{وَأُمْلِي لَهُمْ} على ما لم يسم فاعله، أو {وَأُمْلِي لَهُمْ}،] على الإخبار لأن الإملاء في كلتا القراءتين مسند إلى الله تعالى، لقوله: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكََافِرِينَ} (الحج: 44)، فيحسن قطعه من التسويل الذي هو مسند إلى الشيطان، وهو كما قال، وإنما يحسن قطعه بالوقف [ليفصل] (1) بين الحرفين. ولقد نبّه بعض من وصله على حسن هذا الوقف، فاعتذر بأن الوصل هو الأصل.
ومثله الوقف على قوله: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبََانِيَّةً ابْتَدَعُوهََا} (الحديد: 27)، والابتداء بقوله: {مََا كَتَبْنََاهََا عَلَيْهِمْ}، وذلك للإعلام بأن الله تعالى جعل الرّهبانية في قلوبهم، أي خلق، كما جعل الرأفة والرحمة في قلوبهم، وإن كانوا قد ابتدعوها فالله تعالى خلقها بدليل قوله سبحانه: {وَاللََّهُ خَلَقَكُمْ وَمََا تَعْمَلُونَ} (الصافات: 96) هذا مذهب أهل السنة، وقد نسب أبو عليّ الفارسيّ (2) إلى مذهب الاعتزال بقوله في «الإيضاح» حين تكلم على هذه الآية فقال: «ألا ترى أنّ الرهبانية لا يستقيم حملها على (جعلنا) مع وصفها بقوله: {ابْتَدَعُوهََا}، لأن ما يجعله الله لا يبتدعونه»، فكذلك ينبغي أن يفصل [بالوقف] (3) بين المذهبين.
ومثله الوقف على قوله تعالى: {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ مَوْلََاهُ} (التحريم: 4)، [والابتداء] (3)
بقوله: {وَجِبْرِيلُ وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ} (5) [لما فيه من الإعلام بأن الله وحده هو مولاه، ومن بعده ظهير] (5) أي معينون له صلّى الله عليه وسلّم فتكون هذه الجملة مستأنفة.
وأما احتياجه إلى المعرفة بالقراءات فلأنه إذا قرأ: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً}
(الفرقان: 22) [بفتح الحاء] (7)، كان هذا التّمام، [عنده] (5) وإن ضمّ الحاء وهي قراءة الحسن فالوقف عند {حِجْراً} لأنّ العرب كان إذا نزل بالواحد منهم شدّة قال: «حجرا» فقيل
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم ذكره في 1/ 375، وكتابه «الإيضاح العضدي» طبع الجزء الأول منه بتحقيق حسن شاذلي فرهود بالقاهرة بمطبعة دار التأليف سنة 1390هـ / 1969م، ثم ظهر الجزء الثاني منه بعنوان «التكملة» بتحقيق حسن شاذلي فرهود وطبع بالرياض بجامعة الملك سعود 1402هـ / 1981م، وحققه أيضا كاظم بحر المرجان كرسالة ماجستير بجامعة القاهرة كلية الآداب سنة 1392هـ / 1972م في 429صفحة وانظر (نشرة أخبار التراث العربي 3/ 25و 6/ 31و 7/ 28).
(3) ليست في المخطوطة.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، قال ابن خالويه في مختصر شواذ القرآن: 104 {حِجْراً} بضم(1/504)
لهم (1): «محجورا» أي لا تعاذون كما كنتم تعاذون في الدنيا حجر الله ذلك عليهم يوم القيامة.
وإذا قرأ {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ]} [2] (المائدة: 45) إلى قوله: {قِصََاصٌ} فهو التام إذا نصب [{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}] (3)، ومن رفع فالوقف عند:
{[أَنَ]} [3] النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وتكون {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (5) ابتداء حكم في المسلمين، وما قبله في التوراة (6).
[الوقف عند رءوس الآي]
واعلم أنّ أكثر القرّاء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس آية، ونازعهم فيه بعض المتأخرين في ذلك قال: هذا خلاف السنّة، فإن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقف عند كل آية فيقول: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الفاتحة: 2) ويقف، [ثم يقول] (7) {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة: 3) وهكذا، روت أمّ سلمة: «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقطّع قراءته آية آية (8)، ومعنى هذا [53/ أ] الوقف على رءوس الآي، وأكثر أواخر الآي في القرآن تام أو كاف، وأكثر ذلك في السور القصار الآي، نحو الواقعة، قال: وهذا هو الأفضل أعني الوقف على رءوس الآي، وإن تعلّقت بما بعدها، وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض
__________
الحاء، قراءة الحسن والضحاك وقال الأشموني في منار الهدى: 174وقرأ الحسن وأبو رجاء: حجرا، بضم الحاء والعامة بكسرها وحكى أبو البقاء فيه فتح الحاء وقرئ بها، فهي ثلاث لغات قرئ بها، وانظر إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري 2/ 88.
(1) تصحفت في المطبوعة إلى: (له).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(5) وهي قراءة الكسائي (التيسير 90) وتروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم (القطع والائتناف: 288)
(6) إشارة إلى قوله تعالى {مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ كَتَبْنََا عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ}، وهذا الموضع نهاية نقل الزركشي عن النحاس
(7) ليست في المخطوطة.
(8) الحديث أخرجه أحمد في المسند 6/ 302، وأبو داود في السنن 4/ 294كتاب الحروف والقراءات (24)، باب (1)، الحديث (4001)، والترمذي في السنن 5/ 185كتاب القراءات (47)، باب في الفاتحة (1)، الحديث (2927)، والدارقطني في السنن 1/ 313كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة وقال: (إسناده صحيح وكلهم ثقات)، والحاكم في المستدرك 2/ 232كتاب التفسير، باب كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقطع قراءته وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي.(1/505)
والمقاصد، والوقف (1) عند رءوس انتهائها واتباع السنّة أولى. وممن ذكر ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «شعب الإيمان» وغيره، ورجح الوقف (1) على رءوس الآي وإن تعلقت بما بعدها.
قلت: وحكى النحاس (3) عن الأخفش (4) عليّ بن سليمان أنه يستحب الوقوف على قوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: 2) لأنه رأس آية، وإن كان متعلّقا بما بعده.
[أقسام الوقف]
(5)
والوقف عند أكثر القراء ينقسم إلى أربعة أقسام: [تام] (6) مختار، وكاف جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك.
وقسّمه بعضهم إلى ثلاثة (7)، وأسقط الحسن. وقسّمه آخرون إلى اثنين، وأسقط الكافي والحسن.
فالتامّ هو الذي لا يتعلّق بشيء مما بعده، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده كقوله تعالى: {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5) وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي كقوله:
{وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5)، ثم يبتدئ بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (البقرة: 6) وكذا:
{وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رََاجِعُونَ} (البقرة: 46) ثم يبتدئ بقوله: {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ} (البقرة: 47).
وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة، كقوله [تعالى]: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهََا أَذِلَّةً}
__________
(1) في المخطوط (الوقوف).
(3) القطع والائتناف: 114في الكلام على الآية (2) من سورة البقرة.
(4) هو علي بن سليمان بن الفضل، أبو الحسن الأخفش النحوي، سمع ثعلبا والمبرّد وأبا العيناء الضرير وغيرهم، وروى عنه علي بن هارون وأبو عبيد الله المرزباني والجريدي وغيرهم. كان يشكو ما هو فيه من شدّة الفاقة. وكان إذا سئل عن مسألة في النحو ضجر وانتهر من يواصل مساءلته، توفي ببغداد سنة 315هـ (القفطي، إنباه الرواة 2/ 276).
(5) هذا ذكر أقسام الوقف، وانظر إيضاح الوقف والابتداء 1/ 149باب ذكر ما لا يتم الوقف عليه، والقطع والائتناف ص 74أول باب في الكتاب، والمكتفي ص 138باب ذكر البيان عن أقسام الوقف، ومنار الهدى ص 15المقدمة في فوائد مهمة، الفائدة الثانية.
(6) ليست في المخطوطة، والتقسيم إلى أربعة أقسام هو مذهب النحاس في القطع والائتناف: 74.
(7) وهو مذهب ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء 1/ 149باب ذكر ما لا يتم الوقف عليه، واختاره السخاوي نقله الأشموني في منار الهدى: 16الفائدة الثانية في الوقف والابتداء.(1/506)
(النمل: 34) هنا التمام لأنه انقضى كلام بلقيس (1)، ثم قال تعالى: {وَكَذََلِكَ يَفْعَلُونَ}
(النمل: 34)، وهو رأس الآية.
كذلك: {عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جََاءَنِي} هو التمام لأنه انقضاء كلام الظالم الذي هو أبيّ بن خلف (2)، ثم قال تعالى: {وَكََانَ الشَّيْطََانُ لِلْإِنْسََانِ خَذُولًا} وهو رأس آية.
وقد يوجد بعدها كقوله تعالى: {مُصْبِحِينَ *} [3] [وَبِاللَّيْلِ (الصافات: 137و 138) {مُصْبِحِينَ}] (3) رأس الآية، {وَبِاللَّيْلِ} التمام (3) [لأنه معطوف على المعنى، أي والصبح وباللّيل.
وكذلك: {يَتَّكِؤُنَ * وَزُخْرُفاً} (الزخرف: 34و 35). رأس الآية: {يَتَّكِؤُنَ}، {وَزُخْرُفاً} هو التمام] (3) لأنه معطوف على ما قبله من قوله: {سُقُفاً} (الزخرف: 33).
وآخر كل قصّة وما قبل أوّلها، وآخر كلّ سورة تام، والأحزاب، والأنصاف، والأرباع، والأثمان، والأسباع، والاتساع، والأعشار، والأخماس. وقبل ياء النداء، وفعل الأمر والقسم ولامه دون القول، و «الله» بعد رأس كل آية، والشرط ما لم يتقدم جوابه، و «كان الله»، و «ذلك (7)»، و «لولا» غالبهنّ تام ما لم يتقدمهن قسم أو قول أو ما في معناه.
والكافي منقطع في اللفظ متعلق في المعنى، فيحسن الوقف عليه والابتداء أيضا بما بعده نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} (النساء: 23) هنا الوقف، ثم يبتدئ بما بعد ذلك، وهكذا باقي المعطوفات، وكل رأس آية بعدها «لام كي» و «إلا» بمعنى «لكن» و «إنّ» المكسورة المشددة، والاستفهام و «بل» و «ألا» المخففة، و «السين» و «سوف» على التهدّد، و «نعم»، و «بئس»، و «كيلا»، وغالبهن كاف، ما لم يتقدمهن قول أو قسم، وقيل «أن»
__________
(1) هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان، ملكة سبأ، وأمها فارعة الجنية، كانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء، ولها مع النبي سليمان قصة مشهورة ذكرت في القرآن الكريم، وانظر تفسير ابن كثير 3/ 373عند تفسير سورة النمل الآية 23.
(2) هو عدو الله أبي بن خلف، كان يتوعد النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقتل فرماه صلّى الله عليه وسلّم برمح يوم أحد فمات عدو الله بعد ذلك بسرف أثناء مقفله إلى مكة ذكره ابن هشام في السيرة النبوية 3/ 89.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) في المخطوط (وما كان ذلك).(1/507)
المفتوحة المخففة في خمسة لا غير: البقرة {وَأَنْ تَصُومُوا} (الآية: 184)، {وَأَنْ تَعْفُوا}
(الآية: 237) {وَأَنْ تَصَدَّقُوا} (الآية: 280) والنساء: {وَأَنْ تَصْبِرُوا} (الآية: 25) والنور:
{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} (الآية: 60).
والحسن هو الذي يحسن الوقوف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، لتعلقه به في اللفظ والمعنى نحو {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} و {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، والوقوف عليه حسن، لأن المراد مفهوم، والابتداء بقوله: {رَبِّ الْعََالَمِينَ} و {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، و {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، لا يحسن لأن ذلك مجرور، والابتداء بالمجرور قبيح لأنه تابع.
والقبيح هو الذي لا يفهم منه المراد نحو {الْحَمْدُ} (1) فلا يوقف عليه، ولا على الموصوف دون الصفة، ولا على البدل دون المبدل منه، ولا على المعطوف دون المعطوف عليه، نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعََادٌ} (الحاقة: 4)، ولا على المجرور دون الجار.
وأقبح من هذا الوقف على قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا} (المائدة: 17 و 73)، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} (الأنبياء: 29) والابتداء [بقوله] (2): {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ [ابْنُ مَرْيَمَ]} [2] (المائدة: 17)، {إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} (المائدة: 73) {إِنِّي إِلََهٌ}
(الأنبياء: 29) لأن المعنى يستحيل بهذا في الابتداء، ومن تعمّده وقصد معناه فقد كفر.
ومثله في [القبح] (2) الوقف [على] (2): {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [وَاللََّهُ]} [2] (البقرة: 258)، و {مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلََّهِ} (النحل: 60) وشبهه، ومثله: {وَإِنْ كََانَتْ وََاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} (النساء: 11)، و {إِنَّمََا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى ََ} (الأنعام: 36).
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على النفي دون حروف الإيجاب نحو: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ}
(محمّد: 19)، {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً} (الإسراء: 105)، وكذا {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا [وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا]} [7]
(المائدة: 9و 10)، و {[الَّذِينَ كَفَرُوا]} [8] وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا (محمّد: 1و 2)، [53/ ب]
__________
(1) عبارة المخطوطة (الحمد لله)، وانظر الإتقان 1/ 233.
(2) ليست في المخطوطة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.(1/508)
فإن اضطرّ لأجل التنفّس جاز ذلك، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده ولا حرج.
وقال بعضهم: إن تعلّقت الآية بما قبلها تعلّقا لفظيا كان الوقف كافيا، نحو {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرََاطَ الَّذِينَ} (الفاتحة: 6و 7)، وإن كان معنويّا (1) [فالوقف على ما قبلها حسن كاف، نحو {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الفاتحة: 2) وإن لم يكن لا لفظيا ولا معنويا] (1) فتامّ، كقوله: {وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 274)، بعده {[الَّذِينَ يَأْكُلُونَ]} [3]
الرِّبََا (البقرة: 275)، وإن كانت الآية مضادة لما قبلها كقوله: {أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} (غافر: 6و 7) فالوقف عليه قبيح.
واعلم أن وقف الواجب إذا وقفت قبل «والله» ثم ابتدأت بو الله، وهو الوقف الواجب كقوله تعالى: {حَذَرَ الْمَوْتِ، وَاللََّهُ مُحِيطٌ بِالْكََافِرِينَ} (البقرة: 19).
وقال بعض النحويين: الجملة التأليفية إذا عرفت أجزاؤها وتكررت أركانها كان ما أدركه الحسّ في حكم المذكور فله أن يقف كيف شاء، وسواء (4) التام وغيره إلا أن الأحسن أن يوقف على الأتم وما يقدر به.
وذهب الجمهور إلى أن الوقف في التنزيل على ثمانية (5) أضرب: تام، وشبيه [به] (6)، وناقص (6) [وشبيه به، وحسن] (6) وشبيه به وقبيح، وشبيه به، وصنفوا فيه تصانيف، فمنها ما أثروه عن النحاة، ومنها ما أثروه عن القرّاء، ومنها ما استنبطوه، ومنها ما اقتدوا فيه بالسّنّة فقط، كالوقف على أواخر الآي وهي مواقف النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وذهب أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة إلى أنّ تقدير الموقوف عليه من القرآن التام، والناقص، والحسن والقبيح، وتسميته بذلك بدعة، ومتعمّد الوقف على نحوه مبتدع،
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(3) ليس في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (ويستوي).
(5) انظر الإتقان 1/ 236النوع الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء ومنار الهدى: 16، الفائدة الثانية في الوقف والابتداء.
(6) ما بين الحاصرتين زيادة من الإتقان 1/ 236، ومن منار الهدى ص 16.(1/509)
قال: لأنّ القرآن معجز، وهو كالقطعة الواحدة فكلّه قرآن وبعضه قرآن، وكلّه تام حسن، وبعضه تام [حسن] (1)، حكى ذلك أبو القاسم بن برهان (2) النحويّ عنه.
[تحذيرات]
وقال ابن الأنباريّ (3): «لا يتمّ الوقف على المضاف [دون المضاف إليه] (4)، و [لا] (5)
على الرافع دون المرفوع، و [لا] (5) على المرفوع دون الرافع، ولا على الناصب دون المنصوب ولا عكسه، ولا على المؤكّد دون التأكيد، ولا على المعطوف دون المعطوف عليه، ولا على إن وأخواتها دون اسمها، ولا على اسمها دون خبرها، وكذا ظننت، ولا على المستثنى منه دون الاستثناء، ولا على المفسّر عنه دون التفسير، ولا على المترجم عنه دون المترجم، ولا على الموصول دون صلته، ولا على حرف الاستفهام دون ما استفهم به عنه، ولا على حرف الجزاء دون الفعل الذي بينهما، ولا على الذي يليه دون الجواب».
وجوّز أبو علي الوقف على ما قبل «إلا» إذا كانت بمعنى «لكن» كقوله تعالى: {إِلََّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام: 119)، و [كقوله] (7): {إِلَّا ابْتِغََاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ََ} (الليل:
20)، و {إِلَّا اتِّبََاعَ الظَّنِّ} (النساء: 157) ونحوه.
وقال أبو عبيد: يجوز الوقف دون {إِلََّا خَطَأً} (النساء: 92)، {إِلَّا اللَّمَمَ}
(النجم: 32) {إِلََّا سَلََاماً} (مريم: 62)، لأن المعنى: لكن يقع خطأ، ولكن قد يلمّ، ولكن يسلّمون سلاما، وجميعه استثناء منقطع.
وقال غيره: لا يجوز الوقف على المبدل دون البدل إذا كان منصوبا، وإن كان مرفوعا جاز الوقف عليه.
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) هو إقبال بن علي بن أبي بكر بن برهان، أبو القاسم المقرئ النحوي، يعرف بابن الغاسلة، قرأ النحو على مشايخ عصره وورد بغداد مرارا وقرأ بها الأدب على موهوب الجواليقي وغيره، توفي سنة 584هـ (القفطي، إنباه الرواة: 1/ 271).
(3) هو أبو بكر محمد بن القاسم تقدم ذكره في 1/ 299، وانظر قوله في إيضاح الوقف والابتداء 1/ 116.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة من كتاب ابن الأنباري.
(5) ساقط من المخطوطة.
(7) ساقط من المخطوطة.(1/510)
والحاصل أنّ كلّ شيء كان تعلّقه بما قبله كتعلّق البدل بالمبدل منه أو أقوى لا يجوز الوقف عليه.
(مسألة) (1) فصل بعضهم في الصفة بين أن تكون للاختصاص فيمتنع الوقف على موصوفها دونها، وبين أن تكون للمدح فيجوز، وجرى عليه الرّماني (2) في الكلام على قوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الصََّابِرِينَ} (البقرة: 155) قال: ويجوز الوقف عليه خلافا لبعضهم، وعامل الصفة في المدح غير عامل الموصوف، فلهذا جاز قطعها عما قبلها، بخلاف الاختصاص فإنّ عاملها عامل الموصوف، وسيأتي في كلام الزمخشريّ (3) ما يؤيده.
(مسألة) لا خلاف في التسامح بالوقف على المستثنى منه دون المستثنى إذا كان متصلا، واختلف في الاستثناء المنقطع، فمنهم من يجوّزه مطلقا، ومنهم من يمنعه مطلقا.
وفصّل ابن الحاجب في «أماليه» (4) فقال: «يجوز إن صرّح بالخبر، ولا يجوز إن لم يصرّح به لأنه إذا صرح بالخبر استقلّت الجملة واستغنت عما قبلها، وإذا لم يصرّح به كانت مفتقرة إلى ما قبلها. قال: ووجه من جوّز مطلقا أنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه، فكان مثل قولنا: زيد، لمن قال: من أبوك! ألا ترى أن تقدير المنقطع في قولك: ما في الدار أحد إلا الحارث لكن الحارث في الدار، ولو [54/ أ] قلت: لكن الحارث، مبتدئا به بعد
__________
(1) جاء في حاشية المخطوطة في هذا الموضع تعليقة من قول علي بن مسعود بن محمود، أبو سعد، صاحب «المستوفي» في النحو، هذا نصّها «عبارة السعد في قوله تعالى {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} فإن قيل: إذا كان «الذين يؤمنون» مدحا منصوبا أو مرفوعا فهي جملة مستقلة لا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب، فينبغي أن يكون الوقف على «المتقين» تاما، قلنا هو في المعنى وصف لما قبله فكان تابعا له في الإعراب، قال أبو علي: إذا ذكر الوصف للمدح أو الذم وخولف في بعضها الإعراب بعد، خولف للافتنان، وسمي نحو ذلك قطعا وللتنبيه على شدة هذا الاتصال يلزمه حذف الفعل والمبتدأ في النصب والرفع على المدح ليكون في صورة متعلق من متعلقات ما قبله».
(2) هو علي بن عيسى بن علي أبو الحسن، تقدم ذكره في 1/ 111.
(3) انظر ص 512.
(4) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر أبو عمرو ابن الحاجب تقدم التعريف به في 1/ 466، وكتابه: «الأمالي النحوية» حققته بثينة الدبّاغ في الجزائر (انظر نشرة أخبار التراث العربي 9/ 14)، وطبع في بيروت بتحقيق هادي حسن حمودي وصدر عن عالم الكتب (أخبار التراث العربي 30/ 21)، وحققه عدنان صالح مصطفى (أخبار التراث العربي 33/ 19)، وحقق ثلاثة إملاءات منه كرسالة ماجستير سعيد عمر محمد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1405هـ / 1984م (أخبار التراث العربي 23/ 27).(1/511)
الوقوف (1) على ما قبله لكان حسنا، ألا ترى إلى جواز الوقف بالإجماع على مثل قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ النََّاسَ شَيْئاً} (يونس: 44) والابتداء بقوله: {وَلََكِنَّ النََّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فكذلك هذا. ووجه من قال بالمنع ما رأى من احتياج الاستثناء المنقطع إلى ما قبله لفظا ومعنى أما اللفظ فلأنه لم يعهد استعمال «إلّا» و [ما في] (2) معناها إلا متصلا بما قبلها لفظا، ألا ترى [أنك] (2) إذا قلت: [ما في الدار] (2) أحد غير حمار، فوقفت على ما قبل «غير» وابتدأت به كان قبيحا فكذلك هذا، وأما المعنى فلأن ما قبله مشعر بتمام الكلام في المعنى، فإن: ما في الدار أحد إلا الحمار، هو الذي صحّح قولك: «إلا الحمار» ألا ترى أنك لو قلت: «إلا الحمار» على انفراده كان خطأ».
(مسألة) اختلف في الوقف على الجملة الندائية، والمحققون كما قاله ابن الحاجب على الجواز لأنها مستقلة، وما بعدها جملة أخرى وإن كانت الأولى تتعلق بها من حيث كانت هي في المعنى.
(قاعدة) جميع ما في القرآن من «الذين» و «الذي» يجوز فيه الوصل بما قبله نعتا له، والقطع على أنه خبر مبتدأ، إلا في سبعة مواضع فإن الابتداء بها هو المعين.
(الأول) قوله: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلََاوَتِهِ} (البقرة: 121).
(الثاني) قوله: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ يَعْرِفُونَهُ كَمََا يَعْرِفُونَ أَبْنََاءَهُمْ} في البقرة (الآية:
146). (الثالث) في الأنعام كذلك. (الآية: 20). (الرابع) [قوله] (5): {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبََا لََا يَقُومُونَ} (البقرة: 275). (الخامس) في سورة التوبة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهََاجَرُوا [وَجََاهَدُوا]} [5] فِي سَبِيلِ اللََّهِ بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللََّهِ (التوبة: 20).
(السادس) قوله في سورة الفرقان: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى ََ وُجُوهِهِمْ إِلى ََ جَهَنَّمَ} (الفرقان:
34). (السابع) قوله في سورة حم المؤمن: {[أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ]} [5] * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ (غافر: 6و 7).
وقال الزمخشريّ في تفسير سورة الناس: «يجوز أن يقف القارئ على الموصوف (8)
ويبتدئ {الَّذِي [يُوَسْوِسُ]} [5] إن جعله على القطع بالرفع والنصب، بخلاف ما إذا جعله
__________
(1) في المخطوطة (الوقف).
(2) ساقط من المخطوطة.
(5) ساقط من المخطوطة.
(8) في المخطوطة (الموصول).(1/512)
صفة» (1). وهذا يرجع لما سبق عن الرّماني (2) من الفصل بالصفة بين التخصيصية والقطعية.
وجميع ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه لأن ما بعده حكاية القول، قاله الجويني في «تفسيره» وهذا الإطلاق مردود بقوله تعالى: {وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} (يونس: 65) فإنه يجب الوقف هنا، لأن قوله: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلََّهِ [جَمِيعاً]} [3] ليس من مقولهم.
قال: وسمعت أبا الحسين الدهان (4) يقول: حيث كان فيه إضمار من القرآن حسن الوقف مثاله قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ أَنِ اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْبَحْرَ} [5] (الشعراء:
63)، فيحسن الوقف هاهنا لأن فيه إضمارا (6) تقديره: فضرب فانفلق.
فصل جامع لخصته من كلام صاحب «المستوفي» (7)
[في] (8) العربية
قال: تقسيمهم الوقف إلى الجودة والحسن والقبح والكفاية وغير ذلك وإن كان يدلّ على ذلك فليست القسمة بها صحيحة مستوفاة على مستعملها، وقد حصل لقائلها من التشويش ما إذا شئت وجدته في كتبهم المصنفة في الوقوف.
فالوجه أن يقال: الوقف ضربان: اضطراري واختياريّ.
فالاضطراري ما يدعو إليه انقطاع النّفس فقط وذلك لا يخصّ موضعا دون موضع حتى إنّ حمزة كان يقف في حرفه على كل كلمة تقع فيها الهمزة متوسطة أو متطرفة إذا أراد تسهيلها وحتى إنه روي عنه الوقف على المضاف دون المضاف إليه، في نحو قوله: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغََاءَ مَرْضََاتِ} (9) (البقرة: 207) قالوا: وقف هنا بالتاء على نحو جاءني
__________
(1) هذا قول الزمخشري الذي سبقت الإشارة إليه ص: 512، وقد نقله الزركشي بتصرف، انظر الكشاف 4/ 245عند تفسير سورة الناس.
(2) راجع ص 512.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) سبق الكلام عنه في 1/ 141.
(5) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى «الحجر»
(6) في هذا الموضع من المخطوطة تكرار لعبارة «من القرآن حسن الوقف» المتقدّمة، وهو سهو من الناسخ.
(7) هو علي بن مسعود بن محمود بن الحكم القاضي، أبو سعد صاحب «المستوفي» في النحو، أكثر أبو حيان من النقل عنه ذكره السيوطي في (بغية الوعاة 2/ 206)، وكتابه مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (1761) نحو.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) العبارة في المخطوطة: {مَرْضََاتِ اللََّهِ} والصواب ما أثبتناه، كي يستقيم الاستشهاد بالآية.
«طلحت» إشعارا بأنّ الكلام لم يتم عند ذاك، وكوقفه على [{إِلى ََ}] (1) من قوله: {وَإِذََا خَلَوْا إِلى ََ} (البقرة: 14) بإلقاء [حركة] (1) الهمزة على الساكن قبلها، كهذه الصورة «خلو لى»، وعلى هذا يجوز أن يقف في المنظوم من القول حيث شئت، وهذا هو أحسن الوقفين.(1/513)
«طلحت» إشعارا بأنّ الكلام لم يتم عند ذاك، وكوقفه على [{إِلى ََ}] (1) من قوله: {وَإِذََا خَلَوْا إِلى ََ} (البقرة: 14) بإلقاء [حركة] (1) الهمزة على الساكن قبلها، كهذه الصورة «خلو لى»، وعلى هذا يجوز أن يقف في المنظوم من القول حيث شئت، وهذا هو أحسن الوقفين.
والاختياريّ وهو أفضلهما هو الذي لا يكون باعتبار انفصال ما بين جزأي القول وينقسم بانقسام الانفصال [أقساما] (1):
الأول التام وهو الذي يكون بحيث يستغني كلّ واحد من جزأي القولين اللّذين يكتنفانه عن الآخر كالوقف على {نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) من قوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ}، والآخر: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ} [54/ ب] {الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6) مستغن عن الآخر من حيث الإفادة النحوية والتعلق اللفظيّ.
الثاني الناقص وهو أن يكون ما قبله مستغنيا عما بعده ولا يكون ما بعده مستغنيا عما قبله، كالوقف على {الْمُسْتَقِيمَ} من قوله: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6) ولأن لك أن تسكت على {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، وليس لك أن تقول مبتدئا: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الفاتحة: 7) (فإن قيل): و [لم] (1) لا يجوز أن يقدّر هاهنا الفعل الذي ينتصب به (صراط)؟ (قلنا): أوّل ما في ذلك أنّك إذا قدّرت الفعل قبل (صراط) لم تكن مبتدئا به من حيث المعنى، ثم إن فعلت ذلك كان الوقف تاما، لأن كلّ واحد من طرفيه يستغني حينئذ عن الآخر، والنحويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام، فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تامّ حسن الأخذ بالناقص كقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ} (الجن: 1) إلى قوله: {فَلََا تَدْعُوا مَعَ اللََّهِ أَحَداً} (الجن: 18) إن كسرت بعده (إن) فإن فتحتها فإلى قوله: {كََادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} (الجن: 19) لأن الأوجه في (5) «أنّ» في (5) الآية أن تكون محمولة على {أُوحِيَ} وهذا أقرب من جعل الوقف التام {حَطَباً} (الجن: 15) وحمل:
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقََامُوا} (الجن: 16) على القسم، فاضطر في {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ} (الجن: 18) إلى أن جعل التقدير: {فَلََا تَدْعُوا مَعَ اللََّهِ أَحَداً} لأن المساجد لله.
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(5) تحرف رسمها في المخطوطة إلى (كل).(1/514)
فإن قيل: هذا هو الوجه في فتح «أنّ» في الجملة التي [بعد] (1) قوله: {فَقََالُوا إِنََّا سَمِعْنََا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنََّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنََا أَحَداً} (الجن: 1و 2) فلم لا يلزم من جعل الوقف التام {حَطَباً} (الجن: 15) ألّا يقف قبله على هذه الجمل في كسر «إن» في أول كل واحدة منها؟
قلنا: لأن هذه الجمل داخلة في القول، وما يكون داخلا في القول لا يتمّ الوقف دونه كما أنّ المعطوف إذا تبع المعطوف عليه في إعرابه الظاهر والمقدر لا يتقدّمه الوقف تاما.
فإن قيل: فهل يجوز الفصل (2) بالمكسورات بين {أَنَّهُ اسْتَمَعَ} وبين {وَأَنَّهُ لَمََّا قََامَ عَبْدُ اللََّهِ} (الجن: 19) فيمن فتحهما وقد عطف بالثانية على الأولى.
قيل: أما عندنا فليس ذلك بفصل لأن ما بعد {إِنََّا سَمِعْنََا} من المكسورات معطوف عليها، وهي داخلة في القول، والقول أعني {فَقََالُوا} معطوف على {اسْتَمَعَ}، و {اسْتَمَعَ} من صلة «أن» الأولى المفتوحة، فالمكسورات تكون في خبر المفتوحة الأولى، فيعطف عليها الثانية بلا فصل بينها، والثانية عندنا هي المخففة في قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقََامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} (الجن: 16) ثم الثالثة هي [التي في] (3) قوله: {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ}.
ثم إن فتحت التي (4) [في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمََّا قََامَ عَبْدُ اللََّهِ} (الجن: 19) رابعة تابعة فإن فتحت التي] (4) بعد {سَمِعْنََا} كانت [هي] (4) واللّواتي بعدها إلى قوله: {حَطَباً}
(الجن: 15) داخلة في القول حملا على المعنى، وقد يجوز أن تكون هي الثانية ثم تعدّ بعدها على النسق (7).
ونحو قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (التكوير: 1) إلى قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا أَحْضَرَتْ} (التكوير: 14) وعلى هذا القياس.
الثالث الأنقص ومثّل له بقراءة بعضهم: {وَإِنَّ كُلًّا لَمََّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (8) (هود: 111)،
__________
(1) عبارة المخطوطة (في الجملة التي في فتح قوله) وهي مضطربة.
(2) في المخطوطة (الوقف).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المخطوطة.
(7) عبارة المخطوطة (على الشك).
(8) هي بتخفيف نون (إن) وميم (لما) قراءة نافع وابن كثير (إتحاف فضلاء البشر: 260).(1/515)
وقراءة بعضهم: لكن هو الله (1) (الكهف: 38) والفرق بينهما أن التام قد يجوز أن يقع فيه بين القولين مهلة وتراخ في اللفظ، والناقص لا يجوز أن يقع فيه بين جزأي القول إلا قليل لبث، والذي دونهما لا لبث فيه ولا مهلة أصلا.
ثم إن كلّا (2) من التام والناقص ينقسم في ذاته أقساما، فالتامّ أتمّه ما لا يتعلق اللاحق فيه من القولين بالسابق معنى، كما لا يتعلق به لفظا، وذلك نحو قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسََانَ كَفُورٌ * لِلََّهِ مُلْكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (الشورى: 48و 49) وشأن ما يتعلق فيه أحد القولين بالآخر معنى وإن كان لا يتعلق به لفظا، وذلك كقوله: {يََا حَسْرَةً عَلَى الْعِبََادِ مََا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلََّا كََانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} (يس: 30) وتعلّق الثاني فيه بالأول تعلّق الحال بذي الحال معنى.
ونحو قوله تعالى: {إِذْ قََالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مََا هََذِهِ التَّمََاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهََا عََاكِفُونَ} (الأنبياء:
52) إلى قوله: [55/ أ] {فَجَعَلَهُمْ جُذََاذاً} (3) (الأنبياء: 58) إلى قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا} (الأنبياء: 63)، فهذه الحال قد عطف بعضها على بعض في المعنى، وظاهر كلّ واحد منهما الاستئناف في اللفظ.
ونحو قوله تعالى: {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قََالُوا} (الزخرف: 21و 22)، وأنت تعلم أن «بل» لا يبتدأ بها.
ونحو [قوله] (4) {وَكُنْتُمْ أَزْوََاجاً ثَلََاثَةً} (الواقعة: 7) فإن ما بعده منقطع عنه لفظا إذ لا تعلق له من جهة اللفظ لكنه متعلق به معنى، وتعلقه قريب من تعلق الصفة بالموصوف إلى قوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (الواقعة: 94).
ونحو قوله: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} (الحج: 1) فإن الوقف عليه تامّ، ولكنه ليس بالأتمّ، لأن ما بعده وهو قوله تعالى: {[إِنَ]} [5] زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، كالعلة لما قبلها فهو متعلق به معنى، وإن كان لا تعلّق له من جهة اللفظ، فقس على هذا ما سواه، فإنه أكثر أنواع
__________
(1) هي بحذف الألف من (لكنا) وسكون النون قراءة الكسائي (تفسير القرطبي 10/ 404).
(2) عبارة المخطوطة (ثم إن كل واحد).
(3) اضطربت العبارة في المخطوطة فوقعت هذه الآية عقب التي تليها.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.(1/516)
الوقوف استعمالا، وليس إذا حاولت بيان قصة وجب عليك ألّا تقف إلا في آخرها ليكون الوقف القول على الأتمّ (1) ومن ثم أتى به من جعل الوقف على {عَلَيْكُمْ} من قوله [تعالى]:
{وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ النِّسََاءِ إِلََّا مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (النساء: 24) غير تامّ.
فصل
يحسن الوقف الناقص بأمور:
منها أن يكون لضرب من البيان كقوله تعالى: {[وَلَمْ]} [2] يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً * قَيِّماً
(الكهف: 1و 2) إذ به تبين أن {قَيِّماً} منفصل عن {عِوَجاً} وأنه حال في نية التقدم وكما في قوله تعالى: {وَعَمََّاتُكُمْ [وَخََالََاتُكُمْ]} [2] وَبَنََاتُ الْأَخِ وَبَنََاتُ الْأُخْتِ (النساء: 23) ليفصل به بين التحريم النسبيّ والسببيّ. قلت: ومنه قوله تعالى: {يََا وَيْلَنََا مَنْ بَعَثَنََا مِنْ مَرْقَدِنََا هََذََا}
(يس: 52) ليبين أن {هََذََا} ليس من مقولهم.
ومنها أن يكون على رءوس الآي، كقوله تعالى: {مََاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً} (الكهف: 3و 4)، ونحوه: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا} (الأنعام:
155 - و 156). وكان نافع يقف على رءوس الآي كثيرا ومنه قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمََا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مََالٍ وَبَنِينَ * نُسََارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرََاتِ بَلْ لََا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون: 55و 56).
ومنها أن تكون صورته في اللفظ صورة الوصل بعينها، نحو قوله تعالى: {كَلََّا إِنَّهََا لَظى ََ * نَزََّاعَةً لِلشَّوى ََ * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلََّى * وَجَمَعَ فَأَوْعى ََ} (المعارج: 1815).
ومنها أن يكون الكلام مبنيا على الوقف، فلا يجوز فيه إلا الوقف صيغة، كقوله {يََا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتََابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مََا حِسََابِيَهْ} (الحاقة: 25و 26).
هذا في الناقص ومثاله في التامّ: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ * نََارٌ حََامِيَةٌ} (القارعة: 10و 11)
فصل
من خواص التام المراقبة، وهو أن يكون الكلام له مقطعان على البدل، كلّ واحد
__________
(1) عبارة المخطوطة (فيكون الوقف القول الأتم).
(2) ليست في المخطوطة.(1/517)
منهما إذا فرض فيه [الوقف] (1) وجب الوصل في الآخر (2) [وإذا فرض فيه الوصل وجب الوقف في الآخر] (2) كالحال بين {حَيََاةٍ} وبين {أَشْرَكُوا} من قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النََّاسِ عَلى ََ حَيََاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} (البقرة: 96)، فإنك إن جعلت القطع على {حَيََاةٍ} وجب أن تبتدئ فتقول: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ [أَحَدُهُمْ]} [4]، على الوصل لأن {يَوَدُّ} صفة للفاعل في موضعه، فلا يجوز الوقف دونه، وكذلك إن جعل المقطع {أَشْرَكُوا}
وجب أن يصل {عَلى ََ حَيََاةٍ}، على أن يكون التقدير: وأحرص من الذين أشركوا والله أعلم بمراده.
ومنه أيضا ما تراه بين {لََا رَيْبَ} (البقرة: 2) وبين {فِيهِ} من قوله تعالى: {لََا رَيْبَ فِيهِ}.
فصل
ينقسم الناقص بانقسام ما مرّ من التعلّق اللفظي بين طرفيه، فكلما كان التعلّق أشدّ وأكثر كان الوقف أنقص، وكلّما كان أضعف وأوهى كان الوقف أقرب إلى التمام، والتوسط يوجب التوسط.
فمن وكيد التعلّق ما يكون بين توابع الاسمية والفعلية وبين متبوعاتها إذا لم يمكن أن يتمحّل لها في إعرابها وجه غير الإتباع ومن ثم ضعّف الوقف على {مُنْتَصِرِينَ} من قوله تعالى: {[وَفِي]} [5] ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتََّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصََّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * فَمَا اسْتَطََاعُوا مِنْ قِيََامٍ وَمََا كََانُوا مُنْتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ (الذاريات: 43 46) فيمن جر (6) غاية الضعف.
وضعّف على {أَثِيمٍ} من قوله [تعالى]: {وَلََا تُطِعْ كُلَّ حَلََّافٍ مَهِينٍ * هَمََّازٍ مَشََّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنََّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذََلِكَ زَنِيمٍ} (ن: 1310).
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {وَقَوْمَ نُوحٍ} بالخفض في «قوم» وقرأ الباقون بالنصب.(1/518)
وضعّف على {بِهِ} من قوله تعالى: {سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلََا يَجِدْ} [1] لَهُ مِنْ دُونِ اللََّهِ وَلِيًّا وَلََا نَصِيراً (النساء: 123).
وضعف على {أَبَداً} من قوله: {[مََاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً]} [2] * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً (الكهف: 3و 4).
على أنّ هذه الطبقة من التعلق قد تنقسم أقساما فإنّه ليس بين البدل والمبدل منه من التعلّق [ما] (3) بين الصفة والموصوف على ما ذكرناه.
وأوهى من هذا التعلّق ما يكون بين الفعل وبين ما ينتصب عنه من الزوائد التي لا يخلّ حذفها بالكلام كبير إخلال، كالظرف والتمييز والاستثناء المنقطع ولذلك كان الوقف على نحو {عَجَباً} من قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحََابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [55/ ب] {كََانُوا مِنْ آيََاتِنََا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (الكهف: 9و 10) أو هي من الوقوف المذكورة.
فإن وسّطت بين التعلق بالمذكور من المتعلّق الذي للمفعول أو الحال المخصصة، أو الاستثناء الذي يتغير بسقوطه المعنى وانتصب كان لك في الوقف على نحو {مَسْغَبَةٍ} من قوله تعالى: {أَوْ إِطْعََامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذََا مَقْرَبَةٍ} (البلد: 14و 15). وعلى نحو {قَلِيلًا} من قوله تعالى: {يُرََاؤُنَ النََّاسَ وَلََا يَذْكُرُونَ اللََّهَ إِلََّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ} (النساء:
142 - و 143). وعلى نحو {مَصِيراً} من قوله: {مَأْوََاهُمْ جَهَنَّمُ وَسََاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} (النساء: 97و 98) وعلى نحو {وََاحِدَةٍ} و {زَوْجَهََا}، من قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهََا زَوْجَهََا وَبَثَّ مِنْهُمََا رِجََالًا كَثِيراً وَنِسََاءً} (النساء: 1) وعلى نحو {نَذِيراً} من قوله تعالى: {إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ شََاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدََاعِياً إِلَى اللََّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرََاجاً مُنِيراً} (الأحزاب: 45و 46) مرتبة بين المرتبتين المذكورتين.
فهذه ثلاث مراتب للوقف الناقص كما ترى بإزاء ثلاث طبقات من التعلق المذكور، فإن قسمت طبقة من الطبقات انقسمت بإزائها مرتبة من المراتب فقد خرج لك بحسب هذه القسمة وهي القسمة الصناعية ستة أصناف من الوقف في الكلام: خمسة منها بحسب
__________
(1) في المخطوطة (ولا يجدون لهم).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة.(1/519)
[الكلام] (1) نفسه، وهي الأتمّ، والتام، والذي يشبه التام، والناقص المطلق، والأنقص.
وواحد من جهة المتكلم أو القارئ، وهو الذي بحسب انقطاع النّفس كما سبق عن حمزة.
واعلم أن الوقف في الكلام قد يمكن أن يكون من غير انقطاع نفس وإن كان لا شيء من انقطاع النّفس إلا ومعه الوقف، والوقوف أمرها على سبيل الجواز إلا الذي بني عليه الكلام وما سواه فعليك منه أن تختار الأفضل فالأفضل بشرط أن تطابق به انقطاع نفسك لينجذب عند السكت إلى باطنك من الهواء ما تستعين به ثانيا على الكلام الذي تنشئه بإخراجه على الوجه المذكور.
وممّا يدعو إلى الوقف في موضع الوقف الترتيل فإنه أعون شيء عليه، وقد أمر الله تعالى به رسوله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمّل: 4).
ويدعو إليه اجتناب تكرير اللفظة الواحدة [في القرآن] (2) تكريرا من غير فصل كما في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسََانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مََاءٍ دََافِقٍ} (الطارق: 5و 6)، وقوله:
{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ََ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجََالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللََّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 108).
[فصل]
(3)
«كلّا» في القرآن على ثلاثة أقسام:
(أحدها) ما يجوز الوقف عليه والابتداء به جميعا باعتبار معنيين. (والثاني) ما لا يوقف عليه ولا يبتدأ به. (والثالث) ما يبتدأ به ولا يجوز الوقف عليه، وجملته ثلاثة وثلاثون حرفا تضمنها خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير من القرآن، وليس في [النصف] (4) الأول منها شيء. وللشيخ عبد العزيز الديريني (5) رحمه الله:
وما نزلت (كلا) بيثرب فاعلمن ... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) هو عبد العزيز بن أحمد بن سعيد أبو محمد الدميري المعروف بالديريني العالم الشافعي الأديب الزاهد لقدوة ذو الأحوال المذكورة والكرامات المشهورة، أخذ عن الشيخ عز الدين وغيره ممن عاصره. وله تصانيف عديدة منها تفسيره المسمّى «المصباح المنير في علم التفسير» توفي سنة 694هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 304).(1/520)
وحكمة ذلك أن النصف الآخر نزل أكثره بمكة، وأكثرها جبابرة، فتكررت هذه الكلمة على وجه التهديد والتعنيف لهم، والإنكار عليهم، بخلاف النصف الأول. وما نزل [منه] (1) في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلهم وضعفهم.
والأول (2) اثنا عشر حرفا: منها في سورة مريم: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمََنِ عَهْداً * كَلََّا} (الآيتان: 78و 79) وفيها: {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلََّا} (الآيتان: 81و 82) وفي المؤمنين: {فِيمََا تَرَكْتُ كَلََّا} (الآية: 100) وفي المعارج: {يُنْجِيهِ * كَلََّا} (الآيتان: 14 و 15)، وفيها: {جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلََّا} (الآيتان: 38و 39) وفي المدّثر: {أَنْ أَزِيدَ * كَلََّا}
(الآيتان: 15و 16) وفيها: {صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلََّا} (الآيتان: 52و 53) وفي القيامة: {أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلََّا} (الآيتان: 10و 11) وفي عبس: {تَلَهََّى * كَلََّا} (الآيتان: 10و 11) وفي التطفيف: {قََالَ أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلََّا} (المطففين: 13و 14) وفي الفجر: {أَهََانَنِ * كَلََّا}
(الفجر: 16و 17) وفي الهمزة: {أَخْلَدَهُ * كَلََّا} (الهمزة: 3و 4).
والثاني (3) ثلاثة أحرف: في الشعراء: {أَنْ يَقْتُلُونِ * قََالَ كَلََّا} (الشعراء: 14و 15) وفيها: {[إِنََّا]} [4] لَمُدْرَكُونَ * قََالَ كَلََّا (الشعراء: 61و 62) وفي سبأ: {[أَلْحَقْتُمْ]} [4] بِهِ شُرَكََاءَ كَلََّا (سبأ: 27).
والثالث (6) ثمانية عشر [حرفا] (4): في المدّثر: {كَلََّا وَالْقَمَرِ} (المدثر: 32) {كَلََّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (المدثر: 54) وفي القيامة: {كَلََّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعََاجِلَةَ} (القيامة: 20) {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} (القيامة: 26) وفي النبأ: {كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (النبأ: 4) وفي عبس: {كَلََّا لَمََّا يَقْضِ} (عبس: 23) وفي الانفطار: {كَلََّا بَلْ تُكَذِّبُونَ} (الآية: 9) وفي التطفيف: {كَلََّا إِنَّ كِتََابَ الفُجََّارِ} (الآية: 7) {كَلََّا إِنَّهُمْ} (الآية: 15)، [كلّا إنّ كتاب الأبرار] (8) (الآية: 18)
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) وهو ما يجوز الوقف عليه والابتداء به جميعا.
(3) وهو ما لا يوقف عليه ولا يبتدأ به.
(4) ليست في المخطوطة.
(6) كذا في المطبوعة والمخطوطة، ولكن يتبين من العدّ أنها خمسة عشر فقط، فتأمل!
(8) ساقطة من المطبوعة.(1/521)
وفي الفجر: {كَلََّا إِذََا} (الآية: 21) وفي العلق: {كَلََّا إِنَّ} (الآية: 6) {كَلََّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ}
(الآية: 15) {كَلََّا لََا تُطِعْهُ} (الآية: 19) وفي التكاثر: {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الآية: 3).
وقسمها مكيّ (1) [56/ أ] أربعة أقسام:
الأول: ما يحسن الوقف فيه على (/ كلا) (2)، على معنى الرد لما قبلها والإنكار له فتكون بمعنى: ليس الأمر كذلك، والوقف عليها في هذه المواضع هو الاختيار ويجوز الابتداء بها على معنى «حقا»، أو «ألا»، وذلك أحد عشر موضعا: منها الموضعان في مريم. وفي المؤمنين.
وفي سبأ: {أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكََاءَ كَلََّا} (الآية: 27) وموضعان في المعارج. وموضعان في المدثر. وموضع (3) في المطففين، والفجر، [والحطمة] (4). قال: فهذه أحد عشر موضعا، الاختيار عندنا وعند أكثر أهل اللغة أن تقف عليها على معنى النفي والإنكار لما تقدمها، ويجوز أن تبتدئ بها على معنى «حقا»، لجعلها تأكيدا للكلام الذي بعدها، أو الاستفتاح.
الثاني: ما لا يحسن الوقف عليه فيها (5)، ولا يكون الابتداء بها على معنى «حقا» أو «ألا» أو تعلقها بما قبلها وبما بعدها، ولا يوقف عليها، ولا يبتدأ بها، والابتداء بها في هذه المواضع أحسن: وذلك [في] (6) ثمانية عشر موضعا: موضعان في المدثر: {وَمََا هِيَ إِلََّا ذِكْرى ََ لِلْبَشَرِ * كَلََّا وَالْقَمَرِ} (المدثر: 31و 32)،
__________
(1) مكي هو ابن أبي طالب القيسي تقدم التعريف به في 1/ 278، وكتابه: «شرح كلا وبلى ونعم والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله» طبع بتحقيق أحمد حسن فرحات بدار المأمون للتراث دمشق سنة 1398هـ / 1978م الطبعة الأولى، وقال المحقق في المقدمة ما نصّه: (كذلك نجد الزركشي في البرهان قد استفاد منه ولخص ما جاء فيه وذلك على الرغم من أن ما جاء في البرهان قد حرّف وصحّف وأضاع المعاني، فهو بدلا من أن يجعل «كلا» بمعنى «ألا» يجعلها «إلّا» ثم سرد من هذا التحريف وقال وهو كلام محرّف مصحّف لا معنى له، بل هو خليط عجيب لا أول له ولا آخر) انظر مقدمة المحقق لكتاب شرح كلا وبلى ونعم ص 8، لذا سنذكر نص كلام مكي عند كل قسم منها
(2) قال مكي: (الأول: ما يحسن الوقف عليه على معنى، ويحسن الابتداء به على معنى آخر) شرح كلا وبلى ونعم ص 68.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى: (وموضعان).
(4) ليست في المخطوطة، والصواب إثباتها كما في كتاب مكي.
(5) عبارة مكي في شرح كلا وبلى ونعم ص 68ما نصه: القسم الثاني وهو ما لا يحسن الوقف فيه على كلا، ويحسن الابتداء بها.
(6) ليست في المخطوطة.(1/522)
{كَلََّا بَلْ لََا يَخََافُونَ الْآخِرَةَ * كَلََّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ}
(المدثر: 53و 54) وثلاثة في القيامة: {أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلََّا} (الآيتان: 10و 11) {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ * كَلََّا} (الآيتان: 19و 20) {أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ * كَلََّا إِذََا} (الآيتان: 25و 26) وموضع في عمّ: {كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (النّبأ: 4) وموضعان في عبس: {إِذََا شََاءَ أَنْشَرَهُ * كَلََّا} (الآيتان:
22 - و 23)، {تَلَهََّى * كَلََّا} (الآيتان: 10و 11) وموضع في الانفطار: {مََا شََاءَ رَكَّبَكَ * كَلََّا}
(الآيتان: 8و 9) وثلاثة مواضع في المطففين: {لِرَبِّ الْعََالَمِينَ * كَلََّا إِنَّ كِتََابَ الفُجََّارِ}
(المطففين: 6و 7) {مََا كََانُوا يَكْسِبُونَ * كَلََّا إِنَّهُمْ} (المطففين: 14و 15) {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلََّا} (المطففين: 17و 18) وموضع في الفجر [قوله] (1): {حُبًّا جَمًّا * كَلََّا}
(الفجر: 20و 21) وثلاثة مواضع في العلق (2): {عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ * كَلََّا} (العلق: 5 و 6) {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللََّهَ يَرى ََ * كَلََّا} (الآيتان: 14و 15) {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ * كَلََّا} (العلق: 18 و 19) وموضعان في التكاثر: {حَتََّى زُرْتُمُ الْمَقََابِرَ * كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الآيتان: 2و 3) وقوله: (3) [{كَلََّا لَوْ تَعْلَمُونَ}] (3) (الآية: 5) فهذه ثمانية عشر موضعا، الاختيار عندنا وعند القراء وعند أهل اللغة أن يبتدأ بها، و «كلّا» على معنى «حقا»، أو «ألا» وألّا يوقف عليها.
الثالث (5): ما لا يحسن الوقف فيه عليها، ولا يحسن الابتداء بها، ولا تكون موصولة بما قبلها من الكلام، و [لا] (6) بما بعدها، وذلك موضعان: [في] (6) عمّ يتساءلون: {كَلََّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (النبأ: 4و 5) وكذا في التكاثر: {ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
(الآية: 4) فلا يحسن الوقف عليها و (لا) (6) الابتداء بها.
الرابع (9): ما [لا] (6) يحسن الابتداء بها ويحسن الوقوف عليها، وهو موضعان في الشعراء: {أَنْ يَقْتُلُونِ * قََالَ كَلََّا} (الآيتان: 14و 15)، {إِنََّا لَمُدْرَكُونَ * قََالَ كَلََّا} (الآيتان:
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (في القلم).
(3) ليست في المخطوطة.
(5) عبارة مكي في شرح كلا وبلى ونعم ص 69ما نصه (القسم الثالث وهو ما لا يحسن الوقف فيه على «كلا» ولا الابتداء بها).
(6) ليست في المخطوطة.
(9) عبارة مكي في شرح كلا وبلى ونعم ص 70ما نصه (القسم الرابع وهو ما لا يحسن الابتداء فيه ب «كلا» ويحسن الوقف فيه على «كلا»)(1/523)
61 - و 62) قال: فهذا هو الاختيار ويجوز في جميعها أن تصلها بما قبلها وبما بعدها ولا تقف عليها ولا تبتدئ بها.
[فصل في الوقف على بلى]
وأما (بلى) (1) فقد وردت في القرآن في اثنين وعشرين موضعا، في ست عشرة سورة، وهي على ثلاثة أقسام:
أحدها ما يختار فيه كثير من القراء وأهل اللغة الوقف عليها لأنها جواب لما قبلها غير متعلّق بما بعدها وذلك عشرة مواضع: موضعان في البقرة: {مََا لََا تَعْلَمُونَ * بَلى ََ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} (الآيتان: 80و 81). {إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ * بَلى ََ} (الآيتان: 111و 112) وموضعان في آل عمران: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلى ََ مَنْ أَوْفى ََ} (آل عمران: 75و 76) {بَلى ََ إِنْ تَصْبِرُوا} (آل عمران: 125) وموضع (2) في الأعراف: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} (الآية: 172)، وفيه اختلاف. وفي النحل: [{مََا كُنََّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى ََ}] (3) (النحل: 28) وفي يس: {أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى ََ} (يس: 81) وفي غافر: {رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنََاتِ قََالُوا بَلى ََ} (آية: 50) وفي الأحقاف: {عَلى ََ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ بَلى ََ} (الأحقاف: 33) وفي الانشقاق: {أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلى ََ} (الآيتان: 14و 15) فهذه عشرة مواضع يختار الوقف عليها لأنها جواب لما قبلها، غير متعلّقة بما بعدها. وأجاز بعضهم الابتداء بها.
والثاني (4) ما لا يجوز الوقف عليها لتعلق ما بعدها بها وبما قبلها، وذلك [في] (5) سبعة مواضع: في الأنعام: {بَلى ََ وَرَبِّنََا} (الآية: 30)، (6) [وفي النحل {لََا يَبْعَثُ اللََّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ} (الآية: 38) وفي سبأ: {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي} (الآية: 3)، وفي الزمر {مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلى ََ قَدْ جََاءَتْكَ} (الآيتان: 58و 59) وفي الأحقاف: {بَلى ََ وَرَبِّنََا}] (6) (الآية:
34) وفي التغابن: {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (التغابن: 7) وفي القيامة: {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ بَلى ََ} (القيامة: 4) وهذه لا خلاف في امتناع الوقف عليها، ولا يحسن الابتداء بها، لأنها وما بعدها جواب.
__________
(1) انظر شرح كلا وبلى ونعم ص 71و 80
(2) في المخطوطة (وموضعان).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) من أقسام الوقف على (بلى).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) ليست في المخطوطة.(1/524)
الثالث (1): ما اختلفوا في جواز الوقف عليها والأحسن المنع لأن ما بعدها متصل بها وبما قبلها، وهي خمسة مواضع: في البقرة: {بَلى ََ وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (الآية: 260) وفي الزمر: {قََالُوا بَلى ََ وَلََكِنْ حَقَّتْ [كَلِمَةُ الْعَذََابِ عَلَى الْكََافِرِينَ]} [2] (الآية: 71) وفي الزخرف: {وَنَجْوََاهُمْ بَلى ََ وَرُسُلُنََا} (الآية: 80) وفي الحديد: {قََالُوا بَلى ََ} (الآية: 14) [وفي الملك: {قََالُوا بَلى ََ]} [3] قَدْ جََاءَنََا نَذِيرٌ (الآية: 9).
[فصل في الوقف على نعم]
وأما (نعم) (4) ففي القرآن في أربعة مواضع: في الأعراف: {قََالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}
(الآية: 44)، والمختار الوقف على «نعم» لأن ما بعدها ليس متعلقا بها ولا بما قبلها إذ ليس هو [من] (2) قول أهل النار، و {قََالُوا نَعَمْ} من قولهم: والثاني والثالث في الأعراف (الآية:
114) والشعراء: (الآية: 42) {قََالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ}، [56/ ب] الرابع في الصافات: {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دََاخِرُونَ} (الآية: 18) والمختار ألا يوقف على «نعم» في هذه المواضع لتعلقها بما [بعدها وبما] (6) قبلها لاتصاله بالقول.
وضابط ما يختار الوقف عليه أن يقال: إن وقع بعدها «ما» اختير الوقف عليها وإلا فلا. أو يقال: إن وقع بعدها واو لم يختر الوقف عليها وإلا اختير، وأنت مخيّر في أيّهما شئت.
__________
(1) من أقسام الوقف على (بلى).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) انظر شرح كلا وبلى ونعم ص 105.
(6) ليست في المطبوعة.(1/525)
الجزء الثانى
بسم الله الرّحمن الرّحيم
النوع الخامس والعشرون علم مرسوم الخط (1)
ولما كان [خط] (2) المصحف هو الإمام الذي يعتمده القارئ في الوقف والتمام، ولا
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: الفهرست لابن النديم الفن الثالث من المقالة الأولى ص 38، الكتب المؤلفة في النقط والشكل للقرآن، وما بعده من فصول، كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 117103باب اختلاف خطوط المصاحف إلى باب ما كتب في المصاحف على غير الخط، فنون الأفنان لأبي الفرج ابن الجوزي ص 232220باب في كتابة المصحف وهجائه، ومقدمة تفسير القرطبي 1/ 80، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 4/ 166145النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته، مفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 336، وعلم رسم كتابة القرآن في المصاحف، وترتيب العلوم للمرعشي ص 132، وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 902علم رسم المصحف، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 299علم رسم كتابة القرآن في المصاحف، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 1/ 404354المبحث العاشر في كتابة القرآن ورسمه، معجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص: 385355، باب جمع القرآن وتدوينه ورسمه، ومعجم مصنفات القرآن الكريم لعلي شواخ 3/ 287274، باب رسم القرآن. وقصة النقط والشكل في المصحف الشريف لعبد الحي حسين الفرماوي (طبعة دار النهضة بالقاهرة) ونشأة القراءات ورسم المصحف، مقال لعبد العال سالم مكرم في مجلة الأزهر س 38، ع 8، عام 1387هـ / 1967م. وحكم اتباع الرسم العثماني فوائده وعلله مقال لإبراهيم عطوة عوض في مجلة منبر الإسلام، س 5، ع 1، عام 1387هـ / 1967م ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع، «كتاب في النقط» ويسمى: «وضع رموز الضبط الدالة على الحركات والتنوين» لأبي الأسود الدؤلي (ت 69هـ) (ذكره الداني في المحكم ص 214) * ومنها «المقطوع والموصول في القرآن» لعبد الله بن عامر اليحصبي ت 118هـ (الفهرست: 72) * ومنها «مرسوم المصحف» لأبي عمرو بن العلاء، ت 145هـ (بروكلمان 2/ 130)، * ومنها «النقط والشكل» للخليل بن أحمد الفراهيدي، ت 170هـ (ذكره ابن النديم في الفهرست ص: 38و 49)، ومنها «النقط والشكل» ليحيى بن المبارك بن المغير اليزيدي أبي محمد (ت 202هـ) ذكره ابن النديم في الفهرست ص 56* ومنها «كتاب
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/5)
__________
في النقط» لأبي عبد الرحمن عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي (237هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9 * ومنها «النقط والشكل» لأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان الزيادي (ت 249هـ) ذكره ابن النديم ص: 35* ومنها «رسم القرآن» لمحمد بن عيسى، أبي عبد الله الأصبهاني (ت 253هـ) ذكره ابن النديم ص: 38باسم «في النقط» * ومنها كتاب «في النقط والشكل بجداول ودارات» للدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282هـ) ذكره ابن النديم ص: 59* ومنها «المصاحف» لابن أبي داود السجستاني (ت 316هـ) طبع بتحقيق جفري آرثر عام 1356هـ / 1937م هولندا ليدن بالاشتراك مع المطبعة الرحمانية بالقاهرة ومطبعة الرغائب وصوّر ببغداد مكتبة المثنى عام 1380هـ / 1960م وطبع بتنضيد جديد في بيروت بدار الكتب العلمية عام 1406هـ / 1986م. * ومنها «كتاب في النقط» لابن السراج أبي بكر محمد بن السري (ت 316هـ) ذكره ابن النديم ص: 35* ومنها «كتاب في النقط» لابن مجاهد، أبي بكر أحمد بن موسى (ت 324هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9و 23. * ومنها «الرد على من خالف مصحف عثمان» لأبي بكر محمد بن الأنباري (ت 328هـ) ذكره ابن النديم ص: 118* ومنها «كتاب في النقط» لابن الأنباري أبي بكر محمد بن القاسم (ت 328هـ) ذكره ابن النديم ص: 59ومنها «كتاب في النقط» لأحمد بن جعفر المنادي (ت 334هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9و 23* ومنها «كتاب في النقط» لابن أشتة أبي بكر أحمد بن عبد الله (ت 360هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9* ومنها «كتاب في النقط» لعلي بن محمد بن بشر الأنطاكي (ت 377هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9* ومنها «كتاب في النقط» لعلي بن عيسى الرماني (ت 384هـ) ذكره الداني في المحكم ص: 9* ومنها «البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان» لأبي عبد الله محمد بن يوسف الجهني (ت 442هـ). بروسة حراتشي زادة:
178/ 281ورقة (تاريخ التراث العربي 1/ 34) ويسمى «البديع في الرسم العثماني في المصاحف الشريفة» انظر (إيضاح المكنون 1/ 172) ويسمى أيضا: «البديع في الهجاء والترصيع» مخطوط بمكتبة روضة خيري بدار الكتب (تاريخ التراث العربي 1/ 34) * ومنها «الاقتصاد في رسم المصحف» للداني أبي عمرو عثمان بن سعيد (ت 444هـ) انظر كشف الظنون 1/ 135، طبقات القراء 1/ 505* ومنها «المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار مع كتاب النقط» لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت 444هـ) طبع بتحقيق أوتو برتزل عام 1351هـ / 1932م باستنبول (ومعه كتاب المحكم في النقط)، وطبع بتحقيق محمد أحمد دهمان عام 1359هـ / 1940م بدمشق مطبعة جامعة دمشق (ومعه كتاب المحكم في نقط المصاحف).
* ومنها «ذيل المقنع في معرفة نقط المصاحف» للداني أبي عمرو (ت 444هـ) مخطوط في قليج علي رقم (1029)، * ومنها «المحكم في نقط المصاحف» للداني أبي عمرو (ت 444هـ) طبع بتحقيق أوتو برتزل باستنبول عام 1351هـ / 1932م وطبع بتحقيق محمد أحمد دهمان بليبيا مكتبة النجاح عام 1359هـ / 1940م، وطبع بتحقيق عزة حسن (مع ملحق في ذكر مذاهب المتقدمين في النقط للداني) بدمشق وزارة الثقافة والإرشاد عام 1380هـ / 1960م، وبتحقيق محمد صادق قمحاوي بالقاهرة مكتبة الكليات الأزهرية عام 1398هـ / 1978م، وصوّر مؤخرا بدمشق بدار الفكر بتحقيق عزة حسن عام 1407هـ / 1986م * ومنها «رسالة في رسم المصحف» للداني أبي عمرو (ت 444هـ) مخطوط في الأوقاف في بغداد 3/ 2405مجاميع (معجم الدراسات القرآنية ص: 374) * ومنها «التنبيه على النقط والشكل» للداني أبي عمرو (ت 444هـ) (طاش كبري زادة 1/ 82، حاجي خليفة 1/ 493) * ومنها «النقط(2/6)
__________
والضبط في القراءات ورسم المصاحف» للداني أبي عمرو، خط بمكتبة حسن حسني عبد الوهاب بتونس، مصور في معهد المخطوطات رقم (64) (معجم الدراسات القرآنية ص: 561) * ومنها «مختصر مرسوم المصحف لأبي عمرو بن العلاء» للداني أبي عمرو (ت 444هـ) مخطوط في آيا صوفيا رقم (4814) (معجم الدراسات القرآنية ص: 547) * ومنها «مختصر في رسم المصحف الشريف» لإسماعيل بن خلف بن طاهر بن عبد الله العقيلي (ت 455هـ) مخطوط بدار الكتب (260) قراءات (معجم الدراسات القرآنية ص: 546)، * ومنها «خط المصاحف» للكرماني، محمود بن حمزة (ت 505هـ) (غاية النهاية 2/ 291)، * ومنها «عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد» المشهورة «بالرائية في الرسم» للشاطبي أبو القاسم بن فيّرة (ت 590هـ) طبع مع «حرز الأماني» بمصر نشر حسن التتري طبعة حجر عام 1286هـ / 1869م، وطبع بمطبعة الطوخي مصر عام 1302هـ / 1884م * ومنها «شرح الرائية» للسخاوي علي بن محمد بن عبد الصمد (ت 643هـ) ذكره السيوطي في طبقات المفسرين ص: 26* ومنها «الوسيلة إلى كشف العقيلة» للسخاوي، خط دار الكتب (29و 66)، قراءات وعنه نسخة مصورة في معهد المخطوطات العربية، ونسخة أخرى في الأزهر رقم (84) 4895، وفي مخطوطات عباس حلمي بدار التربية الإسلامية بغداد، رقم (7)، (معجم الدراسات القرآنية ص: 385و 563) * ومنها كتاب «في رسم المصحف الشريف» لإبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن (ت 651هـ)، مخطوط في تركيا بايزيد رقم (7957) (معجم الدراسات القرآنية ص: 380) * ومنها «شرح القصيدة الرائية» لأبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي (ت 691هـ) مخطوط بمكتبة الحرمين بمكة: 20، ومنه نسخة بجامعة الملك سعود: 1794و 2029 (معجم مصنفات القرآن 4/ 97) ومنها «عمدة البيان في الرسم» منظومة للخراز الشريشي أبي عبد الله محمد بن محمد (ت 718هـ) وفيها يقول الناظم: سميته بعمدة البيان في رسم ما قد خط في القرآن (معجم المؤلفين 11/ 176) ومنها «مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن» (أرجوزة) للخراز الشريشي أيضا طبع ومعه ثلاثة كتب: «دليل الحيران»، «والإعلان»، «وتنبيه الخلان» نشره صالح العسلي بتونس المطبعة العمومية عام 1326هـ / 1908م، وطبع بالقاهرة عام 1365هـ / 1946م، وصوّر في ليبيا عن طبعة تونس بمكتبة النجاح ومنها «عنوان الدليل في مرسوم التنزيل» لأبي العباس المراكشي المعروف بابن البناء (ت 721هـ) (ذكره الزركشي في البرهان 1/ 380والسيوطي في الاتقان 4/ 145وحاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1174) ومنها «روضة الطرائف في رسم المصاحف» منظومة لإبراهيم بن عمر برهان الدين الجعبري (ت 732هـ) مخطوط في التيمورية رقم (571)، معهد المخطوطات رقم (41) تفسير فرسن (1283) (انظر بروكلمان الذيل 2/ 135) * ومنها «الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة» للجعبري أيضا، مخطوط في الأزهر برقم (231) 22244، وفي المدينة المنورة مكتبة عارف حكمت برقم (28) قراءات وتجويد، وفي جامعة محمد بن سعود بالرياض برقم 175/ ف، ونسخة برقم 2803/ ف و 2514 (معجم الدراسات القرآنية ص: 365) * ومنها «خميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أقراب القصائد» للجعبري أيضا، مخطوط في دار الكتب المصرية رقم (249) قراءات وبالظاهرية رقم (28) (معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 281) * ومنها «خميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد» للجعبري أيضا، مخطوط في الأوقاف ببغداد رقم 237، والأزهر 237/ 22224قراءات، ومعهد المخطوطات رقم (29) قراءات ومكتبة الحرمين بمكة: 51، ومركز البحث العلمي بمكة: 67 (معجم مصنفات القرآن: 4/ 69) * ومنها(2/7)
__________
«تغريد الجميلة لمنادمة العقيلة» مختصر «لعقيلة أتراب القصائد» للجعبري أيضا خط بالأزهر 4854 (82) 16215، (177) (معجم الدراسات القرآنية ص: 370) * ومنها «تجريد الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة» للجعبري أيضا، مخطوط بمكتبة جامعة الإمام محمد بالرياض رقم 1254 (معجم مصنفات القرآن الكريم 4/ 36) * ومنها «كشف الأسرار في رسم مصاحف الأمصار» لأبي الخير السمرقندي محمد بن محمود (ت 780هـ) مخطوط في الأوقاف العراقية 1/ 2405، (معجم الدراسات القرآنية ص: 382)، ومخطوط بقسم المخطوطات بجامعة الملك سعود بالرياض (أخبار التراث العربي 29/ 5) * ومنها ««جامع الكلام في رسم مصحف الإمام» لأبي عبد الله محمد بن أحمد الجريني (ت 783هـ) خط الأزهر (300) 22307وعن نسخة بمركز البحث العلمي بمكة رقم (58) قراءات (معجم الدراسات القرآنية ص: 371). ومنها «تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد في شرح عقيلة أتراب القصائد» لأبي البقاء علي بن أبي علي (ت 801هـ) مخطوط في التيمورية برقم 4854 (82)، و 16215 (177) (معجم الدراسات القرآنية ص 26و 371) * ومنها «شرح تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد» على عقيلة أتراب القصائد للقاصح علي بن عثمان بن محمد (ت 801هـ) مطبوع في القاهرة بتحقيق عبد الفتاح القاضي نشر مصطفى الحلبي عام 1369هـ / 1949م * ومنها «رسم القرآن» لمحمد بن جابر الغساني المكناسي ت 827هـ (الأعلام 6/ 68ومعجم مصنفات القرآن 3/ 282) * ومنها «تحفة الإخوان في الخلاف بين الشاطبية والعنوان» لابن الجزري ت 833هـ مخطوط في التيمورية رقم (209) (معجم الدراسات القرآنية ص: 474) * ومنها «الجامع الأزهري المفيد لمفردات الأربعة عشر من صناعة الرسم والتجويد» (إيضاح المكنون 3/ 350)، * ومنها «تنبيه العطشان على مورد الظمآن» لحسين بن علي الرجراجي القرن التاسع مخطوط في الأزهر رقم (275) 22282 (معجم الدراسات القرآنية ص: 479) * ومنها «أرجوزة في الرسم» لمجهول خط الرياض مكتبة جامعة الملك سعود برقم 2484/ 3م، * ومنها «رسالة في أقسام القرآن ومرسوم خطه وكتابته» للسيوطي جلال الدين ت 911هـ مخطوط في الأوقاف 24/ 22811مجاميع (معجم الدراسات القرآنية ص: 373) * ومنها «إنشاد الشريد في رسم القرآن» لمحمد بن أحمد بن محمد أبي عبد الله المكناسي (ت 919هـ) (معجم مصنفات القرآن 3/ 277) * ومنها «تقييد على مورد الظمآن في الرسم» لشقرون الوهراني (ت 929هـ) مخطوط بالتيمورية رقم 213 (معجم الدراسات القرآنية ص: 371) * ومنها «الهبات السنية العلية على أبيات الرائية في الرسم» للهروي ملا علي قارئ علي بن سلطان ت 1014هـ مخطوط في الخزانة التيمورية رقم 236 (معجم الدراسات القرآنية ص: 385) * ومنها «الإعلان بتكميل مورد الظمآن» (مطبوع بذيل مورد الظمآن)، لعبد الواحد بن أحمد بن عاشر ت 1040هـ، نشره صالح العسلي في تونس المطبعة العمومية 1326هـ / 1908م، وطبع في ليبيا بمكتبة النجاح صورة عن طبعة تونس وطبع في القاهرة بتحقيق عامر السيد عثمان عام 1365هـ / 1946م * ومنها «فتح المنان المروي بمورد الظمآن في رسم القرآن» لأبي محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر ت 1040هـ، مخطوط في الرباط رقم 8110، وفي الخزانة التيمورية رقم 215 (فهرس الخزانة التيمورية تفسير 1/ 299وفهرس مخطوطات الأزهر ص 100) * ومنها «الجواهر اليمانية في رسم المصاحف العثمانية» لمحمد بن أحمد العوفي ت 1049هـ (إيضاح المكنون 3/ 381) * ومنها «الفوائد اللطيفة والطريفة في رسوم المصاحف العثمانية» لحسين بن علي الأماسي (ت 1064هـ) مخطوط في الرياض جامعة محمد بن سعود رقم 1616 (معجم مصنفات القرآن 3/ 283)(2/8)
__________
ويوجد باسم «فوائد الطريقة الطريقة في رسم المصاحف العثمانية» ولعله الكتاب السابق خط بالتيمورية ضمن مجموع 176 (معجم الدراسات القرآنية ص: 380) وباسم: «الطارف والطريفة في رسم المصاحف العثمانية الشريفة» خط الأزهر (281) 2288 (معجم الدراسات القرآنية ص: 376) * ومنها «خلاصة الرسوم في ضبط الكلمات القرآنية» لعثمان بن حافظ رحمن (القرن الثاني عشر) خط الأزهر (97) 6231 (معجم الدراسات القرآنية ص: 372و 487) * ومنها «المصباح» أرجوزة في الرسم عدد أبياتها 131 بيتا لأبي عبد الله محمد بن الصباح، مخطوط بالرياض جامعة محمد بن سعود كتبت سنة 1279هـ برقم 2809 وهي مصورة عن الخزانة العامة بالرياض برقم 1557 (معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 285) * ومنها «الجوهر الفريد في رسم القرآن المجيد» للهوريني سيد بركات بن يوسف بن عريشة ألفه سنة 1286هـ، نسخة بالمكتبة الأزهرية برقم 1397مجاميع ومنه نسخة ميكروفيلمية مصورة عنها بمركز البحث العلمي بمكة رقم 207مجاميع علوم القرآن، وبالخزانة التيمورية رقم 66 (معجم الدراسات القرآنية ص: 372، ومصنفات القرآن الكريم 3/ 280) * ومنها «إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين» لأبي عيد رضوان بن محمد المخللاتي ت 1311هـ ومنه نسخة في الخزانة برقم 65 (فهرس الخزانة التيمورية 1/ 155تفسير) * ومنها «مقدمة في رسم الكلمات القرآنية وضبطها وعدّ آي القرآن الكريم» للمخللاتي أيضا مخطوط بالأزهر 130، وحسونة 12975 (معجم الدراسات القرآنية ص: 383و 553)، ومنه نسخة باسم «مقدمة في كتبة المصاحف وعددها ورسم القرآن» مخطوطة في الرياض مكتبة جامعة محمد بن سعود برقم 2535و 2545 (معجم مصنفات القرآن 2/ 286) * وله أيضا «حواشي على مورد الظمآن في رسم القرآن» مخطوط في الرياض مكتبة جامعة محمد بن سعود رقم 2530 (معجم مصنفات القرآن 3/ 283) * وله أيضا «حواشي على عقيلة أتراب القاصد» مخطوط بجامعة الإمام محمد رقم 2530 (معجم مصنفات القرآن الكريم 4/ 66) * ومنها «أرجوزة في رسم المصحف» تسمى ب «اللؤلؤ المنظوم» لمحمد متولي ت 1313هـ، مخطوط في الأزهر (190) 16228ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية ص: 367) * ومنها «الرحيق المختوم في نثر اللؤلؤ المنظوم» للحسن بن الحسين بن خلف (؟) ألفه في شرح كتاب الشيخ محمد بن أحمد المتولي المسمى باللؤلؤ المنظوم طبع في القاهرة بمطبعة المعاهد عام 1342هـ / 1923م * ومنها «فتح الرحمن وراحة الكسلان» لمحمد أبو زيد (ت 1323هـ) طبع بمطبعة أبو زيد بالقاهرة عام 1315هـ / 1897م * ومنها «تنبيه الخلان على الإعلان بتكميل مورد الظمآن» مطبوع بذيل دليل الحيران لإبراهيم بن أحمد المارغني كان حيا سنة 1326هـ، نشره صالح العسلي في تونس بالمطبعة العمومية 1326هـ / 1908م، وفي ليبيا مكتبة النجاح صورة عن طبعة تونس دون تاريخ * ومنها «تحفة الخاقان في رسم القرآن» لمحمد نعيم البدخشي (معجم مصنفات القرآن 3/ 279) * ومنها «البيان المفيد في رسم خط القرآن المجيد» لأحمد عزة البغدادي ت 1352هـ طبع بتحقيق عبد الرحيم محمد علي النجف مطبعة النعمان 1395هـ / 1975م (معجم الدراسات القرآنية ص: 356) * ومنها «إرشاد الحيران في رسم القرآن» لمحمد علي بن خلف الحسيني المعروف بالحداد. ت 1357هـ (معجم مصنفات القرآن 3/ 277) * ومنها «إيقاظ الأعلام بوجوب اتباع رسم المصحف الإمام» للشنقيطي محمد حبيب الله ت 1363هـ طبع في القاهرة بمطبعة المعاهد عام 1345هـ / 1926م وطبع في بيروت بدار الرائد العربي مصور بالأوفست عام 1402هـ / 1982م * ومنها «الفرائد الحسان في بيان رسم القرآن» لمحمد(2/9)
يعدو رسومه، ولا يتجاوز (1) مرسومه قد خالف خطّ الإمام في كثير من الحروف والأعلام، ولم
__________
يوسف التونسي ت 1380هـ طبع في دمشق بمطبعة العلوم والآداب عام 1375هـ / 1955م * ومنها «الفرقان جمع القرآن تدوينه هجاؤه ورسمه وتلاوته وقراءته» لابن الخطيب محمد عبد اللطيف (ت القرن الرابع عشر) طبع في القاهرة بمطبعة دار الكتب عام 1368هـ / 1948م (معجم الدراسات القرآنية ص: 392) * ومنها «رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات» لعبد الفتاح إسماعيل شلبي نشر في القاهرة مكتبة نهضة مصر عام 1380هـ / 1960م (معجم الدراسات القرآنية ص: 359و 434).
المجاهيل: منها «مرسوم المصحف الكريم» لابن عقيل، موفق الدين ظافر (؟) مخطوطة منه نسخة كتبت سنة 1295هـ الأزهر (110) 8271* ومنها «مختصر في مذهب أبي عمرو بن العلاء» لمحمد بن سليمان المقرئ (؟) مخطوط في تشستربتي رقم 4415 (معجم الدراسات القرآنية ص: 547) * ومنها «رسالة في رسم بعض كلمات القرآن تليها رسالة في القراءات والرسم» تأليف باب بن بانبده (؟) مخطوط في الأزهر رقم 97/ 6231ومنها «رسالة في بيان قواعد رسم المصحف العثماني» لمجهول مخطوط في التيمورية رقم 176ضمن مجموع * ومنها «رسالة في الرسم» لمجهول مخطوط في الخزانة التيمورية رقم 226 * ولمجهول آخر في الأزهر رسالة بنفس العنوان برقم 281/ 2288 (معجم الدراسات القرآنية ص: 374) * ومنها «زبدة البيان في رسوم مصاحف عثمان» لمجهول، مخطوط في صوفيا رقم 45* ومنها «رسالة في رسم المصحف» لإبراهيم بن محمد الأندلسي (؟) نسخة كتبت سنة 1097هـ محفوظة في شهيد علي 176/ 1، وفي معهد المخطوطات العربية رقم 37، * ومنها «رسالة في رسم المصحف» لمجهول خط في الأزهر 163مجاميع 4045 (معجم الدراسات القرآنية ص: 375) * ومنها «الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة» لعبد الغني بن يحيى اللبيب (؟) مخطوط في دار الكتب التونسية رقم 3653الأزهر رقم 290/ 22297 ومنه نسخة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي بمكة: 69قراءات (معجم الدراسات القرآنية ص: 373)، * ومنها «ترتيب الحنبلي في رسم الجلي» للحنبلي (؟) كتبت نسخة منه عام 1274في التيمورية رقم 410 (معجم الدراسات القرآنية ص: 370و 620) * ومنها «تحفة الطلاب في صناعة الكتاب» أرجوزة في الرسم ويسمى «إشارة الألحاظ في علم ما يرسم من الألفاظ» خط في الأزهر 281/ 22288 (معجم الدراسات القرآنية 369368) * ومنها «إتحاف الإخوان في ضبط القرآن» لإدريس بن محفوظ الشريف (؟) مخطوط في دار الكتب التونسية رقم 3829 (معجم الدراسات القرآنية ص: 2453) * ومنها «واضحة المبهوم في علم الرسوم» رائية في الرسم لمحمد بن خليل بن عمر القشيري الاربلي (؟) مخطوط في الخزانة التيمورية رقم 447 (معجم الدراسات القرآنية ص: 384) * ومنها «فائدة في رسم المصحف» لمجهول خط بالتيمورية رقم 362 (معجم الدراسات القرآنية ص: 379) * ومنها «رسالة في الرسم على ترتيب سور القرآن العظيم» لإبراهيم الموصلي (؟) مخطوط بالمكتبة القادرية ببغداد رقم 114ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية ص: 497) * ومنها «تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه» لمحمد ظاهر قلي الكردي (؟) طبع في جدة عام 1365هـ / 1945م، وطبع بتحقيق علي محمد الضباع القاهرة مطبعة البابي الحلبي عام 1373هـ / 1953م. (معجم الدراسات القرآنية ص: 356).
(1) العبارة في المخطوطة: (ولا يعدون رسومه، ولا يتجاوزن).(2/10)
يكن ذلك منهم كيف اتفق بل على أمر عندهم قد تحقق، وجب الاعتناء به والوقوف على سببه.
ولما كتب الصحابة المصحف زمن عثمان رضي الله عنه اختلفوا في كتابة {التََّابُوتُ}
(البقرة: 248) فقال زيد (1): «التابوة»، وقال [النّفر] (2) القرشيّون: «التابوت»، وترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوا: «التابوت»، فإنما أنزل القرآن على لسان قريش (3).
قال ابن درستويه (4): «خطّان لا يقاس عليهما خط المصحف وخط تقطيع العروض».
وقال أبو البقاء (5) في كتاب «اللباب»: «ذهب جماعة من أهل اللغة إلى كتابة الكلمة على لفظها إلا في خط المصحف فإنهم اتّبعوا [في] (6) ذلك ما وجدوه في الإمام، والعمل على الأول».
فحصل أن الخط ثلاثة أقسام: خط يتبع به الاقتداء السّلفي، وهو الرسم [المرعي في] (7)
المصحف وخطّ جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه وهو خط العروض، فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل. وخط جرى على العادة المعروفة (8) وهو الذي يتكلم عليه النحوي.
__________
(1) هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(2) ساقط من المخطوطة والنفر القرشيون هم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام كما ذكره البيهقي في السنن 2/ 385.
(3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 385كتاب الصلاة باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة دون غيرهن من اللغات.
(4) هو عبد الله بن جعفر بن درستويه أبو محمد الفارسي تقدم ذكره في 1/ 413، وانظر قوله في «كتاب الكتّاب» ص 16ونصه: (ووجدنا كتاب الله عز وجل لا يقاس هجاؤه ولا يخالف خطه ولكنه يتلقى بالقبول على ما أودع المصحف، ورأيت العروض إنما هو إحصاء ما لفظ به من ساكن ومتحرك وليس يلحقه غلط ولا فيه اختلاف بين أحد، فلم نعرض لذكرهما في كتابنا هذا).
(5) هو عبد الله بن الحسين العكبري تقدم ذكره في 1/ 159، وكتابه: «اللباب في علل البناء والإعراب» حققه خليل بنيات الحسون وطبع في بغداد وزارة الأوقاف لجنة إحياء التراث الإسلامي (نشرة أخبار التراث العربي 20/ 30) وللعكبري أيضا: «لباب الكتاب» ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات 17/ 141.
(6) ساقط من المخطوطة.
(7) ساقط من المخطوطة، وعبارة المطبوعة: (وهو رسم المصحف).
(8) في المخطوطة (على العادة والمعرفة).(2/11)
واعلم أن للشيء في الوجود أربع مراتب: (الأولى) حقيقته في نفسه. (والثانية) مثاله في الذهن وهذان لا يختلفان باختلاف الأمم. (والثالثة) اللفظ الدّال على المثال الذهنيّ والخارجي. (والرابعة) الكتابة الدالة على اللفظ وهذان قد يختلفان باختلاف الأمم، كاختلاف اللغة العربية والفارسية، والخط العربي والهنديّ ولهذا صنف الناس في الخط والهجاء إذ لا يجري على حقيقة اللفظ من كل وجه.
وقال الفارسيّ (1): «لما عمل أبو بكر بن السرّاج (2) كتاب «الخط [والهجاء]» (3) قال لي:
اكتب كتابنا هذا، قلت [له] (4): نعم إلا أني آخذ بآخر حرف منه، قال: وما هو؟ قلت: قوله:
ومن عرف صواب اللفظ عرف صواب الخط».
قال أبو الحسين بن فارس (5) في كتاب «فقه اللغة»: «يروى أن أول من كتب الكتاب العربيّ والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كلّ قوم كتابا فكتبوه، فأصاب إسماعيل الكتاب العربيّ وكان ابن عباس يقول: أول من وضع الكتاب العربيّ إسماعيل عليه السلام (6). قال: والروايات في
__________
(1) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم ذكره في 1/ 375.
(2) هو محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السرّاج النحوي، كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، صحب أبا العباس المبرّد وأخذ عنه العلم، روى عنه أبو القاسم الزجاجي وأبو سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرّماني، وله تصانيف هامة منها: «الأصول» و «الموجز» ت 316هـ (القفطي، إنباه الرواة 3/ 145).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، ولعل الصواب في اسمه الخط أو الهجاء، بزيادة همزة قبل الواو، والكتاب مخطوط بالخزانة العامة في الرباط، بالمغرب ضمن مجموعة تحت رقم (100ق) وقد طبع في مجلة المورد انظر مقدمة كتاب الأصول في النحو لابن السراج صفحة 18، وسماه: كتاب الهجاء أو الخط.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة من المطبوعة.
(5) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم ذكره في 1/ 191، وكتابه: «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها» طبع في القاهرة بالمكتبة السلفية بتحقيق محب الدين الخطيب سنة 1328هـ / 1910م، وفي القاهرة سنة 1348هـ / 1929م، وفي بيروت بتحقيق مصطفى الشويحي مؤسسة بدران للطباعة والنشر سنة 1383هـ / 1964م، وفي القاهرة مطبعة عيسى البابي الحلبي بتحقيق سيد صقر سنة 1398هـ / 1977م (عبد الجبار، ذخائر التراث العربي 1/ 200199).
(6) الروايتان ذكرهما السيوطي في الإتقان 4/ 145النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته، وعزاهما لابن أشتة بسنده الأولى عن كعب الأحبار، والثانية عن ابن عباس رضي الله عنهما.(2/12)
هذا الباب كثيرة ومختلفة. والذي نقوله: إن الخطّ توقيفيّ لقوله [تعالى]: {[عَلَّمَ]} [1]
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 4و 5) وقال تعالى: {[ن]} [1] وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ (القلم: 1) وليس ببعيد أن يوقف آدم وغيره من الأنبياء عليهم السلام على الكتاب.
وزعم قوم أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها، وأنهم لم يعرفوها نحوا ولا إعرابا ولا رفعا ولا نصبا ولا همزا. ومذهبنا (3): أن أسماء هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علّم الله تعالى آدم عليه السلام قال وما اشتهر أن أبا الأسود أول من وضع العربية وأن الخليل أول من وضع العروض فلا ننكره، وإنما نقول: إن هذين العلمين كانا قديمين، وأتت عليهما الأيام، وقلّا في أيدي الناس، ثم جدّدهما هذان الإمامان. ومن الدليل على عرفان القدماء ذلك كتابتهم المصحف على الذي يعلّله النحويون في ذوات الواو والياء، والهمز والمد والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالألف (4)، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا، نحو {الْخَبْءَ} (النمل: 25) وال {دِفْءٌ} (النحل: 5) و (الملء) (البقرة: 246) فصار ذلك حجة (5)، وحتى كره بعض العلماء ترك اتباع المصحف».
وأسند إلى الفراء (6) قال: «اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القراء (7) أحبّ إليّ من خلافه».
وقال أشهب (8): «سئل مالك رحمه الله: هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المطبوعة زيادة وضعها المحقق من كتاب الصاحبي في فقه اللغة، تكون بها العبارة (ومذهبنا فيه التوقيف فنقول: إن أسماء)
(4) عبارة المطبوعة: (وذوات الواو بالواو)، وما أثبتناه من المخطوطة.
(5) عبارة الصاحبي: (فصار ذلك كله حجة).
(6) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء تقدم ذكره في 1/ 159.
(7) تصحف اللفظ في المطبوعة إلى (الفراء) بالفاء، وفي المخطوطة إلى (القرآن) والصواب ما أثبتناه.
(8) هو أشهب بن عبد العزيز بن داود، أبو عمرو الفقيه المصري روى عن مالك والليث وابن عيينة، وغيرهم وروى عنه الحارث بن مسكين ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم، كان فقيها حسن الرأي والنظر. قال ابن حبان في «الثقات»: كان فقيها على مذهب مالك ذابا عنه. توفي سنة 204 (ابن حجر، تهذيب التهذيب 1/ 360).(2/13)
الهجاء؟ فقال: لا إلا على الكتبة الأولى» [57/ أ] رواه [أبو] (1) عمرو [الداني] (1) في «المقنع» (3) ثم قال: ولا مخالف [له] (1) من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: «سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف: أترى أن تغيّر من المصحف إذا وجدا فيه كذلك؟ فقال: لا». قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم لمعنى، المعدومتين، في اللفظ نحو (5) {أُولُوا الْأَلْبََابِ} (البقرة: 269) {وَأُولََاتُ} (الطلاق: 4) و: الربوا (البقرة: 275)، ونحوه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: «تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك».
قلت: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم حيّ غضّ، وأما الآن فقد يخشى الإلباس ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: «لا تجوز كتابة المصحف إلّا (6) على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير [من] (7) الجهّال. ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدّي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة».
وقد قال البيهقي في «شعب الإيمان»: «من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على [حروف] (7) الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغيّر مما كتبوه شيئا فإنهم أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منّا فلا [ينبغي أ] (7) ن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم». وروى بسنده عن زيد (10) قال: «القراءة سنّة». قال سليمان بن داود
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) هو عثمان بن سعيد الداني سبق التعريف به في 1/ 149، وكتابه «المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار» مطبوع وقد سبق التعريف به في 2/ 6، والأثر المروي عن مالك أخرجه الداني في المقنع ص 109باب ذكر من جمع القرآن
(5) كذا في المخطوطة وفي عبارة المطبوعة زيادة من كتاب المقنع ص 28: (نحو الواو في: أولوا)
(6) تصحفت في المطبوعة إلى: (الآن).
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه.(2/14)
الهاشميّ (1): «يعني ألّا تخالف الناس برأيك في الاتباع». قال: وبمعناه بلغني عن أبي عبيد (2)
في تفسير ذلك: «وترى القراء لم يلتفتوا إلى مذهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف، واتباع حروف المصاحف عندهم كالسّنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعدّاها».
مسألة
هل يجوز كتابة القرآن بقلم غير العربي؟ هذا مما لم أر للعلماء فيه كلاما. ويحتمل الجواز لأنه قد يحسّنه من يقرأه بالعربية، والأقرب المنع، كما تحرم قراءته بغير لسان العرب، ولقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربيّ [وقد] (3) قال تعالى: {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 195).
* * * واعلم أن الخطّ جرى على وجوه: منها ما زيد فيه (4) على اللفظ ومنها ما نقص، ومنها ما كتب على لفظه، وذلك لحكم خفية، وأسرار بهيّة، تصدّى لها أبو العباس المراكشيّ الشهير بابن البناء (5) في كتابه: «عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل» (6)، وبين أنّ هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها.
__________
(1) هو سليمان بن داود بن داود بن علي الهاشمي، أبو أيوب محدّث، روى عن ابن عيينة ومحمد بن إدريس الشافعي وغيرهم، وروى عنه البخاري والأربعة وأحمد بن حنبل وغيرهم، قال الشافعي: «ما رأيت أعقل من رجلين: أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي» وقال العجلي وابن سعد وأبو حاتم وغيرهم: ثقة. توفي سنة 219. (الخطيب تاريخ بغداد 9/ 3231).
(2) هو القاسم بن سلام تقدم ذكره في 1/ 119.
(3) ساقط من المطبوعة.
(4) في المطبوعة (فيها ما زيد عليه على اللفظ).
(5) هو أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي أبو العباس ابن البناء المراكشي، كان فاضلا عاقلا نبيها، انتفع به جماعة في التعليم أخذ عن قاضي الجماعة أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى المراكشي. وله تصانيف منها:
«التلخيص في الحساب» توفي سنة 721 (ابن حجر، الدرر الكامنة 1/ 278).
(6) ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 145النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته، وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1174.(2/15)
ومنها التنبيه على العوالم الغائب والشاهد، ومراتب الوجود، والمقامات، والخط إنما يرتسم على الأمر الحقيقي لا [على] (1) الوهميّ.
الأول: ما زيد فيه
والزائد أقسام:
* الأول الألف وهي إما أن تزاد من أوّل الكلمة أو من آخرها، أو من وسطها.
(فالأول): تكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود، مثل {[أَوْ]} [1] لَأَذْبَحَنَّهُ
(النمل: 21) و {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ} (التوبة: 47) زيدت الألف تنبيها على أن المؤخّر أشدّ في الوجود من المقدّم عليه لفظا فالذبح أشدّ من العذاب (3)، والإيضاع أشدّ إفسادا من زيادة الخبال (4). واختلفت المصاحف في حرفين: {لَإِلَى الْجَحِيمِ} (الصافات: 68) و {لَإِلَى اللََّهِ تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158) فمن رأى أنّ مرجعهم إلى الجحيم أشدّ من أكل الزقوم وشرب الحميم (5)، وأن حشرهم إلى الله أشدّ عليهم من موتهم أو قتلهم (6) في الدنيا أثبت الألف. ومن لم ير ذلك لأنه غيب عنّا، فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته، وهو أولى.
وكذلك: {لََا تَيْأَسُوا [مِنْ رَوْحِ اللََّهِ]} [7] إِنَّهُ لََا يَيْأَسُ (يوسف: 87)، {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}
(الرعد: 31) لأن الصبر وانتظار (8) الفرج أخفّ من الإياس، والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار.
والثاني (9) يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة يحصل في الوجود لزيادتها بعد الواو في الأفعال، نحو «يرجوا»، و «يدعوا»، وذلك لأنّ الفعل أثقل من الاسم لأنّه يستلزم فاعلا، فهو
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة، وانظر المقنع ص 45عن زيادة الهمزة أول الكلمة.
(3) إشارة إلى قوله تعالى {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذََاباً شَدِيداً أَوْ} [سورة النمل الآية: 21]
(4) إشارة إلى قوله تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مََا زََادُوكُمْ إِلََّا خَبََالًا} [سورة التوبة الآية 47]
(5) إشارة إلى قوله تعالى {أَذََلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهََا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات الآيات 6762]
(6) إشارة إلى قوله تعالى {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} [سورة آل عمران الآية 158].
(7) سقطت من المخطوطة.
(8) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (لان الضمير واختيار الفرج).
(9) من أقسام الألف أي زيادتها آخر الكلمة وانظر المقنع ص 27فصل حذف الألف بعد واو الجمع، ومعه إثباتها بعد الواو وعلامة الرفع.(2/16)
جملة، والاسم مفرد لا يستلزم غيره، فالفعل أزيد من الاسم في الوجود، والواو أثقل حروف المد واللّين، والضمّة أثقل الحركات، والمتحرّك أثقل من الساكن، فزيدت الألف تنبيها على ثقل الجملة، وإذا زيدت مع الواو التي هي لام الفعل، فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى، لأنّ الكلمة جملة، مثل «قالوا»، و «عصوا»، إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الرفع [57/ ب]، فتختص الواو بالنون، التي (1) [هي من جهة تمام الفعل إذ هي إعرابه فيصير ككلمة واحدة وسطها واو كالعيون والسكون، فإن دخل ناصب أو جازم مثل: {فَإِنْ]} [1]
لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (البقرة: 24) ثبتت الألف.
وقد تسقط في مواضع للتنبيه على اضمحلال الفعل، نحو: {سَعَوْا فِي آيََاتِنََا مُعََاجِزِينَ}
(سبأ: 5) فإنه سعي في الباطل لا يصحّ له ثبوت في الوجود.
وكذلك: {جََاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف: 116)، و {جََاؤُ ظُلْماً وَزُوراً} (الفرقان:
4)، {وَجََاؤُ أَبََاهُمْ} (يوسف: 16)، {وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ} (يوسف: 18)، فإن هذا المجيء ليس على وجهه الصحيح.
وكذلك {فَإِنْ فََاؤُ} (البقرة: 226)، وهو فيء بالقلب والاعتقاد.
وكذا {تَبَوَّؤُا الدََّارَ وَالْإِيمََانَ} (الحشر: 9) اختاروها سكنا، لكن لا على الجهة المحسوسة لأنه سوّى بينهما، وإنما اختاروها سكنا لمرضاة الله بدليل وصفهم بالإيثار مع الخصاصة فهذا دليل زهدهم في محسوسات الدنيا، وكذلك {فََاؤُ} لأنه رجوع معنويّ.
وكذلك: {عَسَى اللََّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} (النساء: 99)، حذفت ألفه لأن كيفية هذا الفعل لا تدرك، إذ هو ترك المؤاخذة إنما هو أمر عقلي.
وكذلك {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} (الفرقان: 21)، هذا عتوّ على [الله] (3)، لذلك وصفه بالكبر فهو باطل في الوجود.
وكذلك سقطت من: {وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 3)، ولم تسقط من: {وَإِذََا مََا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى: 37)، لأن «غضبوا» جملة بعدها أخرى، والضمير مؤكد للفاعل في الجملة الأولى، و {كََالُوهُمْ} جملة واحدة، الضمير جزء منها.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.(2/17)
وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في حرفين: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ [بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ]} [1]
(المائدة: 29) و {مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ} (القصص: 76) تنبيها على تفصيل المعنى فإنه يبوء بإثمين من فعل واحد وتنوء المفاتح بالعصبة، فهو نوءان للمفاتح، لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم، وفيه تذكير بالمناسبة يتوجّه به من مفاتح كنوز (2) [مال الدنيا المحسوس، إلى مفاتح كنوز] (2)
العلم الذي ينوء بالعصبة أولي القوة في يقينهم، إلى ما عند الله في الدار الآخرة.
وكذلك زيدت بعد الهمزة من قوله: {كَأَمْثََالِ اللُّؤْلُؤِ} (الواقعة: 23) تنبيها على معنى البياض والصفاء بالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الإفراد، يدلّ عليه قوله:
{كَأَمْثََالِ}، وهو على خلاف حال: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ} (الطور: 24) فلم يزد الألف للإجمال (4)
وخفاء التفصيل.
وقال أبو عمرو (5): «كتبوا ال {لُؤْلُؤاً} في الحج (الآية: 23) والملائكة (فاطر: 33) بالألف، واختلف في زيادتها، فقال أبو عمرو (6): كما زادوها في {كََانُوا}، وقال الكسائيّ:
لمكان الهمزة» (7). وعن محمد بن عيسى الأصبهاني (8): «كلّ ما في القرآن من «لؤلؤ» فبغير الألف في مصاحف البصريين إلا في موضعين: في الحج (الآية: 23)، والإنسان (الآية:
19) وقال عاصم الجحدريّ (9): «كلّها في مصحف عثمان بالألف إلا الّتي في الملائكة» (10).
والثالث (11): تكون لمعنى في نفس الكلمة ظاهر، مثل: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}
(الفجر: 23)، زيدت الألف دليلا على أنّ هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن
__________
(1) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (للإجماع).
(5) هو عثمان بن سعيد الداني تقدم ذكره في 1/ 149.
(6) هو أبو عمرو بن العلاء تقدم ذكره في 1/ 150.
(7) المقنع ص 40باب ذكر ما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى.
(8) هو محمد بن عيسى بن رزين التّيمي الأصبهاني، أحد القراء الحذّاق. قرأ القرآن على نصير، وخلّاد، صاحبي الكسائي وأخذ عنه الفضل بن شاذان وجماعة ومن تصانيفه «الجامع في القراءات» وكتابا في العدد، وفي الرسم، قال أبو حاتم: «صدوق» توفي سنة 253. (الذهبي، معرفة القراء الكبار 1/ 223).
(9) هو عاصم بن أبي الصباح الجحدري تقدم ذكره في 1/ 347.
(10) نقل قول الأصبهاني والجحدري، الداني في كتابه المقنع ص 41، وسورة الملائكة هي فاطر كما تقدم قريبا.
(11) في المخطوطة (الثاني) والصواب ما في المطبوعة (الثالث) وهو من أقسام الألف وزيادتها وسط الكلمة.(2/18)
معهود المجيء، وقد عبّر عنه بالماضي، ولا يتصوّر إلا بعلامة من غيره ليس مثله، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء ويدلّ عليه قوله تعالى في موضع آخر: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} (الشعراء: 91)، وقوله: {إِذََا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكََانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهََا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}
(الفرقان: 12) هذا بخلاف حال: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدََاءِ} (الزمر: 69) حيث لم تكتب الألف لأنه على المعروف في الدنيا، ومن تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبت الألف فيه أيضا.
وكذلك: {[وَ]} [1] لََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً (الكهف: 23)، الشيء هنا معدوم، وإنما علمناه من تصوّر مثله الذي [قد] (1) وقع في الوجود فنقل له الاسم [فيه] (1)، من حيث إنه يقدّر أنه يكون مثله في الوجود، فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود، إذ هو موجود في الأذهان، معدوم في الأعيان.
وهذا بخلاف قوله في النحل: {إِنَّمََا قَوْلُنََا لِشَيْءٍ إِذََا أَرَدْنََاهُ} (النحل: 40)، فإن الشيء [هنا] (4) من جهة قول الله، لا يعلم كيف ذلك، بل نؤمن به تسليما لله سبحانه فيه، فإنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها، ونحن نعلمها بوجودها لا بعلمنا فلا تشبيه ولا تعطيل.
وكذلك: {إِلى ََ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ} (هود: 97)، زيدت الألف بين اللام والهمزة، تنبيها على تفصيل مهمّ ظاهر الوجود.
ومثله زيادتها في {مِائَةَ} (البقرة: 259)، لأنه اسم يشتمل على كثرة مفصّلة بمرتبتين:
آحاد وعشرات.
قال أبو عمرو في «المقنع»: «لا خلاف في رسم ألف الوصل الناقصة من اللفظ [58/ أ] في الدّرج، نحو: {عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (البقرة: 87) {الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (المائدة: 17) وهو نعت، كما أثبتوها في الخبر نحو: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} (التوبة: 30)، و {الْمَسِيحُ ابْنُ اللََّهِ}
(التوبة: 30)، ولم تحذف إلا في خمسة مواضع (5).
قال: «ولا خلاف في زيادة الألف بعد الميم في {مِائَةَ} (البقرة: 259)، و {مِائَتَيْنِ}
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) المقنع للداني ص 29ذكر حذف ألف الوصل.(2/19)
1/ 386 (الأنفال: 65)، حيث وقعا ولم تزد في [«فئة» (البقرة: 249) ولا] (1) «فئتين» (آل عمران:
13) وزيدت في نحو: [تفتؤا] (2) (يوسف: 85) {تَبُوءَ بِإِثْمِي} (المائدة: 29) و {لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (القصص: 76) ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في هذين الموضعين (3). [ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في قوله:] (4) {مَوْئِلًا} في الكهف (الآية: 58)، لا غير (5).
* الزائد الثاني الواو (6)، زيدت للدلالة على ظهور معنى الكلمة في الوجود، في أعظم رتبة في العيان، مثل: {سَأُرِيكُمْ دََارَ الْفََاسِقِينَ} (الأعراف: 145)، {سَأُرِيكُمْ آيََاتِي}
(الأنبياء: 37) ويدل على ذلك أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد.
وكذلك {أُولِي} (البقرة: 179) و {أُولُوا} (البقرة: 269) [و {أُولََاتُ}] (7) (الطلاق:
4)، زيدت الواوات بعد الهمزة حيث وقعت لقوة المعنى على «أصحاب»، فإنّ في {أُولِي}
معنى الصحبة وزيادة التمليك (8) والولاية عليه، وكذلك زيدت في {أُولََئِكَ} (البقرة: 5) و (أولائكم) (النساء: 91) حيث وقعا بالواو، لأنه جمع مبهم يظهر فيه معنى الكثرة الحاضرة في الوجود، وليس للفرق بينه وبين {أُولََئِكَ} كما قاله قوم لانتقاضه «بأولا» (9).
* الزائد الثالث الياء، زيدت [علامة] (10) لاختصاص ملكوتي باطن وذلك في.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(3) عبارة المخطوطة: (إلا في هذه الكلمة).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ولكن المعنى لا يستقيم بدونها لذلك أثبتناها من المقنع للداني ص 43.
(5) ذكره الداني في المقنع ص 4342فصل زيادة الألف بعد الميم، وفصل رسم الألف بعد الواو.
(6) هذه تتمة التقسيم الأول لزيادات الأحرف في 2/ 16، فالقسم الأول: زيادة الألف، وهذا الثاني: زيادة الواو، وبعده الثالث: زيادة الياء وقد ذكر الداني في كتابه المقنع ص 53باب ذكر ما زيدت الواو في رسمه
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وفي هذا الموضع من المخطوط تكرار للعبارة الأولى فقد جاء في المخطوط (وكذلك {أُولِي} و {أُولُوا} زيدت للدلالة على ظهور معنى الكلمة زيدت الواو).
(8) في المخطوطة (التأكيد) بدل (التمليك).
(9) رسمت في المخطوطة (بأولى) بالألف المقصورة والصواب ما أثبتناه.
(10) ساقط من المطبوعة.(2/20)
تسعة (1) مواضع كما قاله في «المقنع»: أفإين مات أو قتل (آل عمران: 144) من نبإى المرسلين (الأنعام: 34) من تلقائ نفسي (يونس: 15) وإيتاي ذي القربى (النحل:
90) ومن آناء اللّيل (طه: 130) أفإين متّ (الأنبياء: 34) [أو] (2) من ورآى حجاب (الشورى: 51) والسّماء بنيناها بأييد (الذاريات: 47) وبأييكم المفتون (3)
(القلم: 6).
قال أبو العباس المراكشيّ (4): إنما كتبت بأييد (الذاريات: 47) بياءين فرقا بين {الْأَيْدِ} (ص: 17) الّذي هو القوة، وبين «الأيدي» جمع «يد»، ولا شكّ أن القوة التي بنى الله بها السماء هي أحقّ بالثبوت في الوجود من الأيدي، فزيدت الياء لاختصاص اللفظة بمعنى أظهر في إدراك الملكوتيّ في الوجود.
وكذلك زيدت بعد الهمزة في حرفين: أفإين مات (آل عمران: 144)، أفإين متّ (الأنبياء: 34) وذلك لأنّ موته مقطوع به، والشرط لا يكون مقطوعا به (5)، ولا ما رتّب على الشرط (6) هو جواب له، لأن موته لا يلزم منه خلود غيره ولا رجوعه عن الحق، فتقديره:
«أهم الخالدون إن متّ»؟! فاللّفظ للاستفهام والربط، والمعنى للإنكار والنفي، فزيدت الياء لخصوص هذا المعنى الظاهر للفهم، الباطن في اللفظ [المركب] (7).
وكذلك زيدت بعد الهمزة في آخر الكلمة في حرف واحد، في الأنعام: من نبإى المرسلين (الآية: 34) تنبيها على أنها أنباء باعتبار أخبار، وهي ملكوتية ظاهرة.
وكذلك بأيّيكم المفتون (القلم: 6) كتبت بياءين، تخصيصا لهم بالصّفة لحصول ذلك وتحقّقه في الوجود فإنهم هم المفتونون دونه، فانفصل حرف «أيّ» بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعا، لكنه باطن فهو ملكوتيّ، وإنما جاء اللفظ بالإبهام على أسلوب
__________
(1) تصحّفت في المخطوطة إلى (سبعة) والتصويب من المقنع للداني ص 47باب ذكر ما رسم بإثبات الياء.
(2) ساقط من المطبوعة.
(3) ذكره الداني في المقنع ص 47باب ذكر ما رسم بإثبات الياء.
(4) هو أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي تقدم ذكره في 2/ 15.
(5) في المخطوطة: (في المقطوع به).
(6) في المخطوطة: (ولا ما رتّب عليه الشرط).
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.(2/21)
المجاملة في الكلام، والإمهال لهم ليقع التدبّر والتذاكر (1)، كما جاء: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (سبأ: 24)، ومعلوم أنّا على هدى، وهم على ضلال.
الوجه الثاني ما نقص عن اللّفظ
ويأتي فيه أيضا الأقسام السابقة:
* الأول الألف: كلّ ألف تكون في كلمة لمعنى له تفصيل في الوجود له اعتباران:
اعتبار من جهة ملكوتية، أو صفات حالية، أو أمور علوية مما لا يدركه الحسّ فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك، واعتبار من جهة ملكية حقيقية في العلم (2)، أو أمور سفلية فإن الألف تثبت.
واعتبر ذلك في لفظتي «القرآن» و «الكتاب» فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب، فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل قال الله تعالى في هود:
{الر كِتََابٌ أُحْكِمَتْ آيََاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (الآية: 1) وقال في فصلت: {كِتََابٌ فُصِّلَتْ آيََاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الآية: 3) وقال: {إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (القيامة:
17). ولذلك ثبت في الخط ألف «القرآن» وحذفت ألف «الكتاب».
وقد حذفت ألف «القرآن» في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الاعتبار قال تعالى في سورة [58/ ب] يوسف: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (الآية: 2)، وفي الزخرف: {إِنََّا جَعَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (الآية: 3)، والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله (3). وقال بعد ذلك في كل واحدة منهما: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، فقرينته هي من جهة المعقولية. وقال في الزخرف: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ لَدَيْنََا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الآية: 4).
وكذلك كل ما في القرآن من «الكتاب» و «كتاب» فبغير ألف (4) إلا في أربعة مواضع (5)
وهي مقيدة (6) بأوصاف خصّصته من الكتاب الكلي: في الرعد: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} (الآية:)
__________
(1) في المطبوعة (والتذكار).
(2) في المخطوطة (في العمل).
(3) أي في سورة يوسف الآية الأولى {تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ الْمُبِينِ}، وفي الزخرف الآية الثانية {وَالْكِتََابِ الْمُبِينِ}.
(4) عبارة المخطوطة: (من «الكتاب» كتب بغير ألف).
(5) في المخطوطة (أحرف)، وانظر المقنع ص 20فصل ما حذفت منه الألف اختصارا.
(6) تصحفت في المطبوعة إلى (الرعد) والتصويب من المخطوطة.(2/22)
(38)، فإن هذا «كتاب» الآجال فهو أخصّ من الكتاب المطلق، أو المضاف إلى الله. وفي الحجر: {وَمََا أَهْلَكْنََا مِنْ قَرْيَةٍ إِلََّا وَلَهََا كِتََابٌ مَعْلُومٌ} (الآية: 4)، فإن هذا «كتاب» إهلاك القرى، وهو أخصّ من كتاب الآجال. وفي الكهف: {وَاتْلُ مََا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتََابِ [رَبِّكَ]} [1] (الآية: 27)، فإن هذا أخصّ من «الكتاب» الذي في قوله: {اتْلُ مََا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتََابِ} (العنكبوت: 45)، لأنه أطلق هذا، وقيد ذلك بالإضافة إلى الاسم المضاف إلى معنى في الوجود، والأخصّ أظهر تنزيلا. وفي النمل: {تِلْكَ آيََاتُ الْقُرْآنِ وَكِتََابٍ مُبِينٍ}
(الآية: 1) هذا «الكتاب» جاء تابعا [للقرآن، والقرآن جاء تابعا] (2) للكتاب كما جاء في الحجر: {تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (الآية: 1)، فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي، فهو تفصيل للكتاب الكلي بجوامع كليته.
ومن ذلك حذف الألف في: {بِسْمِ اللََّهِ} (3) تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده، وأنّ عنه انقضت الأسماء فهو بكليها (4) يدل عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلّها، أوّلها، ولهذا لم يتسمّ به غير الله، بخلاف غيره من أسمائه، فلهذا ظهرت الألف معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود، وحذفت الألف التي قبل الهاء من اسم الله، وأظهرت التي مع اللام من أوّله، دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان، الباطن من جهة الإدراك والعيان.
وكذلك حذفت الألف قبل النون من اسمه: «الرحمن» حيث وقع، بيانا لأنّا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود، فلا يفرق في علمنا بين الوصف والصفة، وإنما الفرقان في (5)
التسمية، والاسم، لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسمية، بل نؤمن بها إيمانا مفوّضا في علم حقيقته إليه.
قلت: وعلماء الظاهر يقولون: للاختصار وكثرة الاستعمال، وهو من خصائص الجلالة
__________
(1) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة زيادة (الرحمن الرحيم) ولم نثبتها لإبراز المقصود، وهو اسم الجلالة (الله).
(4) كذا في المطبوعة وفي المخطوطة (فهي كلية).
(5) كذا في المطبوعة وفي المخطوطة (بين التسمية).(2/23)
الشريفة، فإن همزة الوصل الناقصة [من] (1) اللفظ في الدّرج تثبت خطأ إلا في البسملة، وفي قوله في هود: {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا [وَمُرْسََاهََا]} [2] (الآية: 41)، ولا تحذف إلا بشرطين:
أن تضاف إلى اسم الله ولهذا أثبتت في {بِاسْمِ رَبِّكَ} (العلق: 1) وأن تكون قبله الباء، ولم يشترط الكسائي الثاني، فجوّز حذفها كما تحذف (3) في «بسم الملك»، والجمهور على الأول.
وكذلك حذف الألف في كثير من أسماء الفاعلين مثل: {قََادِرٌ} (الأنعام: 37) و {عََالِمُ}
(الأنعام: 73)، وذلك أن هذه الألف في وسط الكلمة.
وكذلك الألف الزائدة في الجموع السالمة (4) والمكسّرة، مثل {الْقََانِتِينَ} (آل عمران:
17)، والأبرر (5) (آل عمران: 193) والجلل (الرحمن: 27)، و / الأكرم (الرحمن:
27)، وو اختلف (البقرة: 164)، و {اسْتِكْبََاراً} (5) (فاطر: 43)، فإنها كلها وردت لمعنى مفصّل يشتمل عليه معنى تلك اللفظة، فتحذف حيث يبطن التفصيل، وتثبت حيث يظهر.
وكذلك ألف الأسماء الأعجمية ك: {إِبْرََاهِيمَ} (البقرة: 124) لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في لسان (7) العربي لأن العجميّ بالنسبة إلى العربي باطن خفيّ لا ظهور له، فحذفت ألفه. قال أبو عمرو (8): «اتّفقوا على حذف الألف من الأعلام الأعجمية ك: {إِبْرََاهِيمَ}
(البقرة: 124) و {إِسْمََاعِيلَ} (البقرة: 125)، و {إِسْحََاقَ} (البقرة: 133) و {هََارُونَ}
(البقرة: 248) ولقمن (لقمان: 12)، وأما حذفها من {سُلَيْمََانَ} (البقرة: 102) وصلح (الأعراف: 77) وملك (الزخرف: 77) وليست بأعجمية فلكثرة الاستعمال، فأما ما لم يكثر استعماله من الأعجمية فبالألف، ك: {طََالُوتَ} (البقرة: 247) و {بِجََالُوتَ}
(البقرة: 249) و {يَأْجُوجَ} (الكهف: 94) و {مَأْجُوجَ} (الكهف: 94).
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(3) في المخطوطة (فلا يجوز) والصواب ما في المطبوعة (كما تحذف).
(4) في المخطوطة بدل السالمة (التامة).
(5) يلاحظ أن الكلمة وردت في جميع مواضعها في القرآن الكريم بالرسم العثماني بإثبات الألف.
(7) في المخطوطة بدل لسان (اللغات).
(8) هو عثمان بن سعيد الداني تقدم في 1/ 149، وانظر قوله في المقنع: 2221.(2/24)
واختلفت المصاحف في أربعة: {هََارُوتَ} (البقرة: 102) و {مََارُوتَ} (البقرة:
102) و {هََامََانَ} (القصص: 6) وقرون (1) (القصص: 76) [فأما داود (البقرة:
251) (2) فلا خلاف في رسمه بالألف، لأنهم قد حذفوا منه واوا فلم يجحفوا بحذف ألف أخرى، ومثله {إِسْرََائِيلَ} (البقرة: 40) ترسم بالألف [59/ أ] لأنه حذف منه الياء.
وكذلك اتفقوا على حذف الألف في [جمع] (2) السلامة، مذكرا كان ك: {الْعََالَمِينَ}
(الفاتحة: 2) و {الصََّابِرِينَ} (البقرة: 153) والصدقين (آل عمران: 17) أو مؤنثا ك:
المسلمت (الأحزاب: 35) والمؤمنات (النساء: 25) و {الطَّيِّبََاتُ} (المائدة: 4) و {الْخَبِيثََاتُ} (النور: 26) فإن جاء بعد الألف همزة أو حرف مضعّف ثبتت الألف، نحو:
{السََّائِلِينَ} (البقرة: 177) و {الصََّائِمِينَ} (الأحزاب: 35) و {الظََّانِّينَ} (الفتح: 6) و {الضََّالِّينَ} (الفاتحة: 7) و {حَافِّينَ} (الزمر: 75) ونحوه» (4).
قال أبو العباس (5): وقد تكون الصفة ملكوتية روحانية، وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية، هي أظهر في الاسم، فتثبت الألف كال {أَوََّابٌ} (ص: 17) و {الْخِطََابِ}
(ص: 20) وال {عَذََابٌ} (البقرة: 7) و {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعََالِينَ} (ص: 75) و {الْوَسْوََاسِ الْخَنََّاسِ} (النّاس: 4).
وقد تكون ملكية [جثمانية] (6)، وتعتبر من جهة [مرتبة] (6) عليا ملكوتية هي أظهر في الاسم فتحذف الألف ك: المحرب (آل عمران: 37) ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك، فيحتاج إلى تدبّر وفهم.
ومنه ما يكون ظاهر الفرقان، ك {الْأَخْيََارِ} (ص: 47) و {الْأَشْرََارِ} (ص: 62) تحذف من الأول دون الثاني.
ومنه ما يخفى: {كَالْفَرََاشِ} (القارعة: 4) و {يُطْعِمُونَ الطَّعََامَ} (الإنسان: 8)
__________
(1) في المقنع ص 21عقب اسم قارون (ففي بعضها بالألف وفي بعضها بغير ألف، والأكثر على إثبات الألف).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ذكره الداني في المقنع ص 2221فصل حذف الألف من الأسماء الأعجمية، وفصل حذف الألف من الجمع السالم
(5) هو أحمد بن محمد بن عثمان المراكشي الشهير بابن البناء تقدم في 2/ 15.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.(2/25)
فالفراش محسوس (1) والطعام ثابت، ووزنهما واحد وهما جسمان، لكن يعتبر في الأول مكان التشبيه، فإنّ التشبيه محسوس، وصفة التشبيه غير محسوس، فالمشبه به غير محسوس في حالة الشبه، إذا جعل جزءا من صفة المشبّه به من حيث هو مستفرش مبثوث، لا من حيث هو جسم وأما الطعام فهو المحسوس المعطى للمحتاجين.
وكذلك: وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعمكم حلّ لهم (المائدة: 5) ثبتت الألف في الأول لأنه سفليّ بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه، وحذفت من الثاني لأنه علويّ بالنسبة إلى طعامهم، لعلوّ ملّتنا على ملّتهم (2).
وكذلك: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} (المائدة: 75)، فحذفت لعلوّ هذا الطعام.
وكذلك: {غَلَّقَتِ الْأَبْوََابَ} (يوسف: 23) «غلّقت» فيه التكثير في العمل، فيدخل به أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الاعتصام فحذفت الألف لذلك، ويدل عليه: {وَاسْتَبَقَا الْبََابَ} {وَأَلْفَيََا سَيِّدَهََا لَدَى الْبََابِ} (يوسف: 25)، فأفرد «الباب» المحسوس من أبواب الاعتصام.
وكذلك: {وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} (الزمر: 73) محذوف [لأنها] (3) من حيث فتحت ملكوتية علوية، و: مفتّحة لهم الأبواب (ص: 50) ملكية من حيث هي لهم، فثبتت الألف، و {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوََابَ جَهَنَّمَ} (الزمر: 72) ثابتة لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية. وكذلك:
{[لَهََا]} [4] سَبْعَةُ أَبْوََابٍ (الحجر: 44) من حيث حصرها العدد في الوجود، ملكية فثبتت الألف.
وكذلك: {الْجَرََادَ} (الأعراف: 133) و {الضَّفََادِعَ} (الأعراف: 133)، الأول ثابت، فهو الذي في الواحدة المحسوسة، والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة، والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية.
وكذلك: أن نبدّل أمثلكم (الواقعة: 61) حذفت لأنها أمثال كلية لم يتعين فيها للفهم
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (محذوف).
(2) العبارة في المخطوطة: (لعلوّ مثلنا على مثلهم).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.(2/26)
جهة التماثل و {كَأَمْثََالِ اللُّؤْلُؤِ} (الواقعة: 23) ثابت الألف [لأنه] (1) تعيّن للفهم [جهة التماثل] (1) وهو البياض والصفاء. كذلك يضرب الله للنّاس أمثلهم (محمّد: 3) حذفت للعموم. و {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثََالَ} ثابت في الفرقان (الآية: 9) لأنها المذكورة حسيّة مفصلة، ومحذوفة في الإسراء (الآية: 48) لأنها غير مفصلة [باطنة] (3).
وكذلك: فإذا نفخ في الصّور نفخة وحدة (الحاقة: 13)، و {فَدُكَّتََا دَكَّةً وََاحِدَةً}
(الحاقة: 14) الأولى محذوفة، لأنها روحانية لا تعلم إلا إيمانا، والثانية ثابتة [لأنها] (4)
جسمانية يتصور أمثالها من الهويّ (5).
وكذلك: (6) كتبيه (الحاقة: 25) محذوفة لأنه ملكوتي و (6) {حِسََابِيَهْ} (الحاقة:
26) ثابتة، لأنها ملكية وهما معا في موطن الآخرة.
وكذلك: {الْقََاضِيَةَ} (الحاقة: 27) ملكوتية، و {مََالِيَهْ} (الحاقة: 28) ملكي محسوس، فحذف الأول وثبت الثاني.
وكذلك: {وَلَمََّا بَرَزُوا لِجََالُوتَ} (البقرة: 250)، [حذف] (8) لأنه الاسم، {وَقَتَلَ دََاوُدُ جََالُوتَ} (البقرة: 251) [ثبت] (8) لأنه مجسّد (10) محسوس، [فحذف الأول وثبت الثاني] (8).
وكذلك: سبحن حذفت لأنه ملكوتي إلا حرفا واحدا، واختلف فيه: {قُلْ سُبْحََانَ رَبِّي} (الإسراء: 93)، فمن أثبت الألف قال (12): هذا تبرئة من مقام الإسلام، وحصره الأجسام، صدّر به مجاوبة للكفار في مواطن الردّ والإنكار. ومن أسقط فلعلوّ حال المصطفى [59/ ب] صلّى الله عليه وسلم لا يشغله عن الحضور تقلبه في الملكوت الخطاب في الملك وهو أولى الوجهين.
وكذلك: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} (المائدة: 73)، ثبتت ألف {ثََالِثُ}
لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصّلة، فثبتت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في الإله، تعالى
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المطبوعة.
(5) في المخطوطة (من الجزئي).
(6) في المطبوعة زيادة كلمة (ألف).
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (لأنه مجسم).
(12) في المخطوطة (فلأن هذا).(2/27)
[الله] (1) عن قولهم! وحذفت ألف {ثَلََاثَةِ} لأنه اسم العدد الواحد من حيث هو كلمة واحدة.
وكذلك: {وَمََا مِنْ إِلََهٍ إِلََّا إِلََهٌ وََاحِدٌ} (المائدة: 73)، حذفت من {إِلََهٍ} وثبتت في {وََاحِدٌ} ألفه، لأنه إله [في] (2) ملكوته، تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك، واحد في ملكه، تنزّه بوحدة أسمائه عن الاعتضاد والاشتراك [هذا] (2) من جهة إدراكنا، وأما من جهة ما [هي] (2) عليه الصفة في نفسها فلا يدرك ذلك، بل يسلّم علمه إلى الله [تعالى] فتحذف.
وكذلك سقطت الألف الزائدة لتطويل «هاء» التنبيه في النداء، في ثلاثة أحرف: أيّه المؤمنون (النور: 31)، وأيّه السّاحر (الزخرف: 49)، و {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} (الرحمن:
31)، والباقي بإثبات الألف، والسرّ في سقوطها في هذه الثلاثة الإشارة إلى معنى الانتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها، وتنبيه على الاقتصار والاقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي.
وقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً} (النور: 31) يدلّ على أنهم كلّ المؤمنين، على العموم والاستغراق فيهم. وقوله تعالى حكاية عن فرعون: {[إِنَ]} [5] هََذََا لَسََاحِرٌ عَلِيمٌ (الشعراء:
33) وقول فرعون: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} (الشعراء: 49) يدلّ على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد. وقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} (الرحمن: 31)، فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية، فإنها تقتضي جميع الصفات الملكوتية والجبروتية، فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم على ما ينبغي لهم من الرجوع إلى اعتبار آلاء الله في بيان النّعم ليشكروا، وبيان النقم ليحذروا.
وكذلك حذفت الألف الآتية لمدّ الصوت بالنداء، مثل يقوم (البقرة: 54)، {يََا عِبََادِ}
(الزمر: 10) لأنها زائدة للتوصل بين المرتبتين، وذلك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود.
قال أبو عمرو (6): «كلّ ما في القرآن من ذكر (آياتنا) فبغير الألف، إلّا في موضعين:
{فِي آيََاتِنََا} (يونس: 21) و {آيََاتُنََا بَيِّنََاتٍ} (يونس: 15).
__________
(1) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(2) ليست في المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) هو عثمان بن سعيد الداني.(2/28)
وكلّ ما فيه من ذكر (أيها)، فبالألف إلا [في] (1) ثلاثة مواضع محذوفة [فيها] (2) الألف:
في النور: أيّه المؤمنون (الآية: 31)، وفي الزخرف: يأيّه الساحر (الزخرف: 49)، وفي الرحمن: {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} (الرحمن: 31).
وكلّ ما فيه من (ساحر) فبغير الألف إلا في واحد في الذاريات: {وَقََالَ سََاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [3]» (4) (الذاريات: 39).
* الثاني حذف الواو اكتفاء بالضمة قصدا للتخفيف، فإذا اجتمع واوان والضم، فتحذف الواو التي ليست عمدة، وتبقى العمدة، سواء كانت الكلمة فعلا، مثل: {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ}
(الإسراء: 7)، أو صفة مثل {الْمَوْؤُدَةُ} (التكوير: 8) و {لَيَؤُسٌ} (هود: 9) و {الْغََاوُونَ}
(الشعراء: 94) أو اسما، مثل {دََاوُدُ} (البقرة: 251) إلّا أن ينوى كلّ واحد منهما فتثبتان جميعا، مثل {تَبَوَّؤُا} (الحشر: 9) فإن الواو الأولى تنوب عن حرفين لأجل الإدغام، فنويت في الكلمة، والواو الثانية ضمير الفاعل فثبتا جميعا.
وقد سقطت من أربعة أفعال، تنبيها على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدّة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود:
أوّلها: {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} (العلق: 18) فيه سرعة الفعل وإجابة الزّبانية وقوة البطش، وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره، ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَمََا أَمْرُنََا إِلََّا وََاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (القمر: 50).
وثانيها: {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} (الشورى: 24)، حذفت منه «الواو» علامة على سرعة الحق وقبول الباطل [له] (5) بسرعة، بدليل قوله: {إِنَّ الْبََاطِلَ كََانَ زَهُوقاً} (الإسراء: 81)، وليس {يَمْحُ} معطوفا على {يَخْتِمْ} الذي قبله، لأنه ظهر مع {يَمْحُ} الفاعل (6) وعطف على الفعل ما بعده، وهو: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ} (الشورى: 24). (قلت): إن قيل: لم رسم الواو
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(3) في المخطوطة: (قالوا ساحر كذاب) والصواب ما أثبتناه.
(4) ذكره الداني في المقنع ص 20فصل ألف آياتنا، وألف أيها، وألف ساحر.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (اسم الفاعل).(2/29)
[في] (1): {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ} (الرعد: 39)، وحذفت في: {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ}
(الشورى: 24) [60/ أ] (قلت): لأن الإثبات الأصل وإنما حذفت في الثانية لأن قبله مجزوم، وإن لم يكن معطوفا عليه، لأنه قد عطف عليه {وَيُحِقُّ}، وليس مقيّدا بشرط، ولكن قد يجيء، بصورة العطف على المجزوم، وهذا أقرب من عطف الجوار (2) في النحو، والله أعلم.
وثالثها: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ} (الإسراء: 11) حذف الواو يدلّ على أنه سهل عليه ويسارع فيه، كما يعمل في الخير، (3) [وإتيان الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير] (3).
ورابعها: {يَوْمَ يَدْعُ [الدََّاعِ]} [3] (القمر: 6) حذف الواو لسرعة الدعاء وسرعة الإجابة.
* الثالث: حذف الياء اكتفاء بالكسرة [قبلها] (6)، نحو {فَارْهَبُونِ} (البقرة: 40)، {فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).
قال أبو العباس (7): الياء الناقصة في الخط ضربان: ضرب محذوف في الخط ثابت في التلاوة وضرب محذوف فيهما.
* (فالأول) هو باعتبار ملكوتيّ باطن، وينقسم قسمين:
ما هو ضمير المتكلم، وما هو لام الكلمة.
* فالأول إذا كانت الياء ضمير المتكلم، مثل: {فَكَيْفَ كََانَ عَذََابِي وَنُذُرِ} (القمر: 16) ثبتت [الياء] (8) الأولى، لأنه فعل ملكوتيّ. وكذلك فما آتان الله خير ممّا آتاكم (النمل:
36) حذفت الياء لاعتبار ما آتاه الله من العلم والنبوة، فهو المؤتى الملكوتي من قبل الآخرة، وفي ضمنه الجسماني للدنيا، لأنه فإن، والأول ثابت.
وكذلك: {فَلََا تَسْئَلْنِ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (هود: 46)، [وعلم] (9) هذا المسئول غيب
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (الجوازم).
(3) ساقط من المخطوطة.
(6) ساقط من المطبوعة، وانظر المقنع للداني ص 30باب ذكر ما حذفت منه الياء اجتزاء بكسر ما قبلها منها.
(7) أبو العباس هو المراكشي المعروف بابن البناء تقدم ذكره في 2/ 15.
(8) ساقط من المخطوطة.
(9) ساقط من المخطوطة.(2/30)
ملكوتيّ، بدليل قوله: {مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فهو بخلاف قوله: {فَلََا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتََّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} (الكهف: 70)، لأن هذا سؤال عن حوادث الملك في مقام الشاهد، كخرق السفينة (1) (الكهف: 71)، وقتل الغلام (2) (الكهف: 74)، وإقامة الجدار (3) (الكهف:
77).
وكذلك: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} (البقرة: 186)، فحذف الضمير في الخط دلالة على الدّعاء الذي من جهة الملكوت بإخلاص الباطن.
وكذلك: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلََّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} (آل عمران: 20) هو الاتباع العلمي في دين الله (4) [وطريق الآخرة بدليل قوله: أسلمت لله، فهو بخلاف قوله {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} (آل عمران: 31) فإن هذا في الأعمال الظاهرة] (4). بالجوارح المقصود بها وجه الله وطاعته.
وكذلك: {لِمَنْ خََافَ مَقََامِي وَخََافَ وَعِيدِ} (إبراهيم: 14)، ثبتت الياء في «المقام» لاعتبار المعنى من جهة الملك، وحذفت من «الوعيد» لاعتباره ملكوتيا فخاف المقام من جهة ما ظهر للأبصار، وخاف الوعيد من جهة إيمانه بالأخبار.
وكذلك: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ} (الإسراء: 62)، هو التأخير بالمؤاخذة لا التأخير الجسمي، فهو بخلاف قوله: {لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ} (المنافقون: 10) لأن هذا تأخير جسميّ في الدنيا الظاهرة.
وكذلك: {عَسى ََ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هََذََا رَشَداً} (الكهف: 24)، سياق الكلام في أمور محسوسة، والهداية فيه ملكوتية، وقد هداه الله في قصة الغار، وهو في العدد {ثََانِيَ اثْنَيْنِ} (التوبة: 40)، حتى [خرج] (6) بدينه عن قومه بأقرب من طريق أهل الكهف حين خرجوا بدينهم عن قومهم، وعددهم (7) على ما قصّ الله علينا فيه، وهذه الهداية بخلاف ما قال
__________
(1) قوله تعالى {قََالَ أَخَرَقْتَهََا لِتُغْرِقَ أَهْلَهََا} من سورة الكهف الآية 71.
(2) قوله تعالى {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} من سورة الكهف الآية 74.
(3) قوله تعالى {فَوَجَدََا فِيهََا جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقََامَهُ قََالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} من سورة الكهف الآية 77
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(6) ساقط من المخطوطة.
(7) في المطبوعة (وعدوهم).(2/31)
موسى: {عَسى ََ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوََاءَ السَّبِيلِ} (القصص: 22) فإنها هداية السبيل المحسوسة إلى مدين في عالم الملك، بدليل قوله: {وَلَمََّا تَوَجَّهَ تِلْقََاءَ مَدْيَنَ} (القصص: 22).
وكذلك: {عَلى ََ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمََّا عُلِّمْتَ رُشْداً} (الكهف: 66).
وكذلك: {وَلََا تَتَّبِعََانِّ} (يونس: 89)، هو في طريق الهداية لا في مسير موسى إلى ربه، بدليل: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (طه: 93) ولم يأمره بالمسير الحسيّ، إنما أمره أن يخلفه في قومه ويصلح، وهذا بخلاف قول هارون: {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} (طه: 90) فإنه اتباع محسوس في ترك ما سواه، (1) [بدليل قوله: {وَأَطِيعُوا أَمْرِي}،] (1) وهو لا أمر له إلا الحسّيّ.
وكذلك: {فَكَيْفَ كََانَ نَكِيرِ} (الملك: 18) حيث وقع، لأنّ النكير معتبر من [جهة] (1)
الملكوت، لا من جهة أثره المحسوس، فإن أثره قد انقضى وأخبر عنه بالفعل الماضي، والنّكير اسم ثابت في الأزمان كلّها، فيه التنبيه على أنه كما أخذ أولئك يأخذ غيرهم.
وكذلك: {إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} (الشعراء: 12) خاف موسى عليه السلام أن يكذّبوه فيما جاءهم به، وأن يكون سببه من قبله، من جهة إفهامه لهم بالوحي، فإنه كان عالي البيان، لأنه كليم الرحمن، فبلاغته لا تصل إليها أفهامهم، فيصير إفصاحه العالي عند فهمهم النازل عقدة عليهم في اللسان، يحتاج إلى ترجمان فإن يقع بعده تكذيب فيكون من قبل أنفسهم، وبه تتم الحجة عليهم.
وكذلك: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} (الصافات: 56)، هو الإرداء [60/ ب] الأخرويّ الملكوتي.
وكذلك: {أَنْ تَرْجُمُونِ} (الدخان: 20)، ليس هو الرجم بالحجارة، إنما هو ما يرمونه من بهتانهم.
وكذلك: {فَحَقَّ وَعِيدِ} (ق: 14)، {لِمَنْ خََافَ [مَقََامِي وَخََافَ]} [4] وَعِيدِ (إبراهيم:
14) هو الأخرويّ الملكوتيّ.
وكذلك: {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} (الفجر: 15)، {رَبِّي أَهََانَنِ} (الفجر: 16) هذا
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة.(2/32)
الإنسان يعتبر منزلته عند الله في الملكوت بما يبتليه [الله] (1) في الدنيا، وهذا من الإنسان خطأ، لأن الله تعالى يبتلي الصالح والطالح، لقيام حجته على خلقه.
* والقسم الثاني (2) من الضرب الأول إذا كانت الياء لام الكلمة، سواء كانت في الاسم أو الفعل، نحو: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ} (البقرة: 186)، حذفت تنبيها على المخلص لله، الذي قلبه ونهايته في دعائه في الملكوت والآخرة، لا في الدنيا.
وكذلك: {الدََّاعِ إِلى ََ شَيْءٍ نُكُرٍ} (القمر: 6)، هو داع ملكوتيّ من عالم الآخرة.
وكذلك: {يَوْمَ يَأْتِ} (هود: 105) هو إتيان ملكوتيّ أخرويّ آخره متصل بما وراءه من الغيب.
وكذلك: {الْمُهْتَدِ} (الكهف: 17).
وكذلك: {وَالْبََادِ} (الحج: 25)، حذف لأنه على غير حال الحاضر الشاهد، وقد جعل الله لها سرّا.
وكذلك: {كَالْجَوََابِ} (سبأ: 13)، من حيث التشبيه، فإنه ملكوتيّ إذ هو صفة تشبيه لا ظهور لها في الإدراك الملكيّ.
(3) [وكذلك: {يَوْمَ التَّلََاقِ} (غافر: 15)، و {التَّنََادِ} (غافر: 32) كلاهما ملكوتي أخرويّ] (3)
وكذلك: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} (الفجر: 4)، وهو السّرى الملكوتيّ الذي يستدلّ عليه بآخره من جهة الانقضاء أو بمسير النجوم.
وكذلك: {وَمِنْ آيََاتِهِ الْجَوََارِ} (الشورى: 32) تعتبر من حيث هي آية يدلّ ملكها على ملكوتها، [فآخرها] (5) بالاعتبار (6) يتصل بالملكوت، بدليل قوله: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوََاكِدَ} (الشورى: 33).
__________
(1) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.
(2) الضرب الأول هو المذكور في 2/ 30.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (في الاعتبار).(2/33)
وكذلك حذف ياء الفعل من (يحيي) إذا انفردت، وثبتت مع الضمير، مثل: {مَنْ يُحْيِ الْعِظََامَ} (يس: 78)، {قُلْ يُحْيِيهَا} (يس: 79)، لأن حياة الباطن أظهر في العلم من حياة الظاهر، وأقوى في الإدراك.
(الضرب الثاني) (1) الذي تسقط فيه الياء في الخط والتلاوة، فهو اعتبار غيبة عن باب الإدراك جملة، واتصاله بالإسلام لله في مقام الإحسان، وهو قسمان: منه ضمير المتكلم، ومنه (2) لام الفعل.
* فالأول إذا كانت الياء ضمير المتكلم فإنها إن كانت للعبد فهو الغائب، وإن كانت للرب فالغيبة للمذكور معها، فإن العبد هو الغائب عن الإدراك في ذلك كلّه، فهو في هذا [المقام] (3) مسلم مؤمن بالغيب، مكتف بالأدلّة، فيقتصر (4) في الخط لذلك على نون الوقاية والكسرة، ومنه من جهة الخطاب به الحوالة على الاستدلال بالآيات دون تعرّض لصفة الذات.
(5) (ولما كان الغرض من القرآن [من] (6) جهة الاستدلال واعتبار الآيات وضرب المثال دون التعرّض لصفة الذات) (5) كما قال [تعالى]: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ} (آل عمران: 28)، وقال: {فَلََا تَضْرِبُوا لِلََّهِ الْأَمْثََالَ} (النحل: 74) كان الحذف في خواتم الآي كثيرا مثل:
{فَاتَّقُونِ} (البقرة: 41) {فَارْهَبُونِ} (البقرة: 40)، {[وَ]} [8] مََا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلََّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56) {وَمََا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (الذاريات: 57)، وهو كثير جدا.
وكذلك ضمير العبد، مثل: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمََنُ} (يس: 23) [العبد] (9) غائب عن علم إرادة الرحمن، إنما علمه بها تسليما وإيمانا برهانيّا.
وكذلك قوله في العقود: {فَلََا تَخْشَوُا النََّاسَ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 44) الناس
__________
(1) هو الضرب الثاني من التقسيم المذكور في 2/ 30.
(2) في المخطوطة (ومنه ضمير لام الفعل) وقوله: (ومنه لام الفعل) هو القسم الثاني من الضرب الثاني وسيأتي بيانه في 2/ 35.
(3) ساقط من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (فيصير).
(5) ما بين الهلالين مكرر في المخطوط.
(6) ساقط من المطبوعة.
(8) ساقط من المخطوطة، وهي من الآية الكريمة.
(9) ساقط من المطبوعة.(2/34)
كلّيّ لا يدلّ على ناس بأعيانهم ولا موصوفين بصفة [فهم كلّيّ] (1)، ولا يعلم الكلّيّ من حيث هو كلّيّ بل من حيث أثر البعض في الإدراك، ولا يعلم الكليّ إلا من حيث [هو] (1) أثر الجزئيّ في (3) الإدراك، فالخشية هنا كلية لشيء غير معلوم الحقيقة فوجب أن يكون الله أحقّ بذلك، فإنه حق، وإن لم نحط به علما، كما أمر الله سبحانه بذلك، ولا يخشى غيره، وهذا الحذف بخلاف ما جاء في البقرة: {فَلََا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (الآية: 150)، ضمير الجمع يعود على {الَّذِينَ ظَلَمُوا} من الناس، فهم بعض لا كلّ، ظهروا في الملك بالظلم، فالخشية هنا جزئية، فأمر سبحانه أن يخشى من جهة ما ظهر كما يجب ذلك من جهة ما ستر.
وكذلك حذفت الياء من: {فَبَشِّرْ عِبََادِ} (الزمر: 17) و {قُلْ يََا عِبََادِ} [61/ أ] (الزمر: 10) فإنه خطاب لرسوله عليه السلام على الخصوص، فقد توجه الخطاب إليه في فهمنا، [و] (4) غاب العباد كلهم عن علم ذلك، فهم غائبون عن شهود هذا الخطاب لا يعلمونه إلا بوساطة الرسول.
وهذا بخلاف قوله: يا عبادي لا خوف عليكم (الزخرف: 68) فإنها ثبتت، لأنه خطاب لهم في الآخرة غير محجوبين عنه جعلنا الله منهم إنه منعم كريم وثبت حرف النداء، فإنه أفهمهم نداءه الأخرويّ في موطن الدنيا، في يوم ظهورهم بعد موتهم، وفي محل أعمالهم، إلى حضورهم يوم ظهورهم الأخرويّ، بعد موتهم وفي محل جزائهم.
وكذلك: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [عَلى ََ]} [5] (الزمر: 53) ثبت الضمير وحرف النداء في الخطّ، فإنه دعاهم من مقام إسلامهم، وحضرة امتثالهم إلى مقام إحسانهم، ومثله: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} في العنكبوت (الآية: 56)، فإنه دعاهم من حضرتهم في (6) مقام إيمانهم، إلى حضرتهم ومقام إحسانهم، إلى ما لا نعلمه من الزيادة بعد الحسنى.
وكذلك سقطتا في موطن الدعاء [مثل] (7): {رَبِّ اغْفِرْ لِي} (نوح: 28) حذفت الياء لعدم الإحاطة به عند التوجه إلى الله [تعالى] لغيبتنا نحن عن الإدراك، وحذف حرف النداء لأنه أقرب إلينا من أنفسنا، وأما قوله: {وَقِيلِهِ يََا رَبِّ} (الزخرف: 88) فأثبت حرف النداء
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(3) العبارة في المخطوطة: (لا في الإدراك).
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (إلى) بدل (في).
(7) ساقط من المخطوطة.(2/35)
لأنه دعا ربّه من مرتبة حضوره معهم في مقام الملك لقوله: {إِنَّ هََؤُلََاءِ} (الزخرف: 88)، وأسقط حرف ضميره لمغيبه عن ذاته في توجّهه في مقام الملكوت ورتبة إحسانه في إسلامه.
وكذلك في مثل: {يََا قَوْمِ} (هود: 63) دلالة على أنه خارج عنهم في خطابه، كما هو ظاهر في الإدراك وإن كان متصلا بهم في النسبة الرابطة بينهم في الوجود، العلوية من الدلائل.
* والقسم الثاني (1): إذا كانت الياء لام الكلمة في الفعل أو الاسم فإنها تسقط من حيث يكون معنى الكلمة يعتبر من مبدئه الظاهر شيئا بعد شيء إلى ملكوتية الباطن، إلى ما لا يدرك منه إلا إيمانا وتسليما، فيكون حذف الياء منبّها على ذلك، وإن لم يكمل اعتباره في الظاهر من ذلك الخطاب بحسب عرض الخطاب، مثل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: 146)، هو {مََا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} (الزخرف: 71) وقد ابتدأ ذلك لهم في الدنيا متصلا بالآخرة.
وكذلك: {وَإِنَّ اللََّهَ لَهََادِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: 54) حذفت لأنه يهديهم بما نصب [لهم] (2) في الدنيا من الدلائل والعبر إلى الصراط المستقيم، يرفع درجاتهم في هدايتهم إلى حيث لا غاية (3)، قال الله [تعالى]: {وَلَدَيْنََا مَزِيدٌ} (ق: 35) [وكذلك] (2): {وَمََا أَنْتَ بِهََادِ الْعُمْيِ} (الروم: 53) في الروم، هذه الهداية هي الكلية على التفصيل بالتوالي التي ترقّي العبد في هدايته من الأوثان (5) إلى ما يدركه العيان ليس ذلك للرسول عليه السلام بالنسبة إلى العيان. ويدلّ على ذلك قوله قبلها: {فَانْظُرْ إِلى ََ آثََارِ رَحْمَتِ اللََّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا} (الروم: 50) فهذا النظر من عالم الملك ذاهبا في النظر إلى عالم الملكوت إلى ما [لا] (6) يدرك [إلا] (6) إيمانا وتسليما. وهذا بخلاف الحرف الذي في النمل: {وَمََا أَنْتَ بِهََادِي الْعُمْيِ} (النمل: 81) فثبتت الياء لأن هذه الهداية كلّية كاملة، بدليل قوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} (النمل: 79).
__________
(1) هو القسم الثاني من الضرب الثاني المذكور في 2/ 33وانظر المقنع ص: 3430.
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة: (إلى حيث لا إلى غاية) بزيادة (إلى).
(5) في المطبوعة: (الأرباب).
(6) ساقط من المخطوطة.(2/36)
وكذلك: {بِالْوََادِ الْمُقَدَّسِ} (طه: 12)، و {الْوََادِ الْأَيْمَنِ} (القصص: 30) هما مبدأ التقديس [واليمن] (1) الذي وصفا به، فانتقل التقديس واليمن منهما إلى الجمال، ذاهبا (2) بهما إلى ما لا يحيط بعلمه إلا الله.
وكذلك: {وََادِ النَّمْلِ} (النّمل: 18) هو موضع لابتداء سماع الخطاب من أخفض الخلق، وهي ال {نَمْلَةٌ} إلى أعلاهم وهو {الْهُدْهُدَ} و {الطَّيْرَ} ومن ظاهر الناس وباطن الجنّ إلى قول ال {عِفْرِيتٌ} إلى قول {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتََابِ} إلى ما وراء ذلك من هداية ال {كِتََابٌ} إلى مقام الإسلام {لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}.
وكذلك وله الجوار المنشئات [في البحر] (3) (الرحمن: 24) سقطت الياء تنبيها على أنها لله من حقّ إنشائها بعد أن لم تكن، إلى ما وراء ذلك مما لا نهاية له من صفاتها.
وكذلك {الْجَوََارِ الْكُنَّسِ} (التكوير: 16) حذفت الياء تنبيها على أنها تجري من محل اتصافها [61/ ب] بالخناس، إلى محلّ اتصافها بالكناس، وذلك يفهم أنه اتصف بالخناس عن حركة تقدمت بالوصف بالجوار الظاهر، يفهم منه وصف بالجوار في الباطن وهذا الظاهر مبدأ لفهمه كالنجوم الجارية داخل تحت معنى الكلمة.
فصل [في حذف النون]
ويلحق بهذا القسم حذف النون الذي هو لام فعل، فيحذف تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته، وأن منه ينشأ ويزيد، إلى ما لا يحيط بعلمه غير الله، مثل {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً} (القيامة:
37)، حذفت النون تنبيها على مهانة (4) مبتدأ الانسان وصغر قدره بحسب ما يدرك هو من نفسه، ثم يترقّى في أطوار التكوين {فَإِذََا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (يس: 77)، فهو حين كان {نُطْفَةً} كان ناقص الكون كذلك كلّ مرتبة ينتهي إليها كونه [و] (5) هي ناقصة الكون بالنسبة [لما] (6) بعدها، فالوجود الدنيويّ كلّه ناقص الكون عن كون الآخرة، كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ} (العنكبوت: 64).
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) في المخطوطة (بهما ذاهبا).
(3) ساقط من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (نهاية).
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ساقط من المخطوطة.(2/37)
وكذلك: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضََاعِفْهََا} (النساء: 40)، حذفت النون تنبيها على أنها وإن كانت صغيرة المقدار، حقيرة في الاعتبار، فإن اليه ترتيبها وتضاعيفها. ومثله: {إِنْ تَكُ مِثْقََالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} (لقمان: 16).
وكذلك: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ} (غافر: 50) جاءتهم الرسل من أقرب شيء في البيان، الذي أقلّ من مبدإ فيه وهو الحسّ، إلى العقل، إلى الذكر، ورقّوهم من أخفض رتبة وهي الجهل إلى أرفع درجة في العلم وهي اليقين وهذا بخلاف قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيََاتِي تُتْلى ََ عَلَيْكُمْ} (المؤمنون: 105) فإن كون تلاوة الآيات قد أكمل كونه وتم. [و] (1)
كذلك: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا} (النساء: 97)، هذا قد تمّ كونه. وكذلك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ} (البيّنة: 1)، [هذا] (1) قد تمّ كونهم غير منفكين إلى تلك الغاية المجعولة لهم، وهي مجيء البيّنة.
وكذلك: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمََانُهُمْ} (غافر: 85)، انتفى عن إيمانهم مبدأ الانتفاع وأقله، فانتفى أصله.
فصل فيما كتبت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم
(3)
وذلك في أربعة أصول مطّردة، وأربعة أحرف متفرعة.
فالأربعة الأصول هي: {الصَّلََاةَ} (البقرة: 3) و {الزَّكََاةَ} (البقرة: 43) و {الْحَيََاةِ}
(البقرة: 85) والربوا (البقرة: 275).
والأربعة الأحرف: قوله في الأنعام (الآية: 52) والكهف (الآية: 28): {بِالْغَدََاةِ}، والنور {كَمِشْكََاةٍ} (الآية: 35)، وفي المؤمن النّجوة (غافر: 41)، وفي النجم {وَمَنََاةَ}
(الآية: 20).
فأما قوله: {وَمََا كََانَ صَلََاتُهُمْ} (الأنفال: 35)، {إِنَّ صَلََاتِي} (الأنعام: 162) {حَيََاتُنَا الدُّنْيََا} (الأنعام: 29) {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} (الروم: 39)، فالرسم بالألف في الكلّ.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(3) انظر المقنع للداني ص 54باب ذكر ما رسمت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم.(2/38)
والقصد بذلك تعظيم شأن هذه الأحرف فإنّ الصلاة والزكاة عمودا الاسلام، والحياة قاعدة النفس، ومفتاح البقاء، (1) [وترك الربا قاعدة الأمان، ومفتاح التقوى] (1) ولهذا قال: {اتَّقُوا اللََّهَ وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا} (البقرة: 278)، إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ [مِنَ اللََّهِ]} [1] (البقرة: 279)، ويشتمل على أنواع الحرام، وأنواع الخبائث، وضروب المفاسد وهو نقيض الزكاة ولهذا قوبل بينهما في [قوله]: {يَمْحَقُ اللََّهُ الرِّبََا وَيُرْبِي الصَّدَقََاتِ}
(البقرة: 276) واجتنابه أصل في التصرفات المالية وإنما كتبت بالألف في سورة الروم لأنه ليس العام الكلّي لأنّ الكلّيّ منفيّ في حكم الله عليه بالتحريم، وفي نفي الكليّ نفي جميع جزئياته.
(فإن قلت): فلم كتب الزكوة هنا بالواو؟ وهلّا جرت على نظم ما قبلها من قوله:
{وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} (الروم: 39)؟ (قلت): لأن المراد بها الكلّية في حكم الله، ولذلك قال:
{فَأُولََئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم: 39).
وأما كتاب النجوة (غافر: 41) (4) [بالواو فلأنها قاعدة الطاعات ومفتاح السعادات، قال الله تعالى: ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النّجوة] (4) (غافر: 41).
وأما {بِالْغَدََاةِ} (الأنعام: 52) فقاعدة الأزمان، ومبدأ تصرّف الانسان مشتقة من الغدوّ.
وأما المشكاة (النور: 35) فقاعدة الهداية، ومفتاح الولاية، قال [الله] (4) تعالى: {يَهْدِي اللََّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشََاءُ} (النور: 35) وأما {مَنََاةَ} (النجم: 20) فقاعدة الضلال، ومفتاح الشرك والإضلال وقد وصفها الله بوصفين: أحدهما يدلّ على تكثيرهم الإله من مثنى (7) ومثلث والثاني يدل على الاختلاف والتغاير، فمن معطل ومشبّه، تعالى الإله عما يقولون!
فصل في مدّ التاء وقبضها
وذلك أن هذه الأسماء لما لازمت الفعل، صار لها اعتباران: أحدهما من حيث
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة.
(7) وذلك قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللََّاتَ وَالْعُزََّى وَمَنََاةَ الثََّالِثَةَ الْأُخْرى ََ} من سورة النجم الآية 2019.(2/39)
(1) [62/ أ] هي أسماء وصفات، وهذا تقبض منه التاء. والثاني من حيث] (1) أن يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود، فهذا تمدّ فيه، كما تمدّ في {قََالَتِ} (البقرة: 113) و {حَقَّتْ}
(يونس: 33) وجهة الفعل والأمر ملكية ظاهرة، وجهة الاسم والصفة ملكوتية باطنة.
* فمن ذلك «الرحمة» مدت في سبعة مواضع للعلّة المذكورة (3): بدليل قوله في أحدها: {إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56) فوضعها على التذكير، فهو الفعل. وكذلك: {فَانْظُرْ إِلى ََ آثََارِ رَحْمَتِ اللََّهِ} (الروم: 50) والأثر هو الفعل ضرورة.
والثالث: {أُولََئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللََّهِ} (البقرة: 218). والرابع في هود: {رَحْمَتُ اللََّهِ وَبَرَكََاتُهُ} (الآية: 73)، والخامس: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} (مريم: 2). والسادس: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} (الزخرف: 32) والسابع: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمََّا يَجْمَعُونَ}
(الزخرف: 32).
* ومنه «النعمة» بالهاء إلا في أحد عشر موضعا مدّت بها (3): في البقرة: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} (الآية: 231)، في آل عمران، (الآية: 103) والمائدة (الآية:
11). وفي إبراهيم موضعان (الآيتان: 28و 34) والنحل ثلاثة مواضع (الآيات: 72و 83و 114). وفي لقمان (الآية: 31). وفاطر (الآية: 3)، والطور (الآية: 29). والحكمة فيها ما ذكرنا أنّ الحاصلة بالفعل في الوجود تمدّ، نحو قوله في إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} (الآية: 34)، بدليل قوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَظَلُومٌ كَفََّارٌ} (إبراهيم: 34)، فهذه نعمة متصلة بالظّلوم الكفّار في تنزيلها (5). وهذا بخلاف التي في سورة النحل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} (الآية: 18)، كتبت مقبوضة لأنها بمعنى الاسم، بدليل قوله: {إِنَّ اللََّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18)، فهذه نعمة وصلت من الربّ، فهي ملكوتية، ختمها باسمه عز وجل، وختم الأولى باسم الإنسان.
* ومن ذلك «الكلمة» مقبوضة إلا في موضع (6) في الأعراف: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ}
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) انظر المقنع ص 77باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء على الأصل.
(5) في المطبوعة (في تنزيلهما).
(6) في المخطوطة: (في موضعين)، وهو تصحيف ظاهر: لأن الأعراف ليس فيها إلا موضع واحد. وانظر المقنع للداني ص 79باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء، فصل ذكر الكلمة.(2/40)
{الْحُسْنى ََ} (الأعراف: 137) هو ما تم لهم في الوجود الأخروي بالفعل الظاهر دليله في الملك، وهو الاختلاف وتمامها أنّ لها نهاية تظهر في الوجود بالفعل فمدت التاء.
* ومنها «السّنّة» مقبوضة إلّا في خمسة مواضع (1) حيث تكون بمعنى الإهلاك والانتقام الذي في الوجود: أحدها في الأنفال: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال: 38) ويدلّ على أنها في (2) الانتقام قوله قبلها: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (الآية: 38)، وقوله بعدها:
{وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (الآية: 39). وفي فاطر: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلََّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللََّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللََّهِ تَحْوِيلًا} (الآية: 43)، ويدلّك على أنها بمعنى الانتقام قوله تعالى قبلها: {وَلََا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلََّا بِأَهْلِهِ} (الآية: 43)، وسياق ما بعدها.
وفي المؤمن: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمََانُهُمْ لَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا سُنَّتَ اللََّهِ} (غافر: 85) أمّا إذا كانت السنة بمعنى الشريعة والطريقة فهي ملكوتية بمعنى الاسم تقبض تاؤها، كما في الأحزاب {سُنَّةَ اللََّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (3) (الآيتان: 38و 62) أي حكم الله وشرعه، {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنََا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنََا} (الإسراء: 77).
* ومنه (4) {بَقِيَّتُ اللََّهِ} (هود: 86) فرد، مدّت تاؤه لأنه بمعنى ما يبقى في أموالهم من الربح المحسوس، لأنّ الخطاب إنما هو فيها من جهة الملك.
* ومنه: {فِطْرَتَ اللََّهِ} (الروم: 30) فرد، وصفها [الله] (5) بأنها فطر الناس عليها، فهي فصل خطاب في الوجود كما جاء: «كلّ مولود يولد على الفطرة» الحديث (6).
* ومنه: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} (القصص: 9) فرد، مدّت تاؤه لأنه بمعنى الفعل إذا هو
__________
(1) انظر المقنع للداني ص 78باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات
(2) في المطبوعة: (ويدل عليها أنها من الانتقام).
(3) تصحفت الآية في المخطوطة إلى (سنة التي قد خلت من قبل).
(4) انظر المقنع ص 8180.
(5) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.
(6) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 246245كتاب الجنائز (23)، باب ما قيل في أولاد المشركين (92)، الحديث (1385) واللفظ له وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 47، 2كتاب القدر (46)، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (6)، الحديث (22/ 2658).(2/41)
خبر عن موسى، وهو موجود حاضر في الملك، وهذا بخلاف: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (الفرقان: 74)، فإنه هنا بمعنى الاسم، وهو ملكوتيّ إذ هو غير حاضر.
* ومنه: {وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} (المجادلة: 8و 9) مدت في موضعين في سورة المجادلة، لأن معناها الفعل، والتقدير: ولا تتناجوا بأن تعصوا الرسول، ونفس هذا النجو الواقع منهم في الوجود هو فعل معصية لوقوع النهي عنه.
* ومنه «اللعنة» مدّت في موضعين: في آية المباهلة (1)، وفي آية اللّعان (2) وكونهما بمعنى الفعل ظاهر.
* ومنه: «الشجرة» في موضع: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} (الدخان: 43)، لأنها بمعنى الفعل اللازم وهو تزقّمها بالأكل بدليل قوله تعالى: {فِي الْبُطُونِ} (الدخان: 45)، فهذه صفة فعل كما في الواقعة: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} (الآية: 52)، وهذا بخلاف قوله: {أَذََلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} (الصّافات: 62)، [62/ ب] فإن هذه وصفها بأنها: {فِتْنَةً لِلظََّالِمِينَ} (الصافات: 63)، {إِنَّهََا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} (الصافات: 64) فهو حلية للاسم فلذلك قبضت تاؤها.
* ومنه «الجنة» مدّت في موضع واحد، في الواقعة: وجنات نعيم (الواقعة: 89) لكونها بمعنى فعل التنعّم بالنعيم، بدليل اقترانها بالروح والريحان وتأخرها عنهما وهما من الجنة، فهذه جنة خاصة بالمنعّم بها. وأما {مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (الشعراء: 85) و {أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} (المعارج: 38) فإن هذا بمعنى الاسم الكلّي.
ولم تمد {تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (الواقعة: 94) لأنها اسم ما يفعل بالمكذّب في الآخرة، أخبرنا الله بذلك فالمؤمن يعلمه تصديقا، ولا يحذف لفعل أبدا، والضابط لذلك: أنّ ما كان بمعنى الاسم لم تمد تاؤه مثل: {زَهْرَةَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} (طه: 131)، و {صِبْغَةَ اللََّهِ} (البقرة:
138) و {زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ} (الحج: 1)، و {تَحِلَّةَ أَيْمََانِكُمْ}، (التحريم: 2)، و {رِحْلَةَ الشِّتََاءِ وَالصَّيْفِ} (قريش: 2)، و {حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} (المسد: 4).
__________
(1) وهي قوله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَى الْكََاذِبِينَ} [آل عمران: 61]
(2) وهي قوله تعالى: {وَالْخََامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَيْهِ إِنْ كََانَ مِنَ الْكََاذِبِينَ} [النور: 7](2/42)
* ومنه {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ} (التحريم: 12) مدت التاء تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة، ولم يضف في القرآن ولد إلى والد ووصف به اسم الولد إلا عيسى وأمه عليهما السلام، لما اعتقد النصارى فيهما أنهما إلهان، فنبّه سبحانه بإضافتهما الولادية على جهة حدوثهما [بعد عدمهما] (1)، حتى أخبر تعالى في موطن بصفة الإضافة دون الموصوف وقال: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} (المؤمنون: 50) لمّا غلوا في إلاهيته أكثر من أمّه، كما نبّه تعالى على حاجتهما وتغيّر أحوالهما في الوجود، يلحقهما ما يلحق البشر، قال الله تعالى: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} (المائدة: 75).
* ومنه «امرأة» هي في [سبعة] (2) مواضع وهي: خمس من النساء: {امْرَأَتُ عِمْرََانَ}
(آل عمران: 35) و {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} (القصص: 9والتحريم: 11)، و {امْرَأَتَ نُوحٍ}
(التحريم: 10)، و {امْرَأَتَ لُوطٍ} (التحريم: 10)، و {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} (يوسف: 30و 51). كلها ممدودة تنبيها على فعل التبعّل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف في الموجود والمحسوس، وأربع منهنّ منفصلات في بواطن أمرهنّ عن بعولتهن بأعمالهن. وواحدة خاصة واصلت بعلها باطنا وظاهرا، وهي امرأت عمران، فجعل الله لها ذرّية طيبة، وأكرمها بذلك وفضّلها على العالمين، وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله، وتوكّلا عليه وخوفا منه، فنجّاها وأكرمها، وهي امرأت فرعون، واثنتان [منهنّ] (3) انفصلتا عن أزواجهما كفرا بالله فأهلكهما الله ودمرهما، ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة، مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله. كما لم تضرّ امرأت فرعون وصلتها الظاهرة بأخبث عبيد الله، وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها، فلم تبلغ من ذلك مرادها، مع تمكنها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو في بيتها وقبضتها، فلم يغن ذلك عنها شيئا، وقوتها وعزتها إنما كانا لها من بعلها «العزيز» ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها، كما لم يضرّ يوسف ما امتحن به منها، ونجّاه الله من السجن، ومكّن له في الأرض، وذلك بطاعته لربّه، ولا سعادة إلا بطاعة الله، ولا شقاوة إلا بمعصيته فهذه كلّها عبر وقعت بالفعل في الوجود، في شأن كل امرأة منهنّ، فلذلك مدّت تاءاتهنّ.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) عبارة المخطوطة فيها سقط (ومنه «امرأة» هي في خمس مواضع من النساء) والصواب ما أثبتناه، وانظر المقنع للداني ص 78باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء، ذكر المرأة.
(3) ساقطة من المخطوطة.(2/43)
فصل في الفصل والوصل
اعلم أن الموصول في الوجود توصل [كلماته] (1) في الخط كما توصل حروف الكلمة الواجدة والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط، كما تفصل كلمة عن كلمة.
* فمنه «إنما» (2) بالكسر، كلّه موصول إلا واحدا {إِنَّ مََا تُوعَدُونَ لَآتٍ} (الأنعام: 134)، لأن حرف «ما» هنا وقع على مفصّل، فمنه خير موعود به لأهل الخير ومنه شرّ موعود به لأهل الشر فمعنى «ما» مفصول في الوجود والعلم.
* ومنه «أنما» (3) بالفتح كلّه موصول إلا حرفان: {وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبََاطِلُ}
(الحج: 62)، {وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبََاطِلُ} (لقمان: 30)، وقع الفصل عن حرف التوكيد إذ (4) [ليس لدعوى غير الله وصل في الوجود إنما وصلها في العدم والنفي بدليل قوله تعالى عن المؤمن: {أَنَّمََا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ]} [4] لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيََا وَلََا فِي الْآخِرَةِ (غافر:
43)، فوصل «أنما» في النفي، وفصل في الإثبات، لانفصاله عن دعوة الحق.
* ومنه: «كلّما» (6) موصول كله إلا ثلاثة: في النساء: كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها (الآية: 91)، فما ردّوا إليه ليس شيئا واحدا في الوجود، بل أنواع مختلفة في الوجود، وصفة مردّهم ليست واحدة بل متنوعة، فانفصل «ما» لأنه لعموم [63/ أ] شيء مفصّل في الوجود. وفي سورة إبراهيم: {وَآتََاكُمْ مِنْ كُلِّ مََا سَأَلْتُمُوهُ} (الآية: 34)، فحرف «ما» وقع على أنواع مفصلة في الوجود. وفي قد أفلح: {كُلَّ مََا جََاءَ أُمَّةً رَسُولُهََا كَذَّبُوهُ} (المؤمنون: 44)، والأمم مختلفة في الوجود، فحرف «ما» وقع على تفاصيل موجودة لتفصّل.
وهذا بخلاف قوله: {كُلَّمََا جََاءَهُمْ رَسُولٌ بِمََا لََا تَهْوى ََ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} (المائدة: 70) فإن هؤلاء هم بنو إسرائيل أمة واحدة بدليل قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيََاءَ}
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) انظر المقنع للداني ص 73باب ذكر ما رسم في المصاحف من الحروف المقطوعة على الأصل والموصولة على اللفظ، ذكر إن ما.
(3) انظر المقنع ص 7473ذكر أن ما
(4) ساقط من المخطوطة.
(6) انظر المقنع ص 74ذكر كل ما.(2/44)
{اللََّهُ} (البقرة: 91)، والمخاطبون على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم لم يقتلوا الأنبياء، إنما باشره آباؤهم لكن مذهبهم في ذلك واحد، فحرف «ما» إنما يشمل تفاصيل الزمان، وهو تفصيل لا مفصّل له في الوجود إلا بالفرض والتوهم، لا بالحسّ، فوصلت «كل» لاتصال الأزمنة في الوجود، وتلازم أفرادها المتوهّمة. وكذلك: {كُلَّمََا رُزِقُوا مِنْهََا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} (البقرة: 25)، هذا موصول لأنّ حرف «ما» جاء لتعميم الأزمنة، فلا تفصيل فيها في الوجود، وما رزقوا هو غير مختلف، لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشََابِهاً} (البقرة: 25).
* ومنه «أينما» (1) موصول إذا كانت «ما» غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها مثل: {أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ} (2) (النحل: 76)، {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا} (البقرة: 115)، {أَيْنَمََا ثُقِفُوا أُخِذُوا}
(الأحزاب: 61)، {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (النساء: 78) فهذه كلها لم تخرج عن «الأين» الملكيّ، وهو متصل حسّا، ولم يختلف فيه الفعل الذي مع «ما».
وتفصل «أين» حيث تكون «ما» مختلفة الأقسام في الوصف الذي بعدها، مثل: {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} (الشعراء: 92). {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مََا كُنْتُمْ} (الحديد: 4) {أَيْنَ مََا ثُقِفُوا إِلََّا بِحَبْلٍ مِنَ اللََّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النََّاسِ} (آل عمران: 112).
* ومنه «بئسما» (3) مفصول (4)، إلا ثلاثة أحرف: اثنان في البقرة: {بِئْسَمَا} [5] اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ (البقرة: 90). {بِئْسَمََا} [5] يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمََانُكُمْ (البقرة: 93)، وفي الأعراف:
{بِئْسَمََا} [5] خَلَفْتُمُونِي (الأعراف: 150). فحرف «ما» ليس فيه تفصيل، لأنه بمعنى واحد في الوجود من جهة كونه باطلا مذموما، على خلاف حال «ما» في المائدة: {تَرى ََ كَثِيراً مِنْهُمْ يُسََارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوََانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَعْمَلُونَ} (المائدة: 62)، فحرف
__________
(1) انظر المقنع للداني ص 72باب ذكر ما رسم في المصاحف من الحروف المقطوعة على الأصل والموصولة على اللفظ، ذكر أينما.
(2) في المخطوطة: (أينما تولوا) مكرر بدل (يوجهه).
(3) انظر المقنع للداني ص 74ذكر بئس ما.
(4) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (موصول) مما عكس معنى العبارة، والصواب ما أثبتناه، كما في المقنع ص 74، وانظر فنون الأفنان لابن الجوزي ص 231باب في كتابة المصحف وهجائه، فصل ذكر بئس ما.
(5) حرّف رسم كلمة (بئسما) في المطبوعة والمخطوط فكتبت بالفصل (بئس ما) في المواضع الثلاثة والصواب وصلها كما في المصحف العثماني، وانظر المقنع ص 74، وفنون الأفنان ص 231.(2/45)
«ما» يشتمل على الأقسام التي ذكرت قبل. وكذلك: {لَبِئْسَ مََا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}
(المائدة: 80). حرف «ما» مفصول لأنه يشمل ما بعده من الأقسام.
* ومنه (1) {يَوْمَ هُمْ عَلَى النََّارِ يُفْتَنُونَ} (الذاريات: 13). {يَوْمَ هُمْ بََارِزُونَ} (غافر:
16)، حرفان فصل الضمير منهما لأنه مبتدأ، وأضيف «اليوم» إلى الجملة المنفصلة عنه. و {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} (الطور: 45) و {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} (الزخرف: 83)، وصل الضمير لأنه مفرد فهو جزء الكلمة المركبة من «اليوم» المضاف والضمير المضاف إليه.
* ومنه (2) «في ما» مفصول أحد عشر حرفا: في البقرة {فِي مََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} (الآية: 240)، وذلك لأنّ «ما» يقع على فرد واحد من أنواع ينفصل بها المعروف في الوجود [و] (3) على البدلية أو الجمع يدلّ على ذلك تنكيره «المعروف» ودخول حرف التبعيض عليه، فهو حسّيّ يقسّم، وحرف «ما» وقع على كلّ واحد منهما على البدلية أو الجمع وأما قوله: {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، (البقرة: 234) فهذا موصول لأن «ما» واقعة على شيء [واحد] (3) غير مفصل، يدلّك عليه وصفه بالمعروف. وكذلك: {فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خََالِدُونَ} (الأنبياء: 102)، وهو مفصول لأن شهوات الأنفس مختلفة أو مفصلة في الوجود كذلك، فتدبّره في سائرها.
* ومنه (5): (لكيلا) موصول في ثلاثة مواضع وباقيها منفصل وإنما يوصل حيث يكون حرف النفي دخل على معنى كلّي فيوصل لأن نفي الكليّ نفي لجميع جزئياته، فعلّة نفيه هي علّة نفي أجزائه وليس للكلي المنفي أفراد في الوجود، وإنما ذلك فيه بالتوهم، ويفصل حيث يكون حرف النفي دخل على جزئي فإن نفي الجزئيّ لا يلزم منه نفي الكليّ فلا تكون علته علة نفي الجمع. {لِكَيْلََا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [في الحج] (6) (الآية: 5)، وفي الأحزاب: {لِكَيْلََا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} (الآية: 50)، وفي الحديد: {لِكَيْلََا تَأْسَوْا [عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ]} [6] (الآية: 23).
__________
(1) انظر المقنع للداني ص 75باب ذكر ما رسم في المصاحف من الحروف المقطوعة على الأصل والموصولة على اللفظ، ذكر يوم هم.
(2) انظر المقنع ص 7271ذكر (في ما).
(3) ساقط من المخطوطة.
(5) انظر المقنع للداني ص 75ذكر لكي لا.
(6) ساقط من المخطوطة.(2/46)
فهذه هي الموصولة [63/ ب] وهي بخلاف: {لِكَيْ لََا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} (1) (الآية:
70) في النحل لأن الظرف في هذا خاص الاعتبار وهو في الأول عام الاعتبار لدخول «من» عليه وهذا كقوله تعالى عن أهل الجنّة: {إِنََّا كُنََّا قَبْلُ فِي أَهْلِنََا مُشْفِقِينَ} (الطور: 26)، اختص المظروف ب «قبل» في الدنيا، ففيها كانوا مشفقين خاصة. وقال تعالى: {إِنََّا كُنََّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (الطور: 28)، فهذا الظرف عام لدعائهم بذلك في الدنيا والآخرة فلم يختص المظروف ب «قبل» بالدنيا. وكذلك: {لِكَيْ لََا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوََاجِ أَدْعِيََائِهِمْ إِذََا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} (الأحزاب: 37) فهذا المنفي هو حرج مقيد بظرفين.
وكذلك: {كَيْ لََا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيََاءِ مِنْكُمْ} (الحشر: 7)، فهذا النفي هو كون: {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ} (الحشر: 7) دولة بين الأغنياء من المؤمنين، وهذه قيود كثيرة.
* ومن ذلك «هم» ونحوه من الضمائر تدلّ على جملة المسمّى من غير تفصيل، والإضمار حال لا صفة وجود، فلا يلزمها التقسيم الوجوديّ إلا الوهمي الشعريّ والخطأ بما يرسم على العلم الحق.
* ومن ذلك (2) «مال» (3) أربعة أحرف مفصولة وذلك أن اللام وصلة إضافية، فقطعت حيث تقطع الإضافة في الوجود.
فأولها في سورة النساء: {فَمََا لِهََؤُلََاءِ الْقَوْمِ} (النساء: 78)، هذه الإشارة للفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل لهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} (النساء: 77) فقطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما، كما أخبر سبحانه [والله] (4) قد وصل ذلك وأمر به في قوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} (النساء: 78) فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل فقطع لام وصلهم في الخطّ علامة لذلك. وفيه تنبيه على أنّ الله يقطع وصلهم
__________
(1) الآية في المخطوطة (من بعد علم) بزيادة (من) والصواب ما أثبتناه.
(2) في المخطوطة (وكذلك «مال»).
(3) انظر المقنع للداني ص 75باب ذكر ما رسم في المصاحف من الحروف المقطوعة على الأصل والموصولة على اللفظ، ذكر فمال.
(4) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.(2/47)
بالمؤمنين وذلك في [يوم الفصل] (1): {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنََافِقُونَ وَالْمُنََافِقََاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونََا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} (الحديد: 13).
والثاني في سورة الكهف: {وَيَقُولُونَ يََا وَيْلَتَنََا مََا لِهََذَا الْكِتََابِ لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً} (الآية:
49) وهؤلاء قطعوا بزعمهم [وصل] (1) جعل الموعد لهم بوصل إحصاء الكتاب، وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله، فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة، ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف.
والثالث في سورة الفرقان: {وَقََالُوا مََا لِهََذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعََامَ} (الآية: 7)، فقطعوا وصل الرسالة لأكل الطعام فأنكروا، فقطعوا قولهم هذا ليزول عن اعتقادهم أنه رسول، فقطع اللّام علامة لذلك.
والرابع في المعارج: {فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} (الآية: 36)، هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفات، كما يدل عليه {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ عِزِينَ} (المعارج: 37)، قطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم، فقطع الله طمعهم في دخول الجنّة ولذلك قطعت اللام علامة عليه.
* ومن ذلك (3): {ابْنَ أُمَّ} في الأعراف (الآية: 150) مفصول، على الأصل، وفي طه ابنؤم (الآية: 94) موصول لسرّ لطيف وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر إليه فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجود، ولما تمادى ناداه بحرف النداء، ينبّهه لبعده عنه في الحال، لا في المكان، مؤكدا لوصلة الرّحم بينهما بالربط فلذلك وصل في الخط، ويدل عليه نصب «الميم» ليجمعهما الاسم بالتعميم.
* ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها، وهي: الألف، والواو، والدال، والذال، والراء، والزاي لأنها علامات لانفصالات ونهايات، وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(3) انظر المقنع ص 76باب ذكر ما رسم في المصاحف من الحروف المقطوعة على الأصل والموصولة على اللفظ، ذكر ابن أم(2/48)
فصل في بعض حروف الإدغام
* فمنه: {[عَنْ]} [1] مََا نُهُوا عَنْهُ (الأعراف: 166)، فرد ظهر فيه النون وقطع عن الوصل لأن معنى «ما» عموم كلّيّ تحته أنواع مفصّلة في الوجود غير متساوية في حكم النّهي عنها، ومعنى «عن» المجاوزة، والمجاوزة للكليّ مجاوزة لكل واحد من جزئياته، ففصل علامة لذلك.
* وكذلك: (من (2) ما) ثلاثة أحرف مفصولة لا غير، [64/ أ] في النساء: من ما ملكت أيمانكم (الآية: 25) وفي الروم: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (الآية: 28) وفي المنافقين: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مََا رَزَقْنََاكُمْ} (الآية: 10) وحرف «ما» في هذه كلّها مقسّم في الوجود بأقسام منفصلة غير متساوية في الأحكام، وهي بخلاف قوله: {مِمََّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} (البقرة:
79)، فإنّها وإن كان تحتها أقسام كثيرة فهي غير مختلفة في وصفها بكتب أيديهم، فهو نوع واحد يقال على معنى واحد من تلك الجهة هو في إفراده بالسويّة.
* وكذلك: «أم (3) من» بالفصل، أربعة أحرف لا غير، في النساء: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (الآية: 109). وفي التوبة: {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ} (الآية: 109). وفي الصافّات:
{أَمْ مَنْ خَلَقْنََا} (الآية: 11). وفي السجدة: {أَمْ مَنْ يَأْتِي} (فصلت: 40). فهذه الأربعة الأحرف «من» فيها تقسّم في الوجود بأنواع مختلفة في الأحكام بخلاف غيرها، مثل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا [عَلى ََ وَجْهِهِ أَهْدى ََ أَمَّنْ يَمْشِي]} [4] (الملك: 22)، فهذا موصول، لأنه من نوع واحد حيث يمشي على صراط مستقيم. وكذا: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرََاراً} (النمل: 61) لا تفاصيل تحتها في الوجود.
* وكذلك: (عن (5) من) مفصول: حرفان في النور: {عَنْ مَنْ يَشََاءُ} (الآية: 43)، وفي النجم: {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} (الآية: 29)، حرف «من» فيهما كلّي وحرف «عن» للمجاوزة،
__________
(1) انظر المقنع ص 69ذكر (عن ما)، وما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) انظر المقنع ص 68ذكر (من ما).
(3) انظر المقنع للداني ص 71ذكر (أم من).
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) انظر المقنع ص 71ذكر (عن من).(2/49)
والمجاوزة عن الكليّ مجاوزة لجميع جزئياته دون العكس فلا وصلة بين الجزءين في الوجود فلا يوصلان في الخطّ.
* وكذلك «ممّن» (1) موصول كلّه لأن «من» بفتح الميم جزئيّ بالنسبة إلى «ما»، فمعناه «أزيد» من جهة المفهوم، ومعنى «ما» أزيد من جهة العموم، والزائد من جهة المفهوم منفصل وجودا بالحصص، والحصة منه لا تنفصل، والزائد من جهة المفهوم لا ينفصل وجودا.
* وكذلك: {وَإِنْ} [2] مََا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ في سورة الرعد (الآية: 40)، فردة مفصولة، ظهر فيها حرف الشرط في الخط لوجهين: أحدهما أنّ الجواب المرتّب عليه بالفاء ظاهر في موطن الدنيا، وهو {الْبَلََاغُ} (3) بخلاف قوله: {فَإِمََّا نُرِيَنَّكَ} (غافر: 77) فإنه أخفى فيه حرف الشرط في الخط لأنّ الجواب المرتب عليه بالفاء خفيّ عنّا، وهو الرجوع إلى الله، والثاني أنّ القصة الأولى منفصلة من الشرط وجوابه، وانقسم الجواب إلى جزءين:
أحدهما الترتيب بالفاء وهو البلاغ، (4) [والثاني المعطوف عليه وهو الحساب. وأحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة، والأول ظاهر لنا] (4) والثاني خفيّ عنا. وهذا الانقسام صحيح في الوجود، فقد انقسمت هذه الشرطية إلى شرطين، لانفصال جوابها إلى قسمين متغايرين، ففصل حرف الشرط علامة لذلك، وإذا انفصلت لزم كتبه على الوقف، والشرطية الأخرى لا تنفصل، بل هي واحدة لاتحاد جوابها، فانفصال حرف الشرط علامة لذلك.
* وكذلك: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فرد في القصص (الآية: 50) ثابت النون، وفي هود: (الآية: 14) {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فرد بغير نون أظهر حرف الشرط في الأول لأن جوابه المترتّب عليه بالفاء هو {فَاعْلَمْ} (القصص: 50) متعلق بشيء ملكوتي (6) [ظاهر، سفليّ وهو اتباعهم {أَهْوََاءَهُمْ} (7)، وأخفي في الثاني لأن جوابه المترتّب عليه بالفاء هو علم متعلّق بشيء ملكوتي] (6) خفيّ، علويّ وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد (9).
__________
(1) انظر المقنع ص 6968عقب كلامه على: (من ما)، ذكر (ممن).
(2) انظر المقنع ص 69ذكر (وإن ما).
(3) المراد به تتمة الآية من سورة الرعد {فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ}
(4) ساقط من المخطوطة.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) إشارة إلى بقية الآية من سورة القصص {فَاعْلَمْ أَنَّمََا يَتَّبِعُونَ أَهْوََاءَهُمْ}
(9) إشارة إلى بقية الآية من سورة هود {فَاعْلَمُوا أَنَّمََا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللََّهِ وَأَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.(2/50)
* ومن ذلك: «أن (1) لن» كلّه مفصول إلّا حرفان: {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} في الكهف (الآية: 48)، {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ} في القيامة (الآية: 3) سقطت النون منهما في الخط تنبيها على أنّ ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم ما ليس بمعلوم نسبوه إلى الحيّ القيوم، فأدغم حرف توكيدهم [الكاذب] (2) في حرف النفي السالب هو، بخلاف قوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} (التغابن: 7)، فهؤلاء لم ينسبوا ذلك لفاعل إذ ركب الفعل لما لم يسمّ فاعله، وأقيموا فيه مقام [الفاعل] (2)، فعدم بعثهم تصوّروه من أنفسهم، وحكموا به عليها توهما، فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة، ولكونه حقّا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد [ظاهرا] (4) وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب.
* ومن ذلك كلّ ما في القرآن «أن (5) لا» فهو موصول إلا عشرة مواضع فهي مفصولة، تكتب النون فيها باتفاق، وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها: أولها في الأعراف: {أَنْ لََا أَقُولَ عَلَى اللََّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (الآية: 105)، و {أَنْ لََا يَقُولُوا عَلَى اللََّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (الآية: 169)، و {أَنْ لََا مَلْجَأَ مِنَ اللََّهِ} في التوبة (الآية: 118) {وَأَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ}
(الآية: 14)، و {[أَنْ لََا تَعْبُدُوا]} [2] إِلَّا اللََّهَ إِنِّي أَخََافُ (الآية: 26) في هود، و {أَنْ لََا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} في الحج (الآية: 26). و {أَنْ لََا تَعْبُدُوا الشَّيْطََانَ} في يس (الآية: 60).
{وَأَنْ لََا تَعْلُوا عَلَى اللََّهِ} في الدخان (الآية: 19). و {أَنْ لََا يُشْرِكْنَ [بِاللََّهِ شَيْئاً]} [7] في الممتحنة (الآية: 12). و {أَنْ لََا يَدْخُلَنَّهَا} في القلم (الآية: 24). وواحد فيه خلاف {أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ} في الأنبياء (الآية: 87).
فتأمل كيف صحّ في الوجود هذا التوكيد الأخير، فلم يدخلها عليهم مسكين [لكن] (8)
على غير ما قصدوا وتخيّلوا فيه.
__________
(1) انظر المقنع للداني ص 70ذكر (أن لن).
(2) ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة وتصحّفت كلمة: (وأدغم) في المخطوطة إلى (وأبدل).
(5) انظر المقنع للداني ص 68ذكر (أن لن).
(7) ساقط من المخطوطة.
(8) ساقط من المطبوعة.(2/51)
* وكذلك لام التعريف (1) [64/ ب] المدغمة في اللفظ في مثلها أو غيرها، لما كانت للتعريف وشأن المعرّف أن يكون أبين وأظهر، لا أخفى وأستر أظهرت في الخط، ووصلت بالكلمة، لأنّها صارت جزءا منها من حيث [هي] (2) معرّفة [بها] (2)، هذا هو الأصل، وقد حذف حيث يخفى معنى الكلمة [مثل] (2) «الّيل» فإنه بمعنى مظلم لا يوضّح الأشياء بل يسترها ويخفيها، وكونه واحدا إما للجزئيّ أو للجنس فأخفي حرف تعريفه في مثله، فإن تعين للجزئيّ بالتأنيث رجع إلى الأصل. ومثل «الذي» و «التي» وتثنيتهما وجمعهما فإنه [مبهم] (5) في المعنى والكمّ، لأن أول حدّه للجزئي وللجنس (6) للثلاث أو غيرها ففيه ظلمة الجهل كالليل.
ومثل «الئي» (7) في الإيجاب، فإنّ لام التعريف دخلت على «لا» النافية وفيها ظلمة العدم كالليل، ففي هذه الظلمات الثلاث يخفى حرف التعريف.
* وكذلك «الأيكة» (8) نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل لتحريك اللام، وحذفت ألف عضد الهمزة ووصل اللام، فاجتمعت الكلمتان، فصارت «ليكة» علامة على اختصار وتلخيص وجمع في المعنى وذلك في حرفين: أحدهما في الشعراء (الآية: 176) جمع فيه قصّتهم مختصرة وموجزة في غاية البيان، وجعلها جملة فهي آخر (9)
قصة في السورة بدليل قوله: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً} (الشعراء: 190) فأفردها، والثاني في ص (الآية: 13)، جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جهة واحدة، هم آخر أمّة فيها، ووصف الجملة، قال تعالى: {أُولََئِكَ الْأَحْزََابُ}، وليس الأحزاب وصفا لكل منهم بل هو وصف جميعهم.
وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظير هذين الحرفين: أحدهما في الحجر: {وَإِنْ كََانَ أَصْحََابُ الْأَيْكَةِ لَظََالِمِينَ} (الآية: 78) أفردهم بالذكر والوصف. والثاني في ق:
{وَأَصْحََابُ الْأَيْكَةِ} (الآية: 14)، جمعوا فيه مع غيرهم، ثم حكم على كلّ منهم لا على
__________
(1) انظر المقنع للداني ص 67باب ذكر ما حذفت منه إحدى اللامين في الرسم المعنى وما أثبت فيه على الأصل.
(2) ساقط من المخطوطة.
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة زيادة لفظة: (وكثيرة للثلاث).
(7) تصحّفت في المخطوطة إلى (إلا) والصواب ما أثبتناه كما في المقنع للداني ص 67.
(8) انظر المقنع ص 21فصل ألف ليكة.
(9) في المخطوطة (فهي أحسن).(2/52)
الجملة، قال تعالى: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} (الآية: 14)، فحيث يعتبر فيهم التفضيل فصل لام التعريف، وحيث يعتبر فيهم التوصيل وصل للتخفيف.
* وكذلك: لتّخذت عليه أجرا (الكهف: 77)، حذفت الألف ووصلت [اللام] (1)
لأن العمل في الجدار قد حصل في الوجود، فلزم عليه الأجر، واتصل به حكما، بخلاف:
{لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} (الإسراء: 73) ليس فيه وصلة اللزوم.
فصل في حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى
مثل: {وَزََادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (البقرة: 247)، {وَزََادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً}
(الأعراف: 69) {(2) يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشََاءُ} (الرعد: 26)، {وَاللََّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ}
(البقرة: 245)، فبالسين السعة (3) الجزئية كذلك علة التقييد، وبالصاد السعة (3) الكلية بدليل علوّ معنى الإطلاق، وعلو الصاد مع الجهارة والإطباق. وكذلك: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} (البقرة:
23)، {فِي أَيِّ صُورَةٍ} (الانفطار: 8)، {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} (الحديد: 13)، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} (يس: 51)، فبالسين ما يحصر الشيء خارجا عنه، وبالصاد ما تضمنه منه. وكذلك:
{يَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} (هود: 5)، {وَكََانُوا يُصِرُّونَ} (الواقعة: 46)، فبالسين من السر، وبالصاد من التمادي. وكذلك: {يُسْحَبُونَ فِي النََّارِ} (القمر: 48) و {مِنََّا يُصْحَبُونَ} (الأنبياء: 43)، فبالسين من الجرّ، وبالصاد من الصحبة.
وكذلك: {نَحْنُ قَسَمْنََا [بَيْنَهُمْ]} [5] (الزخرف: 32)، {وَكَمْ قَصَمْنََا} (الأنبياء: 11)، بالسين تفريق الأرزاق والإنعام، وبالصاد تفريق الإهلاك والإعدام. وكذلك: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ * إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (القيامة: 22و 23) بالضاد منعّمة بما تشتهيه الأنفس، وبالظاء منعّمة بما تلذ الأعين. وهذا الباب كثير، يكفي فيه اليسير.
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) في المخطوطة زيادة لفظة (إنه يبسط) وليست من القرآن.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (السبعة).
(5) ساقط من المخطوطة.(2/53)
فصل
كتبوا «الم» (البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة) و «المر» (الرعد) و «الر» (يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر) [موصولا] (1).
إن قيل: لم وصلوه والهجاء مقطع لا ينبغي وصله لأنه لو قيل لك: ما هجاء «زيد»؟ قلت: زاي، ياء، دال، وتكتبه مقطّعا، لتفرق بين هجاء الحروف وقراءته؟
قيل: إنما وصلوه لأنه ليس هجاء لاسم معروف وإنما هي حروف اجتمعت، يراد بكلّ حرف معنى.
فإن قيل: لم قطعوا «حم عسق» (الشورى) ولم يقطعوا «المص» (الأعراف) و «كهيعص» (مريم)؟
قيل: «حم» قد جرت في أوائل سبع سور، (غافر، فصّلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف) فصارت اسما للسور، فقطعت مما قبلها.
وجوزوا في: {ق وَالْقُرْآنِ} (ق 1) و {ص وَالْقُرْآنِ} (ص: 1) وجهين: من جزمهما فهما حرفان، ومن كسر آخرهما فعلى أنه أمر كتب على لفظهما.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.(2/54)
النوع السادس والعشرون معرفة فضائله (1)
وقد صنف فيه أبو بكر ابن أبي شيبة (2)، وأبو عبيد القاسم بن
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: الموطأ للامام مالك 1/ 221199، كتاب القرآن (15). والمصنف لعبد الرزاق 3/ 384335، كتاب فضائل القرآن، والمصنف لابن أبي شيبة 10/ 565456، كتاب فضائل القرآن، وسنن الدارمي 2/ 474429، كتاب فضائل القرآن، وصحيح البخاري (مع فتح الباري) 9/ 1034، كتاب فضائل القرآن (66)، وصحيح مسلم (بتحقيق عبد الباقي) 1/ 576543ضمن كتاب صلاة المسافرين، جامع أبواب فضائل القرآن، وسنن الترمذي (بتحقيق شاكر) 5/ 184155، كتاب فضائل (ثواب) القرآن (46)، وعلل الحديث لابن أبي حاتم 2/ 10054، علل أحاديث رويت في القرآن وتفسيره والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ 8657، كتاب الرقائق، باب قراءة القرآن، وعمل اليوم والليلة لابن السني ص 163و 250والفهرست لابن النديم: 39الفن الثالث من المقالة الأولى، الكتب المؤلفة في فضائل القرآن، والمستدرك للحاكم 1/ 575550كتاب فضائل القرآن والسنن الكبرى للبيهقي 2/ 395، كتاب الصلاة، باب المعاهدة على قراءة القرآن ومصابيح السنة للبغوي 2/ 135107، كتاب فضائل القرآن (8)، وشرح السنة له أيضا 4/ 529425، كتاب فضائل القرآن، ومقدمة تفسير ابن عطية 1/ 33باب ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلم وعن الصحابة ونبهاء العلماء في فضل القرآن، وفنون الأفنان لابن الجوزي ص 142، باب ذكر نبذة من فضائل القرآن، وجامع الأصول لابن الأثير 2/ 447، ضمن حرف التاء الكتاب الثاني في تلاوة القرآن وقراءته والترغيب والترهيب للمنذري 2/ 393342 (طبعة عمارة) كتاب قراءة القرآن، ومقدمة تفسير القرطبي 1/ 4باب ذكر جملة من فضائل القرآن. ورياض الصالحين للنووي ص 184180 (طبعة شعيب الأرناءوط) كتاب فضائل باب فضل قراءة القرآن، والأذكار له أيضا (طبعة الفكر دمشق) ص 174، كتاب تلاوة القرآن، ومجمع الزوائد للهيثمي 2/ 270267، كتاب الصلاة، باب التغني بالقرآن وما بعده والمطالب العالية لابن حجر 3/ 300282، كتاب فضائل القرآن، والإتقان للسيوطي 4/ 102، النوع 72، ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 512، علم معرفة فضائل القرآن، وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 526و 2/ 1277 علم فضائل القرآن وترتيب العلوم للمرعشي ص 128و 220، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 399، علم فضائل القرآن، وإيضاح المكنون للبغدادي 1/ 348و 2/ 197ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص 407، ومعجم مصنفات القرآن الكريم لعلي شواخ 3/ 309، ومقدمة التحقيق لكتاب فضائل القرآن للنسائي كتبها سمير الخولي.
(2) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة تقدم ذكره في 1/ 276، وله كتاب: «ثواب القرآن» ذكره السيوطي في(2/55)
سلّام (1)، والنّسائيّ (2) وغيرهم (3). وقد صحّ فيه أحاديث باعتبار الجملة، وفي بعض السور بالتعيين. وأما حديث أبيّ بن كعب [رضي الله عنه] في فضيلة [سوره] (4) [65/ أ] سورة سورة،
__________
الإتقان 4/ 102، وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 526، وذكره الشواخ في معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 313.
(1) تقدم التعريف به في 1/ 119، وكتابه: فضائل القرآن مخطوط بألمانيا / جامعة توبنجن برقم 95، ونشر قسم منه في مجلة إسلاميكا بتحقيق إيزن وبرتزل، انظر بروكلمان (مترجم) 2/ 158.
(2) هو الإمام أحمد بن شعيب صاحب «السنن» وله فضائل القرآن طبع بدار الثقافة بالمغرب بتحقيق فاروق حمادة سنة 1400هـ / 1980م (نشرة أخبار التراث 9/ 28)، وأعيد صفّه في بيروت بتصحيح سمير الخولي بمؤسسة الكتب الثقافية سنة 1405هـ / 1985م.
(3) ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع سوى ما ذكره الزركشي * «فضائل القرآن» لأبيّ بن كعب الأنصاري ت 21هـ (ذكره ابن النديم في الفهرست: 39) * «منافع سور القرآن» لجعفر الصادق، ابو عبد الله بن محمد الباقر (ت 148هـ) مخطوط في مكتبة جوتا بألمانيا برقم 30و 1256ونسخة بالفاتيكان برقم 4و 4014 (بروكلمان 1/ 260) * «فضائل القرآن» لعمرو بن هيثم ت 198هـ (الفهرست: 39)، * «ثواب القرآن» لإسماعيل بن مهران بن محمد السكوني ت 203هـ (ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء: 8) * «منافع القرآن» لمحمد بن إدريس الشافعي ت 204هـ (كشف الظنون 2/ 1835) * «فضائل القرآن» للحسن بن علي بن أبي حمزة كان حيا قبل 224هـ (ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء: 35) * «فضائل القرآن» لخلف بن هشام البزاز ت 229هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» لأحمد بن المعذّل ت 240هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» لهشام بن عمارت 245هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» لأبي عمر الدوري ت 246هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» من اختيار محمد بن مكرم ت 181هـ للرياشي أبي الفضل ت 257هـ (سيزكين، تاريخ التراث 1/ 35) * «فضائل القرآن» ليحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين ت 257هـ (الفهرست ص: 70)، * «ثواب القرآن» لأحمد بن محمد بن خالد ت 274هـ (معجم الأدباء 4/ 134) * «فضائل القرآن» لعلي بن حسن بن فضال ت 290هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفار ت 290هـ (إيضاح المكنون 4/ 199) * «فضائل القرآن وما أنزل من القرآن بمكة وما نزل بالمدينة» لابن الضريس، محمد بن أيوب (ت 294هـ) طبع بتحقيق غزوة بدير، بدار الفكر بدمشق عام 1408هـ / 1987م في 184ص * «فضائل القرآن» لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة ت 297هـ (الفهرست ص: 39) * «فضائل القرآن» لعلي بن إبراهيم بن هاشم القميّ من القرن الثالث للهجرة (الداوديّ، طبقات المفسرين 1/ 385) * «فضائل القرآن» لجعفر بن محمد الفريابي (ت 301هـ) مخطوط في الظاهرية: 3868، ويقوم بتحقيقه عاطف صالح كرسالة ماجستير مسجلة في المعهد العالي للدراسات الإسلامية ببيروت عام 1408هـ / 1988م * «فضائل القرآن» لابن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث ت 310هـ (الفهرست: 288) * «فضائل القرآن» للعياشي محمد بن مسعود الشيعي ت 320هـ (الفهرست: 40و 245) * «فضائل القرآن» لابن هارون الأودني داود بن موسى ت 320هـ
(4) زيادة في الأصول يقتضيها المعنى.(2/56)
__________
(كشف الظنون 2/ 1277) * «فضائل القرآن» لعلي بن إبراهيم بن هاشم كان حيا 329هـ (الفهرست:
40) * «فضائل القرآن» للكليني محمد بن يعقوب ت 329هـ (إيضاح المكنون 4/ 197) * «فضائل القرآن» لمحمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو بكر الكناني المعروف بابن الحداد ت 344هـ (الفهرست: 39) * «فضائل القرآن» لأبي علي أحمد بن محمد بن عمار الكوفي الشيعي ت 346هـ (إيضاح المكنون 2/ 199) * «ثواب القرآن» لأبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني كان حيا سنة 346هـ (إيضاح المكنون 3/ 348) * «ثواب القرآن» لأحمد بن محمد بن سيّار البصري ت 360هـ (إيضاح المكنون 3/ 348) * «ثواب القرآن العظيم» لعبد السلام بن أحمد بن سهيل البصري ت 370هـ مخطوط منه نسخة كتبت سنة 554هـ مخطوطة في مكتبة الأوقاف العراقية ببغداد رقم 8/ 2886 (بروكلمان 1/ 76) * «كتاب الفضائل وجامع الدعوات والأذكار» لمحمد بن الخفيف أبي عبد الله الشيرازي ت 371هـ رتبه على اثنين وستين ومائتي باب ذكر فيها فضائل القرآن (كشف الظنون 2/ 1447) * «فضائل القرآن» لأبي شبيل (الفهرست ص: 39) * «منافع القرآن» لمحمد بن أحمد بن سعيد التميمي ت 380هـ (كشف الظنون ص: 1574) * «فضائل القرآن» لعباس بن أصبغ الهمذاني ت 386هـ (ذكره ابن خير في الفهرست: 71) * «التنبيه على فضل علوم القرآن» للنيسابوري، الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب أبي القاسم ت 406هـ (كشف الظنون 1/ 489) * «فضائل القرآن» لجعفر بن المعتز أبي العباس المستغفري النسفي ت 432هـ (الداوديّ طبقات المفسرين 1/ 125) * «فضائل القرآن» للهروي، أبي ذر عبد بن أحمد ت 434هـ (ذكره ابن خير في فهرسته: 7) * «فضائل القرآن» لأبي الحسن بن صخر الأزدي ت 443هـ (كشف الظنون: 2/ 1277) * فضائل القرآن لعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن أبي الفضل الرازي ت 454هـ (ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1277) * «فضائل القرآن» لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي ت 468هـ (كشف الظنون 2/ 1277) * «رسالة في فوائد القرآن» للراغب الأصفهاني ت 502هـ (كشف الظنون 1/ 881) * «رسالة في فضل القرآن وتلاوته» للغزالي، أبي حامد محمد بن محمد بن محمد ت 505هـ (مؤلفات الغزالي: 337) * «الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم» لابن الخشاب محمد بن أحمد، ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 736أن وفاته كانت سنة 567، خطأ، وهو متوفى نحو سنة 620هـ، وقد جاء الكتاب بهذا الاسم بدار الكتب الوطنية بتونس: 3729، واسمه في سائر النسخ الخطية: «الدر النظيم في خواص القرآن العظيم» كذا في الأوقاف ببغداد: 6775، 2456، والأزهر: 330بخيت، 45961، وقد أخبر المؤلف في مقدمته أنه جمع فيه بين كتاب «البرق اللامع» (في فضائل القرآن) للوادياشي، وبين كتاب الغزالي في خواص فواتح السور وآيات من القرآن * «فضائل القرآن» ويسمى «لمحات الأنوار ونفحات الأزهار في فضائل القرآن» للغافقي أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الواحد (ت 619هـ) مخطوط في مكتبة بلدية الاسكندرية رقم 1158ب وفي الظاهرية رقم 1372، وبالمكتبة الملكية بالرباط رقم 6433، ويقوم بتحقيقه محمد بن عبد العزيز الحمادي كرسالة ماجستير بجامعة أم القرى (أخبار التراث العربي 5/ 22) * «فضائل القرآن» لأحمد بن محمد بن المظفر الحنفي، ت 631هـ (إيضاح المكنون 4/ 197) * «فضائل القرآن» للضياء المقدسي محمد بن عبد الواحد ت 643هـ (سير أعلام النبلاء 23/ 126) * «التذكار في أفضل الأذكار» لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر القرطبي (ت 671هـ) طبع بمطبعة محمد أمين الخانجي عام 1356هـ / 1936م بتحقيق أحمد بن(2/57)
__________
محمد بن الصديق الغماري، وطبع بالمطبعة السلفية عام 1389هـ / 1969م وطبع بتحقيق ثروت محمد نافع في القاهرة دار التوحيد عام 1399هـ / 1979م، وطبع «باسم التذكار في أفضال القرآن» بتحقيق عبد القادر الأرناءوط بدمشق وصور بالأوفست عن طبعة الخانجي عام 1401هـ / 1981م بدار الكتب العلمية في بيروت، وطبع بتحقيق فواز زمر لي بدار الكتاب العربي في بيروت عام 1408هـ / 1988م * «فتح المنان في تفسير القرآن» تحدث فيه عن فضائل القرآن للشيرازي بن مسعود بن مصلح، ت 710هـ مخطوط في دار الكتب 181تفسير، وعنه نسخة مصورة في معهد المخطوطات العربية رقم 158 (معجم الدراسات القرآنية:
418) * «الدر النظيم في فضائل القرآن مع الأرجوزة المنظومة» لمحمد بن الوحيدي (ت 711هـ) مخطوط في آيا صوفيا رقم 383 (معجم الدراسات القرآنية: 417) * «مختصر الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم» لليافعي عبد الله بن أسعد (ت 768هـ) وهو مختصر من كتاب ابن الخشاب كما يقول حاجي خليفة طبع في مصر عام 1282هـ / 1865م في 24ص، وعام 1315هـ / 1897م، وعام 1321هـ / 1903م، وعام 1322هـ / 1904م، وفي مط، مصطفى البابي الحلبي عام 1349هـ / 1930م في 112ص وأعيد طبعه فيها عام 1378هـ / 1958م. وفي المط. السعيدية بالقاهرة في 128ص * «فضائل القرآن» لابن كثير، إسماعيل (ت 774هـ) طبع مع التفسير في القاهرة بمطبعة المنار عام 1327هـ / 1909م، وفي بيروت دار الأندلس عام 1400هـ 1979م، بدار المعرفة عام 1406هـ / 1986م وطبع باسم «رسالة في فضائل القرآن» (مع تفسير ابن كثير) في القاهرة مط المنار * «منافع القرآن العظيم» لعبد الرحمن بن أحمد بن علي القرشي، ت 781هـ (إيضاح المكنون 4/ 559) * «فضائل القرآن» لابن الجزري محمد بن محمد (ت 833هـ) مخطوط في دار الكتب رقم 585تفسير، ومنه صورة في معهد المخطوطات رقم 163 (معجم الدراسات القرآنية: 419)، * «رسالة في فضل تلاوة القرآن» لابن حجر (ت 852هـ) مخطوط في الأوقاف العراقية 2/ 12328مجاميع (معجم الدراسات القرآنية: 417) * «الإتقان في فضائل القرآن» (ولعله الكتاب السابق) لأبي الفضل ابن حجر العسقلاني ت 852هـ (كشف الظنون 1/ 8) * «اللوامع والأسرار في منافع القرآن والأخبار» لسلمة بن عيسى (كان حيا سنة 860هـ) مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس: 3888 (معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 321) * «هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن» ليوسف بن حسن بن أحمد (ت 909هـ) مخطوط في الظاهرية: 1345 (معجم الدراسات القرآنية: ص 422) * «الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم» لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ) مخطوط في مكتبة الأوقاف العراقية رقم 2456، 26، (معجم الدراسات القرآنية ص: 417) * «الإرشاد والتعزيز في فضل ذكر الله وتلاوة كتابه العزيز» لليافعي، أبي السعادات عبد الله بن أسعد اليمني، ت 971هـ (كشف الظنون 1/ 68) * «الوسيلة النافعة في فضائل القرآن» لفيض الله بن مصطفى الرومي الحنفي الواعظ، ت 1229هـ (إيضاح المكنون 4/ 78).
* «فضل القرآن يوم الحشر» لعبد الحميد كشك طبع في القاهرة ونشره المكتب المصري الحديث (معجم مصنفات القرآن 3/ 320) * «فضائل القرآن» لرضوان محمد رضوان، طبع في القاهرة بمطبعة مصر عام 1361هـ / 1941م * المجاهيل «فضائل القرآن» لعبد الرحمن الغرناطي (؟) مخطوط في الخزانة العامة بالرباط رقم 2923ك، * «البرق اللامع والغيث الهامع في فضائل القرآن العظيم» للوادياشي أبو بكر محمد بن أحمد الغساني (؟) وهو الذي نقل منه ابن الخشاب (ت نحو 650هـ) (كشف الظنون 1/ 239و 736) * «منافع القرآن» لعبد(2/58)
فحديث موضوع (1).
قال ابن الصلاح: «ولقد أخطأ الواحديّ [المفسّر] (2) ومن ذكره من المفسرين في ايداعه تفاسيرهم» (3).
قلت: وكذلك الثعلبي (4)، لكنّهم ذكروه بإسناد، فاللوم عليهم يقلّ بخلاف من ذكره بلا إسناد وجزم به كالزمخشريّ (5) فإن خطأه أشدّ.
وعن نوح بن أبي مريم (6) أنه قيل له: «من أين لك: عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل
__________
الرحيم بن علي بن إسحاق البوني؟ (كشف الظنون 2/ 1835) * «منافع القرآن» للتميمي الحكيم (؟) (كشف الظنون 2/ 1835) * «فضائل القرآن» لأبي عطاء المليحي؟ (كشف الظنون 2/ 1277)، * «ثواب القرآن» لمحمد بن حسان الرازي؟ (إيضاح المكنون 1/ 348) * «فضل حملة القرآن» للمربي المغربي، شمس الدين محمد بن أحمد (؟) مخطوط في الظاهرية: 3748مجاميع (معجم الدراسات القرآنية: 421* «أحاديث في فضل القرآن العظيم» مخطوط في دار الكتب التونسية رقم 3893ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية: 413) * «فضائل القرآن ومعجزاته» لمجهول مخطوط في مكتبة جامع الخاتون بالموصل رقم 16 (معجم الدراسات القرآنية ص: 421) * «جواهر القيان في فضائل القرآن» لمجهول مخطوط في الأوقاف العراقية ببغداد رقم 13571 (معجم الدراسات القرآنية ص: 415) * «حديث أربعين في فضائل القرآن» بالفارسية من كتب محمد جودت بمكتبة بلدية استانبول رقم 464 .. (معجم مصنفات القرآن 3/ 314).
(1) حديث أبي ذكر طرفه العقيلي في الضعفاء الكبير 1/ 156ضمن ترجمة بزيع بن حسان فقال: بسنده: (عن أبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أبيّ من قرأ بفاتحة الكتاب أعطي من الأجر فذكر فضائل السور سورة سورة إلى آخر القرآن، قال ابن المبارك: أظن الزنادقة وضعته) وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 242239أبواب تتعلق بالقرآن باب في فضائل السور، وذكره السيوطي في اللئالئ المصنوعة 1/ 227226باب فضائل القرآن.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) مقدمة ابن الصلاح: 48النوع الحادي والعشرون معرفة الموضوع.
(4) قال ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 240 (وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما يخصها وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك).
(5) حديث أبيّ ساقط من النسخة المطبوعة من الكشاف للزمخشري وموضعه آخر سورة الفاتحة، لكن الحافظ ابن حجر ذكر الحديث في كتابه: الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف المطبوع مع الكشاف ص 3حيث ذكره ضمن سورة الفاتحة الحديث (13).
(6) هو نوح بن أبي مريم بن جعونة المروزي أبو عصمة القرشي، قاضي مرو، روى عن أبيه، والزهري، وروى عنه عيسى بن موسى. أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى والحديث عن الحجاج بن أرطاة وطبقته، والمغازي عن ابن اسحاق، والتفسير عن الكلبي، ومقاتل توفي سنة 173هـ (ابن حجر، تهذيب التهذيب 10/ 486). وانظر قوله في مقدمة ابن الصلاح: 4847. واللئالئ المصنوعة 1/ 227.(2/59)
القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة».
ثم قد جرت عادة المفسرين ممن ذكر الفضائل أن يذكرها في أول كلّ سورة لما فيها من الترغيب والحث على حفظها إلا الزمخشري فإنه يذكرها في أواخرها. قال مجد الأئمة عبد الرحيم (1) بن عمر الكرمانيّ: «سألت الزمخشريّ عن العلّة في ذلك فقال: لأنّها صفات لها، والصفة تستدعي تقديم الموصوف».
وقد روى البخاري [رحمه الله] حديث «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» (2). وروى أصحاب السنن في حديث إلهي: «من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» (3). وقال عليه السلام:
«ما تقرّب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه» (4) قال أبو النّضر (5): يعني القرآن.
وروى أحمد من حديث أنس [رضي الله عنه]: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» (6).
__________
(1) في المخطوطة (عبد الرحمن بن عمر الكرماني).
(2) الحديث من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 74كتاب فضائل القرآن (66)، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (21) الحديث (5027).
(3) الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه الدارمي في السنن 2/ 441كتاب فضائل القرآن، كلام الله على سائر الكلام، والترمذي في السنن 5/ 184كتاب فضائل القرآن (46)، باب (25)، الحديث (2926)، وأخرجه ابن أبي حاتم في علل الحديث 2/ 82علل أخبار رويت في القرآن وتفسير القرآن، الحديث (1738)، وأخرجه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء 1/ 5وأخرجه أبو عمرو الداني في طبقات القراء (كنز العمال 1/ 445)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (مشكاة المصابيح 1/ 658).
(4) الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 268، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 176كتاب فضائل القرآن (46)، باب (17) الحديث (2911)، وأخرجه ابن السني (كنز العمال 1/ 529).
(5) أبو النضر أحد رواة الحديث هو هاشم بن القاسم بن مسلم البغدادي، مشهور بكنيته ولقبه قيصر، ثقة ثبت مات سنة 207هـ (ابن حجر تقريب التهذيب: 570).
(6) أخرجه أحمد في المسند 3/ 128127، وأخرجه أبو داود الطيالسي في المسند: 283الحديث (2124) وأخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 78المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (16)، الحديث (215)، وأخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن: 50الحديث (75) والعسكري في الأمثال (كنز العمال 1/ 523)، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (تحفة الأشراف 1/ 98)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 556كتاب(2/60)
وروى مسلم من حديث عمر رضي الله عنه: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» (1). وقدّم صلّى الله عليه وسلم في قتلى أحد في القبر أكثرهم قرآنا (2).
__________
فضائل القرآن باب أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 63ضمن ترجمة بديل بن ميسرة (208).
(1) أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 559كتاب صلاة المسافرين وقصرها (6)، باب فضل من يقوم بالقرآن
(47)، الحديث (269/ 817).
(2) ورد الخبر في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 374كتاب المغازي (64)، باب من قتل من المسلمين يوم أحد (26)، الحديث (4079).(2/61)
النوع السابع والعشرون معرفة خواصه (1)
وقد صنّف فيه جماعة منهم التميميّ (2)، وأبو حامد (3) الغزاليّ (4).
قال بعضهم: وهذه الحروف التي في أوائل السور، جعلها الله [تعالى] حفظا للقرآن من الزيادة والنقصان قال [الله] تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9).
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: مقدمة تفسير القرطبي 1/ 78والإتقان للسيوطي 4/ 137النوع الخامس والسبعون في خواصّ القرآن، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 525علم معرفة خواص القرآن، وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 727خواص القرآن، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 497علم معرفة خواص القرآن، ومعجم مصنفات القرآن لابتسام الصفار: 416415ضمن فضائل القرآن ومعجم مصنفات القرآن لعلي شواخ 3/ 322309ضمن فضائل القرآن، وراجع النوع السابع: في أسرار الفواتح في السور ص: 164.
(2) هو محمد بن أحمد بن سعيد التميمي، أبو عبد الله طبيب عالم بالنبات والأعشاب ولد في القدس وانتقل إلى مصر وتوفي بها نحو سنة 930هـ (طبقات الأطباء 2/ 87) وكتابه: «خواص القرآن الحكيم» مخطوط في الأزهر برقم (205/ 34119)، وفي ايا صوفيا برقم 276/ 277، ومنه نسخة باسم كشف السر المصون والعلم المكنون في مكتبة صوفيا ببلغاريا برقم 129، ومنه نسخ في دار الكتب الظاهرية برقم 1369/ 43تصوف، وبرقم 1370/ 44تصوف، برقم 6241، و 6613، و 7365 (معجم الدراسات القرآنية: 416).
(3) للغزالي مصنفات في خواص آي القرآن هي: «الذهب الإبريز في خواص كتاب الله العزيز» (كشف الظنون 1/ 828) ويسمى أيضا «خواص القرآن وفواتح السور»، (مؤلفات الغزالي: 106و 199) و «خواص الآي» {الم اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}» مخطوط في الخزانة العامة في الرباط برقم (2/ 502) (مؤلفات الغزالي: 108) «وخواص سورة القدر وسورة يس» (مؤلفات الغزالي: 57)، ويمكن اعتبار كتابه «جواهر القرآن» من هذا النوع، وهو مطبوع بمطبعة كردستان بالقاهرة عام 1329هـ / 1910م وبدار الآفاق ببيروت عام 1400هـ / 1979م، وحققه الشيخ رشيد قباني ونشرته دار إحياء العلوم ببيروت 1405هـ / 1985م و «فائدة في سرّ فاتحة الكتاب» (مؤلفات الغزالي: 106)
(4) ومن الكتب المؤلفة في خواص القرآن سوى ما ذكره المصنف * «خصائص علم القرآن» للوزير المغربي، حسين بن علي بن الحسين، ت 418هـ (إيضاح المكنون 3/ 430) * «التنبيه على الأسرار المودعة في بعض سور القرآن» للرازي فخر الدين محمد بن عمر (ت 606هـ) مخطوط في الأزهر:(2/62)
__________
105/ 2117وفي المكتبة القادرية ببغداد: 654ضمن مجموع، ويوجد له كتاب في الخزانة التيمورية باسم «أسرار القرآن» رقم 258مجاميع (معجم الدراسات القرآنية: 215و 413و 414) ولا ندري إن كان الكتاب هو نفسه أم لا * «خصائص السر الكريم في فضل بسم الله الرحمن الرحيم» للبوني أحمد بن علي بن يوسف (ت 622هـ) مخطوط في المكتبة القادرية ببغداد رقم 684ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية 415)، ومنه نسخة باسم: «فضائل البسملة وشرحها» مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء رقم (20) ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية: 419) ونسخة باسم «رسالة في خواص بسم الله الرحمن الرحيم» مخطوطة في البحرين رقم: 9علوم القرآن (معجم الدراسات القرآنية: 417) وقد طبع الكتاب باسم «فتح الكريم الوهاب في ذكر فضائل البسملة مع جملة من الأبواب» طبع على الحجر بدون تاريخ (ذخائر التراث العربي: 400) وللمؤلف أيضا كتاب باسم «تحفة الأحباب ومنية الأنجاب في أسرار بسم الله وفاتحة الكتاب» (هدية العارفين 1/ 90) * «الدر النظيم في خواص القرآن العظيم» لابن الخشاب محمد بن أحمد بن سهيل (ت 650هـ) مخطوط في مكتبة الأوقاف العراقية: 6775و 2456وفي الأزهر: 330بخيت 45961 (معجم الدراسات القرآنية: 416) ومنه نسخة باسم «الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم» مخطوطة بدار الكتب الوطنية بتونس: 3729، وبمكتبة الحرمين بمكة: 333. * «الاختصاص في الفوائد القرآنية والخواص» لنور الدين أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الشاذلي المالكي ت 656هـ (إيضاح المكنون 2/ 264) * «الدر النظيم في خواص القرآن العظيم» لليافعي أبي محمد عبد الله بن أسعد اليمني (ت 768هـ) طبع مرارا في مصر، على الحجر 1282هـ / 1865م و 1315هـ / 1897م، وفي المطبعة الحميدية 1321هـ / 1903م، وطبع 1322هـ / 1904م، وفي البابي الحلبي 1349هـ / 1930م وفيها 1377هـ / 1958م، وفي المطبعة السعيدية بدون تاريخ * «شفاء المستشفي وكفاية المكتفي في شرح خواص القرآن» لعبد الله بن محمد الحسيني الكراني (ت 776هـ) مخطوط في آيا صوفيا: 382 (معجم الدراسات القرآنية: 418) * «خمائل الزهر في فضائل السور» للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) ذكره المؤلف في الإتقان 4/ 102في النوع 72* «عقود اللئالئ والمرجان بما يتعلق بفوائد القرآن» لأبي البركات عبد البر بن محمد الحلبي، ت 921هـ (إيضاح المكنون 3/ 115) * «خواص القرآن العظيم» للقليوبي شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة (ت 1069هـ) مخطوط في الخزانة التيمورية: 319حليم 24118 (معجم الدراسات القرآنية: 416) * «شفاء الظمآن بسرّ قلب القرآن» للدمنهوري، أحمد ابن عبد المنعم المصري ت 1192هـ (إيضاح المكنون 3/ 5) * «مواهب الرحمن في خصائص القرآن» للقاوقجي، محمد بن خليل الطرابلسي ت 1305هـ (إيضاح المكنون 2/ 601) المجاهيل: * «شفاء الأبدان المرضى في سرّ القرآن الشريف والاسماء الحسنى من شروح الدر النظيم» لعلي الرومي، علي خيري الكوتاهي؟ (إيضاح المكنون 3/ 50) * «لوامع الأسرار في خواص القرآن» لعيسى بن سلامة بن عيسى البكري؟ (إيضاح المكنون 4/ 416) * «سرّ القرآن» لسري باشا الكريدي؟
(إيضاح المكنون 3/ 17) «إلهام العزيز العليم في أسرار بسم الله الرحمن الرحيم» لمحمد الازهري الخلوتي؟ (إيضاح المكنون 2/ 123) * «الدر النظيم في خواص القرآن العظيم» للوادياشي الاندلسي، أبي بكر محمد بن أحمد الغساني (؟) نشره محسن جمال الدين في مجلة البلاغ ببغداد ع (4) س (2)(2/63)
وذكر بعضهم أنّه وقف على أنّ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يكتبها على ما يريد حفظه من الأموال والمتاع، فيحفظ.
وأخبر رجل من أهل الموصل قال: «كان الكياالهرّاسيّ [] (1) الإمام رحمه الله إذا ركب في رحلة يقول هذه الحروف التي في أوائل السور، فسئل عن ذلك فقال: ما جعل ذلك في موضع أو كتب في شيء إلا حفظ تاليها وماله، وأمن [في] (2) نفسه من التّلف والغرق».
وحكي عن الشافعيّ رحمه الله أنه شكا إليه رجل رمدا، فكتب إليه [في] (2) رقعة:
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، {فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق: 22)، {لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفََاءٌ} (فصّلت: 44) فعلّق الرجل ذلك عليه فبرأ.
وكان سفيان الثوريّ يكتب للمطلّقة رقعة تعلّق عليها (4): {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ}
__________
هـ / 1968م، ثم نشره مستقلا في الجمعية الإسلامية للخدمات الثقافية في العام نفسه * «خواص القرآن» لكوكبي زاده؟ (معجم الدراسات القرآنية: 416) * «رسالة في أسرار الخواص القرآنية» للغزنوي محيي الدين بن روح (؟) مخطوط في آيا صوفيا: 407 (معجم الدراسات القرآنية: 418) «رسالة في فوائد سور القرآن» لمجهول، مخطوط بدار الكتب بتونس: 4470 (معجم مصنفات القرآن 3/ 315) * «خواص بعض السور والآيات» لمجهول، مخطوط في المسجد الأحمدي بطنطا: 69خ (45د) (معجم الدراسات القرآنية: 415) * «فضائل آي القرآن» لمجهول، مخطوط في صوفيا: 13ق (معجم الدراسات القرآنية:
419) * «تشييد جوامع خواص أسرار القرآن وتأييد الذخيرة المعدّة لنوائب الزمان» لمجهول (إيضاح المكنون 1/ 292) * «خواص سورة ألهاكم التكاثر» لمجهول، مخطوط في آيا صوفيا: 385 (معجم الدراسات القرآنية: 415) * «خواص سورة الواقعة ودعائها» لمجهول، طبع في مصر على الحجر 1300هـ / 1882م * «رسالة في الأسرار المودعة في بعض سور القرآن» لمجهول، مخطوط بمكتبة يعقوب سركيس المهداة إلى جامعة الحكمة: 176 (معجم الدراسات القرآنية: 294) * «رسائل في جهل الأوروبيين بأسرار القرآن» لمجهول، مخطوط في مكتبة الأوقاف العراقية 4/ 13813مجاميع (معجم الدراسات القرآنية: 417) * «رسالة في الكلام على منافع بعض سور القرآن» لمجهول، مخطوط في صوفيا (معجم الدراسات القرآنية: 418)
(1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهرّاسي، المعروف ب «الكيا ضبطه ابن العماد في الشذرات 4/ 8بهمزة مكسورة، ولام ساكنة ثم كاف مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت ومعناه الكبير بلغة الفرس. كان شيخ الشافعيّة ومدرّس النظامية، رحل فتفقّه بإمام الحرمين الجويني، وبرع في المذاهب وأصوله، ت 504هـ (سير أعلام النبلاء 19/ 350)، وكلمة الهراسي سقطت من المخطوطة.
(2) ليست في المخطوطة.
(4) في المطبوعة: (تعلّق على قلبها).(2/64)
{لِرَبِّهََا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ} (الانشقاق: 41)، {فَاخْرُجْ مِنْهََا} (الحجر:
34)، {فَخَرَجَ عَلى ََ قَوْمِهِ} (القصص: 79) [{فَخَرَجَ مِنْهََا}] (1) (القصص: 21).
وروى ابن قتيبة قال: «كان رجل من الصالحين يحبّ الصلاة بالليل وتثقل عليه، فشكا ذلك لبعض الصالحين فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: {قُلْ لَوْ كََانَ الْبَحْرُ مِدََاداً لِكَلِمََاتِ رَبِّي} (الكهف: 109) إلى قوله: {مَدَداً} (الكهف: 109)، ثم أضمر، في أيّ وقت أضمرت فإنك تقوم [فيه] (2)، قال: ففعلت فقمت في الوقت المعيّن».
قال الغزاليّ: «وكان بعض الصالحين في أصبهان أصابه عسر البول، فكتب في صحيفة:
البسملة {وَبُسَّتِ الْجِبََالُ بَسًّا * فَكََانَتْ هَبََاءً مُنْبَثًّا} (الواقعة: 5و 6)، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبََالُ فَدُكَّتََا دَكَّةً وََاحِدَةً} (الحاقة: 14)، [{دَكًّا دَكًّا}] (2) (الفجر: 21)، وألقى عليه الماء وشربه فيسّر عليه البول، وألقى الحصى».
وحكى الثعلبيّ في تفسيره (4) أن قوله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الأنعام:
67) يكتب على كاغد، ويوضع على شقّ الضرس الوجع، يبرأ بإذن الله تعالى».
ويحكى أنّ الشيخ أبا القاسم القشيريّ (5) رأى النبي صلّى الله عليه وسلم في المنام، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما لي أراك محزونا؟ فقال: ولدي قد مرض، واشتدّ عليه [65/ ب] الحال فقال له:
أين أنت عن آيات الشفاء: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (التوبة: 14) {وَشِفََاءٌ لِمََا فِي الصُّدُورِ} (يونس: 57)، {فِيهِ شِفََاءٌ لِلنََّاسِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (6) (النحل:
69)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مََا هُوَ شِفََاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء: 82)، {وَإِذََا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء: 80)، {قُلْ [هُوَ]} [7] لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفََاءٌ (فصّلت: 44)! فقرأ هذه الآيات [عليه ثلاث] (7) مرات فبرأ.
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) ليست في المخطوطة.
(4) في المخطوطة: (في تفسير قوله تعالى).
(5) هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك تقدم في 1/ 360
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (يؤمنون).
(7) ليست في المخطوطة.(2/65)
وحكى (1) ابن الجوزيّ عن ابن ناصر (2) عن شيوخه عن ميمونة بنت شاقولة البغدادية رضي الله عنها قالت: «آذانا جار لنا، فصلّيت ركعتين، وقرأت من فاتحة كلّ سورة آية حتى ختمت القرآن، وقلت: اللهم اكفنا أمره، ثم نمت وفتحت عيني وإذا به قد نزل وقت السّحر فزلّت قدمه، فسقط ومات».
«وحكي عن ابنها أنه كان في دارها حائط له خرب (3)، فقالت: هات رقعة ودواة، فناولتها، فكتبت في الرقعة شيئا، وقالت: دعه في ثقب منه، ففعلت، فبقي نحوا من عشرين سنة، فلمّا ماتت ذكرت ذلك القرطاس، فقمت فأخذته فوقع الحائط، فإذا في الرقعة: {إِنَّ اللََّهَ يُمْسِكُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولََا} (فاطر: 41) يا ممسك السموات والأرض، أمسكه».
تنبيه
هذا النوع والذي قبله لن (4) ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيّته، وتدبّر الكتاب في عقله وسمعه، وعمر به قلبه، وأعمل به جوارحه، وجعله سميره في ليله ونهاره، وتمسك به وتدبره.
هنالك تأتيه الحقائق من كل جانب وإن لم يكن بهذه الصفة كان فعله مكذّبا لقوله كما روي أن عارفا وقعت له واقعة، فقال له صديق له: نستعين بفلان فقال: أخشى أن تبطل صلاتي التي تقدمت هذا الأمر، وقد صلّيتها. قال صديقه: وأين هذا من هذا؟ قال: لأني قلت في الصلاة:
{إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) فإن استعنت بغيره كذبت، والكذب في الصلاة يبطلها، وكذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم لا تكون إلا مع تحقق العداوة، فإذا قبل إشارة الشيطان واستنصحه فقد كذّب قوله فبطل ذكره.
__________
(1) في المخطوطة (وعن ابن الجوزي)
(2) هو محمد بن ناصر بن محمد الحافظ الثقة البغدادي، أبو الفضل محدث العراق ولد سنة (467). كان ثقة ثبتا حسن الطريقة متدينا فقيرا متعففا نزيها، صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب واللغة حتى مهر في ذلك، كان ضابطا مفتيا وكان كثير الذكر سريع الدمعة، توفي سنة (550) (ابن العماد، شذرات الذهب 4/ 155).
(3) تصحفت في المطبوعة إلى (له جوف).
(4) في المخطوطة (لا ينتفع).(2/66)
النوع الثامن والعشرون هل في القرآن شيء أفضل من شيء (1)
وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ، والقاضي
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: الإتقان للسيوطي 4/ 117النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 513علم معرفة أفضل القرآن وفاضله، وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 133علم أفضل القرآن وفاضله، أبجد العلوم للقنوجي 2/ 493علم معرفة أفضل القرآن وفاضله.
* ومن الكتب المؤلفة في فضائل السور والآيات، «سورة الحمد تنوب عن جميع القرآن» لأحمد بن سهل البلخي ت 322هـ (ياقوت معجم الأدباء 3/ 67) * «جواهر القرآن» لأبي حامد الغزالي، محمد بن محمد (ت 505هـ) طبع بمطبعة كردستان بالقاهرة عام 1329هـ / 1910م في (192) ص وطبع بدار الآفاق ببيروت عام 1400هـ / 1979م وطبع بتحقيق الشيخ محمد رشيد رضا القباني بدار إحياء العلوم ببيروت عام 1405هـ / 1985م في (216) ص * «رسالة السر الكريم في فضل بسم الله الرّحمن الرّحيم» البوني أحمد بن علي بن يوسف (ت 622هـ) طبع في مصر (معجم سركيس: 607) * وله أيضا: «فتح الكريم الوهاب في ذكر فضائل البسملة مع جملة من الأبواب»، طبع على الحجر بمصر دون تاريخ (معجم سركيس 608) * «جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن» لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) بمطبعة التقدم في مصر 1322هـ / 1902م (معجم سركيس: 56) «* التجارة الرابحة في الدلالة على مقاصد الفاتحة» لابن بنت الميلق محمد بن عبد الدائم (ت 797هـ) مخطوط بالأزهر رقم 263/ 4261 (معجم الدراسات القرآنية:
225، 413) * «حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص» للفيروزآبادي الشيرازي محمد بن يعقوب، ت 817هـ (كشف الظنون 1/ 624) «الفيض القدسي في فضل آية الكرسي» للزاهد المقسمي أحمد بن محمد بن سليمان المصري ت 819هـ (إيضاح المكنون 4/ 215) * «الدر النظيم في كلام بسم الله الرحمن الرحيم» لابن كبن محمد بن سعيد بن علي اليمني، ت 842هـ (معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 315) * «الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور» لابن عبد الهادي يوسف بن حسن بن أحمد، ت 909هـ (إيضاح المكنون 1/ 71) * «الإبريز الخاص في فضائل البسملة وسورة الإخلاص» لسبط المرصفي محمد بن محمد الغمري، 965هـ (إيضاح المكنون 1/ 11) * «النشر لفوائد سورة العصر» للشوكاني محمد بن علي (ت 1250هـ) مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، رقم 1مجموع تفسير (معجم(2/67)
أبو بكر (1)، وأبو حاتم بن حبّان (2) وغيرهم إلى أنه لا فضل لبعضه (3) على بعض لأنّ الكل (4) كلام الله، وكذلك أسماؤه [تعالى] لا تفاضل بينهما. وروي معناه عن مالك قال يحيى بن يحيى (5):
تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردّد دون غيرها، واحتجوا بأنّ الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه.
قال ابن حبان في حديث أبيّ بن كعب [رضي الله عنه] «ما أنزل الله في التوراة ولا في
__________
الدراسات القرآنية: 424) * «منحة البرايا بما في البسملة من المزايا» للشربيني محمد النشار (كان حيا 1295هـ) طبع في مطبعة محمد مصطفى بالقاهرة سنة 1306هـ / 1886م (معجم سركيس: 1857) * «ثواب سورة القدر» لأبي الحسن علي بن محمد الكوفي الملقب بميرزج الشيعي توفي في أواخر القرن 13هـ (إيضاح المكنون 1/ 348) * «ثواب سورة القدر» لأبي عبد الله محمد بن حسان الرازي؟ (إيضاح المكنون 1/ 348) * «يس قلب القرآن» لفهمي خالد مسعود مقال في مجلة الإسلام السنة (28) العدد (39) سنة 1379هـ / 1959م * «يصبح المؤمن ويمسي في ظلال آية الكرسي» للشعراوي محمد متولي، مقال في مجلة الإسلام السنة (32) العدد (14) سنة 1384هـ / 1964م «فضل سورة يس» لمحمد أمين هلال مقال في مجلة الإسلام السنة (20) العدد (17) سنة 1368هـ / 1948م * «رسالة في الكلام على منافع بعض سور القرآن» لمجهول، مخطوط في صوفيا (معجم الدراسات القرآنية: 418) * «فصل في تصريف دعوة الفاتحة وفضائلها» لمجهول، مخطوط في الخزانة العامة بالرباط رقم 1/ 501 (معجم الدراسات القرآنية: 418) * «رسالة في فضائل البسملة» لمجهول، مخطوط في الأزهر برقم 40ج / 11088مجاميع (معجم الدراسات القرآنية: 417) * «فصول في فضل البسملة ومن قرأها» لمجهول، مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس برقم: 3941 (معجم مصنفات القرآن الكريم 3/ 320).
(1) هو الباقلاني محمد بن الطيب بن جعفر تقدم التعريف به في 1/ 117.
(2) هو محمد بن حبان البستي تقدم التعريف به في 1/ 264، وانظر قوله في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ 7775باب قراءة القرآن ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب من أفضل القرآن عقب الحديث (771) فقال: (قال أبو حاتم: قوله صلّى الله عليه وسلم «ألا أخبرك بأفضل القرآن» أراد به بأفضل القرآن لك، لا أنّ بعض القرآن يكون أفضل من بعض لأن كلام الله يستحيل أن يكون فيه تفاوت).
(3) في المطبوعة (لبعض على بعض).
(4) في المخطوطة: (لان الكلام كلام الله).
(5) هو يحيى بن يحيى بن كثير، أبو محمد الفقيه المالكي القرطبي الأندلسي، روى عن مالك ويحيى بن مضر، والليث، وابن عيينة وغيرهم، انتهى السلطان والعامة إلى رأيه، وكان فقيها حسن الرأي، ثقة عاقلا حسن الهدي والسمت مجاب الدعوة ت 234هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 10/ 519)، وعبارة «مالك» ذكرها القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار: 32، الباب السادس فيما جاء من تفضيل القرآن بعضه على بعض، وذكر أيضا القائلين بالمنع من المفاضلة ولعل الزركشي نقل عنه، كما ذكره ابن تيمية في كتابه: جواب أهل العلم والإيمان ص 70.(2/68)
الإنجيل مثل أمّ القرآن» (1): إنّ الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي (2) لقارئ أمّ القرآن إذ الله بفضله فضّل هذه الأمّة (2) على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه (4) [أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه] (4) قال وقوله:
«أعظم سورة» (6) أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض (7).
وقال قوم (8) بالتفضيل لظواهر الأحاديث، ثم اختلفوا فقال بعضهم: الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب (9) بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا، وقيل بل يرجع لذات اللفظ، وأنّ ما تضمنه قوله تعالى: {وَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الرَّحْمََنُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 163)، وآية الكرسيّ، وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص من الدّلالات على وحدانيته وصفاته، ليس موجودا مثلا في {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ}
(اللهب: 1) وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة، وهذا هو الحق.
__________
(1) الحديث أخرجه أحمد في المسند 2/ 357، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 156155كتاب فضائل القرآن (46) باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب (1)، الحديث (2875)، وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن 2/ 139كتاب الافتتاح (11) باب تأويل قول الله عز وجل {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}
(26)، الحديث (914)، وأخرجه ابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ 75باب قراءة القرآن ذكر البيان بأن فاتحة الكتاب مقسومة بين القارئ وبين ربه، الحديث (772)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 258كتاب التفسير باب ذكر فضيلة سورة الفاتحة، وقال (صحيح على شرط مسلم) وافقه الذهبي.
(2) عبارة المخطوطة (لقارئ أم الكتاب، إذ الله فضّل هذه الأمة) وما أثبتناه موافق لكلام ابن حبان.
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وإلى هنا ينتهي كلام ابن حبان في الإحسان 2/ 75ثم ينتقل لحديث آخر.
(6) شطرة من حديث سيأتي بعد قليل.
(7) الإحسان 2/ 77عقب الحديث (774).
(8) قال القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار ص 32الباب السادس فيما جاء من تفضيل القرآن بعضه على بعض (وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين وهو اختيار الحليمي، والقاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار وغيرهم) وذكره ابن تيمية في جواب أهل العلم والإيمان ص 67فقال:
(وممن ذكر تفضيل بعض القرآن على بعض في نفسه أصحاب الشافعي وأحمد، وغيرها كالشيخ أبي حامد الإسفرايني والقاضي أبي الطيب، وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم، ومثل القاضي أبي يعلى، والحلواني الكبير، وابنه عبد الرحمن، وابن عقيل).
(9) في المخطوطة (ومضاعفة الأفعال).(2/69)
وممّن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه (1) وغيره من العلماء.
وتوسّط الشيخ عزّ الدين (2) فقال: كلام الله في الله أفضل من كلام الله في غيره، ف {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) أفضل من {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (اللهب: 1)، وعلى ذلك بنى الغزالي كتابه المسمى «بجواهر القرآن» (3)، واختاره القاضي أبو بكر بن العربيّ (4) لحديث أبي سعيد [66/ أ] بن المعلى (5) في «صحيح البخاري»: «إني لأعلمك سورة هي أعظم السّور في القرآن، قال: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الفاتحة: 2). ولحديث أبيّ بن كعب في «الصحيحين» (6) قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبيّ، أتدري أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: {اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(البقرة: 255)، قال: فضرب في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر».
__________
(1) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه، أحد أئمة المسلمين وعلماء الدين وشيخ الإمام البخاري استوطن نيسابور إلى أن مات بها وانتشر علمه عند أهلها، قال الدارمي: «ساد إسحاق بن إبراهيم أهل المشرق والمغرب بصدقه»، روى عنه الجماعة سوى ابن ماجة، ت 238هـ (المزي تهذيب الكمال 2/ 373).
(2) هو العز بن عبد السلام وقد ذكر السيوطي قوله في الإتقان 4/ 118النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله.
(3) طبع الكتاب في مكة المكرمة سنة 1302هـ / 1884م، وفي بومباي 1311هـ / 1893م، وفي مطبعة فرج الكردي 1320هـ / 1902م، وفي مصر 1329هـ / 1911م (معجم سركيس: 1411)، وفي القاهرة المطبعة الرحمانية 1352هـ / 1933م (قائمة المطبوعات المصرية / 27)، وفي القاهرة صبيح 1396هـ / 1976م (دليل الكتاب المصري: 63) وفي لبنان دار الآفاق 1403هـ / 1983م، وفي لبنان بتحقيق محمد رشيد قباني دار إحياء العلوم 1404هـ / 1984م (أخبار التراث 17/ 27)
(4) أحكام القرآن 1/ 7سورة الفاتحة قال في المسألة السابعة: «ليس في أم القرآن حديث يدل على فضلها إلا حديثان» وذكر حديث أبيّ
(5) أبو سعيد بن المعلى صحابي جليل من الأنصار، أخرج حديثه البخاري في الصحيح 8/ 157156كتاب التفسير (65)، باب ما جاء في فاتحة الكتاب (1)، الحديث (4474)، وأطرافه: 4647، 4703، 5006.
(6) كذا في المطبوعة والمخطوطة، والصواب أن الحديث عند مسلم فقط دون البخاري، انظر تحفة الأشراف 1/ 22وقد أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 556كتاب صلاة المسافرين (6)، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي (44)، الحديث (258/ 810)(2/70)
وأخرج الحاكم في «مستدركه» بسند صحيح عن أبي هريرة: «سيّدة آي القرآن آية الكرسي» (1).
وفي الترمذي غريبا عنه مرفوعا: «لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة فيها آية الكرسيّ» (2).
وروى ابن عيينة في «جامعه» عن أبي صالح عنه: «فيها آية الكرسي وهي سنام آي القرآن، ولا تقرأ في دار فيها شيطان إلا خرج منها» (3) وهذا لا يعارض ما قبله بأفضلية الفاتحة، لأن تلك باعتبار السّور وهذه باعتبار الآيات.
وقال القاضي شمس الدين الخويّي (4): «كلام الله [كله] (5) أبلغ من كلام المخلوقين، وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض؟ جوّزه بعضهم لقصور نظرهم. وينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل: هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام أنّ هذا في موضعه له حسن ولطف. وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه. فإن من قال:
إنّ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) أبلغ من {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (اللهب: 1) يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب، وبين التوحيد والدعاء على الكافرين، وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه! وكذلك في {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} لا توجد عبارة تدلّ على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ [وَتَبَ]} [6] في باب الدعاء بالخسران، ونظر إلى {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول: أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده [علم] (6) البيان» (8).
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 260كتاب التفسير باب سيدة آي القرآن، وقال: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 6، 32وعزاه أيضا لسعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان.
(2) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 157كتاب فضائل القرآن (46)، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي (2)، الحديث (2878) وقال: (حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعّفه)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 259كتاب التفسير، باب سورة البقرة.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 259كتاب التفسير، باب سورة البقرة من طريق ابن عيينة.
(4) هو أحمد بن خليل تقدم التعريف به في 1/ 108.
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ليست في المخطوطة.
(8) انتهى قول القاضي شمس الدين الخويي، وقد ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 118.(2/71)
قلت: ولعل الخلاف في هذه المسألة يلفت عن الخلاف المشهور إنّ كلام الله شيء واحد أو لا عند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته، إنما هو بحسب متعلّقاته.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (آل عمران: 7)، فجعله شيئين، وأنتم تقولون بعدمه، وأنه صفة واحدة.
قلنا: من حيث إنّه كلام الله لا مزية لشيء منه على شيء. ثم قولنا: «شيء منه» يوهم التبعيض، وليس لكلام الله الذي هو صفته بعض، ولكن بالتأويل والتفسير وفهم السامعين اشتمل على جميع أنواع المخاطبات، ولولا تنزّله في هذه المواقع لما وصلنا الى فهم شيء منه.
وقال الحليميّ (1): «قد ذكرنا أخبارا تدلّ على جواز المفاضلة بين السّور والآيات. وقال الله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (البقرة: 106) ومعنى ذلك يرجع إلى أشياء:
* أحدها [أن تكون] (2) آيتا عمل ثابتتان في التلاوة إلا أنّ إحداهما منسوخة والأخرى ناسخة، فنقول: إن الناسخ خير، أي أن العمل بها أولى بالناس وأعود عليهم، وعلى هذا فيقال: آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأن القصص إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والتبشير، ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص، فكل ما هو أعود عليهم وأنفع لهم ممّا يجري مجرى الأصول خير لهم مما يحصل تبعا لما لا بدّ منه.
* والثاني أن يقال: إنّ الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدّلالة على عظمته وقدسيّته أفضل أو خير، بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجلّ قدرا.
* والثالث أن يقال: سورة خير من سورة، أو آية خير من آية، بمعنى أن القارئ يتعجّل [له] (3) بقراءتها (4) [فائدة سوى الثواب الآجل، ويتأدّى منه بتلاوتها عبادة، كقراءة آية الكرسيّ، وسورة الإخلاص، والمعوذتين فإنّ قارئها يتعجّل بقراءتها] (4) الاحتراز مما يخشى، والاعتصام
__________
(1) هو أبو عبد الله حسين بن الحسن تقدم التعريف به في 1/ 322وانظر قوله في كتابه «المنهاج في شعب الإيمان» 2/ 444.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة والصواب إثباتها كما جاء في كتاب الحليمي.
(4) ليست في المخطوطة.(2/72)
بالله جل ثناؤه، ويتأدّى بتلاوتها منه لله تعالى عبادة، لما فيها من ذكر [اسم] (1) الله تعالى، جدّه بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد [لها] (1) وسكون النفس إلى فضل الذكر وبركته فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم، وإنما يقع [66/ ب] بها علم (3) [وإذكار فقط، فكان ما قدمناه قبلها أحق باسم الخير والأفضل] (3).
قال: ثم لو قيل في الجملة: إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور، بمعنى أن التعبّد بالتلاوة والعمل واقع به دونها، والثواب يحسب بقراءته لا بقراءتها، أو أنه من حيث الإعجاز حجة النبيّ المبعوث، وتلك الكتب لم تكن معجزة، ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها وكان ذلك أيضا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة لأن الله تعالى اعتدّ قراءتها كقراءة أضعافها ممّا سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا، كما يقال: (5) إن يوما أفضل من يوم (5)، وشهرا أفضل من شهر بمعنى أن العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره، والذنب يكون أعظم من الذنب منه في غيره. وكما يقال: إن الحرم أفضل من الحلّ لأنه يتأدّى فيه من المناسك ما لا يتأدّى في غيره، والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره. والله أعلم» (7).
فصل
قال ابن العربيّ (8): إنّما صارت آية الكرسي أعظم لعظم مقتضاها، فإن الشيء [إنما] (9)
يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلّقاته، وهي [في] (9) آي القرآن ك {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} في سوره، إلّا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين: أحدهما أنها سورة وهذه آية، فالسورة أعظم [من الآية] (9)، لأنه وقع التحدي بها، فهي أفضل من الآية التي [لم] (9) يتحدّ بها. والثاني أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة والصواب إثباتها كما عند الحليمي.
(5) تحرفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (إن قوما أفضل من قوم) والتصويب من الحليمي.
(7) هذا تمام قول الحليمي، وقد ساقه في كتابه المنهاج في شعب الإيمان 2/ 245244ضمن الباب التاسع عشر وهو في تعظيم القرآن.
(8) هو محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر بن العربي تقدم التعريف به في 1/ 109.
(9) ليست في المخطوطة.(2/73)
حرفا فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبّر عنه مكتوب، مدده السبعة الأبحر، لا ينفد، عدد حروفه خمسون كلمة، ثم يعبر عن معنى الخمسين كلمة خمسة عشر كلمة وذلك كله بيان لعظم القدرة والانفراد بالوحدانية» (1).
وقال أبو العباس أحمد بن المنيّر المالكيّ (2): كان جدي (3) رحمه الله يقول: اشتملت آية الكرسي على ما لم يشتمل عليه اسم من أسماء الله تعالى وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله [تعالى] ظاهرا في بعضها، ومستكنّا في بعض، ويظهر للكثير من العادّين فيها ستة عشر إلّا على [بصير] (4) حاد البصيرة لدقة استخراجه: 1 {اللََّهُ}، 2 {هُوَ}، 3 {الْحَيُّ}، 4 {الْقَيُّومُ}، 5ضمير {لََا تَأْخُذُهُ}، 6ضمير {لَهُ}، 7ضمير {عِنْدَهُ}، 8ضمير {إِلََّا بِإِذْنِهِ}، 9ضمير {يَعْلَمُ}، 10ضمير {عِلْمِهِ}، 11ضمير {شََاءَ}، 12ضمير {كُرْسِيُّهُ}، 13ضمير {يَؤُدُهُ}، 14 {وَهُوَ}، 15 {الْعَلِيُّ}، 16 {الْعَظِيمُ} فهذه عدّة الأسماء.
وأما الخفيّ [في] (5) الضمير الذي اشتمل عليه المصدر في قوله: {حِفْظُهُمََا} فإنه مصدر مضاف إلى المفعول، وهو الضمير البارز، ولا بدّ له من فاعل وهو {اللََّهُ} ويظهر عند فكّ المصدر، فتقول: ولا يئوده أن يحفظهما هو» (6).
قال: وكان الشيخ أبو عبد الله محمد بن [أبي] (7) الفضل المرسيّ قد رام الزيادة على هذا
__________
(1) قول ابن العربي ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 122.
(2) تقدم التعريف به في 1/ 176.
(3) لعل المراد بجده هنا، جده لأمه حيث بيّنه الداودي في طبقات المفسرين 1/ 89ضمن ترجمة أحمد بن المنيّر.
إذ ساق أبياتا له وفيها:
لقد سئمت حياتي اليوم لولا ... مباحث ساكن الإسكندرية
كأحمد سبط أحمد حين يأتي ... بكل غريبة كالعبقرية
ثم قال الداودي عقب الأبيات (وقوله «سبط أحمد» أشار به إلى جده لأمه وهو: كمال الدين الإمام أحمد بن فارس).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) قول ابن المنيّر ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 123122.
(7) ليست في المطبوعة، وأبو عبد الله هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسيّ، الإمام(2/74)
العدد لما أخبرته عن الجدّ، فقال: يمكن أن تعدّ ما في الآية من الأسماء المشتقة كلّ واحدة منها باثنين، لأن كلّ واحد منها يحمل ضميرا ضرورة كونه مشتقا وذلك الضمير إنما يعود إلى الله وهو باعتبار ظهورها اسم، وقد اشتملت على آخر مضمر (1)، فتكون جملة العدد على هذا أحدا وعشرين اسما فأجريت معه وجها لطيفا، وهو أن الاسم المشتق لا يحتمل الضمير بعد صيرورته بالتسمية علما على الأصح، وهذه الصفات كلّها أسماء [الله تعالى] (2) ثم ولو فرضناها محتملة للضمائر بعد التسمية على سبيل التنزل، فالمشتق إنما يقع على موصوفه باعتبار تحمله ضميره، ألا تراك إذا قلت: زيد كريم، وجدت (كريما)، إنما يقع على «زيد» لأن فيه ضميره حتى لو جردت النظر إليه لم تجده مختصا بزيد، بل لك أن توقعه على كل موصوف بالكرم من الناس، ولا تجده مختصا بزيد إلا باعتبار اشتماله على ضميره فليس المشتقّ إذا مستقلا بوقوعه على موصوفه إلا بضميمة الضمير إليه، فلا يمكن أن يحل له حكم الانفراد عن الضمير مع الحكم برجوعه إلى معيّن البتة. قال: فرضي عن هذا البحث وصوّبه.
وقال الغزاليّ [67/ أ] في قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن لكلّ شيء قلبا، وقلب القرآن يس» (3): إن ذلك لأنّ الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرّر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك، واستحسنه فخر الدين الرازي (4). قال الجوينيّ: «سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام» (4).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «آل حم ديباج القرآن» (6). وقال ابن عباس:
«لكل شيء لباب ولباب القرآن [آل] (7) حم أو قال: الحواميم» (6). وقال مسعر بن كدام:
«كان يقال لهنّ العرائس» (6). روى ذلك كله أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن».
__________
العلامة المفسر المحدّث النحوي ذو الفنون مولده بمرسية سنة 570وهو من الأئمة الفضلاء في جميع فنون العلم وله تصانيف عدة ونظم ونثر، ت 655هـ (ياقوت معجم الأدباء 18/ 209)
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (على أخر مضمونة).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) الحديث من طريق أنس رضي الله عنه، أخرجه الدارمي في السنن 2/ 456كتاب فضائل القرآن باب في فضل يس، والترمذي في السنن 5/ 162كتاب فضائل القرآن (46)، باب ما جاء في فضل يس (7)، الحديث (2887).
(4) التفسير الكبير 26/ 113آخر تفسير سورة يس، وأعقبه قول الجويني دون التصريح باسمه.
(6) تقدم تخريج الحديث في 1/ 346.
(7) ليست في المخطوطة.(2/75)
وقال حميد بن زنجويه: حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: «إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا، فمرّ بأثر غيث، فبينما هو يسير [فيه] (1) ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات، فقال: عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب، فقيل له: إنّ مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن، وإن مثل هذه الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن» أورده البغوي (2).
وروى أبو عبيد عن بعض السلف منهم محمد بن سيرين كراهة أن يقال: الحواميم، وإنما يقال: آل حم (2).
وفي الترمذي عن ابن عباس قال: «قال أبو بكر [رضي الله عنه للنبي صلّى الله عليه وسلم] (1): يا رسول الله، قد شبت؟ قال: شيّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كوّرت» (5). خصّ هذه السور بالشيب لأنهنّ أجمع لكيفية القيامة وأهوالها من غيرهن. ولهذا قال [في] (6) حديث آخر: «من أحبّ أن يرى القيامة رأي العين فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
(التكوير: 1)» (7).
وروى [الترمذي] (6) من حديث ابن عباس ومن (9) حديث أنس: «إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، (10) [وقل يأيها الكافرون تعدل ربعه» (11). وقال في كل منهما: غريب.
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) تقدم تخريج الحديث في 1/ 346.
(5) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 402كتاب تفسير القرآن (48)، باب ومن سورة الواقعة (57)، الحديث (3297)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 343كتاب التفسير باب مثل أهل بيتي، وقال (على شرط البخاري) ووافقه الذهبي.
(6) ليست في المخطوطة.
(7) الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنه، أخرجه أحمد في المسند 2/ 27، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 433كتاب تفسير القرآن (48)، باب ومن سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (74)، الحديث (3333) ولفظهما (من سره أن ينظر)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 515كتاب التفسير، باب تفسير سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وقال (صحيح الإسناد) وأقره الذهبي، وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 318وعزاه أيضا لابن المنذر وابن مردويه.
(9) عبارة المخطوطة (وهو من حديث أنس) والحديث يروى عنهما.
(10) ساقط من المخطوطة.
(11) حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في السنن 5/ 165كتاب فضائل القرآن (46)، باب ما جاء في إذا زلزلت (10)، الحديث (2893)، وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 379ضمن تفسير سورة الزلزلة وعزاه(2/76)
وقد تكلّم ابن عبد البر على حديث: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) تعدل ثلث القرآن» (1)، وحكى خلاف الناس فيه فقيل: لأنه سمع شخصا يكرّرها تكرار من يقرأ ثلث القرآن] فخرج الجواب على هذا. وفيه بعد عن ظاهر الحديث. قيل: لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات، وقل هو الله أحد كلّها صفات، فكانت ثلثا بهذا الاعتبار. واعترض على ذلك باستلزام كون آية الكرسي وآخر الحشر ثلث القرآن ولم يرد فيه. وقيل تعدل في الثواب، وهو الذي يشهد [له] (2) ظاهر الحديث.
قلت: ضعّف ابن عقيل (3) هذا وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فله بكلّ حرف عشر حسنات» (4).
ثم قال ابن عبد البر: «على أني أقول: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم»، ثم أسند إلى إسحاق بن منصور (5)، قلت لأحمد بن حنبل: قوله صلّى الله عليه وسلم: «{قُلْ هُوَ اللََّهُ}
__________
لابن مردويه والبيهقي، وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي في السنن 5/ 166كتاب فضائل القرآن (46)، باب ما جاء في إذا زلزلت (10) الحديث (2894)، وأخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن ص 126باب فضل سور شتى، الحديث (298)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 566كتاب فضائل القرآن باب إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 379وعزاه لمحمد بن نصر، وللبيهقي.
(1) الحديث من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 556كتاب صلاة المسافرين (6)، باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} 45، الحديث (259/ 811).
(2) عبارة المطبوعة (يشهد لظاهر الحديث) وما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(3) هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، سمع ابن عمر، وجابرا، والطفيل بن أبي، وسمع منه الثوري، وشريك وزهير بن محمد، وابن عيينة، وبشر بن المفضل، وابن عجلان. (البخاري، التاريخ الكبير 5/ 184).
(4) الحديث يروى عن أنس وعن ابن مسعود، أخرجه الديلمي من رواية أنس واللفظ له (ذكره السيوطي في جمع الجوامع 1/ 818)، ولم نجده في المطبوعة من فردوس الأخبار (طبعة دار الكتاب العربي ببيروت) وأخرجه من رواية ابن مسعود رضي الله عنه: الدارمي في السنن 2/ 429كتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن، والترمذي في السنن 5/ 175كتاب فضائل القرآن (46)، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا (16)، الحديث (2910)، والديلمي في الفردوس 4/ 29الحديث (5582) ولفظه: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها»، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 464كتاب فضائل القرآن، باب ثواب من قرأ حروف القرآن (1756)، الحديث (9984) بلفظ مقارب.
(5) هو إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب التميمي، روى عن ابن عيينة، وأبي داود الطيالسي وخلق كثير.
وتتلمذ لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، وروى عنه الجماعة سوى أبي داود، قال مسلم: «ثقة مأمون أحد الأئمة من أصحاب الحديث» توفي سنة 251 (ابن حجر، تهذيب التهذيب 1/ 250)(2/77)
{أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن» ما وجهه؟ فلم يقم لي فيها على أمر. وقال لي إسحاق بن راهويه:
معناه أنّ الله [تعالى] لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه تحريضا على تعلّمه لا أنّ من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه، هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة.
قال أبو عمر (1): وهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة» (2).
قلت: وأحسن ما قيل فيه إن القرآن قسمان: خبر وإنشاء، والخبر قسمان: خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق، فهذه ثلاثة [أثلاث] (3)، وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق، فهي بهذا الاعتبار ثلث [القرآن] (4).
فائدة
اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا:
(الأول) آية «الدين» (البقرة: 282) ومأخذه أن الله [تعالى] (5) أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أن أمرهم بكتابة الدين الكبير والحقير فبمقتضى ذلك يرجى (6) عفو الله تعالى (6) عنهم لظهور أمر العناية العظيمة بهم، حتى في مصلحتهم الحقيرة.
(الثاني) {وَلََا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} (النور: 22) إلى قوله {أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ} (الآية: 22)، وهذا رواه مسلم في «الصحيح» إثر حديث الإفك، عن الإمام الجليل عبد الله بن المبارك. (8)
__________
(1) تصحف في المطبوعة إلى (قال أبو عمرو).
(2) قول ابن عبد البر ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 125.
(3) ليست في المطبوعة.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (عفوه).
(8) أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2136عن حبان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، كتاب التوبة (49)، باب حديث الإفك (10)، الحديث (56/ 2770).(2/78)
(الثالث) قال الشّبليّ (1) في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ} [67/ ب] {كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: 38)، فالله تعالى لما أذن للكافرين بدخول الباب إذا أتوا (2) بالتوحيد والشهادة أتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها! (الرابع) قوله تعالى: {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ: 17).
(الخامس) قوله: {إِنََّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنََا أَنَّ الْعَذََابَ عَلى ََ مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلََّى} (طه: 48) (السادس) قوله تعالى: {وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}
(الشورى: 30).
(السابع) قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى ََ شََاكِلَتِهِ} (الإسراء: 84).
(الثامن) قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ} (الضحى: 5).
(3) [حكى هذه الأقوال الخمسة الأخيرة الشيخ محيي الدين في «رءوس المسائل» (4)] (3).
(التاسع) رأيت في «مناقب الشافعيّ» للإمام أبي محمد إسماعيل الهروي (6) صاحب الحاكم بإسناده عن ابن عبد الحكم، قال: سألت الشافعيّ: أيّ آية أرجى؟ قال: قوله تعالى:
{يَتِيماً ذََا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذََا مَتْرَبَةٍ} (البلد: 15و 16). قال: وسألته عن أرجى حديث للمؤمن؟ قال: حديث: «إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فيذهب به إلى النار» (7).
(العاشر، والحادي عشر) روى الحاكم في «مستدركه» عن محمد بن المنكدر قال:
__________
(1) هو محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقي ثم الطرابلسي الحنفي رحل إلى القاهرة وأخذ عن أبي حيان، وابن فضل الله وغيرهما، ولي قضاء طرابلس، سمع الكثير، وعني بالرواية، وقرأ على الشيوخ. كان يتثبت في أحكامه، ويرابط في السواحل ويلبس السلاح ويقاتل. من تصانيفه «محاسن الوسائل» وغيرها ت 769هـ (ابن حجر، الدرر الكامنة 3/ 487).
(2) في المخطوطة (أتي).
(4) كتاب «رءوس المسائل» للإمام محيي الدين النووي، ذكره طاش كبري زادة في مفتاح السعادة 2/ 521، وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 915.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) تقدم ذكره في 1/ 479، وكتابه ذكره السبكي في طبقات الشافعية 3/ 115، وقال: «وهو كتاب حافل رأيت منه نسخة في مجلدين في خزانة كتب دار الحديث الأشرفية بدمشق».
(7) أخرجه من رواية أبي موسى الأشعري مسلم في الصحيح 4/ 2119، كتاب التوبة (49)، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.(2/79)
التقى ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص، فقال ابن عباس: أيّ آية في كتاب الله أرجى عندك؟ فقال عبد الله بن عمرو: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ} (الزمر: 53)، قال:
لكن قول إبراهيم: {قََالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة: 260) (1) [هذا لما في الصدور من وسوسة الشيطان، فرضي الله تعالى من إبراهيم بقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ}] (1) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (3).
وقال النحاس (4) في سورة الأحقاف: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} (الآية: 35) فقال: إن هذه الآية من أرجى آية في القرآن إلا أن ابن عباس قال: أرجى آية في القرآن: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنََّاسِ عَلى ََ ظُلْمِهِمْ} (الرعد: 6).
وأما أخوف آية فعن الإمام أبي حنيفة أنه قال: هي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النََّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكََافِرِينَ} (آل عمران: 131) ولو قيل [لكم] (5) إنها {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} (الرحمن:
31) لكان له وجه (6) ولهذا قال بعضهم: لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) المستدرك 4/ 260، كتاب التوبة والإنابة، وقال الذهبي في التلخيص «فيه انقطاع» والحديث أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق 38/ أ (مخطوطة توبنجن) باب فضل آيات في القرآن.
(4) النحاس، إعراب القرآن 4/ 175، في الكلام على الآية (35) من سورة الأحقاف.
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) في المخطوطة (وجها).(2/80)
النوع التاسع والعشرون (1)
(في آداب تلاوته وتاليه وكيفية تلاوته ورعاية حق المصحف الكريم) (2)
اعلم أنه ينبغي لمح مواقع (3) النعم على من علّمه الله تعالى القرآن العظيم أو بعضه،
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: مقدمة تفسير الطبري 1/ 28، والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي 2/ 210 263، الباب التاسع عشر: في تعظيم القرآن، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص: 130، الباب السادس في ذكر تلبيسه على القرّاء، والمرشد الوجيز لأبي شامة ص 213193، الباب السادس ومقدمة تفسير القرطبي 1/ 10و 17، تلاوة القرآن والتحذير من الرياء في القرآن وزاد المعاد لابن القيم 1/ 482، فصل في هديه صلّى الله عليه وسلم في قراءة القرآن والإتقان للسيوطي 1/ 292، النوع الخامس والثلاثون، ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 366، في الدوحة السادسة، الشعبة الثامنة، في المطلب الثالث: في فروع علم التفسير، وكشف الظنون لحاجى خليفة 1/ 42، علم آداب تلاوة القرآن وآداب تاليه، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 490، * * «ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع: آداب القراءة» لابن قتيبة عبد الله بن مسلم النحوي، ت 267هـ (كشف الظنون 1/ 434) * «أخلاق حملة القرآن» للآجرّي، أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله، ت 360هـ (الأعلام 6/ 328). * «التبيان في آداب حملة القرآن» للنووي، أبي زكريا يحيى بن شرف الدين (ت 677هـ) وله طبعات كثيرة: طبع بهامش «منار الهدى» للأشموني، بمط بولاق على الحجر عام 1286هـ / 1896م، وطبع أيضا بهامش «منار الهدى» بالمط العامرة على الحروف عام 1307هـ / 1889م وطبع بمكتبة الإحسان بدمشق وطبع بدار الفكر بدمشق عام 1385هـ / 1965م في (106) ص، وطبع بمط. مصطفى الحلبي بالقاهرة عام 1393هـ / 1973م، وطبع بمكتبة الغزالي بدمشق بالاشتراك مع دار المعرفة ببيروت في (128) ص، وطبع بدار الفكر في بيروت عام 1401هـ / 1981م، وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت عام 1403هـ / 1983م، وطبع بتحقيق عبد العزيز السيروان بدار النفائس ببيروت عام 1404هـ / 1984م، وطبع بعناية محيي الدين الشامي بمؤسسة التقويم الإسلامي ببيروت عام 1407هـ / 1987م * «التبيان في آداب حملة القرآن» منظومة لابن العماد، ت 808هـ (الأعلام 1/ 178) * «آداب تلاوة القرآن» للحائري نصر الله بن الحسين الموسوي، ت 1158هـ (الأعلام 8/ 353) * «نور الجنان في آداب القرآن» للخاني، محيي الدين بن أحمد بن محمد الدمشقي، ت 1350هـ (الأعلام 8/ 68) * «الدرر الحسان في آداب القرآن» لمحمد بن صلاح بن مهدي بن ميداعش (؟) مخطوط بمكتبة كورستي بإيطاليا: 336علوم القرآن، ومنه صورة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي بمكة: 223 (معجم مصنفات القرآن 3/ 204).
(2) تصحف العنوان في المطبوعة إلى (في آداب تلاوته وكيفيتها).
(3) في المطبوعة (موقع).(2/81)
بكونه أعظم المعجزات، لبقائه ببقاء دعوة الإسلام، ولكونه (1) صلّى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء (2) والمرسلين فالحجة بالقرآن العظيم قائمة على كلّ عصر وزمان لأنه كلام رب العالمين، وأشرف كتبه جلّ وعلا، فلير من عنده القرآن أنّ الله [تعالى] (3) أنعم عليه نعمة عظيمة، وليستحضر (4) من أفعاله أن يكون القرآن حجة له لا عليه لأن القرآن مشتمل على طلب أمور، والكفّ عن أمور، وذكر أخبار قوم قامت عليهم الحجة (5) فصاروا عبرة للمعتبرين حين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وأهلكوا لما عصوا، وليحذر (6) من علم حالهم أن يعصي، فيصير مآله مآلهم فإذا استحضر صاحب القرآن علوّ شأنه بكونه ظرفا (7) لكتاب الله تعالى، وصدره مصحفا له انكفت نفسه عند التوفيق عن الرذائل، وأقبلت على العمل الصالح الهائل.
وأكبر معين على ذلك حسن ترتيله وتلاوته، وقال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمّل: 4) وقال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ وَنَزَّلْنََاهُ تَنْزِيلًا}
(الإسراء: 106) فحقّ على كل امرئ مسلم قرأ القرآن أن يرتّله، وكمال ترتيله تفخيم ألفاظه والإبانة عن حروفه، والإفصاح لجميعه (8) بالتمديد له (8) حتى يصل بكلّ ما بعده، وأن يسكت بين النّفس والنّفس حتى يرجع إليه نفسه، وألّا يدغم حرفا في حرف، لأن أقلّ ما في ذلك أن يسقط من حسناته بعضها، وينبغي للناس أن يرغبوا في تكثير حسناتهم فهذا الذي وصفت أقل ما يجب من الترتيل.
(10) [وقيل: أقلّ الترتيل] (10) أن يأتي بما يبين ما يقرأ به، وإن كان مستعجلا في قراءته، وأكمله أن يتوقف فيها، ما لم يخرجه إلى التمديد والتمطيط فمن أراد أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل فليقرأه على منازله، فإن كان يقرأ تهديدا لفظ (12) به لفظ المتهدّد (13)، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم لفظ به على التعظيم.
وينبغي أن يشتغل قلبه في التفكر في معنى ما يلفظ بلسانه، فيعرف من كل آية معناها،
__________
(1) في المخطوطة (لكونه).
(2) في المخطوطة (النبيين).
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المخطوطة (ولتستحضر).
(5) في المخطوطة (الحجة عليهم).
(6) في المخطوطة (فليحذر).
(7) تصحف في المطبوعة إلى (طريقا).
(8) في المطبوعة (بالتدبر).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(12) في المخطوطة (اللفظ).
(13) في المخطوطة (المهدد).(2/82)
ولا يجاوزها إلى غيرها حتى يعرف معناها [68/ أ] فإذا مرّ به آية رحمة وقف عندها (1) [وفرح بما وعده الله تعالى منها، واستبشر إلى ذلك، وسأل الله برحمته الجنة. وإن قرأ آية عذاب وقف عندها] (1)، وتأمّل معناها [فإن] (3) كانت في الكافرين (4) اعترف بالإيمان فقال: آمنا بالله وحده، وعرف موضع التخويف، ثم سأل الله تعالى أن يعيذه من النار.
وإن هو (5) مرّ بآية فيها نداء للذين آمنوا فقال: «يأيها الذين آمنوا» وقف عندها وقد كان بعضهم يقول: لبّيك ربّي وسعديك، ويتأمّل ما بعدها مما أمر به ونهي (6) عنه فيعتقد قبول ذلك. فإن كان من الأمر الذي قد قصّر عنه فيما مضى (7) اعتذر عن فعله في ذلك الوقت (7)، واستغفر ربه في تقصيره، وذلك مثل قوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نََاراً}
(التحريم: 6).
وعلى كل أحد (9) أن ينظر في أمر أهله في صلاتهم وصيامهم وأداء ما يلزمهم في طهاراتهم وجناياتهم، وحيض النساء ونفاسهنّ. وعلى كلّ أحد أن يتفقد ذلك في (10) أهله، ويراعيهم بمسألتهم عن ذلك (11)، فمن كان منهم يحسن ذلك كانت مسألته تذكيرا له وتأكيدا لما في قلبه، وإن كان لا يحسن كان ذلك تعليما له، ثم هكذا يراعي صغار ولده ويعلّمهم إذا بلغوا سبعا أو ثماني سنين، ويضربهم إذا بلغوا العشر على ترك ذلك فمن كان من الناس قد قصّر فيما مضى اعتقد قبوله (12) والأخذ به فيما يستقبل (12)، وإن كان يفعل ذلك وقد عرفه فإنه إذا مرّ به تأمله وتفهّمه.
وكذلك قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللََّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} (التحريم: 8)، فإذا
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (للكافرين).
(5) في المخطوطة (فإن مرّ).
(6) في المخطوطة (أو نهي).
(7) العبارة في المخطوطة (اعتقد قبوله وإلا أخذ به)
(9) في المخطوطة (حال).
(10) في المخطوطة (من).
(11) في المخطوطة (عنه).
(12) عبارة المخطوطة (وإلا أخذ به فيما يستقبله).(2/83)
قرأ هذه الآية تذكّر أفعاله في نفسه وذنوبه فيما بينه وبين غيره من الظّلامات والغيبة وغيرها، وردّ ظلامته (1)، واستغفر من كلّ ذنب قصّر في عمله، ونوى أن يقوم بذلك ويستحلّ كلّ [من] (2) بينه وبينه شيء من هذه الظّلامات [وغيرها] (3)، من كان منهم حاضرا، وأن يكتب إلى من كان غائبا، وأن يردّ ما كان يأخذه على من أخذه منه، فيعتقد هذا في وقت قراءة القرآن حتى يعلم الله تعالى منه أنه قد سمع وأطاع فإذا فعل الإنسان هذا كان قد قام بكمال ترتيل القرآن فإذا وقف على آية لم يعرف، معناها يحفظها حتى يسأل عنها من يعرف معناها ليكون متعلّما لذلك طالبا للعمل به، وإن كانت الآية قد اختلف فيها اعتقد من قولهم أقلّ ما يكون، وإن احتاط (4) على نفسه بأن يعتقد أوكد ما في ذلك كان أفضل له وأحوط لأمر دينه.
وإن كان ما يقرؤه من الآي فيما قصّ الله على الناس من خبر من مضى من الأمم فلينظر في ذلك، وإلى ما صرف الله عن هذه الأمة منه (5)، فيجدّد لله على [ذلك] (6) شكرا.
وإن كان ما يقرؤه من الآي مما أمر الله به أو نهى عنه أضمر (7) قبول الأمر والائتمار، والانتهاء عن المنهيّ والاجتناب له فإن (8) [كان ما يقرؤه من ذلك وعيدا وعد الله به المؤمنين فلينظر إلى قلبه، فإن جنح إلى الرجاء فزّعه بالخوف، وإن جنح إلى الخوف فسح له في الرجاء، حتى يكون خوفه ورجاؤه معتدلين، فإنّ ذلك كمال الإيمان.
وإن] (8) كان ما يقرؤه (10) من الآي من المتشابه الذي تفرّد الله بتأويله، (11) [فليعتقد الإيمان به كما أمر الله تعالى فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ ابْتِغََاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغََاءَ تَأْوِيلِهِ}] (11) (آل عمران: 7) يعني عاقبة الأمر منه، ثم قال تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ}
(آل عمران: 7).
وإن كان موعظة اتّعظ بها، فإنه إذا فعل هذا فقد نال كمال الترتيل.
__________
(1) في المخطوطة (ظلامه).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المخطوطة (أحاط).
(5) في المخطوطة (منهم).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (ضمير).
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (الآي).
(11) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/84)
وقال بعضهم: الناس في تلاوة القرآن ثلاثة مقامات:
* الأول: من يشهد أوصاف المتكلّم في كلامه ومعرفة معاني خطابه، فينظر إليه من كلامه، وتكلّمه بخطابه، وتملّيه بمناجاته، وتعرّفه من صفاته، فإنّ كلّ كلمة تنبئ عن معنى اسم، أو وصف، أو حكم، أو إرادة أو فعل لأن الكلام ينبئ عن معاني الأوصاف ويدل على الموصوف، وهذا مقام العارفين من المؤمنين، لأنه لا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، ولا إلى تعلّق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه، بل هو مقصور الفهم عن المتكلّم، موقوف الفكر عليه، مستغرق بمشاهدة المتكلم ولهذا قال جعفر بن محمد الصادق: «لقد تجلّى الله لخلقه بكلامه، ولكن لا يبصرون».
ومن كلام الشيخ أبي عبد الله القرشي (1): «لو طهّرت القلوب لم تشبع من التلاوة للقرآن».
* الثاني: من يشهد بقلبه كأنّه تعالى يخاطبه ويناجيه بألطافه، ويتملقه بإنعامه وإحسانه، فمقام هذا الحياء والتعظيم، وحاله الإصغاء والفهم، وهذا لعموم المقربين.
* الثالث: من يرى أنه يناجي ربّه سبحانه، فمقام هذا السؤال والتمكّن [68/ ب]، وحاله الطلب وهذا المقام لخصوص أصحاب اليمين فإذا كان العبد يلقى السمع من بين يدي سميعه مصغيا إلى سر كلامه، شهيد القلب لمعاني صفاته، ناظرا إلى قدرته، تاركا لمعقوله ومعهود علمه، متبرئا من حوله وقوته، معظما للمتكلم، متفرّغا (2) إلى الفهم، بحال مستقيم، وقلب سليم، وصفاء يقين، وقوة علم، وتمكين سمع فصل الخطاب وشهد غيب الجواب (3)
لأن الترتيل في القرآن، والتدبّر لمعاني الكلام، وحسن الاقتصاد إلى المتكلم في الإفهام، والإيقاف على (4) المراد، وصدق الرغبة في الطلب (5)، سبب للاطلاع على المطلّع من السر المكنون المستودع.
__________
(1) هو الزبير بن بكار بن عبد الله، أبو عبد الله القرشي الأسدي، كان علّامة نسابة أخباريا، أخذ عن سفيان بن عيينة وروى عنه ابن ماجة، وابن أبي الدنيا وغيرهما، ولي قضاء مكة، من تصانيفه: كتاب «أنساب قريش وأخبارها» ت 256هـ (ياقوت، معجم الأدباء 11/ 161).
(2) في المخطوطة (مفتقرا).
(3) في المخطوطة (الحجاب).
(4) في المخطوطة (عن).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (في الطلب في).(2/85)
وكلّ كلمة من الخطاب تتوجه عشر جهات، للعارف من كل جهة مقام ومشاهدات: أولها الإيمان بها، والتسليم لها، والتوبة إليها، والصبر عليها، والرضا بها، والخوف منها، والرجاء إليها، والشكر عليها، والمحبة لها، والتوكل فيها. فهذه المقامات العشر هي مقامات المتقين، وهي منطوية في كلّ كلمة يشهدها أهل التمكين والمناجاة، ويعرفها أهل العلم والحياة، لأن كلام المحبوب حياة للقلوب، لا ينذر به إلّا حيّ، ولا يحيا به إلا مستجيب، كما قال تعالى:
{لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا} (يس: 70). وقال تعالى: {إِذََا دَعََاكُمْ لِمََا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24).
ولا يشهد هذه العشر مشاهدات إلّا من يتنقل في العشر المقامات المذكورة في سورة الأحزاب (الآية: 35)، أولها مقام المسلمين، وآخرها مقام الذاكرين وبعد مقام الذكر هذه المشاهدات العشر، فعندها لا تملّ المناجاة، لوجود المصافاة (1)، وعلم كيف تجلّى له تلك الصفات الإلهية في طيّ هذه الأدوات، ولولا (2) استتار كنه جمال كلامه بكسوة (2) الحروف، لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ثرى، ولا تمكّن لفهم عظيم الكلام [إلا] (4) على حدّ فهم الخلق، فكلّ أحد يفهم عنه بفهمه الذي قسم له، حكمة منه.
قال بعض العلماء: في القرآن ميادين وبساتين [مقاصير] (5) وعرائس، وديابيج، ورياض فالميمات ميادين القرآن، والراءات بساتين القرآن، والحاءات مقاصير القرآن، والمسبّحات عرائس القرآن، والحواميم ديابيج القرآن، والمفصّل رياضه، وما سوى ذلك. فإذا دخل المريد في الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير وشهد العرائس، ولبس الديابيج وتنزه في الرياض، وسكن غرفات المقامات اقتطعه عما سواه، وأوقفه ما يراه، وشغله المشاهدة (6) له عما عداه ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أعربوا القرآن (7) والتمسوا غرائبه [وغرائبه] (8) فروضه وحدوده، فإن القرآن [نزل] (9) على خمسة: حلال، وحرام، ومحكم، وأمثال، ومتشابه، فخذوا الحلال، ودعوا الحرام، واعملوا بالمحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال» (10).
__________
(1) في المخطوطة (الصفات).
(2) تصحفت العبارة في المخطوطة: (استثنى ركنه حال كلامه بكثرة).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) في المطبوعة: (المشاهد).
(7) تصحفت في المطبوعة إلى (اعرفوا).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) ساقطة من المطبوعة.
(10) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 456كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في إعراب القرآن (1754) الحديث (9961) إلى قوله: «والتمسوا غرائبه» وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه (ذكره السيوطي في جمع الجوامع ص: 119)(2/86)
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوها» (1). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «من أراد علم الأولين والآخرين فليثوّر القرآن» (2).
قال ابن سبع (3) في كتاب «شفاء الصدر»: هذا الذي قال أبو الدرداء وابن مسعود لا يحصل بمجرد تفسيره الظاهر وقد قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف (4) فهم، وما بقي من فهمه أكثر. وقال آخرون: القرآن يحتوي على سبعة (4) وسبعين ألف علم، إذ لكل كلمة، علم، ثم يتضاعف ذلك أربعا، إذ لكلّ كلمة ظاهر وباطن، وحدّ ومطلع.
وبالجملة فالعلوم كلّها داخلة في أفعال الله وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وصفاته وأفعاله.
(مسألة) (6) تكره قراء القرآن بلا تدبّر، وعليه محلّ حديث عبد الله بن عمرو: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» (7)، وقول ابن مسعود لمن أخبره أنه يقوم بالقرآن في ليلة: «أهذّا كهذّ الشعر» (8)! وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلم في صفة الخوارج: «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولا
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 527، كتاب فضائل القرآن باب من قال اعملوا بالقرآن (1793) وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 211.
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9/ 146، الأحاديث (86668664) من طريق مرّة عن ابن مسعود وقوله فليثوّر أي لينقّر ويفكّر في معانيه (ابن الأثير النهاية: 1/ 229).
(3) ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1050باسم «شفاء الصدور» لابن السبع للإمام الخطيب أبي الربيع سليمان السبتي).
(4) عبارة المخطوطة: (ستون ألف ستون فهم، وما بقي من فهمه أكثر وقال آخر القرآن أن يحتوي سبعة)
(6) في المطبوعة (فصل)
(7) أخرج أصله دون ذكر الشاهد منه البخاري ومسلم فقد أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 9594، كتاب فضائل القرآن (66)، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك الحديث (50545052). ومسلم في الصحيح 2/ 812، كتاب الصيام (13)، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به (35)، الاحاديث 193181، وأخرجه مع ذكر الشاهد أحمد في المسند 2/ 165164، والدارمي في السنن 1/ 350، كتاب الصلاة، باب في كم يختم القرآن، وأبو داود في السنن 2/ 113، كتاب الصلاة (2)، باب في كم يقرأ القرآن (325)، الحديث (1390)، وباب تحزيب القرآن (326)، الحديث (1394)، وابن ماجة في السنن 1/ 427، كتاب إقامة الصلاة (5)، باب في كم يستحب يختم القرآن (178)، الحديث (1347)، والترمذي في السنن 5/ 198197196كتاب القراءات (47)، باب (13)، الحديث (2949)، وعزاه للنسائي المري في تحفة الأشراف 6/ 390الحديث (8950)، ولفظه في البخاري: «قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ القرآن في شهر، قلت: إني أجد قوّة، حتى قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك».
(8) أخرجه البخاري في الصحيح 2/ 255، كتاب الأذان (10)، باب الجمع بين السورتين في الركعة (106)،(2/87)
حناجرهم» (1) ذمهم بإحكام ألفاظه، وترك التفهم لمعانيه.
فصل في تعلم القرآن
ثبت في «صحيح البخاري» من حديث عثمان: «خيركم [69/ أ] من تعلّم القرآن وعلّمه» (2)، وفي رواية «أفضلكم» (3) وعن عبد الله يرفعه: «إن القرآن مأدبة الله فتعلموا [من مأدبة الله] (4) ما استطعتم» (5)، رواه البيهقي.
وروي أيضا عن أبي العالية قال: «تعلّموا القرآن خمس آيات، [خمس آيات] (6)، فإنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأخذه من جبريل عليه السلام خمسا خمسا»، وفي رواية: «من تعلمه خمسا خمسا لم ينسه».
قال أصحابنا [رحمهم الله] (4): تعليم القرآن فرض كفاية، وكذلك حفظه واجب على الأمة، صرّح به الجرجانيّ (8) في «الشافي» والعباديّ (9) وغيرهما. والمعنى فيه كما قاله
__________
الحديث (775)، ومسلم في الصحيح 1/ 563، كتاب صلاة المسافرين (6)، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذّ (49)، الحديث (275/ 722).
(1) متّفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 13/ 535، كتاب التوحيد (97)، باب قراءة الفاجر والمنافق (57)، الحديث (7562). ومسلم في الصحيح 2/ 741كتاب الزكاة (12)، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (47)، الحديث (148/ 1064). وأخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله الحديث (142/ 1063).
(2) صحيح البخاري 9/ 74، كتاب فضائل القرآن (66)، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (21)، الحديث (5027).
(3) المصدر نفسه الحديث (5028).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق: 2/ ب. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 555، كتاب فضائل القرآن، باب أخبار في فضائل القرآن. وأخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر، وابن الأنباري في «المصاحف» والبيهقي في «شعب الإيمان» (كنز العمال 1/ 526).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) هو أحمد بن محمد أحمد القاضي أبو العباس الجرجاني، كان إماما في الفقه والأدب قاضيا بالبصرة ومدرسا بها سمع الحديث من القاضيين أبي الطيب والماوردي وغيرهم، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، من تصانيفه «الشافي» و «إشارات البلغاء» و «التحرير» ت 482هـ (السبكي، طبقات الشافعية 3/ 31) وكتابه «الشافي في الفقه» مخطوط في مكتبة آيا صوفيا باسطنبول رقم 1200/ 1 (بروكلمان تاريخ الأدب 2/ 281).
(9) هو محمد بن أحمد بن محمد أبو عاصم الهروي العبادي القاضي الشافعي كان إماما جليلا حافظا للمذهب،(2/88)
الجويني (1) ألّا ينقطع عدد التواتر فيه، ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف فإن قام بذلك قوم سقط عن الباقين، وإلا فالكلّ آثم. فإذا لم يكن في البلد أو القرية من يتلو القرآن أثموا بأسرهم، ولو كان هناك جماعة يصلحون للتعليم وطلب من بعضهم وامتنع لم يأثم (2) في الأصحّ كما قاله النوويّ في «التبيان» (3)، وهو نظير ما صحّحه في «كتاب السير» (4) أن المفتي والمدرّس لا يأثمان بالامتناع إذا كان هناك من يصلح غيره. وصورة المسألة فيما إذا كانت المصلحة لا تفوت بالتأخير فإن كانت تفوت لم يجز الامتناع، كالمصلّي يريد تعلم الفاتحة ولو رده لخرج الوقت بسبب ذهابه إلى الآخر، ولضيق الوقت عن التعليم.
وينبغي تعليمه على التأليف المعهود (5) فإنه توقيفي وقد ورد عن ابن مسعود: سئل عن الذي يقرأ القرآن منكوسا قال: «ذاك منكوس القلب» (6).
قال أبو عبيد: «وجهه (7) عندي أن يبتدئ (8) من آخر القرآن من آخر المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة كنحو ما تفعل (9) الصبيان في الكتّاب، لأن السنّة خلاف هذا وإنما وردت الرّخصة في تعليم الصبيّ والعجميّ من المفصّل لصعوبة السّور الطوال عليهما».
(مسألة) ويجوز أخذ الأجرة على التعليم، ففي «صحيح البخاري»: إنّ أحقّ ما أخذتم
__________
بحرا يتدفق بالعلم، أخذ العلم عن القاضي أبي منصور محمد الأزدي، وله من التصانيف «الزيادات» و «المبسوط» و «أدب القضاء» وغيرها ت 458هـ (السبكي، طبقات الشافعية 3/ 42).
(1) إمام الحرمين تقدم ذكره في 1/ 118.
(2) في المخطوطة (لم يأثم بأحدهم).
(3) «التبيان في آداب حملة القرآن» طبع بهامش «منار الهدى» للأشمونيّ في القاهرة بمطبعة بولاق (حجر) عام 1286هـ / 1869م وبهامش «منار الهدى» القاهرة المطبعة العامرة الخيرية 1307هـ / 1889م، وفي دمشق دار الفكر 1385هـ / 1965م وفي القاهرة مطبعة مصطفى الحلبي، وفي دار المعرفة ببيروت ومكتبة الغزالي بدمشق بدون تاريخ وانظر قوله فيه ص 20، في الباب الرابع فصل: تعليم المتعلمين فرض كفاية.
(4) كتاب السيرة النبوية للنووي، طبع في مصر منتزعا من كتابه «تهذيب الأسماء واللغات» وحققه عبد الرءوف علي وبسّام الجابي، وطبع بدار البصائر بدمشق عام 1401هـ / 1980م في 96ص.
(5) في المخطوطة: (المعهودي).
(6) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق 12/ أ (مخطوطة توبنجن)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9/ 189 باب في مناقب ابن مسعود الحديث (8846).
(7) في المخطوطة (الوجه).
(8) في المخطوطة (يبدأ).
(9) في المخطوطة (يفعل).(2/89)
عليه أجرا كتاب الله» (1). وقيل: إن تعيّن عليه لم يجز، واختاره الحليميّ (2)، وقال: استنصر الناس (3) المعلمين لقصرهم (3) زمانهم على معاشرة الصبيان ثم النساء حتى أثّر ذلك في عقولهم، ثم لابتغائهم عليه الأجعال (5) وطمعهم في أطعمة الصبيان، فأمّا نفس التعليم فإنه يوجب التشريف والتفضيل.
وقال أبو الليث في كتاب «البستان» (6): التعليم على ثلاثة أوجه: (أحدها) للحسبة ولا يأخذ به عوضا. (والثاني) أن يعلّم بالأجرة. (والثالث) أن يعلّم بغير شرط، فإذا أهدي إليه قبل.
(فالأول): مأجور عليه، [وهو] (7) عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
(والثاني): مختلف فيه، قال أصحابنا المتقدمون: لا يجوز لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «بلّغوا عنّي ولو آية» (8). وقال جماعة من المتأخّرين: يجوز مثل عصام بن يوسف (9)، ونصر بن يحيى (10)، وأبي نصر بن سلام (11). وغيرهم قالوا (12): والأفضل للمعلّم أن يشارط الأجرة للحفظ وتعليم
__________
(1) أخرجه في صحيحه 10/ 198، عن ابن عباس رضي الله عنهما، كتاب الطب (76)، باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب (34)، الحديث (5737).
(2) هو الحسين بن الحسن أبو عبد الله الحليمي تقدم ذكره في 1/ 322، وانظر قوله في «المنهاج في شعب الإيمان» العبارة في المخطوطة (التعليم لقصر).
(3) العبارة في المخطوطة (التعليم لقصر).
(5) في المخطوطة (الآجال).
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (التبيان)، وقد تقدم التعريف به وبكتابه في 1/ 322.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) من حديث لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما تتمته «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار» أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 496، كتاب أحاديث الأنبياء (60)، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (50)، الحديث (3461).
(9) هو عصام بن يوسف بن ميمون أبو عصمة البلخي الفقيه الحنفي المحدث الثقة روى عن ابن المبارك والثوري، وشعبة، وروى عنه أهل بلده، وكان صاحب حديث ثبتا في الرواية، كان من ملازمي أبي يوسف ذكره ابن حبان في الثقات ت 210هـ (اللكنوي، الفوائد البهية ص: 116).
(10) هو نصر بن يحيى البلخي الحنفي أخذ الفقه عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد ت 268هـ (اللكنوي، الفوائد البهية ص: 221).
(11) هو أبو نصر محمد بن محمد بن سلام البلخي، ذكره الموفّق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفة: 385في الباب السادس والعشرين، في تقديم مذهبه على سائر المذاهب.
(12) في المخطوطة (قال).(2/90)
الكتابة، فإن شارط لتعليم القرآن أرجو أنه لا بأس به لأنّ المسلمين قد توارثوا ذلك واحتاجوا إليه.
(وأما الثالث) فيجوز في قولهم جميعا لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان معلّما للخلق وكان يقبل الهدية. ولحديث اللّديغ لما رقوه بالفاتحة، وجعلوا له جعلا وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «واضربوا لي معكم فيها بسهم» (1).
(مسألة) (2) وليدمن على تلاوته بعد تعلّمه، قال الله تعالى مثنيا على من كان دأبه تلاوة آيات الله: {يَتْلُونَ آيََاتِ اللََّهِ آنََاءَ اللَّيْلِ} (آل عمران: 113) وسمّاه ذكرا، وتوعّد المعرض عنه ومن تعلّمه ثم نسيه. وفي «الصحيحين»: «تعاهدوا القرآن فو الّذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقالها» (3). وقال: «بئسما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسّى استذكروا القرآن فلهو أشدّ تقصّيا في صدور [69/ ب] الرجال من النّعم في عقلها» (4).
(مسألة) يستحبّ الاستياك وتطهير فمه، والطهارة للقراءة باستياكه، وتطهير بدنه بالطيب المستحبّ تكريما لحال التلاوة، لا بسا من الثياب ما يتجمل به بين الناس لكونه بالتلاوة بين يدي المنعم المتفضّل بهذا الإيناس، فإنّ التالي للكلام، بمنزلة المكالم لذي الكلام، وهذا غاية التشريف من فضل الكريم العلّام. ويستحب أن يكون جالسا مستقبل القبلة سئل سعيد بن المسيّب عن حديث وهو متكئ فاستوى جالسا وقال: «أكره أن أحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا متكئ» وكلام الله تعالى أولى.
__________
(1) من حديث لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 453، كتاب الإجارة (37)، باب ما يعطى في الرقية (16)، الحديث (2276)، وانظر الحاشية رقم (1) في 2/ 90.
(2) في المطبوعة (فصل).
(3) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 79، في كتاب فضائل القرآن (66)، باب استذكار القرآن وتعاهده (23)، الحديث (5033)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 545، كتاب صلاة المسافرين (6)، باب الأمر بتعهد القرآن (33)، الحديث (231/ 791) وقوله «تفصيا» أي تفلتا وتخلصا (ابن حجر، فتح الباري 9/ 81) وفي المخطوطة (عقلها) كما في صحيح البخاري.
(4) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 79، كتاب فضائل القرآن (66)، باب استذكار القرآن وتعاهده (23)، الحديث (5032)، ومسلم في الصحيح 1/ 544، كتاب صلاة المسافرين (6) باب الأمر بتعهد القرآن (33)، الحديث (288/ 790). وفي المخطوطة (عقلها) كما في صحيح البخاري.(2/91)
ويستحب أن يكون متوضّئا، ويجوز للمحدث، قال إمام الحرمين وغيره: لا يقال إنها مكروهة، فقد صح أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ مع الحدث وعلى كل حال سوى الجنابة. وفي معناها الحيض والنفاس. وللشافعيّ قول قديم في الحائض تقرأ خوف النسيان.
وقال أبو الليث (1): لا بأس أن يقرأ الجنب والحائض أقلّ من آية واحدة، قال: وإذا أرادت الحائض التعلّم فينبغي لها أن تلقّن نصف آية، ثم تسكت ولا تقرأ آية واحدة بدفعة واحدة. وتكره القراءة حال خروج الريح وأما غيره من النواقض كاللمس والمسّ ونحوه فيحتمل عدم الكراهة لأنه غير مستقذر عادة، ولأنه في حال خروج الريح يبعد (2) بخلاف هذه.
(مسألة) يستحب التعوذ قبل القراءة، فإن قطعها قطع ترك، وأراد العود جدّد، وإن قطعها لعذر عازما على العود كفاه التعوذ الأول ما لم يطل الفصل. ولا بدّ من قراءة البسملة أول كل سورة تحرّزا من مذهب الشافعيّ وإلا كان قارئا بعض السور لا جميعها فإن قرأ من أثنائها استحب له البسملة أيضا، نص عليه الشافعي رحمه الله فيما نقله العبادي (3).
وقال الفاسي (4) في «شرح القصيدة»: كان بعض شيوخنا يأخذ علينا في الأجزاء القرآنية بترك البسملة، ويأمرنا بها في حزب: {اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (البقرة: 255) وفي حزب {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السََّاعَةِ} (فصّلت: 47) لما فيهما بعد الاستعاذة من قبح اللفظ. وينبغي لمن أراد ذلك أن يفعله، إذا ابتدأ مثل ذلك، نحو: {اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (الروم: 54)، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ}
__________
(1) السمرقندي تقدم 1/ 322.
(2) في المخطوطة (بتغيره).
(3) تقدم التعريف به في 2/ 88.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (الفارسي) وهو محمد بن حسن بن محمد المغربي الفاسي المقرئ نزيل حلب قرأ القراءات على أصحاب الشاطبي، وتفقه على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وكان إماما متفننا ذكيا، واسع العلم، كثير المحفوظ بصيرا بالقراءات وعللها، وأخذ عنه خلق كثير. وكان يعرف الكلام على طريقة أبي الحسن الأشعري ت 656هـ (الذهبي، معرفة القراء 2/ 668) وكتابه مخطوط بالأزهر رقم 258/ 22265، ورافعي 275/ 226611، وفي آيا صوفيا رقم 49، 50، وفي التيمورية رقم 213، وفي الاوقاف ببغداد 2253، وفي المكتبة المحمدية بالجامع الزيواني بالموصل رقم 230 (معجم الدراسات القرآنية: 540).(2/92)
{جَنََّاتٍ} (الأنعام: 141) لوجود العلة المذكورة. وقد كان مكّيّ (1) يختار إعادة الآية قبل كلّ حزب من الحزبين المذكورين للعلّة المذكورة.
(مسألة) ولتكن تلاوته بعد أخذه القرآن من أهل الإتقان لهذا الشأن، الجامعين بين الدراية والرواية، والصدق والأمانة، وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجتمع به جبريل في رمضان فيدارسه القرآن (2).
(مسألة) وهل القراءة في المصحف أفضل، أم على ظهر القلب، أم يختلف الحال؟ ثلاثة أقوال:
* أحدها: أنها من المصحف أفضل لأن النظر فيه عبادة، فتجتمع القراءة والنظر، وهذا قاله القاضي الحسين (3) والغزالي، قال: وعلّة ذلك أنه لا يزيد على (4) وتأمل المصحف وجمله (5)، ويزيد في الأجر بسبب ذلك. وقد قيل: الختمة في المصحف بسبع وذكر أن الأكثرين من الصحابة كانوا يقرءون في المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعيّ رحمه الله تعالى المسجد وبين يديه المصحف فقال: «شغلكم الفقه عن القرآن إني لأصلّي العتمة، وأضع المصحف في يدي فما أطبقه حتى الصبح» (6).
وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي يقرأ في كل يوم سبعا من القرآن (7) لا يتركه نظرا (7)
وروى الطّبرانيّ من حديث أبي سعيد بن عوذ المكيّ عن عثمان بن عبد الله بن أوس (9)
__________
(1) هو مكي بن أبي طالب تقدم في 1/ 409.
(2) حديث مدارسة جبريل للنبي صلّى الله عليه وسلّم أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 30، كتاب بدء الوحي (1)، باب (5) الحديث (6).
(3) هو الحسين بن محمد بن أحمد القاضي أبو علي المرورّوذي، الفقيه الشافعي، زين العلم، فقيه النفس الإمام الجليل كان يقال له: «حبر الأمة» تخرّج عليه من الأئمة عدد كبير منهم: إمام الحرمين والمتولي والبغوي من تصانيفه «التعليق الكبير» ت 462هـ (السبكي، طبقات الشافعية 3/ 155).
(4) بياض في الأصل المخطوط مقدار كلمتين.
(5) في المخطوطة (ونحوه).
(6) القصة عند البيهقي في مناقب الشافعي 1/ 281، باب ما يستدل على حفظ الشافعي لكتاب الله عز وجل.
(7) عبارة المخطوطة (لا يدركه نظر).
(9) تصحف الاسم في المخطوطة إلى (عثمان بن عبيد الله بن أويس) والتصويب من تهذيب التهذيب 7/ 129.(2/93)
الثقفي عن جده قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة (1). وأبو سعيد قال فيه ابن معين: لا بأس به.
وروى البيهقيّ في «شعب الإيمان» من. طريقين إلى عثمان بن عبد الله بن أوس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ القرآن في المصحف [70/ أ] كانت له [ألف ألف] (2) حسنة، ومن قرأه في غير المصحف فأظنه قال كألفي حسنة» (3). وفي الطريق الأخرى قال: «درجة» وجزم بألف إذا لم يقرأ في المصحف.
وروى ابن أبي داود بسنده عن أبي الدرداء مرفوعا: «من قرأ مائتي آية كلّ يوم نظرا شفّع في سبعة قبور حول قبره، وخفّف العذاب عن والديه وإن كانا مشركين» (4).
وروى أبو عبيد في «فضائل القرآن» بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضل القرآن نظرا على من قرأ ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة». وبسنده عن ابن عباس قال: «كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه» (5).
وروى ابن أبي (6) داود بسنده عن عائشة مرفوعا: «النظر إلى الكعبة عبادة، والنظر في وجه الوالدين عبادة، والنظر في المصحف عبادة».
وعن الأوزاعي: «كان يعجبهم النّظر في المصحف بعد القراءة هنيهة». قال بعضهم:
«وينبغي لمن (7) كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كلّ يوم آيات يسيرة ولا يتركه مهجورا».
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 191، في مسند أوس بن حذيفة الثقفي الحديث (601) والبيهقي في شعب الإيمان (ذكره المتقي الهندي في كنز العمال 1/ 516). وأخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2754.
(2) في المطبوعة: (ألفا).
(3) الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2754في ترجمة أبي سعيد بن عوذ المكي. وقد وقع تصحيف في مخطوطة البرهان، واضطراب في عبارته كما وقع تصحيف في المطبوعة وقد صوّبنا النص كما جاء عند ابن عدي في الكامل.
(4) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (كنز العمال 1/ 537)، وأخرجه الديلمي في الفردوس 4/ 30، الحديث (5587).
(5) فضائل القرآن ق: 9/ ب (مخطوطة توبنجن) باب فضل قراءة القرآن نظرا.
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (ابن داود) وفي المطبوعة إلى (أبو داود) والحديث أخرجه ابن أبي داود في المصاحف وأبو الشيخ (كنز العمال 12/ 197و 212).
(7) في المخطوطة (إن).(2/94)
* والقول الثاني: أن القراءة على ظهر القلب أفضل، واختاره أبو محمد بن عبد السلام، فقال في «أماليه» (1): قيل القراءة في المصحف أفضل لأنه يجمع فعل الجارحتين وهما اللسان والعين، والأجر على قدر المشقة، وهذا باطل لأن المقصود من القراءة التدبر لقوله تعالى:
{لِيَدَّبَّرُوا آيََاتِهِ} (ص: 29) والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخلّ بهذا المقصود، فكان مرجوحا».
* والثالث: واختاره النوويّ في «الأذكار» (2): «إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبّر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، قال: وهو مراد السلف».
(مسألة) يستحب الجهر بالقراءة صحّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، واستحبّ بعضهم الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسرّ قد يملّ، فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار إلا أنّ من قرأ بالليل جهر بالأكثر وإن قرأ بالنهار أسرّ بالأكثر إلا أن يكون بالنهار في موضع لا لغو فيه ولا صخب، ولم يكن في صلاة فيرفع صوته بالقرآن، ثم روى بسنده عن معاذ بن جبل يرفعه: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة» (3).
نعم من قرأ والناس يصلّون فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد، فقال: «يأيها الناس كلّكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة» (4).
__________
(1) كتاب «الأمالي» للعز بن عبد السلام، مخطوط يوجد منه خمس نسخ (1) نسخة المتحف البريطاني بعنوان (مسائل وأجوبة في علوم متعددة من القرآن والحديث والفقه) رقم 7713/ 570 (2) نسخة المتحف البريطاني بدون عنوان رقم 9691، (3) نسخة دار الكتب المصرية رقم (77تفسير م) عنوانها فوائد العز بن عبد السلام، وتسمى أيضا (إعجاز القرآن) 166ورقة، (4) نسخة الخزانة الألوسية في مكتبة المتحف العراقي وعنوانها (فوائد في علوم القرآن) رقم (8754) 234ص، (5) نسخة مكتبة كوبرللي باستنبول رقم (44) 93 ورقة (حياة وآثار العز بن عبد السلام، للوهيبي ص: 119).
(2) الأذكار: 182، كتاب تلاوة القرآن (بتحقيق أحمد راتب حموش، نشر دار الفكر بدمشق) كتاب تلاوة القرآن.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 555، كتاب فضائل القرآن، باب أخبار في فضائل القرآن جملة. وقال «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
(4) أخرجه من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أحمد في المسند 3/ 94، وأبو داود في السنن 2/ 83، كتاب الصلاة (2)، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (315)، الحديث (1331).(2/95)
(مسألة) ويكره قطع القرآن لمكالمة الناس، وذلك أنه إذا انتهى في القراءة إلى آية وحضره كلام فقد استقبله التي بلغها والكلام، فلا ينبغي أن يؤثر كلامه على قراءة القرآن، قاله الحليميّ (1)، وأيّده البيهقي بما رواه البخاري، «كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتى يفرغ منه» (2).
(مسألة) لا تجوز قراءته بالعجمية سواء أحسن العربية أم لا، في الصلاة أو خارجها، لقوله تعالى: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (يوسف: 2)، وقوله: {وَلَوْ جَعَلْنََاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا}
(فصّلت: 44).
وقيل عن أبي حنيفة: تجوز قراءته بالفارسية مطلقا، وعن أبي يوسف: إن لم يحسن العربية لكن صحّ عن أبي حنيفة الرجوع عن ذلك، حكاه عبد العزيز (3) في «شرح البزدويّ».
واستقرّ الإجماع على أنه تجب قراءته على هيئته التي يتعلّق بها الإعجاز لنقص الترجمة عنه، ولنقص غيره من الألسن عن البيان الذي اختص به دون سائر الألسنة. وإذا لم تجز قراءته بالتفسير العربي لمكان التحدي بنظمه، فأحرى أن لا تجوز الترجمة بلسان غيره ومن هاهنا قال القفال (4) من أصحابنا: «عندي أنه لا يقدر أحد أن يأتي بالقرآن بالفارسية، قيل له: فإذن لا يقدر أحد أن يفسّر القرآن، قال: [ليس] (5) كذلك لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد [70/ ب] الله ويعجز عن البعض أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد
__________
(1) تقدم ذكره في 1/ 322، وانظر كتابه «المنهاج في شعب الإيمان» 2/ 229.
(2) البخاري، الصحيح 8/ 189، كتاب التفسير (65)، سورة البقرة، باب نساؤكم حرث لكم (39) الحديث (4526).
(3) هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي تفقه على عمه محمد المايمرغني، وأخذ أيضا عن حافظ الدين الكبير محمد البخاري، وتفقه عليه قوام الدين محمد الكاكي وجلال الدين عمر بن محمد الجنازي وغيرهما له من التصانيف «شرح أصول البزدوي» المسمّى «كشف الأسرار» ووضع كتابا على الهداية ت 730هـ (اللكنوي الفوائد البهية ص: 94) وكتابه طبع في استانبول عام 1307هـ / 1889م.
(4) هو محمد بن علي بن إسماعيل القفال الفقيه أبو بكر الشاشي الشافعي كان إمام عصره بما وراء النهر كان فقيها مفسّرا محدّثا، أصوليا، لغويا، رحل إلى خراسان، والعراق، والشام، وسار ذكره واشتهر اسمه روى عنه الحاكم، وابن منده، والحليمي وغيرهم، من مصنفاته «أصول الفقه» ت 365هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 16/ 283).
(5) ساقطة من المخطوطة.(2/96)
الله، أيّ فإن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها، وذلك غير ممكن بخلاف التفسير.
وما أحاله القفال من ترجمة القرآن ذكره أبو الحسين بن فارس في [كتاب] (1) «فقه العربية» أيضا فقال: «لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقل القرآن إلى شيء من الألسن كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية لأن العجم لم تتسع في الكلام اتساع العرب ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: {وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى ََ سَوََاءٍ} (الأنفال: 58) لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها، وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء (2)، وكذلك قوله تعالى: {فَضَرَبْنََا عَلَى آذََانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً} (الكهف:
11)» انتهى.
فظهر من هذا أن الخلاف في جواز قراءته بالفارسية لا يتحقّق لعدم إمكان تصوّره. ورأيت في كلام بعض الأئمة (3) المتأخرين أن المنع من الترجمة مخصوص بالتلاوة فأما ترجمته للعمل به فإن ذلك جائز للضرورة، وينبغي أن يقتصر من ذلك على بيان المحكم (4) منه، والغريب المعنى بمقدار الضرورة [اليها] (5) من التوحيد وأركان العبادات ولا يتعرض لما سوى ذلك، ويؤمر من أراد الزيادة على ذلك بتعلم اللّسان العربيّ وهذا هو الذي يقتضيه الدليل، ولذلك لم يكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى قيصر إلا بآية واحدة محكمة لمعنى واحد وهو توحيد الله والتبري من الإشراك لأن النقل من لسان إلى لسان قد تنقص (6) الترجمة عنه كما سبق، فإذا كان معنى المترجم عنده واحدا قلّ وقوع التقصير فيه بخلاف المعاني إذا كثرت وإنما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لضرورة التبليغ أو لأنّ معنى تلك الآية كان عندهم مقرّرا في كتبهم، وإن خالفوه.
__________
(1) ساقطة من المخطوطة وكتاب «الصاحبي في فقه اللغة» تقدم التعريف به في 2/ 12، وانظر قوله في الكتاب ص: 13.
(2) في المطبوعة (سواء) والتصويب من كتاب فقه اللغة ومن الأصل المخطوط.
(3) في المخطوطة (أئمة).
(4) في المخطوطة (الحكم).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (ينقض).(2/97)
وقال الكواشي (1) في تفسير سورة الدخان: «أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية بشريطة وهي أن يؤدّي القارئ المعاني كلّها من غير أن ينقص منها شيئا أصلا. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة لأن كلام العرب خصوصا القرآن الذي هو معجز فيه من لطائف المعاني والإعراب ما لا يستقل (2) به لسان من فارسية وغيرها».
وقال الزمخشري (3): ما كان أبو حنيفة يحسن الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر، وروى عليّ بن الجعد (4) عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل صاحبيه في القراءة بالفارسية.
(مسألة) ولا تجوز قراءته بالشواذ، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على منعه فقد سبق في الحديث: «كان يمد مدّا» (5) يعني أنه يمكّن الحروف ولا يحذفها، وهو الذي يسميه (6) القرّاء (7) [بالتجويد في القرآن، والترتيل أفضل من الإسراع، فقراءة حزب مرتّل مثلا في مقدار من الزمان، أفضل من قراءة حزبين في مثله بالإسراع.
(مسألة) يستحب قراءته بالتفخيم والإعراب لما يروى: «نزل القرآن] (7) بالتفخيم» (9)، قال الحليمي: «معناه أن يقرأ على قراءة الرجال، ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء، قال: ولا يدخل في كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء، وقد يجوز أن يكون القرآن نزل بالتفخيم، فرخّص مع ذلك في إمالة ما يحسن إمالته على لسان جبريل عليه السلام».
__________
(1) هو أحمد بن يوسف موفق الدين المفسّر تقدم التعريف به في 1/ 272.
(2) في المخطوطة (يشتغل).
(3) انظر قوله في الكشاف 3/ 127في تفسير قوله تعالى: {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]، وانظر أيضا رءوس المسائل: 159، المسألة (62).
(4) تصحف الاسم في المخطوطة إلى (أبي الجعدي) وهو علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، أبو الحسن البغدادي، المحدّث روى عن حريز بن عثمان، وشعبة والثوري، ومالك وغيرهم، وعن البخاري وأبو داود، وأحمد، ويحيى بن معين، وغيرهم. قال ابن معين: «ثقة صدوق» ت 230هـ (ابن حجر، تهذيب التهذيب 7/ 292).
(5) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 91، كتاب فضائل القرآن (66)، باب مدّ القراءة (29) الحديث (5045).
(6) في المخطوطة (تسميه).
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) ذكره الحليمي في المنهاج 2/ 238، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 231، كتاب التفسير باب قراءات النبي صلّى الله عليه وسلّم مما لم يخرجاه وقد صح سنده.(2/98)
وروى البيهقي (1) من حديث ابن عمر: «من قرأ القرآن فأعرب في قراءته كان له بكلّ حرف عشرون حسنة، ومن قرأ (2) بغير إعراب كان له بكلّ حرف عشر حسنات».
(مسألة) وأن (3) يفصل كلّ سورة عما قبلها، إما بالوقف أو التسمية، ولا يقرأ من أخرى قبل الفراغ من الأولى ومنه الوقف على رءوس الآي، وإن لم يتم المعنى (4). قال أبو موسى المديني (5): «وفيه خلاف بينهم لوقفه صلّى الله عليه وسلّم في قراءة الفاتحة [على] كلّ آية وإن لم يتم الكلام». قال أبو موسى: «ولأنّ الوقف على آخر السور لا شك في استحبابه، وقد يتعلق بعضها ببعض كما في سورة الفيل مع قريش.
وقال البيهقي رحمه الله وقد ذكر حديث «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقطّع قراءته [71/ أ] آية آية» (6):
ومتابعة السنّة أولى فيما ذهب إليه أهل العلم بالقراءات من تتبع الأغراض والمقاصد.
ومنها أن يعتقد جزيل ما أنعم الله عليه إذ أهّله لحفظ كتابه ويستصغر عرض الدنيا أجمع في جنب ما خوّله الله تعالى، ويجتهد في شكره. ومنها ترك المباهاة فلا يطلب به الدنيا بل ما عند الله وألّا يقرأ في المواضع القذرة، وأن يكون ذا سكينة ووقار، مجانبا للذنب (7)، محاسبا نفسه، يعرف القرآن في سمته وخلقه لأنه صاحب كتاب الملك والمطلع على وعده ووعيده، وليتجنب القراءة في الأسواق، قاله الحليميّ (8)، وألحق به الحمام، وقال النووي: «لا بأس به في الطريق سرّا حيث لا لغو فيها» (9).
(مسألة) عدّ الحليميّ (10) من الآداب ترك خلط سورة بسورة، وذكر الحديث الآتي، قال البيهقيّ: وأحسن ما يحتجّ به أن يقال: إن هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) في شعب الإيمان (كنز العمال 1/ 533).
(2) في المطبوعة (قرأه).
(3) في المخطوطة (وإنما).
(4) في المخطوطة (الكلام).
(5) هو محمد بن عمر بن أحمد الحافظ أبو موسى ابن المديني الأصبهاني الشافعي أوحد وقته، وشيح زمانه إسنادا وحفظا، سمع من أبي سعد محمد بن محمد المطرز وله تصانيف هامة منها «اللطائف في المعارف» ت 581هـ (السبكي، طبقات الشافعية 4/ 90).
(6) تقدم تخريج الحديث في 1/ 505.
(7) في المخطوطة (الكذب).
(8) الحليمي المنهاج في شعب الإيمان 2/ 212و 258.
(9) النووي التبيان في آداب حملة القرآن: 42الباب السادس في آداب القرآن.
(10) في المنهاج 2/ 238.(2/99)
وأخذه عن جبريل، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول المجتمع عليه، وقد قال ابن سيرين: تأليف الله خير من تأليفكم. ونقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة.
وقد روى أبو داود في «سننه» (1) من حديث أبي هريرة: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بأبي بكر وهو يقرأ يخفض صوته، وبعمر يجهر بصوته وذكر الحديث وفيه فقال: وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة، فقال: كلام طيّب يجمعه الله بعضه إلى بعض فقال: كلكم قد أصاب». وفي رواية لأبي عبيد في «فضائل القرآن»: «قال بلال: أخلط الطّيّب بالطّيّب، فقال: اقرأ السورة على وجهها» أو قال «على نحوها» وهذه زيادة مليحة، وفي رواية: «إذا قرأت السورة فأنفذها» (2).
وروى عن خالد بن الوليد «أنه أمّ الناس فقرأ من سور شتى، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني الجهاد عن تعلّم القرآن» (3). وروى المنع عن ابن سيرين. ثم قال أبو عبيد: الأمر عندنا على الكراهة [في قراءة] (4) القراء هذه الآيات المختلفة، كما أنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بلال، وكما اعتذر خالد عن فعله، ولكراهة ابن سيرين له. ثم قال: إن بعضهم روى حديث بلال، وفيه: فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ذلك حسن» وهو أثبت وأشبه بنقل العلماء» (5) انتهى.
ورواه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (6) وزاد: مثل بلال كمثل نحلة غدت تأكل من الحلو والمرّ، ثم يصير حلوا كله». قال: وإنما شبّهه بالنحلة في ذلك لأنها تأكل من الثمرات: حلوها [ومرّها] (7) وحامضها، ورطبها ويابسها، وحارّها وباردها فتخرج هذا الشفاء، وليست كغيرها من الطير تقتصر على الحلو فقط لحظّ شهوته فلا جرم أعاضها الله الشفاء فيما تلقيه كقوله:
«عليكم بألبان البقرة، فإنها ترمّ من كل الشجر فتأكل» (8) فبلال رضي الله عنه كان يقصد آيات الرحمة
__________
(1) سنن أبي داود 2/ 82، كتاب الصلاة (2)، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (315)، الحديث (1330).
(2) فضائل القرآن ق 22/ أب (مخطوطة توبنجن) باب القارئ يقرأ آي القرآن مواضع مختلفة
(3) أخرجه أبو عبيد في المصدر السابق. وفي المخطوطة (تعليم القرآن).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) فضائل القرآن ق 23/ أ، الباب نفسه.
(6) ص: 230، الأصل الثالث والتسعون والمائة في تمثيل بلال رضي الله عنه بالنحلة.
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) نوادر الأصول ص: 230.(2/100)
وصفات الجنّة، فأمره أن يقرأ السورة على نحوها كما جاءت ممتزجة كما أنزل الله تعالى: فإنه أعلم بدواء العباد وحاجتهم، ولو شاء لصنّفها أصنافا وكلّ صنف على حدة ولكنه مزجها لتصل القلوب بنظام لا يملّ، قال: ولقد أذهلني يوما قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمََاءُ بِالْغَمََامِ وَنُزِّلَ الْمَلََائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمََنِ} (الفرقان: 25و 26) فقلت: يا لطيف علمت أن قلوب أوليائك الذين يعقلون هذه الأوصاف عنك وتتراءى لهم [تلك] (1) الأهوال لا تتمالك فلطفت بهم فنسبت {الْمُلْكُ} إلى أعم اسم في الرحمة، فقلت: (الرحمن) ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحلّ بها الهول، فيمازج تلك الأهوال، ولو كان بدله اسما [71/ ب] آخر، من «عزيز وجبار» لتفطرت القلوب، فكان بلال يقصد لما تطيب به النفوس، فأمره أن يقرأ على نظام رب العالمين فهو أعلم بالشفاء.
(مسألة) يستحب استيفاء كلّ حرف أثبته قارئ. قال الحليميّ (2): «هذا ليكون القارئ قد أتى على جميع ما هو قرآن، فتكون ختمة أصحّ من ختمة إذا ترخّص بحذف حرف أو كلمة قرئ بهما. ألا ترى أنّ صلاة كلّ من استوفى كل فعل امتنع عنه كانت صلاته أجمع من صلاة من ترخص فحذف منها ما لا يضر حذفه».
(مسألة) (3) ويستحبّ ختم القرآن في كل أسبوع، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزد» (4). رواه أبو داود، وروى الطبراني بسند جيّد: «سئل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجزّئ القرآن، قال: كان يجزئه ثلاثا وخمسا» (5) وكره قوم قراءته في أقل من ثلاث، وحملوا عليه حديث: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» (6) رواه الأربعة، وصحّحه الترمذي، والمختار وعليه أكثر المحققين أن ذلك يختلف بحال الشخص
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المنهاج 2/ 238.
(3) في المطبوعة (فصل).
(4) تقدم تخريج الحديث في 2/ 87، ولفظه في الصحيحين.
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 190، في معجم أوس بن حذيفة الثقفي الحديث (599) قال: «قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وفد ثقيف، فكان يخرج إلينا فيحدثنا، فأبطأ علينا ذات ليلة، فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت علينا! فقال: إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن فكرهت أن أقطعه حتى أفرغ منه، فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» وساق الحديث.
(6) تقدم تخريجه في 2/ 87.(2/101)
في النشاط والضعف والتدبّر والغفلة لأنه روي عن عثمان رضي الله عنه كان يختمه في ليلة واحدة. ويكره تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما (1) [بلا عذر، نص عليه أحمد لأن عبد الله بن عمرو سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم في كم يختم القرآن قال في أربعين يوما] (1) رواه أبو داود (3).
وقال أبو الليث (4) في كتاب «البستان»: «ينبغي [للقارئ] (5) أن [يختم] (5) [القرآن] (7)
في السّنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة» وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: «من قرأ القرآن في كلّ سنة مرتين فقد أدّى [للقرآن] (7) حقّه لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عرضه (9) على جبريل في السّنة التي قبض فيها مرتين [انتهى] (5).
وقال أبو الوليد الباجي (11): «أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم [عبد الله] (12) بن عمرو أن يختم في سبع أو ثلاث يحتمل أنه الأفضل في الجملة أو أنه الأفضل في حق ابن عمرو لمّا علم من ترتيله في قراءته، وعلم من ضعفه عن استدامته أكثر مما حدّ له. وأما من استطاع أكثر من ذلك فلا تمنع الزيادة عليه. وسئل مالك عن الرجل يختم القرآن في كل ليلة فقال: «ما أحسن ذلك! إنّ القرآن إمام كل خير».
وقال بشر بن السريّ (13): «إنما الآية مثل التمرة كلّما مضغتها استخرجت حلاوتها.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(3) في السنن 2/ 116الحديث (1395). وراجع 2/ 87من هذا الكتاب.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (داود) وهو أبو الليث السمرقندي تقدم التعريف به وبكتابه 1/ 322.
(5) ساقطة من المطبوعة، وحديث عرضه صلّى الله عليه وسلّم القرآن مرتين أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 43، كتاب فضائل القرآن (66)، باب كيف كان جبريل يعرض القرآن (7) الحديث (4998).
(7) ساقطة من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (عرض).
(11) هو سليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي الأندلسي الأصولي المالكي المتكلم المفسر الأديب الشاعر أخذ عن مكي بن أبي طالب، ورحل إلى المشرق وروى عنه الحافظان أبو بكر الخطيب، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله الحميدي وغيرهم، من تصانيفه «الجرح والتعديل» ت 474هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 202).
(12) ساقطة من المخطوطة، وتصحف الاسم إلى (عمر).
(13) هو بشر بن السريّ البصري أبو عمرو الأفوه، المحدّث الواعظ روى عن الثوري وحماد بن سلمة، وابن المبارك وغيرهم وعن يحيى بن آدم، وابن حنبل وابن المديني وثّقه ابن معين، وابن سعد، وكان صاحب مواعظ يتكلم فسمّي الأفوه ت 196هـ (ابن حجر، تهذيب التهذيب 1/ 450).(2/102)
فحدّث به أبو سليمان (1)، فقال: صدق إنما يؤتى أحدكم من أنّه إذا ابتدأ السورة أراد آخرها» (مسألة) يسنّ (2) ختمه في الشتاء أوّل الليل، وفي الصيف أول النهار، قال ذلك ابن المبارك، وذكره أبو داود لأحمد فكأنه أعجبه، ويجمع أهله عند ختمه ويدعو.
وقال بعض السلف: «إذا ختم أوّل النهار صلّت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم في أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح» (3). رواه أبو داود.
(مسألة) يستحبّ التكبير من أوّل سورة الضحى إلى أن يختم، وهي قراءة أهل مكّة أخذها ابن كثير عن مجاهد ومجاهد عن ابن عباس، وابن عباس عن أبيّ، و [أخذها] (4) أبيّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم رواه ابن خزيمة والبيهقي في «شعب الإيمان» وقوّاه (5) ورواه من طريق موقوفا على أبيّ بسند معروف وهو حديث غريب، وقد أنكره أبو حاتم الرازي (6) على عادته في التشديد واستأنس له الحليميّ (7) بأن القراءة تنقسم إلى أبعاض متفرقة فكأنه كصيام الشهر وقد أمر الناس أنه إذا أكملوا العدة أن يكبّروا الله على ما هداهم. فالقياس أن يكبّر القارئ إذا أكمل عدة السور.
وذكر غيره أن التكبير لاستشعار انقطاع الوحي قال: وصفته في آخر هذه السور أنه كلما ختم سورة وقف وقفة، ثم قال: الله أكبر، ثم وقف وقفة ثم ابتدأ السورة التي تليها إلى آخر القرآن. ثم كبر كما كبّر من قبل، ثم أتبع التكبير الحمد، والتصديق [72/ أ] والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، والدعاء.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن سليمان، ابن أبي الجون، أبو سليمان الدمشقي الدارني المحدّث، روى عن الأعمش وابن شريح وغيرهم، وعن الوليد بن مسلم، ذكره ابن حبان في «الثقات» توفي سنة نيف وتسعين ومائة (ابن حجر، تهذيب التهذيب 6/ 188).
(2) في المخطوطة (سنّ)، وانظر المنهاج في شعب الإيمان 2/ 221.
(3) أخرجه الدارمي في السنن 2/ 470469، عن إبراهيم وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، كتاب فضائل القرآن، باب في ختم القرآن، الحديث (7) و (12) من الباب.
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (وقوله)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 304.
(6) ذكره ابن أبي حاتم الرازي في علل الحديث 2/ 77، باب علل أخبار في القرآن وتفسيره الحديث (1721)، قال عقبه: «هذا حديث منكر».
(7) في المنهاج 2/ 222221.(2/103)
وقال سليم الرازي (1) في «تفسيره»: يكبّر القارئ بقراءة ابن كثير إذا بلغ «والضحى» بين كل سورتين تكبيرة إلى أن يختم القرآن ولا يصل آخر السورة بالتكبير بل يفصل بينهما بسكتة وكأنّ المعنى في ذلك ما روي أن الوحي كان تأخر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أياما فقال ناس:
إن محمدا قد ودّعه صاحبه وقلاه، فنزلت هذه السورة، فقال: الله أكبر، قال: ولا يكبّر في قراءة الباقين ومن حجتهم أنّ في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن بأن زيد عليه فيتوهم أنّه من القرآن فيثبتوه فيه.
(مسألة) مما (2) جرت به العادة من تكرير سورة الإخلاص عند الختم نصّ الإمام أحمد على المنع ولكن عمل (3) الناس على خلافه قال بعضهم والحكمة في التكرير ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن فيحصل بذلك ختمة.
(فإن قيل): فعلى هذا كان ينبغي أن يقرأ ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة فيحصل ختمتان (4). (قلنا): مقصود الناس ختمة واحدة فإن القارئ إذا [وصل إليها] (5) قرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن، وإما التي حصل ثوابها بقراءة سورة الإخلاص ثلاثا، وليس المقصود ختمة أخرى.
(مسألة) [ثم] (6) إذا ختم وقرأ المعوذتين قرأ الفاتحة [وقرأ] (7) خمس آيات من البقرة إلى قوله: {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5) لأن [ألف الم] (8) آية عند الكوفيين، وعند غيرهم بعض آية وقد روى الترمذي: «أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال: الحالّ [المرتحل» (9)، قيل] (10) المراد
__________
(1) هو سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازي، الأديب المفسر الفقيه الشافعي لازم الشيخ أبا حامد ولما توفي جلس مكانه ثم إنه سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا يفسر العلم فتخرج عليه أئمة منهم الشيخ نصر المقدسي، وسمع أحمد بن فارس وغيره، كان ورعا زاهدا فقيها أصوليا. من مصنفاته تفسيره المسمى «ضياء القلوب» ت 447هـ غرقا بعوده من الحج عند ساحل جده (القفطي، إنباه الرواة 2/ 69) وكتابه مخطوط في الموصل رقم 155، (بروكلمان الذيل 1/ 730).
(2) في المخطوطة (ما).
(3) في المخطوطة (عمد).
(4) في المخطوطة (ختمها).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) ساقطة من المطبوعة.
(9) أخرجه من رواية زرارة بن أبي أوفى الدارمي في السنن 2/ 469، باب في ختم القرآن الحديث (6) من الباب، والترمذي في السنن 5/ 198، كتاب القراءات (47)، باب (13)، الحديث (2948).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/104)
به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة وليس فيه ما يدلّ على أنّ الدعاء لا يتعقب الختم.
(فائدة) روى البيهقي في «دلائل النبوة» وغيره: «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو عند ختم القرآن:
اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي أمانا ونورا وهدى ورحمة، اللهم ذكّرني منه ما نسيت، وعلّمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل [والنهار] (1) (2) واجعله لي حجّة (2) يا رب العالمين». رواه في «شعب الإيمان» بأطول من ذلك، فلينظر فيه (4).
(مسألة) استماع القرآن والتفهّم لمعانيه من الآداب المحثوث عليها، ويكره التحدّث بحضور القراءة قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام: «والاشتغال عن السماع بالتّحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع» (5)، وهو يقتضي أنّه لا بأس بالتحدث للمصلحة.
(مسألة) وأفتى الشيخ أيضا بالمنع من أن يشرب شيئا كتب من القرآن، لأنه تلاقيه النجاسة الباطنة. وفيما قاله نظر لأنها في معدنها لا حكم لها.
وممن صرّح بالجواز من أصحابنا العماد النّيهيّ (6) تلميذ البغويّ (7) فيما رأيته بخط ابن الصلاح. قال: «لا يجوز ابتلاع رقعة فيها آية من القرآن، فلو غسلها وشرب ماءها جاز». وجزم القاضي الحسين (8)، والرافعي (9) بجواز أكل الأطعمة التي كتب عليها شيء من القرآن.
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) في المخطوطة (واجعل لي حجته).
(4) ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 422.
(5) انظر كتابه الفتاوى: 49 (بتحقيق عبد الرحمن بن عبد الفتاح).
(6) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد النيهي عماد الدين، ولد وأقام وتوفي بمروالرّوذ، وهو من تلامذة البغوي الفراء أبو محمد الحسين بن مسعود، كان شيخ الشافعية إماما فاضلا مفتيا، ورعا ديّنا حافظا لمذهب الشافعي تخرج عليه جماعة كثيرة من الفقهاء والعلماء ت 548هـ (السبكي، طبقات الشافعية 4/ 245).
(7) هو أبو محمد الحسين بن مسعود محيي السنة، تقدم التعريف به في 1/ 127.
(8) هو الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي القاضي المروروذي شيخ البغوي تقدم ذكره في 2/ 93.
(9) هو الإمام الجليل عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي، شيخ الشافعية ومجتهد زمانه في المذهب كان متضلعا في علوم الشريعة تفسيرا وحديثا وأصولا، وأما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وإسناد المصنفين، كان رحمه الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طاهر الذيل. ت 623هـ (السبكي، طبقات الشافعية 5/ 120).(2/105)
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي في ذكر منصور بن عمار (1): «أنه (2) أوتي الحكمة وقيل: إن سبب ذلك أنّه وجد رقعة في الطريق مكتوبا عليها: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}، فأخذها فلم يجد لها موضعا، فأكلها فأري فيما يرى النائم (3) كأنّ قائلا [قد] قال له: قد فتح الله عليك باحترامك لتلك الرّقعة، فكان بعد ذلك يتكلّم بالحكمة».
(مسألة) وقال الشيخ (4) أيضا في «القواعد»: القيام للمصاحف بدعة لم تعهد في الصّدر الأوّل، والصواب ما قاله النوويّ في «التبيان» (5) من استحباب ذلك والأمر به لما فيه من التعظيم وعدم التهاون به. وسئل العماد بن يونس الموصليّ (6) عن ذلك: هل يستحب للتعظيم أو يكره خوف الفتنة؟ فأجاب [72/ ب] لم يرد في ذلك نقل مسموع، والكلّ جائز، ولكلّ نيّته وقصده.
(مسألة) وإذا احتج لتعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعه في شقّ أو غيره ليحفظ لأنه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم وفي ذلك إزراء بالمكتوب كذا قاله الحليميّ قال: وله غسلها بالماء، وإن أحرقها بالنار فلا بأس، أحرق عثمان مصاحف فيها آيات وقراءات منسوخة، ولم ينكر عليه.
__________
(1) هو منصور بن عمار أبو السري الخراساني المحدّث الزاهد الشهير، يروي عن الليث وابن لهيعة وعنه ابناه سليم وداود وأحمد بن منيع إليه المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب وتحريك الهمم، وعظ ببغداد والشام ومصر وقد استقى مرة بالمصريين فسقوا. ت 225هـ (الذهبي، ميزان الاعتدال 4/ 187).
(2) في المخطوطة (وأن).
(3) في المطبوعة (للنّائم).
(4) هو العزّ بن عبد السلام تقدم ذكره في 1/ 132، وكتابه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» طبع في القاهرة بمطبعة التقوى ونشرته المكتبة الحسينية 1353هـ / 1934م، وطبع بالمكتبة التجارية بالقاهرة وطبع بدار الشروق بالقاهرة 1388هـ / 1968م، وطبع بتحقيق طه عبد الرءوف سعد بمكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة 1388هـ / 1968م وطبع بمكتبة صبيح بالقاهرة عام 1396هـ / 1976م وطبع بمكتبة القاهرة عام 1399هـ / 1979م وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت 1401هـ / 1981م، وطبع بدار المعرفة ببيروت 1408هـ / 1988م
(5) التبيان: 113112 (طبعة دار المعرفة).
(6) هو محمد بن يونس بن محمد، عماد الدين، أبو حامد بن يونس الموصلي، أحد أئمة الشافعية. تفقه بالموصل ثم رحل إلى بغداد وسمع الحديث وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدة مدارس، وعلا صيته وشاع ذكره، كان إمام وقته له من التصانيف «المحيط» و «الوسيط» و «التحصيل» وغيرها. ت 608هـ (السبكي، طبقات الشافعية 5/ 45).(2/106)
وذكر غيره أنّ الإحراق أولى من الغسل لأن الغسالة قد تقع على الأرض، وجزم القاضي الحسين في «تعليقه» (1) بامتناع الإحراق وأنه خلاف الاحترام، والنووي بالكراهة، فحصل ثلاثة أوجه.
وفي «الواقعات» (2) من كتب الحنفية أنّ المصحف إذا بلي لا يحرق بل يحفر (3) له في الأرض، ويدفن.
ونقل عن الإمام أحمد أيضا: «وقد يتوقف فيه لتعرّضه للوطء بالأقدام».
(مسألة) ويستحب تطييب المصحف وجعله على كرسيّ ويجوز تحليته بالفضة إكراما له على الصحيح، روى البيهقي بسنده إلى الوليد بن مسلم قال: «سألت مالكا عن تفضيض المصاحف، فأخرج إلينا مصحفا فقال: حدثني أبي عن جدّي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه، وأنهم فضّضوا المصاحف على هذا ونحوه» (4)، وأما بالذهب فالأصحّ يباح للمرأة دون الرجل، وخصّ بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه والأظهر التسوية.
ويحرم توسّد المصحف وغيره من كتب العلم لأن فيه إذلالا وامتهانا، وكذلك مدّ الرجلين (5) إلى شيء من القرآن أو كتب العلم.
(6) [ويستحب تقبيل المصحف] (6): لأنّ عكرمة بن أبي جهل (8) كان يقبّله، وبالقياس على
__________
(1) هو الحسين بن محمد بن أحمد المرورّوذي الفقيه الشافعي تقدم التعريف به في 2/ 93وكتابه التعليق ذكره السبكي في طبقات الشافعية 1/ 155باسم «التعليق الكبير».
(2) ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1999عدة كتب باسم «الواقعات» وهي: «الواقعات في الفروع» لشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني ت 456هـ، وللجصاص أيضا، ولطاهر بن أحمد البخاري صاحب الخلاصة ت 542هـ، ولأبي اليسر، وللإمام فخر الدين حسين بن منصور المعروف بقاضيخان ت 592هـ.
(3) في المطبوعة (تحفر).
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 144، كتاب الزكاة باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمه وحلية سيفه ومصحفه إذا كان من فضة.
(5) عبارة المخطوطة (مدّ الرّجل الرّجل).
(6) ساقط من المخطوطة.
(8) أخرج الدارمي في السنن 2/ 440، كتاب فضائل القرآن عن ابن أبي مليكة «أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربّي كتاب ربّي».(2/107)
تقبيل (1) الحجر الأسود ولأنه هدية [من الله] (2) لعباده، فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير. وعن أحمد ثلاث روايات الجواز، والاستحباب، والتوقف. وإن كان فيه رفعة وإكرام لأنه لا يدخله قياس ولهذا قال عمر في الحجر: «لولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبلتك» (3).
ويحرم السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ للحديث (4) فيه، خوف أن تناله أيديهم [ورماحهم] (5) وقيل: [إن] (5) كثر الغزاة وأمن استيلاؤهم عليه لم يمنع لقوله: «مخافة أن تناله أيديهم [ورماحهم] (5)» (8).
ويحرم كتابة القرآن بشيء نجس وكذلك ذكر الله تعالى وتكره كتابته في القطع الصغير رواه البيهقي عن عليّ (9) وغيره. وعنه تنوّق رجل في {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
فغفر له.
وقال الضحاك بن مزاحم: «ليتني قد رأيت الأيدي تقطع فيمن (10) كتب {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} يعني لا يجعل له سنّات. قال: وكان ابن سيرين يكره ذلك كراهة شديدة.
ويستحب تجريد المصحف عمّا سواه. وكرهوا الأعشار والأخماس معه، وأسماء السّور وعدد الآيات. وكانوا يقولون: جرّدوا المصحف. وقال الحليميّ: «يجوز، لأن النقط ليس له
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (لا يقبل).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 462، كتاب الحج (25)، باب ما ذكر في الحجر الأسود (50)، الحديث (1597)، ومسلم في الصحيح 2/ 925، كتاب الحج (15)، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (41)، الحديث (248/ 1270).
(4) في المخطوطة (ولحديث).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(8) شطرة من حديث لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 133، كتاب الجهاد (56)، باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (129)، الحديث (2990)، ومسلم في الصحيح 3/ 1490، كتاب الإمارة (33)، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار الحديث (93/ 1869).
(9) أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن إبراهيم «أن عليا كان يكره أن تتخذ المصاحف صغارا» وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 10/ 543وانظر ما قاله الحليمي في المنهاج 2/ 260عن تفخيم قدر المصحف وتفريج خطه.
(10) في المخطوطة (من).(2/108)
قراءة (1)، فيتوهّم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها» (2).
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» في الصلاة وفي فضائل القرآن: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم [قال] (3)، قال عبد الله بن مسعود: «جرّدوا القرآن» (4)، وفي رواية: «لا تلحقوا به ما ليس منه» (4)، ورواه عبد الرزاق في «مصنّفه» (4) في أواخر الصوم. ومن طريقه رواه الطّبراني في «معجمه» (4)، ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه «غريب الحديث» (8). وقال قوله: «جرّدوا»، يحتمل فيه أمران: (أحدهما) أي جرّدوه في التلاوة، ولا تخلطوا به (9) غيره، (والثاني) أي جرّدوه في الخطّ من النقط والتعشير.
قلت: الثاني أولى لأن الطبراني أخرج في «معجمه» عن مسروق عن ابن مسعود «أنه كان يكره التعشير في المصحف» (10). وأخرجه البيهقي في كتاب «المدخل»، وقال: قال أبو عبيد:
«كان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف (11). ويروى عن عبد الله «أنه كره التعشير في المصحف» (12) [73/ أ]. قال البيهقيّ: وفيه وجه آخر أبين منه، وهو أنه أراد: لا تخلطوا به غيره من الكتب لأن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (قرار).
(2) انظر المنهاج 2/ 262.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/ 322، باب ما يكره أن يصنع في المصاحف، الحديث (7944)، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق 61/ ب باب نقط المصاحف وما (مخطوطة توبنجن) وابن أبي شيبة في المصنف 10/ 550، باب من قال: جرّدوا القرآن (1810) والطبراني في المعجم الكبير 9/ 412من طريق أبي الزعراء عن عبد الله الحديث (9753)، وأخرجه الداني في المحكم ص: 10.
(8) «غريب الحديث» لإبراهيم بن إسحاق أبي إسحاق الحربي طبع مؤخرا بتحقيق سليمان إبراهيم محمد العائد ونشره مركز البحث العلمي بمكة المكرمة عام 1405هـ / 1985م في 3ج.
(9) في المخطوطة (فيه).
(10) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/ 322، باب ما يكره أن يصنع في المصاحف الحديث (7942) وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق 62/ أ (مخطوطة توبنجن)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 548باب التعشير في المصحف، والداني في المحكم ص: 14.
(11) في المخطوطة (المصحف).
(12) أبو عبيد، فضائل القرآن ق 61/ ب (مخطوطة توبنجن).(2/109)
بمأمونين عليها. وقوي هذا الوجه بما أخرجه عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: «لما خرجنا إلى العراق خرج معنا عمر بن الخطاب يشيّعنا فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدّوهم جرّدوا (1) القرآن (2)».
قال: فهذا معناه أي لا تخلطوا معه غيره.
(خاتمة) روى البخاري في «تاريخه الكبير» بسند صالح حديث: «من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه، لعن بكل حرف عشر لعنات».
__________
(1) في المخطوطة (وجرّدوا).
(2) أخرج نحوه ابن ماجة في السنن 1/ 12، المقدمة، باب المتوقّي في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحديث (28).(2/110)
النوع الثلاثون (1) في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن وهل يقتبس منه في شعر ويغير نظمه بتقديم وتأخير وحركة إعراب
جوّز ذلك بعضهم للمتمكّن من العربية وسئل الشيخ عز الدين فقال: ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن قيم الجوزية ص 177173، القسم الثالث عشر: الاقتباس، ويسمى التضمين، والإتقان للسيوطي 1/ 317314، في أواخر النوع الخامس والثلاثين. فصل في الاقتباس وما جرى مجراه، ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 371، في الدوحة السادسة في العلوم الشرعية، الشعبة الثامنة: في فروع العلوم الشرعية، المطلب الثالث: في فروع علم التفسير، علم معرفة جواز الاقتباس وما جرى مجراه، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 491، علم معرفة الاقتباس وما جرى مجراه، وإيضاح المكنون للبغدادي 1/ 110و 294، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان (بالألمانية) 2/ 103، ومعجم المطبوعات العربية لسركيس: 198ودائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية الأولى) 2/ 456، مادة (اقتباس)، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفّار: 69و 73و 97، ومعجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ 1/ 40و 59، ومقال لعبد الفتاح البحيري بعنوان «التضمين في القرآن الكريم» نشر في مجلة اللغة العربية بالرياض عام 1393هـ / 1973م.
* من الكتب المؤلفة في هذا النوع «الاقتباس من القرآن الكريم» للثعالبي، أبي منصور عبد الملك بن محمد (ت 429هـ) طبع بتحقيق ابتسام مرهون الصفار بدار الحرية في بغداد عام 1395هـ / 1975م في (327) ص * «تضمين الآي» لأبي العلاء المعرّي، أحمد بن عبد الله ت 499هـ (معجم الأدباء 1/ 18) * «تضمين الآي الشريفة والأحاديث النبوية» لناصر الدين شافع بن علي بن عباس العسقلاني، ت 730هـ (إيضاح المكنون 1/ 294) * «أساس الاقتباس» لابن غياث الدين، اختيار الدين ابن غياث الدين الحسيني (ت 928هـ) طبعه عبد الحافظ الطائفي بالآستانة عام 1289هـ / 1879م، وطبع بمطبعة السعادة بالقاهرة عام 1323هـ / 1904م في (173) ص * «اقتباس آي القرآن» للبربير الحسيني أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد، ت 1226هـ (معجم مصنفات القرآن 1/ 59) * «التضمين» لحسين والي، بحث مضمن في كتاب «النحو الوافي» لعباس حسن (فهرست الكتب النحوية المطبوعة: 59).(2/111)
«وجهت وجهي» (1) والتلاوة {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} (الأنعام: 79).
وما روى البخاري (2) في كتاب إلى هرقل: «سلام على من اتّبع الهدى {يََا أَهْلَ الْكِتََابِ تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ} (آل عمران: 64)».
ومن دعائه صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة» (3).
وفي حديث آخر لابن عمر: «قد كان لكم في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة» (4).
وقال عليه السلام: «اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عنّي الدين، وأغنني من الفقر» (5).
وفي سياق كلام لأبي بكر [رضي الله عنه] (6): {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227) فقصد الكلام ولم يقصد التلاوة.
وقول عليّ رضي الله عنه: إنّي مبايع صاحبكم {لِيَقْضِيَ اللََّهُ أَمْراً كََانَ مَفْعُولًا}
(الأنفال: 42).
وقول الخطيب ابن نباتة (7): «هناك (8) يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، ويجمع من له
__________
(1) من حديث طويل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 534، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (6)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (26)، الحديث (201/ 771).
(2) من رواية أبي سفيان بن حرب في الصحيح 1/ 31، كتاب بدء الوحي (1) باب (6)، الحديث (7).
(3) من حديث متّفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 191، كتاب الدعوات (80)، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ربنا آتنا في الدنيا حسنة (55)، الحديث (6389). ومسلم في الصحيح 4/ 2070، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (48)، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار الحديث (26و 27/ 2690.
(4) متّفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 2/ 488، كتاب الوتر (14)، باب الوتر على الدابّة (5)، الحديث (999)، ومسلم في الصحيح 1/ 486، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (6) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (4) الحديث (36/ 700).
(5) أخرجه مالك في الموطأ 1/ 212، كتاب القرآن (15)، باب ما جاء في الدعاء (8)، الحديث (27).
(6) ما بين الحاصرتين ساقطة من المطبوعة.
(7) هو عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الحذافي الفارقي، خطيب زمانه، كان خطيبا بحلب للملك سيف الدولة، وقد اجتمع بأبي الطيب المتنبي، وكان فصيحا مفوها، بديع المعاني وكان فيه خير وصلاح، رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نومه ثم استيقظ وعليه أثر نور لم يعهد فيما قبل. ت 374هـ بميّافارقين (ابن خلكان، وفيات الأعيان 3/ 156)، والخطبة ذكرها صاحب «المثل السائر» في باب التضمين 2/ 347.
(8) في المخطوطة (هنالك).(2/112)
الثواب، وحق عليه العذاب، فضرب بينهم بسور له باب».
وقال النوويّ [رحمه الله] (1): إذا قال: {خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ} (مريم: 12) وهو جنب، وقصد غير القرآن جاز [له] (1) وله أن يقول: {سُبْحََانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنََا هََذََا وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ}
(الزخرف: 13)».
قال إمام الحرمين: «إذا قصد القرآن بهذه الآيات عصى، وإن قصد الذّكر ولم يقصد شيئا لم يعص» وللطّرطوشيّ (3).
رحل الظاعنون عنك وأبقوا ... في حواشي الأحشاء (4) وجدا مقيما
قد وجدنا السّلام بردا سلاما (5) ... إذ وجدنا النّوى عذابا أليما
وثبت عن الشافعيّ (6):
أنلني بالذي استقرضت خطّا ... وأشهد معشرا (7) قد شاهدوه
فإن الله خلّاق البرايا ... عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول «إذا تداينتم بدين ... إلى أجل مسمّى فاكتبوه»
ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني «أنّ تضمين القرآن في الشعر مكروه، وأئمة البيان جوّزوه وجعلوه من أنواع البديع، وسمّاه القدماء تضمينا والمتأخرون اقتباسا، وسمّوا ما كان من شعر تضمينا».
(مسألة) يكره ضرب (8) الأمثال بالقرآن (8)، نصّ عليه من أصحابنا العماد النّيهيّ (10)
صاحب البغويّ، كما وجدته في «رحلة ابن الصلاح» (11) بخطه.
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(3) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف أبو بكر الفهري الطرطوشي الأندلسي، شيخ المالكية، عالم الإسكندرية القدوة الزاهد الفقيه لازم القاضي أبا الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وسمع بالبصرة من أبي علي التستري له من التصانيف «سراج الملوك» كان دينا متواضعا متقشفا متقللا من الدّنيا. ت 520هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 19/ 490).
(4) في المخطوطة (الحشا).
(5) في المخطوطة (وسلاما).
(6) في المخطوطة (وثبت للشافعي).
(7) في المخطوطة (معبرا).
(8) في المخطوطة (القرآن بالأمثال).
(10) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد النيهي تقدم ذكره في 2/ 105.
(11) وهي فوائد جمعها ابن الصلاح في رحلته إلى الشرق وهي عظيمة النفع في سائر العلوم مفيدة جدا، ذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 836.(2/113)
وفي كتاب «فضائل القرآن» لأبي عبيد [عن] (1) النّخعيّ (2) قال: «كانوا يكرهون أن يتلو الآية عند شيء يعرض من أمور الدنيا».
قال أبو عبيد: «وكذلك الرجل يريد لقاء صاحبه أو يهمّ بحاجته (3)، فيأتيه من غير طلب فيقول كالمازح: {جِئْتَ عَلى ََ قَدَرٍ يََا مُوسى ََ} (طه: 40) فهذا من الاستخفاف بالقرآن، ومنه قول ابن شهاب: لا تناظر بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو عبيد: [يقول] (4): لا تجعل لهما نظيرا من القول ولا (5) الفعل».
(تنبيه) لا يجوز تعدّي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري (6) [في] (7) قوله في مقامته الخامسة عشرة (8) «فأدخلني بيتا أحرج من (9) التابوت، وأوهن (10) من بيت العنكبوت»، فأيّ معنى أبلغ من معنى أكّده الله من ستة أوجه حيث قال: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}
(العنكبوت: 41) فأدخل إنّ، وبنى أفعل التفضيل، وبناه من الوهن، وأضافه إلى الجمع، وعرّف الجمع باللام [73/ ب] وأتى في خبر إنّ باللام، و [قد] قال [الله] (11) تعالى: {وَإِذََا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} (الأنعام: 152) وكان اللائق بالحريريّ ألّا يتجاوز هذه المبالغة وما بعد تمثيل الله تمثيل، وقول الله أقوم قيل، وأوضح سبيل ولكن قال الله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا بَعُوضَةً} (البقرة: 26) وقد ضرب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثالا لما دون ذلك فقال: «لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح بعوضة» (12) وكذلك قول بعضهم:
ولو أنّ ما بي من جوى وصبابة ... على جمل لم يبق في النار خالد
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) تقدم ذكره في 1/ 276.
(3) في المخطوطة (صاحبه).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (أو).
(6) تقدم ذكره في 1/ 164.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) وهي المقامة الفرضية (بشرح الشريشي) 1/ 230.
(9) في المخطوطة (منه).
(10) في المطبوعة (وأوهى).
(11) ليست في المطبوعة.
(12) قطعة من حديث لسهل بن سعد رضي الله عنه، وتمام الحديث «ما سقى كافرا منها قطرة ماء» وهي رواية ابن ماجة في السنن 2/ 13771376، كتاب الزهد (37)، باب مثل الدنيا (3) الحديث (4110)، وأخرجه الترمذي في السنن 3/ 560، كتاب الزهد (37) باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل (13)، الحديث (2320).(2/114)
غفر الله له والله تعالى يقول: {وَلََا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتََّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيََاطِ}
(الأعراف: 40) فقد جعل ولوج الجمل في السّمّ غاية لنفي دخولهم الجنة، وتلك غاية لا توجد، فلا يزال دخولهم الجنة منفيا، وهذا الشاعر وصف جسمه بالنحول، بما يناقض الآية.
ومن هذا جرت مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج (1)، ومحمد بن داود الظاهريّ (2) قال أبو العباس له: أنت تقول بالظاهر وتنكر القياس، فما تقول في قوله الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7و 8) فمن يعمل [مثقال] نصف ذرة ما حكمه؟ فسكت محمد طويلا وقال: أبلغني ريقي قال له أبو العباس: قد أبلعتك:
دجلة، قال: أنظرني ساعة، قال: أنظرتك إلى قيام الساعة، وافترقا، ولم يكن بينهما غير ذلك.
وقال بعضهم: وهذا من مغالطات ابن سريج وعدم تصوّر ابن داود: لأن الذرة ليس لها أبعاض فتمثّل بالنصف والربع وغير ذلك من الأجزاء ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} (النساء: 40) فذكر سبحانه ما لا يتخيّل في الوهم أجزاؤه، ولا يدرك تفرقه.
__________
(1) هو أحمد بن عمر بن سريج الإمام أبو العباس البغدادي الشافعي لحق أصحاب سفيان بن عيينة، ووكيع، وسمع من الحسن بن محمد الزعفراني تلميذ الشافعي، وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد ت 306هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 14/ 201) وأورد المناظرة السبكي في طبقات الشافعية 2/ 87.
(2) هو محمد بن داود بن علي أبو بكر الظاهري صاحب المذهب كان يجتهد ولا يقلد أحدا، له من التصانيف «الزهرة» وله كتاب في «الفرائض» وغيرها تصدّر للفتيا بعد والده، ت 297هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 13/ 114).(2/115)
النوع الحادي والثلاثون معرفة الأمثال (1) الكائنة فيه
وقد روى البيهقيّ (2) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتّبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال».
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: الفهرست لابن النديم ص 238، وأسرار البلاغة للجرجاني: 11892.
والإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 213فصل في ضرب الأمثال في القرآن، والفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص 98، والإتقان للسيوطي 4/ 38، النوع السادس والستون في أمثال القرآن، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 494. علم معرفة أمثال القرآن وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 168، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 492، علم معرفة أمثال القرآن «والأمثال القرآنية، دراسة وتحليل وتصنيف ورسم لأصولها وقواعدها ومناهجها» لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (طبع بدار القلم بدمشق عام 1400هـ / 1980م في 169ص) ومقال «المثل في القرآن الكريم» لسليم الجندي نشر في مجلة رسالة الإسلام البغدادية الأعداد (52) سنة 1360هـ / 1941م، ومقال «أمثال القرآن» لعبد الرحمن التكريتي نشر في مجلة رسالة الإسلام العدد (73) سنة 1392هـ / 1972م ومقال «الأمثال في القرآن الكريم» لأمين الخولي، نشر في مجلة رسالة الإسلام العدد (65) سنة 1393هـ / 1972م، ومقال «أسلوب التمثيل في القرآن». لعزّ الدين إسماعيل، نشر في مجلة الأزهر، مج (22)، ع (1) 1370هـ / 1950م.
* «ومن الكتب المصنفة في أمثال القرآن: «الأمثال في القرآن» لأبي بكر المديني (؟) وهو رسالة دبلوم في دار الحديث الحسنية بالرباط عام 1400هـ / 1980م * «الأمثال الكامنة في القرآن» للحسين بن الفضل، أبي علي البجلي الكوفي ثم النيسابوري ت 282هـ (فهرسة ابن خير: 75) * «أمثال القرآن» للقواريري، أبي القاسم جنيد بن محمد، ت 298هـ (هدية العارفين 1/ 258) * «الأمثال من الكتاب والسنة» للحكيم الترمذي، أبي عبد الله محمد بن علي (ت 320هـ) طبع بتحقيق علي محمد البجاوي بدار نهضة مصر بالقاهرة، عام 1396هـ / 1975م في (287) ص * «أمثال القرآن» لنفطويه، إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي (معجم الأدباء 1/ 272) * «أمثال القرآن» للإسكافي، أبي علي محمد بن أحمد بن الجنيد ت 381هـ (الفهرست لابن النديم: 238) * «أمثال القرآن» لأبي عبد الرحمن محمد بن حسين بن موسى السلمي النيسابوري ت 406هـ (كشف الظنون 1/ 168) * «الأمثال الكامنة في
(2) في شعب الإيمان ذكره السيوطي في جمع الجوامع ص: 119.(2/116)
وقد عدّه الشافعيّ (1) مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن، فقال: «ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوالّ على طاعته، المبيّنة لاجتناب معصيته، وترك الغفلة عن الحظّ والازدياد من نوافل الفضل» (1) [انتهى] (3).
وقد صنّف فيه من المتقدمين الحسين بن الفضل (4) وغيره وحقيقته إخراج الأغمض إلى الأظهر وهو قسمان: ظاهر وهو المصرّح به، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه، وحكمه حكم الأمثال.
__________
القرآن» للقضاعي، أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن إسحاق (؟) (فهرسة ابن خير: 75) * «أمثال القرآن» للماوردي، أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الشافعي ت 450 (كشف الظنون 1/ 168) * «أمثال القرآن» لابن الخيمي، أبي طالب محمد بن علي ت 642هـ (بغية الوعاة 1/ 185) * «الأمثال من القرآن والسنة» للمنذري أبي محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي، ت 656هـ (ذكره عبد الرحمن التكريتي في مقالته «الأمثال من القرآن والسنة» في مجلة «رسالة الإسلام» البغدادية، العدد 37، سنة 1393هـ / 1973م) * «أمثال القرآن» لابن قيم الجوزية شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ت 751هـ) طبع بتحقيق ناصر الرشيد بدار مكة عام 1401هـ / 1981م في (62) ص، وطبعه سعيد محمد نمر الخطيب باسم «الأمثال في القرآن الكريم» بدار المعرفة في بيروت عام 1401هـ / 1981م في (288) ص * «رسالة في أمثال القرآن مع شرح روضات الأمثال» للكوز كفاني، أحمد بن عبد الله (؟) طبع في فارس عام 1324هـ / 1905م * «أمثال القرآن» لعلي أصغر حكمت طبع بمطبعة المجلسي دار المعرفة بطهران عام 1333هـ / 1914م * «أمثال القرآن» للموسوي محمد طاهر، طبع ببغداد في مكتبة التوجيه العامة عام 1380هـ / 1960م * «أمثال القرآن وأثرها في الأدب العربي إلى القرن 3هـ» لنور الحق تنوير الباكستاني، والكتاب رسالة ماجستير مطبوع على الآلة الكاتبة بدار العلوم بالقاهرة (معجم مصنفات القرآن 3/ 182) * «الأمثال في القرآن» لمحمود بن الشريف طبع ضمن سلسلة اقرأ بدار المعارف بالقاهرة تحت رقم (26) عام 1384هـ / 1964م في (111) ص، وأعيد طبعه بدار عكاظ بالرياض * «الأمثال في القرآن» لمحمد جابر الفياض، والكتاب رسالة ماجستير قدمت بجامعة عين شمس بالقاهرة عام 1388هـ / 1968م * «المثل في القرآن والكتاب المقدس» لعبد الرحمن محمود عبد الله، وهو رسالة ماجستير في جامعة بغداد عام 1391هـ / 1971م * «أمثال القرآن» للشريف منصور عون العبدلي، وهو رسالة ماجستير بكلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1394هـ / 1974م * «أمثال القرآن» لحسين المصري طبع بمكتبة الأنجلو المصرية في القاهرة * «الأمثال القرآنية دراسة تحليلية» لمحمد بكر إسماعيل طبع بمطبعة الأمانة بالقاهرة عام 1406هـ / 1986م.
(1) الرسالة: 41 (بتحقيق شاكر) باب البيان الخامس المسألة (130).
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) تصحف الاسم في المخطوطة والمطبوعة إلى (الحسن) وكذا هو عند ابن خير الإشبيلي في فهرسته: ص 5، والتصويب من الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/ 414، فقد ذكر ابن خير في نهاية سنده لمؤلف الكتاب: أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول سمعت أبي يقول: سألت الحسن بن الفضل وذكره الذهبي(2/117)
وقسمه أبو عبد الله البكرآباذي (1) إلى أربعة أوجه: (أحدها) إخراج ما لا يقع عليه الحسّ إلى ما يقع عليه، (وثانيها) إخراج ما لا يعلم [به] (2) ببديهة العقل إلى ما يعلم بالبديهة، (وثالثها) إخراج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة، (ورابعها) إخراج ما لا قوّة له من الصفة إلى ماله قوة [انتهى] (2).
وضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحثّ، والزجر، والاعتبار، والتقرير وترتيب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للفعل (4) كنسبة المحسوس إلى الحسّ. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو (5) تحقيره، وعلى تحقيق أمر بإبطال أمر، وقال تعالى: {وَضَرَبْنََا لَكُمُ الْأَمْثََالَ} (إبراهيم: 45) فامتنّ علينا بذلك لما تضمنت هذه الفوائد، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنََا لِلنََّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} (الروم: 58)، وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثََالُ نَضْرِبُهََا لِلنََّاسِ وَمََا يَعْقِلُهََا إِلَّا الْعََالِمُونَ} (العنكبوت: 43).
والأمثال مقادير الأفعال، والمتمثّل كالصانع الذي يقدّر صناعته، [ثم يعربه] (6)
كالخياط (7) يقدّر الثوب على قامة المخيط، [ثم يفريه] (8)، ثم يقطع. وكلّ شيء له قالب ومقدار، وقالب الكلام ومقداره الأمثال (9).
وقال الخفاجيّ (10): سمي مثلا [74/ أ] لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا، أي شاخص (11)، فيتأسّى به ويتّعظ، ويخشى ويرجو (11)، والشاخص: المنتصب. وقد جاء بمعنى الصفة، كقوله
__________
في السير في ترجمة الحسين بن الفضل فقال: قال الحاكم: سمعت إبراهيم بن مضارب، سمعت أبي يقول:
كان علم الحسين بن الفضل بالمعاني إلهاما من الله فظهر أنهما واحد. وهو الحسين بن الفضل أبو علي البجلي الكوفي ثم النيسابوري العلامة المفسّر الإمام اللغوي المحدث عالم عصره، قال الحاكم: الحسين بن الفضل بن عمير المفسر إمام عصره في معاني القرآن أقدمه ابن طاهر معه نيسابور وابتاع له دار عزرة فبقي يعلم الناس ويفتي في تلك الدار إلى أن توفي سنة 282هـ، وهو ابن واربع سنين (الذهبي، سير أعلام النبلاء 13/ 414). وكتابه ذكره ابن خير في فهرسته ص: 75، باسم «الأمثال الكامنة في القرآن».
(1) في المخطوطة أبو عبيد الله (التكراباذي) ولم نعثر له على ترجمة.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المخطوطة (إلى العقل).
(5) في المخطوطة (و).
(6) ساقطة من المطبوعة.
(7) في المخطوطة (كالخياطة).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (للأمثال).
(10) هو عبد الله بن محمد بن سعيد تقدم ذكره في 1/ 153.
(11) اضطربت هذه العبارة في المخطوطة.(2/118)
تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل: 60) أي الصفة العليا، وهو قول «لا إله إلا الله»، وقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرعد: 35) أي صفتها.
ومن حكمته تعليم البيان: وهو من خصائص هذه الشريعة، والمثل أعون شيء على البيان.
فإن قلت: لماذا كان المثل عونا على البيان، وحاصله قياس معنى بشيء، من عرف ذلك المقيس فحقّه الاستغناء عن شبيهه، ومن لم يعرفه لم يحدث التشبيه عنده معرفة! والجواب أنّ الحكم والأمثال تصوّر المعاني تصوّر الأشخاص فإن الأشخاص والأعيان أثبت في الأذهان، لاستعانة الذهن فيها بالحواسّ: بخلاف المعاني المعقولة فإنها مجرّدة عن الحسّ ولذلك دقت ولا ينتظم مقصود التشبيه والتمثيل إلا [بأن] (1) يكون المثل المضروب مجرّبا مسلّما عند السامع.
وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى إذ الغرض من المثل تشبيه الخفيّ بالجليّ والشاهد بالغائب (2)، فالمرغّب في الإيمان مثلا إذا مثّل له بالنور تأكّد في [قلبه] (3)
المقصود، والمزهّد (4) في الكفر إذا مثّل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه.
وفيه أيضا تبكيت الخصم، وقد أكثر تعالى في القرآن و [في] (5) سائر كتبه من الأمثال، وفي سور الإنجيل: «سورة الأمثال» قال الزمخشري (6): «التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني، وإدناء المتوهّم من المشاهد فإن كان المتمثّل له عظيما كان المتمثّل به مثله، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إلا بأمر استدعته حال الممثّل له، ألا ترى أن الحقّ لما كان واضحا جليا تمثّل له بالضياء والنور، وأنّ الباطل لما كان بضده تمثل له بالظلمة، وكذلك جعل بيت العنكبوت مثلا في الوهن والضعف (7) [وجعل أخس قدرا من الذباب وضربت لهذا البعوضة] (7).
__________
(1) في المخطوطة (أن).
(2) في المخطوطة (والغائب بالشاهد).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (والزهد).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) انظر الكشاف 1/ 3837، في الكلام على قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً}.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.(2/119)
والمثل هو المستغرب، قال الله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل: 60)، وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرعد: 35) ولما كان المثل السائر فيه غرابة استعير لفظ المثل للحال، أو الصفة، أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة.
أمّا استعارته للحال فكقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (البقرة: 17) [أي] (1)
حالهم العجيب الشأن كحال الذي استوقد نارا.
وأما استعارته للوصف فكقوله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل: 60) أي الوصف الذي له شأن، وكقوله: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرََاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} (الفتح: 29)، وكقوله:
{كَمَثَلِ صَفْوََانٍ عَلَيْهِ تُرََابٌ فَأَصََابَهُ وََابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} (البقرة: 264) وقوله {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} (العنكبوت: 41)، وقوله سبحانه: {كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} (الجمعة:
5).
وأما استعارته للقصة فكقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرعد: 35) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة ثم أخذ في بيان عجائبها.
لا يقال: إن في هذه الأقسام الثلاثة تداخلا، فإن حال الشيء هي وصفه، ووصفه هو حاله، لأنا نقول: الوصف يشعر ذكره بالأمور الثابتة الذاتية أو قاربها من جهة (2) اللزوم للشيء وعدم الانفكاك عنه، وأما الحال فيطلّق على ما يتلبس (3) به الشخص مما هو غير ذاتيّ له ولا لازم، فتغايرا. وإن أطلق أحدهما على الآخر فليس ذلك إطلاقا حقيقيا. وقد يكون الشيء مثلا له في الجرم، وقد يكون ما تعلقه (4) النفس ويتوهّم من الشيء مثلا، كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (البقرة: 17) معناه أن الذي (5) [يتحصل في النفس الناظر في أمرهم، كالذي] (5) يتحصّل في نفس الناظر من أمر المستوقد قاله ابن عطية (7)، وبهذا يزول الإشكال الذي في تفسير قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} (الرعد: 35) وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(الشورى: 11) لأن ما يحصل للعقل من وحدانيته وأزليّته ونفي ما لا يجوز عليه ليس يماثله فيه
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (بجهة).
(3) في المخطوطة (يتبين).
(4) في المخطوطة (يعقله).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) انظر المحرر الوجيز 1/ 177.(2/120)
شيء وذلك المتحصّل هو المثل الأعلى في قوله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل:
60)، وقد جاء: {أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} (محمّد: 19) ففسر بجهة الوحدانية.
وقال مجاهد (1) في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلََاتُ} (الرعد: 6):
(2) [هي الأمثال، وقيل: العقوبات.
وقال الزمخشريّ (3): «المثل في الأصل بمعنى المثل، أي النظير يقال: مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه. ثم قال: ويستعار للحال، أو الصفة، أو القصّة إذا كان لها شأن وفيها غرابة».
وظاهر كلام أهل اللغة أن «المثل» بفتحتين الصّفة كقوله:] (2) {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (البقرة: 17)، وكذا {مَثَلُ الْجَنَّةِ} (الرعد: 35). وما اقتضاه كلامه من اشتراط الغرابة [74/ ب] مخالف أيضا لكلام اللّغويين. وما قاله من أن المثل والمثل بمعنى ينبغي أن يكون مراده باعتبار الأصل وهو الشبه وإلا فالمحققون كما قاله ابن العربيّ (5) على أن المثل بالكسر عبارة عن شبه المحسوس، وبفتحتها عبارة عن شبه المعاني المعقولة، فالإنسان (6)
مخالف للأسد في صورته مشبه (7) له في جراءته وحدّته، فيقال للشجاع (8) أسد، أي يشبه الأسد في الجرأة، ولذلك يخالف الإنسان الغيث في صورته، والكريم من الإنسان يشابهه في عموم منفعته.
وقال غيره: لو كان المثل والمثل سيان للزم التنافي بين قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(الشورى: 11)، وبين قوله: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل: 60) فإن الأولى نافية له والثانية مثبتة له.
وفرّق الإمام فخر الدين بينهما بأن المثل هو الذي يكون مساويا للشيء في تمام الماهية، والمثل هو الذي يكون مساويا له في بعض الصفات الخارجة عن الماهية.
__________
(1) انظر تفسير مجاهد 1/ 324.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في الكشاف 1/ 38.
(5) هو أبو بكر بن العربي تقدم ذكره في 1/ 109.
(6) في المخطوطة (كالإنسان).
(7) في المخطوطة (شهد).
(8) في المخطوطة (الشجاع).(2/121)
وقال حازم (1) في كتاب «منهاج البلغاء»: «وأما الحكم والأمثال، فإما أن يكون الاختيار فيها بجري الأمور على المعتاد فيها، وإما بزوالها في وقت عن المعتاد عن جهة الغرابة أو الندور فقط لتوطن (2) النفس بذلك على ما (3) لا يمكنها التحرز منه إذ لا يحسن منها التحرّز من ذلك، ولتحذر ما يمكنها التحرز منه ويحسن بها (4) ذلك، ولترغب فيما يجب أن يرغب فيه، وترهب فيما يجب أن ترهبه، وليقرب عندها ما تستبعده، ويبعد لديها ما تستغربه (5) وليبيّن لها أسباب الأمور، وجهات الاتفاقات البعيدة الاتفاق بها فهذه قوانين الأحكام والأمثال قلّما يشذّ عنها من جزئياتها [شيء] (6)».
فمنه قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (البقرة: 17).
وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمََاءِ فِيهِ ظُلُمََاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} (البقرة: 19).
وقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا بَعُوضَةً فَمََا فَوْقَهََا} (البقرة: 26).
وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللََّهِ أَوْلِيََاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً}
(العنكبوت: 41).
وقوله: {كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} (الجمعة: 5).
وقوله: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا} (التحريم: 10) إلى قوله: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ} (التحريم: 12). الآيات.
وقوله: {كَمَثَلِ صَفْوََانٍ عَلَيْهِ تُرََابٌ} (البقرة: 264) [الآية] (7).
وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مََاءً حَتََّى إِذََا جََاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} (النور: 39)، ثم قال [تعالى] (7) {أَوْ كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} (النور: 40) [الآية] (7).
__________
(1) تقدم التعريف به وبكتابه في 1/ 155.
(2) في المخطوطة (كتوطن).
(3) في المخطوطة (من).
(4) في المخطوطة (لها).
(5) في المطبوعة (تستقرّ به).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) ساقطة من المخطوطة.(2/122)
وقوله تعالى: {وَلََا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهََا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكََاثاً} (النحل: 92) فهذه امثال قصار وطوال مقتضبة (1) من كلام «الكشّاف» (2).
فإن قلت: «في (3) بعض هذه الأمثلة تشبيه أشياء بأشياء لم يذكر فيها المشبّهات، وهلّا صرّح بها كما في قوله تعالى: {وَمََا يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مََا تَتَذَكَّرُونَ} (غافر: 58).
قلت: كما جاء ذلك تصريحا فقد جاء مطويّا، ذكره على طريق الاستعارة، كقوله تعالى:
{وَمََا يَسْتَوِي الْبَحْرََانِ هََذََا عَذْبٌ فُرََاتٌ سََائِغٌ شَرََابُهُ وَهََذََا مِلْحٌ أُجََاجٌ} (فاطر: 12) وكقوله:
{ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكََاءُ مُتَشََاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيََانِ} (الزمر: 29).
والصحيح الذي عليه علماء البيان أنّ التمثيلين من جملة التمثيلات المركّبة المقرّبة لا يتكلف لكل واحد شيء بقدر شبهه به بناء على أنّ العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض، تشبّهها بنظائرها، كما جاء في بعض الآيات في (4) القرآن. وقد تشبّه أشياء قد تضامّت وتلاصقت (5) حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها، وذلك كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرََاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهََا كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} (الجمعة: 5) فإنّ الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها (6) بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار الذي يحمل أسفار الحكمة، وليس له من (7) [حملها إلا الثقل والتعب من غير فائدة] (7) وكذلك قوله تعالى:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا كَمََاءٍ أَنْزَلْنََاهُ مِنَ السَّمََاءِ} (الكهف: 45)، المراد قلّة ثبات زهرة الدنيا كقلّة بقاء الخضرة».
وقد ضرب الله تعالى لما أنزله من الإيمان والقرآن مثلين، مثّله بالماء، ومثّله بالنار، فمثّله بالماء لما فيه من الحياة وبالنار لما فيه من النور والبيان ولهذا سمّاه الله روحا (9) لما فيه من الحياة، وسمّاه نورا لما فيه من الإنارة، ففي سورة الرعد [75/ أ] قد مثّله بالماء فقال (10):
__________
(1) في المخطوطة (مقتضب).
(2) انظر الكشاف 1/ 3837عند تفسير قوله تعالى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} الآية.
(3) الكشاف 1/ 40.
(4) في المطبوعة (من).
(5) تصحفت في المطبوعة إلى (تلاحقت).
(6) في المخطوطة (حملها).
(7) ساقط من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (نورا).
(10) في المخطوطة (فقوله تعالى).(2/123)
{أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَسََالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهََا} (الآية: 17)، الآية، فضرب الله الماء الذي نزل من السماء فتسيل الأودية بقدرها، كذلك ما ينزله من العلم والإيمان فتأخذه القلوب كل قلب بقدره، والسيل يحتمل زبدا رابيا، كذلك ما في القلوب يحتمل شبهات وشهوات، ثم قال: {وَمِمََّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النََّارِ ابْتِغََاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتََاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} (الرعد: 17) وهذا المثل بالنار التي توقد على الذهب والفضة والرصاص والنحاس، فيختلط بذلك زبد أيضا كالزبد الذي يعلو السّيل، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفََاءً وَأَمََّا مََا يَنْفَعُ النََّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17)، كذلك العلم النافع يمكث في القلوب بالتوحيد وعبادة الله وحده.
روى ابن أبي حاتم (1) عن قتادة قال: «هذه ثلاثة أمثال ضربها الله [تعالى] (2) في مثل واحد يقول: كما اضمحلّ هذا الزّبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته، كذلك (3)
يضمحلّ الباطل عن أهله» (4).
وفي الحديث الصحيح: «إنّ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس واستقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، وذلك مثل من فقه في دين الله فنفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به» (5).
وقد ضرب الله للمنافقين مثلين: مثلا بالنار، ومثلا بالمطر، فقال: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} (البقرة: 17)، الآية، يقال: أضاء الشيء وأضاءه غيره فيستعمل لازما ومتعديا، فقوله: {أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ} (البقرة: 17) هو متعدّ لأن المقصود أن تضيء النار ما
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (حازم).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) في المطبوعة (وكذلك).
(4) أخرجه الطبري في التفسير 13/ 91، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ (ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 وذكره من طرق عدّة عن قتادة).
(5) في المخطوطة (أرسل به)، والحديث متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 175، كتاب العلم (3)، باب فضل من علم وعلم (20)، الحديث (79) ومسلم في الصحيح 4/ 1787، كتاب الفضائل (43)، باب بيان مثل ما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم من الهدى والعلم (5)، الحديث 15/ 2282، من رواية أبي موسى الأشعري.(2/124)
حول من يريدها (1) حتى يراها (2)، [وفي] (3) قوله في البرق: {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ} (البقرة:
20)، ذكر اللازم، لأن البرق بنفسه يضيء بغير اختيار الإنسان، فإذا أضاء البرق (4) [سار، وقد لا يضيء ما حول الإنسان، إذ يكون البرق] (4) وصل إلى مكان دون مكان، فجعل سبحانه المنافقين كالذي أوقد نارا فأضاءت ثم ذهب ضوؤها، ولم يقل «انطفأت» بل قال: {ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ} (البقرة: 17)، وقد يبقى مع ذهاب النور حرارتها فتضرّ. وهذا المثل يقتضي أنّ المنافق حصل له نور ثم ذهب، كما قال [الله] (6) تعالى: {ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لََا يَفْقَهُونَ} (المنافقون: 3).
__________
(1) في المخطوطة (يريد).
(2) في المخطوطة (رآه).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) ليست في المخطوطة.(2/125)
النوع الثاني والثلاثون معرفة أحكامه (1)
وقد اعتنى الأئمة بذلك (2) وأفردوه، وأولهم الشافعي (3)، ثم تلاه من أصحابنا الكياالهرّاسيّ (4)، ومن الحنفية: أبو بكر الرازي (5)، ومن المالكية: القاضي
__________
(1) للتوسع في أحكام القرآن انظر: الفهرست لابن النديم ص 40الفن الثالث من المقالة الأولى، الإتقان للسيوطي 4/ 35ضمن النوع الخامس والستين في العلوم المستنبطة من القرآن، كشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 20، أبجد العلوم للقنوجي 2/ 502علم معرفة العلوم المستنبطة من القرآن، إيضاح المكنون لإسماعيل باشا 1/ 36، معجم مصنفات القرآن الكريم لعلي الشواخ 1/ 92، ولا يخفى أن هذا الفن يتعلق بأصول الفقه، وأنه من أهم أبحاثه، ويمكن الرجوع لكتب أصول الفقه المطوّلة والمختصرة.
(2) العبارة في المطبوعة: (وقد اعتنى بذلك الأئمة).
(3) للإمام محمد بن إدريس الشافعي كتابان في أحكام القرآن، أولهما مطبوع ومتداول باسم «أحكام القرآن» نشره السيد عزت العطار في القاهرة سنة 1370هـ / 1950م، وكتب مقدمته الشيخ محمد زاهد الكوثري، وعلق هوامشه الشيخ عبد الغني عبد الخالق، ولكنه من جمع الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، صاحب السنن (ت 458هـ) فقد تتبع نصوص الشافعي في أحكام القرآن واستخرجها من مؤلفاته، وجمعها في كتاب مستقل، كما نصّ على ذلك البيهقي في مقدمة الكتاب، وقد أعادت دار الكتب العلمية في لبنان تصوير الكتاب عن الطبعة السابقة سنة 1395هـ / 1975م في جزءين ضمن مجلد، وأما الكتاب الثاني فهو من تصنيف الإمام الشافعي نفسه، نصّ عليه في الرسالة ص 145، المسألة (416).
(4) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهرّاسي الشافعي، ولقبه الكيا، تقدمت ترجمته في 2/ 64، وكتابه: أحكام القرآن، مطبوع في القاهرة سنة 1394هـ / 1974م بدار الكتب الحديثة بتحقيق موسى محمد علي وعزت عيد عطية في (480) ص، وأعيد طبعه في بيروت بدار الكتب العلمية سنة 1403هـ / 1983م في أربعة أجزاء ضمن مجلدين.
(5) هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص، ولد سنة (305هـ) سكن بغداد وانتهت إليه رئاسة الحنفية، وسئل العمل في القضاء فامتنع، تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرج به، وكان على طريقه من الزهد والورع، وتفقه عليه جماعة وشرح «مختصر الكرخي»، وشرح «مختصر الطحاوي»، ت 370هـ ببغداد، وقد وهم من جعل الجصاص غير أبي بكر الرازي بل هما واحد (ابن قطلوبغا، تاج(2/126)
إسماعيل (1)، وبكر بن العلاء القشيري (2)، وابن بكير (3)، ومكي (4)، وابن العربي (5)، وابن الفرس (6)
__________
التراجم ص 6)، وكتابه: «أحكام القرآن»، طبع في استانبول، بمطبعة الأوقاف الإسلامية، نشره مليسالي رفعت سنة 1338هـ / 1919م، وفي القاهرة بالمطبعة السلفية في ثلاثة أجزاء، وفي القاهرة أيضا بالمطبعة البهية سنة 1347هـ / 1928م. وأعيد تصويره في لبنان بدار الكتاب العربي سنة 1401هـ / 1980م، وفي دار الفكر سنة 1402هـ / 1981م في ثلاثة أجزاء.
(1) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي أبو إسحاق المالكي قاضي بغداد صاحب التصانيف، مولده سنة (199هـ)، سمع مسدد بن مسرهد وعلي بن المديني، وفاق أهل عصره بالفقه، له من المصنفات: «المسند» ت 282هـ (الذهبي، سير أعلام النبلاء 13/ 341339)، وكتابه: «أحكام القرآن» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 252في الفن الأول من المقالة السادسة، وذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 286فقال: (كتابه في أحكام القرآن، وهو كتاب لم يسبقه إليه أحد من أصحابه إلى مثله).
(2) هو بكر بن محمد بن العلاء العلامة أبو الفضل القشيري المالكي، سمع «الموطأ» من أحمد بن موسى السامي، وصنّف التصانيف في المذهب، وألّف في الرد على الشافعي، والطحاوي، حدّث عنه الحسن بن رشيق، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس ت 344هـ بمصر (الذهبي السير 15/ 537)، وكتابه: «أحكام القرآن، ذكره ابن خير الإشبيلي في فهرسته ص: 52فقال: (كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء القشيري، وهو مختصر كتاب إسماعيل القاضي)، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 15/ 538فقال: (ومؤلّفه في الأحكام نفيس).
(3) وقع خلاف في اسمه، فقيل: هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي أبو بكير هو المشهور في اسمه ونسبه، وقيل: أحمد بن محمد بن بكير يكنى أبا بكر، مالكي تفقه بإسماعيل القاضي وهو من كبار أصحابه، روى عنه ابن الجهم، وأبو الفرج، وذكره ابن مفرج. فقال: «هو ابن بكير بغدادي ثقة يكنى أبا بكر» مات سنة (305هـ)، وكتابه أحكام القرآن، ذكره ابن خير الإشبيلي في فهرسته ص: 53، وذكره ابن فرحون في الديباج المذهب ص: 243
(4) هو مكّيّ بن أبي طالب حمّوش بن محمد بن مختار القيسي تقدم في 1/ 278، وكتابه: «اختصار أحكام القرآن»، ذكره ياقوت في معجم الأدباء 19/ 169فقال: (اختصار أحكام القرآن أربعة أجزاء)، وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 20وسمّاه: «مختصر أحكام القرآن».
(5) هو محمّد بن عبد الله بن محمد أبو بكر ابن العربي، تقدم ذكره في 1/ 109، وكتابه: «أحكام القرآن» طبع في القاهرة ونشره عبد السلام بن شقرون بمطبعة السعادة سنة 1331هـ / 1912م، وفي القاهرة بالمطبعة البهية سنة 1347هـ / 1928م في ثلاثة أجزاء وطبع في القاهرة بتحقيق علي محمد البجاوي سنة 1377هـ / 1957م، وطبع سنة 1387هـ / 1967م بمطبعة عيسى البابي الحلبي، وفي بيروت بدار اليقظة العربية سنة 1388هـ / 1968م.
(6) هو عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم، أبو محمد بن الفرس، سمع أباه وجدّه العلامة أبا القاسم وبرع في الفقه والأصول، وقرأ بالسبع على ابن هذيل، بلغ الغاية في الفقه، قال الأبّار: «ألّف في أحكام(2/127)
[وغيرهم] (1)، ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى (2) الكبير (3).
__________
القرآن كتابا من أحسن ما وضع في ذلك»، حدّث عنه إسماعيل بن يحيى العطار، ت 597هـ (سير أعلام النبلاء 21/ 364)، وكتابه: أحكام القرآن مخطوط في المغرب، فاس برقم: 187، وفي تونس، الزيتونة 1/ 17 (بروكلمان الذيل 1/ 734) وفي دار الكتب التونسية برقم: 3256 (معجم الدراسات القرآنية ص: 213)، ويحقق منه محمد الصغير بن يوسف سورتي الفاتحة والبقرة، كرسالة دكتوراه في الكلية الزيتونية للشريعة بالجامعة التونسية 1402هـ / 1981م (الأطروحات الإسلامية 1/ 17)، ويحقق منه عبد الله عبد الحميد (من أول الكتاب إلى آية 210من البقرة) كرسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (أخبار التراث العربي 25/ 18)، ويحققه محمد بن عبد الوهاب إبياط، كرسالة علمية في جامعة محمد بن عبد الله بفاس، المغرب (مجلة أخبار التراث العربي 25/ 8).
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) هو محمد بن الحسين بن محمد أبو يعلى بن الفراء الإمام العلامة شيخ الحنابلة ولد سنة (380هـ) ولي القضاء بدار الخلافة، وتلا بالقراءات العشر، انتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، وله تصانيف كثيرة ت 458هـ، (سير أعلام النبلاء 18/ 89)، وكتابه: أحكام القرآن ذكره ابنه أبو الحسين محمد بن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 2/ 205، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 18/ 91، وذكره أبو اليمن العليمي في المنهج الأحمد 2/ 135.
(3) ومن الكتب المدونة في أحكام القرآن أيضا سوى ما ذكره الزركشي: * «أحكام القرآن» لابن الكلبي (ت 146هـ) رواه عن ابن عباس * «مجرد أحكام القرآن» ليحيى بن آدم (ت 203هـ) * «أحكام القرآن» لأبي ثور إبراهيم بن خالد (ت 240هـ) * «إيجاب التمسك بأحكام القرآن» ليحيى بن أكتم ت 242هـ، (ذكر هذه الكتب ابن النديم في الفهرست ص 41في الفن الثالث من المقالة الأولى) * «أحكام القرآن» لأبي حسن علي بن حجر السعدي ت 244هـ، (كشف الظنون 1/ 20) * «أحكام القرآن» للخصاف أحمد بن عمر ت 261هـ (معجم الدراسات القرآنية ص 213) * «أحكام القرآن» لداود بن علي الظاهري ت 270هـ * «أحكام القرآن» لأحمد بن المعدّل من علماء القرن الثالث الهجري (الفهرست ص 41) * «أحكام القرآن» لأبي الحسن علي بن موسى بن يزداد القمي ت 305هـ (الفهرست ص 260في الفن الثاني من المقالة السادسة) * «أحكام القرآن» للطحاوي أحمد بن محمد ت 321هـ (الفهرست ص 260) * «أحكام القرآن» لقاسم بن أصبغ بن محمد القرطبي ت 340هـ (معجم الأدباء 16/ 237) * «أحكام القرآن» على مذهب مالك مجهول المؤلف * «الإيضاح عن أحكام القرآن» مجهول المؤلف (ذكرهما ابن النديم في الفهرست ص: 4140) * «أحكام القرآن» ويسمى «الإنباه عن الأحكام من كتاب الله» للبلوطي منذر بن سعيد القاضي ت 355هـ (فهرسة ابن خير ص 54) وذكره الزركلي في الأعلام 7/ 294 باسم: «الإنباه على استنباط الأحكام من كتاب الله» * «أحكام القرآن» لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد الربعي الباغاني ت 401هـ (إيضاح المكنون 1/ 36) * «أحكام القرآن» لابن حزم أبي(2/128)
__________
محمد علي بن أحمد (ت 456هـ) طبع في لبنان بدار الآفاق الجديدة * «التبيان في أحكام القرآن» لابن أبي الأحوص، أبي علي الحسن بن عبد العزيز بن محمد المالقي الأندلسي المالكي (ت 700هـ تقريبا) (إيضاح المكنون 1/ 223) * «تهذيب أحكام القرآن» ويسمى: «تلخيص أحكام القرآن» لابن السراج القونوي محمود بن أحمد ت 777 (كشف الظنون 1/ 20) «القول الوجيز في أحكام لكتاب العزيز» للسمين الحلبي، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم (ت 756هـ). مخطوط في المكتبة الأزهرية (معجم مصنفات القرآن 1/ 116) * «شرح آيات الأحكام» لأبي القاسم عبد الله محمد النجري ت 877هـ ويسمى أيضا: «شرح الخمسمائة آية المنظمة للأحكام الشرعية» (الأعلام 4/ 127)، ويسمى «شرح آيات الأحكام الفارقة بين الحلال والحرام»، وهو مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء رقم 5755549تفسير (معجم الدراسات القرآنية ص 208) ويقوم بتحقيقه محمد صالح العتيق باسم: «تفسير آيات الأحكام»، كرسالة دكتوراه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة (أخبار التراث العربي 5/ 24) * «البيان في شرح آيات الأحكام» لأحمد بن محمد الأردبيلي ت 993هـ، ويسمّى أيضا ب «زبدة البيان في شرح آيات الأحكام» (الأعلام 1/ 234) وقد طبع الكتاب باسم «زبدة البيان في أحكام القرآن» بالمكتبة المرتضوية في طهران 1305هـ / 1887م، ثم حققه محمد باقر البهبودي وطبع بها عام 1386هـ / 1967م في (704) ص * «تفسير آيات الأحكام» للاستراباذي، محمد بن علي ابن إبراهيم، ت 1028هـ (معجم مصنفات القرآن 1/ 107) * «منتهى المرام في شرح الأحكام» لمحمد بن الحسين بن القاسم بن محمد بن علي (ت 1067هـ) مخطوط في مكتبة الجامع بصنعاء رقم 91تفسير و 92 (معجم الدراسات القرآنية ص 346) * «آيات الأحكام» المعروف «مفاتح الغيب» (شرح لزبدة البيان للأردبيلي) لمحمد سعيد سراج الدين الطباطبائي ت 1092هـ (أعيان الشيعة 1/ 421) * «التفسيرات الأحمدية في بيان الأحكام الشرعية» لملّا جيون. أحمد بن أبي سعيد الجونفوري (ت 1133هـ) طبع في الهند 1300هـ / 1881م، وأعيد طبعه في بومباي على الحجر 1327هـ / 1906م * «قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر» لأحمد بن إسماعيل الجزائري (ت 1150هـ) طبع بمطبعة النعمان في النجف 1383هـ / 1963م * «نيل المرام من تفسير آيات الأحكام» للقنوجي، صديق حسن خان، أبي الطيب محمد بن علي بن حسن (ت 1307هـ) طبع لأول مرة في لكناو بالهند 1292هـ / 1911م، وطبع بالمطبعة الرحمانية في القاهرة 1347هـ / 1928م في (370) ص، وطبع بالمط. التجارية الكبرى في القاهرة 1383هـ / 1963م، وصور بدار المعرفة في بيروت وبدار الرائد العربي فيها أيضا عن طبعة الرحمانية * «مذكرة في تفسير آيات الأحكام» للحسيني سلطان وآخرين. طبع بمط. وادي الملوك في القاهرة 1353هـ / 1934م في (427) ص * «مذكرة في تفسير آيات الأحكام» لعبد السلام العسكري، طبع بمط. وادي الملوك في القاهرة 1357هـ / 1938م في (384) ص * «تفسير آيات الأحكام» لمحمد علي السائس. طبع بمكتبة محمد علي صبيح في القاهرة 1374هـ / 1955م، وصوّر بدار الجيل في بيروت * «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الأحكام» للشنقيطي، محمد الأمين، طبع على مطابع الرياض 1375هـ / 1955م * «تفسير آيات الأحكام وفق المذهب الجعفري والمذاهب الأخرى» للطباطبائي،(2/129)
ثم قيل، إن آيات الأحكام (1) [خمسمائة آية، وهذا ذكره الغزاليّ وغيره، وتبعهم الرازيّ ولعل مرادهم المصرّح به فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام] (1) ومن أراد الوقوف على ذلك فليطالع كتاب «الإمام» (3) للشيخ عز الدين بن عبد السلام.
ثم هو قسمان: أحدهما (4) ما صرّح به في الأحكام وهو كثير، وسورة البقرة والنساء والمائدة والأنعام مشتملة على كثير من ذلك والثاني ما يؤخذ بطريق الاستنباط ثم هو على نوعين (5):
* أحدهما ما يستنبط من غير ضميمة إلى آية أخرى، كاستنباط الشافعيّ تحريم الاستمناء باليد من قوله تعالى: {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} (المؤمنون: 6) إلى قوله: {فَمَنِ ابْتَغى ََ وَرََاءَ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ العََادُونَ} (الآية: 7)، واستنباط صحة
__________
حسين محمود اليزدي. طبع في مط. النجف 1385هـ / 1966م * «الجمان الحسان في أحكام القرآن» لمحمود بن مهدي الموسوي طبع في النجف 1379هـ / 1959م * «تفسير آيات الأحكام» لمناع القطان. طبع بالمكتب الإسلامي في دمشق 1384هـ / 1964م وبمكتبة وهبه في القاهرة 1399هـ / 1979م * «أحكام من القرآن» لعبد الجبار الراوي. طبع بمط. الكفاح في دمشق 1390هـ / 1970م * «مع القرآن في آيات الأحكام» لمحمود عبد الله، طبع بدار الكتاب الجامعي في القاهرة 1397هـ / 1976م * «تفسير آيات الأحكام» لمحمد علي الصابوني طبع بمكتبة الغزالي في دمشق. وصور بدار إحياء التراث العربي في بيروت 1404هـ / 1984م * ومن الكتب المجهولة:
«آيات الأحكام» (التفسير الملكي) للأمير أبي الفتح شريفي؟ (معجم مصنفات القرآن 1/ 94) * «آيات الأحكام الفقهية» لملا ملك علي توني؟ (معجم مصنفات القرآن 1/ 94) * «آيات الأحكام» (ترتيب آيات الأحكام على ترتيب الكتب الفقهية) مخطوط في الخزانة الرضوية (أعيان الشيعة 1/ 41) * «آيات الأحكام» لإسماعيل بن علي التبريزي؟ (أعيان الشيعة 1/ 42) * «تحصيل الاطمئنان» (شرح زبدة البيان في تفسير آيات الأحكام) لإبراهيم القزويني (أعيان الشيعة 1/ 41).
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وهو في المطبوعة.
(3) طبع: «الإمام في بيان أدلة الأحكام» بتحقيق رضوان مختار بن غربيّة، بدار البشائر الإسلامية في بيروت 1407هـ / 1987م في (360) ص. قال الشيخ عز الدين في كتابه ص: 284: «معظم آي القرآن لا يخلو عن أحكام فمنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط» ثم ساق الأقسام، وهي التي سيوردها الزركشي من قوله: «ثم هو قسمان» إلى قوله ص 13 «ومن السكوت عن التحريم» وقد نقلها الزركشي بتصرف.
(4) عبارة المخطوطة (ثم هو قسمان أحدهما هو ما صرح به).
(5) في المطبوعة: (على قسمين).(2/130)
أنكحة الكفار من قوله تعالى: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} (التحريم: 11)، {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} (المسد: 4) ونحوه، واستنباط (1) عتق الأصل والفرع بمجرد الملك (2) من قوله تعالى: {وَمََا يَنْبَغِي لِلرَّحْمََنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ إِلََّا آتِي الرَّحْمََنِ عَبْداً} (مريم: 92و 93)، فجعل العبودية منافية للولادة حيث ذكرت في مقابلتها فدلّ على أنهما لا يجتمعان، واستنباطه حجيّة الإجماع من قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء: 115)، واستنباطه صحة صوم الجنب من قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
(البقرة: 187)، فدلّ على جواز الوقاع في جميع الليل، [75/ ب] ويلزم منه تأخير الغسل إلى النهار وإلا لوجب أن يحرم الوطء في (3) آخر جزء من الليل بمقدار ما يقع الغسل فيه.
* والثاني ما يستنبط مع ضميمة آية أخرى، كاستنباط عليّ وابن عباس رضي الله عنهما [أنّ] (4) أقلّ الحمل ستة أشهر من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصََالُهُ ثَلََاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف:
15) مع قوله: {وَفِصََالُهُ فِي عََامَيْنِ} (لقمان: 14) وعليه جرى الشافعيّ، واحتجّ بها أبو حنيفة على أن أكثر الرضاع سنتان ونصف {ثَلََاثُونَ شَهْراً} ووجهه أنّ الله تعالى قدّر لشيئين مدّة واحدة فانصرفت المدة بكمالها إلى كلّ واحد منهما، فلما أقام (5) النّصّ في أحدهما بقي الباقي (6) على أصله، ومثّل ذلك بالأجل الواحد للمدينين (7) فإنه مضروب بكماله لكل واحد منهما، وأيضا فإنه لا بدّ من اعتبار مدّة يبقى فيها الإنسان بحيث يتغير إلفه (8)، فاعتبرت مدة يعتاد الصبيّ فيها غذاء طبيعيا غير اللبن، ومدّة الحمل قصيرة، فقدمت الزيادة على الحولين.
فإن قيل: العادة الغالبة في مدة الحمل تسعة أشهر، وكان المناسب في مقام الأسنان (9)
ذكر الأكثر المعتاد، لا الأقلّ النادر، كما في جانب الفصال؟
قلنا: لأنّ هذه المدة أقلّ مدة الحمل، ولما كان الولد لا يعيش غالبا إذا وضع لبستة أشهر، كانت مشقّة الحمل في هذه المدة موجودة لا محالة في حق كل مخاطب، فكان ذكره
__________
(1) في المطبوعة: (واستنباطه).
(2) في المخطوطة: (بمجرد ذلك).
(3) في المطبوعة: (إلى آخر).
(4) ليست في المخطوطة، وأثبتناها من المطبوعة.
(5) في المطبوعة: (فلما قام).
(6) في المطبوعة: (الثاني).
(7) في المطبوعة: (للدينين).
(8) في المطبوعة: (الغذاء).
(9) في المطبوعة: (الامتنان).(2/131)
أدخل في باب المناسبة، بخلاف الفصال، لأنه لا حدّ لجانب القلّة فيه، بل يجوز أن يعيش الولد بدون ارتضاع من الأم ولهذا اعتبر فيه الأكثر، لأنه الغالب، ولأنه اختياري كأنه قيل: (1) حملته ستة أشهر لا محالة، إن لم تحمله أكثر (1).
ومثله استنباط الأصوليين أنّ تارك الأمر يعاقب (3) من قوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}
(طه: 93) مع قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نََارَ جَهَنَّمَ} (الجن: 23)، وكذلك استنباط بعضا المتكلّمين أن الله خالق لأفعال العباد من قوله تعالى: {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} (الدهر: 30)، مع قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ}
(القصص: 68) فإذا ثبت أنه يخلق ما يشاء، وأن مشيئة العبد لا تحصل إلا إذا شاء الله، أنتج أنّه تعالى خالق لمشيئة العبد.
(فائدة) ولا بدّ [للمفسرين] (4) من معرفة قواعد أصول الفقه (5) فإنه من أعظم (6)
الطرق في استثمار الأحكام من الآيات.
فيستفاد عموم النكرة في سياق النفي من قوله تعالى: {وَلََا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}
(الكهف: 49) وقوله: {فَلََا تَعْلَمُ نَفْسٌ مََا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة: 17).
و [في] (7) الاستفهام من قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (مريم: 65).
وفي الشرط من قوله: {فَإِمََّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} (مريم: 26)، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} (التوبة: 6).
وفي النهي من قوله: {وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} (الحجر: 65).
وفي سياق الإثبات بعموم العلّة [و] (8) المقتضى من قوله [تعالى]: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا أَحْضَرَتْ} (التكوير: 14).
__________
(1) عبارة المخطوطة: (حمله ستة أشهر لا محالة أن تحمله أكثر).
(3) في المطبوعة: (يستحق العقاب).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) انظر منهاج الوصول في معرفة علم الأصول للقاضي البيضاوي (المطبوع مع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج) ص: 15043، الكتاب الأول في الكتاب.
(6) عبارة المخطوطة: (فإن أعظم).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) عبارة المطبوعة: (بعموم القلة المقتضى).(2/132)
وقوله: {وَنَفْسٍ وَمََا سَوََّاهََا} (1) (الشمس: 7). وإذا أضيف إليها «كلّ»، نحو:
{وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} (ق: 21).
ويستفاد عموم المفرد المحلّى باللام (2) من قوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر:
2)، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفََّارُ} [3] (الرعد: 42)، {وَيَقُولُ الْكََافِرُ} (النبأ: 40).
وعموم المفرد المضاف من قوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمََاتِ رَبِّهََا وَكُتُبِهِ} [4] التحريم:
12)، وقوله: {هََذََا كِتََابُنََا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} (الجاثية: 29) والمراد جميع الكتب التي اقتصّت (5) فيها أعمالهم.
وعموم الجمع المحلّى باللام في قوله: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (المرسلات: 11) وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنََا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثََاقَهُمْ} (الأحزاب: 7)، وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمََاتِ} (الأحزاب: 35) إلى آخرها.
والشرط (6) من قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلََا يَخََافُ ظُلْماً وَلََا هَضْماً} (طه: 112)، وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة: 7) وقوله:
{وَمََا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللََّهُ} (البقرة: 197) [وقوله] (7): {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (النساء: 78)، وقوله: {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة:
150)، وقوله: {وَإِذََا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيََاتِنََا} [8] [فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (الأنعام: 68) وقوله: {وَإِذََا جََاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيََاتِنََا]} [8] فَقُلْ سَلََامٌ عَلَيْكُمْ (الأنعام: 54).
هذا إذا كان الجواب طلبا مثل هاتين الآيتين فإن كان ماضيا لم يلزم العموم.
__________
(1) هذه الآية في المخطوطة سياقها عقب قوله تعالى: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ}.
(2) تصحفت العبارة في المخطوط إلى: (اللازم الجلي)، وانظر في هذه المسألة اللمع في أصول الفقه للشيرازي ص 87 (المطبوع بتحقيقنا مع تخريج أحاديثه في بيروت 1404هـ).
(3) في المخطوط: (وسيعلم الكافر)، وهي قراءة لابن كثير وأبي عمرو، ذكرها ابن الجزري في النشر في القراءات العشر 2/ 298.
(4) قوله {(وَكُتُبِهِ)} كذا في المطبوعة، وفي المخطوط وكتابه وهي قراءة، قال الداني في التيسير ص 212: قرأ أبو عمرو وحفص: {وَكُتُبِهِ} على الجمع، والباقون على التوحيد.
(5) عبارة المطبوعة: (التي اقتضت فيها).
(6) في المخطوطة: (والمضاف).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/133)
وكقوله: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا} (الجمعة: 11)، [و] (1) {إِذََا جََاءَكَ الْمُنََافِقُونَ قََالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللََّهِ} (المنافقون: 1). وإن كان مستقبلا فأكثر موارده للعموم كقوله [تعالى]: {وَإِذََا كََالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 3) وقوله: {وَإِذََا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغََامَزُونَ} (المطففين: 30)، وقوله: {إِنَّهُمْ كََانُوا إِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35).
وقد لا يعمّ كقوله: {وَإِذََا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسََامُهُمْ} (المنافقون: 4).
ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب (1) من ذمّه لمن خالفه وتسميته [76/ أ] إيّاه عاصيا، وترتيبه العقاب (3) [العاجل أو الآجل على فعله.
ويستفاد كون النهي [للتحريم] (4) من ذمّه لمن ارتكبه وتسميته عاصيا، وترتيبه العقاب] (3) على فعله.
ويستفاد الوجوب بالأمر [تارة، و] (6) بالتصريح بالإيجاب (7)، والفرض، والكتب، ولفظة «على» ولفظة «حق على العباد»، و «على المؤمنين»، وترتيب الذمّ والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك.
ويستفاد التحريم من النهي، والتصريح بالتحريم، والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفّارة، وقوله «لا ينبغي» فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع شرعا أو عقلا، ولفظة «ما كان لهم، كذا وكذا»، و «لم يكن لهم»، وترتيب الحدّ على الفعل، ولفظة «لا يحل»، و «لا يصلح»، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من (8) تزيين الشيطان وعمله، وأن لا يحبّه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يزكّي فاعله، ولا يكلّمه ولا ينظر إليه، ونحو ذلك.
ويستفاد الإباحة من الإذن (9)، والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، والإخبار بأنه يعفو عنه، وبالإقرار على فعله في زمن الوحي، وبالإنكار
__________
(1) عبارة المخطوط: (الموجود).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها النص لاستقامة المعنى.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(7) عبارة المخطوط: (وبالتصريح والإيجاب).
(8) في المطبوعة: (أو من).
(9) في المخطوطة: (على الإذن).(2/134)
على من حرّم الشيء، والإخبار بأنه خلقه (1) لنا، وجعله لنا، وامتنانه علينا [به] (2)، وإخباره عن فعل من قبلنا له، غير ذامّ لهم عليه فإن اقترن بإخباره مدح دلّ على رجحانه استحبابا أو وجوبا.
فصل
ويستفاد التعليل من إضافة الحكم إلى الوصف المناسب، كقوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (المائدة: 38)، {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا} (النور: 2)، فكما يفهم منه وجوب الجلد والقطع، يفهم منه كون السرقة والزنا علّة، وأن الوجوب كان لأجلهما مع أن اللفظ من حيث النطق لم يتعرض لذلك لكن يتبادر (3) إلى الفهم من فحوى الكلام.
وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرََارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار: 13)، أي لبرّهم، {وَإِنَّ الْفُجََّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (الانفطار: 14)، أي لفجورهم.
وكذا كل كلام خرج مخرج الذمّ [والمدح] (4) في حق العاصي والمطيع، وقد يسمى هذا في علم الأصول لحن (5) الخطاب.
فصل (6)
وكل فعل عظّمه الله ورسوله، أو مدحه أو مدح فاعله لأجله، أو أحبّه، أو أحب فاعله، أو رضي (7) [به، أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطيب أو البركة أو الحسن. أو نصبه سببا لمحبته، أو لثواب عاجل أو آجل. أو نصبه سببا لذكره لعبده، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضائه فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته، أو لقبوله، أو لنصرة فاعله، أو بشارة فاعله. أو وصف فاعله بالطيب. أو وصف الفعل بكونه معروفا، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصبه سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله، أو وصفه
__________
(1) في المطبوعة: (خلق).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: (بل يتبادر).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (لحسن).
(6) انظر الفصل الثاني من كتاب الإمام للعز بن عبد السلام ص 85، في تقريب أنواع أدلة الأمر.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/135)
بكونه قربة، أو أقسم به وبفاعله كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتها فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.
فصل (1)
وكل فعل طلب الشرع تركه، أو ذمّ فاعله، [أو] (2) عتب] عليه، أو لعنه، أو مقت فاعله، أو نفى محبّته إياه أو محبة فاعله، أو نفى الرّضا به، أو الرضا عن فاعله، أو شبّه [فاعله] (3) بالبهائم، أو بالشياطين أو جعله مانعا من الهدى أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة (4)، أو استعاذ الأنبياء منه، أو أبغضوه (5)، أو جعل سببا لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذمّ أو لوم، أو ضلالة أو معصية، أو وصف بخبث أو رجس، أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس أو [لعنة أو] (6) غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حدّ من الحدود أو قسوة أو خزي أو امتهان نفس (7)، أو لعداوة الله ومحاربته والاستهزاء به، أو سخريته. أو جعله الرّب سببا لنسيانه لفاعله، أو وصف نفسه بالصّبر عليه، أو بالحلم أو بالصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى عمل (8)
الشيطان أو تزيينه، أو تولّي الشيطان لفاعله. أو وصف بصفة (9) ذم مثل كونه ظلما أو بغيا أو عدوانا أو إثما، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله (10) من فاعله، أو جاهروا فاعله (10) بالعداوة، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا، أو ترتّب عليه حرمان [من] (12)
الجنة، أو وصف فاعله بأنه عدو لله، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمّل فاعله إثم
__________
(1) انظر الفصل الثالث من كتاب الإمام ص 105: في تقريب أنواع الأدلة.
(2) كلمة (أو) ساقطة من المطبوعة، وهي مثبتة في النص المنقول عن العز بن عبد السلام في الإتقان 4/ 36 ضمن النوع الخامس والستين، وعبارة الزركشي منقولة عن العز أيضا.
(3) كلمة (فاعله) ليست في المخطوطة، والعبارة فيه: (أو شبّهه)، والتصويب من الإمام ص 105.
(4) في المخطوطة (أو اكراهة).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (أو المقصود)، والتصويب من «الإمام» ص 105.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة، وهو من المخطوط، وعند العز في «الإمام»: لعن.
(7) في الإمام ص 105: أو لارتهان النفوس
(8) في المخطوط (عدا الشيطان)
(9) في المخطوطة: (بوصف)، والتصويب من الإمام ص 106
(10) تصحفت في المخطوط إلى (من فاعل أو جاهل أو فاعله).
(12) ساقطة من المخطوطة، وليست في «الإمام».(2/136)
غيره. أو قيل فيه: «لا ينبغي هذا» أو «لا يصلح»، أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل يضادّه. أو هجر فاعله، أو يلاعن [فاعله] (1) في الآخرة، أو يتبرّأ بعضهم من بعض، أو وصف صاحبه بالضلالة، أو أنّه ليس من الله في شيء، أو أنّه ليس من الرسول وأصحابه، أو قرن بمحرّم ظاهر التحريم في الحكم، أو أخبر (2) عنهما بخبر واحد، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل [لفاعله] (3): «هل أنت منته»، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتّب عليه إبعادا وطردا، أو لفظة «قتل من فعله»، أو «قاتل الله من فعله»، أو أخبر أنّ فاعله لا يكلّمه [76/ ب] الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه، أو أنّ الله لا يصلح عمله، أو لا يهدي كيده، أو أنّ فاعله لا يفلح (4)، أو لا يكون يوم (5) القيامة من الشهداء، ولا من الشفعاء، أو أنّ الله تعالى يغار من فعله، أو نبّه على وجود المفسدة فيه، أو (6) أخبر أنّه لا يقبل من فاعله صرفا ولا عدلا، أو أخبر أنّ من فعله قيّض له الشيطان فهو له قرين، أو جعل الفعل سببا لإزاغة الله قلب فاعله، أو صرفه عن آيات الله وفهم الآية وسؤاله سبحانه عن علة الفعل [لم فعل] (7) نحو: {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ مَنْ آمَنَ} [8] (آل عمران: 99)، {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبََاطِلِ} (آل عمران: 71)، {مََا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} (ص: 75)، {لِمَ تَقُولُونَ مََا لََا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2) ما لم يقترن به جواب عن السؤال فإذا اقترن (9) به جواب كان بحسب جوابه.
فهذا ونحوه يدل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أطرد من دلالته على مجرد الكراهة.
وأمّا لفظة (10) «يكرهه الله ورسوله»، وقوله: {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} (الإسراء: 38)، فأكثر ما يستعمل في المحرّم وقد يستعمل في كراهة التنزيه وأما لفظ «أما أنا فلا أفعل» فالمحقق فيه الكراهة، كقوله: «أما أنا فلا آكل متكئا» (11)، وأما لفظة (10) «ما يكون لك» و «ما
__________
(1) ليست في المطبوعة، وفي الإمام «فاعلوه».
(2) في المخطوطة (والخبر عنهما).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (لا يصلح).
(5) عبارة المطبوعة (في القيامة).
(6) في المخطوطة (وأن أخبر).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) في المخطوطة: (من آمن به) وليست لفظة (به) من القرآن.
(9) في المطبوعة (فإذا قرن).
(10) في المطبوعة (وأما لفظ).
(11) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح من رواية أبي جحيفة 9/ 540كتاب الأطعمة (70) الحديث (5398).(2/137)
يكون لنا» فاطّرد استعمالها في المحرم، نحو: {فَمََا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهََا} (الأعراف:
13)، {وَمََا يَكُونُ لَنََا أَنْ نَعُودَ فِيهََا} (الأعراف: 89)، {مََا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مََا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} (المائدة: 116).
فصل (1)
وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال، ورفع الجناح، والإذن، والعفو، و «إن شئت فافعل»، و «إن شئت فلا تفعل» ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع وما يتعلق (2) بها [من] (3) الأفعال نحو: {وَمِنْ أَصْوََافِهََا وَأَوْبََارِهََا وَأَشْعََارِهََا أَثََاثاً} (النحل: 80)، {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل: 16) ومن السكوت عن التحريم (4)، ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي وهو نوعان:
إقرار الرب تعالى، وإقرار رسوله إذا علم الفعل، فمن إقرار الرب قول جابر: «كنّا نعزل والقرآن ينزل» (5)، ومن إقرار رسوله قول حسّان: «كنت أنشد وفيه من هو خير منك (6)».
[(7) فائدة قوله تعالى: {يََا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلََا تُسْرِفُوا}
__________
(1) راجع الإمام ص 86، فائدة في آخر الفصل الأول.
(2) في المخطوطة (وما لا يتعلق).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) ما بعد هذا الكلام زيادة من الزركشي على ما ذكره العز في هذا الفصل.
(5) الحديث متفق عليه من رواية جابر رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 305كتاب النكاح (67)، باب العزل (96)، الحديث (5208)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 1065كتاب النكاح (16)، باب حكم العزل (22)، الحديث (138136/ 1440) واللفظ به.
(6) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 304كتاب بدء الخلق (59)، باب ذكر الملائكة (6)، الحديث (3212)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1932 كتاب فضائل الصحابة (44)، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه (34)، الحديث (151/ 2485)، ومناسبة الحديث أن حسان بن ثابت كان ينشد الشعر في المسجد فمر به عمر فزجره فقال له حسان: كنت أنشد
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وهذه الفائدة ذكرها العزّ في أول الفصل الأول من كتابه «الإمام» ص 85.(2/138)
{إِنَّهُ لََا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31) جمعت أصول أحكام الشريعة كلها، فجمعت الأمر والنهي والإباحة والتخيير] (فائدة) تقديم العتاب على الفعل من الله تعالى يدلّ على تحريمه، فقد عاتب الله سبحانه [نبيه] (1) في خمسة مواضع من كتابه: في الأنفال (2)، وبراءة (3)، والأحزاب (4)، والتحريم (5)، وعبس (6) (7) [خلافا للشيخ عز الدين بن عبد السلام (8) حيث جعل العتب من أدلة النهي.
(فائدة) لا يصح الامتنان بممنوع عنه] (7) خلافا لمن زعم أنه يصح، ويصرف الامتنان إلى خلقه للصبر عليهم.
(فائدة) (10) التعجب كما يدل على محبة الله للفعل، نحو «عجب ربّك من شابّ ليست له صبوة (11)»، و «تعجّب ربّك من رجل ثار من فراشه ووطائه إلى الصّلاة (12)»، ونحو ذلك فقد يدلّ على بغض الفعل كقوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} (الرعد: 5)، وقوله {بَلْ}
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) قوله تعالى: {مََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ حَتََّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية: 67.
(3) قوله تعالى: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكَ} الآية: 43.
(4) قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللََّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النََّاسَ} الآية: 37.
(5) قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ} الآية: 1.
(6) قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلََّى أَنْ جََاءَهُ الْأَعْمى ََ} الآيات 101.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) راجع في الإمام ص 134133، الفصل الرابع، فيما يصلح للدلالة على الأمرين، النوع السابع.
(8) انظر الإمام ص 107، في الفصل الثالث، في تقريب أنواع الأدلة.
(11) الحديث من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند 4/ 151، وأبو يعلى في المسند 3/ 288الحديث (16/ 1749)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 17/ 309الحديث (853).
(12) الحديث من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أخرجه أحمد في المسند 1/ 416، وأبو يعلى في المسند 9/ 179الحديث (306/ 5272)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 10/ 221الحديث (10383)، وأخرجه ابن حبان انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4/ 115كتاب الصلاة، باب ذكر تعجيب الله جل وعلا ملائكته من الثائر عن فراشه، الحديث (2549)، وأخرجه البغوي في شرح السنة 4/ 42كتاب الصلاة، باب التحريض على قيام الليل، الحديث. (930).(2/139)
{عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (الصافات: 12)، وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ} (البقرة: 28)، {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى ََ عَلَيْكُمْ آيََاتُ اللََّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: 101).
وقد يدلّ على امتناع الحكم وعدم حسنه، كقوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللََّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} (التوبة: 7).
ويدلّ على حسن المنع منه وأنه لا يليق به فعله، كقوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} (آل عمران: 86).
قاعدة في الإطلاق والتقييد
إن وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلّا فلا، والمطلق على إطلاقه (1)، والمقيّد على تقييده لأنّ الله تعالى خاطبنا بلغة العرب. والضابط أنّ الله تعالى إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر فإن لم يكن له أصل يردّ إليه إلا (2) ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به، وإن كان له أصل غيره لم يكن ردّه إلى أحدهما بأولى من الآخر.
(فالأول) (3) مثل اشتراط الله العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية، وإطلاقه الشهادة في البيوع وغيرها والعدالة شرط في الجميع.
ومنه تقييد ميراث الزوجين بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهََا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: 12) وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه، وكان ما أطلق من المواريث كلّها بعد الوصية والدّين.
وكذلك [ما] (4) اشترط في كفارة القتل من الرقبة [77/ أ] المؤمنة، وأطلقها في كفارة الظّهار واليمين، والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة.
وكذلك تقييد الأيدي إلى المرافق في الوضوء، وإطلاقه في التيمم.
وكذلك: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمََانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: 5) فأطلق الإحباط [عليه] (5) وعلّقه بنفس الردّة ولم يشترط الموافاة عليه، وقال في الآية الأخرى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كََافِرٌ فَأُولََئِكَ حَبِطَتْ أَعْمََالُهُمْ} (البقرة: 217) فقيّد الردّة بالموت عليها والموافاة على الكفر، فوجب ردّ الآية المطلقة إليها وألا يقضى بإحباط الأعمال
__________
(1) في المخطوطة (على تقييده).
(2) في المخطوطة (يرد إليه إلى ذلك).
(3) القسم الثاني يأتي صفحة 141.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.(2/140)
إلا بشرط الموافاة عليها وهو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه، وإن كان قد تورّع في هذا التقرير.
ومن هذا الإطلاق تحريم الدم وتقييده في موضع آخر بالمسفوح. وقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (النساء: 43)، وقال في موضع آخر: {مِنْهُ} (المائدة: 6).
وقوله: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا} (الشورى: 20) فإنه لو قيل: نحن نرى (1) من يطلب الدنيا حثيثا ولا يحصل له منها شيء! قلنا: قال الله تعالى: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}
(الإسراء: 18)، فعلّق ما يريد بالمشيئة والإرادة.
ومثله قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} (البقرة: 186)، وقوله:
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: 60)، فإنه معلّق (2).
(تنبيه) اختلف الأصوليّون في أنّ حمل المطلق على المقيد: هل هو من وضع اللغة أو بالقياس، على مذهبين فالأولون يقولون: [إن] (3) العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد وطلبا للإيجاز والاختصار وقد قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ}
(ق: 17). والمراد «عن اليمين قعيد» ولكن حذف لدلالة الثاني عليه.
وزعم بعضهم أن القرآن كالآية الواحدة، لأنّ كلام الله تعالى واحد فلا بعد أن يكون المطلق كالمقيّد (4).
قال إمام الحرمين: وهذا غلط لأن الموصوف بالاتحاد الصفة القديمة المختصّة بالذات وأما هذه الألفاظ والعبارات فمحسوس تعدّدها، وفيها الشيء ونقيضه كالإثبات والنفي، والأمر والنهي (5) [إلى غير ذلك من أنواع النقائض التي لا يوصف الكلام القديم بأنه عليها.
* (والثاني) كإطلاق صوم الأيّام في كفارة اليمين] (5) وقيّدت بالتتابع في كفارة الظهار
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (نوتي).
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (مطلق).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) في المخطوطة (كآية المقيد).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وقوله (الثاني) أي من القسمين المذكورين صفحة (2/ 140).(2/141)
والقتل، وبالتفريق (1) في صوم التمتع (2) فلما تجاذبت (3) الأصل تركناه على إطلاقه.
هذا كلّه إذا كان الحكمان بمعنى واحد وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد فأما إذا حكم في شيء بأمور لم يحكم في شيء آخر ينقض تلك الأمور وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضي الإلحاق، كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء، وذكر في التيمم عضوين فلم يكن في الأمر بمسح الرأس وغسل (4) الرجلين في الوضوء دليل على مسحهما بالتراب في التيمم
ومن ذلك ذكر العتق والصوم والطعام في كفارة الظهار، ولم يذكر الإطعام في كفارة القتل فلم يجمع بينهما في إبدال الطعام عن الصيام.
وقريب من هذا قول السلف في قوله تعالى: {وَأُمَّهََاتُ نِسََائِكُمْ وَرَبََائِبُكُمُ} (النساء:
23) أن (5) اللام مبهمة، وعنوا بذلك أن الشرط في الرّبائب خاصّة.
قاعدة في العموم والخصوص
لا يستدلّ بالصفة العامة إذا لم يظهر تقييد عدم التعميم ويستفاد ذلك من السياق، ولهذا قال الشافعيّ: اللفظ بيّن في مقصوده، ويحتمل في غير مقصوده.
فمنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (التوبة: 34) لا يصلح الاحتجاج بها في إيجاب الزكاة في قليل الذهب والفضة وكثيرهما (6)، وفي المصوغ (7) منهما من الحليّ وغيره. ألا ترى أنّ من ملك دون النصاب منهما غير داخل في جملة المتوعّدين بترك الإنفاق منهما! وهذا يدلّ على أن القصد من الآية إثبات الحكم في ترك أداء الواجب من الزكاة منهما وفيها دليل على وجوب الزكاة فيهما وليس فيها بيان مقدار ما يجب من الحق فيهما.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ} (المؤمنون: 5) الآية، القصد منها مدح قوم صانوا فروجهم عمّا لا يحلّ، ولم يواقعوا بها إلا من كان بملك النكاح أو
__________
(1) عبارة المخطوطة (كالتفريق في صوم).
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (المرضع).
(3) في المطبوعة (فلما تجاذب).
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (وعلى الرجلين).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (الآية).
(6) في المطبوعة (وكثيره).
(7) في المطبوعة (وفي المتنوع).(2/142)
اليمين وليس في الآية بيان ما يحلّ منها [وما لا يحلّ] (1). ثم إذا احتيج إلى تفصيل ما يحلّ بالنكاح وملك اليمين صير إلى ما [77/ ب] قصد تفصيله بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} (النساء: 23) الآية.
[كذا] (2) قاله القفّال الشاشي (3) وفيه نظر لما سبق.
ومثله قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ} (البقرة: 187) إلى قوله: {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (البقرة: 187)، فلو تعلّق متعلق بقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} (البقرة: 187) في إباحة أكل أو شرب كلّ شيء [قد] (4) اختلف فيه لكان لا معنى له لأن المخاطب قد غفل عن أنها (5) لم ترد مبيّنة لذلك، بل مبيّنة لحكم جواز الأكل والشرب والمباشرة إلى الفجر دفعا لما كان الناس عليه من حظر ذلك على من نام، فبين في الآية إباحة ما كان محظورا، ثم أطلق لفظ الأكل والشرب والمباشرة لا على معنى إبانة الحكم فيما يحل من ذلك وما يحرم. ألا ترى أنه لا يدخل فيه شرب الخمر والدم وأكل الميتة ولا المباشرة فيما لا يبتغى منه للولد ومثله [منه] (6) في القرآن كثير. وهذا يدلّ على أن النظر في العموم إلى المعاني لا لإطلاق اللفظ.
قال القفال: ومن ضبط هذا الباب أفاده علوما كثيرة (7).
فصل
ومما يستثمر منه الأحكام تنبيه الخطاب.
وهو إمّا في الطلب كقوله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} (الإسراء: 23) فنهيه عن القليل منبّه على الكثير (8) [وقوله: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَهُمْ إِلى ََ أَمْوََالِكُمْ} (النساء: 2) يدلّ على تحريم الإحراق والإتلاف.
وإما في الخبر:
فإما ما أن يكون بالتنبيه بالقليل على الكثير] (8) كقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ}
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) هو محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي أبو بكر القفّال الكبير تقدم ذكره في 2/ 96.
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) تصحفت عبارة المخطوطة كالتالي: (لأن المخاطب قد عقل من أنها).
(6) ساقط من المطبوعة.
(7) عبارة المطبوعة (أفاد علما كثيرا).
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/143)
خيرا [يره] (1) (الزلزلة: 7)، فنبّه على أنّ الرطل والقنطار لا يضيع لك [عنده] (2) وكقوله:
{مََا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (فاطر: 13)، {وَلََا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} (النساء: 124)، {وَلََا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (النساء: 49)، {وَمََا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقََالِ ذَرَّةٍ} (يونس: 61) (3) [فإنه يدلّ على أن من لم يملك نقيرا أو قطميرا مع قلتهما، فهو عن ملك ما فوقهما أولى.
وعلم أن من لم يعزب عنه مثقال ذرّة] (3) مع خفائه ودقّته، فهو بألّا (5) يذهب عنه الشيء الجليل الظاهر أولى.
وإما بالكثير على القليل كقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (آل عمران: 75) فهذا من التنبيه على أنه يؤدّي إليك الدينار وما تحته. ثمّ قال:
{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينََارٍ لََا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (آل عمران: 75) فهذا من الأول وهو التنبيه بالقليل على الكثير فدلّ بالتنبيه على أنك لا تأمنه بقنطار، بعكس الأول.
ومثل قوله في فرش أهل الجنة: {بَطََائِنُهََا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} (الرحمن: 54) وقد علمنا أنّ أعلى ما عندنا هو الإستبرق الذي هو الخشن من الديباج، فإذا كان بطائن [فرش] (6) أهل الجنة ذلك، فعلم أن وجوهها في العلو إلى غاية لا يعقل معناها.
وكذلك قوله في شراب أهل الجنة: {خِتََامُهُ مِسْكٌ} (المطففين: 26) وإنما يرى من الكأس الختام، وأعلى ما عندنا رائحة المسك، وهو أدنى شراب أهل الجنة فليتبين اللبيب إذا كان الثفل الذي منه المسك، أيش (7) يكون حشو الكأس [فيظهر فضل حشو الكأس] (8) بفضل الختام، وهذا من التنبيه الخفيّ.
وقوله: {الَّذِي بََارَكْنََا حَوْلَهُ} (الإسراء: 1) فنبه على حصول البركة فيه من باب أولى.
واعلم أن هذا النوع البديع ينظر [إليه] (9) من ستر رقيق، وطريق تحصيله فهم المعنى
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (بأن لا).
(6) ساقط من المخطوطة.
(7) كذا في الأصول، وهو لفظ عامي مستعمل يقصد به: أي شيء.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) ساقط من المخطوطة.(2/144)
وتقييده من سياق الكلام كما في آية التأفيف فإنّا نعلم أن الآية إنما سيقت لاحترام الوالدين وتوقيرهما، ففهمنا منه تحريم الشتم والضرب، ولو لم يفهم المعنى لا يلزم ذلك لأن الملك الكبير يتصوّر أن يقول لبعض عبيده: اقتل قرني ولا تقل له: أف ويكون قصده الأمن عن مزاحمته في الملك فثبت أن ذلك إنما جاء لفهم المعنى.
فإن قيل: فإذا ابتنى الفهم على تخيّل المعنى كان بطريق القياس كما [صار] (1) إليه الشافعي.
قيل: ما يتأخر من نظم الكلام وما يتقدم فهمه على اللفظ ويقترن به لا يكون قياسا حقيقيا، لأن القياس ما يحتاج فيه إلى استنباط وتأمّل، فإن أطلق القائل بأنّه قياس اسم القياس عليه وأراد ما ذكرناه فلا مضايقة في التسمية.
فصل
وقد يحكم على الشيء مقيدا بصفة، ثم قد يكون ما سكت عنه بخلافه، وقد يكون مثله.
* فمن الأول (2)، قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (الطلاق: 2)، وقوله:
{إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6) وقوله {وَحَلََائِلُ أَبْنََائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلََابِكُمْ} (النساء: 23) فاشترط أولاد الصّلب تنبيها على إباحة حلائل أولاد (3) الرضاع (4)، وليس في ذكر الحلائل إباحة من وطئه الأبناء [من] (5) الإماء بملك اليمين. وهذه الآية مما اجتمع فيه النوعان أعني المخالفة والمماثلة.
وكذلك قوله: {لََا جُنََاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبََائِهِنَّ وَلََا أَبْنََائِهِنَّ} الآية (الأحزاب:
55)، فيه وقوع الجناح في إبداء الزينة لمن عدا المذكورين من الأجانب، ولم يكن فيه [في] (6) إبدائها لقرابة الرضاع.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) عبارة المخطوطة: وقد يكون من الأول فمثله
(3) في المطبوع (أبناء).
(4) في حاشية النسخة الخطية ما يلي: الظاهر أبناء التبني، وإلا فحليلة ابن الرضاع لم تحرم.
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) ساقط من المطبوعة.(2/145)
* ومن الثاني قوله تعالى في الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ} [78/ أ] {مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: 95). فإن القتل إتلاف والإتلاف [يستوي] (1) عمده وخطؤه فيستدلّ به على أن التعمد ليس بشرط. فإن قيل: فما فائدة التقييد في هذا القسم إذا كان المسكوت عنه مثله، وهلا حذفت الصفة واقتصر على قوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ}؟ قلنا:
لتخصيص الشيء بالذكر فوائد: منها اختصاصه في جنسه بشيء لا يشركه فيه غيره من جملة الجنس كما في هذه الآية، أعني قوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً}. إلى قوله: {فَيَنْتَقِمُ اللََّهُ مِنْهُ} (المائدة: 95) إن المتعمد إنما خصّ بالذكر لما عطف عليه في آخر الآية من الانتقام الذي لا يقع إلا في العمد دون [الخطإ] (2).
ومنها ما يخصّ بالذكر تعظيما له على سائر ما هو من جنسه كقوله تعالى: {مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذََلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلََا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (التوبة: 36) فخص النهي عن الظلم [فيهنّ، وإن كان الظلم] (3) منهيا عنه في جميع الأوقات تفضيلا لهذه الأشهر وتعظيما للوزر فيها. وقوله: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197).
ومنها أن يكون ذلك الوصف هو الغالب عليه كقوله تعالى: {وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (النساء: 23) الآية، فإن الغالب من حال الربيبة أنها تكون في حجر أمها. ونحو: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (النور: 58) إلى قوله: {ثَلََاثَ مَرََّاتٍ} الآية خصّ هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان لأن الغالب تبذّل البدن فيهن، وإن كان في غير هذه الأوقات ما يوجب الاستئذان فيجب. وكذلك قوله:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} (البقرة: 229) فالافتداء يجوز مع الأمن، وقوله:
{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ} [4] أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ (النساء: 101). وقوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونََا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتََانِ} (البقرة: 282)، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى ََ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كََاتِباً فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ} (البقرة: 283) فجرى التقييد بالسّفر لأن الكاتب إنما يعدم غالبا فيه فلا يدل على منع الرهن إلا في السفر، كما صار إليه مجاهد.
__________
(1) ساقط من المطبوعة.
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (ولا جناح عليكم) وليست من المصحف.(2/146)
النوع الثالث والثلاثون في معرفة جدله (1)
وقد أفرده من المتأخرين بالتصنيف، العلامة نجم الدين الطوفي (2) رضي الله عنه (3).
اعلم أن القرآن العظيم قد اشتمل على جميع أنواع البراهين والأدلة وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحديد ينبني (4) من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله تعالى قد نطق به، لكن أورده تعالى على عادة العرب دون دقائق طرق أحكام المتكلمين لأمرين:
(أحدهما) بسبب ما قاله: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}
الآية. (إبراهيم: 4).
والثاني أن المائل إلى دقيق المحاجّة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام
__________
(1) للتوسع في موضوع جدل القرآن انظر: الإتقان للسيوطي 4/ 52النوع الثامن والستون في جدل القرآن، ومفتاح السعادة لطاش كبري زاده 2/ 498علم معرفة جدل القرآن، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 495علم معرفة جدل القرآن. ومفاهيم الجدل في القرآن لزاهر بن عواض الألمعي (طبع على مطابع الفرزدق في الرياض 1399هـ / 1977م في 466ص).
(2) هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري، ولد سنة (657هـ) اشتغل في الفنون وكان قوي الحافظة شديد الذكاء، قرأ العربية على محمد بن الحسين الموصلي وله تصانيف عديدة منها «شرح مختصر التبريزي» في الفقه على مذهب الشافعي ت 716هـ (ابن حجر، الدرر الكامنة 2/ 154)، وكتابه «علم الجذل في علم الجدل» يطبع في لبنان بتحقيق هاينريشس، وينشره المعهد الألماني للأبحاث الشرقية (أخبار التراث العربي ع 34ص 7سنة 1987).
(3) ومما يستدرك من المصنفات في الجدل * «حجاج القرآن» لإسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي ت 282هـ ذكره (الفهرست ص 252ضمن المقالة السادسة من الفن الأول) * «استخراج الجدال من القرآن الكريم» لعبد الرحمن بن نجم المعروف بابن الحنبلي المتوفى سنة (634هـ)، وقد طبع في لبنان مؤسسة الرسالة 1400هـ / 1980م بتحقيق زاهر بن عواض الألمعي.
(4) في المطبوعة (وتحديد شيء).(2/147)
فإنّ من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم يتخطّ إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلّا الأقلّون ولم يكن ملغزا، فأخرج [تعالى] مخاطباته في محاجّة خلقه في أجلّ صورة تشتمل على أدقّ دقيق، لتفهم العامة من جليلها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة، وتفهم الخواص من أثنائها ما يوفي على ما أدركه فهم الخطاب (1).
وعلى هذا حمل الحديث المرويّ: «إنّ لكلّ آية ظهرا وبطنا، ولكلّ حرف حدّا ومطلعا (2)»، [لا] (3) على ما ذهب إليه الباطنية، ومن هذا الوجه كلّ من كان حظّه في العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر. ولذلك إذا ذكر تعالى حجة على ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافته إلى أولي العقل، ومرة إلى السامعين [ومرة إلى المفكرين] (4) ومرة إلى المتذكرين، تنبيها [أنّ] (5) بكلّ قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقته منها. وذلك نحو قوله: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد: 4)، وغيرها من الآيات.
واعلم أنه قد يظهر منه بدقيق الفكر استنباط البراهين العقلية على طرق المتكلمين فمن ذلك الاستدلال على حدوث العالم بتغير الصفات عليه وانتقاله من حال إلى حال، وهو آية الحدوث، وقد ذكر الله تعالى في احتجاج إبراهيم الخليل (6) عليه السلام استدلاله بحدوث
__________
(1) في المطبوعة (الخطباء).
(2) للحديث طريقين (الأولى) من طريق الحسن مرسلا بهذا اللفظ، أخرجها أبو عبيد في فضائل القرآن ق 8/ ب باب فضل علم القرآن والسعي في طلبه (مخطوطة توبنجن)، وأبو نصر السجزي في «الإبانة»، (جمع الجوامع 1/ 695) (الثانية) من طريق ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا ذكرها ابن حجر في المطالب العالية 3/ 285، وأخرجها أبو يعلى الموصلي في المسند 9/ 8180، برواية مطولة وفيه: «ولكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع» كتاب فضائل القرآن، الحديث (3489) وعزاها للبزار، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 152كتاب التفسير باب القراءات وكم أنزل القرآن على حرف وعزاه للطبراني في المعجم الأوسط، وأخرجها الطبري في التفسير 1/ 9القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب، بإسنادين عن ابن مسعود، وأخرجها ابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/ 146كتاب العلم، باب ذكر العلة التي من أجلها قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» الحديث (75)، ولفظه: «أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن».
(3) ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) إشارة إلى الآيات 7875من سورة الأنعام وفيها: {فَلَمََّا رَأَى الشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي هََذََا أَكْبَرُ فَلَمََّا أَفَلَتْ}.(2/148)
الأفل (1) على وجود المحدث والحكم على السموات والأرض بحكم النّيرات الثلاث وهو الحدوث، طردا للدليل في كلّ ما هو مدلوله [78/ ب]، لتساويها في علة الحدوث وهي الجسمانية.
ومن ذلك الاستدلال على أنّ صانع العالم واحد، بدلالة التمانع المشار إليه في قوله تعالى: {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} (الأنبياء: 22) لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتّسق على إحكام، ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما وذلك لو أراد أحدهما إحياء جسم، وأراد الآخر إماتته، فإما أن تنفذ إرادتهما فتتناقض لاستحالة أن يجري الفعل (2) إن فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف. وإما لا تنفذ إرادتهما فيؤدي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه، والإله لا يكون عاجزا.
ومن ذلك الاستدلال على المعاد الجسماني بضروب:
(أحدها): قياس الإعادة على الابتداء، قال تعالى: {كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}
(الأعراف: 29) {كَمََا بَدَأْنََا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (الأنبياء: 104)، {أَفَعَيِينََا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} (ق: 15).
(ثانيها): قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى نحو: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [3] (يس: 81)، {لَخَلْقُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النََّاسِ} (غافر: 57).
(ثالثها): قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات، وهو في كلّ موضع ذكر فيه إنزال المطر غالبا، نحو: {وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا وَكَذََلِكَ تُخْرَجُونَ}
(الروم: 19).
(رابعها): قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر وقد ورد «أن أبيّ (4) بن
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (الأقل) بالقاف وصوابها بالفاء كما في المخطوط (الأفل) أي الغياب.
(2) في المطبوعة (لاستحالة تجزؤ الفعل).
(3) في المخطوطة (أن يحيي الموتى).
(4) تحرف في المخطوطة إلى (أن علي بن خلف).(2/149)
خلف لما جاء بعظام بالية ففتّها وذرّها في الهواء وقال: يا محمد، من يحيي العظام وهي رميم! فأنزل الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [1] (يس:
79) فعلّم سبحانه كيفية الاستدلال برد النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث، ثم زاد في الحجاج بقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نََاراً} (يس:
80) وهذا في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليهما.
(خامسها): في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ لََا يَبْعَثُ اللََّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلََكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لََا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كََانُوا كََاذِبِينَ} (النحل: 38، 39). وتقريرها كما قاله ابن السّيد (2): «إن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلاب الحق في نفسه وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحقّ في نفسه واحد، فلما ثبت أن هاهنا حقيقة موجودة لا محالة، و [إن] (3) كان لا سبيل لنا في حياتنا هذه إلى الوقوف عليها وقوفا يوجب الائتلاف، ويرفع عنّا الاختلاف، إذ كان الاختلاف مركوزا في فطرنا، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلّة، ونقلها إلى جبلّة غيرها صحّ ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة، فيها يرتفع الخلاف والعناد وهذه هي [الحال] (4) التي وعد الله بالمصير إليها فقال: {وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}
(الحجر: 47)، ولا بد من كون ذلك باضطرار إذ كان جواز الخلاف يقتضي الائتلاف، لأنه نوع من المضاف، وكان لا بد من حقيقته، فقد صار [الخلاف] (5) الموجود كما ترى أوضح دليل على كون البعث الذي ينكره المنكرون».
__________
(1) هذا الحديث له عدة طرق (الأولى) عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا ذكرها السيوطي وعزاه لابن مردويه الدر المنثور 5/ 269، (الثانية) عن أبي مالك غزوان مرسلا، أخرجها الواحدي في أسباب النزول ص 274، وذكرها السيوطي وعزاها لسعيد بن منصور ولم نجدها في المطبوع من السنن وابن المنذر والبيهقي في البعث ولم نجدها في المطبوع الدر المنثور 5/ 269 (الثالثة) عن مجاهد وقتادة مرسلا، ذكرها الطبري في التفسير 23/ 21، وذكرها ابن كثير في التفسير 3/ 588وعزاه أيضا لعكرمة، وعروة بن الزبير، والسدي.
(2) هو أبو محمد عبد بن الله بن محمد بن السيد النحوي اللغوي تقدم ذكره في 1/ 343.
(3) ساقط من المطبوعة.
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) ساقط من المخطوطة.(2/150)
النوع الرابع والثلاثون معرفة ناسخه (1) ومنسوخه (2)
والعلم به عظيم الشأن، وقد صنف فيه
__________
(1) في المطبوعة: من منسوخه.
(2) للتوسع في هذا النوع انظر: الفهرست لابن النديم ص 40الفن الثالث من المقالة الأولى وفنون الأفنان في عيون علوم القرآن لابن الجوزي ص: 373فصل التفسير، النسخ، المحكم والمتشابه، والفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن قيم الجوزية ص 244القسم التاسع والثلاثون، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي 1/ 117الفصل الثامن فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ، والإتقان للسيوطي 3/ 7759النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 405علم معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، وكشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1920، وأبجد العلوم للقنّوجي 2/ 511معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي 2/ 614، ومناهل العرفان للزرقاني 2/ 16669، ومقدمة كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة بقلم حاتم الضامن (معاصر)، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار 636622، معجم مصنفات القرآن الكريم لعلي الشواخ 4/ 247225والنسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد (بحث نال به مؤلفه شهادة الدكتوراة من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة وطبع في لبنان بدار الفكر 1383هـ / 1963م)، والآية والنسخ في القرآن، لمحمد البهي مقال في مجلة الفكر الإسلامي، السنة الثانية العدد (5) سنة 1391هـ / 1971م والآية المنسوخة {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} لمحمد فؤاد عبد الباقي (مقال في مجلة الأزهر المجلد (27) العدد (9) سنة 1375هـ / 1956م)، والنسخ في القرآن الكريم لمحمد سعاد جلال (مقال في مجلة الأزهر المجلد (32) العدد (10) سنة 1380هـ / 1961م) وسورة المزمل وقصة الناسخ والمنسوخ لحسن حسين (مقال في مجلة الأزهر المجلد (15) العدد (8) سنة 1363هـ / 1944م) ونظرية النسخ في الشرائع السماوية لشعبان محمد إسماعيل (طبع في القاهرة على مطابع الدجوي سنة 1397هـ / 1977م) ورسالة في مباحث النسخ لمحمد السيد يوسف أباظة (رسالة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة 1359هـ / 1941م) والقول السديد في تفسير آيات النسخ والطلاق والربا في القرآن المجيد لمحمد الحسيني الظواهري (طبع في القاهرة بمطبعة مصر سنة 1359هـ / 1940م) والنسخ بحث وتحليل للشيخ عثمان أحمد مريزق (رسالة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة(2/151)
[جماعة] (1) كثيرون منهم قتادة بن دعامة السّدوسي (2)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (3)، وأبو داود السجستاني (4)، وأبو جعفر النحاس (5)، وهبة الله بن سلامة الضرير (6)، وابن
__________
1362 - هـ / 1943م) وفتح المنان في نسخ القرآن لعلي حسن العريض (طبع بمكتبة الخانجي في القاهرة سنة 1393هـ / 1973م) والنسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه لعبد المتعال الجبري (بحث مقدم لنيل الماجستير بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة 1368هـ / 1949من أنكر فيه النسخ وطبع في القاهرة بدار الجهاد سنة 1380هـ / 1960م) والنسخ بين الإثبات والنفي لمحمد محمود فرغلي (طبع في القاهرة بدار الكتاب الجامعي سنة 1396هـ / 1976م) والأدلة المطمئنة على ثبوت النسخ في الكتاب والسنة لعبد الله مصطفى العريس (طبع في لبنان بمكتبة الحياة 1407هـ / 1987م) ودراسات الإحكام والنسخ في القرآن الكريم، لمحمد حمزة (طبع في دمشق بدار قتيبة).
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) أبو الخطّاب السدوسي البصري الضرير، مولده سنة ستين، روى عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، روى عنه أيوب السختياني، والأوزاعي، وشعبة بن الحجاج، قال معمر سمعت قتادة يقول: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي»، وكان قتادة رأسا في العربية والغريب وأيام العرب وأنسابها، ت 118هـ (الذهبي سير أعلام النبلاء 5/ 283269)، وكتابه «الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى» طبع في العراق بتحقيق حاتم الضامن ونشر ضمن مجلة المورد المجلد (9) العدد (4) سنة 1402هـ / 1981م (معجم الدراسات القرآنية، ابتسام الصفار ص 625)، وطبعه مستقلا في بيروت بمؤسسة الرسالة 1405هـ / 1984م.
(3) محدث فقيه لغوي تقدم ذكره في 1/ 119وكتابه: «الناسخ والمنسوخ في القرآن» حققه محمد صالح المديفر كرسالة ماجستير في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود (أخبار التراث العربي 9/ 22 سنة 1983).
(4) هو سليمان بن الأشعث من الأئمة الأعلام أصحاب الكتب الستة، وكتابه: «الناسخ والمنسوخ ذكره ابن خير في فهرسته ص 47.
(5) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النحاس تقدم ذكره في 1/ 356وكتابه: «الناسخ والمنسوخ في القرآن» طبع في مصر، نشره محمد أمين الخانجي بمطبعة السعادة سنة 1323هـ / 1905من وأعيد طبعه في القاهرة 1357هـ / 1938م ويحققه سليمان بن إبراهيم اللاحم كرسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (أخبار التراث العربي: 14/ 26).
(6) هو أبو القاسم المقرئ النحوي المفسر البغدادي، كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن والنحو، أخذ عن زيد بن أبي بلال، والحسين بن علي العطار، وسمع ابن أبي بكر القطيعي، وعنه ابن بنته رزق الله التميمي، وله من التصانيف «التفسير» ت 410هـ. (الداودي، طبقات المفسرين 2/ 347)، وكتابه «الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل» طبع بهامش كتاب «أسباب النزول» للواحدي، في القاهرة المطبعة الهندية 1315هـ / 1897م، وفي مطبعة البابي الحلبي 1357هـ / 1938م، وصور على الأوفست في لبنان بعالم الكتب سنة 1403هـ / 1982م، وفي لبنان بدار المعرفة سنة(2/152)
العربي (1)، وابن الجوزي (2)، وابن الأنباري (3)، ومكّيّ (4)، وغيرهم (5).
__________
1407 - هـ / 1986م، وطبع مستقلا في لبنان بتحقيق محمد كنعان وزهير الشاويش ونشره المكتب الإسلامي سنة 1404هـ / 1984م
(1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن العربي تقدم ذكره في 1/ 109، وكتابه: «الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم» حققه عبد السلام بن أحمد الكنوني، كرسالة ماجستير في دار الحديث الحسنية بالمغرب (أخبار التراث العربي) 3/ 20)، وحققه عبد الكريم المدغر كرسالة دكتوراه بالمغرب (أخبار التراث العربي 2/ 22)
(2) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج تقدم ذكره في 1/ 182، وله في الناسخ والمنسوخ مؤلفان، الأول: «عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ» طبع في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة باسم «نواسخ القرآن» بتحقيق محمد أشرف علي الملباري سنة 1404هـ / 1984م، ولكن د. حسين ضياء الدين عتر محقق كتاب «فنون الأفنان» لابن الجوزي اعترض على تسمية الكتاب وذكر أن صوابه: «عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ»، واستدل بذلك على أدلة (انظر مقدمة كتاب فنون الأفنان ص 3938)، (الثاني): «المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ» وهو اختصار لكتابه الأول، طبع في بغداد بتحقيق حاتم الضامن سنة 1398هـ / 1977م ونشر ضمن مجلة المورد، المجلد الثالث، العدد الأول، ثم نشره في لبنان بمؤسسة الرسالة سنة 1405هـ / 1984م. ويعزى له أيضا كتاب «إخبار أهل الرسوخ في الفقه والحديث بمقدار المنسوخ من الحديث»، طبع في القاهرة سنة 1322هـ / 1904م، وفي بومبي دون تاريخ، ثم طبع مع كتاب آخر «هو قبضة البيان في ناسخ ومنسوخ القرآن» للبذوري، طبع في المكتب الإسلامي في لبنان بتحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان سنة 1404هـ / 1984م. وهو كتاب في ناسخ الحديث ومنسوخه، وقد وهم محقق كتاب «البرهان» الاستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم حيث عدّه من كتب ناسخ القرآن ومنسوخه.
(3) هو أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار تقدم ذكره في 1/ 494، وكتابه: «الناسخ والمنسوخ» ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/ 57.
(4) هو مكي بن أبي طالب تقدم ذكره في 2/ 127، وله كتابان: «الايضاح لناسخ القرآن ومنسوخه» طبع في الرياض في جامعة الإمام محمد بن سعود، بتحقيق أحمد حسن فرحات سنة 1396هـ / 1976م، واختصره في «الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه»، (إنباه الرواة 3/ 315، ومعجم الأدباء 19/ 169).
(5) ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع سوى ما ذكره الزركشي * «الناسخ والمنسوخ» لعطاء بن مسلم ت (115هـ). (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 380وسيزكين 1/ 193) * «الناسخ والمنسوخ في القرآن» لابن شهاب الزهري ت (124هـ) منه نسخة في دار الكتب بالقاهرة برقم (1084تفسير)، ومنه مصورة على الميكروفيلم في معهد المخطوطات العربية (264)، ونشر الكتاب مايكل بريت في مجلة معهد الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن ( .. 1. 4891) كما نشر الكتاب في مجلة المجمع العلمي العراقي، مج 38،(2/153)
__________
ج 2و 3، ص: 333305، بتحقيق حاتم الضامن، (أخبار التراث العربي 34/ 22) * «الناسخ والمنسوخ» للسدي إسماعيل بن عبد الرحمن، ت 128هـ (ابن الجوزي نواسخ القرآن ص 75) * «الناسخ والمنسوخ» لمحمد بن السائب الكلبي. ت 146هـ (ابن النديم، الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لمقاتل بن سليمان. ت 150هـ، الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي علي الحسين بن واقد المروزي. ت 157هـ ويقال 159هـ.
(الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي. ت 182هـ (الفهرست ص 40، 281) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» للسكوني إسماعيل بن أبي زياد (القرن الثاني للهجرة). (الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي نصر عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف البصري. ت 206هـ. (الفهرست ص 284) * «الناسخ والمنسوخ» لمحمد بن حجاج بن محمد الأعور. ت 206هـ (الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ من القرآن» لأبي محمد حسن بن علي بن فضال الكوفي. ت 224هـ (إيضاح المكنون 4/ 615) * «الناسخ القرآن ومنسوخه» لجعفر بن مبشر الثقفي ت 234هـ (الفهرست ص 40و 208) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي الحارث سريج بن يونس المروزي العابد البغدادي ت 235هـ (الفهرست 287) * «الناسخ والمنسوخ» لجعفر بن بشر بن أحمد الثقفي المتكلم. ت 235هـ (الفهرست ص 40) * الناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل. ت 241هـ. رواه عنه ابنه عبد الله مع كتابه «تفسير القرآن الكريم» ونقل عنه ابن الجوزي كثيرا الفهرست ص 40و 285* «ناسخ القرآن ومنسوخه» للترمذي محمد بن إسماعيل 280هـ (الداودي طبقات المفسرين 2/ 105) * «الناسخ والمنسوخ» لعبد الله بن الحسين بن القاسم الزيدي الحسني صاحب الزعفران (ت 284هـ) مخطوط في برلين (10226) والامبروزيانا (20). (بروكلمان تاريخ الأدب العربي، الترجمة العربية 4/ 14وسيزكين 1/ 209) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» للحربي، إبراهيم بن إسحاق. ت 285هـ. (الفهرست 40) * «الناسخ والمنسوخ» للحافظ المسند أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري الكجي. ت 292هـ (معجم مصنفات القرآن 4/ 238) * «الناسخ والمنسوخ» للحلاج، الحسين بن المنصور. ت 309هـ (الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني. ت 316هـ (الفهرست ص 40) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لأبي عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان الزبيري. ت 317هـ (الفهرست 40) * «الناسخ والمنسوخ» للقاضي أبي جعفر التنوخي، أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان. ت 318هـ (معجم مصنفات القرآن 4/ 240) * «الناسخ والمنسوخ» ويسمى معرفة الناسخ والمنسوخ لابن حزم، ابي عبد الله محمد بن أحمد بن حزم. ت 320هـ وعزاه بعضهم خطأ للإمام المشهور أبي محمد علي بن أحمد بن حزم (ت 456هـ) طبع في القاهرة على هامش تفسير الجلالين سنة 1297هـ / 1879م، وطبع في القاهرة بالمطبعة الأزهرية على هامش تنوير المقباس سنة 1316هـ / 1898م، وطبع في القاهرة بمطبعة مصر على هامش تفسير الجلالين سنة 1321هـ / 1903م، وطبع في القاهرة بالمطبعة الأزهرية بهامش تنوير المقباس سنة 1344هـ / 1925م، وصوّر في بيروت بدار الفكر بهامش تنوير المقباس سنة 1404هـ / 1984م * «الناسخ والمنسوخ» لأبي مسلم المعتزلي محمد بن بحر. ت 322هـ. (معجم الأدباء(2/154)
__________
18/ 36) * «الناسخ والمنسوخ في القرآن» لأبي بكر الشيباني المعروف بالجعد محمد بن عثمان. ت 326هـ (ابن النديم الفهرست 41) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لابن المنادي أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد. ت 334هـ (كشف الظنون 2/ 1921) * «الموجز في الناسخ والمنسوخ» لابن خزيمة الفارسي، المظفر بن حسين (كان حيا سنة 338هـ) طبع مع كتاب «الناسخ والمنسوخ» للنحاس، في القاهرة بمطبعة السعادة 1323هـ / 1905م، وطبع في القاهرة بمطبعة مصر سنة 1357هـ / 1938* «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبد الله الحسين بن علي البصري المعروف بالجعل ت 335هـ (الداودي طبقات المفسرين 1/ 156) * «الناسخ والمنسوخ» لقاسم بن أصبغ ت 340هـ (ابن فرحون الديباج المذهب ص 223) * «الناسخ والمنسوخ في القرآن» للبردعي أبي بكر محمد بن عبد الله. ت 350هـ (الفهرست ص 295) * «الناسخ والمنسوخ» للقاضي أبي الحكم البلوطي، المنذر بن سعيد ت 355هـ (إنباه الرواة 3/ 325) * «الناسخ والمنسوخ» للقاضي أبي سعيد السيرافي، الحسن بن عبد الله المرزباني ت 368هـ (الفهرست ص 40) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لأبي الحسين محمد بن محمد المقرئ النيسابوري ت 368هـ كشف الظنون 2/ 1921* «الناسخ والمنسوخ لمحمد بن أحمد الزهراوي ت (370هـ) مخطوط في نور عثمانية (606) (بروكلمان تاريخ الأدب 4/ 15) * «الناسخ والمنسوخ» للحلاج أبي القاسم الزاهد، وليس الحلاج المشهور حسين بن منصور فإن كنيته أبا مغيث أو أبا عبد الله وقد وهم فيه حاتم الضامن حيث ذكره نقلا عن ابن النديم ولكنه سمّاه (الحسين بن منصور) مع أن ابن النديم لم يزد فيه على قوله (كتاب أبي القاسم الحلاج الزاهد). ولم يذكر في ترجمة الحلاج المشهور كتابا في الناسخ والمنسوخ (الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ من القرآن» لابن بابويه القمي، محمد بن علي. ت 381هـ (إيضاح المكنون 4/ 341) * «الناسخ والمنسوخ» للزبيدي أبي إسماعيل (الفهرست ص 40) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» للحارث بن عبد الرحمن (الفهرست ص 40) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لهشام بن علي بن هشام (الفهرست ص 40) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس ابن إصبع ت. 402هـ (السيوطي طبقات الحفاظ 414) * «الناسخ والمنسوخ» لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي (ت 429هـ) منه صورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، ويحققه حلمي كامل أسعد كرسالة ماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة 1400هـ / 1980م (أخبار التراث العربي 4/ 39)، ويحققه حاتم الضامن (انظر مقدمة الناسخ والمنسوخ لقتادة 14) ومنه نسخة خطية باسم «الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ» بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء برقم: 43تفسير (مقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي 25) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لابن حزم أبي محمد علي بن أحمد ت (456هـ) عزاه له البغدادي في إيضاح المكنون 2/ 615خطأ، والصواب أنه لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن حزم (ت 320هـ). * «الناسخ والمنسوخ» للواحدي علي بن أحمد. ت 468هـ (الواحدي الوسيط في الأمثال ص 77) طبع في القاهرة 1315هـ / 1897م باسم «طيّبات النزول» * «الناسخ والمنسوخ» لأبي الوليد الباجي سليمان بن خلف التجيبي القرطبي ت 474هـ (الديباج المذهب 122) * «الناسخ والمنسوخ» لعبد الملك بن حبيب. ت 489هـ(2/155)
__________
(الداودي، طبقات المفسرين 1/ 350) * «الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه» لأبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي المصري (ت 520هـ) مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 1085 تفسير، ومنه صورة ميكروفيلمية بمعهد المخطوطات بالقاهرة رقم 32. ويحققه عبد الكريم بن محمد العثمان كرسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (أخبار التراث العربي 9/ 22) ويحققه حاتم الضامن (انظر مقدمة الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 14)، * «الناسخ والمنسوخ» لأبي العباس الإشبيلي أحمد بن خلف ت 531هـ (الداودي طبقات المفسرين 1/ 40) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لأبي بكر، محمد بن عبد الله العربي المعافري الاشبيلي ت 543هـ (فهرسة ابن خير ص 51) * «قبضة البيان في ناسخ ومنسوخ القرآن» للبذوري أبي القاسم جمال الدين بن عبد الرحمن (ت؟)، رواية أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت (597هـ) طبع في لبنان ومعه كتاب «إخبار أهل الرسوخ في الفقه والحديث بمقدار الناسخ من الحديث» لابن الجوزي، بتحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان بالمكتب الإسلامي 1404هـ / 1984م * «ناسخ القرآن ومنسوخه» لابن الحصار علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي الأندلسي الأصل. ت 611هـ (المنذري، التكملة لوفيات النقلة 2/ 310) * «الناسخ والمنسوخ» لابن الشواش أبي عبد الله محمد بن أحمد. ت 619هـ (الرعيني برنامج شيوخه 154)، * «الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ» للسخاوي، علم الدين علي بن محمد بن عبد الصمد، ت 643هـ (كشف الظنون 2/ 1118) * «صفوة الراسخ في علم المنسوخ والناسخ» لشعلة محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي ت (656هـ) مخطوط بالخزانة التيمورية ضمن مجموع برقم (225): (فهرس الخزانة التيمورية ص 214)، وذكره (أبو الفرج في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 256) * «عقود القيان في الناسخ والمنسوخ في القرآن» لمحمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى المهدي الزيدي، ت 728هـ (إيضاح المكنون 4/ 114) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» للواسطي يحيى بن عبد الله بن عبد الملك الشافعي ت 738هـ. (السبكي طبقات الشافعية 6/ 250) * «ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه» لابن البارزي هبة الله بن إبراهيم بن البارزي (ت 738هـ) طبع في بيروت بتحقيق حاتم الضامن بمؤسسة الرسالة 1403هـ / 1983م * «الناسخ والمنسوخ» لمحمد بن محمد بن محمد زنكي الأسفرائيني العراقي. ت 747هـ (معجم مصنفات القرآن 4/ 244) * «الناسخ والمنسوخ» لعلي بن شهاب الدين حسن بن محمد الحسيني الهمذاني (ت 786هـ) مخطوط بالمكتب الهندي في لندن ويوجد منه نسخة ثانية في المكتبة الظاهرية دمشق برقم (4425هـ) (بروكلمان، الذيل 2/ 311)، «الناسخ والمنسوخ» للعتائقي عبد الرحمن بن محمد ت (790هـ) طبع في النجف بتحقيق عبد الهادي الفضلي بمكتبة الصادق 1389هـ / 1969م * «الناسخ والمنسوخ» لأحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرضى الحموي ت 791هـ (كحالة معجم المؤلفين 2/ 34)، * «الناسخ والمنسوخ» للبحراني أحمد بن المتوج (ت 836هـ) طبع مع شرح لعبد الجليل الحسيني القاري عليه بطهران (مقدمة الناسخ والمنسوخ لقتادة ص 15) * «الناسخ والمنسوخ» لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي ت 852هـ (انظر ترجمة المؤلف في آخر لسان الميزان) * «ناسخ القرآن ومنسوخه» للأبشيطي شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر الشافعي.
ت 883هـ * وله أيضا «نظم الناسخ والمنسوخ» للبارزي (الضوء اللامع 1/ 236) * «جواب الناجي(2/156)
__________
عن الناسخ والمنسوخ» للناجي إبراهيم بن محمد بن محمود برهان الدين ت 900هـ (إيضاح المكنون 2/ 615) * «كتاب الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ» لابن أبي شريف، محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، كمال الدين الشافعي، ت 906هـ (معجم مصنفات القرآن 4/ 233) * «الناسخ والمنسوخ» للسيوطي جلال الدين ت 911هـ (كشف الظنون 1/ 1921) «قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن للكرمي مرعي بن يوسف بن أبي بكر المقدسي الحنبلي ت (1033هـ) مخطوط بمكتبة الجامع الأزهر برقم (58) وفي دار الكتب المصرية 23051ب، ومنه نسخة بالخزانة التيمورية برقم (586)، ونسخة بدار الكتب المصرية برقم (13051هـ)، ونسخة بالمغرب الخزانة العامة للكتب برقم (1882د). (مقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 27) ويحققه عبد الله بن علي الحجي كرسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (أخبار التراث العربي 9/ 22) * وللمؤلف أيضا «فرائد فوائد قلائد المرجان وموارد منسوخ القرآن». مخطوط بالخزانة التيمورية / مجاميع برقم (106) (مقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 27) * «جامع سور القرآن كلها وبيان ما نزل بمكة والمدينة، وعدد آي السور والناسخ والمنسوخ» لمحمد بن أحمد اليعقوبي (من أعيان القرن الحادي عشر) مخطوط في الأزهر برقم (1176) حليم 32865 (معجم الدراسات القرآنية ص 372) * «إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه وتجويد القرآن» للأجهوري، عطية الله بن عطية البرهاني الشافعي (ت 1194هـ)، مخطوط في مكتبة الأزهر برقم (152) 147و (153) 6071و (154) (248) سفا 2843و (249) 28474 (270) زكي الدين 40557و 272جوهري 41770، وفي الخزانة التيمورية رقم (408) باسم «الناسخ والمنسوخ»، ومنه صورة بقسم المخطوطات بجامعة الملك سعود 320ورقة برقم 8 (معجم الدراسات القرآنية ص 56و 606وأخبار التراث العربي 28/ 4سنة 1986) * «عمدة البيان في زبدة نواسخ القرآن» للرشيدي محمد بن سلامة بن عبد الخالق بن حسن الجمل (ت بعد 1300هـ) مخطوط بالخزانة التيمورية مجاميع (127) (الأعلام 6/ 146ومقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 28) «إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ» لمحمد صديق حسن خان بهادر (ت 1307هـ) طبع في الهند طبع حجر 1296هـ / 1877م (معجم الدراسات القرآنية ص 624) * «التبيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن» للقرداغي، عبد الرحمن بن محمد الكردي، من أهل أقره داغ من أعمال السليمانية بالعراق. ت 1335هـ / 1917م (معجم مصنفات القرآن 4/ 228).
وهناك مؤلفات في الناسخ والمنسوخ لم نقف على تراجم مؤلفيها وهي: * «البيان في الناسخ والمنسوخ» لمحمد بن عبد الله بن أبي النجم (؟) مخطوط في مكتبة الجمع الكبير بصنعاء برقم (76) ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية ص 627) * «رسالة في الناسخ والمنسوخ» للفقيهي، عمر بن محمد بن يوسف مخطوط في صوفيا برقم: 7ق (معجم الدراسات القرآنية ص 627) * «الناسخ والمنسوخ من القرآن» للعبادي كمال الدين بن محمد الناصري؟ (إيضاح المكنون 2/ 615) * «التبيان للناسخ والمنسوخ» لعبد الله بن حمزة بن النجم الصعدي؟ مخطوط بالجامع الكبير بصنعاء برقم (4) أصول الفقه (مقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 28) * «الناسخ والمنسوخ» للأسفراييني أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن علي مخطوط بمكتبة الحرمين بمكة برقم 15، وطبع بالآستانة ملحقا بكتاب «لباب النقول»(2/157)
ومن ظريف ما حكي في كتاب هبة الله أنه قال «في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (الإنسان: 8) منسوخ من هذه الجملة {وَأَسِيراً}، والمراد بذلك أسير المشركين» (1)، فقرئ الكتاب عليه [79/ أ] وابنته تسمع، فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت: أخطأت يا أبت في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية؟ قالت:
أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا.
قال الأئمة: ولا يجوز لأحد أن يفسّر كلام (2) الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، وقد قال عليّ بن أبي طالب لقاصّ: «أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: الله أعلم، قال: هلكت وأهلكت» (3).
__________
للسيوطي سنة 1290هـ / 1873م (مقدمة نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 21) وشرع بتحقيقه صالح بن عبد الله المحيمد كرسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ثم عدل عنه إلى موضوع آخر بعنوان: «فتح الرحمن بتفسير القرآن» للعليمي، (أخبار التراث العربي 9/ 22و 14/ 27) * «رسالة في الناسخ والمنسوخ» لمجهول، مخطوط في صوفيا رقم (18ق) (معجم الدراسات القرآنية ص 628) * «رسالة في بيان السورة التي فيها ناسخ» لمجهول، مخطوط في الأوقاف العراقية بغداد 89/ 2769مجاميع (معجم الدراسات القرآنية ص 627) «رسالة في بيان الناسخ والمنسوخ» لمجهول، مخطوط في الأوقاف العراقية بغداد 88/ 2769مجاميع (معجم الدراسات القرآنية ص 627) * «رسالة في الناسخ والمنسوخ» لمجهول مخطوط في المسجد الأحمدي بطنطا رقم (20خ) و (267) والأوقاف العراقية 1/ 213848/ 12848مجاميع (معجم الدراسات القرآنية ص 627) * «إعلام أهل العلم بتحقيق ناسخ القرآن ومنسوخه» لمجهول، مخطوط في بانيكيپور 5/ 2. 363 (معجم الدراسات القرآنية ص 623) * «الناسخ والمنسوخ من القرآن» لكمال الدين بن محمد البغدادي الناصري، جد مصلح الدين محمد اللاري (إيضاح المكنون 2/ 615) * «كتاب في الآيات الناسخة والمنسوخة» لأبي منصور؟ كما ورد في آخر الكتاب، لم نعثر له على ترجمة. مخطوط بمكتبة جامعة الملك سعود في الرياض رقم 553 (معجم مصنفات القرآن 4/ 233) * «رسالة في سجدات الكتاب العزيز وبيان الناسخ والمنسوخ» لم يذكر المؤلف. مخطوط بمكتبة جامعة الملك سعود في الرياض برقم عام 2827/ 7/ م (معجم مصنفات القرآن 4/ 229) * «رسالة في الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم» لم يعلم المؤلف. مخطوط بمكتبة جامعة الملك سعود في الرياض برقم 1363 (معجم مصنفات القرآن 4/ 229).
(1) انظر الناسخ والمنسوخ ص 191، دون إيراد تعقيب ابنته على القول، وذكر السيوطي في الإتقان 3/ 70 هذه الرواية بتمامها وفيها يقول هبة الله لابنته: صدقت.
(2) كذا في المخطوطة، وفي المطبوعة (كتاب الله).
(3) الرواية أخرجها النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 54عن علي رضي الله عنه، بأسانيد وروايات عدة، باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ، وأخرجها الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1/ 80الجزء(2/158)
والنسخ يأتي بمعنى الإزالة، ومنه قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللََّهُ مََا يُلْقِي الشَّيْطََانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللََّهُ آيََاتِهِ} (الحج: 52).
ويأتي بمعنى التبديل كقوله: {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ} (النحل: 101).
وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث يعني تحويل الميراث من واحد إلى واحد.
ويأتي بمعنى النقل من موضع إلى موضع، ومنه: نسخت الكتاب، إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه. قال مكيّ: «وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن» (1)، وأنكر على النحاس (2) إجازته ذلك، محتجا بأنّ الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وإنما يأتي بلفظ آخر.
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي (3): يشهد لما قاله النحاس قوله تعالى {إِنََّا كُنََّا نَسْتَنْسِخُ مََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الجاثية: 29) وقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ لَدَيْنََا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
(الزخرف: 4)، ومعلوم أنّ ما نزل من الوحي نجوما جميعه في أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ كما قال: {فِي كِتََابٍ مَكْنُونٍ * لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 78و 79).
ثم اختلف العلماء، فقيل: المنسوخ ما رفع تلاوة تنزيله، كما رفع العمل به. وردّ بما نسخ الله من التوراة بالقرآن والإنجيل (4) وهما متلوّان.
__________
الثالث باب القول في الناسخ والمنسوخ، وأخرجها الحازمي الهمذاني في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 6بإسنادين عن علي رضي الله عنه، وأخرجها ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 108104 الباب السادس باب فضيلة علم الناسخ والمنسوخ، بأسانيد وروايات عن علي رضي الله عنه، وذكرها السيوطي في الدر المنثور 1/ 106عند قوله تعالى {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} من سورة البقرة، وعزاه لأبي داود في «الناسخ والمنسوخ»، والبيهقي في «السنن» ولم نجده في المطبوع من السنن.
(1) قول مكي منقول بتصرف من كتابه الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 4241وفيه رد على قول النحاس.
(2) انظر قول النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 70باب أصل النسخ واشتقاقه، وباب النسخ على كم يكون من ضرب.
(3) هو أحد فضلاء المصريين وأعيانهم المبرّزين مولده سنة (420هـ)، أخذ النحو والأدب عن أبي الحسن بن بابشاذ فأتقنه، وله معرفة حسنة بالأخبار والأشعار، وله عدة تصانيف في النحو، وكتاب «الناسخ والمنسوخ» ت 520هـ (معجم الأدباء 18/ 39)، وقد تقدم ذكر كتابه ضمن ما يستدرك من المؤلفات في الناسخ والمنسوخ حسب ترتيب وفيات المؤلفين.
(4) سقطت من المخطوطة.(2/159)
وقيل: لا يقع النسخ في قرآن يتلى وينزل. والنسخ مما خصّ الله به هذه الأمة (1) في حكم من التيسير (1). ويفرّ هؤلاء من القول بأنّ الله ينسخ شيئا بعد نزوله والعمل به وهذا مذهب اليهود في الأصل، ظنا منهم أنّه بداء، كالذي يرى الرأي ثم يبدو له وهو باطل، لأنه بيان مدة الحكم (3)، ألا ترى الإحياء بعد الإماتة وعكسه، والمرض بعد الصحة وعكسه، والفقر بعد الغنى وعكسه وذلك لا يكون بداء، فكذا الأمر والنهي.
وقيل: إن الله تعالى نسخ القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب، فأنزله على نبيّه، والنسخ لا يكون إلا من أصل.
والصحيح جواز النسخ ووقوعه سمعا وعقلا.
ثم اختلفوا فقيل: لا ينسخ قرآن إلا بقرآن لقوله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (البقرة: 106)، قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن.
وقيل: بل السنة لا تنسخ السنة.
وقيل: السّنة إذا كانت بأمر (4) الله من طريق الوحي نسخت، وإن كانت باجتهاد فلا تنسخه. حكاه ابن حبيب النيسابوري في تفسيره (5).
وقيل: بل إحداهما (6) [تنسخ الأخرى، ثم اختلفوا فقيل: الآيتان إذا أوجبتا حكمين مختلفين وكانت إحداهما (6) متقدمة [على] (8) الأخرى، فالمتأخرة ناسخة للأولى، كقوله
__________
(1) كذا في المخطوطة والمطبوعة، وقد نقل السيوطي عبارة الزركشي في الإتقان 3/ 60فقال: «والنسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم، منها التيسير).
(3) قال ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 80: (وأما الدليل على جواز النسخ عقلا، فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادة في مدة معلومة، ثم يرفعها ويأمر بغيرها، فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان، ويوضح هذا أنه قد جاز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم، وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان، ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم، وهو أعلم بالمصالح وله الحكم).
(4) عبارة المخطوطة. (بأمر من الله).
(5) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب أبو القاسم النيسابوري تقدم ذكره في 1/ 279، وتفسيره ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 460فقال: (تفسير النيسابوري القديم، هو أبو القاسم الحسن بن محمد الواعظ المتوفى سنة 406).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) ساقط من المخطوطة.(2/160)
تعالى: {إِنْ [تَرَكَ]} [1] خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (البقرة: 180) ثم [قال] (2) بعد ذلك: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وََاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (النساء: 11)، وقال: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوََاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (النساء: 11) قالوا: فهذه ناسخة للأولى، ولا يجوز أن يكون لهما الوصية والميراث.
وقيل: بل ذلك جائز، وليس فيهما ناسخ ولا منسوخ، وإنما نسخ الوصية للوارث بقوله عليه السلام: «لا وصيّة لوارث (3)». وقيل: ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) هذا الحديث يروى من ثمان طرق (الأولى) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أخرجها أبو داود الطيالسي في المسند ص 154، الحديث (1127)، وأخرجها عبد الرزاق في المصنف 9/ 4948 كتاب الولاء، باب تولّي غير مواليه، الحديث (16308)، وأخرجها سعيد بن منصور في السنن 1/ 125كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث الحديث (427)، وأخرجها أحمد في المسند 5/ 267، وأخرجها أبو داود في السنن 3/ 824كتاب البيوع (17)، باب في تضمين العارية (90)، الحديث (3565)، وأخرجها الترمذي في السنن 4/ 433كتاب الوصايا (31)، باب ما جاء لا وصية لوارث (5)، الحديث (2120)، وأخرجها ابن ماجة في السنن 2/ 905كتاب الوصايا (22)، باب لا وصية لوارث (6)، الحديث (2713)، وأخرجها الطبراني في المعجم الكبير 8/ 160159الحديث (7615)، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 6/ 264من طريق أبي داود السجستاني، كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين.
(الثانية): عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه، أخرجها أبو داود الطيالسي في المسند ص: 168 الحديث (1317)، وأخرجها عبد الرزاق في المصنف 9/ 4847كتاب الولاء، باب تولّي غير مواليه، الحديث (16306)، وأخرجها سعيد بن منصور في السنن 1/ 126كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث الحديث (428)، وأخرجها أحمد في المسند 4/ 187، وأخرجها الدارمي في السنن 2/ 419كتاب الوصايا، باب الوصية للوارث، وأخرجها ابن ماجة في السنن 2/ 905كتاب الوصايا (22) باب لا وصية لوارث (6)، الحديث (2712)، وأخرجها الترمذي في السنن 4/ 434كتاب الوصايا (31)، باب ما جاء لا وصية لوارث (5)، الحديث (2121)، وأخرجها النسائي في المجتبى من السنن 6/ 247كتاب الوصايا (30) باب إبطال الوصية للوارث (5)، الحديث (3641)، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 6/ 264كتاب الوصايا باب نسخ الوصية للوالدين
(الثالثة): عن ابن عباس رضي الله عنه، أخرجها أبو داود في المراسيل ص 168، كتاب ما جاء في الوصايا، الحديث (314)، وأخرجها ابن عدي في الكامل 4/ 1570ضمن ترجمة عبد الله بن محمد بن ربيعة المصيصي، وأخرجها الدارقطني في السنن 4/ 98كتاب الفرائض، الحديث (92)، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 6/ 263كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين(2/161)
ويجوز نسخ الناسخ فيصير الناسخ منسوخا، وذلك كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
(الكافرون: 6)، نسخها بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (التوبة: 5)، ثم نسخ [هذه أيضا] (1) بقوله: {حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [2] [عَنْ يَدٍ (التوبة: 29). وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتََّى يَأْتِيَ اللََّهُ بِأَمْرِهِ} (البقرة: 109) وناسخه قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
(التوبة: 5) ثم نسخها: {حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}] (2) (التوبة: 29).
مسألة لا خلاف في جواز نسخ الكتاب بالكتاب، قال الله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (البقرة: 106) وقال: {وَإِذََا بَدَّلْنََا آيَةً مَكََانَ آيَةٍ وَاللََّهُ أَعْلَمُ بِمََا يُنَزِّلُ} (النحل: 101) وكذلك نسخ السنة بالكتاب كالقصّة في صوم عاشوراء برمضان وغيره.
واختلف في نسخ الكتاب بالسنة، قال [79/ ب] ابن عطية (4): «حذّاق الأئمّة على
__________
(الرابعة): عن أنس رضي الله عنه أخرجها ابن ماجة في السنن 2/ 906كتاب الوصايا (22)، باب لا وصية لوارث (5)، الحديث (2714) وأخرجها ابن عدي في الكامل 4/ 1575ضمن ترجمة عبد الله بن شبيب بن خالد، وأخرجها الدارقطني في السنن 4/ 70كتاب الفرائض والسير، الحديث (8)، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 6/ 264من طريق الدارقطني كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين
(الخامسة): عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجها ابن عدي في الكامل 2/ 817816ضمن ترجمة حبيب بن أبي قريبة المعلم، وأخرجها الدارقطني في السنن 4/ 98كتاب الفرائض، الحديث (93).
(السادسة): عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أخرجها ابن عدي في الكامل 1/ 202ضمن ترجمة أحمد بن محمد بن صاعد، وأخرجها الدارقطني في السنن 4/ 97كتاب الفرائض، الحديث (90).
(السابعة): عن معقل بن يسار رضي الله عنه، أخرجها ابن عدي في الكامل 5/ 1853ضمن ترجمة علي بن الحسن بن يعمر.
(الثامنة): عن علي رضي الله عنه، أخرجها الدارقطني في السنن 4/ 97كتاب الفرائض، الحديث (91) وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 6/ 267كتاب الوصايا، باب تبدية الدين على الوصية.
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) انظر المحرر الوجيز لابن عطية 1/ 379في الكلام على قوله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [2البقرة:
106].(2/162)
الجواز، وذلك موجود في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا وصيّة لوارث (1)»، وأبى الشافعيّ (2) ذلك والحجة عليه من قوله في إسقاط الجلد في حدّ الزنا عن الثّيب الذي يرجم، فإنه لا مسقط لذلك إلا السنة فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم».
قلنا: أما آية الوصية فقد ذكرنا أنّ ناسخها القرآن، وأما ما نقله عن الشافعي فقد اشتهر ذلك لظاهر لفظ ذكره في «الرسالة (3)»، وإنما مراد الشافعي أن الكتاب والسنة لا يوجدان مختلفين إلا ومع أحدهما مثله ناسخ له، وهذا تعظيم لقدر الوجهين وإبانة تعاضدهما وتوافقهما وكل من تكلم على هذه المسألة لم يفهم مراده.
وأما النسخ بالآية فليس بنسخ بل تخصيص، [ثم] (4) إنه ثابت بالقرآن نسخت تلاوته، وهو: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما (5)».
__________
(1) تقدم تخريج الحديث.
(2) انظر الرسالة للشافعي ص 106باب ابتداء الناسخ والمنسوخ، المسألة (314).
(3) انظر الرسالة ص 106.
(4) ساقط من المخطوطة.
(5) هذا الحديث مخرج، من أربعة طرق (الأولى) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخرجها مالك في الموطأ 2/ 824كتاب الحدود (41)، باب ما جاء في الرجم (1)، الحديث (10)، وأخرجها ابن ماجة في السنن 2/ 854853كتاب الحدود (20)، باب الرجم (9)، الحديث (2553)، وأخرجها النسائي، ذكره المزي في تحفة الأشراف 8/ 4948الحديث (10508) وعزاه للسنن الكبرى، كتاب الرجم وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 8/ 211كتاب الحدود باب ما يستدل به على أن السبيل هو جلد الزانيين ورجم الثيب.
(الثانية): عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أخرجها عبد الرزاق في المصنّف 7/ 329باب الرجم،
الحديث (13363) وأخرجها أحمد في المسند 5/ 132، وأخرجها النسائي، ذكره المزي في تحفة الأشراف 1/ 16الحديث (22) وعزاه للسنن الكبرى كتاب الرجم وأخرجها ابن حبان، ذكرها ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6/ 302كتاب الحدود، باب الزنا وحده، الحديث (4412)، وأخرجها الحاكم في المستدرك 4/ 359كتاب الحدود، باب من كفر بالرجم، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 8/ 211كتاب الحدود باب ما يستدل به
(الثالثة): عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أخرجها أحمد في المسند 5/ 183، وأخرجها الدارمي في السنن 2/ 179كتاب الحدود، وأخرجها النسائي وذكرها المزي في تحفة الأشراف 3/ 225الحديث (3737) وعزاه للكبرى، وأخرجها أبو يعلى الموصلي، ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النور 3/ 271الآية الثانية وعزاها لأبي يعلى، باب في حد المحصنين بالزنا، وأخرجها الحاكم في المستدرك 4/ 360كتاب(2/163)
فصل الجمهور على أنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي. وزاد بعضهم الأخبار، وأطلق، وقيّدها آخرون بالتالي يراد بها الأمر والنهي.
تنبيهات
([التنبيه] (1) الأول) اعلم أن سور القرآن العظيم [تنقسم] (2) بحسب ما دخله [من] (3) النسخ وما لم يدخل إلى أقسام (4):
* أحدها ما ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، وهي ثلاث وأربعون سورة: وهي الفاتحة، ثم يوسف، ثم يس (5)، ثم الحجرات، ثم الرحمن، ثم الحديد، ثم الصف، ثم الجمعة، ثم التحريم، ثم الملك، ثم الحاقة، ثم نوح، ثم الجن، ثم المرسلات، ثم النبأ، ثم النازعات، ثم الانفطار، ثم المطففين، ثم الانشقاق، ثم البروج، ثم الفجر، ثم البلد، ثم الشمس، ثم الليل، ثم الضحى، ثم ألم نشرح (6)، ثم القلم، [ثم القدر] (7)، ثم الانفكاك (8)، ثم الزلزلة، ثم العاديات، ثم القارعة، ثم ألهاكم، ثم الهمزة، ثم الفيل، ثم قريش، ثم الدّين (9)، ثم الكوثر، ثم النصر، ثم تبّت [يدا] (10)، ثم الإخلاص، ثم المعوذتين.
__________
الحدود، باب حد الساحر ضربة بالسيف، وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى 8/ 211كتاب الحدود، باب ما يستدل به على
(الرابعة): عن أبي أمامة عن خالته العجماء رضي الله عنها، أخرجها الطبراني في المعجم الكبير 24/ 350الحديث (867) وذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 265كتاب الحدود، باب نزول الحدود وما كان قبل ذلك، وقال: (ورجاله رجال الصحيح)، وأخرجها الحاكم في المستدرك 4/ 359 كتاب الحدود.
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة من كتاب هبة الله ص 22يقتضيها النص، وليست في المخطوطة.
(3) ساقط من المطبوعة.
(4) انظر الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل لهبة الله بن سلامة ص 2522.
(5) تحرفت في المخطوط إلى: (يونس).
(6) في المطبوعة (الانشراح).
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة وهي زيادة من كتاب هبة الله.
(8) أي سورة البينة.
(9) أي سورة الماعون.
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.(2/164)
وهذه السور تنقسم إلى ما ليس فيه أمر ولا نهي وإلى ما فيه نهي لا أمر (1).
* والثاني: ما فيه ناسخ وليس فيه منسوخ، وهي ست سور: الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والأعلى.
* الثالث: ما فيه منسوخ وليس فيه ناسخ، وهو أربعون: الأنعام، والأعراف، ويونس، وهود، والرعد، والحجر، والنحل، وبنو إسرائيل، والكهف، وطه، والمؤمنون، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والمضاجع (2)، والملائكة (3)، والصافات، وص، والزمر، والمصابيح (4)، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وسورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والباسقات (5)، والنجم، والقمر، والامتحان (6)، والمعارج، والمدثّر، والقيامة، والإنسان، وعبس، والطارق، والغاشية، والتين، والكافرون.
* الرابع: ما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ، وهي إحدى وثلاثون سورة: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأعراف (7)، والأنفال، والتوبة، وإبراهيم، والنحل (7)، وبنو إسرائيل (7)، ومريم، وطه (7)، والأنبياء، والحج، والمؤمنون (7)، والنور، والفرقان، والشعراء، والأحزاب، وسبأ، والمؤمن، والشورى، والقتال، والذاريات، والطور، والواقعة، والمجادلة، والممتحنة (7)، والمزمل، والمدثر (7)، والتكوير، والعصر.
ومن غريب هذا النوع آية أولها منسوخ وآخرها ناسخ، قيل ولا نظير لها في القرآن، وهي قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [إِلَى اللََّهِ}
__________
(1) قال هبة الله في الناسخ والمنسوخ ص 23: (فهذه ثلاث وأربعون سورة لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ، منها سور ليس فيها أمر ولا نهي، ومنها سور فيها نهي وليس فيها أمر، ومنها سور فيها أمر وليس فيها نهي).
(2) أي سورة السجدة.
(3) أي سورة فاطر.
(4) أي سورة فصلت.
(5) أي سورة ق.
(6) هي سورة الممتحنة، وقد تصحفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (الرحمن) والصواب ما أثبتناه كما جاء في كتاب هبة الله ص 24، أما سورة الرحمن فقد تقدم ذكرها في القسم الأول وهو ما ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، فلا يصح تكرارها هنا فيما فيه منسوخ كما لم يذكرها أحد ممن كتب في الناسخ والمنسوخ في هذا الموضع.
(7) كذا في الأصل وقد سبق ذكر هذه السورة في القسم السابق، ما فيه منسوخ وليس فيه ناسخ فتأمل.(2/165)
{مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً]} [1] (المائدة: 105)، يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا ناسخ لقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ذكره ابن العربي في «أحكامه» (2).
التنبيه الثاني النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب:
* الأول: ما نسخ تلاوته بقي حكمه فيعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول، كما روي أنه كان يقال في سورة النور: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله (3)»، ولهذا قال عمر: «لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله، لكتبتها بيدي». رواه البخاري في صحيحه معلّقا (4).
وأخرج ابن حبّان في «صحيحه» عن أبيّ بن كعب [80/ أ] قال: «كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة (5)، فكان فيها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما (6)».
وفي هذا سؤالان: الأول: ما الفائدة في ذكر الشيخ والشيخة؟ وهلّا قال: المحصن والمحصنة؟.
وأجاب ابن الحاجب في «أماليه (7)» عن هذا بأنّه من البديع في المبالغة وهو أن يعبّر عن الجنس في باب الذم بالأنقص فالأنقص، وفي باب المدح بالأكثر والأعلى، فيقال: لعن الله السارق يسرق ربع دينار فتقطع يده، والمراد: (8) [يسرق ربع دينار فصاعدا إلى أعلى ما] (8)
يسرق. وقد يبالغ [فيه] (10) فيذكر ما لا تقطع به كما جاء في الحديث: «لعن [الله] (11)
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(2) انظر أحكام القرآن 2/ 709تفسير سورة المائدة.
(3) تقدم تخريج الحديث ص 163.
(4) أخرجه البخاري تعليقا في الصحيح 13/ 158كتاب الأحكام (93) باب الشهادة تكون عند الحاكم
(21)، ووصله مالك في الموطإ 2/ 824كتاب الحدود (41)، باب ما جاء في الرجم (1)، الحديث (10).
(5) تصحفت في المطبوعة إلى (النور) والتصويب من المخطوط وكذا من المصادر التي خرجت الحديث.
(6) تقدم تخريجه ص 163.
(7) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر، أبو عمرو ابن الحاجب تقدم التعريف به في 1/ 466، وكتابه «الأمالي» تقدم الكلام عنه في 1/ 511.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) ساقط من المطبوعة.
(11) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.(2/166)
السارق يسرق البيضة فتقطع يده» (1) وقد علم أنه لا تقطع في البيضة، وتأويل من أوّله ببيضة الحرب تأباه الفصاحة (2).
الثاني: أنّ ظاهر قوله: «لولا أن يقول الناس» الخ أن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأنّ هذا شأن المكتوب. وقد يقال: لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر رضي الله عنه ولم يعرّج على مقال الناس لأن مقال الناس لا يصلح مانعا.
وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة، ولعلّه كان يعتقد أنه خبر واحد، والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم، ومن هنا أنكر ابن ظفر في «الينبوع» (3) عدّ هذا مما نسخ تلاوته، قال: لأنّ خبر الواحد لا يثبت القرآن. قال: وإنما هذا من المنسأ لا (4) النسخ، وهما (5) يلتبسان، والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه ويثبت غيره (6)، وكذا قاله غيره (7) في القراءات الشاذة، كإيجاب التتابع في صوم كفارة اليمين ونحوه أنها كانت قرآنا فنسخت تلاوتها: لكن في العمل بها الخلاف المشهور في القراءة الشاذة.
__________
(1) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 12/ 81كتاب الحدود (86)، باب السارق حين يسرق (6)، الحديث (6783)، وفيه: (قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد) وسيأتي رد هذا القول في سياق الكلام الذي نقله الزركشي عن ابن الحاجب، وأخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1314كتاب الحدود (29)، باب حد السرقة ونصابها (1)، الحديث (7/ 1687).
(2) وقد نقل ابن حجر العسقلاني أقوال العلماء في توجيه قول الأعمش «بيضة الحرب»، فمنهم من قبل قول الأعمش ومنهم من رده قال (قال بعضهم: البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح وفي المبالغة في الذم، فلما كانت تستعمل في كل من الأمرين حسن التمثيل بها، كأنه قال: يسرق الجليل والحقير فيقطع، فرب أنه عذر بالجليل فلا عذر له بالحقير) انظر فتح الباري 12/ 83.
(3) هو محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر أبو عبد الله الصقلي، أحد الفضلاء مغربي النشأة نزيل حماة، ولد بصقلية وقدم إلى مصر، وتنقل في البلاد، له الكثير من المصنفات. ت 568هـ (إنباه الرواة 3/ 74). وكتابه: ينبوع الحياة» مخطوط في دار الكتب برقم (310)، وفي معهد المخطوطات برقم (296295294)، (معجم الدراسات القرآنية ص 354).
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (لأن).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (وهذا).
(6) في المطبوعة (ويثبت أيضا).
(7) في المطبوعة (وكذا قاله في غيره).(2/167)
و (1) منهم من أجاب عن ذلك بأن هذا كان مستفيضا عندهم وأنّه كان متلوّا من القرآن (1)
فأثبتنا الحكم بالاستفاضة، [وتلاوته غير ثابتة بالاستفاضة] (3). ومن هذا الضرب ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي موسى الأشعري إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول [والشدة] (3) ببراءة فأنسيتها، غير أني أحفظ منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات (5) فأنسيتها، غير أني حفظت منها:
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مََا لََا تَفْعَلُونَ} * فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (6).
وذكر الإمام المحدّث أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي (7) في كتابه «الناسخ والمنسوخ»: ممّا رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب (8) حفظه سورتا (8) القنوت في الوتر، قال: ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنّهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبيّ بن كعب، وأنّه ذكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه أقرأه إياهما، وتسمى سورتي الخلع والحفد.
هنا سؤال، وهو أن يقال: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهلّا تثبّت (10)
التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ وأجاب صاحب «الفنون» (11)» فقال: «إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير
__________
(1) اضطربت عبارة المخطوطة كالتالي: (ومنهم من أجاب عن ذلك بأنه كان هذا مستفيضا عنده أنه كان مكتوبا من القرآن).
(3) ساقط من المخطوطة.
(5) قال القاري في مرقاة المفاتيح 2/ 598: (المسبّحات بكسر الباء نسبة مجازية، وهي السور التي في أوائلها (سبحان) أو (سبح) بالماضي، أو (يسبح) أو (سبح) بالأمر، وهي سبعة: سبحان الذي أسرى، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى).
(6) أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 726كتاب الزكاة (12)، باب لو أن لابن آدم (39)،
الحديث (119/ 1050)، وفي عبارة المخطوطة تحريف للكلمات الأخيرة من الحديث وهي (فقلت شهادة في أعناقهم يسألون) والصواب ما أثبتناه كما في المطبوعة ومسلم.
(7) هو أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادي، مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنّة، ثقة مأمون، أخذ القراءة عرضا وروى الحروف سماعا عن الحسن بن العباس، وحدث عنه جماعة: ت 336هـ (سير أعلام النبلاء 15/ 361)، وقد تقدم ذكر كتابه ضمن المؤلفات المستدركة في الناسخ والمنسوخ.
(8) عبارة المخطوطة: (ضبطه سورتي).
(10) في المطبوعة (ابقيت).
(11) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، صاحب: فنون الأفنان انظر قوله في كتابه «نواسخ القرآن» ص 90.(2/168)
استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي».
الضرب الثاني: ما نسخ حكمه وبقي تلاوته، وهو في ثلاث وستين سورة، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً} الآية (البقرة: 234)، فكانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التربّص بعد انقضاء العدّة حولا كاملا، ونفقتها في مال الزوج، ولا ميراث لها، وهذا معنى قوله: {مَتََاعاً إِلَى الْحَوْلِ [غَيْرَ إِخْرََاجٍ]} [1] (البقرة: 240) الآية، فنسخ الله ذلك بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (البقرة: 234)، وهذا الناسخ مقدم في النظم (2) على المنسوخ.
[80/ ب] قال القاضي أبو المعالي (3): «وليس في القرآن ناسخ تقدم على المنسوخ، إلا في موضعين، هذا أحدهما، والثاني قوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ}
الآية، (الأحزاب: 50) فإنها ناسخة لقوله: {لََا يَحِلُّ لَكَ النِّسََاءُ مِنْ بَعْدُ وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوََاجٍ} (الأحزاب: 52)» قلت: وذكر بعضهم موضعا آخر، وهو قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ مِنَ النََّاسِ مََا وَلََّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كََانُوا عَلَيْهََا} (البقرة: 142) هي متقدمة في التلاوة، ولكنها منسوخة بقوله تعالى: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ} (البقرة: 144).
وقيل: في تقديم الناسخة فائدة، وهي أن تعتقد حكم المنسوخة قبل العلم بنسخها.
ويجيء موضع رابع وهو آية الحشر في قوله تعالى: {مََا أَفََاءَ اللََّهُ عَلى ََ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ََ فَلِلََّهِ وَلِلرَّسُولِ} (الآية: 7) فإنه لم يذكر فيها شيء للغانمين، ورأى الشافعي أنها منسوخة بآية الأنفال وهي قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ}
(الآية: 41).
واعلم أن هذا الضرب ينقسم إلى ما يحرم العمل به ولا يمتنع كقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (الأنفال: 65) ثم نسخ الوجوب.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) في المخطوط (النظر).
(3) هو عزيزي بن عبد الملك القاضي المعروف بشيذلة صاحب كتاب «البرهان في مشكلات القرآن» تقدم ذكره في 1/ 112.(2/169)
ومنه قوله [تعالى]: {وَلََا تَعْتَدُوا إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190) قيل:
منسوخ بقوله [تعالى] {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} (البقرة: 194).
وقوله: {وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ} (الأحقاف: 9) نسختها آيات القيامة والكتاب والحساب.
وهنا سؤال، وهو أن يسأل: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟
والجواب من وجهين: أحدهما أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه، والعمل به، فيتلى لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
وثانيهما: أن النّسخ غالبا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة ورفع المشقة، وأما حكمة النّسخ قبل العمل، كالصدقة عند النجوى فيثاب على الإيمان [به] (1) وعلى نية طاعة الأمر.
الثالث: نسخهما جميعا، فلا تجوز قراءته ولا العمل به، كآية التحريم بعشر رضعات فنسخن بخمس (2) قالت عائشة: «كان مما أنزل عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي مما يقرأ من القرآن». رواه مسلم (3)
وقد تكلموا في قولها: «وهي مما يقرأ» فإنّ ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك، فمنهم من أجاب بأنّ المراد قارب الوفاة، والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها (4).
وقال أبو موسى الأشعريّ: نزلت ثم رفعت.
وجعل الواحدي (5) من هذا ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر»، وفيه نظر.
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) تحرفت العبارة في المخطوطة إلى: (فنسخت بعشرين رضعة).
(3) صحيح مسلم 2/ 1075كتاب الرضاع (17)، باب التحريم بخمس رضعات (6)، الحديث (24/ 1452).
(4) عبارة الزركشي منقولة من شرح صحيح مسلم للنووي 10/ 29.
(5) الواحدي هو علي بن أحمد بن محمد تقدم ذكره في 1/ 105.(2/170)
وحكى القاضي أبو بكر (1) في «الانتصار» عن قوم إنكار هذا القسم، لأنّ الأخبار، فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازيّ (2): نسخ الرّسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم، ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف، فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: {إِنَّ هََذََا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ََ * صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} (الأعلى: 18و 19)، ولا يعرف اليوم منها [شيء] (3). ثم لا يخلو ذلك من أن يكون (4) [في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا توفّي لا يكون] (4) متلوا في القرآن أو يموت وهو متلوّ موجود في الرسم، ثم ينسيه الله [تعالى] ويرفعه من أذهانهم، وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(فائدة) قال ابن العربي (6): قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (التوبة:
5) ناسخة لمائة وأربع عشرة آية، ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهي قوله: {فَإِنْ تََابُوا وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ وَآتَوُا الزَّكََاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (التوبة: 5).
[81/ أ] قالوا: (7) وليس في القرآن آية من المنسوخ (7) ثبت حكمها ست عشرة سنة إلا قوله [تعالى] في الأحقاف: {قُلْ مََا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَلََا بِكُمْ}
(الآية: 9) وناسخها أول سورة الفتح (9).
__________
(1) هو محمد بن الطيب الباقلاني تقدم ذكره في 1/ 117، وتقدم التعريف بكتابه الانتصار في 1/ 278.
(2) هو أحمد بن علي المعروف بالجصاص تقدم ذكره في 2/ 126وانظر قوله في كتابه: أحكام القرآن 1/ 59عند قوله تعالى {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} من سورة البقرة.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ساقط من المخطوطة.
(6) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري تقدم ذكره في 1/ 109، وقوله مأخوذ من كتاب هبة الله بن سلامة الناسخ والمنسوخ ص 9998
(7) عبارة المخطوطة: (فليس في كتاب الله من المنسوخ).
(9) إشارة إلى قوله تعالى: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ}، وهذا النص نقله الزركشي بتصرف عن كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة ص 161160.(2/171)
قال ابن العربي (1): ومن أغرب آية في النسخ قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (الأعراف: 199)، أولها وآخرها منسوخان، ووسطها محكم.
وقسمه الواحدي (2) أيضا إلى نسخ ما ليس بثابت التلاوة كعشر رضعات، وإلى نسخ ما هو ثابت (3) [التلاوة بما ليس بثابت التلاوة كنسخ الجلد في حق المحصنين بالرجم، والرجم غير] (3) متلوّ الآن، وإن (5) كان يتلى على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فالحكم ثبت والقراءة لا تثبت، كما يجوز أن تثبت التلاوة في بعض ولا يثبت الحكم. وإذا جاز أن يكون قرآن (6) [ولا يعمل به جاز أن يكون قرآن] (6) يعمل به ولا يتلى وذلك أن الله عز وجل أعلم بمصالحنا، وقد يجوز أن يعلم من مصلحتنا تعلق العمل بهذا الوجه.
(التنبيه الثالث) قسم بعضهم النسخ من وجه آخر إلى ثلاثة أضرب:
الأول: نسخ المأمور [به] (8) قبل امتثاله، وهذا الضرب هو النسخ على الحقيقة، كأمر الخليل بذبح ولده. وكقوله تعالى: {إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً}
(المجادلة: 12) ثم نسخه سبحانه [بقوله] (9): {أَأَشْفَقْتُمْ} الآية (المجادلة:
13).
الثاني: ويسمى نسخا تجوّزا، وهو ما أوجبه (10) الله على من قبلنا كحتم القصاص ولذلك قال عقب تشريع الدّية: {ذََلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (البقرة: 178) وكذلك ما أمرنا الله به أمرا إجماليّا (11) ثم نسخ، كنسخه التوجّه إلى [بيت الله] (12) المقدّس بالكعبة (13)، فإنّ ذلك كان واجبا علينا من قضية أمره باتباع الأنبياء قبله، وكنسخ صوم [يوم] (14) عاشوراء برمضان.
__________
(1) هذا القول لهبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص 9190.
(2) هو علي بن أحمد بن محمد النيسابوري، تقدم في 1/ 105.
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) في المطبوعة (وإنه).
(6) ساقط من المخطوطة.
(8) ساقط من المخطوطة.
(9) ساقط من المخطوطة.
(10) تحرّفت في المخطوطة إلى (أوجا).
(11) تحرفت في المخطوطة إلى (جملا).
(12) ساقط من المخطوطة.
(13) إشارة إلى قوله تعالى: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضََاهََا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} الآية (144) من سورة البقرة.
(14) ساقط من المخطوطة.(2/172)
الثالث: ما أمر به لسبب [ثم] (1) يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين يرجون لقاء الله (2) ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك. وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسء كما قال تعالى: أو ننسأها (3) (البقرة: 106) فالمنسأ هو الأمر بالقتال، إلى (4) أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى.
وبهذا التحقيق تبيّن ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنّها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ (5)، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلّة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدا. وإلى هذا أشار الشافعيّ في «الرسالة (6)» إلى النهي عن ادّخار لحوم (7) الأضاحي من أجل الدافّة (8)، ثم ورد الإذن فيه فلم يجعله منسوخا، بل من باب زوال الحكم لزوال علّته حتى لو فجأ أهل ناحية جماعة مضرورون تعلق بأهلها النهي.
ومن هذا قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (المائدة: 105) الآية، كان ذلك في ابتداء الأمر، فلما قوي الحال وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمقاتلة عليه ثم لو فرض وقوع الضعف كما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود [غريبا] كما بدأ (9)» عاد الحكم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت هوى متبعا وشحّا مطاعا
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ} الآية (14) من سورة الجاثية.
(3) قرأها أبو عمرو وابن كثير أو ننسأها بالهمز مع فتح النون والسين والباقون بغير همز مع ضم النون وكسر السين (الداني التيسير في القراءات السبع ص 76).
(4) في المخطوطة: (إلا).
(5) في المخطوطة (بل هي منسية).
(6) انظر الرسالة ص 235، المسألة 658.
(7) في المخطوطة (لحم).
(8) الدافّة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد (النهاية دفف).
(9) أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 130من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب الإيمان (1)، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (65)، الحديث (232/ 145)، وما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/173)
وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك (1)».
وهو سبحانه وتعالى حكيم أنزل على نبيه صلّى الله عليه وسلّم حين ضعفه ما يليق بتلك الحال رأفة بمن تبعه ورحمة، إذ لو وجب لأورث حرجا ومشقة فلما أعز الله الإسلام وأظهره ونصره، أنزل عليه من الخطاب ما يكافئ تلك الحالة من مطالبة الكفّار بالإسلام أو بأداء الجزية (2) إن كانوا أهل كتاب أو الإسلام أو القتل إن لم يكونوا أهل كتاب.
ويعود هذان الحكمان أعني المسالمة عند الضعف والمسايفة عند القوة بعود سببهما، وليس حكم المسايفة [81/ ب] ناسخا لحكم المسالمة، بل كلّ منهما يجب امتثاله في وقته.
(فائدة) قيل في قوله تعالى: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (البقرة: 106) ولم يقل «من القرآن» لأن القرآن ناسخ مهيمن على كل الكتب، وليس يأتي بعده ناسخ له، وما فيه من ناسخ ومنسوخ فمعلوم وهو قليل بين الله ناسخه عند منسوخه، كنسخ الصدقة عند مناجاة الرسول، والعدّة والفرار في الجهاد ونحوه وأما غير ذلك فمن تحقق علما بالنسخ علم أن غالب ذلك من المنسأ، ومنه ما يرجع لبيان الحكم المجمل، كالسبيل في حق الآتية بالفاحشة، فبيّنته السنّة، وكلّ ما في القرآن مما يدعى نسخه بالسنة عند من يراه فهو بيان [لحكم] (3) القرآن، وقال سبحانه: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ} (النحل: 44)،
__________
(1) أخرجه أبو داود في السنن 4/ 512من رواية أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه في كتاب الملاحم (31)، باب الأمر والنهي (17)، الحديث (4341)، وابن ماجة في السنن 2/ 13311330كتاب الفتن (36)، باب قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (21) الحديث (4041)، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 257كتاب تفسير القرآن (48)، باب ومن سورة المائدة (6)، الحديث (3058)، وأخرجه الطبري في التفسير 7/ 63تفسير سورة المائدة، وأخرجه ابن حبان، ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/ 301كتاب البر والإحسان، ذكر إعطاء الله جل وعلا العامل بطاعة الله ورسوله في آخر الزمان أجر خمسين، الحديث (386)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 22/ 220الحديث (587)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 322كتاب الرقاق، باب أشقى الأشقياء، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، وأخرجه البغوي في شرح السنة 14/ 347 كتاب الرقاق، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحديث (4156) وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 339تفسير سورة المائدة، وعزاه أيضا للبغوي في معجمه، ولابن المنذر، ولابن أبي حاتم ولأبي الشيخ، ولابن مردويه، وللبيهقي في شعب الإيمان.
(2) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (بدار الحرب).
(3) ساقط من المخطوطة.(2/174)
وأما بالقرآن على ما ظنه كثير من المفسرين فليس بنسخ وإنما هو نسأ وتأخير، أو مجمل أخّر بيانه لوقت الحاجة، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره أو مخصوص من عموم، أو حكم عام لخاصّ أو لمداخلة معنى في معنى. وأنواع الخطاب كثيرة فظنوا ذلك نسخا وليس به، وأنه الكتاب المهيمن على غيره، وهو في نفسه متعاضد، وقد تولى الله حفظه فقال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9).(2/175)
وأما بالقرآن على ما ظنه كثير من المفسرين فليس بنسخ وإنما هو نسأ وتأخير، أو مجمل أخّر بيانه لوقت الحاجة، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره أو مخصوص من عموم، أو حكم عام لخاصّ أو لمداخلة معنى في معنى. وأنواع الخطاب كثيرة فظنوا ذلك نسخا وليس به، وأنه الكتاب المهيمن على غيره، وهو في نفسه متعاضد، وقد تولى الله حفظه فقال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9).
النوع الخامس والثلاثون (1)
معرفة موهم المختلف
وهو ما يوهم التعارض بين آياته (2)، وكلام الله جلّ جلاله منزّه عن الاختلاف كما قال تعالى: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} (النساء: 82)، ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا وليس به، فاحتيج لإزالته، كما صنّف في «مختلف الحديث» وبيان الجمع بينهما، وقد رأيت لقطرب (3) فيه تصنيفا حسنا، جمعه على السور. وقد تكلّم فيه الصدر الأول، ابن عباس (4) وغيره.
وقال الإمام: وقد وفّق الحسن البصريّ بين قوله تعالى: {وَإِذْ وََاعَدْنََا مُوسى ََ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (البقرة: 51)، (5) [وقوله: {وَوََاعَدْنََا مُوسى ََ ثَلََاثِينَ لَيْلَةً]} [5] وَأَتْمَمْنََاهََا بِعَشْرٍ
__________
(1) للتوسع في النوع انظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، باب التناقض والاختلاف ص 65، وكشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1695علم مشكل القرآن، و 1/ 757علم دفع مطاعن القرآن ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 407علم معرفة مشكل القرآن وموهم الاختلاف والتناقض. أبجد العلوم للقنوجي 2/ 511علم معرفة مشكل القرآن وموهم الاختلاف والتناقض.
(2) في المخطوطة (آية).
(3) هو محمد بن المستنير، أبو علي النحوي المعروف ب: قطرب. لازم سيبويه وكان يدلج إليه، فإذا خرج رآه على بابه. وأخذ عن عيسى بن عمرو كان يرى رأي المعتزلة النظّامية واتصل بأبي دلف العجلي وأدّب ولده. وله من التصانيف * «الرد على الملحدين في متشابه القرآن» ت 206هـ (معجم الأدباء 19/ 53)، وكتابه «الرد على الملحدين» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 41في الكتب المؤلفة في معاني شتى من القرآن، فقال: (كتاب قطرب فيما سأل عنه الملحدون من آي القرآن)، وذكره القفطي في إنباه الرواة 3/ 220ضمن ترجمته.
(4) وذلك ما جاء في صحيح البخاري 8/ 555كتاب التفسير (65)، باب سورة حم السجدة (41) وفيه:
(قال المنهال عن سعيد قال، قال رجل لابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي) وذكر الحديث إلى أن قال ابن عباس رضي الله عنه: (فلا يختلف عليك القرآن فإن كلا من عند الله).
(5) ساقط من المخطوطة.(2/176)
(الأعراف: 142)، بأن قال: «ليس المراد في آية الأعراف على ظاهره من أنّ الوعد كان ثلاثين ليلة، ثم بعد ذلك وعده بعشر لكنّه وعده أربعين ليلة جميعا (1). انتهى.
وقيل: تجري آية الأعراف على ظاهره من أنّ الوعد كان ثلاثين، ثم أتم بالعشر، فاستقرت الأربعون، ثم أخبر في آية البقرة بما استقر.
وذكره الخطابيّ (2) قال: «وسمعت ابن أبي هريرة (3) يحكي عن أبي العباس بن سريج (4)
قال: سأل رجل بعض العلماء عن قوله تعالى: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} (البلد: 1)، فأخبر أنّه لا يقسم بهذا، ثم أقسم به في قوله: {[وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ]} [5] * وَهََذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (التين: 1، 2، 3) فقال ابن سريج: [أيّ] (6) الأمرين أحبّ إليك؟ أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك؟ فقال: بل اقطعني ثم أجبني، فقال [له] (7): اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحضرة رجال، وبين ظهراني قوم، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا، وعليه مطعنا، [فلو] (8) كان هذا عندهم مناقضة لتعلّقوا به وأسرعوا بالردّ عليه ولكنّ القوم علموا وجهلت، فلم ينكروا منه ما أنكرت، ثم قال له: إنّ العرب قد تدخل «لا» في أثناء كلامها وتلغي معناها، وأنشد فيه أبياتا (9). والقاعدة في هذا وأشباهه أنّ الألفاظ إذا اختلفت وكان مرجعها إلى أمر واحد لم يوجب ذلك اختلافا.
(فائدة) سئل الغزالي عن [معنى] (10) قوله تعالى: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} (النساء: 82)، فأجاب [رضي الله عنه] بما صورته: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف [الناس فيه، بل نفي الاختلاف] (10) عن
__________
(1) قول الحسن البصري ذكره الفخر الرازي في التفسير 3/ 74ضمن تفسير سورة البقرة.
(2) هو حمد بن محمد أبو سليمان تقدم التعريف به في 1/ 343.
(3) هو الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، أبو علي، الفقيه الشافعي. أخذ الفقه عن أبي العباس ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وشرح «مختصر المزني» وله مسائل في الفروع ودرّس ببغداد وتخرّج عليه خلق كثير. وانتهت إليه إمامة العراقيين. وكان معظّما عند السلاطين والرعايا، ت 345هـ (وفيات الأعيان 2/ 75).
(4) هو أحمد بن عمر بن سريج، تقدم التعريف به في 2/ 115.
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ليست في المخطوطة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) عبارة الخطابي ذكرها السيوطي في الإتقان 3/ 88النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض.
(10) ليست في المخطوطة.(2/177)
ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة إذ هو مختلف، أي بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا. أو هو مختلف النّظم فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه [82/ أ] على أسلوب يخالفه، وكلام الله تعالى منزّه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره، وعلى مرتبة (1) واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغثّ والسمين، ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين، وكلام الآدميين يتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغثّ والسمين، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة، وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة لأن الشعراء والفصحاء {فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ} (الشعراء: 225)، فتارة يمدحون الدنيا، وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن فيسمونه حزما، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة، وتارة يذمونها ويسمونها تهوّرا، ولا ينفكّ [كلام آدميّ] (2) عن هذه الاختلافات، لأن منشأ هذه [الاختلافات] (2) اختلاف الأغراض، واختلاف الأحوال، والإنسان تختلف أحواله، فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه، ويتعذر عليه عند الانقباض. ولذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرّة ويميل عنه أخرى، فيوجب اختلاف الأحوال والأغراض اختلافا في كلامه بالضرورة، فلا تصادف اللسان يتكلّم في ثلاث وعشرين سنة، وهي مدة نزول القرآن، فيتكلم على غرض واحد، وعلى منهج واحد، ولقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشرا تختلف أحواله فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجد فيه اختلاف كثير، فأما اختلاف الناس فهو تباين في آراء الناس لا في نفس القرآن، وكيف يكون هذا المراد، وقد قال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} (البقرة: 26)، فقد ذكر في القرآن أنه في نفسه غير مختلف وهو مع هذا (4) سبب لاختلاف الخلق في الضلال والهدى فلو لم يختلف فيه لكانت أمثال هذه الآيات خلفا، وهي أشد أنواع الاختلاف. والله أعلم.
__________
(1) في المخطوطة (على درجة).
(2) ليس في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (مع ذلك).(2/178)
(مسألة) (1) قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني (2): «إذا تعارضت الآي وتعذّر فيها الترتيب [والجمع] (3) طلب التاريخ وترك المتقدم منهما بالمتأخر، ويكون ذلك نسخا له، وإن لم يوجد التاريخ وكان الإجماع على استعمال إحدى الآيتين، علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها.
قال: ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تعريان عن هذين الوصفين (4)».
وذكروا عند التعارض مرجّحات:
* الأول: تقديم المدني على المكي (5) وإن كان يجوز أن تكون المكية نزلت عليه صلّى الله عليه وسلّم بعد عوده إلى مكة والمدنيّة قبلها، فيقدّم الحكم بالآية المدنية على المكية في التخصيص والتقديم إذ كان غالب الآيات [المكية] (6) نزولها قبل الهجرة.
* الثاني: أن يكون أحد الحكمين على غالب أحوال أهل مكة، والآخر على غالب أحوال أهل المدينة، فيقدّم الحكم بالخبر الذي فيه أحوال أهل المدينة، كقوله تعالى:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً} (آل عمران: 97)، [مع قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ} (7) (البقرة: 178) فإذا أمكن بناء كل واحدة من الآيتين على البدل جعل التخصيص في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً} (آل عمران: 97) كأنّه قال: إلا من وجب عليه القصاص. ومثل [82/ ب] قوله: {لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (المائدة:
95) ونهيه صلّى الله عليه وسلّم عن قتل [صيد] (8) مكة، [مع] (8) قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا أُحِلَّ لَهُمْ}
__________
(1) في المطبوعة (فصل).
(2) هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الإمام العلامة الأصولي الشافعي أبو إسحاق الأسفراييني، أحد المجتهدين في عصره. ارتحل في الحديث وسمع من دعلج السجزي وأبي بكر الإسماعيلي وعدّة.
وحدّث عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وأبو الطيب الطبري وغيرهم. وكان من المجتهدين في العبادة المبالغين في الورع. من تصانيفه «جامع الحلي في أصول الدين والرد على الملحدين» ت 418هـ (سير أعلام النبلاء 17/ 253).
(3) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة والصواب إثباتها كما في الإتقان للسيوطي 3/ 89.
(4) عبارة أبي إسحاق الأسفراييني ذكرها السيوطي في الإتقان 3/ 89.
(5) عبارة المطبوعة (تقديم المكي على المدني) والصواب ما أثبتناه كما في المخطوطة.
(6) ليس في المخطوطة.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) ساقطة من المخطوطة.(2/179)
{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَمََا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوََارِحِ مُكَلِّبِينَ} (المائدة: 4)، فجعل النهي فيمن اصطاده في الحرم، وخصّ من اصطاده في الحل وأدخله حيّا فيه.
الثالث: أن يكون أحد الظاهرين مستقلا بحكمه والآخر مقتضيا لفظا يزاد عليه، فيقدم المستقلّ بنفسه عند المعارضة والترتيب كقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ}
(البقرة: 196)، [مع] (1) قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (البقرة:
196)، وقد أجمعت الأمة [على] (1) أن الهدي لا يجب بنفس الحصر، و [ليس] (1) فيه صريح الإحلال بما يكون سببا له، فيقدم المنع من الإحلال عند المرض بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (البقرة: 196) على ما عارضه من الآية.
* الرابع أن يكون كل واحد من العمومين محمولا على ما قصد به في الظاهر عند الاجتهاد، فيقدّم ذلك على تخصيص كل واحد منهما من المقصود بالآخر، كقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (النساء: 23)، بقوله: {وَمََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [4] (النساء: 36) فيخصّ الجمع بملك اليمين، بقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [إِلََّا مََا قَدْ سَلَفَ} [5]
(النساء: 23) فتحمل آية الجمع على العموم، والقصد فيها بيان ما يحلّ وما يحرم، وتحمل آية الإباحة على زوال اللوم فيمن أتى بحال.
الخامس: أن يكون تخصيص أحد الاستعمالين على لفظ تعلّق بمعناه والآخر باسمه، كقوله: {شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (المائدة: 106) مع قوله تعالى: {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ [فَتَبَيَّنُوا]} [6]
(الحجرات: 6) الآية فيمكن أن يقال في الآية بالتبيّن عند شهادة الفاسق، إذا كان ذلك من كافر على مسلم، أو مسلم فاسق على كافر، وأن يقبل الكافر على الكافر وإن كان فاسقا، أو يحمل ظاهر قوله: {أَوْ آخَرََانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (المائدة: 106) على القبيلة دون الملّة، ويحمل الأمر بالتثبت على عموم النسيان في الملّة لأنه رجوع إلى تعيين اللفظ وتخصيص الغير بالقبيلة لأنه رجوع إلى الاسم على عموم الغير.
السادس: ترجيح ما يعلم بالخطاب ضرورة على ما يعلم منه ظاهرا، كتقديم قوله
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (أيمانهم).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) ليست في المخطوطة.(2/180)
تعالى: {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} (البقرة: 275) [على قوله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ}] (1)
(الجمعة: 9) فإن قوله: {وَأَحَلَّ} يدلّ على حلّ البيع ضرورة. ودلالة النهي على فساد البيع إما ألا تكون ظاهرة [أصلا، أو تكون ظاهرة] (1) منحطة عن النصّ.
(فصل) قال القاضي أبو بكر (3) في «التقريب»: لا يجوز تعارض آي القرآن والآثار وما توجبه أدلّة العقل فلذلك لم يجعل قوله تعالى: {[اللََّهُ]} [4] خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
(الزمر: 62) معارضا لقوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (العنكبوت: 17)، وقوله: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ} (المائدة: 110)، وقوله: {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ} (المؤمنون:
14)، لقيام الدليل العقلي أنّه لا خالق غير الله [تعالى]، فيتعين تأويل ما عارضه، فيؤوّل (5)
قوله: {وَتَخْلُقُونَ} (العنكبوت: 17)، بمعنى «تكذبون» لأن الإفك نوع من الكذب، وقوله: {[وَإِذْ]} [6] تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ (المائدة: 110) أي «تصوّر».
ومن ذلك قوله: {إِنَّ اللََّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7) لا يعارضه قوله:
{أَتُنَبِّئُونَ اللََّهَ بِمََا لََا يَعْلَمُ} (يونس: 18) فإنّ المراد بهذا ما لا يعلمه أنه غير كائن، ويعلمونه وقوع ما ليس بواقع، لا على أن [من] (6) المعلومات ما هو غير عالم به وإن علمتموه.
وكذلك لا يجوز جعل قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَخْفى ََ عَلَيْهِ شَيْءٌ [فِي الْأَرْضِ]} [8]
(آل عمران: 5) معارضا لقوله: {حَتََّى نَعْلَمَ الْمُجََاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصََّابِرِينَ} (محمد:
31)، وقوله: {إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (القيامة: 23)، معارضا لقوله: {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ}
(الأنعام: 103) في تجويز الرؤية وإحالتها، لأنّ دليل العقل يقضي بالجواز، ويجوز تخصيص (9) النفي بالدنيا والإثبات بالقيامة.
وكذلك لا يجوز جعل قوله: {وَمََا مَسَّنََا مِنْ لُغُوبٍ} (ق: 38) معارضا لقوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (الروم: 27) [83/ أ] بل يجب تأويل «أهون» على «هيّن».
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(3) هو محمد بن الطيب الباقلاني تقدمت ترجمته 1/ 117، وكتابه «التقريب» تقدم الكلام عنه في 1/ 383.
(4) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (فنقول).
(6) ليست في المخطوطة.
(8) ليست في المطبوعة.
(9) في المطبوعة (تخليص).(2/181)
ولا جعل قوله [تعالى]: {مََا يُجََادِلُ فِي آيََاتِ اللََّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} (غافر: 4) معارضا لأمره نبيّه وأمّته بالجدال في قوله: {وَجََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) فيحمل الأول على ذم الجدال الباطل.
ولا يجوز جعل قوله: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} (الرحمن: 27) معارضا لقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (الرحمن: 26).
فصل
وقد جعلوا تعارض القراءتين في آية واحدة كتعارض الآيتين كقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} (1)
(المائدة: 6) بالنصب والجر، وقالوا: يجمع بينهما بحمل إحداهما على مسح الخف، والثانية على غسل الرجل إذ لم نجد متعلّقا سواهما.
وكذلك قراءة: {يَطْهُرْنَ} و {يَطْهُرْنَ} (2) (البقرة: 222) حملت الحنفية إحداهما على ما دون العشرة، والثانية على العشرة.
واعلم أنه إذا لم يكن لها متعلق سواهما تصدّى لنا الإلغاء أو الجمع، فأما إذا وجدنا متعلقا سواهما فالمتعلق هو المتّبع.
(فائدة) قال أبو بكر الصّيرفي (3) في «[شرح] (4) رسالة الشافعي»: جماع الاختلاف والتناقض (5) [أن كلّ كلام صحّ أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض، وإنما التناقض] (5) في اللفظ ما ضادّه من كلّ جهة على حسب ما
__________
(1) قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر 2/ 254واختلفوا في: {وَأَرْجُلَكُمْ} فقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص بنصب اللام، وقرأ الباقون بالخفض.
(2) قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر 2/ 227 (واختلفوا في {حَتََّى يَطْهُرْنَ} فقرأ حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر بتشديد الطاء والهاء، والباقون بتخفيفهما)، والمقصود بالعشرة وما دونها أي من أيام الحيض.
(3) هو محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي الشافعي، تقدم التعريف به في 1/ 380، وكتابه «شرح رسالة الشافعي» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 267في الفن الثالث من المقالة السادسة: أسماء من روى عن الشافعي وأخذ عنه.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.(2/182)
تقتضيه الأسماء، ولن يوجد (1) في الكتاب ولا في السنة شيء من ذلك أبدا وإنما يوجد فيه النّسخ في وقتين، بأن يوجب حكما ثم يحلّه [أو يحرمه] (2)، وهذا لا تناقض فيه، وتناقض الكلام لا يكون إلا في إثبات ما نفي، أو نفي ما أثبت بحيث يشترك المثبت والمنفيّ في الاسم والحدث والزمان والأفعال والحقيقة فلو كان الاسم [حقيقة] (3) في أحدهما، وفي الآخر مستعارا، ونفي أحدهما، وأثبت الآخر لم يعدّ تناقضا.
هذا كلّه في الأسماء، وأما المعاني وهو باب القياس، فكلّ من أوجد علّة وحرّرها، وأوجب بها حكما من الأحكام، ثم ادعى تلك العلة بعينها فيما يأباه الحكم، فقد تناقض.
فإن رام الفرق لم يسمع منه لأنه في فرقه تناقض، والزيادة في العلة نقص، أو تقصير عن تحريرها في الابتداء، وليس هذا على السائل.
وكل مسألة يسأل عنها فلا تخلو من أحد وجهين: (4) [إمّا أن يسأل فيما يستحق الجواب عنه أولا، فأما المستحق للجواب فهو ما يمكن كونه ويجوز،] (4) وأما ما استحال كونه فلا يستحق جوابا لأن من علم أنه لا يجتمع القيام والقعود، (6) [فسأل: هل يكون الإنسان قائما منتصبا جالسا في حال واحدة؟ فقد أحال وسأل عن محال، فلا يستحق الجواب. فإن كان لا يعرف القيام والقعود] (6) عرّف، فإذا عرفه فقد استحال عنده ما سأله.
قال: وقد رأيت كثيرا ممن يتعاطى العلم يسأل عن المحال ولا يدري أنه محال ويجاب عنه، والآفات تدخل على هؤلاء لقلّة علمهم بحق الكلام.
فصل
وللاختلاف أسباب.
* الأول: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى، كقوله تعالى في خلق آدم إنه: {مِنْ تُرََابٍ} (آل عمران: 59) ومرة {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (الحجر:
26 - و 28و 33) ومرة {مِنْ طِينٍ لََازِبٍ} (الصافات: 11) ومرة {مِنْ صَلْصََالٍ كَالْفَخََّارِ}
(الرحمن: 14) وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة، لأن الصلصال غير
__________
(1) في المخطوطة (ولم نجد).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/183)
الحمإ، والحمأ غير التراب إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال.
ومنه قوله تعالى: {فَإِذََا هِيَ ثُعْبََانٌ مُبِينٌ} (الشعراء: 32) وفي موضع: {تَهْتَزُّ كَأَنَّهََا جَانٌّ} (القصص: 31) والجانّ: الصغير من الحيات، والثعبان الكبير منها، وذلك (1) لأنّ خلقها (1) خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفّته.
* السبب الثاني: لاختلاف الموضوع، كقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}
(الصّافّات: 24) وقوله: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (الأعراف:
6) مع قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لََا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلََا جَانٌّ} (الرحمن: 39). قال الحليمي (3): فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه. [و] (4) حمله غيره على اختلاف الأماكن لأن في [83/ ب] القيامة مواقف كثيرة، فموضع يسأل ويناقش، وموضع آخر يرحم ويلطف به، وموضع آخر يعنّف ويوبّخ وهم الكفّار وموضع آخر لا يعنّف وهم المؤمنون.
وقوله: {[وَ]} [5] لََا يُكَلِّمُهُمُ اللََّهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ (البقرة: 174) مع قوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمََّا كََانُوا يَعْمَلُونَ} (الحجر: 92و 93) [و] (5) قيل: المنفيّ كلام التلطّف والإكرام، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة، فلا تنافي.
وكقوله تعالى: {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} (الشورى: 40) مع قوله: {يُضََاعَفُ لَهُمُ الْعَذََابُ} (هود: 20) والجواب أنّ التضعيف هنا ليس على حدّ التضعيف في الحسنات بل هو راجع لتضاعيف مرتكباتهم فكان لكلّ مرتكب منها عذاب يخصّه، فليس التضعيف من هذا الطريق على ما هو في الطريق الآخر وإنما المراد هنا تكثيره بحسب كثرة المجترحات لأن السيئة الواحدة يضاعف الجزاء عليها، بدليل سياق تلك الآية، وهو قوله:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً أُولََئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى ََ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهََادُ هََؤُلََاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى ََ رَبِّهِمْ أَلََا لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ وَيَبْغُونَهََا}
__________
(1) في المخطوطة (لأن الله خلقها).
(3) هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي تقدم التعريف به في 1/ 322، وانظر المنهاج في شعب الإيمان 1/ 386385الثامن من شعب الإيمان.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.(2/184)
{عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كََافِرُونَ} (هود: 18و 19) فهؤلاء كذبوا على ربهم، وصدّوا عن سبيله وبغوها عوجا وكفروا، فهذه مرتكبات عذّبوا بكل مرتكب منها.
وكقوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23) مع قوله: {وَلََا يَكْتُمُونَ اللََّهَ حَدِيثاً} (النساء: 42) فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق.
والجواب من وجهين: (أحدهما (1)) أنّ للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب، وفي بعضها لا يقع كما سبق. (والثاني) أن الكذب يكون بأقوالهم، والصدق يكون من جوارحهم، فيأمرها الله تعالى بالنطق، فتنطق بالصدق.
وكقوله: {وَلََا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلََّا عَلَيْهََا} (الأنعام: 164) مع قوله: {لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286) والجواب أن المراد: لا تكسب شرا ولا إثما بدليل سبب النزول أو ضمّن معنى «تجني» وهذه الآية [اقتصر] (2) فيها على الشرّ والأخرى ذكر فيها الأمران ولهذا لمّا (2) [ذكر القسمين ذكر ما يميّز أحدهما عن الآخر، وهاهنا لما] (2)
كان المراد ذكر أحدهما اقتصر عليه ب «فعل» ولم يأت ب «افتعل».
ومنه قوله تعالى: {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (آل عمران: 102) مع قوله: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16) يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي (5) رحمه الله أنه جمع بينهما فحمل الآية الأولى على التوحيد، والثانية على الأعمال، والمقام يقتضي ذلك لأنه قال بعد الأولى: {وَلََا تَمُوتُنَّ إِلََّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).
وقيل: بل الثانية ناسخة قال ابن المنيّر (6): الظاهر أن قوله [تعالى]: {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} (آل عمران: 102) إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره وقد فسّر النبي صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) في المخطوطة (الأول).
(2) ليست في المخطوطة.
(5) هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار، أبو الحسن الشاذلي الضرير الزاهد، نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. كان كبير المقدار عالي المقام. له نظم ونثر.
صحب الشيخ نجم الدين بن الأصفهاني نزيل الحرم ومن أصحابه الشيخ أبو العباس المرسي حجّ مرات ومات بصحراء عيذاب سنة (656هـ) فدفن هناك. (ابن الملقّن، طبقات الأولياء 458).
(6) هو أحمد بن محمد بن منصور تقدم التعريف به في 1/ 176.(2/185)
{حَقَّ تُقََاتِهِ} بأن قال: «هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر»، فقالوا: أيّنا يطيق ذلك؟ فنزلت {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) (التغابن: 16) وكان التكليف أولا باستيعاب (2) العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس، كما كانت الصلاة خمسين، ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا، والاقتدار منزّل على هذا الاعتبار، ولم ينحط عن درجاته.
وقال الشيخ كمال الدين الزّملكانيّ (3): وفي كون ذلك منسوخا نظر، وقوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} هو {حَقَّ تُقََاتِهِ} إذ به أمر، فإنّ {حَقَّ تُقََاتِهِ} الوقوف على أمره (4) ودينه. وقد قال بذلك كثير من العلماء. انتهى.
والحديث الذي ذكره ابن المنيّر في «تفسيره (5)»: {حَقَّ تُقََاتِهِ} لم يثبت مرفوعا بل هو من كلام ابن مسعود [رضي الله عنه كذلك] (6)، رواه النّسائيّ وليس فيه [84/ أ] قول الصحابة: «أيّنا يطيق ذلك» ونزول قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تَعْدِلُوا فَوََاحِدَةً} (النساء: 3) مع قوله [تعالى] في أواخر السورة {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسََاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (النساء: 129) فالأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه.
__________
(1) هذا الحديث ذكره ابن المنيّر مرفوعا، بينما الصواب فيه أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، كما سيذكره الزركشي بعد في استدراكه على ابن المنيّر، وقد أخرجه من رواية ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا، ابن المبارك في الزهد ص 8باب التحضيض على طاعة الله عز وجل، وذكره المزي في تحفة الأشراف 7/ 140الحديث (9556) وعزاه للنسائي في الكبرى، وأخرجه الطبري في التفسير 4/ 19 تفسير الآية من سورة آل عمران، وأخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 88باب ذكر الآية الثانية من سورة آل عمران، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 326كتاب التفسير باب سورة آل عمران وعزاه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 294كتاب التفسير، باب شرح معنى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} وقال (على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 59سورة آل عمران وعزاه أيضا لعبد الرزاق، وللفريابي، ولعبد بن حميد، ولابن أبي شيبة، ولابن المنذر، ولابن أبي حاتم، ولابن مردويه.
(2) في المخطوطة (وكالتكليف أو باستيعاب العمر بالعبادة).
(3) تقدمت ترجمته في 1/ 135.
(4) في المخطوطة (مع أمره).
(5) هو التفسير المسمّى بالبحر الكبير تقدم الكلام عنه في 1/ 176.
(6) ليست في المخطوطة.(2/186)
والجواب أن المراد بالعدل في الأول العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن وهذا ممكن الوقوع وعدمه، والمراد به في الثانية الميل القلبي، فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يقسم بين نسائه ثم يقول: «اللهم هذا قسمي في ما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك» (1) يعني ميل [القلب] (2)، وكان عمر يقول: «اللهم قلبي فلا أملكه، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل».
ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام، أشار إليه ابن عطية.
وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير فيرتفع به الإشكال، كقوله تعالى: {لََا يَسْتَوِي الْقََاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللََّهُ الْمُجََاهِدِينَ بِأَمْوََالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقََاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} (النساء:
95) ثم قال سبحانه: {وَفَضَّلَ اللََّهُ الْمُجََاهِدِينَ عَلَى الْقََاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * [دَرَجََاتٍ]} [3] (النساء: 9695)، والأصل في الأولى: وفضل الله المجاهدين على القاعدين (4) [من أولي الضرر درجة. والأصل في الثانية: وفضل الله المجاهدين على القاعدين] (4) من الأصحاء درجات.
__________
(1) هذا الحديث مخرّج من وجهين * (الأول) من رواية أبي قلابة مرسلا، أخرجه الترمذي في السنن 3/ 446كتاب النكاح (9)، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (42)، عقب الحديث (1140) وقال الترمذي: (وهذا أي الإرسال أصح من حديث حماد بن سلمة) * (والوجه الثاني) من حديث حماد بن سلمة من طريق عائشة رضي الله عنها مرفوعا، أخرجه أحمد في المسند 6/ 144، وأخرجه الدارمي في السنن 2/ 144كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء، وأخرجه أبو داود في السنن 2/ 601كتاب النكاح (6)، باب في القسم بين النساء (39) الحديث (2134)، وأخرجه الترمذي في السنن 3/ 446كتاب النكاح (9)، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (42)، الحديث (1140)، وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن 7/ 6463كتاب عشرة النساء (36)، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه (2)، الحديث (3943)، وأخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 633كتاب النكاح (9)، باب القسمة بين النساء (47)، الحديث (1971)، وأخرجه ابن حبان، ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6/ 203كتاب النكاح باب القسم ذكر ما كان يعدل المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في القسمة بين نسائه الحديث (4192)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 187كتاب النكاح باب التشديد في العدل، وقال: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة.
(4) ليست في المخطوطة. ة.(2/187)
وممن ذكر أن المحذوف كذلك الإمام بدر الدين بن مالك (1) في: «شرح الخلاصة» في الكلام على حذف النعت. وللزمخشري (2) فيه كلام آخر.
وكقوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَأْمُرُ بِالْفَحْشََاءِ} (الأعراف: 28) مع قوله (3):
{أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا فِيهََا} (الإسراء: 16) والمعنى: أمّرناهم وملّكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لا يريد، وفرق بين الأمر الكونيّ والدينيّ.
* الثالث: لاختلافهما في جهتي (4) الفعل كقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلََكِنَّ اللََّهَ قَتَلَهُمْ} (الأنفال: 17) أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ولهذا قال الجمهور: إنّ الأفعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للآدميين، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى.
وكذا قوله: {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} (الأنفال: 17) أي ما رميت خلقا إذا رميت كسبا. وقيل: إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال وهما بكسب الرامي،
__________
(1) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الشافعي النحوي كان إماما فهما ذكيا حادّ الخاطر، إماما في النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض، والمنطق، جيّد المشاركة في الفقه والأصول. أخذ عن والده.
وقرأ عليه جماعة منهم بدر الدين بن زيد. فلما مات والده طلب إلى دمشق وولي وظيفة والده، وله من التصانيف «شرح ألفية والده المعروفة «بالخلاصة» وغيرها توفي سنة (686هـ). (الصفدي الوافي بالوفيات 1/ 204)، وشرحه للألفية قال عنه الصفدي: (وهو شرح فاضل منقى منقح وخطّأ والده في بعيض المواضع ولم تشرح الخلاصة بأحسن ولا أسدّ ولا أجزل على كثرة شروحها)، طبع في هلسنكفرس عام 1270هـ / 1851م (معجم المطبوعات لسركيس 1/ 234) وطبع في بيروت باسم «شرح ألفية ابن مالك» بالمطبعة الكاثوليكية 1312هـ / 1894م باعتناء محمد بن سليم اللبابيدي، وفي دمشق بمطبعة الفيحاء 1332هـ / 1913م بتحقيق محمود ياسين، وفي مصر 1341هـ / 1922م، وفي النجف بالمطبعة العلوية 1342هـ / 1923م، وفي مصر بتحقيق عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد، وصوّرت هذه الطبعة دار الجيل في بيروت بالأوفست وقام بتحقيقه مؤخرا عبد الهادي الفضلي (أخبار التراث العربي 3/ 16) وانظر قوله في كتابه ص 500في آخر «النعت».
(2) انظر قول الزمخشري في «الكشاف» 1/ 292عند تفسير الآية من سورة النساء.
(3) في المخطوطة (بقوله).
(4) في المخطوطة (في جهة).(2/188)
[و] (1) على التبليغ والإصابة، وهما بفعل الله عز وجلّ. قال ابن جرير الطبري (2): «وهي الدليل [على] (3) أنّ الله خالق لأفعال العباد فإنّ الله تعالى أضافه إلى نبيّه ثم نفاه عنه، وذلك [فعل] (3) واحد لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم، ومن نبيّه بالحذف والإرسال، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ومن الخلق الاكتساب بالقوى».
ومثله قوله تعالى: {الرِّجََالُ قَوََّامُونَ عَلَى النِّسََاءِ} (النساء: 34) وقال [تعالى:
{وَ]} [3] قُومُوا لِلََّهِ قََانِتِينَ (البقرة: 238) فقيام الانتصاب لا ينافي (6) القيام بالأمر، لاختلاف جهتي الفعل.
* الرابع: لاختلافهما في الحقيقة والمجاز، كقوله: {وَتَرَى النََّاسَ سُكََارى ََ وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} (الحج: 2) {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكََانٍ وَمََا هُوَ بِمَيِّتٍ} (إبراهيم: 17) وهو يرجع لقول المناطقة: الاختلاف بالإضافة، أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة.
ومثله في الاعتبارين قوله تعالى: {آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة:
8) وقوله: {وَلََا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قََالُوا سَمِعْنََا وَهُمْ لََا يَسْمَعُونَ} (الأنفال: 21) وقوله تعالى: {وَتَرََاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لََا يُبْصِرُونَ} (الأعراف: 198) فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار لجواز قولهم: «نظرت إليه فلم أبصره».
* الخامس: بوجهين واعتبارين، وهو الجامع للمفترقات، كقوله: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق: 22) وقال: {خََاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} [84/ ب] {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}
(الشورى: 45) قال قطرب (7): {فَبَصَرُكَ} أي علمك ومعرفتك بها قوية، من قولهم:
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) انظر قول الطبري في تفسيره 9/ 135عند تفسير الآية من سورة الأنفال، وقد تصرف الزركشي في عبارته.
(3) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (فقيام الانتصاب غير القيام بالأمر).
(7) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في 2/ 176.(2/189)
«بصر بكذا وكذا» أي علم، وليس المراد رؤية العين، قال الفارسي (1): ويدل على ذلك قوله: {فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ} (ق: 22) وصف البصر بالحدّة.
وكقوله تعالى: {وَقََالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى ََ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} (الأعراف: 127) مع قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ََ} (النازعات: 24) فقيل: يجوز أن يكون معناه: ويذرك وآلهتك، إن ساغ لهم، وتكون إضافة الآلهة إليه ملكا، كان يعبد في دين قومه ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى، كما تقول العرب: موالي من فوق [و] (2) موالي من أسفل، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له، فيحسن قولهم: «وآلهتك».
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللََّهِ} (الرعد: 28) مع قوله:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال: 2) فقد يظنّ أن الوجل خلاف الطمأنينة، وجوابه [أنّ] (3) الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك. وقد جمع بينهما في قوله:
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ} (الزمر:
23) فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به، فانتفى عنهم الشك.
وكقوله: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: 4) وفي موضع {أَلْفَ سَنَةٍ}
(السجدة: 5) وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر، بدليل: {وَكََانَ يَوْماً عَلَى الْكََافِرِينَ عَسِيراً} (الفرقان: 26).
وكقوله: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال: 9) وفي آية أخرى: {بِثَلََاثَةِ آلََافٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُنْزَلِينَ} (آل عمران: 124) قيل إنّ الألف أردفهم بثلاثة آلاف، وكان الأكثر مددا للأقل، وكان الألف {مُرْدِفِينَ} (4) بفتحها.
وكقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ} (البقرة:
__________
(1) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي تقدم التعريف به في 1/ 375.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) قرأ نافع {مُرْدِفِينَ} بفتح الدال والباقون بكسرها (التيسير ص 116).(2/190)
29) وفي آية أخرى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا} (النازعات: 30) ولا تنافي بينهما فالأول دالّ على أنّ الأرض وما فيها خلقت قبل السماء، وذلك صحيح، ثم دحيت [الأرض] (1) بعد خلق السماء، وبذلك تتفق معاني الآيات في سورة القمر والمؤمن والنازعات.
وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ} (ق:
38) وقوله: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدََاداً ذََلِكَ رَبُّ الْعََالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهََا رَوََاسِيَ مِنْ فَوْقِهََا} [وبارك فيها] (2) {وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ} (فصلت: 9و 10) إلى قوله: {فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت:
12) وذلك يبلغ ثمانية أيام، والجواب أن المراد بقوله: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ} مع اليومين المتقدمين، ولم يرد بذكر «الأربعة» غير ما تقدم ذكره وهذا كما يقول الفصيح: «سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام»، «وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يوما» ولا يريد سوى العشرة، بل يريد مع العشرة ثلاثة، ثم قال تعالى: {فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وأراد سوى الأربعة، وذلك لا مخالفة فيه لأن المجموع يكون ستة.
ومنه قوله تعالى في السجدة: {عَذََابَ النََّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (الآية: 20) بلفظ «الذي» على وصف العذاب، وفي سبأ {عَذََابَ النََّارِ الَّتِي} (الآية: 42) بلفظ «التي» على وصف النار، وفيه أربعة أوجه: (أحدها) أنه وصف العذاب في السجدة لوقوع «النار» موقع الضمير الذي لا يوصف، وإنما وقعت موقع الضمير لتقدم إضمارها، مع قوله:
{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوََاهُمُ النََّارُ كُلَّمََا أَرََادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهََا أُعِيدُوا فِيهََا} (السجدة: 20) فحق (3) الكلام: «وقيل لهم ذوقوا عذابها»، فلما وضعها موضع المضمر الذي لا يقبل الوصف عدل إلى وصف العذاب، وأما ما في «سبأ» فوصفها لعدم المانع من وصفها.
(والثاني) [85/ أ] أن الذي في «السجدة» وصف النار أيضا، وذكّر حملا على معنى الجحيم والحريق. (والثالث) أنّ الذي في «السجدة» في حق من يقرّ بالنار ويجحد العذاب، وفي
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (فحق عليهم الكلام).(2/191)
«سبإ» في حقّ من يجحد أصل النار. (والرابع) أنه إنما وصف العذاب في السجدة لأنّه لما تقدم ذكر النار مضمرا ومظهرا عدل إلى وصف العذاب، ليكون تلوينا للخطاب، فيكون أنشط للسامع بمنزلة العدول من الغيبة إلى الخطاب.
ومنه قوله تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنََا} (الأنعام: 61) وقوله: {تَتَوَفََّاهُمُ الْمَلََائِكَةُ}
(النحل: 28) وبين قوله: {قُلْ يَتَوَفََّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} (السجدة: 11) وبين قوله:
{اللََّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} (الزمر: 42) {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفََّاكُمْ بِاللَّيْلِ} (الأنعام: 60) وجمع البغويّ (1) بينها، لأن (2) توفّي الملائكة بالقبض والنزع، وتوفّي ملك الموت بالدعاء والأمر، يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها، وتوفّي الله سبحانه خلق الموت فيه.
ومنه قوله تعالى في البقرة: {فَاتَّقُوا النََّارَ} (الآية: 24) وفي سورة التحريم:
{نََاراً} (الآية: 6) بالتنكير، لأنها نزلت بمكة قبل آية البقرة، فلم تكن النار التي وقودها الناس والحجارة معروفة فنكّرها، ثم نزلت آية البقرة بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا.
وقال في سورة البقرة: {رَبِّ اجْعَلْ هََذََا بَلَداً آمِناً} (الآية: 126) وفي سورة إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} (إبراهيم: 35) لأنه في الدعوة الأولى كان مكانا، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا، وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن فعرّفه وطلب له الأمن أو كان بلدا آمنا وطلب ثبات الأمن ودوامه، وكون سورة البقرة مدنية وسورة إبراهيم مكّية لا ينافي هذا لأن الواقع من إبراهيم كونه على الترتيب المذكور، والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب. أو لأن المكّيّ منه ما نزل قبل الهجرة فيكون المدنيّ متأخرا عنها، ومنه ما نزل بعد فتح مكة فيكون متأخرا عن المدني، فلم قلتم: إن سورة إبراهيم من المكيّ الذي نزل قبل الهجرة!
فصل
وممّا استشكلوه قوله تعالى: {وَمََا مَنَعَ النََّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جََاءَهُمُ الْهُدى ََ وَيَسْتَغْفِرُوا}
__________
(1) انظر تفسير الآيات عند البغوي في معالم التنزيل 2/ 103102 (طبعة دار المعرفة) في تفسير سورة الأنعام، وفي 3/ 67تفسير سورة النحل، وفي 3/ 499تفسير سورة السجدة، وفي 4/ 8180تفسير سورة الزمر.
(2) في المخطوطة (بأن توفي).(2/192)
{رَبَّهُمْ إِلََّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ قُبُلًا} (الكهف: 55) فإنه يدلّ على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين، وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمََا مَنَعَ النََّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جََاءَهُمُ الْهُدى ََ إِلََّا أَنْ قََالُوا أَبَعَثَ اللََّهُ بَشَراً رَسُولًا} (الإسراء: 94) فهذا حصر في ثالث غيرهما.
وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية: «وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنّة من الخسف وغيره، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ قُبُلًا} في الآخرة، فأخبر [أنه أراد] (1) أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شكّ أن إرادة الله [تعالى] مانعة من وقوع ما ينافي المراد، فهذا حصر في السبب الحقيقي لأنّ الله هو المانع في الحقيقة. ومعنى الآية الثانية: {وَمََا مَنَعَ النََّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [إِذْ جََاءَهُمُ الْهُدى ََ]} [2] إلا استغراب بعثه بشرا رسولا، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك وهو يدلّ على الاستغراب بالالتزام، وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا، لجواز خلوّ الإيمان معه بخلاف إرادة الله [تعالى]، فهذا حصر في المانع العادي، والأولى حصر في المانع الحقيقي، فلا تنافي» (3). انتهى.
وقوله: «ليس مانعا من الإيمان» فيه نظر، لأن إنكارهم بعثه بشرا رسولا كفر مانع من الإيمان، وفيه تعظيم الأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنّ إنكارهم بعثته مانع من الإيمان.
فصل
وقد يقع التعارض بين الآية والحديث، ولا بأس بذكر شيء للتنبيه لأمثاله فمنه قوله تعالى: {وَاللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النََّاسِ} (المائدة: 67) وقد صحّ أنه شجّ يوم أحد (4).
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) انظر قول العز بن عبد السلام في كتابه فوائد في مشكل القرآن ص 175174الآية 55من سورة الكهف.
(4) في حديث متفق عليه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم في الصحيح 7/ 365كتاب المغازي (64)، باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (21)، عقب ترجمة الباب، وأخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1417كتاب الجهاد (32)، باب غزوة أحد (37)، الحديث (104/ 1792).(2/193)
«وأجيب بوجهين: (أحدهما): أنّ هذا كان قبل نزول [هذه] (1) الآية لأن غزوة أحد كانت سنة ثلاث (2) من الهجرة، وسورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة. (والثاني):
بتقدير تسليم الأخير، فالمراد [85/ ب] العصمة من القتل. وفيه تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلاء فما أشد تكليف الأنبياء» (3)! ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: 32) مع قوله صلّى الله عليه وسلّم:
«لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» (4)».
«وأجيب بوجهين:
(أحدهما) ونقل عن سفيان وغيره كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال، ويدل له حديث أبي هريرة: «إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم». (5) رواه الترمذيّ.
(والثاني): أنّ الباء (6) في الموضعين مدلولها مختلف، ففي الآية باء المقابلة، وهي الداخلة على الأعواض وفي الحديث للسببية لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب. ومنهم من عكس هذا الجواب وقال: الباء في الآية للسببية، وفي الحديث للعوض» (7)، وقد جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «سدّدوا وقاربوا واعلموا أن أحدا
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية 3/ 60غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.
(3) هذه العبارة منقولة بتصرف عن الفخر الرازي في التفسير 12/ 50عند تفسير سورة المائدة.
(4) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 294كتاب الرقاق (81)، باب القصد والمداومة على العمل (18)، الحديث (6464) واللفظ له، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2170كتاب صفات المنافقين (50)، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (17)، الحديث (75/ 2816).
(5) الحديث أخرجه الترمذي في السنن 4/ 685كتاب صفة الجنة (38)، باب ما جاء في سوق الجنة (15)، الحديث (2549). وهي العبارة الأولى من حديث طويل، وأخرجه ابن ماجة في السنن 2/ 1450كتاب الزهد (37)، باب صفة الجنة (39) الحديث (4336).
(6) الكلام على الباء في الحديث «بعمله» ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 2/ 104عند كلامه على حرف الباء.
(7) ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 11/ 295كتاب الرقاق (81)، باب القصد والمداومة(2/194)
منكم لن ينجو بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته» (1). ومنه قوله تعالى مخبرا عن خلق السموات والأرض وما بينهما: {فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ} (الفرقان: 59) فإنه يقتضي أن يكون يوما من أيام الجمعة (2) [بقي لم يخلق فيه شيء. والظاهر من الأحاديث الصّحاح أن الخلق ابتدأ يوم الأحد وخلق آدم يوم الجمعة] (2)
آخر الأشياء، فهذا يستقيم مع الآية الشريفة ووقع في «صحيح مسلم» أن الخلق ابتدأ يوم السبت (4)، فهذا بخلاف الآية اللهم إلّا أن يكون أراد في الآية
__________
(18)، أقوالا في الجمع بين الآية والحديث «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» عن ابن بطال، وابن الجوزي، وابن القيم، وابن هشام فانظره.
(1) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 294الحديث (6467)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2170الحديث (76/ 2816) واللفظ له.
(2) ليست في المخطوطة.
(4) أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2149من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب صفات المنافقين
(50)، باب ابتداء الخلق (1)، الحديث (27/ 2789)، وذكر ابن القيم في المنار المنيف ص 8684الفصل (19)، الحديث (153) كلاما حول الحديث فقال: (ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة: «خلق الله التّربة يوم السبت» الحديث. وهو في «صحيح مسلم»، ولكن وقع الغلط في رفعه، وإنما هو من قول كعب الأحبار، كذلك قال إمام أهل الحديث: محمد بن إسماعيل البخاري في «تاريخه الكبير». وقاله غيره من علماء المسلمين أيضا، وهو كما قالوا، لأن الله أخبر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وهذا الحديث يقتضي أن مدة التخليق سبعة أيام والله تعالى أعلم). وقد علق أستاذنا فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة على كلام ابن القيم في حاشيته فقال (ونصّه بسنده ومتنه: «حدّثني سريج بن يونس وهارون بن عبد الله، قالا: حدّثنا حجّاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أميّة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة: عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل». قال العلامة المناوي في فيض القدير 3/ 448 «قال الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة ص 212الباب السابع في القصص أخرجه مسلم وهو من غرائبه، وقد تكلّم فيه أي في هذا الحديث ابن المديني والبخاري وغيرهما من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه منه، لكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا. وقد حرّر ذلك البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» ص 383و 384 وذكره ابن كثير في «تفسيره». وقال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك أنه ليس(2/195)
[الشريفة] (1) جميع الأشياء غير آدم، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض، لأن آدم حينئذ لم يكن فيما بينهما.
__________
فيه ذكر (خلق السموات)، وفيه ذكر (خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام)، وهذا خلاف القرآن، لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين».
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/ 230في سورة الأعراف، عند الآية 54وفي سورة السجدة 3/ 466 عند الآية 4، وفي سورة فصّلت 4/ 102عند الآية 129، ما خلاصته: «فأما حديث أبي هريرة
فقد رواه مسلم والنسائي في كتابيهما، من حديث ابن جريج، وهو من غرائب الصحيح، ففيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال: {فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ}. ولهذا تكلّم البخاريّ وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار ليس مرفوعا. وقد علّله البخاري في التاريخ الكبير 1/ 1/ 413فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو الأصح».
وللشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي اليماني رحمه الله تعالى في الأنوار الكاشفة ص 193188 كلام طويل حول هذا الحديث وتوجيه رواية أبي هريرة هذه، فانظره).
(1) ليست في المخطوطة.(2/196)
النوع السادس والثلاثون في (1) معرفة المحكم من المتشابه (2)
قال الله [تعالى]: {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} (آل
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) للتوسع في هذا النوع انظر: الفهرست لابن النديم ص 39الفن الثالث من المقالة الأولى: الكتب المؤلفة في متشابه القرآن، والإتقان للسيوطي 3/ 323النوع الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه، ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 400علم معرفة المحكم والمتشابه، وكشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1616 علم المحكم والمتشابه من فروع علم التفسير (مقتصرا على العنوان)، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 509 علم معرفة المحكم والمتشابه، ومناهل العرفان للزرقاني 2/ 166المبحث الخامس عشر في محكم القرآن ومتشابهه، وفهرس الخزانة التيمورية ص 134130القسم الثامن من التفسير (المتشابه)، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص 605601متشابه القرآن، ومعجم مصنفات القرآن الكريم لعلي الشواخ 4/ 206191المحكم والمتشابه في القرآن الكريم، وآيات متشابهات حول سيرة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم لحسن الشيخة (مقال في مجلة منبر الإسلام السنة (24) العدد (2) سنة 1386هـ / 1966م)، وموقف الراسخين في العلم من المتشابه لمحمد عبد الستار نصار (مقال في مجلة الأزهر السنة (38) العدد (5) 1386هـ / 1966م)، والمتشابه من القرآن لمصطفى عبد الواحد (مقال في مجلة الأزهر السنة (38) العدد (5) 1386هـ / 1966م)، ودفاع عن العقائد والمثل الإسلامية، المحكم والمتشابه لمحمد محمد المدني (مقال في مجلة منبر الإسلام السنة (15) العدد (7) 1377هـ / 1957م) والمتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلبي (طبع بدار الفكر في بيروت 1986هـ / 1966م) ومتشابه القرآن دراسة لعدنان زرزور (طبع بدار الفتح في دمشق 1930هـ / 1970م)، والبرهان في متشابه القرآن دراسة لناصر بن سليمان العمر (انظر أخبار التراث العربي 7/ 24) وانظر أيضا مصادر النوع الخامس والثلاثين من هذا الكتاب معرفة موهم المختلف فإنه ذو صلة بالمحكم والمتشابه.
* ومما ألف في هذا النوع سوى ما ذكره الزركشي: «بيان ما ضلّت به الزنادقة في متشابه القرآن» لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ت 241هـ مخطوط في مكتبة دار الكتب الظاهرية 7659ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية ص 607) * «كتاب التنزيه وذكر متشابه القرآن» للنوبختي حسن بن موسى ت 310هـ (إيضاح المكنون 4/ 283) * «تأويلات القرآن» لمحمد بن محمد بن محمود أبي منصور(2/197)
__________
الماتريدي ت 333هـ (الأعلام 7/ 242) * «متشابه القرآن» لعبد الجبار بن أحمد المعتزلي (ت 415هـ) طبع بتحقيق عدنان زرزور بالقاهرة دار التراث عام 1389هـ / 1969م. * «تأويل المتشابهات في الأخبار والآيات» لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ت 429هـ (الأعلام 4/ 48) * «حل متشابهات القرآن» للحسين بن محمد بن الفضل أبي القاسم الراغب الأصفهاني ت 502هـ (الأعلام 2/ 279). * «باهر البرهان في مشكلات معاني القرآن» لأبي القاسم محمود بن علي بن الحسين النيسابوري القزويني الشهير ببيان 553هـ (إيضاح المكنون: 1/ 162) * «تأويل متشابهات القرآن» لابن شهرآشوب ت 588هـ (الأعلام 6/ 279). * «التبيان في مسائل القرآن» وفيه رد على الحلولية والجهمية، للقزويني أحمد بن إسماعيل ت 590هـ (الأعلام 1/ 93) * «مجالس في المتشابه من الآيات القرآنية» لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ت 597هـ (الأعلام 4/ 89). * «درة التنزيل وغرة التأويل في المتشابه» لأبي الفضائل الرازي، محمد بن عمر (ت 606هـ) وليس هو الإمام فخر الدين الرازي المشهور صاحب «التفسير الكبير» وإن كان يوافقه في الاسم والنسبة وسنة الوفاة، فليحرّر وكتابه مخطوط بدار الكتب المصرية رقم (440) تفسير (بروكلمان مترجم 1/ 506) * «بيان مشتبه القرآن» لعيسى بن عبد العزيز بن عبد الواحد اللخمي الاسكندري الشريشي الأصل ت 669هـ (غاية النهاية 1/ 609) * «رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات» نسب لأبي بكر محيي الدين بن عربي (ت 638هـ) خطأ، والصواب أنه لابن اللبان أبي عبد الله محمد بن أحمد ت 749هـ (انظر فهرس الخزانة التيمورية ص 131). والكتاب مطبوع في بيروت بنادي الكتب الثقافية عام 1328هـ / 1900م وأعيد طبعه عام 1351هـ / 1932م (معجم الدراسات القرآنية ص 602). * «رسالة الآيات البينات في تفسير بعض آيات متشابهات القرآن الكريم» لمحمد بن سليمان بن الحسن جمال الدين ابن النقيب (ت 698هـ) مخطوط بالأزهر رقم 95 مجاميع 14479. (معجم الدراسات القرآنية ص 608) * «ملاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه من آي التنزيل» لابن الزبير الغرناطي أحمد بن إبراهيم بن الزبير (ت 708هـ) طبع بتحقيق سعيد الفلاح بدار الغرب الإسلامي في بيروت 1403هـ / 1983م.
* «الإكليل في المتشابه والتأويل» لابن تيمية تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) طبع ضمن مجموعة الرسائل الكبرى، بمصر المطبعة الشرفية عام 1323هـ / 1905م وطبع بالقاهرة مطبعة دار التأليف عام 1367هـ / 1947م وصور بالمطبعة السلفية بالقاهرة عن طبعة دار التأليف عام 1393هـ / 1973م * «تبيين المتشابه من كتاب الله المكرم وحديث نبيه المعظم» تقدم التعريف به وأنه ينسب خطأ لمحيي الدين بن عربي والصواب أنه لابن بلبان أبي عبد الله محمد بن أحمد (ت 749هـ) مخطوط بالخزانة التيمورية رقم 495، 496، 550، ويسمى الكتاب أيضا «إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات» و «متشابه القرآن والحديث» و «رد معاني الآيات المتشابهات» و «رد المتشابه إلى المحكم» و «إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المشتبهات (المتشابهات) * الآيات المحكمات والمتشابهات» لمرعي بن يوسف بن أحمد والمقدسي الحنبلي ت 1033هـ (إيضاح المكنون 1/ 7). * «حل مشاكل القرآن» للشيخ جعفر الأسترآباذي الشيعي ت 1263هـ (إيضاح المكنون 3/ 417). المجاهيل: * «تأويل متشابه القرآن(2/198)
عمران: 7) قيل: ولا يدلّ على الحصر في هذين الشيئين، فإنه ليس [فيه] (1) شيء من الطرق الدالة عليه، وقد قال: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44) والمتشابه لا يرجى بيانه، والمحكم لا توقف معرفته على البيان.
وقد حكى الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (2) في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
(أحدها): أنّ القرآن كلّه محكم لقوله تعالى: {كِتََابٌ أُحْكِمَتْ آيََاتُهُ} (هود: 1).
(والثاني): كله متشابه لقوله تعالى: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً} (الزمر:
23). (والثالث) وهو الصحيح أن منه محكما (3) ومنه متشابها، لقوله تعالى: {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ [وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ]} [4] (آل عمران: 7).
فأما المحكم فأصله لغة: المنع تقول: أحكمت بمعنى رددت، ومنعت، والحاكم لمنعه الظالم من الظلم، وحكمة اللجام هي التي تمنع الفرس من الاضطراب وأما في الاصطلاح فهو ما أحكمه في الأمر (5) والنهي وبيان الحلال والحرام. (وقيل):
هو مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} (البقرة: 43). (وقيل): هو الذي لم ينسخ لقوله تعالى: {[قُلْ تَعََالَوْا]} [6] أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (الأنعام: 151) وقوله:
{وَقَضى ََ رَبُّكَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ} (الإسراء: 23) إلى آخر الآيات. وهي سبعة عشر حكما مذكورة في سورة الأنعام وفي سورة بني إسرائيل. (وقيل): هو الناسخ. (وقيل):
الفرائض والوعد والوعيد. (وقيل): الذي وعد عليه ثوابا أو عقابا، وقيل الذي تأويله تنزيله بجعل القلوب تعرفه عند سماعه، كقوله: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) و {لَيْسَ}
__________
على قواعد أهل العدل» لأبي طاهر الطرثيثي (؟) مخطوط بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء رقم 15مجموع (معجم الدراسات القرآنية 607) * «المحكم والمتشابه في القرآن والحديث» (مجهول) مخطوط سوهاج 28تفسير، معهد المخطوطات رقم 236. (معجم الدراسات القرآنية ص 612). * «تأويل المتشابهات القرآنية» لأمر الله محمد (؟) طبع بالقاهرة مطبعة السلام عام 1354هـ / 1936م (معجم الدراسات القرآنية 601). * «بيان المشتبه من معاني القرآن الكريم» لحسن محمد موسى (؟) طبع في الاسكندرية: جمعية الحرية عام 1376هـ / 1956م (معجم مصنفات القرآن 4/ 209).
(1) ليست في المخطوطة.
(2) تقدم التعريف به في 1/ 279.
(3) في المخطوطة (أنه محكم ومنه متشابه).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) عبارة المطبوعة (ما أحكمته بالأمر).
(6) ليست في المخطوطة.(2/199)
{كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11). (وقيل): ما لا يحتمل في التأويل إلا وجها واحدا.
(وقيل): ما تكرر لفظه.
وأما المتشابه (1) فأصله أن يشتبه اللفظ في الظاهر مع اختلاف المعاني، كما قال [تعالى] في وصف ثمر الجنة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشََابِهاً} (البقرة: 25) أي متّفق المناظر، مختلف الطّعوم، ويقال للغامض: متشابه، لأن جهة الشبه فيه كما تقول لحروف التهجّي (2).
والمتشابه مثل المشكل، لأنه [86/ أ] أشكل، أي دخل في شكل غيره وشاكله.
واختلفوا فيه (فقيل) هو المشتبه الذي يشبه بعضه بعضا (وقيل) هو المنسوخ الغير معمول به (وقيل) القصص والأمثال (وقيل) ما أمرت أن تؤمن به وتكل علمه إلى عالمه (وقيل) فواتح السور (وقيل) ما لا يدرى إلا بالتأويل، ولا بد من صرفه إليه كقوله:
{تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (القمر: 14) و {عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} (الزمر: 56) (وقيل) الآيات التي يذكر فيها وقت الساعة (3)، ومجيء الغيث، وانقطاع الآجال كقوله:
{إِنَّ اللََّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السََّاعَةِ} (لقمان: 34) (وقيل) ما يحتمل وجوها، والمحكم ما يحتمل وجها واحدا. وقيل: [ما] (4) لا يستقل بنفسه، إلا بردّه إلى غيره. وقيل: غير ذلك. وكلّها متقارب.
وفصل الخطاب في ذلك أنّ الله سبحانه [وتعالى] قسم الحقّ بين عباده، فأولاهم بالصواب من عبر بخطابه عن حقيقة المراد قال سبحانه [وتعالى]: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44) ثم (5) قال: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ}
(القيامة: 19) أي على لسانك وألسنة العلماء من أمّتك، وكلام السلف راجع إلى المشتبه بوجه لا إلى المقصود المعبّر عنه بالمتشابه في خطابه، لأنّ المعاني إذا دقّت تداخلت وتشابهت على من لا علم له بها كالأشجار إذا تقارب بعضها من بعض تداخلت أمثالها واشتبهت أي [أشكلت] (6) على من لم يمعن النظر في البحث عن منبعث كلّ فن منها، قال
__________
(1) هذا التعريف نقله الزركشي باختصار من كلام ابن قتيبة الدينوري في كتابه «تأويل مشكل القرآن» ص 102101في آخر باب المتشابه.
(2) عبارة ابن قتيبة: (ألا ترى أنه قد قيل للحروف المقطعة في أوائل السور متشابه، وليس الشك فيها، والوقوف عندها لمشاكلتها غيرها والتباسها بها).
(3) في المخطوط (وقت المسا).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (وقال).
(6) ليست في المطبوعة.(2/200)
تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنََّاتٍ مَعْرُوشََاتٍ [وَغَيْرَ مَعْرُوشََاتٍ]} [1] (الأنعام: 141) إلى قوله: {مُتَشََابِهاً}، وهو على اشتباكه (2) غير متشابه. وكذلك سياق معاني القرآن العزيز قد تتقارب المعاني ويتقدم الخطاب بعضه على بعض، ويتأخر بعضه عن بعض لحكمة الله [تعالى] في ترتيب الخطاب والوجود، فتشتبك المعاني وتشكل إلّا على أولي الألباب، فيقال في هذا الفن متشابه بعضه ببعض.
وأما المتشابه من القرآن العزيز فهو يشابه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز والبشارة والنذارة وكلّ ما جاء به وأنه من عند الله، [فذمّ] (3) سبحانه الذين يتبعون ما تشابه منه عليهم افتنانا وتضليلا، فهم بذلك يتّبعون ما تشابه [منه] (4) عليهم تناصرا وتعاضدا للفتنة والإضلال.
تفريعات
الأول: الأشياء [التي] (5) يجب ردّها عند الإشكال إلى أصولها.
فيجب ردّ المتشابهات في الذات والصفات إلى محكم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(الشورى: 11).
ورد المتشابهات في الأفعال إلى قوله: {قُلْ فَلِلََّهِ الْحُجَّةُ الْبََالِغَةُ} (الأنعام: 149).
وكذلك الآيات الموهمة نسبة الأفعال لغير الله [تعالى] من الشيطان والنفس، تردّ إلى محكم قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} (الأنعام: 125).
وما كان [من] (5) ذلك عن تنزل الخطاب، أو ضرب مثال، أو عبارة عن مكان [أو زمان] (5) أو معيّة، أو ما يوهم التشبيه، فمحكم ذلك قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(الشورى: 11) وقوله: {وَلِلََّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} (النحل: 60) وقوله: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1).
ومنه ضرب في تفصيل ذكر النبوة ووصف (8) إلقاء الوحي، ومحكمه قوله تعالى: {إِنََّا}
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) في المخطوطة اشتباهه.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.
(8) في المخطوطة (وفضل).(2/201)
{نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9) وقوله: {وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ}
(النّجم: 3).
ومنه ضرب في الحلال والحرام، ومن ثم اختلف الأئمة في كثير من الأحكام بحسب فهمهم لدلالة القرآن.
ومنه شيء يتقارب فيه بين اللّمتين: لمّة الملك ولمّة الشيطان لعنه الله، ومحكم ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} (النحل: 90) الآية، ولهذا قال عقبه:
{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) أي عند ما يلقى العدو الذي لا يأمر بالخير بل بالشرّ والإلباس.
ومنه الآيات التي اختلف المفسرون [86/ ب] فيها على أقوال كثيرة تحتملها الآية، ولا يقطع على واحد من الأقوال، وأنّ مراد الله منها غير معلوم لنا مفصّلا بحيث يقطع به.
الثاني: أنّ هذه الآية من المتشابه أعني قوله: {وَأُخَرُ مُتَشََابِهََاتٌ} الآية (آل عمران: 7) من حيث تردّد الوقف فيها بين أن يكون على {إِلَّا اللََّهُ} وبين أن يكون على {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنََّا بِهِ} (آل عمران: 7)، وتردّد الواو في {وَالرََّاسِخُونَ} بين الاستئناف والعطف، ومن ثم ثار الخلاف في ذلك.
فمنهم من رجّح أنها للاستئناف، وأن الوقف على {إِلَّا اللََّهُ} وأنّ الله تعبّد من كتابه بما لا يعلمون وهو المتشابه كما تعبّدهم من دينه بما لا يعقلون وهو التعبدات ولأن قوله:
{يَقُولُونَ آمَنََّا بِهِ} متردّد بين كونه حالا فضلة، وخبرا عمدة. والثاني أولى.
ومنهم من رجّح أنها للعطف لأنّ الله تعالى لم يكلّف الخلق بما لا يعلمون وضعّف الأول، لأن الله لم ينزل شيئا من القرآن (1) إلا لينتفع به عباده ويدلّ به على معنى أراده، فلو كان المتشابه لا يعلمه غير [الله] (2) للزمنا، ولا يسوغ لأحد أن يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم المتشابه فإذا جاز أن يعرفه الرسول مع قوله: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} (آل عمران: 7) جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته، والمفسّرون من أمته. ألا ترى أن ابن
__________
(1) في عبارة المخطوطة زيادة وهي: (إلا لمنافع الخلق).
(2) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.(2/202)
عباس كان يقول: «أنا من الراسخين في العلم» (1) ويقول عند قراءة قوله في أصحاب الكهف: {مََا يَعْلَمُهُمْ إِلََّا قَلِيلٌ} (الكهف: 22) «أنا من أولئك القليل» (2).
وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (آل عمران: 7) يعلمونه و {يَقُولُونَ آمَنََّا بِهِ} (آل عمران: 7) ولو لم يكن للراسخين في العلم حظّ من المتشابه إلا أن يقولوا: {آمَنََّا} لم يكن لهم فضل على الجاهل [و] (3) لأن الكلّ قائلون ذلك، ونحن لم نر المفسرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هو متشابه لا يعلمه إلّا الله، بل أمرّوه على التفسير، حتى فسّروا الحروف المقطعة.
(فإن قيل): كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون، والله يقول: {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنََّا بِهِ} وإذا أشركهم في العلم انقطعوا عن قوله: {يَقُولُونَ} لأنه ليس هنا عطف حتى يوجب للراسخين فعلين؟ (قلنا): إنّ {يَقُولُونَ} هنا في معنى الحال كأنه قال:
{وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قائلين آمنا [به] (4) كما قال الشاعر: (5)
الرّيح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في غمامه
أي لامعا. (وقيل) المعنى «يعلمون ويقولون» فحذف واو العطف كقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} (القيامة: 22) والمعنى يقولون علمنا وآمنّا لأن الإيمان قبل العلم محال إذ لا يتصور الإيمان مع الجهل وأيضا لو لم يعلموها لم يكونوا من الراسخين، ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال.
__________
(1) الأثر أخرجه الطبري في التفسير 3/ 122عند تفسير الآية من سورة آل عمران، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 7وعزاه أيضا لابن المنذر وابن الأنباري.
(2) الأثر أخرجه الطبري في التفسير 15/ 150عند تفسير الآية (22) من سورة الكهف، وذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 217وعزاه أيضا لعبد الرزاق، والفريابي، وابن سعد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وللطبراني في «الأوسط».
(3) ساقط من المطبوعة.
(4) ساقط من المطبوعة.
(5) هو يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري أبو عثمان توفي سنة (69هـ) ذكره أبو الفرج في الأغاني 17/ 5251، والبيت في ديوانه ص 208القصيدة رقم (51) قالها في محنته، ومطلعها «أصرمت حبلك» ورواية الديوان للبيت (فالريح) ثم (الغمامة).(2/203)
الثالث: ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في أنه: هل في القرآن شيء لا تعلم الأمة تأويله؟ قال الرّاغب (1) في مقدمة «تفسيره»: وذهب عامة المتكلّمين إلى أن كلّ القرآن يجب أن يكون معلوما، وإلا لأدى (2) إلى إبطال فائدة الانتفاع به، وحملوا قوله: {وَالرََّاسِخُونَ}
بالعطف على قوله: {إِلَّا اللََّهُ}، وقوله: {يَقُولُونَ} جملة حالية.
قال: ذهب كثير من المفسّرين إلى أنه يصح أن يكون في القرآن بعض ما لا يعلم تأويله إلّا (3) الله، قال ابن عباس: «أنزل الله القرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام، ووجه لا يسع أحدا جهالته، ووجه تعرفه العرب، ووجه تأويل لا يعلمه إلا الله» (4).
وقال بعضهم: المتشابه اسم لمعنيين: (أحدهما: لما التبس من المعنى لدخول شبهه بعضه في بعض، نحو قوله: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشََابَهَ عَلَيْنََا} الآية (البقرة: 70).
(والثاني): اسم لما يوافق بعضه بعضا، ويصدّقه قوله تعالى: {كِتََاباً مُتَشََابِهاً} [87/ أ] {مَثََانِيَ} الآية (الزمر: 23).
فإن كان المراد بالمتشابه في القرآن الأول فالظاهر أنه لا يمكنهم الوصول إلى مراده، وإن جاز أن يطلعهم عليه بنوع (5) من لطفه لأنه (5) اللطيف الخبير. وإن كان المراد الثاني جاز أن يعلموا مراده.
الرابع: (قيل): ما الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده البيان والهدى؟
(قلنا): إن كان ممن يمكن علمه فله فوائد، منها: ليحثّ العلماء على النظر الموجب للعلم
__________
(1) هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني تقدم في 1/ 218، «وتفسيره» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 447، ومقدمة تفسيره طبعت باسم: «مقدمة تفسير الراغب الأصفهاني» بذيل كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن، في القاهرة بالمطبعة الجمالية 1329هـ / 1911م (معجم سركيس: 923)، ويحققه مؤخرا أحمد حسن فرحات (أخبار التراث العربي 4/ 24).
(2) في المخطوطة (وإلا أدى).
(3) تصحفت في المطبوعة إلى: «إلى».
(4) أخرجه الطبري في «مقدمة تفسيره» 1/ 26القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب، وذكره السيوطي في جمع الجوامع 1/ 156وعزاه أيضا لأبي نصر السجزي، ولابن المنذر، ولابن الأنباري.
(5) في المخطوطة تصحفت إلى (من لفظه لأن اللطيف).(2/204)
بغوامضه، والبحث عن دقائق معانيه، فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب، وحذرا مما قال المشركون: {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ} (الزخرف: 22)، وليمتحنهم ويثيبهم كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} الآية (الروم: 27) وقوله (1):
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} (سبأ: 4) فنبّههم على أن أعلى المنازل هو الثواب، فلو كان القرآن كلّه محكما لا يحتاج إلى تأويل لسقطت المحنة، وبطل التفاضل، واستوت منازل الخلق، ولم يفعل الله ذلك، بل جعل بعضه محكما ليكون أصلا للرجوع إليه، وبعضه متشابها يحتاج إلى الاستنباط والاستخراج وردّه إلى المحكم، ليستحقّ بذلك الثواب الذي هو الغرض، وقد قال تعالى: {وَلَمََّا يَعْلَمِ اللََّهُ الَّذِينَ جََاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصََّابِرِينَ} (آل عمران: 142) ومنها: إظهار فضل العالم على الجاهل، ويستدعيه علمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله، لتحصل له درجة الفضل، والأنفس الشريفة تتشوّف لطلب العلم وتحصيله.
وأمّا إن كان ممن لا يمكن علمه فله فوائد، منها: إنزاله ابتلاء وامتحانا بالوقف فيه والتعبّد بالاشتغال من جهة التلاوة وقضاء فرضها، وإن لم يقفوا على ما فيها من المراد الذي يجب العمل (2) به، اعتبارا بتلاوة المنسوخ من القرآن وإن لم يجز العمل بما فيه من الحكم (3). ويجوز أن يمتحنهم بالإيمان بها (4) [وإن لم يقفوا على حقيقة المراد، فيكون هذا نوع امتحان، وفي ذلك هدم لمذهب الاعتزال] (4) حيث ادّعوا وجوب رعاية الأصلح.
ومنها: إقامة الحجة [بها] (6) عليهم وذلك إنما نزل بلسانهم ولغتهم، ثم عجزوا عن الوقوف على ما فيها مع بلاغتهم وأفهامهم فيدلّ على أن الذي أعجزهم عن الوقوف هو الذي أعجزهم عن تكرر الوقوف عليها، وهو الله سبحانه.
الخامس: أثار بعضهم سؤالا وهو: هل للمحكم مزيّة على المتشابه بما يدل عليه، أو هما سواء؟ والثاني خلاف الإجماع، والأول ينقض أصلكم أن جميع كلامه سبحانه سواء، وأنه نزل بالحكمة. وأجاب أبو عبد الله محمد بن أحمد البكرآباذي بأن المحكم كالمتشابه من
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (إلى قوله).
(2) في المخطوطة (العلم).
(3) في المطبوعة (من المحكم).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(6) ساقطة من المخطوطة.(2/205)
وجه، ويخالفه من وجه، فيتفقان في أنّ الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع، وأنه لا يختار القبيح. ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه الواحد، فمن سمعه أمكنه أن يستدلّ (1) به في الحال (1)، والمتشابه يحتاج إلى ذكر مبتدا ونظر مجدّد عند (3) سماعه ليحمله على الوجه المطابق ولأن المحكم اصل، والعلم بالأصل أسبق، ولأن المحكم يعلم مفصّلا، والمتشابه لا يعلم إلا مجملا.
(فإن قيل) إذا كان المحكم بالوضع كالمتشابه، وقد قلتم إنّ من حق هذه اللغة أن يصحّ فيها الاحتمال ويسوغ التأويل، فبما يميّز المحكم في أنّه لا بدّ له من مزية، سيما والناس قد اختلفوا فيهما كاختلافهم في المذاهب، فالمحكم عند السّنّيّ متشابه عند القدريّ؟
(فالجواب) أنّ الوجه الذي أوردته يلجئ (4) إلى الرجوع إلى العقول (4) فيما يتعلق بالتفريد والتنزيه، فإن العلم بصحة خطابه يفتقر إلى العلم بحكمته، وذلك يتعلق بصفاته، فلا بدّ من تقدم معرفته ليصح له مخرج كلامه، فأما في [87/ ب] الكلام فيما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من مزية للمحكم، وهو أن يدلّ ظاهره على المراد أو يقتضي بالضمانة أنّه مما لا يحتمل الوجه الواحد.
وللمحكم في باب الحجاج عند غير المخالف مزية، لأنه يمكن أن يبين له أنه مخالف للقرآن، وأنّ ظاهر المحكم يدل على خلاف ما ذهب إليه، وإن تمسّك بمتشابه القرآن، وعدل عن محكمه، لما أنه تمسّك بالشبه العقلية وعدل عن الأدلّة السمعية، وذلك لطف وبعث على النظر، لأن المخالف المتديّن يؤثر ذلك ليتفكر فيه ويعمل، فإنّ اللغة وإن توقفت محتملة، ففيها ما يدل ظاهره على أمر واحد، وإن جاز صرفه إلى غيره بالدليل، ثم يختلف، ففيه ما يكره صرفه لاستبعاده في اللغة.
__________
(1) في المخطوطة (في الحال به).
(3) في المخطوطة (عن).
(4) في المخطوطة (يرجي إلى الرجوع إلى القبول).(2/206)
النوع السابع والثلاثون في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصّفات (1)
وقد اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق: (أحدها) أنّه لا مدخل للتأويل فيها بل تجرى على ظاهرها، ولا تؤوّل شيئا منها، وهم المشبّهة.
(والثاني) أنّ لها تأويلا، ولكنا نمسك (2) عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن الشّبه والتعطيل، ونقول: لا يعلمه إلا الله وهو قول السّلف. (والثالث) أنها مؤولة، وأوّلوها على ما يليق به. والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة، فنقل الإمساك عن أم سلمة أنها سئلت عن الاستواء فقالت: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة» (3). وكذلك سئل عنه مالك فأجاب بما قالته أمّ سلمة، إلّا أنه زاد فيها «أن من عاد إلى هذا السؤال عنه أضرب عنقه» (4). وكذلك سئل سفيان الثوري فقال: [أفهم] (5) من قوله: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} (طه: 5) (5) [ما أفهم من قوله: {ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ} (فصلت: 11) وسئل الأوزاعيّ عن تفسير هذه الآية فقال: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ}] (5) كما قال، وإني لأراك ضالا. وسئل [إسحاق] (8) بن راهويه عن
__________
(1) للتوسع في هذا النوع راجع مصادر النوعين السابقين.
(2) في المخطوطة (ولكنا في غنا عنه).
(3) الأثر أخرجه اللالكائي في كتاب «السنة» 3/ 397في سياق ما روي في قوله تعالى {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} ونص الرواية: (قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر).
(4) قول الإمام مالك أخرجه اللالكائي في كتاب «السنة» 3/ 398وليس في رواية اللالكائي الزيادة المذكورة «أن من عاد إلى هذا».
(5) ليست في المخطوطة.
(8) ليست في المطبوعة.(2/207)
الاستواء، أقائم هو أم قاعد؟ فقال: «لا يملّ عن القيام حتى يقعد، ولا يملّ عن القعود حتى يقوم، وأنت إلى غير هذا السؤال أحوج».
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: «وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها» (1). وأفصح الغزاليّ عنهم في غير موضع بنهجين ما سواها حتى ألجم آخرا في «إلجامه» كلّ عالم أو عامّيّ عما عداها. قال: وهو كتاب «إلجام العوام عن علم الكلام» (2) [وهو] (3) آخر تصانيف الغزالي مطلقا، [أو] (3) آخر تصانيفه في أصول الدين، حثّ فيه على مذاهب السلف ومن تبعهم.
وممن نقل عنه التأويل عليّ، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم.
وقال الغزاليّ في كتاب «التفرقة بين الإسلام والزندقة» (5): إن الإمام أحمد أوّل في ثلاثة مواضع، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين.
(قلت): وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى (6) تأويل أحمد في قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} (الأنعام: 158) قال: وهل هو إلا أمره، بدليل قوله: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} (النحل: 33) واختار ابن برهان (7) وغيره من الأشعرية التأويل، قال: ومنشأ الخلاف بين الفريقين:
__________
(1) قول ابن الصلاح نقله مرعي بن يوسف الكرمي في أقاويل الثقات ص 66.
(2) طبع في الآستانة 1287هـ / 1870م، وفي الهند مدراس 1306هـ / 1884م، وفي مصر مطبعة المدارس 1306هـ / 1884م وسنة 1309هـ / 1887م، وطبع ضمن عنوان: أربع رسائل للغزالي في القاهرة بالمطبعة الإسلامية سنة 1303هـ / 1881م وسنة 1309هـ / 1887م، وفي الهند بمبئي 1313هـ / 1891م (معجم سركيس ص 1410)، ثم طبع في بيروت بدار الكتب العربي بتحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي سنة 1406هـ / 1985م، وانظر كلامه الذي أشار إليه ابن الصلاح في الباب الأول من الكتاب في شرح اعتقاد السلف ص 53.
(3) ليست في المطبوعة.
(5) طبع في مصر بمطبعة الترقي 1319هـ / 1897م، وطبع في مصر 1325هـ / 1903م ومعه خمس رسائل للمؤلف، وفي القاهرة بمكتبة عيسى البابي بتحقيق سليمان دنيا 1373هـ / 1961م (معجم المنجد 2/ 102).
(6) هو محمد بن الحسين بن محمد الفراء تقدم في 2/ 128.
(7) هو أحمد بن علي بن برهان وبرهان بفتح الباء كذا ضبطه الذهبي في المشتبه 1/ 70أبو الفتح البغدادي(2/208)
أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز، فلهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله.
وعندنا لا يجوز ذلك، بل الراسخون يعلمونه.
(قلت): وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المشابهة (1) والجسمية في حق البارئ تعالى، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول، بل التغاير إنما يكون (2)
في الألفاظ، واستعمال المجاز لغة العرب [88/ أ]. وإنما قلنا: لا تغاير بينهما في الأصول [لما علم بالدليل] (3) أنّ العقل لا يكذّب ما ورد به الشرع، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا، ولو تصوّر كذبه العقل في شيء لتصوّر كذبه في صدق الشرع، فمن طالت ممارسته للعلوم، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما لكنه لا يخلو من أحد أمرين، إما تأويل يبعد عن الأفهام، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة، والطمع في تلفيق كلّ ما يرد مستحيل المرام، والمردّ إلى قوله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11).
ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين، حاكين كلامهم.
فمن ذلك صفة الاستواء، فحكى مقاتل، والكلبي، عن ابن عباس أن {اسْتَوى ََ}
(طه: 5) بمعنى [استقر] (4)، وهذا إن صحّ يحتاج إلى تأويل، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم. وعن المعتزلة بمعنى استولى وقهر [وغلب] (5)، وردّ بوجهين: (أحدهما) بأنّ الله تعالى مستول على الكونين، والجنة والنار [وأهلهما] (6) فأيّ فائدة في تخصيص العرش!
__________
الشافعي ولد سنة (499هـ) وتفقه على الغزالي والشاشي، كان ذكيا يضرب به المثل لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه، تصدر للإفادة مدة وصار من أعلام الدين وله كتاب «البسيط» و «الوجيز» وغيرهما، مات كهلا سنة (518هـ) (سير أعلام النبلاء 19/ 456).
(1) كذا في المخطوطة، وفي المطبوعة (المتشابه).
(2) في المخطوطة (يقع).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المخطوطة، وعبارة المخطوطة بعدها: (وهذا وإن صح).
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ليست في المخطوطة.(2/209)
(الثاني) أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة، والله تعالى منزّه عن ذلك قاله ابن الأعرابي (1).
وقال أبو عبيد (2): بمعنى «صعد»، وردّ بأنه يوجب هبوطا منه تعالى حتى يصعد، وهو منفيّ عن الله.
وقيل: (3) «الرّحمن على والعرش له استوى (3)»، فجعل «علا» فعلا لا حرفا حكاه الأستاذ إسماعيل الضرير (5) في «تفسيره» ورد (6) بوجهين: (أحدهما) أنه جعل الصفة فعلا [وهو على] (7)، ومصاحف أهل الشام والعراق والحجاز قاطعة بأن «على» هنا حرف، ولو كان فعلا لكتبوها باللام ألف كقوله: {وَلَعَلََا بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ} (المؤمنون: 91) (والثاني) أنه رفع العرش ولم يرفعه أحد من القراء.
وقيل: تمّ الكلام عند قوله: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ}، ثم ابتدأ بقوله: {اسْتَوى ََ * لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} (طه: 5و 6) وهذا ركيك يزيل الآية عن نظمها ومرادها.
قال الأستاذ (8): والصواب ما قاله الفرّاء (9) والأشعري وجماعة من أهل المعاني، أن
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن زياد، أبو سعيد بن الأعرابي، المحدث القدوة الصوفي شيخ الإسلام، روي عن الحسن الزعفراني وابن منده وابن جميع وخلائق، كان ثقة عابدا كبير القدر صحب الجنيد، وله «طبقات النسّاك» توفي سنة 340هـ (سير أعلام النبلاء 15/ 407).
(2) هو القاسم بن سلام تقدم التعريف به في 1/ 119.
(3) في المطبوعة: الرحمن على العرش استوى.
(5) هو إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الضرير، أبو عبد الرحمن الحيري، المقرئ المفسّر الزاهد، أحد أئمة المسلمين ولد سنة (361) ورحل في طلب الحديث كثيرا. وسمع من زاهر السرخسي. روى عنه الخطيب أبو بكر. له تصانيف مشهورة في القرآن والقراءات والحديث والوعظ. كان مفيدا نفّاعا للخلق مباركا في علمه وله «تفسير» ت 430هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 104)، وتفسيره ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1498باسم «الكفاية في التفسير».
(6) في المخطوطة (وحكاه) وفي نسخة (وخطّأه)، والصواب ما في المطبوعة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) هو إسماعيل الضرير المتقدّم.
(9) انظر قول الفراء في كتابه معاني القرآن 1/ 25في تفسير سورة البقرة الآية (29).(2/210)
معنى قوله: {اسْتَوى ََ} أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه، فسماه استواء، كقوله:
{ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ وَهِيَ دُخََانٌ} (فصّلت: 11) أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا، قال: وهذا القول مرضيّ عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه.
قال الأشعريّ: {عَلى ََ} هنا بمعنى «في» كما قال تعالى: {(1) [عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ} (البقرة: 102) ومعناه أحدث الله في العرش فعلا سماه استواء، كما فعل فعلا سماه فضلا ونعمة، قال تعالى] (1): {وَلََكِنَّ اللََّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمََانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيََانَ أُولََئِكَ هُمُ الرََّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللََّهِ وَنِعْمَةً} (الحجرات:
7 - و 8) فسمى التحبيب والتكريه فضلا ونعمة. وكذلك قوله: {فَأَتَى اللََّهُ بُنْيََانَهُمْ مِنَ الْقَوََاعِدِ} (النحل: 26) أي فخرب الله بنيانهم، وقال: {فَأَتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (الحشر: 2) أي قصدهم. وكما أن التخريب والتعذيب سمّاهما إتيانا فكذلك أحدث فعلا بالعرش سماه استواء.
قال: وهذا قول مرضيّ عند العلماء لسلامته من التشبيه والتعطيل، وللعرش خصوصية ليست لغيره من المخلوقات، لأنه أول خلق الله وأعظم، والملائكة حافّون به، ودرجة الوسيلة متصلة به، وأنه سقف الجنة، وغير ذلك.
وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي وَلََا أَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِكَ} (المائدة: 116) قيل: النفس هاهنا الغيث، تشبيها له بالنفس، لأنه مستتر كالنفس.
قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ} (آل عمران: 28) أي عقوبته. وقيل: يحذركم الله إياه.
قوله تعالى: {وَهُوَ اللََّهُ فِي السَّمََاوََاتِ وَفِي الْأَرْضِ} (الأنعام: 3) اختار البيهقيّ [أن] (3) معناه أنه المعبود في السموات والأرض، مثل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمََاءِ إِلََهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلََهٌ} (الزخرف: 84) وهذا القول هو أصحّ الأقوال. وقال الأشعري في «الموجز» (4): {وَهُوَ اللََّهُ فِي السَّمََاوََاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ} (الأنعام: 3)
__________
(1) ساقط من المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة.
(4) كتاب «الموجز» للإمام الأشعري ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 129، وقال: (يشتمل على(2/211)
[88/ ب] أي عالم بما فيهما، وقيل: {وَهُوَ اللََّهُ فِي السَّمََاوََاتِ} جملة تامة: {وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ} كلام آخر، وهذا قول المجسّمة، واستدلت (1) الجهمية بهذه الآية على أنّه تعالى في كل مكان، وظاهر ما فهموه من الآية من أسخف الأقوال.
قوله تعالى: {وَجََاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا} [2] (الفجر: 22)، قيل: استعارة الواو موضع الباء لمناسبة بينهما في معنى الجمع، إذ [الباء] (3) موضوعة للإلصاق وهو جمع، والواو موضوعة للجمع، والحروف ينوب بعضها عن بعض، وتقول عرفا: جاء الأمير بالجيش، إذا كان مجيئهم مضافا إليه بتسليطه أو بأمره، ولا شك أن الملك إنما يجيء بأمره على ما قال تعالى: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأنبياء: 27) فصار كما لو صرّح به. وقال: جاء الملك بأمر ربك، وهو كقوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} (المائدة: 24) أي اذهب أنت بربّك، أي بتوفيق ربك وقوّته، إذ معلوم أنه إنما يقاتل بذلك من حيث صرف الكلام إلى المفهوم في العرف.
قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} (القلم: 42) قال قتادة: عن شدة (4)، وقال إبراهيم النخعيّ: أي عن أمر عظيم، قال الشاعر:
وقامت الحرب [بنا] (5) على ساق (6)
وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة وجدّ فيه، شمّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة.
__________
اثني عشر كتابا على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملّة والداخلين فيها، وآخره كتاب الإمامة تكلم في إثبات إمامة الصديق).
(1) في المخطوطة (واستدلت عليه الجهمية).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) قول قتادة ذكره الطبري في تفسيره 29/ 24عند تفسير سورة القلم الآية (42).
(5) سقطت من الأصول، وهي تتمة لازمة.
(6) تمام البيت:
صبرا أمام إن شرباق ... وقامت الحرب بنا على ساق
ذكره أبو حيان في البحر المحيط 8/ 316ضمن تفسير سورة القلم، الآية (42)، وذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19/ 113ضمن تفسير سورة القيامة، الآية (29).(2/212)
قوله تعالى: {مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} (الزمر: 56) قال اللغويون: معناه ما فرطت في طاعة الله وأمره، لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك، والجنب المعهود من ذوي الجوارح لا يقع فيه تفريط البتة، فكيف يجوز وصف القديم سبحانه بما لا يجوز! قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} (الرحمن: 31) فرغ يأتي بمعنى قطع شغلا، أتفرّغ لك، أي أقصد قصدك، والآية منه، أي سنقصد لعقوبتكم، ونحكم جزاءكم.
قوله تعالى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كََاذِباً} (غافر: 37) إن قيل: لأيّ علة (1) نسب الظنّ إلى الله وهو شك؟ قيل: فيه جوابان: (أحدهما): أن يكون الظنّ لفرعون، وهو شك لأنه قال قبله: {فَأَطَّلِعَ} [2] إِلى ََ إِلََهِ مُوسى ََ (غافر: 37) وإني لأظنّ موسى كاذبا، فالظن على هذا لفرعون.
(والثاني): أن يكون تم (3) الكلام عند قوله: {أَسْبََابَ السَّمََاوََاتِ فَأَطَّلِعَ إِلى ََ إِلََهِ مُوسى ََ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ [كََاذِباً]} [4] (غافر: 37) على معنى: وإني لأعلمه كاذبا فإذا كان الظن لله، كان علما ويقينا، ولم يكن شكّا كقوله: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلََاقٍ حِسََابِيَهْ}
(الحاقة: 20).
وقوله: {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} (البقرة: 255) لم يرد سبحانه بنفي النوم والسّنة عن نفسه إثبات اليقظة والحركة لأنّه لا يقال لله تعالى: يقظان ولا نائم، لأن اليقظان (5) لا يكون إلا عن نوم، ولا يجوز وصف القديم به، وإنما أراد بذلك نفي الجهل والغفلة، كقوله: ما أنا عنك بغافل.
قوله [تعالى]: {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) قال السّهيليّ (6): اليد في الأصل كالمصدر، عبارة عن صفة لموصوف، ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصََارِ} (ص: 45) ولم يمدحهم بالجوارح لأن المدح إنما
__________
(1) في المخطوطة (لأي شيء).
(2) تصحفت في المخطوطة إلى: (لعلي أطلع).
(3) في المخطوطة (الكلام تمّ).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) في المخطوطة (لأن اليقظة).
(6) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في 1/ 242.(2/213)
يتعلق بالصفات لا بالجواهر، قال: وإذا ثبت هذا فصحّ قول الأشعري: إن اليدين في قوله تعالى: {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) صفة ورد بها الشرع، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه، ولا بمعنى النعمة، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف، وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذاهب المشبّهة.
فإن قيل: وكيف خوطبوا بما لا يعلمون إذ اليد بمعنى الصفة لا يعرفونه، ولذلك لم يسأل أحد منهم عن معناها، ولا خاف على نفسه توهّم التشبيه، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه، وكذلك الكفار، لو كان لا يعقل (1) عندهم إلا في الجارحة لتعلّقوا بها في دعوى التناقض، واحتجّوا بها على الرسول، ولقالوا: زعمت [89/ أ] أنّ الله ليس كمثله شيء، ثم تخبر أنّ له يدا، ولمّا [لم] (2) ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر، علم أن الأمر عندهم كان جليّا لا خفاء (3)
به، لأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا، ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة، وربّ مجاز كثير استعمل حتى نسي أصله، وتركت صفته والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخصّ، والقدرة أعمّ، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة، فاليد أخصّ من معنى القدرة، ولذا (4) كان فيها تشريف لازم.
وقال البغويّ (5) في تفسير قوله تعالى: {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) في تحقيق الله [تعالى] التثنية في اليد دليل على أنه ليس بمعنى النعمة [والقوة] (6) والقدرة، وإنما هما صفتان من صفات ذاته. قال مجاهد (7): اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة مجاز {لِمََا خَلَقْتُ} كقوله: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ} (الرحمن: 27) قال البغويّ: وهذا تأويل غير قويّ لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول: إن كنت خلقته فقد خلقتني، وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مزيّة على إبليس. وأما قوله تعالى: {مِمََّا عَمِلَتْ}
__________
(1) في المخطوطة (لا يقبل عندهم).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (جليا لا خفيا).
(4) في المخطوطة (ولذلك).
(5) انظر قول البغوي في تفسيره 2/ 50 (طبعة المعرفة ببيروت) في الكلام على الآية (64) من سورة المائدة: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ} قال البغوي ما نصّه: (ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه» وقال جل ذكره: {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كلتا يديه يمين» [صحيح مسلم:
3/ 1458، كتاب الإمارة، الحديث 18/ 1827من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص] والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم).
(6) ليست في المخطوطة.
(7) قول مجاهد ليس في تفسيره المطبوع.(2/214)
{أَيْدِينََا} (يس: 71) فإن العرب تسمّي الاثنين جمعا، كقوله تعالى: {هََذََانِ خَصْمََانِ اخْتَصَمُوا} (الحج: 19).
وأما العين في الأصل فهي صفة ومصدر لمن قامت به ثم عبّر عن حقيقة الشيء بالعين قال: وحينئذ فإضافتها للبارئ في قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} (طه: 39) حقيقة لا مجاز كما توهم أكثر الناس لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك، وإنما المجاز في تسمية العضو بها، وكلّ شيء يوهم الكيف (1) والتجسيم، فلا يضاف إلى البارئ سبحانه لا حقيقة ولا مجازا.
قال السّهيليّ: ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي لأجله قال: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} (طه: 39) بحرف {عَلى ََ} وقال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (القمر: 14) {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} (هود: 37) وما الفرق؟ والفرق أنّ الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكنونا، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذّون ويصنعون سرا (2)، فلما أراد أن يصنع موسى ويغذّى ويربّى على جليّ أمن وظهور أمر لا تحت خوف واستسرار دخلت (على) [في] (3) اللفظ تنبيها على المعنى لأنها تعطي [معنى] (3) الاستعلاء، والاستعلاء ظهور وإبداء، فكأنه سبحانه يقول: ولتصنع على [عيني] (5) أمن لا تحت خوف، وذكر العين لتضمّنها معنى الرعاية والكلأ. وأما قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (القمر: 14) {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} (هود: 37) فإنه إنما يريد في رعاية منّا وحفظ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم، فلم يحتج الكلام إلا معنى «على».
ولم يتكلم السّهيليّ على حكمة الإفراد في قصة موسى والجمع في الباقي، وله (6) سرّ لطيف، وهو إظهار الاختصاص الذي خصّ به موسى في قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}
(طه: 41) فاقتضى الاختصاص [الاختصاص] (7) الآخر في قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى ََ عَيْنِي} (طه: 39)، بخلاف قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (القمر: 14) {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} (هود: 37) فليس فيه من الاختصاص ما في صنع موسى على عينه سبحانه.
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (الكفر) ورسمها في المخطوطة موهم، والصواب ما أثبتناه.
(2) في المخطوطة والمطبوعة هي بالشين المعجمة (شرا) وسياق الكلام يقتضي كونها بالسين المهملة.
(3) ليست في المخطوطة.
(5) سقطت من المطبوعة.
(6) في المطبوعة (وهو سر لطيف).
(7) ليست في المخطوطة.(2/215)
* قال السهيلي [رحمه الله]: وأما النفس فعبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد، وقد استعمل من لفظها النفاسة والشيء النفيس، فصلحت للتعبير عنه سبحانه، بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية.
وأما الذات (1) فقد استوى أكثر الناس [بأنها] (2) معنى النفس والحقيقة، ويقولون:
ذات البارئ هي نفسه، ويعبّرون بها عن وجوده وحقيقته. ويحتجون بقوله صلّى الله عليه وسلّم في قصة إبراهيم: «ثلاث كذبات كلّهن في ذات الله» (3).
قال: وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا، وإلا لقيل:
عبدت [ذات] (2) الله، واحذر ذات الله، وهو غير مسموع، ولا يقال إلا بحرف في المستحلّ (5) معناه في حق البارئ تعالى، لكن حيث وقع فالمراد به الديانة والشريعة التي هي ذات الله، (6) فذات وصف للديانة (6). هذا هو المفهوم من كلام العرب، وقد بان غلط من جعلها عبارة عن نفس ما أضيف إليه.
* ومنه إطلاق [89/ ب] العجب على الله [تعالى] في قوله: {بَلْ عَجِبْتَ}
(الصافات: 12) على قراءة حمزة والكسائي (8)، بضم التاء على معنى أنهم قد حلّوا محل من يتعجّب منهم. قال الحسين بن الفضل (9): العجب من الله تعالى إنكار الشيء وتعظيمه، وهو
__________
(1) في المخطوطة (وأما الذاتية).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 388كتاب الأنبياء (60)، باب قول الله تعالى {وَاتَّخَذَ اللََّهُ إِبْرََاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء 125] (8)، الحديث (3358)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1840كتاب الفضائل (43)، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلّم (41)، الحديث (154/ 2371) واللفظ عندهما: (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل) وليس كما جاء عند الزركشي. أن الثلاثة في ذات الله.
(5) في المخطوطة هي (في المستحيل).
(6) عبارة المخطوطة (فذات وضعت للذاتية).
(8) انظر التيسير في القراءات السبع ص 181.
(9) هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي النيسابوري تقدم التعريف به في 2/ 116.(2/216)
لغة العرب، وفي الحديث: «عجب ربكم من إلّكم (1) وقنوطكم» وقوله: إن الله يعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة» (2).
قال البغويّ: وسمعت أبا القاسم النيسابوري (3) قال: سمعت أبا عبد الله البغداديّ يقول: سئل الجنيد (4) عن هذه الآية فقال: إن الله لا يعجب من شيء، ولكن الله [تعالى] وافق رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} (الرعد: 5) أي هو كما يقوله.
(فائدة) كلّ ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أو {تَتَّقُونَ} أو {تَشْكُرُونَ} فالمعتزلة يفسّرونه بالإرادة، لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته، وأهل السّنة يفسّرونه بالطلب لما في الترجّي من معنى الطلب، والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول، فكأنه قال: كونوا متقين، أو مفلحين إذ يستحيل وقوع [شيء] (5) في الوجود على خلاف إرادته تعالى، بل كلّ الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته، تعالى [الله] (5) عمّا يقولون علوا كبيرا.
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (زللكم) وفي المخطوطة (ذلك) والتصويب من غريب الحديث للهروي 2/ 269 وتفسير البغوي 4/ 24في الآية (12) من سورة الصافات. قال: الهروي في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «عجب ربكم من إلّكم بكسر الألف وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم» ورواه بعض المحدثين «من أزلكم» وأصل الأزل:
الشدة، قال: وأراه المحفوظ، فكأنه أراد: من شدة يأسكم وقنوطكم، فإن كان المحفوظ قوله «من إلكم» بكسر الألف فإني أحسبها من «ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر، وهو أن يرفع صوته بالدعاء ويجأر فيه)، وذكره ابن منظور في «لسان العرب» 11/ 24مادة «ألل» وقال (قال أبو عبيد: المحدثون رووه «من إلّكم» بكسر الألف، والمحفوظ عندنا «من ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر)، وانظر «الفائق» للزمخشري 1/ 52باب الهمزة مع اللام.
(2) الحديث أخرجه أحمد في المسند 4/ 151من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه، وأخرجه أبو يعلى في المسند 3/ 288الحديث (16/ 1749)، والطبراني في المعجم الكبير، عزاه له السيوطي، انظر فيض القدير 2/ 263، الحديث (1799)، والديلمي في فردوس الأخبار 3/ 65الحديث (3902).
(3) أبو القاسم النيسابوري هو القشيري عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك شيخ البغوي تقدم التعريف به في 1/ 360، وأبو عبد الله البغدادي هو الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن حمدويه صاحب كتاب «المستدرك على الصحيحين» المشهور بابن البيع وهو شيخ أبي القاسم القشيري.
(4) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم البغدادي، شيخ علماء الحقيقة والشريعة وسيّد الطائفة، وشيخ طريقة التصوّف، وعلم الأولياء في زمانه. تفقه على أبي ثور، وكان يفتي وله من العمر عشرون سنة.
وسمع الحديث من الحسن بن عرفة وغيره واختص بصحبة السري السقطي، والحارث بن أسد المحاسبي. كان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة لدقة معانيه، والمتكلمون لعلمه ت 298هـ (السبكي، طبقات الشافعية 2/ 28).
(5) ليست في المخطوطة.(2/217)
النوع الثامن والثلاثون معرفة إعجازه (1)
وقد اعتنى بذلك الأئمة، وأفردوه بالتصنيف، منهم القاضي أبو بكر بن
__________
(1) للتوسع في هذا النوع انظر: مقدمة جامع البيان للطبري 1/ 4ضمن القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، ومقدمة المحرر الوجيز لابن عطية 1/ 71نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن، ومقدمة الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 69باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة، والإتقان للسيوطي 4/ 3النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 482علم معرفة إعجاز القرآن وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 120علم إعجاز القرآن، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 78علم إعجاز القرآن، ومناهل العرفان للزرقاني 2/ 227المبحث السابع عشر في إعجاز القرآن وما يتعلق به، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص 313ضمن الباب الرابع في التفسير والإعجاز، الفصل الثالث إعجاز القرآن، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص 61إعجاز القرآن، ومعجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ 1/ 139إعجاز القرآن وبلاغته، و «نظرات في معجزة القرآن» لمحمد دياب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 4، 1393هـ / 1973م) وفي إعجاز القرآن لفاضل شاكر النعيمي (مقال في مجلة كلية الآداب جامعة بغداد ع 14، مج 2، 1391هـ / 1971م)، والشبهة حول إعجاز القرآن لمحمد باقر الحكيم (مقال في مجلة الرسالة الإسلامية العراقية ع 1، 1391هـ / 1971م) وإعجاز القرآن لأحمد الحوفي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 1110، 1391هـ / 1971م) وإعجاز القرآن لمحمد البهي (مقال في مجلة الفكر الاسلامي ع 5، 1390هـ / 1970م)، والكلمة القرآنية وسر الإعجاز فيها لمحمد سعيد البوطي (مقال في مجلة العربي ع 144، 1390هـ / 1970م) وإعجاز القرآن لدرويش الجندي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 10، 1388هـ / 1968م)، والإعجاز التشريعي في القرآن لعلي علي منصور (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 2، 1388هـ / 1968م والأعداد 1، 2، 5، 9، 10، عام 1389هـ / 1969م) وحول إعجاز القرآن (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 2، 1388هـ / 1968م، واحداث أنبأنا بها القرآن قبل وقوعها لمحمد عسر (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 12، 1387هـ / 1968م) والإعجاز الطبي في القرآن لمحمود دياب (مقال في مجلة منبر(2/218)
__________
لإسلام س 23، ع 4، 1385هـ / 1965م) والناحية العلمية في إعجاز القرآن للغمراوي محمد أحمد (مقال في مجلة الأزهر، الأعداد 4، 6، 11، 1384هـ / 1964م والعددان 3، 4، 1385هـ / 1965م) ومن نواحي إعجاز القرآن لنهال أحمد الزهاوي (مقال في مجلة التربية الإسلامية العراقية ع 10، س 6، 1384هـ / 1964م) والإعجاز البياني للقرآن لحفني شرف (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 4، 1383هـ / 1963م، والأعداد 6، 7، 8، 9، 10، 1383هـ / 1964م) والمعجزة الكبرى في سورة الروم لمحمد محمود السلاقوني (مقال في مجلة منبر الإسلام س 21، ع 2، 1383هـ / 1963م) والإنباء عن المستقبل من معجزات القرآن لمحمد وصفي (مقال في مجلة منبر الإسلام س 21، مج 6، 1383هـ / 1963م) ونداء المخاطبين في القرآن أسراره وإعجازه لعلي عبد الواحد وافي (مقال في مجلة الأزهر مج 25، ع 2، 1383هـ / 1963م) وآيات التحدي لمحمد سعاد جلال (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 6، 1382هـ / 1962م) وإعجاز آيات الخلق في القرآن لحسين حلمي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 1، 1382هـ / 1962م) وحول إعجاز القرآن لحسن الشيخة (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 3و 5، 1381هـ / 1961م) ومعجزة الدهر لا معجزة العصر لبدوي طبانة (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 6، 1381هـ / 1961م) ومن أوجه الإعجاز في القرآن الإعجاز الموسيقى لعبد السلام شهاب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 5، 1380هـ / 1960م، وشعاع من الإعجاز للغزالي محمد (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 2، 1377هـ / 1957م) ومن أسرار الإعجاز في النظم القرآني لعبد الكريم الخطيب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع 1، 1386هـ / 1956م) والنظم في دلائل الإعجاز لمصطفى ناصف (مقال في مجلة كلية الآداب جامعة عين شمس 1375هـ / 1955م) وآراء الذين عاصروا عهد النبوة في إعجاز القرآن لمحمد بن عبد المنعم خفاجي (مقال في مجلة الأزهر مج 22، ع 6و 7، 1370هـ / 1951م) وإعجاز القرآن لمحمد أمين هلال مقال في مجلة الإسلام ع 31، 1371هـ / 1951م) إعجاز القرآن في مذهب الشيعة الإمامية لتوفيق الفكيكي (مقال في مجلة الرسالة المصرية س 3، ع 3، 1370هـ / 1950م) وتشريعات القرآن بلاغته وحدها فيها الدلالة الكبرى على إعجازه لأحمد عبد المنعم البهي (مقال في مجلة العربي ع 128 1385هـ / 1965م) وبين اللفظ والمعنى وإعجاز القرآن لعبد الغني الراجحي (مقال في مجلة منبر الإسلام س 30، ع 10، 1392هـ / 1972م) وشواهد لبلاغة الإعجاز في القرآن الكريم (مقال في مجلة الأزهر مج 22، 1370هـ / 1950م) وإعجاز القرآن لمحمد رشيد رضا (مقال في مجلة المنار، ج 9، 1345هـ / 1926م) والمعجزة الكبرى في القرآن: نزوله، كتابته، وجمعه لمحمد أبو زهرة بدار الفكر العربي في القاهرة 1390هـ / 1970م) والاهتزاز عن مفتريات من الإيجاز لمحمد بن محمد مهدي الخالصي (طبع بطهران 1340هـ / 1941م) ومقالات أهل الفرق وجمهرة المسلمين في إعجاز القرآن لأحمد محمد الحجاز (بحث مقدم إلى جامعة الأزهر عام 1353هـ / 1934م) وفي إعجاز القرآن لمحمد السيد حكيم بحث مقدم إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1364هـ / 1945م ومن روائع الإعجاز في القرآن الكريم لعبد الفتاح شكري عياد (رسالة ماجستير من جامعة القاهرة كلية الآداب عام 1367هـ / 1948م) وإعجاز القرآن والاكتشافات الحديثة لعبد الرحمن شاهين (طبع بمطبعة الإسماعيلية الكبرى 1370هـ / 1950م) والمعجزة الخالدة في وجوه إعجاز القرآن وشرح أسراره لهبة(2/219)
__________
الله الشهرستاني (طبع بمطبعة النجاح في بغداد 1373هـ / 1953م) ومنهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه للصّاوي الجويني مصطفى (رسالة ماجستير في كلية الآداب في جامعة الاسكندرية عام 1375هـ / 1954م) وطبع بمنشأة المعارف في الاسكندرية 1379هـ / 1959م) ومعجزة القرآن في وصف الكائنات الجزء الأول في الخلق العام للسماوات والأرض لحنفي أحمد (طبع بمطبعة لجنة البيان العربي في القاهرة 1374هـ / 1954م) وتاريخ فكرة إعجاز القرآن لنعيم الحمصي (طبع بمطبعة الترقي في دمشق 1375هـ / 1955م وطبع بمؤسسة الرسالة في بيروت 1401هـ / 1980م) وإعجاز القرآن في علم طبقات الأرض لمحمد محمود إبراهيم (طبع بالقاهرة 1375هـ / 1955م) وإعجاز القرآن في مسألة اللؤلؤ والمرجان لعمر أحمد الملباري (طبع بدار الفكر الإسلامي في دمشق 1379هـ / 1959م) ومعجزة القرآن لمحمد جابر (طبع بالمركز الثقافي في لندن 1383هـ / 1963م) وإعجاز القرآن دراسة كاشفة لخصائص البلاغة العربية ومعاييرها لعبد الكريم الخطيب (طبع بدار الفكر العربي في القاهرة 1387هـ / 1964م وصور بدار المعرفة في بيروت 1396هـ / 1975م) * وله «الإعجاز في دراسات السابقين» طبع في القاهرة عام 1394هـ / 1974م، وبيروت بدار المعرفة عام 1401هـ / 1981م (معجم الدراسات القرآنية: 66) وفكرة النظم بين وجوه الإعجاز في القرآن لفتحي عامر أحمد بهواشي عامر (طبع بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة عام 1395هـ / 1975م وهو في الأصل رسالة ماجستير من كلية العلوم في جامعة القاهرة عام 1386هـ / 1966م) والقرآن العظيم، هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين لمحمد صادق عرجون (طبع بمكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة 1388هـ / 1966م) وإعجاز القرآن لسامي مكي العاني (طبع في بغداد عام 1388هـ / 1968م) وأسرار الإعجاز في النسق القرآني لإبراهيم محمد إسماعيل عوضين (رسالة دكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر 1389هـ / 1969م) والنظم القرآني في كشاف الزمخشري لدرويش الجندي (طبع بدار نهضة مصر 1389هـ / 1969م) ومن روائع الإعجاز في القرآن الكريم لمحمد جمال الدين الفندي (طبع بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية دار التحرير في القاهرة 1389هـ / 1969م) والإعجاز الفني في القرآن لعمر محمد السلامي (رسالة ماجستير في جامعة بغداد، كلية الآداب 1389هـ / 1969م) وإعجاز القرآن البياني لحفني محمد شرف (طبع في المنيرة بمكتبة الشباب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 1390هـ / 1970م) والإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الازرق لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ (طبع بدار المعارف في القاهرة 1393هـ / 1971م) وقضية الإعجاز القرآني وأثرها في تدوين البلاغة العربية لعبد العزيز عبد المعطي عرفة (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1392هـ / 1972م) والدراسات الأدبية حول الإعجاز القرآني قديما وحديثا (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر 1392هـ / 1972م) وتطور دراسات إعجاز القرآن وأثرها في البلاغة بالعربية لعمر ملاحويش (طبع بمطابع الأمة في بغداد 1392هـ / 1972م) والمعاني الكيميائية في القرآن لمحسن وهيب عبد (طبع بمطبعة الآداب في النجف 1393هـ / 1973م) والإعجاز البلاغي للقرآن الكريم في تراث الرافعي لفتحي عبد القادر فريد (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر) والباقلاني وكتابه إعجاز القرآن لعبد الحليم هاشم حسن الشريف (رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة 1393هـ / 1973م) وإعجاز القرآن لمصطفى مسلم محمد (رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين بجامعة(2/220)
__________
الأزهر عام 1393هـ / 1973م) والمعجزة القرآنية لمحمد العفيفي (طبع بمؤسسة دار العلوم في الكويت 1396هـ / 1976م) ومعجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم لعبد الرزاق نوفل طبع في القاهرة عام 1397هـ / 1977م، وبدار الكتاب العربي في بيروت 1403هـ / 1983م) والإعجاز في نظم القرآن لمحمود السيد شيخون (طبع بالمكتبة الأزهرية في القاهرة 1398هـ / 1978م) وتسعة عشر دلالات جديدة في إعجاز القرآن لرشاد خليفة (طبع بدار الفكر في دمشق 1400هـ / 1979م) وقبس من الإعجاز لهشام عبد الرزاق الحمصي (طبع بدار الثقافة في دمشق 1399هـ / 1979م) والقرآن وإعجازه التشريعي لمحمد إسماعيل إبراهيم (طبع بدار الفكر العربي في القاهرة 1400هـ / 1979م) وألوان من الإعجاز القرآني لمحمد وفا الأميري (طبع بدار الرضوان في حلب 1401هـ / 1980م) ونظرية إعجاز القرآن عند عبد القاهر الجرجاني لمحمد حنيف فقيهي (طبع بالمكتبة العصرية في بيروت 1401هـ / 1980م) الإعجاز الطبي لمحمد متولي الشعراوي (طبع بدار التراث العربي في القاهرة وبدار اللواء في الرياض) وله معجزة القرآن (طبع بمطبعة أخبار اليوم في القاهرة 1400هـ / 1980م) والإعجاز العددي للقرآن الكريم لعبد الرزاق نوفل (طبع بدار الكتاب العربي في بيروت عام 1403هـ / 1983م) والنظم القرآني في سورة الرعد لمحمد بن سعد (طبع بعالم الكتب في القاهرة ونظم القرآن والكتاب للحداد طبع في بغداد ومنع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز لمحمد مختار الشنقيطي (طبع بمطبعة المدني في القاهرة) وإعجاز القرآن لمنير سلطان (طبع بمنشأة المعارف في الاسكندرية) ومع القرآن في إعجازه وبلاغته لعبد القادر حسين (طبع بدار التراث العربي في القاهرة وبدار اللواء في الرياض) والقرآن بين الحقيقة والمجاز والإعجاز لمحمد عبد الغني حسن (طبع في القاهرة) والإعجاز النحوي في القرآن الكريم لفتحي الدجني (طبع بمطبعة الفلاح في الكويت) وإعجاز القرآن لمحمد علي المعلم. * ومن الكتب المؤلفة في إعجاز القرآن سوى ما ذكره الزركشي: «الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديع تركيبه» للجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر ت 255هـ (ذكره في كتابه الحيوان 1/ 9، وانظر الفهرست لابن النديم: 41) * «نظم القرآن» لأحمد بن داود، أبي حنيفة الدينوري ت 282هـ (معجم الأدباء 3/ 29) * «إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه» لأبي عبد الله محمد بن زيد بن علي الواسطي (ت 306هـ) شرحه عبد القاهر الجرجاني ت 471هـ (الفهرست: 220) * «نظم القرآن» لأبي علي الحسن بن علي بن نصر ت 312هـ (الفهرست: 41) * «نظم القرآن» لأحمد بن سهل البلخي، أبي زيد ت 322هـ (الفهرست: 153) «نظم القرآن» لابن الإخشيد، أحمد بن علي ت 326هـ (الفهرست: 41) * «إعجاز القرآن» لابن درستويه، أبي محمد عبد الله بن جعفر بن محمد ت 330هـ (الفهرست: 63) * «إعجاز القرآن» للباهلي، أبي عمر محمد بن عمر بن سعيد البصري؟ (الفهرست: 219) * «إعجاز القرآن» لعبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني ت 386هـ (معجم مصنفات القرآن 1/ 146). * «الكلام في وجوه إعجاز القرآن» الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (ت 413هـ وذكره النجاشي في كتاب الرجال: 284، وآغا بزرك في الذريعة 2/ 232باسم إعجاز القرآن) * «المغني في إعجاز القرآن» القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (ت 415هـ) نشره امين الخولي بمكتبة وهبة في القاهرة 1396هـ / 1976م * «نظم السور» لأبي العلاء المعري ت 449هـ (معجم الأدباء 3/ 161) * «دلائل الإعجاز في المعاني والبيان» أو «إعجاز(2/221)
__________
القرآن» لعبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) طبع بتحقيق محمد عبده، ومحمد رشيد رضا. ومحمد محمود الشنقيطي في القاهرة بمطبعة الترقي ومطبعة المنار في القاهرة 13211319هـ / 1901و 1903م، وطبع بمطبعة الفتوح الأدبية في القاهرة 1331هـ / 1912م، وطبع بتحقيق محمد بن تاويت بتطوان، بالمطبعة المهدية عام 1370هـ / 1950م، وطبع بتحقيق محمد رضوان الداية ومحمد فائز الداية في دمشق بدار قتيبة 1402هـ / 1982م وصورت دار المعرفة طبعة محمد عبده ومحمد رشيد رضا عام 1401هـ / 1981م * وله «الرسالة الشافية في إعجاز القرآن» طبعت مع ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للجرجاني، والخطابي، والرماني، بتحقيق محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام بدار المعارف في القاهرة 1375هـ / 1955م * وله «الشرح الصغير» وهو شرح كتاب الواسطي في إعجاز القرآن (ذكره السبكي في طبقات الشافعية 5/ 150) * «التنبيه على إعجاز القرآن» لمحمد بن أبي القاسم البقالي ت 562هـ (ذكره القيسي في «تاريخ التفسير»، وهو الكتاب نفسه المسمى «إعجاز القرآن» الذي ذكره السيوطي في طبقات المفسرين) * «إعجاز القرآن» لعلي بن زيد أبي الحسن بن أبي القاسم ت 565هـ (معجم الأدباء 5/ 208) * «إعجاز القرآن» أو «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» للإمام فخر الدين الرازي (ت 606هـ) طبع بمطبعة الآداب في القاهرة 1317هـ / 1899م و 1377هـ / 1909م، وطبع بتحقيق زغلول سلام ومحمد هدارة بمنشأة المعارف في الإسكندرية 1394هـ / 1973م وطبع بتحقيق إبراهيم السامرائي، ومحمد بركات بعمان عام 1405هـ / 1985م * «رسالة في بيان الإعجاز في سورة {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ}» للمطرزي برهان الدين أبي الفتح ناصر بن أبي المكارم (ت 610هـ) مخطوط ضمن مجموع في التيمورية: 359 (معجم الدراسات القرآنية:
99) * «البرهان في بيان القرآن» لموفق الدين بن قدامة المقدسي (ت 640هـ) مخطوط مصدرها بمكتبة سليمان بن عبد الرحمن الحمدان بمكة المكرمة: 42وبجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض عمادة شئون المكتبات: 2219 (أخبار التراث العربي: 34/ 4) * «التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن» لعبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني (ت 651هـ) طبع بتحقيق خديجة الحديثي، وأحمد مطلوب مطبعة العاني في بغداد 1385هـ / 1964م * «البرهان في إعجاز القرآن» لابن أبي الأصبع، زكي الدين أبي محمد عبد العظيم (ت 654هـ) مخطوط في تشستربتي: 4255 (معجم الدراسات القرآنية: 96) * وله «تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن» طبع بتحقيق حفني محمد شرف بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة 1383هـ / 1963م * «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» لعبد العزيز عز الدين بن عبد السلام السلمي الدمشقي (ت 660هـ) طبع بالمطبعة العامرة في اسطنبول 1313هـ / 1895م، وبالمدينة المنورة بالمكتبة العلمية عام 1383هـ / 1966م وصورته دار الفكر بدمشق، ودار المعرفة 1407هـ / 1987م ودار البشائر الإسلامية في بيروت 1407هـ / 1987م * «إعجاز القرآن» لمحمد بن محمد بن إبراهيم بن سراقة ت 662هـ (ذكره السيوطي في الإتقان 1/ 7) * «إيجاز البرهان في إعجاز القرآن» للخزرجي أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد ت 709هـ (ذكره القيسي في تاريخ التفسير) * «الطراز في علوم حقائق الإعجاز» أو «الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز» للمؤيد بالله عماد الدين يحيى بن حمزة العلوي (ت 745هـ) طبع بتحقيق سيد علي المرصفي بالقاهرة عام 1332هـ / 1914م وصور بدار الكتب العلمية في بيروت عام 1401هـ / 1981م * «إعجاز القرآن في آية {يََا أَرْضُ}(2/222)
الباقلاني (1)، قال ابن العربي (2): ولم يصنّف مثله، وكتاب الخطابيّ (3)، والرّمانيّ (4)،
__________
{ابْلَعِي} لابن الجزري محمد بن محمد (ت 833هـ) مخطوط بدار الكتب الظاهرية: 5433ومنه نسخة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي بمكة: 24 (معجم الدراسات القرآنية: 92) * «تبصير الرحمن وتيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن» للمهائمي علي بن أحمد بن علي الهندي (ت 835هـ) طبع بدهلي عام 1286هـ / 1867م وبمطبعة بولاق في القاهرة 1295هـ / 1876م، وصور بعالم الكتب في بيروت عن السابقة 1401هـ / 1981م * «معترك الأقران في إعجاز القرآن» لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ) طبع بتحقيق علي محمد البجاوي بدار الفكر العربي في القاهرة الجزء الأول عام 1389هـ / 1969م، والثاني 1390هـ / 1970م والثالث 1393هـ / 1973م * «إعجاز القرآن» أو «رسالة في تحقيق إعجاز القرآن» لابن كمال باشا، شمس الدين أحمد بن سليمان (ت 940هـ) مخطوط ضمن مجموع بالمكتبة التيمورية: 168، وبمكتبة الأزهر 785مجاميع 3487، وجامعة برنستين 5437تفسير (معجم الدراسات القرآنية: 92و 99) * «البرهان في إعجاز القرآن» لأحمد فوزي الساعاتي (كان حيا قبل 1342هـ) طبع بمطبعة الترقي في دمشق 1343هـ / 1924م * «إعجاز القرآن» لمحمد بن عبد المطلب بن واصل من أسرة أبي الخير من جهينة ت 1350هـ (معجم مصنفات القرآن 1/ 147). * «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية» لمصطفى صادق الرافعي (ت 1356هـ) طبع بمطبعة المقطم في القاهرة 1348هـ / 1928م وطبع بالمطبعة الرحمانية في القاهرة بتحقيق محمد سعيد العريان 1349هـ / 1929م، وأعيد طبعه بمطبعة الاستقامة بالقاهرة عام 1360هـ / 1940م وبالمطبعة التجارية الكبرى في القاهرة 1384هـ / 1965م، وصور بالأوفست بدار الكتاب العربي في بيروت 1400هـ / 1980م * «إعجاز القرآن وإقامة البرهان على شرح الإسلام» للهادي الخراساني الحائري (ت 1369هـ) طبع بالنجف عام 1348هـ / 1929م * «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» لبديع الزمان سعيد النورسي (ت 1387هـ) طبع بمطبعة النور في أنقرة 1378هـ / 1958م، وطبع بدار العربية في بيروت 1393هـ / 1973م. * «شرح رسالة في إعجاز القرآن» لمجهول مخطوط مصور في معهد المخطوطات بالكويت عن نسخة المكتبة الوطنية بإسبانيا (أخبار التراث العربي 10/ 7) * «رسالة في أن القرآن معجز» لمجهول. مخطوط في جامعة برنستون رقم 333تفسير (معجم الدراسات القرآنية ص 99).
(1) هو محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني تقدم التعريف به في 1/ 117، وكتابه «إعجاز القرآن» تقدم الكلام عنه في 1/ 145.
(2) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله المعافري، تقدم التعريف به في 1/ 109.
(3) هو حمد بن محمد أبو سليمان تقدم التعريف به في 1/ 343، وكتابه «بيان إعجاز القرآن» طبع في دلهي بالهند بتحقيق عبد العليم سنة 1372هـ / 1953م، وطبع في القاهرة بدار التأليف بتحقيق عبد الله الصديق الغماري سنة 1372هـ / 1953م، وطبع في القاهرة بدار المعارف بتحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام سنة 1374هـ / 1955م (معجم المنجد 1/ 124).
(4) هو أبو الحسن علي بن عيسى بن علي تقدم التعريف به في 1/ 111، وكتابه «النكت في إعجاز القرآن» طبع في دلهي الهند بتحقيق عبد العليم سنة 1353هـ / 1934م، وطبع في القاهرة دار المعارف بتحقيق محمد خلف الله وزغلول سلام ضمن (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن» سنة 1374هـ / 1955م (معجم المنجد 1/ 124، ذخائر التراث العربي 1/ 541).(2/223)
و «البرهان» لعزيزي (1) وغيرهم.
وهو علم جليل [القدر] (2)، عظيم القدر (3)، لأن نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم معجزتها الباقية القرآن، وهو يوجب الاهتمام بمعرفة الإعجاز، قال تعالى: {كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النََّاسَ مِنَ الظُّلُمََاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: 1) وقال سبحانه:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ} (التوبة: 6) فلولا أن سماعه [إياه] (4) حجة عليه لم يقف أمره على سماعه، ولا تكون حجة إلا وهي معجزة. وقال تعالى: {وَقََالُوا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيََاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيََاتُ عِنْدَ اللََّهِ وَإِنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنََّا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ يُتْلى ََ عَلَيْهِمْ} (العنكبوت: 50و 51) فأخبر أنّ الكتاب آية من آياته، وأنه كاف في الدلالة، قائم مقام معجزات غيره وآيات سواه من الأنبياء.
ولما جاء به صلّى الله عليه وسلّم إليهم وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء تحدّاهم على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا، يقال: تحدّى فلان فلانا إذا دعاه إلى أمر ليظهر عجزه فيه ونازعه الغلبة في قتال أو كلام غيره، ومنه «أنا حديّاك»، أيّ ابرز لي وحدك (5).
واعلم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تحدّى العرب قاطبة بالقرآن حين (6) قالوا: افتراه، فأنزل الله عز وجلّ عليه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [مُفْتَرَيََاتٍ]} [7] (هود: 13) فلما عجزوا عن الإتيان بعشر (8) سور تشاكل القرآن، قال تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ} [9] مِثْلِهِ
(يونس: 38) ثم كرر هذا فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (البقرة: 23) أي من كلام مثله، وقيل: من بشر مثله (10)، ويحقق القول الأول
__________
(1) هو عزيزي بن عبد الملك الشافعي أبو المعالي المعروف بشيذلة تقدم التعريف به في 1/ 112، وكتابه «البرهان في متشابه القرآن» حققه ناصر بن سليمان العمر كرسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (أخبار التراث العربي 7/ 24) وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 241وسماه «البرهان في مشكلات القرآن».
(2) ليست في المطبوعة.
(3) عبارة المخطوطة (عظيم الخطر).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) عبارة المخطوطة (أو أبرز لك وحدي).
(6) في المخطوطة (حيث).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) تصحفت في المطبوعة إلى (بنشر سور).
(9) الآية في المطبوعة والمخطوطة (قل فأتوا بسورة من مثله) والصواب ما أثبتناه كما في القرآن الكريم.
(10) عبارة المخطوطة (وقيل من بشر مثله، أي من كلام مثله).(2/224)
الآيتان السابقتان فلما عجزوا عن أن يأتوا بسورة تشبه القرآن على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء، قال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء: 88) فقد ثبت أنه تحدّاهم به، وأنهم لم يأتوا بمثله لعجزهم عنه، لأنهم لو قدروا على ذلك لفعلوا، ولما عدلوا إلى العناد تارة والاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: سحر وتارة قالوا: شعر وتارة [قالوا] (1): «أساطير الأولين» كل ذلك من التحيّر والانقطاع.
قال [ابن أبي] (2) طالب مكيّ (3) في «اختصاره نظم القرآن للجرجاني» (4)، قال المؤلف: أنزله بلسان عربي مبين بضروب من النّظم مختلفة على عادات العرب، ولكن الأعصار تتغير وتطول، فيتغير النظم عند المتأخرين لقصور أفهامهم، [90/ أ] والنظر كله جار على لغة العرب، ولا يجوز أن ينزله على نظم ليس من لسانهم لأنه لا يكون حجة عليهم، بدليل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [5] (يونس: 38) وفي قوله:
{بَلْ كَذَّبُوا [بِمََا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ]} [6] وَلَمََّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ (يونس: 39) فأخبر أنهم لم يعلموه لجهلهم به وهو كلام عربي.
قال أبو محمد (7): لا يحتمل أن يكون جهلهم إلا من قبل أنهم أعرضوا عن قبوله، ولا يجوز أن يكون نزل بنظم لم يعرفوه إذ لا يكون عليهم حجة، وجهلنا بالنظم لتأخرنا عن رتب القوم الذي نزل عليهم جائز، ولا يمنع. فمن نزل عليهم كان يفهمه إذا تدبّره لأنه بلغته، ونحن إنما نفهم بالتعليم. انتهى.
وهذا الذي قاله مشكل، فإنّ كبار الصحابة رضي الله عنهم حفظوا البقرة في مدة متطاولة لأنهم كانوا يحفظون مع التفهم. وإعجاز القرآن ذكر من وجهين: (أحدهما):
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) زيادة يقتضيها النص، ليست في الأصول.
(3) هو مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد القيسي تقدم التعريف به في 1/ 278.
(4) ذكره القفطي في إنباه الرواة 3/ 316وسماه «انتخاب كتاب الجرجاني في نظم القرآن وإصلاح غلطه».
(5) في المخطوطة زيادة (بسورة من مثله) وليست من القرآن الكريم.
(6) ليست في المخطوطة.
(7) هو مكي بن أبي طالب المتقدم.(2/225)
إعجاز متعلق بنفسه. (والثاني): بصرف الناس عن معارضته. ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز، واختلفوا في إعجازه، فقيل: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وإنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا تطيق، وفيه وقع عجزها. والجمهور على أنه إنما وقع بالدّال على القديم وهو الألفاظ.
فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصحّ التحدي بشيء مع جهل المخاطب الجهة التي وقع بها التحدي، ولا يتجه قول القائل لمثله: إن صنعت خاتما كنت قادرا على أن تصنع مثله إلا بعد أن يمكّنه من الجهة التي تدّعي عجز المخاطب عنها.
فنقول: الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته، أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف، أو إلى مدلوله أو إلى المجموع، أو إلى أمر خارج عن ذلك لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم (1) المفردة فقط لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتألف فقط لأنه يحوج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة: «إنّا أعطيناك الجواهر * فصل لربّك وهاجر * إن شانئك هو الكافر».
ولو كان الإعجاز راجعا إلى (2) الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم، لا جائز أن يقع بالنسبة إلى المعاني فقط لأنها ليست من صنيع البشر، وليس لهم قدرة على إظهارها من غير ما يدلّ عليها، (3) [وأيضا لقالوا: لقد قلنا مثله ولكن لم نلفظ بما يدل عليه] (3) ولا جائز أن ترجع إلى المجموع لأنا قد بيّنا بطلانه بالنسبة إلى كل واحد، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج غير ذلك.
وقد اختلف فيه على أقوال:
(إحداها) وهو قول النظام (5) لا إن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجيّ، فصار كسائر المعجزات.
__________
(1) في المخطوطة (الكملة).
(2) في المطبوعة (في).
(3) ليست في المطبوعة.
(5) هو إبراهيم بن سيّار، أبو إسحاق النظام، شيخ المعتزلة. تكلّم في القدر، وانفرد بمسائل وهو شيخ(2/226)
وهو قول فاسد بدليل قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء: 88) فإنّه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا (1) القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى بكبير يحتفل بذكره، هذا مع أن الاجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا غيره وليس فيه صفة إعجاز بل المعجز هو الله [تعالى]، حيث سلبهم قدرتهم عن الإتيان بمثله.
وأيضا يلزم من القول بالصّرفة فساد آخر، وهو زوال الإعجاز (2) بزوال زمان التحدّي، وخلوّ القرآن من الإعجاز وفي ذلك خرق لإجماع الأمة، فإنهم أجمعوا على بقاء معجزة الرسول العظمى، ولا معجزة له باقية سوى القرآن، وخلوّه من الإعجاز يبطل كونه معجزة.
قال القاضي أبو بكر (3): «ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصّرفة لم يكن الكلام معجزا، [وإنّما يكون المنع معجزا] (4) فلا يتضمن الكلام فضلا على غيره في نفسه. [90/ ب] وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم أن الكلّ قادرون على الإتيان بمثله وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلّموه لوصلوا إليه، ولا بأعجب من قول فريق منهم إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله في هذا الباب.
وزعم قوم أنّ ابن المقفع عارض القرآن، وإنما وضع حكما» (5).
* (الثاني) أن وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به، لا مطلق التأليف، وهو بأن
__________
الجاحظ، قال بعضهم: كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث ويخفي ذلك وله نظم وترسل وتصانيف منها: «الجواهر والأعراض» و «حركات أهل الجنة» و «الطفرة» و «الوعيد» وغيرها.
ورد أنه سقط من غرفة وهو سكران سنة 220هـ (سير أعلام النبلاء 10/ 541).
(1) في المطبوعة تحرف اللفظ إلى (سئلوا).
(2) تحرفت في المخطوطة إلى (الاعداد).
(3) هو محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني تقدم في 1/ 117، وانظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص 30.
(4) ليست في المخطوطة، والعبارة في إعجاز القرآن (وإنما يكون المنع هو المعجز).
(5) انظر قول الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص 3230أواخر فصل في بيان وجه الدلالة على أن القرآن معجز.(2/227)
اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة، وعلت مركّباته معنى، بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى. واختاره ابن الزّملكانيّ في «البرهان» (1).
* (الثالث) ما فيه الإخبار عن الغيوب المستقبلة، ولم يكن ذلك من شأن العرب، كقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرََابِ} (الفتح: 16) وقوله في [قصة] (2) أهل بدر: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ [الدُّبُرَ]} [3] (القمر: 45) وقوله: {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيََا} (الفتح: 27) وكقوله: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (النور: 55) وقوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} (الروم: 1و 2) وغير ذلك مما أخبر به بأنه سيقع فوقع. وردّ هذا القول بأنه يستلزم أن الآيات التي لا خبر فيها بذلك لا إعجاز فيها وهو باطل، فقد جعل الله كل سورة معجزة بنفسها.
* (الرابع) ما تضمن من إخباره عن قصص الأولين وسائر المتقدمين، حكاية من شاهدها وحضرها، وقال: {تِلْكَ مِنْ أَنْبََاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهََا إِلَيْكَ مََا كُنْتَ تَعْلَمُهََا أَنْتَ وَلََا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هََذََا} الآية (هود: 49). وهو مردود بما سبق، نعم هذا والذي قبله من أنواع الإعجاز، لا (4) أنه منحصر فيه.
* (الخامس) إخباره عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل، كقوله: {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلََا} (آل عمران: 122) وقوله: {وَإِذََا جََاؤُكَ حَيَّوْكَ بِمََا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللََّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلََا يُعَذِّبُنَا اللََّهُ} (المجادلة: 8) [وقوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللََّهُ]} [5] إِحْدَى الطََّائِفَتَيْنِ أَنَّهََا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ الآية (الأنفال: 7) وكإخباره عن اليهود أنهم لا يتمنون الموت أبدا.
__________
(1) ابن الزملكاني هو عبد الواحد بن عبد الكريم تقدم التعريف به في 1/ 135، وكتابه «البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن» طبع في بغداد مطبعة العاني بتحقيق خديجة الحديثي وأحمد مطلوب سنة 1394 هـ / 1974م (معجم المنجد 5/ 80).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) عبارة المطبوعة (إلا أنه منحصر فيه).
(5) ليست في المطبوعة.(2/228)
* (السادس) وصحّحه ابن عطية (1) وقال: «إنه [الذي] (2) عليه الجمهور والحذّاق (2) [وهو الصحيح في نفسه وأن التحدي إنما وقع بنظمه، وصحة معانيه، وتوالي فصاحة ألفاظه،] (2) ووجه إعجازه أن الله [تعالى قد] (5) أحاط بكل شيء علما، وأحاط بالكلام كلّه علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته، أي لفظة تصلح أن تلي الأولى، ويتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره. والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم بالضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك، وبهذا (6) يبطل قول من قال:
إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثل [القرآن] (7)، فلما جاءهم النبي صلّى الله عليه وسلّم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
والصحيح أن الإتيان [بمثل] (8) القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ولهذا ترى البليغ ينقّح الخطبة أو القصيدة حولا، ثم ينظر فيها، فيغيّر فيها، وهلم جرّا. وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم توجد.
ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره، ويخفى [علينا] (7) وجهها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق، وجودة القريحة. وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطبّاء، ومعجزة موسى بالسّحرة، فإن الله تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد [إظهاره] (10) فكان السحر في مدة موسى [عليه السلام] (11) قد انتهى إلى غايته، وكذا الطب في زمان عيسى، والفصاحة في مدة محمد صلّى الله عليه وسلّم». (12)
__________
(1) هو عبد الحق بن غالب المشهور بابن عطية تقدم التعريف به في 1/ 101انظر قوله في مقدمة تفسيره المسمى بالمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 7371.
(2) ليست في المخطوط.
(5) ليست في المطبوعة.
(6) في مقدمة تفسير ابن عطية 1/ 72عبارة مكملة لمعنى الكلام وهي (فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة وبهذا النطق)
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.
(10) ليست في المخطوطة.
(11) ليست في المطبوعة.
(12) انتهى قول ابن عطية.(2/229)
(السابع): أن وجه الإعجاز الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب، وغير ذلك مقترنا [91/ أ] بالتحدّي، واختاره الإمام فخر الدين (1) وهو قريب مما سبق، وقد قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} (الإسراء: 88) والمراد: بمثل نظمه بدليل قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (البقرة: 23) وقول من قال: إن الضمير في {[مِنْ]} [2] مِثْلِهِ عائد على الله [تعالى] (3) ضعيف، [بقوله: {بِعَشْرِ سُوَرٍ]} [2] مِثْلِهِ (هود: 13) والسياق واحد.
* (الثامن): ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم، واختاره القاضي أبو بكر (5). قال:
«ولهذا لم يمكنهم معارضته». قال: (6) «ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي (7) ادّعوها في الشعر لأنه ليس مما يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالتعلّم (8)
والتدريب والتصنع له (9)، كقول الشعر، ورصف (10) الخطب، وصناعة الرسالة، والحذق في البلاغة، وله طريق يسلك (11) فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا». قال: «ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر، وفي بعض أدقّ وأغمض».
ثم قال القاضي (12): «فإن قيل: ما الذي وقع التحدي به؟ أهو الحروف المنظومة؟ أو
__________
(1) هو محمد بن عمر بن الحسين المشهور بفخر الدين الرازي تقدم التعريف به في 1/ 106وانظر قوله حول الإعجاز في تفسيره الكبير 1/ 116115في الكلام على قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا} [البقرة: 23] وله كتاب أيضا في الإعجاز اسمه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» تقدم في الكتب المؤلفة في هذا النوع.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المطبوعة.
(5) انظر قول أبي بكر الباقلاني في كتابه «إعجاز القرآن» ص 35فصل في جملة وجوه إعجاز القرآن، الوجه الثالث
(6) انظر قوله هذا في إعجاز القرآن ص 112111، فصل في ذكر البديع من الكلام. بتصرف.
(7) في المخطوطة (الذي).
(8) في المخطوطة (بالعلم).
(9) في المخطوطة (به).
(10) في المخطوطة (ووصف).
(11) في المخطوطة (المسلك).
(12) انظر إعجاز القرآن ص 260، فصل فيما يتعلق به الإعجاز.(2/230)
الكلام القائم بالذات؟ أو غيره؟ قلنا (1): الذي تحدّاهم به (2) [أن يأتوا على الحروف التي هي نظم القرآن منظومة حكمها، متتابعها كتتابعها، مطّردة كاطّرادها، ولم يتحدّهم إلى] (2) أن يأتوا بالكلام القديم الذي لا مثل له».
وقال بعض الأئمة: ليس الإعجاز المتحدّى به إلا في النظم، لا في المفهوم؟ لأن المفهوم لم يمكن الإحاطة به، ولا الوقوف على حقيقة المراد (4) منه، فكيف يتصور أن يتحدّى بما لا يمكن الوقوف عليه، إذ هو يسع (5) كل شيء فأي شيء قوبل به ادّعى أنه غير المراد، ويتسلسل! (التاسع): أنه شيء لا يمكن التعبير عنه، وهو اختيار السّكاكيّ (6) حيث قال في «المفتاح»: «واعلم أن شأن الإعجاز يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك (7) ولا يمكن وصفها، وكالملاحة. وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت (8)، ولا طريق إلى تحصيله لغير (9) ذوي الفطر السليمة إلّا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرّن فيهما (10)».
وقال أبو حيان التوحيدي (11) في «البصائر»: «لم أسمع كلاما ألصق بالقلب، وأعلق بالنفس من فصل تكلّم به بندار بن الحسين الفارسي (12) وكان بحرا في العلم وقد سئل عن
__________
(1) في إعجاز القرآن: قيل.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) عبارة المخطوطة (على حقيقته والمراد).
(5) في المخطوطة (مع) بدل (هو يسع).
(6) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي أبو يعقوب السكاكي تقدمت ترجمته في 1/ 163. وانظر قوله في كتابه مفتاح العلوم ص 416، بتصرف.
(7) في المخطوطة (يدرك).
(8) في المخطوطة (العيوب).
(9) في المخطوطة (بغير).
(10) في المخطوطة (فيها).
(11) هو علي بن محمد بن العباس أبو حيان التوحيدي تقدمت ترجمته في 1/ 342. وكتابه «البصائر» تقدم التعريف به في 1/ 414.
(12) هو بندار بن الحسين الشيرازي أبو الحسين الشافعي، شيخ الصوفية، القدوة. صحب الشبلي، وكان ذا أموال فأنفقها وتزهّد، وله معرفة في الكلام والنظر، وهو خادم الإمام أبي الحسن الأشعري، قال الخطيب: «كان بندار من أهل الفضل المتميزين بالمعرفة والعلم» وكان عالما بالأصول. ت 353هـ (السبكي، طبقات الشافعية 2/ 190).(2/231)
موضع الإعجاز من القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف (1) على [المفتى] (2)، وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته، ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلّا وكان ذلك المعنى آية في نفسه، ومعجزة لمحاوله، وهدى لقائله وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده».
(العاشر): وهو قول حازم (3) في «منهاج البلغاء»: «إن الإعجاز فيه من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها (4) في جميعه استمرارا لا توجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود، ثم تعرض الفترات الإنسانية، فتقطع (5) طيب الكلام ورونقه، فلا تستمر لذلك (6) الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريق وأجزاء منه، والفترات في الفصاحة تقع للفصيح، إما بسهو يعرض له في الشيء من غير أن يكون جاهلا به، أو من جهل به، أو من سآمة تعتري فكره، أو من [91/ ب] هوى للنفس يغلب عليها فيما يحوش عليها خاطره، من اقتناص المعاني سمينا كان أو غثّا، فهذه آفات لا يخلو منها الإنسان الفاضل والطبع الكامل، وهو قريب مما ذكره ابن الزّملكاني وابن عطية (7)».
(الحادي عشر): قال الخطّابي (8) في كتابه وإليه ذهب الأكثرون من علماء
__________
(1) في المخطوطة (حرف).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) هو الإمام حازم القرطاجني تقدم التعريف به وبكتابه في 1/ 155.
(4) في المخطوطة (حالاتها).
(5) في المخطوطة (فقطع).
(6) في المخطوطة (يستمر كذلك) بدل (تستمر لذلك).
(7) انظر مقدمة تفسيره المحرر الوجيز 1/ 71، نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن.
(8) هو حمد بن محمد أبو سليمان الخطابي تقدمت ترجمته في 1/ 343. وكتابه «بيان إعجاز القرآن» طبع بتحقيق د. عبد العليم 1372هـ / 1953م دلهي الهند، وطبع بتحقيق عبد الله الصديق الغماري بدار التأليف في القاهرة عام 1372هـ / 1953م، وطبع بتحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام بدار المعارف القاهرة عام 1374هـ / 1955م (معجم المنجد 1/ 124، معجم مصنفات القرآن 1/ 151و 1/ 152).(2/232)
النظر: «إنّ وجه الإعجاز فيه من جهة (1) البلاغة، لكن لما صعب عليهم تفصيلها صغوا (2)
فيه إلى حكم الذوق والقبول عند النفس». قال: «والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجة البيان متفاوتة، فمنها البليغ (3) الرصين الجزل، ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز الطلق الرّسل (4)، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود. فالقسم الأول أعلاه، والثاني أوسطه، والثالث أدناه وأقربه، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصّة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف [نمط] (5) من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادّين لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الوعورة (6) فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كلّ منهما عن (7) الآخر فضيلة خصّ بها القرآن، ليكون آية بيّنة لنبيه.
وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور:
منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على [تلك] (8) الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا (9) باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها، إلا أن يأتوا بكلام مثله.
وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما (10)
وتشاكلا من نظمه. وأما معانيه، فكل ذي لبّ يشهد له بالتقديم في أبوابه، والرقي في (11)
أعلى درجاته. وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، وأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير.
__________
(1) في المخطوطة (حجة).
(2) في المخطوطة (وضعوا).
(3) في المخطوطة (التبليغ).
(4) في المخطوطة (المرسل).
(5) زيادة من «البيان» لصحة المعنى.
(6) في المخطوطة (الدعوى).
(7) في المخطوطة (من).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (فيتوصل).
(10) اضطربت في المخطوطة.
(11) في المخطوطة (إلى).(2/233)
فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمّنا أصحّ المعاني، من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته، ودعاء (1) إلى طاعته، وبيان لطريق عبادته في تحليل وتحريم، وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساويها، واضعا (2) كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم، منبئا عن الكوائن المستقبلة في (3) الأعصار الماضية من الزمان، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتجّ له، والدليل (4) والمدلول عليه، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.
ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور، والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق، أمر تعجز عنه قوى البشر، ولا تبلغه قدرتهم، فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، ومناقضته (5) في شكله، ثم صار المعاندون له يقولون مرة: إنه شعر لمّا رأوه منظوما، ومرّة إنه سحر لما رأوه معجوزا عنه، غير مقدور عليه. [وقد] (6) كانوا [92/ أ] يجدون له وقعا في القلب، وقرعا في (7) النفس، يريبهم ويحيرهم (7)، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف، ولذلك (9) قالوا: إن له لحلاوة (10)، وإن عليه لطلاوة. وكانوا مرة لجهلهم [وحيرتهم] (11) يقولون: {أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهََا فَهِيَ تُمْلى ََ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفرقان:
5) مع علمهم أن صاحبهم أمّيّ وليس بحضرته من يملي أو يكتب شيئا ونحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز.
وقد حكى الله [تعالى] (12) عن بعض مردتهم، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي (13)،
__________
(1) في المخطوطة (ودعا).
(2) في المخطوطة (ووضع).
(3) في المخطوطة (وفي).
(4) في المخطوطة (فالدليل).
(5) في المخطوطة (أو مناقضته).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) عبارة المخطوطة (النفوس ترميهم وتخيرهم).
(9) في المخطوطة (وكذلك).
(10) في المخطوطة (حلاوة).
(11) ساقطة من المخطوطة.
(12) ليست في المخطوطة.
(13) هو عدو الله الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي كان من كبار المعاندين لدين الله أحد رؤساء قريش(2/234)
أنه لما طال فكره في القرآن وكثر ضجره منه، وضرب (1) له الأخماس من رأيه في الأسداس (2)، فلم يقدر على أكثر من قوله: {إِنْ هََذََا إِلََّا قَوْلُ الْبَشَرِ} (المدثر: 25) عنادا وجهلا به، وذهابا عن الحجة، وانقطاعا دونها.
ثم اعلم أن عمود البلاغة التي تجتمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه، إما تبدل (3) المعنى الذي يفسد به الكلام، أو إذهاب الرونق الذي تسقط به البلاغة، وذلك أن في الكلام ألفاظا مترادفة متقاربة المعاني في زعم أكثر الناس، كالعلم والمعرفة، والشح والبخل، والنعت والصفة، وكذا بلى ونعم، ومن وعن، ونحوها من الأسماء والأفعال والحروف والأمر فيها عند الحذاق بخلاف ذلك، لأن (4) كل لفظة منها خاصة تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن اشتركا في بعضها.
ولهذا قال أبو العالية (5) في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ سََاهُونَ}
(الماعون: 5) إنه الذي ينصرف ولا يدري عن شفع أو وتر، فردّ عليه الحسن بأنه لو كان كذلك لقال: «الّذين هم في صلاتهم» فلم يفرّق أبو العالية بين «في»، و «عن» حتى تنبّه له الحسن وقال: المراد به إخراجها عن وقتها.
(فإن قيل): فهلّا جعل في كل سورة نوعا من الأنواع؟ (قيل): إنما أنزل القرآن على هذه الصفة من جمع أشياء مختلفة المعاني في السورة الواحدة، وفي الآي المجموعة القليلة العدد، ليكون أكثر لفائدته، وأعمّ لمنفعته، ولو كان لكل باب منه قبيل، ولكل معنى سورة مفردة، لم تكثر [عائدته] (6)، ولكان (7) الواحد من الكفار المنكرين والمعاندين إذا سمع
__________
لعنه الله فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر فسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون وإن قوله لمن كلام الله» وقد أتاه أبو جهل لعنه الله إثر مقالته ليحرضه على النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما فكّر قال: إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره، فنزلت {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدّثّر: 11] (ابن كثير، التفسير 4/ 472).
(1) في المخطوطة (وضربه).
(2) في المخطوطة (الأخماس).
(3) في المخطوطة (تبديل).
(4) في المخطوطة (وإن).
(5) الرياحي تقدم التعريف به في 1/ 299.
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (ولو كان).(2/235)
السورة لا تقوم (1) عليه الحجة به إلا في النوع الواحد الذي تضمنته السورة الواحدة فقط، وكان في اجتماع المعاني الكثيرة في السورة الواحدة أوفر حظا، وأجدى نفعا من التخيير لما ذكرناه.
قال الخطّابي: «وقلت: في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال (2) أخرى ما يخلص منه إليه. قال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنََا هََذَا الْقُرْآنَ عَلى ََ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خََاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ} الآية (3) (الحشر: 21) وقال (4) تعالى: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} الآية (الزمر: 23).
قلت: ولهذا أسلم جبير بن مطعم لما سمع قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم للطّور حتى انتهى إلى قوله:
{إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ لَوََاقِعٌ} (الطور: 7) قال: خشيت أن يدركني العذاب. وفي لفظ: «كاد قلبي يطير فأسلم» (5). وفي أثر آخر أن عمر لمّا سمع سورة طه (6) أسلم، وغير (7) ذلك.
وقد صنف بعضهم كتابا فيمن مات بسماع آية من القرآن.
__________
(1) في المخطوطة (يقيم).
(2) في المخطوطة (حالة).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) في المخطوطة (وقوله).
(5) في المخطوطة (كاد قلبي يطير) والحديث أخرجه مع ذكر الشاهد سعيد بن منصور وابن سعد (ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 118وأخرجه بأصله دون ذكر الشاهد الشافعي في الأم 7/ 206، باب القراءة في المغرب، والحميدي في المسند 1/ 254، أحاديث جبير بن مطعم. وأحمد في المسند 4/ 83و 85، أحاديث جبير بن مطعم، والبخاري في الصحيح 2/ 247، كتاب الأذان (10)، باب الجهر في المغرب (99)، الحديث (765)، وأخرجه في موضع آخر في 8/ 603، كتاب التفسير (65)، باب (1)، الحديث (4854)، باختلاف في الشاهد وهو قوله في هذا الحديث:
«فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخََالِقُونَ} وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 339338: كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح (35)، الحديث (174/ 463).
(6) الأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 268، باب إسلام عمر رضي الله عنه.
(7) في المخطوطة (إلى غير).(2/236)
(الثاني عشر): وهو (1) قول أهل التحقيق (1): إنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال، لا بكل [92/ ب] واحد عن انفراده فإنه جمع كلّه (3)، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق.
فمنها الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم، سواء المقرّين والجاحدين، ثم إنّ سامعه إن كان مؤمنا به يداخله روعة في أول سماعه وخشية، ثم لا [يزال] (4) يجد في قلبه هشاشة إليه، ومحبّة [له] (5). وإن كان جاحدا وجد فيه مع ذلك الروعة نفورا وعيّا لانقطاع مادته بحسن سمعه.
ومنها أنه لم يزل ولا يزال غضّا طريّا في أسماع السامعين، وعلى ألسنة القارئين.
ومنها ما ينتشر فيه عند تلاوته من إنزال الله إياه في صورة كلام هو مخاطبة من الله لرسوله تارة، ومخاطبة أخرى [لخلقه] (6) لا في صورة كلام يستمليه من نفسه من قد قذف [الوحي] (7) في قلبه، وأوحى إليه ما شاء أن يلقيه إلى عباده على لسانه، فهو يأتي بالمعاني التي ألهمها بألفاظه التي يكسوها إياه، كما يشاهد من الكتب المتقدمة.
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين، لا يجتمعان غالبا في كلام البشر لأن الجزالة من الألفاظ التي (8) لا توجد إلا بما يشوبها من القوة وبعض الوعورة (9)، والعذوبة منها ما يضادّها من السلاسة والسهولة، فمن نحا نحو الصورة الأولى فإنما يقصد الفخامة والروعة في الأسماع، مثل الفصحاء من الأعراب، وفحول الشعراء منهم، ومن نحا نحو الثانية قصد كون الكلام في السماع أعذب وأشهى وألذّ، مثل أشعار المخضرمين ومن داناهم من المولّدين المتأخرين. وترى ألفاظ القرآن قد جمعت في نظمه كلتا الصفتين، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز.
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى
__________
(1) في المخطوطة (قول المحققين) بدل (قول أهل التحقيق).
(3) في المخطوطة (ذلك).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) في المخطوطة (الذي) بدل (التي لا).
(9) في المخطوطة (الذعورة).(2/237)
بيان يرجع فيه [إليه] (1)، كما قال تعالى: {إِنَّ هََذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (النمل: 76).
فصل (2) في قدر المعجز من القرآن
قال القاضي أبو بكر (3): «ذهب عامة أصحابنا، وهو قول أبي الحسن الأشعري في كتبه، إلى أن أقلّ ما يعجز عنه من القرآن السورة قصيرة كانت أو طويلة، أو ما (4) كان بقدرها. قال: فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة (5) الكوثر فذلك معجز.
قال: ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر.
وذهبت المعتزلة إلى أن كلّ سورة برأسها فهي معجزة. وقد حكي عنهم نحو قولنا، إلا أن منهم من لم يشترط كون الآية بقدر السورة، بل شرط الآيات الكبيرة (6). وقد علمنا أنه تحدّاهم تحدّيا إلى السور كلّها، ولم يخصّ. ولم يأتوا بشيء منها، فعلم أن جميع ذلك معجز.
وأما قوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} (الطور: 34) فلا يخالف هذا لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة. وهو يؤكد مذهب أصحابنا وإن كان قد يتأوّل قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} على القبيل دون التفصيل.
(فإن قيل): هل يعرف إعجاز السّور القصار بما يعرف به إعجاز [السور] (7) الطوال؟
وهل يعرف كل قدر من القرآن بلغ الحدّ الذي قدّرتموه على ما تعرفون به إعجاز سورة البقرة ونحوها؟ (قلنا): إن أبا الحسن الأشعري قد أجاب عن ذلك بأن كلّ سورة قد علم كونها معجزة بعجز العرب عنها. وسمعت بعض الكبراء من أهل هذا الشأن يقول (8): إنّه يصح (9)
أن يكون علم ذلك توقيفا والطريقة الأولى أسدّ (10)، وتظهر فائدتهما في أن الأولى تبين أن ما
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (مسألة).
(3) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 254وما بعدها.
(4) في المخطوطة (أو كان).
(5) في المخطوطة (سورة).
(6) في الإعجاز (الكثيرة).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) في المخطوطة (يقولون).
(9) في المخطوطة: إن ذلك يصح
(10) في المخطوطة (أشد).(2/238)
علم به كون جميع القرآن معجزا موجود في كل سورة قصرت أو طالت، فيجب [93/ أ] أن يكون الحكم في الكلّ واحدا. والأخرى تتضمن تقدير معرفة إعجاز القرآن بالطريق التي (1)
سلكناها».
فصل (2)
اعلم أنه سبحانه تحدّاهم أولا في الإتيان بمثله، فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}
(الإسراء: 88) ثم تحدّاهم بعشر سور منه وقطع عذرهم بقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيََاتٍ} (هود: 13) وإنما قال: {مُفْتَرَيََاتٍ} من أجل أنهم قالوا: لا علم (3) لنا بما فيه من الأخبار الخالية، والقصص البالغة، فقيل لهم: {مُفْتَرَيََاتٍ} إزاحة لعللهم، وقطعا لأعذارهم، فعجزوا، فردّهم من العشر إلى سورة واحدة (4) من مثله، مبالغة في التعجيز لهم، فقال (5): {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدََاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (البقرة: 23) أي يشهدون لكم أنها في نظمه وبلاغته وجزالته، فعجزوا.
فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (البقرة: 24) مبالغة في التعجيز وإفحاما لهم {فَاتَّقُوا النََّارَ} (البقرة: 24) وهذه مبالغة في الوعيد، مع أن اللغة لغتهم، والكلام كلامهم، وناهيك بذلك أن الوليد بن المغيرة (6) لعنه الله كان سيّد قريش، وأحد فصحائهم لما سمعه أخرس لسانه، وبلد جنانه، وأطفئ بيانه، وقطعت (7) حجّته، وقصم ظهره، وظهر (8)
عجزه، وذهل (9) عقله، حتى قال (10): «قد عرفنا الشعر كلّه هزجه ورجزه وقريضه،
__________
(1) في المخطوطة (الذي).
(2) في المخطوطة (مسألة).
(3) في المخطوطة (نعلم).
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (لما سورة) بدل (إلى سورة واحدة).
(5) في المخطوطة (قال تعالى).
(6) تقدم الكلام عنه في 2/ 234.
(7) في المخطوطة (وقطع).
(8) في المخطوطة (وأظهر).
(9) في المخطوطة (وأذهل).
(10) انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/ 270، باب تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن.(2/239)
ومقبوضه ومبسوطه، فما [هو] (1) بالشعر! قالت له قريش: فساحر؟ قال: وما هو بساحر، قد رأينا السّحّار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى، سمعت قولا يأخذ القلوب.
قالوا: مجنون، قال: لا والله ما هو بمجنون، ولا بخنقه ولا بوسوسته (2) ولا رعشته، قالوا:
كاهن. قال: قد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة [الكهّان] (3) ولا بسجعهم. ثم حملته الحميّة فنكص على عقبيه وكابر حسّه (4) فقال: {إِنْ هََذََا إِلََّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هََذََا إِلََّا قَوْلُ الْبَشَرِ} (المدثر: 24 و 25).
(مسألة) التحدّي إنما وقع للإنس دون الجن، [لأن الجنّ] (5) ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه وإنما ذكروا في قوله [تعالى] (6) {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [7] [عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً] (7) (الإسراء: 88) تعظيما لإعجازه، لأن الهيئة الاجتماعية لها من القوة ما ليس للأفراد، فإذا فرض اجتماع جميع الإنس والجن، وظاهر بعضهم بعضا، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز، ونظيره في الفقه تقدّم (9) الأخ الشقيق على الأخ للأب في ولاية النكاح مع أن الأمومة ليس لها مدخل في النكاح.
فصل (10) في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة
قال القاضي (11): «ذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن ظهور ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم ضرورة، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال، وهذا المذهب يحكى عن المخالفين. والذي نقوله: إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا، وكذلك من ليس ببليغ، فأما البليغ الذي أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله».
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (سوسته).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (سحة).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) ليست في المطبوعة.
(7) تمام الآية ليس في المطبوعة.
(9) في المخطوطة (يقدم).
(10) في المخطوطة (مسألة).
(11) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 259.(2/240)
(مسألة) (1) قيل: للحكمة (2) في تنزيه الله تعالى (3) نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن الشعر وجوه (4):
أحدها: أنه سبحانه أخبر عن الشعراء بأنهم {فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لََا يَفْعَلُونَ} (الشعراء: 226225) وأن للشعر شرائط لا يسمّى الإنسان بغيرها شاعرا، كما قال بعضهم وقد سئل عن الشاعر (5)، فقال: إن هزل أضحك، وإن جدّ كذب، فالشاعر بين كذب وإضحاك. فنزّه الله نبيّه عن هاتين الخصلتين، وعن كل أمر دنىء، وإنا لا نكاد نجد [93/ ب] شاعرا [إلا مادحا ضارعا] (6)، أو هاجيا ذا قذع، وهذه أوصاف لا تصلح للنبي.
والثاني: أن أهل العروض مجمعون كما قال ابن فارس (7) على أنّه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، [إلا أن صناعة الإيقاع] (8) تقسم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تقسمه بالحروف المتنوعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال: «لست من دد ولا دد مني» (9).
وأما ما حكي عنه صلّى الله عليه وسلّم من ألفاظ الوزن، فالجواب عنها من وجهين:
أحدهما: أنه لم يقصد بها الشعر، (10) [ومن حقيقة الشعر قصده، قال ابن فارس (11):
__________
(1) اقتبس الزركشي هذه المسألة من كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس ص 230229، باب الشعر، بتصرف.
(2) في المخطوطة (في الحكمة).
(3) في المخطوطة (سبحانه).
(4) في المخطوطة (وجوها).
(5) في المخطوطة (الشعر).
(6) العبارة ساقطة من المخطوطة.
(7) انظر فقه اللغة ص 230. باب الشعر.
(8) العبارة ساقطة من المخطوطة.
(9) الحديث ورد من طريقين: (الأولى) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجها البخاري في الأدب المفرد ص 266، باب الغناء واللهو (340)، الحديث (786)، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 217، كتاب الشهادات، باب من كره كل ما لعب الناس به من الحزّة، ورواه البزار عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 225باب عصمته من الباطل والطبراني في الأوسط 1/ 262، الحديث 415. وأخرجه أيضا ابن عساكر في التاريخ (عزاه له السيوطي في الجامع الصغير 5/ 265، المطبوع مع فيض القدير) وفيه زيادة وهي «ولست من الباطل ولا الباطل مني». وأخرجه الدارقطني في الأفراد (ذكره السيوطي في جمع الجوامع 640) (والثانية) عن معاوية رضي الله عنه، أخرجها الطبراني (عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 226، باب عصمته من الباطل).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(11) انظر فقه اللغة ص 229، باب الشعر.(2/241)
الشعر كلام موزون مقفى دالّ على معنى، ويكون أكثر من بيت، لأنه يجوز اتفاق شطر واحد بوزن يشبه وزن الشعر] من غير قصد.
والثاني: أنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أنشد شيئا من ذلك غيّره.
فصل في تنزيه الله القرآن عن أن يكون شعرا
مع أن الموزون في الكلام رتبته فوق رتبة المنظوم غير الموزون فإن كل موزون منظوم ولا (1) عكس، وقال تعالى: {وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ وَمََا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلََّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}
(يس: 69) فأعلم سبحانه [وتعالى] (2) أنه نزّه القرآن عن نظم الشعر والوزن لأن القرآن (3) مجمع الحق، ومنبع الصدق (3)، وقصارى أمر الشاعر التحصيل بتصوير الباطل في صورة الحق، والإفراط (5) في الإطراء، والمبالغة في الذم والإيذاء دون إظهار الحق، وإثبات الصدق منه كان بالعرض، ولهذا قال تعالى: {وَمََا هُوَ بِقَوْلِ شََاعِرٍ} (الحاقة: 41) أي كاذب، ولم يعن (6) أنه ليس بشعر فإنّ وزن الشعر أظهر من أن يشتبه عليهم حتى يحتاج إلى أن ينفى عنه، ولأجل شهرة الشعر بالكذب سمّى المنطقيون القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية.
فإن قيل (7): فقد وجد في القرآن وما وافق شعرا موزونا، إما بيت تام، أو أبيات، أو مصراع، كقول القائل:
وقلت لما حاولوا سلوتي ... {هَيْهََاتَ هَيْهََاتَ لِمََا تُوعَدُونَ} (8)
وقوله: {وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ وَقُدُورٍ رََاسِيََاتٍ} (سبأ: 13) قالوا: هذا من الرمل.
وكقوله: {مَنْ تَزَكََّى فَإِنَّمََا يَتَزَكََّى لِنَفْسِهِ} (فاطر: 18) قالوا: هو من الخفيف.
__________
(1) في المخطوطة (من غير).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) في المخطوطة تقديم وتأخير كما يلي (منبع الحق ومجمع الصدق).
(5) تصحفت في المطبوعة إلى (والإفرط).
(6) في المخطوطة (ولم يعبأ به).
(7) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 5251، فصل في نفي الشعر من القرآن.
(8) سورة المؤمنون: 36.(2/242)
وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللََّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لََا يَحْتَسِبُ} (1) قالوا: هو من المتقارب، (2) [أي بإسقاط {مَخْرَجاً}] (2).
وقوله:
{وَدََانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلََالُهََا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهََا تَذْلِيلًا} (4)
ويشبعون حركة الميم فيبقى من الرجز، وحكي أن أبا نواس (5) ضمّنه فقال:
وفتية في مجلس وجوههم ... ريحانهم، قد عدموا التثقيلا
دانية عليهمو ظلالها ... وذلّلت قطوفها تذليلا (6)
وقوله تعالى:
{وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (7) قالوا: هو من الوافر.
وقوله [تعالى] (8):
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذََلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (9) قالوا: هو من الخفيف.
وقوله تعالى: {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً} (العاديات: 1و 2) ونحو قوله: {وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً * فَالْحََامِلََاتِ وِقْراً * فَالْجََارِيََاتِ يُسْراً} (الذاريات: 31) وهو عندهم شعر من بحر البسيط.
وقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبََارَ السُّجُودِ} (ق: 40). وقوله تعالى:
{لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92). وقوله تعالى: {فَلََا تُمََارِ فِيهِمْ إِلََّا مِرََاءً ظََاهِراً} (الكهف: 22). وقوله [تعالى] (10): {لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ إِلََّا مَنْ رَحِمَ} (هود: 43). وقوله [تعالى] (10): {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (المسد: 1).
__________
(1) سورة الطلاق: 32.
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) سورة الدهر: 14.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (ابن أبي نواس).
(6) انظر أخبار أبي نواس لابن منظور 2/ 53.
(7) سورة التوبة: 14.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) سورة الماعون: 21.
(10) ليست في المخطوطة.(2/243)
وقوله [تعالى] (1): {نَصْرٌ مِنَ اللََّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (الصف: 13). وقوله [تعالى] (1):
{إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: 38) وقوله [تعالى] (1): {إِنَّ قََارُونَ كََانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى ََ [فَبَغى ََ عَلَيْهِمْ]} [4] (القصص: 76).
ويحكى أنه سمع أعرابيّ (5) قارئا يقرأ {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج: 1) قال: كسرت إنما قال (6):
يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم ... زلزلة (7) الساعة شيء عظيم
فقيل له: هذا القرآن وليس بشعر.
فالجواب، قال القاضي أبو بكر (8): إن الفصحاء منهم لما أورد عليهم القرآن لو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته لأن الشعر [94/ أ] منقاد إليهم، فلما لم يعمدوا إلى ذلك دلّ على أنهم لم يعتقدوا فيه ذلك، فمن استدرك فيه شعرا زعم أنه خفي على أولئك النفر، وهم ملوك الكلام مع شدة حاجتهم إلى الطعن في القرآن، (9) [والغض منه والتوصّل إلى تكذيبه] (9) بكل ما قدروا عليه، (9) [فلن يجوز أن يخفى على أولئك وأن يجهلوه ويعرفه من جاء الآن] (9)، فهو بالجهل حقيق.
وحينئذ فالذي أجاب به العلماء عن هذا أنّ البيت الواحد وما كان على وزنه لا يكون شعرا، وأقل الشعر بيتان فصاعدا، وإلى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العربية من أهل الإسلام.
وقالوا أيضا: إنّ (13) ما كان على وزن بيتين إلا أنه يختلف وزنهما وقافيتهما فليس بشعر.
ثم منهم من قال: [إنّ] (14) الرجز ليس بشعر أصلا، لا سيما إذا كان مشطورا أو منهوكا (15).
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (أعرابيا).
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (قيل).
(7) في المخطوطة (إن زلزلة) والصواب حذف إن ليستقيم الوزن.
(8) انظر إعجاز القرآن ص 53وما بعدها.
(9) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(13) في المخطوطة (إنما).
(14) ساقطة من المخطوطة.
(15) تصحفت في المخطوطة إلى (مهنوكا).(2/244)
وكذا ما يقاربه في قلة الأجزاء، وعلى هذا يسقط (1) السؤال. ثم نقول: إن الشعر إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك (2)، ولا يصح أن يتّفق مثله إلا من الشعراء (3)
دون ما يستوي فيه العاميّ والجاهل، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعرا، وإلا لكان (4) الناس كلهم شعراء لأن كلّ متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتّزن بوزن الشعر.
وقيل: أقل ما يكون من الرجز شعرا أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال. قال القاضي (5): «وهذه الطريق التي سلكوها في الجواب معتمدة، أو أكثرها. ولو كان ذلك شعرا لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزّمان.
(فصل)
مما يبعث على معرفة الإعجاز اختلافات المقامات وذكر في كلّ موضع ما يلائمه (6)، ووضع الألفاظ في كل موضع ما يليق به، وإن كانت مترادفة، حتى لو أبدل واحد (7) منها بالآخر (8) ذهبت تلك الطلاوة (9)، وفاتت تلك الحلاوة.
فمن ذلك أن لفظ «الأرض» لم ترد في التنزيل إلا مفردة، وإذا ذكرت والسماء مجموعة (10) لم يؤت بها معها إلا مفردة، ولما أريد الإتيان بها مجموعة قال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (الطلاق: 12)، تفاديا من جمعها.
ولفظ «البقعة» لم تستعمل فيه إلا مفردة، كقوله (11) تعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبََارَكَةِ}
(القصص: 30) فإن جمعت حسّن ذلك ورودها مضافة، كقولهم: «بقاع الأرض».
وكذلك لفظ «اللب» أراد (12) به العقل [لم يرد إلا مجموعا] (13) كقوله تعالى:
__________
(1) في المطبوعة (نسقط).
(2) في المخطوطة (يتعهد ويسلك).
(3) في المخطوطة (الشعر).
(4) في المخطوطة (والإنكار).
(5) انظر إعجاز القرآن ص 5655.
(6) في المخطوطة (يلازمه).
(7) في المخطوطة (واحدا).
(8) في المخطوطة (بالأخرى).
(9) في المخطوطة (الطراوة).
(10) في المخطوطة (مجموعا).
(11) في المخطوطة (لقوله).
(12) في المطبوعة (مرادا).
(13) العبارة ساقطة من المطبوعة.(2/245)
{وَذِكْرى ََ لِأُولِي الْأَلْبََابِ} (ص: 43) {لَذِكْرى ََ لِأُولِي الْأَلْبََابِ} (الزمر: 21) فإنه يعذب [استعماله مجموعا] (1) دون الإفراد.
وكذلك قوله: {مََا جَعَلَ اللََّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الأحزاب: 4) وفي موضع آخر: {فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} (آل عمران: 35) استعمل «الجوف» في الأول «والبطن» في الثاني مع اتفاقهما في المعنى، ولو استعمل أحدهما (2) في موضع (3) الآخر لم يكن له من الحسن والقبول عند الذوق ما لاستعمال (4) كل واحد منهما في موضعه.
وأما بالنسبة إلى المقامات، فانظر إلى مقام الترغيب، وإلى مقام الترهيب فمقام الترغيب كقوله تعالى: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ إِنَّ اللََّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (الزمر: 53) نجده تأليفا لقلوب العباد، وترغيبا لهم في الإسلام.
قيل: وكان سبب (5) نزولها أنه أسلم عياش (6) بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر معهما، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا قال: وكنا [نقول: قوم] (7) لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا أبدا، فنزلت فكتب بها عمر بن الخطاب إليهم [رضي الله عنه] (7) حين فهم قصد (9)
الترغيب، فآمنوا وأسلموا وهاجروا. ولا يلزم دلالتها على مغفرة الكفر، لكونه من الذنوب، فلا يمكن حملها على فضل الترغيب في الإسلام (10) [وتأليف القلوب له لوجوه:
منها أن قوله: {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} عامّ دخله التخصيص بقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء، 48) فيبقى معتبرا فيما عداه] (10) ومنها أن لفظ «العباد» مضافا (12) إليه في القرآن مخصوص (13) بالمؤمنين، قال تعالى:
{عَيْناً يَشْرَبُ [بِهََا عِبََادُ اللََّهِ]} [14] (الدهر: 6).
__________
(1) العبارة ساقطة من المخطوطة.
(2) في المطبوعة (في أحدهما في).
(3) في المخطوطة (الوضع).
(4) في المخطوطة (باستعمال) بدل (ما لاستعمال).
(5) انظر أسباب النزول للواحدي ص 248.
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (عباس).
(7) ليست في المخطوطة.
(9) في المخطوطة (مفيد).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(12) في المخطوطة (يضاف).
(13) في المخطوطة (مخصوصا).
(14) ليست في المخطوطة.(2/246)
فإن (1) قلت: فلم يكونوا مؤمنين حال الترغيب! قلت: كانوا مؤمنين قبله بدليل سبب نزولها، وعوملوا [94/ ب] هذه المعاملة من الإضافة مبالغة في الترغيب.
وأما مقام الترهيب فهو مضادّ له كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نََاراً خََالِداً فِيهََا} (النساء: 14) ويدل على قصد مجرد الترهيب بطلان النصوصية من ظاهرها على عدم المغفرة لأهل المعاصي لأنّ «من» للعموم لأنها (2) في سياق الشرط، فيعمّ (3) في جميع المعاصي فقد حكم عليهم بالخلود، وهو ينافي المغفرة، وكذلك كلّ مقام يضاد الآخر، ويعتبر التفاضل بين العبارتين من وجوه:
(أحدها) المعاني الإفرادية بأن يكون بعضها أقوى دلالة وأفخم (4) مسمّى، وأسلس لفظا ونحوه.
(الثاني): المعاني الإعرابية أن يكون مسمّاها أبلغ معنى كالتمييز مع البدل في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} (مريم: 4) مع اشتعل الرأس شيبة وهذا أبلغ من:
«اشتعل شيب الرأس».
(الثالث): مواقع التركيب، كقوله تعالى: {وَقََالَ اللََّهُ لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ}
(النحل: 51) فإن الأولى جعل «اثنين» مفعول: «يتخذوا» و «إلهين» صفة له تقدمت (5)
فانتصبت على الحال، والتقدير: اتخذوا إلهين اثنين، لأن «اثنين» أعمّ من «إلهين».
فصل في اشتمال القرآن على أنواع الإعجاز
وهو أن يقع التركيب بحيث لا يمتنع أن يوجد ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا (6) [في] (7)
إفادة ذلك المعنى. وقد اختلف في أنّه: هل تتفاوت (8) فيه مراتب الفصاحة؟ واختار القاضي أبو بكر ابن الطيب في كتاب «الإعجاز (9)» المنع، وأنّ كل كلمة موصوفة بالذروة العليا،
__________
(1) في المخطوطة (قال).
(2) في المخطوطة (لأن من).
(3) اضطربت في المخطوطة إلى (ذم).
(4) في المخطوطة (وأفحم).
(5) في المخطوطة (فقدمت).
(6) في المخطوطة (اعتدالى).
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) في المخطوطة (مقارب).
(9) انظر إعجاز القرآن ص 35وما بعدها، الوجه الثالث من فصل في جملة وجوه من إعجاز القرآن.(2/247)
وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض وهذا كما أن بعضهم يفطن (1) للوزن بخلاف بعض.
واختار أبو نصر بن القشيري (2) في «تفسيره» التفاوت (3) فقال: «وقد ردّ على الزجاج (4) وغيره تضعيفهم قراءة {وَالْأَرْحََامَ} (5) (النساء: 1) بالجرّ: هذا من الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات السبع متواترة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا ثبت فمن ردّ ذلك (6)
فكأنما ردّ على النبوّة، وهذا مقام محذور، لا يقلد فيه أئمة اللّغة والنحو. ولعلّهم أرادوا أنه
__________
(1) في المخطوطة (تفطن).
(2) هو عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيري الشافعي، إمام الأئمة في التفسير والأصول. لازم إمام الحرمين حتى أحكم عليه المذهب، والخلاف، والأصول. سمع الحديث من أبيه وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم الزنجاني وجماعة. وله: «التيسير في التفسير» ت 514هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 291). وتفسيره مخطوط في ليدن مكتبة بريل رقم: 643، (انظر تذكرة النوادر: 24) وقد نقل قوله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 5/ 4.
(3) في المخطوطة (التقارب).
(4) انظر قول الزجاج في كتابه إعراب القرآن 2/ 76 (بتحقيق عبد الجليل عبده شلبي، طبعة عالم الكتب ببيروت 1408هـ / 1988م) قال {وَالْأَرْحََامَ}: القراءة الجيّدة نصب الأرحام. المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فأما الجرّ في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تحلفوا بآبائكم. فكيف يكون تساءلون به وبالرحم على ذا؟. رأيت أبا إسحق إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وأن ذلك خاص لله عزّ وجلّ على ما أتت به الرواية.
فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإظهار الجار، يستقبح النحويّون: مررت به وزيد، وبك وزيد، إلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد، فقال بعضهم: لأن المخفوض حرف متّصل غير منفصل، فكأنّه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقد فسر المازي هذا تفسيرا مقنعا فقال: الثاني في العطف شريك للأول، فإن كان الأول يصلح شريكا للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له.
قال: فكما لا تقول مررت بزيد و «ك» فكذلك لا يجوز مررت بك وزيد.
وقد جاز ذلك في الشعر، أنشد سيبويه:
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيّام من عجب
(5) وهي قراءة حمزة، والباقون بنصبها (التيسير: 93) وانظر تفسير القرطبي 5/ 43.
(6) في المخطوطة (فمن رد بعد ذلك).(2/248)
صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه، [قال] (1) فإنا لا ندّعي أن كل (2) ما في القرآن على أرفع الدرجات في الفصاحة.
وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين (3) في كتاب «المجاز» وأورد سؤالا فقال (4): فإن قلت: فلم لم يأت القرآن جميعه بالأفصح والأملح؟ وقال: فيه إشكال [يسّر الله] (5) حلّه.
قال القاضي صدر الدين موهوب الجزري (6) [رحمه الله] (7): وقد وقع لي حلّ هذا الإشكال بتوفيق الله تعالى فأقول: البارئ جلت قدرته له أساليب مختلفة على مجاري تصريف أقداره، فإنّه كان قادرا على إلجاء المشركين إلى الإقرار بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمََاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنََاقُهُمْ لَهََا خََاضِعِينَ} (الشعراء: 4)، ولكنّه سبحانه أرسل رسوله على أساليب الأسباب والمسببات، وجاري العوائد الواقعة من أهل الزمان، ولذلك (8)
تكون حروب الأنبياء سجالا بينهم وبين الكفار، ويبتدئ أمر الأنبياء بأسباب خفيفة، ولا تزال تنمى وتشتد، كلّ ذلك يدلّ على أن أساليبهم في الإرسال على ما هو المألوف والمعتاد من أحوال غيرهم.
إذا عرف ذلك كان مجيء القرآن [العزيز] (9) بغير الأفصح والأملح (10) جميعه لأنه تحدّاهم بمعارضته على المعتاد فلو وقع على غير المعتاد لكان ذلك نمطا غير النّمط الذي أراده الله عز وجلّ في الإعجاز.
ولما كان الأمر على ما وصفنا جاء القرآن على نهج إنشائهم الخطب، والأشعار وغيرها،
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) في المخطوطة (كلما).
(3) العز بن عبد السلام تقدم التعريف به في 1/ 132، وكتابه «مجازات القرآن» مخطوط بالأزهر 26/ 322 أتراك (معجم الدراسات القرآنية: 334)، وانظر الإشارة إلى الإيجاز ص 132.
(4) في المخطوطة (قال).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (صدر الدين ابن الجزري). وهو موهوب بن عمرو بن موهوب الجزري القاضي الشافعي صدر الدين ولد سنة 570هـ. قدم الشام، وتفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، وقرأ على السخاوي، وكان فقيها بارعا أصوليا أدبيا قدم الديار المصرية وولي بها القضاء، وسار سيرة مرضية. ت 665هـ بالقاهرة (السبكي، طبقات الشافعية 5/ 162).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) في المخطوطة (وكذلك).
(9) ليست في المطبوعة.
(10) في المخطوطة (الأملح) بدون الواو.(2/249)
ليحصل لهم التمكن من المعارضة ثم يعجزوا عنها، فيظهر الفلج بالحجة، لأنّهم (1) لو لم [95/ أ] يتمكنوا لكان لهم أن يقولوا: قد أتيت بما لا قدرة لنا عليه فكما لا يصح من أعمى معارضة المبصر في النظر، لا يحسن من البصير أن يقول: غلبتك أيها الأعمى بنظري فإنّ للأعمى أن يقول: إنما تتمّ (2) لك الغلبة لو كنت أنظر (3) وكان نظرك أقوى من نظري فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح [معنى] (4) المعارضة! (فإن قلت): فلو كانت المعجزة شيئا لا يقدر عليه البشر، كإحياء الموتى وأمثاله [فكيف] (5) كان ذلك أدعى إلى الانقياد؟ (قلت): هذا السؤال سبق الجواب عنه في الكلام، وإنّ أساليب الأنبياء تقع على نهج أساليب غيرهم.
(فإن قلت): فما ذكرته يدلّ على أن عجز العرب عن معارضته إنما كانت لصرف دواعيهم، مع أن المعارضة كانت مقدورة لهم. (قلت): قد ذهب بعض العلماء إلى ذلك، ولكن لا أراه حقا، ويندفع السؤال المذكور. وإن كان الإعجاز في القرآن بأسلوبه (6) الخاص به إلّا أن الذين قالوا: بأن (7) المعجز فيه هو الصّرفة مذهبهم أن جميع أساليبه جميعا ليس على نهج أساليبهم ولكن شاركت أساليبهم في أشياء (8):
(منها) أنه بلغتهم. (ومنها) أن آحاد الكلمات قد كانوا يستعملونه في خطبهم وأشعارهم، ولكن تمتاز بأمور أخر منها غرابة نظمه الخاص الذي [ليس] (9) مشابها لأجزاء الشعر وأوزانه وهزجه ورجزه وغير ذلك من ضروبه فأما توالي نظمه من أوله إلى آخره، بأن يأتي بالأفصح والأملح فهذا مما وقعت فيه المشاركة لكلامهم (10) فبذلك امتاز هذا المذهب عن مذهب من يقول: إنه كان جميعه مقدورا لهم، وإنما صرفت دواعيهم عن المعارضة.
انتهى.
وقد سبق اختيار القاضي (11). أنه ليس على أساليبهم البتة فيبقى السؤال بحاله.
__________
(1) في المخطوطة (فإنهم).
(2) في المخطوطة (يتم).
(3) في المطبوعة (قادرا).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (في أسلوبه).
(7) في المخطوطة (أن).
(8) في المخطوطة (الأشياء).
(9) ساقطة من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (فكلامهم).
(11) انظر الإعجاز للقاضي الباقلاني ص 35وما بعدها.(2/250)
(تنبيه) ذكر (1) ابن أبي الحديد: «اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح، والرشيق والأرشق، والجليّ والأجلى، والعليّ والأعلى من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه، وهو بمنزلة جاريتين: إحداهما بيضاء مشربة حمرة، دقيقة الشفتين، نقية الشعر، كحلاء العين، أسيلة الخد، دقيقة الأنف، معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن لكنّها أحلى في العيون والقلوب منها، وأليق وأملح، ولا يدرى لأيّ سبب كان ذلك، لكنه (2) بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله (3).
وهكذا (4) الكلام نعم يبقى الفرق بين الوصفين أنّ حسن الوجوه وملاحتها، وتفضيل بعضها على بعض يدركه كلّ من له عين صحيحة وأما الكلام فلا يعرفه إلّا بالذوق، وليس كلّ من اشتغل بالنحو أو باللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق، وممّن يصلح لانتقاد الكلام وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر، وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامة فإلى أولئك ينبغي [أن يرجع] (5) في معرفة الكلام، وفضل بعضه على بعض».
__________
(1) في المخطوطة (ذكره)، وهو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي، أخو موفق الدين، وهو من أعيان الشيعة، وله ديوان مشهور. روى عنه الدمياطي. من تصانيفه «الفلك الدائر على المثل السائر» ونظم «فصيح ثعلب» وشرح «نهج البلاغة» في عشرين مجلدات 655هـ (الكتبي، فوات الوفيات 2/ 259).
(2) في المخطوطة (ولكنه).
(3) في المخطوطة (تعليقه).
(4) في المخطوطة (وهذا).
(5) ساقطة من المخطوطة.(2/251)
النوع التاسع والثلاثون معرفة وجوب تواتره
لا خلاف أن كلّ ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه، وأمّا في محله (1) ووضعه وترتيبه، فعند المحققين من علماء أهل السنة كذلك، أي يجب أن يكون متواترا، فإن العلم اليقينيّ حاصل أن العادة قاضية بأن مثل هذا الكتاب العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الهادي للخلق إلى الحق المعجز الباقي على صفحات الدهر، الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، فمستحيل (2) ألا يكون [95/ ب] متواترا في ذلك كله.
إذ الدواعي تتوافر على نقله على وجه التواتر، وكيف لا وقد قال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9) والحفظ إنما يتحقق بالتواتر، وقال تعالى: {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ} (المائدة: 67)، والبلاغ العام إنما هو بالتواتر [فما] (3) لم (4) يتواتر، مما (5) نقل آحادا نقطع بأنه ليس من القرآن.
وذهب كثير من الأصوليين إلى أنّ التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله، وليس بشرط في محله ووضعه وترتيبه، بل يكثر فيها نقل الآحاد، وهو الذي يقتضيه صنع (6)
الشافعي في إثبات البسملة من (7) كل سورة.
__________
(1) في المخطوطة (حكمه).
(2) في المخطوطة (ويستحيل).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (فلم).
(5) في المخطوطة (فما).
(6) في المخطوطة (صنيع).
(7) في المخطوطة (في).(2/252)
وردّ بأن الدليل السابق يقتضي التواتر في الجميع، ولأنه لو لم يشترط لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر وثبوت كثير مما ليس بقرآن. (أما الأول) فلأنّا لو لم نشترط التواتر في المحلّ جاز ألا يتواتر كثير من المتكررات الواقعة في القرآن، مثل: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} (الرحمن: 13) و {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (المرسلات: 15). (وأما الثاني) فلأنه إذا لم يتواتر بعض القرآن بحسب المحل جاز إثبات ذلك البعض في الموضع بنقل الآحاد.
وقال القاضي أبو بكر في «الانتصار» (1): «ذهب قوم من الفقهاء والمتكلمين إلى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة، وكره ذلك أهل الحق، وامتنعوا منه. وقال قوم من المتكلمين: إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة، وأوجه وأحرف، إذا كانت تلك الأوجه صوابا في اللغة العربية، وإن لم يثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأها، بخلاف موجب رأي القياسيين، واجتهاد المجتهدين. وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه، وخطّئوا من قال بذلك، وصار إليه».
قال القاضي: «وقد ردّ الله عنه طعن الطاعنين، واختلاف الضالّين، وليس المعتبر في العلم بصحة النقل والقطع على فنونه بألّا يخالف فيه مخالف وإنما المعتبر في ذلك مجيئه عن قوم بهم ثبت التواتر، وتقوم الحجة، سواء اتفق على نقلهم أو اختلف فيه ولهذا لا يبطل النقل إذا ظهر واستفاض، واتفق عليه إذا حدث خلاف في صحته لم يكن من قبل».
وبذلك يسقط اعتراض الملحدين في القرآن، وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من التغيير، ونقض (2) مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص، كيف وقد قال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (الحجر: 9) وقوله: {إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (القيامة: 17) وأجمعت (3) [الأمة] (4) أن المراد بذلك حفظه على المكلّفين للعمل به وحراسته من وجوه الغلط والتخليط، وذلك وجب القطع على صحة نقل مصحف الجماعة وسلامته.
__________
(1) كتاب «الانتصار لنقل القرآن» لأبي بكر الباقلاني تقدم التعريف به في 1/ 278. وقد ذكر قوله السيوطي مختصرا في الاتقان 1/ 216، النوع الثاني والعشرون معرفة المتواتر.
(2) في المخطوطة (وبعض).
(3) في المخطوطة (وأجيب).
(4) ساقطة من المخطوطة.(2/253)
(فصل)
والمعوذتان من القرآن واستفاضتهما كاستفاضة جميع القرآن، وأما ما روي عن ابن مسعود (1). قال القاضي أبو بكر (2): «فلم يصح عنه أنهما ليسا بقرآن، ولا حفظ عنه أنه حكّهما (3) وأسقطهما (4) من مصحفه لعلل وتأويلات».
قال القاضي: «ولا يجوز أن يضاف إلى عبد الله أو إلى أبيّ بن كعب، أو زيد أو عثمان أو عليّ، أو واحد من ولده أو عترته جحد آية أو حرف من كتاب الله وتغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم في مصحف الجماعة بأخبار الآحاد، وأن ذلك لا يحلّ، ولا يسمع، بل لا تصلح إضافته إلى أدنى المؤمنين في عصرنا، فضلا عن إضافته إلى رجل من الصحابة، وإن كلام القنوت المروي عن أبيّ بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم حجة (5) بأنه قرآن منزل بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآنا لنقل نقل القرآن، وحصل العلم [96/ أ] بصحته، وأنه يمكن أن يكون منه كلام كان قرآنا منزلا ثم نسخ وأبيح الدعاء به، وخلط بكلام ليس بقرآن، (6) [ولم يصح ذلك عنه، وإنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه، وقد ثبت في مصحفه ما ليس بقرآن] (6) من دعاء وتأويل.
وقال النووي في «شرح المهذب (8)»: «أجمع المسلمون على أن المعوّذتين والفاتحة
__________
(1) أخرج أحمد، والبزار، والطبراني، وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود «أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما». قال البزار: «ولم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف» (الدرّ المنثور 6/ 416).
(2) نقل قوله السيوطي في الإتقان 1/ 221220في النوع الثاني والعشرين.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (حكمها).
(4) اضطربت في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (الحجة).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) انظر المجموع شرح المهذب للنووي 3/ 396، كتاب الصلاة، فصل في مسائل مهمة تتعلق بقراءة الفاتحة وغيرها، المسألة العاشرة والأخيرة.(2/254)
من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر وما نقل عن ابن مسعود (1) باطل، وليس بصحيح (1). وقال ابن حزم في أول كتابه (3) «المحلّى»: هذا كذب على ابن مسعود موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زرّ بن حبيش عنه، وفيها المعوذتان والفاتحة».
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب «التقريب (4)»: لم ينكر عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد، لأنه كانت السنة عنده ألّا يثبت إلا ما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بإثباته وكتبه، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به. وهذا تأويل منه، وليس جحدا لكونهما قرآنا».
وفي «صحيح ابن حبان (5)» عن زرّ: قلنا لأبيّ بن كعب: إن ابن مسعود لا يكتب في مصحفه المعوذتين، فقال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال لي جبريل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (الفلق: 1) فقلتها، و [قال لي] (6): {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} (الناس: 1) فقلتها، فنحن نقول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم».
__________
(1) تقديم وتأخير في المخطوطة (ليس بصحيح باطل).
(3) انظر المحلّى 1/ 13، المسألة (21)، من كتاب التوحيد (طبعة دار الآفاق ببيروت).
(4) تقدم التعريف بالكتاب في 1/ 383.
(5) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ 84، ذكر الإخبار عما يستحب للمرء قراءة المعوذتين في أسبابه، الحديث (794). ورواه بلفظ آخر في 6/ 302، ذكر الأمر بالرجم للمحصنين إذا زنيا قصد التنكيل بهما، الحديث (4412). والحديث أخرجه البخاري في 8/ 741، كتاب التفسير (65)، سورة (113) الحديث (4976)، وأخرجه أحمد، والنسائي، وابن الضريس، وابن الأنباري، وابن مردويه (الدر المنثور 6/ 416).
(6) ليست من المخطوطة.(2/255)
النوع الأربعون في بيان معاضدة السّنة للقرآن
اعلم أنّ القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدارج الحكمة حتى إن كلّ واحد منهما يخصّص عموم الآخر، ويبين إجماله.
ثم منه ما هو ظاهر، ومعه ما يغمض، وقد اعتنى بإفراد ذلك بالتصنيف: الإمام أبو الحكم ابن برّجان في كتابه المسمى ب «الإرشاد (1)» وقال: ما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم من شيء فهو في القرآن، أو فيه أصله، قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه [من عمه] (2)، قال الله تعالى: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 38).
ألا تسمع إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الرجم: «لأقضينّ بينكما بكتاب الله [تعالى]» (3)، وليس في نصّ كتاب الله الرجم. وقد أقسم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهما بكتاب الله، ولكن الرّجم فيه تعريض مجمل في قوله [تعالى]: {وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذََابَ} (النور: 8). وأما تعيين الرجم من عموم ذكر العذاب، وتفسير هذا المجمل، فهو مبيّن بحكم الرسول وأمره [به] (4) وموجود في عموم قوله: {وَمََا آتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(الحشر: 7) وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اللََّهَ} (النساء: 80).
__________
(1) ابن برّجان هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد السلام تقدم التعريف به وبكتابه «الإرشاد في التفسير» في 1/ 111.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 523كتاب الأيمان والنذور (83)، باب كيف كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم (3)، الحديث (6633)، وأخرجه مسلم في الصحيح 3/ 13251324كتاب الحدود (29)، باب من اعترف (5) الحديث (25/ 16981697).
(4) ليست في المخطوطة.(2/256)
وهكذا حكم جميع قضائه، وحكمه على طرقه التي أتت عليه، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه، ويبلغ منه الراغب فيه حيث بلّغه ربه تبارك وتعالى لأنه واهب النعم، ومقدّر القسم.
وهذا البيان من العلم جليل، وحظه من اليقين جزيل، وقد نبّهنا صلّى الله عليه وسلّم على هذا المطلب في مواضع كثيرة من خطابه.
* منها: حين ذكر ما أعدّ الله تعالى لأوليائه في الجنة فقال: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما اطلعتم عليه»، ثم قال: «اقرءوا إن شئتم:
{فَلََا تَعْلَمُ نَفْسٌ مََا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة: 17)» (1).
* ومنها: «قالوا: يا رسول الله، ألا نتّكل وندع العمل؟ فقال: اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له، ثم قرأ: {فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ وَاتَّقى ََ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ََ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ََ وَأَمََّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ََ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ََ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ََ} (الليل: 105)» (2).
* ووصف الجنة فقال: «فيها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، ولا يقطعها. ثم قال: اقرءوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الواقعة: 30)» (3).
__________
(1) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 8/ 516515كتاب التفسير (65)، سورة السجدة (32) باب {فَلََا تَعْلَمُ نَفْسٌ مََا أُخْفِيَ} (1)، الحديث (4780)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2175كتاب الجنة (51)، الحديث (4/ 2824)، وعن قوله «بله ما اطلعتم عليه» قال ابن حجر العسقلاني في الفتح 8/ 517 (وأصح التوجيهات، أنها بمعنى غير وذلك بيّن لمن تأمّله).
(2) الحديث متفق عليه من رواية علي رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 8/ 709كتاب التفسير (65)، سورة {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ} (92) باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ََ} (7)، الحديث (4949)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2039كتاب القدر (46)، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (1)،
الحديث (6/ 2647).
(3) الحديث متفق عليه من طريقين: (الأولى) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 320319كتاب بدء الخلق (59)، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (8)، الحديث (3252)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2175كتاب الجنة (51)، باب إن في الجنة شجرة (1)، الحديث (7/ 2826)، و (الثانية) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 11/ 415كتاب الرقاق (81)، باب صفة الجنة والنار (51) الحديث (6552) وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2176الحديث (8/ 2827).(2/257)
فأعلمهم مواضع حديثه من القرآن، ونبههم على مصداق خطابه من الكتاب، ليستخرج علماء أمته معاني حديثه طلبا لليقين، ولتستبين لهم السبيل، حرصا منه عليه السلام على أن يزيل عنهم الارتياب، وأن يرتقوا في الأسباب. ثم بدأ رضي الله عنه [96/ ب] بحديث:
«إنما الأعمال بالنيات» (1) وقال موضعه نصّا في قوله تعالى: {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (الإسراء: 18) إلى قوله: {فَأُولََئِكَ كََانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}
(الإسراء: 19).
ونظيرها في هود (الآية: 15) والشورى (الآية: 20).
وموضع التصريح به قوله: {وَلََكِنْ يُؤََاخِذُكُمْ بِمََا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (البقرة: 225) و {بِمََا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ} (المائدة: 89).
وأما التعريض فكثير، مثل قوله: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلََّهِ جَمِيعاً} (النساء: 139) (2) {[مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلََّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}] (2) (فاطر: 10) قد علم الله عز وجل أنهم كانوا يريدون الاعتزاز، لأن الإنسان مجبول على طلب العزة فمخطئ أو مصيب. فمعنى الآية والله أعلم: بلّغ هؤلاء المتخذين الكافرين أولياء من دون الله من ابتغاء العزة بهم، أنهم قد أخطئوا مواضعها وطلبوها في غير مطلبها، فإن كانوا يصدقون أنفسهم في طلبها فليوالوا الله جل جلاله، وليوالوا من والاه {وَلِلََّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8). فكان ظاهر آية النساء تعريضا لظاهر آية المنافقين، وظاهر آية [سورة] (4) المنافقين تعريضا بنصّ الحديث المرويّ.
ومن ذلك حديث جبريل في الإيمان والإسلام (5)، بيّن فيه أن الشهادة بالحق والأعمال
__________
(1) الحديث متفق عليه من رواية عمر رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 9كتاب بدء الوحي (1) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1)، الحديث (1)، وأخرجه مسلم في الصحيح 3/ 15161515كتاب الإمارة (33)، باب قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنما الأعمال بالنية» (45)، الحديث (155/ 1907).
(2) ليست في المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 114كتاب الإيمان (2)، باب سؤال جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم (37)، الحديث (50)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 39كتاب(2/258)
الظاهرة هي الإسلام، وأن عقد القلب على التصديق بالحق هو الإيمان، وهو نصّ الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة في «مسنده» (1): الإسلام ظاهر والإيمان في القلب موضعه من القرآن: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ]} [2] (آل عمران: 83) وقوله: {أُولََئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمََانَ} (المجادلة: 22) [ونظائرها] (3)
{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة: 22) قال: وبنيت هاتين الصفتين على الصفات العليا صفات الله تعالى ظهورها من الأسماء الحسنى: اسم السلام، واسم المؤمن.
ومن ذلك (4) حديث ضمام بن ثعلبة: «أفلح إن صدق» (5) في قوله: {مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (التوبة: 91).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله الا الله حرّمه الله على النار» (6) (7) [في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولََئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} (الأنعام: 82) وهو مفهوم من قوله: {إِنَّهُمْ كََانُوا إِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35) فأخبر أنهم دخلوا النار] (7) من
__________
الإيمان (1)، باب بيان الإيمان والإسلام (1)، الحديث (5/ 9). ولفظه عند البخاري: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن الله».
(1) هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة تقدم التعريف به في 1/ 276وكتابه «المسند» مخطوط بمكتبة المدينة استانبول برقم (334333) (المنجد، معجم ما ألف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ص 265).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) عبارة المخطوطة (نذكر حديث ضمام).
(5) ضمام هو ابن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر صحابي جليل بعثه قومه رسولا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم ليسأل عن شعائر الاسلام فكان خير وافد (ابن حجر الإصابة 2/ 202الترجمة 4178)، وحديثه في الصحيحين من رواية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 106كتاب الإيمان (2)، باب الزكاة من الإسلام (34)، الحديث (46)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 4140 كتاب الإيمان (1)، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (2)، الحديث (8/ 11)، ولفظهما «جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد، فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
خمس صلوات في اليوم والليلة
(6) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 2/ 215الحديث (1386) من رواية سعد بن عبادة رضي الله عنه.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/259)
أجل استكبارهم وإبائهم من قول: «لا إله إلا الله»، مفهوم هذا أنهم إذا قالوها مخلصين بها حرّموا على النار.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (1) في قوله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (الذاريات: 24) وقوله: {[وَالْجََارِ ذِي الْقُرْبى ََ]} [2] وَالْجََارِ الْجُنُبِ وَالصََّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ (النساء: 36) وهذه الأربع كلمات جمعن حسن الصحبة للخلق لأن من كفّ سره وأذاه، وقال خيرا أو صمت عن الشر وأفضل على جاره، وأكرم ضيفه، فقد نجا من النار، ودخل الجنة إذا كان مؤمنا [بالله] (2)، وسبقت له الحسنى، فإن العاقبة مستورة، والأمور بخواتيمها ولهذا قيل: لا يغرنّكم صفاء الأوقات، فإن تحتها غوامض الآفات.
وقوله: «رأس الكفر نحو المشرق» (4) في قوله تعالى: {وَكَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمََّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى ََ} الآية (الأنعام:
75 - و 76) فأخبر أن الناظر في ملكوت الله لا بد له من ضروب الامتحان، وأن الهداية يمنحها (5)
الله للناظر بعد التبري منها، والمعصوم من عصمه الله، قال [الله] (6) تعالى: {إِنِّي ذََاهِبٌ إِلى ََ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الصافات: 99) وقال: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمََا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ وَهَبْنََا لَهُ إِسْحََاقَ وَيَعْقُوبَ} (مريم: 49) وطلوع الكواكب نحو المشرق ومن هناك إقبالها، وذلك أشرف (7) لها وأكبر لشأنها عند المفتونين (8)، وغروبها إدبارها، وطلوعها بين قرني الشيطان من
__________
(1) الحديث متفق عليه من طريقين: (الأولى) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجها البخاري في الصحيح 10/ 445كتاب الأدب (78)، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (31)، الحديث (6018)، وأخرجها مسلم في الصحيح 1/ 68كتاب الإيمان (1)، باب الحث على إكرام (19)، الحديث (75/ 47)، و (الثانية) من رواية أبي شريح الكعبي رضي الله عنه أخرجها البخاري في المصدر السابق، الحديث (6019)، وأخرجها مسلم في الصحيح 3/ 1353كتاب اللقطة (31)، باب الضيافة ونحوها (3)، الحديث (1514/ 48).
(2) ليست في المطبوعة.
(4) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 350كتاب بدء الخلق (59)، باب خير مال المسلم (15)، الحديث (3301)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 72كتاب الإيمان (1)، باب تفاضل أهل الإيمان (21) الحديث (85/ 52).
(5) في المخطوطة (وأن الهداية منحة الله).
(6) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.
(7) عبارة المخطوطة (ومن هناك أشرف لها).
(8) في المطبوعة (عند المعنيين).(2/260)
أجل ذلك ليزينها لهم، قال تعالى: {وَجَدْتُهََا وَقَوْمَهََا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللََّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطََانُ أَعْمََالَهُمْ} (النمل: 24) ولما كان في مطلع النيرات من العبر بطلوعها من هناك وظهورها عظمت المحنة بهن، ولما في الغروب من عدم تلك العلة التي تتبين هناك بتزيين العدو لها، وإليه أشار صلّى الله عليه وسلّم بقوله [97/ أ]: «وتغرب بين قرني الشيطان» (1). ولأجل ما بين معنى الإقبال والإدبار كان باب التوبة مفتوحا من جهته إلى يوم تطلع الشمس منه، ألا تسمع إلى قوله تعالى: {وَجَدَهََا تَطْلُعُ عَلى ََ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهََا سِتْراً} (الكهف: 90) أي وقعت عقولهم عليها، وحجبت بها عن حالتها، مع قوله: {لََا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلََا لِلْقَمَرِ} (فصلت: 37).
وفي قوله عند طلوعها: {هََذََا رَبِّي} (الأنعام: 76) وعند غروبها: {لََا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام: 76) {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضََّالِّينَ} (الأنعام:
77) ما يبين تصديق النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «رأس الفتنة والكفر نحو المشرق» (2)، وإن «باب التوبة مفتوح من قبل المغرب» (3).
ومن ذلك بدء الوحي في قوله سبحانه [وتعالى]: {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ فَلََا تَسْتَعْجِلُوهُ}
(النحل: 1) إلى قوله: {يُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى ََ مَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ}
(النحل: 2).
__________
(1) الحديث من رواية عمرو بن عنبسة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 570569كتاب صلاة المسافرين (6)، باب إسلام عمرو بن عنبسة رضي الله عنه (52)، الحديث (294/ 832) ضمن حديث طويل.
(2) تقدم تخريجه في 2/ 260.
(3) الحديث من رواية صفوان بن عسّال رضي الله عنه، أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند ص 161160، الحديث (1168)، وأحمد في المسند 4/ 240، والترمذي في السنن 5/ 547546برواية مطولة، كتاب الدعوات (49)، باب في فضل التوبة (99)، الحديث (3536)، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عزاه له المزي في تحفة الأشراف 4/ 192الحديث (4952)، وأخرجه ابن ماجة في السنن 2/ 1353كتاب الفتن (36)، باب طلوع الشمس من مغربها (32)، الحديث (4070)، والطبري في التفسير 8/ 72سورة الأنعام، الآية (158)، والطبراني في المعجم الكبير 8/ 70الحديث (7360)، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 282كتاب الطهارة باب رخصة المسح لمن لبس الخفين، وأخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه (الدر المنثور 3/ 59).(2/261)
وقول خديجة: «والله لا يخزيك الله أبدا إنّك لتصل الرّحم» (1) [إلى آخره] (2) وقوله تعالى: {ادْعُ لَنََا رَبَّكَ بِمََا عَهِدَ عِنْدَكَ} (الأعراف: 134) وقوله: {فَلَوْلََا أَنَّهُ كََانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (الصافات: 143) وفي هذا بيّن صلّى الله عليه وسلّم أصحاب الغار الثلاثة، إذ قال بعضهم لبعض: «ليدع كلّ واحد منكم بأفضل أعماله، لعلّ الله تعالى أن يفرج عنّا» (3).
وقول ورقة: «يا ليتني حيّ (4) إذ يخرجك قومك» (5) إلخ، (6) [وقوله تعالى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يََا شُعَيْبُ}] (6) (الأعراف: 88) وقوله تعالى: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنََا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنََا} (إبراهيم: 13).
وكذلك قوله: «لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي» (8) من قوله تعالى: {كَذََلِكَ مََا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلََّا قََالُوا سََاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوََاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طََاغُونَ}
(الذاريات: 52و 53).
ومن ذلك حديث المعراج (9)،
__________
(1) هذه العبارة من قول السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث طويل متفق عليه من رواية عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 22كتاب بدء الوحي (1)، باب (3)، الحديث (3)، ومسلم في الصحيح 1/ 142139كتاب الإيمان (1)، باب بدء الوحي
(73)، الحديث (252/ 160).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) حديث أصحاب الغار متفق عليه من رواية ابن عمر رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 409408كتاب البيوع (34)، باب إذا اشترى شيئا لغيره (98)، الحديث (2215) وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2099كتاب الذكر والدعاء (48) باب قصة أصحاب الغار
(27)، الحديث (100/ 2743).
(4) كذا في الأصول: «حيّ» وعند البخاري ومسلم: «حيّا» فليحرّر.
(5) ورقة هو ابن نوفل بن أسد، ابن عم خديجة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان تنصّر في الجاهلية، ذكره ابن حجر في الإصابة 3/ 597الترجمة (9133)، وقد تقدم تخريج الحديث.
(6) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(8) هو من قول ورقة بن نوفل للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقد تقدم تخريجه ضمن حديث عائشة رضي الله عنها.
(9) حديث المعراج أوله «بينما أنا في الحطيم» وهو متفق عليه من رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 202201كتاب مناقب الأنصار (63)، باب المعراج (42)، الحديث (3887)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 151149كتاب الإيمان (1) باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم (74)، الحديث (264/ 164).(2/262)
مصداقه في سورة الإسراء (1) وفي صدر سورة النجم (2).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» (3) من مفهوم قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً} (النحل: 123). وبتصديق كلمة (4) الله، اتبعه كونا وملّة، وهكذا حاله حيث جاءت «صدقا» و «عدلا» فتطلّب صدق كلماته بترداد تلاوتك لكتابه، ونظرك في مصنوعاته، فهذا هو قصد سبيل المتقين، وأرفع مراتب الإيمان، قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} [5] النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَكَلِمََاتِهِ (الأعراف: 158) وقال لزكريا: {أَنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ََ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللََّهِ وَسَيِّداً [وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصََّالِحِينَ]} [6] (آل عمران: 39) ولما كان عيسى عليه السلام من أسماء كلماته لم يأت يوم القيامة بذنب لطهارته وزكاته.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينام» (7) في قوله: {[لََا تَأْخُذُهُ]} [6] سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ (البقرة:
255).
وقوله: «ولا ينبغي له أن ينام» (7) من قوله: {الْقَيُّومُ} (البقرة: 255) وفسره صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «يخفض القسط (10) [ويرفعه] (11)، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل» (7) ومصداقه أيضا قوله تعالى: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشََاءُ} (آل عمران: 26).
__________
(1) صدر سورة الإسراء الآية الأولى {سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ} {لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا}.
(2) قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ * مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ * وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ} {لَقَدْ رَأى ََ مِنْ آيََاتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ََ}.
(3) قطعة من حديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 428كتاب أحاديث الأنبياء (60) باب قول الله تعالى {وَهَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ مُوسى ََ} (24)، الحديث (3394)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 154كتاب الإيمان (1)، باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم (74)،
الحديث (272/ 168).
(4) في المخطوطة (كلمات).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (ورسله).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) الحديث من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 162161كتاب الإيمان (1)، باب في قوله عليه السلام «إن الله لا ينام (79)، الحديث (293/ 179).
(10) تحرفت في المخطوطة إلى (يحفظ العبد).
(11) ليست في المخطوطة.(2/263)
ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الصلوات الخمس كفّارات لما بينهن» (1) وقال: «الجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهما وزيادة [ثلاثة أيام] (2)» (1) و «رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما» (1)
في قوله تعالى: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (الأنعام: 160) فهذا رمضان بعشرة أشهر العام، ويبقى شهران داخلان في كرم الله تعالى وحسن معاملته.
قلت: قد جاء في حديث [آخر] (5): «وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر» (6) مع قوله تعالى: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} انتهى.
وقال في الجمعة: {فَاسْعَوْا إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(الآية: 9) وكذلك قال في الصوم: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:
184) أشار إلى سر في الجمعة، وفضل عظيم، أراهما الزيارة والرؤية في الجنة [97/ ب] فإنها تكون في يوم الجمعة. وكذلك أشار في الصيام بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:
184) إلى سرّ في الصيام، وهو حسن عاقبته وجزيل عائدته، فنبّه صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك» (7).
وقوله وقد رأى أعقابهم تلوح لم يصبها الماء: «ويل للأعقاب من النار» (8) في مفهوم
__________
(1) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 209كتاب الطهارة (2)، باب الصلوات الخمس (5) الحديث (16/ 233).
(2) زيادة من المطبوعة ليست في المخطوطة وليست أيضا في رواية مسلم.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) الحديث من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 822كتاب الصيام (13)، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال (39)، الحديث (204/ 1164).
(7) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 118كتاب الصوم (30)، باب هل يقول إني صائم (9)، الحديث (1904)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 807كتاب الصيام (13)، باب فضل الصيام (30)، الحديث (165164/ 1151) وهو قطعة من حديث طويل أوله «كل عمل ابن آدم يضاعف».
(8) الحديث متفق عليه من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 143كتاب العلم (3)، باب من رفع صوته بالعلم (3)، الحديث (60)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 214 كتاب الطهارة (2)، باب وجوب غسل الرجلين (9)، الحديث (26/ 241) واللفظ له، وبدايته عند مسلم «رجعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة».(2/264)
{فَاغْسِلُوا} (المائدة: 6) في معنى قوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44) وغسل هو قدميه وعمّهما غسلا.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ}
(النور: 63) مع قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نََاراً خََالِداً فِيهََا وَلَهُ عَذََابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14).
وقوله: «إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج [من] (1) كل خطيئة نظر إليها بعينيه» (2)
الحديث، من قوله تعالى: {وَلََكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} (المائدة: 6) [أي من ذنوبكم] (1)
{وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة: 6) أي ترقون في درجة الشكر فيتقبل أعمالكم (4)
القبول الأعلى ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة» (5) فله الشكر، والشكر درجات، وإنما يتبيّن بأن يبقى من العمل بعد الكفارة فضل، وهو النافلة، وهو المسمى بالباقيات الصالحات، لمن قلّت ذنوبه، وكثرت صالحاته، فذلك الشكر، ومن كثرت ذنوبه وقلت صالحاته فأكلتها الكفارات، فذلك المرجوّ له دخول الجنة. ومن زادت ذنوبه فلم تقم صالحاته بكفّارة ذنوبه، فذلك المخوف عليه، {إِلََّا أَنْ يَشََاءَ رَبِّي شَيْئاً} (الأنعام: 80).
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنتم الغرّ المحجلون يوم القيامة» (6) في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ يَسْعى ََ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} (الحديد: 12).
وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» (7) وهذا كلّه داخل في قوله تعالى: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة: 6) وجاءت «لام كي» هاهنا
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 215كتاب الطهارة (2)، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء (11)، الحديث (32/ 244).
(4) في المخطوطة (أعمالهم).
(5) الحديث من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 207كتاب الطهارة (2)، باب فضل الوضوء (4)، الحديث (8/ 229).
(6) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 216كتاب الطهارة (2)، باب استحباب إطالة الغرة (12)، الحديث (34/ 246).
(7) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 219كتاب الطهارة (2)، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء (13)، الحديث (40/ 250).(2/265)
إشعارا ووعدا وبشارة لهم بنعم أخرى واردة عليهم من الشرائع لم تأت بعد، ولذلك قال يوم الإكمال في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (المائدة:
3).
ومن ذلك حديث الأذان وكيفيته بقوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» (1) من قوله: {شَهِدَ اللََّهُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ وَالْمَلََائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ} (آل عمران: 18) وتكرارها في قوله: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} (آل عمران: 18).
وقوله: «أشهد أن محمدا رسول الله» (1) في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللََّهِ}
(الفتح: 29). {وَمََا مُحَمَّدٌ إِلََّا رَسُولٌ} (آل عمران: 144) مع قوله: {لََكِنِ اللََّهُ يَشْهَدُ بِمََا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلََائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً} (النساء: 166) وتكرار الشهادة للرسول في معنى قوله: {وَكَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً} مع قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللََّهَ ذِكْراً كَثِيراً} (الأحزاب: 41) والتنبيه أول الكثرة، ولأنها عبارة شرعت للإعلام، فتكرارها آكد فيما شرعت له.
وأما إسراره بهما، يعني بالشهادتين، فمن مفهوم قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} (الأعراف: 205) وأما إجهاره بهما ففي قوله تعالى:
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (الجمعة: 9) والنداء الإعلام، ولا يكون إلا بنهاية الجهر.
وقوله: «حيّ على الصلاة» (3) في قوله (4): {وَإِذََا نََادَيْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} (المائدة:
58) {إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ} (الجمعة: 9).
وقوله: «حي على الفلاح» (3) في (4) قوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77).
__________
(1) الحديث من رواية أبي محذورة رضي الله عنه أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 287كتاب الصلاة (4)، باب صفة الأذان (3)، الحديث (6/ 379).
(3) تقدم تخريج حديث أبي محذورة في الأذان.
(4) في المخطوطة (من قوله).(2/266)
وقوله: «الصلاة خير من النوم» (1) في قوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}
(الذاريات: 55) وقوله: {وَلََا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} (الأنفال: 20).
وقوله: «الله أكبر، الله أكبر (2) من قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللََّهَ عَلى ََ مََا هَدََاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185).
وقوله: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} (القتال: 19) [كرّرها] (3) وختم بها في [98/ أ] قوله:
{وَاذْكُرُوهُ كَمََا هَدََاكُمْ} (البقرة: 198) «وأفضل الذكر لا إله إلا الله» (4) فختم بما بدأ (5) به لقوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} (الحديد: 3).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلّوا عليّ فإنه من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرا» (6) في قوله: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (الأنعام: 160).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ثم سلوا الله لي الوسيلة» (6) في قوله: {[عَسى ََ]} [8] أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقََاماً مَحْمُوداً (الإسراء: 79) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (المائدة:
35).
وقوله: «حلّت له شفاعتي يوم القيامة» (6) في قوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفََاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ}
__________
(1) الحديث من رواية أبي محذورة رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في السنن 1/ 340كتاب الصلاة (2)، باب كيف الأذان (28)، الحديث (500)، والنسائي في المجتبى من السنن 2/ 7كتاب الأذان (7)، باب الأذان في السفر (6)، وابن حبان انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3/ 96كتاب الصلاة، ذكر البيان بأن المؤذن إذا رجع في أذانه، الحديث (1680).
(2) تقدم تخريج حديث أبي محذورة في الأذان.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في السنن 5/ 462كتاب الدعوات (49)، باب ما جاء أن دعوة المسلم (9)، الحديث (3383)، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ص 841840باب أفضل الذكر، الحديث (831)، وأخرجه ابن ماجة في السنن 2/ 1249كتاب الأدب (33)، باب فضل الحامدين (55)، الحديث (3800)، وأخرجه ابن حبان انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ 104كتاب الرقائق، ذكر البيان بأن الحمد لله جل وعلا،
الحديث (843)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 498كتاب الدعاء باب أفضل الذكر، وقال:
(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي.
(5) عبارة المخطوطة (فختم بها ما بدأ).
(6) الحديث من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 288كتاب الصلاة (4)، باب استحباب القول مثل قول المؤذن (7)، الحديث (11/ 384) وأوله «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول».
(8) ليست في المخطوطة.(2/267)
{نَصِيبٌ مِنْهََا} (النساء: 85).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل [به] (1)
كلما دعا لأخيه بشيء قال الملك: آمين ولك بمثله» (2) في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6) إلى آخر السورة، هذا دعاء من يأتي به لنفسه ولجماعة المسلمين بظهر الغيب، تقول الملائكة في السماء: «آمين» وقد قال تعالى: «ولعبدي ما سأل» (3).
ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن إبراهيم حرّم مكة وأنا حرّمت المدينة» (4). وقوله تعالى: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} (البلد: 1) يريد مكة، ثم قال: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهََذَا الْبَلَدِ} (البلد: 2) يمكن أن يريد به المدينة، ويكون في الآية تعريض بحرمة البلدين، حيث أقسم بهما، وتكراره البلد مرتين دليل على ذلك، وجعل الاسمين لمعنيين أولى من أن يكونا لمعنى واحد، وأن يستعمل الخطاب في البلدين أولى من استعماله في أحدهما بدليل وجود الحرمة فيهما.
ومن ذلك حديث الدجال (5). (قلت): وقع سؤال بين جماعة من الفضلاء في أنه: ما الحكمة في أنه لم يذكر الدجال في القرآن! وتلمّحوا في ذلك حكما، ثم رأيت هذا الإمام (6) قال: إنّ في القرآن تعريضا بقصته في قصة السامريّ (7)، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ}
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) الحديث من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2094كتاب الذكر والدعاء (48)، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب (23)، الحديث (88/ 2733).
(3) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 296كتاب الصلاة (4)، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (11)، الحديث (38/ 395) ضمن حديث طويل أوله «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن» ثم ذكر الحديث القدسي ضمنه.
(4) الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 1001كتاب الحج (15)، باب الترغيب في سكنى المدينة (86)، الحديث (475/ 1374).
(5) حديث الدجال من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 555كتاب صلاة المسافرين (6)، باب فضل سورة الكهف (44)، الحديث (257/ 809) ومن رواية النّوّاس بن سمعان رضي الله عنه، في 4/ 22552250كتاب الفتن (52)، باب ذكر الدجال وصفته (20)، الحديث (111110/ 2937).
(6) عنى به ابن برّجان في كتابه «الإرشاد».
(7) السامري هو موسى بن المظفر، كان من القوم الذين يعبدون البقر، ذكره السهيلي في التعريف والإعلام فيما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم ص 112في سورة طه.(2/268)
{تُخْلَفَهُ} (طه: 97) وقوله في سورة الإسراء [في قوله] (1): {وَقَضَيْنََا إِلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ فِي الْكِتََابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً * فَإِذََا جََاءَ وَعْدُ أُولََاهُمََا} (الإسراء:
4 - و 5) فذكر الوعد الأول، ثم ذكر الكرّة التي لبني إسرائيل عليه، ثم ذكر الآخرة فقال:
{فَإِذََا جََاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} الآية (الإسراء: 7) ثم قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنََا} (الإسراء: 8) وفيه إشارة إلى خروج عيسى.
وكذلك هو في الآيات الأول من سورة الكهف في قوله: {وَإِنََّا لَجََاعِلُونَ مََا عَلَيْهََا صَعِيداً جُرُزاً} (الآية: 8) والدجال مما على الأرض، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ الآيات من أول سورة الكهف عصمه الله من فتنة الدجال» (2) يريد والله أعلم: من قرأها بعلم ومعرفة. وهو أيضا في المفهوم من قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللََّهِ} (الفتح: 29) {خََاتَمَ النَّبِيِّينَ}
(الأحزاب: 40).
[و] (3) من الأمر بمجاهدة المشركين والمنافقين قوله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج الأرض أفلاذ كبدها، ويحسر الفرات عن جبل من ذهب» (4) في قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقََالَهََا}
(الزلزلة: 2) فإن الأرض تلقي ما فيها من الذهب والفضة، حتى يكون آخر ما تلقي الأموات [أحياء] (3).
ومصداقه أيضا في عموم قوله: {يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (النمل:
25) فتوجّه القرآن إلى الإخبار عن إخراجها الأموات أحياء، وتوجه الحديث إلى الإخبار عن إخراجها (6) كنوزها ومعادنها.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «حتى تعود أرض العرب مروجا» (7) في قوله [تعالى]: {حَتََّى إِذََا أَخَذَتِ}
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) تقدم تخريج الحديث.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 701كتاب الزكاة (12)، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها (18)، الحديث (62/ 1013) ولفظه «تقيء الأرض أفلاذ كبدها».
(6) تحرفت في المخطوطة إلى (أخبارها).
(7) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في المصدر السابق الحديث (60/ 157) وبدايته «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال»(2/269)
{الْأَرْضُ زُخْرُفَهََا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهََا أَنَّهُمْ قََادِرُونَ عَلَيْهََا أَتََاهََا أَمْرُنََا لَيْلًا أَوْ نَهََاراً فَجَعَلْنََاهََا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} الآية (يونس: 24).
وذلك يكون عند إتمام كلمة الحق: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (محمد: 38) وقد تولوا، [وقوله] (1): {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمََّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (الجمعة: 3) يومئذ تظهر العاقبة ويلقي الأمر بجرانه، وتضع الحرب أوزارها، ويكون ذلك علما على [98/ ب] الساعة، وآية على قرب الانقراض.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في مثل الدنيا: إن (2) مما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» (3) في قوله تعالى: {كَلََّا إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ} (العلق: 6و 7) وقوله: {أَنَّمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا لَعِبٌ} (الحديد: 20).
ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفّدت الشياطين» (4) في مفهوم قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ كَمََا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183) إلى أنّ الصوم ينتهي نفعه إلى اكتساب التقوى ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «الصيام جنّة» (5) ولا يكون ذلك إلا بضعف حزب الشيطان، فتغلق عنه أبواب المعاصي وهي أبواب جهنم، وتفتح له أبواب الطاعة والقربات، وهي أبواب الجنات.
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (إنما) والصواب ما في المطبوعة كما هو في الصحيحين.
(3) الحديث متفق عليه من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 327 كتاب الزكاة (24)، باب الصدقة على اليتامى (47)، الحديث (1465)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 729728كتاب الزكاة (12)، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا (41)، الحديث (123/ 1052).
(4) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 112كتاب الصوم (30)، باب هل يقال رمضان (5)، الحديث (1899)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 758كتاب الصيام (13)، باب فضل شهر رمضان (1)، الحديث (2/ 1079).
(5) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 118كتاب الصوم (30)، باب هل يقول إني صائم (9)، الحديث (1904)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 807كتاب الصيام (13)، باب فضل الصيام (30) الحديث (164/ 1151) وبدايته «كل عمل ابن آدم يضاعف له».(2/270)
وقوله صلّى الله عليه وسلّم «[تسحّروا] (1) فإنّ في السحور بركة» (2) من آثار قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} (البقرة: 187) ومن بركة حضوره الذي هو وقت (3) نزوله جلّ وعلا إلى سماء الدنيا كلّ ليلة فكأنّه صلّى الله عليه وسلّم يبتغي البركة في موضع خطاب ربه، وفي موضع حضوره أو ذكره، أو اسم من أسمائه، ومن هنا وقع التعبد باسم المبارك، واسم القدوس.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم» (4) في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ} (البقرة: 187) وقوله: {حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (البقرة: 187) والبركة في اتباع مجاري خطابه، وإن كان الخطاب حكمه حكم إباحة كما أن البركة في اتباع السنّة والاقتداء ولهذا كان أكثر الصحابة لا يصلّون المغرب إلا على فطر، وكانوا يؤخّرون السحور إلى [بزوغ] (5) الفجر ابتغاء البركة في ذلك، والخبر الموعود به.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أبيت عند ربي يطعمني ويسقين» (6) في معنى قوله حكاية عن خليله:
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} (الشعراء: 79) والمعنى بما يفتح الله لخاصّته من خلقه الذين لا يطعمون، إنما غذاؤهم التسبيح والتهليل والتحميد.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الصعب بن جثّامة (7): «إنا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» في مفهوم
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) الحديث متفق عليه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 139كتاب الصوم (30) باب بركة السحور من غير إيجاب (20)، الحديث (1923)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 770كتاب الصيام (13)، باب فضل السحور (9)، الحديث (45/ 1095).
(3) عبارة المخطوطة والمطبوعة (ومن بركته حضوره الذي هو وصف).
(4) الحديث متفق عليه من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 196كتاب الصوم (30)، باب متى يحل فطر الصائم (43)، الحديث (1954)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 772كتاب الصيام (13)، باب بيان وقت انقضاء الصوم (10)، الحديث (51/ 1100).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 205كتاب الصوم (30)، باب التنكيل لمن أكثر الوصال (49)، الحديث (1965)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 774كتاب الصيام (13)، باب النهي عن الوصال في الصوم (11)، الحديث (57/ 1103)، وبدايته «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال في الصوم».
(7) الصّعب بن جثّامة صحابي جليل ذكره ابن حجر في تقريب التهذيب ص 276الترجمة: 2925فقال(2/271)
قوله تعالى: {لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (المائدة: 95) والآكل راض والراضي شريك.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث حنظلة (1): «لو أنكم تدومون على ما كنتم عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة» في قوله: {وَإِذََا مَسَّ الْإِنْسََانَ الضُّرُّ دَعََانََا لِجَنْبِهِ أَوْ قََاعِداً أَوْ قََائِماً فَلَمََّا كَشَفْنََا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنََا إِلى ََ ضُرٍّ مَسَّهُ} (يونس: 12) وقوله: {ثُمَّ إِذََا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذََا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذََا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}
(النحل: 53و 54) فذكر تعالى اللجأ إليه عند ما يلحق الإنسان الضّر، وهو ذكر صوريّ، فلو (2) كان الذكر بينهم على الدوام، لم تفارقهم الملائكة السياحون الملازمون حلق الذكر، كما قال تعالى عنهم: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ لََا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء: 20) ولو قربوا من الملائكة هذا القرب لبدت لهم عيانا، ولأكرمهم الله منه بحسن الصحبة وجميل الألفة.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث كلّ عبد على ما مات عليه» (3) في قوله تعالى: {سَوََاءً مَحْيََاهُمْ وَمَمََاتُهُمْ} (الجاثية: 21).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب من كان منهم ثم يبعثون على أعمالهم» (4) في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لََا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25).
__________
(الصّعب بفتح أوله وسكون المهملة ابن جثّامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي صحابي مات في خلافة الصديق على ما قيل، والأصح أنه عاش إلى خلافة عثمان) وحديثه متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 31كتاب جزاء الصيد (28)، باب إذا أهدى للمحرم حمارا (6) الحديث (1825)، ومسلم في الصحيح 2/ 850كتاب الحج (15)، باب تحريم الصيد للمحرم (8)، الحديث (50/ 1193)، وبدايته «أنه أهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وحشيا».
(1) حنظلة هو ابن الربيع التيمي الأسيدي بالتشديد ويقال بالتخفيف ويقال له حنظلة الكاتب لأنه كان يكتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ذكره الذهبي في تجريد أسماء الصحابة 1/ 142الترجمة 1465، وحديثه أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2106كتاب التوبة (49)، باب فضل دوام الذكر (3)، الحديث (12/ 2750)، ولفظه «عن حنظلة الأسيدي قال (وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة، والذي نفسي بيده إن لو تدومون».
(2) في المخطوطة (فلما).
(3) الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2206كتاب الجنة (51) باب الأمر بحسن الظن بالله (19)، الحديث (83/ 2878).
(4) الحديث متفق عليه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الصحيح 13/ 60كتاب الفتن (92)، باب إذا أنزل الله بقوم عذابا (60)، الحديث (7108)، وأخرجه مسلم في الصحيح(2/272)
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ [في الإسلام] (1) سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (2) [في] (1) قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفََاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهََا، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفََاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهََا} (النساء: 85) [ومع] (1)
قوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزََارَهُمْ كََامِلَةً يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَمِنْ أَوْزََارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (النحل:
25) [99/ أ] وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقََالَهُمْ وَأَثْقََالًا مَعَ أَثْقََالِهِمْ} (العنكبوت: 13) مع ما جاء من نبإ أبني آدم.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في جواب من سأله: «أيّ الصدقة أعظم؟ قال: أن تصدّق وأنت صحيح شحيح ولا تمهل حتّى {إِذََا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (5)» الحديث في قوله تعالى: {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ وَيُنْفِقُوا مِمََّا رَزَقْنََاهُمْ سِرًّا وَعَلََانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ} (إبراهيم: 31).
وقوله: «اليد العليا خير من اليد السفلى» (6) في قوله تعالى: {وَاللََّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ} (محمد: 38) وقد جاء: أن اليد السفلى الآخذة، والعليا هي المعطية (7)، وشاهده قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً} (الحديد: 11).
__________
4/ 2206كتاب صفة الجنة (51)، باب الأمر بحسن الظن (19)، الحديث (84/ 2879) واللفظ له، قوله «من كان فيهم» تصحّف في المطبوعة والمخطوطة إلى «من كان منهم» والتصويب من الصحيحين.
(1) ليست في المخطوطة.
(2) الحديث من رواية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 705كتاب الزكاة (12)، باب الحث على الصدقة (20)، الحديث (69/ 1017).
(5) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 285284كتاب الزكاة (24)، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح (11)، الحديث (1419)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 716كتاب الزكاة (12)، باب بيان أن أفضل الصدقة (31)، الحديث (92/ 1032) وأوله: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله أي الصدقة».
(6) الحديث متفق عليه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 294كتاب الزكاة (24)، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (18)، الحديث (1429)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 717كتاب الزكاة (12)، باب بيان أنّ اليد العليا خير من اليد السفلى (32)، الحديث (94/ 1033) وأوله: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو على المنبر».
(7) تصحّفت العبارة في المخطوطة إلى (اليد العليا بمعنى الآخذة، واليد السفلى هي اليد المعطية).(2/273)
وقوله صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن الله تعالى: «من يقرض غير عديم ولا ظلوم» (1)، ووجه ذلك أن العطية من أيدينا مفتقرة إلى من يضع فيها حقا وجب عليها، ويطهّرها بذلك من ذنوبها وأنجاسها، ولولا اليد الآخذة ما قدر صاحب المال على صدقة.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقهه» (2) في قوله تعالى: {وَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ}
(البقرة: 163) إلى قوله: {لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة: 164) وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيََاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام: 65) وقوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لََا يَعْقِلُونَ} [3] (الحشر: 14) ووصف من لم يفهم عن المخلوقات بقوله:
{[وَلََكِنْ]} [4] لََا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء: 44) ثم أعلم سبحانه [سعة] (5) مغفرته لمن في الأرض الذين لا يسبّحونه ولا يفقهون تسبيح المسبّحين من خلقه، ثم أعلم بالعلّة التي لأجلها حرموا الفقه عن ربهم، وأن ذلك هو ختم عقوبة الإعراض بقوله: {وَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنََا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجََاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنََا عَلى ََ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} الآية (الإسراء: 45و 46).
وبالجملة فالقرآن كلّه لم ينزله تعالى إلا ليفهّمه، ويعلم ويفهّم، ولذلك خاطب به أولي الألباب الذين يعقلون (6)، والذين يعلمون، والذين يفقهون، والذين يتفكّرون [والذين يتدبرون] (7)، ليدبّروا آياته، وليتذكّر أولو الألباب. وكذلك ما خلق الله [الدنيا] (8) إلا (9) مثالا
__________
(1) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 522كتاب صلاة المسافرين
(6)، باب الترغيب في الدعاء (24)، الحديث (171/ 757) وأوّله «ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل».
(2) الحديث متفق عليه من رواية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 164 كتاب العلم (3)، باب من يرد الله به خيرا (13)، الحديث (71)، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 718كتاب الزكاة (12)، باب النهي عن المسألة (33)، الحديث (98/ 1037).
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (يفقهون).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) تصحّفت العبارة في المخطوطة إلى (أولي الألباب الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) تصحّفت في المطبوعة (إلى مثالا).(2/274)
للآخرة فمن فقه عن ربّه عز وجلّ مراده منها فقد أراح نفسه، وأجمّ (1) فكره من هذه الجملة. وفي هذا النوع من الفقه أفنى أولو الألباب أعمارهم، وفي تعريفه أتعبوا قلوبهم، وواصلوا أفكارهم. رزقنا الله من فضله العظيم نورا نمشي به في الظلمات، وفرقانا نفرّق به بين المتشابهات.
__________
(1) قوله (أجمّ) بمعنى أراح، انظر لسان العرب 12/ 106مادة (جمم).(2/275)
النوع الحادي والأربعون معرفة تفسيره وتأويله [ومعناه] (1)
(2)
وهو يتوقف على معرفة
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) للتوسع في تفسير القرآن يمكن الرجوع للمصادر التالية: على الترتيب الزمني * مقدمة تفسير الطبري:
362 (طبعة الأميرية) * والفهرست لابن النديم ص 36، في الفن الثالث من المقالة الأولى، تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن * ومقدمة تفسير الراغب الأصفهاني المعروف ب «جامع التفاسير» * ومقدمة تفسير ابن عطية المسمى ب «المحرر الوجيز» ص 8227، وفنون الأفنان لابن الجوزي ص 373* ومقدمة تفسيره «زاد المسير» 1/ 4* ومقدمة تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن 1/ 863* والإكسير في قواعد علم التفسير للطوفي نجم الدين، سليمان بن عبد القوي، ت 710هـ (مخطوط بالأزهرية، وفي قرة جلبي: 3، ومنه نسخة بمعهد المخطوطات بالقاهرة: 37تفسير) * ومقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، تقي الدين أحمد ابن عبد الحليم * وانظر له أيضا: فتوى في التفاسير وبيان أحسنها وأخلصها من الشوائب، ومزايا كل تفسير (مقال في مجلة الزهراء، ج 4، ع 46، ص 548) * ومقدمة تفسير القرآن للسمناني، علاء الدولة أبي المكارم أحمد بن شرف الدين، ت 736هـ (مقال لبولس نويا اليسوعي في مجلة الأبحاث في بيروت 1394هـ / 1398هـ، مج 26، ص: 157141) * وقواعد التفسير لمحمد بن إبراهيم بن علي المرتضى اليماني، ت 840هـ (مخطوط في التيمورية 587) * والتيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي، محيي الدين أبي عبد الله محمود بن سليمان ت 879هـ (طبع بتحقيق إسماعيل جراح أوغلي بكلية الإلهيات بجامعة أنقرة 1394هـ / 1974م، ويحققه ناصر بن محمد المطرودي كرسالة ماجستير بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض 1404هـ / 1984م) وأصول التفسير (مجرّدا عن النقاية) للسيوطي (طبع بتحقيق جمال الدين القاسمي في دمشق 1331هـ / 1912م ضمن مجموع) * وانظر له أيضا:
التحبير في علم التفسير ص 156149، الأنواع 9390* والإتقان في علوم القرآن له أيضا 4/ 258167، الأنواع 77و 78و 79و 80* و: طبقات المفسّرين له أيضا * وطبقات المفسرين لتلميذه شمس الدين محمد بن علي بن محمد الداودي * ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 546530، علم معرفة تفسير القرآن وبيان شرفه والحاجة إليه، وعلم معرفة شروط المفسر وآدابه، وعلم معرفة غرائب التفسير وعلم معرفة طبقات المفسرين * وطبقات المفسّرين، للكوزه كناني، أبي سعيد صنع الله(2/276)
__________
ت 980هـ (كشف الظنون 2/ 1107) * وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 461427، علم التفسير * وطبقات المفسّرين للأدنةوي أحمد بن محمد، كان حيا 1092هـ (مخطوط بدار الكتب المصرية:
1859 - تاريخ طلعت) * ومقدمة تفسير مرآة الأنوار للأصبهاني، أبي الحسن بن محمد الغزنوي، ت 1104هـ (طبع في طهران 1274هـ / 1855م) * وترتيب العلوم للمرعشي ص 163، آخر الفصل السادس: علم القرآن والفصل السابع: أهم كتب التفسير * وتحفة الفقير ببعض علوم التفسير لمحمد بن سلامة الاسكندري ت 1149هـ (مخطوط في الأزهر: 308) * والفوز الكبير في أصول التفسير، لولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي * والتفصيل في الفرق بين التفسير والتأويل لحامد العمادي (مخطوط بدار الكتب المصرية: 3444مجاميع * ومقدمة تفسير ابن عجيبة المسمى ب «البحر المديد في تفسير القرآن المجيد» لابن عجيبة، أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني (ت 1224هـ) * ورسالة في علم التفسير لعلي أفندي (مخطوط في الأوقاف العراقية: 2350) * ومقدمة تفسير الألوسي المسمى ب «روح المعاني» 1/ 332* والإكسير في أصول التفسير لأبي الطيب محمد صديق خان بن السيد حسن القنوجي الهندي ت 1307هـ (إيضاح المكنون 3/ 116) * وأبجد العلوم له أيضا 2/ 202172، علم التفسير * ومبادئ التفسير لمحمد الخضري الدمياطي (طبع بمط النيل 1321هـ / 1905م) وصوّر بدار البصائر بدمشق 1404هـ / 1984م * ومقدمة تفسير القاسمي جمال الدين ت 1332هـ * والتبيان لبعض المباحث المتعلّقة بالقرآن على طريقة الإتقان لطاهر بن أحمد الجزائري ت 1338هـ (وهو المقدمة الصغرى من تفسيره، طبع بمط. المنار في القاهرة 1334هـ / 1915م) * وإيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون للبغدادي 1/ 310302* والمدخل المنير في مقدمة التفسير لمحمد حسنين مخلوف ت 1352هـ (طبع بمط. المعاهد في القاهرة 1351هـ / 1932م) * ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، محمد عبد العظيم ت 1367هـ، 1/ 574470، المبحث الثاني عشر: في التفسير والمفسرين وما يتعلق بهما * وتاريخ الأدب العربي (بالعربية) لبروكلمان 4/ 197* وتاريخ التراث العربي (بالعربية) لسزكين 1/ 8337* ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص 312289، الفصل الأول من الباب الرابع: التفسير نشأته وتطوره * ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص 354129، * ومعجم مصنفات القرآن الكريم لعلي شواخ إسحاق 2/ 24895و 3/ 1707* * ونذكر من مصادر التفسير أيضا الدراسات التالية: على نسق حروف المعجم * «ابن جزي ومنهاجه في التفسير» رسالة ماجستير لعلي محمد أحمد عبد الله الزبيري بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 13/ 25) * «ابن الجوزي بين التأويل والتفويض» لأحمد عطية الزهراني، رسالة ماجستير بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1396هـ / 1976م (دليل الرسائل الجامعية: 98) * «ابن عباس ومنهجه في التفسير وتفسيراته الصحيحة في الثلث الأول من القرآن الكريم» لآدم محمد علي، رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1401هـ / 1981م (النشرة الإخبارية 5/ 9) * «ابن عطية لغويا ونحويا من خلال كتابه المحرر الوجيز في شرح الكتاب العزيز» للوالي عبد الغفار بلحسن، رسالة دبلوم(2/277)
__________
من كلية الآداب بجامعة محمد الخامس الرباط (أخبار التراث 9/ 24) * «ابن عطية المفسر ومكانه في حياة التفسير في الأندلس» لعبد العزيز بدوي الزهيري، رسالة ماجستير من جامعة الإسكندرية كلية الآداب عام 1380هـ / 1960م (الدليل الببلوغرافي للرسائل الجامعية ص 478) * «ابن مسعود والقرآن» لمحمد عبد الله الترابي، رسالة ماجستير من جامعة أم درمان بالسودان 1404هـ / 1984م (أخبار التراث العربي 27/ 18) * «أبو حيان الأندلسي ومنهجه في تفسير القرآن» لعلي الشباح، رسالة دكتوراه من كلية الشريعة بالجامعة التونسية 1401هـ / 1981م (الأطروحات الإسلامية 1/ 18). * «أبو حيان المفسر ومنهجه وآراؤه في التفسير» لمحمد عبد المنعم محمد الشافعي رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1392هـ / 1972م (الدليل البيلوغرافي: 479) * «أبو عبد الله القرطبي وجهوده في النحو واللغة في كتابه الجامع لأحكام القرآن» لعبد القادر رحيم الهيتي، رسالة دكتوراه من جامعة بغداد عام 1406هـ / 1986م (أخبار التراث العربي 9/ 14) * «أبو مسلم الأصفهاني ومنهجه في التفسير» لأبطحي كينوبي إبراهيم، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 25) * «أبو الوليد الباجي: شاعرا ومفسرا وأديبا» لسعد الدين جازي، رسالة ماجستير من جامعة القديس يوسف ببيروت 1404هـ / 1984م (أخبار التراث العربي 20/ 24) * «الاتجاه الباطني في التفسير» لمحسن عبد الحميد، مقال في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ببغداد ع 5، 1393هـ / 1973م (معجم الدراسات القرآنية: 131) * «اتجاه التفسير في العصر الحديث» لمصطفى محمد الحديدي، طبع في القاهرة، سلسلة البحوث الإسلامية (80) عام 1395هـ / 1975م * «اتجاهات التفسير في العصر الحديث» للمحتسب طبع بدار الفكر في بيروت عام 1401هـ / 1981م * «اتجاهات التفسير في العصر الحديث في مصر وسوريا» لفضل حسن أحمد عباس، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1392هـ / 1972م (الدليل الببلوغرافي: 477) * «اتجاهات التفسير في العصر الراهن» لعبد المجيد عبد السلام المحتسب، طبع بعمان، بمكتبة النهضة الإسلامية، عام 1402هـ / 1981م (معجم مصنفات القرآن: 3/ 192) * «اتجاهات التفسير في مصر في العصر الحديث» لعفت محمد الشرقاوي، رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة عين شمس في القاهرة عام 1383هـ / 1963م (الدليل الببلوغرافي: 477) * «اتجاهات فخر الدين الرازي في تفسير القرآن» لفؤاد محمد فهمي، رسالة دكتوراه من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية 1384هـ / 1964م (الدليل الببلوغرافي: 473) * «الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها» لمحمد حسين الذهبي (ت 1397هـ)، طبع في القاهرة بدار الاعتصام عام 1391هـ / 1976م * «أثر البلاغة في تفسير الكشاف» لعمر ملا حويش، طبع في بغداد بدار البصري عام 1390هـ / 1970م «أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي» لمساعد مسلم عبد الله آل جعفر، طبع في بيروت بمؤسسة الرسالة عام 1405هـ / 1984م * «أثر المترجمات في مناهج التفسير القرآني حتى نهاية القرن الخامس الهجري» للشحات السيد زغلول، رسالة دكتوراه من كلية الآداب بجامعة الاسكندرية عام 1388هـ / 1968م (معجم الدراسات القرآنية: 211) * «الإسرائيليات في التفسير والحديث» لمحمد السيد حسين الذهبي، طبع في القاهرة مجمع البحوث الإسلامية بدار النصر للطباعة عام 1392هـ / 1971م * «الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير» لرمزي نعناعة، طبع في دمشق بدار القلم وفي بيروت بدار(2/278)
__________
الضياء عام 1391هـ / 1970م * «الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير» لمحمد محمد أبو شهبة، طبع في القاهرة عام 1393هـ / 1973م * «أصول التفسير بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين غيره من المفسرين» لعبد الله ديرية ابتدون، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 25) * «أصول التفسير لكتاب الله المنير» لخالد عبد الرحمن العك طبع بدمشق بمطبعة الفارابي عام 1388هـ / 1968م وطبعه طبعة ثانية مزيدة ومنقحة في بيروت بدار النفائس عام 1406هـ / 1986م * «الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها» للسيد صالح أبو بكر، طبع بشركة مطابع محرم الصناعية عام 1394هـ / 1974م * «الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل» لمحمد السيد الجليند، طبع بالمكتبة العصرية ببيروت عام 1402هـ / 1982م * «الإمام جلال الدين السيوطي وجهوده في التفسير وعلوم القرآن» لعبد الفتاح خليفة الغرنواي، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر 1394هـ / 1974م (الدليل الببلوغرافي:
476). * الإمام الدهلوي: منهجه في التفسير وأداؤه في مباحث علوم القرآن» لخليل الرحمن سجاد، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 25) * «الامام الشوكاني مفسرا» لمحمد حسن الغماري، طبع في جدّة بدار الشروق عام 1403هـ / 1983م * «الإمام الشوكاني وإيراده للقراءات في تفسيره» لأحمد عبد الله المقري، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 25) * «الإمام الطبري» (بحث في التفسير) لعبد الله آلى شاكر، طبع في الرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود. * «الإمام محمد عبده ومنهجه في التفسير» لعبد الغفار عبد الرحيم. طبع في القاهرة بدار الأنصار للطباعة والنشر عام 1402هـ / 1981م. * «بحوث في تفسير القرآن» لجمال الدين عياد، طبع في القاهرة بدار الجماي عام 1387هـ / 1967م، وفي الرياض مط. النصر الحديثة عام 1390هـ / 1970م وفي بيروت بدار الفكر عام 1398هـ / 1978م * «البغوي ومنهجه في التفسير» لعفاف عبد الغفور حميد، طبع في عمان بدار الفرقان عام 1402هـ / 1982م * «بين أبي حيّان والزمخشري» ليحيى الشاوي المغربي مخطوط بالأزهر: 1254، رافعي 26641 (معجم الدراسات القرآنية: 222) * «تاريخ التفسير» لقاسم القيسي (ت 1953م) طبع في بغداد مط. المجمع العلمي العراقي عام 1386هـ / 1966م * «تاريخ القرآن والتفسير» لعبد الله محمود شحاتة، طبع في القاهرة بالهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1392هـ / 1972م * «تفسير ابن عباس ومروياته في كتب السنّة» لعبد العزيز عبد الله الحميدي، رسالة دكتوراه في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة 1400هـ / 1980م (أخبار التراث العربي 4/ 40) * «التفسير الإسلامي ومذاهبه» للمستشرق جولد زيهر، ترجمة عبد الحليم نجار، طبع في القاهرة * «التفسير الصوفي للقرآن الكريم عند نجم الدين الداية» لسيد عبد التواب هادي، رسالة دكتوراه مسجلة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (أخبار التراث العربي 1/ 5) * «تفسير الطبري» ترجمه للفرنسية لبيير جودة عاروق، طبع في باريس دار ليرور كلير عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 18/ 33). * «التفسير العلمي للقرآن» لمحسن عبد الحميد، مقال مستل من مجلة هدى الإسلام 1973م (معجم الدراسات القرآنية: 154) * وله «تفسير القرآن بالسنّة» طبع في بغداد بمطبعة الإرشاد مستلا من مجلة الدراسات الإسلامية (معجم(2/279)
__________
الدراسات القرآنية: 158) * وله «تفسير القرآن بالمصطلحات» طبع بمطبعة العاني في بغداد عام 1390هـ / 1970م مستلا من مجلة كلية الدراسات الإسلامية (معجم الدراسات القرآنية: 158) * «تفسير القرآن الكريم من لسان العرب لابن منظور» لرضوان بن شقرون المغرب / الدار البيضاء (أخبار التراث العربي 21/ 19) * «التفسير معالم حياته، منهجه اليوم» لأمين الخوتي طبع في القاهرة بدار المعلمين للطبع عام 1365هـ / 1944م * «تفسير المعتزلة للقرآن الكريم تاريخه ومنهجه» لمحمود كامل أحمد عبد المنعم، رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1393هـ / 1973م (الدليل الببلوغرافي: 480) * «التفسير النبوي في القرآن الكريم» (النصف الأول من القرآن)، لعواد بلال معيض الزويرعي العوفي، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (أخبار التراث العربي 23/ 25). (وأكمله أول سورة مريم إلى آخر القرآن) كرسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (أخبار التراث العربي 25/ 19) * «التفسير والمفسرون» لمحمد حسين الذهبي (ت 1397هـ) طبع في مصر بدار الكتب الحديثة عام 1381هـ / 1961م و 1396هـ / 1976م وصوّر في بيروت بدار إحياء التراث العربي عام 1400هـ / 1980م * «التفسير ورجاله» لمحمد الفاضل عاشور، طبع في تونس بدار الكتب الشرقية عام 1386هـ / 1966م و 1393هـ / 1972م * «التفسير ومناهجه في ضوء المذاهب الإسلامية» لمحمد بسيوني فودة طبع في القاهرة بمطبعة الأمانة عام 1397هـ / 1977م * «تفسيرات ابن عباس الصحيحة في الثلثين الأخيرين من القرآن الكريم» حققه وجمعه آدم محمد علي كرسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (أخبار التراث العربي 25/ 19) * «تفسيرات حديثة لقرآن المسلمين» لبيلجون ج. م. س، طبع في ليدن بريل عام 1381هـ / 1961م * «الحافظ ابن كثير ومنهجه في التفسير» لإسماعيل سالم عبد العال، رسالة ماجستير من كلية دار العلوم بجامعة الأزهر 1391هـ / 1971م (الدليل الببلوغرافي للرسائل الجامعية: 473) * «حجيّة التفسير العقلي وضوابطه» لمحسن عبد الحميد، مقال مستل من مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد المجلد الثاني عام 1392هـ / 1972م (معجم الدراسات القرآنية: 167) * «الحديقة النديّة في المواضيع التفسيرية» لقاسم القيسي طبع في بغداد عام 1361هـ / 1940م * «حركة التفسير وطريقة ابن باديس» للأخضري محمد الصغير، طبع كمقال في مجلة المعرفة العدد (19) عام 1385هـ / 1965م (انظر الانتاج الفكري الجزائري ص 77) * «حميد الدين الفراهي ومنهجه في تفسير القرآن وأثر ذلك في الهند» لسعيد سعيد أحسن العابدي، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (الدليل الببلوغرافي: 475) * «دراسات إسلامية في التفسير والتاريخ» لمحمد الغرب موسى طبع في لبنان بالمؤسسة العربية للدراسات والنشر 1401هـ / 1980م * «رسالة في التفسير» لموسى يوسف الجوهري، بحث تخصص من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (الدليل الببلوغرافي: 491) «رسالة في مبادئ التفسير» لمحمد الخضري الدمياطي ت 1287هـ. طبعت مستقلة في القاهرة 1303هـ / 1284م، وطبعت مع «منظومة في متشابهات القرآن» للمؤلف بمطبعة النيل بالقاهرة 1321هـ / 1903م في (20) ص، وصوّرت الطبعة الأخيرة بدار البصائر في دمشق 1402هـ / 1982م. * «رشيد رضا المفسر» لحسيب حسن حسب الله السامرائي، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر 1390هـ / 1970م وقد طبع في بغداد بدار الرسالة عام 1397هـ / 1977م * «الشعر الجاهلي في تفسير الطبري» لليلى توفيق العمري، رسالة(2/280)
__________
ماجستير من الجامعة الأردنية بعمان عام 1404هـ / 1984م (أخبار التراث العربي 20/ 28).
* «الضبط اللغوي في التفسير» لمحسن عبد الحميد طبع في بغداد بدار الرسالة عام 1395هـ / 1975م (معجم الدراسات القرآنية: 176) * «الطبرسي مفسرا» لمحمد بسيوني محمد فودة، رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1394هـ / 1974م (الدليل الببلوغرافي: 479) * «الطبري مفسرا» للسيد أحمد خليل رسالة دكتوراه من كلية الآداب بجامعة الأزهر 1390هـ / 1970م (الدليل الببلوغرافي: 479) * «الطبري قارئا وأصوله في اختيار القراءات القرآنية» لمحمد نجيب قباوة، رسالة ماجستير من جامعة دمشق (أخبار التراث العربي 10/ 25) * «الطبري المفسر» للسيد أحمد خليل، رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1373هـ / 1953م ورسالة دكتوراه من كلية الآداب بجامعة الأزهر عام 1390هـ / 1970م (الدليل الببلوغرافي للرسائل الجامعية: 479) * «الطبري النحوي من خلال تفسيره» لزكي فهمي أحمد الآلوسي، رسالة دكتوراه من جامعة بغداد عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 21/ 23) * «عبد الله بن عباس ومدرسته في التفسير» لعبد الله محمد سلفيني، رسالة ماجستير من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1388هـ / 1968م (الدليل الببلوغرافي: 476). * «عبد الحق بن عطية وتفسير المحرر الوجيز» لصالح بن باجية، رسالة دكتوراه من الكلية الزيتونية للشريعة بالجامعة التونسية عام 1401هـ / 1981م (الأطروحات الإسلامية 1/ 17) * «عبد الكريم الجيلي وعلم التأويل» لعلي رضا عرفة بحث للدكتوراه من جامعة السوربون في باريس (أخبار التراث العربي 2/ 1) * «علوم القرآن في مقدمة تفسير ابن عجيبة» لمحمد بن عجيبة، رسالة ماجستير بدار الحديث الحسنية بالرباط (أخبار التراث العربي 3/ 21) * «علي بن طلحة ومروياته عن ابن عباس» لراشد عبد المنعم، رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة الاسكندرية بمصر (أخبار التراث العربي 33/ 12) * «على هامش التفسير» لعبد القادر المغربي، طبع في مصر بمط. النموذجية، ونشر في مكتبة الآداب * «فهرس كتب التفسير منذ عهد النبوة إلى عهدنا الحالي» لعبد الله أبي السعود بدر، أستاذ التفسير والحديث في كلية التربية بالفيوم (أخبار التراث العربي 8/ 16) * «القرطبي ومنهجه في التفسير» لمحمود حامد زلط القصبي، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (الدليل الببلوغرافي: 474). * «القرطبي ومنهجه في التفسير» لمفتاح السنوسي بلعم، رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة 1392هـ / 1972م (معجم الدراسات القرآنية 326) * «قصة التفسير» لأحمد الشرباصي، طبع في بيروت بدار الجيل * «قضية التأويل وأثرها في الفكر الإسلامي» لمحمد السيد مرسي، بحث مقدم إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة لنيل درجة الدكتوراة (أخبار التراث العدد (3) السنة (1) * «لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير» لمحمد الصباغ، طبع بالمكتب الإسلامي في بيروت 1394هـ / 1974م * «مجاهد بن جبر المخزومي» لمحمد عبد السلام رسالة دكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة (معجم الدراسات القرآنية: 334) * «المحاكمة بين أبي حيان والزمخشري وابن عطية» ليحيى الشاوي الفاسي المغربي مخطوط بالأزهر: 1254، رافعي 26641تفسير، معهد المخطوطات (18) (معجم الدراسات القرآنية: 335) * «المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم» لمحمد باقر الموحد الأبطحي طبع بالنجف بمطبعة الآداب عام 1389هـ / 1969م (معجم الدراسات القرآنية: 193) * «مدرسة التفسير في الأندلس» لمصطفى(2/281)
__________
إبراهيم المشني طبع في بيروت بمؤسسة الرسالة 1406هـ / 1986م * «المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن الكريم» للمستشرق جولدزيهر، تعريب علي حسن عبد القادر، طبع في القاهرة بمط العلوم عام 1366هـ / 1944م وبمطبعة السنة المحمدية باسم «مذاهب التفسير الإسلامي» ترجمة عبد الحليم النجار * «مذكرة التفسير» لأحمد مصطفى المراغي، طبع في القاهرة بمطبعة العلوم عام 1356هـ / 1937م * «المستشرقون والقرآن الكريم وفواتح السور» مقال في مجلة منبر الإسلام السنة (29) ع (10) عام 1391هـ / 1971م (معجم الدراسات القرآنية: 83) * «المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن» لمحمد باقر الحكيم طبع بالنجف بمط النعمان 1390هـ / 1970م * «مع المفسرين والكتاب» لأحمد محمد جمال طبع في مصر بدار الكتّاب العرب 1373هـ / 1954م * «مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش» لزاهر عواض الألمعي، طبع في القاهرة بدار إحياء الكتب العربية عام 1396هـ / 1976م و 1399هـ / 1978م وبمطبعة عيسى الحلبي عام 1399هـ / 1979م * «معجم المفسرين» لعادل نويهض طبع بمؤسسة نويهض بيروت عام 1403هـ / 1983م * «مفهوم التفسير في العلم من زاوية منطقية» لعزمي موسى إقبال مقال في حوليات كلية الآداب بالكويت عام 1403هـ / 1983م (معجم الدراسات القرآنية: 200) * «مقدمة التفسير والحديث» لطه عبد البر، طبع في القاهرة بمكتبة الطلبة عام 1348هـ / 1929م * «مقدمة في التفسير» (مع تفسير الفاتحة) لحسن البنا طبع في القاهرة بدار القرآن الكريم عام 1399هـ / 1979م * «مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن» لأحمد حسن فرحات طبع بدمشق دار الكتب العربية عام 1393هـ / 1973م وبدار الفرقان في عمان 1404هـ / 1984م * «مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والآداب» لأمين الخولي، طبع في مصر بدار المعارف * «مناهج في التفسير» لمصطفى الصاوي الجويني، طبع في الاسكندرية بمنشأة المعارف عام 1391هـ / 1971م * «مناهج المفسرين» لمنيع عبد الحليم محمود، طبع في بيروت بدار الكتاب 1398هـ / 1978م * «مناهج المفسرين» لمساعد مسلم آل جعفر، ومحيي الدين هلال السرحان، طبع في القاهرة عام 1401هـ / 1980م * «منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم» لعبد الوهاب فائد، رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (الدليل الببلوغرافي: 476) وقد طبع في القاهرة بمجمع البحوث الإسلامية عام 1393هـ / 1973م وصوّر في بيروت بالمكتبة العصرية عام 1402هـ / 1982م * «منهج الإمام محمد عبده في تفسير القرآن» لعبد الله محمود شحاتة طبع في القاهرة بالمجلس الأعلى لرعاية الشئون الإسلامية 1381هـ / 1961م * «المنهج البياني في تفسير القرآن الكريم في مصر من محمد عبده إلى اليوم» لكامل علي سعفان، رسالة دكتوراه من جامعة عين شمس كلية الآداب 1393هـ / 1973م (الدليل الببلوغرافي: 478) * «منهج الزمخشري في تفسير القرآن» للصاوي الجويني طبع في القاهرة بدار المعارف وبالإسكندرية بالمنشأة * «منهج الطوسي في تفسير القرآن» لمحمد حسن آل ياسين، طبع في بغداد بمط المعارف عام 1398هـ / 1978م * «منهج فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير» لرمزي محمد كمال نعناعة، رسالة ماجستير من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة 1385هـ / 1965م * «منهج الفيروزآبادي في التفسير من خلال تفسيره المسمى بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» لأحمد مصلح إبراهيم خلف الله، رسالة ماجستير من جامعة عين شمس (أخبار التراث العربي 8/ 25) * «منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير» لفهد بن عبد الرحمن بن(2/282)
حقائقه (1). قال ابن فارس (2): «معاني العبارات التي يعبّر بها عن الأشياء، ترجع إلى ثلاثة:
المعنى، والتفسير، والتأويل وهي وإن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة.
* فأما المعنى فهو القصد والمراد يقال (3): عنيت بهذا الكلام كذا، أي قصدت وعمدت. وهو مشتق من الإظهار، يقال: عنت القربة، إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، ومنه عنوان الكتاب. (وقيل): مشتق من قولهم: عنت الأرض بنبات حسن، إذا أنبتت نباتا حسنا». (قلت): وحيث قال المفسرون: «قال أصحاب المعاني» فمرادهم مصنّفو الكتب في معاني القرآن، كالزّجاج ومن قبله وغيرهم، وفي بعض كلام الواحديّ: أكبر أهل المعاني الفرّاء والزّجاج وابن الأنباريّ، قالوا كذا وكذا، و «معاني القرآن» (4) للزجّاج لم يصنّف مثله، وحيث أطلق المتأخرون أهل المعاني، فمرادهم بهم مصنّفو العلم المشهور.
وأما التفسير في اللغة، فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف، وأصله في اللغة من التفسرة وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء، فكما أن الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علّة المريض، فكذلك المفسر، يكشف عن شأن الآية [99/ ب] وقصصها ومعناها، والسبب الذي أنزلت فيه، وكأنّ تسميته (5) بالمصدر لأن مصدر «فعّل» جاء أيضا على «تفعلة»، نحو: جرّب تجربة، وكرّم تكرمة. وقال ابن الأنباري: قول العرب: فسرت الدابة وفسّرتها، إذا ركضتها (6) محصورة لينطلق حصرها وهو يؤول إلى الكشف أيضا.
__________
سليمان الرومي، طبع في بيروت بمؤسسة الرسالة عام 1401هـ / 1981م * «منهج النسائي في التفسير مع تحقيق الفاتحة» لأحمد زيكيتو، رسالة ماجستير من جامعة الاسكندرية (أخبار التراث العربي 31/ 12) * «مؤتمر تفسير سورة يوسف» طبع في بيروت بدار الفكر عام 1401هـ / 1981م * «موقف الإمام ابن كثير من الإسرائيليات في ضوء تفسيره» لمحمد إبراهيم تراوري، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (أخبار التراث العربي: 25/ 18) * «موقف صاحب المنار من المفسرين» لمحسن عبد الحميد طبع بمطبعة المعارف في بغداد * «نحو تفسير علمي للقرآن» لأحمد الوائلي طبع بمط الآداب عام 1391هـ / 1971م * «نحو منهج لتفسير القرآن» لمحمد الصادق عرجون، طبع في الرياض بالدار السعودية للنشر عام 1397هـ / 1977م * «نشأة التفسير واتجاه تطوره» لأحمد خليل رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1366هـ / 1947م (معجم الدراسات القرآنية: 350).
(1) العبارة في المطبوعة (على معرفة تفسيره وتأويله ومعناه).
(2) انظر الصاحبي في فقه اللغة ص: 162وما بعدها، بتصرف.
(3) في المخطوطة (بقوله).
(4) تقدم الكلام عن الكتاب في 1/ 406ضمن حاشيتنا الكتب المؤلفة في النوع العشرين حسب التسلسل الزمني لمؤلفه (311هـ)
(5) في المطبوعة (وكأنه تسمية).
(6) في المخطوطة (ركبتها).(2/283)
فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال: فسّرت الشيء أفسّره تفسيرا، وفسّرته أفسره فسرا، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال، وبمصدر الثاني منها سمّى أبو الفتح بن جنّي (1) كتبه الشارحة «الفسر».
وقال آخرون: هو مقلوب من «سفر» ومعناه أيضا الكشف يقال: سفرت المرأة سفورا، إذا ألقت خمارها عن وجهها، وهي سافرة، وأسفر الصبح: أضاء، وسافر فلان وإنما بنوه على التفعيل لأنه للتكثير، كقوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنََاءَكُمْ} (البقرة: 49) {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوََابَ} (يوسف: 23) فكأنه يتبع (2) سورة بعد سورة، وآية بعد أخرى.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (الفرقان: 33) أي تفصيلا (3).
وقال الراغب: «الفسر (4) والسّفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول: تفسرة، وسمّي بها قارورة الماء، وجعل السّفر لإبراز (5) الأعيان للأبصار، فقيل سفرت المرأة عن وجهها، وأسفر الصبح (6)».
وفي الاصطلاح: هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها، والإشارات النازلة فيها، ثم ترتيب مكّيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامّها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسّرها.
وزاد فيها قوم فقالوا: علم حلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها وهذا الذي منع فيه القول بالرأي.
وأما التأويل فأصله في اللغة من الأول، ومعنى قولهم: ما تأويل هذا الكلام؟ أي إلى ما (7) تؤول العاقبة في المراد به؟ كما قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} (الأعراف: 53) أي
__________
(1) هو عثمان بن جني، أبو الفتح. تقدم التعريف به في 1/ 361وكتابه «الفسر» أو شرح ديوان أبي الطيب المتنبي» طبع بتحقيق صفاء خلوصي في بغداد بدار الجمهورية عام 1390هـ / 1970م وأعادت طبعه وزارة الثقافة عام 1398هـ / 1978م ويقوم محمد مهدي أحمد، الأستاذ في قسم العربية بجامعة الخرطوم بتحقيقه (أخبار التراث العربي 15/ 23).
(2) في المخطوطة (تتبع).
(3) أخرجه الطبري في التفسير 19/ 9، عن تفسير الآية، وابن أبي حاتم وابن مردويه (ذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 70).
(4) في المخطوطة (السفر) وانظر المفردات ص 380.
(5) عبارة المخطوطة (لأنه نور الأعيان).
(6) المفردات في غريب القرآن ص: 380بتصرف.
(7) في المطبوعة (إلام).(2/284)
تكشف عاقبته، ويقال: آل الأمر إلى كذا، أي صار إليه، وقال تعالى: {ذََلِكَ تَأْوِيلُ مََا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (الكهف: 82).
وأصله من المآل، وهو العاقبة والمصير، وقد أوّلته فآل، أي صرفته فانصرف، فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وإنما بنوه على التفعيل لما تقدم ذكره في التفسير.
وقيل: أصله من الإيالة، وهي السياسة، فكأن المؤوّل للكلام يسوّي الكلام، ويضع المعنى فيه موضعه.
ثم قيل: التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، والصحيح تغايرهما.
واختلفوا (1)، فقيل: التفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل، وردّ أحد الاحتمالين إلى ما يطابق الظاهر.
قال الراغب (2): «التفسير أعمّ من التأول، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني كتأويل الرؤيا، وأكثره يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل في غيرها. والتفسير أكثر ما يستعمل في معاني مفردات الألفاظ.
واعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن، وبيان المراد، أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وغيره، والتفسير أكثره في الجمل.
والتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ، كالبحيرة والسّائبة والوصيلة، أو في وجيز مبيّن بشرح، كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} (البقرة: 43) وإما في كلام مضمّن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها، كقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (التوبة:
37) وقوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا} (البقرة: 189) وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصّا، نحو «الكفر» يستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود البارئ خاصة، و «الإيمان» المستعمل في التصديق المطلق تارة، وفي تصديق [100/ أ] الحق تارة. وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة».
__________
(1) في المخطوطة (واختلف).
(2) انظر الإتقان 4/ 149.(2/285)
وقيل: التأويل كشف ما انغلق (1) من المعنى، ولهذا قال البجلي (2): التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدراية وهما راجعان إلى التلاوة والنظم المعجز الدال على الكلام القديم القائم بذات الربّ [تعالى] (3).
قال أبو نصر القشيريّ (4): ويعتبر في التفسير الاتباع والسماع وإنما الاستنباط فيما يتعلق بالتأويل، وما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه. وما احتمل معنيين أو أكثر فإن وضع لأشياء متماثلة كالسواد حمل على الجنس عند الإطلاق، وإن وضع لمعان مختلفة، فإن ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر، إلا أن يقوم الدليل، وإن استويا [سواء] (5) كان الاستعمال فيهما حقيقة أو مجازا، أو في أحدهما حقيقة وفي الآخر (6) مجاز كلفظة «المسّ» فإن تنافى الجمع (7) [فمجمل] (8) يتوقف على البيان من غيره. وإن تنافيا، فقد قال قوم:
يحمل على المعنيين. والوجه عندنا التوقف.
وقال أبو القاسم بن حبيب النيسابوري (9)، والبغوي، والكواشي (10) وغيرهم: «التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها و [ما] (11) بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنّة من طريق الاستنباط. قالوا: وهذا غير محظور على العلماء بالتفسير، وقد رخّص فيه أهل العلم، وذلك مثل قوله تعالى: {وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)
__________
(1) في المخطوطة (تعلق).
(2) هو محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس البجلي الرازي، المحدّث الحافظ، ولد على رأس المائتين سمع القعنبي وأبا الوليد الطيالسي وغيرهما، وروى عنه: أحمد بن إسحاق وإسماعيل بن نجيد وغيرهما، وثّقه عبد الرحمن بن أبي حاتم، والخليلي وقال: «محدّث ابن محدّث» وجدّه يحيى من أصحاب الثوري وله كتاب «فضائل القرآن» ت 294هـ (الداودي، طبقات المفسرين 2/ 105).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) هو عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، تقدم التعريف به 2/ 248.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (والآخر).
(7) في المخطوطة (الجميع).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب أبو القاسم النيسابوري تقدم ذكره في 1/ 279.
(10) هو أحمد بن يوسف بن حسن، موفق الدين الكواشي، له كتابان في التفسير: «التبصرة» و «التلخيص». تقدم ذكره في 1/ 272.
(11) ساقطة من المخطوطة.(2/286)
قيل: هو الرجل يحمل في الحرب على مائة رجل، وقيل: هو الذي (1) [يقنط من رحمة الله.
وقيل: الذي] (1) يمسك عن النفقة. وقيل: الذي ينفق الخبيث من ماله. وقيل: الذي يتصدّق بماله كلّه، ثم يتكفّف الناس ولكلّ منه مخرج ومعنى.
ومثل قوله تعالى للمندوبين إلى الغزو، عند قيام النّفير: {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا}
(التوبة: 41) قيل: شيوخا وشبابا. وقيل: أغنياء وفقراء وقيل عزّابا ومتأهّلين، وقيل: نشّاطا وغير نشّاط. وقيل: مرضى وأصحّاء، وكلّها سائغ (3) جائز والآية محمولة عليها، لأن الشباب والعزاب والنّشاط والأصحّاء خفاف، وضدّهم ثقال.
ومثل قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ [الْمََاعُونَ]} [4] (الماعون: 7) قيل الزكاة المفروضة، و [قيل] (4): العارية، أو الماء، أو النار، أو الكلأ، أو الرفد، أو المعونة (6) وكلّها صحيح لأن مانع الكلّ آثم.
وكقوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ} (الحج: 11) فسره أبو عبيد، أي لا يدوم، وقال ثعلب: أي على شكّ. وكلاهما قريب لأن المراد أنّه غير ثابت على دينه، ولا تستقيم البصيرة فيه.
وقيل: في القرآن ثلاث آيات، في كلّ منها مائة قول، قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
(البقرة: 152) {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنََا} (الإسراء: 8) و {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ}
(الرحمن: 60).
فهذا وأمثاله (7) ليس محظورا على العلماء استخراجه، بل معرفته واجبة، ولهذا قال [تعالى] (4): {وَابْتِغََاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران: 7).
ولولا أن له تأويلا سائغا في اللغة لم يبينه سبحانه، والوقف على قوله: [سبحانه] (9)
{وَالرََّاسِخُونَ} (آل عمران: 7) قال القاضي أبو المعالي (10): «إنه قول الجمهور، وهو
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (شائع).
(4) ليست في المخطوطة.
(6) تصحفت في المطبوعة إلى (المغرفة).
(7) في المخطوطة (أو أمثاله).
(9) ليست في المطبوعة.
(10) المعروف بشيذلة صاحب «البرهان في مشكلات القرآن» تقدم ذكره في 1/ 112.(2/287)
مذهب ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وابن عباس، وما نقله بعض الناس عنهم بخلاف ذلك فغلط».
فأما التأويل المخالف للآية والشرع، فمحظور لأنه تأويل الجاهلين، مثل تأويل الروافض لقوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ} (الرحمن: 19) أنهما عليّ وفاطمة [رضي الله عنهما] (1)، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ} (الرحمن: 22) يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما. وكذلك قالوا في قوله تعالى: {وَإِذََا تَوَلََّى سَعى ََ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهََا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة: 205) إنه معاوية، وغير ذلك.
قال الإمام أبو القاسم (2) ابن حبيب النيسابوري رحمه الله: «وقد نبغ في زماننا مفسّرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه، لا يحسنون [100/ ب] القرآن تلاوة، ولا يعرفون معنى السورة أو الآية، ما عندهم إلا التشنيع عند العوام، والتكثّر عند الطّعام، لنيل ما عندهم من الحطام، أعفوا أنفسهم من الكدّ والطلب، وقلوبهم من الفكر والتعب لاجتماع الجهّال عليهم، وازدحام ذوي الأغفال لديهم (3)، لا يكفون الناس من السؤال، ولا يأنفون عن مجالسة الجهال، مفتضحون (4) عند السّبر والذّواق، زائغون عن العلماء عند التلاق، يصادرون الناس مصادرة السلطان، ويختطفون ما عندهم اختطاف السّرحان، يدرسون بالليل صفحا ويحكونه بالنهار شرحا، إذا سئلوا غضبوا، وإذا نفّروا (5)
هربوا، القحة (6) رأس مالهم، والخرق (7) والطيش خير خصالهم، يتحلّون بما ليس فيهم (8)، ويتنافسون فيما يرذلهم، الصيانة عنهم بمعزل، [وهم] (9) من الخنى والجهل في جوف منزل، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (10)» وقد قيل:
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) في المطبوعة زيادة (محمد) وهو تصحيف لأن اسمه «الحسن بن محمد بن حسن بن حبيب، أبو القاسم النيسابوري، تقدم التعريف به في 1/ 279.
(3) في المخطوطة (إليهم).
(4) في المخطوطة (يفتضحون).
(5) في المخطوطة (هزءوا).
(6) في المخطوطة (الحقة).
(7) في المخطوطة (الحذق)، وفي نسخة (الحمق).
(8) في المخطوطة منهم.
(9) ساقطة من المخطوطة.
(10) من حديث عن أسماء أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 317، كتاب النكاح (67)، باب المتشبع بما(2/288)
من تحلّى بغير ما هو فيه ... فضحته شواهد الامتحان
وجرى في السّباق جرية سكّيت (1) ... نفته (2) الجياد عند الرهان
قال: حكي عن بعضهم أنه سئل عن «الحاقّة» فقال: الحاقّة: جماعة من الناس إذا صاروا في المجلس قالوا: كنّا في الحاقّة. وقال آخر في قوله تعالى: {يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي [وَغِيضَ الْمََاءُ]} [3] (هود: 44) قال: أمر الأرض بإخراج الماء، والسماء بصبّ الماء وكأنه على القلب (4). وعن بعضهم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ}
(التكوير: 8) قال: إن الله ليسألكم عن الموءودات (5) فيما بينكم في الحياة الدنيا.
وقال آخر في قوله: {فَلْيَتَنََافَسِ الْمُتَنََافِسُونَ} (المطففين: 26) قال: إنهم تعبوا في الدنيا، فإذا دخلوا الجنّة تنعّموا.
قال أبو القاسم: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن محمد الوراق يقول سمعت يحيى ابن معاذ الرازي (6) يقول: «أفواه الرجال حوانيتها، وأسنانها صنائعها، فإذا فتح الرجل باب حانوته تبيّن العطّار من البيطار، والتمّار من الزّمار، والله المستعان على سوء الزمان، وقلّة الأعوان».
فصل
كتاب الله بحر عميق، وفهمه دقيق، لا يصل إلى فهمه إلّا من تبحّر في العلوم، وعامل الله
__________
لم ينل (106)، الحديث (5219). ومسلم في الصحيح 3/ 1681، كتاب اللباس والزينة (37)، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره (35)، الحديث (126/ 2129).
(1) السّكيت والسّكّيت: بالتشديد والتخفيف الذي يجيء في آخر الحلبة آخر الخيل.
(2) في المخطوطة (خلفته).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) في المخطوطة (الغالب).
(5) في المخطوطة (المودات).
(6) هو يحيى بن معاذ الواعظ أبو زكريا الرازي، أحد رجال الصوفية ذكره أبو القاسم القشيري في «الرسالة» وعدّه من جملة المشايخ وقال فيه: «نسيج وحده في وقته له لسان في الرجاء خصوصا وكلام في المعرفة» خرج إلى بلخ وأقام بها مدة ورجع إلى نيسابور ومات بها ت 258هـ (ابن خلكان، وفيات الأعيان 6/ 165).(2/289)
بتقواه في السرّ والعلانية، وأجلّه عند مواقف الشبهات. واللطائف والحقائق لا يفهمها إلا من ألقى السمع وهو شهيد، فالعبارات للعموم وهي للسمع، والإشارات للخصوص وهي للعقل، واللطائف للأولياء وهي المشاهدة (1)، والحقائق للأنبياء، وهي الاستسلام (2).
ولكلّ (3) وصف ظاهر وباطن، وحدّ ومطلع، فالظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحدّ إحكام الحلال والحرام، والمطلع أي الإشراق من الوعد والوعيد فمن فهم هذه الملاحظة بان له بسط الموازنة، وظهر له حال المعاينة. وفي «صحيح ابن حبّان» عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منه ظهر وبطن (4)».
ثم فوائده على قدر ما يؤهّل له سمعه، فمن سمعه من التالي ففائدته فيه علم أحكامه، ومن سمعه كأنما يسمعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرؤه على أمته بموعظته وتبيان معجزته، وانشراح صدره بلطائف خطابه، ومن سمعه كأنما سمعه من جبريل عليه السلام، يقرؤه على النبي صلّى الله عليه وسلّم، يشاهد في ذلك مطالعات الغيوب، والنطق إلى ما فيه من الوعود، ومن سمع الخطاب فيه من الحق فني (5) عنده وامّحت (6) صفاته، وصار موصوفا بصفات التحقيق عن مشاهدة علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين. وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «لا يفقه الرجل حتى يجعل (7) للقرآن وجوها» (8). وقال ابن مسعود: «من أراد علم الأولين [101/ أ] والآخرين فليثوّر القرآن». (9)
قال ابن سبع (10) في «شفاء الصدور»: هذا الذي قاله أبو الدرداء وابن مسعود لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر، وقد قال بعض العلماء: لكلّ آية ستون ألف فهم، وما بقي من فهمها (11) [أكثر. وقال آخر: القرآن] (11) يحوي سبعة وسبعين ألف علم (13) ومائتي علم إذ لكل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحدّ ومطلع.
__________
(1) في المطبوعة (المشاهد).
(2) في المخطوطة (استسلام).
(3) تصحفت في المطبوعة إلى (وللكل).
(4) تقدم تخريجه في 2/ 148.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (فهي).
(6) في المخطوطة (وانمحت).
(7) في المخطوطة (يحصل).
(8) تقدم الحديث في 2/ 87.
(9) تقدم الحديث في 2/ 87.
(10) هو أبو الربيع سليمان بن سبع السبتي، تقدم في 2/ 87.
(11) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(13) في المخطوطة (فهم).(2/290)
وبالجملة فالعلوم كلّها داخلة في أفعال الله تعالى وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وصفاته وأفعاله، فهذه الأمور تدل على أنّ في فهم معاني القرآن مجالا رحبا، ومتّسعا بالغا، وأن المنقول من ظاهر التفسير (1) [ليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل، والسماع لا بدّ منه في ظاهر التفسير] (1) ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط، والغرائب التي لا تفهم إلا باستماع فنون كثيرة. ولا بدّ من الإشارة إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها، ويعلم أنه لا يجوز التهاون بحفظ التفسير الظاهر أولا، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر.
ومن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر، فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل تجاوز الباب فظاهر التفسير (3) يجري مجرى تعلم اللغة التي لا بد منها للفهم، وما لا بد فيها من استماع كثير لأنّ القرآن نزل بلغة العرب، فما كان الرجوع فيه إلى لغتهم، فلا بد من معرفتها أو معرفة أكثرها، إذ الغرض بما ذكرناه التنبيه على طريق الفهم ليفتح بابه، ويستدلّ المريد بتلك المعاني التي ذكرناها من فهم باطن علم القرآن وظاهره على أنّ فهم كلام الله تعالى لا غاية له، كما لا نهاية للمتكلم [به] (4) فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه للبشر، ومن لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر لم يدرك من لذة القرآن شيئا.
ومن أحاط بظاهر التفسير وهو [معنى] (4) الألفاظ في اللغة لم يكف ذلك في فهم حقائق المعاني، ومثاله قوله تعالى: {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} (الأنفال: 17) فظاهر تفسيره واضح، وحقيقة معناه غامضة فإنه إثبات للرمي، ونفي له، وهما متضادّان في الظاهر، ما لم يفهم أنه رمى من وجه، (6) [ولم يرم من وجه] (6) ومن الوجه الذي لم يرم ما رماه الله عز وجل. وكذلك قال: {قََاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللََّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (التوبة: 14) فإذا كانوا هم القاتلين كيف يكون الله تعالى هو المعذّب، وإن كان [تعالى هو] (8) المعذّب بتحريك أيديهم، فما معنى أمرهم بالقتال.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) عبارة المخطوطة (فظاهر التفسير أن العرب يجري).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) ليست في المخطوطة.(2/291)
(1) فحقيقة هذا تستمدّ من بحر عظيم من علوم المكاشفات (1)، فلا بد أن يعلم وجه ارتباط الأفعال بالقدرة، وتفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة الله تعالى حتى تتكشف وتتضح (3)، فمن هذا الوجه تفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك (4) في معرفة ظاهر التفسير.
فصل
للناظر في القرآن لطلب (5) التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة:
* (الأول): النقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع فإنه كثير.
وإن سواد الأوراق سواد في القلب. قال الميموني (6) سمعت أحمد بن حنبل يقول:
«ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير» قال المحققون من أصحابه:
«ومراده أنّ الغالب أنها ليس [لها] (7) أسانيد صحاح متصلة، وإلّا فقد صحّ من ذلك كثير.
فمن ذلك تفسير الظلم بالشرك (8) في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: 82) وتفسير «الحساب اليسير» بالعرض (9)، رواهما البخاري. وتفسير
__________
(1) العبارة في المخطوطة (تشتمل على بحر عظيم من علوم الكتاب).
(3) في المخطوطة (يكشف ويتضح).
(4) في المخطوطة (الاستزادة).
(5) في المخطوطة (لطالب).
(6) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن عبد الحميد ابن شيخ الجزيرة ميمون بن مهران الميموني الرّقّي، تلميذ الإمام أحمد بن حنبل. سمع إسحاق بن يوسف الأزرق، وعنه النسائي في «سننه» ووثّقه، وابن المنذر، وأبو بكر النيسابوري، وكان عالم الرقّة ومفتيها في زمانه ت 274هـ (سير أعلام النبلاء 13/ 89).
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) ورد في ذلك حديث أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 87، كتاب الإيمان (2)، باب: ظلم دون ظلم (23)، الحديث (32). عن عبد الله بن مسعود قال: «لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّنا لم يظلم؟ فأنزل الله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
(9) وفيه حديث أخرجه البخاري في الصحيح 8/ 697كتاب التفسير (65)، سورة الانشقاق (84)، باب: {فَسَوْفَ يُحََاسَبُ حِسََاباً يَسِيراً} (1)، الحديث (4939)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت يا رسول الله! جعلني الله فداءك أليس يقول الله عزّ وجل:
{فَأَمََّا مَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحََاسَبُ حِسََاباً يَسِيراً}؟ قال: ذاك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك».(2/292)
«القوة» في [قوله تعالى] (1) {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال: 60) بالرمي، رواه مسلم (2). وبذلك يردّ تفسير مجاهد بالخيل. وكتفسير العبادة بالدعاء (3)، في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِي} (المؤمن: 60).
* (الثاني): الأخذ بقول الصحابي. فإن تفسيره عندهم (4) بمنزلة المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما قاله الحاكم [101/ ب] في تفسيره (5). وقال أبو الخطاب (6) من الحنابلة:
«يحتمل ألا يرجع إليه إذا قلنا إنّ قوله ليس بحجة. والصواب الأول لأنه من باب الرواية لا الرأي». وقد أخرج ابن جرير عن مسروق قال عبد الله بن مسعود: «والذي لا إله إلا هو ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا [أعلم] (7) فيمن نزلت، وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته» (8). وقال أيضا: «كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يتجاوزهنّ حتى يعلم معانيهنّ، والعمل بهنّ» (9).
وصدور المفسّرين من الصحابة: عليّ، ثم ابن عباس وهو تجرّد لهذا الشأن، والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن عليّ، إلا أن ابن عباس كان أخذ عن عليّ ويتلوه (10)
عبد الله بن عمرو بن العاص، وكلّ ما ورد عن غيرهم من الصحابة فحسن مقدّم (11).
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) في صحيحه 3/ 1522، كتاب الإمارة (33)، باب فضل الرمي والحث عليه و (52)، الحديث (67/ 1917)، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوّة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».
(3) في حديث أخرجه الترمذي في سننه 5/ 456، كتاب الدعاء (49)، باب ما جاء في فضل الدعاء (1)، الحديث (3372) عن النعمان بن بشير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: {وَقََالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي}».
(4) في المخطوطة (تفسيرهم).
(5) انظر المستدرك 2/ 258، كتاب التفسير.
(6) هو محفوظ بن أحمد بن حسن بن حسن أبو الخطاب العراقي الكلوذاني البغدادي الأزجي تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء شيخ الحنابلة. كان مفتيا صالحا عابدا ورعا حسن العشرة، له نظم رائق وله كتاب «الهداية و «رءوس المسائل» و «أصول الفقه» ت 510هـ (سير أعلام النبلاء 19/ 348).
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) أخرجه الطبري في التفسير 1/ 28. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 342.
(9) أخرجه الطبري في التفسير 1/ 27. وفي المخطوطة (والعلم بهن).
(10) في المخطوطة (نقلوه).
(11) في المخطوطة (تقدم).(2/293)
(مسألة) وفي الرجوع إلى قول التابعيّ روايتان عن أحمد، واختار ابن عقيل (1)
المنع، وحكوه عن شعبة، لكن (2) عمل المفسرين على (2) خلافه. وقد حكوا في كتبهم أقوالهم، كالضحاك بن مزاحم (4)، وسعيد بن جبير (5)، ومجاهد (6)، وقتادة (7)، وأبي العالية الرياحي (8)، والحسن البصري (9) والربيع بن أنس (10) ومقاتل بن سليمان (11)، وعطاء بن أبي
__________
(1) هو علي بن عقيل بن محمد أبو الوفاء الظفري الحنبلي البغدادي أحد الأعلام وفرد زمانه علما ونقلا وذكاء وتفننا له كتاب في الفنون في أزيد من أربعمائة مجلد إلا أنه خالف السلف ووافق المعتزلة في عدة بدع، ولكنه أشهد على نفسه فيما بعد أنه تاب عن ذلك وصحت توبته وصنف في الرد عليهم. من تصانيفه «الواضح في الأصول» و «الفضول في فقه الحنابلة» و «كفاية المفتي» (لسان الميزان 4/ 243) بتصرف.
(2) العبارة في المخطوطة (عمد المفسرون إلى).
(4) «تفسير الضحاك» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36من رواية نهشل عنه، وذكره الداودي في طبقات المفسرين 1/ 222. وانظر تاريخ التراث لسزكين 1/ 49.
(5) «تفسير سعيد بن جبير» قام بتحقيقه محمد أيوب بن علي كرسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 25).
(6) «تفسير مجاهد» طبع بتحقيق عبد الرحمن طاهر السورتي بقطر إدارة الشئون الدينية عام 1396هـ / 1976م، وصوّر في بيروت بمط. المنشورات العلمية.
(7) «تفسير قتادة» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36. من رواية سعيد بن بشير عنه ومن رواية محمد بن ثور عن معمر عنه وذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 52وقال: «ومن آثاره التفسير أفاد منه الخطيب البغدادي: انظر «مشيخته» الظاهرية (3) مجمع (18) من 16ب، وذكره الطبري في أكثر من 3000 مرة بالرواية ولقد عرف الثعلبي عدا ذلك روايتين أخريين لهذا الكتاب 22انتهى.
(8) هو رفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي، تقدم التعريف به في 1/ 299وتفسيره ذكره الداودي في طبقات المفسرين 1/ 179وقال: «وله تفسير رواه عنه الربيع بن أنس البكري».
(9) ذكره ابن النديم في «الفهرست» ص 202في ترجمة الحسن وفي 203في ترجمة عمرو بن عبيد راويه عن الحسن، وقال بروكلمان في تاريخ الأدب 1/ 257 (مترجم): «وينسب إلى الحسن البصري تفسير للقرآن برواية عمرو بن عبيد انظر المتحف البريطاني أول 821».
(10) هو الربيع بن أنس البكري الحنفي البصري ثم الخراساني روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأبي العالية والحسن البصري وعنه أبو جعفر الرازي وابن حيان ت 139هـ (ابن حجر، تهذيب التهذيب 3/ 238) وتفسيره ذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 56فقال: «ويرجع أكثر هذا التفسير إلى أبي العالية، وقد أفاد منه الطبري بالرواية، وأما الثعلبي فقد ذكره في الكشف والبيان على أنه تفسير أبي العالية والربيع انظر هورست 299300/ 1953/ 103. «.،
(11) «تفسير مقاتل بن سليمان» طبع بتحقيق عبد الله محمود شحاتة بالقاهرة مط عيسى الحلبي عام 1389هـ / 1969م، و 1394هـ / 1974م.(2/294)
مسلم (1)، الخراساني، ومرّة الهمداني (2)، وعلي بن أبي طلحة الوالبي (3)، ومحمد بن كعب القرظي (4)، وأبي بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان (5)، وإسماعيل بن عبد الرحمن السّديّ (6)، وعكرمة مولى ابن عباس (7)،
__________
(1) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (أبي سلمة) والصواب ما أثبتناه وهو عطاء بن أبي مسلم ميسرة أبو أيوب الخراساني البلخي نزيل الشام روى عن الصحابة مرسلا كابن عباس والمغيرة بن شعبة وروى عنه ابنه عثمان وشعبة والأوزاعي وغيرهم قال ابن معين ثقة ت 135هـ (سير أعلام النبلاء 6/ 140) وتفسيره مخطوط بالظاهرية علوم القرآن 95 (من 126أ 132أفي القرن 5هـ) وفي سراي أحمد الثالث 310 6أوراق.
(2) هو مرة بن شراحيل الهمداني السكسكي أبو إسماعيل الكوفي، المعروف بمرّة الطيب ومرّة الخير، لقب بذلك لعبادته. روى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وحذيفة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. وعنه السدي، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم توفي زمن الحجاج 76هـ (تهذيب التهذيب 10/ 88) وصفه الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 67بقوله: «المفسّر العابد وكان بصيرا بالتفسير» وذكره الداودي في طبقات المفسّرين 2/ 317.
(3) هو علي بن أبي طلحة، ويسمى سالم بن المخارق الهاشمي يكنى أبا الحسن روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد، وأبي الوداك، وراشد بن سعد، وعنه الحكم بن عتيبة وهو أكبر من داود بن أبي هند ت 120هـ (تهذيب التهذيب 7/ 339) ذكر «تفسيره» سيزكين في تاريخ التراث 1/ 45، وقام راشد عبد المنعم بإعداد بحث كرسالة ماجستير أسماه «علي بن أبي طلحة ومروياته عن ابن عباس» بجامعة الاسكندرية كلية الآداب (أخبار التراث العربي 33/ 12).
(4) هو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو أبو حمزة القرظي ويقال أبو عبد الله. تابعي ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل رآه، روى عنه ابن المنكدر ويزيد بن الهاد، والوليد بن كثير. وردت عنه الرواية في حروف القرآن، قال عون بن عبد الله: «ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي» ت 120هـ (غاية النهاية 2/ 233) «وتفسيره» ذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 53.
(5) هو عبد الرحمن بن كيسان أبو بكر الأصم المعتزلي صاحب «المقالات» في الأصول ذكره عبد الجبار الهمداني في «طبقات المعتزلة» وقال: «كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم وله «تفسير» عجيب (ابن حجر، لسان الميزان 3/ 427) و «تفسيره» ذكره ابن النديم في الفهرس ص 36وسيزكين في تاريخ التراث 2/ 395وقال «من آثاره «التفسير» أفاد منه الثعلبي في كتابه الكشف ق 5أ.
(6) «تفسير السدي» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36، وذكره الداودي في طبقات المفسرين 1/ 110 الترجمة (101)، وذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 54وقال: «ومن آثاره» «التفسير» أفاد منه الطبري بالرواية الآتية» وساق إسناد الطبري إليه.
(7) «تفسير عكرمة عن ابن عباس» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36، وذكر أبو نعيم مجموعة من رواياته في التفسير في حلية الأولياء 3/ 347329، وأخرج بسنده عن عكرمة قال: «لقد فسّرت ما بين اللوحين».(2/295)
وعطية العوفي (1)، وعطاء بن أبي رباح (2)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (3).
فهذه تفاسير القدماء المشهورين، وغالب أقوالهم تلقوها من الصحابة، ولعلّ اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم. ومن المبرّزين في التابعين:
الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ثم يتلوهم عكرمة والضحاك وإن لم يلق ابن عباس، وإنما أخذ عن [ابن] (4) جبير. وأما علم (5) السدي فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح (6) [لأنه كان يراهما مقصّرين في النظر. وقال الحافظ أبو أحمد بن عديّ (7) في كتابه «الكامل»: «للكلبي (8) أحاديث صالحة، وخاصة عن أبي صالح] (6) وهو معروف بالتفسير
__________
(1) هو عطية بن سعد بن جنادة أبو الحسن العوفي الجدلي القيسي الكوفي. روى عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم. وعنه ابناه الحسن وعمر، والأعشى وابن أرطاة، وعمرو الملائي، ت 111هـ (تهذيب التهذيب 7/ 225224) قال سيزكين في تاريخ التراث 2/ 6050: «ومن آثاره «التفسير» نقل الطبري في تفسيره من هذا التفسير في (1560) موضعا بالرواية والثعلبي أيضا في الكشف والبيان ق 4/ أوكان هذا التفسير بين الكتب التي حصل الخطيب البغدادي على إجازتها انظر مشيخته المخطوط بالظاهرية (3) مجمع 18، ص 126/ أ (1)». انتهى.
(2) ذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 51وقال: «من آثاره التفسير: يبدو أن هذا لم يكن كبيرا وقد استخدمه الطبري بالرواية كما أن الثعلبي أفاد من هذا التفسير في كتابه الكشف والبيان ق 6/ ب».
(3) تصحف الاسم في المطبوعة إلى (عبد الله) وتصويبه من المخطوطة، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني روى عن أبيه، وابن المنكدر، وصفوان بن سليم، وأبي حازم. وعنه ابن وهب، وعبد الرزاق ووكيع، وابن عيينة. أخرج له الترمذي وابن ماجة. له «التفسير» و «الناسخ والمنسوخ» ت 182هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 265) قال سيزكين في تاريخ التراث: «ومن آثاره «التفسير» أفاد منه الطبري في حوالي 1800موضع بالرواية، وأفاد الثعلبي أيضا من هذا التفسير في الكشف والبيان ق 4/ ب». وذكر تفسيره ابن النديم في الفهرست ص 36وعزاه لزيد بن أسلم خطأ وهو بخط السكري.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (عامر).
(6) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(7) هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني الحافظ المحدث. سمع بهلول بن إسحاق التنوخي ومحمد بن يحيى المروزي وأنس بن السلم وغيرهم. وحدّث عنه شيخه أبو العباس ابن عقدة، والحسن بن رامين، وحمزة بن يوسف السهمي (ت 365هـ) وكتابه: «الكامل في ضعفاء الرجال» طبع في بيروت بدار الفكر عام 1404هـ / 1984م وانظر قوله في كتابه 6/ 2132 (سير أعلام النبلاء: 16/ 154).
(8) هو محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر روى عن الشعبي وجماعة وعنه ابنه وأبو معاوية ويزيد(2/296)
__________
ويعلى بن عبيد متّهم بالكذب ورمي بالرفض وله «تفسير مشهور» و «تفسير الآي الذي نزل في أقوام بأعيانهم» و «ناسخ القرآن ومنسوخه» ت 146هـ (الداودي، طبقات المفسرين 2/ 144) و «تفسيره» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36، وذكره سيزكين في تاريخ التراث 1/ 5856.
وقال: «وقد وصل إلينا هذا التفسير في المخطوطات التالية:
آيا صوفيا 113 (224ورقة، في القرن العاشر الهجري. انظر: ريتر،، 76، آيا صوفيا 114) (351ورقة سنة 1109هـ، ريتر، أيضا العدد 7)، 115 (485ورقة سنة 1152هـ، ريتر، أيضا العدد 7)، 116 (196ورقة، سنة 1139هـ، ريتر، أيضا العدد 7)، 117 (184ورقة، سنة 144هـ ريتر، أيضا العدد 7)، 118 (257ورقة، سنة 1140هـ، ريتر، أيضا العدد 7)، شهيد على 77 (سنة 885هـ)، وهي 100 (276ورقة، القرن الحادي عشر الهجري)، سراي أحمد الثالث 12 (263ورقة، سنة 1107هـ، انظر: فهرسته 1/ 438) سراي ريفان 116 (352ورقة، في القرن الحادي عشر الهجري انظر: فهرست 1/ 437)، سراي خزينة الأمانة 588 (376ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري. انظر: فهرست 1/ 437)، 589 (424 ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري. انظر: فهرست 1/ 437)، داماد إبراهيم 49 (339ورقة، سنة 1100هـ)، فيض الله 43 (375ورقة، سنة 1100هـ)، نور عثمانية 168 (275ورقة، سنة 1160هـ)، 169 (296ورقة، سنة 1162هـ)، 170 (429ورقة، سنة 1159هـ)، 172 (375ورقة، سنة 1165هـ)، (1)، 174 (331ورقة سنة 1194هـ)، 175 (403ورقة، سنة 1163هـ)، 176 (312ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري)، 177 (372ورقة، سنة 1163هـ)، 178 (391ورقة، سنة 1165هـ)، 179 (366ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري)، 180 (417ورقة، سنة 1160هـ)، 181 (343ورقة، سنة 1165هـ)، 182 (341ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري)، 183 (270ورقة في القرن الثاني عشر الهجري)، كوبريلي 2/ 16 (400ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري)، الفاتح 173 (365ورقة، سنة 1163هـ)، 174 (342ورقة في القرن الثاني عشر الهجري)، 175 (335ورقة في القرن الحادي عشر الهجري)، عاطف 88 (341ورقة، في القرن العاشر الهجري)، 89 (250ورقة، في القرن العاشر الهجري، مراد ملا 38 (387ورقة سنة 1093هـ)، راغب 46 (375ورقة سنة 1161هـ)، 47 (419ورقة، في القرن الثاني عشر الهجري)، بايزيد 563 (307ورقة، سنة 1171هـ)، الحميدية 39 (367ورقة، سنة 1162هـ) 40 (339ورقة، سنة 1100هـ)، سليم آغا 45 (354 ورقة، سنة 1167هـ)، مكتبة جامعة استنبول 752 (331ورقة. سنة 1162هـ)، ولي الدين 94 (243ورقة، سنة 1175هـ)، الظاهرية، تفسير 144 (270ورقة، انظر: عزة حسن، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية بعلوم القرآن 188)، تشستربتي 4224 (255ورقة سنة 1159هـ) 5465 (356ورقة، سنة 1158هـ)، الأوقاف ببغداد 2122 (انظر: طلس 22)، كابول، انظر:
مجلة معهد المخطوطات العربية 2/ 8، بنكيبور 18/ 2/ 21رقم 1322 (368ورقة سنة 1165هـ)، و 1323 (389ورقة، في القرن الحادي عشر الهجري).(2/297)
وليس لأحد تفسير أطول منه، ولا أشبع (1) منه، وبعده مقاتل بن سليمان إلا أنّ الكلبيّ يفضّل على مقاتل لما في مقاتل من المذاهب الرديئة» (2).
ثم بعد هذه الطبقة ألّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير: سفيان بن عيينة (3)، ووكيع بن الجراح (4)، وشعبة بن الحجاج (5)، ويزيد بن هارون (6)، والمفضل (7)، وعبد الرزاق بن همّام الصنعاني (8)، وإسحاق بن راهويه (9)، وروح بن عبادة (10)، ويحيى بن
__________
(1) عبارة المخطوطة (ولا أسمع منه، والمطبوعة (ولا أشيع فيه) وما أثبتناه موافق لما في الكامل 6/ 2132.
(2) قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» 1/ 174عقب ترجمة مقاتل بن حيان: (فأما مقاتل بن سليمان، وقد لطّخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحرا في التفسير).
(3) «تفسير سفيان بن عيينة» ذكره ابن النديم في الفهرست ص 36. وجمع رواياته في التفسير احمد صالح محايري وطبعها باسم «تفسير سفيان بن عيينة» في بيروت بالمكتب الإسلامي عام 1404هـ / 1984م.
(4) ذكر تفسيره ابن النديم في الفهرست ص 36وسيزكين في تاريخ التراث 1/ 141وقال: «استخدمه الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ق 4/ ب».
(5) ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 430في جملة المفسّرين، وذكر تفسيره في 1/ 451.
(6) هو يزيد بن هارون بن زادان أبو خالد مولاهم الواسطي أحد الأئمة المشهورين بالتفسير والحديث والفقه والصلاح سمع سليمان التيمي، وداود بن أبي هند، ويحيى الأنصاري وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
«كان حافظا متقنا للحديث» ووثقه ابن المديني وابن معين. ت 206هـ (تهذيب الأسماء واللغات:
163) وتفسيره ذكره بروكلمان في تاريخ الأدب 4/ 11وذكر أنه مترجم إلى الفارسية، في مكتبة نور عثمانية: 474، وقد نفى سيزكين ما ذكره بروكلمان انظر معجم مصنفات القرآن 2/ 194.
(7) هو المفضل بن سلمة بن عاصم أبو طالب النحوي اللغوي الكوفي الفاضل أخذ عن أبيه وابن السكيت وثعلب من تصانيفه «ضياء القلوب» في معاني القرآن نيف وعشرون جزءا و «الفاخر في لحن العامة» و «البارع» في اللغة ت 290هـ (الداودي)، طبقات المفسرين 2/ 328). وكتابه ذكره ابن النديم في الفهرست:
37 - و 80وذكر له كتابان ضياء القلوب الآنف الذكر و «معاني القرآن مفسر»، ولعلهما واحد.
(8) «تفسير عبد الرزاق» أعلن طبعه في حيدرآباد (انظر البرنامج 1354/ 2)، وقام بتحقيقه كرسالة دكتوراه عبد الله أبو السعود بدر في مصر بالفيوم عام 1405هـ / 1985م (أخبار التراث 18/ 17)، وطبع بدار المعرفة في بيروت بتحقيق د. عبد المعطي قلعجي في مجلدين 1409هـ / 1989م.
(9) ذكر كتابه ابن النديم في الفهرست ص 286.
(10) هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان أبو محمد القيسي البصري. ثقة فاضل، سمع أبو عون، وحسينا، وابن أبي عروبة، وروى عنه أحمد، وإسحاق، وبندار وخلق كثير قال ابن المديني: «نظرت لروح في أكثر من مائة ألف حديث كتبت منها عشرة آلاف» توفي بعد المائتين، و «تفسيره» رواه عنه أبو الأزهر صالح بن درهم الباهلي البصري (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 174) وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 448، وسيزكين في تاريخ التراث 1/ 6766، وقال: «أفاد منه الثعلبي انظر الكشف والبيان ق 4/ ب».(2/298)
قريش (1)، ومالك بن سليمان الهروي (2)، وعبد بن حميد الكسّي (3)، وعبد الله بن الجرّاح (4)، وهشيم بن بشير (5)، وصالح بن محمد اليزيدي (6)، وعليّ بن حجر بن إياس السعدي (7)، ويحيى بن محمد بن عبد الله الهروي (8)،
__________
(1) كذا في الأصول، ولعله يحيى بن آدم القرشي المخزومي الكوفي، أبو زكريا إمام محدّث فقيه ثقة، سمع زهير بن معاوية، وسفيان الثوري وروى عنه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ت 203هـ ذكره الداودي في طبقات المفسّرين 2/ 363، وعزا له كتاب «أحكام القرآن».
(2) هو مالك بن سليمان بن مرّة النهشلي الهروي، محدّث من أهل هراة من الضعفاء، روى عن مالك وابن أبي ذئب، وشعبة، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء 4/ 173وقال: «في حديثه نظر»، وضعّفه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات 9/ 165وقال: «وكان مرجئا ممّن جمع وصنف يخطئ كثيرا» وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8/ 120وقال: «سألت أبي عنه فقال: لا أعرفه» وانظر ترجمته في ميزان الذهبي 3/ 427ولسان الميزان 5/ 4.
(3) هو عبد بن حميد الكسّي بالكسر وتشديد المهملة وينطق بها الناس بالفتح والمعجم الكشّي وهو خطأ أبو محمد مصنف «المسند» و «التفسير» وغير ذلك وقيل إن اسمه عبد الحميد جزم بذلك ابن حبّان، سمع يزيد بن هارون ومحمد بن بشر العبدي، وابن عاصم. وغيرهم، حدث عنه مسلم، والترمذي وابن خزيمة، وعلّق له البخاري. ت 249هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 368) وذكره سيزكين في كتابه وقال: «ومن آثاره التفسير، اقتبس منه صاحب الإصابة 1/ 159، 1057، 2/ 22، 64،
257، 3/ 967، 1052، 4/ 357».
(4) هو عبد الله بن الجراح بن سعيد القهستاني، أبو محمد المحدّث، روى عن مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وابن المبارك وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيّان. قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه فقال:
كان كثير الخطأ ومحلّه الصدق» وسئل أبو زرعة عنه فقال: «صدوق» (الجرح والتعديل 5/ 27).
(5) هو هشيم بن بشير بن أبي خازم قاسم بن دينار السلمي. سمع الزهري وعمرو بن دينار ومنصور بن زاذان وعنه شعبة ويحيى القطان وأحمد بن حنبل، وهو صاحب «التفسير» الذي يرويه عنه أبو هاشم زياد بن أيوب بن زياد البغدادي. ت 183هـ (الداودي طبقات المفسرين 2/ 352) «وتفسيره» ذكره ابن النديم في الفهرست: 284وقال سيزكين في تاريخ التراث 1/ 64: «وتفسيره أفاد منه الطبري في تفسيره وتاريخه وقد استخدمه الثعلبي».
(6) الكلمة غير واضحة في المخطوطة، ولعله صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الأسدي البغدادي أبو علي ويقال أبو جعفر الملقب ب «جزرة» محدث ما وراء النهر حافظ مفسّر ولد بالكوفة وسكن بغداد ت 294هـ (تاريخ بغداد 9/ 322) «وتفسيره» ذكره البغدادي في هدية العارفين 1/ 422.
(7) هو علي بن حجر بضم الحاء وسكون الجيم ابن إياس أبو الحسن السعدي المروزي الحافظ الكبير، رحّال جوّال. سمع شريكا، وإسماعيل بن جعفر. وهشيما، وابن المبارك وأمثالهم. وعنه الجماعة إلا أبي داود وابن ماجة. له تصانيف منها «أحكام القرآن» (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 396).
(8) كذا في الأصول، ولعله تصحيف من «المخزومي» ولعله يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي(2/299)
وعلي بن أبي طلحة (1) [وغيرهم] (2)، وابن مردويه (3)، وسنيد (4)، والنّسائي (5)، وغيرهم.
ووقع في «مسند أحمد»، و «البزار»، و «معجم الطبراني» وغيرهم كثير من ذلك.
ثم إن محمد بن جرير الطبري (6) جمع على الناس أشتات التفاسير، وقرّب البعيد.
وكذلك عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (7). وأما أبو بكر النقاش (8)، وأبو جعفر
__________
المخزومي المكي روى عن أبي سلمة ابن سفيان، وعكرمة بن عبد الرحمن. وعنه ابن أبي نجيح، وابن جريج. وثّقه يحيى بن معين (البخاري التاريخ الكبير 8/ 284، وابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 9/ 162).
(1) تقدم في ص 295من هذا الجزء.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(3) هو أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، تقدم التعريف به وبتفسيره في 1/ 277.
(4) هو سنيد مصغّرا ابن داود الحافظ أبو علي المصيصي المحتسب واسمه الحسين كان أحد أوعية العلم.
حدّث عن حماد، وجعفر بن سليمان وابن المبارك. وعنه أبو بكر الأثرم، وأبو زرعة، وابن أبي خيثمة.
وله «تفسير» رواه عنه محمد بن إسماعيل الصائغ ت 226هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 209).
(5) هو أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن الإمام النسائي صاحب «السنن» وتفسيره مخطوط بمكتبة جامعة استانبول 3257/ 120ورقة كتبت القرن 8هـ، وفي التيمورية 1/ 20تفسير: 221قسم واحد (سيزكين: 1/ 268)، قام بتحقيقه المكتب السلفي لتحقيق التراث الإسلامي ويطبع في الرياض بمكتبة المعارف (أخبار التراث العربي 30/ 8).
(6) تقدم الكلام عن تفسيره في 1/ 305.
(7) هو عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس أبو محمد الحنظلي الرازي من مشاهير المحدثين في عصره عالم بالفقه والقراءات نعته الذهبي بالإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام. وكان بحرا في معرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار وكان عابدا زاهدا يعد من الأبدال ومن تصانيفه «التفسير المسند» و «الجرح والتعديل» و «الزهد» ت 327هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 280279) وتفسيره مخطوط في دار الكتب: 15تفسير، ومعهد المخطوطات: 91، المكتبة المركزية ببغداد: 1876، عن نسخة المتحف العراقي. دار الكتب الظاهرية: 7312، وآيا صوفيا:
175. (معجم الدراسات القرآنية: 257) وقام بتحقيق الجزء الأول منه أحمد عبد الله الزهراني كرسالة دكتوراه بجامعة أم القرى مكة (أخبار التراث العربي 5/ 23).
(8) هو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون أبو بكر النقاش الدارقطني المقرئ المفسّر، يقال إنه مولى أبي دجانة سماك بن خرشة الأنصاري وكان حافظا للتفسير صنف فيه كتابا سمّاه «شفاء الصدور» وفي حديثه مناكير. وسئل البرقاني عنه فقال: كل حديثه منكر وتفسيره ليس فيه حديث صحيح ت 351هـ (ياقوت، معجم الأدباء 18/ 147146). و «تفسيره» مخطوط في دار الكتب بالقاهرة(2/300)
النحاس (1)، فكثيرا ما استدرك الناس عليهما، وعلى سننهما مكّي (2). والمهدوي (3) حسن التأليف، وكذلك من تبعهم كابن عطية (4)، وكلهم متقن مأجور، فجزاهم الله خيرا.
(تنبيه) يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم، ويحكيه المصنّفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظنّ من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافا فيحكيه أقوالا، وليس كذلك، بل يكون كلّ واحد منهم ذكر معنى ظهر (5) من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل. وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالبا، والمراد الجميع، فليتفطّن لذلك ولا يفهم من اختلاف العبارات، اختلاف [102/ أ] المرادات، كما قيل:
__________
أول 1/ 179، ثان 1/ 54، المتحف البريطاني (7/ 138 .. قطعه منه) وتشستربتي:
23889، وحسن حسني: 40، والظاهرية 66/ 10. (تاريخ التراث: 1/ 76).
(1) هو أحمد بن محمد أبو جعفر النحاس تقدم في 1/ 356، وله كتابان في القرآن الكريم أحدهما:
«إعراب القرآن» والثاني: «معاني القرآن» الأول طبع بتحقيق الدكتور زهير غازي زاهد بمط. العاني بغداد عام 1398هـ / 1977م، وأعادت طبعه عالم الكتب ببيروت عام 1405هـ / 1985م وعنه قال حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 460 «تفسير النحاس» قصد فيه «الإعراب» لكن ذكر القراءات التي يحتاج أن يبيّن إعرابها، والعلل فيها وما يحتاج فيه من المعاني» اهـ وأما كتابه الآخر فهو «معاني القرآن» مخطوط يوجد الجزء الأول من هذا الكتاب في دار الكتب المصرية: 385تفسير. يبدأ بعد المقدمة بفاتحة الكتاب وينتهي بآخر سورة مريم خطها قديم وعدد أوراقها 233ق في بعضها خروم وترفيعات، ومنه نسخة مصورة أخرى في الدار رقمها 25502ب، ومنه نسخة أخرى مصورة في معهد المخطوطات للجامعة العربية بالقاهرة رقم 19وذكره ابن خير في فهرسته: 65باسم «العالم والمتعلم في معاني القرآن» وذكر ياقوت في معجم الأدباء 4/ 228باسم «معاني القرآن» ووهم بروكلمان بأن جعل للنحاس كتاب «الجنى الداني في حروف المعاني» في تاريخ الأدب العربي» 2/ 276وتبعه كوركيس عواد وعبد الحفيظ منصور والصواب أنه للحسن بن قاسم المرادي المتوفى 749هـ. انظر مقدمة إعراب القرآن للزاهد 1/ 28.
(2) هو مكي بن أبي طالب حموش القيسي الأندلسي تقدم التعريف به في 1/ 278، وتفسيره «الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكام وجمل من فنون علومه» يقوم بتحقيقه الأستاذ أحمد حسن فرحات في الكويت (أخبار التراث 4/ 24).
(3) هو أحمد بن عمار أبو العباس تقدم التعريف به في 1/ 488، و «تفسيره» مخطوط يوجد منه نسخة محفوظة بالمكتبة الظاهرية 504، ونسخة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي وإحياء التراث بمكة 150 (معجم مصنفات القرآن 2/ 202).
(4) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم التعريف به وبكتابه «المحرر الوجيز» في 1/ 101.
(5) في المخطوطة (ويظهر).(2/301)
عباراتنا شتّى وحسنك واحد ... وكلّ إلى ذاك الجمال يشير
هذا كلّه حيث أمكن الجمع، فأما إذا لم يمكن الجمع، فالمتأخر من القولين عن الشخص الواحد مقدم عنه إن استويا في الصحة، وإلا فالصحيح المقدّم، وكثيرا ما يذكر المفسّرون شيئا في الآية على جهة التمثيل لما دخل في الآية، فيظن بعض الناس أنه قصر الآية على ذلك ولقد بلغني عن شخص أنه أنكر على الشيخ أبي الحسن الشاذلي قوله في قوله:
{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} (البقرة: 106): «ما ذهب الله بوليّ إلّا أتى بخير منه أو مثله».
* (الثالث): الأخذ بمطلق اللغة فإن القرآن نزل {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:
195) وقد ذكره جماعة، ونصّ عليه أحمد بن حنبل في مواضع، لكن نقل الفضل بن زياد عنه وقد سئل عن القرآن تمثّل له رجل ببيت من الشعر، فقال: ما يعجبني. فقيل: ظاهره المنع، ولهذا قال بعضهم: في جواز تفسير القرآن بمقتضى اللغة روايتان عن أحمد وقيل:
الكراهة تحمل على من يصرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة، يدل عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالبا إلّا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن أنس قال: «لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسّر كتاب الله إلا جعلته نكالا (1)».
(الرابع) التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع. وهذا هو الذي دعا به النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس في قوله: «اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل» (2).
وروى البخاريّ [رحمه الله] (3) في كتاب الجهاد في صحيحه عن عليّ: هل خصّكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء؟ فقال: ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة، أو فهم يؤتاه الرجل (4).
__________
(1) ذكره السيوطي في الإتقان 4/ 182.
(2) الحديث أخرجه بلفظه أحمد في المسند 1/ 266، وهو عند الشيخان بلفظ مقارب، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 169، كتاب العلم (3)، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «اللهم علمه الكتاب» (17)، الحديث (75). ومسلم في الصحيح 4/ 1927، كتاب فضائل الصحابة (44)، باب فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (30) الحديث (138/ 3477).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 204، كتاب العلم (3)، باب كتابة العلم (39)، الحديث(2/302)
وعلى (1) هذا قال بعض أهل الذوق: للقرآن نزول (2) وتنزّل، فالنزول قد مضى، والتنزل باق إلى قيام الساعة. ومن هاهنا (3) اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كلّ واحد برأيه على منتهى (4) نظره في المقتضى.
ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36) وقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ}
(البقرة: 169) وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل 44) [فأضاف البيان إليهم] (5) وعليه حملوا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» (6)، رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (7) أخرجه أبو داود والترمذيّ والنسائيّ، وقال: غريب، من حديث ابن جندب.
وقال البيهقي في «شعب الإيمان»: هذا إن صح، فإنما أراد والله أعلم الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، وكذلك لا يجوز
__________
(111)، عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلّا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت فما هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير.
ولا يقتل مسلم بكافر».
(1) في المخطوطة (وعن).
(2) في المخطوطة (نزل).
(3) في المخطوطة (هذه).
(4) في المطبوعة (مقتضى).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 512كتاب فضائل القرآن باب من كره أن يفسر القرآن (1786)، حديث (10150). وأخرجه أحمد في المسند 1/ 233و 269والترمذي في السنن 5/ 199، كتاب تفسير القرآن (48)، باب ما جاء في الذي يفسّر القرآن برأيه (1)، الحديث (2950)، وأخرجه الطبري في التفسير 1/ 27.
(7) الحديث أخرجه أبو داود في السنن 4/ 63، كتاب العلم (19)، باب الكلام في كتاب الله بغير علم (5)، الحديث (3652)، والترمذي في السنن (بتحقيق عبد الرحمن عثمان) 4/ 269268، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه (1)، الحديث (4024)، وقال الترمذي (هذا حديث غريب)، ولم يرد قول الترمذي في «السنن» (نسخة أحمد شاكر) 5/ 200وجعله الزركشي من قول النسائي، وعزاه المزي في «تحفة الأشراف» 2/ 444للنسائي في فضائل القرآن (السنن الكبرى)، الحديث (3262)، وأخرجه الطبري في «التفسير» 1/ 27ضمن المقدمة، وقول الزركشي (من حديث ابن جندب) صوابه (من حديث جندب) وهو ابن عبد الله البجلي.(2/303)
تفسير القرآن به. وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصّديق: «أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي (1)!».
وقال في «المدخل»: في هذا الحديث نظر، وإن صحّ فإنما أراد والله أعلم: فقد أخطأ الطريق، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه، وسبب نزوله، وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله، وأدّوا إلينا من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يكون تبيانا لكتاب الله، قال الله تعالى:
{وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44). فما ورد بيانه عن صاحب الشرع، ففيه كفاية عن ذكره من بعده، وما لم يرد عنه بيان (2) ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده، ليستدلّوا بما ورد بيانه على ما لم يرد (3). قال وقد يكون [102/ ب] المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه، فتكون موافقته للصواب وإن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة.
وقال الإمام أبو الحسن الماورديّ (4) في «نكته»: قد حمل بعض المتورّعة هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده. ولو صحبتها (5)
الشواهد، ولم يعارض شواهدها نصّ صريح. وهذا عدول عما تعبّدنا بمعرفته (6) من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه، كما قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء:
83).
ولو صحّ ما ذهب إليه لم يعلم شيء [إلا] (7) بالاستنباط، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئا، وإن صح الحديث فتأويله أنّ من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سوى لفظه
__________
(1) تقدم تخريجه في 1/ 399.
(2) في المخطوطة (بيانه).
(3) في المخطوطة (من يرد).
(4) الماوردي تقدم ذكره في 1/ 274، وكتابه «النكت» طبع في الكويت بتحقيق خضر محمد خضر نشر وزارة الأوقاف عام 1403هـ / 1983م، وحققه محمد بن عبد الرحمن الشائع كرسالة دكتوراه في الرياض بجامعة محمد بن سعود (أخبار التراث العربي 2/ 9و 7/ 26و 8/ 30).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (توضيحها).
(6) في المطبوعة (من معرفته).
(7) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة وما أثبتناه من الإتقان 4/ 183.(2/304)
وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق، إذ الغرض أنه مجرّد رأي لا شاهد (1) له، وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «القرآن ذلول ذو وجوه [محتملة] (2) فاحملوه على أحسن وجوهه» (3). (4) [وقوله «ذلول» يحتمل وجهين: أحدهما أنه مطيع لحامليه، ينطق بألسنتهم. الثاني أنه موضّح لمعانيه حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين] (4). وقوله: «ذو وجوه» يحتمل معنيين: أحدهما أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل، والثاني أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي، والترغيب والترهيب، والتحليل والتحريم. وقوله:
«فاحملوه على أحسن وجوهه» يحتمل أيضا وجهين: (أحدهما) الحمل على أحسن معانيه.
(والثاني) أحسن ما فيه من العزائم دون الرّخص، والعفو دون الانتقام وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله».
وقال أبو الليث: النهي إنما انصرف إلى المتشابه (6) منه لا إلى جميعه كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ} (آل عمران: 7) لأن القرآن إنما نزل حجّة على الخلق فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجّة بالغة فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب وشأن النزول أن يفسّره، وأما من كان من المكلّفين ولم يعرف وجوه اللغة، فلا يجوز أن يفسّره إلا بمقدار ما سمع، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير، فلا بأس [به] (7) ولو أنه يعلم التفسير، فأراد أن يستخرج من الآية حكمة أو دليلا لحكم فلا بأس به. ولو قال: المراد من الآية كذا من غير أن يسمع (8) منه شيئا فلا يحلّ، وهو الذي نهى عنه. انتهى.
وقال الراغب (9) في مقدمة «تفسيره»: اختلف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (الإشهاد).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) الحديث أخرجه الدارقطني في السنن 4/ 144، في النوادر والأحاديث المتفرقة، الحديث (8).
وذكره السيوطي في الإتقان 4/ 184وقال: «أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس» وليس في «الحلية».
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (المشابهة).
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) في المطبوعة: (سمع).
(9) تقدمت ترجمة الراغب الأصفهاني في 1/ 218، وتقدم التعريف بالكتاب 2/ 203.(2/305)
لكل ذي علم الخوض فيه؟ فمنهم من بالغ ومنع الكلام ولو تفنن الناظر في العلوم، واتسع باعه في المعارف إلا بتوقيف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو عمن شاهد التنزيل (1) من الصحابة أو من أخذ منهم من التابعين، واحتجوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من فسّر القرآن برأيه فقد أخطأ» (2)، وفي رواية:
«من قال في القرآن برأيه فقد كفر». وقيل: إن كان ذا معرفة وأدب فواسع له تفسيره (3) والعقلاء والأدباء فوضى في معرفة الأغراض (3)، واحتجوا بقوله تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيََاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبََابِ} (ص: 29).
وقد روى عبد الرزاق في «تفسيره» (5): حدثنا الثوري عن ابن عباس، «أنه قسّم التفسير إلى أربعة أقسام: قسم تعرفه العرب في كلامها، وقسم لا يعذر أحد بجهالته، يقول من الحلال والحرام، وقسم يعلمه العلماء خاصة، وقسم لا يعلمه إلا الله، ومن ادّعى علمه فهو كاذب» (6). وهذا تقسيم صحيح.
* فأما الذي تعرفه العرب، فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم، وذلك شأن اللغة والإعراب. فأما اللغة فعلى المفسّر معرفة معانيها، ومسمّيات أسمائها، ولا يلزم ذلك القارئ. (7) ثم إن كان ما تتضمنه (7) ألفاظها يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد [103/ أ] والاثنين والاستشهاد بالبيت والبيتين وإن كان مما يوجب العلم [دون العمل] (9)
لم يكف ذلك، بل لا بدّ أن يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر.
وأما الإعراب فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسّر والقارئ تعلّمه، ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم، وليسلم القارئ من اللّحن، وإن لم يكن محيلا للمعنى
__________
(1) في المخطوطة (التفسير).
(2) الحديث تقدم في 2/ 303.
(3) العبارة في المخطوطة (وإلا فلا الأدباء فوضى في معرفته الأعراض).
(5) تقدم التعريف بالكتاب في 2/ 298.
(6) قول ابن عباس أخرجه الطبري في التفسير 1/ 26. وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 7وعزاه لابن المنذر.
(7) العبارة في المخطوطة (فإن كان مما يتضمن).
(9) ساقطة من المطبوعة.(2/306)
وجب تعلّمه على القارئ ليسلم من اللّحن، ولا يجب على المفسر ليتوصل (1) إلى المقصود دونه على أن جهله نقص في حق الجميع.
إذا تقرر ذلك فما كان من التفسير راجعا إلى هذا القسم فسبيل المفسّر التوقف فيه على ما ورد في لسان العرب، وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز، ولا يكفي في حقه تعلّم اليسير (2) منها، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين.
* (الثاني): ما لا يعذر واحد بجهله، وهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمّنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكلّ لفظ أفاد معنى واحدا جليّا لا سواه يعلم أنه مراد الله تعالى. فهذا القسم لا يختلف حكمه، ولا يلتبس تأويله، إذ كلّ أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} (محمد: 19) (3) [وأنه لا شريك له في إلهيّته، وإن لم يعلم أن «لا» موضوعة في اللغة للنفي، و «إلا» للإثبات وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} (البقرة: 43) ونحوها من الأوامر طلب إدخال ماهية المأمور به في الوجود، وإن لم يعلم أن صيغة «أفعل» مقتضاها الترجيح وجوبا أو ندبا، فما كان من هذا القسم لا يقدر أحد يدّعي الجهل بمعاني ألفاظه، لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة] (3).
* (الثالث): [ما لا يعلمه إلّا الله تعالى] (5) فهو ما يجري مجرى الغيوب نحو الآي المتضمنة قيام الساعة ونزول الغيث وما في الأرحام، وتفسير الروح، والحروف المقطعة. وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك الا بالتوقيف من أحد ثلاثة أوجه: إما نص من التنزيل، أو بيان من النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو إجماع الأمة على تأويله فإذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات علمنا أنه مما استأثر الله تعالى بعلمه.
* و (الرابع): ما يرجع إلى اجتهاد (6) العلماء، وهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل
__________
(1) في المخطوطة (للتوصل).
(2) في المخطوطة (البشر).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) هذه العبارة ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (لاجتهاد).(2/307)
وهو صرف اللفظ إلى ما يؤول [إليه] (1) فالمفسّر ناقل، والمؤوّل مستنبط، وذلك استنباط الأحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم. وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه، على ما تقدم بيانه. وكل لفظ احتمل معنيين، فهو قسمان:
(أحدهما): [أن يكون] (2) أحدهما أظهر من الآخر، فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفيّ دون الجليّ فيحمل عليه. (الثاني): أن يكونا جليّين والاستعمال فيهما حقيقة. وهذا على ضربين:
(أحدهما): أن تختلف أصل الحقيقة فيهما، فيدور اللفظ بين معنيين هو في أحدهما حقيقة لغوية، [وهو] (3) في الآخر حقيقة شرعية، فالشرعية أولى إلا أن تدلّ قرينته على إرادة اللغوية، نحو قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلََاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (التوبة:
103) وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية، فالعرفية أولى لجريانها (4) على اللغة، ولو دار بين الشرعية والعرفية، فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم. (الضرب الثاني): لا تختلف أصل الحقيقة، بل كلا المعنيين استعمل فيهما، في اللغة أو في الشرع أو العرف على حدّ سواء.
وهذا أيضا على ضربين:
(أحدهما) أن يتنافيا اجتماعا، ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد، كالقرء حقيقة في الحيض والطهر، فعلى المجتهد أن يجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله في حقه، وإن اجتهد مجتهد آخر فأدّى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى في حقه لأنه نتيجة اجتهاده، وما كلف به، فإن لم يترجح أحد الأمرين لتكافؤ الأمارات فقد اختلف أهل العلم، فمنهم من قال: يخيّر في الحمل على أيّهما شاء، ومنهم [103/ ب] من قال: يأخذ بأعظمهما (5) حكما. ولا يبعد اطراد وجه ثالث، [وهو] (6) أن يأخذ بالأخفّ. كاختلاف جواب المفتين.
([الضرب] (6) الثاني) ألّا يتنافيا اجتماعا، فيجب الحمل عليهما عند المحقّقين،
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المطبوعة: (لطريانها).
(5) في المخطوطة: (بأغلظها).
(6) ساقطة من المخطوطة.(2/308)
ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة، وأحفظ في حق المكلّف إلّا أن يدلّ دليل على إرادة أحدهما. وهذا أيضا ضربان:
(أحدهما): أن تكون دلالته مقتضية لبطلان المعنى الآخر، فيتعيّن (1) المدلول عليه للإرادة. (الثاني) ألّا يقتضي بطلانه. وهذا اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: يثبت حكم المدلول عليه ويكون مرادا، ولا يحكم بسقوط المعنى الآخر، بل يجوز أن يكون مرادا أيضا، وإن لم يدلّ عليه دليل من خارج لأنّ موجب اللفظ عليهما فاستويا في حكمه، وإن ترجح أحدهما بدليل من خارج ومنهم من قال: ما ترجّح بدليل من خارج أثبت حكما من الآخر لقوته بمظاهرة الدليل الآخر. فهذا أصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل، والله أعلم.
إذا تقرر ذلك فينزل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار» (2) على قسمين من هذه الأربعة:
(أحدهما): تفسير اللفظ لاحتياج المفسّر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب. (الثاني):
حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم: علم العربية واللغة والتبحّر فيهما، ومن علم الأصول ما يدرك به حدود الأشياء، وصيغ الأمر والنهي، والخبر، والمجمل والمبين، والعموم والخصوص، والظاهر والمضمر، والمحكم والمتشابه والمؤوّل، والحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والمطلق والمقيّد. ومن علوم (3) الفروع ما يدرك به استنباطا، والاستدلال على هذا أقل ما يحتاج إليه ومع ذلك فهو على خطر، فعليه أن يقول:
يحتمل كذا ولا يجزم إلا في حكم اضطر إلى الفتوى به، فأدّى اجتهاده إليه، فيحرم خلافه (4) مع تجويز خلافه عند الله.
فإن قيل: فقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما نزل من القرآن من آية إلا ولها ظهر وبطن ولكل حرف حدّ، ولكل حدّ مطلع» (5)، فما معنى ذلك؟
قلت: أما قوله: «ظهر وبطن» ففي تأويله أربعة أقوال: (أحدها) وهو قول الحسن
__________
(1) في المخطوطة (فينبغي).
(2) أخرجه بهذا اللفظ الطبري في التفسير 1/ 27، وراجع 2/ 303من هذا الكتاب.
(3) في المخطوطة (علم).
(4) عبارة المخطوطة (فيخرج الخلاف).
(5) الحديث تقدم في 2/ 148.(2/309)
إنّك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها. (الثاني) قول أبي عبيد (1) إنّ القصص ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وباطنها عظة للآخرين. (الثالث) قول ابن مسعود رضي الله عنه «إنه ما من آية إلا عمل بها قوم، ولها قوم سيعملون بها» (2). (الرابع) قاله بعض المتأخرين إن ظاهرها لفظها، وباطنها تأويلها. وقول أبي عبيد (1) أقربها.
وأما قوله: «ولكل حرف حدّ»، ففيه تأويلان: (أحدهما): لكل حرف منتهى فيما أراد الله من معناه. (الثاني): معناه أن لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب.
وأما قوله: «ولكل حدّ مطلع» ففيه قولان: (أحدهما): لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل إلى معرفته، ويوقف على المراد به. (والثاني): لكل ما يستحقه من الثواب والعقاب [مطّلع] (4) يطلع عليه في الآخرة، ويراه عند المجازاة.
وقال بعضهم: منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك آجال (5) حادثة في أوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم وما أشبه ذلك لقوله: {لََا يُجَلِّيهََا لِوَقْتِهََا إِلََّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: 187) ومنه ما يعلم تأويله كلّ ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن وذلك إبانة غرائبه، ومعرفة [104/ أ] المسميات (6) بأسمائها اللازمة غير المشتركة منها، أو الموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم، (7) وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا (7) يتلو: {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قََالُوا إِنَّمََا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلََكِنْ لََا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 11و 12) لم يجهل أنّ معنى الفساد هو ما ينبغي تركه مما هو
__________
(1) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (أبي عبيدة) والتصويب من الإتقان 4/ 196.
(2) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق 8/ ب (مخطوطة توبنجن) باب فضل علم القرآن والسعي في طلبه وذكره السيوطي في الإتقان 4/ 196وعزاه لابن أبي حاتم.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (آجاله).
(6) في المخطوطة (المسماة).
(7) العبارة في المخطوطة (وذلك كسامع منه وذلك ما منع منه من هذا القرآن ما منع منه لو سمع تاليا.(2/310)
مضرة (1)، وأن الصّلاح (2) مما ينبغي فعله [مما هو] (3) منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها [الله] (4) إصلاحا. فأما (5) تعليم التفسير ونقله عمّن قوله حجّة ففيه ثواب وأجر عظيم كتعليم الأحكام من الحلال والحرام.
تنبيه فأما كلام الصوفية في تفسير القرآن، فقيل ليس تفسيرا، وإنما هي معان [ومواجيد] (6) يجدونها (7) عند التلاوة، كقول بعضهم في: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قََاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفََّارِ} (التوبة: 123) إن المراد النفس، فأمرنا بقتال من يلينا، لأنها أقرب شيء إلينا وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
قال ابن الصلاح (8) في «فتاويه»: «وقد وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحديّ (9)
أنه صنف أبو عبد الرحمن السلمي (10) «حقائق التفسير» فإن كان اعتقد أنّ ذلك تفسير فقد كفر.
قال: وأنا أقول: الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من أمثال ذلك أنه لم يذكره تفسيرا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة في القرآن العظيم، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم ذكر لنظير ما ورد به القرآن، فإن النظير
__________
(1) في المخطوطة (مقره).
(2) في المخطوطة (الإصلاح).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (ما يعلمهم).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (يحدثها).
(8) تقدمت ترجمته في 1/ 286، وكتابه «فتاوى ومسائل ابن الصلاح» طبع في بيروت بدار المعرفة عام 1406هـ / 1986م بتحقيق د. عبد المعطي أمين القلعجي، ومعه «أدب المفتي والمستفتي» له، وانظر قوله في الكتاب 1/ 197196.
(9) تقدمت ترجمته في 1/ 105.
(10) تقدمت ترجمته في 1/ 331، وكتابه «حقائق التفسير» حققه سلمان ناصيف جاسم التكريتي كرسالة ماجستير بجامعة القاهرة عام 1396هـ / 1975م في (1613) ص (ذخائر التراث العربي 1/ 576).(2/311)
يذكر (1) بالنظير، فمن ذلك مثال النفس في الآية المذكورة، فكأنه قال: أمرنا بقتال النفس ومن يلينا من الكفار، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا في مثل ذلك، لما فيه من الإبهام والالتباس» انتهى.
فصل
حكى الشيخ أبو حيان (2) عن بعض من عاصره أنّ [طالب] (3) علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تركيبه، بالإسناد إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم، وأنّ فهم الآيات يتوقف على ذلك، ثم بالغ الشيخ في رده لأثر عليّ (4) السابق.
والحق أن علم التفسير، منه ما يتوقف على النقل، كسبب النزول، والنسخ، وتعيين المبهم، وتبيين المجمل. ومنه ما لا يتوقف، ويكفي في تحصيله التفقّه على الوجه المعتبر.
وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير (5) والتأويل التمييز (6) بين المنقول والمستنبط، ليحمل على الاعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط، تجويزا له وازديادا، وهذا من الفروع في الدين.
تنخيل لما سبق
واعلم أن القرآن قسمان: أحدهما ورد تفسيره بالنقل عمّن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد.
والأول ثلاثة أنواع: إما أن يرد التفسير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أو عن الصحابة أو عن رءوس التابعين فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث [اللغة] (7) فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم، وإن فسره بما شاهده من الأسباب
__________
(1) في المخطوطة (يدرك).
(2) في مقدمة تفسيره البحر المحيط 1/ 5، مع تصرف في النقل.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) تقدم في 2/ 302.
(5) في المخطوطة (التفصيل).
(6) في المخطوطة (والتمييز).
(7) ساقطة من المخطوطة.(2/312)
والقرائن فلا شك فيه وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة، فإن (1) أمكن الجمع فذاك، وإن تعذّر قدّم ابن عباس لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشره بذلك حيث قال: «اللهم علّمه التأويل» (2) وقد رجح الشافعيّ قول زيد في الفرائض، لقوله صلّى الله عليه وسلّم «أفرضكم زيد» (3) فإن تعذّر الجمع جاز للمقلّد أن يأخذ بأيّها [شاء] (4) و [أما] (4) الثالث وهم رءوس التابعين إذا لم يرفعوه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا إلى أحد من الصحابة، [رضي الله عنهم] (4) فحيث جاز التقليد فيما سبق، فكذا هنا، وإلّا وجب [104/ ب] الاجتهاد.
الثاني ما لم يرد فيه نقل عن المفسرين، وهو قليل، وطريق التوصّل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب (7) السياق، وهذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب «المفردات» (8) فيذكر قيدا زائدا (9) على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ، لأنه اقتنصه من السياق.
فصل
الذي يجب على المفسّر البداءة به العلوم (10) اللفظية، وأول ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني المفردات من ألفاظ القرآن من أوائل المعادن لمن
__________
(1) في المخطوطة (حتى).
(2) الحديث تقدم تخريجه في 2/ 302.
(3) الحديث أخرجه بلفظ «وأفرضهم زيد» أحمد في المسند 3/ 281، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 665، كتاب المناقب (50)، باب مناقب معاذ بن جبل (33)، الحديث (3791) وقال: «حديث حسن صحيح»، وأخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 55، المقدمة، باب فضائل خباب، الحديث (154)، وأخرجه ابن حبان، ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/ 131، كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة رجالها ونسائهم، ذكر البيان بأن معاذ بن جبل كان من أعلم الصحابة في الحلال والحرام. الحديث (7087) وفي 1/ 136الحديث (7093) وفي 1/ 187، الحديث (7208)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 422، كتاب معرفة الصحابة باب أفرض الناس زيد، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأخرجه البغوي بإسناده في شرح السنة 14/ 131، الحديث (3930).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (من حيث).
(8) تقدم التعريف به في 1/ 394.
(9) في المخطوطة (زيد).
(10) في المخطوطة (لعموم).(2/313)
يريد أن يدرك معانيه وهو كتحصيل اللبن من أوائل المعادن في بناء ما يريد أن يبنيه (1).
قالوا: وليس ذلك في علم القرآن فقط بل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع وغيره وهو كما قالوا: إنّ المركب لا يعلم إلا بعد العلم بمفرداته، لأن الجزء سابق على الكل في الوجود من الذهنيّ والخارجيّ، فنقول: النظر في التفسير هو بحسب [أفراد] (2)
الألفاظ وتراكيبها.
أمّا بحسب الأفراد فمن وجوه ثلاثة: من جهة المعاني التي وضعت الألفاظ المفردة بإزائها، وهو يتعلّق بعلم اللغة (3). ومن جهة الهيئات والصيغ الواردة على المفردات الدّالة على المعاني المختلفة، وهو من علم التصريف.
ومن جهة ردّ الفروع المأخوذة من الأصول إليها، وهو من [علم] (2) الاشتقاق.
وأما بحسب التركيب فمن وجوه أربعة: (الأول): باعتبار كيفية التراكيب بحسب الإعراب ومقابله من حيث إنها مؤدّية أصل المعنى، وهو ما دلّ عليه المركب بحسب الوضع وذلك متعلّق بعلم النحو. (الثاني): باعتبار كيفية التركيب من جهة إفادته معنى المعنى أعني لازم أصل المعنى الذي يختلف باختلاف مقتضى الحال في تراكيب البلغاء، وهو الذي يتكفل بإبراز محاسنه علم المعاني. (الثالث): باعتبار [طرق] (5) تأدية المقصود بحسب وضوح الدلالة وحقائقها ومراتبها، وباعتبار الحقيقة والمجاز (6)، والاستعارة والكناية والتشبيه وهو ما يتعلق بعلم البيان. (والرابع): باعتبار الفصاحة اللفظية والمعنوية والاستحسان ومقابله، وهو يتعلق بعلم البديع.
فصل (7)
وقد سبق لنا في باب الإعجاز أنّ إعجاز القرآن لاشتماله على تفرد (8) الألفاظ التي يتركب منها الكلام، مع ما تضمنه من المعاني، مع ملاءمته (9) التي هي نظوم تأليفه (10).
__________
(1) من كلام الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه «المفردات».
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (العربية).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (ومجازها).
(7) في المطبوعة (مسألة).
(8) في المخطوطة (معرفة).
(9) في المخطوطة (بلاغته).
(10) في المخطوطة (تأليف).(2/314)
فأما الأول: وهو معرفة الألفاظ، فهو أمر نقلي يؤخذ عن أرباب التفسير، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ قوله تعالى: {فََاكِهَةً وَأَبًّا} (عبس: 31) فلا يعرفه، فيراجع نفسه ويقول: ما الأبّ؟ ويقول: إنّ هذا منك تكلّف (1). وكان ابن عبّاس وهو ترجمان القرآن يقول: «لا أعرف {حَنََاناً} (مريم: 13) ولا {غِسْلِينٍ} (الحاقة:
36) ولا {الرَّقِيمِ} (الكهف: 9)» (2).
وأما المعاني التي تحتملها الألفاظ، (3) [فالأمر في معاناتها أشدّ لأنها نتائج العقول.
وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ] (3)
وزمام (5) المعاني، وبه يتصل أجزاء (6) الكلام، ويتّسم بعضه ببعض، فتقوم له صورة في النفس يتشكّل بها البيان، فليس المفرد بذرب اللسان وطلاقته كافيا لهذا الشأن، ولا كلّ من أوتي (7) خطاب بديهة ناهضا بحمله (7) ما لم يجمع إليها سائر الشروط.
(مسألة) قيل: أحسن طريق التفسير أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فقد فصّل (9) في موضع آخر، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن، وموضّحة له، قال [الله] (10) تعالى: {وَمََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ إِلََّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64) ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (11) يعني السنة فإن لم [105/ أ] يوجد في السنة
__________
(1) تقدم تخريجه في 1/ 399.
(2) أخرجه عبد الرزاق في التفسير 1/ 714 (رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر) في سورة الكهف الآية (9) الحديث (1655)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كل القرآن أعلمه إلا أربعا (غسلين) و (حنانا) و (الأواه) و (الرقيم)». وأخرجه عبد بن حميد (ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 285).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (وزمان).
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (آخر).
(7) كذا العبارة في المطبوعة، وهي في المخطوطة: (خطابا يهديه ناهضا لحمله).
(9) في المخطوطة (فسّر).
(10) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.
(11) من حديث للمقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، أخرجه أحمد في المسند 4/ 131130. والدارمي(2/315)
يرجع إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرائن، ولما أعطاهم الله من الفهم العجيب، فإن لم يوجد (1) [ذلك يرجع إلى النظر والاستنباط بالشرط السابق.
(مسألة) ويجب أن يتحرّى في التفسير مطابقة] (1) المفسّر، وأن يتحرز في ذلك من نقص المفسّر (3) عما يحتاج إليه من إيضاح المعنى المفسّر، أو أن يكون في ذلك [المعنى] (1) زيادة لا تليق بالغرض، أو أن يكون في المفسّر زيغ عن المعنى المفسّر (5) وعدول عن طريقة (5)، حتى يكون غير مناسب له ولو من بعض أنحائه، بل يجتهد في أن يكون وفقه من جميع الأنحاء وعليه بمراعاة الوضع الحقيقي والمجازي، ومراعاة التأليف، وأن يوافي (7) بين المفردات وتلميح (8) الوقائع، فعند ذلك تتفجّر له ينابيع الفوائد.
ومن شواهد الإعراب قوله تعالى: {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} (البقرة: 37) ولولا الإعراب لما عرف الفاعل من المفعول [به] (9).
ومن شواهد النظم قوله تعالى: {وَاللََّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4) فإنها منتظمة مع ما قبلها منقطعة عما بعدها.
وقد يظهر الارتباط، وقد يشكل أمره فمن الظاهر قوله تعالى: {هَلْ مِنْ شُرَكََائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللََّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (يونس: 34) ووجه ظهوره، أنه لا يستقيم أن يكون السؤال والجواب من واحد، فتعين أن يكون قوله: {قُلِ اللََّهُ} جواب
__________
في السنن 1/ 114، المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله، وأبو داود في السنن 5/ 1210، كتاب السنة (34)، باب لزوم السنة (6)، الحديث (4604). والترمذي في السنن 5/ 38، كتاب العلم (42)، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم (10)، الحديث (2664)، وقال:
«هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه». وابن ماجة في السنن 1/ 6، المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (2) الحديث (12).
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (التفسير).
(5) عبارة المخطوطة (وعدوله عن الطريق).
(7) في المخطوطة (يواطئ).
(8) في المخطوطة (وتلمح).
(9) ساقطة من المخطوطة.(2/316)
سؤال كأنّهم لما سألوا، سمعوا ما قبله من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو: {مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أجابهم بقوله: {قُلِ اللََّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، فترك ذكر السؤال.
ونظيره: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكََائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللََّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} (يونس:
35).
(مسألة) (1) [في النهي عن ذكر لفظ الحكاية عن الله تعالى ووجوب تجنب إطلاق الزائد على بعض الحروف الواردة في القرآن] (1).
وكثيرا ما يقع في كتب التفسير «حكى الله تعالى» و [هذا] (3) ينبغي تجنّبه.
قال الإمام أبو نصر القشيري (4) في كتابه «المرشد»: قال معظم أئمتنا: لا يقال:
«كلام الله يحكى»، ولا يقال: «حكى الله» لأن الحكاية الإتيان بمثل الشيء، وليس بكلامه مثل. وتساهل قوم فأطلقوا لفظ الحكاية بمعنى الإخبار، وكثيرا ما يقع في كلامهم إطلاق الزائد على بعض الحروف، ك «ما» (5) في نحو: {فَبِمََا رَحْمَةٍ مِنَ اللََّهِ} (آل عمران: 159) والكاف في نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) ونحوه. والذي عليه المحققون تجنّب هذا اللفظ في القرآن، إذ (6) الزائد ما لا معنى له، وكلام الله منزّه عن ذلك.
وممن نص على منع ذلك من (7) المتقدمين الإمام داود الظاهري (8)، فذكر أبو عبد الله
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) هو عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيري تقدمت ترجمته في 2/ 248.
(5) كذا في المطبوعة وفي المخطوطة (كالباء) وهو تحريف، والصحيح «ما» لأنها تزاد بعد خمسة أحرف من حروف الجر وهي «من» و «عن» و «الكاف» و «ربّ» و «الباء» كما ذكره المصنف في 3/ 153في زيادة «ما».
(6) في المخطوطة (لأن).
(7) في المخطوطة (في).
(8) هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان البغدادي، إمام أهل الظاهر. ولد سنة 200هـ. كان أحد أئمة المسلمين وهداتهم، سمع من أبي ثور، وإسحاق بن راهويه، ومسدد وغيرهم، وجالس الأئمة، وصنف الكتب. كان إماما ورعا ناسكا زاهدا. روى عنه ابنه محمد، وزكريا الساجي، ويوسف بن يعقوب الداودي وغيرهم وصنف في «فضائل الشافعي» ت 270هـ (السبكي، طبقات الشافعية 2/ 42).(2/317)
أحمد بن يحيى بن سعيد الدّاودي في الكتاب «المرشد» له في أصول الفقه على مذهب داود [الظاهريّ: و] (1) روى بعض أصحابنا عن أبي سليمان (2) أنه كان يقول: «ليس في القرآن صلة بوجه». وذكر أبو [بكر] (3) محمد بن داود وغيره من أصحابنا مثل ذلك، والذي عليه أكثر النحويين خلاف هذا، ثم حكى عن أبي داود مثله، يزعم الصّلة فيها، كقوله تعالى:
{مَثَلًا مََا بَعُوضَةً} (البقرة: 26) وقال: إنّ «ما» هاهنا للتعليل، مثل: «أحبب حبيبك هونا ما» (4).
فصل
التأويل ينقسم إلى منقاد ومستكره:
* (فالأول) ما لا تعرض فيه بشاعة أو استقباح، وقد يقع فيه الخلاف بين الأئمة: إما لاشتراك في اللفظ، نحو {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ} (الأنعام: 103) هل هو من بصر العين أو القلب؟ وإمّا لأمر راجع إلى النظم (5) [كقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا} (النور: 5) هل هذا الاستثناء مقصور على المعطوف وحده أو عائد إلى الجميع؟ وإمّا لغموض المعنى ووجازة النظم] (5) كقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلََاقَ فَإِنَّ اللََّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 227). وإمّا لغير ذلك.
* (وأمّا المستكره) فما يستبشع إذا عرض على الحجة، وذلك على أربعة أوجه:
(الأول): أن يكون لفظا عامّا، فيختصّ ببعض ما يدخل تحته، كقوله [تعالى] (7): {وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (التحريم: 4) فحمله بعضهم على عليّ رضي الله عنه فقط. (والثاني): أن يلفّق (8) بين اثنين كقول من زعم تكليف الحيوانات في قوله [105/ ب]: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلََّا خَلََا فِيهََا نَذِيرٌ} (فاطر: 24) مع قوله تعالى: {وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ إِلََّا أُمَمٌ أَمْثََالُكُمْ} (الأنعام: 38) إنهم مكلّفون كما نحن. (الثالث): ما
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) يعني به داود الظاهري وكنيته أبو سليمان.
(3) ساقطة من المطبوعة، وهو محمد بن داود، أبو بكر الظاهري ابن صاحب المذهب تقدم ذكره في 1/ 485.
(4) قطعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الترمذي في السنن 4/ 360، كتاب البر والصلة (28)، باب ما جاء في الاقتصاد في الحب والبغض (60)، الحديث (1997)، وانظر كتاب فيض القدير 1/ 176، الحديث (223).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) في المخطوطة (يتفق).(2/318)
استعير فيه، كقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ [عَنْ سََاقٍ]} [1] (القلم: 42) في حمله على حقيقته. (الرابع): ما أشعر به باشتقاق بعيد، كما قال بعض الباطنية في البقرة: إنه إنسان يبقر عن أسرار العلوم، وفي الهدهد إنه إنسان موصوف بجودة البحث والتنقيب (2).
والأول أكثر ما يروج على المتفقهة الذين لم يتبحّروا (3) في معرفة الأصول، والثاني على المتكلم القاصر في معرفة شرائط النظم، والثالث على صاحب الحديث الذي لم (4)
يتهذب في شرائط قبول الأخبار، والرابع على الأديب الذي لم (4) يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات.
(فائدة) روي عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: {أَوْ خَلْقاً مِمََّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} (الإسراء: 51) فقال: الموت (6). قال السهيليّ (7): «وهو تفسير يحتاج لتفسير». ورأيت لبعض المتأخّرين أن مراد ابن عباس أن الموت سيفنى كما يفنى كل شيء، كما جاء أنه يذبح على الصراط، فكأنّ المعنى: لو كنتم حجارة أو حديدا لبادر إليكم الموت، ولو (8) [كنتم الموت الذي يكبر في صدوركم فلا بدّ لكم من الموت. والله أعلم بتأويل ذلك.
قال: وبقي في نفسي من تأويل هذه الآية] (8) شيء حتى يكمل الله نعمته في فهمها.
فصل
أصل الوقوف على معاني القرآن التدبّر والتفكر، واعلم أنّه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا (10) يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة أو إصرار على
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (والتفسير).
(3) في المخطوطة (يتحروا).
(4) في المخطوطة (لا).
(6) أخرجه الطبري في التفسير 15/ 68، والحاكم في المستدرك 2/ 362، كتاب التفسير تفسير سورة بني إسرائيل، وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي». وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد (ذكره السيوطى في الدر المنثور 4/ 187).
(7) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم ذكره في 1/ 242.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (لا)، والعبارة اضطربت في المخطوطة.(2/319)
ذنب، أو في قلبه كبر أو هوى، أو حبّ الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان (1)، أو ضعيف التحقيق، أو معتمدا على قول مفسّر ليس عنده إلا علم بظاهر، أو يكون راجعا إلى معقوله (2) وهذه كلّها حجب وموانع، وبعضها آكد من بعض [بل] (3) إذا كان العبد مصغيا إلى كلام ربّه، ملقى السمع وهو شهيد القلب لمعاني صفات مخاطبه، ناظرا إلى قدرته، تاركا للمعهود من علمه ومعقوله، متبرئا من حوله وقوته، معظّما للمتكلّم، مفتقرا إلى التفهّم، بحال مستقيم، وقلب سليم، وقوة علم، وتمكّن سمع لفهم الخطاب، وشهادة غيب الجواب، بدعاء وتضرع، وابتئاس (4) وتمسكن، وانتظار للفتح عليه من عند الفتاح العليم.
وليستعن (5) على ذلك بأن تكون تلاوته على معاني الكلام (6) وشهادة وصف المتكلم من الوعد بالتشويق، والوعيد بالتخويف، والإنذار بالتشديد فهذا القارئ أحسن الناس صوتا بالقرآن وفي مثل هذا قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلََاوَتِهِ أُولََئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (البقرة: 121). وهذا هو الراسخ في العلم جعلنا الله [وإياكم] (7) من هذا الصنف: {وَاللََّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: 4).
فصل
وفي القرآن علم الأولين والآخرين، وما من شيء إلا ويمكن استخراجه منه لمن فهّمه الله [تعالى] (8)، حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا وستين من قوله تعالى في سورة المنافقين: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللََّهُ نَفْساً إِذََا جََاءَ أَجَلُهََا} (الآية: 11) فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده. وقوله تعالى مخبرا عن عيسى: {قََالَ إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ آتََانِيَ الْكِتََابَ} (مريم: 30) إلى قوله: {أُبْعَثُ حَيًّا} (مريم: 33) ثلاث وثلاثون كلمة، وعمره ثلاث وثلاثون سنة.
وقد استنبط الناس زلزلة عام اثنين وسبعمائة من قوله تعالى: {إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ}
__________
(1) في المخطوطة (بالإيمان).
(2) في المخطوطة (منقوله).
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (يأس).
(5) في المخطوطة (وأن يستعن).
(6) في المخطوطة (الكلمة).
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.(2/320)
(الزلزلة: 1) فإن الألف باثنين والذال بسبعمائة. وكذلك استنبط بعض أئمة العرب (1) فتح بيت المقدس وتخليصه من [106/ أ] أيدي العدوّ في أول سورة الروم بحساب الجمّل، وغير ذلك.
فصل
وقد يستنبط (2) الحكم من السكوت عن الشيء، كقوله تعالى: {وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلََّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية: (النور: 31) ولم يذكر الأعمام والأخوال (3)، وهم من المحارم، وحكمهم حكم من سمّي في الآية. وقد سئل الشعبيّ عن ذلك فقال: «لئلا يضعها العم عند ابنه وهو ليس بمحرم لها، كذا الخال، فيفضي إلى الفتنة». والمعنى فيه أنّ كلّ من استثني مشترك بابنه (4) في المحرمية إلا العمّ والخال. وهذا من الدلائل البليغة على وجوب الاحتياط في سترهنّ. ولقائل أن يقول: هذه المفسدة محتملة في أبناء بعولتهنّ، لاحتمال أن يذرها أبو البعل عند ابنه الآخر (5)، وهو ليس بمحرم لها، وأبو البعل ينقض قولهم: إن [كل] (6) من استثنى اشترك (7) هو وابنه في المحرميّة.
ومنه قوله تعالى: {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الآية: (النور:
(61) ولم يذكر الأولاد، فقيل لدخولهم في قوله: {بُيُوتِكُمْ}.
فصل
ينقسم القرآن العظيم إلى: ما هو بيّن بنفسه (8)، بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ولا من غيره، وهو كثير. ومنه قوله تعالى: {التََّائِبُونَ الْعََابِدُونَ} الآية (التوبة: 112) وقوله:
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمََاتِ} الآية (الأحزاب: 35). وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون: 1). وقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحََابَ الْقَرْيَةِ} (يس:
13). وقوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ آمِنُوا بِمََا نَزَّلْنََا مُصَدِّقاً} (النساء: 47).
__________
(1) عبارة المخطوطة (العرف في فتح).
(2) اضطربت العبارة في المخطوطة كما يلي (وقد استنبط بعض أهل العرف من السكوت).
(3) في المخطوطة (ولا الأخوال).
(4) في المخطوطة (يشارك ابنه).
(5) في المخطوطة (الأجنبي).
(6) ساقطة من المطبوعة.
(7) في المخطوطة (يشترك).
(8) في المخطوطة (من نفسه).(2/321)
وإلى ما ليس ببيّن (1) بنفسه فيحتاج إلى بيان. وبيانه إما فيه في آية أخرى، أو في السنّة، لأنها موضوعة للبيان، قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44).
والثاني ككثير من أحكام الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والمعاملات، والأنكحة، والجنايات، وغير ذلك، كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ}
(الأنعام: 141) ولم يذكر كيفية الزكاة، ولا نصابها، ولا أوقاصها (2)، ولا شروطها، ولا أحوالها، ولا من تجب عليه ممّن لا تجب [عليه] (3)، وكذا لم يبين عدد الصلاة ولا أوقاتها.
وكقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185) {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (آل عمران: 97) ولم يبيّن أركانه ولا شروطه، ولا ما يحل في الإحرام وما لا يحل، ولا ما يوجب الدّم ولا ما لا يوجبه، وغير ذلك والأول قد أرشدنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود «لما نزل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: 82) شقّ ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله، وأيّنا لا يظلم نفسه! قال: ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه:
{يََا بُنَيَّ لََا تُشْرِكْ بِاللََّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (4)» (لقمان: 13) فحمل النبي صلّى الله عليه وسلّم الظلم هاهنا على الشرك، لمقابلته بالإيمان. واستأنس عليه بقول لقمان.
وقد يكون بيانه مضمرا فيه، كقوله تعالى: {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا}
(الزمر: 73) فهذا يحتاج إلى بيان لأن {حَتََّى [إِذََا]} [5] لا بدّ لها من تمام، وتأويله:
__________
(1) في المخطوطة (بين).
(2) الوقص بالتحريك ما بين الفريضتين، كالزيادة على الخمس من الإبل إلى التسع، وعلى العشر إلى أربع عشرة والجمع: أوقاص (ابن الجزري، النهاية 5/ 214).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 87، كتاب الإيمان (2). باب ظلم دون ظلم (23)، الحديث (32). وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 114، كتاب الإيمان (1)، باب صدق الإيمان وإخلاصه (56)، الحديث (197/ 124).
(5) ليست في المطبوعة.(2/322)
حتى إذا جاءوها [جاءوها] (1) وفتحت أبوابها. ومثله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبََالُ}
(الرعد: 31) أي: لكان هذا القرآن على رأي النحويين. قال ابن فارس (2): «ويسمّى هذا عند العرب الكفّ».
وقد يومئ إلى المحذوف، إما متأخر كقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللََّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ}
(الزمر: 22) فإنه لم يجيء له جواب في اللفظ، لكن أومأ إليه قوله: {فَوَيْلٌ لِلْقََاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللََّهِ} (الزمر: 22) وتقديره: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن قسا قلبه! وإما متقدم كقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ} (الزمر: 9) فإنّه أومأ إلى ما قبله:
{وَإِذََا مَسَّ الْإِنْسََانَ ضُرٌّ دَعََا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} (الزمر: 8) كأنه قال: أهذا الذي هو هكذا خير أم من هو قانت؟ فأضمر المبتدأ.
ونظيره: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (محمد: 15) [106/ ب] ومن هذه صفته {كَمَنْ هُوَ خََالِدٌ فِي النََّارِ} (محمد: 15).
وقد يكون بيانه واضحا وهو أقسام:
* أحدها: أن يكون عقبه، كقوله تعالى: {اللََّهُ الصَّمَدُ} (الإخلاص: 2) قال محمد بن كعب القرظيّ: تفسيره: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}
(الإخلاص: 3و 4) وكقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً} (المعارج: 19) قال أبو العالية: تفسيره: {إِذََا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذََا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعارج: 20و 21) وقال ثعلب: «سألني محمد بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله تعالى». وكقوله [تعالى] (3) {فِيهِ آيََاتٌ بَيِّنََاتٌ} (آل عمران: 97) فسّره بقوله: {مَقََامُ إِبْرََاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً} (آل عمران: 97).
وقوله: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبياء: 98) [ومعلوم] (4) أنه لم يرد (5) به المسيح وعزيرا [والملائكة] (3) فنزلت الآية مطلقة، اكتفاء بالدلالة
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في كتابه الصاحبي في فقه اللغة ص: 215.
(3) ليست في المطبوعة.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (لا يريد).(2/323)
الظاهرة، على أنه لا يعذبهم (1) الله، وكان ذلك بمنزلة الاستثناء باللفظ، فلما قال المشركون: هذا [هو] (2) المسيح وعزير قد عبدا من دون الله أنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء: 101).
وقوله: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} (الرعد: 12) ففسّر رؤية البرق بأنه ليس في رؤيته [إلا] (3) الخوف من الصواعق والطمع (4) في الأمطار. وفيها لطيفة، وهي تقديم الخوف على الطمع إذ كانت الصواعق تقع من أول برقة، ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر البرقات، فإن تواترها لا يكاد يكذب، فقدم الخوف على الطمع، ناسخا للخوف، كمجيء (5) الفرج بعد الشدة.
وكقوله: {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ بَطْنِهِ} الآية (النور: 45) وفيها لطيفة حيث بدأ بالمشي على بطنه، فإنها سيقت لبيان القدرة، وهو أعجب من الذي بعده، وكذا ما يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع.
وكقوله تعالى: {فَمِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} (النساء: 25) فهذا عام في المسلم والكافر، ثم بيّن أن المراد «المؤمنات» بقوله (6): {مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} (النساء:
25) فخرج تزوج (7) الأمة الكافرة.
وقوله تعالى: {وَمَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمى ََ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ََ} (الإسراء: 72) فإن الأول اسم [منه] (8) والثاني أفعل تفضيل، بدليل قوله بعده: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}
(الإسراء: 72) ولهذا قرأ أبو عمرو (9) الأول بالإمالة [لأنه] (8) اسم، والثاني بالتصحيح ليفرق بين ما هو اسم، وما هو «أفعل» [منه] (8) بالإمالة وتركها. (فإن قلت): فقد قال النحويون: أفعل [التفضيل] (8) لا يأتي من الخلق، فلا يقال: زيد أعمى من عمرو لأنه لا
__________
(1) في المطبوعة (يعذبهما).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (أو الطمع).
(5) في المخطوطة (ليجيء).
(6) في المخطوطة (من قوله).
(7) في المخطوطة (تزويج).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي الإمالة في الاثنين، وأبي عمرو بالإمالة في الأول فقط وورش بين بين على أصله فيهما، والباقون بالفتح. (الداني، التيسير، ص: 140).(2/324)
يتفاوت! (قلت): إنما جاز في الآية لأنه من عمى القلب، أي من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عما يرى من القدرة الإلهيّة، ولا يؤمن به فهو عما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى أن يؤمن به أي أشدّ عمى. ولا شك أن عمى البصيرة متفاوت.
ومنه قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ} (البقرة: 153) قال: البيهقيّ في «شعب الإيمان» (1): الأشبه أن المراد بالصبر هاهنا الصبر على الشدائد، لأنّه أتبع مدح الصابرين بقوله: {وَلََا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَمْوََاتٌ بَلْ أَحْيََاءٌ}
(البقرة: 154) إلى قوله: {وَبَشِّرِ الصََّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذََا أَصََابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}
(155و 156).
* الثاني: أن يكون بيانه منفصلا عنه في السورة معه أو في غيره، كقوله تعالى:
{مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة: 4) وبيانه في سورة الانفطار، بقوله: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لََا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلََّهِ}
(الانفطار: 1917).
وقوله في سورتي النمل (الآية: 89) والقصص: (الآية: 84): {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهََا} ولم يبيّن في ليل ولا نهار، وبيّنه في سورة الدخان بقوله: {فِي لَيْلَةٍ مُبََارَكَةٍ}
(الآية: 3) ثم بيّنها في ليلة القدر بقوله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (الآية: 1) فالمباركة في الزمان، هي ليلة القدر في هذه السورة لأنّ الإنزال واحد، وبذلك يردّ على من زعم أن المباركة ليلة النصف من شعبان [107/ أ] وعجب كيف غفل عن ذلك. وقد استنبط بعضهم هنا بيانا آخر، وهو أنّها ليلة سبعة عشر، من قوله تعالى: {وَمََا أَنْزَلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا يَوْمَ الْفُرْقََانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعََانِ} (الأنفال: 41) وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان وفي ذلك كلام.
وقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكََافِرِينَ} (المائدة: 54) فسّره في آية الفتح: {أَشِدََّاءُ عَلَى الْكُفََّارِ رُحَمََاءُ بَيْنَهُمْ} (الآية: 29). وقوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبََاسُهُمْ فِيهََا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} (الحج:
23 - و 24) وقد فسره في سورة فاطر: {وَقََالُوا الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنََا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (الآية: 34) وقوله [تعالى] (2) {وَإِذََا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمََا ضَرَبَ لِلرَّحْمََنِ}
__________
(1) تقدم في 1/ 310.
(2) ليست في المطبوعة.(2/325)
{مَثَلًا} (الزخرف: 17) [بيّن] (1) ذلك بقوله في النحل: {وَإِذََا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ََ}
(الآية: 58).
وذكر الله [تعالى] (2) الطلاق مجملا، وفسّره في سورة الطلاق. وقال تعالى: {إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ} (المؤمنون: 6) فاستثنى الأزواج وملك اليمين، ثم حظر تعالى الجمع بين الأختين، وبين الأم والابنة والرابّة بالآية الأخرى (النساء: 33).
ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي مَنْ هُوَ كََاذِبٌ كَفََّارٌ} (الزمر: 3) فإن ظاهره مشكل لأن الله سبحانه قد هدى (3) كفارا [كثيرا] (1) وماتوا مسلمين، وإنّما المراد: لا يهدي من كان في علمه أنه قد حقّت عليه كلمة العذاب، وبيانه بقوله تعالى في السورة:
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذََابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النََّارِ} (الزمر: 19) وقوله في سورة أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جََاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتََّى يَرَوُا الْعَذََابَ الْأَلِيمَ} (يونس: 96و 97).
ومنه قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} (البقرة: 186) وكثير من الناس يدعون فلا يستجاب لهم، وبيانه بقوله تعالى: {بَلْ إِيََّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مََا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شََاءَ} (الأنعام: 41) فبيّن أنّ الإجابة متعلقة بالمشيئة على أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فسّر الإجابة بقوله: «ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلّا أعطاه الله إحدى ثلاث خصال: إمّا أن يعجّل دعوته، وإما أن يدخّرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» (5).
ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ كََانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيََا نُؤْتِهِ مِنْهََا} (الشورى: 20) وكثير من
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ليست في المطبوعة.
(3) في المخطوطة (أهدى).
(5) الحديث أخرجه أحمد في المسند 3/ 18، في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأبو يعلى في المسند 2/ 296، الحديث (46/ 1019) في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. والحاكم في المستدرك 1/ 493، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبيهقي في «شعب الإيمان» (السيوطي، جمع الجوامع ص 728).(2/326)
الناس يريد ذلك فلا يحصل له، وبيانه في قوله (1): {مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعََاجِلَةَ عَجَّلْنََا لَهُ فِيهََا مََا نَشََاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} (الإسراء: 18) فهو كالذي قبله متعلق بالمشيئة (2).
ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللََّهِ} [3] (الرعد: 28) وقال في آية أخرى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال: 2) فإنه قد يستشكل اجتماعهما لأن (4) الوجل خلاف الطمأنينة وهذا غفلة عن المراد لأن الاطمئنان إنما يكون (5) [عن ثلج القلب وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل، والوجل إنما يكون] (5) عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدي، وما يستحق به الوعيد (7) [بتوجيل القلوب كذلك. وقد اجتمعا] (7) في قوله تعالى:
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ ذََلِكَ هُدَى اللََّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشََاءُ} (الزمر: 23) لأن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم، ووثقوا به، فانتفى عنهم الشك والارتياب الذي يعرض إن كان (9) كلامهم فيمن أظهر الإسلام تعوذا، فجعل لهم حكمة دون العلم الموجب لثلج الصدور وانتفاء الشك، ونظائره (10) كثيرة.
ومنه قوله تعالى في قصة لوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [وَاتَّبِعْ أَدْبََارَهُمْ]} [11] وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (الحجر: 65) فلم يستثن امرأته في هذا الموضوع، وهي مستثناة في المعنى بقوله في الآية الأخرى: {فَأَسْرِ} [107/ ب] {بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} (هود: 81) فأظهر الاستثناء في هذه الآية.
وكقوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقََالُوا سَلََاماً قََالَ إِنََّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} (الحجر: 52)
__________
(1) في المخطوطة: (بقوله).
(2) عبارة المخطوطة: (في تعليق للمشيئة).
(3) في المخطوطة زيادة: (سبحانه).
(4) في المخطوطة: (اجتماعهم فإن).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) عبارة المخطوطة: (بتوحيد القلوب لذلك وقد اجتمع).
(9) في المخطوطة: (عن) بدل (إن كان).
(10) في المخطوطة: (ونظير برّه).
(11) سقطت من الأصول والصواب إثباته كما هو نص الآية في المصحف الشريف.(2/327)
اختصر جوابه لبيانه في موضع آخر: {فَقََالُوا سَلََاماً قََالَ سَلََامٌ} (الذاريات: 25) وكقوله:
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} الآية (البقرة: 178) فإنها نزلت تفسيرا وبيانا لمجمل قوله: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (المائدة: 45) لأن هذه لمّا نزلت لم يفهم مرادها. وقوله [تعالى] (1): {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} (النساء: 22) [هي تفسير] (2) لقوله:
{وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ آبََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} الآية (النساء: 22). وقوله: {لِلرِّجََالِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسََاءِ نَصِيبٌ} الآية (النساء: 7)، فإنّ هذه الآية مجملة، لا يعلم منها من يرث من الرجال والنساء بالفرض والتعصيب، ومن يرث ومن لا يرث، ثم بيّنه في آية أخرى بقوله: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} الآيات (النساء:
11).
وكقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ} (المائدة: 1) فهذا الاستثناء مجمل، بيّنه في آية أخرى بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}
(المائدة: 3). وكقوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللََّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} الآية (المائدة: 94) فهذا الابتلاء مجمل لا يعلم أهو (3) في الحلّ أم في الحرم بيّنه قوله: {لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية (المائدة: 95).
وكقوله [تعالى] (4): {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (الروم: 3) وهذا المجمل بيّنه في آية أخرى بقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ََ وَدِينِ الْحَقِّ} الآية (التوبة:
33) وكقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (البقرة: 40) قال العلماء: بيان هذا العهد قوله تعالى: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلََاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكََاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} الآية (المائدة: 12) فهذا عهده عز وجلّ، وعهدهم تمام الآية في قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئََاتِكُمْ} (المائدة: 12) فإذا وفّوا العهد الأول ما وعدوا.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} (الرعد: 43) يردّ عليهم بقوله:
{يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (يس: 31) وقوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذََابَ إِنََّا مُؤْمِنُونَ} (الدخان: 12) فقيل لهم: {وَلَوْ رَحِمْنََاهُمْ وَكَشَفْنََا مََا بِهِمْ}
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) في المطبوعة (أحد).
(4) ليست في المطبوعة.(2/328)
{مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيََانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (المؤمنون: 75) وقيل بل نزل بعده: {إِنََّا كََاشِفُوا الْعَذََابِ} (الدخان: 15) والتقدير: [إنّا] (1) إن كشفنا العذاب تعودوا.
وقوله: {لَوْلََا نُزِّلَ هََذَا الْقُرْآنُ عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف: 31) فردّ عليهم بقوله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ مََا كََانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (القصص: 68) وقوله:
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمََنِ قََالُوا وَمَا الرَّحْمََنُ} (الفرقان: 60) بيانه:
{الرَّحْمََنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (الرحمن: 1و 2) وقوله: {[قََالُوا]} [2] قَدْ سَمِعْنََا لَوْ نَشََاءُ لَقُلْنََا مِثْلَ هََذََا (الأنفال: 31) فقيل لهم:
{لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً]} [2] (الإسراء: 88). وقوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى ََ آلِهَتِكُمْ} (ص: 6) فقيل لهم في الجواب: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنََّارُ مَثْوىً لَهُمْ}
الآية (فصّلت: 24).
ومنه: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} (القمر: 44) فقيل لهم: {مََا لَكُمْ لََا تَنََاصَرُونَ} (الصافات: 25). ومنه: {لَوْ أَطََاعُونََا مََا قُتِلُوا} (آل عمران: 168) فرد عليهم بقوله: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى ََ مَضََاجِعِهِمْ} (آل عمران: 154).
وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} (الطور: 33) ردّ عليهم بقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنََا بَعْضَ الْأَقََاوِيلِ * لَأَخَذْنََا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} (الحاقة: 44و 45). وقوله: {مََا لِهََذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعََامَ} (الفرقان: 7) فقيل لهم: {وَمََا أَرْسَلْنََا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلََّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعََامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوََاقِ} (الفرقان: 20) وقوله: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلََا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وََاحِدَةً} (الفرقان: 32) فقيل في سورة أخرى: {وَقُرْآناً فَرَقْنََاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النََّاسِ عَلى ََ مُكْثٍ} (الإسراء: 106) وقوله:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا إِلى ََ ثَمُودَ أَخََاهُمْ صََالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ فَإِذََا هُمْ فَرِيقََانِ يَخْتَصِمُونَ} (النمل:
45) تفسير هذا الاختصام ما قال في سورة أخرى: {قََالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [108/ أ]
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) ليست في المطبوعة.(2/329)
{مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صََالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} الآية (الأعراف: 75).
وقوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرى ََ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَفِي الْآخِرَةِ} (يونس: 64) وفسّرها في موضع آخر بقوله: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلََائِكَةُ أَلََّا تَخََافُوا وَلََا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30). ومنه حكاية عن فرعون [لعنه الله] (1) {وَمََا أَهْدِيكُمْ إِلََّا سَبِيلَ الرَّشََادِ} (المؤمن: 29) فردّ عليه في قوله: {وَمََا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (هود: 97).
وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللََّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ} (المجادلة: 18) وذكر هذا الحلف (2)
في قوله: {قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23).
وقوله في [قصة نوح عليه السلام] (3) {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} (القمر: 10) بيّن في مواضع أخر: {وَنَصَرْنََاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيََاتِنََا} (الأنبياء: 77). وقوله: {وَقََالُوا قُلُوبُنََا غُلْفٌ}
(البقرة: 88) أي أوعية للعلم، فقيل لهم: {وَمََا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ [إِلََّا]} [4] قَلِيلًا (الإسراء:
85).
وجعل بعضهم من هذا قوله تعالى: {قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (الأعراف: 143) قال: فإن آية البقرة وهي قوله: {حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً} (الآية: 55) تدل على أن قوله:
{رَبِّ أَرِنِي} لم يكن عن نفسه، وإنما أراد به مطالبة قومه، ولم يثبت في التوراة أنه سأل الرؤية إلا وقت حضور قومه معه، وسؤالهم ذلك.
ومن ذلك قوله تعالى: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الفاتحة: 7) بيّنه في آية النساء بقوله: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدََاءِ وَالصََّالِحِينَ} (الآية: 69) فإن قيل: فهلا فسّرها آية مريم: {أُولََئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنََا مَعَ نُوحٍ} (الآية: 58) الآية! قيل لا نسلّم أولا أن هذه الآية في النبيين فقط، لقوله {وَمِمَّنْ حَمَلْنََا مَعَ نُوحٍ} وقوله: {وَمِمَّنْ هَدَيْنََا وَاجْتَبَيْنََا} (مريم: 58) وهذا تصريح
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (الخلاف).
(3) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة والعبارة فيها (وقوله في القمر).
(4) ساقطة من المطبوعة.(2/330)
بالأنبياء (1) وغيرهم. كيف وقد ذكرت مريم وهي صدّيقة (2) على أحد القولين! ولو سلّم أنها في الأنبياء خاصة، فهم بعض من أنعم الله عليهم، وجعلهم في آية النساء صنفا من المنعم عليهم، فكانت آية النساء من حيث هي عامة أولى بتفسير (3) قوله: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الفاتحة: 7) ولأنّ آية مريم ليس فيها إلّا الإخبار (4) بأن الله أنعم عليهم (4)، وذلك هو معنى قوله: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6) والرغبة إلى الله تعالى في الثّبات عليها، هي نفس الطاعة لله ولرسوله، فإن العبد إذا هدي إلى الصراط المستقيم، فقد هدي إلى الطاعة المقتضية أن يكون مع المنعم عليهم. وظهر بهذا أن آية النساء أمسّ (6) بتفسير سورة الحمد من الآية التي في سورة مريم.
فصل
وقد يكون اللفظ مقتضيا لأمر ويحمل (7) على غيره، لأنه أولى بذلك الاسم منه، وله أمثلة (8): منها تفسيرهم السبع {الْمَثََانِي} (الحجر: 87) بالفاتحة مع أنّ الله تعالى أخبر أنّ القرآن كله {مَثََانِيَ} (الزمر: 23).
ومنها قوله عن أهل الكساء (9): «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا (10)»، وسياق القرآن يدلّ على إرادة الأزواج، وفيهنّ نزلت، ولا يمكن (11) خروجهنّ
__________
(1) في المخطوطة (للأنبياء).
(2) في المخطوطة (الصدّيقة).
(3) في المخطوطة (أولا يفسر) بدل (أولى بتفسير).
(4) في المخطوطة (لأن الله تعالى أنعم عليه).
(6) في المخطوطة (ليس له).
(7) في المخطوطة (ويحتمل).
(8) في المخطوطة (الشبه).
(9) تصحفت في المخطوطة إلى (الكتاب).
(10) حديث أهل الكساء الوارد بهذا اللفظ أخرجه الترمذي من حديث عمر بن أبي سلمة 5/ 663، كتاب المناقب (50)، باب مناقب أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم (32)، الحديث (3787). وله شاهد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها 4/ 1883، كتاب فضائل الصحابة (44)، باب فضائل الصحابة (9)، الحديث (61/ 2424)، وانظر تفسير القرطبي 14/ 183182.
(11) في المخطوطة (يبطل).(2/331)
عن الآية، لكن لما أريد دخول غيرهن قيل بلفظ التذكير: {إِنَّمََا يُرِيدُ اللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (الأحزاب: 33) فعلم أن هذه الإرادة شاملة لجميع أهل البيت:
الذكور والإناث، بخلاف قوله {يََا نِسََاءَ النَّبِيِّ} (الأحزاب: 32) ودلّ (1) [حديث الكساء] (2) على أن عليّا وفاطمة أحقّ بهذا الوصف من الأزواج.
ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم عن المسجد الذي أسّس على التقوى: «هو مسجدي هذا (3)» وهو (4)
يقتضي أنّ ما ذكره أحقّ بهذا الاسم من غيره، والحصر المذكور حصر الكمال، كما يقال:
هذا هو العالم العدل، وإلّا فلا شكّ أن مسجد قباء هو ما أسّس (5) على التقوى، وسياق القرآن يدلّ على أنه مراد بالآية.
فصل
وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين (6) [108/ ب] وفي موضع آخر ما يعيّنه لأحدهما، كقوله تعالى في سورة البقرة: {خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَعَلى ََ سَمْعِهِمْ وَعَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌ}
(البقرة: 7) فيحتمل أن يكون السمع معطوفا على {خَتَمَ} ويحتمل الوقف على [قوله] (7)
{قُلُوبِهِمْ} لأن الختم إنما يكون على القلب وهذا أولى، لقوله في الجاثية: {وَخَتَمَ عَلى ََ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى ََ بَصَرِهِ غِشََاوَةً} (الآية: 23).
وقوله تعالى في سورة الحجر: {إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ إِلََّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ}
__________
(1) في المخطوطة (ودخل).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(3) يروى هذا الحديث من ثلاث طرق: عن أبي سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهم * أما طريق أبي سعيد الخدري فأخرجها بأصلها مسلم في الصحيح 2/ 1015، كتاب الحج (15)، باب بيان أن المسجد الذي أسس (96)، الحديث (514/ 1398) ولم يذكر الشاهد وأخرجها أحمد في المسند 3/ 8، والترمذي في السنن 5/ 280، كتاب تفسير القرآن (48)، تفسير سورة (10) التوبة، باب (10) الحديث (3099)، والنسائي في السنن 2/ 36، كتاب المساجد (8)، ذكر المسجد الذي أسس على التقوى (8)، الحديث (697) * وأما طريق أبي بن كعب فأخرجها أحمد في المسند 5/ 116، * وأما طريق سهل بن سعد فأخرجها أحمد في المسند 5/ 331و 335.
(4) في المخطوطة (فإنه).
(5) في المطبوعة (مؤسس).
(6) عبارة المخطوطة (يحتمل المعنيين).
(7) ساقطة من المطبوعة.(2/332)
{الْغََاوِينَ} (الآية: 42) فالاستثناء منقطع لقوله في الإسراء: {إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ وَكَفى ََ بِرَبِّكَ وَكِيلًا} (الآية: 65) ولو كان متصلا لاستثناهم، فلمّا لم يستثنهم دلّ على أنهم لم يدخلوا.
وقوله: {وَجَعَلْنََا مِنَ الْمََاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: 30) فقد قيل: إن حياة كلّ شيء إنّما هو بالماء، قال ابن درستويه (1): وهذا غير جائز في العربية لأنه لو كان المعنى كذلك لم يكن {حَيٍّ} مجرورا ولكان منصوبا، وإنما {حَيٍّ} صفة لشيء. ومعنى الآية:
خلق [جميع] (2) الخلق من الماء، ويدلّ له قوله في موضع آخر: {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ} (3) (النور: 45).
ومما يحتمل قوله تعالى: {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسََّاحِلِ} (طه: 39) فإن {فَلْيُلْقِهِ} يحتمل الأمر والخبر، كأنه قال: «فاقذفيه في اليم يلقيه اليم» ويحتمل أن يكون أمرا (4) بإلقائه.
ومنه قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (المدثر: 11) فإنه يحتمل أن يكون خلقته وحيدا فريدا من ماله وولده. وفي الآية بحث آخر، وهو أن أبا (5) البقاء أجاز فيها، وفي قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} (المزمل: 11) [أن] (6) تكون الواو عاطفة، وهو فاسد لأنه يلزم منه أن يكون الله قد أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتركه، وكأنه قال: اتركني واترك من خلقت وحيدا، وكذلك اتركني واترك المكذّبين، فيتعين أن يكون المراد: خلّ (7) بيني وبينهم، وهي واو «مع» كقوله: «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها».
وقد يكون للفظ ظاهر وباطن، كقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرََا بَيْتِيَ لِلطََّائِفِينَ} (البقرة:
__________
(1) تقدم التعريف به في 1/ 413.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(3) الآية في المخطوطة {وَاللََّهُ خَلَقَكُمْ وَمََا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96].
(4) في المخطوطة (أمر).
(5) في المخطوطة (أمر). وهو تصحيف وهو أبو البقاء العكبري، وقد تقدم التعريف به في 1/ 159. وانظر قوله في كتابه إملاء ما منّ به الرحمن ص 146.
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (دخل).(2/333)
125) ظاهره الكعبة، وباطنه القلب، قال العلماء: ونحن نقطع أن المراد بخطاب إبراهيم الكعبة لكن العالم يتجاوز (1) إلى القلب بطريق الاعتبار عند قوم، والأولى عند آخرين، ومن باطنه إلحاق سائر المساجد به، ومن ظاهره عند قوم العبور فيه.
فصل
ومما يعين (2) على المعنى عند الإشكال أمور:
(أحدها): ردّ الكلمة لضدّها، كقوله تعالى: {وَلََا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}
(الإنسان: 24) [أي «ولا كفورا»] (3) والطريقة أن يردّ النهي منه إلى الأمر، فنقول معنى: «أطع هذا أو هذا»: أطع أحدهما، وعلى هذا معناه في النهي: ولا تطع واحدا منهما.
(الثاني): ردّها إلى نظيرها، كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} (النساء:
11) فهذا عام، وقوله: {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} (النساء: 11) قول حدّ (4) أحد طرفيه وأرخي الطرف الآخر إلى غير نهاية لأن أول ما فوق الثنتين الثلاث وآخره لا نهاية له. وقوله: {وَإِنْ كََانَتْ وََاحِدَةً} (النساء: 11) محدودة الطرفين، فالثنتان خارجتان من هذا الفصل، وأمسك الله [تعالى] (5) عن ذكر الثنتين [وذكر] (6) الواحدة والثلاث وما فوقها. وأما قوله في الأخوات: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهََا نِصْفُ مََا تَرَكَ} (النساء: 176) الآية فذكر الواحدة والاثنتين، وأمسك عن ذكر الثلاث وما (7) فوقهن، فضمّن كلّ واحد من الفصلين ما كفّ عن ذكره في الآخر، فوجب حمل كل واحد منهما فيما أمسك عنه فيه على ما ذكره في غيره.
(الثالث): ما يتصل بها من خبر أو شرط أو إيضاح في معنى آخر، كقوله تعالى:
{مَنْ كََانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلََّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} (فاطر: 10) يحتمل أن يكون معناها [109/ أ]
__________
(1) في المخطوطة (لم يتجاوز).
(2) في المخطوطة (يتعين).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (خذ).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (وأما).(2/334)
من كان يريد أن يعزّ أو تكون العزة (1) له لكن قوله تعالى: {فَلِلََّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} (فاطر:
10) يحتمل أن يكون معناها: من كان يريد أن يعلم لمن العزة، فإنها لله.
وكذلك قوله: {إِنَّمََا جَزََاءُ الَّذِينَ يُحََارِبُونَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة: 33) فإنه لا دلالة فيها على الحال التي هي شرط في عقوبته المعيّنة، وأنواع المحاربة والفساد كثيرة، وإنما استفيدت الحال من الأدلة الدالة على أن القتل على من قتل ولم يأخذ المال، والصّلب على من جمعهما، والقطع على من أخذ المال ولم يقتل، والنّفي على من لم يفعل شيئا من ذلك سوى السعي في الأرض بالفساد.
(الرابع): دلالة السياق، فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظراته، وانظر (2) إلى قوله تعالى:
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49) كيف تجد سياقه يدلّ على أنه الذليل الحقير.
(الخامس): ملاحظة النقل عن المعنى الأصلي، وذلك أنه قد يستعار الشيء لمشابهه (3) ثم يستعار من المشابه لمشابه المشابه، ويتباعد عن المسمّى الحقيقي بدرجات، فيذهب عن الذهن الجهة المسوّغة لنقله من الأول إلى الآخر وطريق معرفة ذلك بالتدريج، كقوله تعالى: {لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 28) وذلك أنّ أصل «دون» للمكان الذي هو أنزل من مكان غيره، ومنه الشيء الدون للحقير، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب، فقيل: زيد دون عمرو في العلم والشرف، ثم اتسع فيه، فاستعير في كل ما يتجاوز حدّا إلى حدّ، وتخطّى حكما إلى [حكم] (4) آخر، كما في الآية المذكورة، والتقدير: لا تتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.
وكذلك قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدََاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ} (البقرة: 23) أي تجاوزوا [الله] (5) في دعائكم إلى دعاء آلهتكم، الذين تزعمون أنهم يشهدون لكم يوم القيامة، أي لا
__________
(1) في المخطوطة (يكون العز).
(2) في المخطوطة (فانظر).
(3) في المخطوطة (للمشابهة).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.(2/335)
تستشهدوا (1) بالله فإنها حجة يركن إليها العاجز عن البينات من الناس، بل ائتوا ببيّنة تكون حجة عند الحكام. وهذا يؤذن بأنه لم يبق لهم تشبث سوى قولهم: «الله يشهد لنا عليكم» هذا إذا جعلت {مِنْ دُونِ اللََّهِ} متعلقا ب {ادْعُوا} فإن جعلته متعلقا ب {شُهَدََاءَكُمْ}
احتمل معنيين: أحدهما أن يكون المعنى: ادعوا الّذين تجاوزتم في زعمكم شهادة الله، أي شهادتهم لكم يوم القيامة، والثاني على أن يراد (2) بشهدائكم آلهتكم، أي ادعوا الذين تجاوزتم في اتخاذكم ألوهية الله، إلى ألوهيتهم.
ويحتمل أن يكون التقدير: {مِنْ دُونِ اللََّهِ} أي من غير المؤمنين يشهدون (3) لكم أنكم آمنتم بمثله وفي هذا إرخاء عنان الاعتماد على أن فصحاءهم تأنف نفوسهم من مساجلة الحق الجليّ بالباطل اللجلجيّ (4)، وتعليقه ب {ادْعُوا} على هذا جائز.
ومنه قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ} (البقرة: 259) فإنه عطفه على قوله:
{أَلَمْ تَرَ} (البقرة: 258) لأنها بمعنى «هل رأيت».
(السادس): معرفة النزول، وهو من أعظم المعين على فهم المعنى، وسبق منه في أول الكتاب جملة (5)، وكانت الصحابة والسلف يعتمدونه، وكان عروة بن الزبير، قد فهم من قوله تعالى: {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} (البقرة: 158) (6) [أنّ السعي ليس بركن، فردت عليه عائشة ذلك وقالت: لو كان كما قلت، لقال: «فلا جناح عليه ألّا يطوف بهما»] (6)، وثبت أنه إنما أتى بهذه الصيغة لأنه كان وقع فزع في قلوب طائفة من الناس كانوا يطوفون قبل ذلك بين الصفا والمروة للأصنام، فلما جاء الإسلام، كرهوا [109/ ب] الفعل الذي كانوا يشركون به، فرفع الله ذلك الجناح من قلوبهم، وأمرهم بالطواف رواه البخاري في «صحيحه» (8). فثبت أنها نزلت ردّا على من كان يمتنع من السعي.
__________
(1) في المخطوطة (لا تشهدوا).
(2) في المخطوطة (المراد).
(3) في المخطوطة (يشهدوا).
(4) في المخطوطة (الجلجي).
(5) راجع النوع الأول من الكتاب معرفة أسباب النزول في 1/ 115.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) انظر صحيح البخاري 3/ 497، كتاب الحج (25)، باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله(2/336)
ومن ذلك قصة مروان بن الحكم [في] (1) سؤاله ابن عباس: «لئن كان كلّ امرئ فرخ بما أوتي وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذّبا لنعذّبنّ أجمعون! فقال ابن عباس: هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب، ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنََّاسِ وَلََا تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران: 187) وتلا: {لََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمََا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمََا لَمْ يَفْعَلُوا} (آل عمران: 188) قال ابن عباس: سألهم النبي صلّى الله عليه وسلّم عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا (2)
بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه» (3). وقد سبق فيه كلام في النوع الأول في معرفة سبب النزول فاستحضره.
ومن هذا ما قاله الشافعي (4) في قوله تعالى: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}
(الأنعام: 145) «أنه لا متمسك فيها لمالك (5) على العموم لأنهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن
__________
(79)، الحديث (1643). قال عروة «سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها أرأيت قول الله تعالى {إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصّفا والمروة. قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما، ولكنّها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلّل، فكان من أهلّ يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة، فلمّا أسلموا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك قالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ} الآية. قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إنّ هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أنّ الناس إلّا من ذكرت عائشة ممن كان يهلّ بمناة كانوا يطوفون كلّهم بالصفا والمروة، فلمّا ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنّا نطوف بالصفا والمروة، وإنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن تطّوّف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ} الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرّجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أنّ الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت».
(1) ليست في المطبوعة.
(2) في المخطوطة (واستحمدوه).
(3) تقدم هذا الحديث في 1/ 121.
(4) تقدم قوله مفصلا في 1/ 117.
(5) في المخطوطة (الملك).(2/337)
أشياء فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء، وحكاه غير سعيد بن جبير.
(السابع): السلامة من التدافع، كقوله تعالى: {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (التوبة: 122) فإنه يحتمل أن الطوائف لا تنفر من أماكنها وبواديها جملة، بل بعضهم لتحصيل التفقّه بوفودهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإذا رجعوا إلى قومهم أعلموهم بما حصل لهم. والفائدة في كونهم لا ينفرون جميعا عن بلادهم حصول المصلحة في حفظ (1) من يتخلف من بعضهم ممّن لا يمكن نفيره (2).
ويحتمل أن يكون المراد بالفئة النافرة هي من تسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه وسراياه والمعنى حينئذ (3): أنه ما كان لهم أن ينفروا أجمعين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه لتحصيل (4) المصالح المتعلقة ببقاء من يبقى في المدينة، والفئة (5) النافرة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تتفقه في الدين بسبب ما يؤمرون به ويسمعون منه (6) فإذا رجعوا إلى من بقي بالمدينة (7)
أعلموهم بما حصل لهم في صحبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم من العلم. والاحتمالان قولان للمفسرين.
قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد (8): والأقرب عندي هو الاحتمال الأول: لأنا لو حملناه على [الاحتمال] (9) الثاني لخالفه ظاهر قوله تعالى: {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللََّهِ وَلََا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (التوبة:
120). وقوله تعالى (10): {فَانْفِرُوا ثُبََاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} (النساء: 71) فإن ذلك
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (خفض).
(2) في المخطوطة (غيرهم).
(3) في المخطوطة (ح)، ويرمز بها عند النسّاخ اختصارا لحينئذ.
(4) في المخطوطة (لتحصل).
(5) في المخطوطة (فيأتوا).
(6) في المخطوطة (منهم).
(7) في المخطوطة (من المدينة).
(8) هو محمد بن علي بن وهب المنفلوطي المصري المالكي ثم الشافعي المعروف بابن دقيق العيد كان إماما متفننا فقيها أصوليا وافر العقل تام الورع وله اليد الطولى في الفروع والأصول وبصير بعلم المنقول والمعقول قرأ مذهب مالك ثم مذهب الشافعي ودرس بالفاضلية فيهما. من مصنفاته «الاقتراح» في علوم الحديث «وشرح مقدمة المطرزي» في أصول الفقه وغيرهما. ت 702هـ (الدرر الكامنة 4/ 91).
(9) ساقطة من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (وقال) بدل (وقوله تعالى).(2/338)
يقتضي إما طلب الجميع بالنفير، أو إباحته وذلك في ظاهره يخالف النهي عن نفر الجميع، وإذا تعارض محملان (1) يلزم من أحدهما معارضته ولا يلزم من الآخر، فالثاني أولى (2).
[ولا] (3) نعني بلزوم التعارض لزوما لا يجاب (4) عنه، ولا يتخرّج على وجه مقبول بل [ما] (3) هو أعمّ من ذلك فإنّ ما أشرنا إليه من الآيتين يجاب عنه (6) بحمل {أَوِ} في قوله: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} (النساء: 71) على التفصيل دون التخيير، كما رضيه (7) بعض المتأخرين من النحاة، فيكون نفيرهم {ثُبََاتٍ} مما لا تدعو الحاجة إلى نفيرهم فيه {جَمِيعاً} ونفيرهم {جَمِيعاً} فيما تدعو الحاجة إليه، ويحمل قوله: {مََا كََانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللََّهِ} (التوبة: 120) على ما إذا كان الرسول هو النافر للجهاد ولم تحصل الكفاية [110/ أ] إلا بنفير الجميع ممّن يصلح للجهاد، فهذا أولى من قول من يقول بالنسخ أو أن تكون هذه الآية ناسخة لما اقتضى النفير جميعا.
ومن المفسرين من يقول: إن منع النفير جميعا حيث يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، فليس لهم أن ينفروا جميعا ويتركوه وحده. والحمل أيضا على هذا التفسير الذي ذكرناه أولى من هذا لأن اللفظ يقتضي أن نفيرهم للتفقه في الدين والإنذار، ونفيرهم مع بقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [بعدهم] (8) لا يناسبه التعليل بالتفقه في الدين إذ التفقه منه صلّى الله عليه وسلّم وتعلّم الشرائع من جهته، فكيف يكون خروجهم عليه معلّلا للتفقه في الدين.
ومنه قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16) فإنه يحتمل أن يكون من باب التسهيل والتخفيف، ويحتمل أن يكون من باب التشديد بمعنى أنه (9) ما وجدت الاستطاعة {فَاتَّقُوا} أي لا تبقى من الاستطاعة شيء. وبمعنى (10) التخفيف يرجع إلى أن المعنى:
{فَاتَّقُوا اللََّهَ} ما تيسر عليكم، أو ما أمكنكم من غير عسر. قال الشيخ تقي الدين
__________
(1) في المخطوطة (مجملان).
(2) في المخطوطة (الأولى).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (يجب).
(6) في المخطوطة (عنهم).
(7) في المخطوطة (وصفه).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (أينما).
(10) في المخطوطة (فتعين).(2/339)
القشيري (1): «ويصلح معنى التخصيص قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (2).
فصل
وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين، وهو في أحدهما أظهر، فيسمى الراجح ظاهرا، والمرجوح مؤولا. مثال المؤول قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مََا كُنْتُمْ} (الحديد: 4) فإنه يستحيل حمل المعيّة على القرب بالذات، فتعيّن صرفه عن ذلك، وحمله إما على الحفظ والرعاية، أو على القدرة والعلم والرؤية، كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: 16) وكقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسراء: 24) فإنه يستحيل حمله على الظاهر، لاستحالة أن يكون آدميّ له أجنحة، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق. وكقوله [تعالى] (3): {وَكُلَّ إِنسََانٍ أَلْزَمْنََاهُ طََائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء:
13) يستحيل أن يشدّ في القيامة في عنق كلّ طائع وعاص وغيرهما طير من الطيور، فوجب حمله على التزام الكتاب في الحساب لكلّ واحد منهم بعينه.
ومثال الظاهر قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ} (الأنعام: 145) فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهو فيه أظهر وأغلب، كقوله تعالى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللََّهُ} (الحج: 60). وقوله: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} (البقرة: 222) فيقال للانقطاع طهر، وللوضوء والغسل غير أن الثاني أظهر. وكقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلََّهِ} (البقرة: 196) فيقال: للابتداء التمام وللفراغ (4) غير أن الفراغ أظهر.
وقوله تعالى: {فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (الطلاق: 2) فيحتمل أن يكون الخيار في الأجل أو بعده (5) [والظاهر الأول، لكنه يحمل على أنه مفارقة الأجل.
وقوله: {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} (البقرة: 158)] (5) والظاهر يقتضي حمله
__________
(1) هو محمد بن علي بن وهب أبو الفتح تقي الدين القشيري تقدم التعريف به في 2/ 338
(2) الحديث أخرجه عن أبي هريرة رضي الله عنه مسلم في الصحيح 2/ 975، كتاب الحج (15)، باب فرض الحج مرة في العمر (73)، الحديث (412/ 1337).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) في المطبوعة (والفراغ).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/340)
على الاستحباب، لأن قوله: {فَلََا جُنََاحَ} بمنزلة قوله: «لا بأس» وذلك لا يقتضي الوجوب ولكن هذا الظاهر متروك بل هو واجب، لأن طواف الإفاضة واجب، ولأنه ذكره بعد التطوع فقال: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} [1] [فَإِنَّ اللََّهَ شََاكِرٌ عَلِيمٌ] (1) فدلّ على أن النهي السابق نهي عن ترك واجب، لا [نهي عن ترك] (3) مندوب أو مستحبّ.
وقد يكون الكلام ظاهرا في شيء فيعدل به عن الظاهر بدليل آخر، كقوله تعالى:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} (البقرة: 197) والأشهر اسم لثلاثة، لأنه أقل الجمع. وكقوله تعالى: {فَإِنْ كََانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (النساء: 11) فالظاهر اشتراط ثلاثة من الإخوة لكن قام الدليل من خارج على أن المراد اثنان، لأنهما يحجبانها [110/ ب] عن الثلث إلى السدس.
فصل
قد يكون اللفظ مشتركا بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز، ويصح حمله عليهما جميعا كقوله تعالى: {لََا يُضَارَّ كََاتِبٌ وَلََا شَهِيدٌ} (البقرة: 282) قيل: المراد «يضارر» (4) وقيل:
(5) [«يضارر» أي الكاتب والشهيد لا يضارر، فيكتم الشهادة والخطّ وهذا أظهر.
ويحتمل أن من دعا الكاتب والشهيد لا] (5) يضارره فيطلبه في وقت فيه ضرر.
وكذلك قوله: {لََا تُضَارَّ وََالِدَةٌ بِوَلَدِهََا} (البقرة: 233) فعلى هذا يجوز أن يقال:
أراد الله [تعالى] (7) بهذا اللفظ كلا المعنيين على القولين أما إذا قلنا بجواز (8) استعمال المشترك في معنييه فظاهر، وأما إذا قلنا بالمنع، [فبأن] (9) يكون اللفظ قد خوطب به مرتين: مرة أريد هذا ومرة هذا، وقد جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه: «لا يفقه الرجل
__________
(1) تمام الآية ليس في المطبوعة.
(3) ليس في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (يضار).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) ليست في المطبوعة.
(8) في المخطوطة (يجوز).
(9) ساقطة من المخطوطة وما بعدها (فيكون) في المخطوطة.(2/341)
كل الفقه حتى [يرى] (1) للقرآن وجوها كثيرة» (2). رواه أحمد. أي [يريد] (3) اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة، ولا يقتصر به على ذلك (4) (العلم أنه يصلح لهذا ولهذا فإذا كانت المعاني ليست متضادة بل كلها حق صلح أن يقال يحتمل من الآية هذا وهذا) (4).
وقال ابن القشيري في مقدمة (6) «تفسيره»: ما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه، وما احتمل معنيين فصاعدا بأن وضع لأشياء متماثلة، كالسواد حمل على الجنس عند الإطلاق وإن وضع لمعان مختلفة فإن ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر إلا أن يقوم الدليل، وإن استويا، سواء كان الاستعمال فيهما حقيقة أو مجازا أو في أحدهما حقيقة وفي الآخر (7)
مجازا كلفظ العين والقرء واللمس، فإن تنافى الجمع بينهما فهو مجمل، فيطلب البيان من غيره، وإن لم يتناف، فقد مال قوم إلى الحمل على المعنيين، والوجه التوقف فيه، لأنه ما وضع للجميع، بل وضع لآحاد مسمّيات على البدل، وادعاء إشعاره بالجميع بعيد نعم يجوز أن يريد المتكلم به جميع المحامل ولا يستحيل ذلك عقلا، وفي مثل هذا يقال: يحتمل أن يكون المراد كذا، ويحتمل أن يكون كذا».
(فصل)
وقد ينفى الشيء ويثبت باعتبارين كما سبق في قوله [تعالى] (8): {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} (الأنفال: 17) ثم أثبته لسرّ غامض وهو أنّ الرمي الثاني غير الأول فإن الأول عنى به الرمي بالرعب، والثاني عنى به بالتراب حين رمى النبي صلّى الله عليه وسلّم في وجوه أعدائه بالتراب والحصى وقال: «شاهت الوجوه» (9) فانهزموا، فأنزل الله يخبره أن انهزامهم لم يكن لأجل التراب، وإنما هو بما أوقع في قلوبهم من الرعب.
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) الحديث تقدم تخريجه في 2/ 87.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) اضطربت العبارة في المطبوعة كالتالي (المعنى بل يعلم أنه يصلح لهذا وهذا).
(6) هو عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري تقدم التعريف به وبكتابه في 2/ 248.
(7) في المخطوطة (الثاني).
(8) ليست في المخطوطة.
(9) الحديث من رواية إياس بن سلمة عن أبيه، أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1402، كتاب الجهاد والسير (32)، باب في غزوة حنين (28)، الحديث (81/ 1777).(2/342)
(فصل)
وأما ما فيه من الإجمال في الظاهر فكثير، وله أسباب:
(أحدها): أن يعرض (1) من ألفاظ (2) مختلفة مشتركة وقعت في التركيب، كقوله [تعالى] (3): {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (القلم: 20) قيل: معناه كالنهار مبيضة لا شيء فيها، وقيل كالليل مظلمة لا شيء فيها. وكقوله: {وَاللَّيْلِ إِذََا عَسْعَسَ} (التكوير: 17) قيل: أقبل، وأدبر.
وكالأمّة في قوله تعالى: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً [مِنَ النََّاسِ]} (4) (القصص: 23) [بمعنى الجماعة] (3)، و [في] (3) قوله: {إِنَّ إِبْرََاهِيمَ كََانَ أُمَّةً} (النحل: 120) بمعنى الرجل الجامع للخير المقتدى [به] (3). وبمعنى الدّين في قوله [تعالى] (8): {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ} (الزخرف: 22و 23) وبمعنى الزمان في قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}
(يوسف: 45).
وكالذرية فإنها في الاستعمال العرفي «الأدنى» ومنه: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ}
(الأنعام: 84) وقد يطلق على «الأعلى» بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ آدَمَ}
الآية (آل عمران: 33) ثم قال: {ذُرِّيَّةً} (آل عمران: 34) وبها يجاب عن الإشكال المشهور في قوله تعالى: {حَمَلْنََا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (يس: 41) على بحث فيه (9).
وقال مكيّ في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} (الزخرف: 81) أي أول من يعبد الله. ومن قال: «الآنفين» (10) [111/ أ] فقوله (11) مردود، لأنه يلزم أن يكون العبدين لأنه إنما يقال: عبد من كذا، أي أنف.
__________
(1) في المخطوطة (تعرض).
(2) في المخطوطة (ألفاظه).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) انظر البحر المحيط لأبي حيان 3/ 338. تفسير سورة (يس).
(10) في المخطوطة (إن لا).
(11) في المخطوطة (فإنه).(2/343)
(الثاني) (1): من حذف في الكلام (1)، كقوله [تعالى] (3): {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} (النساء: 127) قيل معناه ترغبون في نكاحهنّ لمالهنّ. وقيل معناه: عن نكاحهنّ لزمانتهنّ، وقلّة مالهنّ: والكلام يحتمل الوجهين لأن العرب تقول: رغبت عن الشيء إذا زهدت فيه، ورغبت في الشيء إذا حرصت (4) عليه، فلما ركّب الكلام تركيبا حذف معه حرف الجرّ احتمل التأويلين جميعا. وجعل منه بعضهم قوله تعالى في سورة النساء: {فَمََا لِهََؤُلََاءِ الْقَوْمِ لََا يَكََادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مََا أَصََابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللََّهِ}
(الآيتان: 78و 79) أي يقولون: {مََا أَصََابَكَ}، قال: ولولا هذا التقدير لكان مناقضا لقوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} (النساء: 78). وقوله: {وَآتَيْنََا ثَمُودَ النََّاقَةَ مُبْصِرَةً}
(الإسراء: 59) [أي آية مبصرة] (5)، فظلموا أنفسهم بقتلها، وليس المراد أنّ الناقة كانت مبصرة لا عمياء.
(الثالث): من تعيين الضمير، كقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ}
(البقرة: 237) فالضمير في {بِيَدِهِ} يحتمل عوده على الوليّ وعلى الزوج، ورجّح الثاني لموافقته للقواعد، فإن الوليّ لا يجوز [له] (6) أن يعفو عن مال يتيمه بوجه من الوجوه، وحمل الكلام المحتمل على القواعد الشرعية أولى. (فإن قيل): لو كان خطابا للأزواج لقال «إلا أن تعفوا» بالخطاب لأن صدر الآية خطاب [لهم] (5) بقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}
(البقرة: 237) إلى قوله: {فَنِصْفُ مََا فَرَضْتُمْ} (البقرة: 237) (قلنا): هو التفات من الخطاب إلى الغيبة، وهو من أنواع البديع (8).
ومنه قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصََّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر: 10) فيحتمل أن يكون الضمير [الفاعليّ] (9) الذي في {يَرْفَعُهُ} عائدا على العمل، والمعنى أن الكلم الطيب، وهو التوحيد، يرفع العمل الصالح لأنه لا تصلح (10) الأعمال إلا مع الإيمان. ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على الكلم، ويكون معناه أن العمل الصالح هو
__________
(1) العبارة في المخطوطة (حذف من الكلام).
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المخطوطة (صرت).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) ساقطة من المطبوعة.
(8) في المخطوطة (البعيد).
(9) ساقطة من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (تصح).(2/344)
الذي يرفع الكلم الطيب وكلاهما صحيح لأن الإيمان فعل وعمل ونية لا يصح بعضها إلا ببعض.
وقوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} (العاديات: 4و 5) فالهاء الأولى كناية عن الحوافر وهي موريات، أي أثرن بالحوافر نقعا، والثانية كناية عن الإغارة، أي المغيرات صبحا {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} (الآية: 5) جمع المشركين، فأغاروا بجمعهم.
وقد صنف ابن الأنباري كتابا في تعيين الضمائر الواقعة في القرآن في مجلدين (1) (الرابع): من مواقع الوقف والابتداء (2)، كقوله تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (آل عمران: 7) فقوله: {الرََّاسِخُونَ}، [يحتمل أن] (3) يكون معطوفا على اسم الله تعالى، ويحتمل أن يكون [ابتداء] (3) كلام. وهذا الثاني هو الظاهر ويكون حذف «أما» المقابلة (5) كقوله [تعالى] (6): {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} (آل عمران: 7) ويؤيده آية البقرة: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مََا ذََا أَرََادَ اللََّهُ بِهََذََا مَثَلًا} (الآية: 26).
(الخامس): من جهة (7) غرابة اللفظ كقوله تعالى: {فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ} (البقرة:
232) {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ} (الحج: 11) {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} (آل عمران: 39) وغير ذلك مما صنّف فيه العلماء من كتب غريب القرآن (8).
(السادس): من جهة كثرة استعماله الآن، كقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 37). [و {يُلْقُونَ السَّمْعَ]} [9] وَأَكْثَرُهُمْ كََاذِبُونَ (الشعراء: 223)
__________
(1) وهو «كتاب المذكر والمؤنث» لابن الأنباري، محمد بن القاسم بن بشار، أبي بكر (ت 328هـ) طبع بتحقيق د. طارق عبد عون الجنابي في وزارة الأوقاف العراقية ببغداد ط 1، 1398هـ / 1978م في 2مج، 911ص، وأعيد طبعه بدار الرائد العربي في بيروت ط 2، 1406هـ / 1986م.
(2) راجع النوع الرابع والعشرون من هذا الكتاب 1/ 324.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (قبله).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) في المخطوطة (وجه).
(8) راجع النوع الثامن عشر من هذا الكتاب 1/ 291.
(9) ليست في المخطوطة.(2/345)
بمعنى «يسمعون» ولا يقول أحد الآن (1): ألقيت سمعي. وكذا قوله [111/ ب]: {ثََانِيَ عِطْفِهِ} (الحج: 9) أي متكبرا. وقوله: {أَلََا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} (هود: 5) أي يسرّون ما في ضمائرهم. وكذا: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} أي نادما (الكهف: 42). وكذا:
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوََاهِهِمْ} (إبراهيم: 9) أي لم يتلقوا النعم بشكر.
(السابع): من جهة التقديم والتأخير، كقوله تعالى: {وَلَوْلََا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكََانَ لِزََاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى} (طه: 129) تقديره: «ولو (2) كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما» ولولا هذا التقدير لكان منصوبا كاللزام (3). وقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهََا} (الأعراف: 187) أي يسألونك عنها كأنك [حفيّ] (4). وقوله: {لَهُمْ دَرَجََاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} (الأنفال: 4و 5) فهذا غير متصل وإنما هو عائد على قوله: {قُلِ الْأَنْفََالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ} (الأنفال: 1) {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ} (الأنفال: 5) فصارت أنفال الغنائم لك إذ أنت راض بخروجك وهم كارهون، فاعترض بين الكلام الأمر بالتقوى وغيره.
وقوله: {حَتََّى تُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَحْدَهُ إِلََّا قَوْلَ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ} (الممتحنة: 4) معناه «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم (5) [إنا برآء إلا قول إبراهيم لأبيه] (5)».
(الثامن): من جهة المنقول المنقلب، كقوله تعالى: {وَطُورِ سِينِينَ} (التين: 2) أي طور سينا» (7). وقوله: {سَلََامٌ عَلى ََ إِلْ يََاسِينَ} (الصافات: 130) أى إلياس (8)، وقيل: «إدريس» وفي حرف ابن مسعود: «إدراسين» (9).
(التاسع): المكرر القاطع لوصل الكلام في الظاهر، كقوله تعالى: {وَمََا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ}
__________
(1) عبارة المخطوطة (أحدهم لأن).
(2) في المخطوطة (لولا).
(3) في المطبوعة (كالإلزام).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(7) في المخطوطة (بطور سينا).
(8) في المطبوعة (الناس).
(9) تصحفت في المخطوطة إلى (إدراس) وفي المطبوعة إلى (إدراس) والتصويب من كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 69، مصحف عبد الله بن مسعود، سورة الصافات.(2/346)
{مِنْ دُونِ اللََّهِ شُرَكََاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (يونس: 66) معناه يدعون من دون الله شركاء إلا الظن. وقوله تعالى: {قََالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}
(الأعراف: 75) معناه «الذين استكبروا لمن آمن من الذين استضعفوا».
فصل فيما ورد فيه مبيّنا للإجمال
اعلم أنّ الكتاب هو القرآن المتلوّ وهو إما نص، وهو ما لا يحتمل إلا معنى، كقوله تعالى: {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} (البقرة: 196) وإما ظاهر وهو ما دلّ على معنى مع تجويز غيره.
(1) والرافع لذلك الاحتمال (1) قرائن لفظية ومعنوية، واللفظية تنقسم إلى متصلة ومنفصلة. أما المتصلة فنوعان: نوع يصرف اللفظ إلى غير الاحتمال الذي لولا القرينة لحمل عليه، ويسمى تخصيصا وتأويلا ونوع يظهر به المراد من اللفظ ويسمى بيانا.
(فالأول) كقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبََا} (البقرة: 275) فإنه دلّ على أن المراد من قوله سبحانه. {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} (البقرة: 275) البعض دون الكلّ الذي هو ظاهر بأصل الوضع، وبين أنه ظاهر في (3) الاحتمال الذي دلت عليه القرينة في سياق الكلام. وللشافعي رحمه الله قول بإجمال البيع لأن الربا مجمل، وهو في حكم المستثنى من البيع، واستثناء المجهول من المعلوم يعود بالإجمال (4) على أصل الكلام. والصحيح الأول فإن الربا عام في الزيادات كلّها، وكون البعض غير مراد نوع تخصيص فلا تتغير به دلالة الأوضاع.
(ومثال النوع الثاني) قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} (البقرة: 187) فإنه فسّر مجمل قوله تعالى: {حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (البقرة: 187) إذ لولا {مِنَ الْفَجْرِ} لبقي الكلام الأول على تردّده وإجماله. وقد ورد أن بعض الصحابة كان يربط في رجله الخيط الأبيض والأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له لونهما، فأنزل الله تعالى بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنه أراد الليل والنهار (5).
__________
(1) العبارة في المخطوطة (والواقع كذلك لاحتمال).
(3) في المخطوطة (من).
(4) في المخطوطة (بإجماع).
(5) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 132، كتاب الصوم (30)، باب قول الله تعالى {وَكُلُوا}(2/347)
وأما اللفظية المنفصلة فنوعان أيضا: تأويل وبيان.
(فمثال الأول) قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهََا فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى} [112/ أ] {تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (البقرة: 230) فإنه دلّ على أن المراد بقوله تعالى: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ}
(البقرة: 229) الطلاق الرجعيّ، إذ لولا هذه القرينة لكان الكلّ منحصرا في الطلقتين وهذه القرينة وإن كانت مذكورة في سياق ذكر الطلقتين إلا أنها جاءت في آية أخرى، فلهذا جعلت من قسم المنفصلة.
(ومثال الثاني) قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ * إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} (القيامة:
22 - و 23) فإنه دلّ على جواز الرؤية، ويفسّر به قوله تعالى: {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ}
(الأنعام: 103) حيث كان مترددا بين نفي الرؤية أصلا وبين نفي الإحاطة والحصر دون أصل الرؤية. وأيضا قوله تعالى: {كَلََّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (المطففين: 15) فإنه لما حجب الفجار عن رؤيته خزيا لهم دلّ على إثباتها للأبرار، وارتفع به الإجمال في قوله: {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ} (الأنعام: 103).
وأما القرائن المعنوية فلا تنحصر ومن مثله قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: 228) فإن صيغته صيغة الخبر ولكن لا يمكن حمله على حقيقته، (1) فإنهنّ قد لا يتربّصن (1) فيقع خبر الله بخلاف مخبره وهو محال، فوجب اعتبار هذه القرينة حمل الصيغة على معنى الأمر صيانة لكلام الله تعالى عن احتمال المحال. ونظائره كثيرة فيما ورد من صيغة الخبر والمراد بها الأمر.
__________
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) الآية (16) الحديث (1917).
ومسلم في الصحيح 2/ 767، كتاب الصيام (13)، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (8)، الحديث (35/ 1091). ولفظ الحديث كما ذكره البخاري: عن سهل بن سعد، رضي الله عنه قال: «أنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل: {مِنَ الْفَجْرِ} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنّه إنما يعني الليل والنهار».
(1) العبارة في المخطوطة (فإنها قد لا تتربّص).(2/348)
النوع الثاني والأربعون (1) معرفة (2) وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن
يأتي على نحو من أربعين وجها:
* (الأول): خطاب العام المراد به العموم:
كقوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7) وقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ النََّاسَ شَيْئاً} (يونس: 44) وقوله:
{وَلََا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (الكهف: 49) وقوله: {اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (الروم: 40) {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} (غافر: 67) {اللََّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرََاراً} (المؤمن: 64) وهو كثير في القرآن. {يََا أَيُّهَا الْإِنْسََانُ مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (الانفطار: 6).
* (الثاني) خطاب الخاص والمراد به الخصوص:
من [ذلك] (3) قوله تعالى:
{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} (آل عمران: 106) {هََذََا مََا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} (التوبة: 35) {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49) {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}
(المائدة: 67) وقوله: {فَلَمََّا قَضى ََ زَيْدٌ مِنْهََا وَطَراً زَوَّجْنََاكَهََا لِكَيْ لََا [يَكُونَ]} [4]
(الأحزاب: 37) وغير ذلك.
* (الثالث): خطاب الخاص والمراد به العموم:
كقوله تعالى: (5) [{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} (الطلاق: 1) فافتتح الخطاب بالنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد سائر من يملك الطلاق.
ومنه قوله تعالى] (5) {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ اللََّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمََا مَلَكَتْ}
__________
(1) هذا بحث أصولي، للتوسع فيه يمكن الرجوع لكتب أصول الفقه.
(2) في المطبوعة (في).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.(2/349)
{يَمِينُكَ مِمََّا أَفََاءَ اللََّهُ عَلَيْكَ وَبَنََاتِ عَمِّكَ وَبَنََاتِ عَمََّاتِكَ وَبَنََاتِ خََالِكَ وَبَنََاتِ خََالََاتِكَ اللََّاتِي هََاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرََادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهََا خََالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب: 50) وقال أبو بكر الصيرفي (1): كان ابتداء الخطاب له، فلما قال في الموهوبة: {خََالِصَةً لَكَ} (الأحزاب: 50) علم أن ما قبلها له ولغيره صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله تعالى: {وَإِذََا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلََاةَ} (النساء: 102) وجرى أبو يوسف (2) على الظاهر فقال: «إن صلاة الخوف من خصائص (3) النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأجاب الجمهور بأنه لم يذكر {فِيهِمْ} على أنه شرط، بل على أنه صفة حال والأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن (4). وقد يخرج على غير (5) معيّن ليفيد (5) العموم كقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنََّاتٍ} (البقرة: 25) وفائدته الإيذان بأنه خليق بأن يؤمر به كل أحد ليحصل مقصوده الجميل.
وكقوله: {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ فَزِعُوا فَلََا فَوْتَ} (سبأ: 51) أخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم، للقصد إلى تفظيع حالهم، وأنها تناهت (7) في الظهور حتى امتنع خفاؤها فلا نخص (8) بها رؤية راء، بل [112/ ب] كل من يتأتّى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب، كقوله تعالى: {(9) [وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَ]} [9] رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (الإنسان: 20) لم يرد به مخاطب معيّن، بل عبّر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل (11)، مبالغة فيما قصد الله من وصف ما في ذلك المكان من النعيم والملك، ولبناء الكلام في الموضعين على العموم لم يجعل ل: {تَرى ََ} ولا ل: {رَأَيْتَ} مفعولا ظاهرا ولا مقدرا ليشيع ويعمّ.
وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (السجدة:
. __________
(1) هو محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي تقدم ذكره في 1/ 380.
(2) أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة النعمان.
(3) في المخطوطة (صلاة).
(4) في المخطوطة (لمعنى).
(5) في المخطوطة (معنى التقييد).
(7) في المخطوطة (تنامت).
(8) في المخطوطة (يختص)
(9) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(11) في المخطوطة (مدخلا).(2/350)
12) فقيل إنه من هذا الباب، ومنعه قوم وقال: الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو للتمني لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالترجّي في: {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (الأنبياء: 31) لأنه تجرّع من عداوتهم الغصص، فجعله الله كأنه تمنى أن يراهم على تلك الحالة الفظيعة، من نكس الرءوس صما عميا ليشمت بهم. ويجوز أن تكون: [{لَوْ}] (1) امتناعية (2)، وجوابها محذوف أي لرأيت أسوأ حال يرى.
* (الرابع) خطاب العام والمراد الخصوص:
وقد اختلف العلماء في وقوع ذلك في القرآن، فأنكره بعضهم لأنّ الدلالة الموجبة للخصوص بمنزلة الاستثناء المتصل بالجملة، كقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلََّا خَمْسِينَ عََاماً} (العنكبوت: 14) والصحيح أنه واقع.
كقوله: {الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (آل عمران: 173) وعمومه يقتضي دخول جميع الناس في اللفظين (3) جميعا والمراد بعضهم لأن القائلين غير المقول لهم، والمراد بالأول نعيم بن سعيد الثقفي (4)، والثاني أبو سفيان وأصحابه. قال الفارسي (5): «ومما يقوّي أن المراد بالناس في قوله: {إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} واحد قوله: {إِنَّمََا ذََلِكُمُ الشَّيْطََانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيََاءَهُ} (آل عمران: 175) فوقعت الإشارة بقوله:
{ذََلِكُمُ} إلى واحد بعينه، ولو كان المعنيّ به جمعا لكان «إنما الشياطين الشياطين» (6) فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ وقيل بل وضع فيه {الَّذِينَ} موضع «الذي».
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (الامتناعية).
(3) في المخطوطة (اللفظتين).
(4) كذا في المخطوطة والمطبوعة، ولعله نعيم بن مسعود الأشجعي كما في الكشاف 1/ 231، عند تفسير الآية، وهو الصحابي الجليل نعيم بن مسعود بن عامر، أبو سلمة الأشجعي: صحابي مشهور له ذكر في البخاري أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلاف بين الحيّين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، وله رواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. روى عنه ولداه مسلمة وزينب. قتل نعيم في أول خلافة علي رضي الله عنه قبل قدومه البصرة في وقعة الجمل وقيل في خلافة عثمان (الإصابة 3/ 538)، وانظر الصاحبي لابن فارس ص 178. باب العموم والخصوص.
(5) هو أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، تقدم التعريف به في 1/ 375.
(6) عبارة المخطوطة. (إنما ذلكم الشيطان).(2/351)
وقوله: {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمََا آمَنَ النََّاسُ} (البقرة: 13) يعني عبد الله بن سلام (1). وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنََادُونَكَ مِنْ وَرََاءِ الْحُجُرََاتِ} (الحجرات: 4) قال الضحاك: «وهو الأقرع بن حابس». وقوله [تعالى] (2): {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
(النساء: 1) لم يدخل فيه الأطفال والمجانين.
ثم التخصيص يجيء تارة في آخر الآية، كقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسََاءَ صَدُقََاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: 4) فهذا عام في البالغة والصغيرة عاقلة أو مجنونة، ثم خصّ في آخرها بقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} الآية (النساء: 4) فخصها بالعاقلة البالغة، لأن من عداها عبارتها ملغاة في العفو. ونظيره قوله: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}
(البقرة: 228) فإنه عام في البائنة والرجعية ثم خصها بالرجعية بقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذََلِكَ} (البقرة: 228) لأن البائنة لا تراجع.
وتارة في أولها، كقوله تعالى: {وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمََّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}
(البقرة: 229) فإن هذا خاص في الذي أعطاها الزوج. ثم قال بعد: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229) فهذا عام فيما أعطاها الزوج أو غيره إذا كان ملكا لها.
وقد يأخذ (3) التخصيص من آية أخرى كقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}
الآية (الأنفال: 16) فهذا عام في المقاتل كثيرا أو قليلا، ثم قال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ} الآية (الأنفال: 65). ونظيره قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (المائدة:
3) وهذا عام في جميع الميتات، ثم خصه بقوله: {فَكُلُوا مِمََّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (المائدة:
4) فأباح الصيد الذي يموت في [فم] (4) الجارح المعلم.
وخصص (5) أيضا عمومه في آية أخرى قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعََامُهُ مَتََاعاً لَكُمْ [وَلِلسَّيََّارَةِ]} (6) (المائدة: 96) تقديره: «وإن [113/ أ] كانت ميتة» فخصّ بهذه الآية
__________
(1) انظر تفسير الآية في الكشاف 1/ 33.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (يوجد).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (وخص).
(6) ليست في المطبوعة.(2/352)
عموم تلك. ومثله قوله تعالى: {أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} (النور:
29).
ونظيره قوله: {وَالدَّمَ} (البقرة: 173) وقال في آية أخرى: {إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} (الأنعام: 145) يعني [إلا] (1) الكبد والطحال فهو حلال. ثم هذه الآية خاصة في سورة الأنعام وهي مكية، والآية العامة في سورة المائدة (الآية: 3) وهي مدنية، وقد تقدّم الخاصّ على العام في هذا الموضع، كما تقدّم في النزول آية الوضوء على أنه (2) التيمّم، وهذا ماش (3)
على مذهب الشافعي في أن العبرة بالخاص سواء تقدّم أم تأخر.
ومثله قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدََاهُنَّ قِنْطََاراً} الآية (النساء: 20) وهذا عام سواء رضيت المرأة أم لا، ثم خصّها بقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ} (النساء:
4) وخصّها بقوله: {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229). ومثله قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ [بِأَنْفُسِهِنَ]} [4] الآية (البقرة: 228) فهذا عام في المدخول بها وغيرها (5) [ثم خصها فقال: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية (الأحزاب: 49) فخصّ الآيسة والصغيرة والحامل فالآئسة والصغيرة بالأشهر، والحامل بالوضع.
ونظيره قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية (البقرة: 234) وهذا عام في الحامل والحائل] (5) ثم خص بقوله: {وَأُولََاتُ الْأَحْمََالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(الطلاق: 4). ونظيره قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} الآية (النساء: 3) وهذا عام في ذوات المحارم والأجنبيات، ثم خص بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} الآية (النساء: 23).
وقوله: {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي} (النور: 2) عام في الحرائر والإماء، ثم خصه (5) [بقوله: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مََا عَلَى الْمُحْصَنََاتِ مِنَ الْعَذََابِ} (النساء: 25) وقوله: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خُلَّةٌ وَلََا شَفََاعَةٌ} (البقرة: 254) فإن الخلة عامّة، ثم خصها] (5) بقوله:
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (آية).
(3) في المخطوطة (ما نزل).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/353)
{الْأَخِلََّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67) وكذلك قوله: {وَلََا شَفََاعَةٌ} (البقرة: 254) بشفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم [والمؤمنون] (1).
(فائدة) قد يكون الكلامان متصلين، وقد يكون أحدهما خاصا والآخر عامّا وذلك نحو قولهم لمن أعطى زيدا درهما: أعط عمرا، فإن لم تفعل فما أعطيت يريد: إن لم تعط عمرا فأنت لم تعط زيدا أيضا، وذاك غير محسوب لك. ذكره ابن فارس (2)، وخرّج عليه [قوله تعالى] (3): {بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة: 67) قال: فهذا (4) خاص به، يريد هذا الأمر المحدّد (5) بلّغه {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} (المائدة: 67) [ولم تبلغ] (6) {فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ} (المائدة: 67) يريد جميع ما أرسلت به. قلت: وهو وجه حسن وفي الآية وجوه أخر:
(أحدها): أنّ المعنى أنك إن تركت منها شيئا كنت كمن لا يبلّغ شيئا منها، فيكون ترك البعض محبطا للباقي. قال الراغب: «وكذلك (7) أن حكم الأنبياء عليهم [الصلاة و] (8)
السلام في تكليفاتهم أشدّ وليس حكمهم كحكم الأنبياء عليهم [الصلاة و] (8)
السلام في تكليفاتهم أشدّ وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجاوز عنهم إذا خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا وروي (10) هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما (11).
(والثاني): قال الإمام فخر الدين: «إنه من باب قوله (12):
أنا أبو النجم وشعري شعري (13)
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) في كتاب الصاحبي ص 178باب العموم والخصوص.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (هذا).
(5) في المخطوطة: (المجدّد).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (وذلك). وانظر قول الراغب في المفردات ص: 60.
(8) ساقطة من المطبوعة.
(10) في المخطوطة (روي).
(11) أخرجه الطبري في التفسير 6/ 198.
(12) في المخطوطة (قال). وانظر قول الرازي في تفسيره 12/ 48و 49.
(13) صدر بيت عجزه: لله درّي ما يجن صدري (الأغاني 20/ 17) وقائلة هو الفضل بن قدامة بن عبيد أبو النجم العجلي، كان ينزل بسواد الكوفة في موضع يقال له الفرك أقطعه إياه هشام بن عبد الملك وقد مدح(2/354)
معناه: أنّ شعري قد بلغ في المتانة والفصاحة إلى حدّ شيء (1) قيل في نظم إنه شعري فقد انتهى مدحه إلى الغاية فيفيد تكرير [المبالغة] (2) التامة في المدح من هذا الوجه. وكذا جواب الشرط هاهنا، يعني به أنه لا يمكن أن يوصف ترك (3) بعض المبلّغ تهديدا أعظم من أنه ترك التبليغ، فكان ذلك تنبيها على غاية التهديد والوعيد» وضعّف الوجه الذي قبله بأنّ من أتى بالبعض وترك البعض، لو قيل إنه ترك الكل كان كذبا، ولو قيل: إن الخلل في ترك البعض، كالخلل في [ترك] (4) الكل، فإنه أيضا محال».
وفي هذا التضعيف الذي ذكره الإمام نظر لأنه إذا كان متى أتي به غير معتدّ (5) به فوجوده كالعدم، كقول الشاعر:
سئلت فلم تمنع ولم تعط نائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد (6)
أي، ولم تعط ما يعدّ نائلا وإلا يتكاذب البيت.
(الثالث): أنه لتعظيم حرمة كتمان البعض جعله ككتمان الكل، كما [113/ ب] في قوله تعالى: {فَكَأَنَّمََا قَتَلَ النََّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32).
(الرابع): أنه وضع السبب موضع المسبّب، ومعناه: (7) إن لم تفعل ذلك [فلك] ما يوجبه [كتمان الوحي كله من العذاب] (7). ذكر هذا والذي قبله صاحب «الكشّاف» (9).
(تنبيه): قال الإمام أبو بكر الرازي (10): «وفي هذه [الآية] (11) دلالة على أن كلّ ما
__________
هشاما في قصيدة أولها: الحمد لله الوهوب المجزل ... وهي أجود أرجوزة للعرب (ابن قتيبة الشعر والشعراء ص 400).
(1) في المخطوطة (متى) كذا في التفسير.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (تلك).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (متعدد).
(6) البيت في المقرّب لابن عصفور ص 54.
(7) عبارة المخطوطة: (إن لم تفعل ذلك ما يوجبه لكان) وما بين الحاصرتين زيادة من الكشاف لا يستقيم المعنى بدونها.
(9) انظر الكشاف 1/ 353، بتصرف.
(10) هو أحمد بن علي المعروف بالجصاص تقدم في 2/ 126، وانظر قوله في كتابه أحكام القرآن 2/ 449مطلب في الدليل على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(11) ساقطة من المخطوطة.(2/355)
كان من الأحكام للناس إليه حاجة عامة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد بلّغه الكافة، وإنما وروده ينبغي أن يكون من طريق التواتر نحو الوضوء من مسّ الفرج ومن مسّ المرأة، ومما مست النار ونحوها، لعموم البلوى بها، فإذا لم نجد ما كان فيها بهذه المنزلة واردا من طريق التواتر، علمنا أن الخبر غير ثابت في الأصل». انتهى.
وهذه الدلالة ممنوعة لأن التبليغ مطلق غير مقيّد بصورة التواتر فيما تعمّ به البلوى، فلا تثبت زيادة ذلك إلا بدليل. ومن المعلوم أن الله سبحانه لم يكلّف رسوله صلّى الله عليه وسلّم إشاعة شيء إلى جمع يتحصل بهم القطع غير القرآن لأنه المعجز الأكبر، وطريق معرفته القطع، فأما باقي الأحكام فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرسل بها إلى الآحاد والقبائل، وهي مشتملة على ما تعم به البلوى قطعا.
* (الخامس): خطاب الجنس
نحو {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} (البقرة: 21) فإن المراد جنس الناس لا كل فرد، وإلا فمعلوم أن غير المكلّف لم يدخل تحت هذا الخطاب، (1) وهذا يغلب في خطاب أهل مكة (1) كما سبق، ورجّح الأصوليون دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الخطاب (3) ب {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} (3) وفي القرآن سورتان، أولهما {يََا أَيُّهَا النََّاسُ}، إحداهما في النصف الأول، وهي السورة الرابعة منه، وهي سورة النساء، والثانية في النصف الثاني منه. وهي سورة الحج. والأولى تشتمل على شرح المبدأ، والثانية تشتمل على شرح المعاد، فتأمل هذا الترتيب ما أوقعه في البلاغة! قال الراغب (5): و «{النََّاسُ} قد يذكّر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم «الناس» تجوّزا، وذلك إذا اعتبر (6) معنى الإنسانية، وهو وجود الفضل (7) والذّكر وسائر القوى المختصة [به] (8) فإن كل شيء عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه، كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها، فإطلاق اليد عليها كإطلاقه على يد السرير، ومثله بقوله تعالى:
__________
(1) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (وقد نقلت في خطاب مسلمة).
(3) عبارة المخطوطة: «نحو: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}».
(5) في المفردات ص 509، مادة نوس.
(6) في المخطوطة (اعتبرت).
(7) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (العقل) وما أثبتناه من المفردات.
(8) ساقطة من المخطوطة.(2/356)
{آمِنُوا كَمََا آمَنَ النََّاسُ} (البقرة: 13) أي، كما يفعل من يوجد فيه معنى الإنسانية، ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا، بل قصد المعنى، وكذلك قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النََّاسَ}
(النساء: 54) أي من وجد فيهم معنى الإنسانية، أيّ إنسان [كان] (1). قال: وربما قصد به النوع من حيث هو. كقوله تعالى: {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (البقرة: 251).
(السادس): خطاب النوع.
نحو: {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ} (البقرة: 40) والمراد «بنو يعقوب»، وإنما لم يصرح (2) به للطيفة سبقت في النوع السادس وهو علم المبهمات (3).
(السابع) خطاب العين.
نحو {يََا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة:
35). {يََا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلََامٍ} (هود: 48). {يََا إِبْرََاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيََا}
(الصافات: 104و 105). {يََا مُوسى ََ} (الأعراف: 144). {يََا عِيسى ََ} (آل عمران: 55). ولم يقع في القرآن النداء ب «يا محمد» بل ب {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} (الأنفال:
64) و {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} (المائدة: 41) تعظيما له وتبجيلا، وتخصيصا بذلك عن سواه.
(الثامن): خطاب المدح.
نحو: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: 104) وهذا وقع خطابا لأهل المدينة الذين آمنوا وهاجروا، تمييزا لهم عن أهل مكة، وقد سبق أنّ كلّ آية فيها: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} (البقرة: 21) لأهل مكة، وحكمة ذلك [114/ أ] أنه يأتي بعد {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} الأمر بأصل الإيمان، ويأتي بعد {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الأمر بتفاصيل الشريعة، وإن جاء بعدها الأمر [بالإيمان] (4) كان من قبيل الأمر بالاستصحاب. وقوله [تعالى] (4) {وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} (النور: 31) قيل: يرد الخطاب بذلك باعتبار الظاهر عند المخاطب وهم المنافقون فإنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان، كما قال سبحانه: {قََالُوا آمَنََّا بِأَفْوََاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} (المائدة: 41). وقد جوّز الزمخشري في تفسير سورة المجادلة في قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [6] [فَقَدِّمُوا
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) تصحفت في المطبوعة إلى (وإنما صرح).
(3) راجع 1/ 242من هذا الكتاب.
(4) ليست في المخطوطة.
(6) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة، وقول الزمخشري لم نجده عند تفسير هذه الآية وإنما في قوله(2/357)
بين يدي نجواكم] (الآية: 12) أن يكون خطابا للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم، وأن يكون للمؤمنين.
ومن هذا النوع الخطاب ب {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} (الأنفال: 64) {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ}
(المائدة: 41) ولهذا تجد الخطاب بالنبيّ في محل لا يليق به الرسول، وكذا عكسه، كقوله في مقام الأمر بالتشريع العام: {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة:
67) وفي مقام الخاص: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ} (التحريم: 1) ومثله:
{إِنْ أَرََادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهََا خََالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب: 50). وتأمّل قوله: {لََا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (الحجرات: 1) في مقام الاقتداء بالكتاب (1)
[والسنة] (2) ثم قال: {لََا تَرْفَعُوا أَصْوََاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحجرات: 2) فكأنه جمع له المقامين: معنى النبوة والرسالة تعديدا للنعم في الحالين.
وقريب منه في المضاف إلى الخاص: {يََا نِسََاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسََاءِ}
(الأحزاب: 32) ولم يقل: «يا نساء الرسول» لمّا قصد اختصاصهنّ عن بقية الأمة. وقد يعبّر بالنبي في مقام التشريع العام، لكن مع قرينة إرادة التعميم، كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} (الطلاق: 1) ولم يقل: «طلّقت».
(التاسع) خطاب الذم.
نحو: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} (التحريم:
7). {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} (الكافرون: 1) ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين.
وكثر الخطاب ب {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: 104) على المواجهة، وفي جانب الكفار على الغيبة، إعراضا عنهم، كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال: 38) [ثم قال] (3) {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (الأنفال: 39) فواجه بالخطاب المؤمنين، وأعرض بالخطاب عن الكافرين
__________
تعالى {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا تَنََاجَيْتُمْ فَلََا تَتَنََاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوََانِ} الآية، (المجادلة: 9)، انظر الكشاف 4/ 74.
(1) في المخطوطة (باكتساب).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المخطوطة.(2/358)
ولهذا كان [النبي] (1) صلّى الله عليه وسلّم إذا عتب على قوم قال: «ما بال رجال يفعلون كذا!»، فكنى عنهم تكرّما، وعبّر عنهم بلفظ الغيبة إعراضا.
(العاشر) خطاب الكرامة.
نحو: {وَيََا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
(الأعراف: 19). وقوله: {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ} (الحجر: 46).
(الحادي عشر) خطاب الإهانة.
نحو قوله لإبليس: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ} (الحجر: 34و 35) وقوله: {[قََالَ]} [2] اخْسَؤُا فِيهََا وَلََا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون:
108). وقوله: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (الإسراء: 64). قالوا: ليس هذا إباحة لإبليس، وإنما معناه: أنّ ما يكون منك لا يضرّ عباده كقوله: {إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ} (الإسراء: 65).
(الثاني عشر) خطاب التهكم.
وهو الاستهزاء بالمخاطب، مأخوذ من «تهكّم (3) البئر» إذا تهدّمت كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49) وهو خطاب لأبي جهل لأنه قال: «ما بين جبليها يعني مكة أعز ولا أكرم مني (4)».
وقال: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 34) جعل العذاب مبشّرا به. وقوله:
{هََذََا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} (الواقعة: 56) وقوله: {وَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضََّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (الواقعة: 9492) والنزل لغة: هو الذي (5) يقدّم للنازل تكرمة له قبل حضور الضيافة.
وقوله تعالى: {سَوََاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسََارِبٌ بِالنَّهََارِ * لَهُ مُعَقِّبََاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} [114/ ب] {مِنْ أَمْرِ اللََّهِ} (الرعد:
10 - و 11) على تفسير (المعقبات) بالحرس حول السلطان، يحفظونه على زعمه من أمر الله، وهو تهكم، فإنه لا يحفظه من أمر الله شيء إذا جاءه.
__________
(1) ليس في المطبوعة.
(2) ليس في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (تهكمت).
(4) الخبر أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص 253.
(5) في المخطوطة (ما).(2/359)
وقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللََّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقََائِلِينَ لِإِخْوََانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنََا}
(الأحزاب: 18) وهو تعالى يعلم حقيقتهم و {يَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ وَمََا يُعْلِنُونَ} (هود: 5) لا تخفى عليه خافية! وقوله تعالى: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لََا بََارِدٍ وَلََا كَرِيمٍ} (الواقعة: 43و 44) وذلك لأن الظلّ من شأنه الاسترواح واللطافة، فنفي هنا، وذلك أنهم (1) لا يستأهلون الظل الكريم.
(الثالث عشر): خطاب الجمع بلفظ الواحد.
كقوله: {يََا أَيُّهَا الْإِنْسََانُ إِنَّكَ كََادِحٌ} (الانشقاق: 6). {يََا أَيُّهَا الْإِنْسََانُ مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (الانفطار: 6).
والمراد الجميع بدليل قوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (العصر: 2و 3) وكان الحجّاج يقول في خطبته: «يأيها الإنسان، وكلكم ذلك الإنسان».
وكثيرا ما يجيء ذلك في الخبر، كقوله تعالى: {[إِنَ]} [2] هََؤُلََاءِ ضَيْفِي (الحجر:
68) ولم يقل: «ضيوفي»، لأنه مصدر. وقوله: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون:
4) ولم يقل الأعداء. وقوله: {وَحَسُنَ أُولََئِكَ رَفِيقاً} (النساء: 69) أي رفقاء. وقوله:
{لََا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: 285) {فَمََا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حََاجِزِينَ}
(الحاقة: 47).
وفي الوصف كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (المائدة: 6). وقوله:
{وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ} (التحريم: 4) وقوله: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}
(يوسف: 80) وجمعه أنجية، من المناجاة. وقوله: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى ََ عَوْرََاتِ النِّسََاءِ} (النور: 31) فأوقع الطّفل جنسا.
قال ابن جني (3): «وهذا باب يغلب عليه الاسم لا الصفة، نحو الشاة والبعير والإنسان والملك، قال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلى ََ أَرْجََائِهََا} (الحاقة: 17) {وَجََاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر: 22) {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر: 2) ومن مجيئه في الصفة قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظََّالِمُ عَلى ََ يَدَيْهِ} (الفرقان: 27) وقوله: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفََّارُ لِمَنْ}
__________
(1) في المخطوطة (ذلك لأنهم).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) انظر سرّ صناعة الإعراب 1/ 15.(2/360)
{عُقْبَى الدََّارِ} (الرعد: 42). قال (1): وكل واحدة من هذه الصفات لا تقع هذا الموقع إلا بعد أن تجري مجرى الاسم الصريح».
(الرابع عشر:) خطاب الواحد بلفظ الجمع.
كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبََاتِ وَاعْمَلُوا صََالِحاً} (المؤمنون: 51) إلى قوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتََّى حِينٍ} (المؤمنون: 54) فهذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وحده، إذ لا نبي معه قبله ولا بعده. وقوله [تعالى] (2): {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا بِمِثْلِ مََا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصََّابِرِينَ}
(النحل: 126) خاطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم، بدليل قوله: {وَاصْبِرْ وَمََا صَبْرُكَ إِلََّا بِاللََّهِ}
الآية (النحل: 127).
وقوله: {وَلََا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ََ} (النور: 22) الآية خاطب بذلك أبا بكر الصديق لما حرم مسطحا رفده حين تكلم في حديث الإفك (3).
وقوله [تعالى] (2): {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا} (هود: 14) والمخاطب (5) النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيضا، لقوله: {قُلْ فَأْتُوا} (هود: 13).
وقوله [تعالى]: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمََّا خِفْتُكُمْ} (الشعراء: 21). وجعل منه بعضهم قوله تعالى: {قََالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} (المؤمنون: 99) أي «ارجعني» وإنما خاطب (6)
الواحد المعظّم بذلك لأنه يقول: نحن فعلنا، فعلى هذا الابتداء خوطبوا بما في الجواب.
وقيل (7): {رَبِّ} استغاثة و {ارْجِعُونِ} خطاب للملائكة، فيكون التفاتا أو جمعا لتكرار
__________
(1) في المطبوعة (وقال).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) حديث الإفك، ونزول الآية في شأن أبي بكر رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 269، كتاب الشهادات (52)، باب تعديل النساء بعضهن بعضا (15)، الحديث (2661). ومسلم في الصحيح 4/ 2129، كتاب التوبة (49)، باب في حديث الإفك (10)، الحديث (56/ 2770)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيّتهنّ خرج سهمها أخرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي».
(5) في المخطوطة (إذ المخاطب).
(6) في المخطوطة (خوطب).
(7) في المخطوطة (وقال).(2/361)
القول كما قال: «قفا نبك» (1). وقال السهيلي (2): «هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب، فاختلط ولا يدري ما يقول من الشطط، وقد اعتاد أمرا يقوله في الحياة، من ردّ الأمر إلى المخلوقين». ومنه قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنََا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا}
الآية (الزخرف: 32) وهذا مما لا تشريك فيه.
وقال المبرد في «الكامل» (3): «لا ينبغي أن يستعمل ضمير الجمع في واحد من المخلوقين على حكم الاستلزام، لأن ذلك كبر، وهو مختصّ به سبحانه». ومن هذا ما حكاه [115/ أ] الحريري في شرح «الملحة» (4) عن بعضهم أنه [منع] (5) من إطلاق لفظة «نحن» على غير الله تعالى من المخلوقين، لما فيها من التعظيم، وهو غريب. وحكى بعضهم خلافا في نون الجمع الواردة في كلامه سبحانه [وتعالى] (5)، فقيل: جاءت للعظمة [التي] (7) يوصف بها سبحانه، وليس لمخلوق أن ينازعه فيها فعلى هذا يكره للملوك استعمالها في قولهم: «نحن نفعل كذا». وقيل في علتها: إنها [لما] (7) كانت تصاريف أقضيته تجري على أيدي خلقه تنزل (9) أفعالهم منزلة فعله، (10) [فلذلك ورد الكلام مورد الجمع] (10)، فعلى هذا تجوز مباشرة النون لكل من لا يباشر بنفسه. فأما قول العالم: «نحن نبيّن» و «نحن نشرح» فمفسوح له فيه لأنّه يخبر بنون الجمع عن نفسه وأهل مقالته.
__________
(1) شطرة من بيت قاله امرؤ القيس في ديوانه ص 29 (طبعة صادر ببيروت) في أول معلقته المشهورة فصارت المعلقة تعرف بها، وتمام البيت:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل
(2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم في 1/ 155.
(3) انظر الكامل 1/ 466 (بتحقيق محمد أحمد الدالي) بتصرّف.
(4) الحريري هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد، صاحب «المقامات» تقدم التعريف به في 1/ 164.
وكتابه «ملحة الأعراب في صناعة الإعراب» طبع في القاهرة عام 1292هـ / 1875م و 1293هـ / 1876م و 1300هـ / 1882م بمطبعة بولاق، وطبع في لبنان، بدير القمر، بتصحيح ملحم إبراهيم النجار 1288هـ / 1871م، وفي دلهي بالهند عام 1312هـ / 1894م، وفي القاهرة 1345هـ / 1926م بمطبعة عيسى الحلبي، وصوّر في بيروت بدار الفكر 1404هـ / 1984. وانظر قوله فيه ص 13 (طبعة بولاق).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(7) ساقطة من المطبوعة.
(9) في المطبوعة (تنزلت).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/362)
وقوله تعالى: {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (الأنعام: 130) والمراد الإنس لأنّ الرسل لا تكون إلا من بني آدم. وحكى بعضهم فيه الإجماع، لكن عن الضحاك أنّ من الجن رسولا اسمه يوسف، لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلََّا خَلََا فِيهََا نَذِيرٌ}
(فاطر: 24) واحتج الجمهور بقوله: {وَلَوْ جَعَلْنََاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنََاهُ رَجُلًا} (الأنعام: 9) ليحصل الاستئناس، وذلك مفقود (1) في الجنّ، وبقوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ آدَمَ وَنُوحاً} الآية (آل عمران: 33) وأجمعوا أنّ المراد بالاصطفاء النبوة.
وأجيب عن تمسّك الضحاك بالآية بأن البعضية صادقة بكون الرسل من بني آدم، ولا يلزم إثبات رسل من الجن (2) [بطريق إثبات نفر من الجن] (2) يستمعون القرآن من رسل الإنس، ويبلّغونه إلى قومهم، وينذرونهم، ويصدق على أولئك النفر من حيث إنهم رسل [الرسل] (4). وقد سمى الله رسل عيسى بذلك حيث قال: {إِذْ أَرْسَلْنََا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} (يس:
14) وفي «تفسير القرآن» لقوام السنة إسماعيل بن محمد بن الفضل الجوزي (5) قال قوم:
من الجن رسل، للآية.
وقال الأكثرون: الرسل من الإنس، ويجيء من الجن (6)، كقوله في قصة بلقيس:
{فَنََاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (النمل: 35) والمراد به واحد، بدليل قوله: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} (النمل: 37) وفيه نظر، من جهة أنه يحتمل أن يكون الخطاب لرئيسهم فإن العادة جارية لا سيما من الملوك ألا يرسلوا واحدا. وقرأ ابن مسعود: «ارجعوا إليهم» (7)، أراد الرسول ومن معه.
__________
(1) في المخطوطة (موجود).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي التيمي أبو القاسم الطلحي (الملقب بالجوزي) قوام السنة.
ولد سنة 457هـ إمام وقته وقدوة أهل السنة في زمانه، كان أهل بغداد يقولون: «ما دخل بعد الإمام أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه»، وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير واسمه «الجامع» و «شرح البخاري» و «شرح مسلم» وغيرها ت 535هـ (الداودي، طبقات المفسرين 1/ 112). وقال الذهبي في السيرة 20/ 84نقلا عن الحافظ أبي موسى: «وله التفسير في ثلاثين مجلدا سماه «الجامع» وله «تفسير» آخر في أربع مجلدات وله «الموضح في التفسير» في ثلاث مجلدات».
(6) في المخطوطة (في الخبر).
(7) القراءة ذكرها الطبري في تفسيره 19/ 98، وأبو حيان في البحر المحيط 7/ 74.(2/363)
وقوله: {أُولََئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمََّا يَقُولُونَ} (النور: 26) يعني عائشة وصفوان. وقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} (الشعراء: 105) والمراد بالمرسلين نوح، كقولك: فلان يركب الدوابّ ويلبس البرود، وما له إلا دابة وبرد. قاله الزمخشري (1). وقوله [تعالى] (2): {إِنْ نَعْفُ عَنْ طََائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طََائِفَةً} (التوبة: 66) قال قتادة: «هذا رجل كان لا يمالئهم على ما كانوا يقولون في النبي صلّى الله عليه وسلّم، فسماه الله سبحانه [وتعالى] طائفة (3)». وقال البخاري: «ويسمى الرجل طائفة». وقوله: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ}
(إبراهيم: 31) والمراد «خلّة»، بدليل الآية الأخرى (البقرة: 254) والموجب للجمع مناسبة رءوس الآي.
(فائدة) وأما قوله تعالى: {وَاجْعَلْنََا لِلْمُتَّقِينَ إِمََاماً} (الفرقان: 74) فجوّز الفارسي (4) فيه تقديرين: (أحدهما): أن «إمام» هنا جمع، لأنه المفعول الثاني لجعل، والمفعول الأول جمع، والثاني هو الأول، فوجب أن يكون جمعا، وواحده «آم» لأنه قد سمع هذا في واحده، قال تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} (المائدة: 2) فهذا [جمع] (5) «آم» مسلّما وقياسه على حدّ قيام وقائم، فأما أئمة فجمع «إمام» الذي هو مقدّر على حدّ عنان وأعنّة، وسنان وأسنّة، والأصل أيمّة، فقلبت الياء. (والثاني): أنه جمع لإمام (6)، لأن المعنى «أئمة» [115/ ب] فيكون «إمام» على هذا واحدا، وجمعه أئمة.
وقال ابن الضّائع (7): قيدت عن شيخنا الشّلوبين (8) فيه احتمالين غير هذين: أن يكون
__________
(1) انظر الكشاف 3/ 120.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) قول قتادة ذكره الطبري في التفسير 10/ 120 (عن بعضهم). وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 355 عن الكلبي.
(4) هو أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، صاحب كتاب «الحجة في القراءات» ذكر قوله ابن منظور في لسان العرب 12/ 26مادة (أمم) وليس في القسم المطبوع من «الحجة».
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (لآم).
(7) هو علي بن محمد بن علي الكتامي، أبو الحسن المعروف بابن الضائع إمام في النحو بلغ الغاية فيه ولازم الشلوبين وفاق أصحابه بأسرهم، وله في مشكلات «الكتاب» عجائب وقرأ ببلده أيضا الأصلين. وكان متقدما في هذه العلوم الثلاثة، وله من التصانيف «شرح الجمل» و «شرح كتاب سيبويه» ت 680هـ بغية الوعاة 2/ 204).
(8) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدي الأندلسي النحوي المعروف بالشلوبين، ولد سنة 562هـ.(2/364)
مصدرا كالإمام، وأن يكون من الصفات المجراة مجرى المصادر في ترك التثنية والجمع كحسب (1). ويحتمل أن يكون محمولا على المعنى، كقولهم (2): دخلنا على الأمير وكسانا حلة والمراد: كلّ واحد حلّة، وكذلك هو «واجعل كلّ واحد منّا إماما».
(الخامس عشر): خطاب الواحد والجمع بلفظ الاثنين.
كقوله تعالى: {أَلْقِيََا فِي جَهَنَّمَ} (ق: 24) والمراد: مالك، خازن النار. وقال الفرّاء (3): «الخطاب لخزنة النار والزبانية وأصل ذلك أن الرّفقة (4) أدنى ما تكون من ثلاثة نفر، فجرى كلام (5) الواحد على صاحبيه». ويجوز أن يكون الخطاب للملكين الموكلين، من قوله: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ} (ق: 21). وقال أبو عثمان (6): «لما ثنّى الضمير استغنى عن أن يقول: ألق ألق، يشير إلى إرادة التأكيد اللفظيّ». وجعل المهدويّ (7) منه قوله تعالى:
{قََالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} (يونس: 89) قال: الخطاب لموسى وحده لأنه الداعي، وقيل: لهما، وكان هارون قد أمّن على دعائه، والمؤمّن أحد الداعيين.
(السادس عشر): خطاب الاثنين بلفظ الواحد.
كقوله تعالى: {[قََالَ]} [8] فَمَنْ
__________
كان إماما في علم النحو، مستحضرا له غاية الاستحضار، يقال: «كان خاتمة أئمة النحو» وكانت إقامته بإشبيلية من مصنفاته «شرح المقدمة الجزولية» وكتاب في النحو سمّاه «التوطئة» ت 645هـ وفيات الأعيان 3/ 451).
(1) في المخطوطة (فحسب).
(2) في المخطوطة (كقوله).
(3) انظر معاني القرآن 3/ 78، في الكلام على الآية (24) من سورة ق، بتصرّف.
(4) في المخطوطة (الوقفة).
(5) في المخطوطة (الكلام).
(6) هو بكر بن محمد بن بقية الإمام أبو عثمان المازني الإمام اللغوي، روى عن: أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد. وروى عنه: المبرّد، والفضل بن محمد اليزيدي وجماعة. وكان إماما في العربية متسعا فيها وفي الرواية. وقد ناظر الأخفش في أشياء كثيرة فقطعه، قال المبرّد: «لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان». من تصانيفه «علل النحو» و «تفاسير كتاب سيبويه» و «الديباج» ت 248هـ (بغية الوعاة 1/ 463).
(7) هو أحمد بن عمّار بن أبي العباس، تقدم التعريف به في 1/ 488.
(8) ليست في المطبوعة.(2/365)
{رَبُّكُمََا يََا مُوسى ََ} (طه: 49) أي «ويا هارون»، وفيه وجهان: (أحدهما): أنه أفرد موسى [عليه السلام] (1) بالنداء بمعنى التخصيص والتوقف إذ كان هو صاحب عظيم الرسالة وكريم الآيات. ذكره ابن عطية. (والثاني): لما كان هارون أفصح لسانا منه على ما نطق به القرآن ثبت عن جواب الخصم الألدّ. ذكره صاحب «الكشاف» (2). وانظر إلى الفرق بين الجوابين.
ومثله: {فَلََا يُخْرِجَنَّكُمََا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ََ} (طه: 117) قال ابن عطية: إنّما أفرده بالشقاء من حيث [كان] (3) المخاطب أولا والمقصود في الكلام. وقيل بل ذلك لأن الله [تعالى] (4) جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيّز الرجال، ويحتمل الإغضاء عن ذكر المرأة، ولهذا قيل: «من الكرم ستر الحرم». وقوله {فَأْتِيََا فِرْعَوْنَ فَقُولََا إِنََّا رَسُولُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الشعراء: 16).
ونحوه في وصف الاثنين بالجمع قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبََا إِلَى اللََّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا}
(التحريم: 4) وقال: {هََذََانِ خَصْمََانِ اخْتَصَمُوا} (الحج: 19) ولم يقل:
«اختصما». وقال (5): {فَتََابَ عَلَيْهِ} (البقرة: 37) ولم يقل: «عليهما» اكتفاء بالخبر عن أحدهما بالدلالة عليه.
(السابع عشر): خطاب الجمع بعد الواحد.
كقوله تعالى: {وَمََا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمََا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلََا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلََّا كُنََّا} الآية (يونس: 61) فجمع ثالثها (6)، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن الأنباريّ: «إنما جمع في الفعل الثالث ليدلّ على أن الأمة داخلون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده، وإنما جمع تفخيما له وتعظيما، كما في قوله [تعالى] (7): {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} (البقرة: 75)».
وكذلك قوله: {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 87) فثنّى في الأول (8)، ثم جمع، ثم أفرد،
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) انظر الكشاف 2/ 435.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) في المخطوطة (وقوله).
(6) في المخطوطة (ثالثا).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) في المخطوطة (أولا).(2/366)
لأنه خوطب أولا موسى وهارون، لأنّهما المتبوعان، ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها لأنّه واجب عليهم، ثمّ خصّ موسى بالبشارة تعظيما له.
(الثامن عشر) خطاب عين والمراد [غيره] (1).
كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ وَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ وَالْمُنََافِقِينَ} (الأحزاب: 1) الخطاب له والمراد المؤمنون: لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان [116/ أ] تقيا، وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين. والدليل على ذلك قوله في سياق الآية: {وَاتَّبِعْ مََا يُوحى ََ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللََّهَ كََانَ بِمََا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (الأحزاب: 2).
وقوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمََّا أَنْزَلْنََا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكَ} (يونس: 94) بدليل قوله في صدر الآية: {قُلْ يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} (يونس: 104). ومنهم من أجراه على حقيقته وأوّله، قال أبو عمر الزاهد (2) في «الياقوتة»: «سمعت الإمامين ثعلب والمبرّد يقولان: معنى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} أي قل يا محمد [للكافر] (3): إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود إنهم أعلم به (4) من أجل أنهم أصحاب كتاب. وقوله [تعالى] (5) {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}
(التوبة: 43) قال ابن فورك (6): معناه وسّع الله عنك على وجه الدعاء، و {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} تغليط على المنافقين وهو في الحقيقة عتاب راجع إليهم وإن كان في الظاهر للنبي صلّى الله عليه وسلّم، كقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمََّا أَنْزَلْنََا إِلَيْكَ} (يونس: 94).
وقوله: {عَبَسَ وَتَوَلََّى} (عبس: 1) قيل إنه أمية (7) وهو الذي تولى دون النبي صلّى الله عليه وسلّم، ألا ترى أنه لم يقل: «عبست»! وقوله: {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخََاسِرِينَ} (الزمر: 65) وقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوََاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظََّالِمِينَ} (البقرة: 145).
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) هو محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد تقدم التعريف به وبكتابه «ياقوتة الصراط» في 1/ 393.
النوع الثامن عشر معرفة غريبه.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) في المخطوطة (بهم).
(5) ليست في المطبوعة.
(6) محمد بن الحسن بن فورك، تقدم في 1/ 324.
(7) قال ابن العربي: «وأما قول علمائنا: إنه الوليد بن المغيرة، وقال آخرون: إنه أمية بن خلف، فهذا(2/367)
وبهذا يزول الإشكال المشهور في أنّه: كيف يصح خطابه صلّى الله عليه وسلّم مع ثبوت عصمته عن ذلك كله؟ ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض، والمحال يصحّ فرضه لغرض. والتحقيق أن هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك. ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله.
وعكس هذا أن يكون الخطاب (1) عاما، والمراد الرسول، قوله: {لَقَدْ أَنْزَلْنََا إِلَيْكُمْ كِتََاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الآية] (2) (الأنبياء: 10) بدليل قوله في سياقها: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ حَتََّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99).
وأما قوله في سورة الأنعام: {وَلَوْ شََاءَ اللََّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى ََ فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} (الآية: 35) فليس من هذا الباب. قال ابن عطية: «ويحتمل أن يكون التقدير: {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} في ألا تعلم أن الله لو شاء لجمعهم. ويحتمل أن يهتم بوجود كفرهم الذي قدّره الله وأراده». ثم قال: «ويظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمد صلّى الله عليه وسلّم: {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} وبين قوله عز وجل لنوح عليه السلام: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجََاهِلِينَ} (هود: 46) وقد تقرر أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء. وقال مكّي والمهدويّ: الخطاب بقوله: {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} (الأنعام: 35) للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد أمته (3)، وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ. وقال قوم: وقّر نوح عليه السلام لسنّه وشيبه. وقال قوم: جاء الحمل على النبي صلّى الله عليه وسلّم لقربه من الله ومكانته، كما يحمل العاتب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب. قال: والوجه القويّ عندي في الآية هو أنّ ذلك لم يجيء بحسب النبيين، وإنما جاء بحسب الأمر من الله، ووقع النبي عنهما والعقاب (4) فيهما».
(التاسع عشر) خطاب الاعتبار
كقوله تعالى حاكيا عن صالح لما هلك قومه:
{فَتَوَلََّى عَنْهُمْ وَقََالَ يََا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسََالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلََكِنْ لََا تُحِبُّونَ النََّاصِحِينَ}
__________
كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين وذلك أن أمية والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة، ما حضر معهما ولا حضرا معه، وكان موتهما كافرين أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قط أمية المدينة ولا حضر عنده مفردا ولا مع أحد». (أحكام القرآن 4/ 1906).
وانظر تفسير القرطبي 19/ 212.
(1) في المطبوعة (المراد).
(2) ليس في المطبوعة.
(3) في المخطوطة (منه).
(4) في المخطوطة (والعتاب).(2/368)
(الأعراف: 79) خاطبهم بعد هلاكهم إمّا لأنهم يسمعون [116/ ب] ذلك كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم بأهل بدر وقال: «والله ما أنتم بأسمع منهم (1)»، وإما للاعتبار كقوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} (العنكبوت: 20) وقوله: {انْظُرُوا إِلى ََ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ} (الأنعام:
99).
(العشرون): خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره.
كقوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} (هود: 14) الخطاب (2) للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال للكفار: {فَاعْلَمُوا أَنَّمََا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللََّهِ} (هود: 14) بدليل قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود: 14). وقوله: {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَلََّا تَعُولُوا} (النساء: 3). قاله ابن خالويه: في كتاب «المبتدأ» (3) [كذا بخط المصنف] (4).
(الحادي والعشرون) خطاب التلوين.
وسماه الثعلبي (5) المتلون، كقوله تعالى:
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} (الطلاق: 1) {فَمَنْ رَبُّكُمََا يََا مُوسى ََ} (طه: 49) وتسميه أهل المعاني الالتفات وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى بأقسامه.
(الثاني والعشرون) خطاب الجمادات خطاب من يعقل.
كقوله تعالى: {فَقََالَ لَهََا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قََالَتََا أَتَيْنََا طََائِعِينَ} (فصلت: 11) تقديره: «طائعة». وقيل:
لما كانت ممّن يقول، وهي حالة عقل، جرى الضمير في {طََائِعِينَ} عليه، كقوله:
{رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ} (يوسف: 4). وقد اختلف أن هذه المقالة حقيقة، بأن جعل لها
__________
(1) قطعة من حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 232، كتاب الجنائز (23)، باب ما جاء في عذاب القبر (86)، الحديث (1370) قال: «اطلع النبي صلّى الله عليه وسلّم على أهل القليب فقال: وجدتّم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقيل له: تدعو أمواتا! فقال».
(2) في المخطوطة (فالخطاب).
(3) في المخطوطة (المبتدئ). وابن خالويه، هو الحسين بن أحمد بن حمدان أبو عبد الله الهمذاني إمام في اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية، قدم بغداد فأخذ عن: أبي بكر ابن الأنباري، وابن مجاهد، وأبي عمر الزاهد وغيرهم، وعنه أخذ: ابن غلبون، والحسن بن سليمان. من مصنفاته «الممدود والمقصور» و «الجمل في النحو» و «الاشتقاق» ت 370هـ (السبكي، طبقات الشافعية 2/ 212). وكتابه ذكره ابن النديم في الفهرست ص 92، والقفطي في إنباه الرواة 2/ 360369).
(4) ما بين الحاصرتين من المخطوطة.
(5) في المطبوعة (كقولهم) وهو تصحيف.(2/369)
حياة وإدراكا يقتضي نطقها، أو مجازا، بمعنى [أنه] (1) ظهر فيها من اختيار الطاعة والخضوع بمنزلة هذا القول على قولين، قال ابن عطية: والأول أحسن، لأنه لا شيء يدفعه (2)، والعبرة فيه أتم، والقدرة [فيه] (3) أظهر.
ومنه قوله تعالى: {يََا جِبََالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (سبأ: 10) فأمرها كما تؤمر الواحدة [المخاطبة] (4) المؤنثة (5) لأن جميع ما لا يعقل كذلك يؤمر.
* (الثالث والعشرون): خطاب التهييج.
كقوله: {وَعَلَى اللََّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة: 23) ولا يدل على أن من لم يتوكل [على الله] (6) ينتفي عنهم (7)
الإيمان، بل حثّ لهم على التوكل. وقوله: {فَاللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(التوبة: 13). وقوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللََّهَ وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة: 278) فإنه سبحانه وصفهم بالإيمان عند الخطاب ثم قال: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فقصد حثهم على ترك الربا، وأن المؤمنين حقهم أن يفعلوا ذلك.
وقوله: {وَأَطِيعُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأنفال: 1) [وقوله] (8): {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللََّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (يونس: 84) [وقوله] (8): {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللََّهِ وَمََا أَنْزَلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا يَوْمَ الْفُرْقََانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعََانِ} (الأنفال: 41). وهذا أحسن من قول من قال: «إن» هاهنا بمعنى: «إذ».
* (الرابع والعشرون) خطاب الإغضاب.
كقوله تعالى: {إِنَّمََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ قََاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيََارِكُمْ وَظََاهَرُوا عَلى ََ إِخْرََاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ} (الممتحنة: 9).
وقوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظََّالِمِينَ بَدَلًا}
(الكهف: 50). وقوله [تعالى] (10): {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمََا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوََاءً فَلََا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيََاءَ حَتََّى يُهََاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ} (النساء: 89).
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) في المخطوطة (له يدفعه).
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (المؤمنة).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) في المخطوطة (عنه).
(8) ساقطة من المخطوطة.
(10) ليست في المخطوطة.(2/370)
* (الخامس والعشرون) خطاب التشجيع والتحريض.
وهو الحث على الاتّصاف بالصفات الجميلة، كقوله [تعالى] (1): {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيََانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف: 4) وكفى بحثّ الله سبحانه تشجيعا على منازلة (2) الأقران، ومباشرة الطعان. وقوله تعالى: {بَلى ََ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هََذََا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلََافٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125). وقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} (الأنفال: 16) وكيف لا يكون للقوم صبر والملك الحق جل جلاله قد وعدهم بالمدد (3) الكريم فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلََّا مِنْ عِنْدِ اللََّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (آل عمران: 126) وقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمََا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللََّهِ مََا لََا يَرْجُونَ}
(النساء: 104).
وقد جاء في مقابلة هذا القسم ما يراد منه الأخذ بالحزم والتأنّي بالحرب والاستظهار عليها بالعدّة [117/ أ] كقوله تعالى: {وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195) وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال: 60). ونحو (4) ذلك في الترغيب والترهيب ما جاء في قصص الأشقياء تحذيرا لما نزل من العذاب، وإخبارا للسعداء [ترغيبا] (5) فيما صاروا إليه من الثواب.
* (السادس والعشرون): خطاب التنفير (6).
كقوله تعالى: {وَلََا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللََّهَ إِنَّ اللََّهَ تَوََّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات:
12) فقد جمعت هذه الآية أوصافا وتصويرا لما يناله المغتاب من عرض من يغتابه على أفظع وجه وفي ذلك محاسن كالاستفهام الذي معناه التقريع والتوبيخ، وجعل ما هو الغاية في الكراهة موصولا بالمحبة، وإسناد الفعل إلى {أَحَدُكُمْ}. وفيه إشعار بأن أحدا لا يحب ذلك. ولم يقتصر على تمثيل الاعتبار بأكل لحم الإنسان حتى جعله «أخا» ولم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله «ميتا» وهذه مبالغات عظيمة، ومنها أن المغتاب غائب وهو لا يقدر على الدفع لما قيل فيه فهو كالميت.
* (السابع والعشرون) خطاب التحنّن والاستعطاف.
كقوله تعالى: {قُلْ يََا عِبََادِيَ}
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (مبارزة).
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (بالمرد).
(4) في المخطوطة (وغير).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) في المخطوطة (التعيير).(2/371)
{الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ} [1] [إِنَّ اللََّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً] (1)
(الزمر: 53).
* (الثامن والعشرون) خطاب التحبيب.
نحو: {يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ وَلََا يُبْصِرُ} (مريم: 42). {يََا بُنَيَّ إِنَّهََا إِنْ تَكُ مِثْقََالَ حَبَّةٍ} (لقمان: 16). {يَا بْنَ أُمَّ لََا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلََا بِرَأْسِي} (طه: 94). ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عباس يا عم رسول الله» (3).
* (التاسع والعشرون): خطاب التعجيز.
نحو: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (البقرة:
23) {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} (الطور: 34). {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} (هود:
13). {فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} (آل عمران: 168).
وجعل منه بعضهم: {[قُلْ]} [4] كُونُوا حِجََارَةً أَوْ حَدِيداً (الإسراء: 50) وردّ (5)
ابن عطية بأن التعجيز يكون حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب وإنما معنى الآية: كونوا بالتوهّم والتقدير كذا.
* (الثلاثون): التحسير والتهلف:
كقوله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} (آل عمران: 119).
* (الحادي والثلاثون): التكذيب
[نحو قوله] (6): {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرََاةِ فَاتْلُوهََا إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (آل عمران: 93) {قُلْ هَلُمَّ شُهَدََاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} (الأنعام: 150).
* (الثاني والثلاثون): خطاب التشريف.
وهو كلّ ما في القرآن العزيز مخاطبة بقل، كالقلاقل. وكقوله: {قُلْ آمَنََّا} (آل عمران: 84) وهو تشريف منه سبحانه لهذه الأمة بأن
__________
(1) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(3) قطعة من حديث أخرجه أحمد في المسند 1/ 209، عن العباس بن عبد المطلب قال: «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! علّمني شيئا أدعو به. فقال: سل العفو والعافية. قال: ثم أتيته مرة أخرى فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو به فقال: يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة».
(4) ليست في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (وردّه).
(6) ساقطة من المخطوطة.(2/372)
يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة إذ ليس من الفصيح أن يقول الرسول (1) للمرسل إليه قال لي المرسل: قل كذا وكذا ولأنه لا يمكن إسقاطها فدل على أن المراد بقاؤها، ولا بدّ لها من فائدة، فتكون أمرا من المتكلّم للمتكلّم بما يتكلم به أمره شفاها (2) بلا واسطة كقولك لمن تخاطبه: افعل كذا.
* (الثالث والثلاثون): خطاب المعدوم.
ويصحّ ذلك تبعا لموجود، كقوله تعالى:
{يََا بَنِي آدَمَ} (الأعراف: 26) فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان، ولكلّ من بعدهم، وهو على نحو ما يجري من الوصايا في خطاب الإنسان لولده وولد ولده ما تناسلوا، بتقوى الله وإتيان طاعته. قال الرمّاني (3) في «تفسيره»: وإنما جاز خطاب المعدوم لأن الخطاب يكون بالإرادة للمخاطب دون غيره، وأما قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} (النحل: 40) فعند الأشاعرة أن وجود العالم حصل بخطاب «كن».
وقالت الحنفية: التكوين أزليّ قائم بذات البارئ سبحانه، وهو تكوين لكل جزء من أجزاء العالم عند وجوده، لا أنه يوجد عند «كاف ونون». وذهب فخر الإسلام شمس الأئمة (4)
منهم إلى أنّ خطاب «كن» موجود عند إيجاد كل شيء، فالحاصل عندهم في إيجاد الشيء شيئان: الإيجاد [117/ ب] وخطاب «كن».
واحتج الأشاعرة بظاهر قوله تعالى: {إِنَّمََا قَوْلُنََا لِشَيْءٍ إِذََا أَرَدْنََاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل: 40) [وقوله: {إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}] (5)
__________
(1) في المخطوطة (المرسل).
(2) اضطربت الكلمة في المخطوطة.
(3) هو علي بن عيسى بن علي، أبو الحسن الرمّاني تقدم التعريف به في 1/ 151، و «تفسيره» ذكره ياقوت في معجم الأدباء 5/ 281، ومنه نسخة مخطوطة في القدس برقم 29. (معجم الدراسات القرآنية ص 258).
(4) هو محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر شمس الأئمة. وفخر الإسلام، كان إماما علامة حجة متكلما مناظرا أصوليا مجتهدا لازم عبد العزيز الحلواني وأخذ عنه حتى تخرج به وصار أوحد زمانه، وتفقه عليه برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه، وركن الدين مسعود بن الحسن وغيرهما. من مصنفاته «المبسوط» خمسة عشر مجلدا أملاه وهو في الجب سجينا و «شرح السير الكبير» وغيرها (ت 490هـ) (اللكنوي، الفوائد البهية: 158).
(5) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.(2/373)
(يس: 82). وقوله: {بَدِيعُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذََا قَضى ََ أَمْراً فَإِنَّمََا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة: 117). ولو حصل (1) وجود العلم (2) بالتكوين لم يكن في خطاب «كن» فائدة عند الإيجاد.
وأجاب الحنفية بأنا نقول لموجبها ولا تستقل بالفائدة كالمتشابه، فيقول بوجود خطاب «كن» عند الإيجاد في (3) غير تشبيه ولا تعطيل.
__________
(1) في المخطوطة (جعل).
(2) في المخطوطة (العالم).
(3) في المخطوطة (من).(2/374)
النّوع الثالث والأربعون في (1) بيان حقيقته ومجازه (2) (3)
[الحقيقة]
لا خلاف أنّ كتاب الله يشتمل على الحقائق، وهي كلّ كلام بقي على موضوعه
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) المجاز باب من أبواب البلاغة وأصول الفقه، يمكن الرجوع فيه لمصادرهما، ويلاحظ أن الزمخشري هو أول من اهتم ببيان الأوجه البلاغية في القرآن في تفسيره «الكشاف» «وللتوسع في هذا النوع انظر:
الفهرست لابن النديم ص 41، الكتب المؤلفة في معاني شتى من القرآن، وص 59: أخبار أبي عبيدة، والإلمام في بيان أدلة الأحكام للعزّ بن عبد السلام ص 235، في ضروب من المجاز، والإشارة إلى الإيجاز له أيضا، والفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن القيم، والإتقان للسيوطي 3/ 109، النوع الثاني والخمسون: في حقيقته ومجازه، والتحبير في علم التفسير له أيضا ص 94، النوع الحادي والأربعون: المجاز، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 2/ 413، وكشف الظنون 2/ 1590والفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي ص 8482. الباب الثاني، الفصل الخامس: في المحكم والمتشابه، والكناية والتعريض، والمجاز العقلي. وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 496، علم معرفة حقيقة القرآن ومجازها، وإيضاح المكنون للبغدادي 2/ 428، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص 333327، الباب الرابع، الفصل الثالث، مسألة المجاز والكناية في القرآن، والمجاز والكناية في القرآن مقال لحامد محسن في مجلة الأزهر، مج 20، ع 4، 1368هـ / 1948م، والمجاز والكناية في القرآن مقال لمحمد محمد البحيري في مجلة الأزهر، مج 20، ع 7، 1368هـ / 1949م.
(3) ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع: «مجاز القرآن» لقطرب، محمد بن المستنير ت 206هـ (ذكره ياقوت في معجم الأدباء 19/ 52) * «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 210هـ) طبع بتحقيق فؤاد سيزكين بمكتبة الخانجي في القاهرة 1375هـ / 1954م في 2مج، ثم طبع بدار الفكر بالقاهرة 1391هـ / 1971م، وصوّر بمؤسسة الرسالة في بيروت 1404هـ / 1984م (تنبيه) عنوان كتاب أبي عبيدة يوحي بأنه من مصادر الحقيقة والمجاز في القرآن، ولكنه في الواقع كتاب في «غريب القرآن» وهو يستعمل في تفسير الكلمة عبارة «مجازه كذا» ويعني بها معناه، ولا يعني بها «المجاز» المصطلح عليه عند البلاغيين * «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن(2/375)
كالآيات التي لم يتجوز فيها و [هي] (1) الآيات الناطقة ظواهرها بوجود الله تعالى وتوحيده وتنزيهه، والداعية إلى أسمائه وصفاته، كقوله [تعالى] (2): {هُوَ اللََّهُ الَّذِي لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ عََالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهََادَةِ} الآية (الحشر: 22).
وقوله: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (النمل: 60) {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرََاراً} (النمل: 61) {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذََا دَعََاهُ} (النمل: 62) {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمََاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (النمل: 63) {أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (النمل:
64). وقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظََامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: 78). وقوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتُمْ مََا تُمْنُونَ} (الواقعة: 58) {أَفَرَأَيْتُمْ مََا تَحْرُثُونَ} (الواقعة: 63) {أَفَرَأَيْتُمُ الْمََاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} (الواقعة: 68) {أَفَرَأَيْتُمُ النََّارَ الَّتِي تُورُونَ} (الواقعة: 71).
[قيل] (3): ومنه الآيات التي لم تنسخ، وهي كالآيات المحكمات، والآيات المشتملة، ولا تقديم فيه ولا تأخير، كقول القائل: أحمد الله على نعمائه وإحسانه، وهذا أكثر الكلام، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}
(البقرة: 4) وأكثر ما يأتي من الآي على هذا.
__________
موسى الكاظم (ت 406هـ) طبع بتصحيح حسين علي محفوظ بمجلس الشوري في طهران 1372هـ / 1953م، وطبع بتحقيق محمد عبد الغني حسن بدار إحياء الكتب العربية في القاهرة 1374هـ / 1955م، وطبع بتحقيق مكي السيد جاسم بمكتبة الخلاني ببغداد 1375هـ / 1956م وصوّر بدار الأعلمي في بيروت. ويسميه بروكلمان 2/ 64: «مجازات القرآن» ويسمى أيضا «مجاز القرآن» * «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» لعزّ الدين، عبد العزيز بن عبد السلام (ت 660هـ) طبع بالمطبعة العامرة باسطنبول 1313هـ / 1895م في (231) ص، وطبع طبعة أخرى بالمكتبة العلمية بالمدينة المنوّرة 1383هـ / 1966م في (296) ص، وصوّر بدار الفكر في دمشق، وبدار المعرفة في بيروت وبدار البشائر الإسلامية في بيروت 1407هـ / 1987م عن طبعة اسطنبول، ومنه نسخة في الأزهر: 26/ 322أتراك باسم «مجازات القرآن» وقد اختصره السيوطي * «مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن» للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) ذكر في كتابه الإتقان 3/ 109أنه اختصر به كتاب العز بن عبد السلام * «المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع» لعبد العزيز المطعني. طبع بمكتبة وهبة في القاهرة 1405هـ / 1985م * «المجازات القرآنية ومناهج بحثها» لمحمد كامل البصير، رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة كلية الآداب 1395هـ / 1975م.
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المخطوطة.(2/376)
[المجاز]
وأما المجاز (1) [فاختلف في وقوعه في القرآن، والجمهور على الوقوع، وأنكره جماعة، منهم ابن القاص (2) من الشافعية، وابن خويزمنداذ (3) من المالكية، وحكي عن داود الظاهريّ (4) وابنه، وأبي مسلم الأصبهاني (5). وشبهتهم أن المتكلّم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز] (1) إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير، وهو مستحيل على الله [سبحانه] (7).
وهذا باطل، ولو وجب خلوّ القرآن من المجاز لوجب خلوّه من التوكيد والحذف، وتثنية القصص وغيره، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن.
وقد أفرده بالتصنيف الإمام أبو محمد بن عبد السلام (8)، وجمع فأوعى.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(2) هو أحمد بن أبي أحمد أبو العباس ابن القاص الطبري الشافعي، إمام عصره، كان إماما جليلا، أخذ الفقه عن ابن سريج، أقام بطبرستان وأخذ عنه علماؤها، من تصانيفه «التلخيص» و «أدب القاضي» و «المواقيت» و «المفتاح» ت 335هـ (السبكي، طبقات الشافعية 2/ 103).
(3) هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز سماه بهذا الاسم أبو إسحاق الشيرازي المالكي، وقال القاضي عياض: «رأيت على كتبه تكنيته بأبي عبد الله وفي نسبته محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق» (ترتيب المدارك 2/ 606) وفي لسان الميزان 5/ 291. هو محمد بن علي بن إسحاق بن خويز، أبو عبد الله وفي الوافي بالوفيات 2/ 52، هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويزمنداذ البصري المالكي، تفقه بأبي بكر الأبهري وسمع الحديث يروي عن أبي داسة، وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجي من تصانيفه «أصول الفقه» و «أحكام القرآن» وكتاب كبير في «الخلاف» ت 390هـ تقريبا.
(4) هو داود بن علي بن خلف إمام المذهب الظاهري تقدم التعريف به في 2/ 317، وبابنه محمد بن داود في 2/ 115.
(5) هو محمد بن بحر الأصفهاني أبو مسلم، من فقهاء المعتزلة، كان كاتبا مترسلا بليغا متكلما معتزليا عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم ثم صار عامل أصبهان وعامل فارس للمقتدر يكتب له ويتولى أمره، وله من التصانيف «جامع التأويل لمحكم التنزيل» و «الناسخ والمنسوخ» وكتاب في النحو وغيرها ت 322هـ (معجم الأدباء 18/ 35).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) كتاب العز بن عبد السلام في مجاز القرآن هو «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» طبع في اسطنبول بالمطبعة العامرة عام 1313هـ / 1895م، وفي المدينة المنورة المكتبة العلمية عام 1383هـ / 1966م، وصوّر في دمشق بدار الفكر وفي بيروت بدار المعرفة 1407هـ / 1987م وفي بيروت بدار البشائر الإسلامية عام 1407هـ / 1987م.(2/377)
وأما (1) معناه، فقال الحاتميّ (2): معناه طريق القول، ومأخذه مصدر «جزت مجازا» كما يقال: «قمت مقاما». قال الأصمعيّ: كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي (3).
وله سببان: (أحدهما) الشّبه، ويسمّى المجاز اللغويّ وهو الذي يتكلم فيه الأصوليّ.
(والثاني) الملابسة (4)، وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ويسمّى المجاز العقلي، وهو أن تسند (5) الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل، كسبّ زيد أباه، إذا كان سببا فيه. والأول مجاز في المفرد وهذا مجاز في المركب.
ومنه قوله تعالى: {وَإِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً} (الأنفال: 2) ونسبت (6)
الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها. وكذا قوله [تعالى] (7): {وَذََلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدََاكُمْ} (فصلت: 23) وقوله: {يُذَبِّحُ أَبْنََاءَهُمْ} (القصص:
4) والفاعل غيره، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به.
وكقوله: {يَنْزِعُ عَنْهُمََا لِبََاسَهُمََا} (الأعراف: 27) نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس [لعنه الله] (8) لأن سببه أكل الشجرة، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين. وقوله [تعالى] (8): {فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} (البقرة: 16) جعل التجارة الرابحة. وقوله: {فَإِذََا عَزَمَ الْأَمْرُ} (محمد: 21) لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل:
{فَإِذََا عَزَمْتَ [فَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ]} [8] (آل عمران: 159).
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دََارَ الْبَوََارِ} (إبراهيم:
28) فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم لأنّ سببه كفرهم، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر.
__________
(1) في المخطوطة (ما).
(2) هو محمد بن الحسن بن المظفر أبو علي الحاتمي البغدادي أحد الأعلام المشاهير روى عن أبي عمر الزاهد، وأدرك ابن دريد وأخذ عنه، وكان من الحذّاق في اللغة والأدب، شديد العارضة، حسن التصرف في الشعر، وله مع أبي الطيب المتنبي مخاطبة أقذعه فيها. ومن تصانيفه: «حلية المحاضرة» و «مختصر العربية» و «الرسالة الحاتمية» و «المجاز» وغيرها ت 388هـ (بغية الوعاة 1/ 87).
(3) في المخطوطة (بالوحي).
(4) في المخطوطة (المناسبة).
(5) في المخطوطة (يسمى).
(6) في المخطوطة (نسب).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) ليست في المخطوطة.(2/378)
وقوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً} (المزّمّل: 17) نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه. [118/ أ] وقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقََالَهََا} (الزلزلة: 2). وقوله:
{فَلََا يُخْرِجَنَّكُمََا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ََ} (طه: 117).
وقد يقال إن النزع والإحلال يعبّر بهما عن فعل ما أوجبهما فالمجاز إفراديّ لا إسناديّ. وقوله: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً} (المزّمّل: 17) يحتمل معناه: يجعل هوله، فهو من مجاز الحذف.
وأما قوله [تعالى] (1): {فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} (القارعة: 7) فقيل على النّسب (2)، أي ذات رضا، وقيل: بمعنى «مرضية» وكلاهما مجاز إفراد لا مجاز إسناد لأن المجاز (3) في لفظ «راضية» لا في إسنادها (3) ولكنهم كأنهم (5) قدروا أنهم قالوا: رضيت عيشته، فقالوا: «عيشة راضية».
وهو على ثلاثة أقسام:
(أحدها): ما طرفاه حقيقتان، نحو: أنبت المطر البقل، وقوله تعالى: {وَإِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً} (الأنفال: 2) وقوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقََالَهََا} (الزلزلة:
2). (والثاني): مجازيان نحو: {فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} (البقرة: 16) (والثالث): ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر، كقوله [تعالى] (6): {تُؤْتِي أُكُلَهََا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهََا}
(إبراهيم: 25) وقوله: {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} (محمد: 4). قال بعضهم: ومن شرط هذا المجاز أن يكون للمسند إليه شبه بالمتروك في تعلقه بالعامل.
وأنواع الإفراديّ في القرآن كثير يعجز العدّ عن إحصائها (7). كقوله (8): {كَلََّا إِنَّهََا}
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (السبب).
(3) العبارة في المخطوطة (في نفس راضية لا في نفس إسنادها).
(5) في المخطوطة (كانوا).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) في المخطوطة (إحصائه).
(8) في المخطوطة زيادة في هذا الموضع لا يقتضيها سياق البحث وهي قوله تعالى {كَلََّا إِنَّهََا كَلِمَةٌ هُوَ قََائِلُهََا} الآية.(2/379)
{لَظى ََ * نَزََّاعَةً لِلشَّوى ََ * تَدْعُوا} (المعارج: 1715) قال: الدعاء من النار مجاز. وكقوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنََا عَلَيْهِمْ سُلْطََاناً} الآية (الروم: 35) والسلطان هنا هو البرهان، أي برهان (1) يستدلّون به، فيكون صامتا ناطقا، كالدلائل المخبرة، والعبرة والموعظة.
وقوله: {فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ} (القارعة: 9) فاسم الأم الهاوية مجاز أي كما أنّ الأم كافلة لولدها وملجأ له، كذلك أيضا النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع. وقوله: {قُتِلَ الْخَرََّاصُونَ} (الذاريات: 10) {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} (عبس: 17) {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ أَنََّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون: 4) والفعل في هذه المواضع مجاز أيضا لأنه بمعنى أبعده الله وأذله.
وقيل: قهره وغلبه.
وهو كثير، فلنذكر (2) أنواعه لتكون ضوابط لبقية الآيات الشريفة (3).
(الأول): إيقاع المسبب موقع السبب (4). كقوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً [يُوََارِي سَوْآتِكُمْ]} [5] (الأعراف: 26) وإنما نزل سببه، وهو الماء. وكقوله: {يََا بَنِي آدَمَ لََا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطََانُ كَمََا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (الأعراف: 27). ولم يقل: «كما فتن أبويكم»، لأن الخروج من الجنة هو المسبّب الناشئ عن الفتنة، فأوقع المسبّب موقع السبب، (6) [أي لا تفتتنوا بفتنة الشيطان، فأقيم فيه السبب مقام المسبب، وهو سبب خاص، فإذا عدم فيعدم المسبّب] (6) فالنهي في الحقيقة لبني آدم، والمقصود عدم وقوع هذا الفعل منهم، فلما أخرج السبب من أن يوجد بإيراد النهي عليه، كان أدلّ على امتناع النهي بطريق الأولى.
وقوله [تعالى] (8): {مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النََّارِ} (المؤمن: 41)
__________
(1) في المخطوطة (برهانا).
(2) في المخطوطة (قلت ذكر).
(3) اقتبس الزركشي هذه الأنواع من كتاب الإشارة إلى الإيجاز باب المجاز فصول أنواع المجاز بتصرف في التقديم والتأخير.
(4) وهو الفصل السادس والعشرون من أنواع المجاز عند العز بن عبد السلام انظر الإشارة إلى الإيجاز ص 38.
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) ليست في المخطوطة.(2/380)
وهم لم يدعوه إلى النار، إنما دعوه إلى الكفر بدليل قوله: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللََّهِ}
(المؤمن: 42) لكن لما كانت النار مسبّبة عنه أطلقها عليه. وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النََّارَ}
(البقرة: 24) أي العناد المستلزم للنار. وقوله: {إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً} (النساء:
10) لاستلزام أموال اليتامى [إياها] (1).
وقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لََا يَجِدُونَ نِكََاحاً} (النور: 33) إنما أراد والله أعلم الشيء الذي ينكح به، من مهر ونفقة وما لا بدّ للمتزوج منه. وقوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} (البقرة: 188) أي لا تأكلوها بالسبب الباطل الذي هو القمار. وقوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 5) أي عبادة الأصنام لأن العذاب مسبّب عنها. وقوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (التوبة: 123) أي وأغلظوا (2) عليهم، ليجدوا ذلك، وإنما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على أنه المقصود لذاته، وأما الإغلاظ فلم يقصد لذاته بل لتجدوه.
(الثاني): عكسه، وهو إيقاع السبب موقع المسبب (3). كقوله تعالى: {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} (الشورى: 40). وقوله [118/ ب] تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194). سمى الجزاء الذي هو السبب سيئة واعتداء، فسمّى الشيء باسم سببه وإن عبّرت السيئة (4) عما ساء أي أحزن لم يكن من هذا الباب، لأن الإساءة تحزن في الحقيقة، كالجناية (5).
ومنه: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللََّهُ} (آل عمران: 54) تجوّز بلفظ «المكر» عن عقوبته لأنه (6) سبب لها. ومنه قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} (البقرة:
282) إنما جعلت المرأتان للتذكير إذا وقع الضّلال لا ليقع الضلال فلما كان الضلال سببا للتذكير أقيم مقامه.
ومنه إطلاق اسم الكتاب على الحفظ، أي المكتوب فإن الكتابة سبب له، كقوله
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (واغلظ).
(3) انظر الإشارة إلى الإيجاز ص 37، الفصل الخامس والعشرون من أنواع المجاز.
(4) في المخطوطة (بالسيئة).
(5) في المخطوطة (كالخزانة).
(6) في المخطوطة (لأنها).(2/381)
تعالى: {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} (آل عمران: 181) أي سنحفظه حتى نجازيهم عليه. ومنه إطلاق اسم السمع على القبول، كقوله تعالى: {مََا كََانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} (هود: 20) أي ما كانوا يستطيعون قبول ذلك والعمل به، لأن قبول الشيء مرتب على سماعه ومسبّب عنه.
ويجوز أن يكون نفي السّمع لابتغاء فائدته. ومنه قول الشاعر:
وإن حلفت لا ينقض النّأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين (1).
أي وفاء يمين.
ومنه إطلاق الإيمان على ما (2) نشأ عنه من الطاعة، كقوله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُضِيعَ إِيمََانَكُمْ} (البقرة: 143) {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتََابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (البقرة:
85) أي أفتعملون (3) ببعض التوراة وهو فداء الأسارى، وتتركون العمل ببعض وهو قتل إخوانهم وإخراجهم من ديارهم.
وجعل الشيخ عز الدين (4) من الأنواع نسبة الفعل إلى سبب سببه، كقوله تعالى:
{فَأَخْرَجَهُمََا مِمََّا كََانََا فِيهِ} (البقرة: 36) أي كما أخرج أبويكم فلا يخرجنكما من الجنة:
{يَنْزِعُ عَنْهُمََا لِبََاسَهُمََا} (الأعراف: 27). المخرج والنازع في الحقيقة هو الله عز وجل، وسبب ذلك أكل الشجرة (5) [وسبب أكل الشجرة] (5) وسوسة الشيطان ومقاسمته على أنه من الناصحين. وقد مثّل البيانيون بهذه الآية للسبب وإنما هي لسبب السبب. وقوله: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دََارَ الْبَوََارِ} (إبراهيم: 28) لما أمروهم بالكفر الموجب لحلول النار.
(الثالث): إطلاق اسم الكل على الجزء. قال تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ مِنَ الصَّوََاعِقِ} (البقرة: 19) أي أناملهم وحكمة التعبير عنها بالأصابع (7) [الإشارة إلى أنهم يدخلون أناملهم في آذانهم بغير المعتاد، فرارا من الشدة، فكأنهم جعلوا الأصابع.
وقال تعالى] (7) {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (المائدة: 6) واليد حقيقة إلى المنكب،
__________
(1) البيت في الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 75.
(2) في المخطوطة (عمّا نشأ).
(3) في المخطوطة (فيعملون).
(4) انظر الإشارة إلى الإيجاز ص 45، الفصل الثامن والعشرون في نسبة الفعل إلى سبب سببه.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/382)
هذا إن جعلنا {إِلَى} بمعنى «مع»، ولا يجب غسل جميع الوجه إذا ستره بعض الشعور الكثيفة.
وقوله: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} (المائدة: 38) والمراد هو البعض الذي هو الرسغ. وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} (البقرة: 249) أي من لم يذق.
وقوله: {تُعْجِبُكَ أَجْسََامُهُمْ} (المنافقون: 4) والمراد وجوههم لأنه لم ير جملتهم.
ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185) استشكله الإمام (1) في «تفسيره» من جهة أن الجزاء إنما يكون بعد تمام الشرط والشرط أن يشهد الشهر، وهو اسم لثلاثين يوما. وحاصل جوابه أنه أوقع الشهر وأراد جزءا منه، و (2) إرادة الكل باسم الجزء (2) مجاز شهير. ونقل عن علي (4) [رضي الله عنه أن المعنى: من شهد أول الشهر فليصم جميعه، وأن الشخص متى كان مقيما أو في البر ثم سافر، يجب عليه صوم الجميع. والجمهور على] (4) أن هذا عام، مخصّص بقوله: {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} الآية (البقرة: 196). ويتفرع على هذا أن من أدرك الجزء الأخير من رمضان: هل يلزمه صوم ما سبق إن كان مجنونا في أوله؟ فيه قولان.
(الرابع): إطلاق اسم الجزء على الكل. كقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ} (القصص: 88) أي ذاته {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ} (الرحمن: 27) وقوله: {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة: 144). وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ * عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ} (الغاشية: 2و 3) يريد الأجساد، لأن العمل والنّصب من صفاتها [119/ أ] وأما قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاعِمَةٌ} (الغاشية: 8) فيجوز أن يكون من هذا عبّر بالوجوه عن الرجال. ويجوز أن يكون من وصف البعض بصفة الكلّ لأنّ التنعم منسوب إلى جميع
__________
(1) عنى به الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير 5/ 8988بتصرف، وانظر الإتقان 3/ 111.
(2) في المخطوطة (وإرادة الجزء باسم الكل).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، والأثر عن علي رضي الله عنه ذكره الرازي في التفسير 5/ 88وأخرجه عبد بن حميد، والطبري في التفسير 2/ 86، وابن أبي حاتم (وانظر الدر المنثور 1/ 190).(2/383)
الجسد. ومنه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} (القيامة: 22) فالوجه المراد به جميع ما تقع به المواجهة لا الوجه وحده.
وقد اختلف في تأويل «الوجه» الذي جاء مضافا إلى الله في مواضع من القرآن، فنقل ابن عطية عن الحذاق أنه راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه مجاز إذ هو (1) أظهر الأعضاء في المشاهدة وأجلّها قدرا. وقيل [وهو الصواب] (2): هي صفة ثابتة بالسمع، زائدة على ما توجبه العقول من صفات الله تعالى، وضعّفه إمام الحرمين. وأما قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (البقرة: 115) فالمراد الجهة التي وجّهنا إليها في القبلة.
وقيل: المراد به الجاه، أي فثمّ جلال الله وعظمته.
وقوله: {فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [3] (الشورى: 30) {وَلََا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} (البقرة:
195) تجوّز بذلك عن الجملة. وقوله: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنََانٍ} (الأنفال: 12) البنان الإصبع تجوّز بها عن الأيدي والأرجل، عكس قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصََابِعَهُمْ}
(البقرة: 19). وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (المجادلة: 3). وقوله {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (القلم: 16) عبّر بالأنف عن الوجه. {لَأَخَذْنََا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} (الحاقة:
45).
وكقوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (البقرة: 283) أضاف الإثم إلى القلب (4) [وإن كانت الجملة كلها آثمة من حيث كان محلا لاعتقاد الإثم والبرّ كما نسبت الكتابة إلى اليد من حيث إنها تفعل بها في قوله تعالى: {مِمََّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} (البقرة: 79] (4) وإن كانت الجملة كلها كاتبة ولهذا قال: {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا يَكْسِبُونَ} (البقرة: 79). وكذا قوله {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ} (الأنعام: 103) وقيل: المعنى على حذف المضاف لأنّ المدرك هو الجملة دون الحاسّة، فأسند الإدراك إلى الأبصار، لأنه بها يكون. وكقوله تعالى:
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللََّهُ نَفْسَهُ} (آل عمران: 28) أي إياه. {تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي} (المائدة:
116).
وجعل منه بعضهم قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ} (النور: 30)
__________
(1) في المخطوطة (وهو) بدون (إذ).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) تصحفت الآية في المخطوطة إلى (بما كسبت يداك).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/384)
وحكى ابن فارس (1) عن جماعة أن {مِنْ} هنا للتبعيض لأنهم أمروا بالغضّ عما يحرم النظر إليه. وقوله: {قُمِ اللَّيْلَ} (المزمل: 2) أي صلّ في الليل لأن القيام بعض الصلاة. وكقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78) أي صلاة الفجر. ومنه {الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} (البقرة: 144) والمراد جميع الحرم. وقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرََّاكِعِينَ}
(البقرة: 43) أي المصلين. {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقََانِ سُجَّداً} (الإسراء: 107) {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقََانِ يَبْكُونَ} (الإسراء: 109) أي الوجوه.
وقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَخْفى ََ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلََا فِي السَّمََاءِ} (آل عمران: 5) فعبّر بالأرض والسماء عن العالم لأن المقام مقام الوعيد والوعيد إنما يحصل لو بيّن أن الله لا يخفى عليه أحوال العباد حتى يجازيهم على كفرهم وإيمانهم، والعباد وأحوالهم ليست السماء والأرض بل من العالم فيكون المراد بالسماء والأرض العالم إطلاقا للجزء على الكلّ.
وقوله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} (التوبة: 61) قال الفارسي: جعله على المجاز «أذنا» لأجل إصغائه قال: ولو صغّرت «أذنا» هذه التي في هذه الآية، كان في لحاق التاء فيها وتركها نظر.
وجعل الإمام فخر الدين (2) قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثََابَةً لِلنََّاسِ وَأَمْناً} (البقرة:
125). المراد به جميع الحرم، لا صفة الكعبة فقط، بدليل قوله: {أَنََّا جَعَلْنََا حَرَماً آمِناً}
(العنكبوت: 67) وقوله: {هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ} (المائدة: 95) والمراد الحرم كله، لأنه لا يذبح في الكعبة، قال: وكذلك «المسجد [الحرام] (3)» في قوله [تعالى] (4): {فَلََا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} (التوبة: 28) والمراد منعهم من الحج وحضور مواضع النسك.
وقيل في قوله تعالى: {بَلى ََ قََادِرِينَ عَلى ََ أَنْ نُسَوِّيَ بَنََانَهُ} (القيامة: 4) أي نجعلها صفحة مستوية لا شقوق فيها كخف البعير، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة، كالكتابة
__________
(1) أحمد بن فارس بن زكريا تقدم التعريف به 1/ 191.
(2) انظر تفسيره 4/ 45، عند تفسير الآية.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) ساقطة من المطبوعة.(2/385)
والخياطة ونحوها من الأعمال التي يستعان فيها بالأصابع، قالوا: وذكرت [119/ ب] البنان لأنه قد ذكرت اليدان فاختصّ منها ألطفها.
وجوّز أبو عبيدة (1) ورود البعض وإرادة الكلّ وخرّج عليه قوله تعالى: {وَلَمََّا جََاءَ عِيسى ََ بِالْبَيِّنََاتِ قََالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (الزخرف:
63) أي كلّه، وقوله [تعالى] (2): {وَإِنْ يَكُ صََادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}
(غافر: 28) وأنشد بيت لبيد:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يعتلق (3) بعض النفوس حمامها (4)
قال: والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض ويقال للمنيّة: علوق، وعلاقة.
انتهى. وهذا الذي قاله فيه أمران: (أحدهما): أنه ظنّ أن النبيّ يجب عليه أن يبيّن في شريعته جميع ما اختلفوا فيه وليس كذلك بدليل سؤالهم عن الساعة وعن الروح وغيرهما (5) مما لا يعلمه إلا الله. وأما الآية الأخرى، فقال ثعلب: إنه كان وعدهم بشيء من العذاب: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا، وهو بعض الوعيد من غير نفي عذاب الآخرة. (الثاني): أنه أخطأ في فهم البيت وإنما (6) مراد الشّاعر ببعض النفوس نفسه هو، لأنها بعض النّفوس حقيقة ومعنى البيت: أنا إذا لم أرض الأمكنة أتركها إلى أن أموت أي إذا تركت شيئا لا أعود إليه إلى أن أموت، كقول الآخر:
إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدّهر ترجع
وقال الزمخشريّ: إن صحّت الرواية عن أبي عبيدة، (7) فيدخل فيه قول (7) المازني (9)
__________
(1) في كتاب مجاز القرآن 2/ 205.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (يتعلق).
(4) البيت في ديوانه ص 175 (طبعة دار صادر) من معلقته التي مطلعها:
عفت الدّيار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد عولها فرجامها
(5) في المخطوطة (وغيرها).
(6) في المخطوطة (وإن).
(7) العبارة في المخطوطة (فقد حق منه قال).
(9) هو بكر بن محمد بن بقية، أبو عثمان المازني شيخ نحاة البصرة تقدم في 2/ 365. وقد ذكر القصة كاملة القفطي في إنباه الرواة 1/ 289288في ترجمته.(2/386)
في مسألة «العلقى» (1): كان أجفى (2) من أن يفقه ما أقول (3) له. وأشار الزمخشري بذلك إلى أن أبا عبيدة قال للمازني: ما أكذب النحويين! يقولون: هاء التأنيث [لا] (4) تدخل على ألف التأنيث وإن الألف في «علقى» [ملحقة] (5)، قال: فقلت له: وما أنكرت من ذلك؟
قال سمعت رؤبة (6) ينشد فحطّ في علقى وفي مكور فلم ينوّنها، فقلت: ما واحد العلقى؟ فقال: علقاة، قال المازنيّ: فأسفت ولم أفسّر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا.
قلت: ويحتمل قوله: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} (غافر: 28) أن الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه، فكيف بعضه! ويدلّ قوله في آخر هذه السورة: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ فَإِمََّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنََا يُرْجَعُونَ} [7] (غافر: 77) وفيها تأييد لكلام ثعلب أيضا.
وقد يوصف البعض، كقوله تعالى: {يَعْلَمُ خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ} (غافر: 19) وقوله:
{نََاصِيَةٍ كََاذِبَةٍ خََاطِئَةٍ} (العلق: 16) الخطأ صفة الكلّ فوصف به الناصية، وأما الكاذبة فصفة اللسان (8). وقد يوصف الكلّ بصفة البعض كقوله: {إِنََّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} (الحجر:
52) والوجل صفة القلب. وقوله {[وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ]} [9] رُعْباً (الكهف: 18) والرعب إنما يكون في القلب.
(الخامس): إطلاق اسم الملزوم على الملازم. كقوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنََا عَلَيْهِمْ}
__________
(1) سيأتي ذكرها بعد أسطر.
(2) في المخطوطة (أخفى).
(3) في المخطوطة (بالقول).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) رؤبة بن العجاج الشاعر، تقدمت ترجمته في 1/ 180. وتمام البيت * بين تواري الشّمس والذّرور * كما في لسان العرب 10/ 264، و «العلقى»: شجر تدوم خضرته في القيظ ولها أفنان طوال دقاق وورق لطاف.
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (مرجعهم).
(8) في المخطوطة (للسان).
(9) ليست في المخطوطة.(2/387)
{سُلْطََاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمََا كََانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} (الروم: 35) أي أنزلنا برهانا يستدلون به، وهو يدلّهم، سمّى (1) الدلالة «كلاما»، لأنّها من لوازم الكلام. وقوله: {صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمََاتِ} (الأنعام: 39) فإن الأصل «عمي» لقوله في موضع آخر: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}
(البقرة: 18) لكن أتى بالظلمات لأنها من لوازم العمي. فإن قيل: ما الحكمة في دخول الواو هنا وفي التعبير بالظلمات عن العمى بخلافه في الآية الأخرى (2).
(السادس): إطلاق اسم اللازم على الملزوم. كقوله تعالى: {فَلَوْلََا أَنَّهُ كََانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (الصافات: 143) أي المصلّين.
(السابع) إطلاق اسم المطلق على المقيد: كقوله: {فَعَقَرُوا النََّاقَةَ} (الأعراف:
77) والعاقر لها من قوم صالح قدار (3) لكنّهم (4) لما رضوا الفعل (5) نزّلوا منزلة الفاعل.
(الثامن): عكسه. كقوله تعالى [120/ أ]: {تَعََالَوْا إِلى ََ كَلِمَةٍ سَوََاءٍ بَيْنَنََا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران: 64) والمراد كلمة (6) الشهادة، وهي عدة كلمات.
(التاسع): إطلاق اسم الخاص وإرادة العام. كقوله تعالى: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الزخرف: 46) أي رسله. وقال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون: 4) أي الأعداء. {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خََاضُوا} (التوبة: 69) أي الذين. وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} (التكوير: 14) [أي كلّ نفس] (7). وقوله: {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا}
(الشورى: 40) أي كلّ سيئة. وقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ وَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ}
(الأحزاب: 1) الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد الناس جميعا.
__________
(1) في المخطوطة (فسمّى).
(2) كذا في المخطوطة ذكر السؤال ولم يذكر الجواب.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (قيدار)، قال القرطبي في التفسير 7/ 241: «وقد اختلف في عاقر الناقة على أقوال: أصحها ما في صحيح مسلم 4/ 2191، الحديث 49/ 2855من حديث عبد الله بن زمعة قال «خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقََاهََا} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة» وذكر الحديث، وقيل في اسمه: قدار بن سالف، وحديث مسلم رواه أيضا البخاري في الصحيح 6/ 378كتاب أحاديث الأنبياء (60) الحديث (3377) وفي التفسير (65) الحديث (4942).
(4) في المخطوطة (لكن).
(5) في المخطوطة (بالفعل).
(6) في المخطوطة (كل).
(7) ساقطة من المخطوطة.(2/388)
(العاشر) إطلاق اسم العام وإرادة الخاص. كقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (الشورى: 5) (1) [أي للمؤمنين، بدليل قوله في موضع آخر: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}] (1) (غافر: 7) ولمّا خفي هذا على بعضهم زعم أنّ الأولى منسوخة بالثانية.
وكقوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قََانِتُونَ} (البقرة: 116) أي أهل طاعته، لا الناس أجمعون، حكاه الواحديّ عن ابن عباس وغيره، واختاره الفرّاء (3). وقوله: {كََانَ النََّاسُ أُمَّةً وََاحِدَةً}
(البقرة: 213) قيل: المراد بالناس هنا نوح ومن معه في السفينة. وقيل آدم وحواء.
وقوله: {وَآلَ عِمْرََانَ عَلَى الْعََالَمِينَ} (آل عمران: 33) أي عالمي زمانه، ولا يصح العموم لأنه إذا فضّل أحدهم على العالمين فقد فضّل على سائرهم لأنه (4) من العالمين، فإذا فضّل الآخرين على العالمين فقد فضّلهم أيضا على الأول لأنه من العالمين، فيصير الفاضل مفضولا ولا يصح. وقوله: {مََا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلََّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}
(الذاريات: 42) أي شيء يحكم عليه بالذهاب، بدليل قوله: {فَأَصْبَحُوا لََا يُرى ََ إِلََّا مَسََاكِنُهُمْ} (الأحقاف: 25). وقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهََا} (الأحقاف: 25) [ولم تجتح هودا والمسلمين معه] (5). وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (النمل: 23) مع أنها لم تؤت لحية ولا ذكرا. وقوله: {فَتَحْنََا عَلَيْهِمْ أَبْوََابَ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام: 44) أي أحبّوه.
وقوله: {حَتََّى إِذََا جََاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} (النور: 39) أي [شيئا] (6) مما ظنّه وقدره (7). وقوله حكاية عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 163) وعن موسى (8) {وَأَنَا أَوَّلُ} [9] الْمُؤْمِنِينَ (الأعراف: 143) ولم يرد الكلّ لأن الأنبياء
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) معاني القرآن 1/ 74.
(4) في المخطوطة (لأنهم).
(5) ليست في المطبوعة.
(6) ساقطة من المطبوعة.
(7) في المخطوطة (وقدروه).
(8) في المخطوطة (عيسى عليه السلام).
(9) تصحفت الآية في المخطوطة إلى (وأنا أول المسلمين المؤمنين).(2/389)
قبلهما (1) كانوا مسلمين ومؤمنين (2). وقال: {وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغََاوُونَ} (الشعراء:
224) ولم يعن كل الشعراء. وقوله: {فَإِنْ كََانَ لَهُ [إِخْوَةٌ]} [3] (النساء: 11) أي أخوان فصاعدا.
وقوله: {وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً} (الأعراف: 161) أي بابا من أبوابها، [كذا] (4) قاله المفسرين.
وقوله: {قََالَتِ الْأَعْرََابُ آمَنََّا} (الحجرات: 14) وإنما قاله فريق منهم. {وَمََا مَنَعَنََا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيََاتِ إِلََّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} (الإسراء: 59) وأراد الآيات التي إذا كذّب بها نزل العذاب على المكذّب. وقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (الشوري: 5) أي من المؤمنين. وقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (المؤمن: 7). وقوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} (الأنعام: 66) والمراد بعضهم، فإنّ منهم أفاضل (5) المسلمين والصديق وعليا (5) [رضي الله عنهما] (7).
وقوله: {الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (آل عمران: 173) فإن {النََّاسُ}، الأولى لو كان المراد به الاستغراق لما انتظم قوله تعالى بعد ذلك: {إِنَّ النََّاسَ}، ولأنّ {الَّذِينَ} من {النََّاسُ} فلا يكون الثاني مستغرقا، ضرورة خروج {الَّذِينَ} منهم، لأنهم لم يقولوا لأنفسهم. وقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} (البقرة:
197) والمراد شهران وبعض الثالث.
(الحادي عشر) إطلاق الجمع وإرادة المثنّى. كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} (التحريم: 4) أطلق اسم القلوب على القلبين.
(الثاني عشر) النقصان. ومنه حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كقوله: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف: 82) أي أهلها. وقوله: {رَبَّنََا وَآتِنََا مََا وَعَدْتَنََا عَلى ََ}
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (قبله ما).
(2) في المطبوعة (ولا مؤمنين) وهو تصحيف قبيح.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) العبارة في المخطوطة (المسلمين والصديقين كالصديق وعلي).
(7) ليست في المخطوطة.(2/390)
{رُسُلِكَ} (آل عمران: 194) أي على لسان رسلك. وقالوا: {نَحْنُ أَنْصََارُ اللََّهِ}
(الصف: 14) [أي أنصار دين الله] (1). وقال: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (البقرة: 93) أي حبّه (2).
{وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ} (الأعراف: 155) أي من قومه. قالوا: وإنما يحسن الحذف إذا كان فيه زيادة مبالغة، والمحذوفات في القرآن على هذا النمط، وسيأتي الإشباع فيه (3)
وفي شروطه [120/ ب] إن شاء الله تعالى. وذهب (4) المحققون إلى أنّ حذف المضاف ليس من المجاز لأنه استعمال اللفظ فيما وضع له، ولأن الكلمة المحذوفة ليست كذلك، وإنما التجوز في أن ينسب إلى المضاف إليه ما كان منسوبا إلى المضاف، كالأمثلة السابقة (5).
(الثالث عشر): الزيادة. كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) ذكره الأصوليّون. وللنحويين فيها قولان: (أحدهما): أن «مثل» زائدة والتقدير: ليس كهو شيء. (والثاني) وهو المشهور: أنّ الكاف هي الزائدة، وأن «مثل» خبر ليس. ولا خفاء أنّ القول بزيادة الحرف أسهل من القول بزيادة الاسم. وممن قال به ابن جنّي والسّيرافي (6) وغيرهما، فقالوا: المعنى ليس مثله شيء، والكاف زائدة، وإلا لاستحال الكلام، لأنها لو لم تكن زائدة كانت بمعنى «مثل»، وإن كانت حرفا، فيكون التقدير:
(7) [ليس مثل مثله شيء، وإذا قدّر هذا التقدير] (7) ثبت له مثل، ونفي الشبه عن مثله وهذا محال من وجهين: (أحدهما): أن الله عز وجل لا مثل له. (والثاني): أن نفس اللفظ به محال في حق كل أحد، وذلك أنّا لو قلنا: ليس مثل [مثل] (7) زيد، لاستحال ذلك، لأن فيه إثبات أنّ لزيد مثلا، وذلك يستلزم جعل زيد مثلا له لأن ما ماثل الشيء فقد ماثله ذلك (7) [الشيء] (7). وغير جائز أن يكون زيد مثلا لعمرو، وعمرو ليس مثلا لزيد، فإذا نفينا المثل
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (حبّوه).
(3) في النوع السادس والأربعين، في أساليب القرآن وفنونه البلاغية في 2/ 480.
(4) في المخطوطة (ذهب).
(5) في المخطوطة (التابعة).
(6) هو الحسن بن عبد الله المرزباني تقدم التعريف به في 1/ 414.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/391)
عن مثل (1) [زيد، وزيد هو مثل مثله، فقد اختلفنا. ولأنه يلزم منه التناقض على تقدير إثبات المثل، لأن مثل] (1) المثل لا يصح نفيه ضرورة كونه مثلا لشيء وهو مثل له.
وأجيب عن الأوّل بأنّا لا نسلّم لزوم إثبات المثل، غاية ما فيه نفي مثل مثل الله وذلك يستلزم ألّا يكون له مثل أصلا، ضرورة أن مثل كلّ شيء فذلك الشيء مثله، فإذا انتفى عن شيء أن يكون مثل [مثل] (3) عمرو انتفى عن عمرو [أن يكون مثله] (4). وأما الثاني فهو مبنيّ على أنّ هذه العبارات (5) يلزم منها إثبات المثل، ونحن قد منعناه، بل أحلناه من العبارة. وقيل: ليست زائدة، إما لاعتبار (6) جواز سلب الشيء عن المعدوم، كما تسلب الكتابة عن زيد وهو معدوم، أو بحمل المثل على المثل، أي الصفة، كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} (الرعد: 35) أي صفتها، فالتقدير: ليس كصفته شيء.
وبهذين التقديرين يحصل التخلص (7) عن لزوم إثبات «مثل» وإن لم تكن زائدة. وأما القائلون بأن الزائد «مثل»، وإلا لزم إثبات المثل، ففيه نظر، لاستلزام تقدير دخول الكاف على الضمير وهو ضعيف لا يجيء إلا في الشعر. وقد ذكرنا ما يخلص (8) من لزوم إثبات المثل. وقيل: المراد الذات والعين، كقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ} (البقرة:
137) وقول امرئ القيس:
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه (9)
فالكاف على بابها، وليس كذاك، بل المراد حقيقة المثل ليكون نفيا عن الذات بطريق برهانيّ كسائر الكنايات. ثم لا يشترط على هذا أن يكون لتلك الذات الممدوحة مثل في الخارج حصل النفي عنه بل هو من باب التخييل في الاستعارة التي يتكلم فيها البيانيّ.
فإن قيل: إنما يكون هذا نفيا عن الذات بطريق برهانيّ أن لو كانت المماثلة تستدعي المساواة في الصفات الذاتية وغيرها من الأفعال، فإن اتفاق الشخصيتين (10) بالذاتيات لا
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (العبارة).
(6) في المخطوطة (وأما الاعتبار).
(7) في المخطوطة (التخصيص).
(8) في المخطوطة (تلخص).
(9) لم نجده في ديوانه (طبعة دار صادر).
(10) في المخطوطة (الشخصين).(2/392)
يستلزم اتحاد أفعالهما. قيل: ليس المراد بالمثل هنا المصطلح عليه في العلوم العقلية، بل المراد من هو مثل حاله في الصفات المناسبة لما سيق الكلام له، وليس المراد من هو مثل في كل شيء لأن لفظة «مثل» لا تستدعي المشابهة من كل وجه.
وقال الكواشيّ (1): يجوز أن يقال: إن الكاف و «مثل» ليسا زائدتين، بل يكون التمثيل هنا على سبيل الفرض، كقوله: {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} (الأنبياء: 22) وتقدير الكلام: لو فرضنا له مثلا لامتنع أن يشبه ذلك المثل المفروض شيء [121/ أ] وهذا أبلغ في نفي المماثلة.
وأما قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} (البقرة: 137) فقيل:
إنّ «ما» فيه مصدرية. وهذا فيه نظر (2)، لأن «ما» لو كانت مصدرية لم يعد إليها من الصلة (3) ضمير، وهو الهاء (4) في {بِهِ} لأن الضمير لا يعود على الحروف، ولا يعتبر اسما إلا بالصلة، والاسم لا يعود عليه [ضمير] (5) ما هو صفته إذ لا يحتاج في ذلك إلى ربط.
وجوابه أن تكون «ما» موصولة، صلتها {آمَنْتُمْ بِهِ} (البقرة: 137) وقيل: مزيدة، والتقدير: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، أي بالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما جاء (6) به الأنبياء. وقيل: إن «مثلا» صفة لمحذوف تقديره: فإن آمنوا بشيء مثل ما آمنتم به. وفيه نظر، لأن ما آمنوا به ليس له مثل حتى يؤمنوا بذلك المثل.
وحكى الواحديّ (7) عن أكثر المفسرين في قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ}
(البقرة: 115) أن «الوجه» صلة، والمعنى: فثمّ الله يعلم ويرى، قال: والوجه قد ورد صلة مع اسم الله كثيرا، كقوله: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ} (الرحمن: 27) {إِنَّمََا نُطْعِمُكُمْ}
__________
(1) هو أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الكواشي تقدم في 1/ 272.
(2) عبارة المخطوطة (وفيه أيضا نظر) بدون (وهذا).
(3) في المخطوطة (الضمائر).
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (العاني) بدل (الهاء في).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) في المخطوطة (تجيء).
(7) هو علي بن أحمد الواحدي، تقدم التعريف به في 1/ 105.(2/393)
{لِوَجْهِ اللََّهِ} (الدهر: 9) {كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ} (القصص: 88). قلت: والأشبه حمله على أن المزاد به الذات، كما في قوله تعالى: {بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ} (البقرة:
112) وهو أولى من دعوى الزيادة.
ومن الزيادة دعوى أبي عبيدة (1) {يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} (الشعراء: 72) أن {إِذْ}
زائدة. وقوله: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (آل عمران: 50). وقوله:
{وَإِنْ يَكُ صََادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} (المؤمن: 28) وقد سبق.
* (الرابع عشر): تسمية الشيء بما يؤول إليه. كقوله تعالى: {وَلََا يَلِدُوا إِلََّا فََاجِراً كَفََّاراً} (نوح: 27) أي صائرا إلى الفجور والكفر. وقوله: {إِنِّي أَرََانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} (يوسف: 36) أي لأنّ الّذي تأكل الطير منه إنما هو البرّ لا الخبز. ولم يذكر العلماء هذا من جملة الأمثلة إنما اقتصروا في التمثيل على قوله: {أَعْصِرُ خَمْراً} (يوسف: 36) أي عنبا، فعبّر عنه لأنه آيل إلى الخمريّة. وقيل: لا مجاز فيه، فإن الخمر العنب بعينه، لغة لأزد عمان نقله الفارسي (2) في «التذكرة» عن «غريب القرآن» لابن دريد (3). وقيل: اكتفى بالمسبّب، الذي هو الخمر، عن السبب، الذي هو العنب قاله ابن جني في «الخصائص» (4). وقيل: لا مجاز في الاسم بل في الفعل، وهو {أَعْصِرُ} فإنه أطلق وأريد به أستخرج (5) وإليه ذهب ابن عزيز في «غريبه» (6).
وقوله (7): {[حَتََّى]} [8] تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (البقرة: 230) سماه زوجا لأنّ العقد
__________
(1) هو معمر بن المثنى تقدم التعريف به في 1/ 383.
(2) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي الفارسي تقدم التعريف به في 1/ 375، وكتابه «التذكرة». ذكره القفطي في إنباه الرواة 1/ 309، وقال حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 384: «وهو كبير في مجلدات لخّصه أبو الفتح عثمان بن جني النحوي». ومنه نسخة قديمة مخطوطة بمكتبة ميرزا فضل الله في إيران زنجان، وهي عبارة عن الجزء الثاني فقط ويغلب على الظن أن النسخة من خطوط القرن الخامس، (انظر مجلة لغة العرب س 6، ج 2، ص 92وبروكلمان عربي 2/ 193).
(3) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، تقدم التعريف به في 1/ 152، وكتابه تقدم التعريف به أول النوع الثامن عشر (معرفة غريب القرآن).
(4) انظر الخصائص لابن جني 3/ 177، باب في توجّه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين.
(5) في المخطوطة (الاستخراج).
(6) تقدم التعريف به وبكتابه في 1/ 393. وانظر قوله في نزهة القلوب ص 80.
(7) في المخطوطة (وقيل).
(8) ليست في المخطوطة.(2/394)
يؤول إلى زوجية (1)، لأنها لا تنكح في حال كونه زوجا. وقوله: {فَبَشَّرْنََاهُ بِغُلََامٍ حَلِيمٍ}
(الصافات: 101) {وَبَشَّرُوهُ بِغُلََامٍ عَلِيمٍ} (الذاريات: 28) وصفه في حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم.
[تنبيه] (2): ليس هذا من الحال المقدّرة كما يتبادر إلى الذهن لأنّ الذي يقترن بالفاعل، أو المفعول إنما هو تقدير ذلك وإرادته، فيكون المعنى في قوله: {فَتَبَسَّمَ ضََاحِكاً} (النمل: 19) مقدّرا ضحكه. وكذا قوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} (يوسف:
100) على قول أبي عليّ، و [على] (3) هذا حمل منه للخرور على ابتدائه، وإن حمله على انتهائه كانت الحال الملفوظ بها ناجزة غير مقدرة. وكذلك [قوله] (4): {فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ} (الزمر: 73) [أي ادخلوها] (4) مقدرين الخلود [فيها] (4) فإن من دخل مدخلا كريما مقدرا ألّا (7) يخرج منه أبدا كان ذلك أتمّ لسروره ونعيمه، ولو توهّم انقطاعه لتنغص عليه النعيم الناجز مما يتوهمه من الانقطاع اللاحق.
* (الخامس عشر): تسمية الشيء بما كان (8) عليه. كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتََامى ََ أَمْوََالَهُمْ} (النساء: 2) أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتم (9) بعد البلوغ. وقيل: بل هم يتامى حقيقة، وأما حديث: «لا يتم بعد احتلام (10)» فهو من تعليم الشرع لا اللغة، وهو غريب. [وقوله] (11): {وَلَكُمْ نِصْفُ مََا تَرَكَ أَزْوََاجُكُمْ} (النساء: 12) وإذا متن لم يكنّ أزواجا، فسماهنّ بذلك [121/ ب] لأنهنّ كن أزواجا.
وقوله: {فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوََاجَهُنَّ} (البقرة: 232) [أي الذين كانوا أزواجهنّ] (11). وكذلك: {وَيَذَرُونَ أَزْوََاجاً} (البقرة: 234) لانقطاع الزوجية بالموت.
وقوله: {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} (طه: 74) سمّاه مجرما باعتبار ما كان عليه في الدنيا من
__________
(1) في المخطوطة (زوجته).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.
(4) ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوط (لا).
(8) في المخطوطة (كانوا).
(9) في المخطوطة (يتيم).
(10) أخرجه أبو داود في السنن 3/ 293، كتاب الوصايا (12)، باب ما جاء متى ينقطع اليتم؟ (9)، الحديث (2873)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(11) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/395)
الإجرام. وقوله: {هََذِهِ بِضََاعَتُنََا رُدَّتْ إِلَيْنََا} (يوسف: 65) ولكن ما ردّ عليهم [ما] (1)
لهم، وإنما كانوا قد اشتروا بها الميرة، فجعلها يوسف [عليه السلام] (2) في متاعهم، وهي له دونهم، فنسبها الله [تعالى] (2) إليهم، بمعنى أنها كانت لهم.
* (السادس عشر): إطلاق اسم المحل على الحال. كقوله: {فَلْيَدْعُ نََادِيَهُ}
(العلق: 17). وقوله [تعالى] (4): {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} (الواقعة: 34) أي نساؤه، بدليل قوله: {إِنََّا أَنْشَأْنََاهُنَّ إِنْشََاءً} (الواقعة: 35). وكالتعبير باليد عن القدرة، كقوله:
{بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (الملك: 1) ونحوه. والتعبير بالقلب عن الفعل، كقوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لََا يَفْقَهُونَ بِهََا} (الأعراف: 179) أي عقول. وبالأفواه عن الألسن، كقوله: {الَّذِينَ قََالُوا آمَنََّا بِأَفْوََاهِهِمْ} (المائدة: 41) (5) [{يَقُولُونَ بِأَفْوََاهِهِمْ}] (5) (آل عمران: 167).
وإطلاق الألسن على (7) اللغات، كقوله: {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 195).
والتعبير بالقرية عن ساكنها، نحو: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف: 82).
* (السابع عشر): إطلاق اسم الحال على المحل. كقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللََّهِ هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} (آل عمران: 107) أي في الجنّة لأنها محلّ الرحمة. وقوله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} (سبأ: 33) أي في الليل. وقال الحسن في قوله [تعالى] (8): {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللََّهُ فِي مَنََامِكَ} (الأنفال: 43) أي في عينك، واستبعده الزمخشريّ (9) وقدّر: يعني في رؤياك. وقوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}
(إبراهيم: 35) وصف البلد بالأمن، وهو صفة لأهله. ومثله: {وَهََذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}
(التين: 3) {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقََامٍ أَمِينٍ} (الدخان: 51).
وقوله: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} (سبأ: 15) وصفها بالطيب وهو صفة لهوائها. وقد اجتمع هذا
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ليست في المطبوعة.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) الآية بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوطة (عن).
(8) ليست في المطبوعة.
(9) الكشاف 2/ 128قال الزمخشري: «وما أحسب هذه الرواية صحيحة فيه عن الحسن وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته».(2/396)
والذي قبله في قوله تعالى: {يََا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31) وذلك لأنّ أخذ الزينة غير ممكن لأنها مصدر فيكون المراد محلّ الزينة، ولا يجب أخذ الزينة للمسجد نفسه فيكون المراد بالمسجد الصلاة، فأطلق اسم المحل على الحالّ وفي الزينة بالعكس.
* (الثامن عشر): إطلاق اسم آلة الشيء عليه. كقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسََانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء: 84) أي ذكرا حسنا، أطلق اللسان وعبّر به عن الذكر لأن اللسان آلة (1) الذكر. وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (القمر: 14) أي بمرأى منّا، لما كانت العين آلة الرؤية. وقوله: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4) أي بلغة قومه.
* (التاسع عشر): إطلاق اسم الضدّين على الآخر. كقوله تعالى: {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} (الشورى: 40) وهي من المبتدئ سيئة ومن الله حسنة، فحمل اللفظ على اللفظ. وعكسه: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (الرحمن: 60) سمّي الأول إحسانا لأنه مقابل لجزائه وهو الإحسان، والأول طاعة، كأنه (2) قال: هل جزاء الطاعة إلا الثواب! وكذلك: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللََّهُ} (آل عمران: 54) حمل اللفظ على اللفظ، فخرج الانتقام بلفظ الذنب، لأنّ الله لا يمكر.
وأما قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللََّهِ فَلََا يَأْمَنُ مَكْرَ اللََّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخََاسِرُونَ}
(الأعراف: 99) فهو وإن لم يتقدم ذكر مكرهم في اللفظ لكن تقدم في سياق الآية قبله ما يصير إلى مكر، والمقابلة لا يشترط فيها ذكر المقابل لفظا، بل هو، أو ما في معناه. وكذلك قوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 34) لمّا قال: بشّر هؤلاء بالجنّة قال: بشّر هؤلاء بالعذاب والبشارة إنما تكون في الخير لا في الشرّ. وقوله: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنََّا فَإِنََّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} (هود: 38) والفعل الثاني ليس بسخرية.
* (العشرون): تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصّارف عنه. لما بينهما من
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى (آية).
(2) في المخطوطة (فكأنه).(2/397)
التعلق، ذكره السكاكيّ (1)، وخرّج عليه قوله تعالى: {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ}
(الأعراف: 12) يعني «ما دعاك ألّا تسجد»؟ [122/ أ] واعتصم بذلك في عدم زيادة «لا». وقيل: معناه: ما حماك في ألّا تسجد أي من العقوبة أي ما جعلك في منعة من عقوبة ترك السجود. وهذا لا يصحّ أما الأول فلم يثبت في اللّغة وأما الثاني فكأن تركيبه:
«ما يمنعك» سؤالا [يتناقض] (2) عما [يمنعه] (3) لا بلفظ الماضي، لأنه لا تخويف بماض.
ويجاب بأن المخالفة تقتضي الأمنة، كأنه قيل: ما أمنك حتى خالفت! بيانا لاغتراره وعدم رشده، وأنه إنما خالف وحاله حال من امتنع بقوته من عذاب ربه، فكنى عنه ب «ما منعك» تهكّما، لا أنه امتنع حقيقة وإنما جسر جسارة (4) من هو في منعة. وردّ أيضا بأنه أجاب ب {أَنَا خَيْرٌ}، وهو لا يصلح جوابا إلا لترك السجود. وأجيب بأنه لم يجب، ولكن (5) عدل بذلك جواب ما لا يمكن جوابه.
* (الحادي والعشرون): إقامة صيغة مقام أخرى. وله صور:
فمنه «فاعل» بمعنى «مفعول» كقوله [تعالى] (6): {لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ}
(هود: 43). [أي] (7) لا معصوم. وقوله تعالى: {مِنْ [مََاءٍ]} [8] دََافِقٍ (الطارق:
6) أي مدفوق. و {[فِي]} [9] عِيشَةٍ [رََاضِيَةٍ] (10) أي مرضيّة بها وقيل: على النسب، أي ذات رضا، وهو مجاز إفراد لا تركيب (11). وقوله: {أَنََّا جَعَلْنََا حَرَماً آمِناً} (العنكبوت:
67) أي مأمونا [فيه] (12). (13) [{وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً} (الإسراء: 12) أي مبصور
__________
(1) انظر كتابه مفتاح العلوم ص 367، (بتصحيح نعيم زرزور) الفصل الثاني: المجاز اللغوي الراجع إلى المعنى المفيد، والسكاكي تقدم التعريف به في 1/ 363.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) عبارة المخطوطة (خسر خسارة).
(5) في المخطوطة (ولكنه).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) ليست في المطبوعة.
(9) ليست في المخطوطة.
(10) ليست في المطبوعة.
(11) في المخطوطة (إذ لا تركيب).
(12) ساقطة من المطبوعة.
(13) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.(2/398)
فيها {فِي يَوْمٍ عََاصِفٍ} (إبراهيم: 18) لأن المعصوف يكون فيه. وقوله {وَخَيْرٌ أَمَلًا}
(الكهف: 46) أي مأمولا]. وعكسه: {إِنَّهُ كََانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} (مريم: 61) [أي آتيا] (1).
وجعل منه بعضهم قوله [تعالى] (1): {حِجََاباً مَسْتُوراً} (الإسراء: 45) أي ساترا، وحكى الهرويّ (3) في «الغريب» عن أهل (4) اللغة، وتأويل الحجاب الطّبع. وقال السهيلي (5): الصحيح أنه على بابه، أي مستورا عن العيون (6)، ولا يحسّ به أحد، والمعنى «مستور عنك وعنهم» كما قال تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلََّا هُوَ} (المدثر:
31) وقال الجوهري (7): «أي حجابا على حجاب، والأول مستور بالثاني، يراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنّة وفي آذانهم وقرا».
قال (8) أبو الفتح (9) في كتابه (10) «[هذا] (11) القدّ»: وسألته يعني الفارسي إذا جعلت فاعلا بمعنى مفعول (12) [فعلام ترفع الضمير الذي فيه؟ أعلى حدّ] (12) ارتفاع (14)
الضمير في اسم الفاعل (15) [أم اسم المفعول؟ فقال: إن كان بمعنى «مفعول» ارتفع الضمير فيه ارتفاع الضمير في اسم الفاعل] (15) وإن جاء على لفظ اسم الفاعل.
ومنه «فعيل» بمعنى «مفعول» كقوله {وَكََانَ الْكََافِرُ عَلى ََ رَبِّهِ ظَهِيراً} (الفرقان:
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(3) هو حمد بن محمد الهروي تقدم التعريف به في 1/ 373، وبكتابه في أول النوع الثامن عشر معرفة غريبه 1/ 29.
(4) في المطبوعة (أصل).
(5) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم التعريف به في 1/ 242.
(6) في المخطوطة (العيوب).
(7) هو إسماعيل بن حماد الجوهري تقدم في 1/ 373. وانظر كتابه الصحاح في اللغة مادة «ستر».
(8) في المخطوطة (وقال).
(9) هو أبو الفتوح عثمان بن جني.
(10) في المخطوطة (كتاب). وكتابه ذكره ياقوت في معجم الأدباء 12/ 113.
(11) ساقطة من المخطوطة.
(12) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(14) في المخطوطة (ارتفع).
(15) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/399)
55) أي مظهورا فيه، ومنه ظهرت به فلم ألتفت إليه. أما (1) نحو: {فَلَهُ عَذََابٌ أَلِيمٌ}
(البقرة: 178) فقال بعض النحويين: إنه بمعنى «مؤلم» وردّه النّحاس (2)، بأن «مؤلما» يجوز أن يكون [قد] (3) آلم ثم زال، و «أليم» أبلغ، لأنه يدلّ على الملازمة، قال: ولهذا منع النحويون إلا سيبويه (4) أن يعدّى «فعيل».
ومنه مجيء المصدر على «فعول»، كقوله تعالى: {لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرََادَ شُكُوراً} (الفرقان: 62) وقوله: {لََا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزََاءً وَلََا شُكُوراً} (الإنسان: 9) فإنه ليس المراد الجمع هنا، بل المراد: لا نريد منكم شكرا [أي] (5) أصلا، وهذا أبلغ في قصد الإخلاص في نفي الأنواع. وزعم السّهيليّ أنه جمع «شكر»، وليس كذلك لفوات هذا المعنى.
ومنها إقامة الفاعل مقام المصدر، نحو: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهََا كََاذِبَةٌ} (الواقعة: 2) أي تكذيب، وإقامة المفعول مقام المصدر، نحو: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (القلم: 6) أي الفتنة.
ومنه وصف الشيء بالمصدر، كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} (الشعراء: 77) قالوا: إنما وحّده، لأنه في معنى المصدر، كأنه قال: «فإنهم عداوة».
ومجيء المصدر بمعنى المفعول كقوله تعالى: {وَلََا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ}
(البقرة: 255) أي من معلومه. وقوله: {ذََلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (النجم: 30) أي من العلوم. وقوله: {صُنْعَ اللََّهِ} (النمل: 88) أي مصنوعه. وقوله: {هََذََا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} (الكهف: 98) أي مترحم، قاله الفارسي. وكذا قوله: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}
(الكهف: 95) أي مقوّى به، ألا ترى أنه أراد منهم زبر الحديد والنفخ عليها!.
وقوله: {وَقَدْ خََابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} (طه: 111) أي مظلوما فيه.
__________
(1) في المخطوطة (وأما).
(2) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النحاس، تقدم التعريف به في 1/ 356. وانظر قوله في كتابه «القطع والائتناف» ص 119في الكلام على الآية (10) من سورة البقرة.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) انظر الكتاب لسيبويه 4/ 1514، باب بناء الأفعال التي هي أعمال (بتحقيق عبد السلام هارون).
(5) ساقطة من المطبوعة.(2/400)
وقوله [122/ ب] تعالى: {وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (يوسف: 18) أي مكذوب فيه، وإلا لو كان على ظاهره لأشكل، لأن الكاذب من صفات الأقوال لا الأجسام. وقال الفراء (1): يجوز في النحو: «بدم كذبا» بالنصب على المصدر لأن {جََاؤُ} فيه معنى «كذبوا كذبا» كما قال تعالى: {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} (العاديات: 1) لأن «العاديات» بمعنى «الضّابحات». وعكسه {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ [لِمََا]} [2] عَلَّمْنََاهُ (يوسف: 68).
ومنه «فعيل» بمعنى الجمع كقوله تعالى: {وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ}
(التحريم: 4) وقوله: {خَلَصُوا نَجِيًّا} (يوسف: 80). وقوله: {وَحَسُنَ أُولََئِكَ رَفِيقاً} (النساء: 69). وشرط بعضهم أن يكون المخبر عنه جمعا، وأنه لا يجيء ذلك في المثنّى ويردّه قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ} (ق: 17) فإنه نقل الواحدي عن المبرّد، وابن عطية (3) عن الفرّاء أن «قعيد» أسند (4) لهما.
وقد يقع الإخبار بلفظ الفرد عن لفظ الجمع، وإن أريد معناه لنكتة، كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} (القمر: 44) فإنّ سبب النزول وهو قول أبي جهل «نحن ننتصر اليوم» (5) يقضي بإعراب «منتصر» خبرا.
ومنه إطلاق الخبر وإرادة الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ}
(البقرة: 233) (6) [أي ليرضع الوالدات أولادهنّ] (6). وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ} [8] [بِأَنْفُسِهِنَّ
(البقرة: 234) أي تتربص] (8) المتوفّى عنها (10). وقوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً}
(يوسف: 47) والمعنى «ازرعوا سبع سنين»، بدليل قوله: {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ}
(يوسف: 47).
__________
(1) انظر معاني القرآن 2/ 38.
(2) ليست في المطبوعة.
(3) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم في 1/ 101. وانظر معاني القرآن للفراء 3/ 77.
(4) في المخطوطة (مستند إليهما).
(5) سبب النزول ذكره الزمخشري في الكشاف 4/ 48. أن أبا جهل ضرب فرسه يوم بدر، فتقدّم في الصف وقال: «نحن ننتصر من محمد وأصحابه، فنزلت: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) في المخطوطة (عنهن)، وفي المخطوطة زيادة بعد كلمة عنهن هي (وقوله والمطلقات يتربصن).(2/401)
وقوله: {تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجََاهِدُونَ} (الصف: 11) معناه: آمنوا وجاهدوا، ولذلك (1) أجيب بالجزم في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [2] وَيُدْخِلْكُمْ جَنََّاتٍ (الصف: 12) ولا يصح أن يكون جوابا للاستفهام في قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} (الصف: 10) لأن المغفرة وإدخال الجنان لا يترتبان (3) [على] (4) مجرد الدلالة قاله أبو البقاء (5) والشيخ عز الدين (6).
والتحقيق ما قاله النيليّ (7) أنه جعل الدلالة على التجارة سببا لوجودها، والتجارة هي الإيمان، ولذلك (8) فسّرها بقوله: {تُؤْمِنُونَ} (الصف: 11) فعلم أن التجارة من جهة الدلالة هي الإيمان فالدلالة سبب الإيمان، والإيمان سبب الغفران، وسبب السبب سبب.
وهذا النوع فيه تأكيد وهو من مجاز التشبيه، شبه الطلب في تأكده بخبر الصادق الذي لا بدّ من وقوعه، وإذا شبهه بالخبر الماضي كان آكد.
ومنه عكسه كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} (مريم: 75) والتقدير: مدّه الرحمن مدّا. وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنََا وَلْنَحْمِلْ خَطََايََاكُمْ} (العنكبوت: 12) أي نحمل.
قال الكواشي (9): والأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم، نحو: إن زرتنا
__________
(1) في المخطوطة (وكذلك).
(2) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (من ذنوبكم).
(3) في المخطوطة (يترتب).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) هو عبد الله بن الحسين، أبو البقاء العكبري وانظر قوله في كتابه إملاء ما من به الرحمن 2/ 260 (طبعة دار الكتب العلمية).
(6) هو عبد العزيز بن عبد السلام، عز الدين أبو محمد، وانظر قوله في كتابه الإشارة إلى الإيجاز ص 2827.
(7) هو محمد بن الحسن بن أبي سارة أبو جعفر الرؤاسي النيلي، كان ينزل النيل فقيل له النيلي، وسمي الرؤاسي لكبر رأسه، وكان أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو. قال ثعلب: «كان الرؤاسي أستاذ علي بن حمزة الكسائي والفرّاء، وسئل الفرّاء عن الرؤاسي فأثنى عليه»، وقال أبو الطيب اللغوي في كتاب «المراتب»: «وممن أخذ عن أبي عمرو بن العلاء من أهل الكوفة: أبو جعفر الرؤاسي عالم أهل الكوفة». من تصانيفه «الفيصل» و «معاني القرآن» و «الوقف والابتداء» توفي في أيام الرشيد قبل سنة 193هـ (معجم الأدباء 18/ 121).
(8) في المخطوطة (وكذلك).
(9) هو أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي، صاحب التفسير، تقدم التعريف به في 1/ 272، وذكر قوله السيوطي في الإتقان 3/ 120.(2/402)
فلنكرمك. يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم، كذا (1) قال الشيخ عز الدين مقصوده تأكيد (2) الخبر لأن الأمر للإيجاب يشبه (3) الخبر في إيجابه.
وجعل الفارسيّ منه قوله تعالى: {إِنَّمََا قَوْلُنََا} [4] لِشَيْءٍ إِذََا أَرَدْنََاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(النحل: 40) قال: {كُنْ} لفظه أمر والمراد الخبر، والتقدير: [«يكون] (5) فيكون» أو على أنه مخبر مبتدأ محذوف أي فهو يكون، قال: ولهذا أجمع القراء على رفع {فَيَكُونُ}
ورفضوا فيه النصب إلا ما روي عن ابن عامر (6)، وسوّغ النصب لكونه (7) بصيغة الأمر قال: ولا يجوز أن يكون معطوفا على {نَقُولَ} فيجيء النصب على الفعل المنصوب [بأن] (8) لأن ذلك لا يطّرد، بدليل قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى ََ عِنْدَ اللََّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ قََالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: 59) إذ لا يستقيم هنا العطف المذكور لأن {قََالَ} ماض {فَيَكُونُ} مضارعا، فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما. (قلت): وهذا الذي قاله الفارسيّ ضعيف مخالف لقواعد أهل [123/ أ] السنة.
ومنه إطلاق الخبر وإرادة النهي، كقوله: {لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} (البقرة: 83)، ومعناه: «لا تعبدوا». وقوله: {لََا تَسْفِكُونَ دِمََاءَكُمْ وَلََا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} (البقرة: 84) (9) [أي لا تسفكوا ولا تخرجوا] (9). وقوله: {وَمََا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغََاءَ وَجْهِ اللََّهِ} (البقرة:
272) أي ولا تنفقوا.
* (الثاني والعشرون) إطلاق الأمر وإرادة التهديد والتلوين (11). وغير ذلك من المعاني الستة عشر وما زيد عليها من أنواع المجاز ولم يذكروه هنا في أقسامه.
* (الثالث والعشرون): إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له في الحقيقة. إما على
__________
(1) في المخطوطة (وكذا)، وانظر قول العز بن عبد السلام في كتابه الإشارة إلى الإيجاز ص 28.
(2) في المخطوطة (توكيد).
(3) في المخطوطة (كشبه).
(4) في المطبوعة (إنما أمرنا) والصواب الموافق للقرآن الكريم نص المخطوطة.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) قرأ ابن عامر والكسائي {فَيَكُونُ} بالنصب والباقون بالرفع (التيسير ص 137)
(7) في المخطوطة (كونه).
(8) ساقطة من المطبوعة.
(9) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(11) في المخطوطة (والتكوين).(2/403)
التشبيه، كقوله تعالى: {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (الكهف: 77) فإنه شبّه ميله للوقوع بشبه المريد له.
وإما لأنه وقع فيه ذلك الفعل، كقوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} (الروم: 1و 2) فالغلبة واقعة بهم من غيرهم، [ثم قال] (1): {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (الروم:
3) فأضاف الغلب إليهم وإنما كان كذلك لأنّ الغلب وإن كان لغيرهم فهو متّصل بهم لوقوعه بهم. ومثله: {وَآتَى الْمََالَ عَلى ََ حُبِّهِ} (البقرة: 177) {وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ} (الإنسان: 8) فالحبّ في الظاهر مضاف إلى الطعام والمال وهو في الحقيقة لصاحبهما. ومثله: {وَلِمَنْ خََافَ مَقََامَ رَبِّهِ جَنَّتََانِ} (الرحمن: 46) {ذََلِكَ لِمَنْ خََافَ مَقََامِي [وَخََافَ وَعِيدِ]} [2] (إبراهيم: 14) أي مقامه بين يديّ.
وإما لوقوعه فيه، كقوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً} (المزمل: 17) وإما لأنه سببه، كقوله تعالى: {فَزََادَتْهُمْ إِيمََاناً} (التوبة: 124) {وَذََلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدََاكُمْ} (فصلت: 23) {يَنْزِعُ عَنْهُمََا لِبََاسَهُمََا} (الأعراف: 27) {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دََارَ الْبَوََارِ} (إبراهيم: 28) كما تقدّم في أمثلة المجاز العقلي. وقد يقال: إن النزع والإحلال يعبّر بهما عن فعل ما أوجبهما فالمجاز إفراديّ لا إسناديّ.
وقوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً} (المزمل: 17) أي يجعل هوله: فهو من مجاز الحذف.
(الرابع والعشرون): إطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته لا حقيقته. كقوله تعالى: {فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} (الطلاق: 2) أي قاربن بلوغ الأجل، أي انقضاء العدة لأنّ الإمساك لا يكون بعد انقضاء العدة، فيكون بلوغ الأجل تمامه كقوله [تعالى] (3): {فَبَلَغْنَ} [4] أَجَلَهُنَّ فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ (البقرة: 232) أي أتممن العدّة وأردن مراجعة الأزواج. ولو كانت مقاربته لم يكن للولي حكم في إزالة الرجعة لأنها بيد الزوج، ولو كان الطلاق غير رجعيّ لم يكن للوليّ أيضا عليها حكم قبل تمام العدّة، ولا تسمّى عاضلا حتى يمنعها تمام العدّة من المراجعة.
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) في المطبوعة والمخطوطة (فإذا بلغن) وصواب نص الآية ما أثبتناه.(2/404)
ومثله (1) قوله تعالى: {فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ لََا يَسْتَأْخِرُونَ} (النحل: 61) المعنى قارب، وبه يندفع السؤال المشهور فيها، إن عند (2) مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (البقرة: 180) أي قارب حضور الموت.
وقوله تعالى: {كَذََلِكَ سَلَكْنََاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لََا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتََّى يَرَوُا الْعَذََابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} (الشعراء: 202200) أي حتى يشارفوا الرؤية ويقاربوها.
ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها وذلك على أن يكون: يرونه فلا يظنونه عذابا.
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمََاءِ سََاقِطاً يَقُولُوا سَحََابٌ مَرْكُومٌ} (الطور: 44) (3) [أي يعتقدونه عذابا] (3) ولا يظنونه واقعا بهم، [وحينئذ] (5) فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته.
ومن دقيق هذا النوع قوله تعالى: {وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ} (هود: 45) المراد قارب النداء، لا أوقع النداء، لدخول الفاء في {فَقََالَ} فإنه لو وقع النداء لسقطت، وكان ما ذكر تفسيرا للنداء، كقوله تعالى: {هُنََالِكَ دَعََا زَكَرِيََّا رَبَّهُ قََالَ} (آل عمران: 38) [123/ ب]، وقوله: {إِذْ نََادى ََ رَبَّهُ نِدََاءً خَفِيًّا * قََالَ رَبِّ} (مريم: 43) لمّا فسّر النداء سقطت الفاء. وذكر النحاة أن هذه الفاء تفسيرية لأنها عطفت مفسّرا على مجمل، كقوله:
«توضأ فغسل وجهه» وفائدة ذلك أن نوحا عليه السلام أراد ذلك، فرد القصد إليه ولم يقع، لا عن قصد.
ومنه قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعََافاً خََافُوا عَلَيْهِمْ}
(النساء: 9) أي وليخش الذين إن شارفوا أن يتركوا، وإنما أوّل الترك بمشارفة الترك لأنّ الخطاب للأوصياء إنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعده أموات.
وقريب منه إطلاق الفعل وإرادة إرادته، كقوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
(النحل: 98) أي إذا أردت. وقوله: {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} (المائدة: 6) أي
__________
(1) في المخطوطة (ومنه).
(2) في المخطوطة (عندي).
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(5) ساقطة من المخطوطة.(2/405)
إذا أردتم، لأن الإرادة سبب القيام. {إِذََا قَضى ََ أَمْراً} (مريم: 35) أي [إذا] (1) أراد.
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} (المائدة: 42) أي أردت الحكم.
ومثله: {وَإِذََا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النََّاسِ} (النساء: 58).
{إِذََا نََاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} (المجادلة: 12) أي أردتم مناجاته. {إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ}
(الطلاق: 1). وقوله: {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} (الأعراف: 178) قال ابن عباس: من يرد الله هدايته ولقد أحسن رضي الله عنه لئلّا يتحد الشرط والجزاء. وقوله:
{وَإِذََا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} (الأنعام: 152) أي [إذا] (2) أردتم القول. {وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا [لَمْ يُسْرِفُوا]} [2] (الفرقان: 67) أي [إذا] (2) أرادوا الإنفاق.
وقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا فَجََاءَهََا بَأْسُنََا} (الأعراف: 4) لأن الإهلاك (5) إنما [هو] (6) بعد مجيء البأس وإنما خصّ هذين الوقتين أعني البيات والقيلولة لأنها وقت الغفلة والدّعة، فيكون نزول العذاب فيهما أشدّ وأفظع. وقوله تعالى:
{مََا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا} (الأنبياء: 6) أي أردنا إهلاكها. {فَانْتَقَمْنََا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنََاهُمْ} (الأعراف: 136) أي فأردنا الانتقام منهم وحكمته أنّا إذا أردنا أمرا نقدر (7)
فيه إرادتنا، وإن كان خارقا للعادة.
وقال الزمخشري (8) في قوله تعالى: {قََالُوا يََا نُوحُ قَدْ جََادَلْتَنََا} (هود: 32) أي أردت جدالنا وشرعت فيه وكان الموجب لهذا التقرير خوف التكرار، لأنّ «جادلت» «فاعلت» وهو يعطي التكرار، أو أن المعنى: لم ترد منّا غير الجدال له لا (9) النصيحة. (قلت): وإنما عبروا عن إرادة الفعل بالفعل لأنّ الفعل يوجد بقدرة الفاعل وإرادته وقصده إليه، كما عبر بالفعل من (10)
القدرة على الفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والأبصار وإنما حمل على ذلك دون الحمل على ظاهره للدلالة على جواز الصلاة بوضوء
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) ساقطة من المطبوعة.
(5) في المخطوطة (الهلاك).
(6) ساقطة من المخطوطة.
(7) في المخطوطة (تقرر).
(8) انظر الكشاف 2/ 214.
(9) في المخطوطة (إلى) بدل (له لا).
(10) في المخطوطة (عن).(2/406)
واحد، والحمل على الظاهر يوجب أن من جلس يتوضأ. ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر، فلا يزال مشغولا بالوضوء ولا يتفرغ للصّلاة. وفساده بيّن.
* (الخامس والعشرون): إطلاق الأمر بالشيء للتلبس به والمراد دوامه. كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} (النساء: 136) هكذا أجاب به الزمخشريّ وغيره، وأصل السؤال غير وارد لأن الأمر لا يتعلّق بالماضي ولا بالحال، وإنما يتعلق بالمستقبل المعدوم حالة توجه الخطاب، فليس ذلك تحصيلا للحاصل بل تحصيلا للمعدوم فلا فرق بين أن يكون المخاطب حالة الخطاب على ذلك الفعل أم [لا] (1) لأنّ الذي هو عليه عند الخطاب مثل المأمور به لا نفس المأمور به. والحاصل أن الكلّ مأمور بالإنشاء، فالمؤمن ينشئ ما سبق له أمثاله والكافر ينشئ ما لم يسبق منه أمثاله.
* (السادس والعشرون): إطلاق اسم البشرى على المبشّر [به] (2) كقوله تعالى:
{بُشْرََاكُمُ الْيَوْمَ جَنََّاتٌ} (الحديد: 12) قال أبو علي الفارسيّ: التقدير: بشراكم دخول جنات أو خلود جنات، لأن البشرى مصدر، والجنّات ذات فلا يخبر [124/ أ] بالذات عن المعنى.
ونحوه إطلاق اسم (3) المقول على القول (3)، كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كََانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمََا يَقُولُونَ} (الإسراء: 42). ومنه: {سُبْحََانَهُ وَتَعََالى ََ عَمََّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً} (الإسراء:
43) أي عن مدلول قولهم. ومنه: {فَبَرَّأَهُ اللََّهُ مِمََّا قََالُوا} (الأحزاب: 69) أي من مقولهم وهو الأدرة (5).
وإطلاق الاسم على المسمى كقوله [تعالى] (6) {مََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلََّا أَسْمََاءً سَمَّيْتُمُوهََا} (يوسف: 40) أي مسمّيات. {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى: 1) أي ربك.
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (القول على المقول).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (إله) والأدرة نفخة في الخصية وقيل فتق في الخصية انظر اللسان 4/ 15 مادة (أدر). وانظر الكشاف 3/ 248.
(6) ليست في المخطوطة.(2/407)
وإطلاق اسم الكلمة على المتكلم كقوله تعالى: {لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ} (يونس:
64). أي لمقتضى عذاب الله، و {إِنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} (آل عمران: 45) تجوّز بالكلمة عن المسيح، لكونه تكوّن بها من غير أب، بدليل قوله: {وَجِيهاً فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: 45) ولا تتّصف الكلمة بذلك. وأما قوله تعالى: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى} (آل عمران: 45) فإنّ الضمير فيه عائد إلى مدلول الكلمة، والمراد بالاسم المسمّى، فالمعنى: المسمّى المبشر به المسيح ابن مريم.
وإطلاق اسم اليمين على المحلوف به كقوله تعالى: {وَلََا تَجْعَلُوا اللََّهَ عُرْضَةً لِأَيْمََانِكُمْ} (البقرة: 224) أي لا تجعلوا يمين الله أو قسم الله مانعا لما تحلفون عليه من البر والتقوى بين الناس.
إطلاق (1) الهوى عن (2) عن المهويّ، ومنه: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ََ}
(النازعات: 40) أي عمّا تهواه من المعاصي، ولا يصحّ نهيها عن هواها، وهو ميلها لأنه (3) تكليف لما لا يطاق إلا على حذف مضاف، أي نهي النفس عن اتباع الهوى.
التجوز عن المجاز بالمجاز
وهو أن تجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فتتجوّز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما. مثاله قوله تعالى: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا}
(البقرة: 235) فإنه مجاز عن مجاز (4) [فإن الوطء تجوّز عنه بالسرّ، لأنه لا يقع غالبا إلا في السرّ وتجوّز بالسرّ عن العقد لأنه مسبب عنه، فالصحيح للمجاز الأول] (4) الملازمة، والثاني السببية، والمعنى: «لا تواعدوهن عقد نكاح».
وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمََانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: 5) إن (6)
__________
(1) في المخطوطة: (وإطلاق).
(2) في المخطوطة: (على).
(3) في المخطوطة: (وهو).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (أي).(2/408)
حمل على ظاهره كان من مجاز المجاز، لأن قوله (1): «لا إله إلا الله» مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ، والتعبير بلا إله إلا الله عن الوحدانية من مجاز التعبير بالمقول (2)
عن المقول فيه والأول من مجاز السببية لأن توحيد اللسان، مسبّب عن توحيد الجنان.
(قلت): وهذا يسميه ابن السيد (3) مجاز المراتب وجعل منه قوله تعالى: {يََا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً} (الأعراف: 26) فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت (4) للزرع، المتخذ منه الغزل المنسوخ منه اللباس.
__________
(1) في المخطوطة (قول).
(2) في المخطوطة (القول).
(3) هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي تقدم التعريف به في 1/ 343.
(4) في المخطوطة (المسبب).(2/409)
النوع الرابع والأربعون في الكنايات والتعريض في القرآن (1)
اعلم أن العرب تعد الكناية من البراعة والبلاغة وهي عندهم أبلغ من التصريح. قال الطرطوشي (2): وأكثر أمثالهم (3) الفصيحة على مجاري الكنايات.
__________
(1) الكناية باب من أبواب البلاغة، يمكن لمن أراد التوسع فيها الرجوع للمصادر البلاغية، وللتوسع في كناية القرآن انظر: الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 63، الفصل الثالث والأربعون في باب المجاز، النوع السادس عشر من مجاز اللزوم: الكنايات، والفوائد المشوق لابن القيم ص 187، في الكلام على ما يختص بالمعاني، القسم السابع عشر، في الكناية، والإتقان للسيوطي 3/ 143، النوع الرابع والخمسون، في كناياته وتعريضه والتحبير له أيضا ص 106، النوعان 51و 52: الكناية والتعريض ومفتاح السعادة لطاش كبري زاده 2/ 414، علم معرفة كنايات القرآن وتعريضاته، وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 504، علم معرفة كنايات القرآن وتعريضاته، والفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي ص 83، في الباب الثاني، الفصل الخامس: في المحكم والمتشابه والكناية والتعريض، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص 333330، في الباب الرابع، الفصل الثالث، مسألة المجاز والكناية في القرآن والمجاز والكناية في القرآن مقال لمحمد محمد البحيري في مجلة الأزهر، مج 20، ع 7، 1368هـ / 1949م. «والمجاز والكناية في القرآن» مقال لحامد محسن في مجلة الأزهر مج 20، ع 4، 1368هـ / 1948م.
ومن الكتب المؤلفة في الكناية: * «الكناية والتعريض» لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي (ت 430هـ) طبع مع كتاب «المنتخب من كنايات الأدباء» للجرجاني بمطبعة السعادة في مصر 1326هـ / 1907م في (59) ص، وطبع باسم «النهاية في التعريض والكناية» وعلى هامشه رسالة «الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة» لمحمد أمين بن عابدين في مكة المكرمة 1301هـ / 1982م في (48) ص، وطبع بدار الكتب العلمية في بيروت 1405هـ / 1984م في (87) ص ومعه «المنتخب» للجرجاني * «المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء» للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني الثقفي (ت 482هـ) طبع مع سالفه * «الكنايات القرآنية» ليونس إبراهيم السامرائي، طبع في بغداد، بجامع السامرائي 1395هـ / 1975م * «أسلوب الكناية في القرآن» لبسام عبد الغفور القواسمي. رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 1405هـ / 1985م (أخبار التراث العربي 23/ 27).
(2) تصحفت في المطبوعة إلى الطرطوسي، والتصويب الطرطوشي بالشين وهو محمد بن الوليد بن محمد، أبو بكر الطرطوشي صاحب «العمد في الأصول» وقد تقدمت ترجمته في 2/ 113.
(3) في المخطوطة (أساليبهم).(2/410)
وقد ألّف أبو عبيد (1) وغيره كتبا في الأمثال.
ومنها قولهم: «فلان عفيف الإزار» و «طاهر (2) الذيل»، و «لم يحصن فرجه».
وفي الحديث: «كان (3) إذا دخل العشر أيقظ أهله، وشد المئزر (4)»، فكنوا عن ترك الوطء بشدّ المئزر، وكنى عن الجماع بالعسيلة (5)، وعن النساء بالقوارير (6) لضعف قلوب النساء.
ويكنون عن الزوجة بربّة البيت، وعن الأعمى بالمحجوب والمكفوف، عن الأبرص بالوضّاح، وبالأبرش، وغير ذلك.
__________
(1) هو القاسم بن سلام الهروي تقدم التعريف به في 1/ 119، وكتابه هو «الأمثال السائرة» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 167، وهو مطبوع نشره المستشرق برتو في غوتنجن عام 1252هـ / 1836م، وطبع ضمن مجموعة «التحفة البهية والطرفة الشهية» في الآستانة بمطبعة الجوائب عام 1302هـ / 1884م (معجم سركيس: 121) وطبع بتحقيق عبد المجيد قطامش بمكة المكرمة، ونشره مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى (أخبار التراث 2/ 26).
(2) في المطبوعة: (طاهر) بدون واو.
(3) في المخطوطة (وكان).
(4) الحديث من رواية عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 269، كتاب فضل ليلة القدر (32). باب العمل في العشر الأواخر من رمضان (5)، الحديث (2024). ومسلم في الصحيح 2/ 432، كتاب الاعتكاف (14)، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان (3). الحديث (7/ 1174). ولفظ البخاري: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله».
(5) في حديث أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 464، كتاب الطلاق (68)، باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة (37)، الحديث (5317)، من حديث عائشة رضي الله عنها «أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة، فقال:
لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».
(6) في حديث أخرجه البخاري في الصحيح 10/ 538، كتاب الأدب (78)، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه (90) الحديث (6149). ومسلم في الصحيح 4/ 1180، كتاب الفضائل (43)، باب رحمة النبي صلّى الله عليه وسلّم للنساء (18)، الحديث (70/ 2323) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم على بعض نسائه ومعهن أم شكيم، فقال: ويحك، يا أنجشة! رويدك سوقا بالقوارير». قال أبو عبيد الهروي: «شبه النساء بالقوارير لضعف عزائمهنّ والقوارير يسرع إليها الكسر فخشي من سماعهن النشيد الذي يحدو به أن يقع بقلوبهن منه فأمره بالكف فشبه عزائمهن بسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في إسراع الكسر إليها» (ذكره ابن حجر في فتح الباري 10/ 545) في سياق شرحه للحديث.(2/411)
وهو كثير في القرآن، قال الله تعالى: {وَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسََاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ} (البقرة: 235).
والكناية عن الشيء الدلالة عليه من غير تصريح باسمه. وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ولكن (1) يجيء إلى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود، فيومي به إليه، ويجعله دليلا عليه، فيدلّ [124/ ب] على المراد من طريق أولى مثاله، قولهم (2): «طويل النّجاد» و «كثير الرّماد» يعنون طويل القامة وكثير الضّيافة فلم يذكروا المراد بلفظه الخاص به ولكن توصّلوا إليه بذكر معنى آخر، هو رديفه في الوجود لأن القامة إذا طالت طال (3) النّجاد وإذا كثر القرى كثر الرماد.
وقد اختلف في أنها حقيقة أو مجاز، فقال الطرطوشي (4) في «العمد»: «قد اختلف في وجود الكناية في القرآن، وهو كالخلاف في المجاز فمن أجاز وجود المجاز فيه أجاز الكناية وهو قول الجمهور، ومن أنكر ذلك أنكر هذا.
وقال الشيخ عز الدين (5): الظاهر أنّها ليست بمجاز لأنك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له وهذا شبيه بدليل الخطاب، في مثل (6) قوله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} (الإسراء: 23) [انتهى] (7).
ولها (8) أسباب:
* (أحدها): التنبيه على عظم القدرة، كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ} (الأعراف: 189) كناية عن آدم.
__________
(1) في المخطوطة زيادة وهي (ولكن قال).
(2) في المخطوطة (قوله).
(3) تصحفت في المطبوعة إلى (طالت).
(4) تصحفت في المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة) والصواب ما أثبتناه وهو أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي تقدمت ترجمته في 2/ 113. وكتابه «العمد في الأصول» ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 19/ 494.
(5) هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به 1/ 132، وانظر قوله في كتابه الإشارة ص 63.
(6) في المخطوطة زيادة في هذا الموضع لا يقتضيها السياق وهي (مثل بدليل) وليست في «الإشارة».
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) في المخطوطة (وله).(2/412)
* (ثانيها): فطنة المخاطب، كقوله تعالى في قصة داود: {خَصْمََانِ بَغى ََ بَعْضُنََا عَلى ََ بَعْضٍ} (ص: 22) فكنى داود بخصم على لسان ملكين تعريضا. وقوله في قصة النبي [محمد] (1) صلّى الله عليه وسلّم وزيد: {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ} (الأحزاب: 40) أي زيد {وَلََكِنْ رَسُولَ اللََّهِ} (الأحزاب: 40). وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النََّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النََّاسُ وَالْحِجََارَةُ} (البقرة: 24) فإنه كناية عن ألّا (2) تعاندوا عند ظهور المعجزة (3) فتمسّكم هذه النار العظيمة.
وكذا قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}
(البقرة: 23). وقوله تعالى: {إِنََّا جَعَلْنََا فِي أَعْنََاقِهِمْ أَغْلََالًا} الآيات (يس: 8)، فإن هذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى: لا تظن أنك مقصّر في إنذارهم فإنا نحن المانعون لهم من الإيمان (4) فقد جعلناهم حطبا للنار لنقوّي (5) التذاذ المؤمن بالنعيم، كما لا تتبين لذة الصحيح إلا عند رؤية المريض.
* (ثالثها): ترك اللفظ [إلى] (6) ما هو أجمل منه كقوله تعالى: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} (ص: 23) فكنى بالمرأة عن النعجة كعادة العرب، أنها تكني بها عن المرأة. وقوله: {إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ} (الأنفال: 16) كنى بالتحيز عن الهزيمة.
وقوله [تعالى] (7) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ ثُمَّ ازْدََادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} (آل عمران: 90) كنى بنفي قبول التوبة عن الموت على الكفر لأنه يرادفه (8).
* (رابعها): أن يفحش ذكره في السمع، فيكنى عنه بما لا ينبو عنه الطبع قال تعالى: {وَإِذََا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرََاماً} (الفرقان: 72) أي كنوا عن لفظه (9)، ولم يوردوه على صيغته. ومنه قوله تعالى في جواب قوم هود: {إِنََّا لَنَرََاكَ فِي سَفََاهَةٍ} (الأعراف:
__________
(1) اضطربت عبارة المخطوطة كما يلي (النبي صلّى الله عليه وسلّم محمد صلّى الله عليه وسلّم).
(2) في المخطوطة (لا).
(3) في المخطوطة (العجز).
(4) في المخطوطة (الآيات).
(5) في المطبوعة (ليقوي).
(6) ساقطة من المطبوعة.
(7) ليست في المخطوطة.
(8) تصحفت في المطبوعة إلى (يردانه).
(9) في المخطوطة (لفظ).(2/413)
66) {قََالَ يََا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفََاهَةٌ وَلََكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (الأعراف: 67) فكنى عن تكذيبهم بأحسن (1).
ومنه قوله [تعالى] (2): {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (البقرة: 235) فكنى عن الجماع بالسر. وفيه لطيفة أخرى، لأنه يكون من الآدميين في السر غالبا، ولا يسرّه ما عدا الآدميين إلا الغراب. فإنه يسّره ويحكى أن بعض الأدباء أسرّ إلى [أبي] (3) عليّ الحاتميّ كلاما فقال: «ليكن عندك أخفى [من] (4) سفاد الغراب، ومن الرّاء في كلام الألثغ» فقال:
نعم يا سيدنا ومن ليلة القدر، وعلم الغيب.
ومن عادة القرآن العظيم الكناية عن الجماع باللّمس والملامسة والرّفث، والدخول، والنكاح، ونحوهنّ، قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (البقرة: 187) فكنى بالمباشرة عن الجماع لما فيه من التقاء البشرتين. وقوله تعالى: {أَوْ لََامَسْتُمُ النِّسََاءَ} (النساء: 43) إذ لا يخلو الجماع عن الملامسة. [125/ أ] وقوله في الكناية عنهنّ: {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ} (البقرة: 187) واللباس من الملابسة، وهي الاختلاط والجماع.
وكنى عنهن في موضع آخر بقوله: {نِسََاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنََّى شِئْتُمْ}
(البقرة: 223). وقوله تعالى: {وَرََاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهََا} (يوسف: 23) كناية عمّا تطلب المرأة من الرجل. وقوله [تعالى] (5): {فَلَمََّا تَغَشََّاهََا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً}
(الأعراف: 189).
ومنه قوله تعالى في مريم وابنها: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} (المائدة: 75) فكنى بأكل الطعام عن البول والغائط لأنهما منه مسبّبان (6)، إذ لا بدّ للآكل منهما، لكن استقبح في المخاطب (7) ذكر الغائط، فكنى به عنه. (فإن قيل): فقد صرّح به في قوله [تعالى] (5):
{أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} (المائدة: 6) (قلنا): لأنه جاء على خطاب العرب وما
__________
(1) في المخطوطة (وأحسن).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ساقطة من المخطوطة وأبو علي الحاتمي تقدم التعريف به في 2/ 378.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (بسبب).
(7) في المخطوطة (المخاطبات).(2/414)
يألفون والمراد تعريفهم الأحكام فكان لا بدّ من التصريح به على أنّ الغائط أيضا كناية عن النّجو (1) وإنما هو في الأصل اسم للمكان المنخفض من الأرض وكانوا إذا أرادوا قضاء حاجتهم أبعدوا عن العيون إلى منخفض من الأرض، فسمّي منه لذلك ولكنه كثر (2) استعماله في كلامهم فصار بمنزلة التصريح (3).
وما ذكرناه في قوله تعالى: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} (المائدة: 75) هو المشهور، وأنكره الجاحظ، وقال: بل الكلام على ظاهره، ويكفي في الدلالة على عدم الإلهيّة (4) نفس أكل الطعام، لأن الإله هو الذي لا يحتاج إلى شيء يأكله ولأنه كما لا يجوز أن يكون المعبود محدثا، كذلك لا يجوز أن يكون طاعما، قال الخفاجيّ (5): «وهذا صحيح».
(ويقال لهما): الكناية عن الغائط (6) فيه تشنيع وبشاعة على من اتخذهما (7) آلهة، فأما قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلََّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعََامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوََاقِ}
(الفرقان: 20) فهو على حقيقته. قال الوزير ابن هبيرة (8): وفي هذه الآية فضل العالم المتصدّي للخلق على الزاهد المنقطع، فإنّ النبيّ كالطبيب، والطبيب يكون عند المرضى، فلو انقطع عنهم هلكوا.
ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (الفيل: 5) كنى به عن مصيرهم إلى العذرة، فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك.
__________
(1) في المخطوطة (التجوز).
(2) في المخطوطة (أكثر).
(3) في المخطوطة (الصريح).
(4) في المخطوطة (إلاهية).
(5) هو عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان تقدم التعريف به في 1/ 153وانظر قوله في كتابه سر الفصاحة ص 166 (طبعة دار الكتب العلمية).
(6) في المخطوطة (الغاية).
(7) في المخطوطة (اتخذ بهما).
(8) هو يحيى بن محمد بن هبيرة أبو المظفر الشيباني الدوري العراقي الحنبلي. الوزير الكامل والإمام العادل، دخل بغداد في صباه، وطلب العلم وجالس الفقهاء، وسمع الحديث، وتلا بالسبع، وشارك في علوم الإسلام، ومهّد في اللغة، وكان ديّنا خيّرا متعبدا عاقلا وقورا من مصنفاته «الإفصاح عن معاني الصحاح» و «العبادات» وغيرها. ت 560هـ (سير أعلام النبلاء 20/ 426).(2/415)
وقوله تعالى: {وَقََالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنََا} (فصلت: 21) أي لفروجهم، فكنى عنها بالجلود، على ما ذكره المفسرون. (فإن قيل): فقد قال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهََا} (الأنبياء: 91) فصرّح بالفرج؟ (قلنا): أخطأ من توهّم هنا الفرج الحقيقيّ، وإنما هو من لطيف الكنايات وأحسنها، وهي كناية عن فرج القميص، أي لم يعلق ثوبها ريبة، فهي طاهرة الأثواب، وفروج القميص أربعة: الكمّان والأعلى والأسفل، وليس المراد غير هذا، فإن القرآن أنزه معنى، وألطف إشارة، وأملح عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل، لا سيما والنفخ من روح القدس بأمر القدّوس، فأضيف القدس إلى القدوس، ونزّهت القانتة المطهّرة عن الظن الكاذب والحدس. ذكره صاحب «التعريف والإعلام» (1).
ومنه قوله تعالى: {الْخَبِيثََاتُ لِلْخَبِيثِينَ} (النور: 26) يريد الزناة. وقوله تعالى:
{وَلََا يَأْتِينَ بِبُهْتََانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} (الممتحنة: 12) فإنه كناية عن الزنا.
(وقيل): أراد طرح الولد على زوجها من غيره لأن بطنها بين يديها ورجليها وقت الحمل (2). وقوله (3) تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ} (البقرة: 19) وإنما يوضع في الأذن السبّابة، فذكر الإصبع وهو الاسم العامّ أدبا، لاشتقاقها من السب (4)، ألا تراهم كنّوا عنها بالمسبّحة، والدّعاءة، وإنما يعبّر بهما عنها لأنها ألفاظ مستحدثة. قاله الزمخشري (5).
وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» (6): يمكن أن يقال إن ذكر
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عبد الله، أبو القاسم السهيلي تقدم التعريف به في 1/ 242، وانظر قوله في الكتاب ص 115 (طبعة دار الكتب العلمية بتحقيق عبد. ا. مهنا).
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (ومنه الجمل).
(3) في المخطوطة (وهو).
(4) في المخطوطة (لاستقام السبب).
(5) انظر الكشاف 1/ 42.
(6) هو محمد بن علي بن وهب بن مطبع، ابن دقيق العبد تقدم التعريف به في 2/ 338، وكتابه «الإلمام في أحاديث الأحكام» طبع بتحقيق محمد سعيد المولوي بدار الفكر في دمشق عام 1383هـ / 1963م وطبع ثانيا بتحقيق غدير محمد غدير المطيري في الكويت عام 1405هـ / 1985م، وشرحه المؤلف ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 4/ 92وذكره السبكي في طبقات الشافعية 6/ 4، وحاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 158 وقال: «ثم شرحه وبرع فيه وسمّاه «الإمام» ولكن عبارة حاجي خليفة مباينة للصواب حيث يفهم من عبارتي ابن حجر السبتي، أنه صنف «الإلمام»، و «شرحه» فخرّج منه أحاديث يسيرة في مجلدين ولم يكمل شرحه، وجمع كتاب «الإمام» في عشرين مجلدة، إذا كتابه «الإمام» غير شرح «الإلمام» والله أعلم.(2/416)
الإصبع هنا (1) جامع لأمرين: أحدهما [125/ ب] التنزه عن اللفظ المكروه، والثاني حطّ منزلة الكفار عن التعبير (2) [باللفظ المحمود، والأعمّ يفيد المقصودين معا، فأتى به وهو لفظ الإصبع، وقد جاء في الحديث الأمر بالتعبير] (2) بالأحسن مكان (4) القبيح كما [جاء] (5) في حديث: «من سبقه الحدث في الصلاة فليأخذ بأنفه ويخرج (6)»، أمر بذلك إرشادا إلى إيهام سبب أحسن من الحدث، وهو الرّعاف، وهو أدب حسن من الشرع في (7) ستر العورة وإخفاء (7) القبيح. وقد صحّ نهيه عليه السلام أن يقال: الكرم، وقال: «إنما الكرم الرجل المسلم (9)»، كره الشارع تسميتها بالكرم لأنها (10) [تعتصر منها أم الخبائث. وحديث: «كان يصيب من الرأس وهو صائم (11)»، قيل هو إشارة إلى القبلة، وليس لفظ] (10) القبلة مستهجنا.
وقوله: «إياكم وخضراء الدمن» (13).
__________
(1) في المخطوطة (هاهنا).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (ممّا في).
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) الحديث يروى عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 386، كتاب إقامة الصلاة (5)، باب ما جاء فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف (138)، الحديث (1222).
(7) عبارة المخطوطة (إخفاء العورة وستر).
(9) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح 10/ 566، كتاب الأدب (78)، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الكرم قلب المؤمن» (102)، الحديث (6183).
وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1763، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها (40)، باب كراهة تسمية العنب كرما (2)، الحديث (6و 10/ 2247) واللفظ له.
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(11) الحديث من رواية ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما، أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد في المسند 1/ 249و 360، وأخرجه البزار ذكره الهيثمي في كشف الأستار 1/ 480باب القبلة للصائم وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 167كتاب الصيام باب القبلة للصائم). وأما حديث عائشة رضي الله عنها فأخرجه أحمد في المسند 6/ 265.
(13) الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه القضاعي في مسند الشهاب 2/ 96، الحديث (622/ 957)، وأخرجه الديلمي في فردوس الأخبار 1/ 464، فصل في التحذير والوعيد الحديث (1541)، وأخرجه الرامهرمزي، والعسكري في الأمثال، وابن عدي في الكامل والخطيب في إيضاح الملتبس وذكره أبو عبيد في الغريب 3/ 99 (التلخيص الحبير 3/ 145). والدّمن: البعر(2/417)
* (خامسها): تحسين اللفظ كقوله تعالى: {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} (الصافات: 49) فإن العرب كانت [من] (1) عادتهم الكناية عن حرائر النساء بالبيض، قال امرؤ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتّعت من لهو بها غير معجل (2)
وقوله تعالى {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: 4) ومثله قول عنترة:
فشككت بالرّمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم (3)
* (سادسها): قصد البلاغة، كقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصََامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (الزخرف: 18) فإنه سبحانه كنى عن النساء بأنهنّ ينشّأن في الترفّه والتّزيّن والتشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك والمراد نفي [حمل] (4) ذلك أعني (5) الأنوثة عن الملائكة، وكونهم بنات الله [تعالى الله] (6) عن ذلك. وقوله: {فَمََا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النََّارِ} (البقرة: 175) أي هم في التمثيل بمنزلة المتعجّب (7) منه بهذا التعجب (8).
* (سابعها): قصد المبالغة في التشنيع كقوله تعالى حكاية عن اليهود لعنهم الله:
{وَقََالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ} (المائدة: 64) فإن الغلّ كناية عن البخل، كقوله تعالى {وَلََا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى ََ عُنُقِكَ} (الإسراء: 29) لأن جماعة كانوا متمولين، فكذبوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكفّ الله عنهم ما أعطاهم، وهو سبب نزولها (9).
وأما قوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} (المائدة: 64) فيحمل على المجاز على وجه الدعاء والمطابقة للّفظ ولهذا قيل: إنهم أبخل خلق الله، والحقيقة أنهم تغلّ أيديهم في الدنيا بالإسار، وفي الآخرة بالعذاب وأغلال النار. وقوله: {بَلْ يَدََاهُ مَبْسُوطَتََانِ} (المائدة:
__________
تجمعه الريح ثم يركبه السافي فإذا أصابه المطر ينبت نبتا ناعما يهتز وتحته الدّمن الخبيث والمعنى: لا تنكحوا المرأة لجمالها وهي خبيثة الأصل لأن عرق السوء لا يجب» انتهى.
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) البيت من معلقته «قفا نبك» انظر ديوانه ص 38 (طبعة دار صادر).
(3) البيت من معلقته «هل غادر الشعراء من متردم» انظر ديوانه ص 26 (طبعة دار صادر).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) في المخطوطة (على).
(6) ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوطة (التعجب).
(8) في المخطوطة (العجب).
(9) انظر البحر المحيط 6/ 31.(2/418)
64) كناية عن كرمه، وثنّى اليد وإن أفردت في أول الآية ليكون أبلغ في السخاء والجود.
* (ثامنها): التنبيه على مصيره، كقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (المسد:
1) أي جهنميّ مصيره إلى اللهب. وكقوله: {حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} (المسد: 4) أي نمّامة، ومصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنّم.
* (تاسعها): قصد الاختصار (1) ومنه الكناية عن أفعال متعدّدة بلفظ «فعل»، كقوله [تعالى] (2) {لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 79) {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مََا يُوعَظُونَ بِهِ} (النساء: 66) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (البقرة: 24) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا.
* (عاشرها): أن يعمد إلى جملة ورد معناها على خلاف الظاهر، فيأخذ الخلاصة منها من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز، فتعبر بها عن مقصودك (3) وهذه الكناية استنبطها الزمخشريّ (4)، وخرج عليها قوله تعالى: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} (طه:
5) فإنه كناية عن الملك لأن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك، فجعلوه كناية عنه.
وكقوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ} الآية (الزمر: 67) إنه كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين: حقيقة ومجاز.
وقد اعترض الإمام فخر الدين (5) [126/ أ] على ذلك بأنها تفتح باب تأويلات الباطنية، فلهم أن يقولوا: المراد من قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} (طه: 12) الاستغراق في الخدمة من غير الذهاب إلى نعل وخلعه، وكذا نظائره. انتهى. وهذا مردود لأن [هذه] (6)
الكناية إنما يصار إليها عند عدم إجراء اللفظ على ظاهره، كما سبق من الأمثلة، بخلاف خلع النعلين ونحوه.
(تنبيهان)
الأول: في أنه هل يشترط في الكناية قرينة كالمجاز؟. هذا ينبني على الخلاف السابق
__________
(1) في المخطوطة (الاختصاص).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (مقصوده).
(4) انظر الكشاف 2/ 427.
(5) الرازي في تفسيره 22/ 7.
(6) ساقطة من المطبوعة.(2/419)
أنها مجاز أم لا. وقال الزمخشريّ (1) في قوله تعالى: {وَلََا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} (الآية: 77) في سورة آل عمران: إنه مجاز عن الاستهانة بهم، والسخط عليهم، تقول: فلان لا ينظر إلى فلان، تريد [نفي] (2) اعتداده به وإحسانه إليه، قال: وأصله فيمن يجوز عليه الكناية لأنّ من اعتدّ بالإنسان التفت إليه، وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد (3)
والإحسان (4)، وإن لم يكن ثمّ نظر، ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر (5) [مجردا لمعنى الإحسان، مجازا عمّا وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر] (5) انتهى.
وهذا بناء منه على مذهبه الفاسد في نفي الرؤية وفيه تصريح بأن الكناية مجاز وبه صرّح في قوله تعالى: {وَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ فِيمََا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسََاءِ} (البقرة:
235). وصرح الشيخ [عبد القاهر] (5) الجرجانيّ (8) في «الدلائل» بأنّ الكناية لا بدّ لها من قرينة.
الثاني: قيل من عادة العرب أنها لا تكني عن الشيء بغيره إلا إذا كان يقبح ذكره، وذكروا احتمالين في قوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى ََ بَعْضُكُمْ إِلى ََ بَعْضٍ} (النساء:
21). (أحدهما): أنه كنى بالإفضاء عن الإصابة. (والثاني): أنه كنى عن الخلوة.
__________
(1) انظر الكشاف 1/ 197.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) تصحفت في المطبوعة إلى (الاعتداء).
(4) في المخطوطة (الاستحسان).
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. عالم بالنحو والبلاغة. أخذ النحو بجرجان عن الشيخ أبي الحسن محمد بن الحسن الفارسي، وقرأه، ونظر في تصانيف النحاة والأدباء، ومن تلاميذه المتصدرين ببغداد علي بن زيد. وقد تخرج به جماعة كثيرة من تصانيفه «المقتصد» و «الجمل» و «إعجاز القرآن» وغيرها ت 471هـ. (إنباه الرواة 2/ 188)، وكتابه «دلائل الإعجاز» طبع بتحقيق محمد عبده ومحمد رشيد ومحمد محمود الشنقيطي في القاهرة بمطبعة الترقي والمنار عام 13211319هـ / 1901 1903م وطبع في القاهرة أيضا عام 1331هـ / 1912م، وطبع في تطوان بالمطبعة المهدية بتحقيق محمد بن تاويت عام 1370هـ / 1950م، وطبع في دمشق بدار قتيبة بتحقيق د. محمد رضوان الداية ومحمد فائز الداية عام 1402هـ / 1982م، وصوّر في بيروت بدار المعرفة عن طبعة الترقي والمنار عام 1401هـ / 1981م، وفي الرياض بمكتبة المعارف، وفي القاهرة بمكتبة القاهرة، وفي الرياض بدار اللواء.(2/420)
ورجّحوا الأول لأن العرب إنما تكني عما يقبح ذكره في اللفظ، ولا يقبح ذكر الخلوة. وهذا حسن (1)، لكنه يصلح للترجيح. وأما دعوى كون العرب لا تكني إلا عما يقبح ذكره فغلط، فكنوا عن القلب بالثوب، كما في قوله تعالى: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: 4) وغير ذلك مما سبق.
وأما التعريض
فقيل: إنه الدلالة على المعنى من طريق المفهوم، وسمّي تعريضا لأن المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ، أي من جانبه، ويسمى التلويح لأن المتكلم يلوّح منه للسامع ما يريده، كقوله تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كََانُوا يَنْطِقُونَ} (الأنبياء: 63) لأن غرضه بقوله: {فَسْئَلُوهُمْ} على سبيل الاستهزاء وإقامة الحجة عليهم بما عرّض لهم به، من عجز كبير الأصنام عن الفعل، مستدلا على ذلك بعدم إجابتهم إذا سئلوا، ولم يرد بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا} (الأنبياء: 63) نسبة الفعل الصادر عنه (2) إلى الصنم، فدلالة هذا الكلام عجز كبير الأصنام عن الفعل بطريق الحقيقة.
ومن أقسامه أن يخاطب الشخص والمراد غيره، سواء كان الخطاب مع نفسه أو مع غيره كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65)، {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوََاءَهُمْ}
(البقرة: 120)، {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَتْكُمُ الْبَيِّنََاتُ} (البقرة: 209) تعريضا بأن قومه أشركوا واتبعوا أهواءهم، وزلّوا فيما مضى من الزمان لأنّ الرسول لم يقع منه ذلك، فأبرز غير الحاصل في معرض الحاصل ادّعاء. وقوله: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَتْكُمُ الْبَيِّنََاتُ} (البقرة:
209) [فإن] (3) الخطاب للمؤمنين والتعريض لأهل الكتاب لأنّ الزلل (4) لهم لا للمؤمنين.
فأما الآية الأولى ففيها ثلاثة أمور: مخاطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد غيره، وإخراج المحال عليه في صورة المشكوك والمراد غيره، واستعمال المستقبل بصيغة الماضي. وأمر رابع وهو «إن» الشرطية قد لا يراد بها إلا مجرد الملازمة التي هي لازمة الشرط والجزاء، مع العلم باستحالة الشرط أو وجوبه أو وقوعه.
__________
(1) في المخطوطة (أحسن).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) في المخطوطة: (منه).
(4) في المخطوطة (الزلة).(2/421)
وعلى هذا يحمل قول من لم ير من المفسرين حمل الخطاب على غيره إذ لا يلزم من فرض أمر لا (1) بدّ منه صحة (1) وقوعه بل يكون في الممكن والواجب والمحال.
[126/ ب] ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} (الزخرف:
81) إذا جعلت شرطية لا نافية. ومنه: {إِنْ كُنََّا فََاعِلِينَ} (الأنبياء: 17).
ومنه قوله تعالى: {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} (يس: 22) المراد: ما لكم لا تعبدون، بدليل قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس: 22) ولولا التعريض لكان المناسب «وإليه أرجع». وكذا قوله [تعالى] (3) {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} (يس: 23) (4) [والمراد: أتتخذون من دونه آلهة] (4) {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمََنُ بِضُرٍّ لََا تُغْنِ عَنِّي شَفََاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلََا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} ولذلك (6) قيل {آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ [فَاسْمَعُونِ]} [7] (يس: 25) دون «ربي» و «أتبعه» «فاسمعوه» (8).
ووجه حسنه ظاهر، لأنه يتضمن إعلام السامع على صورة لا تقتضي مواجهته بالخطاب المنكر، كأنك لم تعنه، وهو أعلى في محاسن الأخلاق وأقرب للقبول، وأدعى للتواضع والكلام ممن هو رب العالمين نزّله بلغتهم، وتعليما للذين يعقلون. قيل: ومنه قوله تعالى:
{قُلْ لََا تُسْئَلُونَ عَمََّا أَجْرَمْنََا وَلََا نُسْئَلُ عَمََّا تَعْمَلُونَ} (سبأ: 25) فحصل (9) المقصود في قالب التلطّف، وكان حق الحال من حيث الظاهر، لولاه أن يقال: «لا تسألون عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون».
وكذا مثله: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} (سبأ: 24) حيث ردّد الضلال بينهم وبين نفسهم، والمراد: إنا على هدى وأنتم في ضلال، وإنما لم يصرّح به لئلا تصير هنا نكتة، هو (10) أنه خولف في هذا الخطاب بين (11) «على» و «في» بدخول (12) «على» على
__________
(1) اضطربت عبارة المخطوطة كالتالي (الابداء اللازمة فيتجه).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (وكذلك).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) في المخطوطة (فاسمعون).
(9) في المخطوطة (فوصل).
(10) في المخطوطة (وهو).
(11) عبارة المخطوطة (الخطابين).
(12) في المخطوطة (الدخول).(2/422)
الحق، و [«في» على] (1) الباطل، لأن صاحب الحق، كأنّه على فرس جواد يركض (2) به، حيث أراد، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام لا يدري أين يتوجّه. قال السكاكيّ (3):
ويسمى هذا النوع الخطاب المنصف، أي لأنه يوجب أن ينصف المخاطب (4) إذا رجع إلى نفسه استدراجا لاستدراجه الخصم إلى الإذعان والتسليم، وهو شبيه بالجدل، لأنه تصرف في المغالطات الخطابيّة.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّمََا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} (فاطر: 18) المقصود التعريض بذمّ من ليست [له] (5) هذه الخشية، وأن يعرف أنه لفرط عناده كأنه ليس له أذن تسمع، ولا قلب يعقل، وأن الإنذار له كلا إنذار، وأنه قد أنذر من له هذه الصفة، وليست له.
وقوله: {إِنَّمََا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبََابِ} (الرعد: 19) القصد التعريض، وأنهم (6) لغلبة هواهم في حكم من ليس له عقل. وقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49) نزلت في أبي جهل، لأنه قال: «ما بين أخشبيها أي جبليها يعني مكة (7) أعزّ مني ولا أكرم»، وقيل:
بل خوطب بذلك استهزاء.
وأما التوجيه
وهو ما احتمل معنيين، ويؤتى به عند فطنة المخاطب، كقوله تعالى حكاية عن أخت موسى عليه السلام {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نََاصِحُونَ} (القصص:
12) فإن الضمير في {لَهُ} يحتمل أن يكون لموسى، وأن يكون لفرعون. قال ابن جريج (8):
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) في المخطوطة (لم يركض).
(3) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد أبو يعقوب الخوارزمي تقدم التعريف به في 1/ 163، وانظر قوله في مفتاح العلوم ص 246 (طبعة بيروت بتصحيح زرزور)، في القسم الثالث: علما المعاني والبيان، الفن الثالث: في تفصيل اعتبارات المسند. مسألة تقييد الفعل.
(4) في المخطوطة (الخطاب).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (وأما).
(7) في المخطوطة زيادة كما يلي (مكة والمدينة). والخبر أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص 253.
(8) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو خالد وأبو الوليد القرشي، الأموي، المكي، صاحب التصانيف، وأول من دوّن العلم بمكة. حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وجوّد، وعن ابن مليكة، ونافع،(2/423)
وبهذا تخلصت أخت موسى من قولهم: «إنك عرفته»، فقالت: أردت: «ناصحون للملك»، واعترض عليه بأن هذا في لغة العرب لا في كلامها المحكيّ وهذا مردود، فإن الحكاية مطابقة لما قالته وإن كانت بلغة أخرى.
ونظيره جواب ابن الجوزي (1) لمن قال له: من كان أفضل عند النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ أبو بكر أم عليّ؟ فقال: من كانت ابنته تحته.
وجعل السكاكيّ من هذا القسم مشكلات (2) القرآن.
__________
وطاوس. وعنه الأوزاعي، وثور بن يزيد، والليث، والسفيانان وغيرهم خلق كثير ت 150هـ، ذكره خليفة في الطبقات ص 283. والطبقة الرابعة ممن سكن مكة، وذكره البغدادي في تاريخ بغداد 10/ 400.
(1) هو عبد الرحمن بن علي، أبو الفرج ابن الجوزي تقدمت ترجمته في 2/ 153، وقد نقل هذه القصة الذهبي في سير أعلام النبلاء 21/ 371.
(2) في المخطوطة (متشابهات).(2/424)
النوع الخامس والأربعون في أقسام معنى الكلام
زعم قوم أن معاني القرآن لا تنحصر، ولم يتعرضوا لحصرها، وحكاية ابن السيّد (1) عن أكثر البصريين في زمانه. (وقيل): قسمان: خبر، وغير خبر. (وقيل): عشرة: نداء، ومسألة، وأمر، وتشفّع، وتعجّب، وقسم، وشرط، ووضع، وشك، واستفهام. (وقيل): تسعة، وأسقطوا الاستفهام لدخوله في المسألة. (وقيل): ثمانية [127/ أ] وأسقطوا التشفع لدخوله في المسألة.
(وقيل): سبعة، وأسقطوا الشك لأنه في قسم الخبر.
وكان أبو الحسن الأخفش (2) يرى أنها ستة أيضا، وهي عنده: الخبر والاستخبار، والأمر، والنهي، والنداء، والتمني. (وقيل): خمسة: الخبر، والأمر، والتصريح، والطلب، والنداء، وقيل غير ذلك.
الأول: الخبر
والقصد به إفادة المخاطب وقد يشرب (3) مع ذلك معاني أخر:
منها التعجب، قال ابن فارس (4): «وهو تفضيل الشيء على أضرابه» وقال ابن الضائع (5): «استعظام صفة خرج بها المتعجّب منه عن نظائره، نحو: ما أحسن زيدا! وأحسن
__________
(1) هو عبد الله بن محمد البطليوسي تقدم ذكره في 1/ 343.
(2) هو سعيد بن مسعدة، أبو الحسن الأخفش الأوسط 1/ 134، ولم نعثر على قوله في كتابه «معاني القرآن» بسبب السقط من المخطوطة الواقع في أول الكتاب. وانظر قوله في «أمالي ابن الشجري» 1/ 254المجلس (33).
(3) في المخطوطة (نشرت).
(4) هو أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين، تقدمت ترجمته في 1/ 191، انظر قوله في الصاحبي في فقه اللغة ص 158.
(5) هو علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي، تقدمت ترجمته في 2/ 364.(2/425)
به! استعظمت حسنه على حسن غيره». وقال الزمخشري في تفسير سورة الصفّ (1): «معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله». وقال الرّماني (2): «المطلوب في التعجب الإبهام لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه، وكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن قال: وأصل التعجّب إنما هو للمعنى الخفيّ سببه، والصيغة الدالة عليه تسمى تعجّبا، يعني مجازا. قال: ومن أجل الإبهام لم تعمل «نعم» إلا في الجنس من أجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر.
ثم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه، وهي: «ما أفعله» و «أفعل به»، وصيغا من غير لفظه نحو «كبر» (3)، نحو [قوله تعالى] (4) {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوََاهِهِمْ} (الكهف: 5) {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللََّهِ} (الصف: 3) {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ} (البقرة: 28)، واحتج الثمانيني (5)
على أنه خبر بقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (مريم: 38) تقديره: ما أسمعهم وأبصرهم! والله سبحانه لم يتعجب بهم ولكن دلّ المكلّفين على أن هؤلاء قد نزّلوا منزلة من يتعجب منه.
وهنا مسألتان:
(الأولى): قيل لا يتعجب من فعل الله، فلا يقال: «ما أعظم الله!» لأنه يؤول إلى: «شيء عظم (6) [الله] (7)» كما في غيره من صيغ التعجب، وصفات الله تعالى قديمة. وقيل: بجوازه باعتبار أنه يحب تعظيم الله بشيء من صفاته، فهو يرجع لاعتقاد العباد عظمته [وقدرته، وقد] (8) قال (9) الشاعر:
__________
(1) انظر الكشاف 4/ 92. في تفسير قوله تعالى {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللََّهِ أَنْ تَقُولُوا مََا لََا تَفْعَلُونَ} (الآية: 3).
(2) هو أبو الحسن علي بن عيسى الرماني، تقدم ذكره في 1/ 151.
(3) في المخطوطة (كفر).
(4) ليست في المطبوعة.
(5) هو عمر بن ثابت أبو القاسم النحوي الضرير. كان قيّما بعلم النحو عارفا بقوانينه، وانتفع بالاشتغال عليه جمع كبير. أخذ النحو عن أبي الفتح ابن جني، وأخذ عنه الشريف أبو المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي الحسيني. شرح كتاب «اللمع» في التصريف لابن جني ت 442هـ (وفيات الأعيان 3/ 443).
(6) في المخطوطة (عظيم).
(7) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(8) ساقط من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (وقال).(2/426)
ما أقدر الله أن يدنى على شحط (1) ... من داره الحزن ممّن داره صول (2)
والأولون قالوا: هذا أعرابي جاهل بصفات الله. وقال بعض المحققين: التعجب إنما يقال لتعظيم الأمر المتعجب منه، ولا يخطر بالبال أن شيئا صيّره كذلك، وخفي علينا، فلا يمتنع حينئذ التعجب من فعل الله.
(والثانية) (3): هل يجوز إطلاق التعجب في حق الله [تعالى] (4)؟ فقيل بالمنع لأن التعجب استعظام ويصحبه الجهل والله سبحانه منزّه عن ذلك، وبه جزم ابن عصفور (5) في «المقرب». قال: «فإن ورد ما (6) ظاهره ذلك صرف إلى المخاطب كقوله: {فَمََا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النََّارِ} (البقرة 175) (7) [أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم» وقيل: بالجواز، لقوله:
{فَمََا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النََّارِ} (البقرة 175)] (7) إن (7) [قلنا] (7): «ما» تعجبيّة لا استفهامية، وقوله:
{بَلْ عَجِبْتَ} (الصافات: 12) في قراءة بعضهم بالضم (11).
والمختار الأول، وما وقع منه أوّل بالنظر إلى المخاطب، أي علمت أسباب ما يتعجب منه العباد، فسمى العلم بالعجب عجبا.
وأصل الخلاف في هذه المسألة يلتفّ على خلاف آخر، وهو أن حقيقة التعجب هل يشترط فيه خفاء سببه فيتحير فيه المتعجب منه أو لا؟ ولم يقع في القرآن صيغة التعجب إلا قوله:
__________
(1) في المخطوطة (سخط).
(2) البيت لحندج بن حندج المري وهو من قصيدة لامية مطلعها:
في ليل صول تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول
ذكره العيني في شرح شواهد الألفية المطبوع بهامش خزانة الأدب 1/ 238. وذكره السيوطي في همع الهوامع 2/ 167.
(3) في المخطوطة (والثاني منه).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) هو علي بن مؤمن بن محمد الإشبيلي، تقدم التعريف به في 1/ 466، وكتابه «المقرّب» طبع في بغداد بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري، ونشرته رئاسة ديوان الأوقاف عام 13921391هـ / 19721971م، وأعاد تحقيقه يعقوب يوسف الغنيم، كرسالة ماجستير بدار العلوم في جامعة القاهرة (ذخائر التراث العربي 1/ 190).
(6) في المخطوطة (مما).
(7) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(11) قرأ حمزة والكسائي بالضم، والباقون بالفتح (التيسير ص 186).(2/427)
{فَمََا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النََّارِ} (البقرة: 175) وقوله: {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} (عبس: 17) ويأ ايّها الإنسان ما اغرّك (الانفطار: 6) في (1) قراءة من زاد الهمزة (2).
ثم قال المحققون: التعجّب مصروف إلى المخاطب، ولهذا تلطف الزمخشري (3) فيعبّر عنه بالتعجب، ومجيء التعجب من الله كمجيء الدعاء منه والترجّي وإنما هذا بالنظر إلى ما تفهمه العرب، أي هؤلاء عندكم ممن يجب أن تقولوا لهم هذه. وكذلك تفسير سيبويه [127/ ب] قوله (4) تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} (طه: 44) قال: المعنى: اذهبا على رجائكما وطمعكما (5) قال ابن الضائع: «وهو حسن جدا».
(قلت): «وذكر سيبويه (6) أيضا قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (المرسلات: 15) {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (المطففين: 1) فقال: لا أن تقول دعاء هاهنا، لأن الكلام بذلك قبيح، ولكن العباد إنما كلموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه والله أعلم قيل لهم: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (المطففين: 1) و {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (المرسلات: 15) أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم لأن [هذا] (7) الكلام إنما يقال لصاحب الشر والهلكة، فقيل: هؤلاء ممن دخل في الهلكة، ووجب لهم هذا». انتهى.
ومنها الأمر، كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (البقرة: 228) {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ} (البقرة: 233) فإن السياق يدل على أن الله تعالى أمر بذلك لا أنه (8) خبر، وإلا لزم الخلف في الخبر، وسبق في المجاز.
ومنها النهي، كقوله تعالى: {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 79).
ومنها الوعد، كقوله: {سَنُرِيهِمْ آيََاتِنََا فِي الْآفََاقِ} (فصلت: 53).
__________
(1) في المخطوطة (على).
(2) وهي قراءة الأعمش وسعيد بن جبير (البحر المحيط 9/ 436).
(3) انظر الكشاف 4/ 193.
(4) في المخطوطة (وقوله). وانظر الكتاب لسيبويه 1/ 331 (تحقيق عبد السلام محمد هارون) باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء.
(5) في المخطوطة (أو طمعكما).
(6) انظر المصدر السابق.
(7) ساقطة من المخطوطة.
(8) في المخطوطة (لأنه).(2/428)
ومنها الوعيد، كقوله [تعالى] (1): {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
(الشعراء: 227).
ومنها الإنكار والتبكيت، نحو: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49).
ومنها الدعاء، كقوله تعالى: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) أي أعنّا على عبادتك.
وربما كان اللفظ خبرا والمعنى شرطا وجزاء كقوله: {إِنََّا كََاشِفُوا الْعَذََابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عََائِدُونَ} (الدخان: 15) فظاهره خبر، والمعنى: إنّا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا. ومنه قوله: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} (البقرة: 229) من طلق امرأته مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف، أو (2) يسرّحها بإحسان.
ومنها التمني، وكلمته الموضوعة له «ليت»، وقد يستعمل (3) فيه (4) ثلاثة أحرف:
(أحدها): «هل» كقوله (5): {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ فَيَشْفَعُوا لَنََا} (الأعراف: 53) حملت «هل» على إفادة التمني لعدم التصديق بوجود شفيع في ذلك المقام، فيتولد التمنّي بمعونة قرينة الحال. (والثاني): «لو» سواء كانت مع «ودّ» كقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (القلم:
9) بالنصب (6)، أو لم تكن، كقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} (هود: 80)، وقوله: {لَوْ أَنَّ لَنََا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} (البقرة: 167) {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ} (الزمر: 58). (والثالث): «لعلّ»، كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ * أَسْبََابَ السَّمََاوََاتِ فَأَطَّلِعَ} (غافر: 36، 37) في قراءة النصب (7)
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (و).
(3) في المطبوعة (تستعمل).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) في هذا الموضع بياض في المخطوطة.
(6) قال أبو حيّان في البحر المحيط 8/ 309: «وقال هارون إنه في بعض المصاحف {فَيُدْهِنُونَ} ولنصبه وجهان: أحدهما أنه جواب {وَدُّوا} لتضمنه معنى ليت. والثاني أنه على توهم أنه نطق ب «إن»، أي: «ودّوا أن تدهن فيدهنوا» فيكون عطفا على التوهم، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل «لو» مصدرية بمعنى «أن» انتهى. وانظر الكتاب لسيبويه 3/ 36.
(7) قرأ حفص بالنصب، والباقون برفعها (التيسير ص 191).(2/429)
واختلف هل التمني خبر ومعناه النفي، أو ليس بخبر، ولهذا لا يدخله التصديق والتكذيب قولان عن أهل العربية، حكاهما ابن فارس في كتاب «فقه العربية» (1)
والزمخشري (2) بنى كلامه على أنه ليس بخبر، واستشكل دخول التكذيب في جوابه، في قوله تعالى: {يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ وَلََا نُكَذِّبَ} (الأنعام: 27) إلى قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} (الأنعام: 28) وأجاب بتضمنه معنى العدة فدخله التكذيب.
وقال ابن الضائع (3): «التمني حقيقة لا يصح فيه الكذب وإنما يرد الكذب في التمني الذي يترجّح عند صاحبه وقوعه فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هو ظن، وهو خبر صحيح. قال: وليس المعنى في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} (الأنعام: 28) أن ما تمنّوا ليس بواقع، لأنه ورد في معرض الذم لهم، وليس في ذلك المعنى ذم، بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون، وأنهم يؤمنون.
ومنها الترجّي والفرق بينه وبين التمني أن الترجّي لا يكون إلا في الممكنات، والتمني يدخل المستحيلات.
ومنها النداء وهو طلب إقبال المدعوّ على الداعي بحرف مخصوص وإنما يصحب في الأكثر الأمر والنهي، كقوله: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (البقرة: 21) {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ} (الأحزاب: 1) {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: 16) {وَيََا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}
(هود: 52) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللََّهِ وَرَسُولِهِ} (الحجرات: 1) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} (التحريم: 7) وربما (4) تقدمت جملة الأمر جملة النداء:
كقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً} [128/ أ] {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} (النور: 31).
وإذا جاءت جملة الخبر بعد النداء تتبعها جملة الأمر، كما في قوله [تعالى] (5):
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (الحج: 73) وقد تجيء معه الجمل الاستفهامية
__________
(1) انظر الصاحبي ص 158، باب الأمر.
(2) انظر الكشاف 2/ 9.
(3) هو علي بن محمد بن علي الكتامي، تقدمت ترجمته في 2/ 364.
(4) في المخطوطة (لما).
(5) ليست في المخطوطة.(2/430)
والخبرية كقوله تعالى في الخبر: {يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} (الزخرف: 68) (1) [و {يََا أَبَتِ هََذََا تَأْوِيلُ رُءْيََايَ مِنْ قَبْلُ} (يوسف: 100) {وَيََا قَوْمِ هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً}
(هود: 64) {يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ} (فاطر: 15)] (1) وفي (3) الاستفهام:
{يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ} [ولا يبصر] (4) (مريم: 42) {وَيََا قَوْمِ مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ} (غافر: 41) {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مََا لََا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2) {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ]} [4] (التحريم: 1) وهنا فائدتان:
(إحداهما): قال الزمخشريّ [رحمه الله] (6) كل نداء (7) في كتاب الله يعقبه فهم في الدين، إما من ناحية الأوامر والنواهي التي عقدت بها سعادة الدارين، وإما مواعظ وزواجر وقصص لهذا المعنى كل ذلك راجع إلى الدين الذي خلق الخلق لأجله، وقامت السموات والأرض به، فكان حق هذه أن تدرك بهذه الصيغة البليغة.
(الثانية): النداء إنما يكون للبعيد حقيقة أو حكما وفي قوله (8) تعالى: {وَنََادَيْنََاهُ مِنْ جََانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنََاهُ نَجِيًّا} (مريم: 52) لطيفة فإنه تعالى بيّن (9) أنه كما ناداه ناجاه أيضا والنداء مخاطبة الأبعد، والمناجاة مخاطبة الأقرب ولأجل هذه اللطيفة أخبر سبحانه عن مخاطبته لآدم وحواء بقوله: {وَقُلْنََا يََا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: 35) وفي (10) [موضع: {وَيََا آدَمُ]} [10] اسْكُنْ (الأعراف: 19) ثم لما حكى عنهما ملابسة المخالفة، قال في وصف خطابه (12) لهما: {وَنََادََاهُمََا رَبُّهُمََا} (الأعراف: 22) فأشعر هذا اللفظ بالبعد لأجل المخالفة، كما أشعر اللفظ الأول بالقرب عند السلامة منها.
وقد يستعمل النداء في غير معناه مجازا في مواضع:
(الأول): الإغراء والتحذير، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {نََاقَةَ اللََّهِ وَسُقْيََاهََا}
(الشمس: 13) والإغراء أمر معناه الترغيب والتحريض، ولهذا خصّوا به المخاطب.
__________
(1) الآيات بين الحاصرتين ليست في المطبوعة.
(3) في المخطوطة (ويأتي في).
(4) ليست في المخطوطة.
(6) ليست في المخطوطة.
(7) عبارة المخطوطة (أي كل هذا).
(8) في المخطوطة (كقوله).
(9) في المخطوطة (كما بيّن).
(10) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(12) في المخطوطة (خطابهما).(2/431)
(الثاني): الاختصاص، وهو كالنداء إلا أنه لا حرف فيه.
(الثالث): التنبيه، نحو: {يََا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هََذََا} (مريم: 23) لأن (1) حرف النداء يختص بالأسماء.
وقال النحاس (2) في قوله تعالى: {يََا وَيْلَتى ََ} (الفرقان: 28) نداء مضاف، والفائدة فيه أن معناه: هذا وقت حضور الويل. وقال الفارسي في قوله تعالى: {يََا حَسْرَةً عَلَى الْعِبََادِ} (يس: 30) معناه أنه لو كانت الحسرة مما يصحّ نداه لكان هذا وقتها.
وقد اختلف في أن النداء خبر أم لا، قال أبو البقاء (3) في شرح «الإيضاح»: ذهب الجميع [إلى] (4) أن قولك: «يا زيد» ليس بخبر (5) [محتمل للتصديق والتكذيب، إنما هو بمنزلة الإشارة والتصويت، واختلفوا في قولك: «يا فاسق» فالأكثرون على أنه ليس بخبر] (5)
أيضا، قال أبو عليّ الفارسي (7): خبر لأنه تضمّن نسبته للفسق.
ومنها الدعاء، نحو {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (المسد: 1) وقوله: {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ}
(المنافقون: 4) {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (النساء: 90) {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (المطففين:
1).
قال سيبويه (8): هذا دعاء، وأنكره ابن الطراوة (9) لاستحالته هنا، وجوابه أنه مصروف
__________
(1) في المخطوطة (إلا أنّ).
(2) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النحاس، تقدمت ترجمته في 1/ 356.
(3) هو عبد الله بن الحسين، أبو البقاء العكبري، تقدمت ترجمته في 1/ 159، وكتابه «شرح الإيضاح» طبع بتحقيق يحيى مير علم في جامعة دمشق قسم اللغة العربية بكلية الآداب (أخبار التراث العربي 19/ 18).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(7) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو علي الفارسي صاحب كتاب «الإيضاح» المتقدم.
(8) انظر الكتاب: 1/ 331 (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء.
(9) هو سليمان بن محمد بن عبد الله أبو الحسن ابن الطراوة المالقي، المدعو بالشيخ الأستاذ. كان نحويا ماهرا أدبيا بارعا يقرض الشعر وينشئ الرسائل، سمع على الأعلم «كتاب سيبويه» وعلى عبد الملك بن سراج وعنه روى السهيلي، والقاضي عياض. من تصانيفه «الترشيح في النحو» و «المقدمات على كتاب سيبويه» وغيرها ت 528هـ (بغية الوعاة 1/ 602).(2/432)
للخلق وإعلامهم بأنّهم أهل لأن (1) يدعى عليهم، كما في الرجاء وغيره مما سبق.
(فائدة) ذكر الزمخشري أن الاستعطاف، نحو «تالله هل قام زيد» قسم، والصحيح أنه ليس بقسم، لكونه خبرا.
الثاني الاستخبار
وهو طلب خبر ما ليس عندك، وهو بمعنى الاستفهام [في القرآن] (2) أي طلب الفهم ومنهم من فرّق بينهما بأن الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما حكاه ابن فارس (3) في «فقه العربية» ولكون الاستفهام طلب ما في الخارج أو تحصيله في الذهن لزم ألّا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاكّ مصدّق بإمكان الإعلام فإن غير الشاكّ إذا استفهم يلزم تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدّق بإمكان الإعلام انتفت فائدة الاستفهام.
* * * وفي الاستفهام فوائد:
(الأولى): قال [128/ ب] بعض الأئمة: ما جاء على لفظ الاستفهام في القرآن فإنما يقع في خطاب الله تعالى (4) على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك (4) الإثبات أو النفي حاصل، فيستفهم عنه نفسه تخبره (6) به، إذ قد وضعه الله عندها، فالإثبات كقوله تعالى:
{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللََّهِ حَدِيثاً} (النساء: 87) والنفي كقوله تعالى: {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (الإنسان: 1) {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود: 14) ومعنى ذلك أنه قد حصل لكم العلم بذلك (7) تجدونه عندكم إذا استفهمتم أنفسكم عنه، فإن الرب تعالى لا يستفهم خلقه عن شيء، وإنما يستفهمهم (8) ليقرّرهم (9) ويذكّرهم أنهم قد علموا حق ذلك الشيء فهذا أسلوب بديع انفرد به خطاب القرآن، وهو في كلام البشر مختلف.
__________
(1) في المخطوطة (بأن).
(2) ليست في المطبوعة.
(3) هو أحمد بن فارس بن زكريا، وانظر قوله في الصاحبي في فقه اللغة ص 152151.
(4) تكررت العبارة في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (يخبره).
(7) في المخطوطة (ذلك) بدل (العلم بذلك).
(8) في المخطوطة (يستفهم).
(9) في المخطوطة (ليقدرهم).(2/433)
(الثانية): الاستفهام إذا بني عليه أمر قبل ذكر الجواب فهم ترتب ذلك الأمر على جوابه، أيّ جواب كان لأن سبقه على الجواب يشعر بأن ذلك حال من يذكر في الجواب لئلا يكون إيراده قبله عبثا، فيفيد حينئذ تعميما، نحو «من جاءك فأكرمه» بالنصب فإنه لما قال قبل ذكر جواب الاستفهام «أكرمه» علم (1) أنه يكرم من يقول المجيب: إنّه جاء، أي جاء كان، وكذا حكم «من ذا جاءك أكرمه»، بالجزم.
(الثالثة): قد يخرج الاستفهام عن حقيقته بأن يقع ممن يعلم ويستغنى عن طلب الإفهام * * *
اقسام الاستفهام
وهو قسمان: بمعنى الخبر، وبمعنى (2) الإنشاء:
(الأول) (3): بمعنى الخبر،
وهو ضربان: أحدهما نفي [والثاني] (4) إثبات، فالوارد للنفي يسمى استفهام إنكار، والوارد للإثبات يسمى استفهام تقرير لأنه يطلب بالأول إنكار المخاطب، وبالثاني إقراره به.
فالأول: المعنى فيه (5) على أنّ ما بعد الأداة منفيّ. ولذلك نصحبه «إلّا» كقوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} (الأحقاف: 35).
وقوله تعالى: {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ: 17).
ويعطف عليه المنفيّ، كقوله [تعالى] (6): {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللََّهُ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ} (الروم: 29) أي لا يهدي وهو كثير ومنه (7) {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النََّارِ}
(الزمر: 19) أي لست تنقذ من في النار. {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ حَتََّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
(يونس: 99) {أَفَغَيْرَ اللََّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} (الأنعام: 114) وكقوله [تعالى] (8): {قََالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (الشعراء: 111) {فَقََالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنََا وَقَوْمُهُمََا لَنََا عََابِدُونَ} (المؤمنون: 47) أي لا نؤمن. [وقوله] (8): {أَمْ لَهُ الْبَنََاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}
(الطور: 39) أي لا يكون هذا وقوله [تعالى] (8): {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنََا} (ص:
__________
(1) في المخطوطة (على).
(2) في المخطوطة (بمعنى).
(3) يأتي القسم الثاني ص 2/ 442.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) في المخطوطة (به).
(6) ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوطة (كقوله).
(8) ليست في المخطوطة.(2/434)
8) أي ما أنزل. وقوله [تعالى] (1): {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (الزخرف: 19) أي ما شهدوا ذلك وقوله [تعالى] (1): {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} (الزخرف: 40) أي ليس ذلك إليك كما قال تعالى: {إِنَّكَ لََا تُسْمِعُ الْمَوْتى ََ وَلََا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعََاءَ} (النمل:
80) وقوله [تعالى] (1): {أَفَعَيِينََا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} (ق: 15) أي لم نعي به.
وهنا أمران:
أحدهما: أنّ الإنكار قد يجيء لتعريف (4) المخاطب أنّ ذلك المدّعي ممتنع عليه وليس من قدرته كقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} (الزخرف: 40) لأنّ إسماع الصّم لا يدّعيه أحد بل المعنى أن إسماعهم لا يمكن لأنهم بمنزلة الصم والعمي وإنما قدم الاسم في الآية ولم يقل: «أتسمع الصمّ»؟ إشارة إلى إنكار موجه (5) عن تقدير ظنّ منه عليه السلام أنه يختصّ بإسماع من به صمم، وأنّه ادعى القدرة على ذلك، وهذا أبلغ من إنكار الفعل. وفيه دخول الاستفهام على المضارع، فإذا قلت (6): أتفعل؟ أو أأنت تفعل؟ احتمل وجهين:
(أحدهما): إنكار وجود الفعل كقوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ}
(هود: 28) والمعنى لسنا بمثابة من يقع منه هذا الإلزام، وإن عبّرنا بفعل (7) ذلك جلّ الله تعالى عن ذلك، بل المعنى إنكار أصل الإلزام.
(والثاني): قولك لمن يركب الخطر: أتذهب في غير طريق؟ انظر لنفسك واستبصر.
فإذا قدمت المفعول توجّه الإنكار [129/ أ] إلى كونه بمثابة أن يوقع به مثل ذلك الفعل، كقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللََّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} (الأنعام: 14) وقوله: {أَغَيْرَ اللََّهِ تَدْعُونَ} (الأنعام:
40) المعنى: أغير الله بمثابة من يتخذ وليّا! ومنه: {أَبَشَراً مِنََّا وََاحِداً نَتَّبِعُهُ} (القمر:
24) لأنهم بنوا كفرهم على أنه ليس بمثابة من يتبع صيغة المستقبل، إما أن يكون للحال، نحو: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ حَتََّى يَكُونُوا [مُؤْمِنِينَ]} [8] (يونس: 99) أو للاستقبال (9)، نحو: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} (الزخرف: 32).
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (لتعريض).
(5) في المخطوطة (توجّه).
(6) في المخطوطة (إذا قلنا).
(7) في المخطوطة (بالفعل).
(8) ليست في المطبوعة.
(9) في المخطوطة (للاستفهام).(2/435)
الثاني: قد يصحب الإنكار التكذيب للتعريض بأن المخاطب ادعاه وقصد تكذيبه، كقوله تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنََاتِ عَلَى الْبَنِينَ} (الصافات: 153) {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ََ} (النجم: 21) {أَإِلََهٌ مَعَ اللََّهِ} (النمل: 60).
وسواء كان زعمهم له صريحا، مثل: {أَفَسِحْرٌ هََذََا أَمْ أَنْتُمْ لََا تُبْصِرُونَ}
(الطور: 15) أو التزاما، مثل: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (الزخرف: 19) فإنهم لمّا جزموا بذلك جزم من يشاهد خلق الملائكة كانوا كمن (1) زعم أنه شهد خلقهم.
وتسمية هذا استفهام إنكار من أنكر إذا جحد، وهو إما بمعنى «لم يكن» كقوله تعالى: {أَفَأَصْفََاكُمْ} (الإسراء: 40) أو بمعنى «لا يكون» نحو: {أَنُلْزِمُكُمُوهََا}
(هود: 28).
والحاصل أن الإنكار قسمان: إبطاليّ وحقيقيّ فالإبطاليّ أن يكون ما بعدها غير واقع، ومدّعيه كاذب (2) كما ذكرنا، والحقيقيّ يكون ما بعدها واقع وأن فاعله ملوم نحو:
{أَتَعْبُدُونَ مََا تَنْحِتُونَ} (الصافات: 95) {أَغَيْرَ اللََّهِ تَدْعُونَ} (الأنعام: 40) {أَإِفْكاً آلِهَةً} (الصافات: 86) {أَتَأْتُونَ الذُّكْرََانَ} (الشعراء: 165) {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتََاناً}
(النساء: 20).
وأما الثاني (3): فهو استفهام التقرير، والتقرير حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده، قال أبو الفتح في «الخاطريات» (4): ولا يستعمل ذلك ب «هل» (5) وقال في قوله:
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ (6)
__________
(1) في المخطوطة (لمن).
(2) في المخطوطة (غير كاذب).
(3) تقدم النوع الأول من أنواع الاستفهام وهو النفي ص 434.
(4) كتاب «الخاطريات» لأبي الفتح عثمان بن جني ذكره ياقوت في معجم الأدباء 12/ 111ضمن الكتب التي أجاز روايتها ابن جني للحسين بن أحمد بن نصر فقال: «وكتاب ما أحضرنيه الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي وغير ذلك مما هذه حاله وصورته»
وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 699باسم «الخاطرات» وذكره صاحب الخزانة في 2/ 470.
(5) في المخطوطة (بها).
(6) عجز البيت قيل إنه للعجاج انظر ملحق ديوانه ق 46/ 1، وهو من شواهد المبرّد في الكامل 2/ 1054،(2/436)
و «هل» لا تقع تقريرا كما يقع (1) غيرها [مما هو] (2) للاستفهام (3). [انتهى] (4)
وقال الكنديّ (5): ذهب كثير من العلماء في قوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ}
(الشعراء: 72) إلى أن «هل» تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ، إلا أني رأيت أبا عليّ (6) أبى ذلك، وهو معذور، فإن ذلك من قبيل الإنكار [انتهى] (7).
ونقل الشيخ أبو حيان (8) عن سيبويه (9) أن استفهام التقرير لا يكون ب «هل» إنما تستعمل فيه الهمزة. ثم نقل عن بعضهم أن «هل» تأتي تقريرا [كما] (10) في قوله تعالى: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} (الفجر: 5) والكلام مع التقرير موجب، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب، ويعطف على صريح الموجب.
فالأول كقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ} (الضحى: 6، 7) وقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ} (الانشراح: 1، 2) {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [وَأَرْسَلَ]} [11] (الفيل: 32).
__________
والبغدادي في الخزانة 2/ 482وصدر البيت حتّى إذا كاد الظّلام يختلط ورواية ابن عقيل 2/ 158: حتّى إذا جنّ الظلام واختلط وقال العيني في شرح الشواهد المطبوع بهامش خزانة الأدب 4/ 61و 62: «ذكره المبرد ونسبه إلى راجز ولم يعين اسمه وقيل هو العجاج»، وانظر كتاب الانتصاف من الإنصاف 1/ 115لمحمد محيي الدين عبد الحميد المطبوع مع كتاب الإنصاف لأبي البركات الأنباري.
(1) في المخطوطة (يفتح).
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (الاستفهام).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) هو زيد بن الحسن بن زيد الكندي، تقدمت ترجمته في 1/ 402. وقد ذكر قوله السيوطي في الإتقان 3/ 236.
(6) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، تقدم.
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) هو محمد بن يوسف، أثير الدين أبو حيان النحوي الأندلسي، تقدمت ترجمته في 1/ 130.
(9) انظر الكتاب لسيبويه 3/ 175 (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) باب «أو».
(10) ساقطة من المطبوعة.
(11) ليست في المطبوعة.(2/437)
والثاني: كقوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيََاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهََا عِلْماً} (النمل: 84) على ما قرّره (1) الجرجانيّ (2) في «النظم» حيث جعلها مثل قوله: [تعالى] (3): {وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ} (النمل: 14).
ويجب أن يلي الأداة الشيء الذي تقرر بها، فتقول في تقرير الفعل: «أضربت زيدا؟»، والفاعل نحو: «أأنت ضربت؟»، أو المفعول «أزيدا (4) ضربت»، كما يجب في الاستفهام الحقيقي.
وقوله [تعالى] (5): {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هََذََا بِآلِهَتِنََا} (الأنبياء: 62) يحتمل الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه (6) الفاعل، والتقريريّ بأن يكونوا علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل، ولا تقريرا له، لأنه لم يله، ولأنه أجاب بالفاعل بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} (الأنبياء: 63).
وجعل الزمخشريّ منه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 106).
وقيل: أراد التقرير (7) [بما بعد النفي لا التقرير بالنفي، والأولى أن يجعل على الإنكار، أي، ألم تعلم أيّها المنكر للنسخ! وحقيقة استفهام التقرير أنه استفهام إنكار، والإنكار نفي، وقد دخل على المنفيّ ونفي المنفيّ إثبات. والذي يقرّر عندك أن معنى التقرير] (7) الإثبات قول (9) ابن السراج (10): فإذا
__________
(1) في المخطوطة (قدّره).
(2) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. تقدمت ترجمته في 2/ 420، وكتابه «نظم القرآن» تقدم في 2/ 225.
(3) ليست في المطبوعة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (كان زيدا ضربت).
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (بأنه).
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) في المخطوطة (كقول).
(10) هو محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السّراج النحوي كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، صحب المبرّد وأخذ عنه العلم، روى عنه الزجاجي، والسيرافي، والرماني، وله تصانيف هامة منها: «الأصول» و «الاشتقاق» و «الموجز» وغيرها ت 316هـ (القفطي، إنباه الرواة 3/ 145).(2/438)
أدخلت على «ليس» ألف الاستفهام كانت (1) تقريرا ودخلها معنى الإيجاب فلم يحسن معها «أحد» لأن «أحدا» إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول: أليس أحد في الدار لأن المعنى يؤول إلى قولك: أحد في الدار، وأحد لا تستعمل في الواجب. [انتهى] (2).
وأمثلته كثيرة، كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (الأعراف: 172) أي [إني] (2) أنا ربكم. وقوله {أَلَيْسَ ذََلِكَ بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ} (القيامة: 40). {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (يس: 81) {أَلَيْسَ اللََّهُ بِكََافٍ عَبْدَهُ} (الزمر: 36).
{أَلَيْسَ اللََّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقََامٍ} (الزمر: 37) {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكََافِرِينَ}
(الزمر: 32). {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنََّا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ يُتْلى ََ} [129/ ب] {عَلَيْهِمْ}
(العنكبوت: 51) ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أينقص الرّطب إذا جف (4)»، وقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا (5)
واعلم أن في جعلهم الآية الأولى من هذا النوع إشكالا، لأنه لو خرج الكلام عن النفي لجاز أن يجاب بنعم، وقد قيل: إنهم لو قالوا: «نعم» كفروا، ولما حسن دخول [الباء] (6)
__________
(1) في المخطوطة (كان).
(2) ليست في المطبوعة.
(4) الحديث من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أخرجه مالك في الموطأ 2/ 624، كتاب البيوع (31)، باب ما يكره من بيع التمر (12)، الحديث (22)، والشافعي في الأم 3/ 19كتاب البيوع، باب الربا الحديث (551)، وأبو داود في السنن 3/ 657654كتاب البيوع (17)، باب في التمر بالتمر (18)، الحديث (2359) والترمذي في السنن 3/ 528، كتاب البيوع (12)، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة (14)، الحديث (1225)، وقال: «حسن صحيح» والنسائي في المجتبى من السنن 7/ 269268، كتاب البيوع (44)، باب. اشتراء التمر بالرطب (36)، وابن ماجة في السنن 2/ 761، كتاب التجارات (12)، باب بيع الرطب بالتمر (53)، الحديث (2264)، وابن حبّان ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7/ 234، باب البيع المنهي عنه، ذكر العلة التي من أجلها زجر عن بيع الثمر بالثمر، الحديث (4982). والحاكم في المستدرك 2/ 3938، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الرطب بالتمر، والبيهقي في السنن 5/ 295294كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الرطب بالتمر.
(5) هذا صدر بيت وعجزه: وأندى العالمين بطون راح ... من قصيدة له يمدح بها عبد الملك مروان،
وهو في ديوانه ص 77 (طبعة دار صادر).
(6) ساقطة من المخطوطة.(2/439)
في الخبر، ولو لم تفد (1) لفظة الهمزة استفهاما لما استحق الجواب، إذ لا سؤال حينئذ.
والجواب يتوقف على مقدّمة، وهي أن الاستفهام إذا دخل على النفي، يدخل بأحد وجهين:
إما أن يكون الاستفهام عن النفي: هل وجد أم لا؟ فيبقى النفي على ما كان عليه، أو للتقرير كقوله (2): ألم أحسن إليك! وقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الانشراح: 1) {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} (الضحى: 6).
فإن كان بالمعنى الأول لم يجز (3) دخول «نعم» في جوابه إذا أردت إيجابه، بل تدخل عليه «بلى». وإن كان بالمعنى الثاني وهو التقرير فللكلام (4) حينئذ لفظ ومعنى، فلفظه نفي داخل عليه الاستفهام، ومعناه الإثبات فبالنظر إلى لفظه تجيبه ببلى، وبالنظر إلى معناه، وهو كونه إثباتا تجيبه بنعم.
وقد أنكر عبد القاهر (5) كون الهمزة للإيجاب لأن الاستفهام يخالف الواجب، وقال:
إنها إذا دخلت على «ما» أو «ليس» يكون تقريرا وتحقيقا، فالتقرير كقوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} (المائدة: 116) {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هََذََا} (الأنبياء: 62).
واعلم أن هذا النوع يأتي على وجوه:
(الأول): مجرد الإثبات، كما ذكرنا.
(الثاني): الإثبات (6) مع الافتخار كقوله تعالى عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (الزخرف: 51).
(الثالث): الإثبات (6) مع التوبيخ، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً}
(النساء: 97) أي هي واسعة، فهلّا هاجرتم فيها! (الرابع): مع العتاب، كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللََّهِ} (الحديد: 16) قال ابن مسعود: «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا
__________
(1) في المخطوطة (يعد).
(2) في المخطوطة (كقولك).
(3) في المخطوطة (يحسن).
(4) في المخطوطة (فله كلام).
(5) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وانظر دلائل الإعجاز: 88و 89.
(6) في المخطوطة (للإثبات).(2/440)
أربع سنين (1)». وما ألطف ما عاتب [الله به] (2) خير خلقه بقوله تعالى: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (التوبة: 43) ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله تعالى في هذه الآية (3).
(الخامس): التبكيت، كقوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ}
(المائدة: 116) هو تبكيت للنصارى فيما ادّعوه كذا جعل السكاكيّ (4) وغيره هذه الآية من نوع التقرير. وفيه نظر لأن ذلك لم يقع منه.
(السادس): التسوية، وهي الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، كقوله تعالى: {وَسَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (يس: 10) أي سواء عليهم الإنذار وعدمه، مجرّدة (5) للتسوية، مضمحلا عنها معنى الاستفهام. ومعنى الاستواء فيه استواؤهما في علم المستفهم، لأنه قد علم أنه أحد الأمرين كائن، إما الإنذار وإما عدمه ولكن لا يعيّنه، وكلاهما معلوم بعلم غير معيّن.
فإن قيل: الاستواء يعلم من لفظة «سواء» (6) [لا من الهمزة، مع أنه لو علم منه لزم التكرار. قيل: هذا الاستواء غير ذلك الاستواء المستفاد من لفظة «سواء»] (6).
وحاصله أنه كان الاستفهام عن مستويين فجرّد عن الاستفهام، وبقي الحديث عن المستويين. ولا يكون ضرر في إدخال «سواء» عليه لتغايرهما، لأن المعنى أن المستويين في العلم يستويان في عدم الإيمان. وهذا أعني حذف مقدّر واستعماله فيما بقي كثير في كلام العرب، كما في النداء، فإنه لتخصيص المنادى وطلب إقباله، فيحذف قيد الطلب، ويستعمل في مطلق (8) الاختصاص، نحو «اللهم اغفر لنا أيتها العصابة» (9) فإنه ينسلخ عن
__________
(1) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2319، كتاب التفسير (54)، باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللََّهِ}، الحديث (24/ 3027).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) انظر قول الزمخشري في الكشاف 2/ 153وتعليق ابن حجر رحمه الله وابن المنير عليه.
(4) انظر مفتاح العلوم ص 290: فصل في بيان القصر، وص 315: الاستفهام.
(5) في المخطوطة (فجردت).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) في المخطوطة (بمطلق).
(9) انظر الكتاب لسيبويه 3/ 170، باب أم وأو (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) قال السيرافي: لأنك لست تناديه وإنما تختصه فتجريه على حرف النداء، لأن النداء فيه اختصاص فيشبه به للاختصاص لأنه منادى.(2/441)
معنى الكلمة لأن معناه مخصوص من بين سائر العصائب.
ومنه قوله تعالى: {سَوََاءٌ عَلَيْنََا أَجَزِعْنََا أَمْ صَبَرْنََا} (إبراهيم: 21). وقوله تعالى:
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (المنافقون: 6). {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوََاعِظِينَ} (الشعراء: 136). وتارة تكون التسوية مصرّحا بها كما ذكرناه (1)، وتارة لا تكون، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ} (الأنبياء: 109).
(السابع): التعظيم، كقوله [تعالى] (2): {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلََّا بِإِذْنِهِ}
(البقرة: 255).
(الثامن): التهويل، نحو: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} (الحاقّة: 21).
وقوله [تعالى] (3): {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ} (4) (القارعة: 10).
[130/ أ] وقوله: {مََا ذََا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} (يونس: 50) تفخيم للعذاب الذي يستعجلونه.
(التاسع): التسهيل والتخفيف، كقوله [تعالى] (4) {وَمََا ذََا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللََّهِ}
(النساء: 39).
(العاشر): التفجّع، نحو: {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً إِلََّا أَحْصََاهََا} (الكهف: 49).
(الحادي عشر): التكثير، نحو: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا} (الأعراف: 4).
(الثاني عشر): الاسترشاد، نحو: {أَتَجْعَلُ فِيهََا مَنْ يُفْسِدُ فِيهََا} (البقرة: 30) والظاهر أنهم استفهموا مسترشدين، وإنما فرّق بين العبارتين أدبا. وقيل: هي هنا للتعجب.
* * *القسم الثاني (6): الاستفهام المراد به الإنشاء،
وهو على ضروب:
__________
(1) في المخطوطة (ذكرنا).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) الآية في المخطوطة {وَمََا أَدْرََاكَ مَا الْحَاقَّةُ}.
(6) تقدم القسم الأول من أقسام الاستفهام، وهو الذي بمعنى الخبر ص 434.(2/442)
(الأول): مجرد الطلب، وهو الأمر، كقوله تعالى: {أَفَلََا تَذَكَّرُونَ} (يونس: 3) أي اذكروا. وقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ وَالْأُمِّيِّينَ} [1] أَأَسْلَمْتُمْ (آل عمران: 20) أي أسلموا. وقوله: {أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ} (النور: 22) أي أحبوا. وقوله: {وَمََا لَكُمْ لََا تُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ} (النساء: 75) أي قاتلوا (2). وقوله تعالى: {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (النساء: 82). وقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) انتهوا، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: «انتهينا» (3).
وجعل بعضهم منه [قوله تعالى] (4): {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:
106). وقوله تعالى: {أَتَصْبِرُونَ} (الفرقان: 20) وقال ابن عطية والزمخشريّ (5):
المعنى أتصبرون أم لا تصبرون؟ والجرجاني (6) في «النّظم» على حذف مضاف، أي لنعلم أتصبرون.
(الثاني): النهي، كقوله تعالى: {مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (الانفطار: 6) أي لا يغرك. وقوله في سورة التوبة: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} (التوبة: 13) بدليل قوله: {فَلََا تَخْشَوُا النََّاسَ} (المائدة: 44).
(الثالث): التحذير، كقوله: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ} (المرسلات: 16) أي قدرنا عليهم فنقدر عليكم.
(الرابع): التذكير، كقوله [تعالى] (7): {قََالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مََا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ}
(يوسف: 89). وجعل بعضهم منه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ} (الضحى: 6) {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الانشراح: 1).
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة (والنبيين) وصواب الآية كما في القرآن الكريم ما أثبتناه.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (قالوا).
(3) الأثر أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص 139138.
(4) ليست في المخطوطة.
(5) انظر الكشاف 3/ 93.
(6) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، تقدم التعريف به في 2/ 420، وبكتابه «نظم القرآن» في 2/ 225.
(7) ليست في المخطوطة.(2/443)
(الخامس): التنبيه، وهو من أقسام الأمر، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ} (البقرة: 258). {أَلَمْ تَرَ إِلى ََ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (الفرقان: 45).
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ} (البقرة: 243)، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحََابِ الْفِيلِ} (الفيل: 1). والمعنى في كل ذلك: انظر بفكرك في هذه الأمور وتنبه. وقوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} (الحج: 63) حكاه صاحب (1)
«الكافي» عن الخليل، ولذلك (2) رفع الفعل ولم ينصبه.
وجعل منه بعضهم {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (التكوير: 26) للتنبيه على الضلال. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرََاهِيمَ} (البقرة: 130).
(السادس): الترغيب، كقوله [تعالى] (3): {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً} (الحديث: 11) {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [4] [مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ (4)
(الصف: 10).
(السابع): التمني، كقوله: {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ} (الأعراف: 53). {أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا} (البقرة: 259) قال العزيزيّ (6) في «تفسيره»: أي كيف، وما أعجب معاينة الإحياء! (الثامن): الدعاء، وهو كالنهي، إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى، كقوله تعالى:
{أَتُهْلِكُنََا بِمََا فَعَلَ السُّفَهََاءُ} (الأعراف: 155). وقوله: {أَتَجْعَلُ فِيهََا مَنْ يُفْسِدُ فِيهََا}
(البقرة: 30) وهم لم يستفهموا، لأن الله قال: {إِنِّي جََاعِلٌ} [7] [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] (7) (البقرة:
30)، وقيل: المعنى إنك ستجعل وشبّهه أبو عبيدة (9) بقول الرجل لغلامه وهو يضربه: ألست الفاعل كذا!
__________
(1) لعله أبو جعفر النحاس وكتابه «الكافي في النحو» ذكره ياقوت في معجم الأدباء 4/ 228.
(2) في المخطوطة (وكذلك).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) تمام الآية ليست في المطبوعة.
(6) هو محمد بن عزيز أبو بكر العزيزي السجستاني تقدم التعريف به وبكتابه في 1/ 393، وانظر قوله في نزهة القلوب ص 6.
(7) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(9) انظر مجاز القرآن 1/ 36.(2/444)
وقيل: بل هو تعجب، وضعّف. وقال النحاس (1): الأولى ما قاله ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، ولا مخالف لهما: أن الله تعالى لما قال: {إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: 30) قالوا: وما ذاك الخليفة! يكون له ذرية يفسدون، ويقتل بعضهم بعضا! وقيل: المعنى: أتجعلهم فيها أم تجعلنا، وقيل: المعنى: تجعلهم وحالنا هذه أم يتغير.
(التاسع والعاشر): العرض والتحضيض، والفرق بينهما: الأول طلب برفق والثاني بشق فالأول كقوله تعالى: {أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ} (النور: 22). [والثاني] (2)
{أَلََا تُقََاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمََانَهُمْ} (التوبة: 13) [130/ ب] ومن الثاني: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلََا يَتَّقُونَ} (الشعراء: 10و 11) المعنى ائتهم وأمرهم بالاتقاء (3).
(الحادي عشر): الاستبطاء، كقوله: {مَتى ََ هََذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} (يس:
48) بدليل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذََابِ} (الحج: 47). ومنه ما قال صاحب «الإيضاح» (4) البيانيّ: {حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ} (البقرة:
214). وقال الجرجاني: في الآية تقديم وتأخير أي «حتى يقول الرسول: ألا إنّ نصر الله قريب (5) [والذين آمنوا: متى نصر الله؟] (5)» وهو حسن.
(الثاني عشر): الإياس {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (التكوير: 26).
(الثالث عشر): الإيناس نحو: {وَمََا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ} (طه: 17). وقال
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل، أبو جعفر النحاس، تقدم في 1/ 356.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (الاتفاق).
(4) هو محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي العلامة، قال ابن حجر: ولد سنة 666هـ، واشتغل وتفقه، حتى ولي قضاء ناحية بالروم وله دون العشرين، ثم قدم دمشق واشتغل بالفنون، وأتقن الأصول والعربية والمعاني والبيان. من تصانيفه «تلخيص المفتاح في المعاني والبيان» وهو أجلّ المختصرات فيه، و «إيضاح التلخيص» ت 739هـ (بغية الوعاة 1/ 156) وكتابه «الإيضاح لمختصر تلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع» طبع في القاهرة بمطبعة محمد علي صبيح عام 1373هـ / 1954م. وانظر قوله في الكتاب ص 81.
(5) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.(2/445)
ابن فارس (1): «الإفهام فإن الله [تعالى] (2) قد علم أن لها أمرا قد خفي على موسى عليه السلام فأعلم من حالها ما لم يعلم». وقيل: هو للتقرير، فيعرف ما في يده حتى لا ينفر إذا انقلبت حية.
(الرابع عشر): التهكّم والاستهزاء {أَصَلََاتُكَ تَأْمُرُكَ} (هود: 87) {أَلََا تَأْكُلُونَ * مََا لَكُمْ لََا تَنْطِقُونَ} (الصافات: 92).
(الخامس عشر): التحقير (3) كقوله تعالى: {وَإِذََا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلََّا هُزُواً أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} (الفرقان: 41) ومنه ما حكى صاحب «الكتاب» (4): من أنت زيدا؟ على معنى من أنت تذكر زيدا! (السادس عشر): التعجب، نحو: {مََا لِيَ لََا أَرَى الْهُدْهُدَ} (النمل: 20).
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ} (البقرة: 28). ومنهم من جعله للتنبيه.
(السابع عشر): الاستبعاد، كقوله: {أَنََّى لَهُمُ الذِّكْرى ََ وَقَدْ جََاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}
(الدخان: 13) أي يستبعد ذلك منهم بعد أن جاءهم الرسول ثم تولوا [عنه] (5).
(الثامن عشر): التوبيخ، كقوله [تعالى] (6): {أَفَغَيْرَ دِينِ اللََّهِ يَبْغُونَ} (آل عمران: 83). {لِمَ تَقُولُونَ مََا لََا تَفْعَلُونَ} (7) (الصف: 2).
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ [أَوْلِيََاءَ]} [6] (الكهف: 50) ولا تدخل همزة (9) التوبيخ إلا على فعل قبيح أو ما يترتب عليه [فعل] (6) قبيح.
* * * الفائدة الرابعة (11): قد يجتمع الاستفهام الواحد للانكار والتقرير، كقوله: {فَأَيُّ}
__________
(1) هو أحمد بن فارس بن زكريا، وانظر قوله في الصاحبي في فقه اللغة ص 153.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (التحقيق).
(4) يعني سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر.
(5) ساقطة من المطبوعة.
(6) ليست في المخطوطة.
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (أتقولون على الله ما لا تعلمون) وهذا اللفظ غير موجود في القرآن.
(9) في المخطوطة (الهمزة).
(11) تقدم ذكر الفوائد الثلاث من فوائد الاستفهام ص: 434433.(2/446)
{الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} (الأنعام: 81) أي ليس الكفار آمنين، والذين آمنوا أحقّ بالأمن ولما كان أكثر مواقع التقرير دون الإنكار، قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ [بِظُلْمٍ} (الأنعام: 82) الآية] (1).
وقد يحتملهما، كقوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات:
12).
ويحتمل أنه استفهام تقرير، وأنه طلب منهم أن يقروا بما عندهم تقرير ذلك ولهذا قال مجاهد: التقدير «لا» فإنهم لما استفهموا استفهام تقرير بما لا جواب له إلا أن يقولوا «لا» جعلوا كأنهم قالوا وهو قول الفارسي والزمخشري (2). ويحتمل أن يكون استفهام إنكار بمعنى التوبيخ على محبتهم لأكل لحم أخيهم فيكون «ميتة»، والمراد محبتهم له غيبته على سبيل المجاز، و {فَكَرِهْتُمُوهُ} بمعنى الأمر، أي اكرهوه. ويحتمل أن يكون استفهام إنكار بمعنى التكذيب، أنهم لما كانت حالهم حال من يدّعي محبة أكل لحم أخيه نسب ذلك إليهم، وكذبوا فيه، فيكون {فَكَرِهْتُمُوهُ} (3) [خبرا] (4).
* * * (الخامسة) (5): إذا خرج الاستفهام عن حقيقته فإن أريد التقرير ونحوه لم يحتج إلى معادل، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 106) فإن معناه التقرير. وقال ابن عطية: «ظاهره الاستفهام المحض، والمعادل (6) [على قول جماعة: {أَمْ تُرِيدُونَ} (البقرة: 108). وقيل {أَمْ} منقطعة فالمعادل] (6) عندهم محذوف، أي «[أم] (6) علمتم»، وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم مخاطبة أمته، وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير، وكلا القولين مرويّ» (9).
انتهى.
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) انظر الكشاف 4/ 15.
(3) في المخطوطة (كرهتموه).
(4) ساقطة من المطبوعة.
(5) أي الفائدة الخامسة من فوائد الاستفهام المبتدأ بها ص 433.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) انظر المحرر الوجيز 1/ 385.(2/447)
وما قاله غير ظاهر، والاستفهام هنا للتقرير فيستغنى عن المعادل، أما إذا كان على حقيقته، فلا بدّ من تقدير المعادل، كقوله [تعالى] (1): {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذََابِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ} (الزمر: 24) أي، كمن ينعم في الجنّة؟.
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} (فاطر: 8). أي كمن هداه الله، بدليل قوله تعالى: {فَإِنَّ اللََّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشََاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشََاءُ} (فاطر: 8) التقدير:
ذهبت نفسك عليهم حسرات، (2) [بدليل {فَلََا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرََاتٍ}] (2)
(فاطر: 8).
وقد جاء في التنزيل موضع صرّح فيه بهذا الخبر، وحذف المبتدأ، على العكس ممّا نحن فيه، وهو قوله تعالى: {كَمَنْ هُوَ خََالِدٌ فِي النََّارِ وَسُقُوا مََاءً حَمِيماً} [2] [فَقَطَّعَ أَمْعََاءَهُمْ] (2) (محمد: 15) أي أكمن (6) هو خالد في الجنّة [131/ أ] يسقى من هذه الأنهار، كمن هو خالد في النار؟ على أحد الأوجه. وجاء مصرحا بهما على الأصل في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كََانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنََاهُ وَجَعَلْنََا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النََّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمََاتِ}
(الأنعام: 122). {أَفَمَنْ كََانَ عَلى ََ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} (محمد: 14). [فرآه حسنا] (7).
* * * السادسة: استفهام الإنكار لا يكون إلا على ماض، وخالف في ذلك صاحب «الأقصى القريب» (8) وقال: «قد يكون عن مستقبل، كقوله [تعالى] (9): {أَفَحُكْمَ الْجََاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (المائدة: 50) وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللََّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقََامٍ} (الزمر: 37)
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (كمن).
(7) ليست في المخطوطة.
(8) كتاب «الأقصى القريب في علم البيان» لمحمد بن محمد أبي عبد الله التنوخي طبع في مصر عام 1327هـ / 1909م (ذخائر التراث العربي 1/ 417) ومؤلفه هو محمد بن محمد بن منجى زين الدين التنوخي، أديب دمشقي استقر ببغداد. ت 748هـ (البغدادي، هدية العارفين 2/ 154).
(9) ليست في المخطوطة.(2/448)
قال: أنكر أنّ حكم الجاهلية مما يبغى لحقارته، وأنكر عليهم سلب العزة عن الله تعالى، وهو منكر في الماضي والحال والاستقبال».
وهذا الذي قاله مخالف لإجماع البيانيين، ولا دليل فيما ذكره، بل الاستفهام في الآيتين عن ماض ودخله الاستقبال، تغليبا لعدم اختصاص المنكر بزمان. ولا يشهد له قوله تعالى:
{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى ََ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (البقرة: 61) لأن الاستبدال وهو طلب البدل وقع ماضيا، ولا: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللََّهُ} (غافر: 28) وإن كانت «أن» تخلّص المضارع للاستقبال، لأنه كلام ملموح به جانب المعنى. وقد ذكر ابن جني في «التنبيه» (1) أن الإعراب قد يرد على خلاف ما عليه المعنى.
* * * السابعة: هذه الأنواع من خروج الاستفهام عن حقيقته في النفي هل تقول: إن معنى الاستفهام فيه موجود، وانضمّ إليه معنى آخر؟ أو تجرد عن الاستفهام بالكلية؟ لا ينبغي أن يطلق أحد الأمرين، بل منه ما تجرد كما في التسوية، ومنه ما يبقى، ومنه ما يحتمل ويحتمل ويعرف ذلك بالتأمل. وكذلك الأنواع المذكورة في الإثبات وهل المراد بالتقرير الحكم بثبوته، فيكون خبرا محضا؟ أو أن المراد طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم فهو استفهام تقرير المخاطب، أي يطلب أن يكون مقررا به؟ وفي كلام النحاة والبيانيين، كلّ من القولين، وقد سبق الإشارة إليه.
* * * الثامنة: الحروف الموضوعة للاستفهام ثلاثة: الهمزة، وهل، وأم، وأما غيرها مما يستفهم به كمن، [وما] (2) ومتى، [وأما] (3)، وأين، وأنّى، وكيف، وكم، وأيّان، فأسماء استفهام، استفهم بها نيابة عن الهمزة. وهي تنقسم إلى ما يختص بطلب التصديق، باعتبار الواقع، كهل وأم المنقطعة، وما يختص بطلب التصوّر كأم المتصلة، وما لا يختص كالهمزة. ولكون الهمزة أم الباب اختصت بأحكام لفظية، ومعنوية.
__________
(1) كتاب «التنبيه على شرح مشكل أبيات الحماسة» لابن جني حققه عبد المحسن خلوصي كرسالة ماجستير بجامعة بغداد (ذخائر التراث العربي 1/ 74)، وانظر كشف الظنون 1/ 493وبروكلمان (بالعربية) 1/ 79.
(2) ساقطة من المخطوطة.
(3) ساقطة من المطبوعة.(2/449)
1 - فمنها كون الهمزة لا يستفهم بها حتى يهجس (1) في النفس إثبات ما يستفهم عنه، بخلاف «هل». فإنه لا ترجح عنده بنفي ولا إثبات. حكاه الشيخ أبو حيان (2) عن بعضهم.
2 - ومنها اختصاصها باستفهام التقرير، وقد سبق عن سيبويه وغيره أن التقرير لا يكون بهل (3)، والخلاف فيه. وقال الشيخ أبو حيان: إن طلب بالاستفهام تقرير، أو توبيخ، أو إنكار، أو تعجب، كان بالهمزة دون «هل»، وإن أريد الجحد كان بهل، ولا يكون بالهمزة.
3 - ومنها أنها تستعمل لإنكار إثبات ما يقع بعدها، كقولك: أتضرب زيدا وهو أخوك؟ قال تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 28) ولا تقع «هل» هذا الموقع. وأما قوله تعالى: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (الرحمن: 60) فليس منه، لأن هذا نفي له من أصله والممنوع من (4) إنكار إثبات ما وقع بعدها. قاله ابن الحاجب (5).
4 - ومنها أنها يقع الاسم منصوبا بعدها بتقدير ناصب، أو مرفوعا بتقدير رافع يفسّره ما بعده، كقولك: أزيدا ضربت؟ وأزيد قام؟ ولا تقول: «هل زيدا (6) ضربت؟» ولا «هل زيد قام؟» إلا على ضعف. وإن شئت فقل: ليس في أدوات الاستفهام ما إذا اجتمع بعده الاسم والفعل يليه الاسم في فصيح الكلام إلا الهمزة، فتقول: أزيد قام؟ ولا تقول: هل زيد قام؟ إلا في ضرورة [131/ ب] بل الفصيح: هل قام زيد؟.
5 - ومنها أنها تقع مع «أم» المتصلة ولا تقع مع «هل» وأما المنقطعة فتقع فيهما جميعا. فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ فهذا الموضع لا تقع (7) فيه «هل» ما لم تقصد إلى المنقطعة. ذكره ابن الحاجب.
__________
(1) في المخطوطة (يهجر).
(2) هو محمد بن يوسف أثير الدين الغرناطي صاحب تفسير «البحر المحيط» تقدم ذكره في 1/ 130.
(3) راجع ص 437من هذا النوع.
(4) في المخطوطة (منه).
(5) هو عثمان بن عمر بن الحاجب، تقدمت ترجمته في 1/ 466.
(6) في المخطوطة (زيد).
(7) في المخطوطة (يقع).(2/450)
6 - ومنها أنها تدخل على الشرط، تقول: أإن (1) أكرمتني أكرمتك. وأ إن (1) تخرج أخرج معك؟ أإن (1) تضرب أضرب؟ ولا تقول: هل إن تخرج أخرج [معك] (4)؟
7 - ومنها جواز حذفها، كقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهََا عَلَيَّ} (الشعراء: 22) وقوله تعالى: {هََذََا رَبِّي} (الأنعام: 76) في أحد الأقوال، وقراءة ابن محيصن:
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} (5) (البقرة: 6).
8 - ومنها زعم ابن الطراوة (6) أنها لا تكون أبدا إلّا معادلة أو في حكمها بخلاف غيرها، فتقول: أقام زيد أم [قعد] (7)؟ ويجوز ألا يذكر المعادل لأنه معلوم من ذكر الضدّ. وردّ عليه الصّفار (8) وقال: لا فرق بينها و [بين] (7) غيرها فإنك إذا قلت: هل قام زيد؟
فالمعنى هل قام أم لم يقم؟ لأن السائل إنما يطلب اليقين، وذلك مطّرد في جميع أدوات الاستفهام. قال: وأما قوله: إنه عزيز في كلامهم لا يأتون لها بمعادل فخطأ بل هو أكثر من أن يحصر، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمََا خَلَقْنََاكُمْ عَبَثاً} (المؤمنون: 115) {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلََّى} (النجم: 33) {أَفَرَأَيْتُمُ اللََّاتَ وَالْعُزََّى} (النجم: 19) {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيََاتِنََا}
(مريم: 77) وهو كثير جدا.
9 - ومنها تقديمها على الواو وغيرها من حروف العطف، فتقول: «أفلم أكرمك؟» «أو لم أحسن إليك؟» قال الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} (البقرة: 75) وقال [تعالى] (10) {أَوَكُلَّمََا عََاهَدُوا عَهْداً} (البقرة: 100) وقال تعالى: {أَثُمَّ إِذََا مََا وَقَعَ [آمَنْتُمْ بِهِ]} [10] (يونس: 51) فتقدم الهمزة على حروف العطف: الواو، والفاء، وثمّ.
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (إن).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) تصحفت في المطبوعة إلى (ء أنذرتهم)، وانظر المختصر في شواذ القراءات لابن خالويه ص 2 وإتحاف فضلاء البشر ص 128.
(6) هو سليمان بن محمد بن عبد الله المالقي، تقدمت ترجمته في 2/ 432.
(7) ساقط من المخطوطة.
(8) هو القاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليوسيّ الشهير بالصفّار صحب الشلوبين وابن عصفور وشرح «كتاب سيبويه» شرحا حسنا، يقال إنه من أحسن شروحه. مات بعد 630هـ (بغية الوعاة 2/ 256).
(10) ليست في المخطوطة.(2/451)
وكان القياس (1) تأخيرها عن العاطف، فيقال: «فألم أكرمك؟»، «وأ لم (2) أحسن إليك؟» كما تقدّم على سائر أدوات الاستفهام، نحو قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى ََ عَلَيْكُمْ آيََاتُ اللََّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: 101) وقوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمََاتُ وَالنُّورُ} (الرعد: 16) وقوله [تعالى] (3): {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (التكوير: 26) فلا يجوز أن يؤخر العاطف عن شيء من هذه الأدوات، لأن أدوات الاستفهام جزء من جملة الاستفهام، والعاطف لا يقدم (4) عليه جزء من المعطوف، وإنما خولف هذا في الهمزة، لأنها أصل أدوات الاستفهام، فأرادوا تقديمها تنبيها على أنها الأصل في الاستفهام، لأن الاستفهام له صدر الكلام.
والزمخشريّ اضطرب كلامه، فتارة يجعل الهمزة في مثل هذا داخلة على محذوف عطف عليه الجملة التي بعدها، فيقدر بينهما فعلا محذوفا تعطف الفاء عليه ما بعدها، وتارة يجعلها متقدمة على العاطف كما ذكرناه، وهو الأولى. وقد ردّ عليه في الأول بأن ثمّ مواضع (5) لا يمكن فيها تقدير فعل قبلها، كقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ}
(الزخرف: 18) {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الْحَقُ]} [6] (الرعد: 19) {أَفَمَنْ هُوَ قََائِمٌ} (الرعد: 33).
وقال ابن خطيب زملكا (7): «الأوجه (8) أن يقدّر محذوف بعد الهمزة قبل [الفاء
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (القاس).
(2) في المخطوطة (أو لم).
(3) ليست في المخطوطة.
(4) في المخطوطة (يتقدم).
(5) في المخطوطة (واقع).
(6) ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوطة (زملكى)، وهو عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الشيخ كمال الدين أبو المكارم ابن خطيب زملكا قال أبو شامة رحمه الله: «كان عالما خيّرا متميّزا في علوم عدّة ولي القضاء بصرخد ودرّس ببعلبك» وهو جدّ الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني، وكانت له معرفة تامة بالمعاني والبيان وله فيه مصنف، وله شعر حسن ت 651هـ بدمشق (السبكي، طبقات الشافعية 5/ 133).
(8) في المخطوطة (لا وجه).(2/452)
تكون] (1) الفاء عاطفة عليه ففي مثل قوله تعالى: {أَفَإِنْ مََاتَ} (آل عمران: 144) لو صرّح به لقيل: «أتؤمنون به مدة حياته فإن مات ارتددتم فتخالفوا سنن اتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملك أنبيائهم بعد موتهم»؟ وهذا مذهب الزمخشري».
(فائدة) زعم ابن سيده (2) في كلامه على إثبات الجمل أن كل فعل يستفهم عنه ولا يكون إلا مستقبلا.
وردّ عليه الأعلم (3) وقال: هذا باطل، ولم يمنع أحد: «هل قام زيد أمس؟» و «هل أنت قائم أمس؟» وقد قال تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مََا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} (الأعراف: 44) فهذا كله ماض غير آت.
الثالث (4): الشرط
ويتعلق به قواعد:
القاعدة الأولى: المجازاة إنما تنعقد بين جملتين: (أولاهما) فعلية، لتلائم الشرط، مثل قوله تعالى (5): [{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ} (طه: 112) {فَمَنْ]} [6]
يُرِدِ اللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ (الأنعام: 125) {[إِنْ]} [6] كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ (الأعراف: 106) {اسْتَقَرَّ مَكََانَهُ} (الأعراف: 143) [132/ أ] {نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} (الرعد:
40) {يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} (البقرة: 38). (وثانيهما) قد تكون اسمية، وقد تكون فعلية جازمة، وغير جازمة، أو ظرفية أو شرطية، كما يقال: {فَأُولََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} (مريم:
60) {شَرَحَ اللََّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ} (الزمر: 22) {فَأْتِ بِآيَةٍ} (الشعراء: 154) {فَسَوْفَ تَرََانِي} (الأعراف: 143) {إِلَيْنََا مَرْجِعُهُمْ} (يونس: 70) {فَمَنْ تَبِعَ هُدََايَ} (البقرة: 38).
__________
(1) ساقطة من المخطوطة.
(2) هو علي بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسن الضرير، تقدمت ترجمته في 1/ 159.
(3) هو يوسف بن سليمان بن عيسى، أبو الحجاج المعروف بالأعلم الشنتمري النحوي، لقب بالأعلم لأنه كان مشقوق الشفة العليا. كان عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظا لها، مشهورا بإتقانها.
رحل إلى قرطبة وأقام بها مدّة، وأخذ عن ابن الإفليليّ وطبقته، وأخذ الناس عنه كثيرا من تصانيفه «شرح الجمل في النحو» ت 476هـ (إنباه الرواة 4/ 65).
(4) تقدم القسم الأول من أقسام الكلام، وهو الخبر ص 425، والقسم الثاني ص 433.
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (قول القائل).
(6) ليست في المطبوعة.(2/453)
فإذا جمع بينهما وبين الشرط اتحدتا جملة واحدة، نحو قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ََ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} (النساء: 124) وقوله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ} (الأنعام: 125) وقوله: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهََا} (الأعراف: 106) وقوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكََانَهُ فَسَوْفَ تَرََانِي}
(الأعراف: 143) وقوله: {وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنََا مَرْجِعُهُمْ}
(يونس: 46) وقوله: {فَإِمََّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدََايَ فَلََا يَضِلُّ وَلََا يَشْقى ََ}
(طه: 123) فالأولى من جملة (1) المجازاة تسمى (2) شرطا، والثانية تسمى جزاء.
ويسمّي المناطقة الأوّل مقدما والثاني تاليا. فإذا انحلّ الرباط الواصل بين طرفي المجازاة عاد الكلام جملتين كما كان. (فإن قيل): فمن أيّ أنواع الكلام تكون هذه الجملة المنتظمة من الجملتين؟ (قلنا): قال صاحب (3) «المستوفى»: العبرة (4) في هذا بالتالي إن كان التالي قبل الانتظام جازما كانت هذه الشرطية جازمة أعني خبرا محضا ولذلك (5) جاز أن توصل (6) بها الموصلات كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقََامُوا الصَّلََاةَ وَآتَوُا الزَّكََاةَ} (الحج: 41).
وإن لم يكن جازما لم تكن جازمة، بل إن كان التالي أمرا فهي في عداد الأمر، كقوله تعالى: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهََا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصََّادِقِينَ} (الأعراف: 106) وإن كانت رجاء فهي في عداد الرجاء، كقوله [تعالى] (7): {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكََانَهُ فَسَوْفَ تَرََانِي}
(الأعراف: 143) أي فهذا التسويف بالنسبة إلى المخاطب. فإن جعلت «سوف» بمعنى «أمكن» كان الكلام خبرا صرفا.
فأما الفاء التي تلحق التالي معقّبة فللاحتياج إليها حيث لا يمكن أن يرتبط التالي بذاته
__________
(1) في المخطوطة (جري).
(2) في المخطوطة (يسمى).
(3) هو علي بن مسعود بن محمود أبو سعد القاضي تقدم التعريف به وبكتابه «المستوفى في النحو» في 1/ 513.
(4) في المخطوطة (في العبرة).
(5) في المخطوطة (وكذلك).
(6) في المخطوطة (يوصل).
(7) ليست في المخطوطة.(2/454)
ارتباطا وذلك إن كان افتتح بغير الفعل، كقوله: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} (البقرة:
115) وقوله سبحانه: {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} (الأنعام: 160) لأن الاسم لا يدلّ على الزمان فيجازى به.
وكذلك الحرف إن كان مفتتحا (1) بالأمر، كقوله [تعالى] (2): {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6) لأن الأمر لا يناسب معناه الشرط، [فإن كان] (2) مفتتحا بفعل ماض أو مستقبل ارتبط بذاته، نحو قولك: «إن جئتني أكرمتك»، ونحو قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللََّهَ يَنْصُرْكُمْ} (محمد: 7) وكذا قوله: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لََا يُؤْخَذْ مِنْهََا} (الأنعام: 70) لأن هذه كالجزء (4) من الفعل، وتخطّاها العامل وليست (5) ك «إن» في قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى ََ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً}
(الكهف: 57).
(فإن قيل): فما الوجه في قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبََا إِلَى اللََّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا}
(التحريم: 4) (6) [وقوله: {وَمَنْ عََادَ فَيَنْتَقِمُ اللََّهُ مِنْهُ} (المائدة: 95). (قلنا):
الأظهر أن يكون كلّ واحد منهما محمولا على الاسم، كما أن التقدير «فأنتما قد صغت قلوبكما» و «فهو ينتقم الله منه»، يدلّك على هذا أن «صغت» لو جعل نفسه الجزاء للزم أن يكتسب من الشرط معنى الاستقبال، وهذا غير مسوّغ هنا. ولو جاز لجاز أن تقول: «أنتما إن تتوبا إلى الله صغت أو فصغت قلوبكما» لكن المعنى: «إن تتوبا فبعد صغو من قلوبكما» ليتصور فيه معنى الاستقبال، مع بقاء دلالة الفعل على الممكن] (6) وأنّ «ينتقم» لو جعل وحده جزاء لم يدلّ على تكرار الفعل كما هو الآن، والله أعلم بما أراد.
__________
(1) في المخطوطة (منفتحا).
(2) ليست في المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (الحر).
(5) في المخطوطة (وليس).
(6) اضطرب النص في المخطوطة كما يلي: (وقوله {فَيَنْتَقِمُ اللََّهُ مِنْهُ} يدلّك على هذا أنّ «صغت» لو جعل نفسه الجزاء للزوم أن يكون يكسى من الشرط معنى الاستقبال، وهذا غير مسوّغ لهما ولو جاز لجاز أن يقول: «أنتما إن تتوبا إلى الله صغت أو فصغت قلوبكما وقوله {وَمَنْ عََادَ فَيَنْتَقِمُ اللََّهُ مِنْهُ} قلنا الأظهر أن يكون كل واحد منهما محمولا على الاسم ليتصور معنى الاستقبال مع بقاء دلالة الفعل على الممكن).(2/455)
الثانية: أصل الشرط والجزاء أن يتوقّف الثاني على الأول، بمعنى أن الشرط إنما يستحق جوابه بوقوعه هو في نفسه، كقولك: «إن زرتني أحسنت إليك»، فالإحسان إنما استحق بالزيارة، وقولك: «إن شكرتني زرتك» فالزيارة إنما استحقت بالشكر هذا هو القاعدة.
وقد أورد على هذا آيات كريمات (1): منها قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبََادُكَ}
(المائدة: 118) [132/ ب] وهم عباده، عذّبهم أو رحمهم. وقوله: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة: 118) وهو العزيز الحكيم، غفر لهم أو لم يغفر لهم. وقوله: {إِنْ تَتُوبََا إِلَى اللََّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} (التحريم: 4) وصغو القلوب هنا لأمر قد وقع، فليس بمتوقّف على ثبوته (2).
والجواب أنّ (3) هذه في الحقيقة ليست أجوبة وإنما جاءت عن الأجوبة المحذوفة، لكونها أسبابا لها. فقوله: {فَإِنَّهُمْ عِبََادُكَ} (المائدة: 118) الجواب في الحقيقة: فتحكّم فيمن يحق لك التحكّم فيه، وذكر العبوديّة التي هي سبب القدرة. وقوله: {وَإِنْ تَغْفِرْ}
(المائدة: 118) فالجواب: فأنت متفضّل عليهم، بألّا تجازيهم بذنوبهم فكمالك غير مفتقر إلى شيء، فإنك أنت العزيز الحكيم.
وقال صاحب «المستوفى» (4): اعلم أن المجازاة لا يجب فيها أن يكون الجزاء موقوفا على الشرط أبدا، ولا أن يكون الشرط [موقوفا على الجزاء] (5) أبدا، بحيث يمكن وجوده، ولا أن تكون نسبة الشرط دائما إلى الجزاء نسبة السبب إلى المسبّب بل الواجب فيها أن يكون الشرط بحيث (6) إذا فرض حاصلا لزم مع حصوله حصول الجزاء سواء كان الجزاء قد يقع، لا من جهة وقوع الشرط، كقول الطبيب: من استحم بالماء البارد احتقنت الحرارة باطن جسده (7)، لأن احتقان الحرارة قد يكون لا عن ذلك، أو لم يكن كذلك كقولك: إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا.
__________
(1) في المخطوطة (كثيرة).
(2) في المخطوطة (ثبوتهما).
(3) في المخطوطة (بأن).
(4) تقدم آنفا ص 454.
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) تكررت العبارة في المخطوطة.
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (حاره).(2/456)
وسواء كان الشرط ممكنا في نفسه كالأمثلة السابقة، أو مستحيلا كما في قوله تعالى:
{قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} (الزخرف: 81) وسواء كان الشرط سببا في الجزاء ووصلة (1) إليه كقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} (محمد: 36) أو كان الأمر بالعكس، كقوله [تعالى] (2) {مََا أَصََابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللََّهِ} (النساء: 79) أو كان لا هذا ولا ذاك، فلا يقع إلا مجرد الدلالة (3) على اقتران أحدهما بالآخر، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى ََ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} (الكهف: 57) إذ لا يجوز أن تكون الدعوة سببا للضلال ومفضية إليه، ولا أن يكون الضلال مفضيا إلى الدعوة.
وقد يمكن أن يحمل على هذا قوله تعالى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدََاءً}
(الممتحنة: 2) وعلى هذا ما يكون من باب قوله [تعالى] (4): {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} (آل عمران: 140) فإنّ التأويل «إن يمسسكم قرح فمع اعتبار قرح قد مسّهم قبل». والله أعلم بمراده.
الثالثة: أنه لا يتعلق إلا بمستقبل فإن كان ماضي اللفظ كان مستقبل المعنى، كقولك (5): «إن متّ على الإسلام دخلت الجنة». (6) [ثم للنحاة فيه تقديران:
(أحدهما): أن الفعل يغيّر لفظا لا معنى، فكأن الأصل: «إن تمت مسلما تدخل الجنة»] (6) فغيّر لفظ المضارع إلى الماضي تنزيلا له منزلة المحقّق. (والثاني): أنّه تغير (8)
معنى، وإن حرف الشرط لما دخل عليه قلب معناه إلى الاستقبال، وبقي لفظه على حاله.
والأول أسهل، لأن تغيير اللفظ أسهل من تغيير المعنى.
وذهب المبرّد إلى أن فعل الشرط إذا كان لفظ «كان» بقي على حاله من المضيّ (9)
لأن «كان» جرّدت عنده للدلالة على الزّمن الماضي فلم تغيرها أدوات الشرط. وقال: إنّ «كان» مخالفة في هذا الحكم لسائر الأفعال وجعل منه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ}
(المائدة: 116) {وَإِنْ كََانَ قَمِيصُهُ} (يوسف: 27).
__________
(1) في المخطوطة (أو وصلة).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (للدلالة).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (كقوله).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) في المخطوطة (تغيير).
(9) في المخطوطة (المعنى).(2/457)
والجمهور على المنع، وتأولوا ذلك، ثم اختلفوا: فقال ابن عصفور (1) والشلوبين (2)
وغيرهما: إن حرف الشرط دخل على فعل مستقبل محذوف، أي {أَنْ} أكن {كُنْتُ قُلْتُهُ}، أي {أَنْ} أكن فيما يستقبل موصوفا بأني {كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} ففعل الشرط محذوف مع هذا، وليست «كان» المذكورة بعدها هي فعل الشرط. قال ابن الضائع (3):
وهذا تكلّف لا يحتاج إليه، بل {كُنْتُ} بعد {أَنْ} مقلوبة المعنى إلى الاستقبال، ومعنى {إِنْ كُنْتُ} «إن أكن» [133/ أ] فهذه (4) التي بعدها هي التي يراد بها الاستقبال لا أخرى محذوفة، وأبطلوا مذهب المبرد بأنّ «كان» بعد أداة الشرط في غير هذا الموضع قد جاءت مرادا بها الاستقبال، كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (المائدة: 6).
وقد نبّه في «التسهيل» (5) في باب الجوازم على أنّ فعل الشرط لا يكون إلا مستقبل المعنى، (6) [واختار في «كان» مذهب الجمهور إذ قال: ولا يكون الشرط غير مستقبل المعنى بلفظ «كان» أو غيرها إلا مؤولا.
واستدرك عليه «لو» «ولمّا» الشرطيتين فإن الفعل بعدهما لا يكون إلا ماضيا فتعين استثناؤه من قوله: «لا يكون إلا مستقبل المعنى»] (6).
وأما قوله [تعالى] (8): {إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ} [9] [أَزْوََاجَكَ (الأحزاب: 50) إلى {إِنْ وَهَبَتْ} فوقع فيها «أحللنا»] (9) المنطوق به [أو] (8) المقدر، على القولين، جواب الشرط مع كون الإحلال قديما، فهو ماض. وجوابه أنّ المراد: «إن وهبت فقد حلّت»،
__________
(1) هو علي بن مؤمن أبو الحسن بن عصفور، تقدمت ترجمته في 1/ 466.
(2) هو عمر بن محمد بن عمر الأزدي تقدمت ترجمته في 2/ 364.
(3) هو علي بن محمد بن علي الكتامي، تقدمت ترجمته في 2/ 364.
(4) في المخطوطة (فليست هذه).
(5) كتاب «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» لابن مالك أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني (ت 672هـ)، طبع في فاس عام 1323هـ / 1905م، وطبع في القاهرة بتحقيق محمد كامل بركات ونشرته وزارة الثقافة المصرية بدار الكاتب العربي عام 1389هـ / 1968م.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(8) ليست في المخطوطة.
(9) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/458)
فجواب الشرط حقيقة الحلّ المفهوم من [الإحلال لا] (1) الإحلال نفسه، وهذا كما أن الظرف من قولك: «قم غدا» ليس هو لفعل الأمر، بل للقيام المفهوم منه.
وقال البيانيون (2): يجيء فعل الشرط ماضي اللفظ لأسباب: (منها) إيهام جعل غير الحاصل كالحاصل، كقوله تعالى: {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً [وَمُلْكاً كَبِيراً]} [3]
(الإنسان: 20). (ومنها) إظهار الرغبة من المتكلم في وقوعه، كقولهم: «إن ظفرت بحسن العاقبة فذاك»، وعليه قوله تعالى (4): {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (النور: 33) أي امتناعا من الزنا، جيء بلفظ الماضي ولم يقل «يردن» إظهارا لتوفير رضا الله، ورغبة في إرادتهنّ التحصين. (ومنها) التعريض، بأن يخاطب واحدا ومراده غيره، كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65) الرابعة: جواب الشرط أصله الفعل المستقبل، وقد يقع ماضيا، لا على أنه جواب في الحقيقة، نحو: «إن أكرمتك فقد أكرمتني» اكتفاء (5) بالموجود عن المعدوم. ومثله قوله [تعالى] (6): {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} (آل عمران: 140) ومسّ القرح قد وقع بهم، والمعنى: إن يؤلمكم ما نزل بكم فيؤلمهم ما وقع، فالمقصود ذكر الألم الواقع لجميعهم، فوقع الشرط والجزاء على الألم.
وأما قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} (المائدة: 116) (7) [فعلى وقوع الماضي موقع المستقبل فيهما، دليله قوله تعالى: {مََا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مََا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}
أي: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ} (المائدة: 116) «تكن قد علمته»] (7) وهو عدول عن (9) الجواب إلى ما هو أبدع منه كما سبق.
وأما قوله تعالى: {وَمََا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنََا وَلَوْ كُنََّا صََادِقِينَ} (يوسف: 17) فالمعنى
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (البيانوني).
(3) ليست في المطبوعة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (قولك).
(5) في المخطوطة (اكتفئ).
(6) ليست في المخطوطة.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) في المطبوعة (إلى).(2/459)
والله أعلم: «ما أنت بمصدّق لنا ولو ظهرت لك براءتنا، بتفضيلك إياه علينا»، وقد أتوه بدلائل كاذبة ولم يصدقهم، وقرّعوه (1) بقولهم: {إِنَّكَ لَفِي ضَلََالِكَ الْقَدِيمِ} (يوسف:
95) وإجماعهم على إرادة (2) قتله، ثم رميهم له في الجب أكبر من قولهم: {وَلَوْ كُنََّا صََادِقِينَ} (يوسف: 17) عندك.
الخامسة: أدوات الشرط حروف وهي «إن»، وأسماء مضمّنة معناها. ثم منها ما ليس بظرف ك: «من» و «ما» و «أي» و «مهما»، وأسماء هي ظروف: «أين» و «أينما» و «متى» و «حيثما» و «إذ ما». وأقواها دلالة على الشرط دلالة «إن» لبساطتها، ولهذا كانت أم الباب. وما سواها فمركب من معنى «إن» وزيادة معه، فمن معناه كلّ (3) في حكم إن، وما معناه كلّ شيء إن، و «أينما» و «حيثما» يدلان على المكان وعلى «إن» و «إذ ما» و «متى» يدلان (4) على الشرط والزمان.
وقد تدخل «ما» على «إن» وهي أبلغ في الشرط من «إن» ولذلك تتلقى (5) بالنون المبنيّ عليها المضارع نحو: {وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً فَانْبِذْ [إِلَيْهِمْ]} (6) (الأنفال:
58) وقوله [تعالى] (6): {إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلََاهُمََا} (الإسراء: 23).
ومما ضمّن معنى الشرط «إذا»، وهي ك «إن»، ويفترقان في أنّ «إن» تستعمل في المحتمل المشكوك فيه، ولهذا يقبح: إن احمرّ البسر كان كذا، وإن انتصف النهار آتك، وتكون «إذا» للجزم، فوقوعه إما تحقيقا نحو: إذا اطلعت الشمس كان كذا، أو اعتبارا كما سنذكره. قال ابن الضائع (8): ولذلك (9) إذا قيل: «إذا احمرّ البسر فأنت طالق» وقع الطلاق في الحال عند مالك لأنه شيء لا بدّ منه: وإنما يتوقف على السبب الذي قد يكون وقد لا يكون، وهذا هو الأصل فيهما.
وقد تستعمل «إن» في مقام الجزم لأسباب:
__________
(1) في المخطوطة (وقد حبوه).
(2) في المخطوطة (إياد).
(3) في المخطوطة (كهل).
(4) في المخطوطة (لا يدلان).
(5) في المخطوطة (يتلقى).
(6) ليست في المخطوطة.
(8) هو علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي، تقدمت ترجمته في 2/ 364.
(9) في المخطوطة (وكذا).(2/460)
1 - منها: أن [133/ ب] تأتي على طريقة وضع الشرطيّ (1) المتّصل الذي يوضع شرطه تقديرا لتبيين مشروطه تحقيقا، كقوله [تعالى] (2): {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ}
(الزخرف: 81) وقوله [تعالى] (2): {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ} (الأنبياء: 22) وقوله [تعالى] (2): {قُلْ لَوْ كََانَ مَعَهُ آلِهَةٌ} (الإسراء: 42).
2 - ومنها أن تأتي على طريق تبيين الحال، على وجه يأنس به المخاطب، وإظهارا للتناصف في الكلام، كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمََا أَضِلُّ عَلى ََ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمََا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} (سبأ: 50).
3 - ومنها تصوير أن المقام لا يصلح إلا بمجرّد فرض الشرط كفرض الشيء المستحيل، كقوله تعالى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجََابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14) والضمير للأصنام.
ويحتمل منه ما سبق في قوله تعالى: {إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ} (الزخرف: 81).
4 - ومنها لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب مدلول الشرط وأنه واجب الانتفاء، حقيق ألا يكون، كقوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} (الزخرف: 5) فيمن [قرأ] (5) بكسر «إن»، فاستعملت «إن» في مقام الجزم، بكونهم {مُسْرِفِينَ} لتصوّر أن الإسراف ينبغي أن يكون منتفيا، فأجراه لذلك مجرى المحتمل المشكوك.
5 - ومنها تنبيه المخاطب وتهييجه، كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبََاتِ مََا رَزَقْنََاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلََّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيََّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة: 172) والمعنى عبادتكم لله تستلزم شكركم له، فإن كنتم ملتزمين (6) عبادته فكلوا من رزقه واشكروه (7)، وهذا كثيرا ما يورد في الحجاج والإلزام، تقول: «إن كان لقاء الله حقا فاستعدّ له». وكذا قوله [تعالى] (8): {إِنْ كُنْتُمْ بِآيََاتِهِ مُؤْمِنِينَ}
(الأنعام: 118).
__________
(1) في المخطوطة (الشرط).
(2) ليست في المخطوطة.
(5) ليست في المطبوعة. وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي، والباقون بفتحها. (التيسير ص 195).
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (متلومين).
(7) في المخطوطة (واشكروا له).
(8) ليست في المخطوطة.(2/461)
6 - ومنها التغليب، كقوله [تعالى]: (1): {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} (الحج: 5) وقوله [تعالى] (1): {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا} (البقرة: 23) فاستعمل «إن» مع تحقق الارتياب (3) منهم لأن الكلّ لم يكونوا مرتابين، فغلّب [غير] (4) المرتابين منهم على المرتابين لأن صدور الارتياب من غير الارتياب مشكوك في كونه، فلذلك (5) استعمل «إن» على حدّ قوله: {إِنْ عُدْنََا فِي مِلَّتِكُمْ} (الأعراف: 89).
واعلم أن [إن] (4) لأجل أنها لا تستعمل إلا في المعاني المحتملة كان جوابها معلقا على ما يحتمل أن يكون وألا يكون، فيختار فيه أن يكون بلفظ المضارع المحتمل للوقوع وعدمه، ليطابق اللفظ والمعنى، فإن عدل عن المضارع إلى الماضي (7) لم يعدل إلا لنكتة، كقوله [تعالى] (8): {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدََاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} (الممتحنة: 2) فأتى الجواب مضارعا، وهو {يَكُونُوا} (9) وما عطف عليه، وهو {يَبْسُطُوا} مضارعا أيضا، وأنه قد (10) عطف عليه «ودّوا» بلفظ الماضي، وكان قياسه المضارع لأن المعطوف على الجواب جواب، ولكنه لما لم يحتمل ودادتهم لكفرهم من الشك فيها (11) [ما] يحتمله أنهم إذا ثقفوهم صاروا (12) لهم أعداء، وبسطوا (13) أيديهم إليهم بالقتل، وألسنتهم بالشتم أتى فيه بلفظ الماضي لأن ودادتهم في ذلك مقطوع بها، وكونهم أعداء وباسطي الأيدي والألسن بالسوء مشكوك، لاحتمال أن يعرض ما يصدّهم عنه، فلم يتحقق وقوعه.
وأما «إذا» فلما (14) كانت في المعاني المحققة غلب (15) لفظ الماضي معها، لكونه أدلّ
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (الأسباب).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (فكذلك).
(7) في المخطوطة (المضارع).
(8) ليست في المخطوطة.
(9) في المخطوطة (بابه).
(10) في المخطوطة (بابه ثم).
(11) في المخطوطة (فيما) و (ما) ساقطة من المخطوطة.
(12) في المخطوطة (يكونوا).
(13) في المخطوطة (وبسطوا إليكم أيديهم).
(14) في المخطوطة (قلّما).
(15) في المخطوطة (غلب على لفظ).(2/462)
على الوقوع باعتبار لفظه في (1) المضارع قال تعالى: {فَإِذََا جََاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قََالُوا لَنََا هََذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ََ وَمَنْ مَعَهُ} (الأعراف: 131) بلفظ الماضي مع «إذا» في جواب الحسنة حيث أريد مطلق الحسنة، لا نوع منها، ولهذا عرّفت تعريف العهد، ولم تنكّر كما نكّر المراد به نوع منها في قوله تعالى: (2) [{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هََذِهِ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} (النساء: 78) وكما نكّر الفعل حيث أريد به نوع في قوله تعالى] (2) {وَلَئِنْ أَصََابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللََّهِ} (النساء: 73) وبلفظ المضارع مع «إنّ» [في] (4) جانب السيئة وتنكيرها [134/ أ] بقصد النوع.
وقال تعالى: {وَإِذََا أَذَقْنَا النََّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهََا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمََا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} (الروم: 36) لفظ الماضي مع «إذا» والمضارع مع «إن» إلا أنه نكّرت الرحمة ليطابق معنى الإذاقة بقصد نوع منها، والسيئة بقصد النوع أيضا.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذََا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلََّا إِيََّاهُ} (الإسراء:
67) أتى بإذا لمّا كان مسّ الضرّ لهم في البحر محققا، بخلاف قوله تعالى: {لََا يَسْأَمُ الْإِنْسََانُ مِنْ دُعََاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ} (فصلت: 49) فإنه لم يقيّد مسّ الشر هاهنا بل أطلقه.
وكذلك [قوله تعالى] (5): {وَإِذََا أَنْعَمْنََا عَلَى الْإِنْسََانِ أَعْرَضَ وَنَأى ََ بِجََانِبِهِ وَإِذََا مَسَّهُ الشَّرُّ كََانَ يَؤُساً} (الإسراء: 83) فإن اليأس إنما حصل عند تحقق مسّ الضرّ (6) له، فكان الإتيان (7) [بإذا] (8) أدلّ على المقصود من «إن» بخلاف قوله [تعالى] (8) {وَإِذََا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعََاءٍ عَرِيضٍ} (فصلت: 51) فإنه لقلّة صبره وضعف احتماله في موقع الشر أعرض، والحال في الدعاء، فإذا تحقق وقوعه كان يئوسا، وأما قوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (النساء: 176) مع أن الهلاك محقق، لكن جهل وقته، فلذلك جيء «بإن» ومثله قوله [تعالى] (10): {أَفَإِنْ}
__________
(1) في المخطوطة (من).
(2) ما بين الحاصرتين ليس من المخطوطة.
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (الشرّ).
(7) في المخطوطة (الإثبات).
(8) ليست في المخطوطة.
(10) ليست في المخطوطة.(2/463)
{مََاتَ أَوْ قُتِلَ} (آل عمران: 144) فأتى بإن المقتضية للشك، والموت أمر محقق لكن وقته [غير] (1) معلوم، فأورد مورد المشكوك فيه، المتردّد بين الموت والقتل.
وأما قوله [تعالى] (2): {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (الفتح: 27) مع [أن] (3) مشيئة الله محققة، فجاء على تعليم الناس كيف يقولون، وهم يقولون في كلّ شيء على جهة الاتباع، لقوله (4) [تعالى] (5): {وَلََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً * إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} (الكهف: 23، 24) فيقول الرجل في كل شيء [إن شاء الله على] (5)
مخبر (7) به مقطوعا أو غير مقطوع، وذلك سنّة متبعة.
ومثله قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (8) ويحتمل أن تكون للإبهام في وقت اللحوق متى يكون.
(تنبيه): سكت البيانيون عما عدا «إذا» و (9) «إن» وألحق (9)
صاحب (11) «البسيط» وابن الحاجب «متى» بأن قال: لا تقول: متى طلعت (12) الشمس؟ مما علم أنه كائن بل تقول: متى تخرج أخرج. و [قال] (13) الزمخشريّ في الفصل (14) بين
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ساقطة من المخطوطة.
(4) في المخطوطة (كقوله).
(5) ليست في المخطوطة.
(7) في المخطوطة (يحزبه).
(8) قطعة من حديث أخرجه مسلم في صحيحه من ثلاث طرق عن أبي هريرة، وعائشة، وبريدة، رضي الله عنهم أما طريق أبي هريرة فأخرجها في 1/ 218، كتاب الطهارة (2)، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (12)، الحديث (39/ 249)، وأخرج طريق عائشة في 2/ 669، كتاب الجنائز (11)، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (35)، الحديث (102/ 974).
وطريق بريدة الحديث (104/ 975).
(9) عبارة المخطوطة (وإن الحق مع).
(11) وهو الحسن بن شرف شاه ركن الدين الأسترآباذي عالم الموصل. كان من كبار تلامذة النصير الطوسي وكان مبجّلا عند التتار وجيها متواضعا حليما وتخرج به جماعة من الفضلاء، وله من المصنفات «شرح المختصر» لابن الحاجب و «شرح الحاوي» و «شرح مقدمة ابن الحاجب» ثلاثة شروح: كبير وأوسط وصغير. ت 715هـ (الدرر الكامنة 2/ 16)، وكتابه «البسيط» هو الشرح الكبير لكتاب «الكافية في النحو» لابن الحاجب ذكره صاحب كشف الظنون 2/ 1370.
(12) في المطبوعة (طلت).
(13) ساقطة من المخطوطة.
(14) في المخطوطة (المفصل).(2/464)
«متى» و «إذ» (1): إن «متى» للوقت المبهم و «إذا» (2) للمعين لأنهما ظرفا زمان، ولإبهام «متى» جزم بها دون «إذا».
* السادسة (3): قد يعلق الشرط بفعل محال يستلزمه محال آخر، وتصدق الشرطية دون مفرديها أما صدقها فلاستلزام المحال، وأما كذب مفرديها فلاستحالتهما.
وعليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} (الزخرف: 81) وقوله [تعالى] (4): {لَوْ} [5] كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا (الأنبياء: 22) وقوله [تعالى] (4):
{قُلْ لَوْ كََانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمََا يَقُولُونَ} الآية (الإسراء: 42) وفائدة الربط بالشرط في مثل هذا أمران: أحدهما بيان استلزام إحدى القضيتين للأخرى، والثاني أنّ اللازم منتف، فالملزوم كذلك. وقد تبين بهذا أن الشرط يعلق (7) به المحقق الثبوت، والممتنع الثبوت، والممكن الثبوت.
* السابعة (8): الاستفهام إذا دخل على الشرط، (9) [كقوله تعالى: {أَفَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} (آل عمران: 144) وقوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخََالِدُونَ} (الأنبياء: 34) ونظائره: فالهمزة في موضعها، ودخولها على أداة الشرط] (9). والفعل الثاني الذي هو جزاء الشرط ليس جزاء للشرط، وإنما هو المستفهم عنه والهمزة داخلة عليه تقديرا، فينوى [به] (11)
التقديم، وحينئذ فلا يكون جوابا، بل الجواب محذوف، والتقدير عنده: «أأنقلبتم (12) على أعقابكم أن مات محمد؟» لأنّ الغرض (13) [انكار انقلابهم على أعقابهم بعد موته.
__________
(1) زيادة في المخطوطة كما يلي (وإذ وإذا).
(2) في المخطوطة (وإذ).
(3) تصحفت في المخطوطة إلى (الخامسة).
(4) ليست في المخطوطة.
(5) في المخطوطة زيادة كلمة (قل) وهو تصحيف.
(7) في المخطوطة (تعلق).
(8) تصحفت في المخطوطة إلى (السادسة).
(9) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(11) ليست في المخطوطة.
(12) في المخطوطة (انقلبتم).
(13) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/465)
ويقول يونس (1): قال كثير من النحويين، إنهم يقولون: ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها لأنّ الغرض] إنما [هو] (2): «أتنقلبون (3) إن مات محمد». وقال أبو البقاء (4): «قال يونس (1): الهمزة في مثل هذا حقّها (6) أن تدخل على جواب الشرط، تقديره:
أتنقلبون (7) إن مات [محمد] (8) لأن الغرض التنبيه أو التوبيخ على هذا الفعل [134/ ب] المشروط، ومذهب سيبويه (9) الحقّ لوجهين: (أحدهما) أنك لو قدمت الجواب لم يكن للفاء وجه إذ لا يصح أن تقول (10): أتزورني (11) فإن زرتك، ومنه قوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخََالِدُونَ} (الأنبياء: 34)، (والثاني) أن الهمزة لها صدر الكلام (12) [و «إن» لها صدر الكلام] (12) وقد وقعا في موضعهما، والمعنى يتم بدخول الهمزة على جملة الشرط والجواب لأنهما كالشيء الواحد». انتهى.
وقد رد النحويون على يونس بقوله [تعالى] (14) {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخََالِدُونَ} (الأنبياء:
34) لا يجوز في {فَهُمُ *} أن ينوى به التقديم لأنه يصير التقدير: «أفهم»
__________
(1) هو يونس بن حبيب أبو عبد الرحمن الضبيّ النحوي ولد سنة (90) أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة، وكان النحو أغلب عليه، وسمع من العرب، وروى سيبويه عنه كثيرا، وسمع منه الكسائي والفراء، وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الأدباء وفصحاء العرب وأهل البادية. وله من التصانيف «اللغات» و «الأمثال» و «النوادر» وغيرها. ت 182هـ (وفيات الأعيان 7/ 244).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (ينقلبون).
(4) هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله، أبو البقاء العكبري، تقدمت ترجمته في 1/ 159. وانظر قوله في كتابه إملاء ما من به الرحمن ص 1/ 88 (طبعة الميمنية بالقاهرة).
(6) في المطبوعة: (أحقها)، والتصويب من المخطوطة، وهو الموافق لقول العكبري.
(7) في عبارة العكبري كلمتان أسقطها الزركشي وهما: (على أعقابكم).
(8) ليست في المخطوطة، ولا عند العكبري.
(9) انظر كتاب سيبويه 3/ 83، (بتحقيق عبد السلام محمد هارون)، باب الجزاء إذا دخلت فيه ألف الاستفهام.
(10) في المخطوطة (يقول)، والتصويب من العكبري.
(11) في المخطوطة (إن تزورني) والتصويب من العكبري.
(12) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة، وهو موجود عند العكبري.
(14) ليست في المطبوعة.(2/466)
الخالدون فإن (1) مت؟»، وذلك لا يجوز، لئلا يبقى (2) [الشرط بلا جواب إذ لا يتصور أن يكون الجواب محذوفا يدل عليه ما قبله لأنّ الفاء المتصلة بإن تمنعه من ذلك ولهذا يقولون:
«أنت ظالم إن فعلت»، ولا يقولون: «أنت ظالم فإن فعلت»، فدلّ ذلك على أن أدوات الاستفهام إنما دخلت لفظا وتقديرا على جملة] (2) الشرط والجواب.
الثامنة (4): إذا تقدم أداة الشرط جملة تصلح (5) أن تكون (6) جزاء، ثم ذكر فعل الشرط ولم يذكر له جواب، نحو: «أقوم (7) إن قمت»، و «أنت طالق إن دخلت الدار» فلا تقدير عند الكوفيين، بل المقدّم هو الجواب، وعند البصريين، دليل الجواب. والصحيح هو الأول لأن الفاء لا تدخل عليه، ولو كان جوابا لدخلت ولأنه لو كان مقدّما من تأخير لما افترق المعنيان، وهما مفترقان، ففي التقدم بني الكلام على الخبر ثم طرأ التوقف، وفي التأخير بني الكلام من أوله على الشرط كذا قاله ابن السراج (8) وتابعه ابن مالك (9) وغيره.
ونوزعا في ذلك بل مع التقديم الكلام مبنيّ على الشرط، كما لو قال: «له عليّ عشرة إلا درهما» فإنه لم يقرّ بالعشرة، ثم أنكر منها درهما، ولو كان كذلك لم ينفعه الاستثناء، ثم زعم ابن السراج أنّ ذلك لا يقع إلا في الضرورة، وهو مردود بوقوعه في القرآن، كقوله: {وَاشْكُرُوا لِلََّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيََّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة: 172) (10) [وقوله: {فَكُلُوا مِمََّا ذُكِرَ اسْمُ اللََّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيََاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (الأنعام: 118) وقوله {بَيَّنََّا لَكُمُ الْآيََاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران: 118) وهو كثير] (10).
__________
(1) في المخطوطة (أفإن).
(2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(4) تصحفت في المخطوطة إلى (السابعة).
(5) في المخطوطة (يصح).
(6) في المخطوطة (يكون).
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (أقدم).
(8) هو محمد بن السري بن سهل أبو بكر ابن السرّاج تقدمت ترجمته في 2/ 438، وانظر قوله في كتابه الأصول في النحو 2/ 189، باب إعراب الفعل المعتل اللام.
(9) هو محمد بن عبد الله بن مالك، جمال الدين، أبو عبد الله صاحب كتاب «التسهيل الفوائد»، تقدمت ترجمته في 1/ 381.
(10) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.(2/467)
* التاسعة (1): إذا دخل على أداة الشرط واو الحال لم يحتج إلى جواب (2)، نحو «أحسن إلى (3) زيد وإن كفرك، واشكره وإن أساء إليك»، أي أحسن إليه كافرا لك، واشكره مسيئا إليك. فإن أجيب الشرط كانت الواو عاطفة لا للحال، نحو: أحسن إليه، وإن كفرك فلا تدع الإحسان [إليه] (4) واشكره وإن أساء إليك فأقم على شكره. ولو كانت الواو هنا للحال (5) لم يكن هناك جواب.
قال ابن جني: وإنما كان كذلك لأن الحال فضلة، وأصل (6) وضع الفضلة أن تكون مفردا، كالظرف والمصدر والمفعول به، فلما كان كذلك لم يجب الشرط إذا وقع [في] (7)
موقع الحال لأنه لو أجيب لصار جملة والحال إنما هي فضلة، فالمفرد أولى بها من الجملة، والشرط وإن كان جملة فإنه يجري عندهم مجرى الآحاد: من حيث كان محتاجا إلى جوابه احتياج المبتدإ الى الخبر.
* العاشرة (8): الشرط والجزاء لا بدّ أن يتغايرا لفظا (9)، وقد يتحدان، فيحتاج إلى التأويل، كقوله: {إِلََّا مَنْ تََابَ وَآمَنَ *} (الفرقان: 70) والآية التي تليها: {وَمَنْ تََابَ وَعَمِلَ صََالِحاً} (الفرقان: 71) ثم قال: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللََّهِ مَتََاباً} (الفرقان: 71) فقيل على حذف الفعل، أي من (10) أراد التوبة فإن التوبة معرضة له، لا يحول بينه وبينها (11) حائل.
[ومثله] (12) {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} (النحل: 98) أي أردت. ويدلّ لهذا تأكيد التوبة بالمصدر.
وأما قوله [تعالى]: (12) {جَزََاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزََاؤُهُ} (يوسف: 75) فقال الزمخشري (14): «يجوز أن يكون «جزاؤه» مبتدأ، والجملة [135/ أ] الشرطية كما هي (15)
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (الثامنة).
(2) في المخطوطة (لجواب) بدون إلى.
(3) في المخطوطة (إليه) بدل (إلى زيد).
(4) ساقطة من المخطوطة.
(5) تكررت العبارة في المخطوطة في هذا الموضع كما يلي (للحال نحو أحسن إليه وإن كفرك).
(6) في المخطوطة (وأصله).
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) تصحفت في المخطوطة إلى (التاسعة).
(9) في المخطوطة (أيضا).
(10) في المخطوطة (ممن).
(11) في المطبوعة (بينها).
(12) ليست في المخطوطة.
(14) انظر الكشاف 2/ 268.
(15) في المخطوطة (في).(2/468)
خبره على إقامة الظاهر مقام المضمر، والأصل: «جزاؤه من وجد في رحله فهو هو» فوضع الجزاء (1) [موضع «هو»]» (2). وقوله: {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} (الأعراف: 178) قدّره ابن عباس: «من يرد الله هدايته» (3)، فلا (4) يتحد الشرط والجزاء. ومثله قوله تعالى:
{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ} (المائدة: 67) وقد سبق فيها أقوال كثيرة.
وقد يتقاربان في المعنى، كقوله تعالى: {رَبَّنََا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النََّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (آل عمران: 192) وقوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فََازَ} (آل عمران: 185) وقوله: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمََا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (محمد: 38). والنكتة في ذلك كلّه تفخيم الجزاء، والمعنى أن الجزاء هو الكامل البالغ النهاية، يعني: من يبخل في أداء ربع العشر فقد بالغ في البخل، وكان هو البخيل في الحقيقة.
* الحادية عشرة (5): في اعتراض الشرط على الشرط، وقد عدّوا من ذلك آيات شريفة، بعضها مستقيم وبعضها بخلافه.
(الآية الأولى): قوله تعالى: {فَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ}
[وجنات] (6) (الواقعة: الآية 88، 89) قال الفارسيّ: «قد اجتمع هنا شرطان وجواب واحد فليس يخلو: إمّا أن يكون جوابا لأمّا، أو لإن [دون أما] (7) (8) [ولا يجوز أن يكون جوابا لهما لأنا لم نر شرطين لهما جواب واحد ولو كان هذا لجاز شرط واحد له جوابان] (8) ولا يجوز أن يكون جوابا لأن دون «أمّا» لأن «أمّا» لم تستعمل بغير جواب، فجعل جوابا لأمّا، فتجعل «أمّا» وما بعدها جوابا لإن». وتابعه ابن مالك في كون الجواب لأمّا.
وقد سبقهما إليه إمام الصناعة سيبويه، ونازع بعض المتأخرين في [عدّ] (10) هذه الآية
__________
(1) في المخطوطة (موضع الخبر) بدل (فوضع الجزاء).
(2) ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (بهدايته).
(4) في المخطوطة (لئلا).
(5) تصحفت في المخطوطة إلى (العاشرة).
(6) ليست في المطبوعة.
(7) ساقطة من المطبوعة.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(10) ساقطة من المخطوطة.(2/469)
من هذا، قال: وليس من الاعتراض أن يقرن الثاني بفاء الجواب (1) [لفظا نحو إن تكلم زيد فإن أجاد فأحسن إليه لأن الشرط الثاني، وجوابه جواب الأول. أو يقرن بفاء الجواب] (1)
تقديرا كهذه (3) الآية الشريفة لأن الأصل (4) [عند النحاة: «مهما يكن من شيء، فإن كان المتوفّى من المقربين فجزاؤه روح»، فحذف «مهما» وجملة شرطها، وأنيب عنها «أمّا» فصار «أمّا» فإن كان» مفردا من ذلك لوجهين:
(أحدهما) أنّ الجواب لا يلي أداة الشرط بغير فاصل.
(وثانيهما) أن الفاء في الأصل] (4) للعطف فحقها أن تقع بين سببين، وهما المتعاطفان فلما أخرجوها من باب العطف، حفظوا عليها المعنى الآخر، وهو التوسّط، فوجب أن يقدم شيء (6) مما في حيّزها عليها إصلاحا للفظ، فقدمت جملة الشرط الثاني لأنها كالجزاء الواحد، كما قدم (7) المفعول في [قوله تعالى] (8): {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} (الضحى: 9) فصار {فَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ} (الواقعة: 88و 89) فحذفت الفاء التي في جواب «إن» لئلا يلتقي [فاءان] (8)، فتلخّص أنّ جواب «أمّا» ليس محذوفا، بل مقدّما بعضه على الفاء، فلا اعتراض.
(الآية الثانية): قوله تعالى عن نوح: {وَلََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [10]
[إِنْ كََانَ اللََّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (هود: 34) وإنما يكون من هذا لو كان {لََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي}
مؤخرا بعد الشرطين، أو لازما أن يقدّر كذلك، وكلا الأمرين منتف. أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنّ {لََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ}] (10) (هود: 34) جملة تامة، أمّا على مذهب الكوفيين فمن [شرط] (12) مؤخر وجزاء مقدم، وأمّا على مذهب البصريين فالمقدم دليل الجزاء، والمدلول عليه محذوف فيقدر بعد شرطه، فلم يقع الشرط الثاني معترضا لأن
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (هذه).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (شيئا).
(7) في المخطوطة (تقدم).
(8) ليست في المخطوطة.
(10) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(12) ساقطة من المخطوطة.(2/470)
المراد بالمعترض ما اعترض بين الشرط وجوابه، وهنا ليس كذلك فإنّ على مذهب الكوفيين لا حذف والجواب مقدّم، وعلى قول البصريين الحذف (1) بين الشرطين.
(وهنا فائدة) وهي أنه لم عدل عن «إن نصحت» إلى {[إِنْ]} [2] أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ؟
وكأنه والله أعلم أدب مع الله تعالى، حيث أراد الإغواء. وقد أحسن الزمخشري (3) فلم يأت بلفظ الاعتراض في الآية بل سماه مرادفا وهو صحيح، وقال: إن قوله تعالى: {إِنْ كََانَ اللََّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}، جزاؤه ما دلّ عليه قوله: {وَلََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي}. وجعل ابن مالك تقدير الآية: «إن أردت (4) أنصح لكم» مرادا [ذلك] (5) منكم. لا ينفعكم نصحي، وهو يجعله من باب الاعتراض، وفيه ما ذكرنا.
(الآية الثالثة): قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} الآية (الأحزاب:
50) وهي كالتي قبلها، لتقدّم الجزاء أو دليله على الشرطين، فالاحتمال فيها كما قدمنا. وقال الزمخشريّ (6): «شرط في الإحلال [135/ ب] هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة الاستنكاح، كأنه قال (7): أحللناها لك إن وهبت نفسها لك، وأنت تريد أن تنكحها، لأن إرادته هي قبول الهبة، وما به (8) تتم». وحاصله أن الشرط الثاني مقيّد للأول. ويحتمل أن يكون من الاعتراض، كأنه قال: إن وهبت نفسها، إن أراد النبيّ، أحللناها، فيكون جوابا للأول، ويقدّر جواب الثاني محذوفا.
(الآية الرابعة): قوله تعالى: {يََا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللََّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (9) (يونس: 84) وغلط من جعلها من الاعتراض، لأن الشرط الأول اقترن بجوابه، ثم أتى بالثاني بعد ذلك، وإذا ذكر جواب الثاني تاليا له فأيّ اعتراض هنا؟ ولهذا قال المجوّزون لهذه المسألة: إن الجواب المذكور للأول، وجواب الثاني تاليا فأيّ اعتراض هنا؟ ولهذا قال المجوّزون لهذه المسألة: إن الجواب المذكور للأول، وجواب الثاني محذوف (10) [لدلالة الأول وجوابه عليه، والتقدير في الآية: «إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا»، فحذف الجواب] (10) لدلالة السابق عليه.
__________
(1) في المخطوطة (الحرف).
(2) ليست في المخطوطة.
(3) انظر الكشاف 2/ 214.
(4) في المخطوطة (أن أنصح) بزيادة (أن).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) انظر الكشاف 3/ 242.
(7) في المخطوطة (فإنه).
(8) في المخطوطة (بها).
(9) تصحفت في المخطوطة إلى (مؤمنين).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/471)
(الآية الخامسة): قوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلََا يَسْئَلْكُمْ أَمْوََالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوهََا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} (محمد: 36و 37) وكلام ابن مالك يقتضي أنها من الاعتراض وليس كذلك، بل عطف فعل الشرط على فعل آخر.
(الآية السادسة): قوله تعالى: {وَلَوْلََا رِجََالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسََاءٌ مُؤْمِنََاتٌ} (الفتح: 25) إلى قوله: {لَعَذَّبْنَا} وهذه الآية هي العمدة في هذا الباب، فالشرطان وهما «لولا»، و «لو» قد اعترضا، وليس معهما إلّا جواب واحد، وهو متأخّر عنهما وهو {لَعَذَّبْنَا}.
(الآية السابعة): قوله تعالى: {إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} (البقرة:
180) وهذه تأتي على مذهب الأخفش (1)، فإنه يزعم (2) أن قوله تعالى: {الْوَصِيَّةُ} على تقدير الفاء، أي «فالوصية»، فعلى هذا يكون مما نحن فيه، فأما إذا رفعت {الْوَصِيَّةُ} ب {كُتِبَ} فهي كالآيات السابقة في حذف الجوابين.
(تنبيه) ذكر بعضهم ضابطا في هذه المسألة (3) فقال: إذا دخل الشرط على الشرط، فإن كان الثاني بالفاء فالجواب المذكور جوابه، وهو وجوابه جواب الشرط الأول، كقوله [تعالى] (4): {فَإِمََّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدََايَ فَلََا خَوْفٌ [عَلَيْهِمْ]} [4] (البقرة:
38). وإن كان بغير الفاء، فإن كان الثاني متأخرا في الوجود عن الأول، كان مقدرا بالفاء وتكون الفاء جواب الأول، والجواب المذكور جواب الثاني، نحو «إن دخلت المسجد إن صليت فيه فلك أجر» تقديره: «فإن صليت فيه» فحذفت الفاء لدلالة الكلام عليها. وإن كان الثاني متقدما في الوجود على الأول، فهو في نية التقديم وما قبله جوابه، والفاء مقدرة فيه، كقوله تعالى: {وَلََا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} (هود: 34) تقديره: «إن أراد الله أن يغويكم، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي».
وأما إن لم يكن أحدهما (6) متقدما في الوجود، وكان كل واحد منهما صالحا لأن يكون
__________
(1) هو سعيد بن مسعدة، أبو الحسن، الأخفش الأوسط، انظر قوله في كتابه معاني القرآن 1/ 158 (بتحقيق فائز فارس) في الكلام على الآية (180) من سورة البقرة. وانظر إعراب القرآن للنحاس 1/ 282 (بتحقيق زهير غازي زاهد).
(2) في المخطوطة (زعم).
(3) في المخطوطة (الآية).
(4) ليست في المخطوطة.
(6) في المخطوطة (أخذهما).(2/472)
هو المتقدم، والآخر متأخرا، كقوله [تعالى] (1): {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ} (الأحزاب: 50) كان الحكم راجعا إلى التقدير والنية، فأيّهما قدّرته الشرط كان الآخر جوابا له. وإن كان مقدّرا بالفاء كان المتقدم في اللفظ أو (2) المتأخر، فإن قدرنا الهبة شرطا كانت الإرادة جوابا، ويكون التقدير: «إن وهبت نفسها للنبيّ فإن (3) أراد النبي أن يستنكحها» (4) [وإن قدّرنا الإرادة شرطا كانت الهبة جزاء، وكان التقدير: «إن أراد النبي أن يستنكحها] (4) فإن وهبت نفسها للنبي». وعلى كلا التقديرين، فجواب الشرط الذي هو الجواب محذوف، والتقدير: «فهي حلال لك». وقس عليه ما يرد عليك من هذا الباب.
(فائدة) قال ابن جني في كتاب «القد» (6) يجوز أن يسمى الشرط يمينا، لأن كل واحد منهما مذكور لما بعده (7) [وهو جملة مضمومة إلى أخرى، وقد جرت الجملتان مجرى الجملة الواحدة فمن هنا يجوز أن يسمى الشرط يمينا، ألا ترى أن كلّ واحد منهما مذكور لما بعده!] (7).
[الرابع] القسم وجوابه (9)
وهما جملتان بمنزلة الشرط وجوابه وسنتكلم عليه في الأساليب إن شاء الله تعالى في باب التأكيد (10). والقسم لفظة لفظ الخبر، ومعناه الإنشاء والالتزام (11) بفعل المحلوف عليه أو تركه [136/ أ] وليس بإخبار عن شيء وقع أو لا يقع، وإن كان لفظه [لفظ] (12) المضيّ أو الاستقبال (13) وفائدته. تحقّق الجواب عند السامع وتأكده ليزول عنه التردد فيه.
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (والمتأخر).
(3) في المخطوطة (فأراد) بدل (فإن أراد).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(6) تقدم التعريف بالكتاب في 2/ 399.
(7) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(9) هذا هو القسم الرابع من أقسام الكلام، وقد تقدم القسم الأول وهو: الخبر ص 425، والقسم الثاني وهو: الاستخبار ص 433، والقسم الثالث وهو: الشرط ص 453.
(10) في المخطوطة (التوكيد)، وانظر ص 485من هذا الجزء.
(11) في المخطوطة (الاستلزام).
(12) ساقطة من المطبوعة.
(13) في المخطوطة (والاستقبال).(2/473)
[الخامس] الأمر
حيث وقع في القرآن كان (1) بغير الحرف، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} (البقرة: 43) {ادْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ} (النمل: 18) {اخْرُجُوا مِنْ دِيََارِكُمْ} (النساء: 66) {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} (الأنعام: 141).
وجاء بالحرف في مواضع يسيرة على قراءة بعضهم (2): فبذلك فلتفرحوا (يونس: 58) (3) [ووجهه أنه من باب حمل المخاطب على الغائب إلى الخطاب، فكأنه لا غائب ولا حاضر وذلك لأن قوله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا (يونس:
58)] (3) فيه خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع المؤمنين، وخطاب الله تعالى مع النبيّ للمؤمنين كخطاب الله تعالى لهم فكأنهما اتحدا في الحكم ووجود الاستماع والاتباع، فصار المؤمنون كأنهم مخاطبون في المعنى، فأتى باللام كأنه يأمر قوما غيبا، وبالتاء للخطاب كأنه يأمر حضورا.
ويؤيد (5) هذا قوله تعالى في أول الآية: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ قَدْ جََاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
الآية (يونس: 57) فصار المؤمنون مخاطبين (6)، ثم قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قُلْ بِفَضْلِ اللََّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذََلِكَ} (يونس: 58) ينبغي أن يكون فرحهم، فصاروا مخاطبين من وجه دون وجه.
ونظيره: {حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [بِرِيحٍ]} [7] (يونس: 22) إلا أن ذلك جعل في كلمتين وحالتين وهذا في كلمة واحدة. [وحالة واحدة] (8) ومنها قوله تعالى:
{اتَّقُوا اللََّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر: 18) ومنها قوله تعالى: {لِيَقْضِ عَلَيْنََا رَبُّكَ}
(الزخرف: 77).
[السادس] النفي
هو شطر الكلام كله، لأن الكلام إما إثبات أو نفي، وفيه قواعد:
__________
(1) في المخطوطة (إن كان).
(2) وهي قراءة رويس ووافقه المطوّعي والحسن (إتحاف فضلاء البشر: 252) وانظر المختصر في شواذ القراءات لابن خالويه: 57.
(3) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(5) في المخطوطة (ويزيد).
(6) تصحفت في المخطوطة إلى (مخاطبون).
(7) ليست في المطبوعة.
(8) ساقطة من المطبوعة.(2/474)
(الأولى): في الفرق بينه وبين الجحد، قال ابن الشجري (1): «إن كان النافي صادقا فيما قاله، سمّي كلامه نفيا، وإن كان يعلم كذب ما نفاه كان جحدا ((2) فالنفي أعمّ، لأن كلّ جحد نفي من غير عكس فيجوز أن يسمى الجحد نفيا، لأن النفي أعمّ، ولا يجوز أن يسمى النفي جحدا (2)). فمن النفي: {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ} (الأحزاب: 40). ومن الجحد نفي فرعون وقومه لآيات موسى عليه السلام، قال [الله] (4) تعالى: {فَلَمََّا جََاءَتْهُمْ آيََاتُنََا مُبْصِرَةً قََالُوا هََذََا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا} (النمل: 13، 14)، أي وهم يعلمون أنها من عند الله».
وكذلك إخبار الله عمّن كفر من أهل الكتاب: {مََا جََاءَنََا مِنْ بَشِيرٍ وَلََا نَذِيرٍ} (المائدة:
19) فأكذبهم الله بقوله: (5) [{فَقَدْ جََاءَكُمْ بَشِيرٌ} (المائدة: 19)] (5) {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ} (الأنعام: 24) وقوله: {يَحْلِفُونَ بِاللََّهِ مََا قََالُوا} (التوبة: 74) فأكذبهم الله بقوله: {وَلَقَدْ قََالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} (التوبة: 74).
قال: «ومن العلماء من لا يفرق بينهما، والأصل [فيه] (7) ما ذكرته (8)».
* (الثانية): زعم بعضهم أنّ من شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفيّ عنه بذلك الشيء، ومن ثمّ قال بعض الحنفية: إنّ النهي عن الشيء يقتضي الصحة، وذلك باطل بقوله تعالى: {وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ عَمََّا يَعْمَلُونَ} (9) (البقرة: 144) {وَمََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
(مريم: 64) {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} (البقرة: 255) {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلََا يُطْعَمُ} (الأنعام: 14)
__________
(1) هو هبة الله بن علي بن محمد أبو السعادات ابن الشجري العلوي، أحد أئمة النحو، وله معرفة تامّة باللغة كان فصيحا حلو الكلام، حسن البيان والإفهام، قرأ الحديث على الحسين بن المبارك الصيرفي، ومحمد بن سعيد بن نبهان وغيرهما وانتفع عليه جماعة. من مصنفاته «الأمالي» و «الانتصار» و «شرح اللمع». ت 542هـ (إنباه الرواة 3/ 356). وانظر قوله في أماليه 1/ 256، في المجلس الثالث والثلاثين: تفسير أبيات الخنساء وغير ذلك.
(2) كذا عبارة الزركشي وفيها تصرف في النقل عن ابن الشجري، وأما كلام ابن الشجري بنصّه فهو:
«فالنفي إذن أعمّ من الجحد لأن كل جحد نفي، وليس كل نفي جحدا».
(4) اسم الجلالة ليس في المخطوطة.
(5) الآية ليست في المطبوعة.
(7) ساقطة من المطبوعة، وهي من المخطوطة، وفي لفظ ابن الشجري.
(8) في المخطوطة (ذكرنا)، وعبارة ابن الشجري: (ذكرت لك).
(9) في المخطوطة (تعملون) وهي في البقرة: 74.(2/475)
ونظائره. والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه، فنفي الشيء عن الشيء لا يستلزم إمكانه [له] (1).
(الثالثة): المنفيّ ما ولي حرف النفي، فإذا قلت: «ما ضربت زيدا» كنت نافيا للفعل الذي هو ضربك إياه، وإذا قلت: «ما أنا ضربته»، كنت نافيا لفاعليتك للضرب. (فإن قلت):
الصورتان (2) دلتا على نفي الضرب، فما الفرق بينهما؟ (قلت): من وجهين: (أحدهما): أن الأولى نفت ضربا خاصا، وهو ضربك إياه، ولم تدلّ على وقوع ضرب غيرك ولا عدمه، إذا نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعم ولا ثبوته. والثانية نفت كونك ضربته، ودلّت على أن غيرك ضربه، بالمفهوم. (الثاني): أن الأولى دلت على نفي ضربك له بغير واسطة، والثانية دلت على نفيه بواسطة. وأما قوله [136/ ب] {مََا قُلْتُ لَهُمْ إِلََّا مََا أَمَرْتَنِي بِهِ} (المائدة: 117).
(الرابعة): إذا كان الكلام عاما ونفيته، فإن تقدّم حرف النفي أداة العموم، كان نفيا للعموم، وهو لا ينافي الإثبات الخاص، فإذا قلت: «لم أفعل كلّ ذا بل بعضه» استقام (3)، وإن تقدّم صيغة العموم على النّفي، فقلت: «كلّ ذا لم أفعله» كان النفي عاما، ويناقضه الإثبات الخاص. وحكى الإمام (4) في «نهاية الإيجاز» عن الشيخ عبد القاهر أن نفي العموم يقتضي [خصوص] (5) الإثبات، فقوله: «لم أفعل كلّه» يقتضي أنه فعل بعضه. قال: وليس كذلك إلا عند من [يقول] (5) بدليل الخطاب، بل الحقّ أن نفي العموم كما لا يقتضي عموم النفي لا يقتضي خصوص الإثبات.
(الخامسة): أدواته كثيرة، قال الخويّي (7): وأصلها «لا» و «ما» (8) لأن النفي إما
__________
(1) ساقطة من المطبوعة.
(2) تصحفت في المخطوطة إلى (الضرورتان).
(3) في المخطوطة (استفهام).
(4) الإمام هو محمد بن عمر الفخر الرازي صاحب التفسير وكتابه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» طبع بمطبعة الآداب في القاهرة عام 1317هـ / 1899م، وعام 1327هـ / 1909م، وطبع بتحقيق زغلول سلام ومحمد هدارة بمنشأة المعارف في الاسكندرية عام 1394هـ / 1973م وطبع بتحقيق إبراهيم السامرائي، ومحمد بركات أبو علي في عمّان عام 1405هـ / 1985م.
(5) ساقطة من المخطوطة.
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (الجويني)، وهو أحمد بن خليل بن سعادة الخويّي الشافعي تقدمت ترجمته في 1/ 108.
(8) في المخطوطة (ما ولا).(2/476)
في الماضي، وإما في المستقبل، والاستقبال أكثر من الماضي أبدا، و «لا» أخف من «ما» فوضعوا الأخفّ للأكثر. ثم إن النفي في الماضي إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا، وإما أن يكون نفيا فيه أحكام متعدّدة، وكذلك النفي في المستقبل، فصار النفي على أربعة أقسام، واختاروا له أربع كلمات: «ما»، «لم» (1) [«لن»، «لا». وأما «إن» و «لما» فليسا بأصليين.
ف «ما» و «لا» في الماضي والمستقبل متقابلان، و «لم» و «لن» في الماضي والمستقبل متقابلان، و «لم»] (1) كأنه مأخوذ من «لا» و «ما» لأن (3) «لم» نفي للاستقبال (4) لفظا، فأخذ اللام من «لا» التي هي لنفي الأمر في المستقبل، والميم من «ما» التي هي لنفي الأمر في الماضي، وجمع بينهما إشارة [إلى أنّ في «لم»] (5) المستقبل (6) والماضي، وقدم اللام على الميم إشارة إلى (7) أن «لا» هو أصل النفي، ولهذا ينفى بها في أثناء الكلام، فيقال: «لم يفعل زيد ولا عمرو» و «لن أضرب زيدا ولا عمرا».
أما (8) «لما» فتركيب (9) بعد تركيب، كأنه قال: «لم» و «ما» لتوكيد معنى النفي في الماضي وتفيد الاستقبال أيضا، ولهذا تفيد «لمّا» الاستمرار (10)، كما قال الزمخشري (11): «إذا قلت: «ندم زيد ولم ينفعه الندم» أي حال الندم لم ينفعه وإذا قلت: «ندم زيد ولمّا ينفعه الندم» أي حال الندم، واستمر عدم نفعه». قلت: وقال الفارسي: «إذا نفي بها الفعل اختصت بنفي الحال، ويجوز أن يتسع فيها فينفي بها الحاضر (12)، نحو: «ما قام وما قعد» قال الخوييّ: والفرق بين النفي «بلم» (13) [و «ما» أنّ النفي ب «ما» كقولك: «ما قام زيد» معناه أن وقت الاخبار هذا الوقت وهو إلى الآن ما فعل، فيكون النفي في الماضي، وأن النفي ب «لم»] (13) كقولك: «لم يقم» تجعل المخبر نفسه بالعرض متكلما في الأزمنة الماضية، ولأنّه يقول في كل زمان في تلك الأزمنة: أنا أخبرك بأنه لم يقم. وعلى هذا فتأمل السرّ في قوله
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(3) في المخطوطة (كان).
(4) في المخطوطة (للاستفهام).
(5) ساقط من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (للمستقبل).
(7) في المخطوطة (على).
(8) في المخطوطة (ما).
(9) في المخطوطة (فتركبت).
(10) في المخطوطة (استمرار).
(11) انظر قوله في المفصّل: 307، ومن أصناف الحرف حروف النفي.
(12) في المخطوطة (الخاطر).
(13) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.(2/477)
[تعالى] (1): {لَمْ} [2] يَتَّخِذْ وَلَداً (الإسراء: 111) وفي موضع آخر: {مَا اتَّخَذَ اللََّهُ مِنْ وَلَدٍ} (المؤمنون: 91)، لأن الأول في مقام طلب الذكر والتشريف به للثواب، والثاني في مقام التعليم، وهو لا يفيد إلّا بالنفي عن جميع الأزمنة.
وكذلك قوله: {مََا كََانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمََا كََانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم: 28) وقوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (مريم: 20) فإنّ مريم كأنها قالت: إني تفكرت في أزمنة وجودي ومثلتها (3) في عيني: «لم أك بغيا» (4) فهو أبلغ في التنزيه فلا يظنّ ظان أنها تنفي نفيا كلّيا مع أنها نسيت بعض أزمنة وجودها (5) [وأما هم لما قالوا: {وَمََا كََانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ما كان يمكنهم أن يقولوا: نحن تصورنا كلّ زمان من أزمنة وجود أمّك، وننفي عن كلّ واحد منها كونها بغيّا لأن أحدا لا يلازم غيره، فيعلم كل زمان من أزمنة وجوده، وإنما قالوا لها: إن أمّك اشتهرت عند الكلّ، حتى حكموا عليها حكما واحدا عامّا أنّها ما بغت في شيء من أزمنة وجودها] (5).
وكذلك قوله تعالى: {ذََلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى ََ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهََا غََافِلُونَ} [7]
(الأنعام: 131) وقوله: {وَمََا كََانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى ََ حَتََّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهََا رَسُولًا} (القصص:
59) فإنه سبحانه لما قال: {بِظُلْمٍ} كان سبب حسن الهلاك قائما، وأما الظلم فكان (8)
يتوقع في كلّ [زمن] (9) الهلاك سواء كانوا غافلين أم لا لكن الله برحمته يمسك عنهم في كل زمان وافقته غفلتهم. وأما قوله: {وَأَهْلُهََا غََافِلُونَ} [7] وإن جد الظلم لكن لم يبق سببا مع الإصلاح، فبقي (11) النفي العام بعدم تحقيق المقتضى في كل زمان. وكذلك قوله: {وَمََا كُنََّا مُهْلِكِي الْقُرى ََ إِلََّا وَأَهْلُهََا ظََالِمُونَ} (القصص: 59) لأنه لما لم يذكر الظلم لم يتوقع الهلاك، فلم يبق متكررا في كل زمان. وكذلك قوله: {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ} [137/ أ] {لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهََا عَلى ََ قَوْمٍ حَتََّى يُغَيِّرُوا مََا بِأَنْفُسِهِمْ} (الأنفال: 53) وقوله: {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ} (الأنفال:
33) [ذكر عند] (12) ذكر النعمة لم يكن إشارة إلى الحكم في كل زمان تذكيرا بالنعمة، وقال
__________
(1) ليست في المخطوطة.
(2) في المخطوطة (ولم).
(3) في المخطوطة (أو مثلتها).
(4) في المخطوطة (ألم).
(5) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(7) تصحفت في المخطوطة إلى (مصلحون).
(8) في المخطوطة (وكان).
(9) ساقطة من المخطوطة.
(11) في المخطوطة (نفي).
(12) ساقطة من المخطوطة.(2/478)
تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ} (الأنفال: 33) نفيا واحدا عاما عند ذكر العذاب لئلا يتكرر ذكر العذاب ويتكرر ذكر النعمة لا للمنة بل للتنبيه على سعة الرحمة.
وكذلك قال تعالى: {مََا جَعَلَ اللََّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الأحزاب: 4) وقال:
{وَمََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78) {مََا جَعَلَ اللََّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلََا سََائِبَةٍ} [1] [وَلََا وَصِيلَةٍ وَلََا حََامٍ] (1) (المائدة: 103) وقوله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (مريم:
7) وقال تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبََّاراً شَقِيًّا} (مريم: 32) وقال تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهََا سِتْراً} (الكهف: 90) في جميع مواضع ما حصل (3) المذكور أمورا لا يتوقع تجددها، (4) وفي جميع المواضع لم يحصل (4) توقع تجدد المذكور.
فاستمسك بما ذكرنا واجعله أصلا فإنه من المواهب الربانية.
(6) [انتهى الجزء الأول من تجزئة المؤلف] (6)
__________
(1) ليست في المطبوعة.
(3) في المخطوطة (جعل).
(4) عبارة المخطوطة (في جميع مواضع يجعل).
(6) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة، وهو في جميع الأصول الخطية للكتاب.(2/479)
النوع السادس والأربعون في (1) (ذكر ما تيسر من) (1) أساليب القرآن وفنونه البليغة (3)
وهو المقصود الأعظم من هذا الكتاب، وهو بيت القصيدة،
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(3) للتوسع في هذا النوع يمكن الرجوع لمصادر النوعين (21) و (22) ولمصادر البلاغة العربية، وأمّا فيما يتعلق ببلاغة القرآن فيمكن الرجوع للمصادر التالية: مقدمة تفسير ابن عطية المسمّى بالمحرر الوجيز 1/ 74فصل الإيجاز، والإمام في بيان أدلة الأحكام للعزّ بن عبد السلام، والإشارة إلى الإيجاز له أيضا، والفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن القيم، والإتقان للسيوطي، الأنواع 29و 44و 46و 5849، والتحبير في علم التفسير له أيضا، الأنواع 4341، و 5049و 8166ومفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 364، علم معرفة بيان الموصول لفظا الموصول معنى، و 2/ 454409: وجوه مخاطباته، وحقيقة ألفاظه ومجازها، وتشبيه القرآن واستعاراته، وكناياته وتعريضه، والحصر والاختصاص، والإيجاز والإطناب، والخبر والإنشاء، وبدائع القرآن، وكشف الظنون 1/ 205علم الإيجاز والإطناب، و 1/ 408علم تشبيه القرآن واستعاراته، والفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي ص 10368الفصلين الرابع والخامس من الباب الثاني. وأبجد العلوم للقنوجي 2/ 492: علم معرفة الإيجاز والإطناب و 2/ 494: علم معرفة بيان الموصول لفظا والمفصول معنى، وعلم معرفة بدائع القرائن، وعلم معرفة تشبيه القرآن واستعاراته، و 4/ 496: علم معرفة حقيقة القرآن ومجازه، وعلم معرفة حصر القرآن والاختصاص و 2/ 497: علم معرفة الخبر والإنشاء، ومناهل العرفان للزرقاني 2/ 205198المبحث السادس عشر: في أسلوب القرآن الكريم، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص: 327322 في الباب الرابع، الفصل الثالث، مسألة تشبيه القرآن واستعاراته، وأسلوب القرآن الحكيم وأثره في الأدب، لصادق إبراهيم العرجون (مقال في مجلة الأزهر مج 6، ع 9، 1354هـ / 1935م) وأسلوب التمثيل في القرآن لعزّ الدين إسماعيل (مقال في مجلة الأزهر، مج 22، ع 1، 1370هـ / 1950م) وأسلوب القرآن الكريم ومفردات ألفاظه لمنير القاضي (مقال في مجلة المجمع العلمي العراقي 1370هـ / 1950م) والأسلوب القرآني لقاسم عباس النداف (مقال في مجلة الرسالة الإسلامية العراقية، ع 1، س 1، 1385هـ / 1966م.
* ونذكر من الكتب المؤلفة في هذا النوع الكتب التالية: (وهي مرتّبة حسب التسلسل الزمني ضمن مجموعات حسب مواضيعها، وقد رتّبت المواضيع على حروف المعجم).(2/480)
__________
في الإبدال: * «الإبدال» لابن السكيت، يعقوب بن إسحاق (ت 244هـ) طبع بتحقيق المستشرق هفنر بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1321هـ / 1903م في (68) ص. وطبع بتحقيق حسين محمد محمد شرف، ونشره مجمع اللغة العربية في القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع 1399هـ / 1978م في (202) ص * «الإبدال والمعاقبة والنظائر» لأبي القاسم الزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق (ت 340هـ) طبع بتحقيق عز الدين التنوخي، ونشره المجمع العلمي العربي في دمشق 1381هـ / 1962م في (127) ص * «الإبدال» لأبي الطيّب اللغوي، عبد الواحد بن علي (ت 351هـ) طبع بتحقيق المستشرق هفنر، بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1324هـ / 1903م. وطبع بتحقيق عزّ الدين التنوخي، ونشره المجمع العلمي العربي بدمشق بمجلته مج 35، ص 465421 و 646606عام 1381هـ / 1960م ثم نشره مستقلّا في مجلدين عام 1381هـ / 1961م * «الإبدال» لابن مالك جمال الدين محمد بن عبد الله (ت 672هـ) قام بتحقيقه د. علي حسين البواب (أخبار التراث العربي 5/ 12) * «إبدال الحروف في اللهجات العربية» لسلمان سالم رجاء السحيمي، وهو رسالة ماجستير قدّمها بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 1406هـ / 1986م (أخبار التراث العربي 26/ 20).
في الاستعارة: * «الاستعارة في القرآن الكريم» لأحمد فتحي رمضان، وهو رسالة ماجستير بجامعة الموصل 1408هـ / 1988م (أخبار التراث العربي 33/ 18).
في الاستفهام: * «أساليب الاستفهام في القرآن» لعبد العليم السيد فودة. طبع بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في القاهرة، سلسلة نشر الرسائل الجامعية.
في الأساليب: * «بيان أسلوب الحكيم» لابن كمال باشا، شمس الدين أحمد بن سليمان (ت 940هـ) مخطوط في الأوقاف العراقية: 10102 (معجم الدراسات القرآنية: 223) * «البيان في ضوء أساليب القرآن» لعبد الفتاح لاشين، طبع بدار المعارف في القاهرة 1398هـ / 1977م.
في الإيجاز: * «الإعجاز والإيجاز» لأبي منصور الثعالبي، عبد الملك بن محمد (ت 429هـ) طبع في الآستانة بمطبعة الجوائب (ضمن مجموع) 1301هـ / 1883م، ونشره اسكندر آصاف بالمطبعة العمومية في القاهرة 1315هـ / 1897م في (304) ص. وطبع بدار الكتب العلمية في النجف، وصوّر بدار الغصون في بيروت 1405هـ / 1985م * «الإيجاز في المجاز» لابن قيم الجوزية، أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت 751هـ) (كشف الظنون 1/ 206) * «إيجاز البيان في سور القرآن» لمحمد علي الصابوني، طبع بمكتبة الغزالي في دمشق.
في البلاغة: * «بلاغة القرآن» لمحمد الخضر حسين (ت 1377هـ)، طبع بالمطبعة التعاونية في دمشق 1391هـ / 1971م في (220) ص * «بلاغة القرآن بين الفن والتاريخ» لفتحي أحمد عامر، طبع بدار النهضة العربية في القاهرة 1396هـ / 1975م في (408) ص * «بلاغة القرآن في آثار القاضي عبد الجبار، وأثرها في الدراسات البلاغية» لعبد الفتاح لاشين. طبع بدار الفكر العربي في القاهرة 1397هـ / 1976م في (831) ص * «البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري، وأثرها في الدراسات البلاغية» لمحمد حسنين أبو موسى. طبع بدار الفكر العربي في القاهرة 1400هـ / 1979م في(2/481)
__________
(671) ص * «بلاغة العطف في القرآن الكريم (دراسة أسلوبية)» لعفّت الشرقاوي طبع بدار نهضة مصر العربية 1401هـ / 1981م، وبدار النهضة العربية في بيروت 1402هـ / 1982م * «البلاغة القرآنية عند الإمام الخطابي» لصباح عبيد دراز. طبع بمطبعة الأمانة في القاهرة، 1406هـ / 1986م في البيان: * «البيان القصصي في القرآن» لإبراهيم عوضين، طبع في القاهرة 1398هـ / 1977م * «البيان في ضوء أساليب القرآن» لعبد الفتاح لاشين، طبع بدار المعارف في القاهرة 1398هـ / 1977م * «البيان القرآني» لمحمد رجب بيومي، طبع في القاهرة * «القرآن والصورة البيانية» لعبد القادر حسن، طبع بدار نهضة مصر.
في التجريد: * «التجريد في المعاني والبيان» لسمرة بن علي البحراني؟ (كشف الظنون 1/ 351).
في التشبيه: * «الجمان في تشبيهات القرآن» لابن ناقيا البغدادي، أبي القاسم عبد الله بن محمد بن حسين (ت 485هـ) طبع بتحقيق عدنان زرزور، ومحمد رضوان الداية بوزارة الأوقاف الكويتية 1388هـ / 1968م في (440) ص. وطبع بتحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي بوزارة الثقافة العراقية 1388هـ / 1968م في (448) ص. وطبع بتحقيق مصطفى الصاوي الجويني بمنشأة المعارف في الإسكندرية 1396هـ / 1976م. * «تشبيهات القرآن وأمثاله» لابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر (ت 751هـ) (ذكره عبد الرحمن التكريتي في مقال «أمثال القرآن» في مجلة الإسلام، ع (65)، س 1393هـ / 1973م، ص 74).
* «التشبيهات القرآنية والبيئة العربية» لماجدة مجيد الأطرقجي، طبع بوزارة الثقافة والفنون في بغداد 1399هـ / 1978م في التضمين: (تقدم الكلام عنه في النوع الثلاثين من هذا الكتاب 2/ 113.
في التقديم والتأخير * «التقديم والتأخير بين المبنى والمعنى في القرآن الكريم» لعلي محمود جعفر، رسالة ماجستير في كلية الآداب بجامعة اليرموك بإربد الأردن نوقشت عام 1406هـ / 1986م.
في التمثيل: تقدم الكلام عن أمثال القرآن في النوع (31) من هذا الكتاب 2/ 116.
في التوسعة: * «التوسعة» لابن السكيت، أبي يوسف يعقوب بن إسحاق. ت 244هـ (كشف الظنون 1/ 507).
في التوكيد: * «أساليب التوكيد من خلال القرآن الكريم» لأحمد مختار البزرة، طبع في دمشق، ووزعته الوكالة العامة للتوزيع (أخبار التراث العربي 21/ 26).
في الحذف: * «الحذف والتقدير في النحو العربي» لعلي أبو المكارم. طبع بالمطبعة الحديثة للطباعة في القاهرة 1391هـ / 1970م * «الحذف في الجملة العربية» لأحمد فالح مطلق. رسالة ماجستير في كلية الآداب بجامعة اليرموك بإربد الأردن، نوقشت عام 1406هـ / 1986م.
في الشرط: * «أسلوب إذ في ضوء الدراسات القرآنية والنحوية» لعبد العال سالم مكرم، طبع بجامعة الكويت 1403هـ / 1983م * «أسلوب الشرط في العربية مع تحقيق ثلاث رسائل نحوية في باب الشرط» لأحمد محمد الشريف. رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض 1405هـ / 1985م * «أسلوب الشرط بين النحويين والبلاغيين» لفتحي بيومي حمودة، طبع بدار البيان(2/482)
وأول الجريدة (1) [وغرّة الكتيبة] (1)، وواسطة القلادة، ودرّة التاج، وإنسان الحدقة على أنه قد تقدمت (3) الإشارة للكثير (4) من ذلك.
اعلم أن هذا علم شريف المحلّ، عظيم المكان، قليل الطلاب، ضعيف الأصحاب، ليست له عشيرة تحميه، ولا ذوو (5) بصيرة تستقصيه، وهو أرق من الشعر، وأهول من البحر، وأعجب من السحر، وكيف لا يكون! وهو المطلع على (6) أسرار القرآن العظيم، الكافل بإبراز إعجاز النظم المبين ما أودع من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما تضمنه من (7) الحلاوة، وجلّله من (7) رونق الطلاوة مع سهولة كلمه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها. ولا فرق بين ما يرجع الحسن إلى اللفظ أو المعنى (9).
وشذّ بعضهم فزعم أن موضع صناعة البلاغة فيه إنما هو المعاني، فلم يعدّ الأساليب
__________
العربي في جدة 1405هـ / 1984م في العطف: * بلاغة العطف في القرآن الكريم (دراسة أسلوبية) لعفّت الشرقاوي، طبع بدار نهضة مصر العربية 1401هـ / 1981م، وبدار النهضة العربية في بيروت 1402هـ / 1982م في القصر: * «أساليب القصر في القرآن الكريم وأسرارها البلاغية» لصباح عبيد دراز، طبع بمطبعة الأمانة في القاهرة 1406هـ / 1986م.
في القلب: * «القلب والإبدال» للأصمعي، عبد الملك بن قريب. ت 216هـ (كشف الظنون 2/ 1355) * «القلب والإبدال» لابن السكيت، أبي يوسف يعقوب بن إسحاق (ت 244هـ) طبع بتحقيق المستشرق أوغست هفنر بمطبعة اليسوعيين في بيروت 1322هـ / 1903م في القسم: «القسم بالمخلوقات في القرآن الكريم» لعثمان أبو النصر، طبع بمطبعة عيسى الحلبي في القاهرة 1363هـ / 1944م، في (32) ص * «أساليب القسم في القرآن الكريم (دراسة في النحو والتفسير) لكاظم فتحي الراوي، طبع بمطبعة الجامعة في بغداد، 1397هـ / 1977م في الكناية: تقدم الكلام عنها في النوع (44) من الكتاب 2/ 410.
في المشاكلة: * «المشاكلة بين (واو) الحال و (واو) المصاحبة في النحو العربي» لعبد الجبار فتحي زيدان. رسالة ماجستير بجامعة الموصل 1408هـ / 1988م في النداء: * «نداء المخاطبين في القرآن أسراره وإعجازه» لعلي عبد الواحد وافي (مقال في مجلة الأزهر مج (25) ع (2) 1383هـ / 1963م).
في النفي: «أساليب النفي في القرآن الكريم» لأحمد ماهر البقري. طبع بدار المعارف في القاهرة.
(1) بياض في المخطوطة.
(3) في المخطوطة (تقدم).
(4) في المخطوطة (لكثير).
(5) في المخطوطة (ذوي).
(6) في المخطوطة (إلى).
(7) في المطبوعة (في).
(9) في المخطوطة (والمعنى).(2/483)
البليغة، والمحاسن اللفظية. والصحيح أن الموضوع مجموع المعاني والألفاظ إذ اللفظ مادّة الكلام الذي منه يتألف، ومتى أخرجت الألفاظ عن أن تكون (1) موضوعا خرجت عن جملة الأقسام المعتبرة إذ لا يمكن أن توجد إلا بها. وها (2) أنا ألقي إليك (3) منه ما يقضي له البليغ عجبا، ويهتز به الكاتب (4) طربا:
فمنه التوكيد بأقسامه، والحذف بأقسامه، الإيجاز، التقديم والتأخير، القلب، المدرج، الاقتصاص، [الترقي] (5)، التغليب، الالتفات، التضمين، وضع الخبر موضع الطلب، وضع الطلب موضع الخبر، وضع النداء موضع التعجب، وضع جملة القلة موضع الكثرة، تذكير المؤنث، تأنيث المذكر، التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، عكسه، مشاكلة اللفظ للمعنى، النحت، الإبدال، المحاذاة (6)، قواعد في النفي والصفات، إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة، الإعراض عن صريح الحكم، الهدم، التوسع، الاستدراج، التشبيه، الاستعارة، التورية، التجريد، التجنيس، الطباق، المقابلة، إلجام الخصم بالحجة، التقسيم، التعديد، مقابلة الجمع بالجمع، قاعدة فيما ورد في القرآن مجموعا تارة ومفردا أخرى وحكمة ذلك، قاعدة أخرى في الضمائر، قاعدة في السؤال والجواب، الخطاب بالشيء عن اعتقاد المخاطب، التأدب في الخطاب، تقديم ذكر الرحمة على العذاب، الخطاب بالاسم، الخطاب بالفعل، قاعدة في ذكر الموصولات والظرف (7) تارة وحذفها أخرى، قاعدة في النهي ودفع التناقض عما يوهم ذلك.
وملاك ذلك الإيجاز والإطناب، قال صاحب الكشاف: [137/ ب] «كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصّل ويشبع، وأنشد (8) الجاحظ:
يرمون بالخطب الطّوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء
__________
(1) في المخطوطة (يكون).
(2) في المخطوطة (فها).
(3) في المخطوطة (عليك).
(4) في المخطوطة (الكتب).
(5) ساقطة من المخطوطة.
(6) في المخطوطة (المجادلة).
(7) في المخطوطة (والطرق).
(8) في المخطوطة (أنشد)، وانظر البيت في البيان والتبين 1/ 44، 155. ونسبه إلى أبي دؤاد الإيادي(2/484)
الأسلوب الأول: التأكيد
والقصد منه الحمل على ما لم يقع، ليصير واقعا، ولهذا لا يجوز تأكيد الماضي ولا الحاضر، لئلا يلزم تحصيل الحاصل وإنما يؤكد المستقبل، وفيه مسائل:
(الأولى): جمهور الأمة على وقوعه في القرآن والسنة. وقال قوم: ليس فيهما تأكيد ولا في اللغة بل لا بد أن يفيد معنى زائدا على الأول. واعترض الملحدون على القرآن والسنّة بما فيهما (1) من التأكيدات، وأنه لا فائدة في ذكرها وأن من حق البلاغة في النظم إيجاز اللفظ واستيفاء المعنى، وخير الكلام ما قلّ ودلّ ولا يملّ، والإفادة خير من الإعادة، وظنوا أنه إنما يجيء لقصور النفس عن تأدية المراد بغير تأكيد ولهذا أنكروا وقوعه في القرآن.
وأجاب الأصحاب بأنّ القرآن نزل على لسان القوم وفي لسانهم التأكيد والتكرار، وخطابه أكثر بل هو عندهم معدود في الفصاحة والبراعة، ومن أنكر وجوده في اللغة فهو [مكابر] (2) إذ لولا وجوده لم يكن لتسميته تأكيدا فائدة، فإن الاسم لا يوضع إلا لمسمى معلوم لا فائدة فيه، بل فوائد كثيرة كما سنبينه.
(الثانية): حيث وقع فهو حقيقة، وزعم قوم أنه مجاز، لأنه لا يفيد إلا ما أفاده المذكور الأول (3)، حكاه الطرطوشي (4) في «العمد» ثم قال: ومن سمّى التأكيد مجازا؟ فيقال له: إذا كان التأكيد بلفظ الأول، نحو عجّل عجّل ونحوه، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول، لأنهما في لفظ واحد، وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه، لأنه قبل الأول.
(الثالثة): أنه خلاف الأصل فلا يحمل اللفظ على التأكيد إلا عند تعذّر حمله على (5) مدة محددة (5).
__________
(1) في المخطوطة (فيه).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) في المخطوطة (لأول).
(4) تصحفت في المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة) والصواب ما أثبتناه وانظر 2/ 412.
(5) في المخطوطة (فائدة مجددة).(2/485)
(الرابعة): يكتفي في تلك بأيّ معنى كان وشرط. وما قاله ضعيف، لأن المفهوم من دلالة اللفظ ليس من باب الألفاظ حتى يحذو به حذو الألفاظ.
(الخامسة): في تقسيمه: وهو صناعي يتعلق باصطلاح النحاة ومعنويّ، وأقسامه (1)
كثيرة، فلنذكر ما تيسّر منها.
أقسام التأكيد
القسم الأول: التوكيد الصناعي
وهو قسمان: لفظيّ ومعنويّ، فاللفظي تقرير معنى الأول بلفظه أو مرادفه فمن المرادف {فِجََاجاً سُبُلًا} (الأنبياء: 31) {ضَيِّقاً حَرَجاً} (الأنعام: 125) في قراءة كسر الراء (2).
{وَغَرََابِيبُ سُودٌ} (فاطر: 27). وجعل الصّفّار (3) منه قوله تعالى: {فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ}
(الأحقاف: 26) على القول بأن كلاهما (4) للنفي.
واللفظي يكون في الاسم النكرة بالإجماع، نحو: {قَوََارِيرَا * قَوََارِيرَا} (الإنسان: 15 و 16) وجعل ابن مالك وابن عصفور [منه] (5): {دَكًّا دَكًّا} (الفجر: 21) و {صَفًّا صَفًّا}
(الفجر: 22) وهو مردود لأنه جاء في التفسير أن معنى {دَكًّا دَكًّا} [دكّا] (5) (الفجر: 21) بعد دكّ، وأن الدّك كرّر عليها حتى صار هباء منثورا، وأن معنى: {صَفًّا صَفًّا} أنه تنزّل ملائكة كل سماء يصطفّون صفّا بعد صف، محدقين بالإنس والجنّ. وعلى هذا فليس الثاني منهما تكرارا للأول بل المراد به التكثير نحو جاء القوم رجلا رجلا، وعلّمته الحساب بابا بابا.
وقد ذكر ابن جني في قوله تعالى: {إِذََا وَقَعَتِ الْوََاقِعَةُ} (الواقعة: 1) {إِذََا رُجَّتِ}
(الواقعة: 4) أن {رُجَّتِ} بدل من {وَقَعَتِ}، وكررت {إِذََا} تأكيدا لشدة امتزاج المضاف بالمضاف إليه.
ويكون في اسم الفعل، كقوله تعالى: {هَيْهََاتَ هَيْهََاتَ} [138/ أ] {لِمََا تُوعَدُونَ}
(المؤمنون: 36) وفي الجملة، نحو: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الانشراح:
__________
(1) في المخطوطة (وتمكينه وأقسامه).
(2) وهي قراءة نافع وأبي بكر (التيسير ص 106) وانظر معاني القرآن للفراء 1/ 353.
(3) هو القاسم بن علي الصفّار، تقدم ذكره في 1/ 386.
(4) الضمير عائد على (ما) و (إن) في الآية الكريمة.
(5) زيادة يقتضيها السياق.(2/486)
5 - و 6) ولكون الجملة الثانية للتوكيد سقطت من مصحف ابن مسعود، ومن قراءته (1) والأكثر فصل الجملتين: ب «ثم»، كقوله: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مََا أَدْرََاكَ} (الانفطار: 17 و 18) {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (التكاثر: 3و 4) ويكون في المجرور، كقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا} (هود: 108) والأكثر فيه اتصاله بالمذكور.
وزعم الكوفيون أنه لا يجوز الفصل بين التوكيد والمؤكد، قال الصفّار (2) في «شرح سيبويه»: والسماع يردّه، قال تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كََافِرُونَ} (هود: 19) فإن «هم» الثانية تأكيد للأولى. وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا} (هود: 108) وقوله:
{فَلَمََّا جََاءَهُمْ مََا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة: 89) ألا ترى أن قبله: {وَلَمََّا جََاءَهُمْ كِتََابٌ}
(البقرة: 89) فأكّد {لَمََّا} وبينهما كلام، وأصله: {يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (البقرة:
89) فكرّر للطول الذي بين «لمّا» وجوابها. وقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرََاباً وَعِظََاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (المؤمنون: 35) في أحد القولين لأنه أكّد «أنّ» بعد ما فصل.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ لَآيََاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الجاثية: 3) (3) (3)
ريب أنهم اجتمعوا في الهلاك وإن قوم موسى اجتمعوا في النجاة.
ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} (يوسف: 93) فلم يرد بهذا أن يجتمعوا عنده، وإن جاءوا واحدا بعد واحد وإنما أراد اجتماعهم في المعنى إليه، وألّا يتخلّف منهم أحد، وهذا يعلم من السياق والقرينة.
ومن القرينة الدالة على ذلك في قصة الملائكة (5) لفظا [ومعنى] (6) أن قوله {كُلُّهُمْ}
__________
(1) ذكرها الزمخشري في الكشاف 4/ 221.
(2) هو القاسم بن علي البطليوسي الصفار، تقدم ذكره في 2/ 451. وكتابه «شرح سيبويه» مخطوط، يوجد منه قطعة في دار الكتب المصرية برقم (900) نحو (انظر مقدمة كتاب سيبويه 1/ 37لعبد السلام محمد هارون وبروكلمان (بالعربية) 2/ 137).
(3) بياض في المخطوطة. كتب ناسخها على هامشها (هنا نسخة الأصل، ورقتان بياض).
(5) في قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30].
(6) ساقطة من المطبوعة.(2/487)
(الحجر: 30) يفيد الشمول والإحاطة، فلا بد أن يفيد {أَجْمَعُونَ} قدرا زائدا على ذلك وهو اجتماعهم في السجود وأما المعنى فلأن (1) الملائكة لم تكن (2) ليتخلّف (3) أحد منهم عن امتثال الأمر، ولا يتأخر عنده، ولا سيما وقد وقّت لهم بوقت وحدّ لهم بحدّ، وهو التسوية ونفخ الروح، فلما حصل ذلك سجدوا كلهم عن آخرهم في آن واحد ولم يتخلف منهم أحد فعلى هذا يخرّج كلام المبرّد الزمخشريّ.
وما نقل عن بعض المتكلمين أن السجود لم يستعمل على الكلّ بدليل قوله: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعََالِينَ} (ص: 75) (4) [مردود بل «العالون» المتكبرون وفي «رسائل إخوان الصفاء» (5) أن {الْعََالِينَ}] هم العقول العاقة التي لم تسجد، وهذا تحريف، ولم يقم دليل على إثبات العقول التي تدعيها الفلاسفة.
__________
(1) تصحفت في المخطوطة إلى (وأما).
(2) في المخطوطة (فلم يكن).
(3) في المخطوطة (يتخلف).
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(5) رسائل إخوان الصفاء، ذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 902، وجاء تعريفها في دائرة المعارف الإسلامية 1/ 529527كالتالي:
«إخوان الصفاء»: في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي 373هـ 983م) ظهرت جماعة سياسية دينية ذات نزعات شيعية متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح، أنتجت سلسلة من الرسائل رتبت ترتيبا جامعا لشتات العلوم متمشيا مع الأغراض التي قامت من أجلها الجماعة.
ويقال عادة إن هذه الرسائل قد جمعت ونشرت في أواسط القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تقريبا. وهي تبلغ 52رسالة ويذكر من مؤلفيها: أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، ومحمد بن أحمد النهرجوري، والعوفي، وزيد بن رفاعة. كان إخوان الصفاء يميلون إلى التعبير عما يجول في نفوسهم بأسلوب غير صريح. والآراء التي تضمنتها هذه الرسائل مستمدة من مؤلفات القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. ونزعتهم الفلسفية هي نزعة قدماء مترجمي الحكمة اليونانية والفارسية والهندية وجامعيها الذين يأخذون من كل مذهب بطرف. وتتردد في هذه الرسائل أسماء هرمس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون أكثر من أرسطوطاليس. وهذا الأخير يعتبرونه منطقيا ومؤلفا لكتاب «أثولوجيا» الأفلاطوني و «كتاب التفاحة». ولا نجد في رسائل إخوان الصفاء أثرا للفلسفة المشائية الحقيقية التي بدأت بظهور الكندي. ومن خصائص نزعتهم الفلسفية أنهم لم يأخذوا شيئا من الكندي، ولو أنهم أخذوا من أحد تلاميذه الذين انحرفوا عن مذهبه وهو المنجّم البهرج أبو معشر المتوفى عام 272هـ (885م).
وقد أخذت هذه الرسائل من كل مذهب فلسفي بطرف. والمحور الذي تدور عليه: فكرة الأصل(2/488)