستفاد: 71، 73، 112، 127
العقل الكلّي: 11، 33، 68، 73، 117
العقول الثواني: 14
العقول المجرّدة: 38، 40
العقول العشرة: 11
العقول المفارقة للمادة: 46
المعقول: 36، 62، 71، 73، 110، 114، 119
المعقول الأوّل: 61
المعقولات: 60، 70، 71، 110، 112
المعقولات الأوّل: 112
المعقولات المجرّدة: 44
المعقولات المفارقة: 47
العاقل: 110، 114، 119
يعقل: 110
ع ل ق: التعلّق: 95، 127
ع ل ل: العلّة: 61، 77، 80، 86، 95، 108، 111
العلّة الأولى: 35، 110
علة بعيدة: 77
علّة قريبة: 77
علة العلل: 35، 80، 84
علة الوجود: 82، 84
علل: 50، 78، 84
معلول: 86، 108
ع ل م: العلم: 49، 53، 104، 107،
111، 112، 114، 116، 119
علم الأمور الإلهية: 116
العلم الإلهي: 60
علم الإنسان: 33، 58، 59، 62، 63
العلم السياسي: 62
علم الكلام: 7، 8، 9، 10
العلوم: 55، 129
العلوم الشرعية: 10
العلوم العقلية: 5
العلوم النظرية: 50
العلوم النقلية: 5، 10
عالم: 89، 95، 96، 99، 100، 107، 113، 116، 119
عالمة: 111
العلماء: 95
المعلوم: 111، 112، 114، 119
يعلم: 107، 108
عالم الحسّ: 69، 73
العالم الأدنى: 69
العالم الصغير: 52، 71
العالم الأصغر: 69
العالم الأعلى: 57، 69
عالم العقل: 69، 73، 114، 115
عالم العناصر: 38، 39
عالم الأفلاك: 61
العالم الأكبر: 70، 71
عالم النفس: 114
العوالم العالية: 114
ع ل م: العمل: 53(1/168)
ع ن ص ر: العناصر: 59
ع هـ د: المعهود: 103، 104
غ غ ر ز: الغريزيات: 120
غ ر ق: استغرق: 131
غ ن ي: غني: 82، 110، 118
غ ي ي: غاية: 89، 111
ف ف ر ط: إفراط: 94
ف ر ع: التفريع: 105
ف س د: الفساد: 52
ف ص ل: انفصال: 88
فصل: 87
ف ض ل: الفضيلة: 110
الفضائل: 53
ف ط ر: الفطرة: 53، 54، 55، 70، 73
فطر شريفة: 81
ف ع ل: فعل: 51، 52، 68، 74، 92
فعل بالمجاز: 84
فعل بالإضافة: 84
الفاعل: 85، 61، 87، 89، 111
الفاعل بالمجاز: 85
الفاعل على المجاز: 51
الفاعل بالحقيقة: 84
الفاعل على الحقيقة: 51
فاعل بالإضافة: 85
الفاعل المطلق: 51، 84
منفعل: 85، 87
ف ق ر: مفتقر: 82، 89، 112، 118، 126
ف ك ر: الفكر: 49
الفكر العربي: 7
الفكر اليوناني: 26
ف ل س ف: الفلسفة: 7، 8، 9، 10، 52، 53، 54
الفلسفة اليونانية: 10
الفيلسوف: 83
الفلاسفة: 8
ف ل ك: فلك القمر: 41، 42
الأفلاك: 40، 50
الأفلاك التسعة: 39، 114
ف ن ي: الفناء في التوحيد: 91
ف ي د: المفيد الكمال: 11
ف ي ض: الفيض: 9، 14، 39
فيض العقول المجرّدة: 39
فائض: 82
تفيض: 52
فاض: 84
أفاض: 40، 91
ق ق ب س: مقتبس: 82، 89، 108، 111
ق ب ل: قبول: 124
المستقبل: 106
ق د ر: القدرة: 103، 104، 105
قادر: 89، 96، 99، 100، 103، 104
ق د س: تقدّس: 85
ق د م: تقدّم العالم: 83
المقدّمات: 85، 118، 119، 120
قديم: 50(1/169)
ق ر أ: القرآن الكريم: 105
ق ر ب: القرب: 35، 36
تقريب: 111
ق ص د: اقتصاد: 94
تقصير: 94
مقصّر: 94
ق ض ي: اقتضى [اقتضاء الأشياء]: 84
ق ل ل: التّقليل: 75، 76
مستقلّ [استقلال الأعداد]: 82
ق م ر: القمر: 39، 40
ق ول: القول المنفيّ: 96
ق وم: التّقويم الطبيعي: 48
قوام: 84، 89، 91
إقامة البراهين: 123
ق وي: القوة: 37، 43، 48، 74، 92، 115، 125، 126
القوة الجاذبة: 48
القوة الدافعة: 48
القوة المصوّرة: 48
القوّة العاقلة: 70
القوة المغذية: 48
القوة الممسكة: 48
القوة الناطقة: 39، 66، 68
القوة المنمية: 48
القوة الهاضمة: 48
قوّة الواحد: 78، 79
قوّة الوحدانية: 77، 84
قوى: 83، 84
ق ي س: المقاييس: 55
ك ك ث ر: التكثير: 75، 76
ك ر ب: الكروبيّون (ملائكة): 61
ك ر و: كرة العالم: 86
كرة الأفلاك: 56
ك س ب: الاكتساب: 56، 111
ك ف ر: كفّر: 88
ك ل ل: كلّيّ: 107
الكليات: 8، 9، 54، 107، 118، 119، 120
ك ل م: الكلام: 109
المتكلّم: 109
ك م ل: كمال: 51، 52، 71، 73، 92، 110، 118، 129
كامل: 118
ك ن هـ: الكنه: 94
ك هـ ن: الكهانة: 52
ك وك ب: الكواكب: 5043
ك ون: الكون: 52
المكوّن: 50، 51
كوّن: 84
ك ي ف: كيفية: 115
تكيّف: 118، 119
ل ذ ذ: اللّذّة: 49
اللّذّات الجسدية: 124، 130
اللذات العقلية: 130
ل غ ز: ألغاز: 80
ل غ و: اللغة: 105
اللغة العربية: 106(1/170)
ل هـ م: الإلهام: 54، 56
ل وح: اللّوح المحفوظ: 69
م م ث ل: تمثيل: 88، 109، 111
م د ح: المدح: 94
م د د: المادّة: 36، 38، 40، 44، 58، 59، 60، 61، 114، 124، 128
م ك ن: الإمكان: 37
ممكن: 51
المكان: 35، 36، 43، 81، 83، 104، 115
م ل ك: الملائكة: 55، 57، 61
م ن ع: الممتنع: 51، 74
المانع: 114
م وت: الموت: 9، 11، 34، 130، 132
موات: 129، 130
م وهـ: الماء: 44، 67
م ي ت اف ي ز ي اء: الميتافيزياء: 8، 9، 10
م ي ز: تمييز: 124
ن ن ب أ: النبوّة: 52، 56
النبوّات: 52
الأنبياء: 52
ن ب ت: النبات: 44، 60، 64، 65، 67، 123
ن ب ط: الاستنباط: 119
ن س ب: نسبة تجزئة: 75
نسبة تضعيف: 75
نسبة تقليل: 75
نسبة تكثير: 75
منسوب: 75
نسبت: 80
ن س خ: التناسخ: 11
ن ش أ: تنشّؤ العدد: 80
نشء العدد ونشوء العدد: 81
ن ش ب: ناشب: 86
ن ص ف: نصف: 75، 76
ن ط ف: النّطفة: 39، 63
الناطقة: 73، 123
ن ظ ر: النظر: 98
النظر الإلهي: 62
النظر الإنساني: 62
نظرية العدد: 14
نظير: 109
ن ف س: النفس: 14، 40، 41، 60، 66، 123، 128، 129، 130، 132
نفس الإنسان: 40، 49
النفس النباتية: 41، 47، 60، 65، 123
النفس الجزئية: 117
النفس الحكمية: 50
النفس الحيوانية: 41، 49، 60، 65، 123، 131
النفس الشهوانية: 47
النفس الغضبية: 49
النفس الفلسفية: 41، 50، 52، 54، 55
النفس الكلّية: 41، 56، 63، 68، 69، 72، 117
النفس النبوية: 41، 54(1/171)
النفس الناطقة: 9، 11، 34، 39، 41، 44، 49، 65، 123، 124، 127، 130، 131
النفس الجزئية الطاهرة: 56، 57
النفوس الخمسة: 47
نفوسنا الناطقة: 126
ن ق ص: نقص: 89، 110
ن ق ط: النقطة: 59، 62
ن م س: النّواميس: 52، 53، 62، 116
ن هـ ي: نهاية الأشياء: 94
ما لا نهاية له: 37
ن ور: نور الشمس: 39
نور العقل: 40، 68
ن وع: النوع: 87، 111
الأنواع: 90، 111
ن ي ر: النار: 44، 67
هـ هـ ي ول ى: هيولى: 42، 43، 44، 50، 58، 64، 65، 67، 69، 72، 73، 74، 81، 87، 115
هيولات: 128
الهيولاني: 117
الهيولانية: 127
هـ وي: الهواء: 44، 67
هويّة: 84، 91
تهوّى: 84، 113
وو ج ب: الإيجاب: 95، 97
الواجب: 51، 74
وج د: الوجود: 35، 36، 37، 38، 40،
41، 47، 50، 61، 64، 65، 66، 72، 82، 85، 89، 91، 99، 108، 109، 111، 126، 127
وجود مضاف: 108
وجود مطلق: 108
الوجود الفائض من السبب الأوّل: 64
إيجاد: 82، 83
موجد: 108، 126
موجود: 38، 50، 63، 64، 77، 82، 83، 89، 90، 91، 96، 99، 100، 113، 125، 126
أوّل موجود أوجده الله: 38
الموجود العاشر: 83
موجود على الإطلاق: 89
موجود في كل شيء: 113
الموجودات: 35، 37، 39، 43، 51، 52، 61، 68، 82، 83، 84، 85، 86، 95، 108
الموجودات الطبيعية: 69
الموجودات العقلية: 69
الموجودات غير الناطقة: 64
الموجودات الفائضة عن السبب الأوّل: 65
وجد بالفعل: 125
وج هـ: الجهات الست: 48
وح د: الوحدة السارية: 113
الوحدانية: 50، 77
التوحيد: 46
الواحد: 8، 36، 83(1/172)
الواحد الأحد الميتافيزيائي: 9
الواحد العددي: 9
توحّد: 84
وح ي: الوحي: 52، 54، 56
ور ث: التّراث الإسلامي: 10
التّراث الأندلسي: 7، 8، 26
التّراث العربي: 7
التراث الفلسفي العربي: 10
وس ط: توسّط: 76، 83
وساطة: 83، 84
الوسائط: 110
واسطة: 73، 76، 79
وس وس: وساوس الصدور: 113
وص ف: الصفة: 88، 107
وصف: 89، 104
الصفات: 93، 95، 101، 102،
105، 114، 118، 119، 121
صفات الله: 8، 14
صفات الباري: 34
صفات الأفعال: 105
الصفات النفسانية: 100
صفات النقص: 83
واصف: 94
موصوف: 93، 100
يصف: 95، 107
يوصف: 83، 102، 118
وض ع: موضوع: 73، 87
وق ع: واقع تحت الأزمنة: 87
يقع: 85
ول د: تولّد: 76
وهـ م: الوهم: 49
وهمية: 77، 78، 79، 80، 111(1/173)
فهرس المحتويات
الموضوع الصفحة الكلمة الأولى 5
تقديم الأستاذ الدّكتور عبد الكريم اليافي 8
مقدمة الشيخ محمّد زاهد الكوثري رحمه الله 11
ملاحظات الدّكتور عمر فرّوخ رحمه الله على كتاب الحدائق 14
مقدّمة التحقيق: 15
مدينة بطليوس التي ينتسب إليها ابن السّيد 15
عصر الطوائف على أيّامه 16
ابن السّيد وأسرته وشيوخه وأمواله 18
مؤلّفاته 22
كتاب الحدائق 25
كتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة 32
تقديم المؤلّف للكتاب 33
الباب الأوّل:
في شرح قولهم: إنّ ترتيب الموجودات عن السبب الأوّل يحكي دائرة وهمية مرجعها إلى مبدئها في صورة الإنسان 35
خواصّ النفس النباتية، وتسمّى الشهوانية 47
خواص النفس الحيوانية، وتسمّى الغضبية 49
خواص النفس الإنسانية، وهي الناطقة 49
خواص النفس الحكمية الفلسفية 50
خواص النفس النبوية 54
خواص النفس الكليّة 56(1/174)
الموضوع الصفحة الباب الثاني:
في شرح قولهم: إنّ الإنسان يحكي دائرة وهمية، وإنّ ذاته تبلغ بعد مماته إلى حيث يبلغ علمه في حياته 58
الباب الثالث:
في شرح قولهم: إنّ في قدرة العقل الجزئي أن يتصوّر بصورة العقل الكلّي 68
الباب الرّابع:
في شرح قولهم: إنّ العدد دوائر وهمية 75
الباب الخامس:
في شرح قولهم: إنّ صفات الباري تعالى لا يصحّ أن يوصف بها إلا على وجه السلب 93
ذكر الشّبه التي اغترّ بها من زعم أنّ صفات الله تعالى محدثة جلّ عن ذلك 98
الباب السادس:
في شرح قولهم: إنّ الباري تعالى لا يعلم إلّا نفسه 107
فصل: وقد احتجّ من زعم أنّ الله تعالى لا يعلم الأشياء بأن قال:
وجوابنا: 118
الباب السابع:
في إقامة البراهين على أنّ النفس الناطقة حيّة بعد مفارقة الجسم: 123
برهان أوّل: 124
برهان ثان: 125
برهان ثالث: 126
برهان رابع: 127
برهان خامس: 128
برهان سادس: 130(1/175)
الموضوع الصفحة برهان سابع 131
برهان ثامن 132
م. آ. بلاثيوس، ومقدمته لكتاب الحدائق 135
ميغيل أسين بلاثيوس 136
مقدمة الكتاب (كتاب الحدائق) لابن السيد البطليوسي 141
فهارس الكتاب 153
فهرس الآيات 155
فهرس الأحاديث 155
فهرس الشعر 155
فهرس الأعلام 156
فهرس البلدان والأماكن 159
فهرس الكتب والمجلات 161
فهرس لغوي مصطلحي 163
فهرس المحتويات 174
تم طبع هذا الكتاب بتاريخ 30/ 4/ 1988م عدد النسخ (1000)(1/176)