الجزء الاول
مقدّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم، والصّلاة والسّلام على رسول الهدى الذي أمر بالعلم قبل العمل، فبه ارتفع وتقدّم، وعلى آله وأصحابه ومن بأثره اقتفى والتزم. وبعد:
فإنّ الاشتغال بطلب العلم والتفقّه في الدّين من أجلّ المقاصد وأعظم الغايات وأولى المهمّات لذلك ندب إليه الشّارع الحكيم في كثير من نصوص كتابه، وأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بالزيادة منه فقال تعالى: {وَمََا كََانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذََا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
وقال جلّ وعلا: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 114].
وقد رتّب النبي صلى الله عليه وسلم الخير كلّه على التفقّه في الدّين فقال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقّه في الدين» متّفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: «النّاس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» متّفق عليه. وهذا مما يدلّ على أهميته وعظم شأنه.
لذلك كان الاهتمام بالعلم الشّرعيّ المستمّد من الكتاب والسنّة وفهم السّلف الصّالح هو الهدف الأسمى لمؤسس هذه الدّولة المباركة الملك عبد العزيز يرحمه الله وكذلك أبناؤه من بعده الذين كانت لهم اليد الطولى وقدم السبق في الاهتمام بالعلم وأهله فأولوه عناية فائقة، وخصّوه بجهود مباركة، ظهرت آثارها على البلاد والعباد.(1/5)
وكان لخادم الحرمين الشّريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله جهود واضحة استوت على سوقها ووفّقت لمقصودها، ومن ذلك أمره بزيادة عدد الجامعات، وفتح جميع الوسائل ذات العلاقة بالتطوير والتنقيح والتأليف والنّشر كعمادات ومراكز البحث العلميّ في شتّى الجامعات وعلى رأسها الجامعة الإسلاميّة العالمية العلمية التي أولت البحث العلميّ اهتماما بالغا وجعلته غاية من غاياتها وهدفا من أهدافها.
ومن هنا فعمادة البحث العلميّ بالجامعة تهتم بالبحوث العلميّة نشرا وجمعا وترجمة وتحكيما في داخل الجامعة وخارجها من أجل النّهوض بالبحث العلميّ، والتشجيع على التّأليف والنّشر، ومن ذلك كتاب:
[الاكتفاء في أخبار الخلفاء] تحقيق: د / صالح بن عبد الله الغامدي.
أسأل الله أن يوفّقنا جميعا لما يحبّ ويرضى ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
معالي مدير الجامعة الإسلاميّة أ. د / محمد بن علي العقلا(1/6)
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فإن علم التأريخ ليس فقط مجرد أخبار عن الأيام والدول القديمة، والأمم الماضية، ولا يطلب لمجرد المعرفة والتسلية، أو حفظ الحكايات والأخبار، أو إشباع غريزة حب الاستطلاع، وإنما يطلب لأخذ العبر والدروس والعظات والأسوة الحسنة فيمن يقتدي بهم في الوصول إلى تحقيق الوظيفة التي خلق المسلم من أجلها في هذه الحياة، وهي تحقيق العبادة لله وحده بمفهومها الشامل لكافة نواحي الحياة لأنه علم نظر وتحقيق وتعليل لأحداث الزمان، وهو كما قال ابن خلدون: «جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا» (1).
على أن المهام التي تدعونا لطلب هذا العلم هي التصدي لأعداء هذا الدين، الذين أساؤوا إليه بالإساءة إلى أهله عندما عملوا على تشويه سيرة سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان فطعنوا
__________
(1) ابن خلدون: المقدمة ص: 9.(1/7)
في سيرتهم، وشوهوا الصورة النقية الصافية التي هم عليها، فالطعن فيهم طعن في الدين الذي حملوه لنا، وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها إلى الذين حملوها عنهم حتى وصلت إلينا.
ومن هنا اهتم العلماء المسلمون بتأريخ أمتنا، ورأوا أنه يلزم صاحب الحديث معرفة سير الصحابة وفضائلهم، وأحوال الناقلين عنهم وأيامهم وأخبارهم حتى يقف على العدول منهم من غير العدول (1)، وجعلوا هذا العلم علما مستقلا بذاته وصنفوه ضمن العلوم التي تخدم الشريعة الإسلامية، واعتنوا بجوانب منه وصنفوا كتبا في ذلك.
وإيمانا مني بهذا المبدأ رغبت في أن يكون موضوع رسالتي في مرحلة الدكتوراه متناولا لجزء من تأريخ أمتنا الإسلامية، فشرعت في التردد على مكتبات المخطوطات والنظر في كتب الفهارس التي تعنى بذلك، فوقفت على كتاب (الاكتفاء في أخبار الخلفاء) لعبد الملك بن محمد التوزري، المعروف بابن الكردبوس، واطلعت عليه، فقررت حينئذ أن يكون موضوع رسالتي، لما اشتمل عليه من طرح جزء كبير من تأريخ الأمة، ولأنني رأيته وسطا بين الإيجاز والإطناب، ولاشتماله أيضا على مسائل مهمة رأيت الوقوف عندها، وبيان الصحيح من أقوال العلماء فيها، وتقدمت به إلى قسم التأريخ وتمت الموافقة عليه ولله الحمد.
__________
(1) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله ص: 466.(1/8)
خطة البحث: وقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون في قسمين قسم الدراسة، وقسم التحقيق.
أما قسم الدراسة فقد احتوى على قسمين أيضا، وهما:
القسم الأول: دراسة المؤلف ويشمل الآتي:
أولا: مولده.
ثانيا: نسبه.
ثالثا: نسبته.
رابعا: عصر المؤلف.
1 - الحالة الدينية.
2 - الحالة السياسية.
أ) إفريقية تحت ظل الدولة الصنهاجية من سنة 362هـ إلى سنة 543هـ.
ب) بلاد إفريقية وخضوعها لدولة الموحدين من سنة 555هـ إلى سنة 603هـ.
خروج على بن الرند ببلاد الجريد سنة 575هـ.
حركة بن غانية ووقعة الحامة سنة 583هـ.
خامسا: سيرته العلمية.
رحلته إلى الإسكندرية.(1/9)
أ) الإسكندرية وخضوعها للعبيديين.
ب) الإسكندرية في ظل الدولة الأيوبية.
القسم الثاني: دراسة الكتاب، ويشمل الآتي:
أولا: عنوان الكتاب وصحة نسبته لابن الكردبوس.
ثانيا: النسخ الخطية لكتاب الاكتفاء.
ثالثا: وصف نسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق.
رابعا: منهجي في التحقيق.
خامسا: منهج المؤلف وأسلوبه في كتاب الاكتفاء.
سادسا: مصادر المؤلف.
سابعا: الملاحق الخاصة بالدراسة.
القسم الثاني من خطة البحث: يتعلق بخدمة نصوص الكتاب (1).
الصعوبات التي واجهتني في البحث:
لما شرعت بالتحقيق واجهتني بعض الصعوبات التي أمكنني التغلب على بعضها بتوفيق الله تعالى، ومنها:
1 - أن الكتاب احتوى على موضوعات كثيرة ومتنوعة وغير مترابطة، وتبعا لذلك تنوعت مصادر الكتاب وكثرت، ولا بد من الاطلاع عليها، وكان هذا في الواقع مصدر جهد كبير وقت كثير.
2 - كما أن بعض النصوص الأدبية الواردة في الكتاب ولا سيما
__________
(1) ورد تفصيله في الفقرة الخاصة بفهرس محتويات الكتاب.(1/10)
اختياراته التي يبدوا أنه يريد بها الترويح عن القارئ تنضح بالأباطيل والشبه وبالمبالغة في مسائل متنوعة، وعندئذ لا بد من الذب عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، والردّ على المبالغات التي يقصد منها في أغلب الأحيان تشويه صورة الخلفاء وتحريف الحقائق.
3 - قلة المصادر التي تتحدث عن شخصية المؤلف، ولذلك اعتمدت في الغالب على الكتاب نفسه، فاستخرجت منه بعض مادة الدراسة.
4 - الاختلاف الكبير بين النسخ، وكثرة التحريف والتصحيف، والأخطاء النحوية فيها.
وفي ختام هذه المقدمة أرى لزاما علي أن أوفي صاحب الحق حقه، وذا الفضل فضله، وأن من أولى الناس بهذا القائمين على هذه الجامعة المباركة، الذين سعوا ويسعون جادين لتيسير سبل طلب العلم الشرعي لأبناء المسلمين، وأسأل الله تعالى أن يعينهم على مساعيهم الحميدة، وأن يجنبهم كل مكروه، وأن يزيد هذا الصرح العلمي الشامخ مزيدا من التقدم والازدهار في ظل هذه الحكومة المباركة، التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة.
كما أتوجه بفائق الاحترام والتقدير والشكر إلى أستاذي الفاضل، الدكتور: عبد الله بن علي المسند على ما أولاني من بالغ عنايته وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد من أجل إخراج هذا العمل على الوجه العلمي المطلوب، فما كان وفقه الله يبخل بزمنه المليء
بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته السديدة، ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان الجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أني أدعو الله تعالى له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، إنه نعم المجيب والقادر عليه.(1/11)
كما أتوجه بفائق الاحترام والتقدير والشكر إلى أستاذي الفاضل، الدكتور: عبد الله بن علي المسند على ما أولاني من بالغ عنايته وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد من أجل إخراج هذا العمل على الوجه العلمي المطلوب، فما كان وفقه الله يبخل بزمنه المليء
بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته السديدة، ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان الجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أني أدعو الله تعالى له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، إنه نعم المجيب والقادر عليه.
كما أتوجه بالشكر لعضوي لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور: علي بن محمد عودة الغامدي، والأستاذ الدكتور: عبد الرحمن العجلان، فقد أفدت من ملحوظاتهما القيمة على الرسالة.
كما أشكر كل من ساعدني في إخراج هذا البحث، وأعانني على ذلك من جميع الإخوة الزملاء وغيرهم من الإخوة الفضلاء، فجزاهم الله خير الجزاء.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الباحث / صالح بن عبد الله البركات المدينة المنورة 25/ 8/ 1417هـ(1/12)
الدراسة(1/13)
القسم الأول دراسة المؤلف
أولا: مولده.
ثانيا: نسبه.
ثالثا: نسبته.
رابعا: عصر المؤلف.
خامسا: سيرته العلمية.
سادسا: شيوخه.
سابعا: آثاره العلمية.
ثامنا: وفاته.(1/15)
أولا مولده:
لم تحمل لنا المصادر الكثير من أخبار المؤلف، فمعلوماتنا عنه قليلة جدا، فلا يذكر لنا المؤرخون تأريخا لميلاده، أو تأريخا لوفاته، أو تقديرا لمبلغ سنه يوم وفاته، الذي قد يفيدنا في وضع تأريخ تقريي لمولده أو وفاته، ولم تصل إلينا إلا إشارات عامة وغير دقيقة عن تحديد العصر الذي عاش فيه، ومنها: «أنه كان من رجال القرنين السادس والسابع» (1)، أو «عاش في أواخر القرن السادس الهجري، أو الثاني عشر الميلادي» (2)، أو «ألف قرب نهاية القرن السادس الهجري على الأرجح» (3)، أو «كان حيا سنة 575هـ» (4)، وهي تدل على أنه عاش في النصف الثاني من القرن السادس الهجري.
لكن تحديد مولده على التقريب لا يتم إلا بالرجوع إلى سيرة أقرانه الذين عاشوا معه في عصره للتعرف على تأريخ ميلادهم، إذ يمكننا من خلال ذلك أن نضع تأريخا لميلاد المؤلف يكون أقرب ما يمكن إلى الحقيقة. فمن أقرانه: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيي، ولد سنة 540هـ، وتوفي في جمادى الأولى سنة 610هـ (5)،
__________
(1) الصديق بن العربي: فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش، ص: 241 بتصرف.
(2) العبادي: تأريخ الأندلس لابن الكردبوس ص: 8.
(3) بروكلمان: تأريخ الأدب العربي 6/ 134.
(4) محفوظ: معجم المؤلفين التونسيين 4/ 158.
(5) ابن الأبار: التكملة 2/ 591ومحمد مخلوف: شجرة النور الزكية ص 172.(1/17)
وله نحو سبعين سنة (1)، فقد أخذ محمد هذا عن عبد الله بن محمد بن خلف بن سعادة، الذي سمع منه ابن الكردبوس (2).
ومن أقرانه أيضا محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، التميمي، من أهل فاس، يكنى: أبا عبد الله، كان من أصحاب المؤلف، أخذ عنه بتونس، وسمع الموطأ منه بالإسكندرية. وقد مات محمد هذا آخر سنة 603هـ أو أول سنة 604هـ (3).
من هذا يمكننا أن نستنتج أن ابن الكردبوس ولد في العقد الخامس من القرن السادس الهجري.
ومما لا شك فيه أن ابن الكردبوس قد عاصر ملوك دولة الموحدين الثلاثة: عبد المؤمن بن علي الذي حكم من سنة 524هـ حتى سنة 558هـ (4)، ثم قيام ابنه يوسف بن عبد المؤمن من سنة 558هـ حتى سنة 580هـ (5)، ثم قيام ابنه يعقوب بن يوسف الملقب بالمنصور (6) من سنة 580هـ حتى سنة 595هـ. فقد قدم لنا عرضا موجزا عن سيرة هؤلاء الملوك الثلاثة، وصور لنا الأوضاع السياسية والدينية التي عاشها
__________
(1) الذهبي: السير 22/ 25.
(2) ابن الأبار: التكملة 2/ 850، 852.
(3) المصدر نفسه 2/ 682بتصرف.
(4) انظر علام: دولة الموحدين بالمغرب ص 98وحسن إبراهيم: تأريخ الإسلام 4/ 219.
(5) انظر: حسن إبراهيم: تأريخ الإسلام 4/ 222.
(6) المصدر نفسه 4/ 224.(1/18)
المسلمون في عهدهم، بشيء من الإطراء والثناء لهؤلاء الملوك، على ما قاموا به من فتوحات ظاهرة «أعظم من أن تحصى أو تحصر في كتاب، بل يضيق عنها كل خطاب، ولا يبلغ التعبير عن كنهها بإطالة ولا إسهاب» (1).
ثانيا نسبه:
وقع في اسم المؤلف اضطراب كبير، فقال ابن الأبار: أبو مروان، عبد الملك بن أبي القاسم التوزري، المعروف: بابن الكردبوس (2). وقال في موضع آخر: أبو مروان، عبد الملك بن محمد بن الكردبوس التوزري (3)، وقيل هو أبو مروان، عبد الملك بن أبي القاسم بن الكردبوس التوزري (4).
وقيل: عبد الملك بن محمد بن أبي القاسم بن الكردبوس التوزري (5).
وقيل: عبد الملك بن قاسم بن الكردبوس (6).
وقد نشأ هذا الاضطراب لأمرين:
1 - عدم وجود تعريف مفصل لحياة المؤلف في كتب التراجم المتداولة.
__________
(1) أنظر ص: * * * من التحقيق.
(2) ابن الأبار: التكملة 2/ 682.
(3) المصدر نفسه 2/ 852.
(4) العبادي: تأريخ الأندلس ص: 8. نقلا عن الشباط، بروكلمان: تأريخ الأدب العربي 6/ 134.
(5) محفوظ: معجم المؤلفين التونسيين 4/ 158.
(6) الزركلي: الأعلام 4/ 161.(1/19)
2 - اللبس الذي يحصل من إبدال أسماء الرجال بالكنى، وكانت طريقة مستعملة كثيرا من لدن الدولتين الموحدية والحفصية بالمغرب، فمن كان اسمه عبد الملك لا يقال فيه إلا أبو مروان، ومن كان اسمه محمد لا يقال فيه إلا أبو عبد الله، وهكذا، وهذه الكنى في الحقيقة اصطناعية وليست حقيقية ولا تتفق مع الواقع (1).
وقد عرف بابن الكردبوس واشتهر بذلك، ولا نعلم أصلا ولا معنى لتسمية جده بالكردبوس، ولكن العبادي استنتج معنى لها فقال: «لعل هذا الاسم تحريف للكلمة الاسبانية ومعناها القرطبي وهذا يعني أنه من أصل أندلسي» (2).
ومما يقوي هذا الرأي قول أبي محمد (3) التجاني (ت: 721هـ) في رحلته وقد مر بتوزر: «وأهل توزر من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح الإسلامي، وكذلك أكثر بلاد الجريد لأنهم في حين دخول المسلمين أسلموا على أموالهم» (4).
__________
(1) التجاني: رحلته ص * * *، عن المحقق: حسن حسني عبد الوهاب. بتصرف.
(2) العبادي: تأريخ الأندلس ص 8.
(3) هو عبد الله بن أحمد بن محمد التونسي، كان أديبا وعمل بديوان الإنشاء في البلاط الحفصي، تولى الإشراف على رسائل كبير الدولة الأمير زكريا بن أحمد اللحياني، وصحبه في رحلة قام بها دون فيها مشاهداته بها في كتابه هذا (رحلة التجاني)، وتوفي سنة 721هـ، حسن حسني عبد الوهاب: مقدمة رحلة التجاني، والزركلي: الأعلام 4/ 125.
(4) رحلة التجاني ص 159.(1/20)
ثالثا نسبته:
اتفق المؤرخون الذين ترجموا لابن الكردبوس على نسبته إلى مدينة توزر (1): بالفتح ثم السكون، وفتح الزاي (2) وهي قاعدة بلاد الجريد (3).
وصفها البكري في القرن الخامس الهجري بقوله: «مدينة عليها سور مبني بالحجر والطوب، ولها جامع محكم البناء، وأسواق كثيرة، وحولها أرباض واسعة آهلة، وهي مدينة حصينة لها أربعة أبواب، كثيرة النخل والبساتين والثمار وحولها سواد عظيم من النخل، وهي أكثر بلاد إفريقية تمرا، ويخرج منها في أكثر الأيام ألف بعير موقورة تمرا، وشربها ثلاثة أنهار تخرج من زقاق ثم تجتمع تلك الأنهار بموضع يسمى وادي الجمال، ثم ينقسم كل نهر من هذه الأنهار على ستة جداول، وتتشعب من تلك الجداول سواق لا تحصى تجري في قنوات مبنية بالصخر على قسمة عدل لا يزيد بعضها على بعض» (4).
ووصفها عبد الله التجاني عندما وصلها في رحلته التي قام بها في
__________
(1) محمد مخلوف: شجرة النور الزكية ص: 152، وقد نسبه إلى جده الكردبوس.
(2) ياقوت: معجم البلدان 4/ 57، وقيل توزر بضم التاء وسكون الواو، ابن السراج:
الحلل السندسية 1/ 2/ 396، نقلا عن العيني من كتابه: عقد الجمان. قال التيجاني في رحلته ص: 162: والأشهر في اسمها توزر بفتح التاء وبعض الناس يضبطها بالضم ولا وجه لذلك.
(3) رحلة التجاني ص: 157.
(4) البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص 48، بتصرف.(1/21)
أنحاء القطرين التونسي والطرابلسي في أوائل القرن الثامن للهجرة، حيث قال: «وليس في بلاد الجريد غابة أكبر منها ولا أكثر مياها» (1).
وقال: «وكثير من أهلها إنما يسكنون بغابتها، ولا مناسبة بين مباني الغابة ومباني داخل البلد، فإن مباني الغابة أضخم وأحسن، وبداخل البلد جامعان للخطبة وحمام واحد» (2)، ثم قال: «والغابة ملاصقة لصور المدينة فهي بذلك تحت حصانتها» (3).
ووصفها الورثلاني في رحلته في القرن الثاني للهجرة بقوله: «ثم ارتحلنا فترلنا توزر وقت الضحى، وهي بلدة عظيمة من قواعد الجريد، كثيرة النخل مع جودة تمرها، إذ لا نظير له في سائر بلاد الجريد، قوية المياه، فيها أنهار، وماءها عذب، وبناؤها شامخ مستحسن مرونق» (4).
ومدينة توزر تقع جنوب تونس حاليا، وهي عاصمة إقليم قسطيلية أو الجريد (5).
رابعا عصر المؤلف:
1 - الحالة الدينية:
عاصر ابن الكردبوس فترة من عهد دولة الموحدين التي قامت على
__________
(1) رحلة التجاني ص 157.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) الورثلاني: نزهة الأنظار.
(5) حسين مؤنس: تأريخ المغرب وحضارته، 1/ 32.(1/22)
أساس إصلاح ديني، زرع بذورها وسعى في تحقيق قيامها كسلطة تنفيذية محمد بن عبد الله المغربي، المعروف بابن تومرت، الذي ولد بمنطقة السوس جنوب المغرب (1) سنة 485هـ (2)، وعاش في أسرة ذات نسك ورباط (3)، شب قارئا محبا للعلم، رحل إلى الأندلس في رأس المائة الخامسة، فأخذ العلم بقرطبة ثم بالمرية (4)، ثم رحل إلى المهدية وأخذ عن الإمام المازري (5)، ثم رحل إلى المشرق عن طريق البحر، فحل بالإسكندرية وفيها أخذ عن الطرطوشي (6)، وأدى فريضة الحج ثم رحل إلى العراق، وأقام مدة ببغداد، وأخذ عن أبي حامد الغزالي (7)، وتشبع بأفكاره (8)، ثم عاد إلى بلاد المغرب
__________
(1) المراكشي: المعجم ص 245.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 35.
(3) ابن خلدون: العبر 6/ 465.
(4) البيذق: أخبار المهدي بن تمورت ص 33، والمرية: مدينة كبيرة تقع على الساحل الشرقي للأندلس، الحميري: الروض المعطار ص 183، وعنان الآثار الأندلسية ص 191.
(5) الزركشي: أخبار الدولتين ص 4. والمازري هو محمد بن علي بن عمر التميمي، ولد بالمهدية، وكان بصيرا بعلم الحديث، من الأئمة المتبحرين والأذكياء الموصوفين، مات سنة 536هـ. الذهبي: سير 20/ 105104.
(6) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف، من الأندلس وأقام بالمشرق بدمشق أول الأمر، ثم في الإسكندرية، حيث توفي سنة 520هـ أو 525هـ. ابن بشكوال:
الصلة ص 540، والمقري: نفح الطيب 2/ 294290.
(7) هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ولد سنة 450كان من كبار الشافعية وعظماء الفلاسفة، أشعري المذهب، صوفي المسلك، رجع في آخر حياته إلى الحديث والسنة، توفي سنة 505هـ، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 463.
(8) ألفريد: الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ص 251.(1/23)
سنة 510هـ مارا بطرابلس (1)، ثم المهدية ثم تونس، وكان يقيم في كل مدينة يمر بها مدة، قد تبلغ بضعة أشهر يقوم أثناءها بالتدريس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2).
ثم انتقل إلى بجاية والتقى بعبد المؤمن بن علي بقرية ملالة، فاتفق معه على الدعوة إليه، وارتحل معه إلى مدينة مراكش، ودخل على ملك المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين فوعظه وأنكر عليه، ثم خرج من حضرته وأخذ يعظ الناس حتى أقبلوا عليه، فأعلن خروجه على ابن تاشفين، وحرض الناس على عصيانه، وقوي أمره ولكن الوفاة عاجلته قبل أن يفتح مراكش، إلا أنه أسس القواعد ومهد الطريق لخلفه عبد المؤمن بن علي (3).
لقد جاء ابن تومرت إلى بلاد المغرب على قوم من البربر وغيرهم، جهال لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء الله، فعلمهم الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام، واستجاز أن يظهر لهم أنواعا من المخاريق ليدعوهم بها إلى الدين (4). وادعى أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي، ليغرس في نفوس أتباعه أن تصرفاته إنما تتم بإلهام من الله
__________
(1) ابن خلدون: العبر 6/ 467466، والسلاوي: الاستقضاء 2/ 80.
(2) البيذق: أخبار المهدي ص 33.
(3) أنظر التفاصيل عند ابن خلدون: العبر 6/ 472466، وابن أبي زرع: الأنيس المطرب ص 174172والسلاوي: الاستقصاء ص 8980.
(4) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 11/ 477.(1/24)
وبتأييد منه، فلا مجال لإنكارها أو الاسترابة منها، أو توجيه النقد لها، فلمّا تم له ما أراد، وأنس من أتباعه الانقياد التام، والخضوع المطلق، سخرهم لتحقيق مطامعه الدنيوية الدنيئة، وأغراضه الخسيسة، فارتكب المحرمات واستباح الأموال والأعراض (1).
وضع لأتباعه كتابا في التوحيد باللغة البربرية: سماه المرشدة «اقتصر فيه على ما يوافق أصله، وهو القول بأن لله وجود مطلق، وهو قول المتفلسفة والجهمية والشيعة ونحوهم فذكر فيها ما تقوله نفاة الصفاة، ولم يذكر فيها صفة واحدة لله تعالى ثبوتية» (2)، ويتبين من هذا أن ابن تومرت من المعطلة النافين للصفات لقوله بفكرة الوجود المطلق، ولعدم ذكره الصفات الثبوتية لله تعالى.
ولم يذكر في كتابه هذا الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولا باليوم الآخر، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار والبعث والحساب وفتنة القبر، والحوض وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، فإن هذه الأصول كلها متفق عليها بين أهل السنة والجماعة (3).
وقد حمل أتباعه عليها، وقال لهم: «إن من لا يحفظ هذا التوحيد فليس بموحد، وإنما هو كافر لا تجوز إمامته، ولا تؤكل دبيحته» (4)،
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 539، 540هامش (1) للمحقق.
(2) ابن تيمية: مجموع الفتاوى 11/ 487486.
(3) المصدر نفسه: 11/ 486.
(4) عنان: تراجم إسلامية، ص 250249.(1/25)
«فصار هذا التوحيد عند قبائل المصامدة كالقرآن العزيز لأنه وجدهم قوما جهلة لا يعرفون شيئا من أمر الدين ولا من أمر الدنيا» (1).
ومن التعاليم التي جاء بها والتي تعتبر قوام مذهبه، أنه يرى أن أصول الشريعة لا تنحصر في الكتاب والسنة، وهو لا يعتبر القياس والإجماع من تلك الأصول، وهو كذلك ينكر الاجتهاد كأصل من هذه الأصول لأنه يزعم أنه معصوم لا تبحث آراؤه فلذلك لا مجال للاجتهاد (2)!! وقد ألف كتبا عدة (3)، بثّ فيها عقائده وخرافاته، ومنها كتابه في العبادات والمعاملات والحدود: موطأ الإمام المهدي، وهو كتاب ضخم على نسق موطأ الإمام مالك رحمه الله، أودع فيه بعض المنكرات والأباطيل التي منها: زيادته في أذان الصبح «أصبح ولله الحمد» (4).
وقد سمّى أصحابه وأهل دعوته بالموحدين، ونبز من خالفه بالتجسيم والتشبيه، وهذا هو معتقد نفاة الجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين سمّوا نفي الصفات توحيدا، ومن خالفهم لم يكن موحدا عندهم بل يسمونه مشبها مجسما، وهذا إنما هو إلحاد في أسماء الله وآياته (5).
وبسبب هذه التسمية استباح أتباعه دماء من خالف عقيدة ابن تومرت، إذ هو عندهم الإمام المعلوم المهدي المعصوم، فسفكوا دماء
__________
(1) عنان: تراجم إسلامية، ص 250، نقلا عن روض القرطاس لابن أبي زرع.
(2) انظر عنان: تراجم إسلامية، ص 254253.
(3) منها: كتاب (أعز ما يطلب)، وكتاب (الإمامة)، وكتاب (المرشد).
(4) السلاوي: الاستقصاء 2/ 96.
(5) ابن تيمية: مجموع الفتاوى 11/ 488، و 13/ 386.(1/26)
المسلمون وهتكوا أعراضهم واستحلوا أموالهم، ومما يذكر في هذا السبيل ظهور بعض قادة الموحدين بالعنف والقسوة في معاملة مخالفيهم، والبطش السريع بمن يكون موضعا للريبة والظنة، ومن أولئك عبد المؤمن بن علي الذي مارس القتل الذريع في المرابطين وأنصارهم، لما كان زاحفا عليهم في القرى والمدن قاصدا مراكش (1).
وذكر المؤرخون قسوتهم البالغة في إخماد ثورة قفصة على عهد يعقوب بن يوسف (581هـ 595هـ) وهو ما وصفه المراكشي بقوله:
«ثم دخلها عنوة فقتل أهلها قتلا ذريعا، بلغني أنه قتل أكثرهم ذبحا، وأمر بأسوارها فهدّت» (2).
كان المرابطون الذين وصفهم ابن تومرت بالتجسيم على مذهب أهل السنة والجماعة، وكان حالهم بالجملة أهل ديانة وصدق ونية خالصة ملكوا بلاد المغرب والأندلس، وخطب لهم الناس على المنابر بالثناء، وكانت أيامهم أيام دعة ورفاهية، ورخاء متصل وعافية وأمن ولم يكن في أيامهم نفاق ولا قطاع طريق، ولا من يقوم عليهم، فأحبهم الناس (3).
لقد وجد ابن تومرت بيئة صالحة لبث دعوته، فقد ظهر في مجتمع بربري ساذج، يخيم عليه الجهل المطبق، فاتخذه مسرحا لدعوته، وكان للصفات التي تمتع
__________
(1) انظر البيذق: أخبار المهدي ص: 83وما بعدها، فهو يغرق في وصف المقاتل الموحدي، ويذكر إحصاء لأعداد القتلى من خصومهم.
(2) المراكشي: المعجب ص 350.
(3) انظر السلاوي: الاستقصاء 2/ 73.(1/27)
بها، كالفصاحة والبلاغة في اللغتين العربية والبربرية، ومقدرته على الخطابة أثرها في تقبل دعوته. إضافة إلى أن كتبه كانت تنشر بين قومه بالبربرية، وكانت أشد الكتب الدينية احتراما بين أقوام الموحدين على اختلاف قبائلهم (1).
ويبدو لي أن من جملة من انخدع بأفكار ابن تومرت ابن الكردبوس صاحب كتاب الاكتفاء، حيث تبنى أفكاره في دعايته ضد المرابطين (2)، فجعلهم كفرة مفسدين وجاهلين ومنافقين، ثم وصف ابن تومرت بالإمام المعصوم المهدي، فقال: «ولما كثر بالغرب فساد الملثمين وانحيازهم عن الدين، وانطمست آثاره واندست أخباره، وعفا رسمه، واستخفى المعروف بشخصه إلى أن جاء الله تعالى بالإمام المعصوم المهدي رحمه الله» (3)، ثم قال عن خلفه عبد المؤمن بن علي: «فقام بالأمر بعده عبد المؤمن بن علي فأعز الله بقيامه الدين وأذل به الكافرين» (4).
ولعل هذا التأثر جاء بسبب الوضع السياسي القائم في تلك الفترة، حيث بسط الموحدون نفوذهم على أفريقية وألحقوها بدولتهم، فكتب ابن الكردبوس هذا بإيحاء منهم أو بتزلف لهم (5)، وربما كان لبطشهم وقوة سلطانهم أثر في أن
__________
(1) راجع عنان: تراجم إسلامية ص 254، 255.
(2) انظر الأفكار التي جاء بها ابن تومرت عن المرابطين، علام: الدولة الموحدية بالمغرب ص 7670نقلا عن أعز ما يطلب لابن تومرت.
(3) انظر ص: * * * * من التحقيق.
(4) انظر ص: * * * * من التحقيق.
(5) ذهب إلى هذا القول عبد المجيد النجار في كتابه المهدي ابن تومرت ص: 59.(1/28)
يقول ابن الكردبوس ذلك خوفا ورهبة لا رغبة في ذلك، وأنه آثر الحياة والسلامة على الخروج وإثارة الفتنة على ولي أمر المسلمين، والله أعلم.
2 - الحالة السياسية:
أإفريقية تحت ظل الدولة الصنهاجية من سنة (362هـ إلى سنة 543هـ):
عاش ابن الكردبوس بمدينة توزر من بلاد الجريد بإفريقية الشمالية، ويعد من رجال القرن السادس والسابع الهجريين (1)، وهذه الفترة التي عاش فيها المؤلف كانت في نهاية عصر الدولة الصنهاجية (2)، التي حكمت بلاد أفريقية من سنة 362هـ إلى سنة 543هـ ولمدة 181سنة (3).
وكان أول ملوكها يوسف بلكّين بن زيري بن مناد الصنهاجي، حين استعمله المعز لدين الله العبيدي على أفريقية قبل انتقاله إلى مصر (4)، ولم يزل بلكين مطاعا إلى أن توفي سنة 373هـ، فولي بعده ابنه المنصور، وتوفي سنة 386هـ، فكانت مدته اثنتي عشرة سنة (5).
__________
(1) الصديق بن العربي: فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش ص 241.
(2) نسبة إلى قبيلة صنهاجة من البربر، بضم الصاد المهملة وكسرها، وقيل هي قبيلة مشهورة من حمير وهي بالمغرب. راجع ابن أبي دينار. المؤنس ص 73، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 266.
(3) الركباني: خلاصة التأريخ التونسي ص 44بتصرف.
(4) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 228وابن الأثير: الكامل 7/ 45.
(5) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 239.(1/29)
ثم خلفه ابنه الأكبر باديس من سنة 386هـ إلى سنة 406هـ، وفي عهده خرجت عليه قبيلة زناتة بالمغرب الأوسط، فأرسل إليها عمه حماد في جيش كثيف وهزمها، ثم ثار العم وأسس دولة في جهة قسنطينة، وانقسمت عندئذ الدولة الصنهاجية إلى إمارتين: إمارة شرقية وقاعدتها القيروان، وإمارة غربية وقاعدتها قلعة بني حماد، وصارت حرب بين باديس وحماد دامت مدة (1)، ثم توفي باديس سنة 406هـ فخلف من بعده ابنه المعز بن باديس.
لقد سارت الدولة الصنهاجية ردحا من الزمن تحت ظل العبيديين بمصر الذين عملوا على نشر المذهب الشيعي بإفريقية، وقاوموا أهل السنة، فكانوا يقاطعون أهل القيروان في الجمعات التي يلعن فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، فتعطلت الجمعة زمنا بالقيروان، ولكن تمسك الشعب الإفريقي بالسنة كان تمسكا شديدا، ولم يقبلوا بالسنة بديلا كلفهم ذلك ما كلفهم.
وقد أذكى هذا الصراع بين السنة والشيعة روح الدفاع عن السنة، فظهر بإفريقية رجال صرفوا جهودهم لإقامة السنة والذب عنها، ويرون ذلك من أعظم الجهاد أمثال عبد الله بن إسحاق التبان (ت: 371هـ) عالم القيروان وشيخ المالكية، قال عنه الدباغ: «كان من العلماء الراسخين والفقهاء المبرزين، ضربت إليه أكباد الإبل من الأمصار لعلمه بالذب عن مذهب أهل السنة» (3). ومنهم محمد بن أبي زيد القيرواني (ت: 386هـ)
__________
(1) انظر ابن أبي دينار: المؤنس ص 80، وابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان 1/ 168، وحسن عبد الوهاب: خلاصة تأريخ تونس ص 108.
(2) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 277.
(3) الدباغ: معالم الإيمان 3/ 89 (تحقيق: محمد ماضور).(1/30)
الذي جاهد لإحياء السنة بدروسه وكتبه وماله، فالمذهب الشيعي ممدود الأطناب وهو يؤلف وينشر فقه مالك «فقد كان ذابا عن مذهه قائما بالحجة عليه، بصيرا بالرد على أهل الأهواء» (1).
استمر هذا الصراع وكانت المقاومة من أهل السنة قوية حتى كانت الوقعة التي انتصر فيها المعز بن باديس لأهل السنة. كان المعز الذي استمرت ولايته من سنة 406هـ إلى سنة 453هـ ملكا مهيبا محبا للعلم، وكان مذهب أبي حنيفة في إفريقية أظهر المذاهب، فحمل أهل بلاده على مذهب الإمام مالك حسما لمادة الخلاف (2). فكان له دور هام في حياة إفريقية السياسية والفكرية، حيث عمل على إظهار مذهب أهل السنة والجماعة (3)، ووقف مع أهل القيروان في خلافهم مع الشيعة الإسماعيلية عندما أظهروا مذهبهم الخبيث، وبعد أن رأى أن الأمة لم تكن في صف المذهب الشيعي أعلن قطيعته صراحة للعبيديين، وخطب للقائم بأمر الله العباسي، فكانت الوقعة سنة 440هـ انتصر فيها الحق على الباطل وطهر الله تعالى على يده إفريقية من مذهب الشيعة (4).
__________
(1) ابن فرحون: الديباج المذهب 1/ 427.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 234233والذهبي: سير 18/ 140.
(3) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 277275وابن الأثير: الكامل 8/ 39، وابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان ص 172.
(4) راجع خبر حركة الشيعة هذه عند ابن العذاري: البيان المغرب 1/ 274273وابن أبي دينار: المؤنس ص 82.(1/31)
وإن كان المعز قبل هذه الوقعة يتودد إلى العامة بالظهور بمذهب أهل السنة، فقد كان يلعن الرافضة «وكبا به فرسه ذات مرة فنادى مستغيثا باسم أبي بكر وعمر، مما أدى إلى زيادة ثورة العامة على الشيعة» (1) إلا أنه تعلق بالسنة، وأخذ بمذهب مالك وانتصر لها، فكان بهذا الموقف درّة في عقد أمراء صنهاجة، ومفخرة في التأريخ الإفريقي، وبه خرجت إفريقية عن سيادة العبيديين.
ولما انتصر المعز لأهل السنة غضب عليه العبيديون، وعظم عليهم الأمر فسرح المستنصر أعراب الصعيد على إفريقية، وأمدهم بالسلاح، فهزم المعز وتراجع إلى المهدية (2)، وعاثوا فيها فسادا وخرّبوها، وأجلوا أهلها عنها إلى سائر بلاد المسلمين، وذهبت الشرائع بعدم من ينصرها من الملوك إلى أن ظهرت دولة الموحدين وفتحوا إفريقية كلها، وألحقوها بدولتهم سنة الأخماس 555هـ فظهر بظهورها العلماء والصلحاء (3).
وبدأ إحساس المسلمين بالانتماء إلى المذهب السني يتنامى من
__________
(1) ابن خلدون: العبر 6/ 254قلت: من المعلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الاستغاثة بغير الله لا تجوز، بل يجب الاعتماد على الله وحده في مثل هذه الأمور.
(2) راجع تفاصيل زحف أعراب الصعيد على إفريقية: ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 293288، وابن الأثير: الكامل 8/ 5655، وابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان ص 174173. والمهدية: مدينة بساحل إفريقية يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث، بناها عبيد الله المهدي الخارج على بني الأغلب، بينها وبين القيروان ستون ميلا. الحميري: الروض المعطار ص 562.
(3) الدباغ: معالم الإيمان 3/ 204203 (تحقيق: محمد ماضور).(1/32)
جديد، وأخذوا يتطلعون إلى دولة ذات قوة تقيمه وتدافع عنه، وهذا ما عبر عنه ابن الكردبوس في مقدمة كتابه الاكتفاء، حيث قال: «وأصل بذكر بني أمية بعض أخبار الأندلس وولاتها بسبب من دخلها منهم وتملك بجهاتها، ومن ولي المغرب وأحيا السنة فيه» (1).
توفي المعز بن باديس بالمهدية سنة 453هـ (2) وكان قد استخلف على الدولة ابنه تميم الذي لم يبق له بعد زحفة أعراب الصعيد من مملكة آبائه إلا ساحل البحر من سوسة إلى قابس لا غير، وأما داخل القطر كتونس والقيروان والجريد فكان بيد أمراء صغار من الأعراب وغيرهم، أعلنوا الاستقلال لضعف الدولة، وأصبحت مملكة صنهاجة بتونس أشبه شيء بالأندلس على عهد ملوك الطوائف (3).
وتوفي تميم سنة 501هـ فخلفه ولده يحيى من بعده، وكان حاذقا بتدبير دولته، وساهرا في سياسة رعيته عدلا بين قواده (4)، وافتتح حصونا ما قدر أبوه عليها، وتوفي سنة 509هـ وخلفه ابنه علي بن يحيى (5)، الذي اتكل على قوم فوّض إليهم تدبير دولته (6).
__________
(1) أنظر ص 126من التحقيق.
(2) ابن الأثير: الكامل 8/ 91، وقيل: سنة 454هـ، ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 243، والذهبي: سير 18/ 141.
(3) حسن عبد الوهاب: خلاصة تأريخ تونس ص 109.
(4) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 304.
(5) الذهبي: سير 19/ 413، وابن أبي دينار: المؤنس ص 90، 91.
(6) ابن عذاري: البيان المغرب 1/ 306.(1/33)
وفي أيامه (1) دخل محمد بن عبد الله بن تومرت إلى المهدية (2) يزعم أنه آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، صادعا بالحق، وهو الذي ادعى الإمامة والعصمة، وأنه علوي حسني، وأنه المهدي (3). وهو الذي ألف عقيدة لقبها بالمرشدة على المذهب الأشعري لم يذكر فيها شيئا من إثبات الصفات، ولا إثبات الرؤية، ولا قال: إن كلام الله غير مخلوق، ونحو ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها (4). كان عمّالا على الملك، غاويا في الرياسة والظهور، فاستحل دماء الناس بالباطل، وسمّى أتباعه الموحدين، ونبز من خالفه بالتجسيم، وأباح دمه (5).
وكان يتعاطى أشياء توهم أنها من أحوال البررة، وهي محالات لا تصدر إلا عن فجرة، فاستغوى بها كثيرا من الناس ومنهم يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، فعظّمه وأكرمه، وسأله الدعاء. فاشتهر ابن تومرت بذلك، وبعد صيته (6)، ثم جعل ينتقل من بلد إلى بلد حتى وصل إلى قرية
__________
(1) ابن أبي دينار: المؤنس ص 91.
(2) ابن الأثير: الكامل 8/ 294وتبعه ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 138، والزركشي:
أخبار الدولتين ص 32، وابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان ص 179، وجعلها المراكشي: المعجب ص 179، بجاية، وابن خلدون: العبر 2/ 467طرابلس.
(3) الذهبي: سير 19/ 539، 541.
(4) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 3/ 438.
(5) الذهبي: سير 19/ 540، 541.
(6) ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 186، 187بتصرف.(1/34)
قرب بجاية (1) تدعى ملّالة (2).
فلقيه بها عبد المؤمن بن علي (3)، فأصبح تلميذه ومن أكبر أصحابه، والذي يعد مؤسس دولة الموحدين بالمغرب والأندلس على أنقاض دولة المرابطين.
توفي علي بن يحيى سنة 515هـ (4)، فقام بالأمر بعده ابنه وولي عهده الحسن بن علي الذي يعد آخر ملوك صنهاجة، وقد استمر ملكه إلى سنة 566هـ.
وفي أيامه طمع العدو في استئصال إفريقية، فترلوا بجزيرة الأحاسي (5)
قرب المهدية، فصدهم رجال الحسن ورجعوا خائبين سنة 517هـ (6)، غير أنهم عادوا مرة أخرى بقيادة (رجار) صاحب صقلية سنة 537هـ، فقصدوا
__________
(1) بجاية: بالكسر، مدينة على ساحل البحر الأبيض بين إفريقية والمغرب، اختطها الناصر بن علناس في حدود سنة 457هـ وتسمى الناصرية أيضا باسم بانيها، وهي اليوم بالجزائر. ياقوت: معجم البلدان 1/ 339بتصرف.
(2) ملّالة: بالفتح ثم التشديد، قرية قرب بجاية على ساحل البحر. ياقوت: معجم البلدان 5/ 189.
(3) عبد المؤمن بن علي الكومي، مؤسس دولة الموحدين بالمغرب وإفريقية، توفي سنة 558هـ. ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 241237، والذهبي: سير 20/ 366.
(4) ابن عذارى: البيان المغرب 1/ 306.
(5) جزيرة الأحاسي: جزيرة على بعد أميال من المهدية. محمد شمام: تحقيق كتاب المؤنس ص 92.
(6) ابن عذارى: البيان المغرب 1/ 309.(1/35)
جزيرة جربة (1)، واستولوا عليها وسبوا أهلها. وفي سنة 538هـ تغلبوا على مدينة صفاقص (2)، وفي سنة 541تم الاستلاء على طرابلس (3)، وفي سنة 543هـ تغلبوا على مدينة المهدية، وفر منها الحسن بن علي قاصدا عبد المؤمن بن علي ملك دولة الموحدين بمراكش (4).
ومما يجدر الإشارة إليه هنا أن العبيديين لم يكن لهم دور في صد هجمات الصليبيين على شمال إفريقية لضعف دولتهم بمصر وتدهورها.
وهكذا ملك الفرنج معظم الثغور على سواحل بلاد إفريقية، وأصبحت بلاد إفريقية في هذه القترة نهبا مقسوما بين الفرنج في السواحل والأعراب في الداخل (5).
__________
(1) جزيرة جربة: جزيرة بالمغرب من ناحية إفريقية قرب قابس. ياقوت: معجم البلدان 2/ 118، والخبر عند ابن عذارى: البيان المغرب 1/ 312، وجعل ابن الأثير الاستلاء على جربة سنة 529هـ،، الكامل 8/ 350، وابن أبي دينار: المؤنس ص 93.
(2) ابن عذارى: البيان المغرب 1/ 313، وجعل البعض استلاء الفرنج على صفاقص وسوسة سنة 536هـ. أنظر: حسن عبد الوهاب: خلاصة تأريخ تونس ص 118، وقيل إن الاستيلاء على سوسة وصفاقص كان بعد الاستلاء على المهدية سنة 543هـ. ابن الأثير: الكامل 9/ 20، وابن أبي دينار: المؤنس ص 95.
(3) ابن أبي دينار: المؤنس ص 94.
(4) راجع تفاصيل سقوط مدينة المهدية التي كانت عاصمة الدولة الصنهاجية منذ أن رحل إليها المعز بن باديس سنة 449هـ إلى أن رحل عنها الحسن بن علي إلى مراكش لطلب النجدة من عبد المؤمن بن علي. ابن الأثير: الكامل 9/ 2018، وابن عذارى:
البيان المغرب 1/ 316313، وابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان ص 174.
(5) حسن عبد الوهاب: خلاصة تأريخ تونس ص 119.(1/36)
فقد أصبحت المناطق الداخلية في عهد الحسن بن علي مقسمة بين عدد من الثوار الأعراب، الذين استغلوا ضعف الدولة في المهدية، فاستقلوا ببعض الأجزاء الداخلية من البلاد، ومن هؤلاء يحيى بن تميم بن المعتز بن الرند صاحب قفصة من بلاد الجريد التي تبعد عن توزر قرابة يوم ونصف.
وقد كان هذا الثائر بطلا مشهورا، فعند ما حرر عبد المؤمن بن علي بلاد إفريقية من الاحتلال الصليي وفتح المهدية سنة 555هـ وفد إليه يحيى ودخل في طاعته، فأكرمه عبد المؤمن ووصله، وأمره بالانتقال إلى بجاية بحاشيته وأهله، فأقام ببجاية برهة من الزمن، ثم عاد ملكهم بعد ذلك إلى قفصة (1).
وبخروج الحسن بن علي الصنهاجي من المهدية سنة 543هـ إلى مراكش للاستعانة بعبد المؤمن بن علي مؤسس دولة الموحدين، انقرضت الدولة الصنهاجية من إفريقية التي حكمت إفريقية تحت ظل العبيديين بمصر ما يقرب من 181سنة.
ب بلاد إفريقية وخضوعها لدولة الموحدين من سنة 555هـ إلى سنة 603هـ.
استمر استلاء الفرنج على المهدية وغيرها من المدن الأخرى الواقعة في شمال إفريقية وشرقها ما يقرب من ثنتي عشرة سنة. حيث بدأ عبد المؤمن بن علي بتنظيم حملته القوية لطرد النصارى نهائيا من شمال إفريقية
__________
(1) الزركشي: تأريخ الدولتين الموحدية والحفصية ص 12، بتصرف يسير.(1/37)
سنة 554هـ حين سنحت له الفرصة، إذ ثارت الولايات الإسلامية على الحكم الصليي منتهزة فرصة موت الملك رجار ملك صقلية، وتولية ابنه من بعده الذي لم يكن يتمتع بصفات أبيه من الشجاعة والحزم، فثارت عليه الثغور الإفريقية، ابتداء بجزيرة جربة، ثم مدينة صفاقص، ثم طرابلس وقابس، ولم يبقى بأيدي النصارى سوى مدينة المهدية وسوسة.
فغادر عبد المؤمن مراكش بأمم كثيرة من المغرب فوصل بلدان إفريقية وفتحها البلد تلو الآخر، حتى وصل المهدية في رجب سنة 554هـ، فحاصرها سبعة أشهر تقريبا، ومعه صاحبها الحسن بن علي الصنهاجي، ودخلها في المحرم سنة 555هـ (1)، واستطاع في مدة قصيرة أن يفتح طرابلس، وقابس وبلاد الجريد (2)، «وهي، توزر، وقفصة، والحامة (3)، ونفطة (4)»، وجاءت وفود هذه البلدان إلى عبد المؤمن مقدمين
__________
(1) وتسمى هذه السنة سنة الأخماس لأنها سنة 555هـ. الزركشي: أخبار الدولتين ص 12، والسلاوي: الاستقصاء 2/ 139.
(2) بلاد الجريد: إقليم يمتد من تخوم بسكرة إلى تخوم جزيرة جربة، ويبعد جزء منه كثيرا عن البحر المتوسط كتوزر وقفصة الواقعتين على مسافة ثلثمائة ميل بالداخل، وهذه البلاد شديدة الحرارة كثيرة الجفاف، لا تنبت فيها الحبوب، وإنما تنتج كمية وافرة من التمر الجيد. ليون الإفريقي: وصف إفريقيا 2/ 142.
(3) الحامة: مدينة عريقة على بعد نحو خمسة عشر ميلا من قابس. ليون الإفريقي:
وصف إفريقيا 2/ 92، وذكرها التجاني (الحمّة) بدون مد، وهي في اللغة العين التي بمائها سخانة، وقال بأنه تعرف بحمة مطماطة تفرقة بينها وبين حمة توزر المعروفة بحمة البهاليل، انظر رحلة التجاني ص 135134.
(4) نفطة: مدينة بإفريقية من أعمال الزاب الكبير، بينها وبين توزر مرحلة. ياقوت:
معجم البلدان 5/ 296.(1/38)
الطاعة، وظل عبد المؤمن بمدينة المهدية نحو عشرين يوما يرتب أمورها وندب لولايتها محمد بن فرج الكومي (1)، ومعه ملكها السابق الحسن بن علي (2)، وبقي الحسن بالمهدية يدين بطاعته للموحدين، حتى توفي سنة 566هـ (3).
وهكذا نرى أن ابن الكردبوس قد نبغ بإفريقية في عصر كانت فيه الفتن قائمة على قدم وساق، فهناك فتنة سياسية قد ظهرت في عهد المعز بن باديس، حيث انقسمت الدولة الصنهاجية على نفسها، وافترق ملكها إلى دولتين: دولة منصور بن بلكين أصحاب القيروان، ودولة حماد بن بلكين أصحاب قلعة بني حماد (4). وقد ولّد هذا الانقسام صراعا بين الشقين، فكان كل شق من الدولتين إذا أحس من نفسه القوة سعى في التغلب على الشق الآخر. فالمعز بن باديس لما أحس من نفسه القوة بعد الانقسام نهض إلى حماد، وذلك سنة 432هـ، ولكنه خاب في حملته فلم يعاود الفتنة (5).
__________
(1) الكومي نسبة إلى كومية أو كومة قبيلة من قبائل البربر كثيرة العدد جمة الشعوب، المراكشي: المعجب ص 423.
(2) راجع التفاصيل عند المراكشي: المعجب ص 300298، والسلاوي: الاستقصاء 2/ 139135، والزركشي: تأريخ الدولتين ص 1211، وابن أبي دينار: المؤنس ص 116باختلاف يسير بين الروايات.
(3) ابن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان.
(4) ابن خلدون: العبر 6/ 324.
(5) راجع: ابن خلدون: العبر 6/ 324.(1/39)
ثم افترقت دولة صنهاجة بالقيروان على نفسها، فكانت المدن الساحلية تستقل تارة عن العاصمة المهدية، وترجع أخرى رجوعا ظاهريا تحت ضغط القوة، فكان بنو خراسان بتونس، وكان بنو جامع بقابس واستقلت بتررت وطبرية، وغير ذلك من الحصون.
فالتفكك قد عم أطراف الدولة الصنهاجية في هذه الفترة التي عاش فيها المؤلف، وقد رأى أثر هذا التفكك والتمزق في أمته، التي أصبحت فريسة سائغة للعدو الصليي، الذي قد تغلب على صقلية، وأخرج أهلها من الإسلام، وأخذت ثغور إفريقية تسقط في يد العدو الثغر تلو الثغر، حتى هرب الحسن بن علي آخر ملوك صنهاجة من المهدية قاصدا عبد المؤمن بن علي الكومي ملك الموحدين بمراكش.
وهذا الضعف والجبن والركون إلى المذلة الذي حل بالمسلمين بإفريقية إنما كان بسبب ميلهم إلى الدّعة والركون إلى ملاذ العيش، وملاهي الحياة، ففقدوا العزة والمنعة، والمعرفة بفنون الحرب، وهابوا الموت.
خروج علي بن الرّند ببلاد الجريد سنة 575هـ على الموحدين:
لم تكن بلاد الجريد التي عاش فيها ابن الكردبوس بمعزل عن الأحداث السياسية المتلاحقة، التي شهدتها إفريقية في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، حيث تمكن بنو الرند الذين استبدوا بحكم قفصة في أواخر عهد مملكة صنهاجة من إعادة ملكهم إلى هذا الإقليم سنة
574 - هـ، عندما قام بها رجل من بني الرّند (1) يدعى علي بن المعز، ويعرف بالطويل، وتلقب بالناصر لدين النبي. فاضطربت لأجل ذلك أحوال هذا الإقليم، وبلغ خبره إلى يوسف (2) بن عبد المؤمن، فنهض إليه في أول سنة 575هـ من مراكش، فانتهى إلى إفريقية، ونزل على مدينة قفصة، وضيق عليها بالحصار، حتى دخلها وظفر بابن الرّند القائم بها فقتله، وذلك في سنة 576هـ (3).(1/40)
لم تكن بلاد الجريد التي عاش فيها ابن الكردبوس بمعزل عن الأحداث السياسية المتلاحقة، التي شهدتها إفريقية في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، حيث تمكن بنو الرند الذين استبدوا بحكم قفصة في أواخر عهد مملكة صنهاجة من إعادة ملكهم إلى هذا الإقليم سنة
574 - هـ، عندما قام بها رجل من بني الرّند (1) يدعى علي بن المعز، ويعرف بالطويل، وتلقب بالناصر لدين النبي. فاضطربت لأجل ذلك أحوال هذا الإقليم، وبلغ خبره إلى يوسف (2) بن عبد المؤمن، فنهض إليه في أول سنة 575هـ من مراكش، فانتهى إلى إفريقية، ونزل على مدينة قفصة، وضيق عليها بالحصار، حتى دخلها وظفر بابن الرّند القائم بها فقتله، وذلك في سنة 576هـ (3).
__________
(1) الرندي: بالضم والسكون نسبة إلى رندة، حصن بالأندلس. السيوطي: لب اللباب ص 119.
(2) هو: يوسف بن عبد المؤمن بن علي الكومي، من ملوك دولة الموحدين بمراكش، تملك بعد أخيه المخلوع محمد سنة 558هـ وتوفي سنة 580هـ. ابن خلكان:
وفيات الأعيان 7/ 138130، والذهبي: سير 21/ 10298، والزركشي: تأريخ الدولتين ص 13، 14.
(3) انظر المراكشي: المعجب ص 325وابن خلدون 6/ 240، والسلاوي: الاستقصا 2/ 152، وذكر الزركشي عند الكلام على ثورة ابن الرند هذا، أن يوسف بن عبد المؤمن خرج إليه من مراكش فوصل إلى بجاية، وسعى عنده بعلي بن المنتصر، فقبض عليه وأخذ ما بيديه، ورحل إلى قفصة، فنازلها ووفدت عليه مشيخة العرب من رياح بالطاعة، فقبلهم، ولم يزل محاصرا لقفصة إلى أن نزل علي بن المعز على حكمه. تأريخ الدولتين ص 14.(1/41)
من كتاب دولة الموحدين بالمغرب لعبد الله علام ص 201وكتاب أثر القبائل العربية في المغرب لمصطفى أبو ضيف(1/42)
حركة ابن غانية، ووقعة الحامّة سنة 583هـ (1):
ثم شهدت بلاد الجريد نزاعا آخر في عهد الملك الموحدي يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن (580هـ 595هـ) تمثل في خروج علي بن إسحاق بن محمد بن غانية عليه بجزيرة ميورقة (2) بالأندلس، ثم خرج بأسطوله إلى العدوة (3) ونزل بساحل بجاية، فاستولى عليها سنة 582هـ، ثم خرج منها بعد أن أسس أموره فيها، وسار حتى نزل قلعة بني حمّاد، فملكها، وملك جميع تلك النواحي، فانتهى ذلك إلى أمير الموحدين يعقوب، فخرج بجيشه قاصدا مدينة بجاية، فلما سمع علي بقدومه خرج له عنها، وقصد بلاد الجريد، فاستعاد يعقوب بجاية وسار إلى تونس (4).
أما علي بن إسحاق فقد وصل إلى بلاد الجريد هو وأخوه يحيى (5)
«فترلا على مدينة توزر، وحاصراها مدّة، وقطعا غابتها، ولولا المخامرة من أهلها لما تمكنا منها، ولما افتتحاها سالما أهلها الذين باطنوهما على فتحها واستصفيا أموال الآخرين، ثم ألزماهم بعد ذلك أموالا أخرى
__________
(1) ذكر ابن خلدون: العبر 6/ 396، والزركشي: أخبار الدولتين ص 16أنها كانت في شهر شعبان من هذه السنة.
(2) ميورقة: جزيرة في شرق الأندلس. ياقوت: معجم البلدان 5/ 246.
(3) العدوة: هي المغرب الأقصى.
(4) المراكشي: المعجب، ص: 345، 347.
(5) هو يحيى بن إسحاق الصنهاجي الميورقي، خلف أخاه علي بعد موته، وكان فارسا شجاعا، عاش إلى سنة 633هـ. المراكشي: المعجب، ص 349، والذهبي: سير 22/ 369.(1/43)
يفتدون أنفسهم بها، فكان الرجل منهم ينادى عليه، فإن وجد من يفديه أطلق، وإلا رمي بعد قتله في بئر هناك يسمونها بئر الشهداء» (1)، واستولى على كثير من بلاد الجريد، وجدد رسوم الملك، وأقام فيها الدعوة العباسية (2).
ولما بلغ يعقوب ما فعل علي وأخوه بأهل توزر، جهز جيشا عظيما، أمر عليهم ابن عمه يعقوب (3) ابن أبي حفص بن عبد المؤمن، فسار يعقوب هذا إلى توزر، فكانت بينه وبين علي بن إسحاق الوقعة المعروفة بوقعة عمرة، قرب قفصة (4)، انهزم فيها الموحدون انهزاما شنيعا، «واتبعتهم العرب والبربر من جيش علي بن إسحاق يقتلونهم في كل وجه، وهلك أكثرهم عطشا، ورجع بقيتهم إلى تونس حيث أمر الموحدين بها، فلمّ شعثهم، وجبر ما وهى من أحوالهم» (5). فتحرك يعقوب بن يوسف بنفسه من تونس، والتقى بعلي بن إسحاق بظاهر حمّة مطماطة (6)، «فما وقف أصحاب علي إلا يسيرا حتى انكشفوا عنه، وأبلى هو فأثخن جراحا» (7) وأفلت
__________
(1) رحلة التجاني، ص 162.
(2) ابن خلدون: العبر 6/ 396.
(3) لم أجد له ترجمة ضافية.
(4) رحلة التجاني، ص 136، 162.
(5) المراكشي: المعجب ص 349.
(6) حمّة مطماطة: هي مدينة الحامّة التي تبعد عن قابس نحو خمسة عشر ميلا. ليون الإفريقي: وصف إفريقيا، 2/ 92. وذكر المراكشي: المعجب ص 349، أنهما التقيا بموضع يعرف بالحامّة، حامة دقيوس.
(7) المراكشي: المعجب ص 349.(1/44)
هو وبعض خاصته، فتبعهما الموحدون سالكين سبيلهما حتى أشرفوا على توزر فوجدوه قد توغل في صحرائها فرجعوا عنها، وانصرف يعقوب إلى قابس ففتحها (1). ثم قصد توزر فبادر أهلها بالطاعة، ورحل إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه (2).
ثم تولى يحيى بن إسحاق بعد أخيه، ولكن أمره كان ضعيفا إلى أن هلك يعقوب الموحدي سنة 595هـ فقوي أمر يحيى وتغلب على بلاد الجريد وطرابلس والمهدية وتونس، فجاء إليه الملك الناصر الموحدي (595هـ 603هـ) والتقى به قرب قابس وهزمه سنة 602هـ ونقل الملك الناصر كرسي الولاية إلى تونس، ورتب شؤونها ثم رجع إلى مراكش بعد أن استخلف على تونس أبا محمد عبد الواحد (3) مؤسس الدولة الحفصية (4).
خامسا سيرته العلمية:
لسنا نعرف عن أسرة المؤلف شيئا يذكر، فإن المصادر التي أرخت له
__________
(1) رحلة التجاني، ص 162، 163.
(2) راجع التفاصيل، ابن خلدون: العبر 6/ 397، والزركشي: أخبار الدولتين ص 16.
(3) هو: عبد الواحد بن أبي حفص، أبو محمد، استوزره الناصر بن يعقوب الموحدي ثم ولاه تونس سنة 603هـ وتوفي سنة 618هـ. المراكشي: المعجب ص 420، والزركشي: أخبار الدولتين ص 18.
(4) راجع تفاصيل حركة يحيى ابن إسحاق عند المراكشي: المعجب ص 349، 352، 397، 398. وابن خلدون 6/ 403397، والزركشي: أخبار الدولتين ص 17، 18، والسلاوي: الاستقصاء 2/ 217214باختلاف بين الروايات.(1/45)
لم تذكر شيئا عن هذه الأسرة: هل كانت هذه الأسرة من رجال العلم ولهذا نشأ محدّثا ومؤرخا؟ أم أنها اشتغلت بالتجارة أو الزراعة؟ أم أنها كانت أسرة غنية فنقول إنه نشأ في بحبوحة من العيش؟ أو فقيرة فنقول إنه ذاق مرارة العوز منذ طفولته الأولى؟ لا نستطيع في الحقيقة أن نجيب على هذه الأسئلة.
ويبدوا لي أنه لم تكن بمنطقة توزر في القرن السادس مراكز علمية مرموقة تشع على أهل المنطقة، وتوطّن فيهم فكرا دينيا عميقا، بسبب الصراع السياسي والفكري الذي عاصره المؤلف. ولذلك رحل ابن الكردبوس إلى تونس التي أصبحت مقرا لدولة الموحدين ومركزا ثقافيا بارزا نال عنايتهم، بعد أن استحسنوا نقل حكومتهم من المهدية إليها (1).
وتلقى العلم بها عن محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي، وكان من أصحابه (2). ثم رحل إلى الإسكندرية عن طريق البحر من تونس في محرم سنة 573هـ، واجتمع على ظهر السفينة بعبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب القرطبي، وروى عنه (3).
رحلته إلى الإسكندرية:
أالإسكندرية وخضوعها للعبيديين:
أصبحت مدينة الإسكندرية تحت حكم العبيديين منذ أن دخلها
__________
(1) انظر حسن عبد الوهاب: خلاصة تأريخ تونس ص 124.
(2) ابن الأبار: التكملة 2/ 682.
(3) ابن الأبار: التكملة 3/ 109.(1/46)
جوهر بن عبد الله الصقلي (1) قائد حملة المعز العبيدي (2) سنة 358هـ دون مقاومة (3)، والذي تمكن بعد ذلك من القضاء على الدولة الإخشيدية (4) وضم بلاد مصر إلى حوزة العبيديين. ثم شرع في إنشاء مدينة جديدة تكون عاصمة لهذا الكيان الجديد على أرض مصر، ولكي تكون مركزا لنشر المذهب الإسماعيلي، ولتقف موقف المعارض والمناويء لبغداد مقرّ الخلافة العباسية السّنية. ولما انتهى من بنائها أطلق عليها اسم المنصورة، وظلت تعرف بذلك حتى قدم المعز إلى مصر سنة 362هـ فسماها القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر الدولة العباسية المنافسة (5). وفي شهر
__________
(1) هو جوهر بن عبد الله، أبو الحسن، المعروف بالكاتب، الرومي، مولى المعز العبيدي، توفي سنة 381هـ. ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 380375، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 310، 311. والصقلي: بفتح الصاد والقاف نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الروم. ابن الأثير: اللباب 2/ 245.
(2) هو معدّ بن إسماعيل، المدعي أنه فاطمي، ولي بعد أبيه سنة 341هببلاد إفريقية وما والاها من بلاد المغرب، وهو أول من ملك مصر من العبيديين، كان رافضيا باطنيا، كان يظهر أنه يعدل وينصر الحق ولكنه مع ذلك كان منجما، مات سنة 365هـ. راجع ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 283، 284، وابن تيمة: منهاج السنة 35/ 144120.
(3) المقريزي: إتعاظ الحنفا 1/ 103، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 30، وعلي حسن: تأريخ جوهر الصقلي ص 30.
(4) كانت الدولة الإخشيدية بمصر والشام من سنة 323هـ 358هـ.
(5) حسن إبراهيم: تأريخ الدولة الفاطمية ص 150، 151، وسرور: الدولة الفاطمية ص 68، 69بتصرف.(1/47)
شعبان سنة 362هـ دخل المعز الإسكندرية قادما من إفريقية (1)، «فتلقاه وجوه الناس، فخطبهم بها خطبة بليغة ادعى فيها أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيها بنسبه (2)، وأن الله قد رحم الأمة بهم وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهرا وباطنا» (3).
ولمّا تم له ذلك غادر الإسكندرية إلى القاهرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت مصر مقرّا للحكام العبيديين بعد أن كانت إمارة تابعة لهم وهم في بلاد المغرب.
وأصبح الحكام العبيديون وأهل دولتهم ومن أطاعهم وناصرهم يعملون على نشر مذهبهم الإسماعيلي الخبيث، وتحويل الناس إليه مع أن أهل السنة يكوّنون السواد الأعظم من المصريين المسلمين، وعملوا على ذلك الهدف باتباع شتى الوسائل والطرق. وأمعنوا في إظهار شعائرهم المخالفة لشعائر السنيين كالاحتفال بيوم عاشوراء، ويوم الغدير (4)، وسبّ الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة، ونقش فضائل علي رضي الله عنه وأولاده على السكة وعلى جدران المساجد (5).
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 227.
(2) لقد طعن جمهور علماء الأمة في نسب العبيديين، فذكروا أنهم من أولاد المجوس أو اليهود. راجع التفاصيل عند ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 118117، وابن تيمية: مجموع الفتاوى 35/ 128.
(3) ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 384.
(4) سرور: الدولة الفاطمية ص 80.
(5) حسن إبراهيم: تأريخ الدولة الفاطمية ص 218.(1/48)
ولما آلت الخلافة إلى العزيز من سنة (365هـ إلى سنة 376هـ) عني كأبيه المعز بنشر مذهبه، وظهر في أيامه سب الصحابة جهارا (1)، وأصبحت أمور الدولة في أيدي الشيعيين لأن سياسته كانت ترمي إلى إضعاف نفوذ السنيين تدريجيا (2). على أن تعصب العبيديين لمذهبهم زاد في أيام الحاكم بن المعز الذي تولى الحكم من سنة (376هـ إلى سنة 411هـ) الإسماعيلي الزنديق المدعى الربوبية، كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا، كثير التلون في أفعاله وأحكامه وأقواله (3)، متعصبا لمذهبه الفاسد.
فقد أمر في سنة 395هـ بنقش سب الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع، وكتب إلى سائر عمال الديار المصرية يأمرهم بالسب (4). واستمر الحكام العبيديون في التركيز على إحياء مذهبهم حتى آخر خلفائهم العاضد بن يوسف (555هـ إلى سنة 567هـ) الذي كان شديد التشيع، متغاليا في سب الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إنه كان لا يتردد في قتل أي سني يراه (5)، ولا شك أن هذه الأفعال والأوامر قد أساءت إلى الإسلام، وإلى أهل السنة الذين كانوا لا يزالون يمثلون السواد الأعظم من أهل مصر، فقد احتفظوا بمذهبهم قويا، بالرغم من أن العبيديين حرصوا على نشر مذهبهم.
__________
(1) الذهبي: سير، 15/ 170.
(2) علي إبراهيم: تأريخ جوهر الصقلي ص 119.
(3) ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 9.
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 293. والذهبي: سير 15/ 173.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 110.(1/49)
وشارك أهل الإسكندرية خصوصا في كثير من الأحداث السياسية التي حفل بها العصر العبيدي، فكانوا يطمعون في الانفصال ويميلون إلى المعارضة، بتأييدهم كل حركة تهدف إلى ذلك، بحكم الاختلاف في العقيدة، ولتطرفها عن الدلتا المصرية، وعزلتها عن بقية المدن المصرية، واتصالها بالطرق المؤدية إلى إفريقية، وغلبة العناصر المغربية فيها (1)، فوقفوا مع ناصر الدولة بن حمدان في حركته ضد المستنصر (2) العبيدي سنة 461هـ الذي استفحل أمره، وقطع الخطبة للمستنصر، ودعا للقائم بأمر الله الخليفة العباسي في الإسكندرية ودمياط وجميع الوجه البحري (3).
وخرجوا على المستنصر مرة أخرى عندما أعلن الأوحد أبو الحسن علي، الملقب بمظفر الدولة الابن الأكبر لأمير الجيوش بدر الجمالي الثورة على أبيه سنة 477هـ (4).
وبعد وفاة المستنصر بالله سنة 487هـ اضطربت الأمور في بعض البلاد المصرية، فخرج أهل الإسكندرية على طاعة الخليفة العبيدي الجديد أحمد أبو القاسم الابن الأصغر للمستنصر، وانحازوا إلى نزار الابن الأكبر للمستنصر، الذي أقصاه الأفضل شاهنشاه عن الحكم بعد أن قدم إليهم،
__________
(1) عبد العزيز سالم: تأريخ الإسكندرية ص 185.
(2) هو الحاكم العبيدي، محمد بن الظاهر أبو تميم، الملقب بالمستنصر بالله، تولى الحكم من سنة 427هـ إلى سنة 487هـ. حسن إبراهيم، تأريخ الدولة الفاطمية ص 169.
(3) المقريزي: الخطط 2/ 129128.
(4) انظر المقريزي: الخطط 2/ 209، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 119.(1/50)
وبايعوه، ولقبوه المصطفى لدين الله، ولما وصل إلى الأفضل بن بدر الجمالي نبأ هذه الحركة سار إلى الإسكندرية، ودارت معركة هزم فيها الأفضل، وعاد إلى القاهرة، حيث أعد حملة جديدة وحاصر الإسكندرية، ثم دخلها سنة 488هـ (1).
واشترك أهل الإسكندرية في الصراع بين الوزراء، فما أن تولّى أبو المنصور إسماعيل (2) الملقب بالظافر بأمر الله بعد وفاة أبيه أبو الميمون عبد المجيد (3)، سنة 544هـ حتى عاد التنافس بين رجال الدولة على تقلد مناصب الوزارة، فخرج علي بن إسحاق، المعروف بابن السلار، والي الإسكندرية والبحيرة، وقصد القاهرة بعساكره، فاضطر سليم (4) بن محمد بن مصال وزير الظافر بأمر الله إلى الفرار منه، وحلّ ابن السلّار محل منافسه في الوزارة، وتلقب بالعادل سنة 544هـ (5).
__________
(1) ابن ميسر: تأريخ مصر ص 3736، والمقريزي: إتعاظ الحنفا 3/ 12، 14، 16، وسرور: الدولة الفاطمية في مصر ص 113، 114.
(2) هو الحاكم العبيدي، إسماعيل بن عبد المجيد، أبو المنصور، الملقب بالظافر بأمر الله، تولى الحكم من سنة 544إلى سنة 549هـ.
(3) هو الحاكم العبيدي عبد المجيد الملقب بالحافظ، تولى الحكم من سنة 524إلى سنة 544هـ.
(4) هو أبو الفتح نجم الدين سليم بن محمد بن مصال من أهل لكّ بضم اللام وتشديد الكاف وهي بليدة عند برقة من أعمالها، كانت وزارته نحوا من خمسين يوما. ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 416، 417.
(5) انظر المقريزي: إتعاظ الحنفا 3/ 198، وابن الأثير: الكامل 9/ 24، 25، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 416.(1/51)
كان ابن السلار بطلا شجاعا مقداما مهيبا، مائلا إلى أرباب الفضل والصلاح، ليس على دين العبيدية بل سنيا شافعيا. احتفل بالحافظ السلفي لما وصل إلى ثغر الإسكندرية، وزاد في إكرامه، وعمر له هناك مدرسة فوّض تدريسها إليه (1). وبذلك هيأ السبيل لرجوع المذهب السني إلى مصر، وقد أدى تعصبه للمذهب السني ورغبته في إحلاله بمصر محل المذهب الإسماعيلي إلى حقد الحاكم ورجال دولته عليه، فقتل بإيعاز منه سنة 548هـ (2).
وفي عهد الفائز بنصر الله (3) خرج على وزيره طلائع (4) بن رزيك أمير من أمرائه هو الأمير طرخان (5) بن سليط بن طريف والي الإسكندرية وقد جمع العربان وغيرهم، وخلع طاعة الوزير طلائع، وذلك سنة 554هـ، وزادت حركة طرخان اشتعالا بانضمام أخيه إسماعيل إليه من
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 417، والذهبي: السير 20/ 282، وهي المدرسة العادلية أو السلفية بناها الوزير العادل ابن السلّار للشافعية سنة 543هـ وقيل:
544 - هـ وتخصصت في تدريس الحديث والفقه الشافعي، فسميت أيضا بالمدرسة الشافعية، زيتون: الحافظ السلفي ص 137، 138.
(2) محمد سرور: الدولة الفاطمية ص 124.
(3) هو الحاكم العبيدي أبو القاسم عيسى بن الظافر، الملقب بالفائز بنصر الله، تولى من سنة 549هـ إلى 555هـ. المقريزي: إتعاظ الحنفا ص 211، 238.
(4) هو طلائع بن رزيك الملقب الملك الصالح، أبو الغارات، الرافضي، قتل سنة 556هـ. ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 526. والذهبي: سير 20/ 397، 398.
(5) لم أجد له ترجمة.(1/52)
القاهرة، فخرج إليهما جيش من قبل الوزير طلائع، وبرز طرخان من الإسكندرية في جموعه، وخيّم على دمنهور (1)، وتلقب بالملك الهادي، فطرقته عساكر الوزير طلائع، فهرب واختفى بالجيزة (2)، ثم قبض عليه وقتل في ربيع الآخر سنة 555هـ (3).
وقد تطور التنافس على الوزارة إلى استعانة بعض الطّامعين فيها بأمراء الدول المجاورة، فقد انفرد شاور (4) بن مجير بالوزارة بعد تخلصه من الوزير العادل (5) بن طلائع بن رزيك في المحرم سنة 558هـ غير أن ضرغام (6) بن عامر أحد قواد الجيش ما لبث أن ثار عليه وتقلّد الوزارة، فاضطر شاور إلى الإلتجاء بنور الدين محمود (7) صاحب دمشق ليمده بقوة
__________
(1) دمنهور: بلدة تقع بين الإسكندرية والقاهرة، ياقوت: معجم البلدان 2/ 472.
(2) الجيزة: بلدة تقع في غرب الفسطاط، تقع على الضفة الغربية لنهر النيل وقد أصبحت اليوم بعض أحياء القاهرة، ياقوت: معجم البلدان 2/ 472، وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1456.
(3) انظر تفاصيل هذه الحركة عند المقريزي: إتعاظ الحنفا 3/ 236، 238.
(4) هو شاور بن مجير السعدي، الوزير المصري، وزير العاضد، قتل سنة 564هـ. ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 448439، والذهبي: سير 20/ 514، 515.
(5) العادل بن طلائع بن رزيك، تولى الوزارة بعد مقتل أبيه، ولما دخل شاور القاهرة سنة 558هـ فر منها العادل، ثم أسره شاور وقتله. ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 529.
(6) لم أجد له ترجمة.
(7) نور الدين محمود، الملك العادل، ولد سنة 511هـ، وكان حامل رايتي العدل والجهاد، تملك حلب بعد أبيه وأظهر السنة بها وتملك دمشق، وبقي بها عشرين سنة، وتوفي سنة 569هـ. الذهبي: سير 20/ 534531، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 287277.(1/53)
يستعين بها على استعادة نفوذه، فأمده نور الدين بأسد الدين (1) شيركوه، بشرط أن يكون له ثلث خراج مصر، فوصل أسد الدين إلى مصر، وتغلب على ضرغام وأعاد شاور إلى منصبه في رجب سنة 559هـ (2).
لكن شاور لم يف لأسد الدين، وطلب منه الخروج من مصر، فأبى أسد الدين، فاستنجد شاور بالفرنج الذين سارعوا إلى تلبية طلبه وأرغموا أسد الدين على العودة بجنده إلى الشام، غير أن نور الدين محمود لم يلبث أن جهز حملة جديدة إلى مصر سنة 562هـ بقيادة أسد الدين شيركوه وصلاح الدين يوسف بن أيوب، وذلك حين ثبت لديه غدر شاور به ونقضه الاتفاق (3). فبعث شاور يستنجد بحلفائه الفرنج، فمضى أسد الدين إلى الصعيد، وكتب إلى أهل الإسكندرية يستنجد بهم على شاور بسبب إدخاله الفرنج إلى دار الإسلام فاستجابوا له وخرجوا إليه (4)، والتقى بالفرنج وشاور فكان النصر حليف أسد الدين (5).
وعلى إثر هذا الانتصار سار أسد الدين شيركوه إلى الإسكندرية، فلما وصل إليها خرج إليه أهلها معبرين عن فرحتهم بقدومه، ومسلمين
__________
(1) هو الملك المنصور، فاتح الديار المصرية، أسد الدين شيركوه بن شاذي، مات سنة 564هـ. الذهبي: سير 20/ 589587، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 252، 253، 255، 259.
(2) انظر ابن واصل: مفرج الكروب 1/ 139132، والمقريزي: إتعاظ الحنفا 3/ 264.
(3) ابن واصل: مفرج الكروب 1/ 147.
(4) عبد العزيز سالم: تأريخ الإسكندرية ص 197، 198.
(5) انظر التفاصيل عند أبي شامة: الروضتين 1/ 143، وابن الأثير: الكامل 9/ 95.(1/54)
إليه مدينتهم «لميلهم إلى مذهب السنة، وكراهيتهم لرأي المصريين» (1).
استناب أسد الدين ابن أخيه صلاح الدين واليا على الإسكندرية، ومضى إلى الصعيد، وأعاد الفرنج وعسكر شاور تجميع صفوفهم بعد الوقعة الأولى التي انتصر فيها أسد الدين، وزحفوا إلى الإسكندرية وحاصروها برا وبحرا (2)، «وقاتل أهل الإسكندرية خلال هذا الحصار جنبا إلى جنب مع صلاح الدين ورجاله، وقووه بالمال، وبذلوا في نصرته أموالهم وأنفسهم، حتى قتل منهم جماعة كبيرة، وحاول شاور أن يغريهم بكافة وسائل الإغراء لخذل صلاح الدين، فمناهم بالوعود الخلابة، وقطع على نفسه عهدا بأن يضع عنهم المكوس والواجبات، ويعطيهم الخمس، إذا سلموه صلاح الدين، فأبوا ذلك ولم يزدهم ما عرضه عليهم إلا استبسالا وإلحاحا في القتال، وصبروا على الحصار وقلة الأقوات بالمدينة» (3)، ولما علم أسد الدين باشتداد الحصار على أهل الإسكندرية أسرع إلى نجدتهم، ولم يلبث المصريون والفرنجة أن سارعوا إلى طلب الصلح على أن يعود أسد الدين إلى الشام (4).
وفي سنة 564هـ سار أسد الدين مرة أخرى من الشام إلى مصر، فملكها، وسبب ذلك تمكن الفرنج من البلاد المصرية، وحكّموا على المسلمين حكما جائرا، وركبوهم بالأذى العظيم، فلما وصل أسد الدين
__________
(1) ابن واصل: مفرج الكروب 1/ 151.
(2) محمد سرور: الدولة الفاطمية ص 128.
(3) عبد العزيز سالم: تأريخ الإسكندرية ص 199.
(4) انظر التفاصيل عند أبي شامة: الروضتين 1/ 143، وابن الأثير: الكامل 9/ 9695.(1/55)
وجنده إلى القاهرة كان الفرنج معسكرين أمام أسوارها، فرحب المصريون بأهل الشام، واضطر العدو إلى الرحيل إلى فلسطين من غير حرب ولا قتال. وأصبح أسد الدين صاحب السلطان الفعلي في مصر بعد أن اتخذه العاضد العبيدي وزيرا، لكنه لم يدم طويلا في وزارته حيث توفي في شهر جمادى الآخرة سنة 564هـ. فاستوزره العاضد صلاح الدين بن أيوب (1).
وشرع صلاح الدين في استمالة قلوب الناس إليه وبذل الأموال، فمالوا إليه وأحبوه وضعف أمر العاضد (2). وانتهت الدولة العبيدية بموته سنة 567هـ (3).
ب الإسكندرية في ضلّ الدولة الأيوبية:
كان أهل الإسكندرية يدينون بالمذهب السني المخالف لمذهب الدولة العبيدية المذهب الشيعي الإسماعيلي السائد بمصر كافة، فكانت الإسكندرية كالشوكة في حلق الدولة العبيدية، وكانوا يعبرون عن هذا الشعور بخروجهم المتكرر ضد العبيديين ومساعدتهم للخارجين على الحكومة المركزية.
ويرجع تمسك أهل الإسكندرية بعقيدتهم إلى ما كان يبذله فقهاؤهم
__________
(1) انظر بن الأثير: الكامل 9/ 10199.
(2) ابن أثير: الكامل 9/ 102.
(3) المصدر نفسه: 9/ 111.(1/56)
من جهود لتأصيل المذهبين المالكي والشافعي بها ومناهضة التشيع، أمثال أبي بكر الطرطوشي الأندلسي نزيل الإسكندرية (ت: 520هـ)، والحافظ السلفي (ت: 576هـ)، وأبو الطاهر بن عوف (ت: 581هـ).
وساعد على انتشار المذهب السني بها منذ النصف الأول من القرن السادس الهجري خروج إفريقية وانفصالها عن الدولة العبيدية بمصر، وانتصار المذهب المالكي بها على المذهب الإسماعيلي على يد أميرها المعز ابن باديس في سنة 443هـ، واتصالها بالإسكندرية عن طريق الوافدين المغاربة بقصد طلب العلم أو الحج أو التجارة (1). وكان لموقعها الجغرافي أثر كبير في توثيق العلاقات بينها وبين أهل المغرب والأندلس، فكانت المحطة الأولى لرحلتهم إلى المشرق، يصلون إليها بعد رحلة مضنية عبر الصحراء حينا وعلى ظهور السفن حينا آخر (2).
ومن هنا جاء اهتمام صلاح الدين رحمه الله وخلفائه من بعده بثغر الإسكندرية، فقام صلاح الدين بأربع زيارات لمدينة الإسكندرية أولها أيام توليه وزارة العاضد العبيدي سنة 566هـ وفيها «عمّ أهلها بإحسانه، وأمر بعمارة أسوارها وأبراجها وأبدانها» (3).
وفي سنة 572هـ زار صلاح الدين الإسكندرية واصطحب معه ولده الأفضل، والعزيز عثمان، فصام بها قسما من شهر رمضان، وسمع
__________
(1) انظر عبد العزيز سالم: تأريخ الإسكندري ص 234، 235.
(2) الشيال: أعلام الإسكندرية ص 50، 51.
(3) أبو شامة: الروضتين 1/ 191، وانظر المقريزي: إتعاظ الحنفا 3/ 320.(1/57)
الحديث على الحافظ أبي الطاهر السلفي، وروى عنه أحاديث كثيرة (1).
وزارها في شهر شوال سنة 577هـ وشرع في قراءة موطأ مالك على الفقيه أبي طاهر بن عوف (2).
وأنشأ في هذه السنة المدرسة الإصلاحية أو المدرسة الشافعية أو مدرسة الشافعيين (3). وبنى دارا للمغاربة لتدريس العلوم الشرعية على المذاهب الأربعة، وجعلها لطلاب العلم الوافدين على الإسكندرية، واتسع اعتناء صلاح الدين بهؤلاء الغرباء حتى أمر بتعين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك، ونصب لهم مارستانا أي مستشفى لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم، وتحت أيديهم خدام يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء (4).
فأصبحت الإسكندرية في هذا العصر الذي عاش فيه ابن الكردبوس مركزا من أهم المراكز العلمية والثقافية، تضج بالعلماء، ورجال الفكر والأدب من كل صنف، وتنتشر في أرجائها المساجد والمدارس والربط، وتجذب إليها طلاب العلم والعلماء من أقصى المشرق والمغرب.
__________
(1) ابن شداد: النوادر السلطانية ص 9، وابن واصل: مفرج الكروب 2/ 56، وأبو شامة:
الروضتين 1/ 268، 269.
(2) ابن واصل: مفرج الكروب 2/ 112، والمقريزي: السلوك 1/ 76، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 308.
(3) المقريزي: السلوك 1/ 76، وزيتون: الحافظ السلفي ص 140.
(4) ابن جبير: الرحلة 2/ 42، وزيتون الحافظ السلفي ص 141، 142.(1/58)
وكان الحافظ السلفي قد نزل بها سنة 511هـ واستوطنها حتى توفي سنة 576هـ فجلب الشهرة إليها، فرحل إليها طلاب العلم من كل مكان، لتلقي علم الحديث والقراءات عنه، وقد قال عنه السخاوي: «ما زال الحديث بالإسكندرية قليلا حتى سكنها السلفي، فصارت مرحولا إليها في الحديث والقراءات» (1).
رحل ابن الكردبوس إلى الإسكندرية عن طريق البحر من تونس في محرم سنة 573هـ، من أجل طلب الحديث، لا للترهة ولا لطلب العيش، وقد اجتمع على ظهر السفينة بعبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب القرطبي، وروى عنه (2)، ولمّا نزل الإسكندرية التقى بشيخه المتقدم بتونس:
محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي، فسمع منه كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس (3).
ولقي بها أبا الطاهر أحمد بن محمد السلفي (4).
وسمع بها عبد الله بن محمد بن خلف بن سعادة الأصبحي، حين صدوره من رحلته سنة 575هـ والذي كان يطلب معه الحديث، وكذلك عبر عنه بالصاحب، وقال: «وكان يطلب الحديث معنا» (5)،
__________
(1) السخاوي: الإعلان بالتوبيخ ص 294.
(2) ابن الأبار: التكملة 3/ 109، بتصرف.
(3) ابن الأبار: التكملة 2/ 682.
(4) محمد محفوظ: تراجم المؤلفين التونسيين 4/ 158.
(5) ابن الأبار: التكملة 2/ 852. ومحمد محفوظ: تراجم المؤلفين التونسيين 4/ 158.(1/59)
وحدث عنه ابن الكردبوس في كتابه (الأربعون حديثا) (1).
وفي هذه المرحلة لقي ابن الكردبوس كما قال ابن الشبّاط التوزري (2) الأئمة، وروى عنهم كثيرا من أعالي أسانيدهم وغير ذلك (3).
وذكر ابن الشبّاط سماعه من ابن سعادة عند شرحه لحديث الاستسقاء، فذكر أنه وقف على رواية ابن الكردبوس بخطه وهي: أخبرني الثقة الفاضل المقريء صاحب أبو عبد الله بن خلف بن سعادة الداني أكرمه الله بقراءتي عليه في أوائل صفر سنة 575هـ بالإسكندرية، قال: أنبأنا القاضي الشريف أبو طاهر بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل العثماني، قرأت عليه في شعبان سنة 572هـ بالإسكندرية، وفي آخر السماع ما نصه: سمع مني هذا الحديث، حديث الاستسقاء رواية أبي ذر الهروي الحافظ، وكتبه عبد الله بن خلف بن سعادة الأصبحي الداني غرة سنة 575هـ بثغر الإسكندرية، حماه الله، والحمد لله (4).
وبعد هذه الرحلة عاد ابن الكردبوس إلى تونس عبر البحر، وأقام مدة بمدينة تونس، ثم رجع إلى مسقط رأسه (توزر) حيث توفي ودفن هناك (5).
__________
(1) المصدر نفسه ولم أعثر على هذا الكتاب.
(2) هو محمد بن علي بن محمد، المعروف بابن الشبّاط التوزري، الأديب، المؤرخ، ويعرف بالمصري، ولد سنة 618هـ، درس مدة بتوزر، وولي قضاءها، ثم انتقل إلى تونس ودرس بها، ثم رجع إلى بلده وتوفي بها سنة 684هـ. محمد محفوظ: معجم المؤلفين التونسيين 3/ 141، وكحالة: معجم المؤلفين 11/ 57.
(3) محمد محفوظ: تراجم المؤلفين التونسيين 4/ 158، نقلا عن ابن الشبّاط.
(4) محمد محفوظ: تراجم المؤلفين التونسيين 4/ 158، 159، نقلا عن ابن الشبّاط.
(5) المصدر السابق 4/ 159.(1/60)
سادسا شيوخه:
تتلمذ ابن الكردبوس على عدد من أعلام عصره ومحدثيه، وسأتناول باختصار تراجم بعضهم.
1 - الحافظ السلفي:
هو الإمام العلامة المحدث الحافظ الثقة المفتي، شيخ الإسلام وحجة الرواة، أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني. يلقب جده ب (سلفه): بكسر السين وفتح اللام وهو الغليظ الشفة، وأصله بالفارسية سلبة. ولد سنة 475هـ أو قبلها بسنة. سمع الحديث ببلده، ثم ورد بغداد والكوفة والبصرة ودمشق طلبا للحديث، ثم خرج إلى مصر فسمع الحديث بها وبالإسكندرية، ثم استوطن الإسكندرية وصارت له بها وجاهة، وبنى له ابن السلار المدرسة العادلية أو السلفية وفوضها إليه. وله مؤلفات وتعاليق وأمالي كثيرة جدا، مات سنة 576هـ (1).
2 - محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، التميمي:
من أهل فاس، يكنى أبا عبد الله، تلقى العلم في أول حياته بفاس، ثم رحل إلى المشرق رحلة حافلة: أقام فيها خمسة عشر عاما، ولقي نحوا من مئة شيخ، وأكثر من الرواية عنهم، واستوسع في السماع منهم، وأجاز له بعضهم، ثم رجع إلى بلده، ومنها رحل إلى الأندلس ثم عاد إلى بلده وتوفي
__________
(1) انظر ترجمته عند ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 450، 451، والذهبي: سير 21/ 395، وميزان الإعتدال 1/ 155، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 307.(1/61)
بها آخر سنة ثلاث، أو أول سنة 604هـ (1).
3 - عبد الله بن محمد بن خلف بن سعادة الأصبحي:
من أهل دانية، يكنى: أبا محمد، تعلم ببلنسية، ثم رحل إلى الإسكندرية ونزل بالمدرسة العادلية، وسمع الكثير على الحافظ السلفي، كان مقرئا محدثا ورعا فاضلا، مات في رجوعه غريقا في البحر، شهيدا رحمه الله (2).
4 - عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب القرطبي (3):
أبو محمد، رحل وحج، وروى بالإسكندرية عن أبي طاهر السلفي، كان راوية عدلا، خيرا فاضلا، استشهد غرقا في البحر بعد حجه ومجاورته بمكة أول 577هـ (4).
أما عن تلاميذه فلم أعثر على ما يدل على أن له تلاميذا تلقوا عنه العلم.
سابعا آثاره العلمية:
1 - الأربعون حديثا: نسبها له ابن الأبار حين عرّف بمن أخذ عن عبد الله بن محمد بن سعادة الأصبحي، فقال: «وسمع منه أبو مروان عبد الملك بن محمد بن الكردبوس التوزري، وحدث عنه في (الأربعين حديثا)
__________
(1) ابن الأبار: التكملة 2/ 682.
(2) ابن الأبار: التكملة 2/ 852850، والمقري: نفح الطيب 2/ 158، ومحمد مخلوف:
شجرة النور الزكية ص 152.
(3) ذكره ابن الأبار في التكملة 3/ 109.
(4) المراكشي: الذيل والتكملة، القسم الأول ص 75، وابن الزبير: صلة الصلة ص 27.(1/62)
من جمعه، وقال: وكان يطلب الحديث معنا» (1).
2 - الاكتفاء في أخبار الخلفاء: أجمعت المصادر التي ترجمت للمؤلف على نسبة هذا الكتاب إليه، وقد أخرج الدكتور أحمد مختار العبادي القسم الخاص بتأريخ الأندلس منه تحت عنوان (تأريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفه لابن الشباط. نصان جديدان) ونشره في معهد الدراسات الإسلامية بمدريد سنة 1971م. فقمت بمراسلته في غرة رجب سنة 1414هـ، فأجابني: أن تحقيق الجزء المخطوط فقط من الكتاب هو العمل الذي يقدم إضافة جديدة للمكتبة الإسلامية، أما إعادة الجزء المنشور منه الخاص بالأندلس فهو في رأيي لا قيمة له من الناحية العلمية، إلا إذا كان هناك تغيير جذري، وإضافات تستدعي إعادة النشر. غير أن جامعتنا المباركة رأت إخراج الكتاب كاملا بما فيه الجزء المنشور، فاستعنت الله تعالى على إخراجه كاملا مع الإشادة بجهود أستاذنا القدير الدكتور أحمد العبادي وفقه الله الذي بذل جهدا كبيرا في إخراج النص الخاص بتأريخ الأندلس، الذي قدم معلومات قيمة ومفيدة من خلال شرح مادته التأريخية، وتفسير الغامض منها.
وسوف يأتي الحديث عن عنوان الكتاب ونسبته للمؤلف، ووصف نسخه.
__________
(1) ابن الأبرار: التكملة 2/ 852.(1/63)
ثامنا وفاته:
لا تذكر المصادر تأريخا دقيقا لوفاته، إلا أن بعضها يذكر أنه «كان حيا سنة 575هـ» (1) أو «مات بعد سنة 575هـ» (2)، وهذا يدل على أنه عاش بعد هذا التأريخ فترة من الزمن غير معروفة ولكن المؤكد أنه عاش إلى عهد السلطان الموحدي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الذي تولى الحكم من سنة 580هـ إلى سنة 595هـ وعاصر ملكه حيث وصفه بقوله: «ثم قام من بعده ابنه أبو يوسف، فقام بالحق أكمل قيام، وأحكمه أحسن إحكام، وأتقنه وأبرمه أي إبرام» (3).
وربما لو رجعنا إلى سيرة أقرانه الذين عاشوا معه في عصره ونظرنا إلى تأريخ وفياتهم لوصلنا إلى وضع تأريخ لوفاته أقرب ما يكون إلى الحقيقة، فمن أقرانه: محمد بن قاسم التميمي، أخذ عنه المؤلف في تونس، وسمع الموطأ منه في الإسكندرية، وقد مات محمد هذا آخر سنة 603هـ أو أول سنة 604هـ (4). وكذلك أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيي الذي سمع من عبد الله بن محمد بن خلف بن سعادة، الذي سمع منه ابن الكردبوس، فقد توفي محمد هذا سنة 610هـ (5). ومن هنا يمكننا
__________
(1) محمد محفوظ: معجم المؤلفين التونسيين 4/ 158.
(2) الجابي: الأعلام ص 467، وفهرست دار الكتب الوطنية بتونس ص 341.
(3) انظر: ص 1319من التحقيق.
(4) ابن الأبار: التكملة 2/ 682.
(5) ابن الأبار: التكملة 2/ 591، ومحمد مخلوف: شجرة النور الزكية ص 172.(1/64)
أن نستنتج أن ابن الكردبوس توفي في العقد الأول من القرن السابع الهجري، ويدل على ذلك قول الصديق بن العربي عن المؤلف: «أنه كان من رجال القرنين السادس والسابع» (1) والله أعلم.
__________
(1) الصديق بن العربي: فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش ص 241بتصرف.(1/65)
القسم الثاني دراسة الكتاب
أولا: عنوان الكتاب وصحة نسبته لابن الكردبوس.
ثانيا: النسخ الخطية لكتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء.
ثالثا: وصف النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق.
رابعا: عملي في التحقيق.
خامسا: منهج المؤلف وأسلوبه في كتاب الاكتفاء.
سادسا: مصادر المؤلف.
سابعا: الملاحق الخاصة بالدراسة.(1/67)
أولا عنوان الكتاب وصحة نسبته لابن الكردبوس:
اتفقت المصادر التي تعرضت لذكره على تسميته تسمية واحدة.
فأسموه (كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء) (1) وهي التسمية نفسها الثابتة على طرّة نسخ المخطوطة، وكان تأليفه لهذا الكتاب في نهاية القرن السادس الهجري على الأرجح (2).
ومما يؤكد صحة نسبة الكتاب لابن الكردبوس، نقل بعض العلماء منه، أمثال ابن أبي دينار في كتابه (المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس) (3).
ويؤكد صحة نسبته إليه أيضا قراءة ابن حمّادوش (4) الجزائري مع ابن ميمون (5) للكتاب في داره في شهر ربيع الثاني سنة 1158هـ، حيث قال: «وفي يوم الأحد آخر هذا الشهر بعث لي شيخنا ابن ميمون خادمه
__________
(1) انظر تأريخ الأندلس لابن الكردبوس (تحقيق: العبادي) ص 7، وتراجم المؤلفين التونسيين 4/ 159، وتأريخ الأدب العربي 6/ 134، وفهرست دار الكتب الوطنية ص 341، وفهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش ص 241، والأعلام للزركلي 4/ 161.
(2) بروكلمان: تأريخ الأدب العربي 6/ 134.
(3) المؤنس ص 36، 40، 41.
(4) هو عبد الرزاق بن محمد بن محمد، المعروف بابن حمّادوش الجزائري، ولد بمدينة الجزائر سنة 1107هـ وتوفي بعد حوالي تسعين سنة، أبو القاسم سعد الله: تحقيقه لرحلة ابن حمّادوش ص 9.
(5) هو محمد بن ميمون، كان من الأدباء والشعراء المجيدين، تولى عدة وظائف في الجزائر.
كان حيا سنة 1152هـ. أبو القاسم سعد الله: تحقيقه لرحلة ابن حمّادوش ص 95.(1/69)
فأخذني إلى داره كعادته قبل هذا كان يقرأ علي القلصادي (1)، فختمناه قبله نحو يومين، فابتدت كذا سرد الكردبوس تأريخ في خلافة العبابسة، فبقي الخادم يأخذني كل عشية إلى يوم، أي يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الأولى، قرأنا ولاية جعفر المقتدر بالله بن المعتضد بالله وهو الثامن عشر من ملوك بني عباس. فساق فيه ما أجرى الله من عادته بخلع السادس، فعد من النبي صلى الله عليه وسلم. فرأيت أن أبتدي الترتيب من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وملوك بني أمية، لتحصل فائدة ذكر الملوك الأول مجتمعة» (2) ثم وصف القسم الثاني من الكتاب الذي يتناول أخبار ملوك بني العباس إلى الراشد بالله، إلى أن قال: «وبهذا تم الجزء الذي في أيدينا، وختمناه يوم السبت موفي عشرين من جمادى الأولى، وبالله تعالى التوفيق» (3).
ثانيا النسخ الخطية لكتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء:
يوجد لكتاب الاكتفاء عشر نسخ مخطوطة في مكتبات مختلفة، وإزاء كثرتها وتعددها عمدت إلى جمع المعلومات حولها مما أمكنني الإطلاع عليه من الفهارس الوصفية لمكتبات العالم، وتبين أن أكثر نسخ (الاكتفاء)
__________
(1) هو علي القلصادي، الرياضي الأندلسي، عاش مدة في تلمسان، وأخذ فيها العلم وانتصب للتدريس بها، وتوفي في باحة سنة 891هـ، أبو القاسم سعد الله: تحقيقه لرحلة ابن حمّادوش ص 106.
(2) ابن حمّادوش: لسان المقال ص 166، 167.
(3) ابن حمّادوش: لسان المقال ص 202.(1/70)
وأهمها توجد في مكتبات المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب وإسبانيا، وأهم هذه النسخ هي على النحو التالي:
الأولى: تقع في دار الكتب الوطنية بتونس، ملك مكتبة حسن (1)
حسني عبد الوهاب، وعليها ختم دار الكتب الوطنية في الورقة 20تحمل الرقم (18593) ومنها (ميكروفيلم) بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم المخطوطات تحت رقم (3996).
الثانية: تقع في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وهي أصل تحت رقم (7885) ومنها (ميكروفيلم) بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم المخطوطات، تحت رقم ().
الثالثة: تقع في مكتبة الحرم النبوي بالمدينة المنورة، ملك الشيخ محمد (2) العزيز الوزير التونسي وهي أصل تحت رقم 1/ 900، و (ميكروفيلم) رقم (139) ومنها (ميكروفيلم) بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم المخطوطات، تحت رقم (5626).
__________
(1) هو حسن حسني بن صالح عبد الوهاب الصمّادحي، بحاثة ومؤرخ وأديب، مولده ووفاته بتونس، أنشأ مكتبة أهداها إلى دار الكتب الوطنية بتونس، واشتملت على 951مخطوطة، توفي سنة 1388هـ. الزركلي: الأعلام 2/ 187، 188.
(2) هو محمد العزيز التونسي، مولده ووفاته بتونس، رحل إلى الحجاز ودرّس بالمسجد النبوي، وأهدى مجموعة كبيرة من كتبه قد تصل إلى ألفي كتاب أو تزيد أغلبها مخطوط في الفقه المالكي إلى مكتبة الحرم النبوي، وتوفي سنة 1325هـ. حمادي التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة (رسالة ماجستير من جامعة الملك عبد العزيز بجدة) ص 24، ومحمد عبد الرحمن: التعليم في مكة والمدينة آخر العهد العثماني ص 62.(1/71)
الرابعة: تقع في الخزانة العامة بالرباط، ملك مكتبة الكتاني (1)، تحت رقم (2358) ومنها (ميكروفيلم) رقم (4550) القسم الأول، بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم المخطوطات. ومنها نسخة مصورة في مركز الوثائق والمخطوطات بالجامعة الأردنية بعمّان، وهما شريطان (ميكروفيلم) يحملان الرقم (674) (2) ومصورة أخرى بمركز الملك فيصل تحت رقم (1685).
الخامسة: تقع بالمكتبة الأحمدية (3) بتونس، تحت رقم (4812، 4813) (4).
السادسة: تقع بمكتبة جاينجوس التي اندمجت الآن في مكتبة الأكاديمية الملكية للتأريخ في مدريد، تحت رقم (56).
__________
(1) هو محمد عبد الحي الكتاني، عالم بالحديث ورجاله، ولد وتعلم بفاس، وحجّ فتعرف إلى رجال الفقه والحديث في مصر والحجاز والشام والجزائر وتونس، وعاد بأحمال من المخطوطات، وكان جماعة للكتب، ذخرت خزائنه بالنفائس، وضمت بعد عدة سنوات من استقلال المغرب إلى خزانة الكتب العامة في الرباط، توفي سنة 1382هـ. الزركلي:
الأعلام 6/ 187، 188.
(2) انظر فهرست المخطوطات العربية المصورة من مركز الوثائق والمخطوطات بالجامعة الأردنية 1/ 135.
(3) المكتبة الأحمدية بتونس هي داخلة ضمن مكتبة الزيتونة، أو مكتبة جامع الزيتونة، ومكتبة جامع الزيتونة هي اليوم ضمن مجاميع دار الكتب الوطنية في تونس. انظر كوركيس عواد:
فهارس المخطوطات العربية في العالم 1/ 351.
(4) ذكر ذلك بروكلمان في ذيل تأريخ الأدب العربي 1/ 587. والعبادي: تأريخ الأندلس لابن الكردبوس ص 9، والزركلي: الأعلام 4/ 161.(1/72)
السابعة: تقع بمكتبة جاينجوس أيضا، تحت رقم (56).
الثامنة: تقع بمدينة تطوان بالمغرب.
التاسعة: نسخة غير كاملة بمدرسة تلمسان بالجزائر.
العاشرة: نسخة غير كاملة بالمكتبة الوطنية بمدريد.
ولقد اعتمدت في دراستي للمخطوط على النسخ الأربعة الأولى، وهي: نسخة دار الكتب الوطنية، ونسخة مركز الملك فيصل، ونسخة مكتبة الحرم النبوي، ونسخة خزاند الرباط.
وهي ما تيسر لي الوقوف عليه من النسخ العشر، علما بأنني حاولت جاهدا الحصول على النسخ الأخرى عن طريق المراسلة بواسطة عمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية، ولكن تعذر ذلك، فعقبت على تلك الرسائل مرة أخرى ولكن دون جدوى تذكر. فاقتصرت على النسخ الأربع الأولى في المقابلة والتحقيق.
وإذا عقدنا مقارنة بين هذه النسخ الأربع نجد أن نسخة دار الكتب الوطنية بتونس ونسخة مكتبة الحرم النبوي تعودان لمصدر واحد، فليس بينهما اختلافات هامة، والتشابه بينهما كبير جدا، فيما عدا الاختلافات في الأخطاء التي وقع فيها ناسخا المخطوطتين، وهي أخطاء إملائية، ونحوية في حالات قليلة.
أما نسخة مركز الملك فيصل ففيها نقص كبير في القسم الثاني منها، وبالتحديد من منتصف خبر مقتل الخليفة المتوكل إلى نهاية المخطوط. هذا
بالإضافة إلى وقوع سقط في أكثر من موضع، فعلى سبيل المثال يوجد في هذه المخطوطة سقط، ووقع طمس في عهد المتوكل يقارب نصف ورقة.(1/73)
أما نسخة مركز الملك فيصل ففيها نقص كبير في القسم الثاني منها، وبالتحديد من منتصف خبر مقتل الخليفة المتوكل إلى نهاية المخطوط. هذا
بالإضافة إلى وقوع سقط في أكثر من موضع، فعلى سبيل المثال يوجد في هذه المخطوطة سقط، ووقع طمس في عهد المتوكل يقارب نصف ورقة.
وبالنسبة لنسخة الخزانة العامة بالرباط فهي تتفق مع النسخ الأخرى من بداية المخطوط إلى عهد عبد الملك بن مروان، ثم تختلف بعد ذلك اختلافا جذريا.
فقد كتبت بقية المخطوط بخطوط مختلفة وحوت زيادات كبيرة، وبها أخبار مبعثرة ومختلفة، ويكثر فيها الطمس الذي يتعذر معه قراءتها ونسخها بشكل صحيح، وتحوي في ورقات كثيرة على معلومات تأريخية مختلفة عما ورد في النسخ الأخرى يصعب ترتيبها والاستفادة منها، وعلى هذا الأساس فقد اعتمدت على هذه المخطوطة في المقابلة مع النسخ الأخرى إلى نهاية القسم الأول من الكتاب، وأهملت الأوراق الأخرى لاستحالة الاستفادة منها، وخشية أن تحدث تشويشا في المادة العلمية المراد تحقيقها ودراستها، وكان ينبغي أن أستخدم هذه المخطوطة للاستئناس فقط لولا أنها تغطي بعض الكلمات الساقطة من المخطوطات الثلاث في الجزء الذي قابلته بالنسخ الأخرى، ولذلك اتخذت نسخة دار الكتب الوطنية بتونس أصلا، إذ أنها تعد أكمل النسخ الثلاث المعتمدة في التحقيق، وأوضحها خطا، وأقلها سقطا وطمسا.
ثالثا وصف المخطوطة المعتمدة في التحقيق:
أمخطوطة دار الكتب الوطنية بتونس:(1/74)
اتخذت هذه النسخة أصلا، وأشرت إليها في حاشية الكتاب بكلمة (الأصل) وتقع في (155) ورقة. ومقياس الصفحة عشرون سنتيمترا طولا واثني عشر سنتيمترا عرضا، وفي كل صفحة من ثلاثة وعشرين إلى ستة وعشرين سطرا، في كل سطر من عشر إلى اثنتي عشرة كلمة، وتتكون من قسمين
القسم الأول: يتناول تأريخ الدولة الإسلامية مبتدئا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتأريخ الخلفاء الراشدين ثم خلفاء بني أمية، وينتهي هذا القسم بانتهاء الكلام عن دولة بني أمية بالأندلس على اعتبار أنها امتداد لتأريخ الأمويين في المشرق.
القسم الثاني: ويتناول تأريخ الخلفاء العباسيين حتى نهاية عصر الخليفة محمد بن عبد الله المقتفي.
وعلى هذه النسخة تملّك بختم مكتوب عليه (مكتبة حسن حسني عبد الوهاب. الرقم (18593) وليس في هذه النسخة ما يستدل به قطعيا على زمن النسخ.
وتتميز هذه النسخة بخطها الواضح المحلّى بالنقط والشكل أحيانا، وهي مكتوبة بخط مغربي حسن، وبحبر أسود باهت، وورقها سالم من اعتداء الأرضة عليه، ويوجد بهامشها كتابات قليلة، كان يخطها الناسخ لتدارك ما فاته في المتن من معلومات، وتارة يضع خطا على الكلمة الخطأ ويصححها في الحاشية. وبالقسم الأول منها عناوين جانبية من الناسخ إلى عهد عمر رضي الله عنه.(1/75)
وقد وقع الاختيار عليها واتخاذها أصلا لأن من الراجح أن تكون أقدم نسخ الكتاب كما يوحي بذلك نوع الحبر والخط وشكل الورق، لكنها لم تخل من التصحيف والتحريف لبعض الأعلام والأماكن والكلمات، شأنها في ذلك شأن النسخ الأخرى.
ب مخطوطة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية:
وهي التي رمزت إليها في التحقيق بالرمز (أ) وتقع في (147) ورقة، مقياس الصفحة منها سبعة عشر سنتيمترا طولا، وثلاثة عشر سنتيمترا عرضا، في كل صفحة أربعة وعشرون سطرا بمقدار ثلاث عشرة كلمة في السطر الواحد تقريبا. وتتكون من قسمين
القسم الأول: يقع في ست وعشرين ومئة ورقة تقريبا، عدد صفحاته اثنتين وخمسين ومئتي ورقة، يبدأ بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عصر الراشدين، ثم عصر بني أمية، وينتهي بخبر فتح الأندلس.
أما القسم الثاني: فيقع في ثلاث وعشرين ورقة، عدد صفحاتها ست وأربعون صفحة، وبه سقط كبير يبدأ من عصر المتوكل حتى نهاية الكتاب. ويتناول هذا القسم أخبار ملوك بني العباس باختصار حتى خبر مقتل المتوكل. وهي مبتورة الآخر، ومعنى ذلك أنها تفتقر إلى معلومات أساسية تأتي عادة في الخاتمة مثل تأريخ ومكان الكتابة أو النسخ واسم الناسخ، ونحو ذلك.(1/76)
والمخطوطة مكتوبة بخط مغربي جيد، وحبر أسود، وورقها جيد، وبهامشها عناوين لأهم الأحداث، كتبت هذه العناوين بخط مختلف عن خط الناسخ للمخطوط، ولعله لبعض ملّاكها، كما يوجد بهامشها إضافات وفوائد بخط الناسخ.
وقد نسخت هذه المخطوطة في القرن الثاني عشر الهجري، وليس عليها ما يدل على اسم الناسخ.
وتحمل الصفحة الأخيرة في هذه المخطوطة تمليكا واحدا، وهو:
(اشترى كاتبه هذا الكتاب من عند ربّه بخمسة ريالة ورقات (1) تاما خالصا، أبدا مؤبدا سرمدا (2)
للآخرة في تأريخ 12شوال سنة 1356هـ عبيد ربّه الضعيف محمد (3)
بن علي بن عبد الله بن الحسن الأعروسي غفر ربه جميع ذنوبه في الدنيا قبل الآخرة بجاه من له الجاه. آمين آمين آمين، ولوالديه).
ج مخطوطة مكتبة الحرم النبوي:
وهي التي رمزت إليها في التحقيق بحرف (ب) وتقع في 128ورقة، ومقياس الصفحة منها ثلاثة وعشرون سنتيمترا طولا، وخمسة عشر سنتيمترا عرضا، في كل صفحة تسعة وعشرون سطرا بمقدار ثماني كلمات في السطر تقريبا. وتتكون من قسمين أيضا.
__________
(1) في مواضع النقط كلمتان لم أتمكن من قراءتهما.
(2) في مواضع النقط كلمتان لم أتمكن من قراءتهما.
(3) لم أقف على ترجمته.(1/77)
القسم الأول: يقع في سبع وتسعين ورقة، عدد صفحاتها أربع وتسعون ومئة صفحة، يبدأ بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عصر الراشدين، فعصر بني أمية وينتهي بأخبار الأندلس.
أما القسم الثاني: فيقع في ثلاثين ورقة، عدد صفحاتها تسع وخمسين صفحة. يحتوي هذا القسم على أخبار دولة بني العباس ابتداء بخبر أبي العباس السفاح حتى نهاية خبر المأمون محمد بن عبد الله المقتفي.
والمخطوطة مكتوبة بخط مغربي حسن، وحبرها أسود وورقها جيد، وبهامشها تصويبات لبعض الكلمات بخط الناسخ، وقد نسخت سنة أربع وتسعين ومئة وألف. وليس فيها ما يستدل به على اسم الناسخ.
وقد حملت هذه النسخة في ورقتها الأولى ختم مالكها (محمد العزيز الوزير التونسي) وهو ختم دائري كتب عليه (وقف محمد العزيز الوزير) وكتب تحته بخطه: (الحمد لله، هذا الكتاب وقف مؤبد من محمد العزيز الوزير على من عين له ومقر خزائنه بالمدينة المنورة حسب الحجة المدونة بغرة رجب سنة 1320هـ).
شاع في هذه النسخة التصحيف وكثر فيها التحريف، ووقع بها السقط، قد يصل تارة إلى ما يقرب من ورقة كاملة كما في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتارة يكون السقط سطرين أو سطر أو جملة أو كلمة، وتكثر بها الأخطاء النحوية والإملائية. وقد أشرت إلى كل ذلك في حواشي الكتاب.(1/78)
د مخطوطة خزانة الرباط:
توجد هذه النسخة ضمن المكتبة الكتانية بخزانة الرباط تحت رقم (2358)، ومنها صورة بمركز الوثائق والمخطوطات بالجامعة الأردنية، رقم الميكروفيلم (674) (1). وقد حصلت على هذه الصورة عن طريق مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، فقارنتها بالصورة المودعة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية، رقم الميكروفيلم (4550) فعرفت أنها نسخة محمد عبد الحي الكتاني وعليها ختمه في اللوحة الأولى وجه (ب).
وتقع في (163) ورقة أو (325) صفحة لأنها تنتهي بالوجه (أ)، وهي مرقمة بالأرقام العربية على الصفحات، ولا شك أن هذا الترقيم من إضافة المتأخرين، وقد يكون من عمل الشيخ محمد الكتاني، وفي كل صفحة 21 سطرا تتراوح كلمات السطر الواحد بين 119كلمة، وقد يحوي السطر كلمة أو كلمتين فقط إذا كان يتضمن عنوانا أو ما شابه ذلك.
وبحاشيتها تصويبات بخط مختلف وقد التزم النساخ نظام (التعقيبة) وهي الكلمة التي تكتب في أسفل الصفحة اليمنى غالبا لتدل على بدء الصفحة التي تليها.
وبعد فحص هذه النسخة ظهر لي أنها ليست مخطوطة واحدة وإنما نسخة ملفقة من مخطوطتين مختلفتين للكتاب، ولم تكتب بقلم ناسخ واحد وإنما كتبت بخطين مختلفين.
__________
(1) محمد عدنان بخيت: فهرس المخطوطات العربية المصورة 1/ 135.(1/79)
فالمجموعة الأولى التي تتكون من أول الكتاب إلى ص 171كتبت بخط أندلسي يشيع فيه التدوير وإطالة أواخر الحروف، والعناية بتنسيق الكتابة وتحسينها فيه ظاهرة.
أما المجموعة الثانية التي تبدأ من ص 172إلى آخر المخطوطة فقد كتبت بخط ناسخ آخر مختلف عن الأول، فهو خط مغربي غير واضح وصعب القراءة في كثير من الصفحات. وليس على هذه النسخة تأريخ ولا اسم ناسخ، وهي مبتورة الآخر بمقدار نصف لوحة تقريبا، وبذلك افتقدت معلومات مهمة تبين ترتيبها بين النسخ الأخرى، وقد اعتمدت على هذه النسخة في المقابلة والتحقيق إلى الصفحة (227) ورمزت إليها بحرف (ج).
وبعد أن نسخت الجزء الباقي من النسخة، وخرجت نصوصه، والأحاديث الواردة فيه، رأيت ألّا أعتمد عليه في المقابلة والتحقيق للأسباب التالية:
1 - احتوائه على زيادات لا توجد في النسخ الأخرى، مثلا من ص 229إلى ص 257. ولا شك أن النص الأقصر هو الصحيح لأن الأقرب إلى الاحتمال أن يدخل الناسخ في النص ما ليس منه طلبا لشرحه (1).
2 - أن المنهج والأسلوب في هذا الجزء يختلف تماما عن منهج
__________
(1) انظر برجستراسر: أصول نقد النصوص ص 87.(1/80)
وأسلوب المؤلف في بقية الكتاب.
3 - أن هذه النسخة تحتوي على أخبار جاءت بعد عصر المؤلف، فقد خلط الناسخ بين ابن تومرت الذي عاش ما بين 485هـ و 524هـ وبين محيي الدين بن العربي الذي عاش ما بين 560هـ و 638هـ.
رابعا عملي في التحقيق:
بعد أن اخترت نسخة دار الكتب الوطنية بتونس أصلا، اتبعت الخطوات التالية في التحقيق:
1 - قابلت الأصل بالنسخ الأخرى وأثبت جميع الفروق مهما كانت بسيطة حتى ولو كانت تلك الفروق لا تؤدي إلى اختلاف في المعنى.
واتبعت في رسم الكتاب قواعد الإملاء الحديثة، فأثبت الهمزة التي لم يقم الناسخ بوضعها في الكلمات المهموزة الواردة في متن الكتاب، أو الهمزة التي سهّلها الناسخ فاستعمل حرف الياء بدلا منها.
ثم أضفت الكلمات أو العبارات أو الأسماء الناقصة عن الأصل من النسخ الأخرى ووضعتها بين عضادتين، هكذا []، وأشرت إلى ذلك في الحاشية بصيغة: (التكملة من كذا) إذا كان سياق الكلام لا يتم إلا بها، وبصيغة: (الزيادة من كذا) إذا كان سياق الكلام يتم بغيرها ولكنها مثبتة في النسخ الأخرى.
أما إذا كان الفرق زيادة في الأصل فقط، وضعت الكلام في الحاشية
بين قوسين وذكرت أن الكلام الساقط من نسخة (أ) أو (ب) مثلا، وإذا ورد الاسم أو الكلمة أو الفقرة مرسومة خطأ ظاهرا في الأصل صححت من النسخ الأخرى، وأشرت إلى ذلك في الحاشية مع ذكر مصدر يدل على صحة ما أثبته في حالات كثيرة.(1/81)
أما إذا كان الفرق زيادة في الأصل فقط، وضعت الكلام في الحاشية
بين قوسين وذكرت أن الكلام الساقط من نسخة (أ) أو (ب) مثلا، وإذا ورد الاسم أو الكلمة أو الفقرة مرسومة خطأ ظاهرا في الأصل صححت من النسخ الأخرى، وأشرت إلى ذلك في الحاشية مع ذكر مصدر يدل على صحة ما أثبته في حالات كثيرة.
وإذا اتفقت النسخ على الخطأ صححت من المصدر الذي نقل عنه المؤلف أو من مصدر آخر أورد الخبر.
وقد أثبت الكلمات التي قام الناسخ بتصويبها في متن الكتاب أو في حواشيه، وأعدت الكلام الساقط من المتن وهو مدون في الحواشي إلى المتن في مكانه الصحيح.
2 - قمت بنسخ الآيات القرآنية الواردة في المتن من المصحف العثماني إصدار مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وذكرت في حاشية الكتاب اسم السورة ورقم الآية.
3 - وضعت الأحاديث والآثار الواردة في المتن بين قوسين، ثم خرّجتها من مظانّها الأصلية، فإذا كان الحديث أو الأثر في الصحيحين أو أحدهما، عزوته إليهما أو إلى أحدهما بذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث إن وجد من صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري أو صحيح مسلم بشرح النووي.
وإن لم يكن الحديث أو الأثر في الصحيحين أو أحدهما عزوته إلى مصادره، ثم أذكر التصحيح أو التضعيف للحديث في هذه المصادر إن
وجد، وفي الغالب أذكر قول أصحاب الاختصاص في تخريج الأحاديث والآثار في الحكم على الحديث أو الأثر، وربما علّقت أحيانا على بعض الأحاديث أو الآثار إذا اقتضى الأمر ذلك.(1/82)
وإن لم يكن الحديث أو الأثر في الصحيحين أو أحدهما عزوته إلى مصادره، ثم أذكر التصحيح أو التضعيف للحديث في هذه المصادر إن
وجد، وفي الغالب أذكر قول أصحاب الاختصاص في تخريج الأحاديث والآثار في الحكم على الحديث أو الأثر، وربما علّقت أحيانا على بعض الأحاديث أو الآثار إذا اقتضى الأمر ذلك.
4 - عنيت بتوثيق الأخبار التي أوردها المؤلف عناية خاصة، فرجعت إلى كثير من مصادر السنة والسيرة النبوية، وكتب التراجم والأدب ودواوين الشعر وغيرها من المصادر التي نقل عنها المؤلف مباشرة أو بواسطة، وذلك من أجل تخريج هذه الأخبار وتوثيقها، وقد عانيت من ذلك كثيرا، وأخذ هذا الأمر مني جهدا ووقتا لأن المؤلف في الغالب لا يذكر المصدر الذي نقل عنه.
5 - حرصت على توثيق الأخبار من مصادر المؤلف أو من مصادر متقدمة على عصره، وربما تعذر ذلك أحيانا فوثقت الخبر من مصادر متأخرة على عصره. أما الأبيات الشعرية الموجودة في أماكن مختلفة من الكتاب، فقد وضحت في الحاشية مكانها في ديوان قائلها إن كان له ديوان وكان اسم الشاعر مذكورا في النص.
وأما النصوص الشعرية التي لم يذكر اسم قائلها فقد حاولت أن أقف على اسمه الحقيقي، فإن لم أتمكن من ذلك أحلت القارئ إلى أماكنها في المصادر الأدبية أو في المصادر التأريخية المتقدمة إذا كانت تلك الأبيات موجودة فيها.
وأما الأمثال فقد وضحت مكانها في كتب الأمثال، وإن تعذر ذلك
أشرت في الحاشية إلى عدم وقوفي على المثل في مظانّه الأصلية.(1/83)
وأما الأمثال فقد وضحت مكانها في كتب الأمثال، وإن تعذر ذلك
أشرت في الحاشية إلى عدم وقوفي على المثل في مظانّه الأصلية.
6 - تضمّن الكتاب عددا كبيرا من الأعلام منها المشهور ومنها المغمور، فقدّمت لها تراجم موجزة، اكتفيت بذكر اسم العلم، وذكر بعض مناقبه أو مثالبه، ثم تأريخ مولده ووفاته إن أمكن ذلك. واقتصرت على ذكر الترجمة في كل موضع يرد فيه اسم هذا العلم، وتجنبت الإحالة إلى التراجم في الصفحات اللاحقة التي ترد أسماؤهم فيها، وذكرت بجوار كل ترجمة مصدرين أو أكثر من كتب التراجم، مع مراعاة التسلسل الزمني لوفيات مؤلفيها، وذكرت مصدرا واحدا إذا تعذر وجود غيره.
كما ترجمت للأعلام المغمورة من بعض المصادر التأريخية والأدبية التي ترجم مؤلفوها لبعض الأعلام، مثل: تأريخ الطبري، والأغاني للأصبهاني، والكامل لابن الأثير، وتأريخ الإسلام للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير.
7 - عقّبت على بعض المسائل العقدية والشرعية والتأريخية التي تحتاج إلى ذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية لهذه المسائل والوقوف على المذهب الصحيح وإثباته، وأحيانا أخرى أذكر تعقيب العلماء عليها إن وجد.
8 - شرحت معنى بعض الألفاظ الغامضة التي وردت في الأحاديث والأخبار والأشعار العربية منها والأجنبية، واعتمدت في ذلك على كتب غريب الحديث، كالفائق في غريب الحديث للزمخشري، وغريب الحديث
لابن قتيبة، وغريب الحديث للخطابي، وغريب الحديث للحربي، وغريب الحديث لابن الجوزي، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير،(1/84)
8 - شرحت معنى بعض الألفاظ الغامضة التي وردت في الأحاديث والأخبار والأشعار العربية منها والأجنبية، واعتمدت في ذلك على كتب غريب الحديث، كالفائق في غريب الحديث للزمخشري، وغريب الحديث
لابن قتيبة، وغريب الحديث للخطابي، وغريب الحديث للحربي، وغريب الحديث لابن الجوزي، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير،
واعتمدت في التعريف بمعنى الألفاظ العربية على الصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وأحيانا على تاج العروس للزبيدي. وأما التعريف بمعنى الألفاظ الفارسية والأجنبية الأخرى، فقد اعتمدت على كتاب المعرب للجواليقي، ومفتاح العلوم للخوارزمي، والألفاظ الفارسية المعربة لإدي شير، ودائرة المعارف للبستاني، ودائرة المعارف الإسلامية لفريد وجدي.
9 - عرفت بالمواقع والأماكن تعريفا دقيقا ومعاصرا قدر المستطاع، بعد ضبطها بالشكل، واعتمدت في ذلك على مصادر متقدمة كمعجم ما استعجم للبكري، ومعجم البلدان لياقوت، والمغانم المطابة للفيروزآبادي، وعلى بعض المراجع الحديثة كالمعالم الأثيرة لمحمد شراب وأحداث التأريخ الإسلامي لعبد السلام الترمانيني، ومعجم معالم الحجاز للبلادي، وغيرها.
كما عرفت بالقبائل بالاعتماد على كتاب نهاية الإرب للقلقشندي.
وعرفت بالأنساب بالرجوع إلى عجالة المبتدى للهمداني، واللباب لابن الأثير.
10 - وضعت عناوين جانبية للموضوعات حسب الحاجة لذلك، وحصرتها بين قوسين هكذا () وأشرت إلى ذلك في الحاشية.
11 - وضعت للكتاب فهارس تفصيلية للآيات والأحاديث والآثار والأشعار والأعلام المترجم لهم، والأعلام الذين لم أعثر على ترجمتهم.
وكذا الأماكن والأنساب والقبائل، وأخيرا جعلت فهرسا للموضوعات، واقتصرت في فهرس الأعلام والأنساب والقبائل والأماكن على الإحالة إلى مكان الترجمة فقط.(1/85)
11 - وضعت للكتاب فهارس تفصيلية للآيات والأحاديث والآثار والأشعار والأعلام المترجم لهم، والأعلام الذين لم أعثر على ترجمتهم.
وكذا الأماكن والأنساب والقبائل، وأخيرا جعلت فهرسا للموضوعات، واقتصرت في فهرس الأعلام والأنساب والقبائل والأماكن على الإحالة إلى مكان الترجمة فقط.
خامسا منهج ابن الكردبوس وأسلوبه في كتابه (الاكتفاء في أخبار الخلفاء):
استعان ابن الكردبوس في تدوين كتابه (الاكتفاء) بكل المناهج التي استخدمها المؤرخون من قبله فلم يخضع كتابته لمنهج واحد يطبقه على كل ما كتب.
ويبدوا لي أنه قد تأمل مناهج الكتابة التأريخية التي اتبعها المؤرخون من قبله قبل شروعه في تدوين كتابه هذا، فرأى مناهج مختلفة كان من بينها من اتبع طريقة الحوليات: أي أرّخ للأحداث سنة بعد سنة، وهو المنهج الذي سار عليه محمد بن جرير الطبري وغيره، وهي طريقة لها مزايا بغير شك، إذ هي تضمن تسلسل الترتيب الزمني للأحداث ولكنها كثيرا ما تمزق سياق الحادثة التأريخية الطويلة التي تتواصل وتمتد إلى عدد من السنين (1). وكان هناك من عالج تأريخ الخلفاء والملوك على أساس أن يتبع في عرض المادة تسلسل العهود خليفة بعد خليفة، واتبع في عهد كل خليفة توالي السنين جامعا بين أسلوبي العهود والحوليات، كأسلوب
__________
(1) عبد العزيز سالم: التأريخ والمؤرخون العرب ص 83.(1/86)
اليعقوبي في تأريخه (1). وقد تأثر المسعودي في أسلوبه بأسلوب اليعقوبي، فقد جمع الحوادث التأريخية تحت رؤوس موضوعات تتعلق بالشعوب أو الأسرات والدول والحكام، وكتابه مروج الذهب شأنه في ذلك شأن تأريخ اليعقوبي يجمع بين التأريخ حسب الموضوعات وحسب الدول والحكّام. وكان معظم المؤرخين الذين اتبعوا هذا المنهج يضيفون قبل المضي في دراستهم لشخصية الخليفة أو الحاكم موضوع الدراسة: الاسم والكنية والصفات الجسمانية له، وأحيانا يوردون قوائم بأسماء القضاة والوزراء والكتاب (2). وأبرز الرجال الذين خدموا الدولة في عهده.
وتأمل ابن الكردبوس منهج ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب الذي تميز عن غيره ممن كتب في الصحابة بأنه أكد على الجانب التأريخي في تراجمهم، وأكثر من النقل عن المؤرخين. وعليه فقد استوعب مساحة زمنية واسعة من تأريخ الأمة وذلك من خلال حركة الصحابي أو التابعي، ومشاركته في جميع النشاطات قبل الإسلام وبعده كالغزوات أو الأعمال والوظائف التي وليها الصحابي، مع ذكر أسماء الخلفاء الذين تمت في عهودهم هذه المشاركات، وبذلك قدم لنا ابن عبد البر مادة تأريخية تتعلق بعصر السيرة وعصر الخلفاء الراشدين، ثم أورد لنا معلومات عن الدولة الأموية من خلال ترجمته لمعاوية وغيره من الصحابة رضي الله عنهم الذين
__________
(1) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1/ 252.
(2) عبد العزيز سالم: التأريخ والمؤرخون العرب ص 93، 94.(1/87)
شهدوا أحداثها، ثم ذكر لنا أخبارا وقعت عندما تولى عبد الله بن الزبير حكم الحجاز والعراق لحين وفاته، وامتد البعد الزماني للاستيعاب إلى الدولة العباسية (1).
لقد نظر ابن الكردبوس في كل هذه المناهج المختلفة، فرأى أن بعضها يكمل بعضا، وهكذا قرر أن يستفيد من كل هذه المناهج حتى يصبح كتابه هذا من أجمع الكتب التي تناولت تأريخ الإسلام.
لقد برزت مهارة المؤلف في قدرته على التدوين لعصر السيرة ثم لهذا العدد الكبير من الخلفاء على مدى ستة قرون تقريبا في مجلد محدود الصفحات، وذلك أن مهارة المؤرخ ليست في علاج موضوع كبير في حيز ضخم بقدر ما هي قدرته على علاج موضوع كبير في حيز صغير محدود.
ولا شك أن ابن الكردبوس عندما اختار لكتابه اسم (الاكتفاء) كان يدرك ماذا يريد القاريء وهكذا حرص وهو يستعرض سيرة الخلفاء أن يقتصر على العلامات المميزة في سيرة كل منهم، دون ذكر الاستطرادات الثانوية التي لا يحتملها كتابه الموجز، وقد تبدوا هذه العلامات المميزة في الأحوال الشخصية للمترجم له، أو البارزة من أعماله وحروبه، أو في بعض الملح والنوادر التي ترتبط بسيرته، وهكذا جاء كتابه معبرا عمّا أراده له.
__________
(1) ليث سعود جاسم: ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التأريخ ص 299297.(1/88)
توزيع مادة الكتاب:
عالج ابن الكردبوس التأريخ الإسلامي منذ فجر الرسالة المحمدية وحتى قبيل وفاته في العقد الأول من القرن السابع الهجري، وقد رتب مادة كتابه في مقدمته، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له، قال:
«فإن هذا الكتاب أثبت فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الهاشمي وأتلوه بذكر صحابته الكرام الخلفاء الأربعة الكرام الأعلام، وأتبعهم بذكر من ولي أمر الأمة الإسلامية من الخلفاء الأمويين والعباسيين جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، إلى حيث ينتهي بنا هذا التأليف. وأصل بذكر بني أمية بعض أخبار الأندلس وولاتها بسبب من دخلها وتملك بجهاتها، ومن ولي المغرب وأحيا السنة فيه بعد إماتتها» (1).
هذا ومن خلال استعراضنا التالي لمحتويات كتاب (الاكتفاء) في فترات التأريخ الإسلامي ستتضح لنا بإذن الله أهم مميزات وخصائص هذا الكتاب.
1) قسم السيرة النبوية:
بعد المقدمة التي ذكر فيها المؤلف الخطوط العامة لمحتوى الكتاب، أورد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة دقيقة مقتصرا فيها على الأحداث الرئيسة، تاركا السرد الروائي المفصل.
وقد سلك المؤلف في تقديمه مادة السيرة منهجين:
__________
(1) الاكتفاء ص 126من التحقيق.(1/89)
أ) منهج العرض الموضوعي للأحداث المهمة والرئيسة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كنسبه، ومولده، وكفالة عمه له، ثم مبعثه، وأول من آمن به من الذكور، وصفاته الخلقية (1). ثم هجرته إلى المدينة وذكر أهم الغزوات والسرايا، وعدد حججه (2)، ثم ذكر كتّابه، وحاجبه، وخادمه، وأمير جيوشه، ونقش خاتمه، وصاحب خاتمه، وخازنه (3)، ثم معجزاته، وتأريخ وفاته، ومبلغ سنه، ثم بنيه وزوجاته، وكيفية غسله وتكفينه والصلاة عليه، وموضع قبره، ووقت دفنه، وذكر أسمائه (4). وفي ثنايا هذا العرض ذكر المؤلف جملا من الأحداث التي كانت في سيرته صلى الله عليه وسلم، كبعض الإرهاصات التي سبقت مولده، وحادثة شق الصدر (5)، وغير ذلك. ومن الملاحظ هنا أن المؤلف لم يراعي التسلسل الزمني لأحداث السيرة، حيث قدم بيعة الرضوان على هجرته صلى الله عليه وسلم (6).
ب) منهج عرض أهم أحداث السيرة بطريقة الحوليات، أي حسب ترتيب السنين، منذ السنة الأولى التي ولد فيها وحتى سنة وفاته. كخروج أمه آمنة به إلى أخواله بالمدينة في السنة السابعة من مولده، ووفاة جده
__________
(1) الاكتفاء ص 128، 133، 143، 145، 147، 150.
(2) الاكتفاء ص 160، 167، 176،.
(3) الاكتفاء ص 178، 181، 182، 184.
(4) الاكتفاء ص، 184، 218، 194، 196، 215.
(5) الاكتفاء ص 134، 135.
(6) الاكتفاء ص 156.(1/90)
عبد المطلب سنة ثمان، ومبعثه، وهو ابن أربعين سنة، وتوفي سنة إحدى عشرة من الهجرة (1). إلا أنه لم يراع التسلسل الزمني لبعض الأحداث، حيث قدم بيعة الرضوان على الهجرة إلى المدينة (2). ويلاحظ أن المؤلف قدم أحداث السيرة على سبيل التركيز والاختصار واهتم بذكر التواريخ لكل حدث، وبين الاختلاف الذي دار حول بعض المسائل كالاختلاف في أول من آمن من الرجال برسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، وأول من بايع تحت الشجرة (4)، والخلاف في تسمية كتّابه، وتسمية حاجبه (5)، وصفة نقش خاتمه (6)، وأبان عن آرائه الخاصة في بعض مسائل السيرة، منها أن عبد المطلب مات مؤمنا بالملائكة والبعث (7).
وكشف عن رأيه في مسائل الخلاف، وذلك بتقديم الرأي الذي رأى أنه أرجح الأقوال (8).
2 - عصر الخلفاء الراشدين:
__________
(1) الاكتفاء ص 133، 136، 139، 145.
(2) الاكتفاء ص 160.
(3) الاكتفاء ص 147.
(4) الاكتفاء ص 158.
(5) الاكتفاء ص 181.
(6) الاكتفاء ص 182.
(7) الاكتفاء ص 140.
(8) الاكتفاء ص 133.(1/91)
تحدث المؤلف عن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإيجاز، فذكر بعض أحواله الخاصة كنسبه، وكنيته ولقبه (1). ثم تحدث عن كيفية دخوله في الإسلام (2) ومنزلته في قريش، ودعوته للإسلام، وبعض من أسلم من الصحابة بدعوته (3). وأورد بالتفصيل خبر سقيفة بني ساعدة، وموقف سعد بن عبادة وعلي والزبير وخالد بن سعيد رضي الله عنهم من بيعته (4)، وبعض خطبه (5)، وعاد مرة أخرى إلى ذكر بعض أحوله الشخصية، كصفاته الخلقية (6)، وأشار إلى بعض النواحي الإدارية في عهده كولاية الحجابة والكتابة والقضاء، ونقش الخاتم (7). ثم عاد إلى ذكر شيء من أحواله الخاصة كذكر أبنائه ونسائه، وإيراد بعض فضائله (8).
وأشار إلى شيء من أخبار بعض المرتدين وقمع حركتهم، وتوجيه
__________
(1) الاكتفاء ص 221.
(2) الاكتفاء ص 223.
(3) الاكتفاء ص 229.
(4) الاكتفاء ص 230.
(5) الاكتفاء ص 240.
(6) الاكتفاء ص 243.
(7) الاكتفاء ص 245.
(8) الاكتفاء ص 247.(1/92)
الجيوش الإسلامية إلى بلاد العراق والشام (1)، ثم ذكر سبب مرضه ووفاته وغسله ودفنه واستخلافه عمر رضي الله عنه من بعده، وثناء علي رضي الله عنه عليه، وتسمية عماله على الولايات عند وفاته (2).
ثم تناول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتفصيل أوسع مما كتبه عن خلافة أبي بكر، ولكن مع ذلك لم يكن شاملا لكل الأحداث التي تمت في عهده، بل اقتصر على بعضها. فتحدث أولا عن حياته قبل الإسلام، فذكر نسبه من جهة أبيه، ثم التحقيق في نسب أمه وولادته، ومكانته عند قريش في الجاهلية (3)، ثم ذكر القصة المشهورة في إسلامه، وبعض مناقبه (4)، وخبر استخلافه، وما اتصف به (5). ثم أشار إلى بعض الجوانب الإدارية في عهده:
فذكر من تولى الكتابة والحجابة والقضاء وبيت المال، ونقش الخاتم (6).
وسمّى أبناءه ونساءه، وذكر تسميته بأمير المؤمنين (7). ثم عاد إلى ذكر بعض صفاته وأخلاقه (8).
وأورد نصوصا من خطبه التي بين فيها أسس سياسته التي سار
__________
(1) الاكتفاء ص 253250.
(2) الاكتفاء ص 267.
(3) الاكتفاء ص 280277.
(4) الاكتفاء ص 289281.
(5) الاكتفاء ص 296290.
(6) الاكتفاء ص 298296.
(7) الاكتفاء ص 305298.
(8) الاكتفاء ص 307.(1/93)
عليها (1). ثم تحدث عن جوانب من سياسته المالية حيث شاطر عماله أموالهم، وتفقده أحوال الرعية، وأشار إلى جانب من فقهه وسعة علمه (2).
ثم تحدث عن أشهر الفتوحات الإسلامية في الشام والعراق والجزيرة وإفريقية التي تمت في عهده متبعا الأسلوب الحولي في ذكره للمدن التي فتحت، ولم يذكر فتح مصر، وقد ركز على فتوح بلاد الشام أكثر من أي جهة أخرى، وربما يعود ذلك إلى عدم توفر المصادر التي تعنى بحركة الفتح في تلك البلاد، كما أنه لم يغفل الجانب الاقتصادي الذي ازدهر في عهده من جراء حركة الفتح (3). وتخلل هذه الأحداث إشارة إلى بعض أعماله كتمصير الكوفة (4)، وكتابة التأريخ (5)، وتوسعة المسجد الحرام (6)، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم (7)، وذكر أهم الكوائن والأحداث كعام الرمادة (8)، وطاعون عمواس (9).
ثم فصّل الحديث في استشهاده (10)، وجملة من وصاياه ومنها وصيته
__________
(1) الاكتفاء ص 320307
(2) الاكتفاء ص 317310، 320318.
(3) الاكتفاء ص 368324.
(4) الاكتفاء 348.
(5) الاكتفاء ص 349.
(6) الاكتفاء ص 351.
(7) الاكتفاء ص 357.
(8) الاكتفاء ص 350.
(9) الاكتفاء ص 350.
(10) الاكتفاء ص 377374.(1/94)
للخليفة من بعده ولابنه عبد الله، وغسله وكفنه، وثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه عليه، والصلاة عليه ودفنه (1). ثم رثاء زوجته عاتكة بنت زيد له (2). ثم قول عمر في أهل الشورى، ويختم الحديث عنه بذكر أسماء عماله (3).
ثم تناول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه بشيء من البسط، فذكر نسبه وكنيته وتأريخ مولده وصفاته (4)، ثم تحدث عن كيفية استخلافه بالتفصيل (5)، وأشار إلى بعض فتوح المشرق ومصر وإفريقية في عهده (6)، وأورد بعض الشبه عن بعض عماله على شكل حقائق، فقال عن الوليد بن عقبة رضي الله عنه: «وكان الوليد شريب خمر» (7) وقال عن سعيد بن العاص رضي الله عنه: «وكان في سعيد تجبر وغلظة وشدّة وسلطان» (8).
وذكر جوانب من النواحي العمرانية في عهده كتوسعة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم (9). ثم تحدث عن فتنة استشهاده رضي الله عنه (10)،
__________
(1) الاكتفاء ص 381، 383، 385، 386، 387.
(2) الاكتفاء ص 392390.
(3) الاكتفاء ص 396395.
(4) الاكتفاء ص 397، 398، 399، 399.
(5) الاكتفاء ص 414401.
(6) الاكتفاء ص 416414.
(7) الاكتفاء ص 421.
(8) الاكتفاء ص 451.
(9) الاكتفاء ص 432.
(10) الاكتفاء ص 459453.(1/95)
وذكر الخلاف الذي حصل فيمن باشر قتله (1)، وبراءة محمد بن أبي بكر وعلي رضي الله عنه (2). وأشار أخيرا إلى مدة خلافته ومبلغ سنه والصلاة عليه ودفنه، ورثاء بعض الصحابة له وتسمية عماله عند وفاته (3).
وتحدث عن خلافة علي رضي الله عنه بتفصيل أكثر، فذكر نسبه وكنيته ولقبه وتأريخ إسلامه (4)، والطريقة التي تمت بها بيعته، وذكر من بايعه ومن تخلف عن بيعته من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم (5)، ثم تحدث عن صفاته وأبرز من تولى بعض المناصب الإدارية في عهده كالقضاء والحجابة والكتابة (6)، وذكر أسماء أبنائه (7)، وأشار إلى فصاحته وبلاغته وسعة علمه، وذكر نماذج من عدله، وأقوالا من حكمه (8).
ثم تحدث عن أهم الأحداث في خلافته، فذكر موقفه من عمال عثمان مع التركيز على إيضاح الجهود التي بذلها علي رضي الله عنه لأخذ البيعة من
__________
(1) الاكتفاء ص 462459.
(2) الاكتفاء ص 464، 465.
(3) الاكتفاء ص 470، 473، 477.
(4) الاكتفاء ص 487، 481، 482،
(5) الاكتفاء ص 485482.
(6) الاكتفاء ص 485، 488، 489.
(7) الاكتفاء ص 494490.
(8) الاكتفاء ص 504494.(1/96)
معاوية رضي الله عنه (1)، وتحدث عن وقعة الجمل بإيجاز مع بيان استشهاد طلحة وابنه محمد بن طلحة والزبير رضي الله عنهم، وذكر النتيجة العامة لهذه الوقعة (2)، ثم عن وقعة صفين مع تقديم إحصائية لعدد جيش الفريقين، وأطال في وصف أيامها وأحداثها ومشاهدها واستشراء القتال بها، ومن استشهد بها كعمار بن ياسر وعبيد الله بن عمر رضي الله عنهما، وختم الحديث عنها بذكر تأريخها وعدد القتلى من الطرفين (3)، ثم عرض قصة التحكيم واستعرض بعض الآراء التي قيلت فيه والكيفية التي تم بها (4)، وتحدث عن حروبه مع الخوارج، وختم الحديث عنه بذكر لمع من أخباره وفضائله وكيفية استشهاده (5).
كما تحدث عن خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وخبر الصلح مع معاوية (6).
ويلاحظ من طبيعة المعلومات التي أوردها المؤلف عن تأريخ الخلفاء الراشدين الأربعة وخلافة الحسن بن علي مايلي:
1 - أنه اهتم بإظهار العلاقات المتميزة بين الخلفاء، فأورد ثناء علي
__________
(1) الاكتفاء ص 512506.
(2) الاكتفاء ص 528.
(3) الاكتفاء ص 562537.
(4) الاكتفاء ص 567565.
(5) الاكتفاء ص 567، 571.
(6) الاكتفاء ص 584.(1/97)
على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم (1)، وبراءته من قتل عثمان رضي الله عنه (2).
2 - ضمّن المؤلف هذا القسم من تأريخ الإسلام فنونا مختلفة، فأورد مسائل فقهية (3)، ونصوصا شعرية في رثاء بعض الخلفاء (4)، ونصوصا أدبية كالخطب (5)، والرسائل (6)، والوصايا (7).
3 - حرصه على تسجيل الإحصائيات كعدد الحجج التي حجها بعض الخلفاء (8)، وإيراد الأقوال والآراء المختلفة حول بعض المسائل بعد أن يقدم الرأي الذي يراه (9).
4 - قدم تراجم موجزة لبعض الصحابة الذين لهم ذكر في الأحداث، عندما يرد ذكرهم (10)، إلا أنه يورد بعض الشبه والأباطيل على بعض الصحابة دون تعليق وبيان القول الصحيح فيها.
5 - أورد قوائم بأسماء عمال بعض الخلفاء (11).
__________
(1) الاكتفاء ص 271، 386.
(2) الاكتفاء ص 465.
(3) الاكتفاء ص 324321.
(4) الاكتفاء ص 392390، 485483.
(5) الاكتفاء ص 239، 240، 310380.
(6) الاكتفاء ص 162، 515، 516، 517، 523519.
(7) الاكتفاء ص 382381.
(8) الاكتفاء ص 320، 413.
(9) الاكتفاء ص 354، 388، 398.
(10) الاكتفاء ص 392، 480، 296.
(11) الاكتفاء ص 273، 416.(1/98)
3 - عصر خلفاء بني أمية:
لم يختلف منهج المؤلف وأسلوبه في عرضه لتأريخ بني أمية عن منهجه وأسلوبه في العصر السابق، فقد اتبع المنهج الموضوعي مع الأخذ بالمنهج الحولي في تدوين الأحداث التأريخية، وإن لم يلتزم فيه التزاما كاملا، وسبب ذلك أن كتابه قد ضمنه مختلف العلوم والفنون. فطريقته هنا تقوم على ذكر المعلومات الشخصية الخاصة بالخليفة: اسمه، وكنيته ولقبه، ثم يسهب الحديث عن أمه وأبيه إذا تيسر له ذلك بقصد بيان مكانته، ثم يتحدث عن صفاته الخلقية، ويذكر أهم النواحي الإدارية في عهده كذكر من تولى الكتابة والحجابة والشرطة، ونقش الخاتم، ويسمي أبناءه، ويهتم بمنصب القضاء فيورد في أغلب الأحيان ترجمة موجزة لمن تولى القضاء. ثم يذكر أيام الخليفة ولمعا من أخباره وسيره ونوادره وأفعاله وأخلاقه، وسياسته في الحكم، ويختم الحديث عن الخليفة بذكر وفاته ومدة خلافته، ومبلغ سنه، والذي يحكم طول ترجمة الخليفة أو قصرها المعلومات المتوفرة عنها لدى المؤلف.
وتأتي أخبار الدولة والأحداث الهامة والشخصيات البارزة في نطاق الترجمة الشخصية للخليفة.
ونشير بإيجاز إلى أبرز ملامح كتابة المؤلف عن بعض الخلفاء فمن أهم ما دونه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه برّه وإحسانه وتقديره لآل البيت (1)، وثناؤه على علي رضي الله عنه (2)، وأشاد بحسن خلقه فقال: «وكانت
__________
(1) الاكتفاء ص 615.
(2) الاكتفاء ص 622.(1/99)
لمعاوية رحمه الله أخلاق كريمة، وعلوم جسيمة» (1)، وذكر شيئا من فضائله ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له (2)، وشهادة أصحابه له بالحلم والسؤدد (3).
أما يزيد بن معاوية فإن آراء المؤلف فيه لا تنم عن الرضا والقبول، بل على العكس من ذلك، بدا يزيد ذلك الرجل المولع بالصيد واقتناء الجوارح والكلاب والقرود والفهود ومعاقرة الشراب، ووصفه بالفسق والظلم والجور. بل إنه جعل هذه المساوئ سببا في خروج أهل المدينة عليه فقال: «ولما شمل الناس جور يزيد وعمّاله، وعمّهم جوره وظلمه، وتحقق عندهم فسقه وشربه، وقتله الحسين رضي الله عنه، وصار فرعون زمانه» (4) وربما كان سبب إطلاق هذه الأحكام على يزيد من قبل المؤلف ناتج من واقع المصير المؤلم الذي آل إليه أمر الحسين بن علي وبعض أهل بيته في عهد يزيد، وقد ظهر تعاطف المؤلف مع آل البيت من خلال عرضه التفصيلي لأحداث استشهاد الحسين رضي الله عنه وانعكس ذلك الحدث المؤلم على أهل العراق (5).
أما نظرته إلى معاوية بن يزيد فإنها تختلف عن نظرته إلى أبيه يزيد، فقد وصفه بالخليفة الورع الفاضل الذي لم يشبه أباه ولا أحدا من أهله (6).
__________
(1) الاكتفاء ص 607.
(2) الاكتفاء ص 610.
(3) الاكتفاء ص 608.
(4) الاكتفاء ص 760.
(5) الاكتفاء ص 751720.
(6) الاكتفاء ص 777.(1/100)
ثم تحدث عن خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مؤكدا ثبوت بيعته واجتماع أهل الحجاز واليمن والعراق وخرسان على طاعته (1)، ولم يذكر شيئا عن أحواله الشخصية، وإنما ركز الحديث على أهم الجوانب السياسية التي كانت في عهده كحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي (2)، والخلاف مع مروان بن الحكم (3).
أما ما كتبه عن عبد الملك بن مروان من ملحوظات وانطباعات، مثل قوله: «إنه كان يحب الفخر والمدح» (4)، فإنه نقض ذلك بنفسه حينما تحدث عن سيرته وأورد أقواله ومواقفه مع أتباعه ومع أعدائه، فمثلا حينما اختار عبد الملك عامر الشعبي جليسا له كان من ضمن الوصايا التي أملاها عليه: ألّا يساعده على القبيح، وأن يجعل له بدل المدح صواب الاستماع منه وألّا يجهد نفسه في تطرية جوابه واستدعاء الزيادة من كلامه (5). وقال لبعض جلسائه: «إياك أن تمدحني، فإني أعلم بنفسي منك» (6) وكتب المؤلف عن الحجاج بن يوسف جملا من أخباره
__________
(1) الاكتفاء ص 802.
(2) الاكتفاء ص 784.
(3) الاكتفاء ص 795.
(4) الاكتفاء ص 839.
(5) الاكتفاء ص 851.
(6) الاكتفاء ص 859.(1/101)
وخطبه (1) وبعض أفعاله (2)، ويلاحظ على ذلك أنه قد بالغ في وصف ظلمه وقتله للناس، حيث أنه من غير المعقول أن يكون عدد من قتله الحجاج قهرا وصبرا مائة ألف رجل وعشرين ألف امرأة (3)، وأنه وجد في سجنه بعد موته ثمانين ألف محبوس ليس فيهم من يلزمه قتل، منهم ثلاثون ألف امرأة (4)، فهذه الأخبار لا يمكن أن تصدق، وذلك لمجافاتها للعقل والواقع، ولأن لكل قول حدودا إذا جاوزها خرج عن حد القبول. بل وصل الحد بالمؤلف أن يقول عن الحجاج كلاما لا يليق أن يقال لمسلم، كقوله: «فكان من خواص الحجاج أنّه من نطفة سم وأول غذائه دم، وطبيبه إبليس» (5).
ويلاحظ ما سجله المؤلف عن الوليد بن عبد الملك تركيزه على اهتمام الوليد بالجانب العمراني، فتحدث عن توسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناء الجامع الأموي بدمشق (6)، وذكر بعض إصلاحاته الإدارية كإجراء النفقة على المجذومين، وتأسيس البيمارستانات، وحفر آبار مكة
__________
(1) الاكتفاء ص 921.
(2) الاكتفاء ص 961.
(3) الاكتفاء ص 951.
(4) الاكتفاء ص 951.
(5) الاكتفاء ص 952.
(6) الاكتفاء ص 985.(1/102)
والمدينة، وأشار إلى أهم الفتوحات في عهده (1).
وأما ما كتبه عن تأريخ الأندلس فقد تميز بخصوبة مادته وقيمتها العلمية ودقتها وعمق نظرتها، بل إنه في كثير من الأحيان يأتي بمعلومات جديدة لا نجدها في المصادر التأريخية الأخرى (2). وقد ضمن هذا الجزء من الكتاب أخبار بقية الخلفاء الأمويين بإيجاز، ناهجا في عرضه لأحداث التأريخ في عهدهم المنهج نفسه الذي اتبعه في تأريخه لعصر الخلفاء السابقين، من ذكر المعلومات الخاصة بشخص الخليفة وصفاته ومكانته وما يدخل في نطاق ذلك من سرد الروايات والأحداث التي دارت في عصره (3).
غير أن المؤلف قد بالغ أحيانا في وصفه لحال بعض الخلفاء، كقوله عن سليمان: «وكان سليمان نهما له معدة كالنار، فمتى حصلت له الأطعمة فيها عادت حمأ من شدة حرارتها فكان يأكل أبدا ولا يشبع» (4)
وقال في هشام بن عبد الملك: «إنه حج بالناس في خلافته فحملت ثياب ظهره ستمائة جمل، ووجد له بعد موته ستة ألاف سروال» (5).
ويلاحظ على المؤلف أنه أطلق لفظ (أيام) على فترة حكم كل خليفة أموي ولم يصفها بالخلافة، ما عدا فترة حكم عمر بن عبد العزيز
__________
(1) الاكتفاء ص 988.
(2) العبادي: تأريخ الأندلس ص 12.
(3) الاكتفاء ص 966، 1001، 1006
(4) الاكتفاء ص 1047.
(5) الاكتفاء ص 1141.(1/103)
حيث أطلق عليها لفظ (خلافة) ولعل السبب في ذلك هو إجماع الأمة على صلاحه وتقواه وعدله وزهده وفضله، وحسن سياسته في رعيته (1).
4 - عصر خلفاء بني العباس:
سار المؤلف في عرضه التأريخي لعهود الخلفاء العباسيين على النظام نفسه الذي سار عليه في تدوينه لتأريخ بني أمية. من ذكر المعلومات الشخصية عن الخليفة، كاسمه ونسبه وكنيته ولقبه وصفاته، وشيء من أخبار أمه، وتأريخ بيعته ومبلغ سنه حينذاك، ثم يذكر بعض من تولى أبرز المناصب الإدارية في عهده، ثم يتحدث عن سيرته ونوادره وأشهر أفعاله، ويختم الحديث عن الخليفة بذكر مدة خلافته ووفاته ومبلغ سنه.
والذي يتأمل ما كتبه المؤلف عن أبي العباس السفاح يجد المبالغة في وصف قتله لبني أمية حيث قال عنه: «وأمعن في قتل بني أمية لقتلهم الحسين بن علي رضي الله عنهما حتى لم يبق منهم أحدا، ولذا قلّوا.
فالمكثر يقول: قتل منهم أربعين ألفا، والمقل يقول: عشرين ألفا» (2) ويصفه بالجود وسداد الرأي وكرم الأخلاق، وأنه وصل عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم بألفي ألف درهم، وهو أول خليفة وصل بهذا العدد (3). ويظهر مدى ارتباط هذه الأحكام الخاصة بأبي العباس وتأثرها بمعاملته للعلويين.
__________
(1) الاكتفاء ص 1071.
(2) الاكتفاء ص 1331.
(3) الاكتفاء ص 1328.(1/104)
وعندما ننظر إلى ما سجله المؤلف عن المنصور نلاحظ الإطراء والثناء والمدح (1). ولعل من أهم ما دونه عنه إيضاحه لبرنامجه اليومي، فقال عنه: «كان شغله صدر نهاره الأمر والنهي والتولية والعزلة ومصلحة معائش الرعية، فإذا صلى العصر جلس لأهل بيته إلى من أحبّ أن يسامره، فإذا صلى العشاء الآخرة نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والأطراف والآفاق، وشاور سمّاره في ذلك وفيما أحب، وإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سمّاره، فإذا مضى الثلث الثاني قام من فراشه فأسبغ وضوءه وصفّ في محرابه حتى يطلع الفجر فيخرج ويصلي بالناس، ثم يخرج ويجلس في إيوانه» (2).
أما ما ذكره عن المهدي من كونه مائلا إلى المنادمة صبورا عليها (3).
فإن ذلك طعن فيه وتشويه لتأريخه، فقد ثبت عنه أنه شديد الخوف من الله تعالى معاديا لأولي الضلالة (4).
ويلاحظ على المؤلف أحيانا أنه لا يتحقق فيما ينسبه إلى الخلفاء من تهم وأباطيل، بل يوردها على أنها حقائق ثابتة، فقال مثلا في وصف الهادي: «كان قاسي القلب، سيء الأخلاق، سفاكا للدماء» (5)، وقال في
__________
(1) الاكتفاء ص 1349.
(2) الاكتفاء ص 1351.
(3) الاكتفاء ص 1379
(4) الذهبي: سير 7/ 403، وابن كثير: البداية والنهاية.
(5) الاكتفاء ص 1398.(1/105)
وصف الرشيد: «كان محبا للندماء وسماع القيان، وهو أول خليفة هتك الستار» (1)، وقال عن الأمين: «كان الغالب عليه اللهو والضرب والشراب، وكان ضعيف العقل والرأي لا يفتر من لعب ولا يصحو من شرب، سفاكا للدماء» (2)، وقال عن المعتصم: «ولكنه كان مستترا لاستماع الغناء» (3)، وقال عن الواثق: «كان محبا في الشراب وسماع العود عظيم البطن كثير الأكل» (4).
كما يلاحظ على ما سطره المؤلف عن خلفاء العصر العباسي الثاني الإيجاز مع الدقة في سيرتهم، وربما كان السبب في ذلك ضعف هؤلاء الخلفاء، وعدم قدرتهم على صنع الأحداث إذ لم يكن لهم حول ولا طول ولم يعد لهم أمر ولا نهي ولا تدبير، فقد سلبت السلطة الحقيقية من أيديهم وأصبحوا مقهورين خائفين.
قام المؤلف بانتقاء مادته العلمية التي أودعها كتابه هذا، وقد أعمل فيها نظره وفكره وأصدر فيها أحكامه. فعندما تتعدد الروايات والأقوال في أمر من الأمور يختار الرأي الذي يميل إليه فيبدأ بعرضه أولا ثم يذكر الآراء الأخرى التي يشك في صحتها مصحوبة بكلمة (وقيل) (5) وقد يشير
__________
(1) الاكتفاء ص 1403.
(2) الاكتفاء ص 1430.
(3) الاكتفاء ص 1466
(4) الاكتفاء ص 1476.
(5) انظر مثلا ص 462من التحقيق.(1/106)
إلى الاختلاف أولا ثم يرجح الرأي الذي يراه صوابا (1).
وتظهر نزعة المؤلف الشعرية وذوقه الأدبي الرفيع بصورة جليّة من خلال النصوص الشعرية والأدبية والأمثال العربية التي أوردها في كتابه، فلا يكاد الشعر يختفي في أثناء عرض المادة التأريخية في جميع أجزائه، كما يلاحظ أنه يميل في استشهاداته إلى أغراض معينة من الشعر كالرثاء والزهد، وما يتصل بشخصيات الخلفاء. ولا يكاد يمر خليفة من الخلفاء الذين ذكرهم إلا ويورد له خطبة أو رسالة أو حوارا مع أحد أتباعه. وقد يتخلل الأحداث التأريخية والنصوص الأدبية التي يوردها بعض الأمثال العربية التي تلائم الحدث الذي يعالجه (2).
إن أسلوب ابن الكردبوس في إيراده مادة الكتاب يتبع في الغالب أسلوب من ينقل عنه، ومن هنا وردت معظم النصوص التي قارنتها مع المصادر التي نقل عنها متطابقة تماما باستثناء ما ورد من اختلافات لفظية بسيطة.
وقد تميز أسلوبه بالوضوح والإيجاز مع البساطة وحسن العرض وعدم التكلف، ليس في أسلوبه غموض ولا خفاء ولا إملال، وكان يستخدم الأساليب المشوقة الجذابة فيورد الملح والغرائب والنوادر في ثنايا كتابه لكي يستحوذ على ذهن القارئ فلا ينصرف إلى غيره، ولئلا يدبّ الملل والسأم إلى نفسه، ومن واقع حرص المؤلف على أن يبقى أسلوبه
__________
(1) انظر مثلا ص 1420من التحقيق.
(2) انظر مثلا ص 600من التحقيق.(1/107)
سهلا واضحا نلاحظه يلجأ أحيانا إلى تفسير المصطلحات الغريبة والألفاظ الصعبة (1).
أما منهجه في عرض المادة التأريخية، فهو إهمال الأسانيد لأنها كانت قد استقرت في عصره، وأن كثيرا من الأحداث التأريخية قد أصبحت معروفة ومثبتة بواسطة الأسانيد المتعددة، ولهذا فإن وجود الأسانيد من الأمور الباعثة على التطويل والتكرار، كما أنه رغب في الاختصار والإيجاز مع تضخم المادة. وقد أبان عن هذه الرغبة في مواضع متعددة من كتابه هذا، فقال مثلا في معرض حديثه عن حركة المختار: «وكانت بين عساكر المختار وعبيد الله وقائع مشهورة وحروب مذكورة أضربنا عنها صفحا خوف التطويل» (2) ووردت إشارات أخرى كثيرة في ثنايا الكتاب تدل على الاختصار، فعندما يذكر الخلاف في أمر من الأمور ويريد الاختصار بعدم ذكر الأقوال في المسألة يقول: «وقيل غير ذلك» (3). إلا أن هذا لا يعني أن الإسناد قد اختفى تماما من هذا الكتاب، وإنما كان يظهر بين الفينة والأخرى، إما رواية عن مصدر متقدم بإسناد صاحب ذلك المصدر إلى الراوي الأول كمعجم الصحابة للبغوي مثلا (4)، وإما حكاية عن مؤلفات اطلع عليها كسيرة ابن إسحاق مثلا (5).
__________
(1) انظر مثلا ص 1037من التحقيق.
(2) الاكتفاء ص 805.
(3) انظر على سبيل المثال ص 222من التحقيق.
(4) الاكتفاء ص 278.
(5) انظر مثلا ص 168، 281من التحقيق.(1/108)
وبعد ففي الكتاب ملحوظات أخرى تتعلق بمنهج الكتاب وأسلوبه يمكن ملاحظتها في ثنايا الكتاب، وأن ما ذكرته هو خلاصة للطابع المميز للكتاب.
سادسا مصادر المؤلف في كتابه:
تبين لي من خلال دراسة كتاب (الاكتفاء) أن المادة العلمية التي أوردها المؤلف كان أكثرها نقولا من غيره. منها نصوص لم أعثر عليها في المصادر التي تيسر لي الاطلاع عليها بعد أن بذلت جهدا كبيرا في ذلك، ومنها نصوص لم تصل إلينا مصادرها خصوصا ما يتعلق بتأريخ الأندلس، وبهذا تظهر أهمية الكتاب في حفظ هذه النصوص.
ولما كان المؤلف قد تناول فترة زمنية طويلة تقارب ستة قرون فلا شك أن طبيعة الموارد التي اعتمدها تتنوع بتنوع المدة الزمنية وطبيعتها السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. ولذلك جاءت مصادره عن عصر السيرة تختلف عن المصادر التي اعتمدها في عصر الخلفاء الراشدين، والمصادر التي اعتمدها في سيرة الخلفاء الأمويين والعباسيين تختلف عن المصادر التي اعتمدها في ذكر الحكايات والنوادر والملح.
أما القسم الذي تحدث فيه عن وصف عهود بعض حكام دولة الموحدين فقد اعتمد على المشاهدة والملاحظة، ولم نجده ذكر مصدرا فيها.
وما من شك في أن المؤلف استفاد من المؤلفات الدينية والتأريخية والأدبية التي كتبت بواسطة علماء عاشوا في العصر الذي سبقه، ويظهر
لنا ذلك بجلاء إذا دققنا النظر في العلماء أصحاب الكتب التي اعتمد عليها والذين صرح بذكرهم في ثنايا كتابه. وأذكر منهم: ابن إسحاق (ت: 152هـ) (1)، وأبو مخنف لوط بن يحيى (ت: 157هـ) (2)، والإمام مالك بن أنس (ت: 179هـ) (3)، وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت: 211هـ) (4)، وخليفة بن خياط (ت: 240هـ) (5)، والإمام البخاري (ت: 256هـ) (6)، والزبير بن بكار (ت: 256هـ) (7)، والإمام مسلم (ت: 261هـ) (8)، وأبو العباس المبرد (ت: 286هـ) (9)، وأبو القاسم البغوي (ت: 317هـ) (10)، وأبو بكر الصولي (ت: 335هـ) (11)، وابن عبد البر القرطبي (ت: 463هـ) (12)، وغيرهم.(1/109)
وما من شك في أن المؤلف استفاد من المؤلفات الدينية والتأريخية والأدبية التي كتبت بواسطة علماء عاشوا في العصر الذي سبقه، ويظهر
لنا ذلك بجلاء إذا دققنا النظر في العلماء أصحاب الكتب التي اعتمد عليها والذين صرح بذكرهم في ثنايا كتابه. وأذكر منهم: ابن إسحاق (ت: 152هـ) (1)، وأبو مخنف لوط بن يحيى (ت: 157هـ) (2)، والإمام مالك بن أنس (ت: 179هـ) (3)، وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت: 211هـ) (4)، وخليفة بن خياط (ت: 240هـ) (5)، والإمام البخاري (ت: 256هـ) (6)، والزبير بن بكار (ت: 256هـ) (7)، والإمام مسلم (ت: 261هـ) (8)، وأبو العباس المبرد (ت: 286هـ) (9)، وأبو القاسم البغوي (ت: 317هـ) (10)، وأبو بكر الصولي (ت: 335هـ) (11)، وابن عبد البر القرطبي (ت: 463هـ) (12)، وغيرهم.
__________
(1) الاكتفاء ص 168.
(2) الاكتفاء ص 139، ونقل عنه المؤلف بواسطة الطبري. انظر على سبيل المثال ص 232من التحقيق.
(3) الاكتفاء ص 112، 484.
(4) الاكتفاء ص 139.
(5) الاكتفاء ص 139.
(6) الاكتفاء ص 415.
(7) الاكتفاء ص 575.
(8) الاكتفاء ص 1331.
(9) الاكتفاء ص 1181.
(10) الاكتفاء ص 139.
(11) الاكتفاء ص 1605.
(12) الاكتفاء ص 1232.(1/110)
ومما يلاحظ عليه هنا أنه لم يذكر مصادره في مقدمة الكتاب، ولم ينقدها أو يحكم على بعضها (1) أو يعلق على مؤلفيها ويبين طريقتهم في التأليف، أو يذكر مزاياها وتأثيرها على المؤلفين الآخرين الذين نقلوا عنها. كما أنه لا يهتم بذكر مصادره فلا نجد في الكتاب كله سوى أربعة مصنفات صرح بتعيينها وهي: معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (2)، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر القرطبي (3)، والجامع الصحيح للإمام البخاري (4)، ويتيمة الدهر للثعالبي (ت: 429هـ) (5).
إن مما يميز منهج المؤلف في طرح المادة هو الاستغناء عن الإسناد في صلب الكتاب إلا في مواضع قليلة جدا، وهذا لا يعني أنه أهمل التوثيق وتحري الدقة في النقل، بل على العكس من ذلك كان يوثق ويتحرى الدقة في النقل على حسب ما يوافق رأيه وفكره، إلا أنه في الغالب يتبع الطريقة التأريخية غير الإسنادية.
وقد اتبع عدة طرق في التوثيق والنقل:
__________
(1) نقل المؤلف من كتاب الإمامة والسياسة، عدد جيش معاوية في وقعة صفين، الاكتفاء ص 539. وأنه قتل يوم الحرّة في عهد يزيد ثمانون بدريا. الاكتفاء ص 763، ولم يبين خطأ نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة الدينوري رحمه الله.
(2) الاكتفاء ص 139.
(3) الاكتفاء ص 1232.
(4) الاكتفاء ص 415.
(5) الاكتفاء ص 1647.(1/111)
1) يعزو في أغلب الأحيان الروايات إلى راوي مباشر، كقوله:
قالت عائشة (1)، قال سلمة بن الأكوع (2)، قال كعب الأحبار (3)، قال مالك بن أنس (4)، قال حسان بن ثابت (5)، قال كعب بن مالك (6)، وقال محمد بن الحنفية (7)، قال الزبير بن بكار (8)، قال بكر بن حماد التاهرتي (9)، قال الأصمعي (10)، قال الحسن بن قحطبة (11)،
2) وأحيانا يسبق الراوي بعبارة: روي عن فلان (12)، أو روى فلان (13)، أو حدّث فلان (14)، أو حدّث جماعة (15)، أو يروى عن بعض
__________
(1) الاكتفاء ص 150.
(2) الاكتفاء ص 157.
(3) الاكتفاء ص 112.
(4) الاكتفاء ص 471.
(5) الاكتفاء ص 472
(6) الاكتفاء ص 473.
(7) الاكتفاء ص 484.
(8) الاكتفاء ص 576.
(9) الاكتفاء ص 582.
(10) الاكتفاء ص 1370.
(11) الاكتفاء ص 1381.
(12) الاكتفاء ص 141.
(13) الاكتفاء ص 176.
(14) الاكتفاء ص 1458.
(15) الاكتفاء ص 1351.(1/112)
أهل المدينة (1)، أو ذكر جماعة ممن عني بجمع التأريخ (2)، مما يدل على أن هذه الروايات وردت بأسانيد إلى رواتها في المصادر التي اعتمدها المؤلف.
3) يقدم أحيانا إشارة موجزة في مطلع الخبر تشير إلى المصدر الذي نقل منه، مثل قوله: ذكر ابن قتيبة (3)، قال المبرد (4)، وذكر المسعودي (5)، قال خليفة بن خياط (6)، قال أبو بكر الصولي (7)،
4) كثيرا ما يورد الأخبار مسبقة بصيغ التضعيف المختلفة، مثل:
قيل (8)، ويقال (9)، وقد قيل (10)، وقيل غير ذلك (11)، وذكر أنّ (12).
5) أبدى المؤلف اهتماما واضحا بمصنفات معينة، فنقل عنها كثيرا، وهو يشير إليها أحيانا ولكنه في الغالب ينقل عنها دون تصريح، ومنها:
__________
(1) الاكتفاء ص.
(2) الاكتفاء ص 1027.
(3) الاكتفاء ص 537.
(4) الاكتفاء ص 1500.
(5) الاكتفاء ص 532.
(6) الاكتفاء ص 669.
(7) الاكتفاء ص 1605
(8) الاكتفاء ص 560، 563.
(9) الاكتفاء ص 152.
(10) الاكتفاء ص 1607، 1638.
(11) الاكتفاء ص 547، 573.
(12) الاكتفاء ص 302.(1/113)
أ) كتاب السيرة والمبتدأ والمغازي لمحمد بن إسحاق المطلبي، فقد رجع إليه فيما يتعلق بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونقل عنه كثيرا، وكان يعتمد آراءه ويقدمها، ويوردها أحيانا بصيغة الجزم (1).
ب) كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر النمري القرطبي، الذي تميز عن غيره من المصنفات التي ألفت في تأريخ الصحابة بأنه أكد على الجانب التأريخي في تراجمهم، فأورد مادة علمية خصبة تتعلق بعصر الراشدين وعهد معاوية رضي الله عنهم، فاستفاد منه المؤلف كثيرا فيما يتعلق بتأريخ هذه الفترة بالذات. واعتمد عليه اعتمادا كليا في تراجم الصحابة الذين لهم دور في الأحداث التأريخية في هذه الفترة (2).
ج) كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي، الذي جمع فيه مؤلفه من علوم الأوائل والأواخر إلى عهد المطيع لله العباسي، وبلغت موارده فيه أكثر من مائة مصدر (3) إضافة إلى تجربته التي استفادها من رحلاته. وقد عوّل عليه ابن الكردبوس في قسم كبير من كتابه خصوصا ما يتعلق بأخبار الدولة العباسية، فنقل منه أخبارا تأريخية ونصوصا أدبية وحكايات ونوادر، ولذلك غلب عليه أسلوبه ومنهجه.
د) ولا بد أن المؤلف استفاد من مؤلفات عبد الملك بن قريب الأصمعي
__________
(1) الاكتفاء ص 168، 281.
(2) الاكتفاء ص 134، 144.
(3) انظر شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 2/ 51.(1/114)
(ت: 216هـ) فقد أورده في سيرة عبد الملك بن مروان (1) والمنصور (2)
والرشيد (3)، ونقل عنه بواسطة ابن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ) في موضع واحد (4)، ولعل هذه النقول جاءت من كتابه النوادر (5).
هـ) ويظهر أن المؤلف كان على إلمام ببعض المصنفات المختصة بفتوح البلدان كفتوح الشام (6) لمحمد بن عبد الله الأزدي (ت: 165هـ) وفتوح مصر (7) والمغرب لابن عبد الحكم (ت: 257هـ).
و) وقد اعتمد على كتب النسب فيما أورده عن أسماء الخلفاء، وذكر أمهاتهم وأبنائهم، وقد أشار إلى ذلك بقوله مثلا «وروي أن بعض أهل النسب قال» (8) أو للتعريف بأصل علم كقوله عندما أراد أن يعرف ب (تجيب): «قال الزبير بن بكار» (9).
وهذا يدل على أنه اطلع على مصنفات الزبير بن بكار وخاصة (نسب قريش وأخبارها) واستفاد منه في حديثه عن أنساب آل أبي
__________
(1) الاكتفاء ص 860.
(2) الاكتفاء ص 1370.
(3) الاكتفاء ص 1405.
(4) الاكتفاء ص 1063.
(5) انظر ابن النديم: الفهرست ص 82.
(6) الاكتفاء ص 259، 263.
(7) الاكتفاء ص 313، 315.
(8) الاكتفاء ص 480.
(9) الاكتفاء ص 586.(1/115)
طالب (1).
ولا بد أنه استفاد من كتاب نسب قريش (2) لمصعب بن عبد الله الزبيري (ت: 236هـ) ومن الطبقات الكبرى لابن سعد (ت: 230هـ) خصوصا ما يتعلق بذكر أمهات الخلفاء وبعض أبنائهم (3)، ومن كتاب المعارف (4) لابن قتيبة فقد وقفت على أخبار كثيرة عنده تطابق ما أورده المؤلف. كما أنه أشار إلى النقل من كتاب الإمامة والسياسة (5) ولكن نسبته إلى ابن قتيبة خطأ.
ز) أما المادة الأدبية التي أوردها المؤلف، وقد تصل إلى ربع مادة الكتاب تقريبا. فقد استفاد من كتب العالم اللغوي محمد بن يزيد المبرد لاسيما مصنفه المشهور كتاب الكامل في اللغة والأدب. فروى عنه أخبارا تتعلق بالخوارج والدولة الأموية (6). أما كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (ت: 327هـ) فقد حوى بعض الأخبار الخاصة بالخلفاء، وأورد أهم من تولى المناصب الإدارية في عهدهم (7). وهذا يقوي القول باطلاع المؤلف عليه واستفادته منه.
__________
(1) الاكتفاء ص 197.
(2) الاكتفاء ص 197، 198.
(3) الاكتفاء ص 130، 131.
(4) الاكتفاء ص 128، 129.
(5) الاكتفاء ص 538.
(6) الاكتفاء ص 293، 294.
(7) انظر على سبيل المثال ص 246، 263.(1/116)
كما أنه استفاد من مؤلفات أبي بكر الصولي ومنها كتاب الأوراق (1).
واطلع على مصنفات الثعالبي وعلى الأخص يتيمة الدهر (2)، وثمار القلوب (3)، واطلع أيضا على كتب الفلاسفة وحكماء اليونان، ونقل عنها (4).
من خلال هذا العرض لموارد المؤلف يبدوا جليا قيمة مصادره ومكانة مؤلفيها، فمنهم المحدث، والفقيه، والمؤرخ، والأديب، إلى غير ذلك. ومن هنا نرى أهمية رواته الذين أخذ عنهم، ومن ثم الاعتماد على كثير مما جاء به من أخبار.
__________
(1) الاكتفاء ص 1408، 1622.
(2) الاكتفاء ص 1647، 1649.
(3) نظر على سبيل المثال ص 791، 792.
(4) الاكتفاء ص 1577.(1/117)
الورقة الأولى من الأصل وجه (ا)(1/118)
الورقة الأخيرة من الأصل(1/119)
الورقة الأولى من نسخة (أ) وجه (أ)(1/120)
الورقة الأولى من نسخة (ب) وجه (أ)(1/121)
الورقة الأولى من نسخة (ج) وجه (أ)(1/122)
النص مع التحقيق(1/123)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وسلم (1).
قال الشيخ الإمام العالم ابن كردبوس رحمه الله (2):
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الجبار، ذي المن والإنعام، والجلال والإكرام، والآلاء (3) العظام، الذي شرع الإسلام دينا، واختار له من عباده المصطفين (4) أهلا، هداهم إليه (5)، وأكرمهم به، وبين لهم ما يأتون وما يتقون، ولم يتركهم في ريب من أمرهم، ولا شبهة في دينهم، فله [النعمة] (6) السابغة والحجة البالغة، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى ََ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللََّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42) (7).
وبعد: فإن هذا الكتاب أثبت (8) فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم [الهاشمي] (9) نبي الله
__________
(1) في ب: صلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما، وفي ج: وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم، وفي أ: طمس.
(2) في أ، ج: كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء تأليف الكردبوس رحمه الله، وفي ب: كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء تأليف الشيخ العلامة الكردبوس رحمه الله وعفا عنه آمين بمنه.
(3) الآلاء: النعم، واحدها: ألا: بالفتح. الجوهري: الصحاح 6/ 2270 (ألا).
(4) كذا في الأصل، وجاء في أ، ب: واختار له من عباده أهلا. وفي ج: من عباده أهل.
(5) في الأصل: أهديهم إليه، وفي أ، ب، ج: هداهم له، والصواب ما أثبته.
(6) التكملة من أ، ب، ج.
(7) سورة الأنفال: الآية (42).
(8) في ج: أتيت فيه بذكر.
(9) في الأصل: أسمى، وفي أ: ذكر النبي الهاشمي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم المرتضى، وزيد في حاشية ج: نبيه، وسقط لفظ الجلالة فأصبحت نبيه نبي المرتضى.(1/125)
المرتضى، وأمينه المجتبى، المختص بالفضل والكمال (1) صلى الله عليه، وعلى آله خير صحب وأكرم آل (2)، صلاة دائمة الاتصال، بغير (3) انقطاع ولا انفصال (4).
[وأتلوه بذكر صاحبته الكرام الخلفاء الأربعة الكرام الأعلام، وأتبعهم بذكر من ولي] (5) أمر (6) الأمة الإسلامية من الخلفاء الأمويين والعبّاسيين جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، إلى حيث ينتهي بنا هذا التأليف. وأصل بذكر بني أمية بعض أخبار الأندلس (7) وولاتها بسبب من دخلها منهم، وتملك بجهاتها (8)، ومن ولي المغرب وأحيا السنة فيه بعد إماتتها. كل ذلك على طريق التقريب على قارئه، والاختصار على الناظر فيه (9). وسمّيته (10) ب (الاكتفاء في أخبار الخلفاء).
__________
(1) في الأصل: الإكمال، والمثبت من: أ، ب، ج.
(2) في أ، ب، ج: وعلى آله خير صلاة.
(3) في أ، ب، ج: من غير.
(4) في الأصل: والانفصال، والمثبت من أ، ب، ج.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في الأصل: أمراء، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) الأندلس: بضم الدال وفتحها، كلمة عجمية، عرفها العرب في الإسلام، وهي جزيرة كبيرة تغلب عليها المياه الجارية والشجر المثمر. ياقوت: معجم البلدان 1/ 262.
(8) في ب: بجهتها.
(9) في أ، ب، ج: للناظر.
(10) في أ، ب، ج: وترجمته.(1/126)
وبالله جلت قدرته، ومنه أرجو الاستعانة (1)، فذلك عليه يسير، ولدى غيره (2) عسير، من (3) لا إله (4) إلا هو السميع البصير.
__________
(1) في أ، ب، ج: وبالله جلت قدرته الاستعانة، ومنه أرجوا الإعانة.
(2) في أ، ب، ج: ولديه غير عسير.
(3) (من) سقط من: أ، ب، ج.
(4) (إله) تكررت في: ب.(1/127)
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (نسب المصطفى) (1):
هو محمد بن عبد الله (2) بن عبد المطلب (3)، واسم عبد المطلب:
شيبة (4)، وقيل: عامر (5) بن هاشم (6)، واسمه عمرو (7) بن عبد مناف (8)،
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) هو الذبيح الثاني المفدى بمئة من الإبل، كان أجمل رجال قريش، مات بالمدينة قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم. ابن قتيبة: المعارف ص: 120، 129، 311، ابن حجر فتح الباري 7/ 163، وعن قصة نذر عبد المطلب ذبح ابنه عبد الله انظر: الطبري تأريخ الرسل والملوك 2/ 239، ابن كثير: السيرة النبوية 1/ 174.
(3) سيد قريش وشريفها في الجاهلية، كانت له السقاية والرفادة، وفي عهده رد الله تعالى أبرهة وجيشه عن البيت الحرام، وأصابهم بما أصابهم من نقمة، وحفر بئر زمزم، وقد عاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة. ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 48، 110، ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 81.
(4) قال السهيلي: هو الصحيح، وسمي كذلك لأنه ولد وفي رأسه شيبة. الروض الأنف 1/ 7وفي حذف من نسب قريش لمؤرج السدوسي ص 4، والمعارف لابن قتيبة ص 72، وابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 55، وابن حزم: جوامع السيرة ص 7، وابن سيد الناس: عيون الأثر ص 29وابن حجر: الفتح 7/ 163 (شيبة الحمد).
(5) ابن قتيبة: المعارف ص 72.
(6) هو أول من سن الرحلتين لقريش للتجارة، رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف، إلى الشام، وقيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد بمكة لقومه في سنة المجاعة، وتولى بعد موت أبيه سقاية الحاج ورفادته. مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 3، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 75، الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/ 251، ابن حجر: فتح الباري 7/ 263.
(7) في عيون الأثر ص 29: عمرو العلي بن عبد مناف.
(8) قام عبد مناف على أمر قريش بعد أبيه، وكان يقال له: قمر البطاح من جماله وحسنه. ابن سعد: الطبقات 1/ 74، الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/ 254، السهيلي: الروض الأنف 1/ 8.(1/128)
واسم عبد مناف المغيرة بن قصي (1)، واسمه زيد بن كلاب (2) بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، / وهو قريش بن مالك بن النضر (3) بن [1/ أ] كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسم مدركة عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا هو النسب المتفق عليه (4)، واختلف فيما بعده.
وروى (5) ضمرة (6) بن ربيعة عن ابن عطاء (7) عن أبيه قال: بين
__________
(1) تصغير قصي، أي بعيد، سمي بذلك لأنه بعد عن ديار قومه، في بلاد قضاعة من أرض الشام، ثم عاد إلى مكة في قصة ذكرها ابن إسحاق، ويدعى مجمعا لأنه جمع قومه من منازلهم وأنزلهم مكة، وتولى البيت وأمر مكة، فكانت إليه الحجابة، والسقاية، والرفادة، والندوة، واللواء. ابن هشام: السيرة 1/ 125123، ابن سعد:
الطبقات الكبرى 1/ 7366، ابن قتيبة: المعارف ص 117، الطبري: تاريخ 2/ 260254، السهيلي: الروض الأنف 1/ 8، ابن سيد الناس: عيون الأثر ص 29.
(2) بكسر أوله وتخفيف اللام، ذكر ابن حجر في الفتح 1/ 163: أن ابن سعد ذكر أن اسمه (المهذب).
(3) في الأصل: النضير، وفي ب: النظير، والتصحيح من أ، ج.
(4) أي اتفق على صحته أهل السير والأنساب ابن هشام: السيرة 1/ 2، 1، ابن سعد:
الطبقات الكبرى 1/ 55، ابن حزم جوامع السيبر، ص 7، وجمهرة أنساب العرب ص 15، السهيلي: الروض الأنف 1/ 8، ابن سيد الناس: عيون الأثر ص 29، ابن قيم الجوزية:
زاد المعاد: 1/ 71، الذهبي: السيرة النبوية ص 17، ابن كثير: السيرة النبوية 1/ 183ذكر البخاري في نسبه الطاهر صلى الله عليه وسلم هذا في باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب مناقب الأنصار بدون إسناد 2/ 320، وجاء في حديث أبي سفيان الطويل في صحيح البخاري 1/ 32: «ثم كان أول ما سألني عنه أنه قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب».
(5) في الأصل ورق هو، والتصويب من النسخ الأخرى.
(6) في أضمرة بن ربيعة الفلسطيني، أو عبد الله، أصله دمشقي صدوق يهم قليلا، مات سنة 202هـ. ابن حجر: تقريب ص 280.
(7) لم أقف على تعيينه.(1/129)
النبي صلى الله عليه وسلم و [بين] (1) آدم [عليه السلام] (2) تسعة وأربعون أبا (3).
أمه صلى الله عليه وسلم: آمنة (4) بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة (5) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القريشية (6) الزهرية.
وفي كلاب يجتمع نسبها (7) [مع] (8) نسبه صلى الله عليه وسلم، وكان أبوها [وهب] (9) يومئذ سيّد (10) بني زهرة نسبا وشرفا (11).
__________
(1) التكملة من أ، ب، ج.
(2) التكملة: أ، ب.
(3) لم أعثر على هذا الأثر في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها.
(4) أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا، لم يكن لها زوج غير عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، لا قبله ولا بعده، وتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بني عدي بن النجار، وهو يومئذ ابن سنتين. ابن هشام: السيرة 1/ 156، 168، ابن سعد: الطبقات 1/ 116، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 17.
(5) أسنّ من شقيقه قصيّ، أمهما فاطمة بنت سعد، من أزد شنوءة. ابن هشام: السيرة 1/ 104، 118، الطبري: تاريخ 2/ 254، وفي المعارف لابن قتيبة ص 131أن زهرة اسم امرأة عرف بها بنو زهرة، وهذا منكر غير معروف، وإنما هو اسم جدهم. ابن هشام:
السيرة 1/ 110، ابن سعد: الطبقات 1/ 59، السهيلي: الروض الأنف 1/ 133.
(6) في ج: القرشية.
(7) وهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل. الذهبي: السيرة النبوية 22.
(8) التكملة من أ، ب، ج.
(9) التكملة من أ، ب، ج.
(10) في أ: من.
(11) الطبري: تاريخ 2/ 243.(1/130)
روي (1) عن ابن عباس (2) رضي الله عنه (3) قال: كانت امرأة (4) من خثعم (5) تعرض نفسها في مواسم الحج (6)، وكان لها (7) أدم [تطوف بها] (8)
كأنها تبيعها (9)، فأتت على عبد الله بن عبد المطلب، فلما رأته أعجبها (10)، فقالت: والله (11) ما أطوف بهذا الأدم وما لي منها حاجة،
__________
(1) رواه أبو نعيم: دلائل النبوة ص 89، والبيهقي: دلائل النبوة 1/ 107، وابن عساكر:
تهذيب تأريخ دمشق 1/ 347.
(2) عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له بالحكمة، فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه، أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الأربعة من فقهاء الصحابة، مات سنة ثمان وستين بالطائف. انظر البخاري: الصحيح 2/ 306، الترمذي: سنن 5/ 679، ابن سعد: الطبقات 2/ 365، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 186.
(3) (عنه) ساقطة من: أ.
(4) هي فاطمة بنت مرّ الخثعمية. ابن سعد: الطبقات 1/ 95، السهيلي: الروض الأنف 1/ 180.
(5) خثعم: قبيلة من القحطانية تنسب إلى خثعم بن أنمار، وبلادهم بسروات اليمن والحجاز إلى تبالة، وقد افترقوا في الآفاق أيام الفتح، فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل. هشام ابن الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 1/ 356، وابن عبد البر: الإنباه على قبائل الرواة ص 92، السويدي: سبائك الذهب ص 355، القلقشندي: قلائد الجمان ص 105104.
(6) في دلائل النبوة للبيهقي 1/ 107: وكانت ذات جمال. وكذا ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 347.
(7) في الأصل: لنا أدم بها، وعند البيهقي: معها، وكذا ابن عساكر.
(8) التكملة من: ج، وفي ب: تضرب بها.
(9) عند البيهقي: تطوف بها كأنها تبيعها، وفي تهذيب تأريخ دمشق: وكان معها أمة تطوف بها كأنها تبيعها.
(10) البيهقي: فأظن أن اعجبها.
(11) البيهقي: إني والله.(1/131)
وإنما أتوسّم الرجال، هل أجد (1) كفؤا، فإن كانت لك إليّ (2) حاجة فقم، فقال لها (3): مكانك (4) حتى (5) أرجع إليك (6) فانطلق إلى رحله (7) [فبدا له] (8) فواقع (9)
أهله فحملت بالنبي صلى الله عليه وسلم (10). فلما رجع إليها، قال (11): أراك ههنا؟ قالت: ومن أنت؟ (12) قال: الذي وعدك (13)، قالت: لا (14) ما أنت هو، ولئن (15) كنت هو فقد (16) رأيت بين عينيك (17) نورا لا أراه فيك (18) (19).
__________
(1) في ج: أحد.
(2) في الأصل: إليك، وفي ب، ج: إليك إلي، والمثبت من: أ، والبيهقي: دلائل النبوة 1/ 107، ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 347.
(3) (لها) ليست في: ب.
(4) في ج: اجلسي مكانك.
(5) (حتى) ليست في: أ، ب.
(6) في أ: إليه.
(7) في ج: أهله.
(8) التكملة من: أ، ب، ج، وعند البيهقي: فبدأ، وكذا ابن عساكر.
(9) في ج: فوقع
(10) (وسلم): ليست في: أ.
(11) عند البيهقي وابن عساكر: ألا.
(12) عند البيهقي وابن عساكر: كنت.
(13) في ج: واعدتك، وكذا البيهقي وابن عساكر.
(14) في الأصل: قالت له: ما أنت، والمثبت من: أ، ب، ج.
(15) في ج: وإن.
(16) في أ، ب، ج: لقد.
(17) في أ، ب: عينيه.
(18) في أ: لا أراه، وفي ج: الآن، وكذا البيهقي وابن عساكر.
(19) هذه رواية منكرة سندا ومتنا أريد بها المبالغة بإضفاء طابع أسطوري حول المولد النبوي، انظر: أكرم العمري: السيرة الصحيحة 1/ 94، 95، وعبد المعطي قلعجي:
حاشية دلائل النبوة للبيهقي 1/ 104، 105.(1/132)
(مولده) (1):
وولدته صلى الله عليه وسلم أمه يوم الاثنين (2) لاثنتي عشرة ليلة (3) خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل. (4) وقيل (5): ولد لثمان خلون من شهر ربيع المذكور (6)، فقرن الله به عند مولده من الملائكة بإسرافيل [عليه السلام] (7)
حتى بلغ الحلم، ثم جبريل عليه السلام، [خمسا وثلاثين] (8) سنة، [حتى بلغ الأشد أربعين سنة] (9). وكان أبوه عبد الله غائبا بأرض الشام، فانصرف مريضا، ومات بالمدينة (10) وأمه (11) صلى الله عليه وسلم حامل به (12). وقيل إنه مات بعد
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) رواه مسلم: الصحيح بشرح النووي 8/ 52، وأبو داود: السنن 2/ 808، رقم (2426)، وأحمد: المسند (مع المنتخب) 5/ 297، ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 52.
(3) في الأصل: ثاني عشر ليلة، والتصويب من أ، ب، و (ليلة) ساقطة من: ج.
(4) ابن إسحاق: السيرة النبوية ص 25، ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 158، خليفة:
تاريخه ص 52، 53، ابن سعد: الطبقات 1/ 101.
(5) (وقيل) ساقطة من: ج.
(6) ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 52.
(7) زيادة من: أ، ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، وفي ج: خمسة وعشرين، وفي الأصل: حتى بلغ خمسا وثلاثين سنة وكان أبوه.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) في أ، ب: فمات، وفي ج: في المدينة. عبد الرزاق: المصنف 5/ 317، الحاكم:
المستدرك 2/ 605، ابن هشام: السيرة 1/ 158، ابن سعد: الطبقات 1/ 99.
(11) في أ، ب، ج: وأم رسول الله.
(12) الذهبي: السيرة النبوية ص 50، وقد ذكر يتمه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ} (6) [الضحى: 6].(1/133)
مولد النبي صلى الله عليه وسلم بشهر (1).
وروي (2) أن آمنة كانت تحدّث حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم: أن آتيا أتاها في منامها فقال لها: إنك قد حملت [بسيد] (3) هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدا.
ورأت حين حملت به أنه (4) خرج منها نور (5) أضاءت (6) به قصور [بصرى من أرض الشام] (7) فلما وضعته أخذه جده عبد المطلب ودخل به الكعبة فقام يدعو الله، يشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى آمنة أمه، فدفعه لها، والتمس (8) له المراضع (9) في السنة الأولى. فأخذته حليمة (10)
__________
(1) ذكره المسعودي: التنبيه والإشراف ص 227، وقيل: (لم يمت عبد الله والد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم شهران). انظر: السهيلي: الروض الأنف 1/ 184، ابن الجوزي: تلقيح مفهوم الأثر في عيون التأريخ والسير ص 7، ابن سيد الناس، عيون الأثر 1/ 33.
(2) انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 157، ابن سعد: الطبقات 2/ 102، 104، أبو نعيم: دلائل النبوة ص 94، البيهقي: دلائل النبوة 1/ 111.
(3) (سيد): غير واضحة في الأصل.
(4) في الأصل: أنها، والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: نورا، والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في ب: أضاء.
(7) في الأصل: بل قصر من أرض الشام، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن اسحاق: السيرة ص 22.
(8) التمس: طلب. الجوهري: الصحاح 3/ 975 (لمس).
(9) ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 160، ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 103.
(10) قدمت مع زوجها الحارث بن عبد العزى السعدي بعد النبوة فأسلما، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بالجعرانة، فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه، توفيت سنة ثمانية هجرية. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 270، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 67، ابن حجر: الإصابة 8/ 53، العمري: مهذب الروضة الفيحاء ص 83.(1/134)
بنت عبد الله (1) بن / الحارث السّعديّة (2) وانقلبت (3) به إلى [1/ ب] أهلها.
فلما كان (4) في السنة الرابعة من مولده (5) شق (6) الملكان (7) بطنه واستخرجا قلبه فشقاه، واستخرجا منه علقة سوداء، وقال: هذا نصيب (8) الشيطان منه، ثم غسلا قلبه وبطنه بالثلج ورجع (9) كما كان بإذن الله تعالى.
وفي السنة الخامسة ردّته (10) مرضعه (11) حليمة إلى آمنة. وقيل (12):
في مستهل السادسة.
__________
(1) كنيته: (أبو ذؤيب). ابن هشام: السيرة 1/ 160، ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 110.
(2) في الأصل: السعدي، والمثبت من: أ، ب، ج.
(3) انقلبت: انصرفت راجعة. الجوهري: الصحاح 1/ 205 (قلب) بتصرف.
(4) في ج: كانت.
(5) في أ: ولده.
(6) وقعت أحداث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وغسله ولأمه مرتين: الأولى: عندما كان طفلا في الرابعة من عمره، وهو يلعب في بادية بني سعد، انظر: مسلم: الصحيح بشرح النووي 2/ 216، ابن إسحاق: السيرة ص 28، أحمد: (الفتح الرباني) 20/ 191، والثانية: ليلة الإسراء. انظر البخاري: الصحيح 2/ 327، مسلم: الصحيح بشرح النووي 2/ 217215، النسائي: سنن 1/ 182.
(7) عند مسلم: الصحيح بشرح النووي 2/ 216 (جبريل).
(8) النصيب: الحظ من الشيء. الجوهري: الصحاح 1/ 225 (نصب)، وعند مسلم:
الصحيح بشرح النووي 2/ 216 (حظ الشيطان).
(9) في ج: ورجعا.
(10) في الأصل: رددته والمثبت من: أ، ب، ج.
(11) في أ، ج: مرضعته.
(12) قال برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 1/ 123: وذكر الأموي أنه رجع إلى أمه وهو ابن ست سنين. والأموي: هو سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي (ت: 294هـ) محدث ثقة، صنف المغازي. الذهبي: سير 9/ 139.(1/135)
وفي السنة السابعة من مولده خرجت به أمه إلى أخواله (1) من بني (2)
عدي [بن النجار] (3) تزورهم لأن أم (4) عبد المطلب بن هاشم (5)، [سلمى] (6)
بنت عمرو (7) بن النجار، فتوفيت بالأبواء (8) بين مكة والمدينة، وهي راجعة، وقدمت به أم [أيمن] (9) إلى مكة بعد خامسة من موت أمه، وهي مولاة
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة ص 42، قال ابن هشام في السيرة 1/ 168: أم عبد المطلب بن هاشم: سلمى بنت عمرو النجارية، فهذه الخؤولة التي ذكرها ابن إسحاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ابن الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 1/ 371، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 14، مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 4وفيه: (سلمى بنت زيد).
(2) بنو عدي: بطن من بني النجار، من الخزرج. ابن الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 1/ 390، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 14.
(3) زيادة من: أ، ب، ج.
(4) هي سلمى بنت عمرو بن زيد، من بني النجار. ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 168.
انظر: ابن سعد: الطبقات 1/ 64، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 14.
(5) في أ: هشام.
(6) التكملة من أ، ج.
(7) في الأصل، وأ، ب: عمر، والمثبت من: ج، وهو المشهور. انظر: ابن سعد:
الطبقات 1/ 64، السهيلي: الروض الأنف 1/ 161.
(8) الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرين ميلا، وسميت بذلك لتبوء السيول بها. وتسمى اليوم (وادي الخريبة)، وسكانها بنو محمد بن عمرو من البلادية. انظر: ياقوت: معجم البلدان 1/ 79، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 14.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أم آمنة. وهي بركة بنت ثعلبة بن عمرو غلبت عليها كنيتها، كنيت بابنها «أيمن بن عبيد بن زيد الخزرجي» ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه فأعتقلها، ثم تزوجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة، هاجرت الهجرتين(1/136)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضنته، واسمها بركة، وكانت وصيفة (1) لعبد الله بن عبد المطلب، ولم تزل تحضنه إلى أن (2) كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقها وأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد (3) بن حارثة (4)، وولدت له (5) أسامة ابن زيد (6)، وتوفيت بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر (7)
__________
إلى الحبشة، وإلى المدينة، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى، وشهدت خيبر. مسلم: الصحيح بشرح النووي 16/ 9، وابن سعد الطبقات 1/ 100، 497، 8/ 225، أبو نعيم معرفة الصحابة 2/ 372، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 36.
(1) الوصيف: الخادم غلاما كان أو جارية. الجوهري: الصحاح 4/ 1439 (وصف).
(2) في أ، ب، ج: حتى كبر.
(3) في الأصل: لزيد، والمثبت من أ، ب، ج.
(4) أسبق الموالي إلى الإسلام وحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، لم يسم الله تعالى في كتابه صحابيا غيره، كان شديد البياض، عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في غزوة مؤتة، فقاتل حتى استشهد. ابن سعد: الطبقات 3/ 4740، خليفة: الطبقات 6/ 82، البخاري الصحيح، كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة 2/ 303، مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب فضائل الصحابة: فضل زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما 15/ 196195.
(5) في الأصل وب: ولد له، والمثبت من: أ، ج.
(6) حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاه، كان شديد السواد، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش لغزو الشام وهو ابن ثماني عشرة سنة، مات بالمدينة في خلافة معاوية. ابن سعد: الطبقات 4/ 61، ابن قتيبة المعارف ص 145144، البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أسامة بن زيد 2/ 304، أبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 182: ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 79.
(7) ابن حجر: الإصابة 8/ 214.(1/137)
فكان (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم [أم أيمن] (2) به مع جده عبد المطلب.
وكان عبد المطلب يضع له فراشا (3) في ظل الكعبة، فكان أولاده (4)
يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليهم (5)، ولا يجلس أحد منهم إجلالا له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه (6)
ويؤخرونه عنه (7)، فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا [لي] (8) ابني فو الله إن له لشأنا، ثم يجلسه معه عليه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه منه، وما يصنع (9).
__________
(1) في ج: فكانت ورسول الله.
(2) في الأصل: أم آمنة، والتصويب من: أ، ب، ج.
(3) كذا في الأصل، وجاء في: أ، ب، ج: يوضع له فراش.
(4) في أ، ب، ج: بنوه، وذكر ابن سعد: الطبقات 1/ 9392برواية ابن الكلبي: أن لعبد المطلب اثني عشر رجلا هم: الحارث وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى وعبد الله، والزبير، وأبو طالب، وحمزة، والمقوم، والمغيرة، والعباس، وضرار، وقثم، وأبو لهب، والغيداق، وانظر: ابن قتيبة: المعارف ص 118، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 14، 15.
(5) جاء في الأصل: إليهم ولم بل، والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) في الأصل: فيأخذوه أمامهم، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: ويؤخرون منه. وفي أ: ويؤخرونه منه، وفي ب: يؤخرونه، والمثبت من: ج.
(8) (لي) من: أ، ب، ج.
(9) في: أ، ب، ج: ما يراه يصنع. ابن إسحاق: السيرة ص 42، وروى ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 152عن الواقدي ما يشير إلى هذا المعنى، وانظر: أبو نعيم: دلائل النبوة ص 121.(1/138)
وفي السنة الثامنة من مولده صلى الله عليه وسلم (1) توفي عبد المطلب، وأوصى ابنه أبا طالب للنبي صلى الله عليه وسلم (2) وكان [عبد المطلب] (3) فيما ذكر (4) جماعة من المؤرخين (5) مثل: وهب بن منبه (6)، وأبي مخنف لوط (7)، وأبي عبيدة معمر بن المثنى (8) وابن عياش (9)،
__________
(1) (صلى الله عليه وسلم) ليست في: أ، ب، ج.
(2) ابن إسحاق: السيرة ص 47، ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 179، البيهقي: دلائل النبوة 2/ 21، 22، والذهبي: السيرة النبوية ص 25.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) (فيما ذكر) ساقطة من: أ.
(5) في أ: المؤمنين.
(6) في ب: المنبه، وهو وهب بن منبه الصنعاني، من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن، ولد سنة أربع وثلاثين هجرية، مؤرخ، كثير النقل من كتب الإسرائيليات، وثقه الذهبي، وابن حجر، مات سنة أربع عشرة ومائة. انظر: ابن قتيبة: المعارف ص 459، ابن سعد: الطبقات 5/ 543، الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 352، سير أعلام النبلاء 4/ 544، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 585.
(7) هو لوط بن يحيى الأزدي، أخباري، قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدارقطني: أخباري ضعيف، وقال الذهبي: أخباري تالف لا يوثق به. الدارقطني: الضعفاء والمتروكون ص 333، الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 420، وانظر ابن حجر: لسان الميزان 4/ 492.
(8) معمر بن المثنى التيمي مولاهم، بصري، نحوي، لغوي، أخباري، ولد سنة عشر ومائة، أولى الخوارج عناية كبيرة فألف كتبا عنهم، واتهم بأنه يرى رأيهم، مات سنة ثمان ومائتين. الذهبي: سير 9/ 447445، وابن حجر: تقريب ص 541.
(9) في أ: ابن عباس، والمثبت من باقي النسخ، ولعله يقصد: عبد الله بن عياش بن عبد الله، الذي يعرف بالمنتوف لأنه كان ينتف لحيته، وكان خاصا بأبي جعفر المنصور. المعارف ص 539، والخطيب: تأريخ بغداد 10/ 14، قال ابن حجر في لسان الميزان 3/ 322: عبد الله بن عياش بن عبد الله الهمداني الكوفي يكنى أبا الجراح، ويعرف بالمنتوف كان راوية للأخبار والأدب يقع في أخباره بالمناكير، مات سنة ثمان وخمسين ومائة.(1/139)
والحفيظ (1)، وسهيل بن مريد (2)، وابن المقفع (3) (والعتبي والزبيدي) (4)
مؤمنا، ولم يشرك بالله شيئا.
ومنهم من رأى أنه كان مشركا بالله (5).
__________
(1) في أ، ب، ج: الحافظ، لم أقف على ترجمته.
(2) في أ: سهل، لم أقف على ترجمته.
(3) أحد البلغاء والفصحاء، كان متهما بالزندقة، قتل سنة خمس وأربعين ومئة. الذهبي:
سير 6/ 208، ابن كثير: البداية والنهاية 10/ 96، ابن حجر: لسان الميزان 6/ 366، قال اليعقوبي في تأريخه 2/ 10، 11،: «إن عبد المطلب رفض عبادة الأصنام، ووحد الله عز وجلّ» وقال: «فكانت قريش تقول: عبد المطلب إبراهيم الثاني». واليعقوبي:
معروف بميوله الشيعية في تأريخه، قلت: هذا الخبر من كذب الإخباريين الروافض، وهو من الغث الذي تناقلته بعض كتب السير والتأريخ ولا دليل على صحته إطلاقا، وهو من اعتقاد الشيعة في عبد المطلب.
(4) من: ج، وفي أ: واليزيدي بدل الزبيدي، وفي ب: والمعتبي والذي والرب، وفي الأصل: ظنه أنه، والله أعلم.
ولعل العتبي هو: محمد بن أحمد بن عبد العزيز القرطبي الفقيه المالكي، توفي سنة 255هـ، له: المستخرجة العتيبية على الموطأ في فقه مالك، وشرح متن العتيبية شرحا موسعا. ابن رشد (ت: 520هـ) في البيان والتحصيل. الذهبي: السير 12/ 335، والزركلي: الأعلام 5/ 307. وأما الزبيدي: فلم أقف عليه.
(5) وهو الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى، دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار» رواه مسلم: الصحيح بشرح النووي 3/ 79، وعن عبد الله بن عمرو قال: «بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ بصر بامرأة لا أظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق، وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها: ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحّمت إليهم وعزيتهم بميتهم، قال: لعلك بلغت معهم الكدى يعني المقابر(1/140)
اعلم (1) حقيقة ذلك أنه روي عن الحسن بن جمهور (2) مولى
__________
قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك» رواه النسائي: السنن: كتاب الجنائز، باب النعي 4/ 23، واللفظ له، وأحمد: المسند (مع المنتخب) 2/ 169، والمنذري: الترغيب والترهيب 4/ 359، من حديث ربيعة بن سيف المعافري، قال عنه النسائي في السنن 4/ 23: ربيعة ضعيف، وقال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب ص 207: صدوق له مناكير. قال البيهقي في دلائل النبوة 1/ 192: وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة في الآخرة، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، ولم يدينوا دين عيسى عليه السلام. وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام، وقال ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 281: والمقصود أن عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية خلافا لفرقة الشيعة فيه وفي ابنه أبي طالب.
ويعد عبد المطلب من أهل الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد عليهما السلام وقد مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم صغير، أي قبل البعثة، ولذلك فإن الدعوة لم تبلغه، فمصيره هو مصير أهل الفترة، فقد ذهب علماء السلف وجمهور الأمة: إلى أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب، وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار، لا ينافي مذهب السلف في مصير أهل الفترة، لأن هؤلاء ممن لا يطيعون فلا منافاة.
انظر: ابن تيمية: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 321، ابن قيم الجوزية:
طريق الهجرتين وباب السعادتين ص 689، وابن كثير: البداية والنهاية 2/ 381.
(1) في الأصل: اعلموا، والتصويب من: أ، ب، ج.
(2) لم أتوصل إلى معرفته.(1/141)
المنصور (1) قال: أخرج إلي بعض ولد سليمان (2) بن علي (3) بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب كتابا [لعبد المطلب] (4) بن هاشم (5) كتبه بخط يده، كأنه خط النساء، وإذا هو باسمك اللهم، ذكر حق عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان ابن فلان الحميري (6) من أهل صنعاء (7) عليه ألف
__________
(1) الخليفة العباسي، ولد سنة خمس وتسعين، وطلب العلم في شبابه، فكان حسن المشاركة في الفقه والأدب، كان ذا هيبة، وشجاعة، ورأي، وحزم، كامل العقل، في عهده شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث، والفقه، والتفسير، والمغازي، واللغة، والتأريخ، مات سنة ثمان وخمسين ومئة، انظر: البغدادي: تأريخ بغداد 10/ 54، ابن كثير: البداية والنهاية 10/ 121، السيوطي: تأريخ الخلفاء ص 259.
(2) العباسي: الهاشمي، عم الخليفتين: السفاح، والمنصور، كان جوادا كريما، ولي البصرة والبحرين لأبي جعفر المنصور، خلّف أكثر من أحد عشر ولدا، مات بالبصرة سنة اثنتين وأربعين ومئة. ابن قتيبة: المعارف ص 375، ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 6/ 283، الذهبي: سير 6/ 162.
(3) ولد سنة أربعين، كان يقال له السجاد لعبادته وفضله، من أعيان التابعين، مات سنة ثماني عشرة ومئة. ابن سعد: الطبقات 5/ 314، ابن قتيبة: المعارف ص 123، الذهبي: سير 5/ 252، 284.
(4) في الأصل: لعبد الله، والتصويب من: أ، ب، ج.
(5) في أ: هشام.
(6) لم أقف على اسمه. ولعل الحميري: نسبة إلى قبيلة حمير التي هي من أصول القبائل باليمن. ابن الأثير: اللباب 1/ 393.
(7) منسوبة إلى جودة الصنعة في ذاتها، لأنها مبنية بالحجارة، حصينة، وهي قصبة اليمن وأحسن بلادها. ياقوت: معجم البلدان 3/ 425.(1/142)
درهم فضة طيبة كيلا / فلا يزيد (1)، ومتى (2) دعاه [2/ أ] بها (3) أجابه، شهد الله [والملائكة] (4)، وهذا يدل على أنه كان يؤمن بالملائكة والبعث (5).
(كفالة عمّه أبي طالب له) (6):
فضمه عمه أبو طالب (7) إليه، وكان في حجره. كان أبو طالب وعبد الله أبو (8) رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين من أب وأم (9)، أمهما فاطمة بنت عمرو (10) بن [عائذ] (11) المخزومي. وكان أبو طالب هو الذي يلي [أمر] (12) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد [جده] (13) عبد المطلب، وكان إليه، ومعه،
__________
(1) (كيلا فلا يزيد) ساقطة في أ، وفي ج: كيلا بالجديد.
(2) في ب: متى.
(3) (بها) ليست في: ج.
(4) في الأصل: مئة شاهد أو لمكان، وفي: ب، ج: والملكان، والمثبت من: أ.
(5) لم أقف على هذا الخبر في المصادر الأخرى.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) هو عبد مناف اشتهر بكنيته، كان سيدا مطاعا، نصر النبي صلى الله عليه وسلم، ونابذ قريشا، واحتمل فيه عداوتهم، مات مشركا في آخر السنة العاشرة من البعثة، ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم سندا كبيرا. مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 15، وابن إسحاق:
السيرة ص 220، ابن حجر: الفتح 7/ 194.
(8) في أ: أبا.
(9) في أ، ب، ج: لأب وأم.
(10) في الأصل: عمر، والتصويب من: أ، ب، ج.
(11) في الأصل: عامر، وفي أ، ب: عابد، والتصويب من: ج.
(12) (أمر) ليست في الأصل، وهي في: ب، ج، وجاء في أ: أمور.
(13) زيادة من: أ، ب، ج.(1/143)
وخرج به إلى الشام، وهو ابن ثلاث عشرة سنة (1)، واجتمع مع بحيرا (2)
الراهب [ببصرى] (3) من أرض (4) الشام وقصته معه مشهورة. ذكرها ابن هشام (5) في كتاب السيرة (6). ثم رجع به إلى مكة حين فرغ من تجارته بالشام. فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه (7) الله تعالى، ويحوطه ويحفظه من
__________
(1) جاء في الأصل، وب: ثلاثة عشر سنة، وفي أ: ثلاث عشرة سنين، والتصويب من:
ج. والخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 34، وانظر: ابن سيد الناس: عيون الأثر ص 52. والمشهور: أنه كان ابن اثنتي عشرة سنة. انظر: ابن سعد: الطبقات 1/ 121، وابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 66، ابن كثير: السيرة النبوية 1/ 248.
(2) جاء في أ، ب، ج: بحير، والمثبت من الأصل، وقد اضطربت المصادر في اسمه، فقيل:
اسمه جرجيس. وقيل: جرجس. المسعودي: مروج الذهب 2/ 57. وقيل: سرجيس.
وقيل: سرجس. وقيل: بحيرا، مشتق من الكلمة الآرامية بحيرا ومعناها المختار، وهو لقب له. دائرة المعارف الإسلامية 6/ 52. وقيل: كان نصرانيا. ابن إسحاق: السيرة ص 53. وقيل: كان حبرا من يهود تيماء. ابن كثير: السيرة النبوية 1/ 249.
(3) التصويب من نسخة: أ، ب، ج، وفي الأصل (بالبصرة).
وبصرى: من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران. ياقوت: معجم البلدان 1/ 441.
(4) في ب: من أهل الشام.
(5) هو عبد الملك بن هشام بن أيوب، أبو محمد، الحميري، نشأ بالبصرة، ونزل مصر، كان إماما في النحو واللغة، جمع سيرة ابن إسحاق، وهذبها، وأضاف إليها، فغلب اسمه عليها، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين تقريبا، انظر: مقدمة سيرة ابن هشام ص 1817، السهيلي:
الروض الأنف 1/ 5، الذهبي: سير 10/ 428، وفيه (توفي سنة ثمان عشرة ومئتين).
(6) ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 182180، وانظر: الترمذي: سنن 5/ 591590، وابن سعد: الطبقات 1/ 120، والطبري: تاريخ 2/ 277، والبيهقي: دلائل النبوة 2/ 24.
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: يكلئه، وهو خطأ إملائي ظاهر، وصوابه من المحقق.(1/144)
أقذار الجاهلية (1) لما يريد به (2) من كرامته ورسالته.
(مبعثه) (3):
فبعثه (4) وهو ابن أربعين سنة (5)، فجاءه الحق (6)، وهو في [غار] (7)
حراء، وذلك يوم الاثنين. (8) وهو أول موضع نزل فيه القرآن، أنزل إليه (9)
وهو ابن ثلاث (10) وأربعين سنة (11).
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة ص 57.
(2) (لما يريد به) ساقطة في: ب.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في أ، ب: فأبعثه.
(5) البخاري: الصحيح، كتاب بدأ الخلق، باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 320، ومسلم:
الصحيح بشرح النووي 15/ 100، الترمذي: سنن 5/ 591.
(6) فجاءه الحق: أي جاء الوحي، أو الأمر بالحق. ابن حجر: فتح الباري 1/ 23.
(7) زيادة يقتضيها السياق. انظر: البخاري: الصحيح 1/ 22، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 2/ 198.
الغار: مغارة في الجبل كأنه سرب، وهو غار في جبل حراء كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث فيه قبل النبوة. ياقوت: معجم البلدان 4/ 182.
وحراء: بالكسر، والتخفيف، جبل من جبال مكة يقع في الشمال الشرقي منها على ثلاثة أميال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتيه الوحي يتعبد في غار من هذا الجبل. ياقوت:
معجم البلدان 2/ 233، وشراب: المعالم الأثيرة ص 98.
(8) مسلم: الصحيح بشرح النووي 8/ 52، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 35.
(9) في الأصل: نزل إليه، وفي ج: أنزل عليه، والمثبت من: أ، ب.
(10) في الأصل، وب: ثلاثة وأربعين، والتصويب من: أ، ج.
(11) هذا هو قول الواقدي وتبعه البلاذري وابن أبي عصام، وهو شاذ. ابن أبي شيبة:
المصنف 14/ 290، والبيهقي: دلائل النبوة 2/ 132، وابن حجر: الفتح 6/ 570،(1/145)
وأول ما نزل عليه {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} (2) (1)، وقيل: (2):
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) (خَلَقَ الْإِنْسََانَ) مِنْ عَلَقٍ} (2) (3) إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ} (5) (4).
وأول ما ابتدأ به من النبوة الرؤية الصالحة (5)، فكان لا يرى رؤية
__________
والصحيح أنه بعث وهو ابن أربعين سنة. رواه البخاري عن أنس بن مالك.
(الفتح) 6/ 564، رقم (3547) وفي رواية مالك: بعثه الله على رأس أربعين سنة (الصحيح مع الفتح) 6/ 564رقم (3548).
(1) سورة المدثر، آية 1، 2. جاء في حديث جابر بن عبد الله أن {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (1) إلى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (5) أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، البخاري: الصحيح، كتاب التفسير 2/ 209، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 2/ 205، قال النووي رحمه الله: هذا باطل، والصواب أول ما نزل على الإطلاق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها، وأما {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (1) فكان نزولها بعد فترة الوحي. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 207.
وقال ابن حجر رحمه الله: المراد بالأولية في حديث جابر تدل على أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مخصوصة بالأمر بالإنذار، لا أن المراد أولية مطلقة. انظر: فتح الباري 8/ 678.
(2) البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، الصحيح، كتاب الوحي 1/ 6، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي 2/ 197.
(3) ما بين قوسين من: أ.
(4) سورة العلق: الآيات (51).
(5) كذا في رواية البخاري: الصحيح، كتاب بدء الوحي 1/ 6، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي 2/ 197.(1/146)
في منامه إلا جاءت مثل فلق الصبح. فلبث في مكة (1) عشر سنين يترل عليه القرآن وبالمدينة عشرا (2).
(أول من آمن به من الذكور) (3):
وأول ذكر آمن به، وصدق بما جاء به من الناس، علي بن أبي طالب (4) رضي الله عنه. وهو ابن عشر سنين يومئذ (5).
وكان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الإسلام (6). ثم أسلم زيد (7) بن حارثة، مولاه. ثم أبو بكر (8) الصديق رضي الله عنه.
__________
(1) في أ، ب، ج: بمكة.
(2) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 271، وكتاب المغازي، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 96، وانظر: مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الفضائل، باب عمره صلى الله عليه وسلم 15/ 100.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) الترمذي: سنن 5/ 642، وصححه الألباني: صحيح سنن الترمذي 3/ 215.
(5) ابن إسحاق: السيرة ص 118، ابن كثير: السيرة 1/ 431، ورجح ابن حجر هذا القول. الفتح 7/ 72، 174.
(6) ابن إسحاق: السيرة ص 118، ابن سعد: الطبقات 3/ 21، البيهقي: السنن الكبرى 6/ 206.
(7) هو زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أول الناس إسلاما، استشهد يوم مؤتة سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين. ابن سعد: الطبقات 3/ 40، وابن حجر: الإصابة 3/ 24، والتقريب ص 222وقد سبقت ترجمته ص 138حاشية 4.
(8) ابن إسحاق: السيرة ص 120.(1/147)
وقيل: أو من أسلم أبو بكر (1). وقيل: زيد (2).
وروي عن محمد بن كعب [القرظي] (3) رضي الله عنه (4) أن أول من أسلم من هذه الأمة من النساء (5)، وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم: خديجة (6).
[وأول رجلين أسلما: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب رضي الله عن جميعهم] (7) وأن أبا بكر أوّل من أظهر الإسلام، وأنّ عليا كان
__________
(1) ابن أبي شيبة: المصنف 14/ 310، ورجحه ابن كثير: السير 1/ 434، وقال ابن حجر في الفتح 7/ 160: اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال.
(2) يقصد زيد بن حارثة، والخبر عند عبد الرزاق: المصنف 5/ 325من مرسل الزهري.
(3) زيادة من: أ، ب، ج. وهو محمد بن كعب القرظي، المدني، التابعي، ولد سنة أربعين، سكن الكوفة، ثقة، عالم، مات سنة عشرين ومئة رحمه الله. الذهبي: سير 5/ 65، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 504، والقرظي: نسبة إلى قريظة، رجل نزل أولاده حصنا بقرب المدينة. ابن الأثير: اللباب 3/ 26.
(4) (رضي الله عنه) ساقطة من: أ، ب، ج.
(5) (من النساء) ليست في: أ، ب، ج.
(6) ابن إسحاق: السيرة ص 120، ابن أبي شيبة: المصنف 14/ 74من مرسل الزهري.
ابن عبد البر: الدرر ص 12.
خديجة بنت خويلد، كانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدة عفافها وصيانتها، أولى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أنجبت منه ذكرين وثلاث بنات، أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وأظهر محبته لها، وتأثر عند ذكرها بعد وفاتها، توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 78، ابن حجر: الإصابة 8/ 60.
(7) في الأصل: وأول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عن جميعهم. وفي ب: وأول رجلين أسلم علي وأبو بكر رضي الله عن جميعهم، والمثبت من: أ، ج.(1/148)
يكتم الإسلام خوفا من أبيه (1)، حتى لقيه أبوه (2) أبو طالب فقال:
أسلمت؟ قال: [نعم] (3)، فقال: وآزر ابن عمك وانصره (4).
وسئل (5) ابن عباس رضي الله عنه: أيّ الناس أوّل إسلاما؟ قال: أما سمعت [قول] (6) حسان بن ثابت (7) رحمه الله ورضي الله عنه (8):
إذا تذكرت شجوا (9) من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البريّة [أتقاها] (10) وأعدلها (11) ... إلى (12) النّبي وأوفاها بما حملا
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 964.
(2) (أبوه) ساقطة من: أ، ب، ج.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) جاء في الأصل قال: وزير ابن عمك فانصره، وفي: ج: قال: وابن عمك وانصره، والمثبت من: أ، ب، وذكر الخبر الذهبي: السيرة النبوية ص 136بنحوه.
(5) السائل هو: عامر الشعبي. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 160، وانظر: ابن أبي شيبة:
المصنف 14/ 310، والحاكم: المستدرك 3/ 64، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 964.
(6) زيادة من: ج.
(7) حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، الأنصاري، الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، كان ينافح ويناضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة أربع وخمسين. انظر ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 482، الذهبي: سير 2/ 512، ابن حجر: الإصابة 2/ 237.
(8) في أ، ج: رحمه الله، وفي ب: رضي الله ورحمه حين قال.
(9) الشجو: الحاجة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1675 (شجو).
(10) التكملة من: أ، ب، ج.
(11) في الأصل وب: وأجد لها، والمثبت من أ، ج، وديوان حسان ص 211.
(12) في ديوان حسان ص 211 (بعد).(1/149)
والثاني التّالى (1) المحمود مشهده ... وأوّل الناس منهم صدّق الرّسلا (2) /
[2/ ب]
(صفاته الخلقية) (3):
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه [نورا] (4) تلألؤ القمر ليلة البدر (5).
قالت عائشة (6) رضي الله عنها: دخل [عليّ] (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) فقعد
__________
(1) في ديوان حسان ص 212 (الصادق)، وفي أ: والثاني اثنين والمحمود.
(2) هذا أثر روي بأسانيد ضعيفة، عند ابن أبي شيبة: المصنف ص 14، والفسوي:
المعرفة والتأريخ 3/ 254، والحاكم: المستدرك 3/ 64، وابن قتيبة: عيون الأخبار 2/ 151، والطبري: تاريخ 2/ 314، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 160.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) زيادة من: أ.
(5) الترمذي: الشمائل المحمدية ص 34، 276من أثر طويل. وانظر، ابن سعد: الطبقات 1/ 422، أبو نعيم: دلائل 1/ 551، البيهقي: دلائل 1/ 286، وإسناده ضعيف، فيه جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي، قال عنه ابن حجر: تقريب التهذيب ص 142 (ضعيف رافضي) وفيه أبو عبد الله التميمي من ولد أبي هالة، قال عنه ابن حجر: تقريب التهذيب ص 654 (مجهول).
(6) أم المؤمنين، وابنة الصديق رضي الله عنه: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بمكة، ودخل بها بعد الهجرة بالمدينة، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، وكانت أحب نسائه إليه، روت عنه ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، توفيت سنة ثمان وخمسين. انظر: ابن سعد:
الطبقات 8/ 58، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 188، ابن حجر: الإصابة 8/ 141.
(7) التكملة من: ج.
(8) (عليه) تكررت في الأصل.(1/150)
يخصف (1) نعلا، وأنا قاعدة أغزل، فرفعت رأسي إليه، فإذا سالفته (2) قد عرقت، وهو يتولّد بين عينيه (3) نورا، فقلت: أما والله لو رآك أبو كبير (4)
الهذلي لعلم أنك أحقّ بشعره من غيرك. فقال صلى الله عليه وسلم: «وما قال (5) يا عائشة (6)؟» قالت (7): قال:
ومبرّاء من كلّ غبّر حيضة (8) ... وفساد مرضعة وداء مغيل (9)
__________
(1) الخصف: النعل ذات الطراق، وكل طراق منها خصفة، وخصفت النعل: حرزتها، فهي نعل خصيف. الجوهري: الصحاح 4/ 1350 (خصف).
(2) السالف: ناحية مقدّم العنق من لدن معلّق القرط إلى قلّت الترقوة. الجوهري:
الصحاح 4/ 1377 (سلف).
(3) في أ، ب، ج: في عيني نورا.
(4) في الأصل: أبو كثير، والتصويب من: أ، ب، ج. هو عامر بن الحليس، أحد بني سعد بن هذيل، ثم أحد بني جريب، صحابي، اشتهر بكنيته (أبو كبير). انظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء 2/ 674، السكري: شرح أشعار الهذليين 3/ 1069، التبريزي: شرح ديوان الحماسة 1/ 82، ديوان الهذلي، القسم الثاني ص 88، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 262، ابن حجر: الإصابة 7/ 162.
(5) في الأصل وب: ما قال، والمثبت من: ج.
(6) في حلية الأولياء 2/ 45: ما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي؟
(7) في أ: فقالت.
(8) غبّر الحيض: بقاياه. الجوهري: الصحاح 2/ 765 (غبر).
(9) مغيل: بضم الميم وكسر الغين، وفي ج: مشكولة بفتح الميم، مت الغيل، وهو أن تغشى المرأة وهي ترضع، فذلك اللبن الغيل، يقال أغالت المرأة، إذا أرضعته على حبل. انظر: الجوهري: الصحاح 5/ 1787 (غيل).
ومعنى البيت: أنها حملت به وهي طاهر ليس بها بقية حيض، ووضعته ولا داء به استصحبه من بطنها فلا يقبل علاجا، ولم تحمل عليه فترضعه غيلا. ابن قتيبة: الشعر والشعراء 2/ 674، البغدادي: خزانة الأدب 8/ 206، السكري: شرح أشعار الهذليين 3/ 1073.(1/151)
وإذا (1) نظرت إلى أسرّة (2) وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلّل (3)
قالت: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في يده، وقام إليّ فقبلني (4) بين عيني، وقال: «جزاك الله خيرا يا عائشة (5)، فما أعلم متى سررت كسروري بكلامك» (6).
واسم أبي كبير (7) الهذلي: ثابت (8) بن عبد شمس، ويقال: عامر بن [الحليس] (9).
__________
(1) عند السكري: شرح أشعار الهذليين 3/ 1074 (فإذا).
(2) أسرة وجهه: الخطوط التي في الجبهة. الجوهري: الصحاح 2/ 683 (سرر) بتصرف.
(3) في ب: المهلل، المتهلل: تهلل السحاب ببرقه: تلألأ. وتهلّل وجه الرجل من فرحه، واستهل.
الجوهري: الصحاح 5/ 1851 (هلل). ومعنى البيت: إذا نظرت في وجهه رأيت أسارير وجهه تشرق إشراق السحاب المتشقق بالبرق. البغدادي: خزانة الأدب 8/ 208.
(4) في أ: وقبل بين، وفي ب: قبل ما بين، وفي ج: فقيل ما بين.
(5) في أ، ب، ج: جزاك الله يا عائشة خيرا.
(6) في الأصل: فمتى أعلم حتى سريري كسريري بكلامك، والمثبت من: ج، وفي أ:
مثل سروري. بدل: كسروري، وفي ب: متى سررت بكلامك.
والخبر بتمامه عند أبي نعيم: الحلية 2/ 46وفيه «جزاك الله يا عائشة خيرا، ما سررت مني كسروري منك». البيهقي: السنن الكبرى 7/ 423، الخطيب: تأريخ بغداد 13/ 253.
(7) في أ: أبو بكير، وفي ب: أبا بكر، وفي الأصل: أبو كثير، والمثبت من: ج.
(8) الزبيدي: تاج العروس 4/ 57، وهو مخالف للمشهور من اسمه. الذي هو عامر بن الحليس.
(9) في الأصل: الحليف، وفي أ، ب، ج: الحلفة، وهو تحريف. وما أثبته من مصادر ترجمته السابقة.(1/152)
وكان صلى الله عليه وسلم أطول من المربوع (1)، وأقصر من المشذّب (2)، عظيم الهامة (3)، رجل (4) الشّعر، يجاوز شعر رأسه شحمة أذنه (5) إذا هو وفّره (6).
أزهر (7) اللون، واسع الجبين (8)، أزّج (9) الحواجب في (10) غير قرن، بينهما عرق يدرّه (11) الغضب، أقنى العرنين (12)، [أشمّ] (13)، دعج
__________
(1) في الأصل: المربع، والتصويب من: أ، ب، ج.
(2) المشذّب: الطويل. الجوهري: الصحاح 1/ 152 (شذب).
(3) الهامة: الرأس. الجوهري: الصحاح 5/ 2063 (هيم).
(4) رجل الشعر: لم يكن شديد الجعودة ولا سبطا. الجوهري: الصحاح 4/ 1706 (رجل).
(5) في أ، ب: شعره شحمة أذنه، وفي ج: شعره شحمة أذنيه، وعند الترمذي: الشمائل ص 36: (إذا انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه).
(6) قي أ: إذ هو وافره.
(7) أزهر اللون: الأزهر: النيّر، ورجل أزهر، أي أبيض مشرق الوجه. الجوهري:
الصحاح 2/ 674 (زهر)، وانظر: ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 447.
(8) الجبين: فوق الصدغ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها. الجوهري: الصحاح 5/ 2091 (جبن).
(9) أزج الحواجب: الزجج: دقة في الحاجبين وطول. الجوهري: الصحاح 1/ 319 (زجج). الزمخشري: الفائق في غريب الحديث 2/ 228.
(10) عند الترمذي: الشمائل ص 36 (سوابغ من غير قرن).
(11) يذّره الغضب: أي إذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم امتلأ ذلك العرق دما فتحرك وظهر نبضه.
انظر: الجوهري: الصحاح 2/ 656 (درر).
(12) أقنى العرنين: القنا: إحديداب في الأنف، يقال: رجل أقنى الأنف. والعرنين: هو أول الأنف حيث يكون فيه شحم. الجوهري: الصحاح 6/ 2469، 2163 (قنا) و (عرن).
(13) التكملة من: أ، ب، ج. أشمّ: أي رافع الرأس. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1455 (شمم) بتصرف.(1/153)
[العين] (1)، سهل الخدّين (2)، ضليع (3) الفم، أشنب (4)، مفلّج (5) الأسنان، كأن عنقه جيد دمية (6) في صفاء الفضة (7)، معتدل الخلق، بادنا (8)، له نور يعله، بعيد ما بين المنكبين. ضخم الكراديس (9)، أنور المتجرّد (10)، موصول
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق من المحقق. والدعج: شدّة سواد العين مع سعتها، يقال: عين دعجاء. الجوهري: الصحاح 1/ 314 (دعج)، ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 338.
(2) سهل الخدين: قليل لحمه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1314 (سهل) بتصرف.
(3) ضليع: عظيمه، أو واسعه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 959 (ضليع)، الزمخشري: الفائق 2/ 229.
(4) (أشنب): ساقطة من: ب، وهي بمعنى حدة وعذوبة في الأسنان. الجوهري:
الصحاح 1/ 158 (شنب)، والفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 132 (شنب)، الزمخشري: الفائق 2/ 229.
(5) مفلج: الفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات. الجوهري: الصحاح 1/ 335 (فلج)، وابن الجوزي: غريب الحديث 2/ 204.
(6) جيد دمية: الجيد: العنق، والدمية: هي الصورة من العاج ونحوه. الجوهري:
الصحاح 2/ 462 (جيد) 6/ 2340 (دمى) شبه عنقه الشريف صلى الله عليه وسلم بجيدها في اعتداله وحسنه. انظر: ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 350.
(7) في الأصل: الصفة، وفي أ: الفضلة، وفي ب: دمية الصفة، والمثبت من: ج.
(8) بادنا: البادن: السمين سمنا معتدلا غير مفرط. انظر: الزمخشري: الفائق 2/ 229.
(9) الكراديس: جمع كردوس وهو كل عظمين التقيا في مفصل. الجوهري: الصحاح 3/ 970 (كردس) فكان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم المفاصل والأعضاء.
(10) المتجرّد: بضم ثم بفتح مع تشديد الراء وفتحها أو كسره، يقال: رجل أجرد بين الجرد: لا شعر عليه، أي نيّر العضو العاري عن الشعر. انظر: الجوهري: الصحاح 2/ 455 (جرد).(1/154)
ما بين اللّبّة (1) والسّرة (2) بشعر يجري كالخطّ، أشعر (3) الذراعين والمنكبين، وأعالي (4) الصدر. طويل الذّراعين (5)، رحب الراحة (6) شثن (7) الكفين والقدمين، وسائر الأطراف (8)، خمصان الأخمصين (9)، ممسوح (10)
القدمين، ينبو (11) عنهما الماء. إذا زال زال تقلّعا، ويخطو تكفّؤا (12) ويمشي
__________
(1) اللبّة: المنحر، وموضع القلادة من الصدر من كل شيء. الجوهري: الصحاح 1/ 217 (لبب)، الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 170 (لبب)
(2) في ج: والسرة والركبة.
(3) أشعر: كثيره، طويله. الجوهري: الصحاح 2/ 698 (شعر)، الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 533 (شعر).
(4) في الأصل: عالي الصدر، وفي ب: وعالي الصدر، والمثبت من: أ، ب. الترمذي:
الشمائل ص 37.
(5) عند الترمذي: الشمائل ص 37: الزّندين.
(6) رحب الراحة: واسع الكلف. الجوهري: الصحاح 1/ 134 (رحب).
(7) شثن: خشن وغليظ. الجوهري: الصحاح 5/ 2142 (شثن)، الزمخشري: الفائق 2/ 230، ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 518.
(8) عند الترمذي: الشمائل ص 37 (سائل الأطراف أو قال: شائل الأطراف).
(9) خمصان الأخمصين: ليست في: ب، الأخمص: ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض.
الجوهري: الصحاح 3/ 1038 (خمص)، الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 797 (خمص).
(10) في أ، ب، ج: والشمائل ص 37مسيح.
(11) ينبو: لا يثبت الماء على قدميه صلى الله عليه وسلم لملاستها. الحليمي: تحقيق الشمائل المحمدية للترمذي ص 37.
(12) في ب: تكلفؤا، وعند الترمذي: الشمائل ص 38: إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا أي: تمايل إلى قدّام كأنه من قوته يمشي على صدفة قدمية. ابن الجوزي: غريب الحديث 2/ 294.(1/155)
هونا (1) (2)، إذا مشى كأنما ينحطّ من صبب (3)، وإذا التفت التفت جميعا (4).
وكان يعرف رضاه من غضبه (5) في وجهه، كان إذا رضي وسر كان وجهه كالمرآة (6)، وإذا غضب تلوّن وجهه (7) واحمرّت عيناه (8).
(بيعة الرضوان) (9):
وكان عدد من بايعه تحت الشجرة [من] (10) الحديبية (11) ألفا
__________
(1) هونا: بسكينة ووقار. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1600 (هون).
(2) عند الترمذي: الشمائل ص 38: ذريع المشية.
(3) ينحط من صبب: أي كأنما تنزّل من منحدر، لشدة سرعته. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 1/ 576.
(4) سبق تخريجه في ص 150رقم الحاشية (5).
(5) في أ، ب، ج: وغضبه.
(6) في أ، ب، ج: كأن وجهه المرآة.
(7) (وجهه) ليست في: ج.
(8) أبو نعيم: دلائل 1/ 563، البيهقي: دلائل 1/ 301.
(9) عنوان جانبي من المحقق.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.
(11) الحديبية: بتشديد الياء وتخفيفها، قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، وتقع الآن على مسافة 22كيلا غرب مكة على طريق جدة ولا زالت تعرف بهذا الاسم. ياقوت: معجم البلدان 2/ 229، وشراب: المعالم الأثيرة ص 97.(1/156)
وأربعمائة (1) وهي بيعة الرضوان (2)، وكانت (3) الشجرة، سمرة (4). بايعوه على أن لا يفروا (5).
قال سلمة بن الأكوع (6): بينما (7) نحن قائلون (8) نادى
__________
(1) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 3/ 42، وكتاب الأشربة، باب شرب البركة والماء المبارك 3/ 328، مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها 12/ 174، وكتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 13/ 2، وانظر: ابن سعد: الطبقات 2/ 98.
(2) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 3/ 42، واشتهرت هذه البيعة ببيعة الرضوان لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه قد رضي عن أصحابها. وانظر:
ابن حزم: جوامع السير ص 166.
(3) في ج: وكان الشجرة.
(4) مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 13/ 2، والسمرة: شجرة من العضاة، والعضاة: كلّ شجر له شوك. ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 497.
(5) مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 13/ 2، 5، وابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 4/ 315، ابن سعد: الطبقات 2/ 100.
(6) هو سلمة بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك، الأسلمي، كان شجاعا راميا محسنا خيّرا فاضلا، سكن المدينة، ثم انتقل فسكن الرّبذة، ثم عاد إلى المدينة، وتوفي بها سنة أربع وسبعين وقيل: أربع وستين. ابن الكلبي: نسب معد 2/ 458، ابن سعد: الطبقات 4/ 305، ابن قتيبة: المعارف ص 323، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 240، ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 671، ابن حجر: الإصابة 3/ 118.
وهذا الأثر أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 640، وانظر: الطبري: تاريخ 2/ 632، وجامع البيان في تأويل القرآن 11/ 350باختلاف يسير في الألفاظ، وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة. ابن حجر: تقريب ص 552.
(7) في ج: بينا.
(8) قائلون: القائلة: الظهيرة. يقال: أتانا عند القائلة، وقد يكون بمعنى القيلولة أيضا، وهي النوم في الظهيرة. الجوهري: الصحاح 5/ 1808 (قيل).(1/157)
مناد (1): يأيها الناس، البيعة البيعة، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت شجرة (2) فبايعناه، فذلك قوله [تعالى] (3): {* لَقَدْ رَضِيَ اللََّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبََايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مََا فِي} (4) [أي: ما في قلوبهم] (5)
من الإخلاص {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} (6) قال (7) قتادة (8): الصبر والوقار (9).
وكان أول من بايعه تحتها يومئذ [أبو سنان] (10) وهب بن عبد الله
__________
(1) لم أقف على اسمه.
(2) في أ، ب: الشجرة.
(3) زيادة من: أ، ب، ج.
(4) سورة الفتح: الآية (18).
(5) التكملة من: أ، وفي ج: أي من الإخلاص.
(6) سورة الفتح الآية: 18.
(7) (قال) ليست في: ج.
(8) هو قتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي، البصري، ولد سنة ستين، كان عالما، من أحفظ الناس، رأسا في العربية والغريب وأيام العرب، وأنسابها، عالما بالتفسير وأحد الأئمة في حروف القرآن، مات سنة سبع عشرة ومئة، بواسط. ابن سعد: الطبقات 7/ 229، وخليفة: تاريخ ص 348، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 318، الذهبي: سير 5/ 269، ابن الجوزي: غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 25.
(9) الطبري: جامع البيان 11/ 350.
(10) التصويب من نسخة: ج، وفي الأصل، وأ، ب (أبو سفيان). انظر: ابن سعد:
الطبقات 2/ 100، ابن هشام: السيرة 3/ 316، ابن عبد البر: الدرر ص 141، ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 155، بأسانيد صحيحة إلى الشعبي وهو مرسل، وهذا الأثر حسن لغيره، وإن كان مرسلا إلا أنه قد اختلف مخرجه فدل على أن له أصل.
الحكمي: مرويات غزوة الحديبية ص 147.(1/158)
بن حرثان (1) / الأسدي، وقيل: سلمة (2) بن الأكوع (3). [3/ أ]
وكان سبب بيعة الرضوان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجّه عثمان رضي الله عنه إلى مكة في أمر لا يقوم به غيره من [صلح] (4) قريش (5)، على أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمرة، فلما أتى (6) الخبر الكاذب بأن عثمان قد قتل، جمع (7) أصحابه، فدعاهم إلى البيعة (8) على قتال أهل مكة يومئذ. وبايع
__________
(1) في الأصل (عبد بن حوثان) وفي ج: وهب بن عبد الله بن حوثان، والمثبت من: أ، ب، وقع في اسمه خلاف. انظر: عند ابن حجر: الإصابة 7/ 92.
(2) في أ، ب: سلامة.
(3) رواه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها 12/ 175. قال السفاريني: شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد 2/ 733 (وقد روى مسلم عنه أول من بايع، والمشهور أن أول من بايع أبو سنان والجمع بينهما، بأن أبا سنان أول من بايع مطلقا. وأن سلمة أول من بايع من الأنصار، فأوليته بالإضافة إلى ما دون أبي سنان).
(4) في الأصل (صلاح) والتصويب من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1038.
(5) القرش: الكسب والجمع، والتقريش: الاكتساب، وتقرشوا: تجمعوا. واختلف علماء النسب فيما سميت له قريش، فقيل: لتجمعهم بمكة، وقيل: إلى القرش وهو الكسب والجمع، وقيل: نسبة إلى قريش بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة. والأول هو المشهور. ابن عبد البر: الأنباه على قبائل الرواة ص 45، وانظر عن معنى الكلمة الجوهري: الصحاح 3/ 1016 (قرش).
(6) في أ، ب، ج: أتاه.
(7) في الأصل، أ، ج: جميع، والتصويب من: ب.
(8) في ب: للبيعة.(1/159)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان يومئذ بإحدى يديه (1) [على] (2) الأخرى (3)، وقال: «يد رسول الله صلى الله عليه [وسلم لعثمان] (4) خير من يد عثمان لنفسه» (5) ثم أتاه الخبر بأن عثمان لم يقتل (6).
(الهجرة إلى المدينة): (7)
وهاجر [رسول الله] (8) صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وعامر بن [فهيرة] (9) مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله ابن [أريقط] (10)
__________
(1) في ب: بأخذي يده، وفي أ، ج: بأحدى يده.
(2) زيادة يقتضيها السياق من المحقق.
(3) وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان ثابتة عند البخاري: الصحيح كتاب بدء الخلق، باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه 2/ 297، وانظر: ابن هشام: السيرة 3/ 316، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1038.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1038.
(6) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1038.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) الزيادة من: ج.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي ب: فهر، وفي الأصل: هبيرة، عامر بن فهيرة، كان مولى للطفيل بن الحارث، من السابقين إلى الإسلام، عذب ليرجع عن دينه، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، شهد بدرا وأحدا، واستشهد يوم بئر معونة. ابن سعد: الطبقات 3/ 231، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 32، ابن حجر: الإصابة 4/ 14.
(10) في الأصل: أريقض، وسقط من: أ، ب، والتصويب من: ج. استأجره الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، يوم هجرتهما، وهو رجل من بني الدّيل، من بني عبد بن عدي، قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي، كان ماهرا بالهداية. البخاري:
الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 2/ 329.(1/160)
الليثي، ولم يكن مسلما (1)، فدخل الغار الذي بثور وهو جبل (2) بأسفل مكة، وأقام فيه ثلاثا، ومعه (3) أبو بكر، ثم ارتحل بعد الثلاث، فدخل المدينة يوم الاثنين (4) لاثنتي عشرة (5) ليلة مضت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى (6)، وكادت الشمس تعتدل (7)، وهو ابن (8) ثلاث وخمسين سنة بعد مبعثه بثلاث عشرة (9) سنة، ونزل في حال موافاته المدينة بقباء (10)
__________
(1) ذكره الذهبي في كتاب: تجريد أسماء الصحابة 2/ 34. وقال ابن حجر: لم أر من ذكره في الصحابة إلا الذهبي. الإصابة 4/ 33.
(2) ابن عبد البر: الدّرر ص 49، ويسمّى (أطحل) ويضاف إليه ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة، فيقال: ثور أطحل. ياقوت: معجم البلدان 1/ 215، 2/ 87، وانظر:
الجوهري: الصحاح 2/ 606 (ثور).
(3) طمس في: ج.
(4) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 2/ 333.
(5) في الأصل: الاثني عشر، وفي ب: لاثني عشرة، والتصويب من: أ، ج.
(6) في ب: الضحاء.
(7) في أ: تعدل. ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 492، ابن عبد البر: الدرر ص 54.
(8) في ب: من.
(9) في ب: بثلاث عشر سنة.
(10) قباء: بالضم: وأصله اسم بئر عرفت القرية بها، وهي على ميلين من المدينة، تقع على يسار القاصد إلى مكة، وبها مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهو اليوم متصل بالمدينة ويعدّ من أحيائها. ياقوت: معجم البلدان 4/ 301، 302، وشراب: المعالم الأثيرة ص 222.(1/161)
على كلثوم بن هرم (1)، ونزل أبو بكر رضي الله عنه على حبيب بن إساف (2).
وكان علي بن أبي طالب (3) رضي الله عنه تخلّف بعده بمكة، بأمره [ليؤدي] (4)
عنه الودائع التي كانت عنده للناس، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فترل عليه على كلثوم بن هرم (5).
__________
(1) اختلف في اسمه، فقيل: كلثوم بن هرم، وقيل: لابن هدم، وقيل: ابن الهدم: بكسر الهاء وسكون الدال وهو الأشهر، بن امرىء القيس بن الحارث الأوسي، الأنصاري، توفي قبل غزوة بدر الكبرى بيسير، ولم يدرك شيئا من مشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل:
إنه أوّل من مات من الصحابة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. ابن هشام: السيرة 2/ 493، وابن سعد: الطبقات 3/ 623، وخليفة: تاريخ ص 55، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 334، وابن الأثير: أسد الغابة وابن قدامة: الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار ص 293، والذهبي: سير 1/ 242، وابن حجر: الإصابة 5/ 311.
(2) عند ابن هشام: السيرة 2/ 493: نزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب ابن إساف الخزرجي. انظر: ابن عبد البر: الدّرر ص 54، وقال ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 440 (خبيب، بالخاء المعجمة، وهو أصح، وحبيب تصحيف) وهو خبيب ابن إساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر، الأنصاري الخزرجي، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق، وتوفي في خلافة عثمان. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 408، ابن سعد: الطبقات 3/ 534، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 595، ابن قدامة: الاستبصار ص 133، الذهبي: سير 1/ 501، وفيه: خبيب بن يساف بن عنبة. انظر: ابن حجر:
الإصابة 2/ 103.
(3) (ابن أبي طالب) ليست في: ج.
(4) في الأصل: فأمره ليوالي، وفي أ، ب: بأكر ليوالي، والمثبت من: ج.
(5) ابن إسحاق، بدون إسناد (سيرة ابن هشام 2/ 493، وفيه: كلثوم بن هدم).(1/162)
وسار (1) من قباء يوم الجمعة ارتفاع النهار، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف (2)، فصلاها في المسجد الذي (3) في بطن الوادي (4)، فكانت (5) أوّل جمعة صلاها بالمدينة (6). وأتته (7) الأنصار حيّا حيّا، يسأله كلّ فريق منهم الترول عليه، ويتعلقون بزمام (8) ناقته (9)، وهي تجذبهم،
__________
(1) في أ، ب، ج: وصار.
(2) بنو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن كعب، بطن من الخزرج، وكانت منازلهم بين قباء والمدينة. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 414، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 353، وابن قدامة: الاستبصار ص 196.
(3) في أ: التي.
(4) ابن إسحاق: سيرة ابن هشام 2/ 494، خليفة: تاريخ ص 55.
والمقصود وادي رانوناء: واد صغير بين قباء ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصب من حرة قباء في وادي بطحان جنوب مسجد الغمامة. عاتق البلادي: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 135، وعند البيهقي: دلائل النبوة 2/ 504 (وادي مهزور).
(5) في ب: فكان.
(6) ابن إسحاق بدون إسناد (سيرة ابن هشام 2/ 494)، البيهقي: دلائل النبوة 2/ 500.
(7) في الأصل: أتته، والمثبت من: أ، ب، ج.
(8) الزّمام: المقود. انظر: الجوهري: الصحاح: 5/ 1944 (زمم).
(9) قيل في اسمها: القصواء، وتسمى بالعضباء والجدعاء، ولم يكن بها عضب ولا جدع وإنما سميت بذلك، وكانت شهباء. انظر: الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 629، ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 403، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 1/ 134، ابن حجر: الفتح 6/ 73، وانظر: حماد بن اسحاق: تركة النبي ص 100.(1/163)
فيقول لهم: «خلّوا عنها فإنّها مأمورة» (1) فخلوا عنها، فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار (2)، بركت على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ [مربد] (3) لسهل (4) وسهيل (5) ابني رافع من بني النجار،
__________
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/ 494بدون إسناد، وأخرجه ابن عائذ، وسعيد بن منصور، عن عبد الله بن الزبير. البداية والنهاية 3/ 200، وفتح الباري 7/ 246، وأخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور، والبداية والنهاية 3/ 200، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 237236، وأشار ابن حجر إلى تخريج الحاكم للقصة من حديث أنس. فتح الباري 7/ 245.
وقد قوى الدكتور أكرم العمري حديث عبد الله بن الزبير بحديث أنس (فيرقى إلى حسن لغيره) السيرة النبوية الصحيحة 1/ 219.
(2) في ب: مالك النجار، وبنو مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو، بطن من الخزرج، منهم أبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه، الذي ضيّف النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 347، ابن قدامة: الاستبصار ص 47.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
المربد: هو الموضع الذي يلقى فيه التمر بعد الجداد قبل أن يوضع في الأوعية وينقل، وهو أيضا محبس تحبس فيه الإبل والغنم. ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 373.
(4) في ج: لسهيل وسهيل. اختلف في اسم سهل، فقال ابن الكلبي، وابن عبد البر وابن حجر:
هو سهل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، الخزرجي. وقال ابن إسحاق: سهل بن عمرو الأنصاري. وجعله أبو نعيم (بلوي) وأخاه سهيل (أنصاري) وأنكر ذلك ابن الأثير، وقال: (وهذا تناقض ظاهر) والقول الأول هو الأشهر. شهد أحدا، وتوفي في خلافة عمر. ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام 2/ 495) وابن الكلبي: نسب معد 1/ 395، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 349، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 663، ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 319، ابن حجر: الإصابة 3/ 139.
(5) اختلف في اسمه، فقال ابن الكلبي، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن حجر: هو سهيل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، الخزرجي.
وقال ابن إسحاق وأبو نعيم: سهيل بن عمرو الأنصاري. وقال ابن منده سهيل بن بيضاء.
والقول الأول هو الأشهر، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في خلافة عمر،(1/164)
يتيمين في حجر أبي أمامة أسعد (1) بن زرارة، ثم وثبت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترل (2)، فمرت (3) قليلا، ثم التفتت خلفها، فرجعت (4) إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه، ثم [تحلحلت] (5)، وزمت (6) ووضعت
__________
وزعم ابن الكلبي أنه قتل بصفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 2/ 495، وابن الكلبي: نسب معد 1/ 395، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 349، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 668، ابن قدامة: الاستبصار ص 64، ابن الأثير:
أسد الغابة 2/ 326، وابن حجر: الإصابة 3/ 139، 146.
(1) في الأصل: سعد، والمثبت من: أ، ب، ج. وعند البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 2/ 333 (أسعد بن زرارة) هو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، الأنصاري، الخزرجي، أسلم قديما، وشهد العقبتين، وكان أحد النقباء، توفى قبل غزوة بدر. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 395، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 296، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 86، وابن قدامة: الاستبصار ص 56، 58، وابن حجر: الإصابة 1/ 32.
(2) في ج: لم يزل.
(3) في ب: ومرت.
(4) في ج: ثم رجعت.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: تخلخلت. وما أثبته هو الصواب. قال السهيلي عند الكلام على تحلحلت: وفسره ابن قتيبة على = تلحلح = أي لزم مكانه ولم يبرح، قال:
وأما (تحلحل) فمعناه: زال عن موضعه، وهو الذي قاله قوي من جهة الاشتقاق، فإن (التلحلح) يشبه أن يكون من: لححت عينه: إذا التصقت. وأما (التحلحل) فاشتقاقه من الحل، والانحلال بين لأنه انفكاك شيء من شيء. والرواية هنا كما في سيرة ابن إسحاق (تحلحلت) بتقديم الحاء على اللام، وهو خلاف المعنى، إلا أن يكون مقلوبا من (تلحلحت) فيكون معناه: لصقت بموضعها وأقامت، على المعنى الذي فسره به ابن قتيبة في (تلحلحت). وانظر: ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 2/ 495، والسهيلي: الروض الأنف 2/ 247، وابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 4/ 239.
(6) في الأصل: وازمت، وفي أ: وزرعت، وفي ب: ورزفت، والمثبت من: ج.(1/165)
جرانها (1)، فترل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، [واحتمل أبو أيوب خالد بن زيد (2) رحله فوضعه في بيته صلى الله عليه وسلم] (3) وأقام عنده حتى بنى مسجده ومسكنه (4)، ثم انتقل إلى مسكنه (5).
واطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين والأنصار، واستحكم أمر الإسلام. فأقيمت (6) الصلاة، وفرضت الزكاة،
__________
وعند السهيلي: الروض الأنف 2/ 247 (رزمت) أي صوتت. ابن الأثير: النهاية 2/ 220.
(1) في الأصل وب: جيرانها، والتصويب من: أ، ج.
الجران: مفرد جرن، وهو من العنق: ما بين المذبح إلى المنحر، أو هو: باطن عنق الناقة. الزمخشري: الفائق 1/ 204، ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 152، وانظر:
ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 495، 496بدون إسناد.
(2) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، الأنصاري، الخزرجي، من كبار الصحابة شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد كلها، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين مصعب بن عمير، استخلفه علي رضي الله عنه على المدينة لما خرج إلى العراق، ثم لحق به وشهد معه قتال الخوارج، وداوم على الغزو بعد ذلك حتى استشهد في حصار القسطنطينية سنة خمسين، أو بعدها. انظر: ابن سعد: الطبقات 3/ 484، 485، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 571، ابن حجر: الإصابة 2/ 89.
(3) الزيادة من: ج، وفي أ: خالد بن مزيد له فوضعه في بيته رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4) في أ، ب، ج: ساكنه. بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها، فانتقل إليها من دار أبي أيوب. الذهبي: سير 2/ 402.
(5) انظر ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 2/ 495، 496.
(6) في أ، ب، ج: فقامت.(1/166)
والصيام، وأقيمت (1) الحدود، وفرض الحلال والحرام.
(الغزوات والسرايا) (2):
وأقام / بالمدينة بعد مقدمه بقية شهر ربيع الأول إلى شهر [3/ ب] المحرم [ثم] (3) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا في صفر على اثني (4) عشر شهرا من مقدمه المدينة، [حتى بلغ] (5) ودّان (6) وهي غزوة الأبواء (7)، يريد قريشا (8)، واستعمل على المدينة [سعد] (9) بن عبادة.
__________
(1) في ب، ج: وقامت، وفي أ: وأقامت.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
الغزوة: كل عسكر حضره النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة. والسرية أو البعث: كل عسكر أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى العدو ولم يحضره. الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 1/ 387.
(3) الزيادة من: ج.
(4) في الأصل: اثناء، والتصويب من: أ، ب، ج.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) ودّان: بالفتح، بين مكة والمدينة قرية من نواحي الفرع، بينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال بالقرب من مدينة مستورة الآن على بعد 12كيلا منها، وتبعد عن المدينة 250كيلا. ياقوت: معجم البلدان 5/ 365، وشراب: المعالم الأثيرة ص 296.
(7) غير واضحة في: ب. الأبواء: قرية من عمل الفرع، بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وهي اليوم واد كثير المياه والزرع، ويسمى (وادي الخريبة). انظر: ياقوت: معجم البلدان 1/ 79، البلادي: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 14.
(8) انظر ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 2/ 591بدون إسناد، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 352.
(9) التصحيح من: ج، وفي الأصل، وأ، وب: سعيد. وانظر: ابن هشام: السيرة النبوية(1/167)
قال ابن إسحاق: وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة، أولها (1) غزوة ودّان، وهي غزوة الأبواء (2)، ثم غزوة بواط (3)، (4)، ثم [غزوة] (5) العشيرة (6)، ثم غزوة بدر (7)، (8)
__________
2/ 591، ابن عبد البر: الدّرر ص 62. وهو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، الأنصاري، الخزرجي، شهد بيعة العقبة الثانية، وكان أحد النقباء. ابن سعد: الطبقات 3/ 613، وابن حجر: الإصابة 4/ 152.
(1) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608 (منها).
(2) كانت غزوة الأبواء في شهر صفر سنة اثنتين من الهجرة. انظر: ابن سعد: الطبقات 2/ 8.
(3) في الأصل: بوط، والمثبت من: أ، ب، ج: بواط بالضم، وآخره طاء مهملة، جبل من جبال جهينة بناحية رضوى (ينبع) وكانت هذه الغزوة في شهر ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة. ياقوت: معجم البلدان 1/ 503، وانظر: ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 3/ 598، وشراب: المعالم الأثيرة ص 54.
(4) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608 (من ناحية رضوى).
(5) في الأصل: كلمة غير واضحة، والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في ب: العسرة، وفي ج: العسيرة، والعشيرة: كانت قرية عامرة بأسفل ينبع النخل، ثم صارت محطة للحاج المصري هناك، وقد اندرس هذا الموضع، ويقع بقرب (عين بركة) التي لا تزال معروفة. شراب: المعالم الأثيرة ص 192بتصرف. وكانت هذه الوقعة في جمادى الأولى سنة اثنتين للهجرة. (سيرة ابن هشام) 2/ 599.
(7) بدر: ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء، ويبعد عن سيف البحر قرابة (45) كيلا وعن مكة (310) أكيال، وعن المدينة (155) كيلا وكانت في رمضان سنة اثنتين. انظر: ياقوت: معجم البلدان 1/ 357، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 41، وانظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 2/ 626.
(8) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608الأولى، يطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر الكبرى.(1/168)
التي قتل الله فيها صناديد (1) قريش وكانت يوم الجمعة صبيحة (2) سبع عشرة (3) من شهر الله المعظم (4) رمضان، وافترض رمضان، وحوّلت القبلة قبلها بشهرين (5) ثم غزوة بني سليم (6)، (7)، ثم غزوة السّويق (8)،
__________
(1) في ب: صنديد.
(2) في ب: صبحة.
(3) في الأصل: سبع عشر، وفي أ، ب: سبعة عشر، والمثبت من: ج.
(4) (الله المعظم) ساقطة من: أ، ب، ج.
(5) روى خليفة بن خياط، وابن سعد بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب مرسلا، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، وحوّل قبل بدر بشهرين. خليفة: تاريخ ص 64، ابن سعد: الطبقات 1/ 242، ومراسيل سعيد ابن المسيب قوية. قال ابن حجر: الفتح 1/ 97: كان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور.
(6) بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان، قبيلة عظيمة، تتفرع إلى عدة عشائر وبطون، وكانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر، ومن منازلهم حرة سليم، وحرة النار.
انظر: ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 261، السويدي: سبائك الذهب ص 123. عبد القدوس الأنصاري: بنو سليم ص 66، كانت غزوة بني سليم في جمادى الأولى سنة ثلاث من الهجرة. انظر: ابن سعد: الطبقات 2/ 35.
(7) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608 (حتى بلغ الكدر) وهي غزوة بني سليم، وحدد ابن إسحاق تأريخ وقوعها بشهر شوال سنة اثنتين. انظر: ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 3/ 43.
(8) السويق: هو أن تحمص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك، ثم تطحن، ثم يبل ويمزج بالسمن واللبن أو العسل أو الماء، وهو الطعام الذي رماه المشركون للتخفيف منحملهم والمسارعة في الفرار، وقد عاد المسلمون به. وكانت هذه الغزوة في ذي الحجة(1/169)
(1)، ثم غزوة غطفان (2)، وهي غزوة ذي أمر (3)، ثم غزوة بحران (4)، (5)، ثم غزوة أحد (6)، ثم غزوة حمراء الأسد (7)، ثم غزوة بني
__________
سنة اثنتين. انظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 44، 45، وابن سعد: الطبقات 2/ 30.
(1) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608: يطلب أبا سفيان بن حرب.
(2) غطفان: قبيلة عدنانية، تنسب إلى غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان، كانت لهم منازلهم بنجد مما يلي وادي القرى وجبلي طيء، ثم تفرقوا في الفتوحات الإسلامية، واستولى على مواطنهم هناك قبائل طيء.
ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 248، السويدي: سبائك الذهب ص 120.
(3) ذو أمر: موضع من ناحية النّخيل، وهو بنجد من ديار غطفان. ياقوت: معجم البلدان 1/ 252، وكانت هذه الغزوة في صفر سنة ثلاث من الهجرة. انظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 46، وعند ابن سعد: الطبقات 2/ 34: كانت في شهر ربيع الأول سنة ثلاث.
(4) في أ، ج: نجران، وفي ب: صحران. بحران: بالضم، موضع بناحية الفرع. قال ابن إسحاق: هو معدن بالحجاز في ناحية الفرع أو جبل شرق رابغ على 90كيلا.
ياقوت: معجم البلدان 1/ 341، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 40، شراب:
المعالم الأثيرة ص 44، وكانت في ربيع الآخر سنة ثلاث. انظر: ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 3/ 46.
(5) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608 (معدن بالحجاز).
(6) أحد: جبل يقع شمال المدينة، يتكون من صخور جرانيتية حمراء وله رؤوس متعددة، يبعد عن المسجد النبوي خمسة أكيال ونصف الكيل، وعرفت هذه الغزوة باسمه وكانت في شوال سنة ثلاث. العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص 12وانظر ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 60.
(7) حمراء الأسد: موضع يقع جنوب المدينة على الطريق إلى مكة، تبعد عن ذي الحليفة(1/170)
النضير (1)، ثم غزوة ذات الرقاع (2)، (3)، وفيها كانت صلاة الخوف (4) ثم غزوة بدر الآخرة (5)، ثم غزوة دومة (6) الجندل، ثم غزوة الخندق (7)،
__________
بثلاثة أميال وعن المدينة بثمانية أميال وكانت في شوال سنة ثلاث. انظر ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 102، وخليفة: تاريخ ص 74، ياقوت: معجم البلدان 2/ 301، إبراهيم الحربي: كتاب المناسك ص 440.
(1) بنو النضير: قبيلة يهودية، خرجت من الشام إلى الحجاز بعد أن ظهرت الروم على بني إسرائيل وقتلوهم، ونزلت يثرب على وادي بطحان. انظر: الأصفهاني: الأغاني 19/ 9594، والعقيلي: اليهود في شبه الجزيرة العربية ص 60، وكان إجلاء الرسول صلى الله عليه وسلم لبني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع. انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 3/ 190، 191.
(2) في ب: كلمة غير واضحة قبل ذات الرقاع. سميت بذلك لأن أقدام المسلمين نقبت من المشي فلفّوا عليها الخرق، والرّقاع: بكسر أوله موضع بوادي نخل قريب من النخيل في شرق المدينة. انظر البخاري الصحيح: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع 3/ 35، مسلم: الصحيح بشرح النووي 12/ 197. وقد اختلف في تحديد وقتها. فعند ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 202كانت سنة أربع، وعند ابن سعد: الطبقات 2/ 61في المحرّم سنة خمس. ياقوت: معجم البلدان 3/ 56، البلادي:
معجم المعالم الجغرافية ص 307.
(3) عند ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 608 (من نخل).
(4) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع 3/ 35، وكتاب الجمعة، باب صلاة الخوف 1/ 167، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 6/ 128.
(5) في أ، ج: الأخيرة.
(6) دومة الجندل: بضم الدال: قرية من الجوف شمال السعودية، تقع شمال تيماء على مسافة 450كيلا. شراب: المعالم الأثيرة ص 117، وكانت هذه الغزوة في شهر ربيع الأول سنة خمس. ابن هشام: السيرة 3/ 213.
(7) كان الخندق في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، وكان يمتد من أم الشيخين حتى(1/171)
ثم غزوة بني قريظة (1)، ثم غزوة بني لحيان (2)، من هذيل، ثم غزوة ذي (3)
__________
المذار مرورا بحصن رابح فجبل ذباب فجبل عبيد، وكان طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. ابن سعد: الطبقات 2/ 66، 67، والسفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 1/ 191، وابن حجر: الفتح 7/ 397، والعمري: السيرة الصحيحة 2/ 421، وكانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس. ابن هشام: السيرة 3/ 214
(1) في الأصل، وب، ج: قريضة، والمثبت من أ: بنو قريظة، قبيلة يهودية خرجت من الشام إلى الحجاز بعد أن ظهرت الروم على اليهود وقتلوهم، ونزلت يثرب على وادي مهزوز وهي من أشهر قبائل اليهود في المدينة، وسبب ذلك أنهم كانوا ذوي عدد وعدة، ولهم وقائع مع الأوس والخزرج، ثم مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة. أكرم حسين: مرويات تأريخ يهود المدينة في عهد النبوة ص 18، 20، 23، وانظر:
الأصفهاني: الأغاني 19/ 94 (طبعة دار الكتب)، وباشميل: غزوة بني قريظة ص 34، 35، وكانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة خمس. انظر: ابن إسحاق:
(سيرة ابن هشام) 3/ 233، وابن سعد: الطبقات 2/ 74.
(2) بنو لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، سكنوا غران بين أمج وعسفان إلى بلد يقال له ساية، وكانت في شهر جمادى الأول سنة ست من الهجرة. انظر: ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 3/ 279، 280، ابن قتيبة: المعارف ص 64، ياقوت:
معجم البلدان 3/ 180، 4/ 191.
(3) في الأصل: بني ذو قرد، والتصويب من: أ، ب، ج. ذو قرد: جبل أسود بأعلى وادي النقمى شمال شرق المدينة على قرابة 35كيلا. شراب: المعالم الأثيرة ص 224، وفي الصحيح أنها كانت قبل غزوة خيبر سنة سبع بثلاث ليال، البخاري:
الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة ذات القرد 30/ 48، وانظر: مسلم الصحيح(1/172)
قرد، ثم غزوة (1) بني المصطلق (2) من خزاعة، ثم غزوة الحديبية (3) لا يريد قتالا، فصدّه المشركون عن [البيت] (4)، وفيها كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة (5) ثم غزوة خيبر (6)، ثم غزوة [النصر] (7)، [ثم غزوة الفتح،
__________
بشرح النووي 12/ 173. أما ابن إسحاق فيرى أنها كانت سنة ست قبل الحديبية.
انظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 289.
(1) (غزوة): ليست في أ.
(2) بنو المصطلق: بطن من خزاعة، نسبوا إلى جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، وكانت في شهر شعبان سنة ست. قال ابن دريد: الإشتقاق ص 476: سمّي المصطلق لحسن صوته، من مساكنهم قديد، حيث وقعت فيه غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وتسمى أيضا: غزوة المريسيع. انظر: البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة بني المصطلق 3/ 37، ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 3/ 289، ابن الكلبي: نسب معد 2/ 455، إبراهيم قريي: مرويات غزوة بني المصطلق ص 53.
(3) كانت هذه الغزوة في آخر سنة ست. ابن هشام: السيرة 3/ 308.
(4) في الأصل: البلية، والتصويب من: أ، ب، ج.
(5) ما بين العارضتين ليس عند ابن إسحاق.
(6) خيبر: بلد زراعي كثير الماء خصب التربة، كان يسمى ريف الحجاز، يقع شمال المدينة المنورة، ويبعد عنها 165كيلا، وهي من أعظم حرار بلاد العرب بعد حرة بني سليم، وكانت في المحرم سنة سبع. انظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/ 328، وياقوت: معجم البلدان 2/ 409، العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/ 318، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 118.
(7) هكذا وردت في جميع النسخ. قلت: ولعله تحريف القصاص، فقد روى الطبري: جامع البيان 2/ 197، بإسناده إلى مجاهد وصححه ابن حجر: الفتح 7/ 500أن قوله(1/173)
ثم غزوة حنين] (1)، ثم غزوة الطائف (2)، ثم غزوة تبوك (3) وفيها جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (4).
__________
تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرََامُ بِالشَّهْرِ الْحَرََامِ وَالْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ} نزلت فيها. قال السهيلي: الروض الأنف 4/ 76: تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت فيها قال ابن حجر: الفتح 7/ 499، 500، في سبب تسميتها غزوة: ووجّهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر.
(1) التكملة من: أ، ب، ج. حنين: واد من أودية مكة، يقع شرقها بنحو عشرين كيلا، وتعرف الآن بالشرائع، وكانت سنة ثمان بعد الفتح. ابن هشام: السيرة النبوية 3/ 437، إبراهيم قريي: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف 1/ 113، العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/ 496.
(2) الطائف: بلد معروف، يقع شرق مكة، كانت تمتاز بموقعها الجبلي وبأسوارها القوية وحصونها الدفاعية، وتبعد عن مكة 90كيلا، وكانت سنة ثمان بعد حنين.
انظر: ابن هشام السيرة النبوية 4/ 478، وياقوت: معجم البلدان 4/ 9، والعمري: السيرة النبوية الصحيحة 2/ 9، إبراهيم قريي: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف 2/ 278.
(3) تبوك: موضع شمال الحجاز بين وادي القرى والشام، تبعد عن المدينة 778كيلا، وترتفع عن سطح البحر 2543قدما، وكانت من ديار قضاعة تحت سلطة الروم، وكانت هذه الغزوة في شهر رجب سنة تسع. انظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 516، وياقوت: معجم البلدان 2/ 4، البكري: معجم ما استعجم 1/ 303، والسندي: الذهب المسبوك في مرويات غزوة تبوك ص 60، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 59.
(4) ما بين العارضتين ليس عند ابن هشام. وانظر: الخبر عند مسلم الصحيح بشرح النووي: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، الجمع بين الصلاتين في السفر 5/ 216، والسندي: الذهب المسبوك ص 385.(1/174)
[قاتل] (1) فيها [في] (2) تسع غزوات، [غزوة] (3): بدر، وأحد، والخندق، وقريظة (4)، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف (5).
وكانت (6) بعوثه وسراياه (7) من هجرته إلى أن توفي ثمانية (8) وثلاثين بين (9) بعث وسرية (10).
وروي عن عبد الله (11) بن [بريدة] (12)، عن أبيه (13) قال: غزا
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: والقريظة، وفي ب، ج: قريضة، والمثبت من: أ.
(5) ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 609، لكنه ذكر كلمة (منها) بدل (فيها).
(6) في أ: وكان، وفي ج: طمس.
(7) في ب: وسرياه.
(8) في ج: ثمانيا
(9) في أ، ب، ج: من.
(10) ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 609.
(11) عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي، أبو سهل، ولد سنة خمس عشرة، وتولى قضاء مرو، ثقة، مات سنة خمسة ومئة، وقيل: خمس عشرة ومئة.
الذهبي: سير 5/ 50، ابن حجر: تقريب ص 297، وانظر: ابن الأثير: الكامل 4/ 217.
(12) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: برده، وفي ب: يزيدة.
هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث، مرّ به النبي بالغميم مهاجرا، فأسلم وأقام في قومه، ثم قدم عليه المدينة مهاجرا بعد غزوة أحد، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازيه بعد ذلك، وسكن المدينة إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سكن البصرة، ثم انتقل إلى خراسان غازيا، واستوطن مرو حتى مات في خلافة يزيد بن معاوية. ابن سعد: الطبقات 7/ 365، أبو نعيم: معرفة الصحابة 3/ 162، الذهبي: سير 2/ 469.
(13) في ب: أنه.(1/175)
رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة (1) غزوة، قاتل (2) [في ثمان منهن] (3).
(عدد حجج النبي صلى الله عليه وسلم) (4):
وحج واعتمر قبل النبوة وبعدها [حججا، وعمرا] (5)، لا يعرف عددها (6).
وروى جابر (7) بن عبد الله قال: حج النبي (8) صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج،
__________
(1) في الأصل: تسع وعشر، وفي ب: تسع عشر، والمثبت من: أ، ج.:
(2) في ب: قاتل فيها.
(3) التكملة من: أ، ج، والخبر أخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم 12/ 196، وانظر: ابن أبي شيبة: المصنف 14/ 350، البيهقي: دلائل النبوة 5/ 459.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: (حجة وعمرة).
(6) لم أعثر عليه في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها لكن له شاهد وهو قول ابن الجوزي: (حج حججا لا يعلم عددها). انظر: ابن حجر: الفتح 8/ 104، القسطلاني: المواهب اللدنية 4/ 402.
(7) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، الأنصاري ثم السلمي، صحابي ابن صحابي، شهد بيعة العقبة الثانية، غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين. ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 307، الذهبي: سير 3/ 189، ابن حجر:
تقريب التهذيب ص 136.
(8) تكررت (النبي) في: ب.(1/176)
حجتين قبل أن يهاجر (1)، وحجة قرن معها عمرة (2).
ولم يحج بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع، سنة عشر (3)، وسمّاها حجة الوداع لأنه ودّعهم (4).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه ذكر عنده حجة الوداع (5)، فأنكر (6) ذلك فقيل له: حجة الإسلام (7) فقال: نعم، لم يحج فيها (8)
__________
(1) التصحيح من: ج، وفي الأصل، وأ، ب: هاجر.
(2) أخرجه الترمذي: سنن، كتاب الحج، باب ما جاءكم حج النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 170 (815)، وابن ماجة: سنن، كتاب المناسك، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 1027 (3076)، والبيهقي: دلائل النبوة 5/ 454، مع خلاف يسير في اللفظ، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن الترمذي 1/ 245، وصحيح سنن ابن ماجة 2/ 189.
(3) في الأصل وب، ج: عشرة، والمثبت من: أ.
(4) قال ابن حجر: الفتح 8/ 107: ودع الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالوصية التي أوصاهم بها في خطبته، أن لا يرجعوا بعده كفارا، وأكد التوديع بإشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلّغ ما أرسل إليهم به. انظر عن حجة الوداع: ابن حزم: حجة الوداع، (تعليق: ممدوح حقي)، ومحب الدين الطبري: حجة المصطفى صلى الله عليه وسلم، (تعليق: رضوان محمد رضوان)، والألباني: حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه.
(5) (لأنه ودعهم. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه ذكر عنده حجة الوداع) ساقطة من: ب.
(6) عند القسطلاني: المواهب اللدنية 1/ 645: وكره ابن عباس أن يقال: حجة الوداع.
(7) قال الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/ 104: سميت بحجة الإسلام، لأنه لم يحج من المدينة بعد فرض الحج غيرها، وتسمى أيضا حجة البلاغ، لأنه صلى الله عليه وسلم بلغ الناس فيها الشرع في الحج قولا وفعلا. وقال القسطلاني: المواهب اللدنية 3/ 104: (وتسمى أيضا حجة التمام والكمال).
(8) (فيها) ساقطة من: أ، ب، ج.(1/177)
رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، ولا من غيرها (2)، غير هذه الحجة.
وكتّابه (3):
جماعة، حسب فيهم عبد الله بن الأرقم (4)، كتّاب الوحي منهم [أربعة] (5) معاوية بن أبي سفيان (6)، / وزيد بن [4/ أ] ثابت (7)،
__________
(1) في ب: النبي.
(2) في ج: غير.
(3) طمس في: ج.
(4) عبد الله بن الأرقم، القرشي الزهري، من مسلمة الفتح، كان من المواظبين على كتابة الرسائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يجيب عنه، وبلغ من أمانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك، فيكتب، ويأمره أن يختمه، وما يقرأه لأمانته عنده، مات في خلافة عثمان. الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 181، 184، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 68، ابن حجر: الإصابة 4/ 32، وانظر:
ابن حديدة الأنصاري: المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي 1/ 172.
(5) زيادة من: أ، ب، ج.
(6) هو معاوية بن صخر بن حرب، القرشي الأموي، الصحابي، الخليفة، شهد مع رسول الله حنينا، سار مع أخيه يزيد إلى الشام في عهد أبي بكر، وولاه عمر رضي الله عنه الشام بعد موت أخيه، وأقام عليها حتى استشهد عمر رضي الله عنه، ثم ولاه عثمان بن عفان ذلك العمل وجمع له الشام كلها حتى استشهد عثمان، فكانت ولايته على الشام عشرين سنة أميرا، ثم بويع له بالخلافة فلم يزل خليفة عشرين سنة حتى مات سنة ستين. انظر: ابن سعد: الطبقات 7/ 406، ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 433، ابن حجر: الإصابة 6/ 112.
(7) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، النجاري، أحد فقهاء الصحابة، وأحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعه في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم تولى كتابة مصحف عثمان رضي الله عنه، مات سنة خمس وأربعين. الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 182، والذهبي: معرفة القراء الكبار 1/ 36، ابن حجر: الإصابة 3/ 22.(1/178)
وحنظلة (1) ابن ربيعة (2). وعبد الله بن سعد (3)، ارتد (4) ولحق بمكة مشركا، ثم أسلم أيام الفتح، فحسن إسلامه (5). ومنهم عمر بن الخطاب
__________
(1) حنظلة بن الربيع بن صيفي الأسيّدي التميمي، يعرف بالكاتب، شهد معركة القادسية، وهو ممن اعتزل القيام يوم الجمل في عهد علي بن أبي طالب، مات في خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 379، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 178، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 425، وانظر: ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 210، وابن حديدة الأنصاري: المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي 1/ 96.
(2) هكذا في الأصل، وأ، ب، ج. وهو قليل والأكثر (الربيع). انظر: ابن عبد البر:
الاستيعاب 1/ 379، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 542.
(3) في الأصل: سعيد، وفي ج: أسعد. عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، كان عاقلا، كريما، ولاه عثمان على مصر، فغزا إفريقية، مات بعسقلان في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 155، الذهبي: سير 3/ 33، ابن حجر: الإصابة 4/ 77.
(4) في ب: ارتدا.
(5) له شاهد عند أبي داوود: السنن، كتاب الحدود 4/ 527رقم (4358)، والنسائي:
السنن، كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد 7/ 98، والحاكم في المستدرك 3/ 45 عن سعد بن أبي وقاص، قال: «لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث».
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني: صحيح سنن النسائي 3/ 852، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 301.(1/179)
[رضي الله عنه] (1)، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين (2)، وخالد بن سعيد (3)، وعمرو بن العاص (4)، والعلاء بن الحضرمي (5) رضي الله عنهم أجمعين.
وقيل: كتّاب الوحي: عثمان، وعلي رضي الله عنهما. والباقون إنما
__________
(1) زيادة من: أ، ب.
(2) (رضي الله عنهم أجمعين) ساقطة من: أ، ب، ج.
(3) خالد بن سعيد بن العاص، القرشي، الأموي، من مشاهير كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم قديما، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، واستعمله أبو بكر على جيش من جيوش المسلمين حين بعثهم إلى الشام. ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 574، ابن حجر: الإصابة 2/ 91، وانظر: ابن حديدة الأنصاري: المصباح المضيء 1/ 107، الجهشياري: الوزراء والكتّاب ص 12، الأعظمي: كتاب النبي ص 52.
(4) عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمان، فلم يزل عليها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، افتتح مصر، وولي إمارتها مرتين، مات بها. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 241، الذهبي: سير 3/ 54، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 423، وانظر: ابن حديدة الأنصاري: المصباح المضيء 1/ 197، والأعظمي:
كتاب النبي ص 100.
(5) هو العلاء بن عبد الله بن عبدة بن ضماد بن مالك، الحضرمي، حليف بني أمية ابن عبد شمس، ولّاه النبي صلى الله عليه وسلم البحرين، ولم يعزله أبو بكر، ثم أقّره عمر إلى أن مات في خلافته. انظر: ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 461، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 571، وابن حديدة الأنصاري: المصباح المضيء 1/ 205، والأعظمي: كتاب النبي ص 94.(1/180)
كانوا يكتبون له في حوائجه. وآخر كتّابه معاوية، وهو الذي كتب (1) له إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم (2).
حاجبه (3):
مولاه، أبو أنيسة (4).
خادمه:
أنس بن مالك رضي الله عنه (5) وقيل: هو حاجبه أيضا (6).
__________
(1) في أ: يكتب.
(2) لم أعثر على قائله في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها.
(3) الحاجب: الآذن والبوّاب. انظر: الجوهري: الصحاح 5/ 2069، والفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 92 (حجب).
(4) في ب: غير واضحة.
اختلف في اسمه، فقيل: أنسة، وقيل: أبو أنسة، وقيل: أنيسة، والأول أشهر، هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى: أبا مسروح، وقيل: أبا مسرح، وقيل: أبا مشرح، من مولّدي السّراة، كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، وشهد معه بدرا. اختلف في وفاته، فقيل:
استشهد يوم بدر، وقيل: مات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. ابن سعد: الطبقات 3/ 48، أبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 227، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 156، ابن حجر:
الإصابة 1/ 76.
(5) هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين، ومات وهو ابن عشرين سنة، كان يسمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان غزوات، مات سنة اثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين وقد تجاوز المئة. أبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 197، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 109، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 151، الذهبي: تجريد أسماء الصحابة 1/ 31.
(6) انظر: الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 63.(1/181)
وأذن (1) له: عبد الله بن [زمعة] (2) بن الأسود، وأمه قريبة (3)، أخت أم (4) سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمير (5) جيوشه:
عمر، وعلي رضي الله عنهما (6).
ونقش خاتمه:
وكان (7) من فضّة، فصّه حبشي (8): محمد رسول الله (9). محمد
__________
(1) في أ، ب: أذنه، وفي ج: آذنه. أذن له في الشيء إذنا: أباحه له، واستأذنه: طلب منه الإذن، والآذن هو الحاجب. الجوهري: الصحاح 5/ 2068، الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1516 (أذن).
(2) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل (زعمة). هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، قتل يوم الدار سنة خمس وثلاثين.
انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 141، ابن حجر: الإصابة 4/ 71، وتقريب التهذيب ص 303.
(3) في الأصل: قريب، والمثبت من: أ، ب، ج. قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، تزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر، وكانت موصوفة بالجمال. ابن سعد: الطبقات 8/ 262، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 242، ابن حجر: الإصابة 8/ 170.
(4) (أم) ليست في: أ.
(5) في أ: أميرا.
(6) ومنهم: أبو بكر والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وسعد بن عبادة، وغيرهم.
انظر: الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 342، 343، 344.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وكانت.
(8) حبشي: يعني حجرا حبشيا، أي فصا من جزع وهو خرز فيه بياض وسواد أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن. النووي: شرح صحيح مسلم 14/ 71.
(9) في الأصل: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ب: محمد رسول الله في سطر، والمثبت من: أ، ج.(1/182)
سطر، ورسول سطر، والله سطر (1).
وقيل (2): لا إله إلا الله محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم (3). وتختم به أبو بكر بعده، ثم عمر من بعد أبي بكر (4)، ثم عثمان بعد [عمر] (5) ثم سقط من أصبعه في بئر أريس (6).
__________
(1) أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب اللباس، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر 4/ 37، الترمذي: سنن، كتاب اللباس، باب ما جاء في نقش الخاتم 4/ 229.
(2) أبو الشيخ الأصبهاني: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه ص 111.
(3) في ب: (الرسول).
(4) في الأصل: ثم عمر بعد أبو بكر، وفي ب: ثم عمر من بعده، والتصويب من: أ، ج.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في أ، ب: أرس، وانظر خبر سقوطه في بئر أريس. البخاري: الصحيح، كتاب اللباس، باب خاتم الفضة 4/ 35، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب اللباس والزينة، تحريم خاتم الذهب على الرجل 14/ 67.
بئر أريس: بئر بالمدينة غرب مسجد قباء بنحو 42مترا من باب المسجد القديم، ينسب إلى رجل من اليهود بالمدينة. والأريس في لغة أهل الشام الفلّاح، وأظنها لغة عبرانية. ياقوت: معجم البلدان 1/ 298، وانظر: الزمخشري: الفائق 1/ 36، وشراب: المعالم الأثيرة ص 27، وعند مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجل 14/ 68من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس) قال ابن حجر: الفتح 10/ 319: وهذا يدل على أن نسبة سقوطه إلى عثمان نسبة مجازية أو بالعكس، وأن عثمان طلبه من معيقيب، فختم به شيئا واستمر في يده وهو مفكر في شيء يعبث به فسقط في البئر، أو ردّه إليه فسقط منه.(1/183)
وصاحب خاتمه (1):
سعيد بن زيد (2) الأنصاري.
خازنه (3):
معيقيب (4) بن أبي فاطمة الدوسي.
__________
(1) قيل: إن معيقيب بن أبي فاطمة كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم. خليفة: تاريخ ص 99، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1478، الذهبي: سير 2/ 491.
ولم أقف على ما يدل أن سعيد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) اختلف في اسمه فقيل: سعيد، وقال أبو نعيم: (وهم فيه بعض المتأخرين، وصوابه سعد) بن زيد الأنصاري الأشهلي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى مناة بالمشلل ناحية قديد فهدمه، وشهد مع رسول الله المشاهد كلها. ابن سعد: الطبقات 2/ 146، 3/ 439، انظر: ابن الكلبي: نسب معد 1/ 377، ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 235، ابن قدامة المقدسي: الاستبصار ص 226. ولم أقف على ما يدل أن سعيد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) خليفة: تاريخ ص 99.
قلت: لم يكن للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بيت مال، بل كانت الأموال تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعجل في صرفها في وجوهها. فقد روى أبو داوود: السنن، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في قسم الفيء 3/ 359عن عوف بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسمه في يومه» وما كان لهم بيت مال إلا على عهد الخلفاء الراشدين، وكان معيقيب بن أبي فاطمة عليه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(4) معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، من حلفاء بني عبد شمس، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، ثم هاجر إلى المدينة كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم على بيت مال(1/184)
(معجزاته صلى الله عليه وسلم) (1):
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (2) القرآن المنزّل عليه، الذي دعا (3) بلغاء (4) العرب وغيرهم مذ (5) بعثه الله تعالى قرنا بعد قرن إلى زماننا (6) هذا، وإلى (7) يوم القيامة [إلى] (8) أن يأتوا بمثله [إن شكوا] (9) في صدقه، فأعجز (10) الله تعالى (11) عن ذلك (12) جميع البلغاء، قال الله تعالى (13): {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا [عَلى ََ عَبْدِنََا] فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (14) فلما عجزوا عن
__________
المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، مات في خلافة عثمان أو علي رضي الله عنهم. ابن سعد: الطبقات 4/ 116، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 464، والذهبي: سير 2/ 491، وابن حجر: تقريب التهذيب ص 542.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب: عليه السلام.
(3) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: دعى.
(4) في ب: بلغ.
(5) في ب: وغير هذا.
(6) في الأصل: إلى مذ زمننا، والتصويب من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: أو إلى، وفي ب: إلى، والمثبت من: أ، ج.
(8) زيادة من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: اتشكوا، وفي ج: إن ينكر.
(10) في الأصل: أعجزهم، والتصويب من: أ، ب، ج.
(11) (تعالى) ليست في: أ، ب، ج.
(12) (عن ذلك) ليست في: ب.
(13) في أ، ب، ج: قال الله العظيم، والمثبت من الأصل.
(14) سورة البقرة: الآية (23) وما بين معقوفين ساقط من الأصل فقط، وفي ب: فليأتوا بدل: (فأتوا).(1/185)
الإتيان بمثل ما أتى به (1)، علم بالضرورة صدقه.
ولما سألته قريش: أن يأتيهم بآية يصدقونه (2) بها، شق الله [تعالى له] (3)
القمر (4)، [بمكة] (5) وأنزل [الله] (6) عليه في ذلك: {اقْتَرَبَتِ السََّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (2) (7).
وكلمّه الذّراع (8)، والذئب (9)، و [الظبية] (10)، والعير (11)،
__________
(1) في أ، ب: أوتى، والمثبت من: الأصل وج.
(2) في أ: يصدقوه بها.
(3) الزيادة من: أ، ج، وأما ب: فلا يوجد فيها (تعالى).
(4) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب انشقاق القمر 2/ 324، مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر 17/ 143.
(5) التكملة من: ج.
(6) (لفظ الجلالة) من: ب.
(7) سورة القمر: الآيتان (1، 2).
(8) أخرجه أبو داود: السنن، كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات، أيقاد منه 4/ 648رقم (4510) عن الزهري، عن جابر بن عبد الله فالحديث منقطع، لأن الزهري لم يسمع من جابر، وله شاهد من حديث أبي سلمة، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة» أخرجه أبو داود: السنن، كتاب الديات، باب فيمن سقا رجلا سما، وصححه الألباني:
صحيح سنن أبي داود 3/ 855.
(9) رواه أحمد: المسند 15/ 202، وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح)، وذكره الهيثمي:
مجمع الزوائد 8/ 291، 292، عن أبي سعيد الخدري، وقال الهيثمي: ورجال أحد إسنادي أحمد يعني إسناده إلى أبي سعيد الخدري رجال الصحيح.
(10) في الأصل: الضبي، وفي ب: الظبي، والمثبت من: أ، ج. ذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 8/ 295، وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف.
(11) العير: الحمار الوحشي والأهلي. الجوهري: الصحاح 2/ 762 (عير).(1/186)
والجمل (1).
ونبع الماء من بين أصابعه، فشرب منه العسكر كلّه وهم عطاش (2)، [وتوضؤوا] (3)، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه صلى الله عليه وسلم يده الكريمة. وأشبع من صاع واحد ألفا (4). إلى غير ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم (5) [وأعلام] (6) نبوءته وآياته صلى الله عليه وسلم.
وكان [النبي] (7) صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح [قال] (8) في مجلسه وهو ثان (9)
__________
وقد ورد كلام الحمار للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث موضوع. ذكره ابن الجوزي:
الموضوعات 1/ 294، والشوكاني: الفوائد المجموعة في الآحاديث الموضوعة ص 324.
(1) رواه أحمد: المسند 3/ 189، 195، وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح).
(2) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 3/ 42، وكتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة في الإسلام 2/ 275، مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الفضائل، باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم 15/ 38.
(3) الزيادة من: ج، وفي أ، ب: وتوضأ.
(4) رواه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق 3/ 31، ورواه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه 13/ 215.
(5) (صلى الله عليه وسلم) ساقطة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأعلم.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ثاني.(1/187)
رجليه (1) (2) سبعين مرة: «استغفر الله إن الله كان توابا رحيما (3)، ويقول (4) سبعين بسبعمائة (5)، لا خير ولا طعم (6) لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة، ثم يستقبل الناس بوجهه».
وكان صلى الله عليه وسلم (7) / تعجبه الرؤيا. ثم يقول: «هل رأى أحد [4/ ب] منكم (8) رؤيا؟ قال [ابن زمل] (9) رجل (10) من الصحابة لا يوقف على
__________
(1) في ب: رجله.
(2) في الأصل: يقول. وقد تقدم القول في: أ، ب، ج بين معقوفتين في الحاشية 8في الصفحة السابقة، وسياقها أحسن من سياق الأصل.
(3) عند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 361: استغفر الله إن الله كان توابا رحيما سبعين مرة.
(4) في ب: (ويقول: سبعمائة).
(5) سبعين بسبعمائة: أي استغفر سبعين استغفارة بسبعمائة ذنب. الزمخشري: الفائق 3/ 308.
(6) في الأصل وأ، ب: ولا طمع، والمثبت من: ج، وعند الزمخشري: الفائق 3/ 306:
ولا طعم، أي لا قدر.
(7) في أ، ب، ج: عليه السلام.
(8) في أ: أحدكم.
(9) ساقطة من الأصل، وفي أ: (رمل) وفي ج: (رسل) والمثبت من: ب.
اختلف في اسمه وصحبته، فقيل: عبد الله بن زمل، وقيل: الضحاك بن زمل، وقيل:
عبد الرحمن بن زمل، قال ابن حجر: الإصابة 4/ 72: والصواب الأول، والضحاك غلط فإن الضحاك بن زمل آخر من أتباع التابعين، وقال ابن حبان: عبد الله بن زمل له صحبة لكن لا أعتمد على إسناده خبره.
قال ابن السكن: ليس بمعروف من الصحابة. ابن حجر: الإصابة 4/ 72، وأخرج له ابن مندة فيما لا يسمّى. ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 429.
وقال الذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 423: عبد الله بن زمل الجهني، تابعي أرسل، ولا يكاد يعرف ليس بمعتمد. وانظر: الشجري: الأمالي 1/ 249.
(10) (رجل) تكرر في: ب.(1/188)
اسمه (1): أنا يا نبي الله. فقال: خيرا تلقاه (2) وشرا [توقاه] (3)، وخيرا لنا وشرا (4) على أعدائنا (5)، والحمد لله رب العالمين. اقصص رؤياك (6)، فقال:
رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب (7) والناس على الجادّة (8)
منطلقين. فبينما هم كذلك، إذ أشفى (9) ذلك الطريق على مرج (10) لم تر عين (11) مثله، يرفّ رفيفا (12)، يقطر نداه (13)، فيه من أنواع الكلأ (14).
__________
(1) في أ: لا يوافق.
(2) في ب: اتلقاه.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: تلقاه. وهو خطأ.
(4) في الأصل: وشر، والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) في ب: لأعدائنا.
(6) عند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 361: أقصص رؤياك.
(7) في الأصل: لاحبا، والمثبت من: أ، ب، ج. لاحب: الطريق الواسع المنقاد الذي لا ينقطع. الزمخشري: الفائق 3/ 407، ابن الأثير: النهاية 4/ 235 (لحب).
(8) الجادّة: معظم الطريق، والجمع: جوادّ. الجوهري: الصحاح 2/ 452 (جدد)، الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 347 (جدّ).
(9) أشفى: أشرف. الزمخشري: الفائق 3/ 307.
(10) المرج: المرعى الذي ترعى فيه الدواب، ومرجت الدابة أمرجها بالضم مرجا، إذا أرسلتها ترعى. الجوهري: الصحاح 1/ 341 (مرج).
(11) في ب: عيني.
(12) يرف رفيفا: أي هو كثير الماء والخضارة. ابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 407، وانظر: الزمخشري: الفائق 3/ 307.
(13) في أ: يداه.
(14) الكلأ: العشب. الجوهري: الصحاح 1/ 69 (كلأ).(1/189)
قال (1): فكأني بالرعلة (2) الأولى حين أشفوا على المرج، كفؤوا، ثم أكفوا (3) رواحلهم (4) في الطريق، ثم جاءت الرعلة (5) الثانية، وهم (6) أكثر من الأولى أضعافا، فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا: هذا خير المترل، فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق، فمضيت منه حتى أتيت (7) المرج، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات أنت في (8) أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل آدم (9)
شهل (10) أقنى، إذا تكلم يسمو (11) فيفرع (12) الرجال طولا، وإذا على
__________
(1) في أ: فقال.
(2) في ب: المرعلة، والرعلة: القطيع من الفرسان. الزمخشري: الفائق 3/ 307.
(3) عند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 362 (كبروا ثم ركبوا) وفي الأصل وأ: كفؤ ثم كفوا، والمثبت من: ب، ج.
(4) في الأصل: رواحله. والتصحيح من: أ، ب، ج.
(5) في ب: المرعلة.
(6) في أ، ب، ج: منهم.
(7) في أ، ب، ج: (أتا) وهو خطأ.
(8) في ب: التالي.
(9) آدم: أسمر. الجوهري: الصحاح 5/ 1859 (أدم).
(10) الشهلة في العين: أن يشوب سوادها زرقة، وعين شهلاء، ورجل أشهل العين بيّن الشهل. الجوهري: الصحاح 5/ 1743 (شهل). وعند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 362: شثل. يقال رجل شثل الأصابع، إذا كان غليظها. الجوهري: الصحاح 5/ 1734 (شثل).
(11) يسمو: يعلو برأسه ويديه إذا تكلم. الزمخشري: الفائق 3/ 308.
(12) يفرع الرجال: يطولهم. المصدر نفسه 3/ 308.(1/190)
يسارك رجل ربعة (1)، كثير خيلان (2) الوجه، كأنّما حمّم (3) شعره بالماء، إذا هو تكلم (4) أصغيتم له إكراما، وإذا أمامكم شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها، كلكم تؤمّونه (5) تريدونه، وإذا أمامكم ذلك (6) ناقة عجفاء (7)
شارف (8)، وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها (9)، فانتقع (10) [لون] (11)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سرّي (12) عنه.
__________
(1) في ب: ربع. والربعة: أي الرجل بين الطول والقصر. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 927 (ربع).
(2) جمع خال: الشامة في الجسد. الزمخشري: الفائق 3/ 307، وانظر: الجوهري:
الصحاح 4/ 1692 (شوم).
(3) في أ: عمم.
(4) في أ، ب، ج: يتكلم.
(5) في ب: تؤمنونه.
(6) في ج: أمام ذلك.
(7) عجفاء: هزيلة. الجوهري: الصحاح 4/ 1399 (عجف).
(8) في الأصل: شارقه، وفي أ، ب: شارق، والتصويب من ج: شارف: مسنة.
الزمخشري: الفائق 3/ 308.
(9) في أ: تبعتها، وعند الهيثمي: مجمع الزوائد 7/ 184 (تتقيها).
(10) التصويب من الطبراني: المعجم الكبير 8/ 362، وفي الأصل وأ، ج: فامتنع، وفي ب: فامتقع. انتقع: أي تغير. الزمخشري: الفائق 3/ 308.
(11) التكملة من: ج.
(12) في ب: سرا. سرّي: كشف. الزمخشري: الفائق 3/ 308.(1/191)
فقال عليه السلام: أمّا ما رأيت من الطريق السّهل (1) الرّحب اللّاحب، فذلك ما حملتكم (2) عليه من الهدى، وأنتم عليه. وأمّا المرج الذي رأيت (3) فالدّنيا [وغضارة] (4) عيشها. مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق بها، ولم نردها. ثم جاءت [الرعلة الثانية] (5) بعدنا، وهم أكثر منا أضعافا، فمنهم المرتع (6)، ومنهم الآخذ [الضّغث] (7) ونحوا (8) على ذلك، ثم
__________
(1) في ج: المسهل.
(2) في أ: مما حملتكم.
(3) في أ، ب، ج: رأيتم.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: (وكدارة) غضارة عيشها: أي طيب عيشها.
الجوهري: الصحاح 2/ 770 (غضر)، وانظر: ابن الجوزي: غريب الحديث 2/ 157.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: المرعلة الثالثة.
(6) يقال رتعت الإبل، إذا رعت ما شاءت، وأرتعناها ولا يكون الرّتع إلا في الخصب والسعة. الزمخشري: الفائق 3/ 308.
(7) التصويب من الطبراني: المعجم الكبير 8/ 362، وفي جميع النسخ (الضغاث).
الضغث: ملء اليد من الحشيش المختلط من الرطب واليابس، أي: ومنهم من نال من الدنيا شيئا. ابن الجوزي: غريب الحديث 2/ 12، وانظر: الجوهري: الصحاح 1/ 285 (ضغث).
(8) في الأصل: نجوا، والمثبت من: أ، ب، ج. النحو: القصد، والطريق، يقال: نحوت نحوك، أي قصدك. الجوهري: الصحاح 6/ 2503 (نحو)، وعند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 362: ومضوا على ذلك.(1/192)
جاء (1) عظيم (2) الناس، فمالوا في المرج. وأمّا أنت فمضيت على طريقة صالحة، فلم تزل عليها حتى تلقاني. وأما المنبر الذي فيه سبع درجات فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفا. وأمّا الرجل الذي رأيت عن يميني الأدمّ الشّهل (3) الجم (4) فذلك موسى عليه السلام، إذا هو يتكلم (5) يسمو الرجال إليه إجلالا لكلام الله إياه (6). وأما الرجل الذي [رأيت] (7) عن يساري الربعة الكثير خيلان الوجه [كأنما حمّم شعره] (8) بالماء، فذلك عيسى عليه السلام نكرمه (9) لإكرام الله إياه. وأما الشيخ الذي رأيت (10)
أشبه الناس بي (11) خلقا [ووجها] (12)، فذلك أبونا إبراهيم عليه السلام،
__________
(1) (جاء) ليست في: ج.
(2) في أ، ب، ج: عظم.
(3) في الأصل وأ: السهل، وفي ج: الشبل، والمثبت من: ب.
(4) في الأصل: الحم، والتصويب من: أ، ب، ج.
(5) في ج: تكلم.
(6) في أ، ب، ج: بفضل كلام الله إياه.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل: كأنه شعر بالماء، وفي أ، ب: كأنما شعره بالماء، والمثبت من: ج.
(9) في ب: تكرمه.
(10) في ب: رأيته.
(11) في ب: فيّ.
(12) التكملة من: أ، ب، ج.(1/193)
كلنا نؤمّه (1)، ونقتدي به. وأما الناقة التي رأيتني أبعثها / فهي الساعة [5/ أ] تقوم علينا (2) [لا محالة] (3)، لا نبي بعدي ولا أمّة بعد أمّتي. قال:
فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيا بعدها [إلا أن يجيء الرجل فيحدث بها متبرعا] (4)» (5).
(تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم ومبلغ سنه) (6):
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من مولده، فأقام بمكة ثلاث عشرة (7) سنة، وبالمدينة عشرا، وقبض وهو ابن ثلاث (8) وستين سنة (9).
__________
(1) في ب: نؤمنه.
(2) في ج: (عليها) وهو خطأ.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) رواه الطبراني: المعجم الكبير 8/ 361، 362، 363، والهيثمي: مجمع الزوائد 7/ 184، وقال فيه سليمان بن عطاء القرشي وهو ضعيف. البيهقي: دلائل النبوة 7/ 36، وقال: في إسناده ضعف. وقال: ابن حجر: الإصابة 4/ 72: في إسناده ضعف، فقد تفرد برواية حديثه سليمان بن عطاء القرشي الحراني عن مسلم بن عبد الله الجهني.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في الأصل، وأ، ج: ثلاث وعشرين، والتصويب من: ب.
(8) في ب: ثلاثة.
(9) (سنة) ليست في أ، ورواه البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 2/ 330، وباب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 320، ومسلم: الصحيح(1/194)
وقيل (1): أقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا (2)، وتوفي وهو ابن ستين سنة، وليس في لحيته ورأسه (3) [عشرون] (4) شعرة بيضاء.
وتوفي يوم الاثنين لاثنتي (5) عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول (6)
__________
بشرح النووي، كتاب الفضائل، قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة والمدينة 15/ 101من رواية عائشة وأنس وابن عباس. قال النووي: صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 99، وهي أصح الروايات وأشهرها، ورواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر.
وقال ابن حجر: الفتح 8/ 151: رواية ثلاث وستين هو قول الجمهور.
(1) روى البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 271عن أنس ابن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين يترل عليه، وبالمدينة عشر سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) وروى في كتاب المغازي، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 92، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يترل عليه القرآن وبالمدينة عشرا».
ورواه مسلم أيضا: الصحيح بشرح النووي 15/ 100. وقد جمع السهيلي بين من قال: أقام بمكة ثلاثة عشرة سنة، ومن قال: أقام بها عشرا، وهو أن من قال مكث ثلاث عشرة عدّ من أول ما جاءه الملك بالنبوة، ومن قال مكث عشرا أخذ ما بعد فترة الوحي. انظر: ابن حجر: الفتح 8/ 151.
(2) (وبالمدينة عشرا) ساقطة من: ب، ج.
(3) في أ، ب، ج: رأسه ولحيته.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: الاثنا، والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) لا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، غير أنه(1/195)
سنة (1) إحدى عشرة من الهجرة حين اشتد الضحى (2) في الشهر واليوم والوقت الذي [دخل فيه المدينة، وهو الشهر واليوم والوقت الذي] (3) ولد فيه صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم الذي نزل فيه [عليه] (4) جبريل عليه السلام (5) بالوحي في حراء.
(بنوه صلى الله عليه وسلم) (6):
ومات ولم يخلف من ولده غير فاطمة (7) رضي الله عنها.
__________
اختلف في أي الأثانين. ففي رواية أبي مخنف: لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.
وفي رواية الواقدي: لثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول.
انظر: الطبري: تاريخ 3/ 199، 200، ابن سعد: الطبقات 2/ 273.
قال النووي: صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 100: ويوم الوفاة ثاني عشرة ضحى. وجزم به ابن سعد، وقال ابن كثير: السيرة النبوية 4/ 508وهو المشهور.
(1) في أ: عام.
(2) في الأصل، وب: الضحا، والتصويب من: أ، ج. وانظر: ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 654، ابن سعد: الطبقات 2/ 273، والطبري: تاريخ 3/ 194، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 47، 1/ 182.
(3) التكملة من: أ، ب.
(4) ما بين المعقوفتين من: ج.
(5) (عليه السلام) ساقطة من: أ، ب، ج.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء أهل الجنة، أمها خديجة رضي الله عنها، ولدت فاطمة قبل المبعث بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه بعد غزوة بدر في السنة الثانية،(1/196)
وكان جميع ولده ثمانية (1)، ويقال (2): سبعة فالذكور منهم:
القاسم (3) وبه كان يكنى عليه السلام، والطّاهر، والطّيب (4)، وإبراهيم (5).
__________
وماتت لسنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 3019، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 220، الذهبي: سير 2/ 134118، ابن حجر: الإصابة 8/ 157.
(1) ذكر ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 190: الطاهر والطيب ولدان للرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه فيكون عدد أبنائه ثمانية، أربعة ذكور وأربع إناث.
(2) قال الزبير بن بكار: كان له صلى الله عليه وسلم سوى إبراهيم والقاسم عبد الله، وسميّ بالطيب والطاهر. فعلى هذا تكون جملتهم سبعة، ثلاثة ذكور وأربع إناث، وهو قول أكثر أهل النسب. انظر: السهيلي: الروض الأنف 1/ 214، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1818، 1819، القسطلاني: المواهب اللدنية 2/ 58، 59، (بتحقيق صالح أحمد الشامي).
(3) القاسم أوّل أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل النبوة، ومات صغيرا، وهو أوّل من مات من ولده صلى الله عليه وسلم. ابن سعد: الطبقات 1/ 133، ابن قتيبة: المعارف ص 141، ابن حزم:
جوامع السير ص 35.
(4) ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 190، والطبري: تاريخ 2/ 281، 3/ 161، وابن حزم: جوامع السير ص 35، قلت: وهذا يشعر أن الطاهر والطيب أخوان لعبد الله، ولكن المشهور أنهما لقبان لعبد الله. انظر: مصعب الزبيري: نسب قريش ص 231، ابن سعد: الطبقات 1/ 133، ابن القيم: زاد المعاد 1/ 103، ابن كثير:
السيرة النبوية 4/ 608، ابن حجر: الفتح 7/ 137.
(5) إبراهيم: ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، ولدته بالمدينة في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، ومات طفلا قبل الفطام.(1/197)
ويقال إن الطّاهر هو الطّيب. ويقال: هو عبد الله (1). والإناث (2):
زينب (3)، ورقية (4)، [وأم كلثوم] (5)، وفاطمة.
وولده كلهم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلا إبراهيم،
__________
ابن سعد: الطبقات 1/ 134، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 54، ابن عساكر:
تهذيبتأريخ دمشق 1/ 293، ابن القيم: زاد المعاد 1/ 104.
(1) عبد الله: ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بعد النبوة، فسمّي الطاهر والطيب لأنه ولد بعد النبوة، ومات صغيرا، ابن سعد: الطبقات 1/ 133، السهيلي: الروض الأنف 1/ 214.
(2) في الأصل: وإناث، والمثبت من: أ، ب، ج.
(3) زينب: بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر بناته وأول من تزوج منهن، ولدت قبل البعثة، وتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع العبشمي، وهاجرت مع أبيها، وتوفيت في أول سنة ثمان من الهجرة. ابن سعد: الطبقات 8/ 30، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 130، 131، الذهبي: سير 1/ 334، 2/ 246، ابن حجر: الإصابة 8/ 91، 92.
(4) رقية: بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند عتبة بن أبي لهب، ثم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه وهاجر بها إلى الحبشة، ورجع بها إلى مكة مع من رجع، ثم هاجر بأهله إلى المدينة، ومرضت بالمدينة لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر فتخلف عليها عثمان عن بدر فماتت. ابن سعد: الطبقات 8/ 36، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 113، 114، الذهبي:
سير 2/ 250، ابن حجر: الإصابة 8/ 83.
(5) في الأصل: كلثوم، والمثبت من: أ، ب، ج، وأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد وفاة أختها رقية سنة ثلاث من الهجرة، وماتت عنده سنة تسع، ولم تلد له. ابن سعد: الطبقات 8/ 37، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 384، الذهبي: سير 2/ 252، ابن حجر: الإصابة 8/ 272، 273.(1/198)
فإنه من مارية (1) القبطية، جارية أهداها له (2) المقوقس (3) ملك الإسكندرية (4). مات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا (5)، ويقال (6):
[ابن] (7) ستة (8) عشر شهرا (9).
وبناته كلّهن أدركهن (10) الإسلام وأسلمن، وهاجرن. فكانت (11)
__________
(1) مارية القبطية، أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة مع حاطب بن أبي بلتعة، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية، وكان يختلف إليها ويطؤها بملك اليمين، وكان أبو بكر ينفق عليها حتى مات ثم عمر حتى توفيت في خلافته سنة ست عشرة. ابن سعد: الطبقات 8/ 212، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 261، ابن حجر: الإصابة 8/ 185.
(2) (له) ساقطة من: أ.
(3) المقوقس: قال السهيلي: الروض الأنف 1/ 17، اسمه: جريج بن ميناء، ومعنى المقوقس، المطول للبناء، والقوس: الصومعة العالية.
(4) الإسكندرية العظمى بمصر على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فتحت على يد عمرو بن العاص في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. انظر: ياقوت: معجم البلدان 1/ 182.
(5) انظر: ابن سعد: الطبقات 1/ 134، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 54، والسهيلي:
الروض الأنف 1/ 216.
(6) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 56.
(7) زيادة من: ج.
(8) في ب: سنة.
(9) (شهرا) ليست في: أ، ب.
(10) في ب، ج: أدركن.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: (وكانت).(1/199)
زينب تحت أبي العاص، واسمه [لقيط] (1) بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، زوّجها النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه قبل أن يترل عليه الوحي، وأسلم (2) أبو العاص بعدها (3). [وتوفيت سنة ثمان.
وتزوج رقية، عثمان بن عفان رضي الله عنه، هاجر معها إلى أرض الحبشة، فهلكت] (4) في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، ثم تزوج بعدها أم كلثوم، وتوفيت أم كلثوم سنة تسع (5).
وتزوج علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها، سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت (6) بعد وفاة أبيها (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر (8).
(زوجاته صلى الله عليه وسلم) (9):
وكان جميع من تزوج النبي عليه السلام ثلاث عشرة (10)، ست (11)
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: (الغيط) وهو خطأ.
(2) في أ: واسم.
(3) أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، وقال ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 185، أسلم أول السنة الثامنة، ومات في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة.
الذهبي: سير 1/ 330، ابن حجر: الإصابة 7/ 118.
(4) التكملة من: ج.
(5) ابن سعد: الطبقات 8/ 38.
(6) (توفيت) طمست في: ج.
(7) في ج: النبي، وفي ب: وفاة رسول الله.
(8) ابن سعد: الطبقات 8/ 28.
(9) عنوان جانبي من المحقق.
(10) في الأصل: ثلاث عشرة نساء، والمثبت من: أ، ب، ج.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ستة.(1/200)
منهن قرشيات (1).
خديجة بنت خويلد بن أسد، وهي أول من [تزوج] (2). تزوجها قبل (3) [مبعثه] (4) وهو ابن خمس وعشرين (5) سنة، وهي بنت أربعين سنة (6). ولم يتزوج عليها حتى توفيت، بعد أن بعث، وذلك قبل خروجه (7) إلى المدينة بثلاث سنين (8). وكانت رضي الله عنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم (9) وصدقت بما جاء به (10).
__________
(1) في الأصل: قريشيات، وفي أ: قريشية، وفي ج: قريشات، والمثبت من: ب.
(2) التكملة من: ب، ج.
(3) في الأصل: قيل، والتصويب من: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: عشرون.
(6) ابن سعد: الطبقات 7/ 18برواية الواقدي، وأخرج الحاكم: المستدرك 3/ 182، من كلام ابن إسحاق دون إسناد: أن خديجة كانت في الثامنة والعشرين من العمر.
وهي الرواية الراجحة لأن الغالب أن المرأة تبلغ سن اليأس من الإنجاب قبل الخمسين، وخديجة رضي الله عنها قد أنجبت منه أكثر أبنائه. العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/ 113.
(7) في أ، ب، ج: مخرجه.
(8) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها رضي الله تعالى عنها 2/ 315.
(9) في الأصل: عليه السلام، والمثبت من: أ، ب، ج.
(10) في ب: وصدقت به، وفي أ، ج: وصدقت ما جاء به.(1/201)
وسودة (1) بنت (2) زمعة بن قيس. / [5/ ب]
وعائشة رضي الله عنها (3) بنت أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عن الجميع (4)، ولم يتزوج بكرا غيرها، تزوجها وهي بنت ست سنين (5)، بعد موت خديجة بسنتين، أو قريبا [من ذلك] (6)، وابتنى بها وهي بنت تسع سنين (7) (8). وذلك أن خولة بنت (9) حكيم بن الأوقص السلميّة (10) امرأة
__________
(1) في أ: ثم وسودة. سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، كان تزوجها السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو، فتوفى عنها، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول امرأة تزوجها بعد خديجة، وهي التي وهبت يومها لعائشة، رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر: تقريب التهذيب ص 748: ماتت سنة خمس وخمسين على الصحيح. وانظر ابن سعد: الطبقات 8/ 5852، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 157، ابن حجر: الإصابة 8/ 117.
(2) في أ: ابنت.
(3) (رضي الله عنها) ساقطة من: أ، ب، ج.
(4) في ب: رضي الله عنه.
(5) (سنين) ليست في: أ، ب، ج.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) (سنين) ليست في: أ، ب، ج.
(8) مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة 9/ 208، وانظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 59.
(9) في أ: ابنت.
(10) خولة بنت حكيم بن أمية، كانت زوج عثمان بن مظعون، من السابقات إلى الإسلام، وكانت من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 93، ابن حجر: الإصابة 8/ 69، 70، وانظر: البخاري: الصحيح، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب 3/ 175، وكتاب النكاح، باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد 3/ 245.
ولعل الصواب نسبتها إلى سليم فيقال: السليمة. ابن سعد: الطبقات 8/ 158.(1/202)
عثمان (1) بن مظعون، أتت [إلى] (2) النبي صلى الله عليه وسلم (3) بعد موت خديجة [رضي الله عنها، فقالت: «يا رسول الله إنّي أراك قد دخلك خلّة (4) لفقد خديجة]؟ (5)
قال: أجل، أم العيال وربّة (6) البيت، فقالت: ألا (7) تتزوج؟ فقال: ومن؟
قالت (8): إن شئت بكرا، وإن شئت ثيبا، فقال: من البكر؟ فقالت (9): بنت أحب الخلق إليك: عائشة بنت أبي بكر، فقال: ومن (10) الثيب؟ فقالت (11):
سودة بنت زمعة، وقد آمنت واتبعت الذي أنت عليه، قال:
__________
(1) في الأصل: عمر بن مظعون، والتصويب من: أ، ب، ج.
عثمان بن مظعون الجمحي، أبو السائب، هاجر الهجرتين، شهد بدرا، ومات بعدها بقليل، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة، وأول من دفن بالبقيع.
ابن سعد: الطبقات 3/ 393، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 494، وابن حجر: الإصابة 4/ 225.
(2) الزيادة من: ج.
(3) في أ، ج: عليه السلام.
(4) الخلّة: مكانة الإنسان الخالية بعد موته. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1284 (خلل).
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في ج: وربت.
(7) في ب: لا.
(8) في أ: فقالت.
(9) في ج: فقلت.
(10) في ج: من، وفي أ، ب: فمن.
(11) في ب: فقلت.(1/203)
[فاذكريهما] (1) علي، فدخلت بيت أبي بكر، فقلت: يا أم رومان (2)، ما أدخل (3) الله عليك (4) من الخير والبركة؟ فقالت: وما ذاك؟ (5) فقلت:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قالت: انتظري (6) حتى يأتي أبو (7) بكر، فدخل أبو بكر. قالت (8): قلت له (9): ماذا أدخل الله عليك (10) من الخير والبركة؟ فقال (11): وما ذاك؟ (12) قلت (13): أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه (14) عائشة (15)، فقال: وهل تصلح له، إنما هي
__________
(1) في الأصل: فقدماهما، وفي أ، ب: ما ذكرتهما، وفي ج: ما ذكرينها. والصواب: من مسند أحمد (مع المنتخب) 6/ 210.
(2) أم رومان بنت عامر الكنانية، امرأة أبي بكر الصديق، وهي أم عائشة رضي الله عنهم، يقال اسمها زينب. وقيل: دعد. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1935، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 331، ابن حجر: الإصابة 8/ 232.
(3) في ج: ماذا أدخل.
(4) في ج: عليكم.
(5) في ج: ذلك.
(6) في الأصل: انظري، والتصويب من: أ، ب، ج.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبي بكر.
(8) في أ: قالت له.
(9) (قلت له) ساقطة من: أ، ب، وفي ج: فقلت له.
(10) في أ، ب، ج: عليكم.
(11) في أ: قال.
(12) في ج: وما ذلك.
(13) في ج: فقلت.
(14) في الأصل: عليك، والمثبت من: أ، ب، ج.
(15) (عائشة) ليست في: ج.(1/204)
بنت أخيه؟! (1) فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكرت ذلك له، فقال:
ارجعي إليه (2) فقولي له (3) أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وبنتك (4)
تصلح لي. فرجعت إليه، فذكرت ذلك له، فقال (5): أدعي لي رسول (6)
الله صلى الله عليه وسلم، فدعوته (7)، فتزوجها (8)، منه عليه السلام، وهي يومئذ بنت ست (9) سنين. ثم خرجت، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقلت (10) لها: ماذا (11) أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ فقالت: وما ذاك؟ فقلت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه، فقالت: وددت، أدخلي (12) على أبي (13) فاذكري (14) ذلك له، وكان شيخا كبيرا قد
__________
(1) في ج: (أخي).
(2) في أ، ب، ج: أ.
(3) (له) ليست في: ب.
(4) في أ، ب، ج: (وابنتك).
(5) (فقال) ليست في: ج.
(6) في أ، ب، ج: أدع رسول.
(7) في أ: فدعته.
(8) في الأصل وأ، ج: فزوجها، والمثبت من: ب.
(9) في ب: ستة.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقالت.
(11) في الأصل: ما أدخل، والمثبت من: أ، ب، ج.
(12) في ب: أدخل.
(13) هو زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي، العامري، خلّف: سودة أم المؤمنين، وعبد، ومالك، وعبد الرحمن، وهريرة بنت زمعة، ومات زمعة قبل فتح مكة. انظر:
ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 167، ابن حجر: الفتح 4/ 193.
(14) في ب: فاذكر.(1/205)
أدركه السن، وقد فاته الحج [فدخلت] (1) عليه وحييته (2) تحية (3) الجاهلية، فقال: من أنت؟ فقلت: خولة (4) بنت حكيم (5)، قال: وما شأنك؟
فقلت (6): أرسلني محمد ابن عبد الله إليك أخطب عليه (7) سودة، فقال:
كفؤ كريم، ما تقول صاحبتك؟ فقلت (8): تحب ذلك، فقال: ادعوها (9)
لي، قالت: فدعوتها، فجاءت، فقال: أي بنيّتي (10) إن هذه تزعم أن محمد (11) بن [عبد الله] (12) بن عبد المطلب أرسل يخطبك عليه، وهو كفؤ
__________
(1) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فأدخلت.
(2) في ج: فحييته.
(3) روي أبو داود: السنن، كتاب الأدب، باب في الرجل يقول: أنعم الله بك عينا، (أن عمران بن حصين قال: كنا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عينا، وأنعم صباحا، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك). قال ابن حجر: الفتح 11/ 4: رجاله ثقات، لكنه منقطع.
وروي ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: كانوا في الجاهلية يقولون حييت مساء، حييت صباحا، فغير الله ذلك بالإسلام. انظر: ابن حجر: الفتح 11/ 4.
(4) في ب: خويلة.
(5) في الأصل: الحكيم. والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) في ج: قلت.
(7) في ب: إليه.
(8) في الأصل: قلت، والمثبت من: أ، ب، ج.
(9) في أ، ب، ج: ادعها.
(10) في أ: يا بنية.
(11) في أ: محمدا.
(12) التكملة من: أ، ب، ج.(1/206)
كريم، تحبين (1) أن أزوجكيه (2)، فقالت (3): نعم، فقال (4): ادعوا (5) لي محمدا فدعوته إليه (6)، فجاء، فزوجها منه. فلما قدم [عبد] (7) بن [زمعة] (8) من الحج، قال: ما أصنع حيث تزوج (9) سودة منه. وكان بعد ما أسلم يقول: لعمري إنني لسفيه (10) يوم أنكرت تزوج رسول (11) / الله سودة، وكان حثا (12) على رأسه التراب (13)». [6/ أ]
__________
(1) في أ، ب، ج: أفتحبين.
(2) في ب، ج: أزوجيكيه، وفي أ: أزوجك إياه.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: قالت.
(4) (فقال) ليست في: أ.
(5) في ب، ج: أدع لي.
(6) (إليه) ليست في: أ، ب، ج.
(7) في الأصل وأ، ب: عبد الله. والصحيح من ج: عبد بن زمعة، كما ورد عند أحمد:
المسند (مع منتخب كتر العمال) 6/ 211، والبيهقي: دلائل النبوة 2/ 412، والهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 227.
(8) في الأصل: زعمه، والتصويب من: أ، ب، ج. وعبد بن زمعة بن قيس، من مسلمة الفتح، كان شريفا سيدا من سادات الصحابة. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 820، ابن حجر: الإصابة 4/ 193.
(9) في أ، ب، ج: زوج.
(10) في ج: لسعيه.
(11) في ج: النبي صلى الله عليه وسلم.
(12) في الأصل وب: حث. والتصويب من: أ، ج.
(13) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: تراب. والخبر بتمامه رواه أحمد: المسند، (مع منتخب كتر العمال) 6/ 210، 211، من حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها. البيهقي: دلائل النبوة 2/ 412411، رواه الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 225 227، وقال: في الصحيح طرف منه، روى أحمد بعضه، وصرح فيه بالاتصال عن(1/207)
وحفصة بنت عمر بن الخطاب (1)، تزوجها بعد الهجرة بثلاث سنين.
وأم [حبيبة] (2) بنت أبي سفيان بن حرب، واسمها رملة (3). وكانت هاجرت (4) إلى الحبشة (5) مع بعلها [عبيد الله] (6) بن جحش [بن رباب] (7)
__________
عائشة وأكثره مرسل، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وثقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح. وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 142، 143، وقال: هذا الحديث يدل على أن عقده على عائشة كان متقدما على تزويجه بسودة بنت زمعة، ولكن دخوله على سودة كان بمكة، وأما دخوله على عائشة فتأخر إلى المدينة في السنة الثانية.
(1) حفصة بنت عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة سنة ثلاث، وماتت سنة خمس وأربعين. ابن سعد: الطبقات 8/ 8681، وابن حجر: الإصابة 8/ 51، 52.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: حبيب.
(3) رملة بنت أبي سفيان، أم المؤمنين، مشهورة بكنيتها. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 115، 116، وابن حجر: الإصابة 8/ 84، 85.
(4) في أ، ب: هاجرة.
(5) الحبشة: هضبة مرتفعة غرب اليمن بينهما البحر، تسمّى أثيوبيا، وعاصمتها أديس أبابا، وتضم أراضي إسلامية. البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 91.
(6) في جميع النسخ: عبد الله، وهو تحريف، والصحيح: عبيد الله، بالتصغير، أسلم وهاجر مع زوجه إلى الحبشة، وولدت له حبيبة، والمشهور عند أهل المغازي أنه تنصّر قبل وفاته، وهو أخو عبد الله بن جحش الصحابي رضي الله عنه. ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 223، وابن سعد: الطبقات 1/ 208، 259، 3/ 89، وابن حجر:
الإصابة 8/ 84.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.(1/208)
الأسدي، فمات هناك، وأقامت على إسلامها، فزوجها النجاشي (1) من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصدقها [عنه] (2) أربعمائة دينار، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى (3) خيبر (4).
وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة واسمها هند (5). وكانت من أجمل
__________
(1) اسمه أصحمة بن أبجر، والنجاشي لقب لكل من ملك الحبشة، أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وهو غير النجاشي الذي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إليه عام إرساله الكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، مات أصحمة على عهد رسول صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه صلاة الغائب. انظر مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار 12/ 112، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 119، وابن حجر: الإصابة 1/ 112.
(2) في الأصل: منه، والمثبت من: أ، ب، ج. جاء في الأثر الصحيح الذي أخرجه أحمد:
المسند (مع منتخب كتر العمال) 6/ 427، والنسائي: السنن، كتاب النكاح: باب القسط في الأصدقة 6/ 95، وصححه الألباني: صحيح سنن النسائي 2/ 750، الحاكم: المستدرك مع التلخيص 2/ 181، وصححه، وأقره الذهبي. عن أم حبيبة:
«أن النجاشي أمهرها أربعة آلاف، ثم جهزها من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كلها من عند النجاشي، ولم يرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وكانت مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم».
(3) (إلى) تكرر في: الأصل.
(4) انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 99، وأبو منصور عبد الرحمن بن عساكر: الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين، ص 45.
(5) أم سلمة القرشية المخزومية، أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت ممن أسلم قديما، هي وزوجها وهاجر إلى الحبشة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها سنة أربع، وقيل ثلاث. ماتت سنة اثنتين وستين. انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 9686، ابن الأثير:
أسد الغابة 6/ 340، وابن حجر: الإصابة 8/ 240.(1/209)
الناس.
وست (1) منهن عربيات (2).
زينب بنت جحش (3) بن رباب (4) الأسدية، تزوجها بعد الهجرة بثلاث سنين، وكانت عند زيد بن حارثة (5) الذي أنعم الله عليه ورسوله.
وفيها نزلت (6) {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ} (7) (8) الآية.
وقال ناس (9) من أهل العراق لعائشة رضي الله عنها: إنه يقال (10) إن عندكم شيئا (11) من كتاب الله تعالى لم تظهروه؟ فقالت: لو كتم محمد (12)
__________
(1) في ب: وليست.
(2) المشهور: ست منهن قرشيات. انظر ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 648، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 46.
(3) زينب بنت جحش أم المؤمنين، ماتت سنة عشرين في خلافة عمر. ابن سعد:
الطبقات 8/ 106، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1849.
(4) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: زباب الأسدية.
(5) في الأصل: الحارثة. والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) (وفيها نزلت) ساقطة من: ج.
(7) (أمسك عليك زوجك) سقطت من: ب، ج.
(8) سورة الأحزاب: الآية (37).
(9) لم أقف على أسمائهم.
(10) في ج: يقول.
(11) في أ: شيء.
(12) في ب: محمدا.(1/210)
صلى الله عليه وسلم (1) شيئا مما نزّل (2) الله لكتم هذه الآية (3).
وميمونة بنت الحارث العامرية (4)، تزوجها حيث قدم (5) مكة في العمرة الوسطى (6)، خطبها عليه عمه العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه وبنى بها [بسرف] (7)، مترلا نزله (8).
__________
(1) (الصلاة والتسليم) ليست في: ج.
(2) في أ، ب: وأنزل.
(3) لم أعثر على نص هذا الأثر، لكن له شاهد عند البخاري: الصحيح، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء 4/ 281، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه، فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات».
(4) ميمونة بنت الحارث، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع، وماتت بسرف سنة إحدى وخمسين على الصحيح. انظر: ابن زبالة: منتخب من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ابن سعد:
الطبقات 8/ 132، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 753.
والعامرية: نسبة إلى عامر بن صعصعة. ابن قتيبة: المعارف ص 137.
(5) في الأصل: من، والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) العمرة الوسطى: هي عمرة القضاء. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1916، ابن حجر: الإصابة 8/ 191.
(7) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: بشرف. وسرف: بفتح أوله وكسر ثانيه، واد متوسط الطول من أودية مكة، يقع على الشمال منها على بعد اثني عشر ميلا، وقد شمل هذا المكان اليوم العمران فقامت فيه أحياء جميلة. انظر: ياقوت: معجم البلدان 3/ 212، والبلادي:
معجم المعالم الجغرافية ص 156، 157.
(8) راجع ابن سعد: الطبقات 8/ 132.(1/211)
وزينب بنت خزيمة الهلالية (1)، توفيت قبله (2)، وكانت يقال لها أم المساكين.
وجويرة بنت (3) الحارث بن أبي ضرار الخزاعية (4)، المصطلقية (5)، وكان (6) اسمها برّة، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية (7) تزوجها يوم المريسيع (8)، وجعل صداقها عتق (9) جماعة من
__________
(1) زينب بنت خزيمة، يقال لها أم المساكين لأنها كانت تطعمهم وتتصدق عليهم، تزوجها في رمضان سنة ثلاث، فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت في آخر شهر ربيع الأول سنة أربع، ودفنها النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع. انظر: ابن زبالة: منتخب من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ص 48، 49، ابن سعد: الطبقات 8/ 115، 116، والهلالية: نسبة إلى هلال بن عامر بن صعصعة. ابن قتيبة: المعارف ص 87.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قبلهم.
(3) في أ: وجويرة، وفي ب تكررت: بنت. جويرية بنت الحارث، أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت من سبي بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وكانت قد كاتبته، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقضى عنها كتابها وتزوجها، وماتت سنة خمسين على الصحيح. انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 120116، ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1804، 1805، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 745.
(4) في ب: الخزاعية. الخزاعية: نسبة إلى قبيلة خزاعة. السمعاني: الأنساب 2/ 358.
(5) المصطلقية: نسبة إلى المصطلق، واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بطن من خزاعة. ابن الأثير: اللباب 3/ 220.
(6) في الأصل: وكانت، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ب: جويرة.
(8) المريسيع: بالضم ثم الفتح، اسم ماء في ناحية قديد، يبعد عن سيف البحر قرابة 80كيلا.
انظر: ياقوت: معجم البلدان 5/ 118، والبلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 290، 291.
(9) في ب: عنق.(1/212)
قومها (1).
وأسماء بنت النعمان الكندية (2)، لم يدخل بها، وجد بها بياضا (3)، فمتّعها وردها إلى أهلها (4).
__________
(1) في ب: أهلها. أخرجه ابن سعد: الطبقات 8/ 117من طريق الواقدي، وفيه (أربعين) بدل (جماعة) ورواه الحاكم: المستدرك 4/ 25، والهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 250وقال: رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اسمى، وقد جزم ابن الكلبي: نسب معد 1/ 172، وابن هشام: السيرة 4/ 647، أن اسمها أسماء، وتنسب إلى الجون بن حجر الكندي، قال ابن حجر: الفتح 9/ 358: لعل اسمها أسماء ولقبها أميمة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وماتت في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 143 147، ابن حجر: الإصابة 8/ 11، 12.
(3) ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 647، والبياض: هو البرص.
(4) اتفق العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، واختلفوا في سبب فراق النبي صلى الله عليه وسلم لها. انظر الأقوال عند الطبري: تاريخ 3/ 167، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1787، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 1716.
قلت: وهذا السبب الذي ذكره المؤلف يخالف ما أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب النكاح، باب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق 3/ 269عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشّوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل وقد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل، ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: هبي نفسك لي، قالت وهل تهب الملكة نفسها للسّوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منه، فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقيّين، وألحقها بأهلها».(1/213)
وعمرة (1) بنت يزيد الكلابية (2)، لم يدخل بها، قدمت عليه فاستعاذت (3) منه، فردها إلى أهلها.
وواحدة من غير العرب: صفية بنت حيي بن أخطب (4)، من بني النضير، تزوجها حين افتتح خيبر، واعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقها صداقها (5).
وقيل (6): تزوج (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة (8).
__________
(1) ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 647اختلفت في اسمها، وقد رجح ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1887، أنها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب الكلابية.
تزوجها سنة ثمان وماتت سنة ستين. انظر: ابن سعد: الطبقات 8/ 141، ابن الأثير:
أسد الغابة 6/ 205.
(2) المثبت من: أ، ب، ج، ومصادر ترجمتها، وفي الأصل (الكلبية) ولم أقف على تعريف دقيق لهذه النسبة، بسبب الاختلاف في اسمها. راجع الذهبي: سير 2/ 256، 257.
(3) أخرجه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 4/ 35، وانظر: ابن حجر: الفتح 9/ 357.
(4) صفية بنت حيي، أم المؤمنين، كانت زوجة لسلّام بن مشكم، وخلف عليها بعد وفاته كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقتل صبرا في خيبر، ثم اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم، ماتت في خلافة معاوية. ابن سعد: الطبقات 8/ 120، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1871، 1872، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 169.
(5) أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 3/ 49، وفي كتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها 3/ 241، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها 9/ 220، 221.
(6) لم أعثر على هذا القول في المصادر الأخرى.
(7) في أ: تزوجها.
(8) في ب: أربعة عشر.(1/214)
وقيل (1): سبع عشرة (2).
ولم يختلف في أنه توفي عن تسع وهن: عائشة، وحفصة (3)، وأم حبيبة، وجويرية (4)، وصفية، وأم سلمة، وسودة، وزينب بنت جحش (5)، وميمونة رضي الله عنهن (6).
(كيفية غسله، وتكفينه والصلاة عليه، وموضع قبره، ووقت دفنه صلى الله عليه وسلم) (7):
وغسّل رسول (8) الله صلى الله عليه [وسلم] (9) في قميصه. يصبّون الماء فوق القميص، ويدلكونه به دون أيديهم (10). وكانوا أرادوا (11) نزعه،
__________
(1) لم أعثر عليه في المصادر الأخرى.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: سبعة عشر، وفي ب: سبع عشر.
(3) (حفصة) ليست في: أ.
(4) في أ: وجويرة.
(5) (بنت جحش) ليست في: ب.
(6) في ب: عنهم. والخبر بتمامه عند ابن كثير: السيرة النبوية 4/ 579.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) (رسول) ساقطة من: أ.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) أخرجه أبو داود: السنن، كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله 3/ 502، رقم (3141) بنحوه، وصححه الذهبي في السيرة ص 575، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 607، وأورده أيضا ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 4/ 662، والطبري: تاريخ 3/ 212باختلاف يسير عما هنا.
(11) في أ، ب: أراد.(1/215)
فسمعوا صوتا يقول (1): لا تترعوا (2) القميص.
وكفّن صلى الله عليه وسلم (3) في ثلاثة أثواب (4) بيض سحوليّة (5)، ليس فيها قميص ولا عمامة (6). أدرج فيهنّ إدراجا (7)، ووضع على سريره في بيته، وصلّى الناس عليه / أفذاذا، لا يؤمهم أحد، حتى إذا فرغ [6/ ب] الرجال (8) أدخل (9) النساء، حتى [إذا] (10) فرغن (11) دخل الصبيان (12).
__________
(1) (يقول) ليست في: أ.
(2) في ب: لا تترعوه. والأثر أخرجه ابن ماجة: كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 471 (1466)، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 1/ 354باسناد فيه أبو بردة. قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/ 476إسناده ضعيف لضعف أبي بردة، واسمه عمر بن يزيد، وقول الحاكم: إن الحديث صحيح، وأبو بردة هو يزيد بن عبد الله وهم. وأورده الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة ص 111وقال: حديث منكر.
(3) (وسلم) ساقطة من: أ.
(4) طمس بعض الكلمتين في: ج.
(5) سحولية: بفتح السين، نسبة إلى سحول: قرية من اليمن، وبضمها: الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من القطن. الزمخشري: الفائق 2/ 159، وابن حجر: الفتح 3/ 140.
(6) رواه البخاري: كتاب الجنائز، باب الكفن بغير قميص 1/ 220.
(7) ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 663، والطبري: تاريخ 3/ 212.
(8) في أ، ب، ج: الناس.
(9) في الأصل: ودخل، وفي ب: أدخلن.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.
(11) في أ، ب، ج: فرغ النساء.
(12) في أ، ب، ج: أدخل.(1/216)
وحفر له تحت فراشه في بيته، ثم دفن في (1) وسط الليل، ليلة الأربعاء (2)، وقيل: دفن يوم الثلاثاء (3). ونزل (4) في قبره علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] (5)، والفضل، [وقثم ابنا] (6) العباس.
وشقران (7) مولى رسول الله [صلى الله] (8) عليه وسلم، رضي الله
__________
(1) في أ، ب، ج: من.
(2) ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 4/ 663، 664، انظر النووي: السيرة النبوية ص 17.
(3) في الأصل: الثلاثة. ابن سعد: الطبقات 2/ 305، ابن عبد البر: الدرر ص 205.
(4) في الأصل: ونزله، في ب: نزلا.
(5) الترضي من: أ، ج.
(6) الزيادة من: ج، وفي أ: وقتم ابناء، وفي ب: وقثم ابناء، وفي الأصل: والفضل بن العباس.
فأما الفضل فهو ابن العباس بن عبد المطلب، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحنينا، وثبت يومئذ مع رسول الله، وشهد معه حجة الوداع، مات في خلافة أبي بكر. ابن سعد: الطبقات 4/ 54، 7/ 399، ابن حجر: الإصابة 5/ 212.
وأما قثم فهو قثم بن العباس بن عبد المطلب، كان شبيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ورعا فاضلا، استشهد بسمرقند أيام معاوية رضي الله عنه. ابن سعد: الطبقات 7/ 367، ابن حجر:
الإصابة 2/ 231.
(7) شقران: كان اسمه صالح بن عدي، وكان حبشيا، شهد بدرا وهو مملوك، ثم عتق، مات في خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن سعد: الطبقات 3/ 49، ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 375، وابن حجر: تقريب ص 268.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.(1/217)
عنهم (1).
(أسماؤه صلى الله عليه وسلم) (2):
وكان له (3) صلى الله عليه وسلم خمسة أسماء: محمد، وأحمد، والماحي، [الحاشر] (4)، والعاقب (5).
قال (6) كعب الأحبار رضي الله عنه (7): أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المترلة السالفة (8): محمد، وأحمد، والمتوكل، والمختار، وحمياطا، وبارقليط (9)، [وماذ ماذ] (10)، والحاشر، والماحي، والعاقب، والمقتفي (11)،
__________
(1) في ج: ورضي عنه. وانظر الخبر عند ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 4/ 662، النووي: السيرة النبوية ص 18.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: وكان لرسول الله.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، 3/ 201، وأخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم 15/ 104.
(6) في أ، ج: وقال.
(7) (رضي الله عنه) ليست في: ب، ج.
(8) الكتب السالفة: أي في التوراة وغيرها. القاري: شرح الشفا 2/ 649.
(9) في ب: وبا بارقليط.
(10) التصويب من: ج، وفي أ: وماذ، وفي ب: وماد، وفي الأصل: (وأماذ).
(11) في ج: المقفى.(1/218)
والخاتم، [والحاتم] (1).
وحمياطا: يحمي (2) الحرم (3).
وبارقليط: يفرق بين الحق والباطل (4).
[وماذ ماذ] (5): طيّب طيّب.
والحاشر: الذي يحشر الناس على عقبيه (6) في أيامه ونبوءته.
والماحي: الذي يمحو الله به الكفر (7)، والشرك والباطل.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق، لأن المؤلف، قد عرف بهذا الاسم ولم يذكره. انظر: عياض:
الشفا 1/ 234، وذكر هذا الأثر بدون إسناد إلى كعب الأحبار.
(2) في ج: يحيى.
(3) الزمخشري: الفائق 1/ 320، وقال ابن الأثير: النهاية 1/ 448، قال أبو عمرو:
سألت بعض من أسلم من اليهود عنه، فقال: معناه يحمي الحرم، ويمنع من الحرام، ويوطيء الحلال.
(4) الزمخشري: الفائق 1/ 320، وذكره عياض: الشفا 1/ 234عن ثعلب. وانظر عبد الواحد داود: محمد في الكتاب المقدس ص 207. وقال ملا علي قاري: شرح الشفا 2/ 650: أي فرقا بينا، وفصلا معينا بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر أصلا وقطعا.
وذكر الشمني: مزيد الخفاء عن ألفاظ الشفا 1/ 234، معاني أخرى للبارقليط: فقيل معناه: الحامد. وقيل: الحماد. وقيل: الحمد. وأكثر النصارى على أن معناه المخلّص.
قلت والصواب في معنى بارقليط: الذي له حمد كثير.
(5) التصويب من: ج، ب، وفي الأصل: وأما، وفي أ: وماذ أطيب طيب.
(6) في ب، ج: عقبه.
(7) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/ 270.(1/219)
والعاقب: الذي عقب الأنبياء بالأمر والنهي، ومراد الله تعالى.
والمقتفي (1): المتبع للسّنن (2).
والخاتم: آخر الأنبياء.
و [الخاتم: أحسن] (3) الأنبياء خلقا وخلقا.
صلى الله على سيدنا محمد وآله (4)، وجمعنا معه (5) في أعلى عليين، وأماتنا (6) على سنته، وجعل لنا (7) الحظ الأوفر من بركته وشفاعته بمنه آمين.
__________
(1) في ج: المقفى.
(2) في الأصل: لسنين، والمثبت من: أ، ب، ج.
(3) التكملة من: أ، ج، وفي ب: الخاتم، بالمعجمة بدل المهملة.
(4) في ج: عليه وسلم وغلى آله، وفي أ، ب: عليه وعلى آله.
(5) في ج: معهم.
(6) في الأصل: وأمتنا.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وجعلنا.(1/220)
ذكر أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (نسبه وكنيته ولقبه) (1):
هو عبد الله بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان (2) [بن عامر] (3) ابن عمرو بن كعب [بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب] (4) بن لؤي القريشي (5)، التيمي (6)، يلتقي (7) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأب السابع عند مرة بن (8) كعب.
[يكنى:
أبا بكر] (9).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) عثمان بن عامر، له صحبة، أسلم يوم فتح مكة، وقد كف بصره، مات سنة أربع عشرة، وله سبع وتسعون سنة. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1733، ابن حجر:
الإصابة 4/ 222.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) هكذا في الأصل، وفي أ، ب، ج: القرشي. والقريشي: بضم القاف وفتح الراء، وسكون الياء، وفي آخرها شين معجمة، نسبة إلى قريش، وقد ينسب بإسقاط الياء، وهو الأشهر والأكثر. ابن الأثير: اللباب 3/ 30.
(6) التيمي: بفتح التاء وسكون الياء، نسبة إلى تيم قريش. ابن الأثير: اللباب 1/ 233.
(7) في ب، ج: يلقي.
(8) في ب: عند.
(9) الزيادة من: ج.(1/221)
ولقبه عتيق ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أنه عتيق الله من النار (1).
وقيل: وإنما لقب عتيقا: لعتاقة وجهه، وحسبه (2).
وقيل غير ذلك (3).
أمه: أم الخير، واسمها سلمى (4) بنت [صخر] (5) بن عمرو بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم (6) بن مرة بن مسلمة (7)، رحمها الله.
__________
(1) ابن بلبان: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/ 6رقم (6825)، والطبراني:
المعجم الكبير 1/ 5رقم (9)، والهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 3/ 163 رقم (3483) من حديث عبد الله بن الزبير.
(2) ورد عند الطبراني: المعجم الكبير 1/ 5رقم (4)، وأبي نعيم: معرفة الصحابة 1/ 154رقم (63) والهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 41، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. والعتيق: الجمال، انظر الجوهري: الصحاح 4/ 1520، والزمخشري: الفائق 2/ 391.
(3) فقيل: لأنه ليس في نسبه ما يعاب به، وقيل: لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام، وقيل: لأن أمه كان لا يعيش لها ولد، فلما ولد استقبلت به البيت فقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 963، ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 9/ 525، 530.
(4) أم الخير لها صحبة رضي الله عنها، أسلمت قديما، ماتت قبل أبي قحافة. ابن الأثير:
أسد الغابة 6/ 326، ابن حجر: الإصابة 8/ 229.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج. والأصل: تميم.
(7) لم أقف على نسبها هذا في كتب النسب التي تيسر لي الإطلاع عليها.(1/222)
ولدته رضي الله عنه، يوم الاثنين لثمان خلون (1) من شهر ربيع الأول، بعد عام الفيل بثلاثة أعوام.
(إسلامه) (2):
وكان سبب إسلامه: أنه خرج إلى اليمن (3) في تجارة، فلقي شيخا عالما قد قرأ الكتب، وتعلم علما كثيرا، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين (4)، فلما رآني قال لي: أحسبك حرميا (5)، قلت: نعم، أنا من أهل الحرم، قال: وأحسبك قرشيا؟ قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيميا (6)؟ قلت: نعم، أنا تيمي، قال لي: اكشف [لي] (7) عن بطنك؟ قلت:
لا أفعل، حتى تخبرني (8) لم ذاك؟ قال لي: إن في العلم الصحيح أن نبيا
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خلو.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) اليمن هو الزواية الجنوبية الغربية لجزيرة العرب، والعرب من قديم تطلق على كل ما هو جنوب يمنا، وعلى ما هو شمال، شاما. انظر: ياقوت معجم البلدان 5/ 447، البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 339.
(4) يبدو لي أن هذا السن فيه مبالغة، خصوصا وأنه يتعارض مع قول هذا الشيخ في البيت الثاني من شعره: حيث يقرر عمره بثلاث وتسعين سنة: انظر ص 224.
(5) الحرمي بفتح الحاء والراء، هذه النسبة إلى حرم الله تعالى. السمعاني: الأنساب 2/ 206.
(6) في ب، ج: تميميا، وهو تحريف.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في ب، ج: أو تخبرني.(1/223)
يبعث في الحرم، أو بالحرم، / يعاون (1) على أمره فتى وكهل. [7/ أ] فأما الفتى: فخواض غمرات، ودافع (2) معضلات، وأما الكهل: فأبيض نحيف على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وأظنك هو، وما عليك أن تريني ما خفي عليّ. قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق السّرة، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره، قال أبو بكر: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة (3) الوسطى، وخف الله فيما خوّلك وأعطاك. قال: فقضيت باليمن أربي (4)، ثم أتيت الشيخ أودعه، فقال: أحمل (5) أنت عني أبياتا إلى ذلك النبي. قلت: نعم، فأنشد يقول:
ألم تر أني قد سئمت (6) معاشري ونف ... سي وقد أصبحت في الخلق (7) واهنا (8)
حييت وفي الأيّام للمرء عبرة ... ثلاث سنين (9) ثم تسعين آمنا
__________
(1) هكذا في الأصل وأ، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 208وفي ب، ج: يعاونه.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ودافعه.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بطريقة.
(4) أربي: حاجتي. الجوهري: الصحاح 1/ 87 (أرب).
(5) عند ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 9/ 536: أحامل.
(6) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: سمت، وفي ب: سميت.
(7) في ج: الحق.
(8) التصويب من: ب، ومن ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 9/ 536.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: حيين.(1/224)
وصاحبت أخيار وفاقوا بعلمهم ... غياهب دين قد ترى فيه طائنا (1)
وكم غفشلين (2) راهب فوق قائ ... لقيت وما غادرت في البحث كاهنا (3)
فكلهم لما تعطشت قال لي ... فإن نبيا سوف تلقاه دائنا
بمكة والأوثان فيها غزيرة ... فيركسها (4) حتى تراها كوامنا
فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت به سرا وجهرا معالنا
وقد خمدت مني شرارة قوّتي ... وألفيت شيخا لا أطيق الشواخنا
وأنت وربّ البيت تلقى محمدا ... لعامك هذا قد أقام البراهنا (5)
فحييّ (6) رسول الله عني فإنني ... على دينه [أحيا] (7) وإن كنت آكنا (8)
فياليتني أدركته في شبيبتي ... فكنت له عبدا وإلا عجاهنا (9)
__________
(1) هكذا في الأصل وأ، ب، وفي ج: كائنا.
(2) هكذا في الأصل وأ، ب. وفي ج: غفشليق. ولم أقف على معناها.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: كائنا.
(4) في ب: فيكسرها، والرّكس: بفتح الراء رد الشيء مقلوبا، وقلب أوله على آخره.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 708 (ركس).
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: براهنا.
(6) في ب: فحسبي.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 9/ 536.
(8) آكنا: ذليلا في قومه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1586 (كين).
(9) العجاهن: بضم العين، الخادم. الجوهري: الصحاح 6/ 2162 (عجهن).(1/225)
عليك سلام الله ما ذرّ (1) شارق ... وما حمل الرّكاب فيه الشواحنا
وما نسجت بالحلّتين (2) وشيجة (3) ... وماسح ضحاك (4) من البرق هاتنا (5)
قال أبو بكر رضي الله عنه: فحفظت وصيته وشعره، وقدمت مكة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاءني عقبة بن أبي معيط (6)، وشيبة (7) بن ربيعة، وأبو جهل (8)، بن هشام، وأبو البختري (9) بن هشام، وصناديد (10) قريش فقلت لهم: هل
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: مادام.
(2) في ب، ج: بالخبلتين، وفي أ: بالجبلتين، وهو تصحيف.
(3) الوشيجة: عرق الشجرة: الجوهري: الصحاح 1/ 347 (وشج).
(4) ضحاك، الضحك: الثلج. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1280 (ضحك).
(5) هاتنا، يقال: هتن المطر، إذا قطر متتابعا، الجوهري: الصحاح 6/ 2216 (هتن).
(6) عقبة بن أبي معيط الأموي، كان خمارا في الجاهلية، ثم كان من شر الناس وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله عقب غزوة بدر، لعداوته لله ورسوله. ابن قتيبة: المعارف ص 575، وابن كثير: البداية والنهاية 3/ 305.
(7) شيبة بن ربيعة الأموي، كان من رؤساء قريش في الجاهلية، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بدر. ابن هشام: السيرة 1/ 295، 481، ابن حجر: الفتح 7/ 298.
(8) عمرو بن هشام المخزومي، كان نابه الذكر في الجاهلية، سيدا، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه فرعون هذه الأمة، قتل يوم بدر. ابن حجر: الفتح 7/ 293، ابن كثير: البداية والنهاية 3/ 287.
(9) اسمه العاص، واختلف في اسم أبيه، فقال ابن الكلبي: جمهرة النسب 1/ 78 (هشام) واختاره ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 1/ 264وقال ابن مؤرج الدوسي: حذف من نسب قريش ص 54 (هاشم) واختاره ابن هشام: السيرة 1/ 264قلت: وهو المشهور، ولا خلاف في نسبته للحارث بن أسد بن عبد العزى، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله يوم بدر لأنه ممن قام مع من نقض صحيفة المقاطعة، وكان لا يؤذي المسلمين، لكنه أصر على القتال فقتل. ابن هشام: السيرة 2/ 630629، ابن كثير: البداية والنهاية 3/ 285.
(10) صناديد: سادة وشجعان. الجوهري: الصحاح 2/ 499 (صند).(1/226)
نابتكم نائبة (1)، أو ظهر (2) فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر! أعظم الخطب (3)
وأجل النوائب، يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإن فيك الغاية (4) والكفاية / [لنا] (5) قال أبو بكر: فصرفتهم أحسن [مس] (6)، فسألت [7/ ب] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لي: إنه في مترل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد قعدت في مترلك واتهموك بالغيبة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: يا أبا بكر إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم فآمن بالله، فقلت: وما دليلك على ذلك؟ (7)
قال: الشيخ الذي لقيته باليمن، فقلت: وكم من شيخ (8) لقيت، وبعت واشتريت، وأخذت وأعطيت!؟ قال الشيخ الذي أفادك الأبيات، فقلت ومن أخبرك بهذا [يا حبيبي] (9) قال الملك العظيم (10)، الذي كان يأتي من قبلي،
__________
(1) نائبة: هي ما ينوب الإنسان: أي يترل به من المهمات والحوادث. وجمعها: نوائب.
ابن الأثير: النهاية 5/ 123 (نوب)
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأظهر.
(3) الخطب: الأمر العظيم من حوادث الدهر. ابن دريد: الاشتقاق ص 53
(4) في ج: قد جئت فأنت الغاية.
(5) الزيادة من: ب، ج، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 208
(6) الزيادة من: ج. مسّ: أي أول ما نالهم من حسن طلبه بانصرافهم، الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 741 (مسسته) بتصرف.
(7) التصويب من: أ، ب، ج. وانظر: ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 208، وفي الأصل: هذا.
(8) في أ، ب، ج: مشائخ.
(9) الزيادة من ج. وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 209، وفي أ، ب: يا حبيب.
(10) في ب: الوهاب، وهو خطأ.(1/227)
قال: قلت: أمدد يدك، أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها (1) أسرّ سرورا منّي بإسلامي (2).
فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله (3).
(منزلته في قريش ودعوته إلى الإسلام) (4):
وكان أبو بكر رجلا [مألفا] (5) لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه، ويألفونه لغير واحد من [الأمر] (6)، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه (7) فأسلم بدعائه.
__________
(1) لابتيها: تثنية لابة، وهي الحرة، وجمعها لاب، والضمير في لابتيها إلى المدينة، لأنها بين الحرتين. واللابة الأرض التي ألبتها الحجارة السود، ولا زال أهل المدينة يعرفون اللابتين، وهما: (حرة واقم) ويسمونها الحرة الشرقية (وحرة الوبرة)، ويسمونها الحرة الغربية. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 235.
(2) هذا الأثر بطوله أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 9/ 537536، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 209208دون ذكر الشعر، سبقت الإشارة ص 148إلى أنه أول من أسلم من الرجال.
(3) ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 249.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل (مأليفا) والمألف: الذي يألفه الإنسان.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1023 (ألف).
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 250، والذهبي: السيرة ص 138.(1/228)
(ذكر من أسلم من الصحابة بدعوته) (1):
عثمان بن عفان، والزبير بن العوام (2)، وعبد الرحمن بن عوف (3)، وسعد (4) بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله (5)، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا، وصلّوا (6).
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام، إلا كانت بلغت (7) عنده فيه كبوة (8)، ونظر (9)، وتردد إلا ما كان من أبي
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الزبير بن العوام الأسدي، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، هاجر الهجرتين إلى الحبشة، شهد بدرا والمشاهد كلها، قتل بعد أن انصرف يوم الجمل سنة ست وثلاثين. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 344، ابن حجر: الإصابة 3/ 5.
(3) عبد الرحمن بن عوف الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، هاجر الهجرتين إلى الحبشة، وشهد بدرا وسائر المشاهد، مات سنة اثنتين وثلاثين. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 376، ابن حجر: الإصابة 4/ 176.
(4) التصويب من أ، ج، وفي الأصل وب: سعيد. سعد بن مالك الزهري، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، ابن سعد: الطبقات 3/ 137، ابن حجر: الإصابة 3/ 83.
(5) طلحة بن عبيد الله التيمي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت، أصيب بسهم في ركبته يوم الجمل فما زال الدم يسيح حتى مات. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 325. وابن حجر: الإصابة 3/ 290.
(6) ابن إسحاق: (سيرة ابن هشام) 1/ 252251، والذهبي: السيرة ص 138.
(7) (بلغت) ليست في: أ، ب، ج.
(8) الكبوة: الوقفة كوقفة العاثر. الزمخشري: الفائق 3/ 242 (كبو).
(9) في الأصل: ونظرة، وما أثبته من: أ، ب، ج، ومن ابن هشام: السيرة 1/ 252.(1/229)
بكر بن أبي قحافة، ما عكم عنه حين ذكرته له، وما (1) تردد فيه» (2).
بيعته (3):
بويع أبو بكر في سقيفة (4) بني ساعدة (5) بن كعب بن الخزرج، يوم الإثنين الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم خالفت (6) الأنصار، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، واتفقت على أن تولي هذا الأمر سعد (7) بن عبادة الخزرجي، [وكان
__________
(1) في الأصل: ولا، والتصويب من: أ، ب، ج، ومن ابن هشام: السيرة 1/ 252.
(2) لم أقف على نص هذا الحديث، ولكن أورد مثله: الهروي: غريب الحديث 3/ 137رقم (410) والزمخشري: الفائق 3/ 242وأبو موسى المديني: المجموع المغيث 2/ 488وابن الأثير: النهاية 3/ 285بروايات متقاربة، ما عكم: أي ما تحبس وما انتظر ولا عدل (عكم).
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) ورد خبر السقيفة عند البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب بدء الخلق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا 2/ 291رقم (3668) وكتاب الحدود: باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت 4/ 180رقم (6830) وعبد الرزاق المصنف 5/ 439رقم (9758) وابن أبي شيبة:
المصنف 14/ 562رقم (18889) والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 76. والسقيفة: تقع شمال غرب المسجد النبوي، وهي ظلة مسقوف نصفها، كانوا يجتمعون تحتها لتداول الرأي، وكانت بمنزلة دار الندوة التي كانت لقريش في مكة. ياقوت: معجم البلدان 3/ 228.
(5) بنو ساعدة: بطن من الخزرج، من الأزد من القحطانية: القلقشندي: نهاية الأرب ص 280.
(6) خالفت: أي لم يجتمعوا مع من اجتمع من الصحابة في مترل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. ابن حجر: الفتح 12/ 150
(7) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: سعيد. وهو سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الأنصاري، سيد الخزرج، شهد العقبة، وكان أحد النقباء، وأحد الأجواد، شهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم: الصحيح بشرح النووي 12/ 124، والبخاري: التأريخ الكبير 4/ 44، وابن حجر: الإصابة 3/ 80.(1/230)
مريضا] (1)، وكان سيدا في (2) الأنصار مقدما، له وجها (3) ورئاسة وسيادة، يعترف (4) له بها قومه، فساروا إليه وساقوه على الأعناق. فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وقال: يا معشر الأنصار إن لكم سابقة في الدين ليست لقبيلة من قبائل العرب لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لبث في قومه بضع عشرة سنة، يدعوهم إلى عبادة / [8/ أ] الله تعالى (5) [وخلع] (6) الأوثان (7)، فما آمن [به] (8) إلا رجال قلائل، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا منه، ولا يعزوا دين الله ولا يدفعوا عن أنفسهم، حتى أراد الله بكم الفضيلة، وساق إليكم النّعم الجزيلة، وخصكم بالكرامة، ورزقكم الله الإيمان [به] (9) وبرسوله عليه السلام، فكنتم أشد الناس على عدوه (10) حتى استقامت العرب لأمر الله، طوعا وكرها، فأعطى البعيد (11) المقادة (12)
__________
(1) زيادة من: أ، ب، ج.
(2) التصويب من: أ، ب، ج: وفي الأصل: سيد بني الأنصار.
(3) في أ: وجيها له رئاسة، وفي ب، ج: وجها له رئاسة.
(4) في الأصل: يعرف، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(5) في ج: يدعوهم إلى الإسلام.
(6) التكملة من نسخة أ، ب، ج.
(7) خلع الأوثان: كناية عن تركها والتبري منها، كما يخلع الإنسان قميصه، كأنه كان قد تردى به واشتمل عليه، فخرج عنه وفارق. ابن الأثير: منال الطالب ص 53.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: ج.
(10) في ج: عداوة، وهو تحريف.
(11) في ج: العبيد، وهو تحريف.
(12) المقادة: أي انقاد له، والانقياد: الخضوع. الجوهري: الصحاح 2/ 528 (قيد)(1/231)
صاغرا، وعادت الأكابر لديه [أصاغرا] (1) فأنجز الله له بكم (2) ما وعده، ودانت بسيوفكم له العرب، وتوفاه الله [تعالى] (3) وهو عنكم راض وبكم قرير (4) العين. فاستبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون غيركم (5).
فأجابوه: إنك قد وافقت الرأي، وأصبت، ونحن نولّيك هذا الأمر فإنك للمسلمين رضى.
فجاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة (6) في آخر خطبته، واجتمع المهاجرون (7) إلى أبي بكر رضي الله عن الجميع (8) [فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم] (9)، وقال: إن الله تبارك وتعالى
__________
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 400 (قيد).
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) في ج: به لكم.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) ما أثبته من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أقر.
(5) وردت خطبة سعد رضي الله عنه عند الطبري: تاريخ 3/ 218عن أبي مخنف. ابن أبي الحديد:
شرح نهج البلاغة 6/ 5، ابن الأثير: الكامل 2/ 222.
(6) عامر بن الجراح الفهري، كنيته: أبو عبيدة، أمين هذه الأمة هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة. ابن سعد الطبقات 3/ 409.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل، وأ، ب. واجتمعوا المهاجرين
(8) في ب: عنهم أجمعين.
(9) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/232)
بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى خلقه، وشهيدا على أمته، ليعبدوا الله وحده، وكانوا يعبدون من دونه آلهة شتى، يزعمون أنها لهم شافعة، ولهم نافعة، وإنما كانت من حجر منحوت (1)، ثم تلا قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ مََا لََا يَضُرُّهُمْ وَلََا يَنْفَعُهُمْ} (2) الآية، فعظم (3) على العرب أن يتركوا دين آبائهم، وخص الله تعالى المهاجرين الأولين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصديقه والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، واجتماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله تعالى في الأرض، وآمنوا بالله (4)، وبرسوله، وهم عشيرته وأولياؤه، وأحق الناس بهذا الأمر بعده (5)، لا ينازعهم فيه إلا ظالم، وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضيلتهم (6) في الدين، وسابقتهم (7) في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه (8) ولرسوله عليه السلام، وجعل إليكم هجرته، فليس بعد المهاجرين الأوّلين أحد [عندنا] (9) بمترلتكم، فنحن الأمراء، وأنتم
__________
(1) في أ: منجورة.
(2) سورة يونس: الآية رقم (18).
(3) فعظم: كبر. الجوهري: الصحاح 5/ 1987 (عظم).
(4) في أ، ب، ج: فآمن به.
(5) في ج: (عنده).
(6) في ب: فضيلتكم.
(7) في ب: سابقتكم.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: المدينة.
(9) زيادة من: أ، ب، ج.(1/233)
الوزراء (1)، لا نقضي دونكم (2) أمرا سرا ولا جهرا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما (3) شئتم، وأخذ (4) بيد عمر وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عن الجميع (5).
فقال الحباب بن المنذر بن الجموح (6): أنا جذيلها المحكّك (7)، وعذيقها المرجّب (8)، منّا أمير ومنكم أمير، يا معشر قريش إنّا والله إن شئتم لتعيدنّها جذعة (9). فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر، فلا تكونوا أول من بدّل وغيّر. وكثر اللغط (10)، وارتفعت
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وزراء.
(2) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: دينكم.
(3) في ج: فيما.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأخذوا.
(5) وردت خطبة الصديق هذه عند الطبري، برواية أبي مخنف 3/ 219، 220، 221.
(6) الحباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي، بدري، شهد المشاهد كلها، مات في خلافة عمر. ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 436، ابن حجر: الإصابة 1/ 316.
(7) جذيلها المحكّك، الجذيل: تصغير جذل أريد به المدح، وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه، فضرب به المثل في الرجل يشتفى برأية. ابن الأثير: النهاية 1/ 151.
(8) عذيقها المرجب، العذيق: تصغير عذق أريد به المدح، وهو النخلة نفسها، والمرجب: الذي تبنى إلى جانبه ذعامة ترفده لكثرة حمله ولعزّه على أهله. فضرب به المثل في الرجل الشريف الذي يعظمه قومه. ابن الأثير: النهاية 3/ 199.
(9) جذعة: أي أول ما يبتدأ فيها. الزبيدي: تاج العروس 5/ 299 (جذع).
(10) اللغط: اختلاط الأصوات. الجوهري: الصحاح 3/ 1157 (لغط).(1/234)
الأصوات، فقال عمر: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه، وبايعه المهاجرون (1)، ثم الأنصار. فانكسر (2) على سعد (3) بن عبادة، ومن تبعه ما كانوا اجمعوا عليه (4). ثم أقبل الناس يبايعون أبا بكر حتى كادوا يطؤون سعدا، فقال أصحابه: اتقوا سعدا لا تطؤوه فتقتلوه، فقال عمر: قتل (5) الله سعدا. فحملته الخزرج إلى / داره، وترك أياما (ثم بعث إليه: أن أقبل [8/ ب] وبايع فقد بايع قومك؟ فقال: والله لا أفعل (6) حتى أرميكم بما في
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: وبايعوه المهاجرين.
(2) انكسر: كل من عجز عن شيء فقد انكسر عنه، وكل شيء فتر عن أمر يعجز عنه يقال فيه انكسر، والمعنى أن الأنصار عجزوا عن بيعة سعد. الزبيدي: تاج العروس 3/ 523بتصرف.
(3) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل سعيد.
(4) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل إليه.
(5) قال ابن حجر: الفتح 7/ 32هو دعاء عليه.
(6) لم يعارض سعد بن عبادة رضي الله عنه بيعة أبي بكر رضي الله عنه، ولم ينقل عنه طعن في بيعة الصديق، ولا نواء بخروج، ولم يدفع حقا، ولا أعان علي باطل رضي الله عنه بل إنه اعترف بصحة ما قاله الصديق رضي الله عنه له يوم السقيفة من أن قريشا هم ولاة هذا الأمر، وسلم طائعا منقادا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تذكير الصديق إياه بذلك، فقد روى الإمام أحمد: المسند 1/ 164 (تحقيق: أحمد شاكر) رقم (18) بإسناد إلى حميد بن عبد الرحمن الحميري التابعي حديثا جاء فيه قول أبي بكر لسعد يوم السقيفة: لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد «قريش ولاة هذا الأمر، فبرّ الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم» فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: منهاج السنة 1/ 143، 144بعد إيراده لهذا الحديث:
فهذا مرسل حسن، ولعل حميدا أخذ عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك، وفيه فائدة جليلة جدا، وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأوّل في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالإمارة، فرضي الله عنهم أجمعين.
وقال ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 37استنادا إلى هذا الحديث: إن سعدا سلم للصديق واعترف بصحة ما قاله من أن الخلفاء من قريش.(1/235)
[كنانتي] (1) من سهام (2)، وأخضب بدمائكم رمحي، وأضربكم بسيفي، وأيم والله لو أن الجن اجتمعت لكم [مع الإنس] (3) ما بايعتكم (4) حتى أعرض على ربي. فلما اتصل ذلك بأبي بكر قال (5) له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له [بشير] (6) بن سعد إنه لا يبايعكم حتى يقتل، وليس يقتل حتى يقتل ولده معه (7)، وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فاتركه، فإنما (8) هو رجل واحد، فقبلوا رأيه فتركوه) (9)، فكان سعد بن عبادة لا يصلي بصلاتهم، ويحج فلا يفيض معهم (10)، ولم يزل على ذلك، وخرج عن المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران (11) من أرض الشام لسنتين
__________
(1) التصويب من: ج، وفي الأصل وب: كنانة.
(2) (من سهام) ليست في: ج، وفي ب: سهامي.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في ج: فقال.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل: وقال.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بشر، وهو بشير بن سعد بن ثعلبة، والد النعمان، أنصاري، عقبي، بدري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشهد يوم عين التمر في خلافة أبي بكر. أبو نعيم: معرفة الصحابة 3/ 96، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 231.
(7) في أ، ب، ج،: معه ولده.
(8) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: وإنما.
(9) ما بين قوسين من خبر طويل أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 616عن الواقدي وهو متروك.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يفيق معه. والخبر رواه الطبري: تاريخ 3/ 223عن أبي مخنف.
(11) حوران: بالفتح، منطقة واسعة يتبعها عدد من القرى، وقصبتها بصرى، من أعمال دمشق، وتقع شرق الأردن. ياقوت: معجم البلدان 2/ 317، محمد عادل كمال:
الطريق إلى دمشق ص 19.(1/236)
ونصف مضتا من خلافة عمر، وذلك سنة خمس عشرة (1)، وقيل سنة أربع عشرة (2)، وقيل: مات في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة (3).
ولم يختلفوا (4) أنّه وجد ميتا في مغسله (5)، وقد اخضر جلده (6)، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:
قتلنا سيد الخزرج ... سعد بن عبادة
رميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده (7)
ويقال: إن الجن قتلته (8)، والله أعلم.
وتخلف يومئذ عن بيعة أبي بكر: علي، وطلحة، والزبير، وخالد بن
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خمسة عشر. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 599.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أربعة عشر. والخبر عند ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 6/ 93.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: عشر، والخبر عند خليفة: تاريخ ص 117 والبغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 225.
(4) في الأصل: يختلف. والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 599.
(5) في ج: مغتسله.
(6) (جلده) سقطت من ج، وفي: أ، ب: جسده.
(7) رواه الطبراني: المعجم الكبير 6/ 18عن ابن سيرين، وفي 6/ 19عن قتادة. قال الهيثمي: مجمع الزوائد 1/ 206: وابن سيرين وقتادة لم يدركا سعدا، ورواه ابن سعد: الطبقات 3/ 617، عن الواقدي، وذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 599.
(8) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 599، ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 6/ 87.(1/237)
سعيد بن العاص (1)، ثم بايعوه [بعد] (2).
فأمّا علي فلم يبايعه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها وعنهم، وكان وفاتها بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر (3).
__________
(1) خالد بن سعيد الأموي من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وأقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وفتح مكة، وحنينا، والطائف، وتبوك، واستشهد في خلافة أبي بكر. ابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 420، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 574.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) ورد مطولا عند البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 3/ 55 (4241)، ومسلم الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء 12/ 7976عن عائشة. إلا أنه ورد في رواية عند الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 76، والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 143وفي الاعتقاد على مذهب السلف ص 178بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري، أنه في اليوم التالي لبيعة السقيفة صعد أبو بكر المنبر، وبايعه الناس، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا ولا الزبير فاستدعاهما فجاءا فبايعاه. قال ابن كثير: السيرة 4/ 495بعد أن أورد هذا الأثر: وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نظرة المنذر بن مالك، عن أبي سعيد الخدري. وقال: وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وخرج معه إلى ذي القصة، لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة.
أما ما ورد في حديث عائشة فيحمل على أن عليا رأى تجديد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى. ابن(1/238)
وأما خالد بن سعيد فكان حين بويع أبو بكر غائبا، فقدم فتكلم بكلام، فقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم رجل من بني تيم (1)، فبلّغها عمر أبا بكر، فلم يحملها أبو بكر عليه، فمكث ثلاثة أشهر، فمر به أبو بكر ظهرا وهو في داره، فقال: أتحب أن أبايعك يا أبا بكر؟ فقال: أحب (2) أن تدخل فيما دخل فيه الناس، فجاءه بعد الظهر فبايعه (3).
وقام أبو بكر على المنبر بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبايعة الناس له في سقيفة بني ساعدة، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا أيها (4)
الناس إن الذي رأيتم مني لم يكن حرصا على ولايتكم، ولكن خفت الفتنة عليكم والاختلاف، فدخلت فيها، فها أنذا (5)، وقد رجع الأمر إلى أحسن ذلك، وكف الله تلك النائرة (6)، وهذا أمركم إليكم فولّوا من
__________
كثير: السيرة 4/ 496495، قال ابن حجر: الفتح 7/ 495وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: تميم.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أتحب.
(3) رواه ابن سعد: الطبقات 4/ 97عن الواقدي بنحوه، وأورده ابن عساكر: (تهذيب تأريخ دمشق) 5/ 52وعزاه لابن البنا.
(4) هكذا في الأصل وفي بقية النسخ (أيها).
(5) التصويب من: أ، ج، وفي بقية النسخ: بهذا.
(6) النائرة: الهائجة. ابن منظور: لسان العرب 5/ 188 (نأر)، الزبيدي: تاج العروس 3/ 552.(1/239)
أحببتم من الناس، وأنا أجيبكم إلى ذلك، وأكون كأحدكم. فأجابه الناس جميعا: رضينا بك قسما وحظّا، وأنت الخيرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وأحدثوا بيعة أخرى (1).
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أحد من النّاس.
وخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي / صلى الله عليه وسلم [9/ أ]، ثم قال: يا أيها الناس إني قائل قولا، من وعاه فعلى الله جزاؤه، ومن لم يعها (2) فلا يعتذرها (3)، ومهما قصرتم عنه من تفضيله فلن تعجزوا عن تحصيله، فأودعوه أسماعكم، وأشعروه قلوبكم، فإن الموعظة حياة، والمؤمنون إخوة، وعلى الله قصد السبيل ومنه جائر (4)، ولو شاء لهداكم أجمعين، فأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغي (5) ترشدوا، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. إن الله (6) أمركم بالجماعة ورضيها لكم، ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم، فاتّقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتن إلا
__________
(1) هذه الجملة ليست في: ج.
(2) هكذا في الأصل والضمير عائد إلى الخطبة، وفي أ، ب، ج: يعه، ويكون الضمير عائدا إلى قولا.
(3) فلا يعتذرها: التعذير هو التقصير في الأمر، أي لا يقصر فيما جاء فيها. الجوهري:
الصحاح 2/ 740 (عذر) بتصرف.
(4) (ومنها جائر) ليست في: أ، ب، ج.
(5) الغي: الضلال. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1701 (غوى).
(6) (لفظ الجلالة) سقط من: ج.(1/240)
وأنتم مسلمون. إن الله بعث محمدا بالدّين [واختاره على العالمين] (1)
واختار له أصحابا على الخلق، وزراء (2) دون الخلق، اختصه (3) بهم، وانتخبهم، فصدقوه، ونصروه، وعزروه [ووقروه] (4)، فلم يقدموا إلا بأمره، لم يحجموا إلا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءه، ولست أدعوكم إلى هوى يتّبع، ولا رأي يبتدع، وإنّما أدعوكم إلى الطّريقة المثلى، التي فيها شرف الآخرة والأولى، فمن أجاب إلى (5) رشده رشد، ومن عمي فعن قصده (6).
أيها الناس: أوصيكم (7) بتقوى الله، فاتبعوا كتاب الله، واقبلوا النصيحة، فإن الله يقبل التوبة ويعفوا عن السيّئات، واحذروا يوما لا ينفع فيه مال (8) ولا شفيع يطاع، واعملوا قبل ألا تقدروا على عمل يكفر خطيئة، ولا يقرب إلى درجة، فإن الله لو شاء لجعلكم سدى، ولكن جعل فيكم أئمة هدى، فاتبعوا ما أمركم الله، واجتنبوا ما نهاكم (9) عنه، واتقوا
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) في ج: ووزراء.
(3) في أ: أحبه.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) في أ، ب، ج: فإلى رشده.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فمقصده عليكم.
(7) في أ، ب، ج: عليكم أيها الناس بتقوى الله.
(8) في أ، ب، ج: حميم.
(9) في أ: نهيتكم.(1/241)
المعاصي فليس فيها رغبة، واستعفوا عما حرم الله تعالى، وإياكم والمحرمات (1) فإنها تقرّب (2) إلى الموجبات (3).
إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن (4) أحسنت فأعينوني (5)، وإن أسأت فقوموني، الصدق (6) أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح (7) الحقّ عليه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، ولا يدع قوم الجهاد في الله إلا ضربهم بالذّلّ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم البلاء، أطيعوني (8) ما أطعت (9) الله ورسوله، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم (10).
والله ما كنت حريصا على الإمارة، ولا فيها راغبا، ولا سألتها في
__________
(1) في أ، ب، ج: المحقرات.
(2) التصويب من أ، ب، ج وفي الأصل: تصرف.
(3) هذا الجزء من الخطبة لم أقف عليه عند غير المؤلف.
(4) في أ: إن.
(5) في الأصل: فيعينوني. والتصويب من أ، ب، ج. ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 4/ 661.
(6) في أ، ب، ج: فالصدق.
(7) أريح: أرد، يقال: أرحت على الرجل حقه: إذا أرددته عليه. الجوهري: الصحاح 1/ 368 (روح).
(8) في الأصل وب: طيعوني، والمثبت من أ، ج.
(9) في ب: في طاعت.
(10) هذا الجزء من الخطبة أخرجه ابن إسحاق بإسناد صحيح إلى أنس ابن مالك رضي الله عنه.
(سيرة ابن هشام) 4/ 661، والطبري: تاريخ 3/ 210، وابن كثير: السيرة 4/ 493.(1/242)
سر ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الولاية من الرّاحة، ولقد قلدت أمرا عظيما ما لي به من طاقة، ولا يؤدّى (1) إلا بتقوية الله تعالى وعونه (2).
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله، وصلوا على نبيكم كما أمركم الله.
(والده) (3):
واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وأبوه في الحياة (4)، وعاش بعده إلى خلافة عمر [رضي الله عنه] (5)، ومات سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
وورث من أبي بكر السّدس، فرده على ولد أبي / بكر [9/ ب]، رضي الله عنهم أجمعين (6).
وصفته رضي الله عنه:
[أبيض] (7). نحيف، خفيف (8) العارضين، معّرّق (9) الوجه، غائر
__________
(1) في أ، ب: يدير.
(2) هذا الجزء من الخطبة أخرجه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 66بنحوه، وقال:
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في أ، ب، ج: بالحياة.
(5) الزيادة من: أ.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1036، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 477.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في ب: كثيف. وهو خطأ.
(9) معرق الوجه: قليل لحم الوجه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1173 (عرق).(1/243)
العينين، ناتيء (1) الجبهة، رقيق الساعدين (2).
وكان يصبغ بالحناء والكتم (3).
حاجبه:
مولاه شديد (4).
وكاتبه:
عثمان بن عفان (5).
وقاضيه:
عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين (6).
ونقش خاتمه:
نعم القادر الله (7).
__________
(1) ناتيء الجبهة: مرتفع الجبهة. الجوهري: الصحاح 1/ 75 (نتأ).
(2) وردت هذه الصفات عند الطبراني: المعجم الكبير 1/ 9من طريق الواقدي، وابن سعد: الطبقات 3/ 188عن الواقدي أيضا، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 164 165دون إسناد.
(3) ابن سعد: الطبقات 3/ 188.
(4) في جميع النسخ: سويد وهو تحريف، والتصويب من: تأريخ خليفة ص 123، الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 66، وابن حجر الإصابة: 3/ 222.
(5) خليفة: تاريخ ص 123.
(6) خليفة: تاريخ ص 123، الطبري: تاريخ 3/ 426.
(7) ابن سعد: الطبقات 3/ 211، أبو نعيم: معرفة الصحافة 1/ 165.(1/244)
وأبناؤه:
عبد الله (1)، وعبد الرحمن (2) وهو شقيق عائشة أمّها: أم رومان (3)
بنت (4) بن الحارث بن غنم الكنانية (5)، وشهد معها الجمل (6).
ومحمد (7) أمه أسماء بنت عميس (8) الخثعمية (9)، كان مع علي رضي الله عنه
__________
(1) عبد الله بن أبي بكر، شقيق أسماء، أسلم قديما، شهد فتح مكة وحنين والطائف، ومات في شوال سنة إحدى عشرة. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 874، ابن حجر:
الإصابة 4/ 42.
(2) عبد الرحمن بن أبي بكر، تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح، وشهد اليمامة والفتوح، مات سنة ثلاث وخمسين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 824، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 337.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل، وأ، ب: رومان، أسلمت بمكة قديما، وهاجرت إلى المدينة، وكانت امرأة صالحة، قال ابن حجر: التقريب ص 756زعم الواقدي ومن تبعه أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل قبرها، والصحيح أنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ابن سعد: الطبقات 8/ 276، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1936، وقد سبقت ترجمتها ص 204.
(4) سقط نسبها إلى الحارث من جميع النسخ، وهي أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 137.
(5) الكنانية: نسبة إلى كنانة بن خزيمة بن مدركة، من قريش. السمعاني: الأنساب 5/ 98.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 825، ابن حجر: الإصابة 4/ 168.
(7) محمد بن أبي بكر، ولدته أمه في حجة الوداع وقت الإحرام، كان على رجّالة جيش علي يوم الجمل، وشهد معه صفين، ثم ولاه مصر، وقتل بها سنة ثمان وثلاثين. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 326، الذهبي: سير 3/ 481.
(8) أسماء بنت عميس، صحابية، أسلمت قديما، وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، ثم تزوجها أبو بكر، ثم علي، وولدت لهم، وماتت بعد علي رضي الله عنهم جميعا. ابن سعد: الطبقات 8/ 280، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 743.
(9) الخثعمية: نسبة إلى خثعم القبيلة المشهورة. السمعاني: الأنساب 2/ 326.(1/245)
يوم الجمل، وقتل بمصر (1)، ويأتي ذكره.
وأم كلثوم (2)، أمها: حبيبة بنت خارجة (3) بن زيد [بن أبي زهير] (4)
من بني الحارث بن الخزرج (5)، ولدتها بعد وفاة أبي بكر، وتزوجها طلحة (6) بن عبيد الله (7).
(فضائله) (8):
وكان أبو بكر رضي الله عنه أزهد الناس، وأكثرهم تواضعا في أخلاقه،
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1366، ابن حجر: تقريب التهذيب ص 470.
(2) أم كلثوم بنت أبي بكر، تابعية، تزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له زكريا وعائشة، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي. ابن سعد:
الطبقات 5/ 166، 172، 183. 8/ 462، ابن حجر: الإصابة 8/ 286.
(3) حبيبة بنت خارجة، لها صحبة، تزوجها بعد أبي بكر، خبيب بن إساف. ابن عبد البر 4/ 1807، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 60.
(4) الزيادة من: أ، وفي ب، ج: بن أبي أزهر، وهو تحريف. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 405.
(5) بنو الحارث بن الخزرج: بطن من الخزرج، من الأزد، من القحطانية، كانوا يسكنون السّنح بالمدينة. ابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 379، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص: 361، والقلقشندي: نهاية الأرب ص 45.
(6) سبقت ترجمته ص 229.
(7) التصويب من: أ، وفي الأصل، وب، ج: عبد الله.
(8) عنوان جانبي من المحقق.(1/246)
ولباسه، ومطعمه فكان يلبس في خلافته الشملة (1) والعباءة (2).
قالت عائشة رضي الله عنها: دعاني أبي في مرضه، فقال: يا بنيّة (3)! إني كنت (4) أتجر قريشا، وأكثرهم مالا (5)، فلما شغلتني الإمارة رأيت أن أصيب من المال، فأصبت هذه العباءة القطوانية (6)، وحلابا (7)، وعبدا، فإذا مت فأسرعي به إلى ابن الخطاب، يا بنيّة! (8) ثيابي هذه كفنوني (9) فيها، قالت: فبكيت، وقلت: يا أبت! نحن أيسر من ذلك، فقال: غفر الله لك، وهل ذلك إلا للمهل (10). قالت فلمّا مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب،
__________
(1) الشّملة: كساء يتغطى به ويتلفلف فيه. ابن الأثير: النهاية 2/ 501.
(2) العباءة: ضرب من الأكسية. ابن الأثير: النهاية 3/ 175.
(3) في الأصل: يا ابنتي، والمثبت من: أ، ب، ج، والزهد لأحمد ص 138.
(4) (كنت) ليست في: أ.
(5) (مالا) سقطت من: ب.
(6) القطوانية: عباءة بيضاء قصيرة الخمل، والنون زائدة. وابن الأثير: النهاية 4/ 85.
(7) الحلاب، والمحلب: الإناء الذي يحلب فيه اللبن. ابن الأثير: النهاية 1/ 421.
(8) في الأصل: يا ابنتي، والمثبت من: أ، ب، ج، والزهد لأحمد ص 138
(9) في أ، ب، ج: كفني.
(10) في جميع النسخ: للمهنة، والتصويب من الزهد لأحمد ص 138، ولهذا شاهد عند البخاري: الصحيح، كتاب الجنائز، باب موت يوم الأثنين. فتح الباري 3/ 252، رقم (1387) عن عائشة رضي الله عنها من حديث طويل جاء فيه قول أبي بكر رضي الله عنه «إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة».
المهل: القيح والصديد الذي يذوب فيسيل من الجسد. ابن الأثير: النهاية 4/ 375 (مهل).(1/247)
فقال: يرحم (1) الله أباك، لقد (2) أحب ألا يترك لقائل مقالا (3).
وكان حرّم الخمر في الجاهلية (4).
وممن حرم الخمر في الجاهلية سواه [أيضا] (5) عثمان بن مظعون (6)، وعثمان بن عفان (7)، وعبد الرحمن بن عوف (8)، وقيس بن عاصم (9)، وعباس بن مرداس (10).
__________
(1) في ب، ج: رحم.
(2) (لقد) ليست في: ب.
(3) هذا الأثر أخرجه أحمد: الزهد ص 138بنحوه.
(4) أخرجه أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 180عن عائشة، والسيوطي: تأريخ الخلفاء ص 32، وعزاه لأبي نعيم، وقال: إسناده جيد.
(5) الزيادة من أ، ب، ج.
(6) عثمان بن مظعون الجمحي، من السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، ومات بعدها سنة اثنتين من الهجرة. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1053، ابن حجر: الإصابة 4/ 225سبقت ترجمته ص 203.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 978.
(8) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 377، ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 10/ 70
(9) قيس بن عاصم المنقري، التميمي، قدم في وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ونزل البصرة، ومات بها. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1295، ابن حجر: الإصابة 5/ 258.
(10) عباس بن مرداس السلمي، أسلم بعد يوم الأحزاب، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وسكن البصرة. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 64، ابن حجر: الإصابة 4/ 31.(1/248)
وحرمها قبل هؤلاء: عبد المطلب بن هاشم (1)، وعبد الله بن جدعان (2)، وشيبة بن ربيعة (3)، وورقة بن نوفل (4)، والوليد بن المغيرة (5)، وعامر بن الظّرب (6)، ويقال: هو أول من حرمه [على نفسه] (7) في الجاهلية، ويقال:
إن عفيف بن معدي كرب (8) المعيدي (9).
__________
(1) اليعقوبي: تأريخ 2/ 10، ابن حبيب: المحبر: ص 237.
(2) عبد الله بن جدعان التيمي، أحد أجواد العرب في الجاهلية، ومن حكام قريش ورؤسائهم يوم الفجار. مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 77، اليعقوبي:
تأريخ 1/ 258، ابن حبيب: المحبر ص 237.
(3) شيبة بن ربيعة العبشمي، من عظماء قريش في الجاهلية، كان من المطعّمين لقريش يوم بدر، وقتل بها. مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 39، المرصفي:
رغبة الآمل 8/ 286، وقد سبقت ترجمته ص 226.
(4) ورقة بن نوفل الأسدي القرشي، كان ممن قرأ الكتب، وكان من علماء الناس.
شاعرا، طلب الدين، فتنصر. مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 54، اليعقوبي: تأريخ 1/ 257، ابن حبيب: المحبر ص 237.
(5) الوليد بن المغيرة المخزومي، من حكام قريش وزعمائها، ومن زنادقتها، عادى الإسلام، وقاوم الدعوة. ابن حبيب: المحبر ص 161، ابن قتيبة المعارف ص 552.
(6) عامر بن الظّرب العدواني، من شعراء العرب وخطبائهم وحكمائهم، عاش مائتي سنة. السجستاني: المعمرون ص 56، ابن حبيب: المحبر ص 237، الشهرستاني: الملل والنحل 2/ 242.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) عفيف بن معدي كرب الكندي، كان اسمه شراحيل، فسمي عفيف لتحريمه الخمر.
ابن حبيب: المحبر ص 239، الشهرستاني: الملل والنحل 2/ 243.
(9) في أ: المعدي. المعيدي: نسبة إلى معدي كرب بن معاوية بن جبلة. ابن الكلبي:
نسب معد 1/ 140بتصرف.(1/249)
(حركة الردة) (1):
ولما كان بعد استخلافه بعشرة أيّام ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام وكفروا بالزكاة، وقالوا: قد كنّا وأموالنا لمحمد فما لابن أبي قحافة (2) يسألنا أموالنا، والله لا نعطيه منها شيئا أبدا، فمنعوا أبا (3) بكر الزكاة، وكفروا بها. فاستشار أبو بكر أصحاب (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فأجمع رأيهم جميعا على أن يتمسكوا بدينهم، وأن يخلوا (5) بين الناس وبين ما اختاروا لأنفسهم، وظنّوا أنّه لا طاقة لهم بمن ارتد منهم عن الإسلام، لطول ما قاسى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهاده إياهم، وما لقي من التكذيب والأذى والشدة والمشقّة والمكروه (6)، مع كثرة عددهم، وشدة / شوكتهم [10/ أ] حتى دخلوا في الإسلام كلهم قبل وفاته. فلمّا ارتدوا بعده تخوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (7) من أمرهم، فقال أبو بكر: والله لو لم أجد أحدا يؤازرني لجاهدتهم بنفسي وحدي، حتى أموت أو يرجعوا إلى الإسلام،
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب، ج: قد كنا ندفع أموالنا إلى محمد فما بال ابن أبي قحافة.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: أبو.
(4) منهم عمر بن الخطاب كما جاء من حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبي قبول الفرائض (فتح الباري) 12/ 275رقم (6924).
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل يخلفوا.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل المكروب.
(7) في أ، ب، ج: رسول الله.(1/250)
ولو منعوني عقالا (1) مما كانوا يعطونه لرسول (2) الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم حتى ألحق الله به (3).
فخرج إلى قتال أهل الرد، وذلك في سنة إحدى عشرة، واستخلف على المدينة سنان (4) الضّمري (5)، فلم يزل يحاربهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمقبل (6) من المسلمين حتى عادوا جميعا إلى الإسلام، ودخلوا فيما كانوا خرجوا منه.
وفي سنة إحدى عشرة أيضا وجه خالد بن الوليد (7) إلى طليحة
__________
(1) عقالا: العقال، الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في إبل الصدقة لأن على صاحبها التسليم، وإنما يقع القبض بالرباط. ابن الأثير: النهاية 3/ 380، وفي رواية البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى الفرائض وما نسبوا إلى الردة، رقم (6925)، عناقا: والعناق هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. ابن الأثير: النهاية 3/ 311.
(2) في أ، ب، ج: رسول الله.
(3) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: بهم. وقد أخرج هذا الأثر مسلم: الصحيح، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، رقم (20) مع اختلاف يسير.
(4) في أ، ب، ج: سنانا. ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 659، وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 309، وابن حجر: الإصابة 3/ 136مختصرا.
(5) الضمري: منسوب إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، بطن كبير من قريش، بلادهم سيف البحر. الهمداني: عجالة المبتدي ص 83.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وبالمقبول.
(7) خالد بن الوليد المخزومي، سيف الله، من كبار الصحابة، وكان إسلامه بين(1/251)
ابن خويلد (1) في بني أسد (2)، وبني فزارة (3)، فالتقوا [ببزاخة] (4)، فهزمه (5)، وقتل نفر من أصحابه، وفر طليحة فنجا بنفسه، وحسن إسلامه بعد (6).
وفيها بعث خالد بن الوليد أيضا (7) إلى مسيلمة (8) باليمامة (9)، فقتل
__________
الحديبية والفتح، وكان أميرا على قتال الردة وغيرها من الفتوح، إلى أن مات سنة إحدى وعشرين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 427، ابن حجر: الإصابة 2/ 98.
(1) طليحة بن خويلد الأسدي، أسلم ثم ارتد، وهرب إلى الشام بعد أن هزم في (بزاخة)، ثم قدم زمن عمر رضي الله عنه فأسلم، وأبلى في الفتوح، استشهد بنهاوند سنة إحدى وعشرين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 773، ابن حجر: الإصابة 2/ 296.
(2) بنو أسد: حي من بني خزيمة من العدنانية، وهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة.
القلقشندي: نهاية الأرب: ص 37.
(3) بنو فزارة: بطن من دبيان، من غطفان، من القحطانية. وهم بنو فزارة بن ذبيان.
القلقشندي: نهاية الأرب: ص 392.
(4) ليست واضحة في جميع النسخ، والتصويب من خليفة: تاريخ ص 103، الطبري:
تاريخ 3/ 255. وبزاخة: ماء لبني أسد، من وراء النباح قبل طريق الكوفة. ياقوت:
معجم البلدان 1/ 408، محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 47.
(5) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فهزموه.
(6) تفاصيل ردة طليحة والقضاء عليها عند خليفة: تاريخ ص 103102، والطبري:
تاريخ 4/ 261253.
(7) أيضا: ليست في ب.
(8) مسيلمة بن حبيب، يكنى: أبا ثمامة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة، ولما عاد إلى اليمامة ارتد وتنبأ، قتل وهو ابن مائة وخمسين سنة. ابن هشام: السيرة 4/ 222، ابن قتيبة: المعارف ص 405، السهيلي: الروض الأنف 4/ 225.
(9) اليمامة: سميت باليمامة بنت سهم بن طسم، وكان اسمها قديما: جوّا، والعروض، قلب جزيرة العرب بين سراتها وعروضها، وبين الربع الخالي وبلاد طيء. ياقوت:(1/252)
مسيلمة، وافتتح اليمامة صلحا، صالحه عليها مجاعة بن مرارة (1)، واستشهد باليمامة ألف ومائتا رجل من المسلمين، منهم سبعمائة (2) جمعوا القرآن. وقيل: ألف وأربعمائة (3).
وفيها بعث أبو بكر المهاجر بن أبي أمية (4) إلى اليمن، فأسر (5)
الأشعث بن قيس (6)، فكان الأشعث أبا أن يبايع أبا بكر، فحاربه المهاجر حتى استأمنه، فأمّنّه على حكم أبي بكر، وبعث به إليه، وافتتح حصن النّجير (7) صلحا (8).
__________
معجم البلدان 5/ 442، ابن خميس: معجم اليمامة 2/ 471.
(1) انظر ابن سعد: الطبقات 5/ 550، خليفة: تاريخ ص 110. مجاعة بن مرارة الحنفي، كان من رؤساء بني حنيفة، أسلم ووفد، عاش إلى خلافة معاوية. البخاري: التأريخ الكبير 8/ 44،. ابن حجر: الإصابة 6/ 42.
(2) لم أقف عليه عند غير المؤلف.
(3) لم أقف عليه عند غير المؤلف.
(4) المهاجر بن أبي أمية المخزومي، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات كندة والصدف، ثم ولاه أبو بكر اليمن. ابن عبد البر الاستيعاب 4/ 1452، وابن حجر:
الإصابة 6/ 144.
(5) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: فسأل.
(6) الأشعث بن قيس الكندي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة فأسلم، ثم ارتد، ثم رجع إلى الإسلام، شهد مع علي صفين، ومات في آخر سنة أربعين بعد قتل علي بقليل. خليفة: الطبقات ص 71، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 133.
(7) التصويب من ج، وفي الأصل وأ، ب: الحير. والنّجير بالتصغير، كان حصنا لكندة بحضرموت، وهو اليوم بقايا أطلال يقع في شمالها الغربي على مسافة ستين كيلا.
ياقوت: معجم البلدان 5/ 272، محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 287.
(8) تفاصيل ردة كندة والقضاء عليها عند خليفة: تاريخ ص 116، الطبري: تاريخ(1/253)
وأقام الحج فيها [للنّاس] (1) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).
وفي سنة اثنتي عشرة أتي بسبي النّجير من اليمن (3)، وكان الأشعث بن قيس معهم، فجعل يكلم أبا بكر وهو في الحديد، وأبو بكر يقول له:
فعلت وفعلت، فقال له الأشعث: استبقني لحربك وزوجني أختك، ففعل أبو بكر ذلك (4)، وهي أم فروة (5).
(فتوحات خالد بن الوليد في العراق) (6):
وفيها (7) ورد على خالد بن الوليد [وهو باليمامة] (8) كتاب أبي بكر رضي الله عنه يأمره بالسير إلى العراق، لقتال (9) الفرس، فوجه (10) به إليه مع
__________
3/ 342330.
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) خليفة: تاريخ، ص 117.
(3) ورد في جميع النسخ: البحرين وهو تحريف.
(4) الطبري: تاريخ 3/ 339، الكلاعي: الاكتفا (تحقيق: أحمد غنيم) ص 2238.
(5) أم فروة بنت أبي قحافة، بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولدت للأشعث: محمدا، وإسحاق، وحبابة، وقريبة. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1949، ابن الأثير: أسد الغابة 7/ 377.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) الضمير عائد إلى سنة اثنتي عشرة. الطبري: تاريخ 3/ 343.
(8) الزيادة من: أ، ب.
(9) في ب: وليقاتل.
(10) في أ: فوجهه.(1/254)
أبي (1) سعيد الخدري (2) رضي الله عنه، فخرج من اليمامة بمن معه من المسلمين نحو العراق، ففتح في طريقه ذلك حصونا إلى أن وصل الحيرة (3)، فخرج إليه رادية (4) صاحب كسرى (5)، وقاتلهم (6) قتالا شديدا بجماعته، وهزمهم خالد. فلما رأى ذلك أصحاب الحيرة، خرجوا إلى [خالد] (7)، وفيهم عبد المسيح بن عمرو بن (8) جديلة (9)، فاستقبل عبد المسيح خالدا، فقال له
__________
(1) في ب: أبا.
(2) أبو سعيد الخدري: هو سعيد بن مالك الأنصاري، شهد ما بعد غزوة أحد، مات سنة ثلاث وستين، وقيل: أربع وستين. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1671، ابن حجر: تقريب ص 232، وابن أعثم: الفتوح 1/ 36.
(3) الحيرة: تقع في العراق، كانت قاعدة المناذرة، بين النجف والكوفة. شراب: المعالم الأثيرة ص 105.
(4) في ج: زاديه. وعند الطبري 3/ 359: آزاذبة، كان مرزبان الحيرة، وقد بلغ نصف الشرف، وكان قيمة قلنسوته خمسين ألفا.
(5) في الأصل: بجماد، والتصويب من: أ، ج، وفي ب: في جماعته.
(6) في أ، ب، ج: فقاتلهم.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل، وأ، ب: الوليد.
(8) عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الأزدي، كان هو وأهل بيته بالحيرة، وهو الذي صالح خالد عن أهل الحيرة، وهو من المعمرين. البلاذري: فتوح ص 244، ابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 374، ابن دريد: الاشتقاق ص 485.
(9) في ب، ج: نفيلة، وفي أ: نفيسة، وعند الطبري: تاريخ 3/ 360برواية سيف:
عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث، وهو بقيلة، وإنما سمي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا له: ما أنت إلا بقلة خضراء.(1/255)
خالد حين لقيه: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: ويحك! في أي شيء أنت؟ قال في ثيابي (1)، قال: ويحك! على أي شيء أنت؟ قال:
على وجه الأرض (2)، قال: ويحك! أتعقد؟ قال: نعم / وأربط، قال:
ويحك! [10/ ب] إنما أكلمك بكلام الناس، قال: وأنا أجيبك بجواب الناس، قال: ويحك! أسلم أنت أم حرب؟ قال: بل سلم، قال: فما بال الحصون التي [أرى] (3)؟ قال: بنيناها (4) لأجل الفتنة التي كانت بين أهل هذه الجهات. ثم إنا تذاكرنا (5) الصلح، فاصطلحنا على مائة ألف (6)
يؤديها أهل الحيرة (7) إلى [المسلمين] (8) في كل سنة، فكان أول مال دخل (9) من أرض [العراق] (10) إلى المدينة. وقال خالد لأهل الحيرة:
__________
(1) (في ثيابي) سقطت من: ب.
(2) في أ: على ظهر الأرض، وفي ب، ج: على ظهر وجه الأرض.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، والطبري 3/ 345، وفي الأصل: بيني هنا.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بناها.
(5) عند البلاذري: فتوح البلدان ص 244ثم تذاكرا ولعلها هي الصواب.
(6) البلاذري: فتوح البلدان ص 224، وابن أعثم: الفتوح 1/ 80، وعند خليفة: تاريخ ص 118تسعون ألفا، وعند الطبري: تاريخ 3/ 345، 364تسعون ومائة ألف درهم.
(7) في أ، ج: الحرب.
(8) في جميع النسخ: الفرس، والصواب ما أثبته.
(9) في أ: أدخل.
(10) التصحيح من الطبري: تاريخ 3/ 345، وفي جميع النسخ: الحجاز.(1/256)
صالحناكم على أن لا تبغونا (1) غائلة (2)، وأن تكونوا لنا أعوانا (3) على أهل فارس. فأقروا به (4)، ففعلوا. وكان ظهور المسلمين أحب إليهم من الفرس.
وحج بالناس أبو بكر رضي الله عنه، واعتمر في رجب، واستخلف على المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (5).
وقيل: عثمان بن عفان رضي الله عنه (6).
(فتوح الشام في عهد أبي بكر) (7):
ولما قفل من حجه ذلك وجه أبا عبيدة بن الجراح إلى الشام، وعمرو بن العاص (8)، ويزيد بن أبي سفيان (9)، وشرحبيل بن
__________
(1) في ج: تبغوا.
(2) لا تبغونا غائلة، أي لا تريدون لنا شرا، ولا خديعة. ابن منظور: لسان العرب 11/ 512 (غيل) بتصرف.
(3) في أ، ب، ج: عونا. وعند البلاذري: فتوح ص 245: عيونا.
(4) في أ، ب، ج: بذلك؟.
(5) خليفة: تاريخ ص 119.
(6) الطبري: تاريخ 3/ 386عن الواقدي، والخبر سقط من: ج.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) عمرو بن العاص بن وائل السهمي، أسلم سنة ثمان، افتتح مصر ووليها مرتين، مات سنة ثلاث وأربعين. خليفة: الطبقات ص 25، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1164.
(9) يزيد بن أبي سفيان الأموي، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا، واستعمله عمر على دمشق حتى مات بها في طاعون عمواس. ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار ص 67، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1575.(1/257)
حسنة (1)، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء (2).
وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق أن يمد (3) أهل الشام، [فأمدّهم] (4)، فمنهم من قال: جعله أميرا عليهم (5) فسار خالد [ابن الوليد من الحيرة] (6) إلى الشام، فأغار على الأنبار (7) في طريقه، ثم على غسّان (8) بمرج راهط (9)، فقتل منهم وسبى، وصالح عامّتهم، وأسلموا. فسار (10) فترل على قناة بصرى (11). وقدم عليه يزيد بن أبي
__________
(1) شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي، أمه حسنة، هاجر إلى الحبشة، معدود في وجوه قريش، مات سنة ثماني عشرة. ابن عبد البر الاستيعاب 2/ 698، ابن حجر:
تقريب ص 265.
(2) البلقاء إقليم في الأردن، تتوسطه مدينة عمّان، يحده من الشمال إقليم حوران، ومن الجنوب إقليم الشراة، ويشرف على الغور الأردني غربا، ويتصل ببادية الشام وصحراء العرب شرقا. البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 49.
(3) في ج: تمد.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) انظر البلاذري: فتوح ص 117، وابن أعثم: الفتوح 1/ 107.
(6) الزيادة من: ب، ج.
(7) الأنبار: مدينة على الفرات في غربي بغداد: ياقوت: معجم البلدان 1/ 257.
(8) غسان حي من الأزد من القحطانية، سمو بماء نزلوه اسمه غسّان، سكنوا البلقاء، وحمص، والجم الغفير منهم في اليرموك. القلقشندي: نهاية الأرب ص 348.
(9) مرج راهط: موضع بنواحي دمشق. ياقوت معجم: البلدان 5/ 101.
(10) في أ، ب، ج: ثم سار.
(11) بصرى: كانت كبرى مدن إقليم حوران، وهي اليوم في أراضي سورية، وبها آثار.
محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 48.(1/258)
سفيان، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى، وكانت (1) أول مدائن الشام فتحت (2).
(وقعة أجنادين) (3):
ثم ساروا قبل (4) فلسطين، فالتقوا بالروم بأجنادين (5)، بين الرملة (6)
وبيت جبرين (7) والأمراء كل على حدة. وقيل كان عمرو بن العاص الوالي، وكان هؤلاء مددا له (8). فهزم الله المشركين، وكان الفتح بأجنادين في جمادى الأولى لليلتين بقيتا (9) منه، يوم السبت (10) نصف
__________
(1) في أ، ب، ج: فكانت.
(2) الأزدي: فتوح الشام ص 82، الطبري: تاريخ 3/ 417.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في ب: واقبل.
(5) أجنادين: تقع في أراضي خربتي = جنابة الفوقا = و = جنابة التحتا =، في ظاهر قرية عجّور الشرقي، من أعمال الخليل. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 20.
(6) الرملة: مدينة عظيمة بفلسطين، أنقذها صلاح الدين من يد الصليبيين سنة 587هـ، ثم خربت سنة 1367هـ عندما أحاطت بها قوى العدوان من كل أقطارها. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 130.
(7) في جميع النسخ: بيت جبريل، وهو تحريف، والتصويب من تأريخ خليفة ص 119، والطبري: تاريخ 3/ 417، وبيت جبرين: بليد بين بيت المقدس وغزة. ياقوت:
معجم البلدان 1/ 519.
(8) خليفة: تاريخ ص 119عن ابن إسحاق.
(9) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: بقيت.
(10) الطبري: تاريخ 3/ 419418برواية المدائني، اليعقوبي: تأريخ ص 134.(1/259)
النهار، سنة ثلاث عشرة (1)، قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة (2)، وهي أول وقعة عظيمة كانت بالشّام، قتل المسلمون من الروم في المعركة ثلاثة آلاف، وأتبعوهم يأسرونهم ويقتلونهم، وخرج [فلّ] (3) الروم [فلحقوا] (4) بإلياء (5) وقيسارية (6) ودمشق (7) وحمص (8)، وتحصّنوا في المدائن العظام، وقتل يومئذ من المسلمين إبّان ابن سعيد (9)، وسلمة ابن
__________
(1) التصويب من أ، ج، وفي الأصل، وب: ثلاثة عشرة.
(2) لأن وفاته كانت ليلة الثلاثاء، لثمان ليال بقين من جمادى الآخر سنة ثلاث عشرة.
انظر ابن سعد: الطبقات 3/ 202، أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 169، ابن عساكر:
تهذيب تأريخ دمشق 1/ 145عن الواقدي.
(3) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: قبل.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: إيكيا وهو تحريف، إيلياء، بكسر أوله وكسر اللام، اسم مدينة بيت المقدس. ياقوت: معجم البلدان 1/ 293.
(6) التصويب من أ، ب، ج: وفي الأصل: قياسرة. قيسارية: مدينة قديمة على ساحل فلسطين. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 228.
(7) دمشق: قصبة الشام، تمتاز بحسن عمارتها، ونضارة بقعتها، وكثرة مياهها، انظر:
ياقوت: معجم البلدان 2/ 463.
(8) حمص: بلد مشهور قديم كبير مسور، وهي بين دمشق وحلب، ياقوت: معجم البلدان 2/ 302.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل والنسخ الأخرى: سعد. إبان بن سعيد بن العاص الأموي، كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين.
خليفة: الطبقات ص 198، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 62.(1/260)
هشام المخزومي (1)، ونعيم بن صخر بن عدي (2)، وهشام بن العاص (3)، أخو عمرو بن العاص، وهبّار بن سفيان (4)، وعبد الله بن عمرو ابن الطّفيل، ذي النور الأزدي (5). وكانوا من فرسان المسلمين من أهل النجدة والشدة (6) رحمهم الله.
__________
(1) سلمة بن هشام بن المغيرة، من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، وكان من خيار الصحابة وفضلائهم، ابن سعد: الطبقات 4/ 131130، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 643، المخزومي: ينسب إلى مخزوم بن يقظة بن مرة، بطن كبير من قريش، منهم جماعة من الصحابة وعامتهم بالحجاز. الهمداني: عجالة المبتدي ص 112.
(2) هكذا عند ابن أعثم: الفتوح 1/ 117، ولم أقف على ترجمته.
وعند خليفة: التأريخ ص 120، والطبري: تاريخ: 3/ 418، نعيم بن عبد الله النحّام، وذكر الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 83: نعيم بن النحام، وصخر بن نصر العدويّان.
(3) هشام بن العاص السهمي، من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة بعد الخندق. ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار ص 32. الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 103.
(4) هبّار بن سفيان بن عبد الأسد، من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1536، ابن الأثير: أسد الغابة 5/ 385.
(5) عبد الله بن عمرو بن الطّفيل، ذي النور، الأزدي، ثم الدوسي، كان من فرسان المسلمين وأهل الشدة والنجدة، استشهد يوم أجنادين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 956، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 245. الأزدي: هذه النسبة إلى أزد شنوءة، وهو أزد بن الغوث بن نبت، بن مالك ابن زيد بن كهلان بن سبأ. ابن الأثير اللباب 1/ 46.
(6) في ب: والسيرة.(1/261)
وكتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر رضي الله عنه يعلمه بالفتح:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله أبي بكر، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، / من خالد بن الوليد سلام عليكم وبعد، فإني أحمد الله إليك (1) [11/ أ] الذي لا إله إلا هو، وأخبرك أيّها الصّدّيق أنا التقينا نحن والمشركين، وقد جمعوا لنا جموعا [جمة] (2) كثيرة بأجنادين، وقد رفعوا صلبانهم، ونشروا (3)
كتبهم، وأقسموا (4) بالله لا يفرّون حتى يفنونا، أو يخرجونا من بلادهم (5)، فخرجنا إليهم واثقين بالله، متوكّلين على الله، فطاعنّاهم (6) بالرماح، ثم صرنا إلى السيوف فقارعناهم بها، ثم إن الله تعالى أنزل نصره، [وأنجز وعده] (7) وهزم الكافرين، فقاتلناهم (8) في كل فجّ (9)، وشعب (10)، فأحمد
__________
(1) (إليك) سقطت من: ب.
(2) الزيادة من: أ، ب.
(3) في ب: ورفعوا.
(4) في ب، ج: وتقاسموا.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ولا يفنونا، أو يخرجون من بلادنا.
(6) في أ: فطعناهم.
(7) الزيادة من: ج.
(8) في أ: فقتلناهم، وفي ب: وقاتلناهم.
(9) الفج: الطريق الواسع بين الجبلين. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 257 (فجج).
(10) الشعب: الطريق في الجبل، ومسيل الماء في بطن أرض، أو ما انفرج بين الجبلين.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 130 (شعب).(1/262)
الله على إعزاز دينه، وإذلال عدوه، وحسن الصّنع لأوليائه (1)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).
وبعثه إليه مع عبد الرحمن بن حنبل الجمحي (3)، فجاء بالكتاب حتى قدم به على أبي بكر رضي الله عنه، فلمّا قرأه أبو بكر فرح به، وأعجبه (4)، وقال: الحمد لله الذي نصر المسلمين، وأقرّ عيني بذلك.
(وقعة مرج الصّفر) (5):
ثم التقوا مع الدّرنجار (6)، وكان بعثه ملك الروم في خمسة آلاف رجل من أهل القوة [والشدة] (7) منهم، ليغيث أهل (8) دمشق، وانضاف إليهم أكثر منهم، فهزم الله الدرنجار، وقتل المسلمون منهم وأسروا، وكان ذلك يوم (9) مرج الصّفر (10) يوم الخميس لاثنتي (11) عشرة ليلة بقيت من
__________
(1) في ب: بأوليائه.
(2) الأزدي: فتوح الشام ص 80بنحوه، وانظر ابن أعثم: الفتوح 1/ 118.
(3) عبد الرحمن بن حنبل الجمحي مولاهم، من مسلمة الفتح، شهد فتح دمشق، ثم شهد الجمل مع علي، ثم صفين فقتل بها. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 325، وابن حجر: الإصابة 4/ 157.
(4) انظر ابن أعثم: الفتوح 1/ 118.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في ب: الدرنجان، وعند الطبري: تاريخ 3/ 406: أدرنجار، ولم أجد له ترجمة.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: لغيث لأهل.
(9) (وكان ذلك يوم) سقطت من: ب.
(10) مرج الصفّر: بالضم، وتشديد الفاء، وهو سهل واسع على مسافة 37كيلا جنوب دمشق. انظر: ياقوت: معجم البلدان 5/ 101، محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 248.
(11) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل، وأ: لاثني.(1/263)
جمادى الآخرة (1)، قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربعة أيام.
(مناقبه) (2):
واتفقت العلماء والصحابة رضي الله عنهم أن أبا بكر رضي الله عنه أولى بالخلافة، وأحق بالتقدمة (3)، لأنّه أول من أسلم (4)، وفيه اختلاف.
قبل الدين من غير امتناع منه على النبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه (5) إليه، ثم أحسن معاونته ومؤازرته، فبذل (6) نفسه، وأنفق ماله، وناصب (7) قومه وأسرته، وترك عزه ورئاسته.
وكان قبل إسلامه ذا جاه عريض، ومال كثير، وكان يقري الأضياف، ويحمل الكلّ (8)، ويكسب المعدوم (9)، ويعين على نوائب
__________
(1) في ب، ج: الأخيرة. خليفة: تاريخ ص 120، وفي رواية أبي مخنف أن وقعة المرج بعد أجنادين بعشرين ليلة. البلاذري: فتوح ص 125.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: وأولى بالتقدم.
(4) أخرجه الترمذي: السنن مع شرحه التحفة 10/ 151بنحوه، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 965بإسناده إلى إبراهيم النخعي.
(5) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: دعا.
(6) في ب: قبل.
(7) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: ونصب.
(8) الكلّ: بفتح الكاف، هو ما لا يستقل بأمره. ابن حجر: فتح الباري 1/ 33.
(9) في أ: المعدم.(1/264)
الحق (1)، مغشي الجناب (2)، مجبول (3) بأثر (4) الإسلام على هذه المآثر، وتخلّا عن تلك الفضائل والمفاخر، ولزم النبي صلى الله عليه وسلم (5)، ولم يفارقه في حضر ولا سفر (6)، ولا في حال عسر ولا يسر (7).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [جلس] (8) جلس أبو بكر رضي الله عنه [عن يمينه] (9). وإذا وقف تنحّا (10) أصحابه ولم يقف معه (11) أحد إلا أبا (12)
__________
(1) يعين على نوائب الحق: يعين على من نزل به أمر، بذكر تيسيره عليه، وتهوينه لديه.
ابن حجر: فتح الباري 1/ 34. قال له ذلك ابن الذغنة حين شاهده خارجا من مكة يريد الهجرة إلى الحبشة، فرده وجعله في جواره. أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده (فتح الباري 4/ 475) رقم (2297)، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (فتح الباري 7/ 230) رقم (3905).
(2) مغشي الجناب: أي سهل القرب، ابن منظور: لسان العرب 1/ 278 (جنب) بتصرف.
(3) في أ، ب، ج: مقبول. مجبول بأثر الإسلام: أي عظيم به على تلك المآثر التي نشأ عليها قبل إسلامه. ابن منظور: لسان العرب 11/ 98 (جبل) بتصرف.
(4) في أ: بمآثر.
(5) (صلى الله عليه وسلم) ليست في: ب.
(6) في أ: في حضره ولا سفره، وفي ب: في حصر ولا سفر.
(7) في أ: عسره ولا يسره.
(8) الزيادة من أ، ب، ج.
(9) الزيادة من أ، ب، ج.
(10) في أ، ب، ج: تنحى.
(11) سقطت (معه) من: ب.
(12) في أ، ب، ج: أبو بكر.(1/265)
بكر، وإذا دعا فأبو بكر يؤمّن على دعائه. وإذا نزل أمر جليل فأراد أن يستشير أصحابه، دعا أبا بكر فكان أول من يستشير. وإذا صلى كان أبو بكر خلفه، محاذيا له، لا يقف ذلك الموقف غيره. وإذا حضرت الحرب قدّم النّاس وأجلس أبا بكر معه، وكان يوم بدر معه في العريش (1). وهذه رتبة لم يحزها غيره من الصحابة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقينّ في المسجد (2) باب / إلا سدّ، إلا باب أبي (3) بكر» (4). [11/ ب].
وقال لعبد الرحمن بن أبي بكر حين ثقل: «ائتني بكتف (5) حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه بعدي أبدا (6)، فلما قام (7) عبد الرحمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأبى الله، والمؤمنون أن يختلفوا (8) على أبي
__________
(1) الطبري: تاريخ 2/ 446، والعريش: هو مضلّ صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 190.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: مسجدي.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبا بكر.
(4) أخرجه البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر» (الفتح 7/ 12) رقم (3654).
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بكتاب.
(6) ليست في أ، ب، وفي ج: لا يختلف فيه عليه بعدي.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أتى.
(8) في أ، ب: يختلف.(1/266)
بكر الصديق» (1).
«وأتت امرأة إلى رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها (3) أن ترجع إليه، قالت:
أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت قال: إن (4) لم تجديني فأتي أبا بكر» (5).
وصاحب (6) النبي صلى الله عليه وسلم في الغار (7) قال الله تعالى: {ثََانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمََا فِي الْغََارِ} (8) الآية، وهذا أمر لم يشاركه (9) فيه أحد من أصحاب النبيّ عليه السّلام، ولم يكن مثل (10) هذا الصاحب لنبي متقدّم.
__________
(1) أخرجه أحمد المسند 6/ 106بنحوه، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 310رقم (690): إسناده جيد.
(2) في أ، ج: النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأمرها.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فإن.
(5) أخرجه البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«لو كنت متخذا خليلا» 7/ 17رقم (3659)، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق 5/ 163رقم (2386).
(6) في أ، ج: وصحب.
(7) الغار: هو غار ثور، يقع في جبل ثور جنوب مكة. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 84.
(8) سورة التوبة: الآية رقم (40).
(9) في أ، ب، ج: يشركه.
(10) سقطت (مثل) من: ب.(1/267)
ألا ترى أن موسى عليه السلام لمّا سار (1) ببني إسرائيل، وتبعه فرعون، فلما خشوا أن يرهقهم قالوا: {فَلَمََّا تَرََاءَا الْجَمْعََانِ قََالَ أَصْحََابُ مُوسى ََ إِنََّا لَمُدْرَكُونَ (61) قََالَ كَلََّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} (62) (2)، ولم يقل: [إن] (3) معنا ربنا، أو معي (4) يوشع بن نون، أو فلان لبعض خواصّه، فقوله: {إِنَّ اللََّهَ مَعَنََا} (5) يخبر عن جلالة أبي بكر، وقرب موضعه من نبيه عليه السلام، واتصال حاله بحاله، ولذلك كان يدعى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم [دون سائر أصحابه] (6) (7).
(مرضه، ومدة خلافته، ووفاته، وغسله، ودفنه، واستخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما) (8).
وابتدأ المرض بأبي بكر يوم الإثنين لسبع خلون من جمادى الأولى (9)، وكان سببه أنه اغتسل في يوم بارد، فحمّ خمس (10) عشرة ليلة
__________
(1) في الأصل: سرى، والمثبت من: أ، ب، ج.
(2) سورة الشعراء: الآيتان رقم (61، 62).
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في أ، ب، ج: أو معي، أو مع يوشع بن نون.
(5) سورة التوبة: الآية رقم: (40).
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 2/ 951، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 8/ 164
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) عند ابن سعد: الطبقات 3/ 202، والطبري: تاريخ 3/ 419: جمادى الآخرة.
(10) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل، ب: خمسة.(1/268)
لا يخرج إلى الصلاة، وكان يأمر عمر يصلّي بالنّاس، وكان الناس يعودونه، وهو يومئذ في داره التي [قطع] (1) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). فلماّ اشتد مرضه دعا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: انظروا كم أنفقت (3) من مال الله تعالى منذ ولّيت. فوجدوه قد أنفق ثمانية آلاف درهم، فقال:
اقضوها عليّ، فقضوها عنه (4).
كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال (5)، وتوفي رحمه الله تعالى (6) ورضي عنه ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى [الآخرة] (7) سنة ثلاث عشرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة (8). وأوصى أن تغسله زوجته (9)، وهي (10) أسماء بنت عميس (11)، فإن ضعفت فتستعين (12) بولده عبد
__________
(1) بياض في الأصل، وهي من: أ، ب، ج.
(2) ابن سعد: الطبقات 3/ 202، والطبري: تاريخ 3/ 419.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أنفقتم.
(4) لم أقف على هذا الأثر عند غير المؤلف.
(5) أخرجه أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 172بإسناد إلى أبي معشر. قال خليفة: تاريخ ص 122: كانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما.
(6) (تعالى) ليست في: أ، ب، ج.
(7) التصويب من: أ، وفي الأصل، وب، ج: جمادى الأولى، وقيل: جمادى الآخرة.
انظر ابن سعد: الطبقات 3/ 202، وخليفة: تاريخ ص 121.
(8) أخرجه الترمذي: السنن مع شرحه التحفة 10/ 136، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 11، وابن سعد: الطبقات 3/ 202.
(9) في أ، ب، ج: امرأته.
(10) الضمير ليس في: أ، ب، ج.
(11) أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها، وقد سبقت ترجمتها ص 245.
(12) في أ، ب، ج: استعانت.(1/269)
الرحمن، فغسلته أسماء (1)، ولم تستعن بولده (2). وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفن ليلا في بيت النبي عليه السلام (3)، وجعل رأسه عند كتفي النبي (4) صلى الله عليه وسلم (5). ونزل (6) في حفرته عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله (7)، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن ابنه رضي الله عنهم (8).
واستخلف عمر بعد مشورة [جماعة] (9) من المهاجرين والأنصار منهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد (10) بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، [وأسيد بن حضير في آخرين] (11).
__________
(1) أخرجه ابن سعد: الطبقات 2/ 203من طريق الواقدي مثله، وانظر الطبري: تاريخ 3/ 421.
(2) في أ، ب: به، جملة (ولم تستعن به) سقطت من: ج.
(3) أخرجه الحاكم المستدرك 3/ 66بإسناده إلى الواقدي، مثله، وابن سعد: الطبقات 3/ 207.
(4) في ب: الرسول.
(5) ابن سعد: الطبقات 3/ 209، الطبري: تاريخ 3/ 422.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأنزله.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: عبد الله.
(8) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 208، عن الواقدي مثله، أبو نعيم: معرفة الصحابة (1/ 169بدون إسناد.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل، وب: سعيد.
(11) الزيادة من: أ، ب، ج. وأسيد بن حضير الأنصاري، شهد العقبة الثانية، وهو من النقباء، شهد أحدا وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة عشرين. ابن عبد البر(1/270)
(ثناء علي بن أبي طالب عليه رضي الله عنهما) (1):
ولما توفي رضي الله عنه جاء علي [بن أبي طالب] (2) رضي الله عنه مسرعا باكيا، وقال: رحمك الله / يا أبا بكر، كنت والله أول الناس [12/ أ] إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدّهم يقينا، وأخوفهم لله، وأحوطهم على رسول الله عليه السلام (3)، وأحسنهم صحبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق (4)، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشبههم به هديا وخلقا، وسمتا (5)
وفضلا، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، صدّقت رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) حين كذّبه الناس، فسمّاك الله تعالى صدّيقا، فقال عز من قائل: {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ. وَصَدَّقَ بِهِ أُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (33) (7) وواسيته (8) حين بخلوا (9)، وقمت معه حين قعدوا،
__________
الاستيعاب 1/ 92، وابن حجر: الإصابة 1/ 48.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الزيادة من: أ.
(3) (عليه السلام) ليست في: أ، ب.
(4) (وأكثرهم سوابق) ليست في: أ، ب.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سمة.
(6) (صلى الله عليه وسلم) سقطت من: ج.
(7) سورة الزمر: الآية (33)، وانظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 15/ 256.
(8) التصويب من: ب، وفي الأصل: وانسته، وفي ج: وآسيته.
(9) التصويب من: ج، وفي النسخ الأخرى: تخلفوا.(1/271)
وصحبته (1) في الشدة أكرم الصحبة (2)، ثاني اثنين، وصاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكراهية (3)، وخليفته في أمّته بأحسن الخلافة، فقويت حين ضعف أصحابك (4)، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا (5)، وقمت بالأمر حين فشلوا، ومضيت بعزة الله حين وقفوا، كنت أطولهم صمتا، وأبلغهم قولا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، فحملت ثقل ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذا (6) سفلوا، وصبرت (7) إذ جزعوا.
كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزلزله القواصف، كنت
__________
(1) هكذا في أ، ب، ج، وفي الأصل: صاحبته.
(2) هكذا في أ، ب، ج، وفي الأصل: صحبته.
(3) هكذا في الأصل، وج، وفي أ، ب: الكره. مثال ذلك ثبوته يوم أحد، ويوم حنين يذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فر الناس.
(4) مثال ذلك: وقوفه القوي الحازم ضد مانعي الزكاة من المرتدين، وقوله: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها». البخاري:
(الصحيح مع الفتح) 12/ 275رقم (6925) كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض.
(5) (وهنوا) سقطت من: أ.
(6) هكذا في الأصل وج، وفي أ، ب: إذ.
(7) في أ، ب، ج: وسرت.(1/272)
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (1): ضعيفا في قولك، قويا في أمر دينك، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، محبوبا إلى أهل السموات وأهل الأرض، فجزاك الله عنّا وعن نفسك وعن الإسلام خيرا (2).
ثم قال حسّان بن ثابت [يرثيه] (3):
إذا تذكّرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البريّة أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثّاني (4) اثنين والمحبوب مشهده ... وأوّل النّاس منهم صدّق الرّسلا
وكان حبّ رسول الله قد علموا ... خير البريّة لم يعدل به رجلا (5)
(تسمية عماله) (6):
__________
(1) في أ، ب: عليه الصلاة والسلام.
(2) الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 4847مثله، وقال: رواه البزار، وفيه عمر بن إبراهيم الهاشمي، وهو كذاب.
(3) الزيادة من: ب، ج.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ثاني.
(5) وردت هذه الأبيات بنصها عند ابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 284، وابن قتيبة:
عيون الأخبار 2/ 151مع اختلاف في البيت الثالث، والثلاثة الأبيات الأولى عند الطبري: تاريخ 2/ 314، والأبيات دون الثالث عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 964، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 313، والقصيدة بتمامها في ديوان حسان 1/ 125مع اختلاف في الرواية.
(6) عنوان جانبي من المحقق.(1/273)
وتوفي رحمه الله ورضي عنه (1) وعامله على مكة [عتاب] (2) ابن أسيد بن أبي [العيص] (3) بن أمية بن عبد شمس، وكان تركه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، [وعثمان بن أبي العاص الثقفي (4) على الطائف (5)، وكان تركه النبي صلى الله عليه وسلم عليها] (6). والعلاء (7) بن الحضرمي (8) على
__________
(1) في أ، ب: رحمة الله عليه ورضوانه.
(2) الزيادة من أ، ب، ج. عتاب بن أسيد الأموي، أسلم يوم فتح مكة، مات يوم مات أبو بكر الصديق فيما ذكر الواقدي، لكن ذكر الطبري أنه كان عاملا لعمر على مكة سنة اثنتين وعشرين. ابن عبد البر الاستيعاب 3/ 1023، وانظر الطبري: تاريخ 4/ 160.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل، وأ: الغيط.
(4) عثمان بن أبي العاص، صحابي شهير، كان سبب إمساك ثقيف عن الردة حين ارتدت العرب، أبلى في الفتوحات في عهد عمر وعثمان، ومات في خلافة معاوية بالبصرة. خليفة: الطبقات ص 183، ابن عبد البر الاستيعاب 3/ 1035.
الثقفي: نسبة إلى ثقيف، واسم ثقيف عمرو بن منبه بن هوازن، من قيس عيلان بن مضر. انظر الهمداني: عجالة المبتدى ص 34، وابن دريد: الاشتقاق ص 301.
(5) الطائف: مدينة تقع جنوب شرق مكة، على مسافة تسعة وتسعين كيلا، وترتفع عن سطح البحر (1630) مترا. ياقوت: معجم البلدان 4/ 8، ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 170، وقد سبق التعريف بها ص 174.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج. وانظر خليفة: تاريخ ص 123، والطبري: تاريخ 3/ 427.
(7) العلاء بن الحضرمي، كان حليف بني أمية، عمل على البحرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، ومات سنة أربع عشرة، وقيل بعد ذلك، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1085، ابن حجر: تقريب ص 434، وقد سبق ترجمته ص 180.
(8) الحضرمي: منسوب إلى حضرموت بن قيس بن معاوية، وقال ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 460حضرموت بن يقطن، أخي قحطان. الهمذاني: عجالة المبتدى ص 49، وانظر: ابن عبد البر: الإنباه على قبائل الرواة ص 134.(1/274)
البحرين (1)، وكان تركه النبي عليه السلام عليها، وقيل: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وترك (2) على البحرين عاملا (3): أبان بن سعيد بن العاص (4)، وزياد بن لبيد (5) على حضرموت (6)، وكان تركه النبي صلى الله عليه وسلم عليها. ويعلى بن أمية (7)
على صنعاء (8). واختلف هل تركه النبي صلى الله عليه وسلم عليها أم لا؟ يقال له يعلى بن منية (9) وهي أمه، ينسب حينا إلى أبيه وحينا إلى أمّه، وهي عمة (10) عتبة
__________
(1) البحرين كان اسما لسواحل نجد، قصبته هجر، ثم أطلق على هذا الإقليم اسم الأحساء، ثم انتقل هذا الاسم إلى جزيرة كبيرة هي إمارة البحرين اليوم. ياقوت معجم البلدان 1/ 346، محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 44.
(2) (وتركه) ليست في: ب.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عامر وهو تحريف.
(4) خليفة: تاريخ ص 97، الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 175.
(5) زياد بن لبيد الأنصاري البياضي، شهد العقبة، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في أول خلافة معاوية. خليفة: الطبقات ص 101، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 533.
(6) حضرموت: إقليم مشهور من أقاليم جزيرة العرب، يقع على ساحل بحر العرب، معدود من اليمن. انظر: البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 100.
(7) يعلى بن أمية التميمي، أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك، شهد الجمل مع عائشة، وشهد صفين مع علي. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1585.
(8) صنعاء: صنعاء اليمن، مدينة عظيمة على سراة اليمن، وهي عاصمته. البلادي:
معجم المعالم الجغرافية ص 178.
(9) في ب: المنبه.
(10) انظر: ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 229، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1585.(1/275)
بن غزوان (1).
وكان / آخر ما تكلم به: توفني مسلما، وألحقني بالصالحين (2). [12/ ب].
__________
(1) عتبة بن غزوان بن جابر المازني، حليف بني عبد شمس صحابي جليل، مهاجري، شهد بدرا والمشاهد كلها، وهو أول من اختط البصرة، مات سنة سبع عشرة. انظر:
ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1026، ابن حجر: تقريب ص 381.
(2) الطبري: تاريخ 3/ 423.(1/276)
ذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (نسبه) (1):
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد (2) العزّى بن رباح بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، القريشي، العدوي (3)، يلتقي (4) مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأب الثامن [عند كعب بن لؤي] (5)، يكنى: أبا حفص (6)، ولقبه: الفاروق (7).
أمه: حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أخت أبي جهل بن هشام لعنه الله هذا نسبها (8)، ذكره (9) أبو القاسم:
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ: عبد الله العزى.
(3) العدوي: بفتح العين والدال المهملتين، هذه النسبة إلى عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. السمعاني: الأنساب 4/ 167.
(4) في أ، ج: يلقى النبي.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) الحفص: ولد الأسد، وبه كنّى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: الدولابي:
الأسماء والكنى 1/ 8، الفيروزأبادي: القاموس المحيط ص 794.
(7) لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتفريقه بين الحق والباطل. العامري: الرياض المستطابة ص 149.
(8) في أ، ج: هكذا نسبها.
(9) (ذكره) سقطت من: ب.(1/277)
عبد الله بن محمد البغوي (1) في معجمه (2)، ورواه عن محمد بن زهير (3)
المروزي (4)، عن صدقة بن سابق (5)، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحارث (6)، عن بعض آل عمر، أو بعض أهله، قال: كان عمر بن حنتمة (7) بنت هشام بن المغيرة، أخت أبي جهل [بن هشام] (8)، وكان
__________
(1) هو: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان، إمام حجة، بغدادي الدار والمولد والوفاة، وثقه الخطيب والذهبي، مات سنة 317هـ. الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 10/ 111، الذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 493.
البغوي: نسبة إلى بغشور، بليدة بين هراة ومرو الروذ. ابن الأثير: اللباب 1/ 133، وانظر: ياقوت: معجم البلدان 1/ 467.
(2) البغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 409ونقله ابن عساكر عن البغوي، بالإسناد نفسه. تأريخ دمشق (مخطوط) 12/ 709.
(3) محمد بن زهير، مجهول، يروي المراسيل والمقاطيع. انظر: ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 7/ 260، ابن حبان: الثقات 7/ 420.
(4) في أ، ب: المزواري. والمروزي: نسبة إلى مرو الشاهجان، أشهر مدن خراسان.
السمعاني: الأنساب 5/ 265، ياقوت: معجم البلدان 5/ 113.
(5) صدقة بن سابق الزمن كوفي، كنيته أبو عمرو، وهو الذي يقال له صدقة المقعد، مولى بني هاشم، روى عنه محمد بن نصر المروزي. انظر: ابن حبان: الثقات 8/ 320، والبخاري: التأريخ الكبير 4/ 298، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 4/ 434.
(6) عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش المخزومي المديني، ذكره ابن حبان في الثقات 7/ 69. توفي في أول خلافة أبي جعفر المنصور. البخاري: التأريخ الكبير 5/ 271، ابن حجر: تهذيب التهذيب 6/ 156.
(7) حنتمة بنت هاشم: كانت سوداء، وماتت كافرة. ابن حزم: أمهات الخلفاء ص 13، وانظر: المسعودي: مروج الذهب 2/ 313.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/278)
أبو جهل خاله.
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر في كتاب الاستيعاب (1) له: أن أم عمر: حنتمة بنت هاشم (2) بن المغيرة. وقد قالت طائفة (3) في أم عمر: أنها بنت هشام بن المغيرة، وذلك خطأ لأنه لو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام (4) بن المغيرة، وإنما هي بنت عمه لأن أبا جهل: ابن هشام بن المغيرة، وأم عمر بنت هاشم (5) بن المغيرة، فهاشم (6) جد عمر رضي الله عنه لأمه (7).
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1144رقم الترجمة (1878).
(2) التصويب من: ب، وفي الأصل وأ، ج: هشام.
(3) منهم: الطبراني: المعجم الكبير 1/ 18، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 191، ابن قتيبة: المعارف ص 180، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 313، ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار ص 5، الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 253.
(4) سقط من: أ، ب، ج.
(5) التصويب من: ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1144، وفي الأصل: هشام.
(6) هاشم بن المغيرة: يقال له: ذو الرمحين، ولا عقب له سوى حنتمة أم عمر رضي الله عنه. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 144، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1144.
(7) وأكدّ الحافظ ابن حجر: الفتح 7/ 44هذا الرأي، حيث قال بعد ما ذكر الخلاف في أم عمر: وهو تصحيف نبه عليه ابن عبد البر وغيره، وكذلك في الإصابة 4/ 279، حيث رجح القول بأن أم عمر هي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 265، كذلك بنت هاشم، وعند خليفة: الطبقات ص 22أيضا بنت هاشم، وعند ابن مؤرج السدوسي: حذف من نسب قريش ص 80كذلك حنتمة بنت هاشم، وعند ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 144أيضا بنت(1/279)
(ولادته، ومكانته في الجاهلية) (1):
ولد عمر رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة (2)، وكان إسلامه قبل الهجرة بأربع سنين (3)، وكان من أشراف (4) قريش، وإليه كانت السّفارة (5) في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانت إذا وقعت بينهم حرب (6)، أو بين غيرهم بعثوه سفيرا، وإن نافرهم منافر، وفاخرهم مفاخر، بعثوه منافرا ومفاخرا، ورضوا به (7). والمنافر [معناه] (8): أيّنا أعزّ نفرا.
أسلم بعد أربعين (9) رجلا وإحدى عشرة امرأة (10).
__________
هاشم، وعند ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 642كذلك بنت هاشم. هكذا وجدت كثيرا من النسابين ذكروا أنها بنت هاشم.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) خليفة: تاريخ ص 153، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1145.
(3) وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 269، عن الواقدي أسلم عمر في ذي الحجة السنة السادسة من النبوة.
(4) في الأصل، وأ، ب: أشرف، والمثبت من: ج.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: السقاية.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: حروب.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1145عن الزبير بن بكار. وابن الجوزي: مناقب عمر ص 11.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج. قال الجوهري: الصحاح 2/ 834المنافرة: المحاكمة في الحسب. يقال نافره منفرة ينفره، أي غلبه، فالمنفور: المغلوب، والنافر: الغالب.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أربعون.
(10) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1145.(1/280)
(إسلامه) (1):
قال ابن إسحاق: وكان سبب (2) إسلام عمر رضي الله عنه فيما بلغني، أن أخته فاطمة بنت الخطاب (3)، (4)، كانت قد أسلمت وأسلم زوجها (5) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وهما مستخفيان بإسلامهما (6) من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحّام (7) رجلا بمكة (8) من بني عدي بن كعب قد أسلم، وكان أيضا مستخفيا (9)
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) هذه الكلمة ليست عند ابن إسحاق. (ابن هشام: السيرة 1/ 343).
(3) فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها، أسلمت قديما هي وزوجها قبل عمر بن الخطاب، وقبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. ابن سعد: الطبقات 8/ 267، ابن حجر: الإصابة 8/ 161.
(4) سقط من جميع النسخ، وعند ابن إسحاق: وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. ابن هشام: السيرة 1/ 343.
(5) عند ابن إسحاق: بعلها. (ابن هشام: السيرة 1/ 343).
(6) التصويب من ابن إسحاق. (ابن هشام: السيرة 1/ 343)، وفي جميع النسخ: وهم مستخفون بإسلامهم.
(7) التصويب من ابن إسحاق. (انظر ابن هشام: السيرة 1/ 343)، وفي الأصل وأ:
النجام، وفي ب، ج: اللجام. وهو نعيم بن عبد الله، من السابقين إلى الإسلام، هاجر عام الحديبية، وشهد ما بعدها من المشاهد، استشهد في خلافة عمر بن الخطاب بالشام. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1508، ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 570.
(8) عند ابن إسحاق: من مكة، رجل من قومه. (ابن هشام: السيرة 1/ 343).
(9) عند ابن إسحاق: يستخفي. (ابن هشام: السيرة 1/ 343).(1/281)
بإسلامه فرقا (1) من قومه، وكان خباب بن الأرت (2) يختلف (3) إلى فاطمة بنت الخطاب يقرؤها القرآن، فخرج عمر يوما متوشحا لسيفه (4) / يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ورهطا من [13/ أ] أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت (5) عند الصفا (6)، وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء، ومع رسول الله] (7) عمه حمزة (8) بن عبد المطلب، وأبو بكر (9) الصديق، وعلي بن أبي طالب، في رجال من المسلمين (10) ممن كان أقام مع
__________
(1) فرقا: خوفا وفزعا. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1183 (فرق).
(2) خباب بن الأرت، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرا، ثم نزل الكوفة، ومات بها سنة سبع وثلاثين. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 437، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 591.
(3) التصويب من أ، ب، ج، وكذا عند ابن إسحاق. (ابن هشام: السيرة 1/ 343)، وفي الأصل: يختفي.
(4) التصويب من: ب، وعند ابن إسحاق (سيفه). (انظر ابن هشام: السيرة 1/ 343) وفي الأصل وأ، ج: السيف.
(5) هي دار الأرقم رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم مختفيا فيها بمن معه من المسلمين. الأزرقي: أخبار مكة 2/ 360، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 1/ 274.
(6) الصفا: أكمة صخرية، هي بداية المسعى من الجنوب ومنها يبدأ السعي. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 159.
(7) التكملة من أ، ب، ج، وكذا عند ابن إسحاق. (ابن هشام: السيرة 1/ 343).
(8) حمزة بن عبد المطلب، أسد الله، شهد بدرا، واستشهد يوم أحد عن تسع وخمسين سنة. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 369، ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 528.
(9) عند ابن إسحاق: ابن أبي قحافة. (ابن هشام: السيرة 1/ 344).
(10) عند ابن إسحاق: رضي الله عنهم.(1/282)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ولم يخرج إلى أرض الحبشة فيمن خرج (1)، فلقيه نعيم بن عبد الله، فقال له: أين تريد يا عمر؟ فقال (2): أريد محمدا هذا الصابيء (3) الذي فرق أمر قريش، وسفّه أحلامها، وعاب دينها، وسبّ آلهتها، فأقتله، فقال نعيم: والله لقد غرّتك نفسك من نفسك يابن الخطاب (4) أترى بني عبد مناف تاركيك (5) تمشي على وجه (6) الأرض وقد قتلت محمدا! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم (7) أمرهم؟ قال: وأي أهل بيتي؟ قال: [ختنك] (8) وابن عمك سعيد (9) بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وبايعا (10) محمدا صلى الله عليه وسلم (11) على دينه،
__________
(1) عند ابن إسحاق: ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة.
(2) في الأصل، وأ، ج: قال، والتصويب من: ب، (وسيرة ابن هشام 1/ 344).
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: الصبي. والتصويب من: سيرة ابن هشام: 1/ 344، والصابيء: الذي يخرج من دين إلى دين. الجوهري: الصحاح 1/ 59 (صبأ).
(4) عند ابن إسحاق: يا عمر.
(5) في الأصل: تاركونك، والتصويب من: نسخ أ، ب، ج، (وابن هشام: السيرة 1/ 344).
(6) (وجه) ليست في: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: وتقيم، والتصويب من: النسخ الأخرى و (سيرة ابن هشام).
(8) في الأصل والنسخ الأخرى: أختك، والتصويب من: (سيرة ابن هشام 1/ 344).
(9) سقط في جميع النسخ، وعند ابن إسحاق: ابن زيد.
(10) عند ابن إسحاق: وتابعا.
(11) (صلى الله عليه وسلم) ليست في أ، ب، ج.(1/283)
فعليك بهما، قال: فرجع عمر عامدا إلى أخته وزوجها (1) وعندهما خباب [بن الأرت] (2) معه صحيفة فيها (طه) (3) يقرئهما إيّاها. فلمّا سمعوا حسّ عمر، تغيّب خباب في مخدع (4) لهم [أو في بعض البيت] (5) وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصّحيفة فجعلتها تحت فخذها. وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما (6)، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة (7) التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت (8) شيئا، قال: بلى (9) والله لقد أخبرت أنكما بايعتما (10) محمدا على دينه، وبطش بزوج أخته (11) سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما
__________
(1) في أ، ب، ج، وكذا ابن إسحاق: ختنه.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج، وابن إسحاق.
(3) السورة 20من القرآن الكريم.
(4) المخدع: البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير. ابن الأثير: النهاية 2/ 14.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج، وكذا من ابن إسحاق.
(6) التصويب من ابن إسحاق، وفي جميع النسخ: إليهما.
(7) التصويب من: أ، ج، وكذا عند ابن إسحاق. وفي الأصل: هيمنة، وفي ب: همنة.
والهينمة: الصوت الخفي. الجوهري: الصحاح 5/ 2062 (هنم).
(8) في الأصل وب: قال ما سمعت، والتصويب من: أ، ج، وسيرة ابن هشام (1/ 344).
(9) (بلى) سقطت من: ب.
(10) عند ابن إسحاق: تابعتما.
(11) في أ، ب، ج: بختنه، وكذا عند ابن إسحاق.(1/284)
فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله وبرسوله (1)
فاصنع ما بدا لك. ولما رأى عمر ما بأخته (2) من الدم ندم على ما صنع، فارعوى (3)، وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم (4) تقرؤن (5)
آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد (6) وكان عمر كاتبا فلما قال ذلك، قالت له أخته: إنا نخشاك عليها، قال: لا تخافي (7)، وحلف لها بآلهته ليردنّها إليها إذا قرأها [إليها] (8). فلما قال ذلك، طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي، أنت (9) نجس، على شركك، وإنه (10) لا يمسها (11) ألا الطاهر (12)، فقام عمر فاغتسل (13)، فأعطته الصّحيفة، وفيها:
__________
(1) في أ، ب، ج: ورسوله، وكذا عند ابن إسحاق.
(2) التصويب من: أ، ج، وابن إسحاق، وفي الأصل: ما بدا من أخته، وفي ب: ما في أخته.
(3) التصويب من: ج، وابن إسحاق. فارعوى: كفّ عن الأمور. الجوهري: الصحاح 6/ 2359 (رعا)، والفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1663 (رعا).
(4) في أ: سمعتم.
(5) هكذا في الأصل وأ، وسقطت من: ب، وفي ج: تقرءان.
(6) التصويب من: أ، ب، وكذا عند ابن إسحاق، وفي الأصل، وج: محمدا.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وكذا عند ابن إسحاق، وفي الأصل: تخافيني.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج، ومن ابن إسحاق.
(9) عند ابن إسحاق: إنك.
(10) في الأصل: وإنها والتصويب من النسخ الأخرى، (وسيرة ابن هشام 1/ 344).
(11) في أ، ب، ج: يمسّه.
(12) في أ: المطهرون، وفي ب: المطهر.
(13) في ب: واغتسل.(1/285)
{طه} فقرأها، فلما قرأ منها [صدرا] (1)، قال: ما أحسن ذلك (2)، وما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه، فقال له: يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله تعالى (3) قد خصّك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم (4)، فإني سمعته (5) أمس وهو يقول: «اللهم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» / فالله الله يا عمر. فقال [13/ ب] له عند ذلك [عمر] (6): دلني عليه يا خباب (7)، أين هو محمد [حتى] (8) آتيه فأسلم.
فقال [له] (9) خباب: هو في بيت عند الصفا مع (10) نفر [من أصحابه] (11)
فأخذ عمر سيفه فتوشّحه، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته، قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج، ومن ابن إسحاق.
(2) (ما أحسن ذلك) ليست في: أ، ب، ج، ولا عند ابن إسحاق.
(3) (تعالى) ليست عند ابن إسحاق.
(4) (صلى الله عليه وسلم) ليست عند ابن إسحاق.
(5) في ب: إني سمعت.
(6) الزيادة من ابن إسحاق.
(7) في ب، ج: فدلني يا خباب على محمد، وكذا ابن إسحاق.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقال.
(9) الزيادة من ابن إسحاق.
(10) في ج: ومعه، وعند ابن إسحاق: معه فيه.
(11) الزيادة من: أ، ب، وابن إسحاق.(1/286)
فنظر من خلل (1) الباب، فرآه متوشّحا سيفه (2)، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشّحا في السيف (3)، فقال [له] (4) حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: إئذن (5) له، فإن (6)
جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن جاء يريد شرا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إئذن له، فأذن له [الرجل] (7)، ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه بالحجرة (8)، فأخذه بحجزته (9) فجمع رداءه (10)، ثم جذبه (11) [به] (12) جذبة شديدة، وقال (13): ما جاء بك يابن الخطاب؟ فو الله ما أرى أن (14) تنتهي
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وابن إسحاق، وفي الأصل: خلال. الخلل: بالتحريك، الفرجة بين الشيئين. الجوهري: الصحاح 4/ 1687 (خلل).
(2) عند ابن إسحاق: السيف.
(3) في ب: سيفه.
(4) الزيادة من: أ، ب.
(5) عند ابن إسحاق: فأذن.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إن جاء، وعند ابن إسحاق: فإن كان جاء.
(7) الزيادة من ابن إسحاق.
(8) سقطت هذه العبارة من: ب، وعند ابن إسحاق: في الحجرة.
(9) الحجزة: بالضم مقعد الإزار. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 652 (حجز).
(10) في أ: أو بجميع، وسقطت من: ب، وفي ج: وبجميع، وعند ابن إسحاق: أو بمجمع.
(11) عند ابن إسحاق: جبذة.
(12) الزيادة من: أ، ج، وابن إسحاق.
(13) التصويب من ابن إسحاق، وفي الأصل: فقال.
(14) (أن) سقط من: ب.(1/287)
حتى يترل الله بك قارعة (1) فقال (2) عمر: جئتك يا رسول الله (3) لأومن بالله وبرسوله وبما جاء به [من عند الله، قال] (4): فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف بها (5) أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم. فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم، وقد عزّوا (6) في أنفسهم حين أسلم عمر مع [إسلام] (7) حمزة وعرفوا أنهم سيمنعون (8)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما، وينتصفون (9) [بهما] (10)، من عدوّهم (11). فكان
__________
(1) قارعة: داهية. ابن الأثير: النهاية 4/ 45 (قرع).
(2) التصويب من ابن إسحاق، وفي جميع النسخ: قال.
(3) (يا رسول الله) ليست في: ب، وعند ابن إسحاق: يا رسول الله، جئتك لأومن.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج، وكذا عند ابن إسحاق.
(5) (بها) ليست في: أ، ب، ج، وليست عند ابن إسحاق.
(6) في الأصل: عزّوه، والتصويب من النسخ الأخرى وابن إسحاق.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج، ومن ابن إسحاق.
(8) في أ، ب، ج: أنهما سيمنعان.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ينتصفان.
(10) الزيادة من: أ، ب، ج، وكذا عند ابن إسحاق.
(11) هذا الخبر ذكره ابن إسحاق، دون إسناد. (ابن هشام: السيرة 1/ 346343).
وروى مثله ابن سعد: الطبقات 3/ 269267، والبيهقي: دلائل النبوة 2/ 219، كلاهما بإسناد فيه القاسم بن عثمان البصري، ضعيف، ومتنه منكر جدا. الذهبي:
ميزان الاعتدال 3/ 375.
كما ورد في قصة إسلامه رواية أخرى مفصّلة، شبيهة برواية ابن إسحاق، سوى الآيات التي قرأها، ففي رواية ابن إسحاق: قرأ في الصحيفة آيات من سورة طه، أما(1/288)
إسلامه عزا، أظهر (1) [الله] (2) به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم (3).
(مناقبه) (4):
وهاجر، فهو من المهاجرين الأولين، وشهد بدرا، وبيعة الرضوان وكلّ مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض (5).
__________
الرواية الأخرى ففيها أن الآيات من سورة الحديد. وهي عند أحمد: فضائل الصحابة 1/ 288285رقم (376)، والبزار: المسند 1/ 403400رقم (279)، والبيهقي: دلائل النبوة 2/ 218216، وذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 63نحوه باختلاف يسير، وقال: رواه البزار وفيه أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
ابن حجر: تقريب ص 9998، فهذه طرق يعضّد بعضها بعضا، فانجبر ما فيه من ضعف أسامة.
(1) في أ: ظهر.
(2) الزيادة من: ج.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1145.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1145ومن الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عنه، قوله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنّه عمر» أخرجه البخاري: (الصحيح مع الفتح) 7/ 42رقم (3689)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب» أخرجه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 85، وقال عقبه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي. وسنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 10/ 173وأحمد: المسند مع(1/289)
(استخلافه) (1):
بويع يوم مات أبو بكر رضي الله عنهما باستخلافه إيّاه. وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال له: أخبرني عن عمر فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، هو والله أفضل من رأيك فيه، ولكن فيه غلظة، فقال أبو بكر (3): ذلك لأنه يراني رفيقا، ولو أفضى الأمر إليه (4) لترك كثيرا مما هو عليه. يا أبا محمد، قد رمقته (5)، فرأيته إذا غضبت على الرجل أراني الرضى عنه (6). وإذا لنت (7) له أراني الشدة [عليه] (8)، لا تذكر له يا أبا محمد مما قلت لك شيئا، قال: نعم. ثم دعا بعثمان (9) ابن
__________
منتخب كتر العمال 4/ 154وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيح برقم (327). وشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّه يموت شهيدا بقوله: «أثبت أحد، فما عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان» البخاري (الصحيح مع الفتح) 7/ 42رقم (3686).
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (صلى الله عليه وسلم) ليست في: أ، ب.
(3) في ج: فقال ذلك أبو بكر.
(4) في الأصل وج: إليه الأمر، وما أثبته من أ، ب، ومن الطبري: تاريخ 3/ 428.
(5) رمقته: أتبعته بصري. إبراهيم الحربي: غريب الحديث 2/ 384.
(6) في ج: له.
(7) في أ، ب: لينت.
(8) الزيادة من: ج، ومن الطبري: تاريخ 3/ 428.
(9) في أ: عثمان.(1/290)
عفان رضي الله عنه، فقال: / يا أبا عبد الله أخبرني عن عمر (1)، فقال: [14/ أ] أنت أخبر به (2) مني، فقال أبو بكر: عليّ ذلك لتخبرني! فقال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وليس فينا مثله. فقال له [أبو بكر] (3): لو تركته ما [عذرتك] (4)، ولا أدري لعلي تاركه، والخيرة له أن (5) لا يلي أمركم، ولو وددت أنّي كنت خلوا من أمركم، وإني كنت ممن مضى من سلفكم، يا أبا عبد الله، لا تذكر له شيئا مما ذكرت لك. فلما اشتد مرضه دعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر المسلمين قد حضرني من قضاء الله تعالى ما ترون، وإذ (6) لا بد لكم من رجل يلي أمركم، ويصلي بكم، ويقاتل عدوكم، فإن شئتم اجتمعتم وائتمرتم، وإن شئتم اخترت لكم، فبالله الذي لا إله إلا هو لا آلوكم [ونفسي خيرا، فبكوا] (7) وقالوا:
أنت خيرنا وأعلمنا، فاختر لنا، فقال: إني اخترت لكم عمر بن الخطاب.
ثم (8) قال لعثمان: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به
__________
(1) (أخبر به) سقط من: ب.
(2) (به) سقطت من: ج.
(3) الزيادة من: أ، ج.
(4) التكملة من: ج، وفي أ، ب: عذتك، وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 199، والطبري:
تاريخ 3/ 428: عدوتك.
(5) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: ألا.
(6) في أ: وإني بدا لكم، وفي ج: وإذا بد.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) (ثم) سقطت من: أ.(1/291)
أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، وفي الحالة (1) التي يؤمن فيها الكافر، ويتّقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل، فذلك علمي به ورأيي [فيه] (2)، وإن جار وبدّل، فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، لكل امرئ بما اكتسب (3) رهين (4)، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (5).
ثم بلغه أنّ قوما من الصحابة، انتقدوا تقديمه إياه، فشق عليه ذلك، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف، فوجده مغموما، فقال [له] (6):
أصبحت بارئا (7) يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إنّي (8) على ذلك لشديد (9)
الوجع، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، إني
__________
(1) في أ، ب، ج: في الحال.
(2) الزيادة من: ب.
(3) في أ، ج: ما اكتسب، وفي ب: مكتسب.
(4) (رهين) سقطت من: ب.
(5) الخبر إلى هنا أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 200199عن الواقدي، والطبري:
تاريخ 3/ 428، عن الواقدي. وابن حبان: الثقات 2/ 191190، والباقلاني:
إعجاز القرآن ص 138137دون إسناد. وابن الجوزي: مناقب عمر ص 54عن الواقدي، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) بارئا: اسم فاعل من بريء، ومعناه: مزايلة المرض والتباعد عنه. الزمخشري: الفائق 1/ 100.
(8) (إنّي) سقطت من: ب.
(9) في الأصل وج: شديد، وما أثبته من: أ، ب.(1/292)
ولّيت أموركم خيركم عندي، فكلّكم ورم أنفه (1) من ذلك، يريد أن يكون له الأمر من دونه، ورأيتم الدّنيا قد أقبلت، ولما تقبل وهي مقبلة (2)، والله لتتخذن نمارق (3) الدّيباج (4) والستور من الحرير (5)، ولتألمن (6) النوم على الصوف الأذري (7)، كما يألم أحدكم النّوم على حسك السعدان (8)، والذي نفسي بيده لأن يقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من (9) أن يخوض غمرات الدنيا (10). يا هادي
__________
(1) ورم أنفه: كناية عن إفراط الغيظ من استخلافه عمر عليهم. ابن الأثير: منال الطالب ص 282.
(2) ولما تقبل وهي مقبلة: أي ما جاءكم منها يسير قليل في جنب ما يجيئكم منها فيما بعد. ابن الأثير: منال الطالب ص 282.
(3) في أ، ب، ج: نصائر، وهو تحريف، نضائد: الوسائد والفرش، والنمارق: جمع نمرقة: وهي الوسادة الصغيرة. الجوهري: الصحاح 4/ 1561 (نمرق).
(4) الديباج: الثياب المتخذة من الإبر يسم، فارسي معرب. ويتخذ منه اللباس، ويقطع وسائد وفرشا. ابن الأثير: النهاية 2/ 97، منال الطالب ص 283.
(5) في أ، ب، ج: وستور الحرير.
(6) لتألمن: من الألم، الوجع. ابن الأثير: منال الطالب ص 283.
(7) الأذري: منسوب إلى أذربيجان جريا على القياس، وهو من أحسن ما يعمل، وأنعمه وأترفه. ابن الأثير: منال الطالب ص 283، وعند المبرد: الكامل 1/ 11، الأذربي: منسوب إلى أذربيجان على غير قياس.
(8) السعدان: نبت له شوك كبار، وله حسك كثير الشوك، وهي من أجود مراعي الإبل. ابن الأثير: منال الطالب ص 283.
(9) سقطت من: ب.
(10) غمرات الدنيا: المواضع التي تكثر فيها أمور الدنيا ومنافعها، وقد تطلق على الشدائد أيضا. ابن الأثير: منال الطالب ص 284.(1/293)
الطريق جرت (1)، إنّما هو الفخر والنّحر (2). فقال له عبد الرحمن:
خفّض (3) عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ هذا يهيضك (4) إلى ما بك، إنّما الناس في أمرك بين رجلين: إمّا رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك فهو يشير (5) به عليك، وصاحبك كما تحب [ولم ترد إلا خيرا] (6) / ووالله ما زلت [خيّرا] (7) صالحا مصلحا. لا تأسى [14/ ب] على ما فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا (8).
__________
(1) يا هادي الطريق جرت: جرت هنا إضافة الهادي إلى ما بعده من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله يريد يا هادي الناس الطريق والهادي هو الدال والمرشد والمراد بالطريق: طريق الحق. ابن الأثير: منال الطالب ص 284.
(2) في رواية المبرد: الكامل 1/ 11: إنما هو الفجر والبجر. البجر: بضم الباء وفتحها:
الداهية، والأمر العظيم. والمعنى: إن انتظرت يا هادي الطريق وسالكه، حتى يضيء لك الفجر، أبصرت الطريق، وإن خبطت الظلماء، أفضت بك إلى المكروه. انظر الخطابي: غريب الحديث 2/ 39، ابن الأثير: منال الطالب ص 284.
(3) في أ: اخفض. خفض: هون الأمر عليك، وسهله. ابن الأثير: منال الطالب ص 284
(4) يهيضك: يعيدك إلى مرضك. ابن الأثير: منال الطالب ص 284.
(5) في الأصل وأ: يسير، وما أثبته من: ب، ج.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) الزيادة من: ب.
(8) هذا الجزء من خبر استخلاف الفاروق أخرجه بألفاظ متقاربة المبرد: الكامل 1/ 1110دون إسناد، الطبري: تاريخ 3/ 430429، بإسناد فيه علوان بن دؤاد وهو منكر الحديث. انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 108، ورواه الزمخشري:(1/294)
(صفاته الخلقية) (1):
وكان عمر رضي الله عنه أبيض، أمهق (2) تعلوه حمرة، طوالا (3)، أصلع (4)، أعسر يسر (5): وهو الذي يعمل بيديه جميعا، وهو الأضبط (6). وقيل: إنه
__________
الفائق 1/ 99، والخطابي: غريب الحديث 2/ 38، والباقلاني: إعجاز القرآن ص 139138كلهم دون إسناد. وعدم صحة الخبر حديثيا لا يعني حتمية عدم وقوعه تأريخيا، ولا نشك في تفويض الصديق الخلافة إليه، قال الباقلاني رحمه الله في تمهيد الأوائل ص 504503: الدليل على صحة ذلك أن أبا بكر عهد إليه بمحضر من الصحابة والمسلمين، فأقرّوا جميعا عهده وصوّبوا رأيه ويدل عليه أيضا إجماع أهل الاختيار، الذين هم أهل الحق، في القول بالإمامة: أن للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولسنا نعرف منهم من ينكر ذلك، ولا يثبت عن أحد منهم برواية شاذة ومقالة مروية أنه لم يكن قائلا بها ولا ذاهبا إليها.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) أمهق: نيّر البياض كلون الجصّ. ابن الأثير: النهاية 4/ 374 (مهق).
(3) طوالا: البليغ في الطول والمفرط فيه، الزمخشري: الفائق 1/ 31، وابن منظور 11/ 311 (طول).
(4) أصلع، الصّلع: انحسار الشعر عن الرأس. انظر: ابن الأثير: النهاية 3/ 46 (صلع).
إلى هنا من صفاته وردت عند ابن سعد: الطبقات 3/ 324، أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 204رقم (165) بنحوه.
(5) التصويب من: ب، وفي الأصل: يسير، وفي أ، ج: يسرا. وردت هذه الصفات عند الحاكم: المستدرك 3/ 81، وعند أبي نعيم: معرفة الصحابة 1/ 203رقم (164).
(6) ابن الأثير: النهاية 5/ 297، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 10.(1/295)
كان آدم (1). شديد الأدمة (2)، كثّ اللحية، وكان يصفّرها بالحناء، أعين، جهير الصوت (3).
كاتبه:
زيد بن ثابت (4).
حاجبه:
يرفأ، مولاه (5).
قاضيه:
أبو أمّية، شريح بن الحارث الكندي (6)، وكان شريح (7) أدرك الجاهلية، ويعدّ في كبار (8) التّابعين، وكان أعلم الناس بالقضاء، وقضى
__________
(1) آدم: الأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين، وهي في الناس السمرة الشّديدة. ابن الأثير: النهاية 1/ 32.
(2) قال ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1146: كان آدم شديد الأدمة. وهو الأكثر عند أهل العلم بأيام الناس وسيرهم وأخبارهم.
(3) وردت هذه الصفات مفرقة عند ابن سعد: الطبقات 3/ 327، وابن الجوزي:
مناقب عمر ص 1110.
(4) خليفة: تاريخ ص 156، ابن حبيب: المحبر ص 377.
(5) خليفة: تاريخ ص 156، الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 66. يرفأ: مولى عمر أدرك الجاهلية، حج مع عمر في خلافة أبي بكر. ابن حجر: الإصابة 6/ 358.
(6) الكندي: بكسر أولها وسكون النون وكسر الدال المهملة، هذه النسبة إلى كندة، وهي قبيلة كبيرة مشهورة من اليمن. ابن الأثير: اللباب 3/ 115.
(7) (شريح) سقط من: ب.
(8) في الأصل: أكابر، وما أثبته من: أ، ب، ج.(1/296)
لعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذا فطنة ودهاء، ومعرفة وعقل ورزانة، وكان شاعرا محسنا، وله أشعار محفوظة في معان (1) حسان، ولي [القضاء] (2) ستين سنّة (3)، من زمن (4) عمر بن الخطاب، إلى زمن عبد الملك بن مروان، وكان كوسجا (5) سنّاطا (6): لا شعر في وجهه، توفي رحمه الله (7) سنة سبع وثمانين، وهو ابن مئة سنة (8).
وعلى بيت ماله:
عبد الله بن الأرقم، وقيل: يسار مولاه (9)، وقيل: كان يسار
__________
(1) في الأصل: معاني، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(2) الزيادة من: أ، ب.
(3) وكيع: أخبار القضاة 2/ 200.
(4) في أ: زمان، وسقطت من: ج.
(5) كوسجا، الكوسج: الذي لا شعر على عارضيه، قال سيبويه: أصلها فارسية.
انظر ابن سيدة: المحكم 6/ 421.
(6) في أ: مناطا وهو تحريف. وسنّاطا، بضم السين وكسرها: كوسج لا لحية له أصلا، أو الخفيف العارض ولم يبلغ حال الكوسج، أو لحيته في الذقن، وما بالعارضين شيء.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 868 (سنط).
(7) (رحمه الله) ليست ف: أ، ب.
(8) (سنة) ليست في: أ، ب. ترجمة شريح عند عبد البر: الاستيعاب 2/ 702701مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ. ويبدو أن المؤلف نقلها منه دون إشارة.
(9) عند البخاري: التأريخ الكبير 8/ 420، الرازي: الجرح والتعديل 9/ 307، ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 473: يسار بن نمير: خازن عمر. هو يسار بن نمير المدني، مولى عمر، نزل الكوفة. ابن حبان: الثقات 5/ 557، ابن حجر: تقريب ص 607.(1/297)
حاجبه (1)، [أيضا وكان على بيت المال أيضا: عبد الرحمن بن عبد القاري] (2).
نقش خاتمه:
كفى بالموت واعظا (3).
أبناؤه:
عبد الله، وعبد الرحمن (4)، وحفصة، أمهم: زينب بنت مظعون (5)،
__________
(1) لم أقف عليه عند غير المؤلف.
(2) زيادة من: أ، ب، ج، وفيها عبد الرحمن بن عبد الباري، والتصحيح من ابن حبان:
الثقات 5/ 79، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 839. وعبد الرحمن بن عبد القاري، مدني، ثقة، مات بالمدينة سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة ثمان وثمانين. البخاري:
التأريخ الكبير 5/ 318، الذهبي: الكاشف 2/ 175، وابن حجر: تهذيب 6/ 223.
والقاري: بتشديد باء النسبة، هذه النسبة إلى بني قارة، وهم بطن معروف من العرب. السمعاني: الأنساب 4/ 425.
(3) روى أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 229عن الزبير بن بكار قال: كان نقش خاتمه رضي الله عنه: كفى بالموت واعظا يا عمر. وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 1146، والمسعودي:
التنبيه والإشراف ص 289.
(4) عبد الرحمن (الأكبر) بن عمر، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه، كنيته أبو عيسى. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 373، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 842.
(5) زينب بنت مظعون الجمحية، كانت من المهاجرات إلى المدينة. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 134، ابن حجر: الإصابة 8/ 98.(1/298)
أخت [قدامة] (1) وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب (2) بن حذافة ابن جمح بن عمرو (3) بن هصيص (4) القريشي (5) الجمحي (6). وعبيد الله (7)، وأمه: مليكة بنت جرول (8) الخزاعية (9)، وقتل (10) بصفين مع
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج. قدامة بن مظعون، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات سنة ست وثلاثين. ابن سعد: الطبقات 3/ 401، ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار ص 22.
(2) في جميع النسخ: فهر، وهو تحريف، والصواب: وهب. خليفة: الطبقات ص 24، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 161.
(3) التصويب من: أ، ب. وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 159، وفي الأصل وأ: عمر.
(4) في الأصل: هضض، والتصويب من: أ، ج، وفي ب: بياض.
(5) في ج: القرشي.
(6) الجمحي: منسوب إلى جمح بن عمرو، بطن من قريش، وعامتهم بمكة. الهمداني:
عجالة المبتدى ص 41.
(7) عبيد الله بن عمر، كان من أنجاد قريش وفرسانهم، غزا في عهد أبيه. قتل بصفين مع معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1010، ابن حجر: الإصابة 5/ 76.
(8) ابن قتيبة: المعارف ص 184، الطبري: تاريخ 4/ 198برواية المدائني. وذكر كثير من النسابين أنها أم كلثوم بنت جرول. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 349، وابن حبيب: المحبر ص 433، ابن سعد: الطبقات 3/ 265برواية الواقدي.
ابن الجوزي: مناقب عمر ص 238، ابن حجر: الإصابة 5/ 76، 8/ 275.
مليكة بنت جرول، فارقها عمر، وخلّف عليها أبو الجهم بن حذيفة. الطبري: تاريخ 4/ 198.
(9) الخزاعية: منسوبة إلى خزاعة، وهو كعب بن عمرو. الهمداني: عجالة المبتدى ص 54.
(10) في ب: قتيل.(1/299)
معاوية وسنذكر مقتله هنالك (1) [إن شاء الله] (2) وفاطمة (3)
وزيدا (4)، أمهما: أم كلثوم بنت علي (5) بن أبي طالب رضي الله عنهما (6). أم كلثوم هذه تزوجها عمر رضي الله عنه، فقتل عنها، فتزوجها محمد بن جعفر (7)، فقتل (8) عنها، فتزوّجها عون بن جعفر (9) فقتل (10) عنها،
__________
(1) (هنالك) سقطت من: ب.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) ابن قتيبة: المعارف ص 185، وذكر كثير من النسّابين أن اسم بنت أم كلثوم من عمر: رقية، وأن فاطمة أمها: أم حكيم بنت الحارث. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 350349، وابن حبيب: المحبر ص 54، وابن سعد: الطبقات 3/ 266265، 1/ 463. فاطمة بنت عمر، تزوجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد فولدت له عبد الله، وتوفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه. العمري: مهذّب الروضة الفيحاء ص 197.
(4) زيد (الأكبر) بن عمر، خرج ليصلح بين رجال من بني عدي فشجه رجل، وهو لا يعرفه في الظلمة، فعاش أياما ثم مات هو وأمه في يوم واحد، وصلى عليهما عبد الله بن عمر. ابن سعد: الطبقات 8/ 464، ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 387.
(5) أم كلثوم بنت علي، ولدت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمهرها عمر أربعين ألفا. ابن سعد: الطبقات 8/ 464463، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1954.
(6) في أ، ب، ج: عنها.
(7) محمد بن جعفر، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكنى أبا القاسم، استشهد بتستر.
ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1367، ابن حجر: الإصابة 6/ 52.
(8) في الأصل وأ، ج: فمات، والمثبت من: ب.
(9) عون بن جعفر بن أبي طالب، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد بتستر، ولا عقب له. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1247، ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 14، وقدم ابن سعد زواج عون من أم كلثوم على أخيه محمد. ابن سعد: الطبقات 8/ 463 وانظر: ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 38.
(10) في الأصل وأ، ج: فمات، وما أثبته من: ب.(1/300)
فتزوّجها عبد الله بن جعفر (1)، فماتت عنده (2). وعاصم، أمه: جميلة بنت [عاصم بن] (3) ثابت بن أبي الأقلح، حمي الدّبر (4). ويقال: أمه جميلة بنت ثابت (5)، أخت عاصم بن ثابت (6)، وهو الأكثر (7)، وكان اسمها:
عاصية (8)، فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها، وسمّاها: جميلة (9). ولد عاصم
__________
(1) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة، وله صحبة، ومات سنة ثمانين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 880، وابن حجر: الإصابة 4/ 48.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فمات عنها.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) عاصم بن ثابت الأوسي، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرا، ثبت في الصحيح عن أبي هريرة، في حديث طويل جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، لحق بهم العدو، وطلبوا منهم الترول إليهم، فقال عاصم: أمّا أنا فلا أنزل في ذمة كافر، وكان قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسّه مشرك، فقتل عاصم، فأرسلت قريش ليؤتوا بشيء من جسده وكان قتل عظيما من عظائمهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلّة من الدّبر فحمته منهم، ولذلك كان يقال: حميّ الدبر. البخاري، الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع (فتح الباري) 7/ 378رقم (4086)، وابن حجر: الإصابة 4/ 3.
والدّبر بالفتح: جماعة النحل. الجوهري: الصحاح 2/ 652 (دبر).
(5) جميلة بنت ثابت، تكنى أم عاصم تزوجها عمر سنة سبع فولدت له عاصم ثم طلقها فتزوجها يزيد بن حارثة. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 52، ابن حجر: الإصابة 8/ 40.
(6) (أخت عاصم بن ثابت) سقطت من: أ، ب، ج.
(7) في ب: الأشهر.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عصية.
(9) ابن سعد: الطبقات 3/ 266و 5/ 15، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 782.(1/301)
هذا قبل وفاة رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم بسنتين، وخاصمت فيه أمه: عمر بن الخطاب إلى (2) أبي بكر رضي الله عنهما (3)، وهو ابن أربع سنين، وقيل:
ابن ثمان سنين (4)، وكان طويلا / جسيما. يقال: إنه كان في [15/ أ] ذراعه ذراع و [نحو] (5) شبر، وكان خيّرا فاضلا شاعرا، يكنى: أبا عمر، مات سنة سبعين (6) قبل موت أخيه عبد الله بنحو أربع سنين، ورثاه (7)
عبد الله بن عمر، أخوه (8).
وذكر أنّ عمر حين خطب أم كلثوم من أبي الحسن رضي الله عنهما، فقال له: زوجتكها إن رضيت، فبعث معها قدحا من اللّبن إليه، وهي حديثة السّن، فلما دخلت على عمر رضي الله عنه، قالت له: إن أبي بعث لك هذا اللّبن إن رضيت، فقال لها: رضيته، فلما قبضت من يده القدح وصدّت عنه، كشف عن ساقها، فقالت له: والله لولا أنك أمير المؤمنين
__________
(1) في أ، ج: النبي.
(2) في ب: عند.
(3) (رضي الله عنهما) ليست في: ب.
(4) (سنين) سقطت من: ب، والخبر عند البخاري: التأريخ الكبير 6/ 478، وانظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 783.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) انظر البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 408407، وابن حجر:
الإصابة 5/ 57.
(7) في الأصل: ورثه، والتصويب من: أ، ب، ج.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أخيه.(1/302)
لشدخت أنفك! فلما بلغت لأبي الحسن رضي الله عنه، قالت له: بعثتني لشيخ سوء! فقال لها: هو زوجك (1).
وليس القصد بالحكاية أن ننسبه جبانا، تيّها. وإجازة الرؤية بعد الزواج، وفيها خلاف ضعيف (2).
ثم نرجع إلى أول الكلام (3)، [ورثاه عبد الله بن عمر، أخوه] (4)
فقال:
__________
(1) هذه الحكاية ساقطة من: أ، ب، ج. ذكرها مصعب الزبيري: نسب قريش ص 349، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1955كلاهما بدون إسناد. وابن الجوزي:
مناقب عمر ص 239عن الزبير بن بكار. وأخرجها عبد الرزاق: المصنف، كتاب النكاح، باب نكاح الصغيرين 6/ 163رقم (10352) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر، مختصرا مع اختلاف في الألفاظ. وكذلك سعيد بن منصور: السنن تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي 3/ 173رقم (521) بالإسناد نفسه.
(2) لم أقف على هذه الحكاية عند غير المؤلف بإسناد صحيح.
(3) هذه العبارة ليست في: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج، وهي ليست في الأصل.(1/303)
وليت المنايا كنّ خلّفن عاصما ... فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا (1)
وآذى (2) رجل عبد الله بن عمر بالقول، فقيل له: ألا تنتصر منه؟
فقال: إنّي وأخي عاصم لا نسابّ الناس (3).
أبو المجبّر (4) واسمه: عبد الرحمن الأصغر. وأبو شحمة واسمه:
__________
(1) المدائني: التعازي ص 47، والطبري: تاريخ 7/ 320، والذهبي: سير 4/ 97.
وعند المبرد: التعازي والمراثي ص 61، والفاضل ص 63 (صادفن غيره) بدلا من (خلّفن عاصما). وأن الشاعر هو عبد الله بن عمر بن عبد العزيز يرثي أخاه عاصم لما قتلته الخوارج. والصواب الأول. وانظر: ابن قتيبة: المعارف ص 187، وابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 783، وانظر ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 11، وعند ابن حجر: الإصابة 5/ 57، وتمثل أخوه عبد الله لما مات بقول متمّم بن نويرة:
فليت المنايا كن خلفن عاصما ... فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا
فقال له عمر لما تمثل به: كنّ حلّفن عاصما.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وأذا.
(3) في الأصل: اننا واحد لا نسابب الناس، والصواب هو المثبت من الاستيعاب لابن عبد البر 2/ 784.
(4) في الأصل وأ، ج: المجبّر، وفي ب: محمد، والصحيح ما أثبته. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 349وإنما كني بذلك لأن ابنه عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر وقع وهو غلام فتكسر، فأتى إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسّر، فقالت: ليس والله بالمكسر، ولكنه المجبّر. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 843، وانظر: ابن حجر: الإصابة 4/ 175. وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 266 عبد الرحمن الأوسط، وهو: أبو المجبّر.(1/304)
أيضا عبد الرحمن الأصغر (1)، وهو المحدود في الخمر. وفاطمة الصغرى (2)
وبنات أخر (3).
(تسميته بأمير المؤمنين) (4):
وهو رضي الله عنه أوّل من سمّي بأمير المؤمنين (5). سمّاه: عدي بن حاتم (6)،
__________
(1) هكذا في الأصل وأ، ب، ج، وعند البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 147والصحيح: الأوسط. انظر: مصعب الزبيري: نسب قريش ص 349، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 842، وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر، ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد، ثم مرض فمات بعد شهر، وأما أهل العراق فيقولون إنه مات تحت السياط، وهو غلط. أخرجه عمر بن شبة: تاريخ المدينة 3/ 841، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 147، والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 313وقال ابن حجر: 5/ 73إسناده صحيح.
(2) ابن قتيبة: المعارف ص 185.
(3) في الأصل: وبنت أخرى، وفي أ، ب: وبنات أخرى، وما أثبته من: ج.
ومنهن رقية: أمها أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم. وزينب: وهي أصغر ولد عمر، وأمها فكيهة أم ولد. انظر: ابن سعد: الطبقات 3/ 266265، وعائشة:
أمها لهية، أم ولد. انظر: مصعب الزبيري: نسب قريش ص 349.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) انظر: البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 190، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 313، وأبو هلال العسكري: الأوائل 1/ 226.
(6) عدي بن حاتم الطائي، صحابي شهير، كان ممن ثبت على الإسلام في الردّة، وحضر فتوح العراق وحروب علي، توفي سنة ثمان وستين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1057، ابن حجر: تقريب ص 388.(1/305)
وقيل: غيره (1)، والله أعلم. وكان أول من سلّم عليه بها (2): المغيرة بن شعبة (3)، وأول من كتب إليه بها (4): أبو موسى الأشعري، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي موسى الأشعري (5)، فلما قرأ ذلك [عمر] (6) قال:
إني لعبد الله، وإنني (7) لأمير المؤمنين (8).
__________
(1) هكذا عند المسعودي 2/ 313وانظر قصة مخاطبة عدي بن حاتم، ولبيد بن ربيعة عمر بأمير المؤمنين عند الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 81بإسناد صححه الذهبي. والطبراني: المعجم الكبير 1/ 18وقال الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 61رواه الطبراني ورجاله رجال الصحاح. وقال عمر بن شبة: تأريخ المدينة 2/ 677: أول من سمّى عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين: المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(2) هكذا في: ب، وعند المسعودي: مروج الذهب 2/ 313. وفي الأصل وأ، ج: بها عليه.
(3) المسعودي: مروج الذهب 2/ 313، وانظر ابن شبة: تأريخ المدينة 2/ 677.
المغيرة بن شعبة الثقفي، صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة مصر ثم الكوفة، مات سنة خمسين على الصحيح. ابن حجر: تقريب ص 543.
(4) في الأصل: كتبها إليه، وفي أ: كتب بها إليه، وما أثبته من: ب.
(5) هذه العبارة تكررت في: ج. ومثل الخبر في اليعقوبي: تأريخ 2/ 150.
عبد الله بن قيس، أبو موسى، قدم المدينة بعد غزوة خيبر، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، واستعمله عمر على الكوفة، مات سنة اثنتين وأربعين. ابن حجر: تهذيب 5/ 362.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ب، ج: وإني.
(8) المسعودي: مروج الذهب 2/ 313.(1/306)
(صفاته) (1):
وكان متواضعا لله (2)، خشن الملبس يشتمل بالعباءة، ويحمل القربة (3) على كتفه، مع هيبة رزقه (4) الله إياها، وكان شديدا في ذات الله تعالى، وكان كثيرا ما يركب الجمل ورجله مشدودة [بالليف] (5)، مع ما فتح الله عليه من البلاد، ووسع عليه وعلى المسلمين من الأموال في الجهاد (6)، وسلك عماله مسلكه في تواضعه (7) وأفعاله.
(خطبة له) (8):
خطب رضي الله عنه فقال في خطبته: يا أيها الناس [ألا] (9) إنا كنا نعرفكم إذ
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (لفظ الجلالة) سقط من: أ، ب.
(3) القربة: ما يستقى فيه الماء، والجمع في أدنى العدد. قربات وقربات، وللكثير: قرب.
الجوهري: الصحاح 1/ 199 (قرب).
(4) في ج: رزقها.
(5) في الأصل وب: ورجله مشدودة بالله وبالسيف. والتصويب من: أ، ج. وانظر المسعودي: مروج الذهب 2/ 313. اللّيف: ليف النخل، والقطعة منه ليفة. وأجود الليف ليف جوز الهند الشّديد السّواد. ابن منظور: لسان العرب 9/ 322 (ليف).
(6) في الأصل: والجهاد، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: التواضع، وما أثبته من: أ، ب، ج. وانظر المسعودي: مروج الذهب 2/ 313.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/307)
كان بين أظهرنا النبي (1) صلى الله عليه وسلم، وإذ يترل الوحي، وإذ ينبؤنا (2) الله من أخباركم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نقول لكم، / من أظهر إلينا منكم خيرا ظننا به خيرا، وأحببناه، ومن [15/ ب] أظهر منكم شرّا ظننا به شرّا وبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين الله تعالى. ألا إنه قد أتى عليّ (3) زمان، فأنا أحسب أنه من قرأ القرآن يريد به الله وما عنده، وقد خيّل إلى أن أناسا قد قرؤوا (4) القرآن (5) يريدون به ما عند الناس، فأريدوا الله بقرآنكم، وأريدوا الله بأعمالكم. ألا وإني لأبعث عليكم عمالا لا (6) ليضربوا أبشاركم (7)، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أبعثهم إليكم ليعلّموكم دينكم وسنّتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فو الذي نفسي بيده لأقصنه منه. وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تجبروهم فتقصوهم، ولا تترلوهم الغياض (8)
__________
(1) في ب: كان بين ظهرنا رسول الله.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ينبأنا.
(3) في الأصل: علينا، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(4) في ب، ج: قرءوه.
(5) (القرآن) سقطت من: أ.
(6) في أ، ب، ج: والله ما أبعث عليكم عمالي.
(7) أبشاركم: جمع بشرة، وهي أعلى جلدة الرأس والوجه والجسد من الإنسان، وهي التي عليها الشعر، وقيل: هي التي تلي اللحم. انظر: الزبيدي: تاج العروس 3/ 4 (بشر).
(8) الغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها فتمكن منهم(1/308)
فتضيعوهم (1).
(خطبة أخرى له) (2):
وقال: إنّا (3) معشر الصّحابة لا يصلحنا إلا أربع: شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، وأخذ مال من (4) حلّه، ووضعه في حقه، أيها الناس، طيبوا مثواكم (5)، وأصلحوا أموركم، واتقوا الله ربّكم، ولقليل في رفق خير من كثير في عنف، والفتنة حتف تصيب البر والفاجر، والشهيد
__________
العدوّ، ابن الأثير: النهاية 3/ 402 (غيض).
(1) هذه الخطبة وردت عند الإمام أحمد: المسند 1/ 279رقم (286) (بتحقيق أحمد شاكر) وقال: إسناده حسن. وأبو داوود: السنن، كتاب الديات، باب القيود من الضرّبة، وقصّ الأمير نفسه 4/ 674رقم (4537) مختصرا. والنسائي: كتابة القسامة، باب القصاص من السلاطين 8/ 31رقم (4731) مختصرا، وإسنادهما ضعيف. انظر الألباني: ضعيف سنن أبي داوود ص 454رقم (980) وضعيف سنن النسائي ص 197 رقم (330) ابن سعد: الطبقات 3/ 281، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 169168، والجاحظ: البيان والتبيين 3/ 138، ابن شبه: تأريخ المدينة 3/ 807، الطبري: تاريخ 4/ 204، ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 6463، ابن الجوزي: مناقب عمر ص 9594، مع اختلاف يسير في العبارات عما هنا.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) (إنا) ليست في: أ.
(4) في الأصل وأ، ب: في، وما أثبته في: ج.
(5) هكذا في الأصل، وانظر الطبري: تاريخ 4/ 216، وفي أ، ج: أطيعوا مثويكم، وهو تحريف.(1/309)
من احتسب (1) نفسه (2)، فقد اقترب منكم زمان قليل الأمناء (3)، كثير الأمراء، معدوم الفقهاء (4).
(عمر يشاطر عماله أموالهم) (5):
وقاسم العمال أموالهم (6)، فكتب إلى عمرو بن العاص، مع محمد بن مسلمة (7): أما بعد: فإنّكم معشر (8) العمال قعدتم على عيون الأموال، فجبيتم الحرام، وأكلتم الحرام (9)، وأورثتم (10) الحرام، وقد بعثت إليك (11)
محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك (12) فأحضره بمالك (13)، والسلام.
__________
(1) في ج: احتجب، وهو تحريف.
(2) قارن بالطبري: تاريخ 4/ 216، وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 3/ 125.
(3) (الأنماء) مكررة في: ج.
(4) قارن بالبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 263.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في أ، ب: أموالكم.
(7) محمد بن مسلمة الأنصاري، من فضلاء الصحابة، شهد المشاهد كلها، واعتزل الفتنة أيام علي رضي الله عنه، مات بالمدينة بعد الأربعين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1377، ابن حجر: تقريب ص 507.
(8) في ج: معاشر.
(9) (الحرام) سقطت من: أ، وتكررت في: ب.
(10) في الأصل: وأوتيتم، وما أثبته في: أ، ب، ج.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إليكم.
(12) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ليفاسمكم أموالكم.
(13) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فأحضروه بمالكم.(1/310)
فأحضره (1) وماله، فقاسمه (2) إيّاه، ثم رجع (3).
وقدم أبو هريرة (4) من البحرين، فقال له عمر: يا عدوّ الله وعدو الإسلام، خنت (5) مال الله، فقال [أبو هريرة] (6): لست بعدوّ الله ولا عدوّ (7) الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم آخذ مالا (8)، ولكنها أثمان خيل تناتجت، وسهام اجتمعت. فكرر عليه عمر قوله ذلك، فرد عليه أبو هريرة كذلك ثلاث مرات (9). فقاسمه عمر، وقيل: غرّمه اثنا عشر ألفا.
فقام أبو هريرة في صلاة الغداة، فقال: اللهم أغفر لأمير المؤمنين، ثم أراده على العمل، فامتنع، فقال له: أو ليس يوسف خير منك، وقد طلب العمل؟ فقال: إن يوسف نبيّ وابن نبيّ وأنا ابن أميمة (10)، فأنا أخاف
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فاحضروه.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقاسمهم.
(3) هذا الأثر رواه البلادري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 271بنحوه، عن عبد الله بن المبارك، المتوفي سنة إحدى وثمانين ومئة. فالأثر ضعيف.
(4) عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أبو هريرة، حافظ الصحابة، مات سنة سبع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين. ابن حجر: تقريب ص 681.
(5) في ب: أخنت.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) في ب، ج: ولا بعدو.
(8) في أ، ج: مال الله، وسقطت من: ب.
(9) (مرات) سقطت من: أ.
(10) التصويب من: أ، ب، وانظر ابن الأثير: أسد الغابة 7/ 30، وابن حجر: الإصابة 8/ 82، وفي الأصل وج: أمية، وهو تحريف، وهي أميمة بنت صفيح بن الحارث،(1/311)
ثلاثا أو اثنتين، قال: ألا تقول خمسا؟ قال: مه (1) [قال] (2): إني أخاف أن (3) أقول بغير علم، وأقضي / بغير علم، وأن [16/ أ] يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويأخذ مالي (4).
__________
كانت مشركة فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية فأسلمت وماتت مسلمة. انظر ابن قتيبة:
المعارف ص 277، وابن حجر: الإصابة 8/ 18، 19. وسماها ابن سعد وابن الكلبي والطبراني: ميمونة. انظر ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 112.
(1) مه: كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمي به الفعل، ومعناه اكفف، لأنّه زجر.
فإن وصلت نوّنت فقلت: مه كه. الجوهري: الصحاح 6/ 2250 (مهه).
(2) زيادة من: أ، ب، ج.
(3) (أخاف أن) سقطت من: ب.
(4) هذا الأثر رواه ابن سعد: الطبقات 4/ 335، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 269268كلاهما بإسناد فيه أبو هلال الرّاسبي: صدوق فيه لين.
انظر ابن حجر: التقريب ص 481، ورواه ابن زنجوية: الأموال 2/ 606بإسناد فيه بكر بن بكار، قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن معين: ليس بشيء. انظر الذهبي:
ميزان الاعتدال 1/ 343فالأثر ضعيف. ولكن محاسبة عمر لأبي هريرة ثبتت بأثر صحيح عند أبي عبيد: الأموال ص 283282قال: حدثنا معاذ عن ابن عوف عن ابن سيرين قال: قدم أبو هريرة من البحرين، فقال له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه إلخ، فالأثر متّصل ورجاله ثقات. ورواه ابن سعد: الطبقات 4/ 335من طريق هوذة بن خليفة عن عبد الله بن عون به مثله. وهوذة: صدوق. انظر ابن حجر: تقريب ص 575فكان عمر رضي الله عنه متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مراقبته لعماله
فقد قاسمهم أموالهم كافة، ولم يفرد أبا هريرة بهذه المعاملة، ولم يكن فعله ذلك عن شبهة بل من باب الاجتهاد، فقد كان يحب للصحابة ما يحب لنفسه، ويكره(1/312)
وقاسم النعمان بن بشير (1)، وكان على حمص (2)، وسبب مقاسمته النّعمان: أن خالد (3) بن الصّعق قال شعرا كتب به إلى عمر رضي الله عنه، وهو:
__________
لأحدهم أن يدخل عليه مال فيه رائحة شبهة «وكان يتخوف أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال لتبرأ ذممهم، ثم يعطيهم بعد ذلك من بيت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حلا لهم بلا شبهة». دفاع عن أبي هريرة ص 141140، وانظر ابن تيمية: السياسة الشرعية ص 23وليس في فعله ذلك إتهام لهم بخيانة أو كذب، فهم أهل الفضل والدين والأمانة.
(1) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 146 (تحقيق تشارلس). النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنين، كان أميرا على الكوفة لمعاوية، ثم أميرا على حفص لمعاوية، ثم ليزيد، قتل سنة خمس وستين. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1496، ابن حجر: الإصابة 6/ 240.
(2) حمص: بلد مشهور يقع بين دمشق وحلب في نصف الطريق. استعمل عمر رضي الله عنه عليه حبيب بن مسلمة، ثم عزله وولي عبد الله بن قرط الثمالي، ثم عزله وولّى عبادة ابن الصامت الأنصاري، ثم عزله ورد عبد الله بن قرط، ثم سعيد بن عامر بن حذيم، وكان عامله في السنة التي استشهد فيها: عمير بن سعد الأنصاري. انظر خليفة: تاريخ ص 155، الطبري:
تاريخ 4/ 241، ياقوت: معجم البلدان 2/ 302.
(3) هكذا في الأصل وأ، ب، ج. وانظر ابن عبد الحكم: فتوح مصر ص 146، وابن زنجوية: الأموال 2/ 604. وعند البلاذري: فتوح ص 377، وأنساب الأشراف (الشيخان) ص 296، وابن حجر: الإصابة 6/ 361، أبو المختار، يزيد بن قيس بن الصعق، وعند المرزباني: معجم الشعراء ص 480: يزيد بن الصعق الكلابي واسم الصعق: عمرو بن خويلد. وانظر البغدادي: خزانة الأدب 1/ 340.(1/313)
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فأنت (1) وليّ الله في المال والأمر
فلا تدعنّ أهل الرّساتيق (2) والجزى (3) ... يشيعون مال الله في الأدم الوفر (4)
فأرسل إلى النّعمان (5) فاعلم حسابه ... وأرسل إلى جزء (6) وأرسل إلى بشر (7)
__________
(1) في أ: وأنت.
(2) الرّساتيق: جمع رستاق، بالضم: لفظة فارسية معرّبة، تعني: السّواد والقرى.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1144 (الرستاق).
(3) الجزى: جمع جزية، بالكسر وهي: خراج الأرض، وما يؤخذ من الذمّي.
والجزى: بفتح الجيم: المكافأة على الشيء. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1640 (جزي).
(4) الوفر: المال الكثير. الجوهري: الصحاح 2/ 847 (وفر).
(5) عند البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 298: النعمان بن عدي بن نضلة العدوي، كان على كور دجلة. ابن حجر: الإصابة 6/ 361.
قلت: وقد استعمله عمر على ميسان وهي كورة واسعة بين البصرة وواسط ولم يولّ عمر أحدا من قرمه غيره، لما كان في نفسه من صلاح وتقوى.
ابن سعد: الطبقات 4/ 140، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1502، ياقوت: معجم البلدان 5/ 242، كما استعمل عمر النعمان بن مقرن على كسكر. الطبري: تاريخ 4/ 114.
(6) هو جزء بن معاوية السعدي، كان على سرّق إحدى كور الأهواز وجعله عمر على الخيل التي يعدّها للغزو في البصرة، وكان أحد قادة الجند فيها.
البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، الطبري: تاريخ 4/ 52، 77، ياقوت:
معجم البلدان 3/ 214قال ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 274: جزى بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، كان عاملا لعمر على الأهواز. وانظر ابن حجر: الإصابة 1/ 244.
(7) هو بشر بن المحتفز، كان على جند نيسابور مدينة خصبة واسعة الخير بخوزستان.
البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/ 170، قال ابن حجر: الإصابة 1/ 160: له ذكر في الفتوح، وأن عمر استعمله(1/314)
ولا تنسينّ (1) النّافعين (2) كليهما ... وصهر (3) بني غزوان (4) عندك ذا وفر
__________
على السّوس، فسأله عما يهدي له العجم، فمنعه. والسّوس: بلدة بخوزستان.
ياقوت: معجم البلدان 3/ 280، وكان الخليفة ينقل بعض الولاة من ولاية إلى أخرى حسب ما تقتضيه مصلحة الدولة، كما جرى عزل بعض الولاة لأسباب متنوعة.
(1) في ب: تنسا.
(2) النّافعان، هما:
أنفيع، أبو بكرة الثقفي، صحابي سكن البصرة ومات بها سنة إحدى وخمسين، وهو الذي قال له عمر: أخوك على بيت المال وعشور الأبلة، فهو يعطيك المال تتجر فيه، فأخذ منه عشرة ألاف. البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، وابن سعد: الطبقات 7/ 15، ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1530.
ب نافع بن الحارث الثقفي، أخو أبي بكرة لأمه، وكان على بيت المال وعشور الأبلة بلدة على شاطئ دجلة البصرة في زاوية الخليج. البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، والفتوح ص 377، وانظر ياقوت: معجم البلدان 1/ 77.
وكان من عمّال عمر ممن اسمه نافع: نافع بن عبد الحارث الخزاعي على مكة خليفة:
تاريخ ص 153.
(3) عند ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 147أبو هريرة كان على البحرين. وعند البلاذري:
أنساب الأشراف (الشيخان) ص 298هو: مجاشع بن مسعود السّلمي، صحابي، كانت عنده ابنة عتبة بن غزوان، وكان على صدقات البصرة، وأحد قادة الفتح فيها، قتل يوم الجمل. انظر خليفة: تاريخ ص 127، 142، 181، وابن حجر: الإصابة 6/ 42.
وشبل بن معبد البجلي، كانت عنده أردة بنت الحارث بن كلدة، وكانت أختها صفية بنت الحارث عند عتبة بن غزوان، فلما ولي عتبة البصرة انحدر معه أصهاره، أبو بكر ونافع وشبل، وكان شبل من قادة الفتح في عهد عمر في بلاد فارس، ومن ساكني البصرة. الطبري: تاريخ 3/ 597، 4/ 176، خليفة: الطبقات ص 118.
(4) بنو غزوان: نسبة إلى غزوان بن جابر بن وهب، بطن من بني مازن بن منصور من(1/315)
وما عاصم (1) منها بصفر عيابة (2) ... ولا ابن [غلاب] (3) من سرات بني نصر (4)
من الخيل والغزلان والبيض كالدّمى ... وما ليس ينسى من قيان ومن ستر
ومن ريطة (5) مطويّة في صيانة (6) ... ومن طيّ أستار معصفرة حمر
__________
قيس عيلان. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 260بتصرف.
(1) هو عاصم بن قيس بن الصلت، كان على مناذر: وهي اسم لبلدتين تحمل كل منهما هذا الاسم في نواحي خوزستان، وهما مناذر الكبرى، ومناذر الصغرى.
البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 298، وفتوح ص 378، وياقوت: معجم البلدان 5/ 199.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عناية، وهو تصحيف.
والعياب: جمع عيبة، وهي وعاء من أدم يكون فيه المتاع. ابن منظور: لسان العرب 1/ 634 (عيب).
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: ابن خلاف: والتصحيح من أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، وهو خالد بن الحارث، من دهمان بن نصر، من هوزان، كان على بيت المال بأصبهان. قال أبو نعيم: ذكر أخبار أصبهان 1/ 69: خالد بن غلاب القرشي سكن الطائف، وولاه عثمان عمالة أصبهان وغلاب اسم امرأة، وابنها هو خالد بن الحارث. وانظر ابن حجر: الإصابة 2/ 95، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 583.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: بني بكر. والتصحيح من أنساب الأشراف (الشيخان) ص 297، وفتوح البلدان ص 377.
(5) الرّيطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة. وقيل: هو ثوب لين ورقيق. ابن منظور:
لسان العرب 7/ 307 (ريط).
(6) الصيان: هو الوعاء، يقال: جعلت الثوب في صوانه، وصيانه أيضا: وهو وعاؤه(1/316)
إذا التّاجر الهنديّ جاء بفارة (1) ... من المسك راحت في مفارقهم (2) تجر
نبيع (3) إذا باعوا ونغزوا إذا غزو ... فإنّ لهم مال (4) ولسنا بذي وفر
فقاسمهم نفسي فداؤك إنهم ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشّطر
ولا تدعونّي للشّهادة إنّني ... أغيب ولكني أرى عجب الدّهر
قال عمر: قد أعفيناه من الشّهادة، ونأخذ منهم نصف أموالهم (5)، فأخذ [النصف] (6).
__________
الذي يصان فيه. ابن منظور: لسان العرب 13/ 250 (صين).
(1) فارة: غير مهموزة، نافجته، والنافجة: أول كل شيء يبدأ بشدة، منافجة المسك: رائحته الشديدة الطيبة. انظر الجوهري: الصحاح 2/ 777 (فأر) 1/ 345 (نفج) بتصرف.
(2) في ج: مفاريقهم.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: نبيعوا.
(4) (مال) سقطت من: ب.
(5) في ب: مالهم.
(6) التكملة من: أ، ب، ج. هذا الخبر رواه ابن زنجوية: الأموال 2/ 505504، وابن عبد الحكم: فتوح مصر، (تحقيق: تشارلس) 1/ 147146كلاهما بإسناد فيه ابن لهيعة. قال ابن معين: ضعيف لا يحتج به، انظر الذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 475، وقال ابن حجر: تقريب ص 319صدوق، خلط بعد احتراق كتبه.
ورواه البلاذري: فتوح البلدان ص 377، وأنساب الأشراف (الشيخان) ص 296، وابن حجر: الإصابة 6/ 361من طريق علي بن حماد، قال الدارقطني: متروك الحديث. انظر الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 125.(1/317)
(تفقده أمور رعيته) (1):
قال أسلم (2): خرجت مع (3) عمر رضي الله عنه إلى حرّة واقم، بلغت (4) حتى إذا كنّا بصرار (5)، فاذا بنار (6) فقال: يا أسلم إنّي لأرى هاهنا ركبا قصر (7) بهم الليل والبرد، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوب على نار، وصبيانها يتضاغون (8)، فقال عمر رضي الله عنه: السّلام عليكم يا أصحاب الضوء وكره أن يقول يا أصحاب النار فقالت: والله (9) عليك السّلام، فقال (10): أأدنو؟ فقالت:
أدن بخير (11) أودع، فقال (12): فدنا، فقال (13): ما بالكم؟ قالت: قصّر بنا
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) هو أسلم العدوي، مولى عمر، ثقة، مخضرم، مات بالمدينة سنة ثمانين. ابن سعد:
الطبقات 5/ 10، 11، ابن حجر: تقريب ص 104.
(3) في الأصل: إلى، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(4) هكذا في الأصل، وسقطت من: أ، ب، ج.
(5) في أ: طار، وفي ب: طرار، وهو تحريف. وصرار: بئر قديمة بالمدينة على ثلاثة أميال على طريق العراق، تلقاء حرة واقم. ياقوت: معجم البلدان 3/ 398، وانظر البلادي:
معجم المعالم الجغرافية ص 175.
(6) في ب: إذ نارا.
(7) قصر بهم: حبسهم عن السير. الزمخشري: الفائق 1/ 37.
(8) يتضاغون: أي يصوتون باكين. ابن الجوزي: غريب الحديث 2/ 13.
(9) (لفظ الجلالة) سقط من: أ، ب، ج.
(10) مكررة في: ب.
(11) في الأصل: أذنت فخذ، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(12) القائل: أسلم.
(13) التصويب من: ب، وفي الأصل: فقالت.(1/318)
الليّل والبرد، قال: وما بال هؤلاء الصبيان، قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أسكّتهم [به] (1) حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر! قال: أي، [يرحمك] (2) الله، وما يدري عمر بكم!؟ قالت: يتولّى أمرنا ثم يغفل [عنّا] (3)! قال: فأقبل عليّ، / فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول، حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج [16/ ب] عدلا (4) من دقيق، وكبّة (5) [شحم] (6) فقال: أحمله عليّ؟ فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل عنّي وزري يوم القيامة، لا أمّ لك! فحملت عليه، وانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئا فجعل يقول لها: ذرّي عليّ (7)، وأنا أحرّك، وجعل ينفخ تحت القدر. ثم أنزلها، فقال:
[ابغني شيئا] (8)، فأتته بصحفة (9)، فأفرغها فيها، ثم جعل يقول: أطعميهم،
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) العدل: إناء للمتاع. الجوهري: الصحاح 5/ 1761 (عدل).
(5) الكبّة: بعض الشحم. انظر الخطابي: غريب الحديث 2/ 53حاشية رقم (1).
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) في ج: (عليه).
(8) التكملة من: أ، ب، ج. الباغي: الطالب، وأبغاه الشيء: طلبه له. الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 1631 (بغي).
(9) الصّحفة: أعظم قصاع الطّعام بعد الجفنة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1067 (صحف) بتصرّف.(1/319)
فأنا أطبخ لهم، فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها (1) فضل ذلك (2)، وقام وقمت معه، وجعلت (3) تقول: جزاك الله خيرا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين! ويقول (4) لها (5): قولي خيرا، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هنالك إن شاء الله [تعالى] (6). ثم تنحى ناحية عنها. ثم استقبلها. ثم ربض (7) مربضا. ثم قلت (8): لك شأن غير هذا. فلا يكلّمني حتى رأيت الصبية يصطرعون (9) ثم ناموا فهدؤوا (10)، فقال: يا أسلم، إن الجوع [قد] (11) أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت (12).
__________
(1) في أ: عندهم.
(2) (ذلك) سقط من: ب.
(3) في أ، ج: فجعلت، وسقطت من: ب.
(4) في أ، ب، ج: فبقول.
(5) (لها) سقطت من: أ، ب، ج.
(6) الزيادة من: ب.
(7) في أ، ب، ج: فربض.
(8) في أ، ب، ج: فقلت.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يتضرعون. يصطرعون: يتطارحون على الأرض. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 951 (صرع) بتصرّف.
(10) في أ، ب: وهدءوا.
(11) الزيادة من: ج.
(12) هذا الأثر أخرجه أحمد: فضائل الصحابة 1/ 292290، والطبري: تاريخ 4/ 206205، والخطابي: غريب الحديث 2/ 5352، مختصرا، كلهم من طريق مصعب بن عبد الله الزبيري، ضعفه ابن معين. انظر الذهبي: ميزان الاعتدال(1/320)
(عدد حججه) (1):
وحج رضي الله عنه في خلافته تسع حجج (2). وكان (3) في أيامه فتوحات، ووقائع مشهورات، على حسب ما يأتي بعد.
(عمر يجيز التغني بالشعر المباح) (4):
وروي أن قوما أتوا [إلى] (5) عمر رضي الله عنه فيما ذكر الحسن (6)
فقالوا: يا أمير المؤمنين إن لنا إماما إذا فرغ من صلاته تغنى (7)، فقال
__________
2/ 505، وقال عنه ابن حجر: تقريب ص 533: صدوق.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) ابن سعد: الطبقات 3/ 283، ابن الجوزي: مناقب عمر ص 9291.
(3) في ب: وكانت.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) الزيادة من: ج.
(6) لم أقف على ترجمته.
(7) الغناء هو نشيد بالمد والتمطيط. الزمخشري: الفائق 2/ 36.
والغناء المباح: هو الغناء المجرّد من آلة الطرب أو فعل منكر أو طعن، وأن لا يشغل صاحبه عن القيام بالواجبات والمسنونات، أو يتغنّى به امرأة لرجل أو العكس، أو يجتمع عليه، فإذا خلا من هذه المحرمات فهو مباح إباحة فقط، لا أنّه من الإسلام أو الدين. والذي يعتقد أن الأناشيد أو الغناء من الدّين هم الصّوفية يجعلون من جملة متعبداتهم وطقوسهم الأناشيد، يزعمون أنهم يتقربون بها إلى الله، والترانيم على شكل ما يتخذه النصارى في صلواتهم، والصوفية يشبهونهم من هذا الوجه، انظر ابن قدامة:
المغني 14/ 160، 161، السليماني: البيان المفيد ص 49، قلعة جي: موسوعة فقه عمر(1/321)
[عمر] (1): من هو؟ فذكر له الرجل، فقال: قوموا بنا إليه، فإنّا (2) إن وجهنا إليه يظن أنّا تجسّسنا أمره، قال: فقام عمر مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا الرجل، وهو في المسجد (3)، فلما نظر إلى عمر، قام (4) فاستقبله، وقال: يا أمير المؤمنين ما حاجتك؟ إن كانت الحاجة لنا فنحن (5) أحق بذلك، وإن كانت الحاجة لك، عظّمنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمير المؤمنين، فقال عمر: ويحك (6) بلغني عنك أمر ساءني، قال: وما
__________
ص 521، الزحيلي: الفقه الإسلامي 3/ 573.
وهذا الغناء هو الذي رخص فيه عمر رضي الله عنه وهو إنشاد أشعار العرب عن طريق الحداء ونحوه مما لا محذور فيه، ويدل على ذلك أن عمر كان يأمر بالحداء. ابن الأثير:
النهاية 3/ 392، وكان معجبا بشعر ضرار بن الخطاب بن مرداس، فارس قريش وشاعرهم، وكان يحب أن يغني به المغني. البيهقي: السنن 10/ 224، وانظر ابن رجب: نزهة الإسماع ص 70، 71، وكان رضي الله عنه لا يفضل على شعر ضرار إلا أن يغني الإنسان بشعر نظمه هو، لأنه يكون فيه أصدق عاطفة وأسمى إحساسا. قلعة جي:
موسوعة فقه عمر ص 521.
(1) الزيادة من: أ، ج.
(2) في ب: فإن.
(3) لا بأس بالتغني بالشعر المباح في المسجد، فقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك في مسجده صلى الله عليه وسلم. انظر ابن رجب: نزهة الأسماع ص 7371.
(4) (قام) تكررت في: أ.
(5) في أ، ب، ج: فكنّا.
(6) في ب: ويلك.(1/322)
هو يا أمير المؤمنين؟ فإنّي أعنك (1) من نفسي، قال له عمر (2): بلغني عنك أنّك إذا صليت تغنّيت. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال [له] (3) عمر:
أتلحن في عبادتك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّها عظة أعظ بها نفسي، قال [له] (4) عمر: قلها، فإن كانت كلاما حسنا قلتها بعد، وإن كانت قبيحا نهيتك عنها (5)، فقال: يا أمير المؤمنين (6) أكره أن تلزمني (7)
بشاعر (8)، قال عمر: قلها، فقال:
وفؤآدي (9) كلّما عاتبته ... عاد في الهجران يبغي تعبي (10) / [17/ أ]
لا أراه الدهر إلا لاهيا ... في تماديه فقد برح بي
ياقرين السوء ما هذا الصّبا (11) ... تقطع (12) الدّهر كذا باللّعب (13)
__________
(1) في ج: أعينك.
(2) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل وأ، ب: عنه، وما أثبته من: ج. ويؤيده ما عند ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 13/ 113.
(6) (يا أمير المؤمنين) سقطت من: ب.
(7) في ب: تلقا مني.
(8) في ج: شاعرا.
(9) في ب: فؤادي.
(10) في ب: تعب.
(11) في الأصل وأ: الصبى.
(12) في ب، ج: يقطع.
(13) في ب: كذاب لعب، وفي ج: اللعبي.(1/323)
وشباب بان مني ومضى (1) ... قبل أن أقضي منه أربي (2)
ما رجائي بعده، إلا الفنا (3) ... ضيّق الشيب عليّ مطلبي (4)
ويح نفسي لا أراها أبدا ... في جميل لا، ولا في أدبي (5)
نفسي لا كنت، ولا كان الهوى ... راقبي المولى، وخافي وارهبي (6)
فقال (7) عمر رضي الله عنه: [نفسي] (8) لا كنت ولا كان الهوى [البيت، ثم قال عمر] (9): على هذا فليغني من غنّى (10).
الفتوحات (خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد) (11):
ندب عمر رضي الله عنه سلمة (12) بن قيس الأشجعي (13) بالحرّة إلى أرض
__________
(1) في ب: فمعنا.
(2) هذا الشطر من البيت سقط من: أ.
(3) في الأصل وج: الفتى، والمثبت من: أ، ب.
(4) في ب: مطلب.
(5) في أ، ب: أدب.
(6) في ب: وارهب.
(7) في الأصل: قال، وما أثبته من: أ، ب، ج. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 13/ 113.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) أخرج مثله ابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ 113 (مخطوط).
(11) العنوان من الطبري: تاريخ 4/ 186، وابن كثير: البداية والنهاية 7/ 146.
(12) التصحيح من الطبري: تاريخ 4/ 186، ووقع في الأصل وأ، ب، ج: مسلمة وهو تحريف، وسلمة بن قيس الغطفاني له صحبة، نزل الكوفة. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 642، ابن حجر: تقريب 248.
(13) الأشجعي: منسوب إلى أشجع بن ريث، بطن من غطفان. الهمداني: عجالة(1/324)
فارس، فقال: انطلقوا باسم الله وفي سبيل الله، فقاتلوا (1) من كفر بالله، لا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلّوا، ولا تقتلوا امرأة ولا صبيا، ولا شيخا هرما. إذا انتهيت (2) إلى القوم فادعهم (3) إلى الإسلام، وإلى الجهاد في سبيل الله. فإن قبلوا، فلهم مالكم، وعليهم ما عليكم. فإن أبو فادعهم إلى الإسلام بلا جهاد. فإن قبلوا [فاقبل منهم] (4)، وأعلمهم (5) أنّه لا نصيب لهم في الفيء. فإن أبوا فادعوهم إلى الجزية، فإن قبلوا فضع عليهم (6) بقدر طاقتهم، وضع فيهم جيشا يقاتل من ورائهم، [ومن] (7) خلفهم، وما وضعت عليهم، فإن أبوا فقاتلهم (8). فإن دعوكم إلى أن تعطوهم ذمة الله تعالى (9) وذمة النبي صلى الله عليه وسلم (10)، فلا تعطوهم ذلك [ولكن] (11) أعطوهم ذمّة
__________
المبتدى ص 16، ابن الأثير: اللباب 1/ 64.
(1) في أ، ج: تقاتلون.
(2) في ج: انتهيتم.
(3) في ج: فادعوهم.
(4) التكملة من: أ، ج، وفي ب: فاقبلوا منهم.
(5) وفي الأصل: فأعلمهم، وما أثبته من: أ، وفي ب: وعليهم، وفي ج: واعلم.
(6) في أ، ب، ج: عنهم.
(7) الزيادة من: أ.
(8) في الأصل: فقاتلوهم، وما أثبته من: أ، ب، ج. وانظر سعيد بن منصور: سنن 2/ 180.
(9) (تعالى) سقطت من: ب.
(10) في أ، ب، ج: عليه السلام.
(11) التكملة من: أ، ج.(1/325)
أنفسكم، ثم أوفوا (1) لهم، فإن أبوا فقاتلوهم، فإن الله تعالى ناصركم عليهم. قال: فقدمنا البلاد فدعوناهم بما أمرنا به، فأبوا فقاتلناهم فلما مسّهم الحصر (2)، نادوا: أعطونا ذمّة الله وذمّة محمد، قلنا: لا، ولكن نعطيكم (3) ذمّة أنفسنا ثم نفي (4) لكم، فأبوا علينا فقاتلناهم، فأصيب رجل من المسلمين (5). ثم إنّ الله فتح علينا، فملأ القوم أيديهم من المتاع والدّقيق والرقة (6) ما شئنا، ثم إنّ سلمة بن قيس أمير القوم جعل يتخطّى بيوت نارهم (7)، وإذا سفطان معلقان (8) في أعلا البيت (9)، فقال: ما هذان
__________
(1) في أ: أوقفوا.
(2) في ب: الخطر، وهو تحريف. والحصر: مصدر حصر، أي ضيّق عليه وأحاط به.
الجوهري: الصحاح 2/ 630 (حصر).
(3) التصويب من: أ، وفي الأصل وب، ج: نعطوكم.
(4) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ونوفوا.
(5) في الأصل: فأصيب من المسلمين من أصيب. وما أثبته من: أ، ب، ج. وسعيد ابن منصور: سنن 2/ 180.
(6) الرقة: بكسر الراء مخففة، أي الورق، والهاء عوض من الواو: الدراهم المضروبة من الفضة. الجوهري: الصحاح 4/ 1564 (ورق) وفي ج: الرقعة، وهو تحريف، وعند الطبري: تاريخ 4/ 187، الرثة: أي المتاع.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ديارهم.
(8) في ب: بسفطين معلقين. السّفط: بفتحتين، وعاء كالقفة. انظر الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 865 (سفط).
(9) في الأصل: بيت، وما أثبته من: أ، ب، ج. وسعيد بن منصور: سنن 2/ 180.(1/326)
السّفطان؟ قالوا (1): شيء (2) كانت تعظم بها الملوك بيوت نارهم (3)، قال:
اهبطوها إليّ، فأهبطوهما، فإذا عليها طوابع (4) الملوك، فقال: ما أراهما طبعا إلا على أمر نفيس، عليّ بالناس. فلمّا جاءوا، أخبرهم بخبر السّفطين.
فقال: إنّي أردت أن أفضهما / إلا [17/ ب] بمحضركم (5). ففضّهما، فإذا هما مملوآن جواهر لا يرى مثله (6). فأقبل بوجهه على النّاس فقال: قد علمتم ما أبلاكم الله به في وجهكم هذا، فإن رأيتم أن تطيبوا [بهذين السّفطين] (7)، فطيبوا (8) نفسا لأمير المؤمنين بحوائجه، وأموره، وما ينتابه.
فأجابوه بصوت واحد: نشهد أن قد فعلنا، وطابت أنفسنا لأمير المؤمنين، فدعا برسول، فقال (9): قد عهدت أمير المؤمنين، وما أوصى به [يوم] (10)
الحرّة، وما اتبعنا به من وصيّته، وأمر السّفطين، وطيب أنفس المسلمين
__________
(1) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: قال.
(2) في ب: شيئا.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ديارهم.
(4) طوابع، جمع طابع بفتح الباء: الخاتم. الجوهري: الصحاح 3/ 1252 (طبع).
(5) في ب: بمحض كم.
(6) في أ، ب، ج: لا ترى أنه يرى مثله.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بها دين الله.
(8) (فطيبوا) سقطت من: أ، ب، ج.
(9) (فقال) سقطت من: ب، وفي ج: وقال.
(10) زيادة يقتضيها السياق، وهي من سنن سعيد بن منصور 2/ 181والمقصود: اليوم الذي جمع فيه عمر الناس على سلمة بن قيس بالحرة.(1/327)
[له] (1) بهما، فأت (2) بهما أمير المؤمنين، وأصدق الخبر، ثم ارجع إليّ بما يقول لك قال شقيق بن سلمة (3) الأسدي (4): قال لي رسول سلمة بن قيس الذي حدثني بهذا (5) الحديث قلت: مالي بد من صاحب قال: خذ بيد (6) من أحببت، فأخذت بيد (7) رجل من القوم، فانطلقنا بالسفطين، وانطلقت أطلب أمير المؤمنين عمر، فإذا هو متّكيئا على عكّاز (8) يغدّي الناس، وهو يقول: يا يرفأ (9)! ضع ها هنا (10)، فجلست في عرض الناس (11)، فحسّ بي، فقال: ألا تصب من هذا الطعام؟! قلت: لا حاجة
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) في ب: فأته.
(3) شقيق بن سلمة أبو وائل، راوي هذا الأثر، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له صحبة، سكن الكوفة، وكان من عبادها، ثقة، مات بعد الجماجم سنة اثنين وثمانين. ابن حبان:
الثقات 4/ 354، ابن حجر: تهذيب 4/ 362.
(4) الأسدي: منسوب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة. انظر ابن الأثير: اللباب 1/ 53.
(5) في ب: هذا.
(6) في ب، ج: بيدي.
(7) في ب: بيدي.
(8) عكاز: بضم أوله، عصا ذات زجّ في أسفلها يتوكأ عليها. الجوهري: الصحاح 3/ 887 (عكز).
(9) إسم غلام عمر.
(10) تكررت في: أ، ج.
(11) هذه العبارة سقطت من: ب.(1/328)
لي فيه. وإذا هو قائم يدور بهم، ثم قال: يا يرفأ! خذ خونك (1)
وقصاعك (2)، ثم أدبر، وأتبعته، فجعل يتخلّل (3) طرق المدينة حتى [أتى] (4)
إلى دار قوراء (5) عظيمة، فدخلها، فدخلت أقفوا أثره، فانتهى إلى حجرة من الدار فدخلها، فأقمت مليا (6) حتى ظننت أنّ أمير المؤمنين تمكّن في مجلسه، فقلت: السلام عليكم، فقال (7): وعليكم السلام (8)، أدخل، فدخلت عليه، فإذا هو جالس على وسادة، مرتفقا (9) أخرى، فلما رآني، نبذ التي كان (10) مرتفقها (11) إليّ، فقعدت عليها، فإذا هي تغرزني (12)،
__________
(1) خونك، خون: بضم الخاء وكسرها، جمع خوان: معّرب، وهو الذي يؤكل عليه.
الجوهري: الصحاح 5/ 2110 (خون).
(2) قصاعك: القصاع: بفتح القاف، جمع قصعة: وهي الصحفة. الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 971 (قصع).
(3) يتخلّل: تخلّل الشيء، أي نفذ، وتخلّلت القوم: إذا دخلت بين خللهم. الجوهري:
الصحاح 3/ 1689 (خلل).
(4) التكملة من: ج.
(5) قوراء: واسعة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 600 (قار).
(6) مليا: طويلا. الجوهري: الصحاح 6/ 2497 (ملا).
(7) في ب: قال.
(8) (وعليكم السلام) سقطت من: ج.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: مرتفعا. مرتفقا: متكئا على مخدة. انظر الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1145 (الرّفق).
(10) في الأصل: الذي كان، وما أثبته من: أ، ب.
(11) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: مرتفعها.
(12) تغرزني: أي تنخسني وتؤذيني بشيء كالإبرة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 667 (غرزه).(1/329)
فإذا هو (1) حشوها، ليف (2). ثم قال: يا جارية! أطعمينا، فجاءته بقصعة، فإذا (3) فيها قدر (4) من خبز يابس، فصب عليه زيتا، ما فيه ملح ولا خل، فقال: لو كنت راضية أطعمتنا خيرا من هذا يعني بالدنيا ثم قال لي:
أدن، فدنوت (فقال: يا أم كلثوم، ما يمنعك أن تخرجي فتطعمي معنا، فقالت: لو أردت ذلك [لك] (5) لكسوتني [درعا] (6) أخرج فيه، كما كسا طلحة امرأته، والزبير امرأته، وعبد الرحمن بن عوف امرأته، قال:
وما يضرّك أن (7) لا يكون لك درع (8)، وأنت يقال لك: أم كلثوم بنت (9) علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] (10)، وامرأة عمر أمير المؤمنين،
__________
(1) (هو) ليس في: أ، ب، ج.
(2) في ب: لين.
(3) (فإذا) ليست في: ب، ج.
(4) قدر: جمع قدره بالكسر، وهي في الأصل: القطعة من اللحم المطبوخ، والمراد هنا كسر الخبز. انظر الجوهري: الصحاح 2/ 787 (قدر).
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) الزيادة من: أ، ب، درع المرأة: قميصها، وهو مذكر، والجمع أدرع. ابن الأثير:
النهاية 2/ 114 (درع) وفي ج: ذرعا يقال: ثوب مذرّع، إذا كان في أكارعه لمع سود. الجوهري: الصحاح 3/ 1206 (درع) و 3/ 1210 (ذرع).
(7) في أ، ب، ج: ألا.
(8) في ج: ذرع.
(9) في ب، ج: ابنت.
(10) الزيادة من: ب.(1/330)
فقالت: إنّ ذلك عنّي لغير قليل) (1) قال: فذهبت أتناول منها فدرة (2) من الكسر، فو الله (3) ما قدرت أن أجيزها، فجعلت ألوكها مرة (4) من هذا الجانب، / ومرة من هذا الجانب، فما قدرت أن أسيغها (5)، [18/ أ] قال:
وأكل أحسن الرجال أكلة، لا يتعلق طعام بثوب ولا شعر ولا شيء، حتى رأيته يصلح (6) جوانب القصعة. وقال: يا جارية! [أسقينا] (7)، فجاءت بسويق (8)، فقال: إعطيه، فناولتنيه، فجعلت [إذا حركته] (9) ثارت له
__________
(1) ما بين القوسين أخرجه: الطبري: تاريخ 4/ 188187مطولا من طريق أبي جناب الكلبي، واسمه يحيى أبي حية، ضعفه النسائي والدارقطني، وقال الفلّاس:
متروك، قال ابن حجر: التقريب ص 589ضعفوه لكثرة تدليسه. انظر الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 371فالأثر ضعيف من هذا الطريق.
(2) فدرة: القطعة من كل شيء. انظر ابن الأثير: النهاية 3/ 420 (فدر).
(3) في أ، ب: فالله.
(4) في الأصل: حرة ألوكها، وما أثبته من: أ، ب، ج. وسعيد بن منصور: سنن 1/ 182، ألوكها: أمضغها بشدة لكونها صلبة. انظر الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1230 (اللوك).
(5) أسيغها: أبلعها، يقال: ساغ الشراب، أي سهل مدخله في الحلق. الجوهري:
الصحاح 4/ 1322 (سوغ).
(6) كذا في الأصل، وفي أ، ب، ج: يطلع. وفي سنن سعيد بن منصور 2/ 183: يلطع، واللطع: اللحس. الجوهري: الصحاح 3/ 1278 (لطع).
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: اسقنا، والصواب: من سنن سعيد بن منصور 2/ 183.
(8) السويق: ما يعمل من الحنطة والشعير. الرافعي: المصباح المنير ص 296، وفي سنن سعيد بن منصور 2/ 183: سويق سلت: السّلت بالضم، ضرب من الشعير ليس له قشر، كأنه حنطة. الجوهري: الصحاح 1/ 253 (سلت).
(9) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/331)
نشارة (1)، وإذا تركته [نثد] (2)، فلمّا رآني قد بشعته (3)، ضحك وقال:
مالك؟ أرنيه إن شئت. فناولته (4)، فشرب حتى وضع القدح على جبهته، ثم قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا (5) فأروانا، وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: أكل أمير المؤمنين وشبع وروي (6). حاجتي جعلني الله فداك.
قال شقيق: وكان في حديث هذا الرسول إيّاي: قال لي: ومن أنت؟
قلت: رسول سلمة بن قيس. قال شقيق: فحلف الرجل في حديثه (7) ثلاثا، هذه أحدها: فو الله لكأنّي [خرجت] (8) من بطنه، تحننا عليّ (9)، وحبّا بخير من جئت من عنده، وجعل يقول: إيه (10) لله أبوك! وهو من أحبّ الناس
__________
(1) نشارة: ما سقط منه، وفي سنن سعيد بن منصور 2/ 183قشارة: القشر. الخطابي:
غريب الحديث 2/ 99، والزمخشري: الفائق 4/ 84، وعند ابن الأثير: النهاية 4/ 65، القشار: ما يقشر عن الشيء الرقيق.
(2) في الأصل وأ، ب، ج: تبدى، والتصويب من غريب الحديث: للخطابي 2/ 99، والزمخشري: الفائق 4/ 84نثد: أي سكن وركد.
(3) في الأصل: بعثته، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(4) (فناولته) تكررت في: ج.
(5) في أ: وأسقانا.
(6) في أ، ب، ج: فروي.
(7) في ج: حديثي.
(8) الزيادة من: ب.
(9) تحنن عليه: ترحّم. الجوهري: الصحاح 5/ 2104 (حنن).
(10) إيه: اسم فعل بمعنى الأمر للاستزادة والاستنطاق من حديث أو عمل. انظر الجوهري: الصحاح 6/ 2226 (أية) والفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1604.(1/332)
إليّ. كيف حالكم؟ ما صنعتم؟ كيف المسلمون؟ وكيف سلمة (1) بن قيس؟ فقلت (2): على ما يحب أمير المؤمنين. فقصصت عليه الخبر حتى انتهيت إلى من قتل [فاسترجع، وبلغ منه، وترحّم عليه طويلا، قلت] (3):
ثم إن الله عزّ وجلّ (4) فتح علينا وعلى المسلمين فتحا عظيما، فملؤوا أيديهم من متاع ورقيق ورقة (5)، بما شاؤوا (6)، وقال: ويحك! فكيف اللحم بها؟ وإنّها شجرة العرب، ولا تصلح العرب إلا بشجرتها؟ قلت:
الشّاة بدرهمين، قال: الله أكبر. ثم قال: ويحك! هل أصيب من المسلمين غير ذلك الرجل (7)؟ قلت: لا، قال: ما يسرني، إن أصبتم أضعف، وإنه أصيب أحد من المسلمين. ثم أخبرته بحديث السّفطين، فحلف الرسول (8)
عندها يمينا أخرى، قال فيها: بالله الذي لا إله إلا هو لكأنّي (9)
أرسلت عليه الأفاعي والأساود (10) والأراقم (11)، ثم أقبل عليّ آخذا
__________
(1) في أ: مسلمة.
(2) في أ، ب، ج: قلت.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) (عز وجل) ليست في: ب.
(5) في ج: ورقعة.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بما شاء.
(7) (الرجل) سقطت من: أ، ب.
(8) في ج: الرجل.
(9) في ج: لكأنما.
(10) في الأصل: الأسد، وفي أ، ب، ج: الأسود. والتصحيح من سنن سعيد بن منصور 2/ 184، والأساود: هي العظيم من الحيّات. الجوهري: الصحاح 2/ 491 (سود).
(11) الأراقم: جمع أرقم وهي أخبث الحيّات، وأطلبها للنّاس. الفيروزآبادي: القاموس(1/333)
بحقويه (1)، وقال: لم يكن لي (2) أن أقبل (3) ذلك، كيف والمسلمون يستقبلون (4) الظمأ والجوع والخوف، ومصادمة (5) العدو، وعمر يغدو (6)
من أهله ويروح عليهم، ويتبع أفياء (7) المدينة. ارجع بما جئت به، فلا حاجة لي فيه. فقلت: يا أمير المؤمنين إنّه أبدع (8) بي وبصاحبي فأحملنا، قال: [لا ولا كرامة للآخر] (9)، ما جئتني بما أشكر فيه فأحملك، فقلت: يا عباد (10) الله! أيترك رجل بين أرضين (11)؟ فقال:
__________
المحيط ص 1440 (رقم).
(1) حقويه: مفرد حقو، وهو الخصر ومشدّ الإزار. الجوهري: الصحاح 6/ 2317 (حقا).
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: لم لا.
(3) في ب: أقبلها.
(4) ما أثبته من: أ، ب، وفي الأصل وج: يتقبلون.
(5) في أ، ب، ج: مصادرة.
(6) (يغدو) سقطت من: أ.
(7) في الأصل: أفناء، وما أثبته من: أ، ب، ج. أفياء جمع فيء: ما بعد الزوال من الظل.
الجوهري: الصحاح 1/ 63 (فيأ).
(8) في الأصل وأ، ب، ج: أيدع، وهو تصحيف، والتصويب من سنن سعيد بن منصور 2/ 184، والطبري: تاريخ 4/ 189. أبدع: انقطعت به راحلته. الزمخشري: الفائق 1/ 84 (بدع).
(9) في الأصل والنسخ الأخرى: ولكن عامة، والمثبت من سنن سعيد بن منصور 2/ 184.
(10) في الأصل وأ: يا عبد الله، وما أثبته من: ب، ج.
(11) في الأصل وأ: رجلا أرضين، وفي ب، ج: رجل من أرضين، والتصحيح من سنن سعيد بن منصور 2/ 184.(1/334)
أما لولا قبلها (1)! ثم قال: يا يرفأ! انطلق بهما فاحمله وصاحبه على ناقتين ظهريّتين (2) من إبل الصدقة، ثم انهض بهما حتى يخرجان من الحرة. ثم التفت إليّ فقال: إن شتا (3) / المسلمون (4) في مشتاهم قبل أن [18/ ب] تقسما، لا عذر منك (5)، ومن صويحبكم، ثم قال لي (6): إذا انتهيت إلى البلاد انظر من ترى أحوج من المسلمين، وادفع إليه الناقتين (7). فقدمنا على (8) سلمة بن قيس، وأخبرناه الخبر، فقال: عليّ بالمسلمين، فجاؤوا، فقال لهم: إن أمير المؤمنين قد وفّر لكم سفطيكم (9) هذين، ورأى (10)
أنكم أحق (11) بها، فاقتسموا (12) على بركة الله، فقالوا: أصلحك الله أيها
__________
(1) في ج: قللها.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: ظهرتين، وظهريتين: قويّتين. الخطابي:
غريب الحديث 2/ 99.
(3) شتا المسلمون: أي خرجوا للغزو في فصل الشتاء.
(4) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: المسلمين.
(5) في أ، ب: منكم.
(6) (لي) سقطت من: ب.
(7) (الناقتين) سقطت من: أ.
(8) في ب: إلى.
(9) في أ، ب: فسطيكم.
(10) في الأصل: وأرى، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(11) في ب: أحقو.
(12) في أ، ب: فاقسموا.(1/335)
الأمير! إنه لينبغي (1) لهما (2) نظر وتقويم وقسمة، فقال: لا تدرجوني (3)
وأنتم تطلبوني (4) منها بحجر، فعدّ (5) القوم، وعدّ الحجارة، فربما ألقى إلى الرجل الحجر، وربما فلق (6) الحجر بين اثنين. (7)
(البلدان التي فتحت في سنة ثلاث عشرة) (8):
وفي أوّل (9) سنة من خلافة عمر رضي الله عنه (10)، وهي سنة ثلاث (11) عشرة فتح حمص (12)، والأبلّة (13)، والفرات (14).
__________
(1) في الأصل: ليبقى، وما أثبته من: أ، ب، وفي ج: ليسعى.
(2) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: لهم.
(3) تدرجوني: درج، مشى. والمعنى لا تمشون وتتركوني. انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 240 (درج).
(4) في ج: تطالبوني.
(5) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل: فعاد.
(6) فلق: شقه وجعله نصفين. انظر الجوهري: الصحاح 4/ 1544 (فلق).
(7) أخرج هذا الأثر بتمامه سعيد بن منصور: سنن 2/ 185179بإسناده إلى شقيق ابن سلمة الأسدي، وصححه ابن حجر في الإصابة 3/ 118، والطبري: تاريخ 4/ 186 190مثله، والخطابي: غريب الحديث ص 98، والزمخشري: الفائق 4/ 84مختصرا.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) (أول) سقطت من: أ، ج.
(10) هذه العبارة سقطت من: ج.
(11) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: ثلاثة.
(12) المشهور أنّ فتح حمص كان سنة أربع عشرة. انظر خليفة: تاريخ ص 127عن ابن إسحاق، الطبري: تاريخ 4/ 579.
(13) في أ، ب، ج: البلة. رجّح الطبري: تاريخ 3/ 350أنّ فتح الأبلّة كان على يد عتبة ابن غزوان سنة أربع عشرة. وانظر خليفة: تاريخ ص 127.
(14) الفرات: النهر المعروف، والمقصود هنا مدينة الفرات التي فتحها عتبة بن غزوان سنة أربع عشرة. البلاذري: فتوح 1/ 421، عن عوانة بن الحكم، وانظر خليفة:(1/336)
وفيها ولّى أبا (1) عبيدة بن الجراح الشّام كلّها، وعزل خالد بن الوليد (2).
وفيها كانت وقعة فحل (3) من أرض الأردن بالشّام في رجب، وقيل: في ذي (4) القعدة.
وفيها بعث [أبا عبيدة] (5) بن مسعود الثقفي إلى العراق (6)، فبلغ الجسر (7).
__________
تاريخ ص 127عن المدائني، وقال ياقوت: معجم البلدان 4/ 242الفرات: كورة بهمن أردشير.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبو.
(2) انظر خليفة: تاريخ ص 155.
(3) في أ، ب، ج: عجل، وهو تحريف. وفحل: بكسر الفاء وسكون الحاء تقع إلى الشرق من نهر الأردن بين نهر الزّرقا جنوبا ونهر اليرموك شمالا. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 213.
(4) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ذا. وهو قول الزهري، وابن إسحاق.
انظر الطبري: تاريخ 3/ 441، وابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 145.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: عروة، والصواب هو المثبت، والد المختار، وصفية امرأة عبد الله بن عمر، أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، واستشهد في وقعة الجسر، التي كان فيها أمير الجيش. ابن الأثير: أسد الغابة 5/ 205، ابن حجر: الإصابة 7/ 127.
(6) الطبري 3/ 441، 444، عن الواقدي، وعن سيف بن عمر.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ: الحصر، وفي ب: الحسى، والجسر بكسر الجيم المعروف بجسر أبي عبيد، كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس قرب الحيرة.
ياقوت: معجم البلدان 2/ 140.(1/337)
(البلدان التي فتحت سنة أربع عشرة) (1):
وفي سنة أربع (2) عشرة فتحت (3) دمشق (4) صلحا بأعمالها وما حولها إلى حمص، في شهر ربيع الآخر (5).
وقيل: في رجب (6) على يد (7) أبي عبيدة بن الجراح.
وقيل: فيها كانت [وقعة] (8) فحل (9). والأول أكثر.
وفيها حجّ عمر رضي الله عنه بالناس (10).
وفيها أمر بالقيام في شهر رمضان بالمدينة، وكتب به إلى البلدان (11)
التي [فتحت] (12) يصلّى فيها، وكان قبل ذلك يصلي الرجل لنفسه،
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: أربعة، وسقطت من: ج.
(3) في ج: افتتح.
(4) (دمشق) سقطت من: ب.
(5) في الأصل: الآخرة، وما أثبته من: أ، ب، ج، ذكر البلاذري: فتوح 1/ 146عن الواقدي: أن تأريخ كتاب خالد بصلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة.
(6) هذا قول ابن إسحاق، والواقدي، وابن الكلبي. خليفة: تاريخ ص 126، الطبري:
تاريخ 3/ 435، 441، والبلاذري: فتوح 1/ 146، وأبو زرعة: تأريخ 1/ 217.
(7) في ج: يدي.
(8) الزيادة من: ب.
(9) الطبري: تاريخ 3/ 441عن ابن إسحاق.
(10) الطبري: تاريخ 4/ 597.
(11) الخبر عند ابن سعد: الطبقات 3/ 281.
(12) في الأصل: تليها، وما أثبته من: أ، ب، ج.(1/338)
ويصلّي بصلاته الرهط، فجمعهم على قاريء (1) واحد (2).
وفيها بعث عتبة بن غزوان واليا (3) إلى البصرة (4).
(وقعة اليرموك) (5):
وفي سنة خمس (6) عشرة كانت وقعة اليرموك من أرض التّيه (7) في عمل دمشق على يد أبي (8) عبيدة بن الجراح. وهي الوقعة التي كسر الله بها الروم، وأظهر عليهم، فلم (9) يكن بعدها وقعة عظيمة (10). وكانت في
__________
(1) في الأصل وب: قارء، والتصويب من: أ، ج.
(2) أخرجه البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب الصوم، باب فضل من قام رمضان 1/ 342رقم (2010) وفيه: فجمعهم على أبي بن كعب. وجاء عند مالك: الموطأ 1/ 115 (برواية يحيى بن يحيى الليثي) أنّ عمر بن الخطاب أمر أبّي بن كعب وتميما الدّاري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.
(3) في ب: والي.
(4) خليفة: تاريخ ص 129.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
واليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن. ياقوت: معجم البلدان 5/ 434.
(6) في ب: خمسة عشر.
(7) التيه: المفازة يتاه فيها، والجمع أتياه وأتاويه. الجوهري: الصحاح 6/ 2229 (تيه).
(8) (أبي) سقطت من: ب.
(9) في ب: فلق، تحريف.
(10) سقطت من: أ، ب، ج، انظر الطبري: 3/ 441برواية الواقدي.(1/339)
رجب (1)، وكان الروم يومئذ عشرون صفا (2) لا يرى طرفا لهم (3). وقيل:
إنهم كانوا أربعمائة ألف (4)، والمسلمون ثلاثة صفوف (5). فضرب الله وجوه الروم، ومنح المسلمين (6) أكتافهم، يقتلونهم كيف شاؤوا، وركب بعضهم بعضا حتى انتهوا إلى مكان مشرف على أهوية (7) تحتهم، فأخذوا يتساقطون فيها وهو يوم ذو (8) ضباب. ولا يعلم آخرهم ما يلقى (9) أوّلهم حتى سقط فيها نحو من مائة ألف رجل، وقتل منهم في المعركة بعد ما أدبروا نحو من خمسين ألفا، واتبعهم خالد بن الوليد على الخيل، فقتلهم في كل واد، وفي كلّ شعب، وفي كل جبل، وفي كلّ ناحية (10)، / وسميت
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 130عن ابن الكلبي، البلاذري: فتوح 1/ 162والطبري: تاريخ 3/ 419عن المدائني، وابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 160وقال: هذا هو المحفوظ.
(2) الأزدي: فتوح الشام ص 217.
(3) في الأصل وب، ج: لا ترى أطرافهم، وما أثبته من: أ.
(4) الأزدي: فتوح الشام ص 217.
(5) كان عدد المسلمين في هذه الوقعة ستة وأربعون ألفا، الطبري: تاريخ 3/ 395عن سيف بن عمر.
(6) في أ: ومنح المسلمون.
(7) في الأصل: هوية، وما أثبته من: أ، ب، ج. الأهوية: جمع هوة: الوهدة العميقة.
الجوهري: الصحاح 6/ 2538 (هوى).
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ذا.
(9) في أ: يلق، وفي ب: يلقا.
(10) الأزدي: فتوح الشام ص 231230.(1/340)
[19/ أ] [تلك] (1) الأهوية: [الواقوصة] (2)، إلى اليوم، لأنّهم وقعوا فيها.
وانتهى خبر الهزيمة إلى قيصر ملك الروم وهو بأنطاكية (3)، فبينما هو كذلك إذ جاء رجل عظيم من عظماء الروم، فقال له الملك: من وراءك؟
قال: الشّرّ، هزمنا، قال: فما (4) فعل أميركم ماهان (5) قال: قتل. قال: فما فعل الدّرنجان (6)؟ قال: قتل وكان من عظمائهم ونساكهم قال:
ففلان، وفلان، [وفلان] (7)، فسمّى له عددا من أمرائه وبطارقته (8)، وفرسان الروم، قال: قتلوا كلهم، فقال له: وكأنّك أنت والله أخبث
__________
(1) الزيادة من: أ، ج، وفي ب: ذلك.
(2) في الأصل: الوقعة، وفي أ، ب، ج: الواقعة. والصواب هو المثبت من فتوح الشام ص 231.
وسميت بذلك لأنهم وقصوا فيها، وما فطنوا لتساقطهم فيها حتى انكشف الضباب، فأخذوا في وجه آخر. ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 170.
والواقوصة: واد بالشام في أرض حوران على نهر اليرموك. ياقوت: معجم البلدان 5/ 354.
(3) أنطاكية: بتخفيف الياء، مدينة بالثغور الشامية، جنوب تركيا. البكري: معجم ما استعجم 1/ 200، ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 33.
(4) في الأصل: ما، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(5) هكذا في الأصل وأ، ب، ج. واليعقوبي: تأريخ 2/ 141، وابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 159، وابن كثير: البداية والنهاية 7/ 4، وعند الطبري: تاريخ 3/ 395عن سيف، والأزدي: فتوح الشام ص 236 (باهان).
(6) عند الأزدي: فتوح الشام ص 106، 222، 226، الدرنجار: رتبة لقائد على خمسة آلاف، وصاحب الميسرة في جيش الروم في وقعة اليرموك، وكان متنسكا، وقتل بها.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج. والأزدي: فتوح الشام ص 236.
(8) في الأصل وأ: أمرائهم وبطارقتهم، وما أثبته من: ب، ج، والأزدي: فتوح الشام ص 236.(1/341)
وألأم (1) وأكفر من أن تذّب عن (2) دين، أو تقاتل (3) عن دنيا.
ثم قال لشرطه: أنزلوه، فأنزلوه، فجاءوا (4) به، فقال له: ألست (5)
أنت أشدّ الناس عليّ في أمر محمد نبي العرب حين جاءني كتابه ورسوله؟ (6) وكنت أردت أن أجيب إلى ما دعاني إليه (7)، وأدخل في دينه، حتى تركت ما كنت أريد من ذلك؟ فهلّا (8) قاتلت (9) الآن قوم محمد وأصحابه دون سلطاني، وعلى قدر ما كنت لقيت منك، إذ منعتني من الدّخول في دينه؟ أضربوا عنقه، فقدّموه، وضربوا عنقه.
ثم نادى في أصحابه (10) بالرّحيل إلى القسطنطينة (11) راجعا.
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أليم.
(2) في أ: على.
(3) في أ، ب: تقتل.
(4) في أ: فجاوبه.
(5) (ألست) سقطت من: ب.
(6) في أ، ب، ج: ورسله. والرسول الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: دحية بن خليفة الكلبي. طبقات ابن سعد 1/ 259.
(7) (إليه) سقطت من: ج.
(8) في الأصل وج: فهل لا.
(9) في الأصل وب: قتلت، وما أثبته من: أ، ج، والأزدي: فتوح الشام ص 236.
(10) (في أصحابه) سقطت من: ب.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قسطينة. القسطنطينية: ويقال قسطنطينة، باسقاط ياء النسبة، كانت عاصمة الدولة البيزنطية، ثم فتحت على يد السلطان العثماني محمد الثاني سنة 1453م، وهي مدينة (إسطنبول) الآن بتركية. انظر ياقوت:(1/342)
فلما خرج من الشام وأشرف على أرض الروم، استقبل الشّام بوجهه وقال: السّلام عليك يا سورية، سلام مودع لا يرى أنّه يرجع إليك أبدا (1).
(وقعة القادسية) (2):
وفيها كانت وقعة القادسّية بالعراق على يد (3) سعد (4) بن أبي وقاص، ورأس الفرس رستم (5)، عامل يزدجرد بن كسرى (6). فاستشهد فيها من المسلمين ألفان وخمسمائة (7)، وقتل الله رستما، قتله هلال ابن
__________
معجم البلدان 4/ 348347.
(1) الأزدي: فتوح الشام ص 236.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
القادسية: موضع بين النجف والحيرة، إلى الشمال الغربي من الكوفة، وإلى الجنوب من كربلاء. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 221.
(3) في ب، ج: يدي.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: سعيد. سعد بن مالك الزهري، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمي بسهم في الإسلام، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 606، ابن حجر: تقريب ص 232.
(5) رستم: الملقب بالشّديد، من أشهر قادة الفرس، وكان أميرا على سجستان، قبل مقتله في القادسية. البستاني: دائرة المعارف 8/ 585بتصرف.
(6) هو يزدجرد بن شهريار، آخر ملوك الفرس، قتل بسجستان، وكان مدة ملكه عشرين سنة. ابن قتيبة: المعارف ص 667666.
(7) ذكر الطبري: تاريخ 3/ 564برواية سيف بن عمر أن هذا العدد من الشهداء كان قبل ليلة الهرير، وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية ستة آلاف من المسلمين، فيكون عدد(1/343)
علّفة اللّيثي (1)، وقتل معه من العدوّ مائة ألف، وأسر منهم بضع وخمسون (2) ألفا (3).
وفيها فتحت [الأردن] (4) كلّها عنوة إلّا طبرية (5)، فإنها فتحت
__________
من قتل من المسلمين في هذه الوقعة ثمانية آلاف وخمسمائة.
(1) في الأصل وأ، ب، ج: هلال بن علية، والصحيح: هلال بن علّفة، بضم العين المهملة وتشديد اللام بعدها فاء، قتل يوم القادسية. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1543، والذهبي: المشتبه ص 468، وابن حجر: الإصابة 6/ 303، وانظر خليفة:
تاريخ ص 132، وذكر الطبري: تاريخ 3/ 564، 566، 576، عن سيف بن عمر وابن إسحاق، كان الذي قتل رستم هلال بن علفة التيمي. والبلاذري: فتوح 2/ 317.
(2) في ب: بضع وخمسين.
(3) تشير رواية سيف بن عمر عند الطبري 3/ 505إلى هذا العدد الكبير من القتلى والأسرى في صفوف المشركين، فقد ذكرت الرواية أنّ عدد جيش الفرس في القادسية بما فيهم أتباعهم من أهل البلاد التي كانت تحت أيديهم كان أكثر من مائتي ألف. وانظر ابن أعثم: الفتوح 1/ 160159.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الأراضي. الأردن: إقليم كبير من بلاد الشام يمتد من البحر الميت جنوبا إلى صور شمالا، ويصل إلى البحر الأبيض غربا، ويشمل من الشرق إقليم البلقاء، أما اليوم فيطلق على الأرض الواقعة شرق نهر الأردن إلى أعماق صحراء العرب شرقا، ومن المدورة سرغ قديما جنوبا إلى الرمثاء في حوران شمالا. البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 24.
(5) طبرية: مدينة صغيرة مطلة على بحيرة طبرية، من أعمال الأردن من طرف الغور، وهي اليوم بفلسطين. ياقوت: معجم البلدان 4/ 17.(1/344)
صلحا (1).
(البلدان التي فتحت سنة ست عشرة) (2):
وفي سنة ست (3) عشرة كان فتح الجابية (4)، وهي من عمل دمشق، فتحها أبو عبيدة بن الجراح.
وفيها قدم عمر الشّام، ففتح بيت المقدس (5).
خطبة عمر بالجابية (6):
وكان دخل الشّام مرتين، مرة لصلح بيت المقدس، ومرة للجابية.
فقال: الحمد لله الحميد المستحمد، الدّفّاع (7) المجيد، الغفور الودود، الذي من أراد أن يهدي من عباده اهتدى، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
__________
(1) البلاذري: فتوح 1/ 138عن الهيثم بن عدي. وخليفة: تاريخ ص 130129، والطبري: تاريخ 4/ 444.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: ستة، وفي ب: تسعة.
(4) ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 176، الجابية: قرية من أعمال دمشق، من ناحية الجولان، في شمال إقليم حوران. ياقوت: معجم البلدان 2/ 91.
(5) خليفة: تاريخ ص 135عن ابن إسحاق، الطبري: تاريخ 3/ 610عن سيف بن عمر، والبلاذري: فتوح 1/ 165. وابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 175.
(6) هذا العنوان عند الأزدي: فتوح الشام ص 251.
(7) في الأصل: الدافع، وفي ج: الرفيع، وما أثبته من: أ، ب، والأزدي: فتوح الشام ص 251.(1/345)
ورجل (1) من القسّيسين (2) عنده وعليه جبّة (3) صوف، فلما قال عمر: من يهد الله فهو المهتدي [فقال النصراني: وأنا أشهد، فقال عمر:] (4) ومن يضلل (5) فلن تجد له وليا مرشدا (6)، فنفض (7) / النّصراني جبّته (8) [19/ ب] عن صدره ثم قال: معاذ الله، لا يضل الله أحدا يريد الهدى. فقال عمر: ماذا يقول عدو الله هذا النصراني؟ قالوا (9): يقول: إن الله يهدي ولا يضل أحدا، فرفع عمر (10) صوته، وعاد (11) في خطبته بمثل ما في (12) مقالته الأولى، ففعل النّصراني كفعله الأوّل، فغضب عمر،
__________
(1) في ج: وجعل.
(2) القسّيسين: بكسر القاف، رئيس من رؤساء النصارى في الدين والعلم. الجوهري:
الصحاح 3/ 963 (قسس).
(3) الجبة: ثوب واسع الكمّين، مشقوق المقدم، ويلبس فوق الثياب، والجمع: جبب وجباب. المعجم الوسيط 1/ 104.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) (ومن يضلل) سقطت من: ب.
(6) (مرشدا) سقطت من: ب.
(7) نفض: يقال نفضت الثوب إذا حرّكته. الجوهري: الصحاح 3/ 1109 (نفض).
(8) في ب: جبهته.
(9) في ب: قال.
(10) (عمر) سقطت من: ب.
(11) في الأصل: ثم عاد، وما أثبته من: أ، ب، ج. والأزدي: فتوح الشام ص 251.
(12) (ما في) ليست في: أ، ب، ج.(1/346)
وقال (1): والله لئن أعادها لأضربن عنقه، ففهمها النصراني فسكت (2).
ثم إن عمر رضي الله عنه عاد (3) في خطبته [فقال] (4): من يهده (5) الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فسكت النصراني.
ثم قال عمر رضي الله عنه: أمّا بعد فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خيار أمّتي الذين يلونكم، ثم الذين يلونهم (6)، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشّهادة (7)، ولم يستشهد عليها، وحتى يحلف على اليمين ولم يسألها (8)، فمن أراد بحبوحة (9) الجنّة فليلزم الجماعة، ولا يبال الله بشذوذ من شذّ (10). ألا لا يخلونّ (11) رجل منكم بامرأة إلا أن تكون له محرما،
__________
(1) في الأصل: ثم غضب، ثم قال. وما أثبته من: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: فسكت النصراني، وفي أ، ب: ففهم النصراني، فسكت، وما أثبته من: ج.
(3) (عاد) سقطت من: ج.
(4) الزيادة من: ج.
(5) في ب: يهدي.
(6) في ج: يلونكم.
(7) في ب: حتى أن الرجل يشهد الشهادة.
(8) في الأصل: ويحلفوا على اليمين ولم يسألوا، وما أثبته من: أ، ب، ج، والأزدي:
فتوح الشام ص 252.
(9) بحبوحة الجنة: بحبوحة كل شيء وسطه وخياره، وبحبوحة الجنّة: وسطها.
الزمخشري: الفائق 1/ 81، ابن الأثير: النهاية 1/ 98.
(10) في ب: شدد.
(11) في الأصل: لا يخلوا، وفي ج: ألا لا يخلوا. وما أثبته من: أ، ب، والأزدي: فتوح الشام ص 252.(1/347)
فإن ثالثهما الشيطان» (1).
وفيها [فتحت] (2) سروج (3) والرّهاء (4)، من أرض الجزيرة (5) صلحا، وفيها كوّفت (6) الكوفة على يد سعد (7) بن أبي وقاص بعد فراغه من
__________
(1) هذه الخطبة أخرجها بتمامها الأزدي: فتوح الشام ص 252251عن عطاء بن عجلان الحنفي، وهو متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس، وغيرهما: الكذاب.
لكن ابن كثير قال: رويت خطبة عمر بالجابية من وجوه عديدة إذا تتبعت بلغت حدّ التواتر. مسند الفاروق 2/ 564.
أما الحديث الوارد في الخطبة، فقد أخرجه بنحوه أحمد: المسند 1/ 205204رقم (114) (تحقيق أحمد شاكر). وقال: إسناده صحيح، والترمذي: سنن، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة 4/ 466465رقم (2166) وصححه الحاكم:
المستدرك مع التلخيص 1/ 112ووافقه الذهبي.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) سروج: بلدة قريبة من حرّان من ديار مضر. ياقوت: معجم البلدان 3/ 216.
(4) التصويب من: أ، ب، والبلاذري: فتوح البلدان 1/ 208، وفي الأصل: البرها.
الرهاء: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام، ياقوت: معجم البلدان 3/ 206، وذكر خليفة: تاريخ ص 138عن ابن إسحاق: أن الرها فتحت سنة ثمان عشرة.
(5) جزيرة أقور: بالقاف، وهي التي بين دجلة والفرات، مجاورة الشّام. ياقوت: معجم البلدان 2/ 134.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: كرهت، والتصويب من ابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ 153 (مخطوط) أي جمعت، والتكوّف: التّجمع، وسميت الكوفة بذلك لأن سعدا أرتادها لهم وقال: تكوّفوا في هذا المكان: أي اجتمعوا. ابن سيده: المحكم 7/ 110، وابن منظور: لسان العرب 9/ 311 (كوف).
والكوفة: المصر المشهور وسمّيت بذلك لاستدارتها، تقع في الجانب الغربي من نهر الفرات. ياقوت: معجم البلدان 4/ 490بتصرف. وقد ذكر البلاذري: فتوح 1/ 339برواية الواقدي: أن تمصير الكوفة كان سنة سبع عشرة وفي رواية أخرى له في الفتوح 1/ 340عن أبي عبيدة: أن تمصيرها كان سنة ثمان عشرة.
(7) في أ، ب: سعيد.(1/348)
المدائن (1).
ورجع عمر رضي الله عنه (2) من الشّام فحج بالنّاس، وكان خلف على المدينة زيد بن ثابت (3).
(مبدأ التأريخ الهجري) (4):
وفيها كتب عمر (5) التأريخ في شهر ربيع الأول (6)، بعد أن استشار في ذلك، فقال قائل: من النبوة، وقال قائل: من الهجرة، وقال قائل: من الوفاة، ثم اجتمعوا على التأريخ من الهجرة (7).
وفيها فتحت حلب (8)، وأنطاكية، ومنبج (9)، وقنّسرين (10).
__________
(1) المدائن: جمع مدينة، وإنما سميت بذلك لأنها كانت مدنا، كل واحد منها إلى جنب الآخرى، ومنها طيفون وهي مدينة كسرى التي فيها الدّيوان. ياقوت: معجم البلدان 4/ 55، والبغدادي: مراصد الإطلاع 3/ 1243.
(2) (رضي الله عنه) سقطت من: ب.
(3) الطبري: تاريخ 4/ 39عن الواقدي.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) (عمر) سقط من: ب.
(6) ابن سعد: الطبقات 3/ 281.
(7) أخرجه بنحوه ابن شبة: تأريخ المدينة 2/ 758عن الشعبي، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 189عن الشعبي أيضا. والطبري: تاريخ 4/ 38وفيه بمشورة علي رضي الله عنهما.
(8) حلب: مدينة تقع في شمال بلاد الشام: كانت قاعدة لجند قنسرين. ياقوت: معجم البلدان 2/ 282.
(9) منبح: بفتح أوله وإسكان ثانيه، بلد قديم من أعمال قنسرين. انظر البكري: معجم ما استعجم 4/ 1265، وياقوت: معجم البلدان 5/ 205.
(10) في الأصل: قصرين، والتصويب من: أ، ب، ج، وانظر الخبر بتمامه عند خليفة:(1/349)
وفيها كانت غزوة (1) عمواس (2).
(عام الرمادة) (3):
وفي سنة سبع (4) عشرة كان عام الرمادة (5)، وهي السنة التي أصاب الناس فيها القحط والمجاعة، حتى استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما، فقال: اللهم إنا نستشفع إليك بعمّ نبيك العباس (6). فسقوا
__________
تأريخ ص 135والبلاذري: فتوح 1/ 164. وقنّسرين: مدينة قرب حلب في جنوبها، كانت مركزا لأحد أجناد الشام الخمسة، وهي اليوم قرية صغيرة. عبد السّلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1489.
(1) (غزوة) ليست في: أ، ب، ج.
(2) ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 176عن أبي معشر. قال ابن عساكر: ولعل عمواس التي ذكرها أبو معشر كانت وقعة عندها.
وعمواس: ضيعة جليلة على بعد ستة أميال من الرّملة على القدس وتبعد عن القدس حوالي ثلاثين كيلا. ياقوت: معجم البلدان 4/ 157، ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 202.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في ب: سبعة.
(5) الرّمادة: الهلاك، وسمّي عام الرّمادة بهذا الاسم لأن النّاس والأموال هلكوا فيه كثيرا، وقيل لجدب تتابع فصيّر الأرض والشجر مثل لون الرّمادة، والأوّل أجود. ابن منظور: لسان العرب 3/ 186 (رمد).
(6) ورد هذا الأثر عند ابن سعد: الطبقات 3/ 321، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 322عن الواقدي، وهو متروك، لكن له شاهد أخرجه البخاري، الصحيح، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (فتح الباري) 2/ 494رقم (1010) وفي كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر العباس (فتح الباري)(1/350)
في (1) مكانهم.
وفيها افتتحت دارا (2) من الجزيرة صلحا.
(توسعة عمر المسجد الحرام) (3):
وفيها بنى عمر المسجد الحرام، ووسع فيه، وأقام بمكة عشرين ليلة يقصر الصلاة (4)، وهدم على قوم دورا (5)، أبوا أن يبيعوها [منه] (6) ووضع أثمانها (7) في بيت المال، حتى أخذوها (8).
__________
7/ 77رقم (3710) عن أنس رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم كنّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فأسقنا. قال: فيسقون.
والمقصود بالتوسل هنا: التوسل المشروع، وهو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته. ابن تيمية: مجموع الفتاوى 1/ 223.
(1) (في) ليس في: أ، ب.
(2) في ج: دار. ودارا: بلدة في سفح الجبل، بين نصيبين وماردين. ياقوت: معجم البلدان 2/ 418، الحميري: الروض المعطار ص 230، وذكر الطبري: تاريخ 4/ 53، عن ابن إسحاق: أن فتح دارا كان سنة تسع عشرة على يد عياض بن غنم. وانظر البلاذري: فتوح 1/ 208.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) عند ابن سعد: الطبقات 3/ 283: وكان عمر خرج إلى الجابية في صفر سنة ست عشرة فأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة.
(5) التصويب من: ب، وفي الأصل: دارا.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ب، ج: أثمان دورهم.
(8) رواه الأزرقي: أخبار مكة 2/ 6968، مع اختلاف يسير. وانظر الفاكهي: أخبار(1/351)
وفيها كانت سرغ (1).
(طاعون عمواس والبلدان التي فتحت سنة ثمان عشرة) (2):
وفي سنة ثمان عشرة، كان طاعون عمواس بأرض الأردن، وفلسطين، مات فيها بضعا وعشرون (3) ألفا من المسلمين.
وفيها مات (4) أبو عبيدة بن الجراح (5) رضي الله عنه.
ويقال: إنّ عمواس / قرية بين الرملة وبيت المقدس (6)، [20/ أ]، وقيل: إنّ الصّبيّ كان (7) يلقى الرجل، فيقول له: عم وآس (8)، فسمّي
__________
مكة 2/ 158157، واليعقوبي: تأريخ 2/ 149، وابن فهد: إتحاف الورى 2/ 98.
(1) أي فتح مدينة سرغ، وسرغ: موضع أوّل الشّام، وآخر الحجاز، بين المغيثة وتبوك، من منازل حاج الشام. انظر ياقوت: معجم البلدان 3/ 212211وذكر فتحها ابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ 152 (مخطوط) عن أبي معشر، وانظر الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 275عن الليث بن سعد.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) روى ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 1711عن المدائني، أنه مات في طاعون عمواس ستة وعشرون ألفا. وقال البكري: معجم ما استعجم 3/ 971: مات فيه نحو خمسة وعشرون ألفا. وعند ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 1/ 177عن مدرك بن أبي سعد الدمشقي: أذهب الطاعون من المسلمين عشرين ألفا.
(4) (وفيها مات) سقطت من: ج.
(5) ابن سعد: الطبقات 3/ 414عن الواقدي، خليفة: الطبقات ص 27، 300.
(6) البكري: معجم ما استعجم 1/ 971.
(7) (كان) ليس في: أ.
(8) نقل البكري: معجم ما استعجم 1/ 971عن الأصمعي قوله: أنه إنما سمي(1/352)
ذلك الطاعون: [عم وآس] (1).
وفيها فتحت الرّها (2)، وشمشاط (3)، وحرّان (4)، ونصيبين (5)، والموصل (6)،
__________
الطاعون بذلك لقولهم: عمّ، وآسي: أي جعل الناس أسوة بعض. وانظر الزبيدي:
تاج العروس 4/ 197 (عمس).
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) الرّها: بضم الراء، مدينة بأرض الجزيرة، متصلة بحران. وهي اليوم من بلاد تركيا وتسمى أورفة. الحميري: الروض المعطار ص 273وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1437وقد سبق التعريف بها ص 349.
(3) شمشاط: بكسر أوله مدينة من أرض الجزبرة، تقع شرق الفرات، كانت ثغرا، منها تخرج جيوش المسلمين إلى بلاد الروم، وهي غير سميساط. ياقوت: معجم البلدان 3/ 362، والحميري: الروض المعطار ص 345. وعند خليفة: تاريخ ص 138، والبلاذري: فتوح 1/ 207سميساط. أما شمشاط فلم تفتح إلا في عهد عثمان، والبلاذري: فتوح 1/ 219.
(4) حرّان: بتشديد الراء، مدينة بأرض الجزيرة، على طريق الموصل الشام. وهي اليوم في تركيا. ياقوت معجم البلدان 2/ 235. عبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1457.
(5) نصيبين: مدينة عامرة من بلاد الجزيرة، بين دجلة والفرات، على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام. وهي اليوم على الحدود بين تركية وسورية. وهي داخل الحدود التركية. ياقوت: معجم البلدان 5/ 288، والحميري: الروض المعطار ص 577، ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 288.
(6) الموصل: المدينة المشهورة تقع غرب دجلة، وهي اليوم من أهم مدن العراق. القزويني:
آثار البلاد ص 461، وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1501.(1/353)
وحلوان (1)، والمآهات (2)، ونيسابور (3).
(فتح جالولاء) (4):
وفي سنة تسع عشرة افتتحت جالولاء من أرض العراق على يد سعد (5) بن أبي وقاص (6).
وقيل: إنّ الذي افتتح جالولاء، ابن أخيه هاشم بن عتبة (7) بن أبي وقاص، عقد له (8) عمّه لواء، ولم يحضرها سعد (9).
__________
(1) حلوان العراق: مدينة في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد. ياقوت:
معجم البلدان 2/ 290.
(2) التصويب من: ج. وخليفة: تاريخ ص 139، وفي الأصل وأ، ب: المهات.
الماهات: هي مدينة ماهان بإقليم كرمان، والعرب تسميها بالجمع فتقول: الماهات.
ياقوت: معجم البلدان 5/ 48
(3) في ب: نسبور: مدينة عظيمة بخوزستان، من أسمائها: جند يسابور. ياقوت: معجم البلدان 5/ 331، والحميري: الروض المعطار ص 173.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
جلولاء: مدينة صغيرة عامرة بالعراق، تقع شرق بغداد في المنطقة الجبلية. الحميري:
الروض المعطار ص 167، وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1437.
(5) في أ، ب: سعيد.
(6) الطبري: تاريخ 4/ 102عن أبي معشر والواقدي. وابن قتيبة: المعارف ص 102، وأبو زرعة: تأريخ 1/ 179، ابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ 152 (مخطوط).
(7) هاشم بن عتبة، المعروف بالمرقال، أسلم يوم الفتح، وكان من الفضلاء الأخيار، قتل بصفين مع علي رضي الله عنه. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1546، الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 1/ 196.
(8) (له) سقطت من: أ، ب.
(9) البلاذري: فتوح 2/ 354، وخليفة: تاريخ ص 137، وابن أعثم: الفتوح 1/ 210.(1/354)
وقيل: بل شهدها سعد. وكانت جالولاء تسمى فتح الفتوح، بلغت غنائمها: ثمانية عشر ألف ألف (1).
(تسمية عمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه) (2):
وفيها ضم عمر الشام إلى يزيد بن أبي سفيان، فسار (3) إلى قيسارية (4)، وضيق عليها، ثم مضى إلى خلف الشّام، وخلّف معاوية بن أبي سفيان محاصرا قيسارية بفلسطين (5)، [وولىّ معاوية] (6) دمشق، وبعلبك (7)، والبلقاء. وولىّ عمرو بن العاص فلسطين والأردن (8)، وولىّ
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 137، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1546، والبكري: معجم ما استعجم 2/ 390.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) (فسار) سقطت من: ج.
(4) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: قيصرة، وفي ب: قيسرية. وقيسارية: بلد على ساحل البحر الأبيض من أعمال فلسطين. ياقوت: معجم البلدان 4/ 421بتصرف.
(5) انظر الطبري: تاريخ 4/ 102عن أبي معشر، وخليفة: تاريخ ص 141عن هشام ابن الكلبي، والبلاذري: فتوح 1/ 166، 167، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1416.
(6) زيادة يقتضيها السياق من تأريخ خليفة ص 155.
(7) بعلبك، مدينة بالشام شرق دمشق، تقع على سفح جبل، وهي اليوم في سهل البقاع بلبنان. الحميري: الروض المعطار ص 109، وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1443.
(8) خليفة: تاريخ ص 155.(1/355)
سعيد (1) بن عامر بن حذيم (2) حمص. ثم جمع (3) الشّام كلّها (4) لمعاوية بن أبي سفيان، ثم انصرف يزيد لدمشق (5) وما والاها فمرض ومات، واستخلف (6)
معاوية، فأثبته عمر وولّاه. فلم يثبت عليها (7) إلا يسيرا حتى فتحها الله تعالى، ولم يبق (8) بعد فتها بأقصى (9) الشّام، ولا في أدناه عدو من المشركين.
وكفّ (10) الله المشركين عنه، وصار الشّام كلّه في يد المسلمين.
__________
(1) سعيد بن عامر بن حذيم القرشي، أسلم قبل خيبر وشهدها وما بعدها من المشاهد، كان خيّرا فاضلا زاهدا، مات سنة عشرين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 624 625، وابن حجر: الإصابة 3/ 10099.
(2) في الأصل، وأ، ج: خزيم، وفي ب: خزيمة، والتصويب من مصعب الزبيري: نسب قريش ص 399، وخليفة: تاريخ ص 155، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 163.
(3) الذي جمع الشّام كلها لمعاوية هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد وفاة أخيه يزيد ابن أبي سفيان. خليفة: تاريخ ص 155، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1417، وابن حجر: الإصابة 6/ 113، فكان أميرا عليها عشرين سنة قبل خلافته.
(4) (كلّها) سقطت من: ج.
(5) في أ، ب، ج: دمشق.
(6) أي استخلف يزيد أخاه معاوية على قيسارية. البلاذري: فتوح 1/ 167، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1416.
(7) أي على قيسارية. الأزدي: فتوح الشام ص 283.
(8) في ب: يبقى.
(9) في أ، ب، ج: في أقصى.
(10) في أ، ب، ج: وكفى.(1/356)
(بناء عمر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم) (1):
وفيها بنى (2) عمر رضي الله عنه مسجد النبي (3) صلى الله عليه وسلم، وزاد في مقدّمه، وجعله إلى موضع المقصورة (4). وزاد في ناحية دار (5) مروان (6)، وأدخل (7) دار العبّاس (8) فيه، وبناه وسقّفه (9) بالجريد، وجعل عمده
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) بنى: أي وسعه وشيّده، ولم يغيّر شيئا من هيئته. ابن حجر: الفتح 1/ 540.
(3) في ب: رسول الله.
(4) المقصورة: موضع مقام الإمام محصّن الحيطان. الزبيدي: تاج العروس 3/ 495بتصرف.
وكان أوّل من عملها عثمان رضي الله عنه، وكانت صغيرة. السمهودي: وفاء الوفا 1/ 53، 511، عن ابن زبالة. وقيل: أوّل من اتخذها معاوية. ابن قتيبة: المعارف ص 553.
والخبر ورد عن ابن حجر: المطالب العالية 1/ 135، ابن النجار: أخبار المدينة ص 94، الجراعي: تحفة الراكع ص 134، والسّمهودي: وفاء الوفا 1/ 481رووا ذلك عن الإمام أحمد.
(5) دار مروان بن الحكم: كانت في قبلة المسجد من غربيّها، كان بعضها لنعيم بن عبد الله النحّام، وبعضها من دار العباس التي دخلت في المسجد، فابتاعها مروان، وبنى فيها دارا لابنه عبد العزيز. السّمهودي: وفاء الوفا 1/ 720عن ابن زبالة. وابن شبه:
تأريخ المدينة 1/ 256، والفيروزآبادي: المغانم المطابة ص 138.
(6) مروان بن الحكم: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كبار التابعين، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، ومات سنة خمس وستين. ابن سعد: الطبقات 5/ 4335، وابن حجر: تقريب ص 525.
(7) في أ: ودخل.
(8) دار العباس كانت في غرب المسجد. انظر السّمهودي: وفاء الوفا 1/ 481، وعن إدخال دار العباس في المسجد. ابن سعد: الطبقات 3/ 284283، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 193، 195، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 6362.
(9) في ب: وسقّف.(1/357)
الخشب (1).
(البلدان التي فتحت سنة عشرين) (2):
وفي سنة عشرين كان افتتاح مصر (3) على يدّ (4) عمرو بن العاص.
وفيها مات هرقل عظيم الروم (5).
وفيها فتحت أنطابلس (6) وتستر (7)، وكان أوّل من دخل [باب] (8)
__________
(1) هذا الطرف من الأثر ثبت عند البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد (فتح الباري) 1/ 540رقم (450)، وأبو داود: السنن، كتاب الصلاة، باب في بناء المسجد 1/ 31رقم (447) كلاهما عن ابن عمر. فكانت زيادة عمر في المسجد نحو خمسة أمتار من الناحية الجنوبية، وعشرة أمتار من الناحية الغربية، وخمسة عشر مترا من الناحية الشمالية. انظر: الأنصاري: آثار المدينة ص 70، وقدر مكتب توسعة المسجد النبوي السعودي زيادة عمر بألف ومائة متر مربع. الوكيل: المسجد النبوي ص 67.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) أبو زرعة: تأريخ 1/ 180، والطبري: تاريخ 4/ 104عن ابن إسحاق وأبي معشر والواقدي، وخليفة: تاريخ ص 142. مصر هي الفسطاط، وهي خاصة بلاد مصر، وهي اليوم البلاد الواقعة في شمال شرق إفريقيا. انظر الحميري: الروض المعطار ص 552، ووجدي: دائرة المعارف 9/ 15.
(4) في ب، ج: يدي.
(5) الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 275عن الليث بن سعد.
(6) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 170، خليفة: تاريخ ص 144أنطابلس: مدينة كبيرة قديمة بين الإسكندرية وإفريقية، بينها وبين البحر ستة أميال، وهي برقة الآن.
الحميري: الروض المعطار ص 32، 91.
(7) خليفة: تاريخ ص 144وتستر: بضم أوله وسكون ثانيه أعظم مدينة بخوزستان، من أعمال البصرة. ياقوت: معجم البلدان 2/ 29، 30.
(8) زيادة من: ب، ج.(1/358)
تستر يومئذ عبد الله بن مغفّل (1) المزنيّ.
وفيها أجلى عمر يهود خيبر، ومن كان بالمدينة والحجاز (2). وفيها أيضا دوّن الدواوين (3).
(ذكر النيل) (4):
وفيها كتب عمرو بن العاص إلى عمر [أيضا] (5) بخبر نيل مصر، وذلك أن أهل مصر أتوا عمرو بن العاص حين دخل [عليه] (6) بؤونة (7)
__________
(1) في الأصل، وأ، ب، وفي ج: عبيد الله بن معقل، وهو تحريف. والتصحيح من تأريخ خليفة ص 146وهو صحابي، بايع تحت الشجرة، نزل البصرة وابتنى بها دارا، مات سنة ستين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 996، وابن حجر: الإصابة 4/ 132، وتقريب ص 325.
(2) الطبري: تاريخ 4/ 112
(3) الطبري: تاريخ 4/، 112عن الواقدي. الدواوين: جمع ديوان، وهو الدفتر الذي يكتب فيه الجيش وأهل العطاء، وهو فارسي معرب. ابن الأثير: النهاية 2/ 15.
(4) عنوان جانبي، وهو عند ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 149. والنيل نهر من أطول أنهار المعموة وأعذبها، طوله في مصر خمسمائة كيلا، ويجري من الجنوب إلى الشمال، البغدادي: مراصد الاطلاع 3/ 1413، ووجدي: دائرة المعارف 10/ 439.
(5) الزيادة من: ب.
(6) الزيادة من: ج.
(7) في الأصل، أ، ب، ج: يرويه وهو تحريف، والصواب من ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 150، وابن النّقور البزاز: حديث نيل مصر، ورقة 77 (مخطوط). وبؤونة هو الشهر العاشر من الشهور القبطية التي وضعت في عهد الفرس، وهي مشتقة من أسماء الآلهة أو الأعياد التي كانت تقام في أثنائها. فياض: التقاويم ص 52، وابن طاهر العلوي: الخرّيت على منظومة اليواقيت ص 111.(1/359)
من أشهر العجم (1) وهو يوتيه (2)، وقالوا له: أيها الأمير إنّ (3) لنيلنا هذا سنة لا يجري إلّا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ فقالوا له (4): إنه إذا كان لثنتي عشرة ليلة (5) تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها (6)، وجعلنا عليها من الحلي والثّياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النّيل. فقال لهم عمرو (7): إن هذا / لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام [20/ ب] يهدم ما قبله. فأقاموا (8) بؤونة (9)، وأبيب (10)
__________
(1) العجم: هم القبط.
(2) الشهر السادس من الشهور اليونانية، وهو باسم إلاههم. ويمتاز بجمال الطبيعة فيه.
فياض: التقاويم ص 24.
(3) (إنّ) ليس في: أ، ب، ج.
(4) (له) ليس في: ب، ج.
(5) في الأصل: ليلة الاثني عشر تخلوا، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 150.
(6) في الأصل، وأ، ج: أباها، وما أثبته من: ب. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 150.
(7) في ج: عمر.
(8) التصويب من أ، ج، وفي الأصل: فقام، وفي ب: فاقوا.
(9) في الأصل والنسخ الأخرى: يروية، والتصحيح: من فتوح مصر لابن عبد الحكم 1/ 150.
(10) التصويب من: ب، وفي الأصل وج: أثبت، وسقط من: أ.
أبيب: بفتح أوله وكسر الباء، الشهر الحادي عشر من الشهور القبطية، وينسب إلى إلاههم، وتكون بدايته في 8يوليو ونهايته في 6أغسطس. ابن طاهر العلوي: الخريت على منظومة اليواقيت ص 110، 111، وموسى: التواقيت ص 178، وفياض:
التقاويم ص 52.(1/360)
وهو يوليه (1) ومسرى (2)، وهو أوسه (3)، لا يجري قليلا ولا كثيرا، حتى همّوا بالجلاء. فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك (4).
فكتب إليه عمر: قد أصبت، إنّ الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة، فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي. فلمّا قدم الكتاب على عمرو، وفتح البطاقة، فإذا فيها: من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار يجريك، فنسأل الله الواحد القهّار (5) [أن] (6) يجريك، فألقى عمرو البطاقة في النيل، قبل يوم الصّليب [وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب] (7)
وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة، وقطع تلك السنّة السّوء عن
__________
(1) يوليه: الشهر السابع في التقويم اليوناني، وسمي بذلك تعظيما ليوليوس قيصر، وتخليدا لذكراه. فياض: التقاويم ص 24.
(2) مسرى: الشهر الثاني عشر من الشهور القبطية، مشتق من الكلمة المصرية (مسي رع)، ومعناها (مولد رع). أو من الكلمة: (مسي حرو) ومعناها: (مولد الصقر هورس). فياض: التقاويم ص 53.
(3) أوسه: لعله شهر أغسطس.
(4) (بذلك) سقطت من: أ.
(5) (القهار) سقطت من: ب.
(6) التكملة من: أ، ج.
(7) التكملة من أ، ويوم الصليب يوم عيد عند القبط. فياض: التقاويم ص 205.(1/361)
أهل مصر (1).
(وقعة نهاوند والبلدان التي فتحت سنة إحدى وعشرين) (2):
وفي سنة إحدى وعشرين، كانت وقعة نهاوند بالعراق، وأميرها النّعمان بن مقرّن (3)، قتل فيها، ولم يكن لفارسي بعدها وقعة (4).
(فتح الإسكندرية) (5):
وفيها فتحت الإسكندرية، فتحها عمرو بن العاص.
(فتح توّج) (6):
__________
(1) هذا الخبر بتمامه أورده ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 150، 151، وابن النّقور البزّاز: حديث نيل مصر (مخطوط) ورقة: 77، 78كلاهما عن ابن لهيعة. وابن كثير:
مسند الفاروق 1/ 223.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
ناهوند: مدينة على نحو أربعين ميلا جنوب همذان. لسترنج: بلدان الخلافة الشرقية ص 232.
(3) النّعمان بن مقرّن المزنيّ: صحابي مشهور، له ذكر كثير في فتوح العراق، وهو الذي قدم بشيرا على عمر بفتح القادسية، وهو الذي فتح أصبهان. ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1505، 1506، وابن حجر: الإصابة 6/ 246.
(4) انظر تفصيلات الوقعة عند الطبري: تاريخ 4/ 114عن ابن إسحاق، وخليفة:
تاريخ 4/ 147.
(5) عنوان جانبي. وانظر البلاذري: فتوح 1/ 259، والطبري: تاريخ 4/ 105.
الإسكندرية: المدينة المشهورة بمصر على ساحل البحر الأبيض. ياقوت: معجم البلدان 1/ 182، 183بتصرف.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
توّج: بفتح أوله وتشديد ثانيه وفتحه أيضا. وهي توّز بالزاي. مدينة بفارس قريبة من(1/362)
[وفيها سار عثمان بن أبي العاص] (1) الثقفي إلى تّوج، فافتتحها، ومصّرها (2)، وقتل ملكها سهرك (3)، وكان عمر ولّاه على عمان والبحرين، فكان يزدجر (4) بن كسرى بعث سهرك. ومعتقل (5) في ثلاثين ألفا من الأساورة (6). فلقيهم عثمان بن [أبي] (7) العاص فيمن (8) معه من عمان والبحرين، ومعهم ثلاثة آلاف، فركب باب الحميري (9) جملا،
__________
كازرون. ياقوت: معجم البلدان 2/ 56، وانظر لسترنج: بلدان الخلافة الشرقية ص 295.
(1) الزيادة من: أ، ب، ج. عثمان بن أبي العاص الثقفي، صحابي شهير، استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر، ثم عمر سنتين، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، ثم سكن البصرة حتى مات بها في خلافة معاوية. انظر: ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1035، وابن حجر: الإصابة 4/ 221.
(2) في الأصل: يسرها وما أثبته من: أ، ب، ج. وخليفة: تاريخ ص 149.
(3) في الأصل: صهرك، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن قتيبة: المعارف ص 269، وقيل: شهرك:
بفتح الشين المعجمة. البلاذري: فتوح 2/ 477، وخليفة: تاريخ ص 141، 142.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يزيد.
(5) في: أ، ب، ج: معتقيل. لم أقف على ترجمته.
(6) الأساورة: جمع أسوار، بكسر أوله، عجمي معرب، وهو الرامي. وقيل: الفارس.
الجواليقي: المعرب ص 117.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل: فأتيا، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(9) هو باب بن ذي الجرّة الحميري بكسر الجيم، من الفرسان المشهورين، قدم على الصديق، فسماه عبد الرحمن، وباب اسمه الأول. ابن حجر: الإصابة 1/ 176، و 5/ 98.
الحميري: هذه النسبة إلى حمير، وهي من أصول القبائل، نزلت أقصى اليمن.(1/363)
وقال: أنا صاحب [فيل] (1) العرب وكان وصل رمحين فطعن سهرك، فصرعه فنفّله عثمان بن أبي العاص منطقته (2)، وكانت ثلاث عشر شبرا مرصّعة بالجواهر (3)، وبيعت بالبصرة بثلاثين ألفا (4).
وذكر أنّ باب الحميري، قال لعثمان بن أبي العاص: ما نلت من صحبتك خيرا! قال: فأين منطقة سهرك إذن؟! (5)
(البلدان التي فتحت سنة ثنتين وعشرين) (6):
وفي سنة ثنتين (7) وعشرين كان فتح أذربيجان الأوّل (8).
__________
السمعاني: الأنساب 2/ 270.
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) المنطقة: بكسر الميم كل ما شدّ به وسطه. ابن منظور: لسان العرب 10/ 354 (نطق).
(3) في أ، ب، ج: بالجوهر: اسم عام لجميع الأحجار المعدنية، وهو فارسي معرب، انظر: التيفاشي: أزهار الأفكار ص 41.
(4) (ألفا) سقطت من: ب.
(5) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في الأصل: اثنتين، وما أثبته من: أ، ب، وفي ج: ثنتي.
(8) الطبري: تاريخ 4/ 146عن أبي معشر، وخليفة: تاريخ: ص 151كان فتحها الأول صلحا، فنقض أهلها الصلح، فغزاهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط سنة خمس وعشرين، وصالحهم، البلاذري: فتوح 1/ 402. أذربيجان: بفتح الألف، وهي كورة تلي الجبل من بلاد العراق، وتلي كور أرمينية من جهة الغرب، الحميري: الروض المعطار ص 20.(1/364)
وفيها كانت غزوة ساتيدما (1) من أرض الشام. وغزوة عمّورية (2).
(فرض الخراج على أرض السواد) (3):
واستشار عمر الصحابة في رجل يوجّه إلى العراق لمساحة الأراضي وجبايتها، فاجتمعوا جميعا على عثمان بن حنيف (4) الأنصاري، وقالوا: إن تبعثه إلى أهمّ (5) من ذلك فإن له بصرا وعقلا، ومعرفة وتجربة. فأسرع عمر إليه (6)، فولّاه مساحة الأرض، فضرب عثمان على كل جريب (7) من الأرض ناله الماء
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل، ب: سانيدها، وساتيدها: جبل بين تكريت والموصل. ياقوت: معجم البلدان 1/ 320و 2/ 169.
(2) الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 275عن الليث بن سعد. وذكر الطبري: تاريخ 4/ 241أنّ غزوة عمورية كانت سنة ثلاث وعشرين.
عمّوريّة: بفتح أوله، وتشديد ثانيه: مدينة حصينة في الأناضول، تقع جنوبي غرب مدينة أنقرة، وتسمّى اليوم (سيفلي حصار). عبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1481.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) عثمان بن حنيف، صحابي مشهور، سكن الكوفة، ومات في خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1033، وابن حجر: الإصابة 4/ 221.
(5) في الأصل: إن بعثته إليهم، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1033.
(6) (إليه) سقطت من: ب.
(7) في الأصل: خرب، وفي أ، ب، ج: خربت، وهو تحريف، وما أثبته من عند أبي عبيد: الأموال ص 75، وابن أبي شيبة: المصنف 3/ 217، وابن زنجوية: الأموال 1/ 214، والخطيب البغدادي: تأريخ 1/ 11، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1033.(1/365)
عامرا، وغامر (1)، درهما وقفيزا (2) فبلغت جباية سواد (3) الكوفة قبل أن يموت عمر بعام، مائة ألف ونيفا (4).
(فتح الرّيّ) (5):
__________
والجريب: يساوي 1366مترا مربعا، أي ما يعادل دونما وثلث تقريبا.
زلّوم: الأموال في دولة الخلافة ص 59.
(1) في الأصل وأ، ب، ج: عامرا وغير عامر، وما أثبته من الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 1033.
والغامر: هو الذي يصلح للزراعة ويحتملها ولكنه لم يزرع، سمي غامرا لأن الماء يغمره. ابن الأثير: النهاية 3/ 383.
(2) القفير: يساوي 112، 26كغم. زلّوم: الأموال في دولة الخلافة ص 59.
(3) السّواد: هي الأرض الواقعة بين الموصل شمالا وعبّادان جنوبا، ومن القادسية غربا إلى حلوان شرقا، وسمّي بذلك لسواده بالزرع والنخيل والأشجار. الخطيب البغدادي: تأريخ 1/ 11، وياقوت: معجم البلدان 3/ 272بتصرف.
وسواد الكوفة: كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية. الحميري: الروض المعطار ص 332.
(4) هذا الأثر ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1033بدون إسناد. وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فمسح السّواد، فبلغ ستة وثلاثين ألف ألف جريب، فوضع الخراج على كل جريب مقدارا معيّنا يتفاوت حسب ما يزرع به، فكان يضع على كل جريب يزرع شعيرا وحنطة درهما وقفيزا. انظر أبو عبيد: الأموال ص 75، ابن أبي شيبة: المصنف 3/ 217، ابن زنجوية: الأموال 1/ 214، الخطيب البغدادي:
تأريخ 1/ 11، وآل عيسى: دراسات نقدية للروايات المالية في عهد عمر 1/ 111، (رسالة ماجستير) بالجامعة الإسلامية.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
الريّ: مدينة في الطّرف الشّمالي الشّرقي من إقليم الجبال. لسترنج: بلدان الخلافة الشرقية ص 249.(1/366)
وفي سنة ثلاث وعشرين كان افتتاح الرّيّ على يد / قرظة (1)
[21/ أ] ابن كعب بن ثعلبة الأنصاري.
(فتح اصطخر وهمدان وأصبهان) (2):
وفيها كان افتتاح إصطخر الأوّل (3) من أرض العراق، وهمذان (4)
وأصبهان (5).
(فتح طرابلس وسبرت) (6):
وفيها فتح طرابلس (7) [وسبرت] (8) على يدي عمرو بن العاص،
__________
(1) في أ، ب، ج: قراظة، تحريف. قرظة بن كعب الخزرجي، شهد أحدا وما بعدها، وجّهه عمر إلى الكوفة يفقّه النّاس، مات في حدود الخمسين على الصحيح. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1306، ابن حجر: تقريب ص 454.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) خليفة: تاريخ ص 152، والطبري: تاريخ 4/ 174عن أبي معشر.
إصطخر: بكسر أوله، مدينة بفارس على نهر بلوار. لسترنج: بلدان الخلافة الشرقية ص 311.
(4) أبو زرعة: تأريخ 1/ 180، وابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ 152 (مخطوط).
همذان: بالتحريك، أكبر مدينة بالجبال، ومن أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها. ياقوت:
معجم البلدان 5/ 410، 412.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 186183، وأصبهان: بلدة من أجلّ مدن إيران، في الشمال، شرقي شيراز. البلاذري: فتوح 3/ 687.
(6) عنوان جانبي من المحقق. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 171، 172.
(7) طرابلس: ويقال: أطرابلس، كورة في آخر أرض برقة، وأوّل أرض إفريقية، مدينتها نبارة، وهي اليوم مدينة مشهورة بليبيا. ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 172، وياقوت: معجم البلدان 1/ 216، 4/ 25بتصرف.
(8) زيادة من: أ، ج، بلفظ سيرت، تصحيف، سبرت: بفتح أوله وسكون الباء، السوق القديم بطرابلس. انظر ياقوت: معجم البلدان 3/ 184.(1/367)
[وأراد أن يوجّه (1) إلى إفريقيّة، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الله تعالى فتح علينا (2) أطرابلس] (3) وليس (4) بيننا وبين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها ويفتحها الله تعالى على يديه، فعل (5).
فكتب إليه عمر: لا، إنّها ليست بإفريقية، ولكنّها المفرقّة، غادرة مغدور بها، لا يغزوها أحد ما بقيت (6).
(حجّاته) (7):
وفيها حجّ عمر رضي الله عنه بالنّاس (8)، فاستأذنه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحجّ معه، فأذن لهنّ. فخرجن في الهوادج (9)، عليهن الطّيالسة (10) وكان صلى الله عليه وسلم في الحجّ معه (11) وكان أمامهم عبد الرحمن بن عوف، وورائهنّ عثمان
__________
(1) في ب: يوجهه.
(2) في الأصل وأ، ب: عليه، وما أثبته من: ج. وانظر ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 173.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) (وليس) سقطت من: ج.
(5) في أ: فعلى بركة الله.
(6) رواه ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 172، والبلاذري: فتوح 1/ 266.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) (بالنّاس) ليست في: أ، ب.
(9) الهوادج: جمع هودج، وهو مركب من مراكب النساء. الجوهري: الصحاح 1/ 350 (هدج).
(10) الطيالسة: جمع طيلسان، ضرب من الأكسية، وهو فارسي معرب. الزبيدي: تاج العروس 4/ 179 (طلس).
(11) هذه الجملة ليست في: أ، ب، ج، أي أنّ عمر رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.(1/368)
بن عفان رضي الله عنه (1)، وكانا لا يدعان أحدا يدنو منهنّ (2).
وكان عمر إذا أراد الحجّ كتب إلى أمراء الأجناد أن يقدموا إليه، فكانوا يقدمون ويخرجون معه، متجردّي الأجسام (3)، فنظر إلى معاوية، وكأن جلده جلد عذراء، وكان من أبيض الناس وأجملهم، فوضع أصبعه في عضده، فاحمر الموضع، فقال: بخ بخ (4) يا معاوية! نحن والله إذا خير (5)
الناس، إن أعطينا نعيم الدنيا والآخرة. فعرف معاوية ما يريد، فقال: يا أمير المؤمنين! إنّا بأرض الأرياف والحمّامات، فلذلك ترقّ جلودنا. فقال عمر: لا والله ولكن شدة الحجاب، وإغلاق الباب، وإلطافك (6) لنفسك بطيب الطعام، وتصبيحك (7) حتى ترتفع الشمس، وقلّة النظر في حوائج
__________
(1) هكذا في الأصل وأ، ب، ج، وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 134: فكان عثمان يسير أمامهن وعبد الرحمن من ورائهن. وذكره ابن حجر: الفتح 4/ 73من طريق ابن سعد عن الواقدي.
(2) أخرجه بنحوه ابن سعد: الطبقات 3/ 134بصيغة: قالوا. وذكره ابن حجر: الفتح 4/ 73من طريق ابن سعد عن الواقدي، والبيهقي: السنن الكبرى 4/ 326.
والبخاري (تعليقا) الصحيح، كتاب الحج، باب حج النساء، مختصرا (فتح الباري) 4/ 72رقم (1760).
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: متجرد الجسام.
(4) بخ: كلمة تقال عند المدح والرّضا بالشّيء، وتكررت للمبالغة. الجوهري: الصحاح 1/ 418 (بخخ).
(5) في ج: خيار.
(6) في الأصل: وإلطاف، وما أثبته من: أ، ب، ج. وانظر الذهبي: سير 3/ 143.
(7) تصبيحك: أي تنام حتى تصبح. تقول منه: تصبح الرجل. الجوهري: الصحاح 1/ 380 (صبح).(1/369)
المسلمين. ويحك يا معاوية! وضرب على منكبه، وقال (1): إنّه من ولّي من أمر المسلمين شيئا ثم احتجب عنهم، احتجب الله عنه يوم القيامة (2).
(إرهاصات بموته) (3):
قالت عائشة: فلما ارتحل عمر من الخطمة (4) أقبل رجل متلّثم، فقال وأنا أسمع: أين كان مترل أمير المؤمنين؟ فقال قائل: [هذا] (5) كان منزله، فأناخ في مترل عمر، ثم رفع عقيرته (6) يتغنّى (7):
عليك سلام من أمير وباركت ... يد [الله] (8) في ذاك الأديم الممزّق
فمن يجر (9) أو يركب جناح نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
__________
(1) (وقال) سقطت من: ب، ج.
(2) روى مثله ابن المبارك: الزهد ص 202، 203رقم (576) والذهبي: سير 3/ 143، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 135، 136، وابن حجر: الإصابة 6/ 113، 114، والهندي: كتر العمال 5/ 247رقم (12779) كلهم عن ابن المبارك.
(3) عنوان جانبي. البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 336.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: الحصبة. والتصويب من الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 1158. والخطمة: بفتح أوله وسكون ثانيه، موضع في أعلى المدينة. ياقوت:
معجم البلدان 2/ 379.
(5) التكملة من: ج، وفي أ، ب: إن.
(6) عقيرته: أي صوته. الجوهري: الصحاح 2/ 754 (عقر).
(7) هذه العبارة سقطت من: أ.
(8) (لفظ الجلالة) سقط من الأصل، وهو من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يجرى.(1/370)
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق (1) في أكمامها لم تفتّق (2)
قالت عائشة رضي الله عنها (3): فقلت لبعض أهلي: أعلموني، من هذا الرّجل، فذهبوا فلم يجدوا في مناخه (4) أحدا. قالت عائشة رضي الله عنها: فو الله [إنّي] (5) أحسبه من الجنّ (6).
وروي / أن (7) عائشة رضي الله عنها قالت: من هذا؟ [21/ ب] قيل (8) لها: مزرّد (9) بن ضرار (10). فقالت لمزرّد بعد ذلك. فحلف بالله ما
__________
(1) البوائق: الدّواهي والشرور والخصومات. ابن منظور: لسان العرب 10/ 30 (بوق)، وعند أبي نعيم: معرفة الصحابة 1/ 225، وابن سعد: الطبقات 3/ 333في رواية أخرى: بوائج بدل بوائق، وكلاهما بمعنى واحد. الجوهري: الصحاح 1/ 300 (بوج).
(2) في أ: يعتق.
(3) (رضي الله عنها) سقطت من: أ، ب، ج.
(4) مناخه: مبرك إبله. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 335 (تنوّخ).
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1158مختصرا. وابن سعد: الطبقات 3/ 333، والبلاذري:
أنساب الأشراف (الشيخان) ص 337من طريق ابن سعد عن الواقدي، وانظر أبو نعيم:
معرفة الصحابة 1/ 224، 225، وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 3/ 871، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 213، وقال: ابن حجر: الإصابة 3/ 211رواه الفاكهي بإسناد صحيح.
(7) في ب: عن.
(8) في ب: قال.
(9) في الأصل والنسخ الأخرى: مدرك والصواب: من طبقات ابن سعد، ومزرّد بن ضرار الغطفاني كان هجّاء في الجاهلية ثم أدرك الإسلام فأسلم، وهو أسن من أخيه الشماخ. انظر ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 374، ابن حجر: الإصابة 6/ 85وقد نسبت هذه الأبيات للشماخ بن ضرار أو لأخيه مزرّد أو لأخيهما الثالث: جزء.
انظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1158، وابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 284، وابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 201.
(10) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ضروان، وفي ج: عزاز.(1/371)
شهدت تلك السنّة الموسم (1).
وقال حارثة بن مضرّب (2):
حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو:
إنّ الأمير بعده عثمان (3).
وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو:
إنّ الأمير بعده علي (4).
وكان يرمي الجمرة في حجته تلك، فأتاها حجر، فوقع على صلعته (5) فأدماه، وثمّ رجل من بني لهب (6)، فقال (7): أشعر (8) أمير
__________
(1) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 334عن الواقدي. والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 337من طريق ابن سعد عن الواقدي. وابن الجوزي: مناقب عمر ص 213.
(2) حارثة بن مضرّب: بتشديد الراء المكسورة، العبدي الكوفي، أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، وثّقه ابن معين وابن حبان. ابن حبان: الثقات 4/ 182، والعجلي: تأريخ الثقات ص 103، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 429، والذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 446.
(3) في ب: بعد عثمان علي.
(4) هذه العبارة سقطت من: ب، وهذا الأثر أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق 11/ 242 (مخطوط) والذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 474.
(5) صلعته: صلع الرأس، هو انحسار الشعر عنه. ابن الأثير: النهاية 3/ 46.
(6) بنو لهب بن أحجن، بكسر اللام: بطن من الأزد، من القحطانية، كانوا يعرفون بالقيافة وجودة الزّجر. ابن ماكولا: الإكمال 7/ 193، والسمعاني: الأنساب 5/ 149، وابن الأثير: اللباب 3/ 137بتصرّف.
(7) (فقال) سقطت من: ب.
(8) أشعر: أي أعلم للقتل، كما تعلم البدنة إذا استيقت للنحر، تطير الّلهبي بذلك، فحقت طيرته، لأن عمر لمّا صدر من الحج قتل. ابن الأثير: النهاية 2/ 479، وانظر(1/372)
المؤمنين، لا يحجّ بعد عامه هذا (1).
(الإسلام يرفع من شأنه) (2):
وقال في انصرافه من هذه الحجّة التي لم يحجّ بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله، يعطي من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي يعني ضجنان (3) أرعى إبلا للخطاب، وكان فظا غليظا، يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل شعرا (4):
لا شيء ممّا ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويردى (5) المال والولد
لم تغن (6) عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرّياح له (7) ... والإنس والجنّ فيما بينها (8) برد (9)
__________
الزمخشري: الفائق 2/ 250، 251، وابن الجوزي: غريب الحديث 1/ 543.
(1) انظر ابن سعد: الطبقات 3/ 334333، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 336، وابن كثير: مسند الفاروق 1/ 324.
(2) عنوان جانبي. البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 154.
(3) ضجنان: بفتح الأول والثاني، موضع شمال مكة، على مسافة أربعة وخمسين كيلا.
البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص 183.
(4) (شعرا) سقطت من: أ، ج، وفي ب: بهذه الأبيات، وقال.
(5) في ج: ويفنى. وانظر البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 155.
(6) في الأصل وأ، ب: يغن، وما أثبته من: ج. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1157.
(7) في ب: به.
(8) في ج: بينهما.
(9) برد: جمع بريد، وهو الرّسول الذي يحمل الرسائل. الجوهري: الصحاح 2/ 447 (برد) بتصرّف.(1/373)
أين الملوك الّتي كانت لعزّتها ... من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لابدّ من ورده يوما كما وردوا (1) (2)
(استشهاده) (3):
فقتل عمر رضي الله عنه بعد رجوعه من الحجّ، وذلك يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي (4) الحجّة (5).
وكان الذي قتله غلام المغيرة بن شعبة، من أهل نهاوند، ويدعى أبو لؤلؤة لعنه الله وكان اسمه فيروز (6)، وهو مجوسّي، طعنه حين كبّر لصلاة الصبح. فقال عمر حين طعنه: قتلني [أو أكلني] (7) الكلب، فطار
__________
(1) في ب، ج: ورد.
(2) أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1157، وابن سعد: الطبقات 3/ 266، 267، وابن شبة: تأريخ المدينة 2/ 656، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 155، 156، والطبري: تاريخ 4/ 219، 220، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 188باختصار.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في ج: من عشر ذي الحجة.
(5) خليفة: تاريخ ص 152عن معدان بن أبي طلحة، وانظر ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1152، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 214، ورواه الطبري:
تاريخ 4/ 194عن أبي معشر، وابن كثير: البداية والنهاية 7/ 152، ورواه ابن سعد: الطبقات 3/ 365، عن الواقدي بلفظ (طعن). وانظر عمر بن شبة:
تأريخ المدينة 3/ 943، 944.
(6) فيروز الفارسي، كان نجارا نقاشا حدادا، كان مجوسيّا. وقيل: نصرانيا. البستاني:
دائرة المعارف 2/ 330.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/374)
العلج (1) بسكين ذات طرفين (2)، لا يمرّ (3) على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتّى طعن منهم ثلاثة عشر رجلا، مات منهم سبعة.
فلمّا رأى (4) ذلك رجل (5) من المسلمين، طرح عله برنسا (6) ثم برك عليه، فلمّا ظنّ (7) العلج أنّه مأخوذ، نحر نفسه.
ودعا عمر رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف، فقدّمه (8) وصلى بالناس صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا، قال: يا ابن عباس! انظر من قتلني. فجال (9) ساعة،
__________
(1) في الأصل: فكان للعلج، وما أثبته من: أ، ب، ج. والعلج: الرّجل القويّ الضخم.
ابن الأثير: النهاية 3/ 286 (علج).
(2) في أ، ب: طريقين.
(3) في الأصل: لا يوميء، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 60رقم (3700).
(4) في ب: رآهم.
(5) هو حطان التميمي اليربوعي، من المهاجرين. ابن حجر: الفتح 7/ 63.
(6) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: برنوسا. والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، من درّاعة أو جبّة أو ممطر أو غيره. ابن الأثير: النهاية 1/ 122 (برنس) وقال الجوهري: الصحاح 3/ 908 (برنس) هو قلنسوة طويلة كان النّساك يلبسونها في صدر الإسلام.
(7) في الأصل وب: رأى، وفي أ: أيقن، وما أثبته من: ج. والبخاري: (الصحيح مع الفتح) 7/ 60.
(8) في ب: وقدّمه.
(9) جال: طاف. الجوهري: الصحاح 4/ 1662 (جول).(1/375)
ثم جاء، فقال: غلام المغيرة بن شعبة، فقال: الصّنع؟ (1) قال: نعم قاتله (2)
الله! فقال: الحمد لله الذّي لم يجعل منيّتي على يد (3) رجل يدّعيّ الإسلام.
فاحتمل إلى بيته. فقال: أدعوا (4) لي الطبيب، فدعي الطبيب، فقال:
أيّ الشّراب أحبّ / إليك؟ قال: النّبيذ (5). فسقي نبيذا (6)، فخرج [22/ أ] من طعنته، فقال النّاس: هذا دم، وهذا صديد، فقال: أسقوني لبنا، فسقي، فخرج من طعنته (7) (8) فقال الطّبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل (9).
__________
(1) في الأصل: الصانع، وما أثبته من: أ، ب. والبخاري: والصّنع، يقال رجل صنع وامرأة صناع، إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما ويكسبان بها. ابن الأثير: النهاية 3/ 56 (صنع).
(2) في الأصل: قتله، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح.
(3) في أ، ب، ج: بيدي.
(4) في ب، ج: أودع.
(5) النبيذ: وهو ما يعمل من الأشربة من التمر، والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير وغير ذلك، وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له نبيذ. والمراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذت في ماء، أي نقعت فيه، كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء.
ابن الأثير: النهاية 5/ 7 (نبذ) وابن حجر: الفتح 7/ 65.
(6) في ج: سدا.
(7) في أ، ج: الطعنة.
(8) هذه العبارة سقطت من: ب.
(9) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 341، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 346كلاهما عن عمرو بن ميمون.(1/376)
فجاء النّاس يثنون عليه، وجاء شابّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم (2) في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة (3). ثم قال: يا ابن أخي! (4) وددت أن ذلك كفاف، لا لي ولا عليّ. فلما أدبر الرجل إذا إزاره يمس الأرض، فقال (5): ردوا عليّ الرجل، فقال: يا ابن أخي! فارفع (6) ثوبك، فإنّه أنقى (7) لثوبك، وأتقى لربك.
يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليّ من الدّين. فحسبوه فوجدوه مائة ألف (8) وثمانين ألفا، أو نحوه (9). فقال: إن وفّي له مال (10) آل عمر فأدّه (11) من أموالهم، وإلّا فسل في بني (12) عدي بن كعب، فإن لم تف (13)
__________
(1) في أ، ب، ج: من الصحبة برسول الله.
(2) قدم: بفتح القاف وكسرها، فالأول بمعنى الفضل، والآخر بمعنى السبق (فتح الباري 7/ 65).
(3) في الأصل: ثم استشهدت، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح.
(4) (يا ابن أخي) ليست في: أ، ب، ج.
(5) في الأصل وأ، ج: قال، والمثبت من: ب.
(6) في صحيح البخاري: ارفع.
(7) في صحيح البخاري: أبقى.
(8) (مائة ألف) ليست في: أ، ب، ج. وعند البخاري: الصحيح ستة وثمانون ألفا، أو نحوه.
(9) في الأصل وأ، ب: ونحوه، وما أثبته من: ج.
(10) في الأصل: وفاه مالي وآل عمر، وفي ب: وفا مال آل عمر، وما أثبته من: أ، ج.
وانظر البخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 60رقم (3700).
(11) في الأصل: فأدوه، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح.
(12) (بني) سقطت من: أ، ب، ج.
(13) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: تفي.(1/377)
أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ (1) عنّي هذا المال (2).
(عمر لا يستخلف أحدا) (3):
فقال له ابنه عبد الله: استخلف يا أمير المؤمنين على أمّة سيدنا (4)
محمد صلى الله عليه وسلم، فإنّ النّاس زعموا أنك غير مستخلف، فإنّه لو كان لك راعي إبل أو غنم (5) ثم جاءك وتركها، رأيت أنّه (6) قد ضيّع، فرعاية (7) النّاس أشدّ. قال: فوافقته قولا (8).
فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه (9) إلي فقال (10): إن الله عز وجلّ يحفظ دينه،
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فأدي.
(2) هذا الخبر أخرجه البخاري مطوّلا: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان وفيه مقتل عمر رضي الله عنهما (فتح الباري) 7/ 59 62رقم (3700).
(3) عنوان جانبي. عند البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 349.
(4) (سيدنا) ليست في: أ، ب، ج. قلت: كلمة سيدنا هنا إضافة من المؤلف أو الناسخ، وليست من عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(5) في ج: غنم أو إبل.
(6) في الأصل وأ، ب: أن، والمثبت من: ج.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: في رعاية.
(8) (فوافقته قولا) سقطت من: ب. وعند مسلم: الصحيح بشرح النووي 12/ 206 فوافقه قولي.
(9) في أ: رفع.
(10) في الأصل: ثم قال، وما أثبته من: أ، ب، ج، وانظر مسلم: الصحيح بشرح النووي 12/ 206رقم (1823).(1/378)
وإني الآن لا أستخلف (1)، فإنّ (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف.
قال: فو الله ما هو إلّا أن (3) ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، فعلمت أنه لم يكن (4) ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وإنّه غير مستخلف (5). فقال القوم: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف؟ فقال (6):
ما أحد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر أو الرّهط (7) الذين (8) توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمّى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن بن عوف، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من (9) الأمر شيء، كهيئة التعزية (10) له فإن
__________
(1) في أ: لأستخلف.
(2) في ب: وإن.
(3) (إلا أن) سقطت من: أ، ب.
(4) (لم يكن) سقطت من: ب.
(5) هذا الجزء من الخبر أخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه 12/ 205، 206، رقم (1823)، وأبو داود: السنن، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في الخليفة يستخلف 3/ 350، 351رقم (2939)، والترمذي، السنن، كتاب الفتن، باب في الخلافة 4/ 502رقم (2225).
(6) (فقال) سقطت من: ب.
(7) في الأصل وأ، ب: والرهط، وما أثبته من: ج، والبخاري: الصحيح.
(8) في ب: الذي.
(9) في أ، ب، ج: في.
(10) هكذا في الأصل، وفي أ: المغربة، وفي ب: المعرفة، وفي ج: المغرفة، تحريف. قال(1/379)
وليها (1) سعد فذلك، وإلا فليستعن (2) بالله (3) الوالي، فإنّي لم أعزله عن عجز (4)، ولا خيانه (5).
وكان سعد أمير على الكوفة، فعزله عمر عنها لشكاية (6) شكوها (7)
أهلها، ورموه بالباطل (8) فيها. فدعا (9) سعد على الذي واجهه بالكذب،
__________
ابن حجر: الفتح 7/ 67لأنّه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك.
(1) في أ: ولاها.
(2) في الأصل: فليستعز، وما أثبته من: أ، ب، ج، وعند البخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 61رقم (3700) وإلّا فليستعن به أيّكم ما أمر.
(3) في ج: فالله.
(4) في الأصل: ضعف، وفي أ: عمر، وما أثبته من: ب، ج، وانظر البخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 61رقم (3700).
(5) هذا الأثر أخرجه البخاري مطولا مع اختلاف يسير، الصحيح: كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان وفيه قتل عمر (فتح الباري) 7/ 6259 رقم (3700)، وابن سعد: الطبقات 3/ 342337كلاهما عن عمرو بن ميمون.
(6) في أ، ب، ج: لشكاة.
(7) في ب: شكاها، وفي ج: شكاة.
(8) في ج: بالباطل.
(9) في هامش الأصل: دعاء سعد على الذي واجهه. ولفظه «اللهم إن كان عبدك هذا قام رياء، وسمعة فأطل عمره، وأعم بصره، وعرضه للفتن. قال: فكان، وقد سقط حاجبه على عينيه، وهو يتعرض للجوارى يغمزهن ويقول: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد، وكان سعد مجاب الدعوة» والقائل هو عبد الملك بن عمير اللخمي، راوي خبر شكاية سعد لعمر، عن جابر بن سمرة.(1/380)
دعوة ظهرت إجابتها. والخبر بذلك مشهور (1).
وقال لصهيب (2): صل بالنّاس ثلاثة أيام (3).
(وصيته للخليفة من بعده) (4):
وروي عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر (5) لأهل الشورى: لله درّهم إن ولوها الأصيلع (6) يعني عليا رضي الله عنه وكرّم وجهه (7)، كيف يحملهم على الحقّ، ولو كان / السّيف على عاتقه، فقلت: أتعلم ذلك
__________
(1) خبر شكاية أهل الكوفة سعد لعمر صحيح، أخرجه أحمد: المسند (بهامشه مع منتخب كتر العمال 1/ 175و 176و 177و 179و 180) والبخاري: الصحيح، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلّها (فتح الباري) 2/ 236رقم (755) وكذا رقم (758و 770) وانظر مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر 4/ 172، 173، رقم (453) فقد زعموا أنّه لا يحسن الصلاة، ولا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضيّة. فكشفها عمر فوجدها باطلة. ابن حجر: الفتح 2/ 236، 238.
(2) صهيب بن سنان الرّومي، أصله من قبيلة النّمر، صحابي شهير، شهد بدرا، ومات بالمدينة، سنة ثمان وثلاثين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 726.
(3) ابن سعد: الطبقات 3/ 341، 344، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 345.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) هذه العبارة سقطت من: ج.
(6) في الأصل: الأصيلع، وما أثبته من: أ، ب، ج. والأصيلع: تصغير الأصلع الذي انحسر الشعر عن رأسه. ابن الأثير: النهاية 3/ 47 (صلع) وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 341، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 347، الأجلح: وهو الذي انحسر الشعر عن جانبي رأسه. ابن الأثير: النهاية 1/ 284 (جلح).
(7) (وكرّم وجهه) سقطت من: أ، ب، ج.(1/381)
منه [22/ ب] ولا توليه؟! قال: إنه إن لم أستخلف، وأتركهم، فقد تركهم من هو خير مني (1).
ثمّ قال: أوصي الخليفة (2) من بعدي بالمهاجرين الأوّلين [إن لم] (3) يعرف حقّهم (4)، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الذّين تبوؤا الدّار (5)
والإيمان من قبلهم، أن (6) يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم.
وأوصيه بأهل الأمصار (7) خيرا فإنّهم ردء (8) الإسلام، وجباة المال، وغيظ (9) العدوّ، وأن لا يؤخذ (10) منهم إلّا فضلهم (11) عن رضاهم.
وأوصيه (12) بالأعراب (13) خيرا، فإنّهم أصل العرب،
__________
(1) رواه الحاكم: المستدرك 3/ 95.
(2) في ب: الخلافة.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في ج: لهم منهم.
(5) تبوؤا الدار: أي سكنوا المدينة قبل الهجرة، ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(6) في ب: إلى أن.
(7) في أ: الأنصار.
(8) في ج: رداء. الرّدء: العون والناصر. ابن الأثير: النهاية 2/ 213 (ردأ).
(9) غيظ العد: أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم. ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(10) في ج: يأخذ.
(11) إلا فضلهم: أي إلا ما فضل عنهم. ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(12) في ب: وأصيه.
(13) في الأصل: العرب، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح.(1/382)
ومادّة (1) الإسلام، أن يؤخذ (2) من حواشي (3) أموالهم، ويردّ على فقرائهم.
وأوصيه بذمة الله (4) [تعالى] (5) وذمّة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم (6)
بعهدهم، وأن يقاتل (7) من ورائهم، ولا يكلّفوا (8) إلا طاقتهم (9).
(وصيته لابنه عبد الله) (10):
__________
(1) وفي الأصل: سادات، والتصويب من: أ، ب، ج. مادة الإسلام: أي الذين يعينونهم ويكثرون جيوشهم، ويتقوى بزكاة أموالهم. وكل ما أعنت به قوما في حرب أو غيره فهو مادة لهم. ابن الأثير: النهاية 4/ 307، 308، (مدد).
(2) في أ، ب: يأخذ.
(3) حواشي أموالهم: هي صغار الإبل، كابن المخاض، وابن اللّبون، وأحدها حاشية.
وحاشية كل شيء جانبه وطرفه. ابن الأثير: النهاية 1/ 392 (حشا).
(4) ذمة الله: أي أهل الذمة. ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) (لهم) ليست في: ب، ج.
(7) أن يقاتل من ورائهم: أي إذا قصدهم عدوهم. ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(8) ولا يكلفوا إلا طاقتهم: أي من الجزية. ابن حجر: الفتح 7/ 68.
(9) رواه البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والتفاق على عثمان وفيه مقتل عمر (فتح الباري) 7/ 6259رقم (3700) ورواه مختصرا في كتاب الجهاد، باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقّون (فتح الباري) 6/ 169رقم (3052) وفي كتاب التفسير، باب والذين تبوؤا الدّار والإيمان (فتح الباري) 8/ 631رقم (4888) عن عمرو بن ميمون، وكذا ابن سعد: الطبقات 3/ 339.
(10) عنوان جانبي من المحقق.(1/383)
فلمّا أشرف على الوفاة، قال لابنه عبد الله رضي الله عنه، ورأسه في حجره:
ضع خديّ بالأرض. قال: يا أبتاه! ما أقربه من الأرض، قال: ضعه فوضع. فقال: ويل لعمر إن لم يغفر الله له، ثلاث مرات (1).
فقال له رجل (2) ممن حضر: والله (3) يا أمير المؤمنين إنك لتقدم على ما يسرك، وتقرّ به عينك. فقال: وما يدريك؟ ويحك، فقال ابن عباس:
وما لنا (4) لا ندري! وقد عشت حميدا، وذهبت فقيرا، وعملت بالحقّ.
فقال عمر للقوم (5): أتعرفون ما قال ابن العباس؟ قالوا: نعم، فرفع رأسه (6)، وقال: الله أكبر [الله أكبر] (7).
ثم قال لابنه عبد الله: إيت عائشة فقل لها: إنّ عبد الله عمر بن الخطاب يقرئك السّلام ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم (8)
للمؤمنين أميرا ويقول لك، إنّا نهينا أن ندخل بيوتكنّ إلا بإذن 9،
__________
(1) ورد بمعناه عند ابن سعد: الطبقات 3/ 360، وعمر بن شبّة: تأريخ المدينة 3/ 919، وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/ 52.
(2) لم أعثر على اسمه.
(3) (لفظ الجلالة) سقط من: ب.
(4) في ب: ومالانا، وفي ج: وما أنا.
(5) في الأصل وأ: يقوم، وسقطت من: ب، والمثبت من: ج.
(6) في أ، ب، ج: يديه.
(7) الزيادة من: ب، ج.
(8) في ب: اليوم لست.
وقع في هامش الأصل الفقرة التالية: يشير لقوله تعالى: {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلََّا}(1/384)
أفتأذنين [في] (1) أن أدفن (2) في بيتك، مع صاحبيّ؟ قال عبد الله بن عمر:
فبلّغتها قوله، فبكت حتى علا بكاؤها، ثم قالت: نعم. وقالت (3): كنت أردته لنفسي، ولأوثرنّ به اليوم على نفسي.
فأتيته، فأخبرته، فحمد الله تعالى، وقال: ما كان (4) عندي شيء أهم من ذلك، ثم قال: إنّ المرأة أذنت لي، وهي ترى أنّي أعيش. فإذا [أنا] (5)
متّ، فاغسلني، وكفّنيّ، فإذا حملتني فتقدّم السّرير (6) وقل لها: هذا عبد الله عمر يستأذن على الباب، فإن أذنت لي فادفني مع صاحبيّ فإن أبت، فأخرجني إلى البقيع (7).
(غسله وكفنه) (8):
__________
{أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} سورة الأحزاب: الآية رقم (53).
(1) الزيادة من: أ، ب.
(2) في الأصل وأ، ب: ندفن، وما أثبته من: ج.
(3) (وقالت) ليست في: أ، وفي ج: والله.
(4) (ما كان) ليست في: ب.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) والسرير هنا النعش. النووي: شرح صحيح مسلم 15/ 158.
(7) ورد عند البخاري مطولا: الصحيح، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي وأبي بكر وعمر (فتح الباري) 3/ 356رقم (1392) وكتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان، وفيه مقتل عمر (فتح الباري) 7/ 6259رقم (3700) وبعضه عند ابن شيبة: المصنف 14/ 576رقم (18905) وابن سعد: الطبقات 3/ 338.
(8) عنوان جانبي من المحقق.(1/385)
فلمّا توفي رضي الله عنه، ولي (1) غسله ابنه عبد الله رضي الله عنه، وكفّنه في خمسة أثواب (2).
(ثناء علي بن أبي طالب على عمر رضي الله عنهما) (3):
فلمّا وضع على سريره (4)، تكنّفه (5) النّاس يدعون قبل أن يرفع.
قال ابن عباس: فلم يرعني (6) إلّا (7) رجل آخذ بمنكبيّ، فإذا علي / بن أبي [23/ أ] طالب رضي الله عنه فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحدا [أحبّ إليّ أن ألقى] (8) الله بمثل عمله [منك] (9). وأيم الله إن كنت (10) لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت إنّي (11) كنت
__________
(1) في الأصل: وولي، والتصويب من: أ، ب، ج.
(2) أخرج مثله الطبراني: المعجم الكبير 1/ 24رقم (73)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 202رقم (161)، والبغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 409.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في الأصل: السرير، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 41رقم (3685).
(5) تكنّفه: أحاطوا به من جميع جوانبه، والكنف بالتحريك: الجانب والناحية. ابن الأثير: النهاية 4/ 205 (كنف).
(6) يرعني: أي لم يفزعني. ابن حجر: الفتح 7/ 48.
(7) في ب: غير.
(8) التكملة من: أ، ج.
(9) التكملة من: ج. وهذا الكلام يدل أنّ عليا كان لا يعتقد أنّ لأحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر. ابن حجر: الفتح 7/ 48.
(10) في الأصل: إني، وما أثبته من: أ، ب، ج. والبخاري: الصحيح.
(11) (إني) سقطت من: ب.(1/386)
كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (1): ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، [وخرجت أنا وأبو بكر وعمر] (2).
(الصلاة عليه) (3):
فلما أخرجت جنازته تصدّر (4) عثمان وعلي، أيّهما يصلي عليه.
فقال عبد الرحمن بن عوف: كلاكما (5) يحب الأمر لنفسه، لستما في شيء من هذا، وإنّما هو إلى صهيب، فإنّ عمر استخلفه (6) ليصلي بالناس ثلاثا، حتى يجتمع الناس على إمام. فصلّى عليه صهيب (7).
(دفنه) (8):
__________
(1) (يقول) سقطت من: ب.
(2) التكملة من: أ، ب، ج، والحديث أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب لو كنت متخذا خليلا (فتح الباري) 7/ 22رقم (3677) وباب مناقب عمر (فتح الباري) 7/ 4241رقم (3685)، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، باب فضائل عمر 15/ 158، وابن ماجة: السنن، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 37رقم (98) وانظر عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 941، وابن الجوزي: مناقب عمر ص 244.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في أ: تصدق، وفي ج: تصدى.
(5) في ج: كلاهما.
(6) في ب: قال عمر استخلفته.
(7) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 367عن الواقدي مثله. وذكر عند عمر بن شبة:
تأريخ المدينة 3/ 926بدون إسناد مطولا وفيه (تصدى) بدلا من (تصدر).
(8) عنوان جانبي من المحقق.(1/387)
وتقدّم عبد الله فسلّم على عائشة رضي الله عنها، وقال: يستأذن عمر ابن الخطاب، قالت: أدخلوه. فأدخل، فدفن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وجعل رأسه عند حقوي (1) أبي (2) بكر رضي الله عنهما (3). ونزل في حفرته ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان (4).
(عمره، ومدة خلافته، وتاريخ وفاته) (5):
وتوفي رحمه الله ورضي عنه (6) [وهو] (7) ابن ثلاث وستين سنة (8). وقيل: ستون سنة (9). وقيل: غير ذلك (10).
__________
(1) الحقو: الخصر. الجوهري: الصحاح 6/ 2317 (حقا).
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وب: أبو.
(3) رواه ابن سعد عن الواقدي (3/ 368)، والسمهودي: وفاء الوفا 2/ 551، وقال:
ورواية نافع بن أبي نعيم التي جاء فيها: قبر عمر حذاء منكبي أبي بكر، هي التي عليها الأكثر، وهي المشهورة.
(4) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 368برواية الواقدي وزاد: سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، وصهيب بن سنان. وانظر البلاذري: أنساب (الشيخان) ص 383.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) (رضي عنه) سقطت من: أ، ب، ج.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) ابن سعد: الطبقات 3/ 365وخليفة: تاريخ ص 153، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 69رقم (67)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 194رقم (140) كلهم عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه. وقال به الشعبي، والهيثم بن عدي. انظر خليفة: تاريخ ص 153، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 68رقم (65) وابن عساكر: تأريخ دمشق (مخطوط) 13/ 198197، والطبري: تاريخ 4/ 198.
(9) الطبري: تاريخ 4/ 198عن الواقدي. وقال: هذا أثبت الأقاويل عندنا.
(10) روى الطبراني: المعجم الكبير 1/ 68رقم (64) بإسناده عن ابن عباس: قبض(1/388)
وكانت خلافته عشر سنين (1)، وستة أشهر، وأربعة أيام (2).
وقيل: توفي [في] (3) غرة المحرم سنة أربع (4) وعشرين (5). وطعن قبل
__________
عمر وهو ابن ست وستين سنة. وقال الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 78رواه الطبراني ورجاله ثقات. وقال الذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 284وهو أكثر ما قيل. وقيل: خمس وستون. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 13/ 198.
وقيل: أربع وستون. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 194وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 13/ 198.
وقيل: إحدى وستون. الطبراني: المعجم الكبير 1/ 69رقم (67) والطبري: تاريخ 4/ 198.
وقيل: تسع وخمسون. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 194.
وقيل: ثمان وخمسون. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 194.
وقيل: ست وخمسون. عبد الرزاق: المصنف 4/ 600رقم (6790).
وقيل: خمس وخمسون. ابن سعد: الطبقات 3/ 365، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 69رقم (70، 71)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 194، والبغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 410، ورجّح ابن قتيبة هذا القول: المعارف ص 184.
وقيل: أربع وخمسون: خليفة: تاريخ ص 153، البغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 411.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عشرون سنة.
(2) ابن قتيبة: المعارف ص 183وفيه: خمس ليال بدل أربعة أيام. وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 944، ورجح ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 180هذا القول.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في ب: أربعة.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 193.(1/389)
ذلك بثلاثة أيام (1). ومكث ثلاثا يصلي في ثيابه التي جرح (2) فيها.
وكانت الشورى بعده (3) ثلاثة أيام (4).
(رثاء زوجته له) (5):
وقالت زوجته (6) عاتكة (7) بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أخت سعيد (8) بن زيد:
عينّي جودي بعبرة ونحيب ... لا تمليّ على الأمير النّجيب
فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتّثويب (9)
عصمة الله والمعين على الدّه ... ر وغيث المحروم والمحروب (10)
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 152، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 943.
(2) في أ: خرج، تحريف: جرح. ابن سعد: الطبقات 3/ 362، 363عن الواقدي.
(3) (بعده) سقطت من: ب.
(4) الطبري: تاريخ 4/ 229.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) (زوجه) سقطت من: أ.
(7) عاتكة بنت زيد العدوية، من المهاجرات، تزوجها عمر سنة اثنتي عشرة. ابن سعد:
الطبقات 8/ 265، ابن عبد البر 4/ 1878.
(8) في ب: سعد.
(9) التثويب: تكرار الدعاء، يقال ثوّب الداعي تثويبا، إذا عاد مرة بعد أخرى. انظر ابن منظور: لسان العرب 1/ 303 (ثوب) ووقع عند الطبري: التلبيب. تأريخ 4/ 219.
(10) في ب: الملهوب. المحروب: المسلوب ماله. انظر ابن منظور: لسان العرب 1/ 303 (حرب).(1/390)
قل لأهل السّراء (1) والبؤس [موتوا] (2) ... قد سقته (3) المنون كأس (4) شعوب (5) (6)
[وقالت أيضا:] (7)
وفجعتني فيروز لا درّ درّه (8) ... بأبيض تال للكتاب منيب
رؤوف على الأدنى غليظ على العدا (9) ... أخي ثقة في النائبات نجيب
__________
(1) في الأصل وأ، ج: الضرّاء، والمثبت من: ب، والطبري: تاريخ 4/ 219.
(2) الزيادة من: أ، ج، وفي ب: الإخا.
(3) في ب: سقتنا.
(4) في ب: كأسا.
(5) شعوب: يقال: أشعب الرجال، إذا مات أو فاروق فراقا لا يرجع. الجوهري:
الصحاح 1/ 156 (شعب).
(6) أخرجه الحاكم: المستدرك 3/ 94، والطبري: تاريخ 4/ 219، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 13/ 200، البغدادي: خزانة الأدب 10/ 380، 381، وذكر عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 948البيتين الأولين.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) يقال في الذمّ: لا درّ درّه! أي لا كثر خيره. الجوهري: الصحاح 2/ 655، 656 (درر).
(9) في ب: العدو. العداء: بكسر العين: الأعداء. الجوهري: الصحاح 6/ 2420 (عدا).(1/391)
متى [ما] (1) يقل، لا (2) يكذب لقول فعله (3) ... سريع إلى الخيرات غير قطوب (4) (5)
(عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل) (6):
وعاتكة هذه: كانت عند عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (7)، فمات عنها قتل بسهم في غزوة الطائف. فتزوجها عمر بعده، فقتل. ثم تزوجها الزبير بن العوّام بعده، فقتل (8). فكان علي رضي الله عنه يقول:
من أراد الشهادة الحاضرة، فليتزوج عاتكة (9).
قول عمر في أهل الشورى (10):
وروي عن ابن عباس / رضي الله عنه أنّه قال: بينما أنا (11) [23/ ب] أمشي
__________
(1) الزيادة من: أ.
(2) في الأصل وأ: لم، وما أثبته من: ب، ج. والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 95.
(3) في ب: قوله.
(4) غير قطوب: غير عبوس. يقال: قطّب بين عينيه أي جمع، فهو رجل قطوب، وقطّب وجهه تقطيبا: أي عبس. الجوهري: الصحاح 1/ 204 (قطب).
(5) رواه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 95، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 948، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) ص 364، والطبري: تاريخ 4/ 219مثله.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في الأصل: عنه، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(8) ابن سعد: الطبقات 8/ 267265، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 185183.
(9) ابن قدامة: التبيين في أنساب القرشيين ص 384، لكنه لم ينسبه إلى علي رضي الله عنه. حقي:
نساء صنعن التأريخ ص 190.
(10) عنوان جانبي. وهو عند عبد الرزاق: المصنف 4/ 447.
(11) (بينما أنا) ليست في: أ، ب.(1/392)
مع عمر رضي الله عنه يوما، إذ تنفس نفسا (1) ظننت أنّه قد [قضبت] (2) أضلاعه، فقلت: سبحان الله! والله ما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلّا (3) أمر (4)
عظيم، قال: ويحك يابن عباس! ما أدري كيف أصنع بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: ولم، وأنت بحمد الله قادر أن تضع ذلك مكان (5) الثقة؟ قال: إنّي أراك تقول: إنّ (6) صاحبك أولى النّاس بها يعني عليا قلت: أجل، والله، إنّي لأقول ذلك في سابقته وعلمه (7) وقرابته وصهره. قال: إنّه كما ذكرت، ولكنه كثير الدعابة (8)، فقلت: فعثمان؟ قال: والله لو فعلت (9) لجعل بني أبي معيط (10) على رقاب النّاس، يعملون فيهم بمعصية الله، والله لو فعلت لفعل، والله (11) لو فعل لفعلوا، فوثب النّاس
__________
(1) في ج: تنفسا.
(2) في الأصل: قدّت، وفي أ، ب: قضت، وفي ج: فضت. والتصحيح من الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 1119. قضبت: قطعت. الجوهري: الصحاح 1/ 203 (قضب).
(3) (إلا) سقطت من: ب.
(4) في الأصل وب: الأمر، وما أثبته من: أ، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1119.
(5) في ب: في محل.
(6) (إنّ) سقط من: ب.
(7) في ب: سابقة علمه.
(8) في أ، ج: الرعاية. والدّعابة: المزاح. ابن الأثير: منال الطالب ص 320.
(9) في أ: والله لو فعلت لفعل، ولو فعل لفعلوا، فوثب الناس إليه.
(10) بنو معيط: بضم الميم وفتح العين، فخذ من بني أمية بن عبد شمس، من قريش، نسبوا إلى أبي معيط بن أمية، ويقال في النسبة إليه: معيطي. انظر ابن ماكولا:
الإكمال 7/ 270، 271، وابن الأثير: اللباب 3/ 239.
(11) (لفظ الجلالة) سقط في: أ، ب، ج.(1/393)
إليه (1) فقتلوه. فقلت (2): فطلحة بن عبيد الله (3)؟ قال: الأكيسع (4)! هو أزهى (5) من ذلك (6)، ما كان الله ليراني أوليّه (7) أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على ما هو عليه من الزّهو (8). قلت: فالزبير بن العوّام؟ قال: إذا كان يظل يلاطم النّاس في الصّاع (9) والمدّ. قلت: فسعد بن أبي وقاص؟ قال: ليس
__________
(1) في الأصل: إليه الناس، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1119: الناس عليه.
(2) في ب، ج: قلت.
(3) في ب: عبد الله.
(4) الأكيسع: تصغير أكسع، والكسع: سرعة المرّ. الجوهري: الصحاح 3/ 1276 (كسع) وروى الطبراني: المعجم الكبير 1/ 69رقم (191) وابن سعد: الطبقات 3/ 219، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 324كلهم عن الواقدي: كان طلحة رضي الله عنه إذا مشى أسرع. ووردت هذه الصفة عند الخطابي: غريب الحديث 2/ 111بلفظ (الأكنع) أي الأشل اليد، وكانت يده أصيبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاه بها يوم أحد.
غريب الحديث 2/ 112وابن الأثير: منال الطالب ص 320.
(5) أزهى: الزهو: الكبر والفخر والتّيه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1168 (الزهو).
ووردت هذه الصفة عند أبي عبيد: غريب الحديث 3/ 331بلفظ (لولا بأو فيه) البأو: الكبر والعظمة والعجب والفخر. الزمخشري: الفائق 3/ 276، وابن الأثير:
منال الطالب ص 320.
(6) في ب: أزها من الدنيا.
(7) (أوّليه) سقطت من: ب.
(8) في ب، ج: الزهد.
(9) الصاع يساوي 176، 2كيلو غرام، والصاع أربعة أمداد. زلّوم: الأموال في دولة الخلافة ص 165.(1/394)
بصاحب ذلك، [ذاك صاحب] (1) مقنب (2)، يقاتل فيه. قلت: عبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم الرجل ذكرت، ولكنّه ضعيف عن ذلك. والله يابن عباس لا يصلح لهذا الأمر غير القويّ من غير عنف، الّليّن في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل. قال ابن عباس: كان والله عمر كذلك (3).
عمّال عمر رضي الله عنه على الأمصار (4):
وتوفّي رضي الله عنه وعامله على الكوفة: المغيرة بن شعبة (5)، وعلى البصرة:
أبو موسى الأشعري (6)، وعلى مصر: عمرو بن العاص. وعلى حمص:
__________
(1) الزيادة من: أ.
(2) عند أبي عبيد: غريب الحديث 3/ 331ذاك يكون في مقنب من مقانبكم.
مقنب: المقنب، بالكسر جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هو دون المائة، مفرد مقانب، يريد أن سعدا صاحب جيوش ومحاربة، وليس بصاحب هذا الأمر. انظر ابن الأثير:
النهاية 4/ 111.
(3) أخرجه بتمامه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 119، 1120، وذكر مثله عن ابن عباس: أبو عبيد: غريب الحديث 3/ 335331، والزمخشري: الفائق 3/ 275 278، وابن الأثير: منال الطالب ص 318، 319، وانظر الخطابي: غريب الحديث 2/ 111مختصرا. قلت: هذه الرواية تدل على عدم رضا عمر بن الخطاب على توليه أهل الشورى الستة، وهذا غير صحيح لأنه لا يعقل أن يعلم هذه العيوب في هؤلاء ثم يرشحهم لولاية المسلمين.
(4) عنوان جانبي. وهو عند الطبري: تاريخ 4/ 241.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 241.
(6) خليفة: تاريخ ص 154، والطبري: تاريخ 4/ 241.(1/395)
عمير بن سعد (1) [العتبري] (2). وعلى دمشق: معاوية بن أبي سفيان (3).
وعلى البحرين: عثمان بن أبي العاص الثقفي (4).
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: عمرو بن سعيد. عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري الأوسي، صحابي، كان عمر يسميه: نسيج وحده وهي كلمة تطلق على الفائق شهد فتح الشام. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1215، والذهبي: سير 2/ 105103، وابن حجر: تقريب ص 431.
(2) الزيادة من: أ، ب، وفي ج: العتري. قلت: لعله تحريف العبيدي: نسبة إلى جده عبيد بن عمرو. انظر ابن الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 1/ 368.
(3) اليعقوبي: تأريخ 2/ 161، والطبري: تاريخ 4/ 241. قال ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 135: والصّواب أنّ الذي جمع لمعاوية الشّام كلها عثمان بن عفان، وأمّا عمر فإنّه إنّما ولاه بعض أعمالها.
(4) خليفة: تاريخ ص 154، والطبري: تاريخ 4/ 241.(1/396)
ذكر (1) أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه (نسبه) (2):
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ القريشي (3)، الأمويّ. ذو النورين (4)، يلتقي (5) مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأب [الخامس] (6)، عند عبد مناف (7).
(كنيته) (8):
يكنى أبا عبد الله (9)، وأبا عمرو (10)، كنيتان مشهورتان له (11).
__________
(1) (ذكر) سقطت من: أ، ب، ج.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ج: القرشي.
(4) سمّي عثمان: ذا النورين لأنه لا يعلم أحد أغلق بابه على ابنتي نبي الله صلى الله عليه وسلم غيره. أبو نعيم:
معرفة الصحابة 1/ 245رقم (237)، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 11/ 86.
(5) في أ، ب: يلقى النبي.
(6) في الأصل وأ، ب: الرابع، والتصويب من: ج.
(7) انظر نسبه عند مصعب الزبيري: نسب قريش ص 101، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 29رقم (90)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 234، 235رقم (218و 219و 220).
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) هو عبد الله (الأكبر) بن عثمان، ولدته أمّه بأرض الحبشة، ومات وهو ابن ست سنين في السّنة الأولى من الهجرة. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 104، وابن حجر: الإصابة 5/ 63.
(10) عمرو بن عثمان، أمه: أم عمرو بنت جندب الدّوسيّة، عاش بعد أبيه، وزوّجه معاوية لما ولي الخلافة ابنته رملة. ابن سعد: الطبقات 5/ 150، البخاري: التأريخ الصغير 1/ 59، ابن حجر: تهذيب 8/ 79.
(11) (له) سقطت من: ب.(1/397)
وأبو عمرو (1) أشهرهما (2).
قيل: إنّه (3) ولدت له رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إبنا، فسمّاه عبد الله واكتنى به، فمات. ثم ولد (4) له عمرو، فاكتنى به إلى أن مات رحمه الله ورضي عنه (5).
وقيل: إنّه كان يكنى أبا ليلى (6).
(نسب أمّه، وتأريخ مولده) (7):
أمّه أروى (8) بنت كريز بن ربيعة بن حبيب / بن عبد شمس [24/ أ] ابن عبد مناف. وأمّها البيضاء (9) أم حكيم بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: عمر.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1037.
(3) في ب: إن.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ولدت.
(5) الدولابي: الكنى والأسماء ص 8، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1037.
(6) ابن قتيبة: المعارف ص 191، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1037.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) أروى بنت كريز، أسلمت، وماتت في خلافة عثمان. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 236، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 8.
(9) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أيضا. والبيضاء بنت عبد المطلب، تزوجها في الجاهلية كريز بن ربيعة بن حبيب، فولدت له عامر وأروى وطلحة وأم طلحة. ابن سعد: الطبقات 8/ 45.(1/398)
ولد في السنة السّادسة بعد الفيل (1).
(صفاته) (2):
وكان أبيض (3). وقيل: أسمر (4)، نحيف (5) الجسم، ليس بالطّويل ولا بالقصير، حسن الوجه، مشرف (6) الأنف، رقيق البشرة، كبير اللّحية (7)
عظيمها، عظيم (8) الكراديس (9)، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر السّاعدين والسّاقين، وكان يصفّر لحيته.
وقيل [له] (10) ذو النورين: لأنّه لم ير (11) أيّ أحد أرسل سترا على بنتي نبيّ غيره رضي الله عنه (12).
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1038.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 236.
(4) في الأصل: أحمر، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن سعد: الطبقات 3/ 58.
(5) في الأصل: نحيل، وما أثبته من: أ، ب، ج. البغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 413.
(6) مشرف: مرتفع. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1065 (شرف).
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: اللحظة.
(8) (عظيم) سقطت من: ب.
(9) الكراديس: جمع كردوس أي رؤوس العظام، وقيل: ملتقى كل عظمين ضخمين، أي أنّه ضخم الأعضاء. ابن الأثير: النهاية 4/ 162 (كردس).
(10) الزيادة من: ب.
(11) في أ، ب، ج: يعلم.
(12) أخرجه أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 245رقم (237) بنحوه. وابن عساكر:
تاريخ دمشق 11/ 86 (مخطوط).(1/399)
(حاله مع زوجه رقية) (1):
روي عن أسامة بن زيد (2)، [قال] (3): بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة (4) فيها لحم إلى عثمان رضي الله عنه، فدخلت عليه (5)، فإذا هو جالس مع رقيّة ما رأيت زوجا أحسن منهما فجعلت مرة أنظر إلى عثمان [رضي الله عنه] (6) ومرة إلى رقيّة، فلمّا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت عليهما؟ (7) قلت: نعم، قال: هل رأيت زوجا أحسن منهما؟ قلت: لا يا رسول الله! فقد جعلت مرة أنظر إلى رقيّة (8)، ومرة إلى عثمان (9) رضي الله عنهما ورحمهم (10).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ج: أمامة بن أبي زيد.
(3) الزيادة من: أ، ب.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وصورته في الأصل: بلحم إلى بصاحفه.
(5) في ب: له.
(6) الزيادة من: أ، ج.
(7) في الأصل: على عثمان وعليها، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبراني: المعجم الكبير 1/ 31رقم (97).
(8) في الأصل: عثمان، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبراني: المعجم الكبير 1/ 31رقم (97).
(9) في الأصل: رقية، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبراني: المعجم الكبير 1/ 31رقم (97).
(10) أخرجه الطبراني: المعجم الكبير 1/ 31رقم (97) وقال: وهذا كان قبل نزول آية الحجاب. البغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 413، وذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 80وقال: رواه الطبراني، وفيه راو لم يسمّ وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/400)
(بيعته) (1):
بويع يوم السّبت في غرة محرم (2) في أوّل (3) سنة أربع وعشرين [بعد الهجرة] (4)، بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاثة أيام (5).
وذلك أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمّا توفي جمع (6) المقداد (7) أهل الشّورى في بيت المسور (8) بن مخرمة. ويقال: في بيت المال. ويقال: في (9) حجرة عائشة رضي الله عنها بإذنها، ومعهم عبد الله بن عمر بن الخطاب (10).
وكان طلحة بن عبيد الله (11) أحد (12) السّتة من أصحاب
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب: المحرم.
(3) (أوّل) ليست في: أ، ب، ج.
(4) الزيادة من: ب.
(5) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1044ونقله ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 489عن ابن عبد البر.
(6) في ج: جعل.
(7) المقداد بن عمرو الكندي، نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري، لأنه تبناه وحالفه في الجاهلية، صحابي مشهور، من السّابقين، مات سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1480، وابن حجر: تقريب التهذيب ص 545.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: المصور. المسور بن مخرمة الزهري، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، له صحبة، مات سنة أربع وستين. البخاري: التأريخ الكبير 7/ 410، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 399.
(9) (في) سقط من: ب.
(10) (بن الخطاب) سقط من: أ، ج.
(11) في ب: عبد الله.
(12) في الأصل وب: احدى، وما أثبته من: أ، ج.(1/401)
الشّورى يومئذ غائبا (1)، فأمروا أبا طلحة (2) [الخزرجي] (3) أن يحجبهم، فجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، فجلسا بالباب، فصحبهما (4)
[سعد وأقامهما] (5) وقال: تريدان أن (6) تقولا حضرنا، وكنّا في الشّورى! فتنافس القوم في الأمر، وكثر بينهم (7) الكلام، فقال (8): [أبو طلحة] (9):
أنا كنت لأن تدفعوها أخوف منّي لأن تنافسوها. والذي ذهب بنفس
__________
(1) كان غائبا في ماله بالسّراة عند وصيّة عمر، وقد حضر بعد أن مات وقبل أن يتمّ أمر الشورى، ويدّل على أنّه حضر قوله لعبد الرحمن: قد جعلت أمري إلى عثمان، وهذا أصح مما رواه المدائني أنه لم يحضر إلا بعد أن بويع عثمان. ابن حجر: الفتح 7/ 69، والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 18، 19.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بطلحة. أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري، الخزرجي، مشهور بكنيته، شهد العقبة ثم بدرا وما بعدها، ومات سنة أربع وثلاثين. انظر ابن سعد: الطبقات 3/ 504، وابن حجر: تقريب ص 223.
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: الجمحي، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 2/ 27ومن مصادر الترجمة الأخرى.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فضحهما.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) (أن) سقطت من: أ.
(7) في الأصل: بينهما، وما أثبته من: أ، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 927، وفي ب:
منهم، وفي ج: الكلام بينهم.
(8) في الأصل: قال، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.
(9) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/402)
عمر لا أزيدكم على ثلاثة أيّام (1) التّي أمرتم، ثم أجلس في بيتي (2)، فأنظر ما تصنعون. فقال: عبد الرحمن [بن عوف] (3): أيّكم يخرج نفسه منها ونتقلدها (4) على أن نولّيها أفضلكم. فلم يجبه أحد، فقال (5): أنا أنخلع (6)
منها. قال عثمان رضي الله عنه: أنا أوّل من رضي، فإني (7) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عبد الرحمن أمين (8) في الأرض أمين في السماء» فقال القوم: قد رضينا. وعليّ ساكت. فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال (9): أعطني موثقا لتؤثرنّ (10) الحقّ، ولا تتّبع الهوى، ولا تخصّ ذا (11) رحم، ولا تألو لأمّة محمد (12) خيرا. فقال (13): أعطوني موثقكم على أن تكونوا معي على من بدّل
__________
(1) في أ، ج: الأيام.
(2) في ب: بيت.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: وتقلدها.
(5) في الأصل: وقال، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.
(6) في ج: أخلع.
(7) في ب: إنا.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أمير.
(9) في ب: فقال.
(10) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: لتثيرن، وفي ب: لا تؤثرن.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ذي.
(12) في أ، ب، ج: الأمة خيرا.
(13) في الأصل: وقال، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.(1/403)
وغيّر (1)، وأن ترضوا من أختار لكم (2)، وعليّ / ميثاق الله لا أخصّ ذا رحم لرحمة، [24/ ب] ولا آلو (3) المسلمين خيرا. فأخذ منهم ميثاقا وأعطاهم مثله.
[فخلا بعلي] (4) فقال له (5): أنت تقول: إنّك أحقّ من حضر بالأمر (6)، لقرابتك وسابقتك، وحسن أثرك (7) في الدّين. ولم تبعد ولكن أرأيت إن صرف (8) عنك هذا الأمر، من (9) كنت ترى من هؤلاء الرّهط أولى بالأمر؟ قال: عثمان.
ثم خلا بعثمان. قال له: أنت شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته، ولك فضل وسابقة، فأنت تقول: [أنا] (10)
أحقّ بهذا الأمر، فلو صرف هذا الأمر عنك من (11) كنت ترى من هؤلاء
__________
(1) في ج: أو غير.
(2) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: أختاركم.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وآل.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) (له) سقط من: ب.
(6) في ج: من حضر بالأمر أحق.
(7) في الأصل: أثرتك، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.
(8) في الأصل: رأيت أن أصرف، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: لمن.
(10) الزيادة من: أ، ج.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إن.(1/404)
الرّهط أحقّ به (1)، قال: علي.
ثم خلا بالزّبير، فقال له: مثل ما قال لعلي وعثمان، فقال: عثمان.
ثم خلا بسعد، فقال له مثل ما قال لمن تقدّم. فقال: عثمان.
فلقي [علي] (2) سعدا فقال له (3): {وَاتَّقُوا اللََّهَ الَّذِي تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ إِنَّ اللََّهَ كََانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (4) أسألك برحم (5) أبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرحم عمي حمزة منك (6) أن تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا عليّ، فإنّي أدلي بما لا يدلي (7) به عثمان.
ودبّ (8) عبد الرحمن بن عوف ليلا (9) يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وافى (10) بالمدينة من أمراء الأجناد، وأشراف النّاس، يشاورهم، فلا يلقى من يقول إلّا عثمان.
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بها.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) (له) سقط من: ب، ج.
(4) سورة النساء: الآية رقم (1).
(5) في ب: بحق.
(6) كانت أم حمزة وهي هالة بنت وهيب بن عبد مناف، أخت والد سعد بن أبي وقاص: مالك بن وهب. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 129.
(7) في ب: يدني.
(8) في ج: ودأب. ودبّ: مشى مشيا رويدا. الجوهري: الصحاح 1/ 124 (دبب).
(9) في أ، ج: لياليه، وسقطت من: ب.
(10) في ج: أوفى.(1/405)
فلما كان الليلة التي يستكمل (1) في صبيحتها (2) الأجل، أتى مترل المسور بن مخرمة بعد جزء (3) من الليل، فأيقظه، فقال له: أراك نائما، ولم أذق في هذه الليالي كبير غمض، فانطلق! فادع لي عليا وعثمان. [قال المسور] (4): فقلت له: بأيّهما أبدأ؟ فقال: بأيّهما (5) شئت. قال: فخرجت فأتيت (6) عليا وكان هواي فيه فقلت له: أجب خالي. فقال: أبعثك (7)
معي إلى غيري؟ قلت: نعم، إلى عثمان. قال (8): فبأيّنا أمرك أن تبدأ؟
فقلت: سألته فقال: ابدأ بأيّهما شئت [فبدأت بك. لأنّ هواي فيك. قال:
فخرج معي حتى أتى (9) المقاعد (10)، فجلس عليها.
ثم دخلت على عثمان رضي الله عنه فوجدته يوتر (11) مع الفجر، فقلت له:
__________
(1) في ب: يستكملها.
(2) (صبيحتها) سقطت من: ب.
(3) في أ، ب، ج: هدء.
(4) الزيادة من: أ، ب.
(5) في الأصل: من أيّهما، وما أثبته من: أ، ب، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 927.
(6) في الأصل: وأتيت، وما أثبته من: أ، ب.
(7) في الأصل: ما بعثك، وما أثبته من: أ، ب.
(8) في ب: فقال.
(9) (أتى) سقطت من: ب.
(10) المقاعد: مواضع قعود النّاس في الأسواق وغيرها. الجوهري: الصحاح 2/ 526 (قعد).
(11) في ج: فجعلته يوثر.(1/406)
أجب خالي (1) قال: أبعثك معي إلى غيري؟ فقلت (2): نعم إلى علي. قال:
فبأيّنا أمرك أن تبدأ؟ فقلت: قد (3) سألته فقال: ابدأ بأيّهما شئت، وهذا علي على المقاعد] (4) فخرجنا حتى دخلنا جميعا على خالي، وهو في القبلة يصلّي (5).
فانفرد بعلي طويلا، وهو لا يشكّ (6) أنه صاحب الأمر. ثم نهض وانفرد بعثمان، فكان في (7) مناجاته حتى فرّق بينهم أذان الصّبح.
فلما صلّى الصّبح جمع الرّهط، وبعث إلى من حضره (8) من المهاجرين، وأهل السّابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد، فاجتمعوا حتى غصّ (9) بهم المجلس. فقال: أيّها النّاس، إنّ النّاس قد أحبّوا أن يلحقوا (10) أهل الأمصار بأمصارهم، وأحبوا (11) أن يعلموا من (12)
أميرهم، فقال سعيد بن زيد: إنّا نراك لها أهلا. فقال: أشيروا بغير /
__________
(1) لأن أمه، الشفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1399.
(2) في ب: قلت.
(3) (قد) سقطت من: ب.
(4) ما بين القوسين زيادة من: أ، ب، ج.
(5) أخرجه الطبري: تاريخ 4/ 237، 238، برواية المسور بن مخرمة.
(6) في ب: يوشك.
(7) (فكان في) سقطت من: ب.
(8) في الأصل وب: حضر، وما أثبته من: أ، ج. وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 929.
(9) في أ، ب: غض. غصّ: امتلأ. الجوهري: الصحاح 3/ 1047 (غصص).
(10) في أ: يلحق.
(11) في ب: وأحب.
(12) في الأصل: أمر، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 929.(1/407)
[هذا] (1)، [25/ أ] فقال عمّار: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع (2)
عليا. فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار، إن بايعت عليا قلنا سمعا وطاعة (3). وقال ابن أبي سرح (4): إن أردت أن لا يختلف [قولان] (5) فبايع عثمان. فقال عبد الله بن أبي ربيعة (6): صدق، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا (7). فشتم عمّار (8) ابن أبي سرح، وقال: متى كنت تنصح للمسلمين؟! فتكلم بنو (9) هاشم، وبنو (10) أميّة. فقال عمّار: أيّها النّاس إنّ الله تعالى أكرمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم، وأعزنا بدينه فأنّى تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيكم عليه السّلام؟! فقال رجل من بني مخزوم (11): لقد عدوت طورك (12)
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: فبايعوا، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة.
(3) في ب: سمع وطاعا.
(4) في الأصل: صوحان، وهو تحريف.
(5) الزيادة من: أ، ج.
(6) عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة القرشي المخزومي، صحابي، ولّاه عمر بن الخطاب اليمن، مات ليالي قتل عثمان. ابن سعد: الطبقات 5/ 444، ابن حجر: تقريب ص 302.
(7) في الأصل: عثمان، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 930.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عمر.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بني. بنو هاشم بن عبد مناف: بطن من قريش، من العدنانية. القلقشندي: نهاية الأرب ص 435.
(10) بنو أميّة (الأكبر) بن عبد شمس: بطن من قريش، من العدنانية، وهم المراد ببني أمية عند الإطلاق. القلقشندي: نهاية الأرب ص 82، 83.
(11) بنو مخزوم: بطن من لؤي بن غالب، من قريش. القلقشندي: نهاية الأرب ص 416.
(12) عدوت طورك: جاوزت حدك.(1/408)
يابن سمية! وما أنت [وتأمير] (1) قريش لأنفسها؟ وسميّة: إبنة خيّاط، أمة لأبي حذيفة (2) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر (3) بن مخزوم، وكان [أبو] (4) حذيفة أعتقه. ونسب (5) عمار يأتي في ذكر علي إن شاء الله تعالى (6) فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن اقض ما أنت قاض (7)
قبل أن يفتتن النّاس. فقال عبد الرحمن: إنّي قد نظرت (8) وشاورت، فلا تجعلنّ أيّها (9) الرّهط (10) لأنفسكم سبيلا.
فدعا عليا فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب الله وبسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجوا أن أفعل وأعمل (11)
__________
(1) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل: وهي، وفي أ: وما تأمير.
(2) أبو حذيفة، واسمه مهشمّ، جاهلي، حالفه ياسر والد عمّار عندما قدم من اليمن، فزوجه سميّة، ولم يزل ياسر، وابنه عمّار مع أبي حذيفة إلى أن مات. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 300، وابن قتيبة: المعارف ص 256.
(3) في أ، ب: عمرو. والصواب: عمر. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 299.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في أ، ب: ونسبة.
(6) (تعالى) ليست في: أ، ج.
(7) (قاض) سقطت من: أ.
(8) في أ: ناطرت.
(9) سقطت من: ب، وفي ج: فلا تجعلوا بهما.
(10) في الأصل: النّاس، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 930.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أول عمل.(1/409)
بمبلغ علمي وطاقتي (1).
ثم دخل عثمان، فقال (2) له مثل ما قال لعلي. قال: نعم، فبايعه.
وقد (3) أذّن بصلاة العصر، فخرج فصلّى (4) بالنّاس.
وقال علي: ليس هذا أوّل أمر (5) تضاهرتم [به] (6) علينا {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللََّهُ الْمُسْتَعََانُ عَلى ََ مََا تَصِفُونَ} (18) (7) والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك غدا، والله {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (29) (8) فقال عبد الرحمن: يا عليّ! لا تجعل (9) على نفسك سبيلا، فإنّي قد نظرت وشاوررت النّاس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.
فانصرف عبد الرحمن بعثمان إلى [بيت] (10) فاطمة (11) بنت قيس، فجلس
__________
(1) في ب: وطاقة.
(2) في ب: وقال.
(3) في ج: وقال.
(4) في ب: وصلّى.
(5) في أ: منا، وفي ب، ج: ما.
(6) التكملة من: ب.
(7) سورة يوسف، الآية (18).
(8) سورة الرحمن، الآية (29).
(9) في أ: أتجعل.
(10) الزيادة من: ب.
(11) فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية، صحابية من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل، وعاشت إلى خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1901، وابن حجر: تقريب ص 751.(1/410)
وجلس النّاس معه.
ثم قدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان (1)، فقيل له: بايعوا (2)
عثمان. قال: أكلّ (3) قريش راض به؟ قالوا: بعض. فأتى عثمان، فقال له:
أنت على رأس أمرك، إن أبيت رددتها، قال: أتردّها؟ قال: نعم، قال:
أكلّ النّاس بايعوك؟ قال: قد رضيت بما رضوا، لا راغبا عمّا أجمعوا عليه، فبايعه (4).
وروي أنّ عبد الرّحمن حين اجتمع النّاس، خرج حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس! بايعوني على سنّة الله تعالى (5)، وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنّة صاحبيه، / وعلى من رضيت [25/ ب] لكم، وإن وضعت إحدى يدي على الأخرى فذلك عليكم، قالوا: نعم، فترل وأخذ بيد (6) علي فبايع لعثمان، فتلكأ بعض القوم. فسلّ عبد الرّحمن سيفه ثم قال: والذي نفسي بيده لا يأبى أحد إلا ضربت
__________
(1) في ب: عثمان.
(2) في ب: بايع.
(3) في الأصل: كل، وما أثبته من: أ، ب، ج. وانظر عمر بن شبة: تأريخ 3/ 931.
(4) هذا الخبر أورده عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 931926بنحوه عن أبي مخنف، ونقله الطبري: تاريخ 4/ 234230وأبو مخنف: أخباري تالف، لا يوثق به.
الذهبي: سير 3/ 419.
(5) (تعالى) ليست في: أ، ب، ج.
(6) في ب: يد.(1/411)
الذي (1) فيه (2) عيناه. فتبادروا (3) فبايعوا (4).
وروي: أنّه لمّا فرغ من دفن عمر رضي الله عنه، اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرّحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال الزبير: قد جعلت أمري (5) إلى علي. وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد (6): قد جعلت أمري إلى عبد الرّحمن.
فقال عبد الرّحمن (7): أيّكما تبرأ من هذا [الأمر] (8) فنجعله إليه.
والله [عليه] (9) والإسلام لينظرنّ أفضلكم في نفسه. فأسكت (10)
الشيخان. فقال عبد الرّحمن: أفتجعلونه إليّ (11). والله عليّ (12) أن لا آلو
__________
(1) في أ، ب، ج: إلا ضربت عنقه الذي.
(2) في ب: بين.
(3) في الأصل: فتبادروه، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(4) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(5) (أمري) سقطت من: ب.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سعيد.
(7) (عبد الرحمن) سقط من: ب.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) فأسكت: بضم الهمزة وكسر الكاف، كأن مسكتا أسكتهما، ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت، والمراد بالشيخين عثمان وعلي. ابن حجر: الفتح 7/ 69.
(11) في أ: علي.
(12) في ج: على.(1/412)
عن أفضلكم (1). قالوا: نعم.
وأخذ بيد (2) أحدهما وهو عليّ فقال (3): [لك] (4) من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام ما قد علمت (5). فالله (6) عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت [عثمان] (7) لتسمعنّ وتطيعنّ.
ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك.
فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان! فبايعه، وبايع له (8)
عليّ، وولج أهل الدّار فبايعوه (9).
__________
(1) هذه العبارة سقطت من: ب.
(2) في ب: يد.
(3) في ب: وقال.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في ج: ما قدمت.
(6) في ج: فو الله.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وليت عليك.
(8) (وبايع له) ليست في: ب.
(9) في الأصل، وأ، ب، ج: فبايعه، والتصويب من البخاري: الصحيح (فتح الباري) 7/ 62 رقم (3700). أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان (فتح الباري) 7/ 61، 62، رقم (3700) وهذه الرواية الصحيحة تثبت أنّ عليّا رضي الله عنه بايع عثمان بعد عبد الرحمن بن عوف مباشرة، ثم بايع النّاس بعده من غير قهر ولا اضطهاد، ولم يخالف أو يعارض في هذا أحد بل الجميع سلّم له ذلك لكونه أفضل الخلق بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وما جاء مخالفا لهذا فهو مردود على قائله. قال ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 161:(1/413)
فالله أعلم أيّ ذلك كان، لأنّ هذه الرواية الأخيرة (1) ذكرها البخاري (2) في جامعه.
(عدد حجّاته) (3):
فأقام عثمان حتى حضر الحجّ، فأرسل عبد الرحمن بن عوف، فأقام الحج للناس، ثم حج عثمان من بعد ذلك بالناس عشر سنين (4).
(الفتوحات في عهده) (5)
وكانت في أيامه فتوحات وغزوات:
(فتح بعض سابور) (6):
__________
والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ومستقيمها وسقيمها وميّادها وقويمها.
(1) في أ: الآخرة.
(2) محمد بن إسماعيل البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث، والمقتدى به فيه، والمعوّل على كتابه (الجامع الصحيح) بين اهل الإسلام. مات سنة ست وخمسين ومئتين. عاش نحو اثنتين وستين سنة تقريبا. المزي: تهذيب الكمال 24/ 467430، وابن حجر: تقريب ص 468.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 63عن الواقدي. وانظر البلاذري: أنساب الأشراف 5/ 23.
(5) عنوان من المحقق.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
وسابور: كورة مشهورة بأرض فارس، وهي أصغر الكور الخمس في إقليم فارس، ولا تتعدى حدودها حوض نهر شابور الأعلى وروافده، ومن أكبر مدنها: كازرون،(1/414)
ففي سنة خمس وعشرين كان فتح بعض سابور (1) من أرض العراق، على يد (2) عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه (3).
(إعادة فتح الإسكندرية) (4):
وفيها كان فتح الإسكندرية المرة الأخيرة (5) والحصين (6)، من أرض مصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقتل المقاتلة، وسبى الذّرية.
فأمر عثمان برد السبّي الذين سبوا من القرى (7) إلى مواضعهم (8)،
__________
والنوبندجان. ياقوت: معجم البلدان 3/ 176، لسترنج ص 298.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: نيسبور.
(2) في أ، ب، ج: يدي.
(3) ذكر الطبري: تاريخ 4/ 250عن الواقدي قوله: وفيها يعني سنة خمس وعشرين كانت غزوة سابور الأولى. وانظر ابن الأثير: الكامل 3/ 44ومن المدن التي فتحها عثمان بن أبي العاص في هذا الصقع: كازرون، والنوبندجان. البلاذري: فتوح البلدان 2/ 478.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) في الأصل وب: الآخيرة، والمثبت من: ج.
(6) كانت الإسكندرية منيعة ومحصنة تحصينا قويا، فذكر ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 42أن الإسكندرية كانت ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض، وكان على كل واحد منهن سور، وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن يحيط بهن جميعا. وكان عليها سبعة حصون وسبعة خنادق.
(7) في الأصل: الغزو، وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1187.
(8) في الأصل: موضعهم، وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن عبد البر.(1/415)
للعهد الذي [كان] (1) لهم، ولم يصح عنده نقضهم (2).
(تسمية بعض عماله) (3):
وفيها ولّى عثمان رضي الله عنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح (4) مصر.
وكان تركه عمر رضي الله عنه واليا على الصّعيد (5).
وعزل عمرو بن العاص، فغضب عمرو بن العاص (6) من ذلك.
وكان بدأ (7) الشر بينه وبين عثمان، فاعتزل عمرو في ناحية (8) فلسطين، وكان يأتي المدينة أحيانا، ويطعن في خلال ذلك على عثمان رضي الله عنه (9).
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) في ب: عند نقضه. والخبر أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 919، 1187، وخليفة: تاريخ ص 158مختصرا.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل عبد الله بن مسعود بن أبي الأسرح.
(5) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 173، 174والصعيد: بلاد واسعة كبيرة بمصر، فيها مدن عظام منها: أسوان، وهي أوّله من ناحية الجنوب. ياقوت: معجم البلدان 3/ 408.
(6) (عمرو بن العاص) ليس في: أ، ب، ج.
(7) في أ: بدى.
(8) قال ابن سعد: الطبقات 7/ 493نزل في أرض له بالسّبع من أرض فلسطين. والسّبع:
ناحية في فلسطين بين بيت المقدس والكرك، فيه سبع آبار فسّمي الموضع بذلك، وكان ملكا لعمرو بن العاص، أقام به لما اعتزل الناس. ياقوت: معجم البلدان 3/ 185.
(9) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1187بدون إسناد، ونقله الصّفدي: الوافي بالوفيات 17/ 192عن ابن عبد البر دون تعليق، وكذا تقي الدين الفاسي: العقد الثمين 6/ 402، وروى مثله عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3/ 1088من طريق أبي(1/416)
وفيها عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة، وكان أقرّ عليها المغيرة ابن شعبة / شيئا يسيرا، ثم عزله وولّى سعدا، ثم عزله وولى [26/ أ] الوليد (1) بن عقبة بن أبي معيط (2).
(الوليد بن عقبة بن أبي معيط) (3):
واسم معيط: أبان بن أبي عمرو، [واسم أبي عمرو] (4): ذكوان بن أميّة (5) بن عبد شمس، وكان أخا عثمان رضي الله عنه لأمه وفيه نزلت:
__________
مخنف. وذكر الطبري: تاريخ 4/ 356، 357، عن الواقدي مثله.
قلت: من حق الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يفوض أمر الولاية إلى من يراه لائقا وأصلح للأمة وبحسب ما يؤديه إليه نظره واجتهاده رضي الله عنه. وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه مطيعا للخليفة منقادا لأمره أثناء ولايته وبعدها، ولم يصح أنه طعن في عثمان، أو أنّه ألّب عليه، أو سعى في إفساد أمره. قال ابن قيم الجوزية: المنار المنيف ص 117. وكلّ حديث في ذم عمرو بن العاص فهو كذب.
(1) الوليد بن عقبة، له صحبة، أسلم يوم الفتح، واعتزل الفتنة في عهد عثمان وعلي، وعاش إلى خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1552، الذهبي: الكاشف 3/ 211، ابن حجر: تقريب ص 583.
(2) خليفة: تاريخ ص 178، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 609.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التكملة من: ج.
(5) في ب: أبي أمية.(1/417)
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (1) الآية.
__________
(1) سورة الحجرات: الآية رقم (6).
ذكر كثير من المفسرين أنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق. انظر مثلا الطبري: جامع البيان 26/ 123، 124، والجصاص: أحكام القرآن 3/ 398، والزمخشري: الكشاف 3/ 559، والبغوي:
معالم التتريل، بهامش تفسير الخازن 6/ 222، وابن الجوزي: زاد المسير 7/ 460وقال ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1553لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنّها نزلت فيه. وعمدتهم في هذا أربعة أحاديث مرسلة، وثلاثة أحاديث مرفوعة ضعيفة.
انظر إبراهيم قريي: مرويات غزوة بني المصطلق ص 135130وحكم الحديث المرسل حكم الضّعيف إلّا أن يصحّ مخرجه من وجه آخر فإنّه يرقى إلى درجة الحسن لغيره. ابن الصلاح: المقدمة ص 16، 26. لكن هناك أدله قوية تنفي نزول الآية في الوليد بن عقبة ومنها:
أاضطراب متون تلك الروايات التي تفيد نزول الآية في الوليد.
ب كانت غزوة بني المصطلق وقعت سنة خمس للهجرة، بينما كان إسلام الوليد عام الفتح سنة ثمان، فكيف يقال: بأن الآية نزلت في الوليد بعد غزوة بني المصطلق، وهو لم يسلم بعد. وقد يقال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة رضي الله عنه إلى بني المصطلق بعد عام الفتح أي بعد أن أسلم لكن حديث الحارث بن ضرار معوّل على أنّه قدم المدينة بعد الوقعة مباشرة لأداء الزكاة، وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنّ الوليد لم يأته، ولم يره البتّة، ولم يقدم المدينة إلا حين احتبس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد المسند (مع منتخب كتر العمال 4/ 279) بإسناد ضعيف. وانظر رسالة الزميل محمد العواجي: خلافة عثمان (رسالة ماجستير) ص 218، 219وذكر الفخر الرازي: التفسير الكبير ردا على ما ذكره المفسرون حول هذه الآية، وأنّها نزلت في الوليد، بقوله: إن كان مرادهم أنّ الآية نزلت إتمامه لبيان وجوب التثبت من خبر(1/418)
وفيه (1) وفي علي بن أبي طالب رضي الله عنه نزلت: {أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لََا يَسْتَوُونَ} (2).
__________
الفاسق، وأنّها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد، وإن كان غرضهم أنّها نزلت لهذه الحادثة بالذات فهو ضعيف، لأن الوليد خاف وفرق حين رآى جماعة الحارث، فظنها خرجت لحربه، فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبره ظنا منه أنهم خرجوا لقتاله ثم قال: ويتأكد ما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفسق على الوليد شيء بعيد، لأنه توهم وظن فأخطأ. والمخطيء لا يسمى فاسقا.
(1) في ب: من أمه.
(2) سورة السجدة: الآية رقم (18).
والخبر بطوله رواه الطبري: جامع البيان 21/ 107عن عطاء بن يسار، وفي سنده جهالة. والواحدي: أسباب نزول القرآن ص 367من طريق عبد الله بن موسى العبسي، قال عنه الذهبي: ميزان الإعتدال 3/ 16: شيعي محترق.
وذكره البغوي: معالم التتريل بهامش تفسير الخازن 5/ 226بدون إسناد.
قال ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/ 462: ذكر عطاء بن يسار والسديّ وغيرهما أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط.
ونقل السيوطي: الدرّ المنثور 5/ 178عن ابن مردوية والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً} قال: أما المؤمن فعلي، وأما الفاسق فعقبة بن أبي معيط. وقال الخطيب الشربيني: السّراج المنير 3/ 212: لم يقل تعالى لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا ولا فاسقا واحدا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين قال قتادة: لا يستوون لا في الدنيا ولا عند الموت، ولا في الآخرة.(1/419)
فلمّا قدم الوليد (1) على سعد، قال (2) له سعد: والله ما أدري أكست (3) بعدي (4)، أم حمقنا [بعدك] (5)؟ فقال (6): لا تجزعن (7) أبا إسحاق (8)، فإنّما هو الملك (9) يتغدّاه قوم ويتعشاه آخرون. فقال سعد:
أراكم ستجعلونها (10) ملكا (11).
ثم أتاه ابن مسعود، فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت أميرا. فقال (12)
ابن مسعود: ما أدري أصلحت بعدنا، أم فسد النّاس (13).
__________
(1) هذه الفقرة سقطت من: ب، وسقط من أ: عليّ.
(2) في ب: فقال.
(3) في ج: ألست. أكست: أي صرت كيسا، أو غلبتني في الكيس والعقل. ابن منظور:
لسان العرب 6/ 202 (كيس).
(4) في أ، ب: بعدك.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في ب: وقال.
(7) في ب: تجني.
(8) إسحاق بن سعد، أكبر أولاده، ولد له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات صغيرا. ابن سعد:
الطبقات 3/ 137.
(9) في الأصل: ملك، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554.
(10) في الأصل: تجعلونها، وفي ب: قد تجعلونها، وما أثبته من: أ، ج.
(11) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554، وابن قتيبة: المعارف ص 242باختصار.
وقول سعد للوليد، عند أحمد: العلل 2/ 464.
(12) في ب: وقال.
(13) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554عن ابن سيرين.(1/420)
وكان الوليد شرّيب (1) خمر. وصلّى (2) بأهل الكوفة صلاة الصّبح
__________
(1) في ب: شرب، قلت: هذا كذب وافتراء على الوليد رضي الله عنه من بعض الحاقدين والنّاقمين عليه. ذكر هذه الفرية اليعقوبي: تأريخ 2/ 165، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 369، والأصبهاني: الأغاني 4/ 178، وابن أعثم: فتوح 1/ 381379 ونقلها ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554عن الأصمعي، وأبو عبيدة وابن الكلبي بدون إسناد. وما رواه البخاري (الصحيح مع الفتح) في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان 7/ 53رقم (3696) وكتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة 7/ 187رقم (3872)، ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الحدود، باب حد الخمر 11/ 216، وعبد الرزاق: المصنف 7/ 378، 379، والبيهقي: السنن 8/ 318لا ينصّ على أنّ الوليد شرب الخمر، وإنّما ينصّ على أن عثمان بلغه أنّ الوليد شرب الخمر، فاستقدمه من الكوفة وأقام عليه الحد، والوليد رضي الله عنه صحابي جليل وهو من القادة المجاهدين، وكان من خيرة الولّاة على الكوفة، وكان ضحية وشاية قام بها بعض الناقمين عليه، لأنه أقام حدود الله تعالى في بعض أبنائهم. مال الله: ذو النورين عثمان من كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 111. وقد علّق القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الفرية في كتابه: العواصم من القواصم ص 90، 91، وعلق ابن حجر: تهذيب 11/ 144على ترجمة الوليد في الاستيعاب بقوله: وقد طوّل الشيخ ترجمته ولا طائل فيها من كتاب ابن عبد البر وفيها خطأ وشناعة.
وقدّم محب الدين الخطيب رحمه الله تحليلا قيّما لشخصية الوليد بن عقبة وما رمي به من اقتراف شرب الخمر. حاشية العواصم والقواصم ص 9994كما قام محمد الصادق عرجون في كتابه: عثمان ابن عفان ص 112106بدحض هذه الفرية، فقد ذكر ملابساتها ونقد بعض الروايات الواهية والأقوال الكاذبة في قضية إتهام الوليد بشرب الخمر. وناقشها الزميل محمد العواجي في أطروحته: خلافة عثمان بن عفان ص 209 211 (رسالة ماجستير) مقدمة لقسم التاريخ بالجامعة الإسلامية.
(2) في أ، ب، ج: صلّى.(1/421)
أربع ركعات، ثم التفت إليهم، فقال: أزيدكم؟ فقال له عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (1): مازلنا معك في زيادة (2) منذ اليوم (3).
وكان شاعرا كريما، وله خلق ومروءة فحمده (4) أهل الكوفة وقتا، ثم رفعوا عليه أمورا (5) لعثمان رضي الله عنه، فعزله عنهم (6)، وولى سعيد (7) بن العاص بن أمية (8). وحج بالنّاس عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (9).
(فتح بقية أرض سابور) (10):
وفي سنة ست وعشرين، كان فتح بقيّة سابور من أرض العراق (11)
__________
(1) (رضي الله عنه) ليست في: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: الزيادة، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554وعزاه لعمر بن شبة.
(4) في الأصل: فحمدوه، وما أثبته من: أ، ب.
(5) (أمورا) ليست في: أ، ب، ج.
(6) (عنهم) سقطت من: ج.
(7) في ج: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.
(8) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1554.
(9) المشهور من أقوال العلماء، أن عبد الرحمن بن عوف حجّ بالنّاس في السنة الأولى من خلافة عثمان سنة أربع وعشرين بأمر منه. الطبري: تاريخ 4/ 249عن أبي معشر والواقدي. وخليفة: تاريخ ص 157.
(10) عنوان جانبي من المحقق.
(11) عرّف البكري: معجم ما استعجم 3/ 929العراق بقوله: هو ما بين هيت إلى السّند والصين إلى الريّ وخرسان إلى الديلم والجبال. قلت: ويدخل في هذا التعريف إقليم فارس الذي يضم سابور.(1/422)
فتحها (1) عثمان بن أبي العاص الثقفي، وغلب على [كل] (2) قلعة فيها وربض (3). ويقال: افتتحها صلحا، صالحهم على ثلاثمائة ألف وثلاثة آلاف (4).
وحجّ بالنّاس عثمان رضي الله عنه (5).
واعتمر في رجب، فدخل مكة ليلا، وطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة قبل أن يصبح، ثم رجع إلى المدينة (6).
(توسعة المسجد الحرام) (7):
وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجد الحرام، ووسعه، وابتاع من قوم ديارهم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ديارهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصّيحوا (8) بعثمان، فأمرهم إلى الحبس، وقال: ما جرّأكم على الله تعالى (9) إلّا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر، فلم تصّيحوا به. فكلّمه (10) فيهم عبد الله (11) بن خالد بن أسيد، فخلّا
__________
(1) في أ: وافتتحها.
(2) الزيادة من: أ، ب.
(3) ربض: ربض المدينة: ما حولها. الجوهري: الصحاح 3/ 1076 (ربض).
(4) ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 165.
(5) خليفة: تاريخ ص 159. والطبري: تاريخ 4/ 251.
(6) ابن فهد: اتحاف الورى 2/ 19.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) في الأصل وأ، ج: فصاحوا، وما أثبته من: أ. والفاكهي: أخبار مكة 2/ 158.
(9) (تعالى) سقطت من: أ، ب، ج.
(10) في أ، ب: فكلموه.
(11) عبد الله بن خالد بن أسيد الأموي، كانت عنده أم سعد بنت عثمان بن عفان،(1/423)
سبيلهم [رضي الله عنه] (1).
(فتح إفريقية) (2):
وفي سنة سبع وعشرين كانت غزوة إفريقية، غزاها عبد الله بن أبي سرح في آخر السنة، ومعه العبادلة (3)، فلقيه جرجير (4) في مئتي (5) ألف، وكان مستقر سلطانه مدينة يقال لها: قرطاجنّة (6)، وكان هرقل قد استخلفه، فخلع [جرير] (7) هرقل، وضرب الدنانير على وجهها اسمه (8).
__________
وقد عاش إلى أن ولي فارس من قبل زياد في خلافة معاوية، واستخلفه زياد على البصرة فأقرّه معاوية لما مات زياد. ابن سعد: الطبقات 5/ 471، مصعب الزبيري:
نسب قريش ص 112، 188، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 117.
(1) الزيادة من: ب. والأثر أخرجه بنحوه الفاكهي: أخبار مكة 2/ 158، 159، والطبري: تاريخ 4/ 251كلاهما من طريق الواقدي.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير. خليفة:
تاريخ ص 159.
(4) في ج: الجرجير.
(5) في الأصل وب: مائة، وما أثبته من: أ، ج. وخليفة: تاريخ ص 159.
(6) قرطاجنّة: مدينة على ساحل البحر الأبيض بينها وبين تونس إثنا عشر ميلا. ياقوت:
معجم البلدان 4/ 323.
(7) الزيادة من: أ، ج.
(8) هذه العبارة سقطت من: ب، وكلمة (اسمه) مثبتة من: الأصل فقط.(1/424)
وكان سلطانة ما بين طربلس (1) إلى طنجة (2)، فقتل الله جرجير، وانهزم أصحابه، وكان الذي ولي قتله فيما يزعمون عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه. / [26/ ب].
وأقام ابن أبي سرح بسبيطلة (3)، وبثّ السّرايا، وفرّقها، فأصابوا (4)
غنائم كثيرة، فلمّا رأى ذلك رؤساء أهل إفريقية طلبوا إلى (5) عبد الله بن سعد (6) أن يأخذ منهم مالا على أن يخرج من بلادهم. فقبل منهم ذلك.
وصالحوه على مائة (7) ألف [رطل (8) من الذهب. وقيل: على ألفي] (9)
ألف دينار وخمس مائة ألف دينار وعشرين (10) ألف دينار. ورجع إلى
__________
(1) في أ، ج: أطرابلس.
(2) طنجة: مدينة بالمغرب على ساحل المحيط الأطلسي. ياقوت: معجم البلدان 4/ 43.
(3) في ج: بسليطة. سبيطلة: مدينة بتونس، جنوبي القيروان بمسافة سبعين ميلا، كانت مركز ملك جرجير. انظر ياقوت: معجم البلدان 3/ 187، وعبد السلام الترماتبني:
أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1468.
(4) في ب: فأصاب.
(5) في الأصل: من، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 183.
(6) التصويب من: ب. وفي الأصل: سعيد.
(7) عند خليفة: تاريخ ص 160مائتي ألف.
(8) الرّطل يساوي اثني عشر أوقية، وكل أوقية أربعين درهما. زلّوم: الأموال في دولة الخلافة ص 201.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) في الأصل وأ، ب: عشرون، وما أثبته من: ج. وابن أعثم: الفتوح 1/ 360، الطبري: تاريخ 4/ 256، واليعقوبي: تأريخ 2/ 165.(1/425)
مصر، ولم يولّ عليها أحدا، ولم يتّخذ بها قيروانا (1). وقسّم الغنائم بعد إخراج الخمس، فبلغ سهم (2) الفارس ثلاثة آلاف دينار للفرس ألف دينار ولفارسه ألف وللراجل ألف دينار (3). وكان جيش عبد الله بن سعد (4)
عشرين ألفا (5).
وفيها ضرب عثمان على مجوس بها الجزية ديناران (6) على كل رجل (7).
(غزوة إصطخر الثانية) (8):
وفيها كانت غزوة إصطخر الثّانية، وافتتاحها (9) على يد عثمان ابن أبي العاص (10).
__________
(1) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 183.
(2) في أ، ب: منهم.
(3) في الأصل وأ، ب: لفرسه ألف، وللرّاجل ألف دينار، وما أثبته من: ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 184.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سعيد.
(5) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 184.
(6) في الأصل: دينار، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(7) عبد الرزاق: المصنف 6/ 69، والبيهقي: السنن الكبرى 9/ 190كلاهما عن الزهري. دون تحديد لها.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: وافتتحها.
(10) هذه الفقرة سقطت من: ب. والخبر عند الطبري: تاريخ 4/ 257عن الواقدي.(1/426)
(غزوة قبرس) (1):
وفيها غزا معاوية قبرس (2) في البحر، ومعه أم حرام (3) الأنصارية، كانت مع زوجها عبادة بن الصّامت (4) رضي الله عنه، فتوفيت، فقبرها هناك (5)
يستشفى بترابه (6) أهل قبرس، ويسمّونه قبر المرأة الصالحة (7).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
قبرس: جزيرة في البحر الأبيض مشهورة. ياقوت: معجم البلدان 4/ 305.
(2) في الأصل: قبرص، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبري: تاريخ 4/ 258.
(3) أم حرام بنت ملحان، خالة أنس بن مالك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويزورها في بيتها، ويقيل عندها. وأخبرها بأنها شهيدة. ابن الأثير: أسد الغابة 6/ 317، ابن حجر: الإصابة 8/ 222.
(4) عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، مات بالرّملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. ابن سعد: الطبقات 3/ 546، وابن حجر: الإصابة 4/ 26، 27.
(5) في أ: هنالك.
(6) هكذا في الأصل، وفي أ، ب، ج. وذكر ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 168وابن حجر: الفتح 11/ 76من طريق الواقدي: يستسقون به.
وقال الذهبي: سير 2/ 317: بلغني أن قبرها تزوره الفرنج. قلت: وزيارة القبور بقصد التبرك بها والاستشفاء بترابها ودعاء أهلها والاستغاثة بهم وطلب الحوائج الدنيوية والأخروية منهم شرك أكبر، وهو عين ما يفعله عبّاد الأصنام مع أصنامهم.
ابن سعدي: القول السديد بهامش كتاب التوحيد ص 71.
(7) وقع في هامش الأصل: ولذلك أخبر الصادق المصدوق أنّه رأى في المنام من أمته من يغزو في البحر مثل الملوك على الأسرة، فقالت له: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من السابقين الأولين، فسقطت عن دابتها، فماتت شهيدة. قلت: وقد ثبت عند(1/427)
وحجّ بالنّاس عثمان بن عفان رضي الله عنه (1)، وصلّى بهم العيد.
(عبد الله بن الزّبير بشيرا إلى عثمان بفتح إفريقية) (2):
وفي سنة ثمان وعشرين قدم عبد الله بن الزبير بفتح إفريقية، بعثه عبد الله بن أبي سرح، فسار على راحلته من إفريقية إلى المدينة عشرين ليلة. فدخل على عثمان، وجعل يخبره (3) بلقائهم العدو، وما كان في تلك الغزوة، فأعجب عثمان رضي الله عنه، فقال: هل تستطيع أن تخبر الناس بمثل هذا؟ قال: نعم، فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المنبر، ثم قال: اقصص عليهم ما أخبرتني به، فتلكأ عبد الله بديّا (4)، فأخذ الزّبير حصباء، وهمّ أن يحصبه
__________
البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد، باب غزو المرأة في البحر (فتح الباري) 6/ 76 رقم (2877، 2878) وكتاب الإستئذان، باب من زار قوما فقال عندهم (فتح الباري) 11/ 70، 71، رقم (6282، 6283) ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر 13/ 5957، والبيهقي: دلائل النبوة 6/ 450، 451أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لها بالجهاد، وبشرها بالشهادة، وتحقق لها ذلك في غزوة قبرص، وهذا من أعظم دلائل النبوة.
(1) خليفة: تاريخ ص 159.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في أ، ب، ج: فجعل يخبرهم.
(4) في الأصل: فتلقى عبد الله باديا. وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 186، البديّ: بالتشديد: الأوّل، وبداوة الأمر: أول ما يبدوا منه. ومنه قولهم: أفعل ذاك بادي بدي، أي: أولا. أصله الهمزة وإنما تحرك لكثرة الاستعمال.
الجوهري: الصحاح 6/ 2279وابن منظور: لسان العرب 14/ 65 (بدي).(1/428)
بها (1)، ثم تكلّم كلاما أعجبهم. فكان الزبير يقول: إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها، فلم يلبث أن يرى ربيطة (2) منها ببابه لما كان يرى من شبه ابنه عبد الله بأبي بكر الصديق رضي الله عنه (3).
وفيها كانت غزوة سورية (4) من أرض الرّوم (5).
(زواجه بنائلة بنت الفرافصة) (6):
وفيها تزوّج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت الفرافصة (7) الكلبية (8) وكانت من
__________
(1) في ب: به.
(2) الرّبيط: الرّاهب والزاهد والحكيم. الزبيدي: تاج العروس 5/ 143 (ربط).
(3) هذا الخبر: رواه ابن الحكم: فتوح مصر 1/ 185، 186من طريق هشام بن عروة، وذكره بأطول مما هنا مصعب الزبيري: نسب قريش ص 237، 239.
(4) سورية: موضع بين خناصرة وسلميّة، وأضحى اليوم يطلق على قسم من بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى وهو الذي تتألف منه الجمهورية العربية السورية. انظر ياقوت: معجم البلدان 3/ 280، وعبد السلام الترمانيني أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1471، وكان يطلق على الشام كلّه. البكري: معجم ما استعجم 3/ 766.
(5) الخبر في الطبري: تاريخ 4/ 263عن الواقدي.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص، من ربّاب الرّأي والعقل والفصاحة والجمال، كانت من أحظى نسائه عنده بما امتازت به من الطاعة والوفاء والإخلاص إليه.
المعافري: الحدائق الغناء ص 4437. كحالة: أعلام النساء 5/ 156147.
(8) الكلبيّة: نسبة إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف ابن قضاعة. انظر الهمداني: عجالة المبتدى ص 107وابن الأثير: اللباب 3/ 105.(1/429)
السّماوة (1)، على النصّرانية قبل أن تدخل عليه (2)، ثم أسلمت قبل البناء، فلمّا أدخلت عليه قال لها عثمان: إنّي شيخ كبير، فلا تنكرين [منّي] (3)
ذلك، فقالت: والله إنّي لمن نسوة أحبّ الأزواج إليهنّ السّيد الكهل (4)
مثلك، قال لها: أتقومين إليّ أم أقوم إليك؟ قالت: ما جئتك من أرض السّماوة وأريد أن تتعنّى إليّ عرض البيت! (5) / [27/ أ] فقامت إليه، فقال:
ضعي ردائك، [فوضعته. قال: اخلعي درعك] (6)، فخلعته. ثم قال [لها] (7): حلّي مئزرك، فقالت له: أنت أولى بذلك (8).
وفيها (9) سبيت (10) مدينة (11) قبرس، قال جبير بن
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الساوة. السّماوة: مفازة بين الكوفة والشّام، وهي من أرض كلب. البكري: معجم ما استعجم 3/ 754.
(2) في الأصل وأ، ب: عليهم، وما أثبته من: ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: الأكمل، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعند البلاذري: أنساب الأشراف 5/ 12الشّيخ السيّد.
(5) عرض البيت: ناحيته. الجوهري: الصحاح 3/ 1089 (عرض) بتصرف.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في أ، ج: وذلك، وفي ب: وذاك. والخبر رواه البلاذري: أنساب الأشراف 5/ 11، 12، عن هشام بن الكلبي مطوّلا.
(9) هذا يوحي إلى أنّ قبرص فتحت مرة ثانية سنة ثمان وعشرين. لكن المشهور عند المؤرخين أن فتحها الأول كان سنة ثمان وعشرين. البلاذري: فتوح 1/ 181، والطبري: تاريخ 4/ 262كلاهما عن الواقدي، وخليفة: تاريخ ص 160عن ابن الكلبي.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سمى.
(11) (مدينة) سقطت من: ب.(1/430)
نفير (1): فنظرت إلى أبي الدرّداء (2) وهو يبكي، فقلت له: وما يبكيك وهو يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل الشرك وأهله؟ فضرب على منكبيّ، وقال: ثكلتك أمّك يا جبير! وما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره! بينما (3) هي أمّة ظاهرة قاهرة، في عزّ وملك، إذ (4) تركوا أمر الله تعالى، فصاروا إلى ما ترى، سلّط الله عليهم السّبي، فأفقرهم بعد الغنى (5).
(البلدان التي فتحت سنة تسع وعشرين) (6):
وفي سنة تسع وعشرين كان افتتاح الجرف (7) من أرض العراق.
__________
(1) جبير بن نفير الحضرمي: من كبار التابعين، كان جاهليا أسلم في خلافة أبي بكر، ومات سنة ثمانين. ابن سعد: الطبقات 7/ 440، والذهبي: سير 4/ 76.
(2) هو عويمر بن زيد الأنصاري، مشهور بكنيته، صحابي جليل، أوّل مشاهده أحد، وكان عابدا، مات في أواخر خلافة عثمان. ابن سعد: الطبقات 7/ 391، ابن حجر:
تقريب ص 434.
(3) في ب: بينهما، وفي ج: بينا.
(4) في أ، ب: إذا.
(5) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 4/ 262، وابن أعثم: الفتوح 1/ 349، وابن حبيش:
الغزوات الضّامنة ص 481.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) الجرف: بالضم ثم السكون، ما تجرّفته السيول فأكلته من الأرض، وهو اسم لمواضع منها: موضع بالحيرة كانت به منازل المنذر. انظر ياقوت: معجم البلدان 2/ 128.
ولم أقف على هذا الخبر في المصادر التي تيسّر الرجوع إليها.(1/431)
وفيها [كانت] (1) غزوة قبرس (2) الآخرة على يد (3) معاوية. (4)
وفيها ظهر الطعن على عثمان رضي الله عنه، ونطق (5) به، وتكاتب النّاس بذلك (6).
(توسعة المسجد النّبوي) (7):
وفيها وسّع عثمان رضي الله عنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) حين ضاق على النّاس، فكلّموه في توسعته (9). فوسّعه (10).
فابتدأ عمله في شهر ربيع الأول. وكان يباشر عمله، ويقوم على رجليه، والعمّال يعملون، وربّما نام (11) في المسجد. فبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة فيها الرّصاص، وسقّفه بالسّاج،
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: قبرص. وما أثبته من: أ، ب، ج.
(3) في أ: يدي.
(4) البلاذري: فتوح البلدان 1/ 181.
(5) في الأصل وأ، ب: ونقض، والمثبت من: ج.
(6) الطبري: تاريخ 4/ 267، 268عن الواقدي.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) (صلى الله عليه وسلم) ليست في: أ، ب، ج.
(9) في أ، ب: توسيعه.
(10) (فوسّعه) سقطت من: أ.
(11) في الأصل وأ، ب: قام، وما أثبته من: ج. وابن النّجار: أخبار مدينة الرسول ص 98.(1/432)
وجعل (1) طوله مائة وستون (2) ذراعا، وعرضه مائة وخمسون [ذراع] (3)، وجعل أبوابه ستّة كما كانت [على] (4) عهد عمر رضي الله عنه: باب عاتكة، ويليه باب مروان، ويليه باب يلي قبر النبي (5) صلى الله عليه وسلم، ويليه باب يقال له: باب النبي صلى الله عليه وسلم (6)، وبابين (7) في مؤخّرة المسجد (8).
وفيها رجم عثمان رضي الله عنه امرأة من جهينة (9).
__________
(1) في ج: وجعله.
(2) في أ، ب: ستين ومائة. وفي ج: ستون وماية.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: في، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبري: تاريخ 4/ 267والسمهودي:
وفاء الوفا 2/ 507.
(5) في أ: رسول الله.
(6) في أ، ب: عليه السلام.
(7) في الأصل: باب، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن النّجار: أخبار مدينة الرسول ص 98.
(8) روى البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد (فتح الباري) 1/ 540، وأبو داود: السنن، كتاب الصلاة، باب في بناء المسجد 1/ 310رقم (451) أن عثمان زاد في المسجد زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. وانظر بقية الخبر عند الطبري: تاريخ 4/ 267، وابن النّجار: أخبار مدينة الرسول ص 97، 98، والسمهودي: وفاء الوفاء 2/ 507.
(9) ورد عند البيهقي: السنن الكبرى 8/ 220بإسناده عن مالك: أن عثمان أمر برجم امرأة محصنة، فرجمت ولم يحضرها. لكنه لم يسمّها.
وجهينة: نسبة إلى قبيلة جهينة من قضاعة. السمعاني: الأنساب 2/ 134.(1/433)
وأتمّ الصّلاة بمنى وعرفة، فكلّم في ذلك (1)، فقال: إنّي (2) اتّخذت بمكة أهلا، فصرت من أهلها (3).
__________
(1) في ب: بذلك.
(2) (إنّي) سقطت من: ب.
(3) ورد إنكار النّاس على عثمان إتمامه الصلاة بمنى، واعتذاره هذا، وحجته في ذلك، عند أحمد: المسند 1/ 433رقم (443) (تحقيق أحمد شاكر) ومن طريق ابن عساكر: تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) ص 250249وفيه عكرمة بن إبراهيم الباهلي، وهو ضعيف. الذهبي: ميزان الإعتدال 3/ 89، وعند أبي داود: سنن، كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى 2/ 492رقم (1961) بإسناد صحيح إلى الزهري، لكنه منقطع لأن الزهري لم يدرك عثمان رضي الله عنه. وأبو داود: سنن: كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى 2/ 492رقم (1961) بإسناد ضعيف، فيه إرسال إلى إبراهيم النخعي، وبمجموع هذه الروايات يرقى الخبر إلى درجة الحسن. وانظر الألباني: ضعيف سنن أبي داود ص 192، 193، رقم (426، 427) ومحمد الغبّان: فتنة مقتل عثمان ص 81. وقد صحّ أنّ عثمان رضي الله عنه اجتهد فأتم الصلاة بمنى في موسم الحج سنة تسع وعشرين بعد أن رجع من أعمال الحج في حال إقامته بها للرّمي البخاري: الصحيح، كتاب تقصير الصلاة، باب الصلاة بمنى (فتح الباري) 2/ 563رقم (1084) ومسلم: الصحيح بشح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 5/ 203وذكر ابن حجر: الفتح 2/ 571 سبب إتمام عثمان، فقال: والمنقول أنّ سبب إتمام عثمان أنّه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم. فيتم.
وردّ ابن حجر: الفتح 2/ 507على من قال: أنّ عثمان أتمّ لكونه تأهل بمكة. بقوله: إنّ الحديث الذي ورد فيه هذا لا يصح لأنه منقطع، وفي روايته من لا يحتج به. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته، وقصر. ويردّه أيضا قول عروة: إنّ عائشة تأولت ما تأول عثمان. البخاري: الصحيح، كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه(1/434)
وروي عن مالك رضي الله عنه أنّه قال: [إن عثمان] (1) بن عفان رضي الله عنه ولّى زيد (2)
بن ثابت بنيان جدار المسجد الذي يلي القبلة وأعطاه مالا ينفقه (3)، ففضل من ذلك المال مائة ألف درهم، فوهبها له عثمان (4) رضي الله عنه.
(ولاية عبد الله بن عامر على البصرة وفارس) (5):
وفيها عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة، وعثمان بن أبي العاص عن (6)
فارس، وجمع ذلك أجمع لعبد الله بن عامر (7) بن كريز (8).
__________
2/ 569رقم (1090) ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا، فدلّ على وهن ذلك الخبر.
وقال أبو بكر بن العربي: العواصم ص 78، 79مبينا بطلان ما نقمته الشيعة الرافضة على عثمان في هذه المسألة: أماّ ترك القصر فاجتهاد، إذ سمع أنّ النّاس افتتنوا بالقصر وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة، فتركها خوف الذريعة.
وانظر في هذه المسألة المالقي: التمهيد والبيان ص 34، 186، وعرجون: عثمان بن عفان ص 195191.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قال لعثمان.
(2) في ج: يزيد.
(3) في ج: ينفقه عليه.
(4) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في ب: على.
(7) عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي القرشي، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد مع طلحة والزبير وقعة الجمل، ولم يحضر صفين، وولاه معاوية البصرة ثلاث سنين، ومات سنة سبع أو ثمان وخمسين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 931، ابن حجر: الإصابة 5/ 62.
(8) في أ، ب، ج: كرز. والخبر عند خليفة: تاريخ ص 161، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 932.(1/435)
ويقال: فيها (1) افتتحت أصبهان، افتتحها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه (2).
وقيل: إن عبد الله بن عامر (3) افتتح أطراف فارس كلّها، وعامة خراسان، وأصبهان، وحلوان (4)، وكرمان (5).
وهو الذي شقّ نهر البصرة (6)، ولم يزل [واليا] (7) لعثمان عليها إلى أن قتل (8) عثمان رضي الله عنه (9).
وكان ابن خال عثمان (10). وكان يوم ولّاه ابن / أربع (11) [27/ ب]
__________
(1) (فيها) سقطت من: ب.
(2) خليفة: تاريخ ص 161.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: عمر.
(4) حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبل. ياقوت: معجم البلدان 2/ 290.
(5) كرمان: بفتح الكاف، بلاد واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان.
ياقوت: معجم البلدان 4/ 454، وانظر الخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 933.
(6) ويسمى نهر الأبلة، وقد نفذه عبد الله بن عامر حتى بلغ به البصرة.
انظر ابن قتيبة: المعارف ص 321، والبلاذري: فتوح البلدان 2/ 438، وياقوت:
معجم البلدان 5/ 316.
(7) في الأصل: وريثا، وفي ب: وليا، وما أثبته من: ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 933.
(8) في ج: توفي.
(9) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 933.
(10) لأن أم عثمان: أروى بنت كريز. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 147.
(11) في ب: أربعة.(1/436)
وعشرين سنة (1).
وقيل: ابن ست (2) عشرة (3) سنة.
(سبب عزل عثمان أبا موسى عن البصرة) (4):
وكان عزل أبا (5) موسى الأشعري عن البصرة على يد (6) شبل (7) بن معبد، وذلك أنّه دخل على عثمان حين لم يكن عنده غير أموي (8). فقال:
ما لكم يا معشر قريش، أما فيكم صغير تريدون أن ينبل، أو فقير تريدون غناه (9)، أو خامل تريدون التّنويه باسمه. علام أقطعتم هذا الأشعريّ العراق يأكلها خضما! (10) فقال عثمان رضي الله عنه: ومن لها؟ فاشاروا بعبد الله بن عامر، فولّاه حينئذ (11).
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 161عن أبي اليقظان.
(2) في ب: ستة.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: وعشرين. والخبر عند ابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 693.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) في ب، ج: أبو.
(6) في ج: يدي.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: شمل.
(8) في الأصل: غيره، وفي أ: أموي غير، وفي ج: أموي. وما أثبته من: ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 693.
(9) (غناه) سقطت من: ج.
(10) خضما: الخضم هو الأكل بجميع الفم. الجوهري: الصحاح 5/ 1913 (خضم).
(11) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 693بدون إسناد. والرواية تحط من قيمة عثمان رضي الله عنه وتتهمه بمحاباة أقربائه.(1/437)
(فتح جرجان) (1):
وفيها فتحت (2) جرجان (3) على يد (4) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس، وكان [أيّدا] (5). يقال: ضرب بجرجان رجلا على حبل عاتقه، فأخرج السّيف من مرفقه (6).
وقيل: فيها كان فتح إصطخر (7) الثّانية على يد (8) عبد الله بن عامر.
(فتح طبرستان) (9):
وفي سنة ثلاثين كانت غزوة طبرستان (10) من أرض العراق غزاها (11) سعيد
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: افتتحت.
(3) جرجان: بضم أوله، مدينة مشهورة وإقليم بين طبرستان وخراسان، وهي اليوم في إيران. البلاذري: فتوح البلدان 3/ 705، ياقوت: معجم البلدان 2/ 119.
(4) في ج: يدي.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أيضا. أيّدا: شديدا قويا. الجوهري:
الصحاح 2/ 443 (أيد).
(6) في الأصل: مرفقيه، وفي ب: مفرقه، وما أثبته من: أ، ج. وخليفة: تاريخ ص 163، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 622.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إصطخار.
(8) في أ، ب، ج: يدي.
(9) عنوان جانبي من المحقق.
(10) طبرستان: بلاد واسعة تقع اليوم في شمال إيران وتسمى مازندران. البلاذري:
فتوح البلدان 3/ 746، وياقوت: معجم البلدان 4/ 13.
(11) في أ، ب: غزا.(1/438)
بن العاص، وهو أمير الكوفة (1).
ويقال: كان (2) معه الحسن والحسين (3) رضي الله عنهما، افتتحت صلحا على أن تؤدّي ما يؤدّي ما حولها.
(سبب سقوط الخاتم من يد عثمان في بئر أريس) (4):
وفيها سقط خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه في بئر أريس (5)، على ميلين من المدينة، وهذه (6) البئر كانت في جنان عثمان، فجلس على حافتها مع بعض أصحابه، فجعل يحيل (7) الخاتم من يده اليمنى إلى يده اليسرى، فسقط الخاتم في البئر، وكانت (8) البئر من أقل الآبار ماء، فما أدرك لها قعر (9) من يومئذ، [فبات عليها] (10) ثلاث ليال
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 165، والطبري: تاريخ 4/ 269عن أبي معشر.
(2) في ب: إنه كان.
(3) في الأصل: سيّدنا الحسن وسيدنا الحسين، وما أثبته من: أ، ب، ج. والطبري:
تاريخ 4/ 269من طريق عمر بن شبة.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) بئر أريس: تقع غرب مسجد قباء بنحو 48مترا، وعمقها 12مترا، وأريس اسم لصاحبها. الأنصاري: آثار المدينة ص 161.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: هذا.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: يجيل.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وكان.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فما أدركنا لكثرة الماء قعره.
(10) الزيادة من: أ، ب، ج.(1/439)
يزيح (1) منها الماء اللّيل والنّهار. فما يزيد الماء إلّا كثرة (2).
وكان قبل أن يقع الخاتم في البئر مات رجل (3) من الخزرج، فلمّا وضع من موضع الجنائز، وتقدّم الإمام ليصلّي (4) عليه تكلّم وهو في أكفانه كلاما مفهوما. فقال (5): أبو بكر الصديق لين (6) في نفسه، قويّ (7) في أمر الله، صدق. وصدق عمر [بن الخطاب] (8) القويّ في بدنه القويّ في أمر الله [صدق. وصدق] (9) عثمان بن عفان، بئر أريس، بئر أريس. فلم يدر النّاس ما بئر أريس حتّى سقط [فيه] (10) الخاتم (11).
__________
(1) في أ، ب، ج: يميج.
(2) روى بعضا منه البخاري: الصحيح، كتاب اللباس، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر (فتح الباري) 10/ 328رقم (5879) وابن سعد: الطبقات 4/ 476، 477كلاهما عن أنس بن مالك.
(3) هو زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري، شهد بدرا، وتوفي زمان عثمان. البخاري:
التأريخ الكبير 3/ 383وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 547.
(4) في ب: أن يصلي.
(5) (فقال) سقطت من: أ، ب، ج.
(6) في أ، ب، ج: اللين.
(7) في أ، ب، ج: القوي.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج.
(9) الزيادة من: أ، ب، وفي ج: صدق عثمان.
(10) التكملة من: أ، ج.
(11) روى هذه القصة بأكثر مما هنا الطبراني: المعجم الكبير 5/ 219، 220رقم (5145) عن النعمان بن بشير، وقال الهيثمي: مجمع الزوائد 7/ 230رواه الطبراني(1/440)
وكان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم صار من بعده (1) إلى أبي بكر، ثم إلى عمر، ثم إلى عثمان، فحبس (2) عثمان ذلك الجنان (3) الذي سقط في (4)
بئره الخاتم.
وإنما سميّت هذه البئر بأريس: لأنها نسبت إلى رجل من اليهود يسمّى أريس، وكانت له هذه البئر (5).
فيقال: إن من يومئذ نقم النّاس على عثمان رضي الله عنه (6).
__________
ورجاله رجال الصحيح، ورواها البيهقي: دلائل النبوة 6/ 55، 56من وجوه، وقال في بعضها: إسناده صحيح. وقال ابن عبد البر: لا يختلفون في أنّه تكلم، وذلك أنّه غشي عليه قبل موته، ثم راجعته نفسه، فتكلم بكلام حفظ عنه في أبي بكر وعمر وعثمان، ثم مات في حينه. الاستيعاب 2/ 547.
(1) في ب: بعد.
(2) في ب: فجلس.
(3) جنان: بالكسر، جمع جنّة، وهو البستان. ياقوت: معجم البلدان 2/ 167.
(4) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(5) في أ، ب، ج: كانت له هذه البئر يسمى أريس. والخبر عند ياقوت: معجم البلدان 1/ 298عن البلاذري.
(6) قال أبو داود: ولم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده. سنن:
4/ 425. ونقل ابن حجر عن بعض العلماء: لما فقد عثمان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون. الفتح 10/ 329. وليس في ضياع خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب الخروج عليه فضلا عن قتله، هذا إن صحّ أنهم سوغوا خروجهم عليه بضياع الخاتم، وإلّا فإنه لم يرد رواية مسندة تبين أن الخارجين على عثمان عابوه(1/441)
وفيها افتتحت مرو (1).
ويقال (2): فيها افتتحت طبرستان (3).
وفي سنة إحدى وثلاثين كانت غزوة الأسين (4) في البحر، وهي قرية من المصّيصة (5).
وفيها / كانت غزوة [زندان] (6) من أرض الروم من ناحية [28/ أ] المصيصة، وأمير الناس عبد الله بن أبي سرح (7).
__________
بذلك وسوّغوا خروجهم عليه به. محمد الغبان: فتنة مقتل عثمان ص 99.
(1) مرو الشّاهجان أو الكبرى، عرفت بذلك تمييزا لها عن مرو الرّوذ وهي مرو الصغرى. لسترنج: بلدان الخلافة ص 440، وانظر الخبر عند خليفة: تاريخ ص 165، واليعقوبي: تأريخ 2/ 167.
(2) في الأصل وأ، ب: يقال. وما أثبته من: ج.
(3) الطبري: تاريخ 4/ 269عن أبي معشر والواقدي، وخليفة: تاريخ ص 165.
طبرستان: بلاد واسعة على شاطيء بحر الخزر، قصبتها آمل. ياقوت: معجم البلدان 4/ 13.
(4) هكذا في الأصل وفي أ، ج: الأواسين، وفي ب: الأوسين. ولم أقف على هذه الغزوة في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها.
(5) في ج: المصيطة. المصّيصة: بالفتح ثم الكسر مع التشديد، مدينة من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس. ياقوت: معجم البلدان 5/ 145.
(6) في الأصل: ونداي، وفي أ، ب، ج: وندان، والتصويب من: تأريخ خليفة ص 166.
زندان: بفتح أوّله، وسكون ثانيه، ناحية المصيصة. ياقوت: معجم البلدان 3/ 153.
(7) خليفة: تاريخ ص 166.(1/442)
(غزوة الأساود) (1):
وفيها غزا عبد الله الأساود من أرض النّوبة (2)، وهادنهم الهدنة الباقية (3).
وفي سنة ثنتين وثلاثين كانت غزوة المضيق من أرض الروم مضيق القسطنطينية وأميرها معاوية بن أبي سفيان (4).
(غزوة ملطية، وإفريقية، وحصن المرأة) (5):
في سنة ثلاث وثلاثين غزا معاوية ملطية (6)، وإفريقية وحصن (7) المرأة من أرض الروم (8).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) النّوبة: بلاد واسعة عريضة في جنوب مصر. ياقوت: معجم البلدان 5/ 309.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 919.
(4) خليفة: تاريخ ص 167عن ابن الكلبي. واليعقوبي: تأريخ 2/ 169. قلت: وهذا هو أول جيش غزا القسطنطينية وليس الجيش الذي قاده ابنه يزيد فيما بعد.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في أ: مطلية، وفي ب: مطيلية. ملطية: بلدة من بلاد الروم، تتاخم الشام، وهي اليوم من مدن تركيا. ياقوت: معجم البلدان 5/ 192وعبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1499.
(7) في أ: عطن. حصن المرأة: يقع بأرض الروم من ناحية ملطية. الطبري: تاريخ 4/ 317، والذهبي: العبر 1/ 25.
(8) هذه الفقرة سقطت من: ج. والخبر عند خليفة: تاريخ ص 167عن ابن الكلبي.(1/443)
(فتح المروين، وغزوة الحبشة) (1):
وفيها قدم عبد الله بن العباس والأحنف بن قيس إلى بلاد خراسان فافتتحا (2) المروين: مرو الشّاهجان (3)، ومرو الرّوذ (4) صلحا (5).
وفيها غزا ابن أبي سرح الحبشة (6).
(غزوة ذات الصّواري) (7):
وفي سنة أربع وثلاثين كانت غزوة الصّواري [من أرض مصر، وكان أمير النّاس عبد الله ابن أبي سرح.
وذلك أنّه لما نزل ذا الصّواري] (8) في مائتي مركب ونيّف. أنزل نصف النّاس مع بسر (9) بن أرطأة في البر سريّة (10)، وواعد المسلمون الروم
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التصويب من: ج، وفي الأصل: فافتتح، وفي ب: وافتتح.
(3) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: السمجان.
(4) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: ويروى البرود. وفي ب: البرود.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 317عن الواقدي، لكنه لا يذكر عبد الله بن عباس.
(6) خليفة: تاريخ ص 168.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
الصواري: جمع صار، وهو الخشبة المعترضة في وسط السفينة. الزبيدي: تاج العروس 10/ 209 (صري) وسميت بذلك لكثرة صواري المراكب واجتماعها. الكندي: ولاة مصر ص 36. كما سميت = ذا الصواري = بحدف التاء على أنها اسم للمكان الذي جرت الوقعة فيه. ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: بشر.
(10) في الأصل: فسرى بسرية، وفي ب: بسرية. وما أثبته من: ج. وابن عبد الحكم:
فتوح مصر 1/ 190.(1/444)
أن يلتقوا في البحر (1)، فلما مضوا أتى آت إلى عبد الله بن سعيد بن أبي سرح، فقال: ما كنت فاعلا حين يترل بك ابن هرقل في ألف مركب، فافعله السّاعة. فقام (2) عبد الله بن سعد (3) بين ظهراني (4) النّاس. فقال:
قد (5) بلغني أن قسطنطين بن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا عليّ. فما كلّمه رجل من المسلمين. فجلس قليلا لترجع إليهم أفئدتهم. ثم قام الثّانية فكلّمهم، فما كلّمه أحد. فجلس قليلا ثم قام الثّالثة، فكلّمهم فقال: لم يبق شيء، فأشيروا عليّ. فقام رجل من أهل المدينة كان متطوعا مع عبد الله بن سعد فقال: أيّها الأمير إنّ الله تعالى يقول {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (249) (6) فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، [فركبوا] (7) وإنّما في كلّ مركب نصف شحنته، قد خرج (8) النّصف الآخر إلى البّر مع بسر بن أرطاة فلقوهم، فاقتتلوا بالنّبل والنّشاب، وتأخر ابن هرقل لئلا
__________
(1) عند ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190: في البر.
(2) في أ: فقال.
(3) في ب: ابن أبي السرح.
(4) في الأصل: أظهر، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190.
(5) (قد) سقطت من: ب.
(6) سورة البقرة: الآية (249).
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل وأ، ب: فخرج، وما أثبته من: ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190.(1/445)
تصيبه (1) الهزيمة، وجعلت القوارب تختلف إليه بالأخبار. فقال (2): ما فعلوا؟ قالوا (3): اقتتلوا بالنّبل والنّشاب. فقال: غلبت (4) الروم! ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النّبل والنّشاب وهم يقتتلون بالحجارة، قال: [قد] (5) غلبت الروم! ثم أتوه، فقال: ما (6) فعلوا؟ قالوا (7): [قد] (8)
نفدت الحجارة، وربطوا المراكب بعضها ببعض (9)، وهو يقتتلون بالسّيوف. قال: غلبت الروم، فاقتتلوا قتالا شديدا (10) [ما رؤي قط] (11) فلم (12) يكن إلّا الضرب بالسّيف، والطّعن بالخنجر. وصبر الفريقان جميعا، حتى ظفر المسلمون (13)، فقتلوا من الرّوم مالا يحصى، حتى صارت أجسادهم / كأمثال الجبال. ورجع من بقي منهم في أيّام
__________
(1) في ج: تأخذه.
(2) في ج: فقالوا.
(3) في أ، ب: قال.
(4) في ج: غلب.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) في ب: فما.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قال.
(8) الزيادة من: ج.
(9) في الأصل وأ، ج: إلى بعض. وما أثبته من: ب. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190.
(10) في أ، ج: أشد قتال.
(11) الزيادة من: أ، ب، ج.
(12) في أ، ب، ج: لم.
(13) في أ، ب، ج: حتى كان الظفر للمسلمين.(1/446)
[28/ ب] خالية (1) من الرّيح، فبعث الله عليهم ريحا فأغرقتهم (2)
[كلهم] (3) إلا قسطنطين نجا في مركبه فألقته الرّيح بسقليّة (4)، فسألوه عن أمره؟ فأخبرهم، فقالوا (5): شمّتّ (6) النّصرانية، وأفنيت رجالها. لو دخلت العرب علينا لم نجد من يردهم. فقال (7): خرجنا مقتدرين فأصابنا هذا. فصنعوا له الحمّام، ودخلوا عليه، فقال: [لهم] (8):
ويلكم، تذهب (9) رجالكم، وتقتلوا ملككم. قالوا: كأنّه غرق معهم، ثم قتلوه، وخلّوا (10) من كان معه في المراكب (11).
ثم قدم ابن أبي سرح على عثمان رضي الله عنه واستخلف على مصر السّائب
__________
(1) عند ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190: غالبة.
(2) في الأصل: الريح فأغرقهم، وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن عبد الحكم.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في أ، ب، ج: صقلّية. بكسر أوله، وبعضهم يقول بالسين، جزيرة بالبحر الأبيض جنوب إيطاليا. ياقوت: فتوح البلدان 3/ 416، والبلاذري: فتوح البلدان 3/ 733.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقال.
(6) في الأصل: سمت، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190.
(7) في ب: فقالوا.
(8) الزيادة من: ب.
(9) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: تذهبوا.
(10) في الأصل وج: ودخلوا، وما أثبته من: أ، ب، ج. وانظر ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 191.
(11) هذا الخبر رواه ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 190، 191.(1/447)
بن هشام بن عمرو (1) العامري (2)، [فانبرى] (3) محمد (4) بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، فخلع السّائب، وتأمر على مصر (5). ورجع عبد الله [بن أبي سرح] (6) من وفادته، فمنعه ابن أبي حذيفة من دخول الفسطاط (7)، [وقيل] (8): بل أقام بالرّملة حتى مات [فارّا] (9) من الفتنة (10). ولم فمضى
__________
(1) التصويب من: ب، وفي الأصل وأ، ج: عمر.
(2) السائب بن هشام القرشي العامري، ويقال إنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، شهد فتح مصر، وولي القضاء بها والشرطة لمسلمة بن مخلد. ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 168وابن حجر:
الإصابة 3/ 158.
العامري: منسوب إلى عامر بن لؤي، بطن من قريش. الهمداني: عجالة المبتدي ص 87.
(3) في الأصل: فأتى، وما أثبته من: أ، ب، ج. انبرى: عرض له. ابن منظور: لسان العرب 14/ 72 (بري) وعند الكندي: ولاة مصر ص 38وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 919فانتزى.
(4) محمد بن أبي حذيفة العبشمي، ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما استشهد أبوه باليمامة أخذه عثمان فكفله إلى أن كبر، ثم كان ممن قام على عثمان واستولى على إمرة مصر، وقتل سنة ست وثلاثين بفلسطين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1369، والذهبي: سير 3/ 481479.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 421عن الواقدي، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 919.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) الفسطاط: هي المدينة التي اختطها المسلمون عند فتح مصر، وهي اليوم مصر القديمة. البلاذري: فتوح البلدان 3/ 757.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: ج.
(10) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 920، والذهبي: سير 3/ 35كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب.(1/448)
إلى عسقلان (1)، فأقام بها حتى قتل عثمان رضي الله عنه (2).
يبايع (3) لعلي ولا لمعاوية، وكانت [وفاته] (4) قبل اجتماع النّاس على (5) معاوية سنة ست وثلاثين، وقيل [سنة] (6) سبع وثلاثين (7).
وفيها أعني (8) سنة أربع وثلاثين (9) خرج إلى إفريقية معاوية بن خديج (10)
التجيي (11) فافتتح قصورا عظيمة، وغنم غنائم هائلة، واتخذ قيروانا (12) عند
__________
(1) عسقلان: مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين. ياقوت: معجم البلدان 4/ 122.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 919، 920.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يبايعوا.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في ب: إلى.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 920.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: يعني.
(9) في ج: وفي سنة أربع وثلاثين.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خديجة.
(11) التجيي: بضم التاء المعجمة، نسبة إلى تجيب وهي قبيلة، وهو اسم امرأة وهي أم عدي وسعد ابني أشرس بن شبيب بن السّكون. السمعاني: الأنساب 1/ 448.
(12) القيروان: فارسي معرّب، ومعناه معظم الجيش. الجواليقي: المعرب ص 493.
كان معاوية بن خديج قد اختط القيروان بموضع يقال له القرن، فنهض إليه عقبة بن نافع لما ولاه عمرو بن العاص إفريقية، فلم تعجبه. فركب النّاس إلى موضع القيروان اليوم. البكري: معجم ما استعجم 4/ 1105.(1/449)
القرن (1) فلم يزل فيه (2) حتى رجع إلى [مصر] (3)، فلم يزل فيها (4)، وكان (5)
معه جماعة من المهاجرين والأنصار (6).
(ولاية الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص على الكوفة) (7):
وفيها عزل عثمان رضي الله عنه سعيد بن العاص عن الكوفة، وولّى الوليد بن عقبة، فمكث مدة ثم شكاه أهل الكوفة، فعزله وردّ سعيد (8) بن العاص فقال بعض شعرائهم:
يا ويلنا قد ذهب الوليد ... وجاءنا من بعده سعيد
ينقص في الصّاع ولا يزيد (9)
وقال بعض شعرائهم في ذلك أيضا (10):
فررت من الوليد إلى سعيد ... كأهل الحجر إذ جزعوا فثاروا (11)
__________
(1) القرن: الجبل الصغير، وهو جبل بإفريقية له ذكر في الفتوح. ياقوت: معجم البلدان 4/ 332.
(2) في ب: فيها.
(3) التصويب من: أ، ج. وفي الأصل: البصرة، وفي ب: بصر.
(4) (فيها) ليست في: أ، ب، ج.
(5) في الأصل وب: وكانت، وما أثبته من: أ، ج، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 193.
(6) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 193.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) في أ، ب، ج: سعيدا.
(9) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 622، 623، والجاحظ: البيان والتبيين 1/ 315مثله.
(10) في الأصل: أيضا في ذلك، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(11) في الأصل: فثرّوا، وما أثبته من: أ، ب، ج. وعند ابن عبد البر: الاستيعاب(1/450)
يلينا (1) من قريش كلّ عام ... أمير محدث أو مستشار
لنا نار (2) نخوّفها فنخشى ... وليس لهم فلا يخشون نار (3)
فردّه (4) أهل الكوفة، وكتبوا إلى عثمان: لا حاجة لنا في سعيدك ولا وليدك (5). ورغبوا إليه (6) أن يولّي عليهم أبو موسى (7) الأشعري، فولّاه فكان عليها (8) إلى أن قتل عثمان (9).
وكان في سعيد / تجبر وغلظة وشدّة سلطان، وكان الوليد [29/ أ] أسخى وأسنّ منه، [وألين] (10) جانبا (11).
__________
4/ 1555فباروا.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يلي.
(2) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: نور.
(3) الأبيات عند ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1555.
(4) في الأصل: فردوه، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: بسعيدك ولا بوليدك، وفي ج: في وليدك ولا في سعيدك، وما أثبته من:
أ، ب. وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 622.
(6) (إليه) ليست في: أ.
(7) في أ، ب: أبا.
(8) في ب: عليهم.
(9) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 980وخليفة: تاريخ ص 168، 178.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الوليد.
(11) إن المتبصر في سيرة سعيد بن العاص بن سعيد رضي الله عنه يرى فيه الرجل الشّريف، المشهور بالكرم والبر، حتى أنّه كان إذا سأله السّائل وليس عنده ما يعطيه يقول له:(1/451)
ولما قتل عثمان لزم سعيد هذا بيته، واعتزل أيّام الجمل وصفّين، فلم يشهد شيئا من تلك (1) الحروب (2).
وكذلك الوليد نزل البصرة بعد قتل عثمان، ثم خرج إلى الرّقة، فترلها، واعتزل عليا ومعاوية، ومات بها. فقبره الآن بالرقة، وعقبه في ضيعة (3) له (4).
__________
اكتب عليّ بمسألتك سجلا إلى يوم ميسرتي. المزي: تهذيب الكمال 10/ 507فلمّا مات كان عليه ثمانون ألف دينار، فوفاه عنه ولده عمرو الأشدق. وقد قال عنه معاوية: لكل قوم كريم، وكريمنا سعيد بن العاص. وكان رضي الله عنه حليما وقورا. وكان إذا أحب شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، ويقول: إنّ القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم عاتبا غدا. ابن حجر: الإصابة 3/ 99.
قال فيه الذهبي: كان أميرا شريفا، جوادا، ممدحا، حليما، وقورا، ذا حزم وعقل، يصلح للخلافة. السير 3/ 445.
ومجرد إخراج أهل الكوفة لا يدل على ذنب يوجب إخراجه، فإن أهل الكوفة كانوا يقومون على كل وال، فقد قاموا قبله على سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو الذي فتح البلاد وكسر جنود كسرى، وهو أحد أهل الشورى، ولم يتول عليهم نائب مثله، وقد شكوا غيره، مثل عمّار بن يسار، والمغيرة بن شعبة وغيرهما. ابن تيمية: منهاج السنة 3/ 188.
(1) في ب: ذلك.
(2) الخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 623وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 240.
(3) الضّيعة: العقار، والأرض المغلّة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 960 (ضاع).
(4) الخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1556، وابن سعد: الطبقات 6/ 125.(1/452)
(الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه) (1):
وفي سنة خمس وثلاثين حصر عثمان رضي الله عنه [وذلك] (2) قبل هلال ذي القعدة بثلاث (3). وكان الذين قدموا عليه من مصر وحصوره: ستمائة رجل (4).
والذين قدموا عليه من الكوفة: عمرو بن [الحمق] (5) الخزاعي، والأشتر النّخعي (6) وهو مالك بن الحارث وعدي بن حاتم الطائي. أصحاب علي رضي الله عنه، وشهدوا معه الجمل وصفين. ومن البصرة: حكيم (7) بن جبلة
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الزيادة من النسخ الأخرى.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بثلاثين.
(4) ابن سعد: الطبقات 3/ 71.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: عمر بن الحسن الخزاعي. والتصحيح من طبقات ابن سعد 3/ 65، 71، 73، وتأريخ الطبري 4/ 326، 372، 393، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1174، وعمرو بن الحمق، صحابي رضي الله عنه سكن الكوفة، وشهد مع علي حروبه، مات سنة خمسين. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 714، وابن حجر: الإصابة 4/ 249. والخزاعي: بضم الخاء، نسبة إلى خزاعة، قبيلة من الأزد. السيوطي: لب اللباب 1/ 283.
(6) هو مالك بن الحارث، مخضرم، نزل الكوفة بعد أن شهد اليرموك، وولاه علي مصر، فمات قبل أن يدخلها سنة سبع وثلاثين. الذهبي: سير 4/ 34، ابن حجر: تقريب ص 516. النّخعي: بفتحتين، نسبة إلى النخع قبيلة من مذحج. السيوطي: لب اللباب 2/ 294.
(7) التصويب من ابن سعد: الطبقات 3/ 71، وخليفة: تاريخ ص 168، وفي الأصل والنسخ الأخرى: ابن أكتم.(1/453)
العبدي (1) نحو من مائة رجل. هؤلاء كلّهم قدموا لقتله.
وكان الأمير على الجيش عبد الرّحمن بن عديس البلوي (2). وكان ممن شهد الحديبية، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«يخرج ناس يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرّمية، يقتلون بجبل لبنان (3) والجليل (4)، أو بالجليل (5)، أو بجبل عند لبنان» (6).
فلما كانت الفتنة كان عبد الرحمن بن عديس ممن أخذه معاوية في الرّهن، فسجنهم بفلسطين، فهربوا من السجن، فأدركوا بجبل الجليل أو لبنان،
__________
(1) حكيم بن جبلة: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا، مطاعا في قومه، سكن البصرة، وقتل بها يوم الجمل. الذهبي: سير 3/ 531، وابن حجر: الإصابة 2/ 64.
العبدي: هذه النسبة إلى عبد قيس، من ربيعة بن نزار. ابن الأثير: اللباب 2/ 314.
(2) عبد الرحمن بن عديس رضي الله عنه شهد الحديبية، وتوفي بالشام سنة ست وثلاثين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 840، ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 370. البلوي: بفتح الباء، هذه النسبة إلى بلى، وهي قبيلة من قضاعة. السمعاني: الأنساب 1/ 395.
(3) لبنان: جبل مطل على حمص يجيء من العرج بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشام.
فما كان بحلب وحماة فهو جبل لبنان. ياقوت: معجم البلدان 5/ 11وهو اليوم جمهورية معروفة.
(4) الجليل: يقع في ساحل الشام، ممتد إلى قرب حمص كان معاوية يحبس في موضع منه من يظفر به ممن ينبز بقتل عثمان. ياقوت: معجم البلدان 2/ 157. وهو اليوم في شمال فلسطين بين لبنان شمالا والبحر المتوسط غربا، والأردن شرقا والسّامرة جنوبا.
محمد شراب: خارطة بلاد فلسطين ص 267.
(5) في ج: أو الجليل.
(6) هذا الحديث رواه الطبراني: 4/ 176رقم (3313) وابن حجر: الإصابة 4/ 171.(1/454)
فأدرك فارس عبد الرحمن بن عديس. فقال له: ويحك! إتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة فقال: الشجر بالجليل وبلبنان (1) كثير، فقتله (2).
وعطش (3) عثمان في حصره حتى شرب ماء بئره.
وكان قد اشترى بئر رومة (4) بالعقيق (5) بأربع مائة دينار من المزني (6)، فتصدق بها على المسلمين.
وكان يصوم الدهر (7).
(عثمان يمنع الناس من الدفاع عنه يوم حصر) (8):
__________
(1) في أ، ج: أو لبنان، وفي ب: لبنان.
(2) هذا الخبر رواه البغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 444، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 370، وابن حجر: الإصابة 4/ 171، 172.
(3) في الأصل: فعطش، وما أثبته من النسخ الأخرى.
(4) بئر رومة: تقع في عرصة وادي العقيق الكبرى، بقرب مجتمع الأسيال، شمال غرب المدينة، وهي مع مزرعتها اليوم من جملة أوقاف المسجد النبوي، وقد استأجرتها وزارة الزراعة من الأوقاف، وجعلتها حديقة عامة تشتمل على مشاتل زراعية ومداجن. عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة ص 162، 163، ومحمد شراب: أخبار الوادي المبارك ص 139132.
(5) العقيق: واد يقع غرب المدينة على ثلاثة أميال منها. الفيروزآبادي: المغانم المطابة ص 266.
(6) في الأصل وأ، ج: المزن، وفي ب: الحزز. والصواب ما أثبته، فقد روى عمر بن شبة ما يفيد أن بئر رومة كانت لرجل من مزينة، فابتاعها عثمان وتصدّق بها. تأريخ المدينة 1/ 153، وانظر السمهودي: وفاء الوفا 3/ 967.
(7) عدا الأيام الواجبة فطرها. وانظر الخبر عند ابن أبي شيبة: المصنف 3/ 79، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1043، قلعة جي: موسوعة فقه عثمان ص 247.
(8) عنوان جانبي من المحقق.(1/455)
وأراد النّاس أن يقاتلوا (1) معه، فأبى، وقال: سنجتمع وإيّاهم (2) عند الله تعالى (3)، وسيرون بعدي أمورا يتمنّون (4) أنّي عشت لهم، وقد عرفت أنّهم خدعوا وغرّوا، والله لو لم أقتل لمتّ، وما في الحياة (5) مستمتع. لقد كبر سنّي، ورقّ عظمي، وسلس بولي، وجاوزت [سنّ] (6) أهل بيتي، وهؤلاء القوم لا يرون تركي. والله / ما (7) أرغب في إمارتهم، لولا قول [29/ ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله سيقمّصك (8) قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم» (9) لجلست (10) في مترلي، ولتركتهم على إمارتهم. والله لو تركتهم ما تركوني. اللهم فأظلّهم (11)، وشتّت
__________
(1) في الأصل: يقتلوا، وفي ب: يقتلوه، وما أثبته من: أ، ج.
(2) في أ: وإياكم.
(3) في ب: بين يدي الله.
(4) في الأصل: فيتمنون، وما أثبته من: النسخ الأخرى.
(5) في أ: الحيرة.
(6) التكملة من النسخ الأخرى.
(7) في ج: لا.
(8) سيقمصك: يقال قمصته قميصا: إذا ألبسته إيّاه. وأراد بالقميص الخلافة وهو من أحسن الاستعارات. ابن الأثير: النهاية 4/ 108.
(9) هذا الحديث رواه بنحوه الترمذي: سنن، كتاب المناقب، باب في مناقب عثمان 5/ 628رقم (3705) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن سعد، بلفظ:
«إنّ الله كساك يوما سربالا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه لظالم».
الطبقات 3/ 66.
(10) في الأصل وج: فجلست، والمثبت من: أ، ب.
(11) في ج: فاطلبهم.(1/456)
أمورهم (1)، وخالف بين كلمتهم، وانتقم لي منهم (2). [فكان كما قال] (3).
(أسماء بعض أنصار عثمان) (4):
وكان معه في الدّار ممن يريد الدّفع عنه: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن سلام (5) وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب (6)، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم. في طائفة من النّاس منهم: المغيرة بن الأخنس (7)، قتل يومئذ قبل قتل عثمان رمي بسهم فمات (8).
__________
(1) في أ، ب، ج: أمرهم.
(2) (منهم) ليست في ب، ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج، ولم أقف على هذا الخبر في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) عبد الله بن سلام الأنصاري، حليف بني الخزرج، أسلم لمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 160، وابن حجر:
تقريب ص 307.
(6) محمد بن حاطب بن الحارث الجمحي، ولد بأرض الحبشة، سكن الكوفة، مات سنة أربع وسبعين بمكة. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1368، وابن حجر: الإصابة 6/ 52.
(7) المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي، حليف بني زهرة، قتل يوم الدار مع عثمان، وأبلى يومئذ بلاء حسنا. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 469، وابن حجر: الإصابة 6/ 131.
(8) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046، 1047، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 4/ 1207مختصرا(1/457)
(كراهة عثمان رضي الله عنه القتال ونهيه أصحابه عنه) (1):
قال أبو هريرة: قلت يا أمير المؤمنين الآن طاب الضّراب، قتلوا منا رجلا. قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلّا رميت سيفك، إنّما تراد (2)
نفسي، وسأفي المؤمنين بنفسي (3). قال أبو هريرة: فرميت سيفي، فلا أدري أين (4) هو حتّى السّاعة (5).
فحصر رضي الله عنه تسعة وأربعين يوما (6).
وقيل: شهرين وعشرين يوما (7).
فأشرف عليهم ذات يوم في حصره، فقال: السّلام عليكم. فما ردّ عليه (8) أحد. فقال: أنشدكم الله (9)، هل تعلمون أنّي اشتريت بئر رومة من مالي، وجعلت فيه رشائي (10) كرشاء رجل من المسلمين؟
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في الأصل: تزداد، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: نفسي.
(4) في ب: حيث.
(5) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046، وابن حجر: تهذيب 7/ 142، وخليفة:
تاريخ ص 173مختصرا.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1044عن الواقدي.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1044عن الزبير بن بكار.
(8) في أ، ب، ج: أحد عليه.
(9) في الأصل: بالله، وما أثبته من النسخ الأخرى، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1043
(10) الرّشاء: حبل الدّلو. الجوهري: الصحاح 6/ 2357 (رشا).(1/458)
قالوا (1): نعم. قال: [فعلام] (2) تمنعوني أشرب من مائها، وأفطر على الماء الملح؟! ثم قال (3): أنشدكم الله: هل تعلمون أنّي اشتريت كذا وكذا من أرض، فزدته في المسجد؟ فهل علمتم أن أحدا منع أن يصلّي [فيه] (4)
قبلي (5)؟!
وكان أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصاري يصلّي بالنّاس في حصره، ثم صلّى بهم سهل بن حنيف (6).
وقام للنّاس الحجّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهم (7) أجمعين.
وكان ولّاه الحجّ عثمان رضي الله عنه.
وكان أوّل من دخل عليه محمد بن أبي بكر الصديق في أربعة نفر
__________
(1) في أ، ب، ج: قيل.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) (ثم قال) سقطت من: ب.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) رواه خليفة: تاريخ ص 172، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1043، وعمر بن شبة:
تأريخ المدينة بنحوه 4/ 1191و 1192، والهيثمي: موارد الظمآن 7/ 127، 128 رقم (2199) مطولا.
(6) رواه الطبري: 4/ 423عن الواقدي. وسهل بن حنيف، الأنصاري الأوسي، من السابقين، شهد بدرا وثبت يوم أحد، وشهد أيضا الخندق والمشاهد كلها، مات سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي رضي الله عنه. ابن سعد: الطبقات 3/ 471، وابن حجر:
الإصابة 3/ 139.
(7) في الأصل: عنه، وما أثبته من النسخ الأخرى. والخبر عند خليفة: تاريخ ص 176.(1/459)
منهم: [عمرو بن [الحمق] (1) الخزاعي. فأخذ (2) محمد بلحيته، فقال له:
دعها يابن أخي! فو الله لقد كان أبوك يكرمها فاستحيا (3) وخرج. ثم دخل رومان بن سرحان (4) رجل أزرق قصير [محدود] (5)، [عداده في مراد] (6)، وهو من [ذي] (7) أصبح (8) معه خنجر، فاستقبله به، وقال: على أيّ دين أنت يا نعثل (9)؟ والنّعثل: الشّيخ الأحمق فقال عثمان: لست بنعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا (10) على ملّة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين. قال: كذبت، وضربه على صدغه (11) الأيسر، فقتله، وخرّ
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: عمر بن الحسن، والتصويب من طبقات ابن سعد 3/ 73، والطبري: تاريخ 4/ 393.
(2) في ب: وأخذ.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فاستحي.
(4) لم أجد له ترجمة.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: محرود غوره في وجهه.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) الزيادة من النسخ الأخرى.
(8) أصبح: قبيلة من القحطانية تنسب إلى أصبح، واسمه الحارث بن عوف بن مالك.
السمعاني: الأنساب 1/ 174.
(9) كان أعداء عثمان رضي الله عنه يسمونه نعثلا، تشبيها برجل من مصر كان طويل اللحية، اسمه نعثل. وقيل: النّعثل الشيخ الأحمق. ابن الأثير: النهاية 5/ 79، 80.
(10) (وأنا) سقطت من: ب.
(11) الصدغ: ما بين العين والأذن. الجوهري: الصحاح 4/ 1323 (صدغ).(1/460)
مغشيا (1). وأدخلته (2) امرأته نائلة (3) بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة. ودخل رجل من أهل مصر معه السّيف مصلتا (4)، فقال: والله لاقطعنّ أنفه، / فعالج (5) امرأته فكشفت (6) عن ذراعيها (7)، وقبضت على (8)
[30/ أ] السّيف، فقطع إبهامها. فقالت لغلام لعثمان يقال له رباح [الرومي] (9) ومعه سيف عثمان: أعنّي على هذا، وأخرجه عنّي. فضربه الغلام بالسّيف فقتله (10). وتمثل حين هجم عليه، [فقال] (11):
__________
(1) (وخرّ مغشيا) سقطت من: أ، ب، ج.
(2) في ب: ودخلت.
(3) (نائلة) سقطت من: ب.
(4) مصلتا: مجردا من غمده. الجوهري: الصحاح 1/ 256 (صلت).
(5) عالج امرأته: أي غلبها، يقال: عالجت الرجل فعلجته علجا: غلبته. الجوهري:
الصحاح 1/ 330 (علج).
(6) في ب: فكشف.
(7) في ج: ذراعها.
(8) في الأصل تكرر كلام سابق هو (رجل، هؤلاء كلهم قدموا لقتله. وكان أميرا على الجيش عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكان ممن شهد الحديبية وبايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فسلّ).
(9) الزيادة من: أ، ب، ج، رباح الكوفي من الموالي، روى عن عثمان بن عفان حديث الولد للفراش. الدراقطني: المؤتلف والمختلف 2/ 1030، وابن ماكولا: الإكمال 4/ 8، وابن حجر: تهذيب 3/ 236.
(10) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1044، 1045.
(11) الزيادة من: ب.(1/461)
يبيتون (1) أهل الحصن، والحصن ... ويأتي الجبال في شواهقها الفلّ (2)
واختلف فيمن باشر (3) قتله بيده. فقيل (4): محمد بن أبي بكر الصديق، ضربه بمشقص (5).
وقيل: بل حبسه محمد بن أبي بكر، وأشعره غيره (6).
وقيل: قتله سودان بن حمران (7).
وقيل: بل ولي قتله رومان (8) المذكور.
وقيل: بل رومان (9) آخر رجل من بني أسد بن خزيمة (10).
__________
(1) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: والحسن يبيتون أهل الحصن مغلق.
(2) لم أقف على هذا البيت عند غير المؤلف.
(3) في ب: بشر.
(4) في الأصل: قيل، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(5) المشقص: نصل عريض، أو سهم فيه ذلك، يرمى به الوحش. الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 802 (شقص)، وانظر الخبر عند خليفة ص 175، وابن سعد:
الطبقات 3/ 73، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 4/ 1301.
(6) انظر الخبر بتمامه عند خليفة: تاريخ ص 174، وأبو العرب التميمي: المحن ص 63.
(7) خليفة: تاريخ ص 175، وابن عساكر: تاريخ دمشق (عثمان بن عفان) ص 418، لم أقف على ترجمة لسودان بن حمران.
(8) في ب: رمان. وفي ج: سودان رمان، ولم أجد له ترجمة.
(9) في ب: رمان.
(10) خليفة: تاريخ ص 175، وابن عساكر: تاريخ دمشق (عثمان بن عفان) ص 418.(1/462)
وقيل: إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته، فهزّها، وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر (1).
فقال له: يابن أخي! ارسل لحيتي فو الله إنّك لتجذب لحية كانت تعزّ على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منّي (2). فيقال (3): إنّه حينئذ تركه (4) وخرج عنه (5). ويقال: إنّه حينئذ أشار إلى (6) من معه، فطعنه أحدهم وقتله (7)، والله أعلم.
ويقال: إنّ قطرة أو قطرات (8) من دمه سقطت على المصحف، وكان منشورا بين يديه على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللََّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (137) (9).
__________
(1) في ب: بن أبي عامر.
(2) خليفة: تاريخ ص 174، وابن سعد: الطبقات 3/ 73.
(3) في ب: فيقول.
(4) (تركه) سقطت من: ج.
(5) رواه خليفة: تاريخ ص 174، والطبري: تاريخ 4/ 384، عن الحسن البصري.
وهذه الرواية تبرئ محمد بن أبي بكر من دم عثمان رضي الله عنه.
(6) (إلى) سقط من: ب.
(7) في ج: وقتلوه. وانظر خليفة: تاريخ ص 174، ابن سعد: الطبقات 3/ 73.
(8) في الأصل: قطّرت، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046.
(9) سورة البقرة: الآية (137). والخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1045، 1046.(1/463)
(براءة محمد بن أبي بكر من قتل عثمان) (1):
وروي عن كنانة (2) مولى صفيّة رضي الله عنها قال:
شهدت مقتل عثمان رضي الله عنه، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرّجين (3) بالدم، محمولين (4)، كانوا يذودون (5) عن عثمان رضي الله عنه: الحسن ابن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب رضي الله عنهم، ومروان بن الحكم. قيل (6) له: هل [ندي] (7) محمد بن أبي بكر بشيء (8) من دمه؟ فقال: معاذ الله دخل عليه، فقال له
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) كنانة مولى صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقال اسم أبيه: نبيه، أدرك عثمان، وشهد قتله. البخاري: التأريخ الكبير 7/ 237، ابن حجر: تهذيب 8/ 449.
(3) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: مدرجين. مضرّجين: ملطّخين.
الجوهري: الصحاح 1/ 326 (ضرج).
(4) في أ: محجولين.
(5) في ب: يدرؤن عثمان. يذودون: الذّود: السّوق والطرد والدفع، ورجل ذائد: أي حامي الحقيقة دفّاع. ابن منظور: لسان 3/ 167 (ذود).
(6) القائل: محمد بن طلحة. عمر بن شبة: تأريخ المدينة 4/ 1299، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1046.
(7) الصواب ما أثبته من ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046، وفي الأصل: ندر، وفي أ، ب: نزو، وفي ج: ندّ. ندي: أصاب منه، معناه: أنّه لم يشارك في قتله. الزبيدي: تاج العروس 10/ 364 (ندي) بتصرف.
(8) في الأصل: شيء.(1/464)
عثمان: يابن أخي! لست بصاحبي. وكلّمه (1) بكلام حسن (2). فخرج ولم يند (3) بشيء من دمه. فقيل (4) لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر، يقال له جبلة بن الأيهم. ثم طاف (5) المدينة ثلاثا يقول: أنا قاتل نعثل (6).
(براءة علي من قتل عثمان) (7):
[عن] (8) [أبي جعفر الأنصاري] (9)، قال: دخلت مع المصرييّن على
__________
(1) في الأصل: فكلمه، وما أثبته من النسخ الأخرى، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1406.
(2) (حسن) ليست في النسخ الأخرى.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل: يندوا، وفي أ، ب: يتر.
(4) القائل: محمد بن طلحة.
(5) في ب: طافوا.
(6) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1046، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 4/ 1298، 1299نحوه، وقال هذا الحديث يبرىء محمد بن أبي بكر من أن يكون نوى قتل عثمان رضي الله عنه. وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 255نحوه، والبغوي: معجم الصحابة (مخطوط) ص 414مختصرا.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) التكملة من: أ.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: ابن أبي جعفر. أبو جعفر الأنصاري المدني المؤذن، مقبول، ومن زعم أنّه محمد بن علي بن الحسين فقد وهم. ابن حجر: تهذيب 12/ 55، وتقريب التهذيب ص 628.(1/465)
عثمان، فلمّا ضربوه خرجت أشتّد حتى دخلت (1) المسجد، فإذا رجل (2)
جالس في نحو عشرة، عليه عمامة سوداء. فقال: ويحك! ما وراءك؟ قلت:
والله قد (3) فرغ من الرجل، فقال: تبّا لكم آخر (4) الدّهر! فنظرت فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه (5).
وروي عن مروان بن الحكم أنّه قال: / أقبلت من إفريقية أنا [30/ ب] ورجل من العرب من لخم أو قال: من جذام حين أرسلني (6) عبد الله بن سعد، قال: فسرنا (7) حتى إذا كنّا ببعض الطريق، قرب اللّيل. فقال (8) لي صاحبي: هل لك إلى صديق لي (9) ها هنا؟ قلت:
ما شئت (10). قال: فعدل بي عن الطريق حتى أتى إلى دير (11)، وإذا (12)
__________
(1) في ب: وصلت.
(2) في الأصل: برجل، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1047.
(3) في أ: قد والله.
(4) في ب: لآخر.
(5) رواه ابن أبي شيبة: المصنف 15/ 209رقم (19522)، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1047، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 4/ 1229مختصرا.
(6) في الأصل: أرسل، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(7) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: فصرنا.
(8) في ب: قال.
(9) (لي) سقطت من: ب.
(10) (ما شئت) سقطت من: ب.
(11) الدّير: بفتح الدال، معبد النصارى. الجوهري: الصحاح 2/ 661 (دور).
(12) في ج: فإذا.(1/466)
سلسلة (1) معلقة. فأخذ بالسّلسلة (2) فحرّكها وكان أعلم منّي فأشرف علينا رجل، فلمّا رآنا فتح (3) الباب، فدخلنا، فلم يتكلّم حتّى طرح لي فراشا، ولصاحبي مثله، ثم أقبل على صاحبي يكلّمه بلسانه [فراطنه] (4)
حتى سؤت ظنّا (5)، ثم أقبل عليّ، فقال: أيّ [شيء] (6) قرابتك من خليفتكم؟ قلت: ابن عمه. قال: هل أحد أقرب إليه منك؟ قلت: لا، إلّا أن يكون ولده. قال: صاحب الأرض المقدسة: أنت؟ قلت: لا. فإن استطعت أن تكون (7) هو فافعل. ثم أريد أن أخبرك بشيء وأخاف أن تضعف عنه، قال: قلت: [ألّى تقول هذا؟] (8) ثم أقبل على صاحبي فراطنه.
ثم أقبل عليّ، فسألني (9) عن مثل ذلك، فأجبته بمثل جوابي (10). فقال: إنّ
__________
(1) في الأصل وب: بسلسلة، والمثبت من: أ، ج. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 186.
(2) في أ، ب: السلسلة.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فتحت.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج. راطنه: أي تكلم معه بالأعجمية. الجوهري: الصحاح 5/ 2124 (رطن).
(5) في الأصل: الظنّ، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد الحكم.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ب: يكون.
(8) في الأصل: إلا أن تقول هذا وأنا، وما أثبته من: أ، ب. وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 187.
(9) في أ، ب: فسايلني.
(10) في الأصل وج: جوابه، والمثبت من: أ، ب، وابن عبد الحكم.(1/467)
صاحبك مقتول، وإنّا نجد أنّه يلي (1) هذا الأمر من بعده صاحب الأرض المقدسة، فإن استطعت أن تكون (2) ذلك فافعل، فأصابني لذلك رجفة (3)، فقال لي: قد قلت لك: إنّي أخاف ضعفك عنه، قلت:
ومالي لا يصيبني أو كما قال وقد نعيت لي سيد المسلمين وأمير المؤمنين. قال (4): ثم قدمت المدينة، فأقمت (5) شهرا لا أذكر لعثمان رضي الله عنه شيئا من ذلك، ثم دخلت عليه وهو في مترله على سرير، وفي يده مروحة، فحدّثته بذلك فلمّا انتهيت إلى ذكر القتل [امسكت وبكيت] (6) فقال لي عثمان: ألا تحدّثت؟ فحدثته. فأخذ بطرف المروحة يعضّها. واستلقى على ظهره، وأخذ بطرف عقبه يعركه (7)، حتى ندمت على إخباري إيّاه. ثم قال: صدق، وسأخبرك عن ذلك.
وذلك أنه لمّا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، أعطى أصحابه سهما سهما،
__________
(1) في ب: ينال.
(2) في ب: تبدل.
(3) في أ، ب: رحمة. وعند ابن عبد الحكم: وجمة، والوجم: الحزن. الجوهري:
الصحاح 5/ 2049 (وجم).
(4) (قال) سقطت من: أ.
(5) في ب: واقمت.
(6) التكملة من: أ، ب.
(7) في أ، ب: يحركه.(1/468)
وأعطاني سهمين، فظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني ذلك لما كان (1) من نفقتي في تبوك، فأتيت (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت [له] (3): إنك (4) أعطيتني سهمين، وأعطيت أصحابي سهما، فظننت أن ذلك كما كان من نفقتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، ولكن أحببت أن يرى النّاس مكانك منّي، أو مترلتك (5) منّي» فأدبرت، فلحقني عبد الرحمن بن عوف. فقال: ماذا / قلت [31/ أ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم مازال (6) يتبعك ببصره؟ (7) فظننت أنّ قولي قد خالف (8) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمهلت (9) حتى إذا خرج للصّلاة، أتيته.
فقلت: يا رسول الله! إن عبد الرحمن بن عوف أخبرني بكذا وكذا، وأنا أتوب إلى الله عز وجلّ. فقال: «لا ولكنّك قاتل أو مقتول (10). فكن (11)
__________
(1) (لما كان) سقطت من: ب.
(2) في ب: واتيت.
(3) الزيادة من: ب.
(4) (إنك) سقطت من: ب.
(5) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: مترلك.
(6) (مازال) سقطت من: ب.
(7) في أ، ب: بصر.
(8) في ب: خلف.
(9) في أ، ب: فأمهلته.
(10) في أ، ب: مقتول أو قاتل.
(11) في الأصل: فكان، وما أثبته من: أ، ب. وابن عبد الحكم.(1/469)
المقتول» (1).
(مدّة خلافته، وقتله، وعمره، والصلاة عليه، ودفنه) (2):
وكانت خلافته رضي الله عنه اثنتي (3) عشرة سنة [إلا] (4) اثنا عشر يوما.
وقيل: ثمانية عشر يوما (5).
وقتل يوم الجمعة لثمانية عشر يوما خلت (6) من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين (7).
وهو ابن تسعين سنة (8).
وقيل: ابن ثمان وثمانين (9).
__________
(1) هذا الخبر ذكره ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 186، 187بدون إسناد.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في الأصل: اثنا، وما أثبته من: أ، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 246، وفي ب: اثني.
(4) في الأصل: واثنى عشر يوما، والصواب ما أثبته من النسخ الأخرى. وابن سعد:
الطبقات 3/ 77، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 246، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1049.
(5) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1049.
(6) في أ، ب: خلون.
(7) رواه خليفة: تاريخ ص 176، والطبري: تاريخ 4/ 416كلاهما عن أبي معشر.
(8) الطبري: تاريخ 4/ 418، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 246كلاهما عن قتادة بن دعامة السدّوسي.
(9) رواه الطبراني: المعجم الكبير 1/ 33رقم (108) مطولا، وقال الهيثمي: رجاله إلى قتادة ثقات. مجمع الزوائد 9/ 99.(1/470)
وصلى عليه جبير بن مطعم (1)، وخلفه حكيم بن حزام (2)، وأبو جهم بن حذيفة العدوي (3)، ونيار بن مكرم الأسلمي (4)، وامرأته: نائلة بنت الفرافصة، وأم البنين (5) بنت عيينة بن [حصن] (6) الفزاري. ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسّل (7) ونزل في
__________
(1) جبير بن مطعم القرشي النّوفلي، صحابي من أكابر قريش وعلماء النسب، أسلم بين الحديبية والفتح، وقيل يوم الفتح، ومات في خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 232، وابن حجر: الإصابة 1/ 236.
(2) حكيم بن حزام القرشي الأسدي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح وشهد حنينا، وكان عالما بنسب قريش، ومات في خلافة معاوية. ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 522، وابن حجر: الإصابة 2/ 32.
(3) (العدوي) سقط من: ب. أبو جهم بن حذيفة القرشي العدوي، أسلم عام الفتح، ومات في آخر خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1623، وابن حجر: الإصابة 7/ 34. العدوي: نسبة إلى عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، جد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب. السمعاني: الأنساب 4/ 167.
(4) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: ميار. نيار بن مكرم، صحابي، كان ثقة قليل الحديث، عاش إلى أوّل خلافة معاوية. ابن سعد: الطبقات 5/ 8، وابن حجر:
تقريب ص 567. الأسلمي: هذه النسبة إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو، وهما إخوان خزاعة وأسلم. السمعاني: الأنساب 1/ 151.
(5) أم البنين بنت عيينة، لها إدراك تزوجها عثمان، فولدت له عبد الملك وعتبة.
الطبري: تاريخ 4/ 421، وابن حجر: الإصابة 8/ 216.
(6) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: حمزة.
(7) هذه الجملة مدرجة في الخبر وقد وردت في خبر آخر عند أحمد: المسند مع المنتخب 1/ 73.(1/471)
حفرته نيار، وأبو جهم (1)، وجبير. وكان حكيم، وأم البنين، ونائلة يدلونه عليهم (2) حتى لحدوه (3).
وذلك ليلة السبت، بين المغرب والعشاء، بموضع يقال له: حشّ كوكب (4): وكوكب رجل من الأنصار. والحشّ: البستان، كان (5) عثمان رضي الله عنه قد اشتراه وزاده في البقيع، وكان أوّل من دفن فيه (6).
وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: وكان عثمان رضي الله عنه يمرّ بحشّ كوكب، فيقول:
إنّه سيدفن (7) هاهنا رجل صالح (8).
__________
(1) في الأصل: وأبي جهم، وما أثبته من النسخ الأخرى. وابن سعد: الطبقات 3/ 78.
(2) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: عليه.
(3) هذا الخبر رواه ابن سعد مطولا 3/ 78، والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 99، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 260، 261.
(4) رواه ابن سعد: الطبقات مطولا 3/ 77.
(5) في ب: كل.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1048، وياقوت: معجم البلدان 2/ 262.
(7) في ب: قبرها هذا.
(8) هذا الأثر رواه الطبراني: المعجم الكبير 1/ 34رقم (109) وقال الهيثمي: رجاله ثقات. مجمع الزوائد 9/ 95، وكذا أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 259، 260، كلاهما عن مالك مطولا. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1048عن مالك.(1/472)
وقيل: صلّى عليه ابنه عمرو (1). وقيل: [المسور] (2) بن مخرمة. فلما دفنوه غيّبوا قبره رحمه الله (3) ورضي عنه، وتفرقوا (4).
ولما فرغوا من دفنه سمعوا صوتا من ناحية القبر لا يرون شخصه يقرأ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمََا أَمْرُهُمْ إِلَى اللََّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} (159) (5).
(رثاء عثمان رضي الله عنه) (6):
وقال حسان بن ثابت الأنصاري:
قتلتم وليّ (7) الله في جوف داره ... وجئتم بأمر جائر غير مهتدي (8)
فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا ... على قتل عثمان الرّشيد المسدّد (9)
__________
(1) في جميع النسخ: عمر، وما أثبته من ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1048.
(2) في الأصل: المسيل، وفي أ، ب: المسير، وما أثبته من خليفة: تاريخ ص 177، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1048.
(3) (رحمه الله) ليست في ب.
(4) هذا الخبر أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 78، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 261.
(5) سورة الأنعام: الآية (159) ولم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في ب: رسول، وهو خطأ واضح.
(8) في النسخ الأخرى: مهتد.
(9) في الأصل: المسددي، وما أثبته من النسخ الأخرى، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1050، وديوان حسان 1/ 320.(1/473)
[وقال كعب بن مالك] (1):
يا للرّجال لأمر هاج لي حزنا ... لقد عجبت لمن يبكي على الدّمن
إنّي رأيت قتيل [الدّار] (2) مضطهدا ... عثمان يهدي إلى الأجداث في كفن (3)
[وقال كعب بن مالك أيضا] (4):
يا قاتل (5) الله قوما كان أمرهم ... قتل الإمام الزّكيّ الطيّب الرّدن (6)
ما قتلوه على ذنب ألّم به ... إلّا الذي نطقوا زورا ولم يكن (7) / [31/ ب]
[وقال كعب بن مالك أيضا] (8):
__________
(1) الزيادة من النسخ الأخرى. وكعب بن مالك الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة وشهد أحدا وما بعدها، وتخلف عن تبوك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. مات في خلافة علي رضي الله عنه. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 187، وابن حجر: الإصابة 5/ 308، وتقريب ص 461.
(2) في الأصل وأ، ب: قتيل الله، وفي ج: قتيل ولي الله، والتصحيح من الاستيعاب 3/ 1050.
(3) ديوان كعب ص 282، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1050، وابن عساكر: تاريخ دمشق (عثمان بن عفان) ص 546.
(4) الزيادة من النسخ الأخرى.
(5) في ب: يقاتل.
(6) الرّدن: بالضم، أصل الكمّ. يقال: قميص واسع الرّدن. ابن منظور: لسان العرب 13/ 177 (ردن).
(7) ديوان كعب ص 282وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1050.
(8) التكملة من النسخ الأخرى.(1/474)
عجبت لقوم أسلموا بعد عزّهم ... إمامهم للمكرهات (1) وللغدر
فلو أنّهم سيموا من الضّيم خطّة ... لجاد لهم (2) عثمان باليد والنّصر
فما كان في دين (3) الإله بخائن ... ولا كان في الأقسام (4) بالضيق والصّدر
ولا كان نكّاثا لعهد محمّد ... ولا تاركا (5) للحقّ في النّهي والأمر
فإن أبكه أعذر لفقدي (6) عدله ... ومالي عنه (7) من عزاء ولا صبر
وهل لمريء يبكي لعظم مصيبة ... لفقد (8) ابن عفّان الخليفة من عذر؟!
فلم أر يوما كان أعظم ميتة ... وأهتك منه للمحارم والسّتر (9)
[غداة أصيب المسلمون (10) بخيرهم ... ومولاهم في حالة العسر واليسر] (11)
__________
(1) في أ: للمكروهات.
(2) في أ، ب: لجادهم.
(3) في الأصل: لدين الله، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عساكر: تاريخ دمشق (عثمان بن عفان) ص 547.
(4) (الأقسام) سقطت من: ب. الأقسام والأقاسيم، مفردها قسم، الحظوظ المقسومة بين العباد. ابن منظور: لسان العرب 12/ 478 (قسم)
(5) في الأصل: ولا كان تاركا، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عساكر.
(6) في الأصل: لفقدان، وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن عساكر.
(7) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: عنهم.
(8) في ب: لفقدي.
(9) في ب: البشر. والأبيات عند ابن عساكر: تاريخ دمشق (عثمان بن عفان) ص 547 والبيت الأول فقط في ديوان كعب ص 210.
(10) في أ: المسلمين.
(11) سقط هذا البيت من الأصل، وهو مثبت من: أ، ب، ج.(1/475)
وقال أيمن بن [خريم] (1) بن فاتك الأسدي (2)، وكانت له صحبة:
ضحّوا بعثمان في الشهر (3) الحرام (4) ضحى
بأيّ ذبح حرام ويحهم ذبحوا
وأيّ سنّة كفر (5) سنّ أولهم
وباب شرّ على سلطانهم فتحوا
ماذا أرادوا أضلّ الله سعيهم (6)
بسفك (7) ذاك الدم الزاكي (8) الذي سفحوا (9)
__________
(1) في الأصل: الإمام بن حزن بن فاتك، وفي أ: أيمن بن حذيم بن فاتك، وفي ب: أيمن بن خزيمة بن فاتك، وفي ج: أيمن بن جديم بن فاتك. وأثبت ما ذكره ابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 190.
أيمن بن خريم، أسلم يوم الفتح، شامي الأصل، نزل الكوفة، وكان شاعرا محسنا. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 129، ابن حجر: الإصابة 1/ 94.
(2) الأسدي: منسوب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن مضر. السمعاني: الأنساب 1/ 138.
(3) في الأصل وأ، ب: شهر، وما أثبته من: ج. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1051.
(4) في أ: المحرم.
(5) في ب: كفروا.
(6) في ب: بيعتهم.
(7) في الأصل وب: سفك.
(8) في الأصل: دم الزكي، وما أثبته من: أ، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1051، والمبرد: الكامل 2/ 46، وفي ب: ذاك الزكي.
(9) هذه الأبيات رواها المبرد: الكامل 2/ 46، وابن قتيبة: المعارف ص 198، وابن(1/476)
(تسمية عمّال عثمان في السّنة التّي قتل فيها) (1):
وقتل رحمة الله [تعالى] (2) عليه ورضوانه، وعامله على مكة عبد الله ابن الحضرمي (3). وعلى الطّائف: القاسم بن ربيعة الثقفي (4). وعلى صنعاء: يعلى ابن منيه (5). وعلى البصرة: عبد الله بن عامر بن كريز. وعلى الكوفة: أبو موسى الأشعري، وعلى الجند (6): عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة (7)
المخزومي. وعلى مصر: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعلى الشّأم:
معاوية بن أبي سفيان (8).
__________
عبد البر: الاستيعاب 3/ 1051مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الزيادة من: ج.
(3) عبد الله بن عمر الحضرمي، حليف بني أمية، وهو ابن أخي العلاء ابن الحضرمي، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عند الوفاة النبوية نحو تسع سنين. ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 956، وابن حجر: الإصابة 4/ 111.
(4) القاسم بن عبد الله بن ربيعة، وربما نسب إلى جده، كان عالما بالنسب. ابن سعد:
الطبقات 7/ 152، وابن حجر: تقريب ص 450.
(5) يعلى بن أمية التميمي، ويقال: يعلى بن منيه، ينسب حينا إلى أبيه وحينا إلى أمه (منيه) أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك، وقتل سنة ثمان وثلاثين بصفين مع علي بعد أن شهد الجمل مع عائشة. ابن سعد: الطبقات 5/ 456، وابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1587، والمزي: تهذيب الكمال 32/ 378.
(6) الجند: بالتحريك، وهو أحد مخاليف اليمن. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 92.
(7) في ب: مغيرة.
(8) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 4/ 421عن الواقدي. واليعقوبي: تأريخ 2/ 176.(1/477)
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه (1):
(نسبه) (2):
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3). واسم أبي (4) طالب: عبد مناف بن عبد المطلب (5) بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الهاشمي. يلتقي (6) مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأب الثاني عند عبد المطلب (7).
(كنيته) (8):
يكنى: أبا الحسن، وأبا الحسين (9)، وأبا تراب. ثلاث كنى مشهورات (10) له. وأبو (11) الحسن أشهرهن (12).
__________
(1) (وكرم الله وجهه) ليست في: أ، ب، ج.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) (رضي الله عنه) سقطت من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: أبو.
(5) تكرر في الأصل.
(6) في أ، ب، ج: يلقى النبي.
(7) انظر مصعب الزبيري: نسب قريش ص 39.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) (الحسين) سقط من: ب.
(10) في ج: مشهورة.
(11) في ب: وأبا.
(12) في ج: أشهرها. الحاكم الكبير: الأسماء والكنى 3/ 270.(1/478)
ولكنيته بأبي (1) تراب قصة: وذلك أنه دخل على فاطمة رضي الله عنها، فكان بينهما شيء، فخرج فاضطجع في المسجد، فدخل النبي (2) صلى الله عليه وسلم عليها، فقال: أين ابن عمك؟ قالت كان بيني، وبينه شيء، فغاظني، فخرج، فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لرجل] (3): انظر أين هو علي؟ فجاء فقال: هو يا رسول الله (4) في المسجد، راقد. [فخرج إليه] (5)، فوجد رداءه [قد] (6) سقط عن ظهره، وخلص (7) التّراب / إلى (8) [32/ أ] ظهره، فجلس يمسح عن ظهره التراب (9)، ويقول: اجلس يا أبا تراب! مرتين. فما كان لعلي رضي الله عنه اسم أحب إليه منه (10).
__________
(1) في ب: لأبي.
(2) في ب: رسول الله.
(3) الزيادة من النسخ الأخرى.
(4) في أ، ب، ج: يا رسول الله هو.
(5) الزيادة من: ج.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) خلص: وصل. الجوهري: الصحاح 3/ 1037 (خلص).
(8) في ب: على.
(9) (التراب) سقطت من: أ، ج.
(10) أخرجه البخاري مع اختلاف يسير: الصحيح مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي 7/ 70رقم (3703) ومسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الفضائل، باب فضائل علي 15/ 182، والدّولابي: الأسماء والكنى ص 8، 9.(1/479)
(ترجمت أمّه، ولقبه) (1):
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. ولدته في جوف الكعبة (2)، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، أسلمت وهاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمت ولدها عليا: حيدرة، باسم أبيها (3). وهو (4) من أسماء الأسد.
وروي عن علي (5) رضي الله عنه أنّه قال: أنا الذي سمتني أمي حيدرة (6).
وروي (7) أن بعض أهل النسب قال: هل تعرفون رجلا في
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) أورده الحاكم: المستدرك 3/ 483والمسعودي: ومروج الذهب 3/ 358، وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1/ 14، والحسيني: عمدة الطالب ص 50، قال خليفة: ولد علي بمكة في شعب بني عبد المطلب. قلت: والذي عليه علماء أهل السنة والجماعة أن حكيم بن حزام رضي الله عنه هو الذي ولد في الكعبة، فكانت منقبة له. الزبير بن بكار:
جمهرة نسب قريش ص 354وابن حبان: مشاهير علماء الأمصار ص 12والحاكم الكبير: الأسماء والكنى 4/ 234، وابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 362وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 522والذهبي: سير 3/ 46، وتأريخ الإسلام (عهد معاوية) ص 198وابن حجر: الإصابة 2/ 32.
(3) الحاكم: المستدرك 3/ 108وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1891.
(4) في أ: وهي.
(5) في أ، ب، ج: عنه.
(6) الحاكم: المستدرك 3/ 108.
(7) في أ، ب: ويروى.(1/480)
الصحابة (1)، يقال له: أسد بن عبد مناف بن شيبة بن عمرو بن المغيرة بن زيد؟ فقالوا: لا، فقال: إنه هاشمي، فلم يعرف، حتى قال: هو (2) علي بن أبي طالب (3).
ولقبه: حيدرة، والحيدرة: الأسد.
وعبد مناف: اسم أبي طالب. وشيبة: اسم عبد المطلب، وعمرو:
اسم هاشم. والمغيرة: اسم عبد مناف. وزيد: اسم قصي (4).
ودفنت أم علي بالبقيع (5).
(تأريخ إسلامه) (6):
أسلم رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين (7).
وقيل: ابن خمس عشرة سنة (8).
__________
(1) في أ، ب، ج: في الصحابة رجلا.
(2) في ب: إنه.
(3) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(4) الطبراني: المعجم الكبير 1/ 50رقم (150) وابن سعد: الطبقات 3/ 19.
(5) انظر ترجمتها عند ابن سعد: الطبقات 8/ 51وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1891، وابن حجر: الإصابة 8/ 160.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) رواه الطبراني: المعجم الكبير 1/ 53رقم (162) وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 287رقم: (307) والبيهقي: السنن الكبرى 6/ 206.
(8) الحاكم المستدرك 3/ 111، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 53رقم (163) وأبو نعيم:
معرفة الصحابة 1/ 288رقم (310) والبيهقي: السنن الكبرى 6/ 206.(1/481)
وقيل: هو أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم (1).
(بيعته رضي الله عنه) (2):
بويع في المدينة في اليوم الذي مات فيه عثمان، رضي الله عنهما.
أتاه الأشتر واسمه مالك وهو في بيته، فقال: هل تنتظرون أحدا؟! قم (3)
يا طلحة ويا زبير فبايعا، فإني رأيت الناس لا يعدلون بعلي أحدا. فقاما فبايعا، ثم خرجا من عند علي يقولان: قد بايعناه بأيدينا، ولم نبايعه بقلوبنا (4).
وروي عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال: [بلغني أنّ عليّا رضي الله عنه] (5) كان
__________
(1) ابن أبي شيبة: المصنف 13/ 50رقم (15724) والبلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 93.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: فقم.
(4) ابن أبي شيبة: المصنف 11/ 105رقم (10643) و 15/ 262رقم (19622) بأطول مما هنا، والباقلاني: تمهيد الأوائل ص 550، والهندي: كتر العمال 11/ 335 رقم (31674) من طريق ابن أبي شيبة. وقد صح أن طلحة والزبير قد بايعا عليّا مكرهين، أكرههما قتلة عثمان وأحضروهما للبيعة. ابن أبي شيبة المصنف 11/ 107 رقم (10648) 15/ 261رقم (19621)، والطبري: تاريخ 4/ 430، 435، وكرههما ليس لعلي رضي الله عنه وأحقيّته بالخلافة، وإنما للطريقة التي تمت بها البيعة، ولأن الثوار أتوا بهما بأسلوب جاف عنيف. أحمد: المسند 1/ 327323 (تحقيق أحمد شاكر)، الذهبي: سير 1/ 35، وانظر رسالة الزميل: عبد الحميد فقيهي: خلافة علي رضي الله عنه (رسالة ماجستير) ص 97.
(5) التكملة من النسخ الأخرى.(1/482)
حين قتل عثمان رضي الله عنه في حائط له يقال (1) له: بئر [سكن] (2)، فلمّا قتل عثمان رضي الله عنه جاء وجلس على المنبر، وقام معه المصريون، وبعث إلى طلحة والزبير، فلما أتيا شرع (3) لهما أهل مصر الرّماح. فقال علي: دعوا أخويّ يبايعا. فقالا (4): نبايعك على أنه إن قام قائم يطلب [دم] (5) عثمان قمنا معه، فقال: نعم، والله لا ينتطح فيها عنزان (6). فبايعاه (7) على ذلك، وبايع الناس عليا (8).
وتخلف عن بيعته سبعة نفر: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وصهيب (9)، وزيد بن ثابت، ومحمد بن مسلمة (10)، وسلمة بن سلامة
__________
(1) (يقال) سقطت من: ب.
(2) في الأصل: سكسن، وفي ب: سكين، وما أثبته من: أ، ج. وأبو هلال العسكري:
الأوائل 1/ 283ولم أقف على تحديد موضعها.
(3) في ج: شرعا.
(4) (فقالا) سقطت من: ب، وفي ج: فقال.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) لا ينتطح فيه عتران: مثل يضرب للأمر يبطل ويذهب، فلا يكون له طالب. أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 2/ 313، وقال ابن الأثير في معناه: أي يلتقي في الخلافة اثنان ضعيفان. النهاية 5/ 74بتصرف.
(7) هذه الفقرة تكررت في: ج.
(8) لم أقف على هذا الأثر عند غير المؤلف.
(9) صهيب بن سنان الرومي، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرا وما بعدها، ومات سنة ثمان وثلاثين في خلافة علي، ودفن بالبقيع. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 726 وابن حجر: الإصابة 3/ 254وقد سبقت ترجمته ص 382.
(10) في ج: سلمة.(1/483)
بن وقش (1)، وأسامة بن زيد (2).
وقال محمد بن الحنفيّة: كنت مع علي بن أبي طالب حين قتل عثمان رضي الله عنهما، فدخل مترله، فجاء إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن هذا الرّجل قد قتل، / ولا بد للناس من إمام، ولا أحد أحق منك [32/ ب] بهذا الأمر، ولا أقدم سابقة. فقال: لا تفعلوا فإني وزير لكم خير (3) من أمير. قالوا (4): [لا والله] (5) لا بد أن نبايعك. قال لهم (6):
فإن كان لا بد من هذا ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلا عن رضا من المسلمين فأتى المسجد، فبايعه المهاجرون والأنصار، وسائر الناس (7).
__________
(1) سلمة بن سلامة الأنصاري الأشهلي، شهد العقبتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها، مات سنة خمس وأربعين وهو ابن سبعين سنة. ابن سعد: الطبقات 3/ 439، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 621.
(2) رواه الطبري 4/ 431من طريق الواقدي.
(3) في أ، ب، ج: خير لكم.
(4) في ب: فقالوا.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) (لهم) سقطت من: ب.
(7) أخرجه الطبري: تاريخ 4/ 427، وأحمد: فضائل الصحابة 2/ 573بنحوه، بإسناد صحيح.(1/484)
فأرسل إلى الزبير وطلحة ليبايعا، فتلكّأ (1) طلحة، فسل الأشتر سيفه، وقال (2): والله لتبايعنّ أو لأضربنّ (3) عنقك، فقال طلحة: [وأين المهرب] (4)! فبايعه هو والزبير (5).
وقيل: إن (6) أول من بايعه طلحة، وكان مشلول الكفّ. فقال رجل (7) عند مبايعته: إنّا (8) لله! أوّل يد بايعت أمير المؤمنين مشلولة لا يتمّ هذا الأمر! (9)
(صفته رضي الله عنه) (10):
وكان علي رضي الله عنه آدم (11) شديد الأدمة، مائلا إلى القصر، عظيم
__________
(1) تلكأ: تباطأ وتوقّف. الجوهري: الصحاح 1/ 71 (لكأ).
(2) في ب: فقال.
(3) في ب: أضرب.
(4) في الأصل: وابن المهلب، وفي أ، ب: وأين المذهب، وفي ج: وأين الذهب، والصواب ما أثبته من: تأريخ الطبري 4/ 429.
(5) رواه الطبري: تاريخ 4/ 429من طريق الزهري.
(6) (إنّ) سقط من: ب.
(7) هو حبيب بن ذؤيب. الطبري: تاريخ 4/ 428. وقال اليعقوبي: رجل من بني أسد.
تاريخ: 2/ 176، وقال ابن أعثم: قبيصة بن جابر، الفتوح 1/ 432.
(8) في أ: أنا أول، وفي ب، ج: إن الله.
(9) رواه الطبري: تاريخ 4/ 428من طريق المدائني.
(10) عنوان جانبي من المحقق.
(11) (آدم) سقطت من: ج.(1/485)
العينين والبطن، أدعج العينين، أفطس الأنف، حسن الوجه (1)، إذا نظر أقلع (2). عريض ما بين المنكبين، شثن الكفّين، أغيد (3)، كأنّ عنقه إبريق فضّة، لمنكبه مشاش (4) [كمشاش] (5) السبع الضّاري (6)، رقيق الذراعين، لا يتبيّن (7) عضده من ساعده قد أدمجتا (8) إدماجا، إذا مشى تكفّأ (9)، شديد الساعد واليد، إن أمسك بذراع رجل [أمسك] (10) بنفسه فلم يستطع أن يتنفّس، إذا مشى إلى الحروب
__________
(1) في أ، ب، ج: أدعج العينين، حسن الوجه، أفطس الأنف.
(2) أقلع: القلع: الرجل القوي المشي، يرفع قدمه من الأرض رفعا بائنا. الزبيدي: تاج العروس 5/ 481 (قلع).
(3) الأغيد: المائل العنق، والغيد النعومة، وامرأة غيداء وغادة: ناعمة. الجوهري:
الصحاح 2/ 518 (غيد).
(4) مشاش: المشاش رؤوس العظام الليّنة. الجوهري: الصحاح 3/ 1019 (مشش).
(5) الزيادة من: ب.
(6) الضّاري: الذي اعتاد واجترأ الصيد. الرافعي: المصباح المنير ص 361 (ضري).
(7) في ج: يبين.
(8) أدمجت: يقال: أدمج الشيء في الشيء إذا أدخل فيه. الجوهري: الصحاح 1/ 315 (دمج) يراد والله أعلم أن عظمي عضده وساعده للينهما قد اندمجا، وهكذا صفة الأسد.
(9) تكفأ: تمايل في مشيته. الجوهري: الصحاح 1/ 78 (كفأ).
(10) التكملة من: أ، ج.(1/486)
هرول. ثبت الجنان (1)، قويّ، شجاع (2)، منصور على من لاقاه (3).
وهو إلى السّمن ما هو (4)، أبيض اللحية والرأس (5)، ذا صلع (6)، ليس في رأسه شعر إلّا من خلفه (7).
اختضب بالحناء، ثم تركه (8).
لم يصارع أحدا إلا صرعه (9).
وكان أصغر ولد أبي طالب، كان (10) أصغر من جعفر بعشر سنين،
__________
(1) (ثبت الجنان) سقطت من: ب. والجنان بالفتح القلب. الجوهري: الصحاح 5/ 2094 (جنن).
(2) في ب: شجاع قوي.
(3) في الأصل وأ، ب: لقاه، وما أثبته من: ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1123، والمحب الطبري: ذخائر العقبى ص 57.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: ما هي، والتصويب من ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1123ما هو: مائل إلى السّمن.
(5) في أ، ب، ج: الرأس واللحية.
(6) في ج: أصلع.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1123، المحب الطبري: ذخائر العقبى ص 57، ورواه ابن سعد: الطبقات 3/ 27، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 52رقم (158) كلاهما من طريق الواقدي مختصرا.
(8) ابن سعد: الطبقات 3/ 26، 27، والبلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 118كلاهما عن محمد بن الحنفية.
(9) ابن قتيبة: المعارف ص 210.
(10) في ب: وكان.(1/487)
وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين (1).
قاضيه (2):
أبو أمية شريح بن الحارث الكندي، وكان شريح أدرك الجاهلية، ويعد في كبار التّابعين، وكان قاضيا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعثمان بن عفان رضي الله عنه على الكوفة، ولم يزل قاضيا بها إلى زمن الحجاج (3)، وكان أعلم النّاس بالقضاء، وكان ذا فطنة، وذكاء، ومعرفة، وعقل، ورزانة، وكان شاعرا (4) محسنا، وله أشعار محدثة في معان حسان، وكان كوسجا، سنّطا لا شعر [له] (5) في وجهه وتوفي سنة سبع وثمانين (6)، وهو ابن مائة سنة، ولي القضاء ستين سنة من زمن (7) عمر رضي الله عنه إلى زمن (8) عبد
__________
(1) هذه العبارة سقطت من: أ، ب. والخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1090، وابن سعد: الطبقات 4/ 42مثله.
(2) في أ، ب، ج: وقاضيه.
(3) الحجاج بن يوسف الثقفي، الأمير الشهير، ولي تبالة ثم الحجاز، ثم العراق عشرين سنة، ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك بواسط في شهر رمضان سنة خمس وتسعين، وقد بلغ من السّن ثلاثا وخمسين سنة. ابن قتيبة: المعارف ص 359، 397، وابن حجر: تقريب ص 153.
(4) في ج: وكان عاقلا شاعرا.
(5) الزيادة من: ب.
(6) في ب: وثلاثين.
(7) في أ، ب، ج: زمان.
(8) في ب، ج: زمان.(1/488)
الملك بن مروان (1).
حاجبه (2):
[أبو يزيد] (3): قنبر (4).
وكاتبه (5):
سعيد / [الهمداني] (6). [33/ أ]
وقيل: [عبيد الله بن أبي رافع] (7).
نقش خاتمه:
الله (8) الملك الحق المبين.
__________
(1) نصّ هذه الترجمة عند ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 702701.
(2) في أ، ب، ج: وحاجبه.
(3) التصويب من: أ، ب، ج. خليفة: تاريخ ص 201، وفي الأصل: أبو زيد.
(4) في ب: قنبره. قنبر مولى علي رضي الله عنه، وأحد قوّاده يوم صفين. ابن سعد: الطبقات 6/ 237، والطبري: تاريخ 4/ 563.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: حاجبه.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج. سعيد بن نمران الهمداني النّاعطي، أدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم أعواما، وشهد اليرموك، وكان من أعيان الشيعة في الكوفة، ولمّا ولي مصعب بن الزبير الكوفة استقضاه عليها ثم عزله. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 626، وابن الأثير:
أسد الغابة 2/ 247.
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: عبد الله بن رافع، والتصويب من ابن سعد: الطبقات 5/ 282، وخليفة: تاريخ ص 200، وابن قتيبة: المعارف ص 145، وعبيد الله بن أبي رافع المدني، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة. ابن حجر: تقريب ص 370.
(8) (لفظ الجلالة) سقط من: ج(1/489)
وقيل: كان له أربعة (1) خواتم يتختّم بها أحدها: ياقوت (2) لقلبه.
نقشه (3): لا إله إلا الله الملك الحق المبين، والآخر: فيروزج، لبصره، نقشه:
لا إله إلا الله الملك (4). والآخر: حديد صيني، لقوّته. نقش خاتمه: إن العزة لله جميعا، والآخر: عقيق: لحرزه. نقشه ثلاثة أسطر، ما شاء الله، سطر، لا قوة إلا بالله، سطر، استغفر الله، سطر (5).
(بنوه):
سيدنا (6) الحسن، والحسين، ومحسن (7)، وأم كلثوم الكبرى، [وزينب الكبرى] (8) أمهم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم.
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: أربع، والصواب ما أثبته.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: ياقوته.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: نفسه.
(4) في ب: الملك الحق المبين.
(5) هذا الخبر ذكره تقي الدين الهندي: كتر العمال 6/ 686رقم (17407) وقال:
أخرجه الحاكم في: تأريخه. والصّابوني في: المائتين. وأبو عبد الله السّلمي في: أماليه.
وفيه: أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي، ضعفه الدارقطني. وقال الذهبي:
محمد بن أحمد ابن سعيد الرازي لا أعرفه، لكن أتى بخبر باطل، هو آفته. ثم ساق الخبر. ميزان الإعتدال 3/ 457، 458.
(6) (سيدنا) ليست في: أ، ب، ج.
(7) ابن قتيبة: المعارف ص 210، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 73وقد مات المحسن صغيرا جدا إثر ولادته. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 38.
(8) التكملة من: أ، ب، ج. زينب بنت علي تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له. ابن سعد: الطبقات 8/ 465.(1/490)
ومحمد (1)، أمّه: خولة (2) بنت إياس بن جعفر (3) وهو ابن الحنفيّة ويقال: هي خولة بنت جعفر بن قيس (4).
[وعبيد الله] (5)، وأبو بكر (6)، أمهما: ليلى بنت مسعود بن خالد النّهشليّ (7).
__________
(1) محمد (الأكبر) بن علي، أبو القاسم بن الحنفية، مات سنة إحدى وثمانين. ابن سعد:
الطبقات 5/ 11691، والذهبي: سير 4/ 110.
(2) في أ، ب: خلوة
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: وجعفر، والتصحيح من ابن قتيبة: المعارف ص 210، وابن حجر: الإصابة 8/ 68.
(4) مصعب الزبيري: نسب قريش ص 41، وابن سعد: الطبقات 5/ 91، ابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 37.
قلت: ربما نسبها أصحاب هذا القول إلى جدها جعفر، فلا تعارض بين القولين.
(5) في الأصل وأ، ب: عبد الله، وما أثبته من: ج، ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 43، وابن سعد: الطبقات 3/ 19، وكان عبيد الله بن علي قدم من الحجاز على المختار بالكوفة، وقتل في جيش مصعب بن الزبير بالمذار. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 43، وابن سعد: الطبقات 5/ 117، 118، وليس له ولا لأخيه أبي بكر بقيّة. الطبري: تاريخ 5/ 154.
(6) أبو بكر بن علي، قتل مع الحسين، ابن سعد: الطبقات 3/ 19.
(7) ليلى بنت مسعود بن خالد بن ثابت بن ربعي بن سلمي بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. ابن سعد: الطبقات 3/ 19، 20. النّهشلي: نسبة إلى نهشل، بطن من تميم. السيوطي: لبّ اللباب 2/ 308.(1/491)
وعمر (1)، ورقيّة (2)، أمهما: تغلبيّة (3)، كان خالد بن الوليد سباها في الرّدّة، فاشتراها علي رضي الله عنه (4).
ويحي (5)، أمّه (6): أسماء بنت عميس. وهي أم محمد بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه.
وجعفر (7)، والعباس (8)، وعبد الله (9)، أمّهم: أم البنين بنت
__________
(1) عمر (الأكبر) بن علي بن أبي طالب الهاشمي، ثقة، مات في زمن الوليد. وقيل: قبل ذلك. ابن حجر: تقريب ص 416.
(2) رقيّة (الكبرى) بنت علي، كانت عند مسلم بن عقيل فولدت له، وانقرض ولد مسلم. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 45.
(3) ابن قتيبة: المعارف ص 210، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 73، نسبة إلى تغلب ابن وائل، قبيلة معروفة. السمعاني: الأنساب 1/ 469. واسمها: الصّهباء، وهي أم حبيب بنت ربيعة التغلبيّة، وكانت من السبي الذين أصابهم خالد بن الوليد حين أغار على بني تغلب بناحية عين التمر. انظر مصعب الزبيري: نسب قريش ص 42، وابن سعد: الطبقات 5/ 117، والطبري: تاريخ 4/ 154.
(4) ابن قتيبة: المعارف ص 210.
(5) يحي بن علي، توفي صغيرا قبل أبيه، ولا عقب له. أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 311.
(6) (أمة) سقطت من: ب.
(7) جعفر (الأكبر) ابن علي قتل مع أخيه الحسين، ولا بقيّة له. ابن سعد: الطبقات 3/ 20، الطبري: تاريخ 4/ 153.
(8) العباس (الأكبر) ابن علي قتل مع أخيه الحسين، ولا بقيّة له. ابن سعد: الطبقات 3/ 20، الطبري: تاريخ 4/ 153.
(9) عبد الله بن علي قتل مع أخيه الحسين، ولا بقيّة له. ابن سعد: الطبقات 3/ 20، الطبري: تاريخ 4/ 153.(1/492)
حزام (1).
ورملة (2)، وأمّ الحسن (3)، أمهما: أم سعيد (4) بنت عروة بن (5) [مسعود] (6) الثّقفي. والقاسم (7)، وعثمان (8)، وأم كلثوم الصغرى (9)، وزينب الصغرى (10)، وإبراهيم (11)، وجمانة (12)،
__________
(1) هي أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 43، وابن حزام: جمهرة أنساب العرب ص 37.
(2) رملة (الكبرى) بنت عليّ كانت عند أبي الهيّاج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث، ثم خلف عليها بعد وفاة عبد الله معاوية بن مروان بن الحكم. مصعب الزبيري:
نسب قريش ص 45، وابن حزام: جمهرة أنساب العرب ص 87.
(3) أم الحسن بنت علي كانت عند جعدة بن هبيرة المخزومي، فولدت له. ابن حزام:
جمهرة أنساب العرب ص 141.
(4) أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب الثقفي، تزوجها يزيد بن عتبة بن أبي سفيان فولدت له. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 44.
(5) في ب: بنت.
(6) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: سعيد.
(7) لم أقف عليه في الكتب التي تيسر لي الرجوع إليها.
(8) عثمان بن علي، أمه: أم البنين بنت حزام، قتل مع أخيه الحسين ولا بقية له. ابن سعد: الطبقات 3/ 20، الطبري: تاريخ 4/ 153.
(9) أم كلثوم (الصغرى) واسمها نفيسة، كانت عند عبد الله (الأكبر) بن عقيل، ثم خلف عليها كثير بن العباس، ثم خلف عليها تمّام بن العباس. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 45.
(10) زينب (الصغرى) كانت عند محمد بن عقيل بن أبي طالب فولدت له، ثم خلف عليها كثير بن العباس فولدت له، ثم تزوجها جعفر بن تمّام بن العباس. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 45.
(11) لم أقف على ترجمته.
(12) ذكرها ابن سعد: الطبقات 3/ 20وابن قتيبة: المعارف ص 211، وأبو نعيم:(1/493)
وميمونة (1)، وخديجة (2)، وفاطمة (3)، وأم الكرام (4)، ونفيسة (5)، وأم سلمة (6)، وأمامة (7). لأمهات شتّى (8).
خطبة منسوبة لعلي رضي الله عنه خالية من حرف الألف (9):
وكان رضي الله عنه من الفصحاء البلغاء، والعلماء الأجلّة (10)، جلس جماعة
__________
معرفة الصحابة 1/ 310، والطبري: تاريخ 4/ 155، وقال مصعب الزبيري: هي أم جعفر. نسب قريش ص 44.
(1) ميمونة بنت علي: كانت عند عبد الله (الأكبر) بن عقيل، فولدت له عقيلا.
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 45.
(2) خديجة بنت علي كانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت له، ثم خلف عليها أبو السّنابل عبد الرحمن بن عبد الله. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 46.
(3) فاطمة بنت علي كانت عند محمد بن أبي سعيد بن عقيل، فولدت له، ثم خلف عليها سعيد بن الأسود فولدت له، ثم خلف عليها المنذر بن عبيدة بن الزبير فولدت له. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 46.
(4) ذكرها ابن سعد: الطبقات 3/ 20، وابن قتيبة: المعارف ص 211، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 310، والطبري: تاريخ 4/ 155ولم أقف على شيء من أخبارها.
(5) عند مصعب الزبيري: هي نفسها أم كلثوم الصغرى. نسب قريش ص 45.
(6) ذكرها ابن سعد: الطبقات 3/ 20، وابن قتيبة: المعارف ص 211، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 310، والطبري: تاريخ 4/ 155ولم أقف على شيء من أخبارها.
(7) أمامة بنت علي كانت عند الصلت بن عبد الله بن نوفل، فولدت له، وتوفيت عنده. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 46.
(8) ومن أبناء علي أيضا محمد (الأصغر) قتل مع الحسين، وأمه أم ولد. وعون أخو يحي لأمه. ومحمد (الأوسط) أمه: أمامة بنت أبي العاص بن الربيع. وأم هانيء. ابن سعد:
الطبقات 3/ 20.
(9) العنوان مثبت من كتاب شرح نهج البلاغة 19/ 140.
(10) في أ، ب، ج: الجلّة.(1/494)
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون الحروف، فأجمعوا أن الألف أكثر دخولا في الكلام من سائر الحروف، فقام رضي الله عنه (1) فخطب على البديهة فقال:
حمدت وعظّمت من عظمت منّته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته غضبه، وتمت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيّته. حمدته حمد (2) مقر بربوبيّته، ومختضع لعبوديّته، متنصّل من خطيئته، معترف بتوحيده وصمديّته، مؤمل من ربّه مغفرة تنجيه، يوم يشغل كل عن (3) فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكّل عليه، شهدت (4) تشهّد مخلص موقن، وعظّمته تعظيم مؤمن متيقن، ووحدّته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه (5)، ولم يكن (6) له وليّ (7) في صنعه، جلّ عن مشير ووزير، [وعون] (8) معين، [ونظير] (9). علم
__________
(1) في ب: عنها.
(2) في الأصل: حمدته مقرا بربوبيته، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19/ 140.
(3) في ب: من.
(4) في ج: شهادة.
(5) في أ، ب: ملك.
(6) في ب: وليس له.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: صنع بل ولي.
(8) في الأصل: وعبد، وما أثبته من النسخ الأخرى، والمجلسي: بحار الأنوار 77/ 342.
(9) في الأصل: وظهير، وما أثبته من: أ، ب، ج. والمجلسي.(1/495)
فستر (1)، ونظر فخبر (2)، وملك فقهر، [وعصى] (3) فغفر، وحكم فعدل، وسئل فبذل، وبعدله جميع خلقه شمل، لم يزل ولا (4) يزول، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5) وهو قبل كلّ شيء (6)، / وبعد كلّ شيء، ربّ متفرّد [33/ ب] بعزّته، متمكّن بقوّته (7)، متقدّس بعلوّه، متكبّر بسموّه، ليس يدركه بصر، ولا يحيط به نظر (8)، قويّ سميع عليم بديع بصير (9)، منيع حليم كريم رؤوف رحيم. [عجز] (10) عن وصفه من يصفه [وضلّ عن نعته من يعرفه] (11) قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب (12) دعوة من
__________
(1) في أ: فسيّر.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ونذر فجبر.
(3) في الأصل: وغطّى.
(4) في ج: ولم.
(5) سورة الشورى: الآية (11).
(6) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(7) في الأصل وأ، ب: بقدرته، وما أثبته من: ج. وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19/ 140. والمجلسي: بحار الأنوار 77/ 342.
(8) في ج: نظير.
(9) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(10) في الأصل: ضلّ، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.
(11) الزيادة من: أ، ب، ج.
(12) في ب: يجب.(1/496)
يدعوه، ويرزقه ويحبوه (1). ذو لطف خفيّ، وبطش قويّ، ورحمة (2)
موسعة، وعقوبته موجعة، رحمته جنّة عريضة، وعقوبته جحيم ممدودة، موبقة. وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله وصفّيه ونبيّه (3)، وحبيبه وخليله، عليه صلاة (4) تحظيه وتزلفه (5)، وتعليه وتقرّبه وتدنيه. (6) بعثه في عصر وحين فترة وكفر، رحمة لعبيد، ومنّة [لمزيده] (7). ختم به نبوّته، ووضّح به حجّته. فوعظ (8) ونصح، وبلّغ وكدح. رؤوف بكلّ (9) مؤمن.
رحيم رضيّ وولي زكي كريم، عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم، من ربّ غفور رحيم.
وصيّتكم (10) جميع من حضرني بوصية ربكم، وذكّرتكم سنة نبيّكم،
__________
(1) في الأصل: ويحبه، وما أثبته من: أ، ب، ج، وابن أبي الحديد، والمجلسي.
(2) في الأصل وب، ج: رحمته، وما أثبته من: أ، والمجلسي.
(3) (هذه الفقرة) سقطت من: ب.
(4) في ب: صلى الله عليه وسلم صلاة، وفي ج: صلى الله عليه صلاة.
(5) تزلفه: تقربّه إلى الله. ابن منظور: لسان العرب 9/ 138 (زلف).
(6) هذه العبارة سقطت من: أ.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: على خلقه.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: فوضع.
(9) في ب: بل.
(10) في الأصل: أوصيتكم، وما أثبته من أ، ب، ج. والمجلسي.(1/497)
فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري (1) دموعكم، وتقية (2)
تنجيكم قبل يوم يذهلكم ويبلوكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن (3)
حسناته، وخفّ وزن سيئاته ولتكن مسألتكم [وهلعتكم] (4) مسألة ذلّ وخضوع، وشكر وخشوع، وتوبة ونزوع، وندم ورجوع. وليغتنم كل مغتنم منكم صحّته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وفراغه (5) قبل شغله،
__________
(1) في ج: تدوي.
(2) التّقية عند أهل السنة هي أن يظهر الإنسان بلسانه غير ما يسرّه في قلبه اتقاء الشّر، ولا تجوز إلا مع الكفّار أعداء الدين، وفي حالات معيّنة، منها حالة الحرب، لأن الحرب خدعة وفي هذا يستعمل ما يعرف بالتّورية ومنها إذا أكره المؤمن على كلمة الكفر كما قال تعالى: {إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ} سورة النحل: الآية (106).
ولا يجوز للمسلم أن يستعملها في غير ذلك، فلا يستعملها مع المسلمين لأنّها حينئذ تكون نفاقا، والمسلم يجب عليه أن يكون صادقا في الحق غير مراء ولا كاذب ولا غادر.
أمّ عند الشيعة الإمامية، فإنّ (التقية) دين مفروض لا يقوم المذهب إلا بها، فمن تركها كان بمترلة من ترك الصّلاة. وهم لا يدرون منها إلا الكذب والخيانة والخداع والتظاهر بغير ما يبطنون، وهي تبيح لمعتنقها أن يتظاهر لأهل السنّة بخلاف ما يبطن، ويرون في أذّية السّني قربة إلى الله تعالى، فكلّ رافضي تمكن من الفتك بسني أو أذيته بأي نوع من أنواع الأذى ولم يفعل فهو آثم عندهم. المقدسي: رسالة في الرد على الرافضة ص 105104، وعلي فقيهي: مقدمة لكتاب الإمامة لأبي نعيم ص 52، 53، وإحسان إلهي ظهير: الشيعة والسنة ص 130.
(3) (وزن) سقطت من: ب.
(4) في الأصل: وعملكم، وما أثبته من: ب، ج، وفي أ: وهلعكم.
(5) في أ، ب: وفروغه.(1/498)
وغناه (1) قبل فقره، وحضرته قبل سفره، من قبل كبر يقيده (2)، وهرم (3)
يفنده (4)، ووجع يؤلمه، ومرض يسقمه (5)، فيملّه طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، ينقطع فعله، ويتغيّر [عليه] (6) عقله. قبل قولهم: هو موعوك، وجسمه منهوك، [ثم] (7) جدّ في نزع شديد، وحضور كل قريب وبعيد، قبل شخوص بصره، وطموح نظره، ورشح (8) جبينه، وخطف عرنينه (9)، وسكون حسّه (10)، وجذبت (11) نفسه، وحفر رمسه (12)، وبكت عرسه، ويتّم ولده، وتفرق عنه صديقه وعدوّه، وقسّم جمعه، وذهب بصره، ولقّن، ومرد ووجه، وجرّد وغسّل، وعرّي، ونشّف، وسجّي، وبسط
__________
(1) في أ، ب: وغنته.
(2) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: يغده.
(3) (وهرم) سقطت من: ب.
(4) يفنده: يضعف رأيه. ابن منظور: لسان العرب 3/ 339 (فند).
(5) في ج: يقسمه.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: لونه.
(7) الزيادة من: ج.
(8) في أ: وشح، وفي ب: وشج.
(9) في ب: وخصف عرلينه، وفي ج: عنيله. عرنينه: عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين، وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشّم. الجوهري: الصحاح 6/ 2163 (عرن).
(10) في أ، ب، ج: حنينه.
(11) في ب: وحديث.
(12) رمسه: قبره. ابن منظور: لسان العرب 6/ 101 (رمس).(1/499)
[له] (1)، وهيّء، ونشر (2) له كفنه، وشدّ منه ذقنه (3)، وقمّص وعمّم (4)
وودّع عليه، وحمل فوق [سريره] (5) وصلّي عليه بتكبير. / ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيّدة، وحجر منجّدة. [فجعل] (6) [34/ أ] في ضريح ملحود ضيّق مرصود، بلبن [منضود، مسقّف] (7) بجلمود (8)، وهيل (9) عليه عفره (10)، وحثي عليه مدرة، وتحقّق حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليّه وشقيقه وصفيه (11) ونديمه ونسيبه وقريبه وحبيبه.
فهو حشو قبره (12)، رهين فقره (13)، يسعى في جسمه دود في (14)
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) (وهيء، ونشر) سقطت من: ب.
(3) ذقنه: الذّقن: مجتمع اللّحيين من أسفلهما. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1546 (ذقن).
(4) في ب: وعجم.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في الأصل: وحصل، وما أثبته من: أ، ب، ج. والمجلسي.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) الجلمود: الصخر. ابن منظور: لسان العرب 3/ 129 (جلمد).
(9) في ب: ونضل.
(10) في أ: عفوه. عفره: تراب قبره. ابن منظور: لسان العرب 4/ 583 (عفر).
(11) في أ، ب، ج: وصفيّه وشقيقه.
(12) في أ، ب: قبر.
(13) في أ، ب: فقر، وفي ح: قفره.
(14) (في) سقط من: ب.(1/500)
قبره، ويسيل صديده على صدره ونحره. (1) يسحق ترابه (2) لحمه، وينشف دمه، ويرمّ عظمه، حتى يوم محشره ونشره، فينشر من قبره، وينفخ في صدره، ويدعى لحشره ونشره، فثمّ بعثرت قبور، وحصّلت سريرة صدور (3). وجيء بكل نبي وصدّيق وشهيد [ونطيق] (4) وقعد للفصل قدير، بعباده (5) خبير بصير. فكم من زمرة تغنيه، وحسرة (6)
تقصيه، في موقف مهيل، ومشهد جليل، بين يدي ملك عظيم، بكلّ صغيرة وكبيرة عليم. حينئذ يلجمه عرقه، ويجوز له قلقه. عبرته غير مرحومة، وصرخته غير مسموعة، وحجته غير مقبولة. تنشر صحيفته، وتبيّن (7) جريرته، حين نظر في سوء عمله، له في نصبه ورسله (8)، وشهدت عينه (9) بنظره، ويده ببطشه، ورجله بخطوه، وفرجه بلمسه، وجلده بحسّه.
__________
(1) في ج: ونحله.
(2) التصويب من: أ، وفي الأصل وب، ج: تربه.
(3) في الأصل: فحصلت سريره صدره، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) في: أ، ب، ج: بعبيده.
(6) في أ: وحشرة.
(7) في ب: ولين.
(8) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى.
(9) في الأصل: عيناه، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.(1/501)
ويهدده (1) منكر ونكير. وكشف (2) له من حيث يصير، فسلسل جيده (3)، وضيّق وريده (4)، [وغلّ] (5) ملكه يده، وسيق، يسحب (6) وحده، فورد جهنم بكرب وشدة، وظلّ [يعذب] (7) في جحيم، ويسقى شربة من حميم، تشوي وجهه، وتسلخ جلده، وتضربه زبانيته بمقمع من حديد، يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد. يستغيث فيعرض عنه خزانة جهّنم، ويستصرخ فلم يكلّم. ندم حين لم ينفعه ندمه، وتحسّر حين زلّت قدمه.
نعوذ بربّ قدير، من شرّ كل مصير، ونسأله عفو من رضي عنه ومغفرة من قبل منه، فهو (8) وليّ مسألتي، ومنجح طلبتي، فمن زحزح عن تعذيب ربّه جعل في جنّة بقربه (9)، وخلّد في قصور مشيّدة، وملّك حور عين وحفدة، وطيف عليه بكؤوس (10)، وسكن حظيرة (11) قدّس في
__________
(1) في ب: وتهدده.
(2) في الأصل: فكشف، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.
(3) جيده: عنقه. ابن منظور: لسان العرب 3/ 139 (جيد).
(4) في ب: في وروده.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: وعلى.
(6) في الأصل: وسيحتسب، وفي ب، بمنصب، وما أثبته من أ، ج، والمجلسي.
(7) في الأصل: يغدو، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.
(8) (فهو) سقط من: أ، ب
(9) في الأصل: من قربه، وما أثبته من: أ، ب، ج. المجلسي: بحار الأنوار 77/ 344.
(10) (بكؤوس) سقطت من: ب، وفي الأصل: بكأس، وما أثبته من: أ، ج، والمجلسي.
(11) في الأصل: حضرة، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمجلسي.(1/502)
فردوس (1)، ولبس خير ملبوس، وتقلّب في نعيم، وسقي من تسنيم (2)، وشرب من عين سلسبيل، قد مزج بزنجبيل، وختم بمسك. مستديم الملك، مستشعر السّرور، يشرب من خمور، في روض مغدق، ليس يترف (3)
وليس يغول (4).
هذه مترلة من خشي ربّه، وحذّر قلبه. / وتلك (5) عقوبة من [34/ ب] عصى منشئه، وسوّلت له نفسه (6) معصيته. لهو (7) قول فصل، وحكم عدل، قصص قصّ (8)، ووعظ نص {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) (9) خبير (10)، نزل به روح القدس (11)، منير من عند ربّ كريم، على
__________
(1) (فردوس) ليست في: أ.
(2) تسنيم: ماء بالجنة يجري فوق الغرف. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1452 (سنم).
(3) ليس يترف: لا يذهب عقله أو يسكر. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1105 (نزف).
(4) ليس يغول: لا يصاب بصداع أو سكر. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1344 (غاله).
(5) في الأصل وأ، ب: وترك، والمثبت من: ج.
(6) (نفسه) سقطت من: أ.
(7) الضمير عائد إلى القرآن الكريم.
(8) (قصّ) سقطت من: ب.
(9) سورة فصلت: الآية (42).
(10) (خبير) ليست في: أ، ب.
(11) في أ: قدس.(1/503)
نبي مهدي، ورسول سيّد رؤوف (1) كريم زكي، صلّت عليه رسل (2)
سفرة، ومكرّمون بررة. وعذت برب عليم حكيم (3)، قدير رحيم (4)، قدوس عظيم، من شرّ عدوّ لعين رجيم (5). فتضرّع متضرّعكم (6)، ويبتهل مبتهلكم، ونستغفر ربّ كل مربوب لي ولكم (7).
وهذه الخطبة تعرف بالمونّقة. (8)
(عدله رضي الله عنه) (9):
وجلس رجلان (10) يتغدّيان، ووضع (11) أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة، وشرعا في الأكل. (12) ومرّ بهما رجل فقعد، فتغدّا (13)
__________
(1) (رؤوف) ليست في: أ، ب.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: رسول.
(3) في ب: حكيم عليم.
(4) في ب: رجيم.
(5) (رجيم) ليست في: ب.
(6) في أ، ب، ج: متضرعتكم.
(7) هذه الخطبة منسوبة إلى علي رضي الله عنه، ذكرها ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19/ 143140، والمجلسي: بحار الأنوار 77/ 345342وقال: نقلها الكفعمّي في كتاب المصباح. ولم أجدها في غير ذلك.
(8) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى.
(9) عنوان جانبي من المحقق.
(10) في أ، ب: رجل.
(11) في أ، ب، ج: مع.
(12) في أ، ب، ج: فوضعا بينهما الغداء.
(13) في ب: يتغدا.(1/504)
معهما. فلمّا فرغ من الأكل (1)، دفع لهما ثمانية دراهم. فقال: [خذا] (2)
عوض ما أكلت لكما. فقال صاحب الخمسة أرغفة لصاحب الثّلاثة: خذ ثلاثة دراهم وأنا آخذ خمسة. فقال: لا أرضى إلا بالنّصف، فتحاكما إلى علي، فحكم لصاحب الخمسة بسبعة دراهم، ولصاحب الثّلاثة بدرهم واحد. والعلة في ذلك بينّة لمن تأملها (3).
(ذكر شيء من حكمه رضي الله عنه) (4):
ولعلي رضي الله عنه تسع كلمات. ثلاث (5) في المناجاة، وثلاث في الحكمة، وثلاث (6) في الأدب.
فأما المناجاة، فقال: كفاني فخرا أن تكون لي ربّا، وكفاني عزّا أن أكون لك عبدا (7)، وأنت كما أحبّ فاجعلني كما تحب.
__________
(1) (من الأكل) ليست في: أ، ب، ج.
(2) في الأصل وج: لقبضا، وما أثبته من: أ، ب. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1105.
(3) قال علي رضي الله عنه لصاحب الثلاثة أرغفة مبينا حكمه: لأن الثمانية أربعة وعشرون ثلثا، لصاحب الخمسة خمسة عشر ولك تسعة، وقد استويتم في الأكل، فأكلت ثمانية وبقي لك واحد، وأكل صاحبك ثمانية وبقي له سبعة، وأكل الثالث ثمانية سبعة لصاحبك وواحد لك. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1106، والصّفوي: مختصر المحاسن المجتمعة ص 179، وابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة ص 199، والسّيوطي: تاريخ الخلفاء ص 179، 180بدون إسناد.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) في الأصل وأ: ثلاثة، والمثبت من: ب، ج.
(6) في الأصل وأ: ثلاثة، والمثبت من: ب، ج.
(7) في ب: عزا.(1/505)
وأما الحكمة، فقال: قيمة كل امريء ما يحسنه، وما هلك امرؤ (1)
عرف قدر نفسه، والمرء [مخبوء] (2) تحت لسانه.
وأما الأدب، فقال: استغن عمّن (3) شئت فأنت نظيره، وتفضّل على من شئت، فأنت أميره، واضرع (4) إلى من شئت فأنت أسيره. (5)
(رأي المغيرة بن شعبة وابن عباس في إقراره عمّال عثمان) (6):
ولمّا بويع علي رضي الله عنه، وتمّت له الخلافة. تحدّث بعزلة معاوية، وسائر عمّال عثمان رضي الله عنه (7) المغيرة بن شعبة [فقال] (8): إنّ (9) لك حقّ الطّاعة، والنّصيحة واجبة، أقرر (10) معاوية على (11) عمله، وابن عامر وسائر العمّال، فإذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت، وتركت.
__________
(1) في ب: عبد.
(2) الزيادة من: ج. مخبوء: مستور. الجوهري: الصحاح 1/ 46 (خبأ).
(3) في أ: من.
(4) في ب: واقرع.
(5) الصفوي: مختصر المحاسن المجتمعة ص 170169، والعاملي: الكشكول 2/ 424
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) (رضي الله عنه) سقطت: أ، ب، ج.
(8) زيادة يقتضيها السياق من المحقق.
(9) في ب: إنك.
(10) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: اقرار.
(11) في ج: مع.(1/506)
فقال (1) له: سأنظر (2) في ذلك. فلمّا كان من الغد أتاه، وقال له: إني أشرت عليك بالأمس بابقاء معاوية والعمّال، وقد رأيت من بعد ذلك أنّ الرأي (3) ما رأيته من معاجلتك لهم حتى تعرف الطّائع من غيره، واستقبل أمرك.
ثم خرج من عنده فتلقاه ابن عباس خارجا، فدخل إلى علي، فقال له: رأيت المغيرة خارجا من عندك، ففيم جاءك؟ فقال: جاءني بالأمس بذيت وذيت (4)، / وجاء في اليوم بذيت وذيت، فقال له: أمّا أمس فقد [35/ أ] نصحك، وأمّا اليوم فقد غشّك. قال: فما الرّأي؟ قال: كان الرّأي أن تخرج حين قتل الرّجل، فتأتي مكّة وتدخل دارك، وتغلق بابك.
فإن كانت العرب مائلة إليك، لا تجد غيرك، فتأتي (5) إليك. وأمّا اليوم فإنّ (6) القوم [سيلزمونك] (7) شعبة من قتل عثمان رضي الله عنه، ويشهدون فيك على النّاس (8).
__________
(1) في ج: وقال.
(2) في أ، ب: فانظر.
(3) في ب: الذي.
(4) ذيت وذيت: معناه كيت وكيت. الجوهري: الصحاح 1/ 249 (ذيت).
(5) في أ، ب، ج: فتأتيك.
(6) في ج: فلأن.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سائلين.
(8) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 4/ 438، 439بنحوه، من طريق سيف ابن عمر. والمسعودي: مروج الذهب 2/ 363، 364وهو يصوّر المغيرة رضي الله عنه بالمداهنة وعدم المبالاة بمصلحة المسلمين، وهذا لا يوافق سيرته وأخلاقه قبل الفتنة وبعدها، كما يصور(1/507)
وأنا أشير عليك أن تبقي معاوية، فإن بايعك فعليّ أن تقتلعه من مترله، فقال: والله لا أعطيه إلّا السّيف، ثم تمثّل:
فما ميتة إن متّها غير عاجز ... بعار إذا ما (1) غالت النّفس غولها (2)
فقلت: يا أمير المؤمنين ما أنت رجل شجاع! أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (3): «الحرب خدعة» (4)! فقال: بلى. قال ابن (5) عباس: قلت:
أما والله لأصدرنّ بهم بعد ورد (6)، ولأتركنّهم ينظرون في أوائل الأمور، ولا يدرون ما كان وجهها (7) في غير نقص عليك، ولا إثم. فقال: يا ابن عباس! لست (8) من [هنيئآتك] (9) ولا من [هنيئات] (10) معاوية في شيء،
__________
عليا رضي الله عنه بالجاهل في هذه الأمور الهامة. وأن المغيرة وابن العباس أعرف منه بها. عبد الحميد: خلافة علي (رسالة ماجستير) ص 105.
(1) (ما) سقط من: ب.
(2) لم أجد قائله.
(3) في ب: قول رسول الله.
(4) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب الحرب خدعة (فتح الباري) 6/ 158رقم (3030) ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب (صحيح مسلم بشرح النووي) 12/ 45.
(5) في الأصل وأ، ب: يابن، وما اثبته من: ج. والطبري: تاريخ 4/ 441.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وورد.
(7) في أ: وجها.
(8) في أ: ليست.
(9) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: هنا يأتيك. لست من هنيئآتك: أي لست من أنصارك. يقال: هنأ فلانا: نصره. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 72 (هنأ).
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: هنا يأت.(1/508)
تشير عليّ، فإذا (1) عصيتك فأطعني. (2) فقلت: فأنا أفعل، فإنّ أيسر مالك (3) عندي الطّاعة (4).
(محاولة جرير بن عبد الله أخذ البيعة لعلي من معاوية) (5):
ووجّه علي رضي الله عنه: جرير بن عبد الله البجلي (6) إلى معاوية يأخذه بالبيعة له، فقال له: (7) إنّ حولي من تراى (8) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [من المهاجرين والأنصار، ولكنّي اخترتك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم] (9): «خير ذي يمن» (10) إئت معاوية فخذه بالبيعة، فقال جرير: والله يا أمير المؤمنين! ما أدّخرك من نصرتي شيئا، وما أطمع لك في معاوية، فقال:
__________
(1) في الأصل وأ، ب: وإذا، وما أثبته من: ج، والطبري.
(2) في أ، ب: فطعني.
(3) في أ، ج: ملك.
(4) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ: 4/ 441من طريق الواقدي. والمسعودي:
مروج الذهب 2/ 365.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) جرير بن عبد الله، صحابي مشهور، سكن الكوفة، ومات سنة إحدى وخمسين.
ابن سعد: الطبقات 6/ 22، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 333.
البجلي: نسبة إلى قبيلة بجيلة. ابن الأثير: اللباب 1/ 121.
(7) ليس في: ب.
(8) في الأصل: تراه، وما أثبته من: أ، ب، ج، والمبرد: الكامل 1/ 267.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) هذا جزء من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفجّ رجل من خير ذي يمن» رواه أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال 4/ 359، 360) عن جرير بن عبد الله.(1/509)
علي رضي الله عنه: إنّما قصدي الحجّة أقيمها عليه.
فلما أتاه جرير دافعه (1) معاوية. فقال له جرير: إنّ المنافق لا يصلي حتى لا يجد من الصّلاة بدّا (2)، ولا أحسبك تبايع حتى لا تجد من المبايعة بدّا.
فقال معاوية: إنّها ليست بخدعة الصّبي عن اللّبن، إنّه أمر له ما بعده، فأبلعني [ريقي]. (3)
فحبسه أشهرا يتحيّر ويتردد في أمره، فقيل لمعاوية: إنّ جريرا قد ردّ بصائر أهل الشام، في أنّ (4) عليا قتل عثمان، ولا بدّ لك من رجل يناقضه في ذلك. فمن له صحبة ومترلة، ولا نعلمه إلا شرحبيل بن السّمط الكندي (5)، فإنّه عدوّ (6) لجرير.
وكان شرحبيل أميرا على حمص لمعاوية، فاستقدمه معاوية، فقدم عليه، فهيّأ له رجالا يشهدون عنده أنّ عليا قتل عثمان، منهم
__________
(1) دافعه: ماطله. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 924 (دفعه).
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بدءا.
(3) في الأصل: رغبتي، وما أثبته من النسخ الأخرى، والمبرد: الكامل 1/ 267.
(4) في الأصل: فإن، وما أثبته من: أ، ب، ج وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 700.
(5) شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي، قاتل في الردّة، وشهد القادسية، وافتتح حمص، وشهد صفين مع معاوية رضي الله عنه. انظر ابن حجر: الإصابة 3/ 200.
والكندي: نسبة إلى قبيلة كندة المشهورة.
(6) في ج: عدل.(1/510)
بسر بن أرطاة (1)، ويزيد بن أسد (2) جدّ خالد بن عبد الله القسري (3)، وأبو [الأعور] (4) السّلمي، وهو عمرو بن سفيان كان / مع (5) [35/ ب] معاوية بصفين، وعليه كان مدار حروب معاوية يومئذ (6). [وحابس] (7) بن سعد الطائي، ومخارق بن الحارث
__________
(1) في أ، ب: بشر بن أبي أرطاة، وفي ج: بشر بن أرطات.
بسر بن أرطاة القرشي العامري، شهد فتح مصر، وولي قيادة الجيوش في البحر لمعاوية. ابن حجر: الإصابة 1/ 153.
(2) يزيد بن أسد بن كرز القسري، وفد على رسول صلى الله عليه وسلم، نزل الشام وكان مع معاوية بصفين. ابن سعد: الطبقات 7/ 428، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1570، وابن حجر: الإصابة 6/ 336.
(3) في أ: القرشي. خالد بن عبد الله القسري، ولي مكة للوليد بن عبد الملك، وولي العراقيين لهشام، واشترى بالكوفة خططا وابتنى بهان، وله عقب بها كثير، قتل سنة ست وعشرين ومئة. ابن قتيبة: المعارف ص 398، والذهبي: سير 5/ 432425 القسري: نسبة إلى قسر بن عبقر بن أنمار، قبيل من بجيلة. ابن ماكولا: الإكمال 7/ 119.
(4) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: الأصور، وفي ب: الأعوان. واسمه عمرو بن سفيان بن قائف السّلمي، أسلم بعد حنين، وكان مع معاوية بصفين. ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1600، وابن حجر: الإصابة 4/ 302.
السلمي: بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى سليم بن منصورة، قبيلة من العرب مشهورة، تفرّقت في البلاد. وجماعة كثيرة منهم نزلت حمص. السّمعاني: الأنساب 3/ 278.
(5) (مع) سقطت من: ب.
(6) حيث كان على مقدمة جيش معاوية. المنقري: وقعة صفين ص 213.
(7) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: حسان. حابس بن سعد، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم،(1/511)
الزّبيدي (1)، وحمزة بن مالك الهمداني (2).
وكان معاوية قد أطاعهم على ذلك [فشهدوا عند شرحبيل أنّ علياّ قتل عثمان، فلقي جريرا فناظره، فأبى أن يرجع شرحبيل. وقال له: قد صحّ عندي أنّ عليا قتل عثمان، ثم خرج في مدائن الشام يخبر بذلك] (3).
[وندب] (4) إلى الطّلب بدم عثمان (5).
(كتاب الأشعث إلى شرحبيل بن السمط) (6):
__________
ويعرف في أهل الشّام باليماني، شهد صفين مع معاوية، وكان معه راية طيء، وقتل بها. ابن عبد البر: الإستيعاب 1/ 279، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 375.
(1) مخارق بن الحارث الزّبيدي، كان على راية قبيلة مذحج الأردن يوم صفين في جيش معاوية. المنقري: وقعة صفين ص 207، وخليفة: تاريخ ص 196.
الزبيدي: بضم الزاي، هذه النسبة إلى زبيد قبيلة قديمة من مذحج أصلهم من اليمن.
السمعاني: الأنساب 3/ 135.
(2) حمزة بن مالك الهمداني، كان على راية قبيلة همدان الأردن يوم صفين في جيش معاوية. المنقري: وقعة صفين ص 207، وخليفة: تاريخ ص 196.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: ونادى الطلب. والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) الخبر ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 699، 700بدون إسناد. المنقري: وقعة صفين ص 28، 44بتفصيل أوسع. ونصر بن مزاحم المنقري رافضي جلد، تركوه.
قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير.
وقال أبو خثيمة: كان كذّابا. وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 253، 254.
(6) عنوان جانبي من المحقق.(1/512)
فاستأذن الأشعث بن قيس عليا رضي الله عنه في الكتب (1) إلى شرحبيل بن السّمط، فأذن له علي [بن أبي طالب] (2) رضي الله عنه، فأملى عليه: أمّا بعد، فإنّك رجل من أهل اليمن هاجرت إلى الكوفة، ثم انتقلت إلى الشّام، فكنت بها كما أحبّ الله لك حتى إذ قتل عثمان، وبايع النّاس عليا، هيّأ لك معاوية رجالا ليس في أيديهم إلا الظنّ والهوى، فشهدوا أنّ عليا قتل عثمان.
فقبلت (3) الظنّ، وحكمت على الغائب، ولم ترض حتى دعوت أهل الشام إلى غيب أمر [قد أعيا] (4) من شهده، فكنت رأس الخطيئة، ومفتاح الجاهليّة (5). وأعجب من ذلك مخالفتك المهاجرين والأنصار، ورضاك بمعاوية (6)، فلم (7) ترض بمن هو خير منك، ولم ترع حقّ من (8) أنت خير منه. لم تدرك العيان (9)، ولا في يدك يقين الخبر (10).
__________
(1) الكتب: الخط. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 165.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) في ج: فقلبت.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) في ج: الجهالة.
(6) في ب: معاوية.
(7) في الأصل: لم، وما اثبته من: أ، ب، ج.
(8) في أ، ب، ج: ترغب عمن.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الأعيان.
(10) ذكره ابن أعثم: الفتوح 1/ 538مختصرا، لكن بدل الأشعث بن قيس، سعيد بن قيس الهمداني أستأذن علي أن يكتب إلى شرحبيل فقال علي: اكتب ما أحببت.(1/513)
(رد شرحبيل على الأشعث) (1):
فأجابه (2) شرحبيل بكتاب أملاه عليه معاوية: أما بعد فقد جاء في كتابك، وأنت تذكر فيه ما ذكرت. ولعمري ما العراق عليّ بعار، ولا الشّام (3) لي بجار. فأمّا قولي (4) إنّ عليا قتل عثمان، فإنّي (5) أخذت ذلك من أهل الرّضا، ولا يقال للشّاهد: من أين علمت؟ وأما المهاجرين (6)
والأنصار، فلهم ما (7) في أيديهم من بيعة علي، ولنا ما في أيدينا من بيعة معاوية، وليس (8) سواءا، لولا حدث علي في عثمان. وأما خذل أهل العراق معاوية فقد خذل أعوادهم (9) من أهل الشام، وقد فعلت (10) فلم ألهم خيرا (11).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب: فأجاب.
(3) في ب: ولا للشام في بجار.
(4) في أ، ب: قبولي.
(5) في الأصل: إني، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن أعثم: الفتوح 1/ 539.
(6) التصويب من: أ، ب وفي الأصل وج: المهاجرين.
(7) (ما) سقط من: ج.
(8) في أ، ب، ج: وليسا.
(9) في ب، ج: أعدادهم.
(10) في الأصل: فقد فعلتم. وما أثبته من: أ، ب، ج.
(11) ابن أعثم: الفتوح 1/ 539مختصرا. وفيه أمر معاوية شرحبيل بإجابة سعيد بن قيس.(1/514)
(كتاب علي إلى جرير يأمر بأخذ البيعة من معاوية) (1):
وكتب علي رضي الله عنه إلى جرير: إذا أتاك كتابي هذا، فاحمل معاوية على الفصل، وخيّره بين حرب وسلم، فإن اختار الحرب فانبذ (2) إليه، وإن اختار السّلم فخذ البيعة عليه (3).
(مشورة عتبة بن أبي سفيان لمعاوية) (4):
فدعا معاوية أهل ثقافته، واستشارهم. فقال عتبة بن أبي سفيان (5):
استعن (6) على هذا الأمر بعمرو بن العاص، وارضه، فإنّه من (7) قد علمت، وقد اعتزل (8) عثمان وهو لأمرك أشد [اعتزالا] (9) إلا أن ترضيه (10).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: فاقبل. فانبذ إليه: كاشفه. الجوهري: الصحاح 2/ 571 (نبذ).
(3) ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 332، وابن أعثم: الفتوح 1/ 527مع اختلاف يسير.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) عتبة بن أبي سفيان، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولّاه عمر الطائف، ثم ولّاه معاوية مصر حين مات عمرو بن العاص، كان فصيحا خطيبا، مات بمصر. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1029وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 456.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عليكم.
(7) في ج: ممن.
(8) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: أعزل
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: مترلا.
(10) المنقري: وقعة صفين ص 33.(1/515)
(كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص يستحثّه في القدوم عليه) (1):
فكتب معاوية إلى عمرو وهو بفلسطين، أما بعد: فقد كان من أمر علي وطلحة والزّبير ما قد بلغك، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست (2) نفسي عليك. فأقدم على بركة (3) الله تعالى (4).
(مسيرة عمرو بن العاص إلى معاوية ومبايعته) (5):
فقدم عمرو على معاوية، وعرف حاجته إليه، فباعده، وكايد / [36/ أ] كلّ واحد منهما صاحبه. فقال عمرو لمعاوية: أعطني مصر. فتلكأ عليه معاوية، وقال: إنّ مصر كالشّام (6)، قال: بلى ولكنّها إنّما (7) تكون لي إذا كانت لك، وإنّما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق، وقد بعث أهلها بطاعتهم إلى علي. فدخل عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا معاوية! أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي خلصت لك [فليتك] (8) لا تغلب
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: حسبت.
(3) في ج: بركات.
(4) المنقري: وقعة صفين ص 34، وابن أعثم: الفتوح 1/ 520مثله.
انظم عمرو بن العاص إلى معاوية لأنه غير راض عن مقتل عثمان، ولعله كان يودّ أن يخرج المطالبين بدمه فصادفت هذه الرسالة موقعها، بخلاف ما ذكر عنه أنّه دخل مع معاوية طمعا في ولاية مصر. عبد الحميد فقيهي: خلافة علي (رسالة ماجستير) ص 185.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) عند المنقري: وقعة صفين ص 39: مثل العراق.
(7) (إنّما) ليست في: أ، ج.
(8) في الأصل: فيوشك، وفي أ، ب: فيشك، وفي ج: فيسد. والتصحيح من وقعة صفين ص 39.(1/516)
تغلب على الشام (1).
ثم إنّ معاوية ناظر عمرا، فطالت المناظرة بينهما (2)، وألحّ عليه جرير، فقال له معاوية: ألقاك بالفصل في أوّل مجلس إن شاء الله ثم كتب بمصر لعمرو [طعمة] (3). وكتب عليه: لا ينقض (4) شرط طاعة، فقال: عمرو: يا غلام (5)! اكتب: ولا تنقض (6) طاعة، شرطا (7).
فلما اجتمع له أمره (8) رفع عقيرته ينشد ليسمع (9) جرير أنكالا (10):
تطاول (11) ليلي واعترتني وساوسي ... لآت أتى بالترّهات البسابس (12)
__________
ص 39.
(1) هذا الخبر رواه بتفصيل أوسع المنقري: وقعة صفين ص 3937.
(2) في ج: بينهم.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وطلحة. الطّعمة: المأكله. يقال: جعلت هذه الضيعة طعمة لفلان. الجوهري: الصحاح 5/ 1975 (طعم).
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ولا ينقد.
(5) إسمه: وردان. كان ذا رأي وفكر، وله بمصر ولد، وسوق تعرف بسوق وردان.
ابن قتيبة: المعارف ص 287، وابن سعد: الطبقات 4/ 254.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ولا تنقد.
(7) (طاعة، شرطا) هذه الجملة سقطت من: ب.
(8) في الأصل وب: الأمر، وما أثبته من أ، ج. والمبرد: الكامل 1/ 267.
(9) (ليسمع) سقطت من: ب.
(10) (أنكالا) سقطت من: أ، ب. أنكالا: تحذيرا. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1376 (نكل).
(11) في ب، ج: تطاولت.
(12) الترهّات البسابس: الأباطيل. الجوهري: الصحاح 6/ 2229 (تره).(1/517)
أتاني جرير والحوادث جمّة ... بتلك الّتي فيها اجتداع المعاطس (1)
أكابده (2) والسّيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدّنّي (3) بلابس
إن الشام أعطت طاعة يمنيّة (4) ... تواصفها أشياخها في المجالس
فإن يفعلوا أصدم (5) عليا بجبهة (6) ... تفتّ (7) عليه كلّ رطب ويابس
وإنّي لأرجوا خير ما نال نائل ... وما أنا من [ملك] (8) العراق بيائس (9)
(كتاب معاوية إلى عليّ) (10):
وكتب إلى علي رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمّا بعد: [فلعمري] (11) لو
__________
(1) في ب: المعامس. المعاطس: جمع معطس: الأنف. الجوهري: الصحاح 3/ 950 (عطس).
(2) في ب: أكابدك.
(3) في ب، ج: الدنس.
(4) في ب، ج: تمنيه.
(5) في ب، ج: اصدع.
(6) بجبهة: الجبهة جماعة الخيل. الجوهري: الصحاح 6/ 2230 (جبه).
(7) في الأصل: تفتت، وما أثبته من: أ، ب، ج. والمبرد: الكامل 1/ 39.
(8) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: تلك، وفي ب: بتلك.
(9) هذا الخبر بتمامه ذكره المبرد في الكامل 1/ 267، 268، وذكره المنقري: وقعة صفين ص 39دون الشعر.
(10) عنوان جانبي من المحقق.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فلا علم.(1/518)
بايعك (1) القوم الذين بايعوك، وأنت بريء من دم عثمان، كنت كأبي بكر وعمر [وعثمان] (2) رحمة الله عليهم (3). ولكنك أغريت (4) بعثمان المهاجرين، وخذّلت عنه الأنصار، فأطاعك (5) الجاهل، وقوي بك الضّعيف. وقد أبى أهل الشّام إلّا قتالك حتى تدفع إليهم (6) قتلة عثمان، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين. ولعمري ما حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة والزّبير، لأنهما بايعاك ولم أبايعك. وما حجّتك على أهل الشام [كحجتك على أهل البصرة، لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام] (7). وأما شرفك في الإسلام، وقرابتك من النبي عليه السّلام وموضعك من قريش فلست أدفعه (8).
ثم كتب إليه في آخر الكتاب شعر كعب بن جعيل (9)، وهو هذا:
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بايعوك.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) في الأصل رضي الله عنهما، وما أثبته من أ، ب، ج.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اغتريت.
(5) في ب: فأعطاك.
(6) في ج: عليهم.
(7) التكملة من النسخ الأخرى.
(8) (أدفعه) سقطت من: ب.
(9) كعب بن جعيل التغلبي، شاعر أهل الشام، شهد صفين مع معاوية، وعاش حتى وفد على الوليد بن عبد الملك. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 438، وابن حجر:
الإصابة 5/ 321.(1/519)
أرى الشأم تكره (1) أهل العراق ... وأهل العراق [لهم] (2) كارهونا / [36/ ب]
[وكلّا لصاحبه مبغضا ... يرى كلّ ما كان من ذاك دينا
إذا ما رمونا (3) رميناهم ... ودنّاهم مثل ما يقرضونا
فقالوا عليّ إمام لنا ... فقلنا رضينا ابن هند رضينا
وقالوا نرى أن تدينوا لنا ... فقلنا ألا نرى أن ندينا] (4)
ومن دون ذاك خرط القتاد (5) ... وضرب وطعن يقرّ العيونا (6)
(رد عليّ على معاوية رضي الله عنهما) (7):
وكتب إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه جوابه: بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: تركه، وفي ب: تكر.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: كلام، وفي ب: كهم.
(3) سقطت من الأصل، وفي النسخ الأخرى: رمينا، والتصحيح من الكامل للمبرد 1/ 268.
(4) هذه الأبيات الأربعة سقطت من: الأصل، وهي مثبتة في النسخ الأخرى. المبرد:
الكامل 1/ 268.
(5) الخرط: قشر الورق عن الشجر، والقتاد: بالفتح شجر له شوك. الجوهري:
الصحاح 2/ 521 (قتد) 3/ 112 (خرط).
والمقصود من قول الشاعر، إنّ بيعتنا لعلي دونها هول عظيم ولا داعي لأن يظنّ أهل العراق أنّ الوصول إليها سهل.
(6) هذا الخبر أورده المبرد: الكامل 1/ 268، وأبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال ص 160باختصار.
(7) عنوان جانبي من كتاب جمهرة رسائل العرب 1/ 353لأحمد زكي صفوت.(1/520)
من علي بن أبي طالب إلى معاوية [بن صخر] (1)، أما بعد:
فإنّه (2) أتاني منك كتاب إمريء ليس له نظر (3) يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، [وقاده] (4) فاتّبعه، زعمت أنّ ما (5) أفسد عليك بيعتي إلا خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت (6) [إلا] (7) رجلا من المهاجرين. أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا (8)، وما كان الله ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم [بالعمى] (9). وبعد، فما أنت وعثمان؟ إنّما أنت رجل من بني أمية، وبنو (10) عثمان أولى (11) بمطالبة دمه، فإن زعمت أنّك أقوى على ذلك، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم [القوم] (12) إلّي، وأما تمييزك (13)
بينك وبين طلحة والزبير، وأهل الشام وأهل البصرة فلعمري ما الأمر
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) في ب: فإني.
(3) في الأصل: نظير، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: وناداه، وما أثبته من: أ، ب، ج. والمبرد: الكامل 1/ 271.
(5) في الأصل: أنما، والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في ج: ما كنا.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل: وصدرت كما صدروا، وما أثبته من: أ، ب، ج. والمبرد: الكامل 1/ 271.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) في أ، ب: وبنوا.
(11) في ج: أحق.
(12) التكملة من: أ، ب، ج.
(13) في ب: تميّزك.(1/521)
فيما هنالك إلّا [سواء] (1)، لأنّها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النّظر. وأما ما ذكرت من شرفي في الإسلام، وقرابتي من النبي صلى الله عليه وسلم، وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت أن تدفعه لدفعته (2).
ثم دعا (3) النّجاشي (4) أحد بني الحارث بن كعب (5) فقال له:
[إنّ] (6) ابن جعيل، شاعر أهل الشّام، وأنت شاعر أهل العراق [فأجب الرّجل] (7)، فقال: يا أمير المؤمنين! أسمعني قوله، [فقال: إذا] (8)
أسمعك شعر شاعرهم. فقال النجاشي يجيبه:
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: مراء.
(2) نص هذا الكتاب ذكره المبرد: الكامل 1/ 157، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 333مع اختلاف يسير.
(3) من هنا بداية سقط وقع في النسخة: ب.
(4) هو قيس بن عمرو بن مالك الحارثي، سمّي بالنجاشي لأنّ لونه كان يشبه لون الحبش، وفد على عهد عمر، ولازم علي، وكان يمدحه، فجلده في الخمر، ففرّ إلى معاوية، وكان من المعمّرين. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 209، وابن حجر:
الإصابة 6/ 263.
(5) بنو الحارث بن كعب: بطن من قبيلة مذحج، من القحطانية. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 268، كحالة: معجم قبائل العرب 1/ 231.
(6) التكملة من: أ، ج.
(7) التكملة من: أ، ج.
(8) التكملة من: أ، ج.(1/522)
دعن يا معاويّ (1) ما لم (2) يكونا ... فقد حقّق الله ما تحذرونا (3)
أتاكم عليّ بأهل العراق ... وأهل الحجاز فما تصنعونا
وترك ما بعد هذا من القول. كما ترك (4) ما في آخر شعر كعب بن [جعيل] (5) المتقدّم (6).
وكعب بن جعيل هذا [كوفي] (7) جلده علي رضي الله عنه في الخمر، وهو القائل:
جلدوني (8) ثمّ قالوا: قدر (9) ... قدّر الله لهم شرّ [القدر] (10)
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: دعنا يا معاوية.
(2) في أ: ما إن.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: ما تحضرونا.
(4) المقصود أن معاوية أمسك في كتابه عن ذكر شعر كعب بن جعيل الذي فيه ذمّ لعلي، كما أن عليا أمسك عن ذكر شعر النّجاشي الّذي فيه ذم لمعاوية. المبرد:
الكامل 1/ 269، 272.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: جعفر.
(6) هذا الخبر أورده المبرد: الكامل 1/ 272، 271مع اختلاف يسير.
(7) الزيادة من: أ.
(8) التصويب من: أ، ج وفي الأصل: جلدان.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ: قدرا.
(10) التصويب من: أ، وفي الأصل: العذره، وفي ج: القدره. قلت: والصواب أن الذي جلده علي في الخمر في شهر رمضان هو النجاشي الحارثي، وهو صاحب هذا البيت، وقد فرّ إلى معاوية. وليس كما ورد عند المؤلف هنا. عبد الرزاق: المصنف 7/ 382.
رقم (13556) و 9/ 231رقم (1742) والمحلّى 6/ 184والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 321، وتقي الدين الهندي: كتر العمال 5/ 484 (13688) قلعه جي: موسوعة(1/523)
(إعتزال سعد بن أبي وقاص الفتنة) (1):
وكان [سعد] (2) بن أبي وقّاص رضي الله عنه ممنّ قعد ولزم بيته في الفتنة، وأمر أهله ألّا يخبروه من أخبار النّاس بشيء (3)، حتى تجتمع النّاس على إمام واحد (4). فطمع معاوية فيه، وفي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وكانوا ممن تخلّف عن بيعة علي، فكتب إليهم يدعوهم إلى عونه على الطّلب (5) بدم عثمان، ويقول (6) لهم: إنّهم لا يكفّرون ما أتوه من قتله وخذلانه (7) إلّا / بذلك، ويقول: إنّ قاتله وخاذله سواء، في نظم [37/ أ] ونثر (8) كتب به إليهم. فأجابه كل واحد منهم يردّ عليه ما جاء به من ذلك وينكر عليه مقالته، ويعرّفه بأنّه ليس بأهل [لما يطلبه] (9). وكان [في] (10) جواب [سعد] (11) له:
__________
فقه علي ص 95.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: سعيد.
(3) في الأصل: من شيء، وما أثبته من: أ، ج، والاستيعاب.
(4) (واحد) ليست في: أ، ج.
(5) في الأصل: بطلب، وما أثبته من: أ، ج، والاستيعاب.
(6) في الأصل: فقال، وما أثبته: من: أ، ج، والاستيعاب.
(7) في الأصل: وخذله، وما أثبته: من: أ، ج، والاستيعاب.
(8) في أ، ج: نثر ونظم.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: لا بد له.
(10) التكملة من: أ، ج.
(11) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: سعيد.(1/524)
معاويّ داؤك الدّاء العياء ... وليس لما تجيء (2) به دواء
أيدعوني أبو حسن علي ... فلم أردد عليه [بما] (3) يشاء
وقلت له اعطني سيفا بصيرا (4) ... تميزّ به العداوة والولاء
فإنّ الشّرّ أصغره كبير ... وإنّ الظّهر (5) تثقله الدّماء
أتطمع في الّذي أعيا عليا ... على ما قد طمعت به العفاء
ليوم منه خير منك حيا ... وميتا أنت للمرء الفداء (6)
فأماّ أمر عثمان فدعه ... فإنّ الرّأي أذهبه البلاء (7)
(وقعة الجمل) (8):
ثم إنّ الزبير وطلحة رضي الله عنهما استأذنا عليا رضي الله عنه في [العمرة] (9)، فقال لهما: [لعلكما] (10) تريدان البصرة أو الشام؟ فأقسما (1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: سعيد.
__________
(2) في الأصل: تجد، وما أثبته من: أ، ج والاستيعاب.
(3) في الأصل: به، وما أثبته من: أ، ج.
(4) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: وقلب له أعد لي سيفا يسري.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: الدهر.
(6) في الأصل: فداء، وما أثبته من: أ، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 610.
(7) هذا الخبر رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 610، 609وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 216، وذكره المزي: تهذيب الكمال 10/ 313دون الشعر.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: المغيرة.
(10) التكملة من: أ، ج.(1/525)
أنّهما لا يريدان غير [مكة] (1).
وكانت عائشة رضي الله عنها قد خرجت من مكة تريد المدينة بعد مقتل عثمان، فلقيها رجل من أخوالها في الطريق، فقالت له: ما وراءك؟
فقال لها: قتل عثمان واجتمع الناس على علي، قالت: ما أظن ذلك.
ثم قالت: ردّوني. فانصرفت إلى مكة راجعة (2).
ووقع اتفاقهما مع الزبير، وطلحة، وسعيد بن العاص، والوليد ابن عقبة، ويعلى بن أمية، وسائر بني أميّة. أن يخرجوا إلى الشّام، فصدهم ابن عامر، وقال: إنّ به معاوية، ولا ينقاد إليكم، ولكن البصرة (3).
فأزمعوا (4) على البصرة، فخرجوا إليها مع من تبعهم، وأخذوا [على] (5) ذات عرق (6). فقدموا البصرة وكان واليها من قبل علي عثمان
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: طلحة. والخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 2/ 366.
(2) الطبري: تاريخ 4/ 449من طريق سيف بن عمر.
(3) ابن قتيبة: المعارف ص 208، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 366، والبلاذري:
أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 221بتفصيل أوسع.
(4) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: فاعزموا. أزمعوا: أجمعوا عزمهم عليه. الجوهري:
الصحاح 3/ 1226 (زمع).
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: إلى.
(6) ذات عرق: مهلّ أهل العراق، وهو الحدّ بين نجد وتهامة. ياقوت: معجم البلدان 4/ 107.(1/526)
ابن حنيف الأنصاري، فأخرجه طلحة والزبير (1).
وخرج علي من المدينة إلى الكوفة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين. (2)
فأخذ على [فيد] (3). وخرج (4) مع علي من المدينة ستمائة، وخرج معه من طيء ستمائة. (5)
واتبعه أناس (6)، حتى انتهى إلى ذي قار (7)، فخرج (8) إليه أهل الكوفة. ثم سار (9) منها إلى البصرة، فالتقوهم طلحة والزبير وعائشة رضي
__________
(1) انظر تفصيلات الخبر عند الطبري: تاريخ 4/ 453، 470460.
(2) الطبري: تاريخ 4/ 478.
(3) الزيادة من: أ، ج. وانظر الطبري: تاريخ 4/ 480فيد: بلد في نصف طريق مكة من الكوفة، يقع جنوب مدينة حائل. ياقوت: معجم البلدان 4/ 282، محمد شراب:
المعالم الأثيرة ص 219.
(4) في الأصل وأ: فخرج، وما أثبته من: ج.
(5) المسعودي: مروج الذهب 2/ 367إلا أنه يذكر: سبعمائة راكب من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدريا. وانظر البلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 233، والطبري: تاريخ 4/ 506.
(6) في أ: ناس، وفي ج: الناس.
(7) ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. ياقوت: معجم البلدان 4/ 293ويقع اليوم في محافظة ذي قار (الناصرة سابقا). عمّاش: من ذي قار إلى القادسية ص 49.
(8) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: فأخرج.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: صار.(1/527)
الله عنهم (1)، فاقتتلوا قتالا شديدا، وذلك في جمادى الآخر. (2)
حتى ظهر علي، وقتل [طلحة، وأخوه عبد الرحمن (3)، والزبير، وقتل محمد بن] (4) طلحة، / وذلك يوم الجمل [37/ ب]
وفي محمد هذا، قال علي ذلك اليوم: لا تقتلوا صاحب البرنس (5)
الأسود، فإنّه أخرج وهو كاره (6).
ومرّ به علي رضي الله عنه وهو مقتول، فقال: قتل هذا برّه بأبيه (7) يعني
__________
(1) في الأصل: عنها، وما أثبته من: أ، ج.
(2) في ج: الأخيرة. وانظر التفاصيل عند خليفة: تاريخ ص 184، 185، والطبري:
تاريخ 4/ 499، 501، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 368، 377
(3) عبد الرحمن بن عبيد الله، القرشي التيمي، أخو طلحة، له صحبة وقتل يوم الجمل مع أخيه. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 839، وابن حجر: الإصابة 4/ 169.
(4) التكملة من: أ، ج. ومحمد بن طلحة، ولد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى به أبوه طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح رأسه وسمّاه محمدا، كان كثير العبادة، وكان يقال له: السجّاد.
ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1371، وابن حجر: الاصابة 6/ 57
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: البرنوس. والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، وقيل: إنه غير عربي. ابن منظور: لسان العرب 6/ 26 (برنس).
(6) روى مثله الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 375وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1372مثله.
قال ابن حجر: روى عمر بن شبه في كتاب الجمل له من طريق داود بن أبي هند قال: كان على محمد بن طلحة يوم الجمل عمامة سوداء، فقال علي: لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء، فإنّما أخرجه برّه بأبيه. فتح الباري 8/ 554.
(7) في ج: بوالده. والخبر عند مصعب الزبيري: نسب قريش ص 281، وابن سعد:(1/528)
محمد بن طلحة [بن عبيد الله] (1). كان يقال له: السّجاد (2).
قال مالك رضي الله عنه: [بلغني] (3) أن طلحة بن عبيد الله وابنه محمد رضي الله عنهما [قتلا يوم الجمل] (4) فاختصموا في ميراثهما (5)، فلم يورّث واحد منهما من صاحبه شيئا (6).
__________
الطبقات 5/ 55مثله. وأبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 57، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1372، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 322ونقل ابن حجر عن البغوي مثله. الاصابة 6/ 57.
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: عبد الله.
(2) وذلك لكثرة صلاته وشدّة اجتهاده في العبادة. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 322.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: يلتقى.
(4) التكملة من: أ، ج.
(5) في الأصل: موارثهما، وما أثبته من: أ، ج.
(6) لأنه لم يعلم أيهما قتل قبل صاحبه، ولأنّ شرط التّوريث حياة الوارث بعد موت المورّث، وهو غير معلوم، ولا يثبت التّوريث مع الشّك في شرطه. لذلك لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا. وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتهما. يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء. وهذا ما ذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة، واحتجّوا بما روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل، ويوم صفين، ويوم الحرة. فلم يورّث أحد منهم من صاحبه شيئا إلا من علم أنّه قتل قبل صاحبه.
رواه مالك في: الموطأ 2/ 520، 521برواية يحي بن يحي الليثي، والبيهقي: السنن الكبرى 6/ 222، وابن قدامة: المغني 9/ 171، 172.(1/529)
(استشهاد الزبير رضي الله عنه) (1):
وقتل الزّبير رضي الله عنه، قتله [عمرو] (2) بن جرموز، وكان قد [تنحّى] (3) عن القتال. (4)
وجاء عمرو يستأذن على علي رضي الله عنه، فقال: ليدخل النّار (5).
سمعت (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لكلّ نبي حواري، وإنّ حواري (7)
الزّبير» (8).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: عمر. عمرو بن جرموز التّميمي، وقيل: عمير، عاش حتى ولي مصعب بن الزبير البصرة، فاختفى ابن جرموز، فقال مصعب: ليخرج فهو آمن، أيظنّ أني أقيّده بأبي عبد الله يعنى أباه الزّبير ليسا سواء. ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 100.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: انتحر.
(4) انظر تفصيلات الخبر عند ابن أبي شيبة: المصنف 15/ 273رقم (19644) والفسوي: المعرفة والتأريخ 3/ 311، 312، والطبري: تاريخ 4/ 534، 535، وابن حجر: المطالب العالية: 4/ 300.
(5) عند أحمد: المسند مع منتخب كتر العمال 1/ 102، 103وابن سعد: الطبقات 3/ 105: ليدخل قاتل ابن صفيّة النار.
(6) إلى هنا انتهى السقط من النسخة: ب.
(7) حواريّ: أي خاصّتي من أصحابي وناصري. ابن الأثير: النهاية 1/ 457.
(8) أخرجه البخاري: (الصحيح مع الفتح) 7/ 79رقم (3719) عن جابر بن عبد الله، وأحمد: المسند مع منتخب كتر العمال 1/ 89، 102، 103، والطبراني: المعجم الكبير 1/ 83رقم (243) والترمذي: سنن 5/ 646رقم (3744) وقال: حديث حسن صحيح. وابن سعد: الطبقات 3/ 105، وصححه الحاكم: المستدرك مع(1/530)
وكتب مصعب بن الزبير إلى أخيه عبد الله: قد حبست (1) ابن جرموز قاتل الزّبير. فكتب إليه: بئس (2) ما صنعت، ما كنت لأقبل بالزبير أعرابيا (3) من بني تميم (4)، خلّ سبيله فخلىّ سبيله (5). فخرج إلى [السّواد] (6)، فرفع على نفسه (7) رحا، فقتل نفسه (8).
وكانت وقعة الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة (9)
سنة ست وثلاثين (10).
__________
التلخيص 3/ 367ووافقه الذهبي.
(1) في ج: حبسنا.
(2) في ب: قيس.
(3) في الأصل: أعرابي، وما أثبته من أ، ب، ج.
(4) بنو تميم: قبيلة من طابخة، وطابخة من عدنان، وهم بنو تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة.
القلقشندي: نهاية الأرب ص 188.
(5) (فخلى سبيله) سقطت من: ب.
(6) الصواب ما أثبته من الذهبي: سير 1/ 64، وتأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 508، وفي الأصل: أسد، وفي أ، ب: السرى، وفي ج: الأسرى.
(7) في ب: لنفسه.
(8) انظر الذهبي: سير 1/ 64، 65وتأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 508.
وقال ابن الأثير: كثير من النّاس يقولون: سنّ ابن جرموز قتل نفسه، لما قال له علي:
بشر قاتل ابن صفية بالنار. وليس كذلك. أسد الغابة 2/ 100.
(9) في الأصل: الآخر، ما أثبته من: أ، ب، وفي ج: الأخيرة.
(10) الطبري: تاريخ 4/ 534من طريق الواقدي. وخليفة: تاريخ ص 181.(1/531)
وكان الجمل يسمّى عسكرا (1). كان ليعلى (2) بن أميّة اشتراه بثمانين دينارا. (3) وقيل مائتين. (4) وحمل عليه عائشة رضي الله عنها.
(يعلى بن أمية) (5):
وكان يعلى بن أمية هذا على الجند، فبلغه قتل عثمان، فأقبل لينصره (6)، فسقط عن بعيره في الطريق، فانكسرت (7) فخذه. فقدم مكة بعد انقضاء الحجّ، فخرج إلى المسجد وهو كسير (8) على سرير، واستشرف إليه (9) النّاس، واجتمعوا، فقال: من خرج يطلب دم عثمان فعلىّ (10) جهازه (11).
__________
(1) البلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 222، والطبري: تاريخ 4/ 452، والمسعودي: مروج الذهب ص 366.
(2) في ج: يعلى.
(3) الطبري: تاريخ 4/ 452.
(4) الطبري: تاريخ 4/ 507من طريق سيف. والمسعودي: مروج الذهب 2/ 366، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1587.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في الأصل: ينصره، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر.
(7) في الأصل: فانكسر، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: كبير.
(9) في أ، ب: عليه.
(10) في الأصل: عليه، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر.
(11) أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1586، 1587، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 747.(1/532)
فذكر أنه أعان الزبير بأربعمائة (1) ألف، وحمل سبعين رجلا من قريش، وحمل عائشة رضي الله عنهما على الجمل المذكور، وشهد معها الجمل. ثم شهد (2) بعد ذلك صفيّن مع علي، وقتل بصفين (3).
وكان شيخا معروفا بالسّخاء (4). وكان أبو بكر رضي الله عنه استعمله على بلاد (5) حلوان في الرّدة، ثم عمل لعمر رضي الله عنه على بعض اليمن، فحمى لنفسه (6) [حمى] (7) فبلغ ذلك عمر، فأمره أن يمشي على رجليه (8) إلى المدينة. فمشى خمسة أيام، أو ستة إلى [صعدة] (9)، وبلغه موت عمر،
__________
(1) في أ، ب: باربع مائة.
(2) في الأصل وب: وشهد، وما أثبته من: أ، ج.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1587، قلت: واستبعد ابن حجر أن يكون يعلى من قتلى صفين، وقال: ويدل على تأخّر موته أنّ النسائي أخرج من طريق عطاء عن يعلى بن أمية قال: دخلت على عنبسة بن أبي سفيان وهو في الموت، وقد ذكر خليفة وغيره أن عنبسة مات سنة سبع وأربعين. الاصابة 6/ 353، وقال الذهبي: بقي إلى قريب الستين، فما أدري أتوفي قبل معاوية أو بعده. سير 3/ 101، وانظر المزي:
تهذيب الكمال 3/ 381.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: في السّخاء.
(5) في الأصل: بلد، وما أثبته من: أ، ب، ج. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1586.
(6) في الأصل وأ: بنفسه، وما أثبتهه من: ب، ج. وابن عبد البر.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) في ج: رجله.
(9) في الأصل: البعده، وفي أ، ب، ج: الصعدة، والصواب من الاستيعاب 4/ 1586وصعدة: بالفتح ثم السكون، مخلاف باليمين بينه وبين صنعاء ستون فرسخا. ياقوت: معجم البلدان 3/ 406.(1/533)
فركب وقدم (1) المدينة على عثمان رضي الله عنهما. (2)
فاستعمله على صنعاء. (3)
ثم قدم وافدا (4) على عثمان، فمرّ علي رضي الله عنه بباب عثمان فرأى بغلة جوفاء (5) عظيمة، / فقال: لمن هذه البغلة؟ فقالوا: ليعلى. قال: [38/ أ] ليعلى والله! (6).
وكان عظيم الشأن عند عثمان رضي الله عنه، وله يقول الشاعر:
إذا ما دعى يعلى وزيد بن ثابت ... لأمر ينوب النّاس أو لخطوب (7)
(عدد قتلى يوم الجمل) (8):
وقتل يوم الجمل بشر كثير من قريش وغيرهم، ولم [يحصوا] (9).
__________
(1) في ب: وبلغ.
(2) في ب: عنهم، وفي ج: عنه.
(3) وبقي يعلى رضي الله عنه عاملا لعثمان على صنعاء حتى استشهد عثمان رضي الله عنه. الطبري: تاريخ 4/ 421بتصرف.
(4) في ج: وفدا.
(5) جوفاء: الجوفاء من الدّواب: الذي يصعد البلق حتى يبلغ البطن. الجوهري:
الصحاح 4/ 1340 (جوف) والبلق: السّواد والبياض، وارتفاع التّحجيل إلى الفخذين. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1122 (بلق).
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقالوا ليعلى والله. قال: ليعلى.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1586.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يحجبوا.(1/534)
[وذكر المسعودي] (1): أنّه قتل يوم الجمل من أهل الجمل وأهل البصرة وغيرهم ثلاثة عشر ألف رجل، ومن أصحاب علي خمسة آلاف (2).
(نداء علي بعد الحرب) (3):
ونادى منادي [علي] (4) ذلك اليوم: (5) لا يقتل أسير، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن طرح السّلاح فهو آمن (6).
ورجعت عائشة رضي الله عنها إلى المدينة (7).
وقام علي بالبصرة خمسة عشر يوما (8).
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
المسعودي: هو علي بن الحسين بن علي، عداده في البغاددة، ونزل مصر مدة، كان أخباريا شيعيا معتزليا، كتبه طافحة بذلك، مات سنة ست وأربعين وثلث مئة.
الذهبي: سير 15/ 569وابن حجر: لسان الميزان 4/ 224، 225.
(2) المسعودي: مروج الذهب 2/ 360، 380، والتنبيه والإشراف ص 295.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) (ذلك اليوم) سقطت من: ب.
(6) رواه عبد الرزاق: المصنف 10/ 123، 124رقم (18590، 18591) وابن أبي شيبة: المصنف 15/ 286رقم (19679) والحاكم: المستدرك مع التلخيص 2/ 155، والبلاذري: أنساب الأشراف، (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 262.
(7) التفصيلات عند الطبري: تاريخ 4/ 544.
(8) عند ابن أعثم: الفتوح 1/ 495: أيام قلائل. وعند المسعودي: مروج الذهب 2/ 360: شهر.(1/535)
(مسيره إلى الكوفة بعد الحرب) (1):
وسار (2) إلى الكوفة وخلّف على البصرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه. (3)
وكان خلّف على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري، وكتب إليه أن يقدم عليه، ويولي على المدينة أبا حسن (4) [المازني] (5). فقدم عليه، ثم شهد معه صفين (6).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: صار.
(3) في أ، ب، ج: عنهم. ابن قتيبة: المعارف ص 209، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 381.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: أبا حسين. والصواب ما أثبته من مصادر ترجمته.
واسمه تميم بن عبد عمرو المازني. أبو نعيم: معرفة الصحابة 2/ 208وابن الأثير:
أسد الغابة 1/ 260، انظر اليعقوبي: تاريخ 2/ 181لكنه لا يذكر استخلاف علي لسهل بن حنيف أولا.
وأبو الحسين المازني مدني، شهد العقبة وبدرا، بقي إلى زمن علي بن أبي طالب.
انظر ابن عبد البر: الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى 1/ 54، والذهبي: تجريد أسماء الصحابة 1/ 59، 2/ 159وابن حجر: الإصابة 7/ 43.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: المزاني. المازني: هذه النسبة إلى مازن الأنصار، وهو مازن بن النجار، واسمه تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ابن حارثة بن ثعلبة، بطن كبير من الأنصار، ثم من الخزرج ثم من بني النجار. ابن الأثير:
اللباب 3/ 145.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 663.(1/536)
فقدم (1) عليّ الكوفة، وأقام بها، وولّى ولاته (2).
وكتب إلى البلدان يخبرهم بما فتح الله عليه، ويرغبّهم في الجماعة والطاعة (3).
واتصلت بيعة علي بالكوفة وغيرها من الأمصار، وكانت الكوفة أسرعها إجابة إلى بيعته.
وقدم ببيعته إليها يزيد بن عاصم (4)، وأخذ له البيعة على أهلها أبو موسى الأشعري (5)، حين [تكاثر] (6) الناس عليه. وكان عاملا عليها لعثمان.
(وقعة صفين) (7):
ثم خرج علي رضي الله عنه إلى صفين، وولى الكوفة أبا مسعود البدري (8).
__________
(1) في ج: ثم قدم.
(2) ولىّ ولاته على البلاد التي كانت في يده من العراق والجبال وخراسان والجزيرة.
ابن أعثم: الفتوح 1/ 499أما الولايات الأخرى فقد فرق علي عماله عليها في أول سنة ست وثلاثين قبل وقعة الجمل. انظر الطبري: تاريخ 4/ 442.
(3) انظر كتابه إلى عامله بالكوفة عند الطبري: تاريخ 4/ 542.
(4) لم أقف على ترجمته.
(5) الطبري: تاريخ 4/ 442، 443من طريق سيف، لكنه يذكر معبد السّلمي بدلا من يزيد بن عاصم، وذلك قبل وقعة الجمل.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اتكال.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) الخبر عند خليفة: تاريخ ص 182واسم أبي مسعود: عقبة بن عمرو بن ثعلبة(1/537)
وخرج معاوية مع أهل الشام.
(عدد جيش معاوية رضي الله عنه) (1):
قال ابن قتيبة (2): سار معاوية في ثلاثة وثمانين (3) ألفا حتى نزل صفين، فسبق إلى سهولة الأرض، وسعة المناخ، [وقرب الفرات] (4) وبنى قصرا لبيت ماله (5)، وكتب إلى علي يخبره بمسيره (6).
__________
الأنصاري، الخزرجي، مشهور بكنيته، ويعرف بأبي مسعود البدري لأنه رضي الله عنه كان يسكن بدرا، شهد العقبة وهو صغير، وشهد أحدا وما بعدها من مشاهد، ومات في خلافة معاوية. ابن سعد: الطبقات 6/ 16وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1074وابن حجر: الإصابة 4/ 252.
البدري: نسبة إلى بدر، وهي إسم بئر بين مكة والمدينة كانت بها الوقعة المشهودة، وهذه البئر تنسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة. السمعاني: الأنساب 1/ 295 وهي الآن بلدة كبيرة عامرة على بعد حوالي 150كيل من المدينة النبوية. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 44.
(1) عنوان جانبي من المحقق
(2) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد الدينوري، كان ثقة دّينا فاضلا، ولي قضاء الدّينور، وهو من المنتصرين لمذهب أهل السنة، ولد وتوفي ببغداد، وأقام بالدينور مدة فنسب إليها، كانت وفاته سنة ست وسبعين ومائتين. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 170، وابن تيمية: مجموع الفتاوى 17/ 391، 392والذهبي: سير 13/ 296.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وثلاثين.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) هذه العبارة ليست في: ب، ولا في كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 1/ 93.
(6) هذا الخبر نقله المؤلف من كتاب الإمامة والسياسة، المنسوب لابن قتيبة 1/ 93(1/538)
(عدد جيش علي رضي الله عنه) (1):
وخرج (2) علي رضي الله عنه من الكوفة في مائة ألف وتسعين ألفا (3)، حتى
__________
دون الإشارة إليه. وكتاب الإمامة والسياسة من الكتب المنسوبة لغير أصحابها، فهو منسوب إلى ابن قتيبة رحمه الله ومدسوس عليه لأنّه مشحون بالجهل والغباوة والركّة والكذب والتّزوير، ولأن منهج وأسلوب كاتبه يخالف منهج وأسلوب ابن قتيبة، ولأن الكتاب يشعر بأنّ مؤلفه أقام بدمشق والمغرب في حين أن ابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى الدّينور، ولأن مؤلفه يروي عن أبي ليلى، وأبو ليلى: كان قاضيا بالكوفة سنة ثمان وأربعين ومائة قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة، ولأن الكتاب ذكرت فيه أمور بعد موت ابن قتيبة، واشتمل على أخطاء تأريخية واضحة، مثل فتح موسى بن نصير لمرّاكش مع أن هذه المدينة شيّدها يوسف بن تاشفين سنة خمس وخمسين وأربع مائة. ثم إنّ الذين ترجموا لإبن قتيبة لم يذكروا له كتابا بهذا الإسم. لكن الإشارة إلى الكتاب كانت قبل منتصف القرن الذي عاش فيه ابن الكردبوس، فقد أشار إليه القاضي ابن العربي (ت 543) في العواصم ص 248ويبدو أن ابن العربي رحمه الله شك في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة بدليل أنّه عقبّ على كلامه فيه بقوله: (إن صحّ عنه جميع ما فيه) العواصم ص 248ولو ثبت لديه أنّ الكتاب ليس لابن قتيبة لما تحامل عليه.
انظر التفاصيل عند محب الدين الخطيب: تعليقه على كتاب الميسر والقداح لابن قتيبة ص 2423وتعليقه على كتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي ص 245، 248، وعبد الله عسيلان: كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق ص 10، 14 وما بعدها.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب، ج: فسار.
(3) هذا العدد فيه مبالغة، والراجح خمسين ألفا. خليفة: تاريخ ص 193.(1/539)
نزل صفين (1).
(القتال على الماء) (2):
فبعث معاوية إلى [أبي] (3) الأعور السّلمي بمن معه ليحولوا (4) بين عليّ وبين الفرات. وأنّ أهل العراق لما نزلوا بعثوا غلمانهم ليستقوا لهم من الفرات، فحالت بينهم وبين الماء خيل معاوية، فانصرفوا، فسار (5) النّاس إلى عليّ رضي الله عنه، فأخبروه، فقال علي للأشعث: اذهب إلى معاوية، فقل (6)
له: إنّ الذي جئنا (7) إليه غير الماء، ولو سبقنا إليه لم نحل بينك وبينه، فإن (8) شئت خّليت عن الماء، وإن شئت تأخرّنا عنه، ونترك ما [38/ ب] جئنا إليه.
فانطلق الأشعث حتّى أتى (9) معاوية، فأعلمه. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال رجل: نرى أن نقتلهم عطشا، كما قتلوا عثمان
__________
(1) كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 1/ 93.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التكملة من المحقق.
(4) في أ، ب، ج: ليحول.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فصار.
(6) في الأصل: وقل، وما أثبته من: أ، ب، ج والإمامة والسياسة.
(7) في الأصل: جئت، وما أثبته من: أ، ب، ج والإمامة والسياسة.
(8) في ب: وإن.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إذا أتا.(1/540)
ظلما. فقال عمرو بن العاص: [لا تظنّ] (1) يا معاوية [أنّ] (2) عليا يظمأ (3)
وفي يده أعنّة (4) الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت. فخلّ عن القوم يشربوا. (5) فقال معاوية: هذا والله أوّل الظّفر، لاسقاني الله من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) إن (7) شربوا منه حتى يغلبوني عليه. فقال عمرو:
هذا أوّل الجور أما تعلم (8) أنّ فيهم العبد والضّعيف ومن لا ذنب له؟
لقد شجّعت الجبان، وحملت من لا يريد قتالك [على] (9) قتالك (10).
ولمّا غلب معاوية على الماء اغتمّ عليّ لما فيه النّاس من العطش، فخرج ليلا والنّاس يبكون بعضهم لبعض، مخافة أن يغلب (11) أهل الشّام
__________
(1) التكملة من: ج.
(2) الزيادة من كتاب الإمامة والسياسة 1/ 94.
(3) في الأصل: يظمؤا، والمثبت من النسخ الأخرى.
(4) أعنّة: جمع عنان. يقال عننت الفرس: حبسته بعنانه. الجوهري: الصحاح 6/ 2166 (عنن).
(5) في الأصل: يشربون، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(6) في أ، ج: الرسول عليه السلام، وفي ب: الرسول عليه الصلاة والسلام.
(7) (إن) سقط من: ب.
(8) في الأصل: علمت، وما أثبته من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: عن.
(10) الإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة 1/ 94، وقارن بما ورد عند المنقري:
وقعة صفين ص 163، 164، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 385.
(11) في الأصل: يغلبوا، والمثبت من: أ، ب، ج، والإمامة والسياسة: 1/ 94.(1/541)
على الماء.
قال الأشعث: يا أمير المؤمنين! أيمنعنا (1) القوم الماء وأنت فينا، ومعنا السيوف [خلّ بيننا وبين القوم] (2)، فو الله لا أرجع إليك حتى أرده، أو أموت دونه. وأمر الأشتر أن يعلو الفرات في الخيل، حتى آمره بأمري.
فقال علي رضي الله عنه: ذلك إليك.
فانصرف [الأشعث] (3)، فنادى في الناس: من كان يريد الماء فميعاده الصّبح، فإنّى ناهض إلى الماء. فأجابه بشر. فتقدم الأشعث في الرجّالة والأشتر في الخيل، حتى وقفوا (4) على الفرات، فلم يزل الأشعث يمضي حتى خالط القوم، ثم [حسر] (5) رأسه، [ونادى] (6): أنا الأشعث، خلّوا عن الماء، فقال أبو الأعور: أما والله حتّى تأخذنا وإياكم السيوف.
فقال: أظنها واقعة قد دنت منّا ومنكم. وبعث الأشعث إلى الأشتر: أن أقحم (7) الخيل، فأقحمها الأشتر حتى وضعت سنابكها (8) في [الفرات] (9).
__________
(1) في الأصل: أيمنعون، والمثبت من: أ، ب، ج، والإمامة والسياسة.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) سقط من الأصل، وفي أ، ب، ج: الأشتر. والتصويب من كتاب الإمامة والسياسة 1/ 94، والمنقري: وقعة صفين، ص 166.
(4) في الأصل: اوقفوا، والمثبت من: أ، ب، ج. وفي الإمامة والسياسة 1/ 94وقفا.
(5) في الأصل: جمر، وفي ح: حصر، وما أثبته من: أ، ب. والإمامة والسياسة.
(6) في الأصل: وقال. والمثبت من: أ، ب، ج. والإمامة والسياسة.
(7) في الأصل: اقتحم، والمثبت من: أ، ب، ج.
(8) السّنابك: جمع سنبك، وهو طرف مقدّم الحافر. الجوهري: الصحاح 4/ 1589 (سبك).
(9) في الأصل: الماء، والمثبت من: أ، ب، ج. والإمامة والسياسة.(1/542)
وحمل الأشعث في الرجّالة، فأخذت القوم السيوف، فانكشف أبو الأعور وأصحابه (1).
وبعث الأشتر إلى علي رضي الله عنه، هلمّ أمير المؤمنين فقد غلب الله [لك] (2) على الفرات. فلماّ غلب (3) أهل العراق، شمت عمرو بن العاص بمعاوية، وقال: ما ظنّك إن منعك علي من الماء كما منعته أمس؟ أتراك صارفهم (4) كما صرفك؟ قال معاوية: دع عنك ما مضى، [فما ظنّك فيما بقي] (5)؟ قال: ظنّي أنّ عليا لا يستحلّ منك ما استحللت منه، فإنّ الذي جاء له غير الماء (6).
فمكث النّاس أيام صفين [يغدون] (7) للقتال / ويروحون. فأمّا [39/ أ] القتال الذي كان فيه الفناء فثلاثة أيام. وأعظمها اليوم الذي قتل فيه عمّار ابن ياسر (8)، وهو اليوم الذي كان فيه البلاء العظيم (9).
__________
(1) الخبر في الإمامة والسّياسة 1/ 94، والمنقري: وقعة صفين ص 167166بتفصيل أكثر.
(2) التكملة من كتاب الإمامة والسياسة 1/ 94.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: غلبوا.
(4) في ب: صارفيهم، وفي كتاب الإمامة والسياسة 1/ 95: أتراك ضاربهم كما ضربوك؟
(5) الزيادة من: ج.
(6) الإمامة والسياسة 1/ 95، 94، وانظر المنقري: وقعة صفين ص 186، واليعقوبي:
تاريخ 2/ 188مختصرا.
(7) في الأصل: يقدمون للقتال، والمثبت من النسخ الأخرى. الإمامة والسياسة 1/ 95.
(8) (ابن ياسر) سقط من: أ، ب، ج.
(9) الإمامة والسياسة 1/ 95.(1/543)
(استشهاد عمّار بن ياسر رضي الله عنه) (1):
قال أبو عبد الرحمن السّلمي واسمه: عبد الله بن حبيب (2):
شهدنا مع علي [رضي الله عنه] (3) صفين، فرأيت عمّار بن ياسر شيخا آدم طوّالا (4) والحربة (5) في يده، ويده ترعد (6)، قال: قد قاتلت بهذه الرّاية يعني راية علي (7) رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة.
ثم (8) لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفّين إلا رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعونه (9)، كأنّه علم لهم. وسمعت [عمّار] (10) يقول يومئذ لهاشم
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) عبد الله بن حبيب بن ربيعة، مقريء الكوفة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة ثبت، مات بعد السبعين. الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 9/ 430، والذهبي: سير 4/ 267، وابن حجر: تقريب ص 299.
(3) الزيادة من: ج.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: طويلا.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: والحرب.
(6) في الأصل: ترتعد. والمثبت من: أ، ب، ج. وأحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال). 3/ 319، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 384.
(7) من هنا بداية سقط كبير من نسخة: ج.
(8) (ثم) سقط من: أ.
(9) في ب: يتبعون له.
(10) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: عمرو.(1/544)
يقول يومئذ لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان هاشم على الرّجالة (1)، وهو ابن أخي سعيد بن أبي وقاص: تقدّم، الجنّة تحت الأبارقة (2)، اليوم ألقى (3) الأحبّة (4) محمدا [وحزبه] (5).
[والله] (6) لو هزمونا حتى يبلغوا (7) بنا شعاب (8) هجر (9) لعلمنا أنّا على الحقّ وهم على الباطل، ثم قال:
نحن ضربناكم (10) على تنزيله ... فاليوم (11) نضربكم على تأويله
__________
(1) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: الراحلة.
(2) الأبارقة، والبارقة: جمع بارق، وهي السيوف. الجوهري: الصحاح 4/ 1449 (برق) وابن دريد: الاشتقاق ص 447.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: لنا.
(4) (الأحبّة) سقطت من: ب.
(5) التكملة من: أ، ب.
(6) التكملة من: أ، ب.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: يبلغ.
(8) عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1139سعفات. شعاب: بكسر أوّله، جمع شعب وهو الطريق في الجبل، ومسيل الماء في بطن أرض، أو ما انفرج بين الجبلين.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 130 (شعب).
(9) هجر: بفتح أوله وثانيه، مدينة، وهي قاعدة البحرين. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 293، وإنّما خصّ هجر للمباعدة في المسافة. ابن الأثير: النهاية 2/ 368.
(10) في أ: ضربنا.
(11) في الأصل: اليوم، والمثبت من أ، ب. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1139.(1/545)
ضربا يزيل الهام عن مقيله (1) ... ويذهب (2) الخليل عن خليله
ويرجع الحقّ إلى سبيله
قال: فلم (3) أر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا في مواطن ما قتلوا يومئذ (4).
ثم حمل عمّار فحمل عليه ابن [جزء] (5) السّكسكي (6)، وأبو الغادية: [يسار بن سبع الجهني]. (7) ويقال: المزني (8). وكانت له
__________
(1) الهام: جمع هامة، وهي أعلى الرأس. ومقيله: موضعه، مستعار من موضع القائلة.
ابن الأثير: النهاية 4/ 134.
(2) عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1139: ويذهل.
(3) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: فلما.
(4) هذا الخبر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1138، 1139، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 631عن أبي عبد الرحمن السّلمي، مختصرا. وأورده المنقري: وقعة صفين ص 341 342والطبري: تاريخ 4/ 39، 40، مع اختلاف في الرواية. ورواه أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 4/ 319، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 384كل منهما بإسناده إلى عبد الله بن سلمة، مختصرا. وأورده الهيثمي: مجمع الزوائد 7/ 242، 243وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير عبد الله بن سلمة، وهو ثقة.
(5) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: حزب. وعند ابن سعد: الطبقات 3/ 261، والبلاذري:
أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 311، 318: حويّ السّكسكي.
(6) السّكسكي: نسبة إلى السكاسك بطن من كندة. السيوطي: لبّ اللباب 2/ 21.
(7) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: يسر بن سبع الجهني. أبو الغادية: يسار بن سبع، مشهور بكنيته، سكن الشّام ونزل واسط، يعدّ في الشّاميين، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1582، 1725، وابن حجر: الإصابة:
7/ 147. الجهني: نسبة إلى جهينة، قبيلة من قضاعة. السيوطي: لبّ اللباب 1/ 225.
(8) قال ذلك ابن سعد: الطبقات 3/ 259، 261.(1/546)
صحبة، وكان يفرط في حبّ عثمان رضي الله عنه، فطعنه أبو الغادية، واحتز رأسه ابن جزء.
فدفنه علي في ثيابه، ولم يغسّله (1).
وروى أهل الكوفة أنّه صلىّ عليه (2)، وهو مذهبهم في الشهداء أنّهم لا يغسّلون، ولكن يصلّى عليهم (3).
(عمار بن ياسر رضي الله عنه) (4):
وكان سنّ [عمّار] (5) رضي الله عنه، يومئذ ثلاثا (6) وتسعين سنة (7).
__________
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/ 272، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1139، 1141.
(2) في أ، ب: صلى الله عليه وسلم، وانظر خبر صلاة علي على عمار وهاشم بن عتبه، عند البيهقي:
السنن الكبرى 4/ 17، وأورده تقي الدين الهندي: كتر العمال 15/ 713.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1141، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 632قلت: من قتل من أهل العدل كعمار بن ياسر في معركة غير معركة المشركين، فحكمه في الغسل حكم من قتل في معركة المشركين، لأن عليا رضي الله عنه لم يغسّل من قتل معه.
البيهقي: السنن الكبرى 4/ 17، وابن قدامة: المغني 3/ 474. أما الصّلاة عليهم فقد اختلف أهل العلم في ذلك: فالحنفية يرون الصّلاة عليهم لأن عليا صلّى عليهم، والمالكية والشافعية يرون أن لا يصلى عليهم تشبيها بشهداء معركة المشركين في الغسل، فكذلك في الصلاة. ابن رشد: بداية المجتهد 1/ 296، وابن قدامة: المغني 3/ 467، 475.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: عمر.
(6) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: ثلاثة.
(7) ابن سعد: الطبقات 3/ 264والبلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 314كلاهما عن الواقدي. وقال: هو الثبت.(1/547)
وقيل: غير ذلك (1).
وهو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن [قيس] (2)
بن الحصين.
ويقال: ابن [الوذيم] (3) بن ثعلبة بن [عوف] (4) بن حارثة بن عامر بن [يام] (5) بن [عنس] (6) بن مالك بن أدد بن زيد [العنسي] (7)
[المذحجي] (8).
أمّه سمية بنت خياط (9) وقد تقدّم ذكرها (10).
هاجر [عمّار] (11) إلى أرض الحبشة، وصلّى القبلتين، وهو من
__________
(1) فقيل: إحدى وتسعين. وقيل اثنتين وتسعين سنة. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1141، وقيل أربع وتسعين سنة. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 631.
(2) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: قبيل.
(3) في الأصل: ودين، وما أثبته من: أ، ب. ابن سعد: الطبقات 3/ 246، وابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1588، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 405.
(4) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: عفو.
(5) في الأصل: فدى، وفي أ، ب: قام، والتصويب من ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1588.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: عمر.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: العبيري. العنسي: هذه النسبة إلى عنبس ابن مالك بن أدد، وهو حي من مذحج. ابن الأثير: اللباب 2/ 362.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: المدعجي.
(9) في الأصل: الخيّاط، والمثبت من: أ، ب.
(10) انظر ص:
(11) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: عمر.(1/548)
المهاجرين الأولين. وعذب في الله عز وجلّ، فأعطاهم (1) ما أرادوا [منه] (2)
بلسانه، واطمأنّ بالإيمان [قلبه، فترلت فيه: {إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ} (3) وشهد بدرا] (4) والمشاهد كلّها، وأبلى (5) ببدر بلاء حسنا، ثم شهد اليمامة، فأبلى فيها أيضا، وفيها قطعت أذنه (6).
وذكر عنه أنّه قال: كنت تربا (7) / لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سنّه. [39/ ب] لم يكن أحد أقرب به سنا [مني] (8).
وقال عبد الرحمن بن أبزى (9) مولى خزاعة، وكانت له صحبة:
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: وأعطاه.
(2) الزيادة من: أ.
(3) سورة النحل: الآية (106) وانظر سبب نزول الآية عند الطبري: جامع البيان 14/ 182، 181عن أبي مالك وقتادة مرسلا، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 10/ 180، والبغوي: معالم التتريل 3/ 86، والواحدي: أسباب الترول (تحقيق عصام الحميدان) ص 281.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أبلا.
(6) نص هذه الترجمة عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1136، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 630، 631.
(7) تربا: التّرب: اللّدة والسّنّ. يقال هذه ترب هذه أي لدّتها. وقيل: ترب الرّجل، الذي ولد معه. ابن منظور: لسان العرب 1/ 231 (ترب).
(8) زيادة يقتضيها السّياق. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1137، وهذا الأثر رواه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 385.
(9) عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي مولاهم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلّى خلفه، سكن الكوفة، واستعمله عليّ على خراسان، عاش إلى سنة نيّف وسبعين. ابن سعد: الطبقات(1/549)
شهدت مع علي رضي الله عنه صفّين في ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان، قتل منّا ثلاثة (1) وستون، منهم عمّار بن ياسر (2).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تقتل عمارا الفيئة الباغية» (3).
(بلاء هاشم بن عتبة في القتال) (4):
وكان بصفّين على الرّجالة: (5) هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص [بن أخي سعيد بن أبي العاص] (6) وبيده (1) راية علي رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح،
__________
الكوفة، واستعمله عليّ على خراسان، عاش إلى سنة نيّف وسبعين. ابن سعد:
الطبقات 5/ 462والذهبي: سير 3/ 202، وابن حجر: الاصابة 4/ 149.
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ثلاث.
(2) خليفة: تاريخ 196، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1138. قلت: الصحابة رضي الله عنهم الذين اعتزلوا الفتنة في عهد علي رضي الله عنه هم أكثر عددا من الذين خاضوا فيها، وقاتلوا فيها، فقد صحّ عن محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال: «هاجت الفتنة وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضر فيها مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين»، الخلال: السنة 2/ 466.
(3) حديث صحيح، أخرجه مسلم، كتاب الفتح (الصحيح بشرح النووي) 18/ 41، والطبراني: المعجم الكبير 23/ 364رقم (856) وابن سعد:
الطبقات 3/ 252كلهم عن أم سلمة، وأحمد: المسند مع المنتخب 5/ 214، 215عن خزيمة بن ثابت.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: الرّاحلة.
(6) الزيادة من: أ، ب.(1/550)
وكان يعرف بالمرقال (1)، فأبلى بلاء مذكورا.
[وهو القائل:
أعور (2) يبغي أهله محلّا ... قد عالج الحياة حتى ملّا
لا بد أن يفلّ (3) أو يفلّا] (4)
وقطعت رجله يومئذ، فجعل يقاتل من دنا، وهو بارك، وهو يقول:
الفحل يحمي شوله معقولا (5)
__________
(1) قال ابن حجر: الإصابة 6/ 275قال الدولابي: لقّب بالمرقال لأنّه كان يرقل في الحرب: أي يسرع، من الأرقال وهو ضرب من العدو. وقال الزّبيدي عن سبب تلقيبه بالمرقال: لأن عليا رضي الله عنه أعطاه الراية بصفين فكان يرقل بها أي يسرع. تاج العروس 7/ 350 (رقل).
(2) كان هاشم أعور، فقئت عينه يوم اليرموك. الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 396، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1546.
(3) في ب: يفلا.
(4) الزيادة من: أ، ب، والخبر رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1547، وروى الحاكم:
المستدرك مع التلخيص 3/ 394مثله، عن أبي عبد الرحمن السّلمي. والهيثمي: مجمع الزوائد 7/ 240، 241وقال: رواه الطبراني وأحمد باختصار، وأبو يعلى بنحو رواية الطبراني. ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات. وانظر الأبيات في نسب قريش، لمصعب الزبيري ص 263، والإشتقاق لابن دريد ص 154.
(5) هذا مثل يضرب للرجال الغيران المدافع عن حريمه، ومعناه أن الحرّ يحمي حريمه على علّات تمنعه. والمعقول: المشدود بالعقال، والشّول: الإبل التي قد شالت ألبانها، أي ارتفعت، يقال: شال الشيء، إذا ارتفع، وأشلته: أي رفعته.
الميداني: مجمع الأمثال 2/ 18، وأبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 2/ 80. وقيل:(1/551)
وقاتل حتى قتل رحمه الله وشهد مع علي رضي الله عنه (1) الجمل أيضا، وفيه يقول أبو (2) الطّفيل عامر بن واثلة:
يا هاشم الخير جزيت الجنّة ... قتلت في الله عدوّ السّنّة
أفلح بما فزت به من منّة (3)
(خطبة عبد الله بن بديل رضي الله عنه في أصحابه، واستشهاده) (4):
وكان بصفّين على رجّالة (5) عليّ أيضا: عبد الله بن بديل (6) بن ورقاء ابن عبد العزّى بن ربيعة الخزاعي. فقام يوما [بصفّين] (7) في أصحابه، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
__________
الشوّل: جمع شائل وهي الناقة التي ترفع ذنبها، فتنافس الفحول على لقاحها. ابن منظور: لسان العرب 11/ 274.
(1) (رضي الله عنه) ليست في: أ، ب.
(2) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: أبي.
(3) في ب: منهم. والخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1547، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 601دون الشطر الأخير من الشعر.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: راحلة.
(6) عبد الله بن بديل الخزاعي، أسلم مع أبيه يوم الفتح، شهد حنينا والطائف، وكان سيد خزاعة، وكان من أفاضل أصحاب علي وأعيانهم. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 80 وابن حجر: تقريب 296.
(7) التكملة من: أ، ب.(1/552)
ألآ إنّ (1) معاوية ادّعى ما ليس له، ونازع الأمر أهله، ومن ليس مثله، وجادل (2) بالباطل ليدحض (3) به الحقّ، وصال (4) عليكم بالأعراب والأحزاب، وزيّن لهم الضّلالة، وزرع (5) في قلوبهم حبّ الفتنة، ولبّس عليهم الأمر (6)، وأنتم والله على الحق، على نور من ربكم وبرهان مبين، فقاتلوا الطّغات البغاة (7) {قََاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللََّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (14) (8) قاتلوا الفئة الباغية الّذين نازعوا الأمر أهله. وقد قاتلتموهم (9) مع النبي صلى الله عليه وسلم، فو الله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبرّ قوموا (10) إلى عدوّ (11) الله وعدوّكم،
__________
(1) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: الآن.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: وجادلوا.
(3) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: ليدحضوا.
(4) في ب: وصار. صال: وثب وقاتل. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1323 (صال).
(5) في أ، ب: ونزع.
(6) في الأصل: الأمور، والمثبت من: أ، ب والمنقري: وقعه صفين ص 234.
(7) عند المنقري: وقعة صفين ص 234: الجفاة.
(8) سورة التوبة: الآية (14).
(9) في الأصل: قاتلوهم، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 874.
(10) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: قوما بنا.
(11) في الأصل: أعداء. والمثبت من: أ، ب والمنقري: وقعة صفين ص 234.(1/553)
رحمكم الله (1).
وكان عليه درعان وسيفان، وكان يضرب أهل الشّام ويقول:
لم يبق إلا الصّبر والتوكّل ... ثم التمشّي في الرّعيل الأوّل
مشى الجمّال (2) في حياض ... والله يقضي ما يشاء ويفعل
فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية، فأزاله عن موضعه، [وأزال] (3) أصحابه الذين كانوا معه. وكان مع معاوية يومئذ، عبد الله ابن عامر بن [كريز] (4) واقفا، فأقبل / أصحاب معاوية على [ابن [40/ أ] بديل يرمونه] (5) بالحجارة حتى أثخنوه، وقتل رحمه الله. فأقبل عليه معاوية وعبد الله بن عامر معه، فألقى عليه عبد الله بن عامر عمامته وغطىّ بها وجهه، وترحمّ عليه. فقال معاوية: أكشفوا عن وجهه، فقد وهبناه لك (6).
__________
(1) هذه الخطبة رواها المنقري: وقعة صفين ص 234ونقلها من طريقه ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 873، 874، وابن حجر: الإصابة 4/ 40مختصرا. ورواها الطبري:
تاريخ 5/ 16عن أبي مخنف.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: الجمل.
(3) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: بل.
(4) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: كرية.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: أبي بديل بن مؤته، والتصويب من الاستيعاب 3/ 873.
(6) هذه الفقرة سقطت من: ب. وعند ابن عبد البر: اكشفوا عن وجهه، فقال له ابن عامر: والله لا يمثّل به وفّي روح، وقال معاوية: اكشفوا عن وجهه فقد وهبناه لك.
الاستيعاب 3/ 873.(1/554)
ففعلوا. قال معاوية: هذا والله كبش القوم، اللهم الظّفر بالأشتر، والأشعث بن قيس.
والله ما مثل هذا إلّا كما قال الشاعر:
[أخو] (1) الحرب (2) إن عضّت به الحرب عضّها
وإن شمّرت يوما به الحرب شمّرا
كليث هزبر كان يحمى ذماره
رمته [المنايا] (3) قصدها فتقطّرا (4) (5)
ثم قال معاوية: إنّ نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت (6).
(عبد الله بن بديل الخزاعي رضي الله عنه) (7):
__________
(1) التكملة من: أ.
(2) في ب: أخي أيها.
(3) التكملة من: أ، ب.
(4) تقطّر: سقط مقتولا. الجوهري: الصحاح 2/ 896 (قطر).
(5) البيتان لحاتم الطائي من قصيدة له. انظر ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 81، والبيت الأوّل في ديوانه ص 121والطبري: تاريخ 4/ 24.
(6) هذا الخبر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 872، 873وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 80، 81كلاهما عن الشعبي. والمنقري: وقعة صفين ص 247245عن الشعبي مطولا. والذهبي: تأريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 567وابن حجر:
الاصابة 4/ 40مختصرا.
(7) عنوان جانبي من المحقق.(1/555)
وعبد الله بن بديل هذا أسلم مع أبيه قبل الفتح، وكان سيّد خزاعة، وهو الذي صالح [أهل] (1) أصبهان مع عبد الله بن عامر بن كريز، وكان على مقدمته، وذلك في زمان عثمان رضي الله عنه (2).
(قتال بجيلة واستشهاد قيس بن مكشوح البجلي) (3):
وكان [قيس بن مكشوح] (4) أبو شدّاد يومئذ صاحب راية بجيلة (5)، وكانت فيه نجدة وبجالة (6).
__________
(1) زيادة يقتضيها السّياق. من ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 80.
(2) وردت هذه الترجمة عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 872وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 80.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التصويب من المنقري: وقعة صفين ص 258، والطبري: تاريخ 5/ 25وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1300وابن حجر: الإصابة 5/ 281وفي الأصل والنسخ الأخرى: الكوسج قيس بن مكشوح البجلي، أبو شداد. وقد فرّق ابن دريد بينه وبين قيس ابن المكشوح المرادي الذي قتل الأسود العنسي. ابن حجر: الإصابة 5/ 281ووصل ابن الكلبي نسبه إلى أنمار بن إرش من بني بجيلة. نسب معد واليمن الكبير 1/ 351343.
(5) بجيلة: قبيلة من أنمار بن أرش، من كهلان، من القحطانية. وبجيلة أهمهم، غلب عليهم اسمها. القلقشندي: نهاية الأرب ص 171.
(6) كذا في الأصل وب: البجال: الرجل الشيخ السيد، ورجل بجال: حليم ركين.
الجوهري: الصحاح 4/ 1631 (بجل) وابن دريد: الاشتقاق ص 516515وفي أ: بسالة. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1300.(1/556)
وذلك أنّ بجيلة قالت له: يا أبا شدّاد! خذ اليوم رايتنا، فقال:
غيري خير لكم! قالوا: ما نريد غيرك! قال: (1) فو الله لئن أعطيتمونيها لأنتهينّ (2) بكم دون صاحب التّرس المذهّب قال (3): وعلى رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهّب يستر به معاوية من الشّمس فقالوا: اصنع ما شئت، فأخذ الرّاية ثم زحف، فجعل (4) يطاعنهم حتى انتهى إلى صاحب التّرس المذهّب وكان في خيل عظيمة فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا.
وكان على خيل معاوية: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، [فشدّ] (5) أبو شدّاد بسيفه نحو صاحب التّرس، فعارضه (6) دونه رومي (7) لمعاوية، فضرب قدم أبي شدّاد، فقطعها، وضربه قيس (8) فقتله. وأشرعت إليه الرّماح، فقتل رحمه الله (9).
__________
(1) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: قالوا.
(2) في الأصل: لانتهينا. والمثبت من: أ، ب.
(3) القائل هو عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي. روى الخبر المنقري: وقعة صفين ص 258، والطبري: تاريخ 5/ 25.
(4) في الأصل: وجعل، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1300.
(5) في الأصل وب: فسلّ، والمثبت من: أوالطبري: تاريخ 5/ 26، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1300.
(6) في الأصل: وعرض، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1301.
(7) عند الطبري: تاريخ 5/ 26رومي مولى لمعاوية.
(8) (قيس) سقط من: ب.
(9) هذا الخبر رواه المنقري: وقعة صفين ص 259258مطولا والطبري: تاريخ 5/ 25، 26عن أبي مخنف وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1300، 1301بدون(1/557)
(استشهاد عبيد الله بن عمر رضي الله عنه) (1):
وكان على خيل معاوية يومئذ بصفّين عبيد الله بن عمر بن الخطاب (2)، فقيل (3) لعلي: هذا عبيد الله بن عمر عليه جبّة خز، وفي يده سواك وهو (4) يقول: سيعلم عليّ غدا إذا التقينا. فقال علي: دعوه فإنّما دمه دم عصفور (5). فخرج عبيد الله بن عمر في اليوم الذي قتل فيه، وجعل امرأتين (6) له بحيث ينظران إلى فعله وهما أسماء بنت عطارد بن حاجب التّميمي (7)، وبحريّة بنت هانيء بن قبيصة / الشيّباني (8)، فلما برز، شدّت عليه [40/ ب] ربيعة، فتنشّببينهم، فقتلوه. وكان على ربيعة يومئذ
__________
إسناد. ونقله ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 148وابن حجر: الإصابة 5/ 281عن ابن عبد البر باختصار.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) خليفة: تاريخ ص 195وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1011وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 424
(3) في أ: فقال، وفي ب: وقيل.
(4) (وهو) ليس في: أ، ب.
(5) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: عصفرة. وقد أخرج هذا الأثر ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1011من طريق أحمد بن محمد بن الحجّاج، قال عنه الذهبي: كذّبوه، وأنكرت عليه أشياء. ميزان الاعتدال 1/ 1331.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: امرأتان.
(7) أسماء بنت عطارد بن حاجب كانت تحت عبيد الله بن عمر، ثم خلف عليها الحسن ابن علي. الطبري: تاريخ 5/ 37.
(8) بحريّة بنت هانيء، تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له عروة الأكبر، ثم خلف عليها عبيد الله بن عمر. ابن سعد: الطبقات 3/ 127، 5/ 18.(1/558)
[زياد] (1) بن خصفة (2) التيمي (3)، فسقط عبيد الله بن عمر ميّتا قرب فسطاط [زياد] (4) بن خصفة.
ولقي طنب (5) من أطناب فسطاط (6)، ولا وتد له فجروا عبيد الله بن عمر، وشدّوا (7) الطنب برجله (8) ربطا، وأقبلت امرأتاه (9) حتى وقفتا عليه، فبكتا وصاحتا عليه، فخرج زياد بن خصفة، فقيل له: هذه بحريّة (10) بنت هانيء بن قبيصة، قال: ما حاجتك يا ابنة (11) أخي؟ فقالت
__________
(1) التكملة من: أ، ب.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: خطفة.
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: التميمي. والصواب من نسب معد 1/ 46، والمنقري:
وقعة صفين ص 288والطبري: تاريخ 5/ 33، 6ثم شارك زياد بعد ذلك عليا رضي الله عنه في حربه مع الخوارج. انظر الطبري: تاريخ 5/ 80، 79، 116.
التيمي: نسبة إلى تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. بطن من بكر بن وائل، من ربيعة. يقال لهم: اللهازم، وهم حلفاء بني عجل.
القلقشندي: نهاية الأرب ص 157، 178، 191، وابن قتيبة: المعارف ص 98.
(4) في الأصل: ابن زياد، والتصويب من: أ، ب.
(5) طنب: الطنب: بضمتين، حبل طويل يشدّ به سرادق البيت، أو يشدّ به الوتد، وجمعه: أطناب وطنبة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 140 (طنب).
(6) في أ، ب: من طنب الفسطاط.
(7) في أ، ب: وشدّ.
(8) في الأصل: في رجله، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1012.
(9) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: امرأته.
(10) في أ: نجدية
(11) في الأصل وب: بنت، والمثبت من: أوابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1012.(1/559)
زوجي تدفعه إليّ. فقال: نعم، فجذبه، وجيء ببغل (1) فحملته عليه.
فذكروا أنّ يديه ورجليه خطّتا الأرض من فوق البغل (2).
وقيل: إنّ الذي قتله محرز بن فلان (3) أحد بني [تيم] (4) [الله] (5) ابن ثعلبة بن ربيعة. وسلب سيفه: ذا الوشاح، [سيف] (6) عمر (7).
(عبيد الله بن عمر رضي الله عنه) (8):
وكان عبيد الله بن عمر ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنجاد (9)
قريش وفرسانهم، وهو القائل:
أنا عبيد الله [سمّاني] (10) عمر ... خير قريش من مضى ومن غبر
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: فجاء ببغله.
(2) في الأصل: البغلة، والمثبت من: أ، ب. هذا الأثر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1011، 1012بدون إسناد.
(3) هو محرز بن الصّحصح من بني عائش بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة.
الطبري: تاريخ 5/ 36، 37عن أبي مخنف، وهشام بن الكلبي. المنقري: وقعة صفين ص 298.
(4) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: تميم.
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) زيادة يقتضيها السياق من تاريخ الطبري 5/ 37.
(7) هذا الأثر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1011، 1012بدون إسناد.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) أنجاد: جمع نجد، وهو الرجل الشجاع. الجوهري: الصحاح 2/ 542 (نجد).
(10) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: يمني.(1/560)
[حاشا] (1) نبي (2) الله والشيخ الأغرّ (3)
(تأريخها، وعدد القتلى من الطرفين) (4):
وكانت صفّين في شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين (5).
وقال المسعودي: كان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيّام (6). قال:
وقتل بصفين: سبعون ألفا، خمسة وأربعون ألفا من أهل الشّام، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق. وقتل من الصّحابة ممّن كان مع علي [جماعة] (7) رضي الله عن جميعهم (8).
وروي عن ضمرة بن ربيعة (9) عن ابن شوذب (10) قال: قتل يوم
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: خير.
(2) في أ، ب: عبيد الله.
(3) نصّ الترجمة عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1010، 1012.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1140، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 425.
(6) المسعودي: مروج الذهب 2/ 361، 404.
(7) التكملة من: أ، ب، وعند المسعودي: مروج الذهب 2/ 361، 405خمسة وعشرون رجلا.
(8) في أ: رضي الله عن الجميع بمنّة، وفي ب: رضي الله عنهم أجمعين. والخبر عند المسعودي: مروج الذهب 2/ 361، 405وفيه مبالغة في عدد القتلى.
(9) ضمرة بن ربيعة الفلسطيني، أبو عبد الله الرّملي، روى عن عبد الله بن شوذب، وثقه أحمد والنسائي ويحي بن معين، وقال: أبو حاتم: صالح الحديث، مات سنة اثنتين ومأتين. الذهبي: ميزان الإعتدال 2/ 330وابن حجر: تهذيب 4/ 460، 461و 5/ 255.
(10) هو عبد الله بن شوذب الخراساني، سكن البصرة ثم بيت المقدس، مات سنة(1/561)
الجمل عشرون ألفا، وقطع يوم صفّين أربعون ألف قصبة (1)، فوضعت على كلّ قتيل قصبة، ولم تحصر القتلى أهل صفين حين قام قائم الظّهيرة، وافترقوا حين تجوّف الليل. وكفّوا بعد ذلك ثلاث سنين حتى قتل علي رضي الله عنه. ثم اجتمعوا على معاوية سنة أربعين ببيت المقدس (2).
(رؤيا أبو ميسرة) (3):
__________
ست وخمسين ومئة، وثقه أحمد، وسفيان، وابن معين، ويعقوب بن سفيان.
وقال الذهبي: صدوق إمام. ميزان الإعتدال 2/ 440وقال ابن حجر: صدوق عابد.
تقريب ص 308وانظر الفسوي: المعرفة والتأريخ 2/ 180وابن حجر: تهذيب 5/ 255.
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: وقصبت.
(2) لم أقف على هذا الأثر عند غير المؤلف، لكن له ما يقاربه عند ابن أبي شيبة قال:
حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا حمّاد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين قال:
بلغ القتلى يوم صفين سبعين ألفا، فما قدروا على عدّهم إلا بالقصب، وضعوا على كل إنسان قصبة، ثم عدوا القصب. المصنف 15/ 295رقم (19706) ورواه خليفة عن الأعلى عن هشام عن ابن سيرين مختصرا، تأريخ ص 194، وأورده الذهبي:
تأريخ (عهد الخلفاء الراشدين) ص 545عن ابن سيرين مرسلا.
قلت: وهذه البيعة لمعاوية، وهي بيعة أهل الشّام دون غيرهم، أما اجتماع الأمة عليه فلم يتم له ذلك إلا بعد أن تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له عن الخلافة سنة إحدى وأربعين للهجرة، وسمّي ذلك العام بعام الجماعة.
انظر الطبري: تاريخ 5/ 162وابن حجر: الإصابة 5/ 113.
(3) عنوان جانبي من المحقق.(1/562)
وروي عن [أبي] (1) ميسرة، عمرو بن شرحبيل (2) وكان من أفضل أصحاب عبد الله (3) قال: رأيت في النوم كأني دخلت الجنة، فرأيت قبابا مضروبة، فقلت لمن هذه القباب؟ فقيل لذي الكلاع الحميري (4) واسمه يشفع (5). ويكنى: [أبا] (6) شرحبيل ولحوشب (7)، وكانا ممن قتلا مع معاوية بصفين، قلت (8): فأين [عمار] (9) وأصحابه؟ فقيل لي أمامك. قال:
__________
(1) التكملة من: أ، ب.
(2) عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي، من العبّاد الأولياء، ثقة، مات سنة ثلاث وستين في ولاية عبيد الله بن زياد. ابن سعد: الطبقات 6/ 109106، والذهبي: سير 4/ 135، 136وابن حجر: تقريب ص 422.
(3) هو عبد الله بن مسعود. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 738وابن حجر: الإصابة 5/ 116.
(4) في ب: الحمري.
(5) في أ، ب: يسفع، وقيل: سميفع بن ناكور الحميري، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم في عهد عمر، واعتق اثنا عشر ألف بيت من المسلمين، شهد اليرموك، وقتل بصفين مع معاوية. ابن دريد: الاشتقاق ص 525وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 434وابن حجر: الإصابة 2/ 183.
(6) زيادة يقتضيها السياق من ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 474.
(7) هو حوشب ذو ظليم الحميري، بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذي الكلاع وذي ظليم، وشهد اليرموك، ونزل الشّام وشهد صفين مع معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 410، 411، وابن حجر: الإصابة 2/ 67.
(8) في ب: قتل.
(9) في الأصل: عمر، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 774.(1/563)
قلت: وكيف وقد قتل بعضهم بعضا؟ قيل: إنهم لقوا الله عز وجلّ فوجدوه واسع المغفرة (1).
(قيام الحج سنة ثمان وثلاثين) (2):
وفي سنة ثمان / وثلاثين بعث عليّ: عبيد الله (3) بن عباس ابن [41/ أ] عبد المطلب ليقيم الحجّ للناس، وبعث معاوية: يزيد بن شجرة (4)
الرّهاوي (5) ليقيم الحجّ، فاجتمعا، فسأل كلّ واحد منهما صاحبه أنّ يسلّم له، فأبى. واصطلحا على أن يصلّي بالناس شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي (6).
__________
(1) أخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 263، 264، وابن أبي شيبة: المصنف 15/ 290، 291رقم (19690) وأبو العرب التميمي: المحن ص 117وابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 474قال ابن حجر: روى يعقوب بن سفيان وإبراهيم بن ديزيل في كتاب صفّين. والبيهقي في الدلائل، ويعقوب بن شبّة بإسناد صحيح عن أبي وائل قال رأى عمرو بن شرحبيل. ثم ساق الخبر. انظر الإصابة 2/ 67، 183.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: عبد الله.
(4) في ب: سمرة.
(5) يزيد بن شجرة الرّهاوي، كان ممن استعمله معاوية على الجيوش في الغزوات، وقتل في غزوة غزاها في البحر سنة ثمان وخمسين شهيدا. ابن سعد: الطبقات 7/ 446وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 719. الرّهاوي: بفتح الراء، هذه النسبة إلى رها، وهو بطن من مذحج. ابن الأثير: اللباب 2/ 45.
(6) شيبة بن عثمان بن أبي طلحة القرشي، العبدري، أسلم يوم الفتح، وثبت يوم حنين، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فكان سادنها، ثم استمرّت الحجابة في ولده دون سائر(1/564)
(قصّة التّحكيم) (1):
وفيها (2) التقى الحكمان عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس بأرض البلقاء. وقيل: بدومة الجندل (3) وهو على عشرة أميال من دمشق (4) مع كل واحد منهما أربعمائة رجل من أصحابه. بعث عمرا معاوية، وبعث أبا موسى الأشعري عليّ رضي الله عن الجميع ومع أصحاب أبي موسى عبد الله بن عباس رضي الله عنه. فجعل عمرو يقدّم أبا موسى ويقول له: إنّك صاحب (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت أسنّ منّي فتكلّم، ثم أتكلم بعدك. ثم قال له: أخبرني (6) ما رأيك؟ قال أبو
__________
الناس، عاش إلى خلافة يزيد بن معاوية. ابن سعد: الطبقات 5/ 448وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 712، 713وابن حجر: الإصابة 3/ 218.
الحجبي: بفتح الحاء والجيم. هذه النسبة إلى حجابة بيت الله الحرام، وهم جماعة من عبد الدار وإليهم حجابة الكعبة ومفتاحها، والنسبة إليها حجبي. ابن الأثير: اللباب 1/ 342. وهذا الخبر أورده الطبري: تاريخ 5/ 136عن الواقدي، وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1009بدون إسناد.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الطبري: تاريخ 5/ 71عن الواقدي، وابن سعد: الطبقات 3/ 33، واليعقوبي: تاريخ 2/ 190، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 361، 406.
(3) دومة الجندل: بضم الدال: قرية من الجوف شمال السعودية، تقع شمال تيماء على مسافة 450كيلا. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 117.
(4) المسعودي: مروج الذهب 2/ 361.
(5) في ب: من أصحاب.
(6) في أ، ب: خبرني.(1/565)
موسى: [أرى (1) أن نخلع هذين الرّجلين: عليا ومعاوية، ونجعل الأمر شورى بين] (2) المسلمين، فاختاروا لأنفسكم. فقال عمرو: إنّ الرّأي ما رأيت، فقم فتكلّم. فلما ذهب ليتكلّم، قال له عبد الله بن عباس: ويحك يا أبا موسى! والله إنّي لأظنّ (3) أنّه قد خدعك. إن كنتما اتفقتما على أمر فقدّمه يتكلّم قبلك، فإنّ عمرا رجل غدر. فقال له أبو موسى: إنّا قد نظرنا في أمر هذه الأمّة، فلم نر أصلح لها من أن نخلع عليا ومعاوية، وتستقبل الأمة أمرها فيولّوا (4) من أحبّوا، وإنّي قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولّوا من رأيتموه، ثمّ تنحى.
فقام عمرو مقامه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنّ هذا قد قال ما قال [وما سمعتم] (5)، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه (6) كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية، فإنّه وليّ عهد عثمان، والطّالب بدمه، وأحق النّاس بمقامه. فقال [له] (7) أبو موسى: ويلك لا وفّقك الله غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. فقال له
__________
(1) في ب: إمّا.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) في أ: بياض، وفي ب: لأظنك.
(4) في ب: فقبلوا.
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) هذه العبارة سقطت من: ب.
(7) الزيادة من: أ، ب.(1/566)
عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا (1).
فأبى عليا أنّ يرجع إلى ما حكم به الحكمان.
(فتنة الخوارج) (2):
فاعتزلت حينئذ طائفة من الناس وخرجوا عليه، وفيهم [البرك] (3)
__________
(1) هذه القصة أخرجها ابن سعد: الطبقات 4/ 257256من طريق الواقدي بتفصيل أكثر. والبلاذري: أنساب الأشراف (تحقيق محمد باقر المحمودي) ص 351، 350 والطبري: تاريخ 5/ 70، 71كلاهما من طريق أبي مخنف مطولا.
والمنقري: وقعة صفين ص 546544من طريق أبي جناب الكلبي، ضعفوه لكثرة تدليسه. ابن حجر: تقريب ص 589، هذه الرواية الضعيفة قعّدت جملة من الزّيادات المنكرة والجريئة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها عبارات سبّ وشتم للحكمين.
ووصفت عمرو بالفسق والغدر والخيانة. وأبو موسى بالغفلة والضّعف والتّخلف، وأنّه مخدوع في القول. وبها كثير من التشويه والتحريف للحقائق، وفيها كثير من المبالغة والإثارة، ويظهر عليها تحامل قوي لجانب دون آخر، وواضح عليها تأثير الميول والأهواء. قال أبو بكر بن العربي رحمه الله بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسألة تحكيم عمرو وأبي موسى، وما زعموه من أنّ أبا موسى كان أبله، وأنّ عمرا كان محتالا: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنّما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته المصنفات التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع. العواصم ص 177. لكن هذه الأخبار الضعيفة لا تنفي أصل هذه القضية، فأصلها حقّ لا شك فيه. يحي اليحي: مرويات أبي مخنف ص 378، فقد ذكر أبو بكر بن العربي رحمه الله ما رواه الأئمة الثقات الأثبات في قضية التّحكيم. راجع العواصم ص 181178الدهلوي: مختصر التحفة الأثنى عشرية ص 323، 324.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: المركب.(1/567)
[وهو] (1) حجاج بن يزيد (2) أحد بني صريم (3)، وهو أول من قال: لا حكم إلا لله. فحاربهم (4)، حتى حارب أهل النّهروان (5).
(مناظرة عبد الله بن عباس للخوارج) (6):
وذكر أنّ عليا رضي الله عنه وجّه عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليناظرهم، فقال لهم:
ما الّذي نقمتم على أمير المؤمنين؟ فقالوا: قد كان للمؤمنين أمير، فلّما حكّم في دين الله خرج من الإمارة (7)، فليثبت بعد إقراره بالكفر تعد له.
فقال ابن عباس رضي الله / عنه: ما [ينبغي] (8) [41/ ب] لمؤمن لم يشب
__________
(1) الزيادة من: أ، ب.
(2) ابن حجر: نزهة الألباب 1/ 119وعند المبرد: الكامل 2/ 159الحجاج بن عبد الله الصريمي، وكذا عند ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 218، وهو أحد الثلاثة الذين عهد إليهم بقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، وضمن قتل معاوية. فضربه، فجرحه، وقبض عليه معاوية وقتله سنة أربعين للهجرة. المبرد: الكامل 2/ 159، 169وابن الأثير: الكامل في التاريخ 3/ 198والزركلي: الأعلام 2/ 174.
(3) بنو صريم بن مقاعس: بطن من تميم، من العدنانية. القلقشندي: نهاية الأرب ص 315.
(4) في أ: بياض.
(5) النهروان: بكسر النون وفتحها وهي ثلاثة نهروانات: الأعلى والأوسط والأسفل، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط. ياقوت: معجم البلدان 5/ 324، وانظر تفاصيل وقعة النهروان عند خليفة: تاريخ ص 197والطبري: تاريخ 5/ 9172.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في أ، ب: الإمرة.
(8) في الأصل: ما يوجب، والمثبت من: أ، ب، والمبرد: الكامل 2/ 142.(1/568)
إيمانه بشكّ أو يقرّ على نفسه بالكفر أن يكفر، قالوا (1): إنه قد حكّم، قال: إن الله عز وجلّ قد أمر بالتّحكيم في قتل صيد [صيد] (2) في الحرم، فقال عز وجلّ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (3) فكيف في إمامة (4) قد أشكلت على المسلمين؟ فقالوا: [إنّه] (5) قد حكم عليه فلم يرض، قال: (6) إن الحكومة كالإمامة، ومتى فسق الإمام وجب معصيته، وكذلك الحكمان لمّا خالفا نبذت أقاويلهما. فقال بعضهم لبعض: لا تجعلوا احتجاج قريش عليكم حجّة، فإنّ هذا من القوم الذين قال الله عز وجل (7) فيهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (58) (8) (9).
__________
(1) في ب: قال.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) سورة المائدة: الآية (95).
(4) في ب: بإمامة.
(5) التكملة من: أ، ب.
(6) في ب: قالوا.
(7) في الأصل وأ: قال فيهم عزّ وجلّ، والمثبت من: ب والكامل في اللغة 2/ 142.
(8) سورة الزخرف: الآية (58).
(9) هذا الأثر ذكره المبرد: الكامل 2/ 142، 143بدون إسناد. لكنّه ورد بمعناه وبتفصيل أكثر عند عبد الرزاق: المصنف 10/ 160157وأحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 1/ 324وأبو داود: سنن 4/ 318317رقم (4037) والنسائي: خصائص علي ص 200195رقم (190) (تحقيق أحمد البلوشي).
والطبراني: المعجم الكبير 10/ 314312والحاكم: المستدرك مع التلخيص 2/ 150، وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/ 318والبيهقي: السنن الكبرى 8/ 179.(1/569)
(عقد هدنة بين علي ومعاوية) (1):
وفي سنة أربعين من الهجرة جرت مهادنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، على أن يكون العراق لعلي والشّام لمعاوية، ولا يدخل أحد منهما (2) على صاحبه في شيء من عمله (3).
(النّزاع على ولاية اليمن) (4):
وفيها بعث (5) معاوية [بسر] (6) بن أبي أرطاة العامري إلى اليمن، وعليها [عبيد الله] (7) بن العباس لعلي رضي الله عنه، فتنحّى عبيد الله وأقام بسر عليها، فبعث عليّ [جارية] (8) بن قدامة السّعدي (9)، وهرب بسر، ورجع
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب: منهم.
(3) الطبري: تاريخ 5/ 140.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) في الأصل: بعث علي الحارثة بن قدامة السّعدي، وهرب بشر، ورجع عبد الله ابن عباس ولم يزل حتى بعث معاوية بشر. والصواب ما أثبته من النسخ الأخرى.
(6) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: بشر.
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: عبد الله. والصواب ما أثبته من تاريخ خليفة ص 198 والطبري: تاريخ 5/ 139.
(8) في الأصل: الحارثة، وفي ب: حارثة، والمثبت من: أ، وخليفة: تاريخ ص 198، والطبري:
تاريخ 5/ 140. جارية بن قدامة التميمي السّعدي، ذكره ابن سعد فيمن نزل البصرة من الصحابة، وكان من أصحاب علي في حروبه، مات في ولاية يزيد. ابن سعد: الطبقات 7/ 56وابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 226وابن حجر: تقريب ص 137.
(9) السّعدي: نسبة إلى سعد بن زيد مناة، بطن من تميم. ابن الأثير: اللباب 2/ 117،(1/570)
عبيد الله بن عباس. فلم (1) يزل حتى قتل عليّ رضي الله عنه (2).
(تأريخ استشهاد علي رضي الله عنه) (3):
[وفيها] (4) قتل علي رضي الله عنه في شهر رمضان ليلة الجمعة، سبع عشرة (5). وقيل: ليلة إحدى وعشرين (6).
ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي (7) لعنه الله ن وألجمه بلجام من النّار (8) بسيف كان سمّه بالسمّ.
__________
وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 221.
(1) في الأصل: ولم، والمثبت من: أ، ب، وخليفة: تاريخ ص 198.
(2) هذا الأثر أخرجه خليفة: تاريخ ص 198، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1009 عن خليفة. والذهبي: تاريخ (عهد الخلفاء الراشدين) ص 607.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) الزيادة من: أ، ب.
(5) الطبري: تاريخ 5/ 143عن أبي معشر والواقدي، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 292رقم (324) من طريق الواقدي.
(6) الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 113، أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 291رقم (322) كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة.
(7) ليست في: أ، ب. عبد الرحمن بن ملجم المرادي، أدرك الجاهلية وهاجر في خلافة عمر وقرأ على معاذ بن جبل، شهد فتح مصر واختطّ بها، كان من شيعة علي، ثم صار من كبار الخوارج، وقتل بالكوفة سنة أربعين للهجرة. ابن حجر: الإصابة 5/ 100ولسان الميزان 3/ 439وانظر الذهبي: تجريد أسماء الصحابة 1/ 356.
(8) (هذه الجملة) ليست في: أ، ب.(1/571)
(مدّة خلافته وعمره، والصلاة عليه، ومكان قبره) (1):
كانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر (2).
وتوفي وهو ابن ثلاث (3) وستين سنة (4).
وقيل غير ذلك (5).
وصلى عليه ابنه الحسن (6) رضي الله عنهما، وكبّر عليه أربعا، ودفن
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 112، 113عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
والطبري: تاريخ 5/ 152عن أبي معشر، والواقدي. والخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 1/ 136وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 427كلاهما عن أبي معشر.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ثلاثة.
(4) قاله أبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 289رقم (314) وابن سعد: الطبقات 3/ 38 عن الواقدي.
(5) اختلفت الروايات في مبلغ سنّه عند وفاته عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فروي عنه أنّ عليا قتل وهو ابن ثلاث وستين. وروي عنه: ابن خمس وستين، وروي عنه: ابن ثمان وخمسين. وروي عنه: ابن أربع وستين. انظر الطبري: تاريخ 5/ 151، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1122، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1/ 289رقم (312، 314) وص 290رقم (317)، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 425422. وقيل: قبض وقد أتى عليه اثنتان وسبعون سنة. وقيل: اثنتان وستون. المسعودي: مروج الذهب 2/ 426.
(6) في ب: الحسين.(1/572)
بالكوفة ليلا، وأغبي (1) على قبره (2).
وقيل: قبره غربيّ المسجد، عند السّارية الحمراء. وقيل غير ذلك (3)، والله أعلم.
وذكر أن عليا رضي الله عنه خرج إلى صلاة الفجر، فأقبل الإوزّ يصحن في وجهه، فطردوهنّ عنه، فقال (4): ذروهنّ فإنّهن نوائح. فضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله (5) فقيل يا أمير المؤمنين خلّ بيننا وبين مراد فلا تقوم
__________
(1) (أغبي) سقطت من: ب.
(2) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 421عن جعفر بن محمد عن أبيه. والذهبي: تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 650، 651.
(3) فقيل: دفن بقصر الإمارة بالكوفة عند المسجد الجامع. وقيل: برحبة الكوفة مما يلي أبواب كندة. وقيل: بالكناسة محلة بالكوفة. وقيل: دفن بالكوفة وعمي قبره فلا يعلم أحد أين موضعه لئلا تنبشه الخوارج. وقيل: دفن بظاهر الكوفة.
وقيل: بالثّويّة موضع قريب من الكوفة. وقيل: دفن بنجف الحيرة موضع بطريق الحيرة. وقيل: ببلاد طيء. وقيل نقله الحسن إلى المدينة. وقيل: دفن بالبقيع مع فاطمة رضي الله عنها. انظر هذا الخلاف. عند المسعودي: مروج الذهب 2/ 358 والخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 1/ 138وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1122وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 421، 420، والذهبي: تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص 651. قال ابن كثير: والصحيح من أقوال النّاس أنّه دفن بدار الخلافة بالكوفة. البداية والنهاية 8/ 15، 17.
(4) (فقال) تكررت في: ب.
(5) (لعنه الله) ليست في: أ، ب.(1/573)
لهم ثاغية ولا راغية (1) أبدا قال: [لا] (2)، ولكن احبسوا الرّجل، فإن أنا متّ (3) فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص (4).
(بيان فضله، وتركته) (5):
وخطب النّاس فقال: قد فارقكم رجل لم يسبقه أحد من الأوّلين ولا يدركه (6) أحد من الآخرين من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الرّاية، ثم يخرج، فلا يرجع / حتى يفتح الله على يديه. جبريل عن يمينه [43/ أ] وميكائيل عن شماله يقاتلان معه، ولم يترك دينارا ولا درهما إلا حليّ سيفه، وسبعمائة درهم حبسها، فضلت من عطائه ليبتاع (7) بها خادما (8).
__________
(1) لا تقوم لهم ثاغية ولا راغية: الثّاغية: الشّاة، والراغية: البعير. أي لا يبقى لهم شيء من الماشية. الجوهري: الصحاح 6/ 2293 (ثغا) بتصرف.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) في أ، ب: أمت.
(4) هذا الأثر أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 415عن الحسن ابن كثير عن أبيه، وكذا المحب الطبري: ذخائر العقبى ص 112وقال: أخرجه أحمد في المناقب. وذكره ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 615، والكامل 3/ 195مختصرا، والمسعودي: مروج الذهب 2/ 325.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: فلم يسبقه أحد من الأولين والآخرين، بل ولا يدركه.
(7) في أ: يبتاع. ليشتري. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 911 (باع).
(8) هذه الخطبة للحسن بن علي رضي الله عنهما بعد استشهاد أبيه، وليست لعلي رضي الله عنه كما ذكر المؤلف. أخرجها ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 12/ 429من(1/574)
(أصل قاتله) (1):
وكان ابن ملجم حليفا لمراد، وعداده فيهم، وأصله من حمير (2)، تجوبيّ.
قال الزبير بن بكار (3): تجوب: رجل من حمير (4)، كان أصاب دما في قومه، فلجأ إلى مراد، فقال: جئت إليكم أجوب (5) البلاد. فقيل له:
__________
طريق ابن حبابة عن هبيرة بن يريم. وأخرج مثلها أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 1/ 199، والطبراني: المعجم الكبير 3/ 79رقم (2717) 3/ 80رقم (2722)، وابن أبي شيبة: المصنف 12/ 7473، وابن سعد: الطبقات 3/ 38، 39 كلهم من طريق هبيرة بنت يريم. وأخرجها أيضا أحمد: المسند (مع المنتخب) 1/ 199، 200عن عمرو بن حبشي. والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 172من طريق خالد بن جابر عن أبيه، بأطول مما هنا. وأبو يعلى: المسند 12/ 125من طريق خالد بن جابر عن أبيه أيضا.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) حمير: بطن عظيم من القحطانية، ينتسب إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان. كحالة: معجم قبائل العرب 1/ 305.
(3) الزبير بن بكار الأسدي المدني، قاضي المدينة، ثقة من أوعية العلم، مات سنة ست وخمسين ومئتين. الذهبي: سير 12/ 315311وابن حجر: تقريب ص 214.
(4) في ب: بني حمير.
(5) في الأصل: أنت من حمير، والتصويب من: أ، ب. كان أصاب دما في قومه فلجاء إلي حمير، فقال: جئت إليكم. أجوب: من جبت الأرض: أي مضيت بها.
الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 89 (جوب).(1/575)
أنت تجوب (1). فسمّي به، وهم اليوم من مراد (2). وهم رهط ابن ملجم (3).
(سبب قتل ابن ملجم عليا رضي الله عنه) (4):
وكان سبب قتل ابن ملجم عليا رضي الله عنه [أنّه] (5) لما [تعاقد] (6) الخوارج على قتل علي رضي الله عنه، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك، وكان عبد الرحمن (7) بن ملجم هو الذي اشترط قتل علي رضي الله عنه، وكان رجلا فاتكا، فدخل الكوفة عازما على ذلك، واشترى لذلك سيفا بألف، وسقاه بالسمّ (8) فيما زعموا حتى لفظه (9)، فأوتي علي، فقيل له: إنّ ابن ملجم يسمّ (10) سيفه، ويقول:
__________
(1) تجوب: قبيلة من حمير، من القحطانية، كانوا حلفاء لمراد. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 78 (جوب)، وكحالة: معجم قبائل العرب 1/ 116.
(2) في ب: مرائهم.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1122عن الزبير بن بكار.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التكملة من: أ، ب.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: تعاندوا.
(7) في ب: عبد الله.
(8) في أ: السمّ، وفي ب: سمّ.
(9) حتى لفظه: أي حتى لم يبق من ذلك السمّ شيئا. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 902 (لفظه) بتصرف.
(10) في ب: سمم.(1/576)
إنه سيقتلك به، فتكة تتحدث بها العرب. فبعث له (1)، فقال له: لم تسمّ سيفك؟ (2) فقال: لعدويّ وعدوّك. فخلّى عنه، وقال: ما قتلني بعد.
وكان في خلال ذلك يأتي عليا ويسأله ويستحمله، فيحمله علي، ثم يقول هذا البيت. وهو لعمرو بن معدي كرب من قصيدة (3):
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
أما إنّ هذا قاتلي. قيل: فما يمنعك منه؟ قال: إنه لم يقتلني بعد (4).
فلم يزل عبد الرحمن على ذلك إلى أن وقعت عينه على امرأة من بني عجل (5) بن لجيم (6)، يقال لها: قطام (7)، كانت ترا رأي الخوارج،
__________
(1) في أ: فيه
(2) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(3) القصيدة عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1204، 1205وابن حجر: الإصابة 5/ 21.
(4) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1123، 1127عن عمر بن شبة، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن سيرين. وانظر المبرد: الكامل 2/ 166.
(5) بنو عجل بن لجيم: بطن من بكر بن وائل من العدنانية، كانت منازلهم من اليمامة إلى البصرة. القلقشندي: نهاية الأرب ص 351350.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: تيم، والصواب ما أثبته من الاستيعاب 3/ 1123.
(7) قطام بنت شجنة بن عدي من تيم الرباب من مضر، كانت خارجية، قتل أباها وأخاها الأخضر بن شجنة يوم النهروان مع الخوارج. ابن سعد: الطبقات 3/ 36، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 200.(1/577)
وكانت امرأة رائعة (1) جميلة، فأعجبته ووقعت في نفسه، فخطبها، فقالت:
[قد آليت] (2) ألا أتزوّج إلا على مهر لا أريد سواه. قال: وما هو؟ قالت:
ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب وكان علي رضي الله عنه قد قتل أباها وإخوتها بالنّهروان فقال: والله لقد قصدت لقتل علي والفتك (3) به، وما أقدمني إلى هذه المصر غير ذلك، ولكنّي لمّا رأيتك آثرت تزويجك. فقالت:
ليس إلّا الذي قلت لك. فقال: وما يغنيك، أو يغنيني (4) منك قتل علي وأنا أعلم أنّي إن (5) قتلته لم أفلت؟ فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت تبلغ [شفاء] (6) نفسي، ويهنئك العيش [معي] (7)، وإن قتلت فما عند الله خير من الدّنيا وما فيه. فقال لها: لك ما اشترطت. فقالت:
سألتمس من يشدّ / ظهرك (8). فبعثت إلى ابن عم لها يدعى وردان بن مجالد (9)، [42/ ب] فأجابها، ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة
__________
(1) في ب: وليعة.
(2) الزيادة من: أ، ب.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: والا أفتك.
(4) في الأصل: وما يغنيني منك أو يغنيك، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1124.
(5) (إن) سقط من: ب.
(6) التكملة من: أ، ب.
(7) التكملة من: أ، ب.
(8) يشدّ ظهرك: أي يقوّيك. الجوهري: الصحاح 2/ 493 (شدد) بتصرف.
(9) في ب: خالد. وردان بن مجالد بن علفة التيمي، من تيم الرّباب، قتله عبد الله(1/578)
الأشجعي (1). فقال: يا شبيب! هل لك شرف الدّنيا والآخرة؟ قال: وما هو؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، قال: ثكلتك أمّك! لقد جئت شيئا إدّا! (2) كيف تقدر على ذلك؟ قال: إنه رجل لا حرس له (3)، ويخرج إلى المسجد منفردا دون من يحرسه، فتكمن (4) له في المسجد، فإذا خرج إلى المسجد ليصلي (5) قتلناه فإن نجونا، نجونا. وإن قتلنا سعدنا بالذكر في الدّنيا، وبالجنّة في الآخرة. قال: ويلك! إنّ [عليا ذو] (6) سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما تنشرح (7) نفسي لقتله. قال: ويلك، إنّه حكّم الرّجال في دين الله، وقتل إخواننا الصّالحين فنقتله ببعض من قتل، فلا تشكنّ في دينك. فأجابه، فأقبلا حتى دخلا على قطام، وهي معتكفة
__________
ابن نجبة التيمي، وهو من رهطه. الدارقطني: المؤتلف والمختلف 3/ 1468وابن ماكولا: الإكمال 5/ 216.
(1) شبيب بن بجرة الأشجعي الخارجي، خرج على معاوية زمن ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة، فقتل. ابن الأثير: الكامل 3/ 206.
الأشجعي: هذه النسبة إلى أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، قبيلة مشهورة. ابن الأثير: اللباب 1/ 64.
(2) إدّا: الإدّ: الدّاهية، والأمر الفظيع. الجوهري: الصحاح 2/ 440 (أدد).
(3) (له) سقط من: ب.
(4) في أ: فتمكمن، وفي ب: فتمكن.
(5) في أ، ب: يصلي.
(6) في الأصل: لعلي سابقة، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1124.
(7) في أ، ب: تشرح.(1/579)
في المسجد الأعظم، في قبّة ضربتها لنفسها، فدعت بهم وأخذوا أسيافهم، وجلسوا (1) قبالة السدّة (2) التي يخرج منها رضي الله عنه ورحمه إلى صلاة الصّبح، فبدره (3) شبيب فضربه فأخطاه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه، وقال: الحكم لله يا علي! لا لك ولا لأصحابك، فقال علي: فزت وربّ الكعبة، [لا يفوتنكم] (4) الكلب، فشدّ النّاس عليه من كل جانب، فأخذوه (5).
وفي ذلك يقول عمران بن حطّان السّدوسي (6) الخارجي، لعنه الله تعالى:
__________
(1) في الأصل: بهما، وأخذ أسيافهما، وجلسا. والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1125.
(2) السدّة: بضم السين، باب الدّار. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 367 (سدد).
(3) في الأصل: فبادر، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1125.
(4) في الأصل وأ: لا يفتئنكم، وفي ب: لا يفتكنكم، والصواب من ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1125.
(5) هذا الخبر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 11251123بدون إسناد. والمحب الطبري: ذخائر العقبى ص 114113عن ابن عبد البر. وانظر الخبر مفصلا عند ابن سعد: الطبقات 3/ 36، 37والطبري: تاريخ 5/ 144، 145.
(6) في أ، ب: قحطان. عمران بن حطان السّدوسي شاعر مشهور، وكان من رؤوس الخوارج، كان شاعرا مفلقا مكثرا، قيل إنه رجع عن مذهب الخوارج، وتوفي سنة أربع وثمانين. ابن حجر: الإصابة: 5/ 181، 182وانظر ابن سعد: الطبقات 7/ 155السّدوسي: بفتح السين، نسبة إلى سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ابن الأثير: اللباب 2/ 109.(1/580)
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها ... إلّا [ليبلغ] (1) من ذي العرش رضوانا
إنّي لأذكره حيّا (2) فأحسبه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا
لله درّ المراديّ الذي سفكت كفّاه (3) ... مهجة (4) [شرّ] (5) الخلق إنسانا
أمسى عشيّة غشّاه بضربته ... مما جناه من الآثام عريانا (6)
فقال بكر (7) بن حمّاد الشّهير بالتّاهرتي (8) رحمه الله تعالى معارضا (9)
__________
(1) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: البليغ.
(2) عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1128حينا.
(3) في ب: بهاه.
(4) المهجة: الدّم، أو دم القلب، والرّوح. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 236 (المهجة).
(5) في الأصل وب: خير، والمثبت من: أ.
(6) الأصفهاني: الأغاني 18/ 111، 112والبغدادي: خزانة الأدب 5/ 351وفيه قدّم البيتين الثالث والرابع على الأول والثاني. والبيتان الأول والثاني في الكامل للمبرد 2/ 146وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1128.
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: أبو بكر: والتصحيح من مصادر ترجمته وهو: بكر ابن حمّاد، أبو حمّاد، ولد ونشأ بتاهرت، كان عالما بالحديث وتمييز الرجال، شاعرا. رحل إلى المشرق فسمع من الفقهاء وجلّة العلماء، ثم عاد إلى تاهرت، وتوفي بها سنة ست وتسعين ومئتين. ابن عذارى المراكشي: البيان المغرّب 1/ 153، 154.
(8) التاهرتي: بفتح التاء، نسبة إلى تاهرت، وهو موضع بأفريقية، وهي اليوم بالجزائر، قريبة من تلمسان. ابن الأثير: اللباب 1/ 205، وانظر عبد السلام الترمانيني: أحداث التأريخ الإسلامي 2/ 1449.
(9) في ب: معارضتة.(1/581)
له في ذلك:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة ... هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم ... وأول النّاس إسلاما وإيمانا
وأعلم النّاس بالقرآن ثمّ بما ... سنّ الرسول لنا مناقبه شرعا وتبيانا
صهر النبي ومولانا وناصره ... أضحت مناقبه نورا وبرهانا
وكان منه على رغم الحسود له ... ما كان (1) هارون من موسى بن عمرانا [43/ أ]
وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا (2) ... ليثا إذا لقي الأقران أقرانا
ذكرت قاتله والدّمع منحدر ... فقلت سبحان ربّ (3) النّاس سبحانا
إنّي لأحسبه ما كان من بشر ... يخشى المعاد ولكن كان شيطانا (4)
أشقى مرادا إذا [عدّت] (5) قبائلها ... وأخسر النّاس عند الله خسرانا
قد كان يخبرهم أن سوف [يخضبها] (6) ... قبل المنيّة أزمانا فأزمانا
فلا عفا الله عنه ما تحمّله ... ولا سقى قبر عمران بن حطّانا (7)
__________
(1) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: مكان.
(2) في أ: ذاكرا.
(3) في ب: ربي.
(4) في ب: كالشياطينا.
(5) في الأصل: كرّت، والمثبت من: ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1129، وفي أ:
عادت.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: يخبرها.
(7) في أ، ب: قحطانا.(1/582)
لقوله من شقيّ ضلّ مجترما ... وقال ما قاله ظلما وعدوانا:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها ... إلّا ليبلغ (1) من ذي العرش رضوانا
بل ضربة من شقيّ أوردته لظى ... مخلّدا قد أتى الرّحمن غضبانا
كأنّه لم يرد قصدا بضربته ... إلا ليصلي عذاب الخلد نيرانا (2)
[وممّا قيل] (3) في ابن ملجم وقطام، لعنهما الله تعالى:
فلم أر مهرا ساقه ذو سماجة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم (4)
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب عليّ بالحسام المصمّم (5)
فلا مهر أغلى (6) من عليّ وإن غلا ... ولا فتك دون فتك بن ملجم (7)
__________
(1) في ب: البليغ.
(2) هذه القصيدة أوردها ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1192، 1198، والسّبكي:
طبقات الشافعية: 1/ 290278، والبغدادي: خزانة الأدب 5/ 352، 353.
(3) التكملة من: أ، ب.
(4) في ب: لعجم.
(5) الحسام المصمم: السيف الذي لا ينثني. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1459 (صمم).
(6) (أغلى) سقطت من: ب.
(7) الحاكم المستدرك مع التلخيص 3/ 143، 144وفيه نسبة الأبيات للفرزدق.
والطبري: تاريخ 5/ 150وفيه: الأبيات لابن أبي ميّاس المرادي. وابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1131، والدينوري: الأخبار الطّوال ص 214.(1/583)
خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما (1):
[وبويع الحسن بن علي رضي الله عنهما] (2) بالكوفة، وبويع لمعاوية بالشّام، وخرج معاوية نحو الكوفة لقتاله، وخرج الحسن رضي الله عنه يريده، فالتقيا بمسكن (3) من أرض الكوفة.
(خبر الصّلح بين الحسن ومعاوية رضي الله عنهما) (4):
فاستقبله الحسن بكتائب (5) أمثال الجبال (6)، فقال عمرو بن العاص:
إني لأرى كتائب لا (7) توليّ (8) حتى تقتل أقرانها. فقال (9) له معاوية: أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور المسلمين، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد
__________
(1) العنوان من المحقق.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) مسكن: موضع على نهر دجيل عند دير الجاثليق. ياقوت: معجم البلدان 5/ 127.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) كتائب: جمع كتيبة، وهي طائفة من الجيش تجتمع. ابن حجر: فتح الباري 13/ 62.
(6) أمثال الجبال: أي لا يرى لها طرف لكثرتها، كما لا يرى من قابل الجبل طرفه. ابن حجر: الفتح 13/ 62.
(7) في ب: الا
(8) لا تولي: أي لا تدبر. ابن حجر: الفتح 13/ 64.
(9) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: قال.(1/584)
شمس: [عبد الرحمن] (1) بن [سمرة] (2)، وعبد الله بن عامر بن كريز وكلاهما له صحبة.
(عبد الرحمن بن سمرة) (3):
أما عبد الرحمن فأسلم يوم فتح مكة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث (4).
__________
(1) ليس في: أ، وفي الأصل عبد الله، وكذا وقع عند الطبري من رواية إسماعيل ابن راشد. ابن حجر: فتح الباري 13/ 65والصواب ما أثبته من: ب. وعقّب ابن حجر على رواية الطّبري بقوله: والذي في الصحيح أصح، ولعل عبد الله كان مع أخيه عبد الرحمن. فتح الباري 13/ 65.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: صرمة.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) نص ترجمته عند ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 835وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 350.
ومن الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفّر عن يمينك». أخرجه أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 5/ 62والبخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى:
{لََا يُؤََاخِذُكُمُ اللََّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمََانِكُمْ} سورة البقرة: الآية (225) 11/ 516رقم (6622) وكتاب الأحكام، باب من سأل الإمارة وكل إليها (فتح الباري) 13/ 124رقم (7147) قال ابن حجر: وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
(فتح الباري) 11/ 518، وأخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الأيمان،(1/585)
(عبد الله بن عامر) (1):
أما عبد الله: فولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأوتي به إليه وهو صغير، فقال: «هذا شبهنا» (2) وكانت جدّته / أم أبيه: البيضاء أم حكيم [43/ ب] بنت عبد المطلب، عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) [فجعل صلى الله عليه وسلم] (4) يتفل عليه ويعوذه.
فجعل عبد الله يتسوّغ ريق (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّه لمسقى» فكان (6) لا يعالج أرضا إلّا ظهر له الماء (7).
__________
باب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها 11/ 116، قال الذهبي: وله في مسند بقي أربعة عشر حديثا. سير 2/ 572وانظر مقدمة مسند بقيّ بن مخلد، (تحقيق أكرم العمري) ص 94.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب: أشبهنا.
(3) مصعب الزبيري: نسب قريش ص 147وابن قتيبة: المعارف ص 320وابن الأثير:
أسد الغابة 3/ 184.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) في الأصل: ريقه أي ريق النبي صلى الله عليه وسلم، والمثبت من: أ، ب. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 931.
(6) في الأصل: وكان، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 932.
(7) هذا الحديث أخرجه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 639، ومصعب الزبيري:
نسب قريش ص 148، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 931، 932، وابن الأثير:
أسد الغابة 3/ 184وابن حجر: الإصابة 5/ 61.(1/586)
يكنى: أبا محمد (1).
فقال لهما معاوية: إذهبا إلى هذا الرّجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا [إليه] (2) فأتياه، فدخلا عليه، وتكلّما، فقالا له، وطلبا إليه (3).
فكره الحسن رضي الله عنه (4) سفك الدماء، فتخلّى عن حقّه لمعاوية، وانخلع (5)، وبايع لمعاوية (6)، ودخل معه الكوفة (7).
__________
(1) لم أقف على هذه الكنية عند غير المؤلف، لكنه اشتهر بأبي عبد الرحمن. انظر ابن سعد: الطبقات 5/ 44والذهبي: سير 3/ 18.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) هذا الجزء من خبر الصلح أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: «ابني هذا سيّد» (مع الفتح) 5/ 306رقم (2704) وفي كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: «إنّ ابني هذا لسيد» (فتح الباري) 13/ 61 وتمامه «فقال لهما الحسن بن علي: إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قال: نحن به. فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه». قال الحسن البصري: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
(4) (رضي الله عنه) ليست في: أ، ب.
(5) في أ: والخلع.
(6) في ب: معاوية.
(7) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 386.(1/587)
(وفاته، والصلاة عليه) (1):
وعاش متخليا عن الدّنيا إلى (2) أن مات، رحمه الله ورضي عنه، سنة ثمان وأربعين (3).
وصلّى عليه سعيد بن العاص بأمر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه، وكان (4) أمير المدينة.
وذلك أنّه لمّا مات الحسن أخذت بنو هاشم السّلاح، وأخذت (5)
بنو أمية السّلاح، فقالت بنو هاشم: لا يصلّي عليه إلا صاحبنا. وقالت بنو أمية لا يصلّي عليه (6) إلا صاحبنا. فلما وضعت الجنازة قال الحسين رضي الله عنه لسعيد: تقدّم، فلولا أنها سنّة ما قدمتك (7).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: إلا.
(3) المزي: تهذيب الكمال 6/ 256عن أبي عبيد القاسم بن سلّام، ورجّحه ابن عساكر: تهذيب تأريخ دمشق 4/ 231، ورواه الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 179عن أبي بكر بن حفص.
(4) في ب: فكان.
(5) في أ: وأخذوا.
(6) (عليه) سقطت من: أ.
(7) لم أقف على هذا الأثر في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها. لكن ابن عبد البر أشار إليه في الاستيعاب 1/ 392، 389، وروى عبد الرزاق عن أبي حازم الأشجعي، قال: شهدت حسينا حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص، ويقول:
تقدّم، لولا السنّة ما قدّمتك. المصنف، كتاب الجنائز، باب أحق بالصلاة على الميت 3/ 471، 472رقم (6369). والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 171(1/588)
(موقف قيس بن سعد من الصّلح) (1):
وكان على مقدمته يومئذ قيس بن سعد (2) بن عبادة الأنصاري، ومعه خمسة آلاف بعد ممات (3) علي رضي الله عنه، وتبايعوا على الموت. فلمّا دخل الحسن في بيعة [معاوية] (4) أبى قيس أن يدخل وخرج عن عسكره، وغضب على الحسن، وبدر منه قول [خشن] (5) أخرجه الغضب (6)
فاجتمع إليه قومه، وقال لأصحابه: ما شئتم؟ إن شئتم جالدت بكم [أبدا] (7) حتى يموت الأعجل [منا] (8). وإن شئتم أخذت لكم أمانا،
__________
والبيهقي: السنن الكبرى 4/ 29وابن قدامة: المغني 3/ 407.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: سعيد. قيس بن سعد الخزرجي الساعدي، كان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم، مات سنة ستين، وقيل بعد ذلك. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 124 وابن حجر: تقريب ص 457.
(3) في الأصل وب: بعدما مات، والمثبت من: أ.
(4) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أبي معاوية.
(5) سقطت من الأصل، وفي أ، ب: حسن، والصواب ما أثبته من ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1290.
(6) هذه الفقرة مدرجة في الخبر وهي من رواية عمرو بن دينار. انظر ابن عبد البر:
الاستيعاب 3/ 1290.
(7) التكملة من: أ، ب.
(8) تكملة يقتضيها السياق من ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1291.(1/589)
[فقالوا: خذ لنا أمانا] (1) فأخذ لهم أنّ لهم كذا وكذا، وألّا (2) يعاقبوا بشيء (3)، [وأنّه] (4) رجل منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصّة شيئا (5).
وقيل: إنّ الحسن رضي الله عنه أخذ لهم الأمان (6) على حكمهم. والتزم لهم معاوية الوفاء بما اشترطوا (7).
فبايعوه جميعا إلا جثيمة (8) الضبيّ، فقال معاوية: قد بايع (9) الناس إلا جثيمة، دعوا جثيمة جاثما! (10)
(ولاية قيس بن سعد على مصر في خلافة علي رضي الله عنه) (11):
وكان قيس مع [علي] (12) في الجمل وصفين والنهروان هو وقومه،
__________
(1) التكملة من: أ، ب.
(2) في الأصل والنسخ الأخرى: وأن لا، والمثبت من: الاستيعاب.
(3) في ب: شيئا.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: وأتاه، والمثبت من: الاستيعاب.
(5) رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1291والذهبي: تأريخ الإسلام (عهد معاوية) ص 291وسير 3/ 110كلاهما من طريق هشام بن عروة عن أبيه.
(6) في الأصل: أمان، والمثبت من: أ، ب وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1290.
(7) في الأصل: شرطوه، والمثبت من: أ، ب. وهذا الخبر رواه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1290عن عمرو بن دينار مطولا.
(8) لم أتوصل إلى معرفته.
(9) في الأصل: بايعوا، والمثبت من: أ، ب.
(10) لم أقف على هذا الأثر عند غير المؤلف.
(11) عنوان جانبي من المحقق.
(12) في الأصل والنسخ الأخرى: معاوية. وهو خطأ، والصواب ما أثبته من(1/590)
ولم يفارقه حتى قتل علي رضي الله عنه. وكان [علي] (1) ولّاه مصر، فضاق به معاوية، وأعجزته فيه الحيلة، فكايد فيه عليا، فكان معاوية يقول (2): لا تسبّوا قيسا فإنّه معنا. ففطن عليّ لمكيدته، فلم يزل به الأشعث وأهل الكوفة حتى عزل قيسا، وذلك الذّي (3) أراد معاوية (4).
(ولاية الأشتر ومحمد بن أبي بكر على مصر في عهد علي رضي الله عنه) (5):
وبعث (6) الأشتر أميرا على / مصر، فسار حتى بلغ قلزم (7)، [44/ أ] فشرب شربة عسل، فكان فيها حتفه، فقال عمرو بن العاص: إنّ لله جنودا من عسل (8). [فبعث] (9) محمد بن أبي بكر،
__________
الاستيعاب 3/ 1290.
(1) التكملة من: أ، ب.
(2) في ب: يقولا.
(3) (الذي) سقط من: ب.
(4) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1290بدون إسناد، ورواه الطبري: تاريخ 4/ 552 5/ 94، والكندي: تأريخ ولاد مصر ص 23، 24كلاهما عن الزهري، بتفصيل أكثر.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(7) قلزم: مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر ينسب إليها البحر المسمى اليوم بالبحر الأحمر. ياقوت: معجم البلدان 4/ 387بتصرف.
(8) هذا الأثر أخرجه الطبري: تاريخ 4/ 553عن الزهري. والبخاري: التأريخ الصّغير 1/ 87عن الزهري أيضا، لكنه يذكر: حتوفا، بدل جنودا. وأخرجه الكندي: تاريخ ولاة مصر ص 25وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 180، وذكره الذهبي: سير 4/ 35بدون إسناد.
(9) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: فتقدّم.(1/591)
[وتقدّم إليه] (1) على أن لا يعارض (2) لمعاوية بن خديج (3) وأصحابه، وكانوا (4) [قد] (5) نزلوا [بالنخيلة] (6)، وتنحّوا عن علي رضي الله عنه ومعاوية بعد صفين، فعبث (7) بهم محمد بن أبي بكر. ورحل قيس بن [سعد] (8) حتى أتى المدينة فولّعت (9) به بنو أميّة، فخرج حتى أتى عليا، فكان معه.
فكتب معاوية إلى مروان (10): ماذا صنعتم؟! (11) لأن تكونوا أمددتم عليا بثلاثين ألفا أحبّ إلي مما صنعتم من إخراجكم قيس إليه.
وكتب ابن خديج وأصحابه إلى معاوية: ابعث إلينا رجلا. فبعث إليهم عمرو بن العاص، فدخل مصر، فلجأ محمد بن أبي بكر إلى عجوز كانت صديقة لعائشة رضي الله عنها، ثم خرج من عندها، فطلبوه. فلم
__________
(1) الزيادة من: أ، ب.
(2) في الأصل: يعارض، وفي أ: يعرضن. وما أثبته من: ب، والذهبي: سير 3/ 109.
(3) في أ، ب: خديج
(4) عند الذهبي: سير 3/ 109: وكانوا أربعة آلاف قد نزلوا بنخيلة.
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: الجبلة، وهو تحريف، والصواب ما أثبته.
(7) في الأصل والنسخ الأخرى: فبعث، والمثبت هو الصواب. انظر الذهبي: سير 3/ 109.
(8) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: سعيد.
(9) ولعت به: أي استخفّت به. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 99 (ولع) بتصرف.
(10) في الأصل: لمروان، والمثبت من: أ، ب، والذهبي: سير 3/ 110وهو مروان ابن الحكم.
(11) عند الذهبي: سير 3/ 110ماذا صنعتم.(1/592)
تقّر لهم العجوزة به، فأخذوا إبنا لها، فأقرّ، فطلبوه فأدركوه فقتلوه، وأدخلوه في جيفة حمار، وحرقوه بالنار (1).
فقالت أخته عائشة رضي الله عنها: لا أكلت شواء أبدا (2).
(بيعة عمرو بن العاص لمعاوية) (3):
وقدم عمرو بن العاص على معاوية بعد فتحه مصر. فعمل معاوية طعاما، فبدأ (4) [بعمرو] (5) وأهل مصر [فغدّاهم] (6)، ثم أخرج أهل مصر وحبس (7) عمرا عنده. ثم أدخل أهل الشام، فتغدّوا، فلما فرغوا من الغداء، قالوا: يا أبا عبد الله بايع. قال: نعم [على] (8) أنّ لي عشرها يعني مصر فبايعه على أنّ له ولاية مصر ما كان حيا (9).
ثم لزم قيس المدينة، وأقبل على العبادة حتى مات بها سنة ستين (10).
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: ضيّعتم، والتصويب من سير أعلام النبلاء 3/ 110.
(2) روى مثله الكندي: تاريخ ولاة مصر ص 31، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 326.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في الأصل: وبدأ، والمثبت من: أ، ب.
(5) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: بمعاوية.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: فقد ابلغتهم.
(7) في الأصل: جلس، والمثبت من: أ، ب.
(8) التكملة من: أ، ب.
(9) ورد معنى هذه الرواية عند ابن سعد: الطبقات 4/ 258، والطبري: تاريخ 4/ 560 كلاهما عن الواقدي.
(10) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1290.(1/593)
وقيل: سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية (1).
(إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بسيادة الحسن وإصلاحه بين المسلمين) (2):
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر والحسن بن علي رضي الله عنه إلى جنبه، وهو يقبل على المسلمين مرّة وعليه أخرى ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (3) فكان كذلك. وكانت مدة خلافته ستة أشهر (4).
(إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدّة الخلافة بعده ثم تكون ملكا، فكان كما أخبر) (5):
وروى سفينة (6) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
__________
(1) انظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1290، والنووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 62.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) أخرجه البخاري: (الصحيح مع الفتح) كتاب الصلح بين الناس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ ابني هذا سيد» 5/ 306رقم (3704) وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين 7/ 94رقم (3746). والترمذي: سنن، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين 5/ 658رقم (3773) وأبو داود: سنن، كتاب السنة، باب ما يدّل على ترك الكلام في الفتنة 5/ 48رقم (4662) كلهم من طريق الحسن البصري عن أبي بكرة.
(4) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 103.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) سفينة: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا عبد الرحمن، يقال: كان اسمه مهران، أو غير ذلك، فلّقب سفينة، لكونه حمل شيئا كثيرا في السفر، توفي في زمن الحجاج. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 675وابن حجر: تقريب ص 245.(1/594)
«الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا» (1).
__________
(1) أخرجه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 71والمزي: تحفة الأشراف 4/ 21رقم (4480) وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 18وأخرجه بمعناه أحمد: المسند (مع المنتخب) 5/ 220والترمذي: سنن، كتاب الفتن، باب في الخلافة 4/ 503رقم (2226) وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سعيد. وأبو داود:
سنن، كتاب السنّة، باب في الخلفاء 5/ 36رقم (4646) والبيهقي: دلائل النبوة 6/ 341كلهم من طريق سعيد بن جهمان عن سفينة. وابن أبي عاصم: السنة 2/ 563، وابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية ص 473 (تحقيق الألباني) وقال:
حديث صحيح.
قال ابن كثير: هذا الحديث فيه دليل على أن الحسن بن علي رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين، لأن فترة الخلافة الراشدة وهي ثلاثون سنة إنما كملت بخلافة الحسن، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. البداية والنهاية 8/ 18بتصرف. فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن خلافة الحسن بن علي كانت خلافة حقّة، وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ستكون ثلاثين سنة وكذلك كانت كما أخبر عليه الصلاة والسلام. انظر أبو بكر بن العربي: أحكام القرآن 4/ 1720والنووي: شرح صحيح مسلم 12/ 201وابن أبي العزّ: شرح العقيدة الطحاوية ص 482، 483.(1/595)
خبر معاوية رحمه الله [تعالى] (1): (نسبه وكنيته ولقبه) (2):
هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن [حرب] (3) بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القريشي (4) الأموي. وفي عبد مناف / يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه [44/ ب] وسلم.
يكنى: أبا عبد الرحمن (5).
ولقبه: النّاصر للحقّ (6).
وهو الثّاني من أمراء بني أمية لأنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه أوّلهم، لكنّا أثبتناه (7) مع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
__________
(1) الزيادة من: أ، ب.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أبي حرب.
(4) في أ، ب: القرشي.
(5) مسلم: الكنى 1/ 511وابن سعد: الطبقات: 7/ 406وخليفة: الطبقات ص 10، 297 والبخاري: التاريخ الصغير 1/ 112والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/ 305.
(6) لم أقف عليه عند غير المؤلف.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أثبته.(1/596)
(نسب أمه، وخبرها مع الفاكه بن المغيرة) (1):
أمّه: هند بنت عتبة (2) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
وكانت قبل أبي سفيان تحت الفاكه (3) بن مغيرة (4)، من جلّة قريش، ومن كرمائها.
وكان الفاكه اتخذ مترلا للضّيافة (5) في داره. فخرج يوما من مترل الضّيافة، وترك هندا نائمة فيه. فانصرف راجعا إلى [مترله] (6)، فلقي بعض أضيافه خارجا من مترل الضيافة، لمّا لم يجد [الفاكه] (7)، فردّه وأنزله، ودخل على هند، فوجدها نائمة كما تركها، فركضها برجله، فاستيقظت فازعة (8)، فقال لها: من [الذي] (9) خرج من عندك آنفا؟ فقالت له: والله
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) هند بنت عتبة، أسلمت يوم الفتح، وماتت في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان.
ابن سعد: الطبقات 8/ 236وابن حجر: الإصابة 8/ 206.
(3) في ب: الفاكهة.
(4) هو الفاكه بن المغيرة المخزومي كان من أشراف قريش. قتل في الجاهلية بالغميصاء موضع قرب مكة وهو عائد بتجارة من اليمن. ابن حبيب: المحبر ص 297، 437 وابن قتيبة: المعارف ص 191والطبري: تاريخ 3/ 66.
(5) في الأصل: للضيفان، والمثبت من أ، ب وابن عبد ربه: العقد الفريد 6/ 86.
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: موضعه.
(7) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: الفاكهة.
(8) في ب: فزعة.
(9) التكملة من: أ، ب.(1/597)
ما رأيت غيرك منذ خرجت حتى أنبهتني، فقال لها: حبلك على غاربك فالحقي بأبيك. فأتت أباها (1) باكية، فأخبرته بالخبر، فقال لها: يا بنيّتي إن يكن الشّيطان غرّك والصّبوة (2)، فعرّفيني، لأدسنّ إليه من يقتله، وينكتم الخبر، لئلا تكون سبّة في العرب، وإن كنت بريئة حكمناه إلى الكاهن (3).
[فقالت له: حاكمه] (4)، فوحقّك ما أتيت عارا، ولا آتيه. فسار هو وناس معه، ومعهم الفاكه إلى سطيح (5)، كاهن العرب، فلما كان في بعض الطريق، رأى عتبة ابنته تبكي، فقال: مالك أخشيت الفضيحة؟ فقالت:
والله يا أبت، ولكنّي قلت: هذا كاهن العرب بشر مثلنا، والبشر غير معصومين من الخطأ، فربّما أخطأ عليّ، ونسبت الفاحشة إليّ، فقال: إنّي سأخبي له خبيّة (6)، واختبره [بها] (7)، فإن هو صدق (8) فيها كان في غيرها
__________
(1) في ب: فأتت بعد أباها.
(2) الصّبوة: جهلة الفتوّة واللهو من الغزل. ابن منظور: لسان العرب 14/ 449 (صبا).
(3) في الأصل: كاهن، والمثبت من: أ، ب.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) هو سطيح الذئبي الكاهن، اسمه: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب الغساني، من بني مازن، من الأزد، مات بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، وكان من المعمرين. أبو حاتم السجستاني: المعمرون ص 5، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 375، 374.
(6) (خبيّة) سقطت من: ب.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: فيها.
(8) في الأصل: صادق، والمثبت من: أ، ب.(1/598)
أصدق. فلما قربوا من مترله صفّر (1) لفرسه، فأدلى (2)، فأدخل حبة بر في إحليله. ثم ردّ إحليله، فلمّا دخلوا على سطيح أنزلهم، وذبح لهم، فقال عتبة: يا سطيح! قد خبّأنا لك شيئا فما هو؟ قال: ثمرة في كمرة، فقال له: عسى أبين من هذا. قال: حبة برّ في إحليل مهر، قال: صدقت. ثم جاؤوا بهند في جملة من النّساء متلفّعات (3). فقالوا له: أنظر في شأن هذه المرأة. فتصفّح وجوههن (4)، ثم ضرب بيده على هند، وقال لها: قومي غير دنّية ولا زانية، وستلدين ملكا يسمى معاوية. فقاموا عنه منصرفين، فمدّ الفاكه إليها يده ليردفها وراءه. فجذبت يدها منه وقالت له: إليك عنّي، فو الله / لا كان منك أبا، فانحازت منه [45/ أ] فتزوجها أبو سفيان [صخر] (5) بن حرب، فولدت له معاوية (6).
__________
(1) صفّر: من الصفير، وهو الصوت بالفم والشفتين. ابن منظور: لسان العرب 4/ 460 (صفر) بتصرف.
(2) أدلى الفرس وغيره: أخرج جر دانه ليبول، أو يضرب. ابن منظور: لسان العرب 14/ 266 (دلا).
(3) متلفّعات: متغطيات بثيابهن. ابن منظور: لسان العرب 8/ 320 (لفع) بتصرف.
(4) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: وجههن.
(5) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: أبو سفيان بن صخر.
(6) هذه القصة ذكرها ابن عبد ربه: العقد الفريد 6/ 87، 86وابن عساكر: تاريخ دمشق (تراجم النساء) ص 441439وذكرها ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 126، 127باختلاف يسير.(1/599)
فمشى يوما وهو غلام مع أمه هند [فعثر] (1) فقالت: قم لا رفعك الله. وأعرابي ينظر إليه (2)، فقال: لم تقولين (3) [له] (4) هذا؟ فو الله (5) إنّي لأظنّه سيسود قومه، فقالت: لا رفعه الله إن لم يسد إلّا قومه (6).
(منزلة أبو سفيان في الجاهلية والإسلام) (7):
وكان أبو سفيان رئيس قريش قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم (8). وله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ الصّيد في جوف الفرأ» (9) والفرأ: مقصور، وهو
__________
(1) التكملة من: أ، ب.
(2) في أ، ب: له.
(3) في الأصل: تقولي، والمثبت من: أ، ب. وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 676.
(4) الزيادة من أ، ب.
(5) في الأصل: والله، وفي ب: فالله، والمثبت من: أ، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 676.
(6) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 676والذهبي: سير 3/ 121وابن حجر: الإصابة 6/ 112عن أبان بن عثمان.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) المبرد: الكامل 1/ 262وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1677.
(9) هذا الحديث ذكره المبرد في: الكامل 1/ 262والسهيلي: الروض الأنف 4/ 99بدون إسناد وأخرجه أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 2/ 135، 136باسناده عن نصر ابن عاصم الليثي، مطولا وقال: هو مثل قديم، وأصله أنّ قوما خرجوا للصيّد، فصاد أحدهم ظبيا، وآخر أرنبا، وآخر فرأ، وهو الحمار الوحشي، فقال لأصحابه: كلّ الصيد في جوف الفراء، أي جميع ما صدتموه يسير في جنب ما صدته. وذكره السّخاوي في:
المقاصد الحسنة ص 328وقال: رواه الرامهرمزي في الأمثال، وسنده جيد لكنه مرسل، ونحوه عند العسكري. ونقله العجلوني كشف الخفاء 1/ 121.(1/600)
حمار الوحش.
وكان حرب بن أميّة رئيس قريش يوم الفجار. وكان آل حرب إذا ركبوا في قومهم من بني أميّة قدّموا في المواكب، وأخليت لهم صدور المجالس. وكان أبو سفيان صاحب العير يوم بدر، وصاحب الجيش يوم أحد، وفي الخندق، وإليه كانت تنظر قريش يوم فتح مكة. (1)
وجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنّه من دخل داره فهو آمن» (2).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفرش له فراشا في بيته في وقت خلافته، فلا يجلس عليه إلّا العبّاس وأبو سفيان، ويقول: هذا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شيخ قريش (3).
(تاريخ إسلامه، وبيعته، وصفاته الخلقية) (4):
أسلم معاوية وهو ابن ثمان عشرة سنة، عام القضيّة (5).
__________
قال ابن الأثير: الفرأ مهموز مقصود: حمار الوحش، وجمعه: فراء. قال له ذلك يتألفّه على الإسلام، يعني: أنت في الصيّد كحمار الوحش، كل الصيد دونه. وقيل:
أراد إذا حجبتك قنع كلّ محجوب ورضي، وذلك أنه كان حجبه وأذن لغيره قبله.
النهاية 3/ 422.
(1) المبرد: الكامل 1/ 262، 263
(2) هذا جزء من حديث طويل أخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة 12/ 127بمعناه.
(3) المبرد: الكامل 1/ 262.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) أبو نعيم: معرفة الصحابة (مخطوط) 2/ 194ب والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 27وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 674عن الخطيب البغدادي.(1/601)
بويع في شوال سنة أربعين ببيت المقدس (1).
وكان أبيض، طويلا، ضخما، عظيم البطن، يخضب بالحناء والكتم (2)، إذا ضحك تقلّصت شفته العليا (3).
كاتبه:
[عبيد] (4) بن أوس الغساني (5).
__________
وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 416وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 433والمزي:
تهذيب الكمال 28/ 177، وحكاه ابن حجر عن الواقدي. ثم قال: وهذا يعارضه ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في العمرة في أشهر الحج: فعلناها وهذا يومئذ كافر. ويحتمل إن ثبت الأول أن يكون سعد أطلق ذلك بحسب ما استصحب من حاله ولم يطّلع على أنه كان أسلم، لإخفائه لإسلامه الإصابة 6/ 112.
(1) هذه البيعة كانت بيعة أهل الشام عند استشهاد علي رضي الله عنه، أما إجماع الأمة عليه فلم يكن له ذلك إلا بعد اتفاقه مع الحسن سنة إحدى وأربعين للهجرة.
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 210.
(2) الكتم بالتحريك: نبت يخلط بالوسمة يختضب به. الجوهري: الصحاح 5/ 2019 (كتم).
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 675ورواه الذهبي: سير 3/ 120وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 127كلاهما عن ابن أبي الدنيا.
(4) في الأصل والنسخ الأخرى: عتبة بن أبي أوس. والصواب ما أثبته من تاريخ خليفة ص 228وابن حبيب: المحبّر ص 377وتاريخ الطبري 6/ 180وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 11/ 2، وعند الجهشاري: عبيد الله بن أوس الغسّاني. الوزراء والكتاب ص 15.
(5) عبيد بن أوس الغساني مولي معاوية، وسيّد أهل الشام، كتب لمعاوية، ولابنه يزيد.
ابن حبيب: المحبر ص 377، 444وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 11/ 2.(1/602)
حاجبه:
صفوان (1)، وزيد (2)، وأبو أيوب (3).
صاحب شرطته:
يزيد بن الحرّ (4) المخزومي (5). ثم قيس بن حمزة الهمداني (6).
وقاضيه:
فضالة بن عبيد الأنصاري (7)، استقضاه في خروجه إلى صفين.
__________
(1) هو صفوان مولى يزيد بن معاوية، كان حاجبا له ولابنه معاوية بن يزيد. ويقال:
إنه مولى معاوية بن أبي سفيان، وأنه كان حاجبا له. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 8/ 360بتصرف.
(2) لم أقف على ترجمته.
(3) خليفة: تاريخ ص 228، وابن حبيب: المحبر ص 259.
(4) خليفة: تاريخ ص 228، وابن حبيب: المحبر ص 373يزيد بن الحرّ من وجوه أهل الشام، شهد صفين مع معاوية وكان أحد شهوده في صحيفة صلحه مع علي على تحكيم الحكمين، وأمرّه أميرا على الصائفة. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 17/ 263.
(5) عند الطبري: تاريخ 5/ 54وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 17/ 263 العبسيّ. وعند ابن حبيب: المحبر ص 373: العنسيّ.
(6) خليفة: تاريخ ص 228والطبري: تاريخ 5/ 330قيس بن حمزة بن مالك الهمداني، كان من وجوه أهل الشام استعمله معاوية على الأردن. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 14/ 439، 440.
(7) فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري، أسلم قديما، وأوّل مشاهده أحد، ثم شهد المشاهد كلها، وشهد فتح الشام ومصر، ثم سكن الشّام، وولي الغزو، وولاه معاوية قضاء دمشق، ومات بها. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1262، ابن حجر: الإصابة 5/ 210.(1/603)
وذلك أنّ أبا الدرداء رضي الله عنه لّما حضرته الوفاة، قال له معاوية: من ترى لهذا الأمر؟ يعني القضاء، فقال: فضالة بن عبيد. فلمّا مات (1)
أرسل (2) إلى فضالة، وولاه القضاء، وقال له: أما إنّي (3) لم أحبك (4)
بها (5)، ولكني استترت بك من النّار (6). وابتنى بها (7) دار.
وكان شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وهي أوّل مشاهده، ثم شهد
__________
(1) في ب: جاءت.
(2) في ب: أرسلت.
(3) التصويب من أ، ب، وفي الأصل: أنا.
(4) لم أحبك بها: الحباء: ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به. أي: لم يكرمه بها.
ابن منظور: لسان العرب: 14/ 162 (حبا) بتصرف.
(5) في الأصل: به، والمثبت من: أ، ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1263.
(6) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1262، 1263بدون إسناد. أخرجه وكيع:
أخبار القضاة 3/ 199وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 14/ 226والذهبي:
سير 3/ 115كلهم من طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه.
وهّاه ابن معين: وقال أحمد: ليس بشيء. وقال: النسائي: غير ثقة. وقال الدارقطني وابن حجر: ضعيف. الذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 645ثم إنّ الأكثر والأشهر والأصح عند أهل الحديث أن أبا الدرداء مات في خلافة عثمان رضي الله عنه.
ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1229وابن حجر: الإصابة 5/ 46.
(7) أي: بمدينة دمشق التي كان فيها قاضيا لمعاوية، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1262.(1/604)
المشاهد كلها وتوفي في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين. فحمل معاوية سريره، وقال لابنه عبد الله: (1) أعنّي يا بنيّ، فإنك لا تحمل بعده مثله (2).
نقش خاتمه:
لا قوّة إلا بالله (3).
بنوه:
[عبد الرحمن] (4)، لأم ولد (5)، لا عقب له. وعبد الله، ويزيد، وهند (6)، ورملة (7)، وصفية (8).
__________
(1) عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان، كان ضعيفا، كان يكنى أبا الخير، ولقبه: منقب.
ولا عقب له من الذكور، له إبنة تزوجها عبد الله بن يزيد بن معاوية. ابن قتيبة:
المعارف ص 350والطبري: تاريخ 5/ 329وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 112.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1263وأخرجه وكيع: أخبار القضاة 3/ 201، 200 عن سعيد بن عبد العزيز، لكنه يذكر: يزيد. بدل: عبد الله.
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 718.
(4) التكملة من: أ، ب. عبد الرحمن بن معاوية، مات صغيرا ولا عقب له، ابن قتيبة:
المعارف ص 350والطبري: تاريخ 5/ 329.
(5) ابن قتيبة: المعارف ص 350، وعند الطبري: أمه فاختة بنت قرظة. تاريخ 5/ 329 وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 362.
(6) هند بنت معاوية تزوجها عبد الله بن عامر بن كريز. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 128.
(7) رملة بنت معاوية، تزوجها عمرو بن عثمان بن عفان، فولدت له، وأمها: كنود بنت قرظة، أخت فاختة بنت قرظة. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 128.
(8) ابن قتيبة: المعارف ص 350.(1/605)
فيزيد، هو الذي تولى (1) الخلافة بعد أبيه معاوية.
وأما عبد الله فكان ضعيفا، وكان أكبر من يزيد، [45/ ب] ولا عقب له من الذكور (2)، أمه: فاختة بنت قرظة بن حبيب بن نوفل بن عبد مناف (3). وكانت له ابنة اسمها عاتكة (4)، تزوجها يزيد بن عبد الملك (5). وفيها قال الشاعر (6):
__________
(1) في أ، ب: ولي.
(2) ابن قتيبة: المعارف ص 350وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 362.
(3) في الأصل والنسخ الأخرى: فاختة بنت قرظة بن حبيب بن عبد شمس. والتصحيح من مصعب الزبيري: نسب قريش ص 128والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 141وابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 116وابن عساكر: تاريخ دمشق (تراجم النساء) ص 268.
(4) هي عاتكة بنت عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان، تزوجها عبد الله بن يزيد بن معاوية فولدت له: حمادة بنت عبد الله بن يزيد. وأم عاتكة: أمّة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز. مصعب الزبيري: نسب قريش 131، 132.
(5) كذا عند ابن قتيبة: المعارف ص 350وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 363 والبكري: سمط اللآلي 1/ 259قلت: وهذا خطأ، لأن عاتكة بنت عبد الله بن معاوية تزوجها عبد الله بن يزيد. ولعل التي تزوجها يزيد بن عبد الملك عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية، كما هو عند الأصبهاني: الأغاني 24/ 8286وصححه عبد العزيز الميمني في تعليقه على البكري عند الكلام على عاتكة. سمط اللآلي 1/ 259هامش (2). وقيل: إنّها عاتكة بنت يزيد بن معاوية. البغدادي: خزانة الأدب 2/ 5، وهذا خطأ أيضا فهذه زوجة عبد الملك وأم يزيد بن عبد الملك.
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 163، 129وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 91.
(6) الشاعر، هو الأحوص: عبد الله بن محمد الأنصاري، كان شاعرا محسنا في المدح والفخر والغزل، نفاه عمر بن عبد العزيز إلى جزيرة دهلك باليمن لكثرة هجوه، وقيل:(1/606)
يا بنت (1) عاتكة التي أتعزّل (2) ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
إنّي لأمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
ولقد نزلت من الفؤاد بمترل ... ما كان قبلك والأمانة يترل
أعرضت عنك وما صددت لبغضه ... أخشى مقالة كاشح (3) لا يغفل (4)
(فضائله (5)):
وكانت لمعاوية رحمه الله أخلاق كريمة، وعلوم جسيمة، وسياسة غريبة، وأحكام شاذّة عجيبة.
قال قبيصة بن جابر (6) الأسدي: صحبت عمر بن الخطاب
__________
نفاه سليمان بن عبد الملك. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 424والجمحي: طبقات فحول الشعراء 2/ 655والبغدادي: خزانة الأدب 2/ 16.
(1) (يا بنت) ليست في أ.
(2) أتعزّل: أي أتجنبه وأكون بمعزل عنه. الأصبهاني: الأغاني 24/ 8278.
(3) الكاشح: الذي يضمر لك العداوة. الجوهري: الصحاح 1/ 399 (كشح).
(4) انظر الأبيات عند الأصبهاني: الأغاني 24/ 8281والبغدادي: خزانة الأدب 2/ 49 وشعر الأحوص ص 209207والبيت الأول عند ابن قتيبة: المعارف ص 350 وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 363.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: عامر، هو تحريف. والصواب ما أثبته. البخاري: التاريخ الكبير 7/ 175وأحمد: العلل 2/ 349والذهبي: سير 3/ 153، قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي، أبو العلاء ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، ثقة، مخضرم، مات سنة تسع وستين. ابن سعد: الطبقات 6/ 145وابن حجر: تقريب ص 453.(1/607)
رضي الله عنه فما رأيت (1) أحدا أفقه في كتاب الله، ولا أحسن مدارسة منه. وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أحدا أعطى [جزيل] (2) مال من غير [مسألة] (3) منه. وصحبت (4) عمرو بن العاص فما رأيت أحدا أنصع [ظرفا] (5) ولا أتم ظرفا منه. وصحبت معاوية فما رأيت أحدا أكثر حلما ولا أبعد أناة (6)، ولا أكثر سؤددا، ولا ألين مخرجا (7) في أمر منه (8).
وله يقول عبيد الله [بن عبد الله] (9) بن معمر بن عثمان [التيمي] (10)،
__________
(1) في ب: زلت.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: لزيد.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: زيد.
(4) (وصحبت) سقطت من: ب.
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: طريفا. والظرف: الكياسة. الجوهري: الصحاح 4/ 1398 (ظرف).
(6) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أثاثا.
(7) (مخرجا) سقطت من: ب.
(8) أخرجه البخاري: التاريخ الكبير 7/ 175والمزي: تهذيب الكمال 23/ 474وابن كثير:
البداية والنهاية 8/ 147وأخرجه ابن سعد: الطبقات 3/ 221وأحمد: العلل 2/ 349وأبو نعيم: الحلية 1/ 88وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 732مختصرا.
(9) التكملة من الإصابة لابن حجر 4/ 201عن الزّبير بن بكّار.
(10) في الأصل والنسخ الأخرى: التميمي، والتصحيح من نسب قريش لمصعب الزبيري ص 288وابن حجر: الإصابة 4/ 201عن الزّبير بن بكّار.(1/608)
وأبو النّضر (1). وكان (2) ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم:
إذا أنت لم ترخ (3) الإزار تكرما ... على الكلمة العوراء من كل جانب
فمن ذا الذي نرجوا لحقن دمائنا ... ومن ذا الذي نرجوا لحمل النّوائب (4)
ولما دخل الفيل دمشق حشر الناس لرؤيته، وصعد معاوية إلى علّية كانت في قصره فاطلع على جارية (5) من جواريه، وهي مع رجل في حجرة من حجر القصر، فأسرع إليها، وقال للرّجل: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: حلمك يا أمير المؤمنين! فقال: له معاوية: أتسترها إن عفوت عنك؟! قال: نعم، فخلّى سبيله (6). وهذا من الحلم العظيم أن
__________
(1) لم أتوصل إلى معرفته.
(2) يعني عبيد الله بن معمر، عمّ عبيد الله بن عبد الله بن معمر.
(3) في ب: تخرج.
(4) هذان البيتان نسبهما المؤلف وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1014، وابن عساكر:
تاريخ دمشق (مخطوط) 10/ 744، 745، والمرزباني عند ابن حجر: الإصابة 4/ 201 نسبوهما: إلى عبيد الله بن معمر التيمي. وهو خطأ لأن عبيد الله بن معمر رضي الله عنه قد مات في عهد عثمان باصطخر، فهو لم يدرك خلافة معاوية.
وقد نقل ابن حجر عن الزبير بن بكار قوله إن عبيد الله بن عبد الله بن معمر ابن أخي عبيد الله بن معمر وفد على معاوية وأنشده ذلك. الإصابة 4/ 201.
(5) (جارية) سقطت من: ب.
(6) هذا الخبر بتمامه ذكره الأبشهى: المستطرف 1/ 190.(1/609)
يطلب التستّر من الجاني. قال الشّاعر (1) في [مثل ذلك] (2):
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر (3)
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية فقال: «اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب» (4).
وناوله النبي صلى الله عليه وسلم سهما، فقال: «يا معاوية! خذ هذا السّهم حتى تلقاني به في الجنة» (5).
__________
(1) الشاعر هو المؤمل بن أميل المحاربي، كوفي، قدم بغداد، وكان من أعيان شعراء المهدي الخليفة العباسي. مات سنة تسعين ومئة للهجرة. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 13/ 177والمرزباني: معجم الشعراء ص 298والبغدادي: خزانة الأدب 8/ 333.
(2) الزيادة من: أ، وفي: ب: في ذلك.
(3) انظر البيت عند ابن قتيبة: عيون الأخبار 3/ 52وابن عبد البر: بهجة المجالس 1/ 263والثعالبي: التمثيل والمحاضرة ص 90وهو من قصيدة أشتهر بها الشاعر.
المرزباني: معجم الشعراء ص 298.
(4) أخرجه أحمد: فضائل الصحابة 2/ 914رقم (1749) عن شريح بن عبيد مرسلا، لكن يقويه حديث العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب». أخرجه أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 4/ 127وفضائل الصحابة 2/ 913رقم (1748) وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 683وذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 356.
(5) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 692باسناده عن أبي هريرة. وذكره الذهبي: سير 3/ 130عن أبي هريرة أيضا. وقال الذهبي: هذا من الأباطيل المختلقة، ظاهره الوضع. وأورده السيوطي في: اللآليء المصنوعة 1/ 421والشوكاني: الفوائد المجموعة(1/610)
وكان ردفه (1) ذات يوم على دابة فقال: ما يليني منك يا معاوية؟
فقال: بطني يا رسول الله! فقال (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم املأه (3) علما وحلما». (4) / [46/ أ] وروي عن عوف بن [مالك] (5) الأشجعي (6)
وكانت له صحبة قال: كنت قائلا في كنيسة (7) في دار [يوحنّا] (8) وهي يومئذ مسجد يصلّى فيه فنبهت من نومي، وإذا في البيت أسد يمشي إليّ، فقمت فزعا، فقال لي الأسد: إنما أرسلت إليك برسالة لتبلغها، فقلت: من أرسلك؟ قال: أرسلني ربّك لإن (9) تعلم معاوية الرّحّال أنّه (10) من أهل
__________
ص 350وقال: رواه الخطيب عن أبي هريرة، وابن حبان عن جابر مرفوعا. وهو موضوع.
(1) في ب: أردفه.
(2) في الأصل: قال، والمثبت من: أ، وسقطت من: ب.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أملأها.
(4) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 688والذهبي: سير 3/ 127.
(5) التكملة من: أ، ب.
(6) عوف بن مالك بن أبي عوف، أوّل مشاهده خيبر، وكان معه راية أشجع يوم الفتح، وسكن الشام، وغزا مع يزيد بن معاوية القسطنطينية، مات في خلافة عبد الملك سنة ثلاث وسبعين: البخاري: التاريخ الصغير 1/ 125وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1226.
(7) عند ابن عساكر: في كنيسة مار يوحنا. تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 698وكانت من أشهر معابد النصارى بدمشق، مكان الجامع الأموي. محمد كرد علي: خطط الشام 6/ 7.
(8) التكملة من: أ، ب.
(9) في ب: لن.
(10) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: لأنه.(1/611)
الجنة، قلت: ومن معاوية الرّحّال؟ قال: ابن أبي سفيان (1).
ولما ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتب عليه (2)، لحديث (3) سنّه (4)، فقال: تلومونني (5)، وأنا سمعت نبي (6) الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«اللهم اجعله هاديا، مهديا، واهد به (7)» (8).
__________
(1) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 698من طريق أبي بكر بن أبي مريم. ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط. ابن حجر: تقريب ص 623، وأخرجه ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 134عن ابن عساكر بإسناده. ثم قال: هذا غريب جدا، ولعل جميع ما رواه كان مناما، ويكون قوله إذا انتبهت من نومي مدرجا لم يضبطه ابن أبي مريم، والله أعلم.
وذكره أيضا الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 357وقال: ورواه الطبراني، وفيه أبو بكر ابن أبي مريم وقد اختلط.
(2) (عليه) ليست في: أ.
(3) في أ: لحدث.
(4) في ب: لسانه.
(5) في ب: تلوموا.
(6) في ب: لحقت رسول.
(7) (واهد به) سقطت من: أ.
(8) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 687والذهبي: سير 3/ 126 كلاهما من طريق الوليد بن سليمان عن عمر بن الخطاب، وهو منقطع لأن الوليد بن سليمان لم يدرك عمر. لكن له شاهد عند أحمد: المسند (مع منتخب كتر العمال) 4/ 216، والترمذي: سنن، كتاب المناقب، باب مناقب معاوية 5/ 687رقم (3842) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: «اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به» وقال: هذا حديث حسن غريب. والبخاري: التاريخ الكبير 7/ 327وذكره تقي الدين الهندي: كتر العمال 11/ 749رقم (33658).(1/612)
وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنّه قال: ما رأيت أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (1) أسود من معاوية، قالوا: ولا أبو بكر! قال: ولا أبو بكر (2)، والله كان خيرا منه، وهو (3) كان أسود منه، فقيل له: ولا عمر! فقال: عمر والله كان خيرا منه، وهو كان أسود، فقيل: ولا عثمان! [قال] (4): رحمة الله على (5) عثمان، إن كان لسيدا. وكان أسود منه (6).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب (7).
ووفد على معاوية المسور بن مخزمة (8) بن نفيل (9) القريشي (10) وكانت
__________
(1) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: ما كان.
(2) (ولا أبو بكر) سقطت من: ب.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: ولا هو.
(4) التكملة من: أ.
(5) في الأصل: عليه، والمثبت من: أ، ب.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1418وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 674وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 434والذهبي: سير 3/ 152وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 147باختصار.
والمراد بأسود منه: أي أسخى وأعطى للمال. وقيل: أحكم منه. ابن الأثير: النهاية 2/ 418.
(7) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1417وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 701من طريق أبن أبي الدنيا. وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 434والذهبي: سير 3/ 134ونسبه للمدائني. وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 136ونسبه لابن أبي الدنيا.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: المخمرة.
(9) في ب: نويفل.
(10) في أ، ب: القرشي.(1/613)
له صحبة (1) قال: فلما دخلت عليه سلّمت، قال: فما فعل طعنك على الأمراء يا مسور؟! قال: قلت: يا أمير المؤمنين! أرفضنا (2) من هذا وأحسن فيما قدمنا. قال: لتكلمني (3) [بذات] (4) نفسك. قال: فلم أدع شيئا عيّبت به إلا خبرّته به، فقال: لا تبرأ من الذّنوب يا مسور، فهل لك ذنوب تخاف أن (5) تهلكك إن لم يغفر الله لك؟ قال: نعم! قال: ما حملك أن ترجو مغفرة منّي؟ فو الله لما إليّ (6) من إصلاح بين (7) الناس، وإقامة الحدود، والجهاد في سبيل الله، والأمور العظام التي يحصيها (8)، والتي لا يحصيها [أكثر مما يلي] (9). والله إني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو عن السّيئات، ومع ذلك والله ما كنت (10) لأخيرّ بين الله وبين غيره إلّا
__________
(1) التصويب من: أ، وفي الأصل: صاحبه، وفي ب: صحابة.
(2) أرفضنا: الرّفض: التّرك، وأرفضنا: أي أتركنا. الجوهري: الصحاح 3/ 1078 (رفض) بتصرف.
(3) في ب: لا تكلمني.
(4) التكملة من: أ، ب.
(5) (أن) سقط من: ب.
(6) في الأصل: إلا من، وفي ب: لالى. والمثبت من: أ، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 724وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 145.
(7) في ب: بقول.
(8) (يحصيها) ليست في: ب.
(9) في الأصل والنسخ الأخرى: مسائلي، والتصويب من الاستيعاب 3/ 1422وتاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 724.
(10) (ما كنت) سقطت من: ب.(1/614)
اخترت الله على ما سواه. قال المسور: ففكّرت حين قال لي ما قال، فوجدته قد خصمني. فكان المسور إذا ذكره (1) بعد ذلك دعا له بخير (2).
(مكانة الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير عند معاوية رضي الله عنهم) (3):
وكان إذا لقي الحسن بن علي يقول: مرحبا وأهلا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر له بثلاثمائة ألف. وكان يلقى ابن الزبير، فيقول (4) [له] (5):
مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حواريّه، ويأمر له بمائة ألف (6).
__________
(1) في ب: أدركه.
(2) هذا الأثر أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1421، 1422وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 724وابن كثير البداية والنهاية 8/ 145كلهم من طريق الزّهري عن حميد بن عبد الرحمن قال: أخبرني المسور. وقال ابن عبد البر: وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب، رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه.
وأخرجه عبد الرزاق: المصنف 11/ 345344والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 208، 209والذهبي: سير 3/ 150، 151من طريق معمر عن الزهري مثله.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في الأصل: ويقول، والمثبت من: أ، ب، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 739.
(5) التكملة من: أ، ب.
(6) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 739وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 149.(1/615)
(موقفه من قتلة عثمان) (1):
ولما دخل المدينة دخل دار عثمان (2) رضي الله عنه، ومعه الحسن والحسين / رضي الله عنهما، فسلّم على أهلها، فصاحت عائشة بنت (3) [46/ ب] عثمان (4): وآأبتاه (5)، وآثأراه (6)! فقال لها معاوية: إنّ الناس قد أعطونا سلطانا، وأعطيناهم، وأظهرنا لهم (7) حلما تحت غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا وباعوا لنا ذلك، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا اشجّوا (8) بما قبلهم، ومع (9) كلّ إنسان سيف وهو يرى مكان حقّه، وإن نكثنا (10) بهم نكثوا بنا، ولا ندري الدائرة لنا أم علينا، ولأن تكوني (11)
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) دار عثمان: تسمّى الزوراء، غربي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. ياقوت: معجم البلدان 3/ 156وابن حجر: فتح الباري 2/ 394.
(3) في ب: ابنه.
(4) عائشة بنت عثمان: تزوجها عثمان بن الحارث، فولدت له، ثم خلف عليها عبد الله ابن الزبير، ثم فارقها. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 112.
(5) في ب: وابنته.
(6) التصويب من: أ، وفي الأصل: واثراه، وفي ب: واقاربه.
(7) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: واعطينا لهم ما أظهرنا.
(8) اشجوا: انشقّوا يقال: شجّ البحر: أي شقّه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 249 (شجّ).
(9) في الأصل: وتحت، والمثبت من: أ، ب، وابن قتيبة: عيون الأخبار 1/ 67.
(10) في ب: نكثناه.
(11) في ب: ولا تكوني.(1/616)
ابنة عثمان (1) أمير المؤمنين خير من أن تكوني أمة من إماء المسلمين (2).
(بيعة عدي بن حاتم لمعاوية) (3):
ودخل عليه يوما عدي (4) بن حاتم الطائي وكانت له صحبة (5) فقال له معاوية: ما فعلت الطرفات؟ (6) يعني أولاده قال: قتلوا مع (7) علي رضي الله عنه، قال: ما أنصفك عليّ. قتل أولادك، وبقي أولاده. قال: عدي: أنا أنصفت عليا إذ قتل وبقيت بعده! (8) فقال معاوية: أما إنّه قد بقيت (9) قطرة من
__________
(1) في ب: عمر.
(2) هذا الأثر ذكره ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/ 67والجاحظ: البيان والتبيين 3/ 300 وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 364وأخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 721وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 144. قلت: هذا القول من معاوية يعكس حقيقة موقفه من قتلة عثمان. ذلك أنه لم يستطع أن يقتص له منهم لأنه يعلم أنه سيواجه قتالا آخر كالّذي حدث في صفين، فالفتن إنما يعرف ما فيها من الشرّ إذا أدبرت، وقد ذاق الناس ما فيها من الشرّ والمرارة والبلاء. ابن تيمية: منهاج السنة (تحقيق: محمد رشاد سالم) 4/ 408، 409بتصرف.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في ب: علي.
(5) في الأصل: وكانت له صحبة مع علي، والمثبت من: أ، ب.
(6) الطّرفات: الطرف: الكريم من الفتيان. الجوهري: الصحاح 4/ 1393 (طرف) ولعدي ابن اسمه: طريف، وبه كان يكنى. الدولابي: الكنى 1/ 76.
(7) في ب: معي.
(8) في ب: بعدهم.
(9) في ب: بغيتم.(1/617)
دم (1) عثمان لا يمحوها إلا دم شريف من أشرف اليمن (2). فقال له عدي:
والله إنّ قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإنّ أسيافنا التي قاتلناك (3) بها لعلى عواتقنا، ولئن أبديت لنا من الغدر فترا (4) لنمدنّ إليك (5) من الشر شبرا، فإنّ حزّ الحلقوم، وحشرجة الحيزوم (6) لأهون علينا [من] (7) أن نسمع المساءة [في] (8) علي رضي الله عنه، فشمّ السيف يا معاوية يشمّ (9) عنك، فقال معاوية: هذا كلمات حكم فاثبتوها، وقيّدوها. ثم أقبل على عدي يحادثه وكأنه ما خاطبه (10) بسوء (11).
(بيعة سعد بن أبي وقاص لمعاوية) (12):
وقدم عليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له معاوية رضي الله عنه، أين كنت
__________
(1) في ب: دمي.
(2) التصويب من: ب، وفي الأصل: الإيمان، وفي أ: قريش.
(3) في ب: قتلناك.
(4) الفتر: بالكسر، ما بين طرف السّبابة والإبهام إذا فتحتهما. الجوهري: الصحاح 2/ 777 (فتر).
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: لنصدن عليك.
(6) الحيزوم: وسط الصدر. الجوهري: الصحاح 5/ 1899 (حزم).
(7) التكملة من: أ، ب.
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: على.
(9) في أ، ب: يشام.
(10) في أ، ب: خطبه.
(11) ذكر نحوه المسعودي: مروج الذهب 3/ 13وأخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 11/ 483مثله.
(12) عنوان جانبي من المحقق.(1/618)
في هذا الأمر؟ فقال: إنما مثلنا ومثلكم كمثل ركب يسيرون فأصابتهم ظلمة، فقالوا: أخ أخ، فقال له معاوية: ما في كتاب الله تعالى أخ أخ، ولكن في كتاب الله: {وَإِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمََا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدََاهُمََا عَلَى الْأُخْرى ََ فَقََاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتََّى تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ} (1) فبايعه، وما سأله شيئا إلا أعطاه إيّاه (2).
(لقاء جماعة من أهل العراق لمعاوية) (3):
وقدم عليه الأحنف بن قيس واسمه الضحّاك، وقيل صخر، يكنى:
أبا بحر (4) [والحتات بن يزيد المجاشعي] (5) واسمه عامر وله صحبة، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع فأسلم، وكان مع عائشة رضي الله عنها في خروجها إلى البصرة (6) في نفر من أهل العراق، فقال معاوية للأحنف:
أنت الشّاهر علينا سيفك يوم صفين، والمخذّل عن عائشة أم المؤمنين،
__________
(1) سورة الحجرات: الآية (9).
(2) أخرجه ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 98وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 83 بأطول مما هنا.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 144.
(5) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: سعيد المشاشعي. الحتات بن يزيد المجاشعي التميمي، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية، وشارك في فتوح المشرق، ومات عند معاوية في خلافته. ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 412وابن حجر: الإصابة 1/ 324.
(6) سقطت هذه الجملة من: ب.(1/619)
فقال الأحنف: لا توفينا (1) بما مضى، ولا تردّ (2) الأمور على / أدبارها، فإنّ القلوب [47/ أ] التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والسيوف التي قتلناك بها على عواتقنا، وأنت والله لا تأتي (3) لنا شبرا من غدر إلا مددنا إليك ذراعا من شر (4)، ولئن شئت بعد ذلك لتستصفينّ [كدر] (5) قلوبنا بفضل حلمك فقال: أفعل. فأعطاهم، وحباهم، وأرضاهم (6).
(وصف ضرار الصدائي لعلي، وقد طلب منه ذلك معاوية) (7):
وقال يوما لضرار (8): صف لي عليا. فقال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفه. فقال: أما إذ لا بد (9) من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا. يتفجر العلم من جوانبه، وينطق
__________
(1) في الأصل: توفي لنا، والمثبت من: أ، ب. وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 8/ 434.
(2) في ب: تردنّ.
(3) في الأصل: تأتينا، والمثبت من: أ، ب.
(4) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: شيء
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) أخرجه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 8/ 434والذهبي: تأريخ الإسلام (حوادث ووفيات 8061هـ) ص 351مثله.
(7) عنوان جانبي من أمالي القالي 2/ 147.
(8) لم أتوصل إلى معرفته. أما بنو صدا فهم: بنوا صداء بن يزيد بن حرب، بطن من كهلان، من القحطانية. القلقشندي: نهاية الأرب ص 311، 312.
(9) في ب: أما لذلك بد.(1/620)
من نواحيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته. وكان غزير [العبرة] (1)، طويل (2) الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطّعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبّئنا (3) إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له. يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين. لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس (4) الضّعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في (5) بعض مواقفه، وقد أرخى الليّل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرّي (6) غيري.
ألي تعرّضت (7) أم إليّ تشوّفت؟! هيهات قد باينتك (8) ثلاثا لا (9)
__________
(1) في الأصل: الدمعة، والمثبت من: أ، ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108.
(2) هنا انتهى السقط من نسخة: ج.
(3) في ب: وينبونا.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يأنس.
(5) (في) سقط من: أ.
(6) في ب: تجري.
(7) في الأصل: عرضت أما، والمثبت من: أ، ب، ج وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108.
(8) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: وقد تبينتك.
(9) (لا) سقط من: ب.(1/621)
رجعة (1) فيها، فعمرك قصير وخطرك حقير. آه [من] (2) قلّة الزّاد، وبعد السّفر، ووحشة الطّريق. فبكى معاوية، وقال: يرحمك (3) الله أبا الحسن. كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ (4) قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، ولم يكن لها سواه كيف يكون حالها (5).
(ثناءه على عليّ رضي الله عنه) (6):
وكان معاوية يكتب فيما يترل به ليسأل [له] (7) علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك. فلّما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم [بموت] (8) ابن أبي طالب رضي الله عنه (9)، فقال له عتبة، أخوه (10): لا يسمع هذا منك
__________
(1) في الأصل: رجعتك، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108.
(2) في الأصل: على، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108.
(3) في ج: يرحم.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبازرار.
(5) هذه الفقرة ليست في: أ، ب، ج. والخبر أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1107، 1108.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في الأصل: به، وفي ج: عن، والمثبت من: أ، ب، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) (رضي الله عنه) ليست في: أ، ب، ج.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أخيه.(1/622)
أهل الشّام، قال: دعني منك (1).
(قبوله النصيحة، وعدوله عن الاستئثار بالفيء) (2):
وصعد المنبر يوم الجمعة فقال: أيّها النّاس إنّما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه، ومن شئنا منعناه [فلم يجبه أحد] (3). فلمّا كانت الجمعة الثانية، قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد. فلما كانت الجمعة (4)
الثالثة، قال مثل مقالته. فقال له رجل ممن حضر المجلس: كلّا يا أمير المؤمنين! بل المال مالنا والفيء فيئنا. ومن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله تعالى (5) بأسيافنا. فترل معاوية، / فأرسل إلى الرّجل، فأدخل عليه، فقال [47/ ب] القوم: هلك الرجل. ثم فتح معاوية الأبواب، فدخل النّاس عليه، فوجدوا الرّجل معه (6) على السّرير، فقال معاوية: إنّ هذا أحياني أحياه الله، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون أمّتي من بعدي يقولون ولا يردّ عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة» إنّي تكلّمت أوّل جمعة، فلم يردّ عليّ أحد، فخشيت أن أكون منهم. ثم تكلمت الجمعة الثانية (7)، فلم
__________
(1) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1108بدون إسناد.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في ج: كان في الجمعة.
(5) (تعالى) ليست في: أ، ب، ج.
(6) (معه) سقطت من: ب.
(7) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: الثالثة.(1/623)
يردّ علي أحد (1)، فقلت في نفسي: إنّي (2) من القوم، ثم تكلّمت في هذه الجمعة، فقام هذا الرجل، فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم. فأعطاه وأجازه (3).
(انتساب صعصعة بن صوحان لمّا سأله معاوية عن نسبه) (4):
ودخل عليه صعصعة بن صوحان (5) العبدي، وعنده وجوه النّاس وكان (6) يبلغه عنه فصاحته (7) فقال له معاوية: ممّن الرّجل؟ فقال:
__________
(1) هذه العبارة سقطت من: ب.
(2) في ج: أنا.
(3) في أ، ب، ج: وأجزاه. والحديث أخرجه أبو يعلى: المسند 13/ 374رقم (7382) والطبراني: المعجم الكبير 19/ 393، 394رقم (925) وابن عدي: الكامل 4/ 1424، 1425، والذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 329، 330وابن حجر: المطالب العالية 4/ 269رقم (4413) كلهم من طريق ضمام بن إسماعيل المعافري قال:
سمعت أبا قبيل حيي بن هانيء يخبر عن معاوية. وذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 5/ 236ونسبه للطبراني في الكبير والأوسط، ولأبي يعلى، وقال: رجاله ثقات.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل: صرحان، وفي أ، ب: سرحان. صعصعة بن صوحان العبدي، نزل الكوفة، تابعي كبير، كان سيّدا من سادت قومه، فصيحا خطيبا عاملا، يعدّ في أصحاب علي رضي الله عنه، مات في خلافة معاوية. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 717 وابن حجر: تقريب ص 276.
(6) (وكان) ليست في: ب، ج.
(7) في ب: عنده فصاحه.(1/624)
[من] (1) نزار. قال: وما نزار؟ قال: كان إذا غزا احتوش (2)، وإذا انصرف انكمش (3)، وإذا لقي افترش (4). قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من ربيعة.
قال: وما (5) ربيعة؟ قال: كان يغزو بالخيل، ويغير بالليل، ويجود بالنّيل. (6)
قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أسد. قال: وما أسد؟ قال: كان إذا طلب أفضى (7)، وإذا أدرك أرضى (8)، [وإذا آب أنضى] (9). قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من جديلة. [قال: وما جديلة؟] (10) قال: كان يطيل
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) التصويب من: ب، وفي الأصل وأ، ج: احترش. احتوش: من احتوش القوم الصّيد:
إذا أنفره بعضهم على بعض. والمراد: أنه كان إذا غزا أحاط بالأقران من جوانبهم، واستولى عليهم. ابن الأثير: منال الطالب ص 599، 600.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: كمش. انكمش: أسرع. ابن الأثير: منال الطالب ص 600.
(4) في أ، ب، ج: القى. إذا لقي افترش: إن كان يريد لقاء الأقران: فهو يلقاهم بنفس منبسطة للحرب، ويد مبسوطة للطّعن والضّرب، وإن كان يريد لقاء الإخوان والضيّفان، فهو يلقاهم بوجه طليق، ولسان ذليق. ابن الأثير: منال الطالب ص 600.
(5) في ب: ومن.
(6) يجود بالنيل: أي يكثر العطاء. ابن الأثير: منال الطالب ص 600.
(7) إذا طلب أفضى: أي إذا طلب شيئا وصل إليه. ابن الأثير: منال الطالب ص 600.
(8) إذا أدرك أرضى: أي إذا وصل إلى طلبته أرضى. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(9) الزيادة: من أ، ب، ج. وإذا آب أنضى: أي إذا رجع أتعب خيله وإبله في المشي.
ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.(1/625)
النّجاد (1)، ويعدّ (2) الجياد (3)، [ويجيد الجلاد] (4) قال: فمن أي ولده أنت قال: من دعميّ (5). قال: وما دعميّ؟ قال: كان نارا (6) ساطعا، وشرا قاطعا، وخيرا نافعا. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أفصى (7). قال:
وما أفصى؟ قال: كان ينزل القارات، ويكثر الغارات، ويحمي الجارات.
قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عبد القيس، قال: وما عبد القيس؟
قال: أبطال ذادة، جحاجحة (8) سادة، صناديد قادة (9). قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أفصى. قال: وما أفصى؟ قال: كانت رماحه مشرعة،
__________
(1) النّجاد: حمائل السيوف، وطوله دليل على طول القامة. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: يعيد.
(3) يعد الجياد: أي يدّخر الخيل النّفيسة السّريعة للحرب والغارة. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(4) التكملة من: أ، ب، ج. الجلاد: الضّراب. ابن الأثير: منال الطالب 601.
(5) دعميّ، بضم الدال، وتشديد الياء، من الدّعم: القوة والسّمن. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(6) في ب: ذا رأي.
(7) (من أفصى) سقطت من: ب. أفصى: بالفاء والصاد المهملة، من أفصى المطر: أي أقلع، وتفصيت من الديون: إذا تخلصت منها. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(8) التصويب من: أ، وفي الأصل وب: حجاجة، وفي ج: حجامة. جحاجحة: جمع جحاجح: وهو السيّد الكريم. ابن الأثير: منال الطالب ص 601.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قتادة. قادة: جمع قائد، وهو المقدّم، الرئيس، الذي يقود الجيش.(1/626)
وقدوره مترعة (1)، وجفانه (2) مفرغة. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من لكيز. قال: وما لكيز؟ قال: كان يباشر القتال، ويعانق الأبطال، ويبدّد الأموال. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عجل (3). قال: وما عجل؟
قال: اللّيوث الضراغمة (4)، الملوك القماقمة (5)، والقروم (6) القشاعمة (7).
قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من كعب. قال: وما كعب؟ قال: كان يسعر الحرب، ويجيد الضّرب، ويكشف الكرب. قال: فمن أي ولده
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: متروعه. مترعة: ممتلئة. الجوهري: الصحاح 3/ 1190 (ترع).
(2) جفانه: الجفان، جمع جفنة: وهي القصعة أو الصحفة التي يوضع فيها الطعام. الفيروز آبادي: القاموس المحيط ص 1531 (جفن).
(3) هو عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن القيس بن أفصى بن دعمى ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. ابن الكبي: جمهرة النسب ص 582وابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 295.
(4) الضراغمة: جمع ضرغام، وهو من صفات الأسد الضّاري القويّ المقدام. ابن الأثير:
منال الطالب ص 602.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: القماقمة: جمع قماقم، وهو السيّد. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(6) القروم: جمع القرم، وهو السّيد، المقدّم في الرأي. ابن الأثير: منال الطالب ص 602.
(7) القشاعمة: جمع قشعم، وهو المسنّ من الرجال، يريد: أنهم ذوو أسنان، قد حنّكتهم التجارب. ابن الأثير: منال الطالب ص 602.(1/627)
فمن أي ولده أنت؟ قال: من ملك (1). قال: وما ملك؟ قال: هو الهمام (2) القمقام. قال: معاوية: والله ما تركت لهذا الحي من قريش شيئا! قال: بلى، تركت، وأكثرت (3) قال: تركت / لهم الوبر (4) [48/ أ] والمدر (5)، والأبيض والأصفر، والصّفا والمشعر (6)، والقبّة (7) والمنحر والسّرير والمنبر، والملك إلى المحشر (8). قال: أما والله لقد (9) كان يسوءني أن أراك خطيبا! قال: أنا (10) والله لقد كان يسوءني أن أراك أميرا (11)
__________
(1) لم أقف على نسبه الذي يصله إلى عجل بن عمرو.
(2) الهمام: الملك العظيم الهمّة. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(3) في أ، ب، ج: وأكثره.
(4) الوبر: يريد به سكان البيوت، المتّخذة من أوبار الإبل. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(5) المدر: يريد به المدن والقرى. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(6) المشعر: الموضع المعروف بمزدلفة، يعني أن الحج وأموره يختص بقريش، وأن النّاس ينتابونهم من أقصى الأرض وأدناها. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(7) القبة: كانت قريش تضربها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، ويولّون أمرها واحدا من مقدميهم، وكانت آخرا إلى خالد بن الوليد. ابن الأثير: منال الطالب ص 603.
(8) المحشر: يوم القيامة. ابن الأثير: منال الطالب ص 604.
(9) في ج: لو.
(10) في ج: أما.
(11) هذا الجزء من الخبر ذكره القالي: الأمالي 2/ 226، 227وذكره المسعودي:
مروج الذهب 3/ 49، 48وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 8/ 310وابن الأثير: منال الطالب ص 598596باختلاف في الروايات.(1/628)
تتصرف في العمّال (1)، [ولا] (2) تقضي في الأموال.
فقال معاوية: إنّ الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت من مال الله فهو لي (3) وما تركت منه كان جائز لي، فقال صعصعة:
تمنّيك (4) نفسك ما لا يكو ... ن جهلا (5) معاويّ لا تأثم
فقال معاوية: يا صعصعة! تعلمت الكلام، قال: العلم بالتّعلم، من لا يتعلم يجهل. قال معاوية: ما أحوجك إلى أن نذيقك وبال أمرك. قال:
ليس ذلك [لك، ذلك] (6) بيد الله. لا يؤخّر الله نفسا إذا جاء أجلها (7).
قال: ومن يحول بيني وبينك؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. قال: اتّسع بطنك للكلام، كما اتّسع بطن البعير للشّعير. قال: اتسع بطن من لا يشبع.
ثم خرج، فبعث إليه (8)، وردّه، ووصله، وأكرمه (9).
__________
(1) في أ، ب، ج: الأحوال.
(2) التكملة من: أ.
(3) في ب: يهودي.
(4) في الأصل: تمني لك، والمثبت من: أ، ب، ج والمسعودي: مروج الذهب 3/ 52.
(5) (جهلا) سقطت من: أ، ب.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) الآية الكريمة {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللََّهُ نَفْساً إِذََا جََاءَ أَجَلُهََا وَاللََّهُ خَبِيرٌ بِمََا تَعْمَلُونَ} (11) المنافقون: الآية (11).
(8) سقطت من: ب.
(9) هذا الجزء من الخبر أخرجه المسعودي: مروج الذهب 3/ 52بنحوه.(1/629)
تفسير قوله: [يترل] (1) القارات: هو جمع قارة (2)، وهو الجبل الصغير (3).
ودخل عليه يوما أيضا، فقال معاوية: إنّا لله، وله الحمد، قد أكرم (4)
خلفاءه بأفضل الكرامة، وأنقذهم من النّار، وأوجب لهم الجنة، وجعل أهل الشام أنصارهم (5). فهم المنصورون على عدوهم، الذّابون عن حرم الله تعالى، الآخذون بحقّه. ثم سكت. فقام (6) صعصعة [فقال] (7):
تكلّمت يا أمير المؤمنين، وأبلغت، ولم تقصّر فيما قلت، [وأوردت] (8)
وليس الأمر كما وصفت، أنّى يكون الخليفة خليفة! (9) من ضرّ الناس قهرا، واجتذبهم (10) مكرا، وملكهم جبرا، ثم دناهم بغير العدل، واستأثر دونهم بالفضل، واستولى عليهم بأسباب [الجهل] (11)؟! فأما (12) إطراؤك
__________
(1) الزيادة من: ب.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: قراءة، وفي ج: قارات.
(3) القالي: الأمالي 2/ 227.
(4) في ب: أحرم.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: نصرهم.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقال.
(7) التكملة من: ج.
(8) الزيادة من أ، ب، ج.
(9) (خليفة) ليست في: أ.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: واجذبهم.
(11) التكملة من: أ، ب، ج.
(12) في ج: فما.(1/630)
لأهل الشام، فإني لا أعلم قوما (1) أطوع لمخلوق في معصية الله منهم.
ملكت رقابهم وأبدانهم وقلوبهم بالمال، فإن تدرّه عليهم يتبعوك (2)، وإن تمنعهم منه يخذلوك (3)، فقال معاوية: أما والله لولا أنّي لم (4) أتجرّع قط جرعة غيظ أفضل من الحلم ما عدت لمثل هذه المقالة أبدا (5).
(خبر جارية بن قدامة مع معاوية) (6):
ودخل عليه جارية بن قدامة السعدي وهو عم الأحنف بن قيس، وله صحبة (7) ومع معاوية على السّرير الأحنف بن قيس، والحتات المجاشعي، فقال له معاوية: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة قال (8):
وكان قليلا فقال له: وما عسيت أن تكون، هل أنت إلا نحلة (9)؟ فقال:
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قولا.
(2) في ج: يتبعونك.
(3) في ب، ج: يخذلونك.
(4) في ب: لا.
(5) هذه الخطبة روى مثلها البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 117وورد بعضها عند المسعودي: مروج الذهب 3/ 50.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) انظر ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 227، وابن الأثير: أسد الغابة 1/ 314.
(8) القائل هو: عبد الملك بن عمير القرشي كما ورد في الخبر الذي ذكره المزّي عن ابن أبي الدنيا. تهذيب الكمال 4/ 481.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: لحنة.(1/631)
لا تفعل (1) يا أمير المؤمنين، شبّهتني بها، حادة اللسعة، حلوة البساق، والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب، وما أميّة / إلا تصغير (2) أمة! [48/ ب] فقال معاوية: لا تفعل. إنك فعلت [وفعلت] (3). قال: إذن فاجلس (4) معي على السّرير. قال: لا ولم؟ قال: رأيت هذين [قد أماطاني عن مجلسك، فلم أكن لأسركهما. قال: إدن لأسارّك. فدنا، فقال: إني قد اشتريت من هذين] (5) دينهما. قال: ومنّي فاشتر (6) يا أمير المؤمنين. قال: لا تجهر به! (7)
وتكلم الحسن بن علي رضي الله عنه عند معاوية، فزجره معاوية، واهتز (8)
الحسن، وقال: إيايّ تزجر وأنا ابن مخضها ولبائها (9)، [ونصلها] (10)
ونصابها، غير خوّار (11) العنان، ولا كليل اللسان، ولا مشوب
__________
(1) في أ: تنفعل.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: تسقين. وسقطت من: ب.
(3) الزيادة من أ، ب، ج.
(4) في الأصل: اجلس، والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فاشتريت.
(7) ذكره المزي: تهذيب الكمال 4/ 481، 482، عن ابن أبي الدنيا.
(8) في أ، ب، ج: فاحتد.
(9) لم أتوصل إلى معناها.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.
(11) خوّار: ضعيف. الجوهري: الصحاح 2/ 651 (خور).(1/632)
بالحسب (1)، ولا لئيم النّسب. فقال [له] (2) معاوية: إنّ نفس الرجل أقرب إليه، وخلقه (3) أغلب عليه من جدّه وأبويه، وإنك كنت أمس بالعراق يوطأ عقبك، ويؤتمر أمرك. حولك مائة ألف سيف يغمدها رضاك ويسلها (4)، فتركت ذلك إمّا ضعفا عنه فأنت اليوم أضعف، وإمّا زهدا فيه فأنت اليوم أحق أن تزهد، فلا يوردك لسانك موردا يقلّ فيه إخوانك [وأخدانك] (5)، فقال الحسن: يا معاوية! فينا (6) نزلت النّبوة، فأين تذهب خلافة النّبوة عنّا؟ أما يرضيك وقد تركناها لك حتى تريد أن لا تذكرها أيضا؟ فقال معاوية: يا حسن إن الله تعالى (7) جعل النّبوة باختيار منه، والخلافة باختيار من عبيده، وقد تنقلب في أحياء قريش، فلم يجد الناس بهم (8) حاجة إليكم، ثم وليتموها [فلم] (9) يجتمعوا عليكم، فإيّاك والتعلّق
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الحساب.
(2) الزيادة من أ، ب، ج.
(3) في الأصل: وخلقوه، والمثبت من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: ويشملها، والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) الزيادة من أ، ب، ج: أخدانك: جمع خدن وخدين، وهو الصّديق. الجوهري:
الصحاح 5/ 2107 (خدن).
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أين.
(7) (تعالى) ليست في: أ، ب، ج.
(8) (بهم) ليست في: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.(1/633)
بذنب أمر قد عصاك رأسه (1).
(خطبة معاوية بعد وفاة الحسن) (2):
ولما بلغه (3) وفاة الحسن رضي الله عنه خطب ووجهه يتهلّل (4)، فقال: إنّ هذا الموت حتم (5) على الخلق (6) جميعا، لا يؤخره حذر، ولا يقدمه غرر، وقد يموت الصّحيح، ويعيش الجريح، وأنتم تظنون ظنونا (7)، وتقولون فنونا، [وأيم] (8) الله ما هو إلّا أمر الله يميت إذا شاء. ألا وإنّ (9) الحسن بن أبي تراب شرب لقمة حمراء فظّلت صفراء، والرّيح سموم، والماء حميم، على غير طعام، ولا إدام، فخرج جوفه فاختلط (10) دما حتى مات، وكفيناه أمره، وعلى ذلك فلا يقول (11) أحد فيه سواء، ولا يغبن (12) منه شيئا، فإن هذه القبور تميت
__________
(1) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بلغته.
(4) تهلّل: تلألأ. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1385 (هلل).
(5) في ب: حتما.
(6) في ب: الناس.
(7) (ظنونا) سقطت من: ب.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) في الأصل: إن، والمثبت من: أ، ب، ج.
(10) (فاختلط) سقطت من: ب، والمثبت من: ج، وفي الأصل وأ: فاخلق.
(11) (فلا يقول) سقطت من: ج.
(12) في ج: يغتبن.(1/634)
الأضغان (1)، وتنسي الأحقاد، وتقول للشّامت: مهلا مهلا، أنا له اليوم ولك غدا، ثم نزل (2).
(خبر هانيء بن عروة المرادي مع معاوية) (3):
وولّى معاوية (4) كثير بن شهاب (5) خراسان فاحتاز مالا كثيرا. ثم هرب، فاستتر عند هانيء بن عروة المرادي (6)، فبلغ معاوية [ذلك] (7)، فنذر دم هانيء، [فخرج هانيء] (8)، فكان في جوار معاوية. ثم حضر بمجلسه وهو لا يعرفه، فلمّا نهض الناس ثبت مكانه، فسأله معاوية عن أمره، فقال له: أنا هانيء / بن عروة، فقال: إنّ هذا اليوم، يوم يقول (9) فيه
__________
(1) في أ: الأصغار.
(2) لم أقف على هذه الخطبة عند غير المؤلف.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) (معاوية) سقط من: ب.
(5) كثير بن شهاب المذحجي، كان سيّد مذحج بالكوفة، ومن أنصار بني أميّة فيها، ولي لمعاوية الرّي وغيرها. انظر الطبري: تاريخ 5/ 269، 370، وابن حجر: الإصابة 5/ 293.
(6) هانيء بن عروة المرادي أحد قرّاء الكوفة، وكان من خواصعلي رضي الله عنه، قتل مع مسلم بن عقيل رسول الحسين إلى الكوفة، قتلهما عبيد الله بن زياد. المرصفي: رغبة الآمل 2/ 86.
(7) الزيادة من: ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: يقال.(1/635)
أبوك (1): [49/ أ]
أرجّل (2) جمّتي (3) وأجرّ ذيلي (4) ... وتحمل شكّتي (5) أفق (6) كميت (7)
[لأمشي في] (8) سراة بني غطيف (9) ... إذا ما سامني (10) ضيم أبيت
فقال له هانيء: أنا اليوم أعزّ منّي ذلك اليوم. قال له: لم ذلك؟
[قال] (11): بالإسلام يا أمير المؤمنين! قال له: أين كثير بن شهاب؟
__________
(1) يروى هذا الشعر لعمرو بن قنعاس المرادي أحد بني غطيف. انظر الزبيدي: تاج العروس 6/ 279 (أفق) والمرصفي: رغبة الآمل 2/ 85.
(2) في أ: أأرحل.
(3) أرجّل جمّتي: من ترجيل الشعر وهو تسريحه، والجمّة من الشعر ما سقط على المنكبين. المرصفي: رغبة الآمل 2/ 85.
(4) وأجرّ ذيلي: كناية عن الكبر والخيلاء. المبرد: الكامل 1/ 105حاشية رقم * * * (5).
(5) الشّكة: السلاح. ابن منظور: لسان العرب 10/ 452 (شكك).
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فوق. الأفق: الفرس الرائع. ابن منظور: لسان العرب 10/ 6 (أفق).
(7) الكميت: من الكمته، وهي لون بين السواد والحمرة. انظر الجوهري: الصحاح 1/ 263 (كمت).
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) بنو غطيف: نسبة إلى غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد، بطن من مراد. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 406، والقلقشندي: نهاية الأرب ص 406.
(10) في ب: ظمني.
(11) التكملة من: أ، ب، ج.(1/636)
قال: عندي في عسكرك. فقال له معاوية: انظر إلى ما اجتباه (1)، فخذ منه بعضا وسوّغه بعضا (2).
(وائل بن حجر رضي الله عنه) (3):
وقدم عليه وائل بن حجر بن ربيعة الحضرمي، فأجازه، ولم يؤاخذه بشيء كان تقدّم له (4) عنه وذلك أن وائلا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قيلا (5) من أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم (6).
ويقال: إنه بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل قدومه، فقال:
«يأتيكم وائل بن حجر بن ربيعة (7) من أرض بعيدة من حضرموت، طائعا راغبا في الله عز وجل (8) ورسوله وهو بقية أبناء الملوك» (9). فلما دخل
__________
(1) في أ، ب، ج: اجتباه: أي أصطفاه. الجوهري: الصحاح 6/ 3298 (جبا).
والذي في أكثر الأصول: اختانه.
(2) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 1/ 105، 106، وابن عبد ربه: العقد الفريد 1/ 136.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في الأصل: عليه، والمثبت من: أ، ب، ج، وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1563.
(5) القيل: ما كان دون الملك. ابن دريد: الإشتقاق ص 480.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1562.
(7) (بن ربيعة) سقطت من: أ، ب.
(8) في ب: تعالى.
(9) في ج: الملوك أبناء.(1/637)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم رحبّ به، وأدناه من نفسهن وقرّب مجلسه، وبسط [له] (1) رداءه، فأجلسه عليه [مع نفسه على مقعده] (2) وقال: «اللهم بارك في وائل وولده». واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الأقيال من حضرموت، وكتب معه (3) ثلاثة [كتب] (4) كتاب إلى المهاجر بن أبي أميّة، وكتاب إلى الأقيال والعباهلة (5)، وأقطعه أرضا، فأرسل معه (6) معاوية بن أبي سفيان. فسار معاوية راجلا ووائل راكبا على ناقته، فشكى إليه معاوية بن أبي سفيان (7) حرّ الرّمضاء (8)، فقال: انتقل إلى ظلّ الناقة، فقال له معاوية: وما يغني ذلك عني لو (9) جعلتني ردفا؟
فقال له وائل: اسكت، فلست (10) من أرداف الملوك (11).
__________
(1) الزيادة من أ، ج.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: معاوية.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) العباهلة: الملوك الذين أقرّوا على ملكهم لا يزالون عنه. انظر الجوهري: الصحاح 5/ 1575، وابن الأثير: النهاية 3/ 174 (عبهل).
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إلى.
(7) (بن أبي سفيان) ليس في: أ، ب، ج.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: حر إلى أن مضى.
(9) في ب: ثم.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فليس.
(11) هذا الخبر أخرجه البخاري: التاريخ الكبير 8/ 176175من طريق محمد بن حجر(1/638)
ثم عاش وائل بن حجر حتى ولي معاوية الخلافة. فدخل عليه وائل، فعرفه، وأذكره بذلك، ورحّب به، وأجازه لوفوده عليه. فأبى من قبول جائزته، وحبائه وأراد أن يرزقه، فأبى (1) من ذلك، وقال: يأخذه من هو أولى به منّي، فإنّي في غنى عنه (2).
وكان وائل بن حجر زاجرا (3) حسن الزّجر خرج يوما من عند زياد بالكوفة، وأميرها المغيرة، فرأى غرابا ينعق، فرجع إلى دار زياد، فقال: يا أبا المغيرة! هذا غراب يرحّلك من هاهنا إلى خير. فقدم (4) رسول معاوية إلى زياد من يومه أن يسير إلى البصرة واليا (5).
__________
مع اختلاف يسير. والهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 376374مطولا، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف. ولم أقف عليه عند الطبراني لا في الكبير ولا في الأوسط. وذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1562 1563.
(1) في الأصل: وأبى، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1563.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1563.
(3) الزجر للطّير: وهو التّيمن والتشاؤم بها والتفاؤل بطيرانها، كالسانح والبارح، وهو نوع من الكهانة والعيافة. ابن الأثير: النهاية 2/ 297وقال الألوسي: هو الاستدلال بأصوات الحيوان وحركتها وسائر أحوالها على الحوادث، واستعلام ما غاب عنهم.
بلوغ الأرب 3/ 307.
(4) (فقدم) تكررت في: الأصل.
(5) هذا الخبر رواه الطبري: تأريخ 5/ 216بإسناد فيه مجهول. وذكره ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1563بدون إسناد، ونقله المؤلف عن ابن عبد البر. فالخبر ضعيف، ولا يمكن أن يحمل عليه صحابي أو يسند إليه حكم، وهو مخالف لعقيدة أهل السنة(1/639)
(معاوية عند عبد الله بن جعفر) (1):
وقال معاوية يوما لعمرو بن العاص: إمض بنا إلى هذا الذي قد تشاغل باللهو (2) وسعى في هدم مروءته، لنعيب عليه فعله يريد عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب فدخل، وعنده سائب / خاثر (3) [49/ ب] وهو سائب (4) بن يسار، وخاثر لقب له، يكنى: أبا جعفر، وهو مولى بني ليث (5)، اشترى ولاءه (6) عبد الله بن جعفر هذا وهو يلقي على جوار لعبد الله (7)، فأمر عبد الله بتنحية الجواري لدخول معاوية، وثبت سائب
__________
والجماعة في وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم، وتوقيرهم وتكريمهم والاقتداء بهم، وحرمة بغض أحد منهم أو سبّهم أو لمزهم بسوء، لما شرّفهم الله من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه والصبر على أذى المشركين والهجرة عن أوطانهم وأموالهم وتقديم حبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك كله.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: باللعب.
(3) السائب بن يسار، أبو جعفر المدني، يعرف بسائب خاثر، وإنّما لقّب: خاثر، لأنه غنّا صوتا ثقيلا فقالوا: هذا غنا خاثر غير ممذوق، وكان منقطعا إلى عبد الله ابن جعفر، قتل يوم الحرّة. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 7/ 60، والنويري: نهاية الأرب 4/ 261، والأصبهاني: الأغاني 8/ 3067.
(4) (وهو سائب) سقط من: ب.
(5) بنو ليث بن بكر: بطن من كنانة بن خزيمة، من العدنانية. القلقشندي: نهاية الأرب ص 412.
(6) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: ولات، وفي ب: والدة
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عبيد الله.(1/640)
خاثر، وتنحى عبد الله عن سريره لمعاوية، فرفع معاوية عمرا فأجلسه إلى جانبه، ثم قال لعبد الله: أعد ما كنت فيه، فأمر بالكراسي فألقيت، وأخرج الجواري، فتغنّى (1) سائب خاثر بقول قيس بن الخطيم (2):
ديار التي كادت ونحن على منى ... تحلّ بنا لولا نجاء الركائب (3)
ومثلك قد أصبيت ليست بجارة ... ولا كنّة (4) ولا حليلة صاحب
وردّ الجواري عليه. فحرّك معاوية يديه، وتحّرك في مجلسه، ثم مدّ رجليه، فجعل يضرب بهما وجه السرير، فقال عمرو: اتئد (5)، فإنّ الذي تلحاه (6) أحسن منك حالا وأقلّ حركة. فقال معاوية: اسكت لا أبالك
__________
(1) في الأصل: وتغنّى، والمثبت من: أ، ب، ج، وانظر المبرد: الكامل 1/ 530.
(2) قيس بن الخطيم الأوسي شاعر مشهور، قدم مكة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وتلا عليه القرآن، فقال: إني لأسمع كلاما عجبا، فدعني أنظر في أمري هذه السنة ثم أعود إليك، فمات قبل الحول. ابن حجر: الإصابة 5/ 288.
(3) هذا البيت من قصيدة قالها بسوق عكاظ أمام النابغة الذبياني. ديوان قيس ص 246.
(4) الكنّة بالفتح: امرأة الابن أو الأخ. الجوهري: الصحاح 6/ 2189 (كنن) وابن دريد: الاشتقاق ص 28.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: اتيه، والتصويب من الكامل للمبرد 1/ 530.
اتئد: تثبّت. الجوهري الصحاح 2/ 546 (وأد).
(6) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل: لا تلحاه. وفي أ: اتحاه. تلحاه: تنازعه.
الجوهري: الصحاح 6/ 2481 (لحى).(1/641)
فإنّ كلّ كريم طروب (1). وغضب معاوية في بعض الأمر على ابنه يزيد، فشاور جلساءه في [أمره] (2) فأشاروا عليه بإقصائه تأديبا له. والأحنف ساكت، فقال له معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: يا أمير المؤمنين. [ثمار] (3)
قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة. إن سألوا فأعطهم (4)، وإن غضبوا فأرضهم، ولا تكن عليهم ثقلا فيستثقلوا حياتك، ويتمنوا وفاتك.
فقال معاوية: لله درك يا أبا بحر! كان على قلبي على يزيد ما عليه (5)، وقد رضيت عنه. وبعث إليه بمائة ألف درهم، فبعث به يزيد إلى الأحنف (6).
__________
(1) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 1/ 530وبعضه عند البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 27. ينظر براءة عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، الألباني:
آلات الطرب.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التكملة من: ج.
(4) في ب: فأعطيهم.
(5) في أ، ب، ج: كان في قلبي على يزيد ما فيه.
(6) ذكر مثله ابن عبد ربه: العقد الفريد 2/ 437، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 246، ورواه مختصرا ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 18/ 394، وابن قتيبة: عيون الأخبار 3/ 105.(1/642)
(ولاة معاوية على المداين) (1):
و [لما] (2) اجتمع الناس إلى معاوية، وكمل له الأمر، ولّى سعيد بن العاص بن سعيد (3) بن العاص المداين، ثم عزله وولّاها مروان بن الحكم ابن أبي العاص (4) بن أميّة، وكان يعاقب بينهما [في] (5) أعمال المدينة (6).
(سعيد بن العاص) (7):
وكان سعيد أحد سادات قريش، وفيه يقول الحطيئة (8):
سعيد وما يفعل سعيد فإنه ... كريم فلاة في الرّباط نجيب
سعيد فلا يغررك قلّة لحمه ... تجرّد عنه اللحم فهو صليب (9)
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: سعد.
(4) في ب: وقاص.
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) خليفة: تأريخ ص 222، والطبري: تأريخ 5/ 232، 241، 286، 293، ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 176.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) هو جرول بن أوس العبسي، لقب بالحطيئة لقصره، يكنى: أبا مليكة، أسلم في عهد الصديق، ومات سنة تسع وخمسين للهجرة. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 203، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 100.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وهو صديد. والبيتين في ديوان الحطيئة ص 247.(1/643)
وفيه يقول الفرزدق أيضا (1):
ترى الغرّ الجحاجح (2) من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا (3)
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنّهم يرون به هلالا (4) / [50/ أ]
وكان يقال (5) لسعيد: عكّة من عسل (6)، وكان كريما إذا سأله سائل ولم يكن عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه إلى أيّام يسيرة (7).
وذكر الزبير (8) قال: لما عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة انصرف عن المسجد وحده، فرأى رجلا صعلوكا من صعاليك قريش قد تبعه حتى بلغ منزله، فلما بلغ قال له (9): يا بني! ألك حاجة؟ قال: لا، ولكني رأيتك وحدك
__________
(1) (أيضا) ليست في: ب.
(2) الجحاجح: السّيد الكريم. ابن منظور: لسان العرب 2/ 420 (جحجح).
(3) عال: فدح وعظم. لسان العرب 15/ 85 (علا) بتصرف.
(4) البيتان من قصيدة للفرزدق يمدح فيها سعيد بن العاص، ديوانه ص 424 (شرح وضبط: علي فاعور) وانظر: مصعب الزبيري: نسب قريش ص 176، وابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 623، وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 136.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: يقول.
(6) ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 623عن محمد بن سلام عن عبد الله بن مصعب.
وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 46، وابن حجر: نزهة الألباب 2/ 31.
(7) ذكره ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/ 459، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 263، كلاهما عن سفيان بن عيينة.
(8) الزبير بن بكّار، وقد مرّت ترجمته ص 575.
(9) (له) ليست في: ب.(1/644)
فوصلت جناحك. قال له: وصلك [الله] (1) يا ابن أخي.
فالتمس مالا يهبه له فلم يحضره، فقال له: اطلب لي دواة (2) وجلدا، وادع لي مولاي فلانا. فأتى له بذلك، فكتب له بعشرين ألفا درهم دينا عليه، وأشهد على ذلك (3) مولاه، وقال له (4): إذا جاءت غلتنا دفعنا ذلك إليك. فمات في تلك السنة وهي سنة تسع وخمسين. فأتى (5) بالكتاب إلى إبنه عمرو وفيه شهادة مولاه، فقال له: يا هذا! إنّي أعرف الخطّ، وأنكر أن يكون لمثلك مثل هذا المال عليه، فدعا مولاه فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، فدفع إليه عشرين ألف درهم (6).
وكان لسعيد بن العاص سبعة بنين: عمرو هذا وهو المعروف بالأشدق، قتله عبد الملك بن مروان، ويأتي خبره عند ذكر عبد الملك إن
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: دواية. الدواة بالفتح: ما يكتب منه.
الجوهري: الصحاح 6/ 2343 (دوى).
(3) في الأصل: بذلك، والمثبت من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: فقال.
(5) التصويب من: أ، ب. وفي الأصل وج: فأوتي
(6) هذا الخبر ذكره ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 623، 624باختصار، وذكره بمعناه مصعب الزبيري: نسب قريش ص 177، 178.(1/645)
شاء الله ومحمد (1)، وعبد الله (2)، ويحي (3)، وعثمان (4)، وعنبسة (5)، وأبان (6).
وروي عن محمد بن الحسن (7) أنه قال: باع أبو حذيفة (8) داره، فلما أرادوا أن يشهدوا عليه، قال: بكم تشترون منّي [جوار] (9) سعيد بن
__________
(1) محمد بن سعيد، أمّه أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص أخت مروان بن الحكم لأبيه وأمّه. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 178.
(2) له عبد الله (الأكبر) أمه: أم البنين بنت الحكم بن العاص. ابن سعد: الطبقات 5/ 30وله عبد الله (الأصغر) أمه: أم حبيب بنت جبير بن مطعم. مصعب الزبيري:
نسب قريش ص 179وابن سعد: الطبقات 5/ 30.
(3) يحي بن سعيد، لحق بمصعب بن الزبير بعد قتل أخيه عمرو، ثم أمّنه عبد الملك بعد قتل ابن الزبير، ومات يحي في حدود سنة ثمانين للهجرة. انظر الطبري: تاريخ 6/ 162، وابن حجر: تقريب التهذيب ص 591.
(4) له عثمان (الأكبر) أمه: أم البنين بنت الحكم بن العاص. وعثمان (الأصغر) وأمه: أم عمرو بنت عثمان بن عفان. ابن سعد: الطبقات 5/ 30.
(5) عنبسة بن سعيد، انقطع إلى الحجاج بالكوفة، ومات على رأس المئة تقريبا.
انظر مصعب الزبيري: نسب قريش ص 181، وابن حجر: تقريب التهذيب ص 432.
(6) أبان بن سعيد، أمّه من بني كنانة، له عقب بالكوفة. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 180، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 81، وانظر الخبر عند ابن عبد البر:
الاستيعاب 2/ 624. قلت: ذكر له علماء النسب من الأبناء غير هؤلاء: داود، وسليمان، ومعاوية، وسعيد، وإبراهيم، وعتبة، وجرير، والحكم، وأيوب، وخالد، والزبير. ابن سعد: الطبقات 5/ 30، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 81.
(7) لم أقف على ترجمته.
(8) عند ابن خلكان: أبو الجهم العدوي. وفيات الأعيان 2/ 535.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.(1/646)
العاص وكان جاره فقالوا: سبحان الله، هل رأيت (1) [أحدا] (2) يشتري جوارا أو يبيعه؟! قال: أو لا يشترى جوار من إذا أسأت إليه أحسن إليّ (3)، وإن سألت أعطاني! لا حاجة لي ببيعكم، ردّوا إليّ داري. فبلغ ذلك سعيد ابن العاص، فبعث إليه بمائة ألف درهم (4).
وكان مولد سعيد بن العاص عام الهجرة. وقيل: سنة إحدى (5).
وقتل أبوه العاص بن سعيد يوم بدر كافرا، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه مبارزة (6).
وقال عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص (7): لم أقتل أباك، إنما قتلت (8) خالي العاص بن هشام، وما بي أن أكون أعتذر من قتل مشرك!
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: رأيتم.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: إليك.
(4) أورد ابن خلكان مثله في وفيات الأعيان 2/ 535.
(5) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 621، 622. أي السنة الأولى من الهجرة. وهذا يدل على أن المؤلف أخذ بالرأي القائل: أن السنة الأولى من الهجرة هي السنة التي تلي السنة التي هاجر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم.
(6) ابن هشام: السيرة 1/ 708، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 62.
(7) في ب: بن أبي العاص.
(8) التصويب من: ج، وفي الأصل والنسخ الأخرى: قتله.(1/647)
فقال له سعيد: ولو قتلته (1) كنت على الحقّ، وكان على الباطل. فتعجبّ عمر من قوله، وقال: قريش [أفضل] (2) النّاس أحلاما (3).
(الفتوحات في عهده) (4):
وكان [معاوية أحد] (5) أصحاب الفتوح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب الفتوح من الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر [ثم عثمان رضي الله عنهم] (6) ثم معاوية، ثم الوليد بن (7) عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم أبو جعفر المنصور، ثم عبد الله المأمون.
(دور عقبة بن نافع في فتح إفريقية) (8):
فتح معاوية رضي الله عنه (9) جميع بلاد النّوبة إلى بلاد السودان، وحاصر القسطنطينية. وكان / وليّ على إفريقية عقبة بن نافع بن [50/ ب] عبد قيس الفهري، ولاه عمرو بن العاص إيّاها وهو على مصر، وكان ابن
__________
(1) في ب: قتله.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) انظر الخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 622وابن سعد: الطبقات 5/ 31.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) في أ: ثم.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) في أ، ب: رحمه الله.(1/648)
خالته (1)، وذلك في سنة إحدى وأربعين (2). وانتهى عقبة إلى لواتة (3)
ومزاتة (4). فطاعوا ثم كفروا، فغزاهم في سنته، فقتل وسبى.
وافتتح في سنة ثنتين وأربعين غدامس (5)، فقتل وسبى (6).
(فتح سجستان وكابل) (7):
وفيها كان فتح سجستان وكابل على يد عبد الرحمن بن سمرة (8)
__________
(1) في الأصل: الخالة له، والمثبت من: أ، ب، ج، والاستيعاب 3/ 1075، لكن مصعب الزبيري يذكر أن عقبة أخو عمرو بن العاص لأمه. نسب قريش ص 409ويوافقه ابن عبد البر في ترجمة عمرو بن العاص. الاستيعاب 3/ 1184.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1076.
(3) لواتة: شعب عظيم من البربر، سكن أرض برقة. انظر ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 170 وياقوت: معجم البلدان 5/ 24وعبد الوهاب بن منصور: قبائل المغرب 1/ 304.
(4) مزاتة: من أكبر قبائل لواته، ما زالت فرقة منها بالمغرب الأوسط معروفة باسمها الأصلي، ومن أكبر مدنها (زلهى). انظر البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص 12. وعبد الوهاب بن منصور: قبائل المغرب 10/ 304.
(5) غدامس: مدينة في جنوب المغرب وهي اليوم تقع في الصحراء الليبية على حدود تونس. ياقوت: معجم البلدان 4/ 187، وعبد السلام الترماينني: أحداث التاريخ الاسلامي 2/ 1482.
(6) خليفة: تاريخ ص 205وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1076.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) التصويب من: أ، ب، ج. وفي الأصل: ضمرة. عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب أسلم يوم الفتح، وتوفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 835وقد سبقت ترجمته ص 585.(1/649)
ابن حبيب بن عبد شمس، وكان معه [في] (1) تلك الغزات الحسن (2) بن أبي الحسن (3) البصري، والمهلب بن أبي صفرة (4) وقطري بن الفجاءة (5).
(فتح ودّان) (6):
وفي سنة ثلاث وأربعين افتتح عقبة بن نافع ودّان وهي من حيزّ برقة، وكورا من كور السّودان (7).
وفيها مات عمرو بمصر يوم الفطر، وهو ابن تسعين سنة، ودفن
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) يعني الحسن البصري نفسه.
(3) التصويب من: ج. وفي الأصل وأ: الحسن، وفي ب: الحسين. واسم أبي الحسن:
يسار مولى الأنصار، من سبي بيسان. ابن قتيبة: المعارف ص 440.
(4) المهلب بن أبي صفرة، واسمه ظالم بن سارق الأزدي البصري، ولد عام الفتح، من ثقات الأمراء، مات سنة اثنتين وثمانين. الذهبي: سير 4/ 385383، وابن حجر:
تقريب ص 549.
(5) قطري بن الفجاءة التميمي المزني، أحد قواد الخوارج، خرج زمن مصعب بن الزبير لما ولي العراق عن أخيه عبد الله بن الزبير، وبقي يقاتل الأمويين حتى قتل سنة تسع وسبعين للهجرة. ابن قتيبة: المعارف ص 411والذهبي: سير 4/ 151، 152وانظر خبر فتح سجستان وكابل عند ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 835والذهبي: تاريخ (عهد معاوية) ص 9.
(6) عنوان جانبي من المحقق. ودّان: مدينة في جنوب إفريقية، بينها وبين زويلة عشرة أيام من جهة إفريقية. ياقوت: معجم البلدان 5/ 366عن البكري.
(7) خليفة: تاريخ ص 206وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1076والذهبي: تاريخ (عهد معاوية) ص 11.(1/650)
بالمقطّم (1).
(ولاية عتبة بن أبي سفيان على مصر) (2):
وفيها ولىّ معاوية أخاه عتبة بن أبي سفيان، وكان فصيحا خطيبا.
يقال (3): إنه لم يكن في بني أمية أخطب منه. خطب يوما أهل مصر وهو وال عليها، فقال: يا أهل مصر! خفّ (4) على ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه (5)، وذمّ الباطل وأنتم تفعلونه، كالحمار يحمل أسفارا ثقيلة (6)
حملها، ولا ينفعه (7) علمها، وإنّي لا أداوي داءكم إلا بالسيف، ولا أبلغ السيف ما كفاني السّوط، ولا أبلغ (8) السوط ما صلحتم على الدرّة، وأبطيء عن الأولى إن لم تسرعوا إلى الأخرى (9)، فالزموا ما لزمكم الله لنا
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1188، المقطّم: هو الجبل المشرف على القرافة مقبرة فسطاط مصر والقاهرة. ياقوت: معجم البلدان 5/ 176وهو الآن أحد أحياء القاهرة، يقع شرق القاهرة القديمة.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: وقال.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خفوا.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: توتونه.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ثقيلا.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: ينفعها.
(8) في ب: الصوت.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وابطل من الاولاء ما لم تصرعوا إلى الآخرة.(1/651)
تستوجبوا ما فرض الله لكم (1) علينا، وهذا يوم ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب (2).
فأقام واليا عليها سنة، وتوفي بها (3).
وحج معاوية وطاف يوما [بالبيت] (4)، ومعه جنده، فزحموا (5) السائب (6) بن صفي بن عائد بن عبد الله (7) [بن عمر] (8) بن مخزوم فسقط، فوقف عليه معاوية فقال: ارفعوا (9) الشّيخ، فلما قام قال: ما هذا يا معاوية؟
تصرعوننا (10) حول البيت! أما والله لقد أردت أن أتزوج أمّك. فقال
__________
(1) في ب: اليكم.
(2) هذه الخطبة ذكرها ابن قتيبة: عيون الأخبار 2/ 261، 262. وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 140وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1026، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 456.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1025، 1026.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: فزحم، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 572
(6) هو السائب بن صيفي، كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ثم أسلم وصحب، وكان مع عكرمة بن أبي جهل في قتال أهل الردّة، وعاش إلى خلافة معاوية.
ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 163وابن حجر: الإصابة 3/ 60.
(7) (عبد الله) تكرر في: الأصل.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) في الأصل: ارفع، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 164.
(10) في ب: تصرعوا لنا.(1/652)
معاوية: ليتك فعلت، فجاءت بمثل السّائب (1).
وكان أوصى بأبان (2) بن عثمان بن عفان حين خرج إلى الحج، فلما قدم سأل أبان عن مروان، فقال: أساء إذني، وباعد (3) مجلسي، فقال: تقول ذلك في وجهه. قال: نعم، فلما أخذ معاوية مجلسه وعنده مروان، قال:
لأبان: كيف رأيت [أبا] (4) عبد الملك؟ قال: قرّب مجلسي وأحسن إذني، فلما قام مروان قال: ألم تقل في مروان غير هذا؟ قال: بلى، ولكن ميزّت بين حلمك وجهله، فرأيت أن أحمل على حلمك أحبّ إليّ من أن (5) أتعرّض لجهله. [فسرّ بذلك معاوية] (6)، وجزاه خيرا ولم يزل يشكر قوله (7).
(لقاء معاوية بعامر بن واثلة) (8):
وذكر: أنّه لم [يكن] (9) أحد أحبّ إلى معاوية أن يلقاه (10) من أبي
__________
(1) يعني عبد الله بن السائب. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 583، وانظر الخبر بكامله عند ابن الأثير: أسد الغابة 2/ 164والذهبي: تاريخ (عهد معاوية) ص 62وابن حجر: الإصابة 3/ 60كلهم من طريق الزبير بن بكار.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بابن.
(3) في ج: وباع.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) سقط من: ب.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 2/ 135.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: غيره فلقاه.(1/653)
الطفيل / عامر (1) بن واثلة الكناني. وكان فارس أهل صفين (2)، [51/ أ] وشاعرهم. وكان من أخصّ الناس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (3).
فقدم أبو الطفيل الشّام يزور ابن أخ له كان من رجال معاوية، فأخبر معاوية بقدومة، فأرسل إليه، فأتاه، وهو شيخ كبير. فلّما دخل عليه، قال له معاوية: أنت أبو الطفيل عامر بن واثلة؟ قال: نعم، قال معاوية: أكنت فيمن قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه؟ قال: لا، ولكن ممن شهده فلم ينصره، قال [له] (4) معاوية: ولم؟ قال أبو الطفيل: لم تنصره المهاجرون والأنصار. فقال معاوية: أما (5) والله إن نصرته كانت عليك وعليهم حقا واجبا، وفرضا لازما، فإذا ضيعتموه وتركتموه فقد فعل (6)
الله بكم ما أنتم أهله، وأصاركم إلى ما رأيتم. قال أبو الطفيل: فما (7)
منعك أنت يا أمير المؤمنين إذ (8) تربّصت به ريب المنون، ومعك أهل الشام؟ قال معاوية: أما ترى طلبي له نصرة؟ فضحك أبو الطفيل،
__________
(1) عامر بن واثلة الكناني، ولد عام أحد، وكان يسكن الكوفة، ثم انتقل إلى مكة. مات سنة عشر ومائة على الصحيح. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 41وابن حجر: تقريب ص 288.
(2) انظر المنقري: وقعة صفين ص 554والأصبهاني: الأغاني 15/ 5450.
(3) في أ، ب، ج: عنهم.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: أيما، والمثبت من: أ، ب، ج، وأخبار الموفقيات ص 154.
(6) في الأصل: جعل، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: وما، والمثبت من: أ، ب، ج، وأخبار الموفقيات ص 154.
(8) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: إذا.(1/654)
أبو الطفيل، وقال (1): بلى ولكني وإيّاك كما قال عبيد بن الأبرص (2):
لأعرفنّك بعد الموت تندبنى ... وفي حياتي (3) ما زوّدتنى زادي
ودخل مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحكم (4). فلما جلسوا، نظر إليهم معاوية [ثم] (5) قال لهم: أتعرفون هذا الشيخ؟ فقالوا: لا، فقال معاوية: هذا خليل علي بن أبي طالب، وفارس أهل صفّين، وشاعر أهل العراق، هذا أبو الطفيل عامر بن واثلة. فقال سعيد بن العاص: قد عرفناه يا أمير المؤمنين، فما يمنعك منه؟ وشتمه القوم فزجرهم معاوية، وقال: مهلا، فربّ يوم ارتفع عن الأسباب، قد ضقتم به ذرعا. ثم قال: أتعرف هؤلاء يا أبا الطّفيل؟ فقال: ما أنكرتهم من سوء، ولا أعرفهم (6) بخير ولقد نبشوا دفينا (7). فإن تكن العداوة أكنّت
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: قال، وفي ب: فقال.
(2) هو عبيد بن الأبرص الأسدي، شاعر جاهلي، وهو أحد شعراء المعلقات، عاصر أمريء القيس بن حجر، وكان من المعمّرين. انظر ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 166، وديوان عبيد ص 5.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل: ولا في الحياة، وفي: أ، ب: في الحياة. وانظر البيت في ديوان عبيد بن الأبرص ص 48.
(4) عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة، أبو حرب، الأموي، أخو مروان، كان شاعرا محسنا، شهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه، وقد عاش إلى يوم مرج راهط.
الذهبي: تاريخ (حوادث 8061هـ) ص 173.
(5) التكملة من: أ، ب، وفي ج: فقال.
(6) في ج: عرفتهم.
(7) (دفينا) سقطت من: ب.(1/655)
فيهم (1)، فشرّ عداوة (2) المرء السّباب. فقال معاوية: يا أبا الطفيل! ما أبقى لك (3) الدّهر من حبّ علي؟ قال: حبّ أم موسى لموسى، وأشكوا إلى الله التّقصير. فضحك وقال: لكن هؤلاء حولك لوسئلوا (4) عنّي ما قالوا هذا. قالوا: أجل لا تقول الباطل (5). فجهّزه معاوية، وألحقه بالكوفة.
وسكنها. وكان من أهل مكة، ثم رجع إلى مكة فمات بها. وهو آخر من مات ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم (6).
(مقتل حجر بن عدي) (7):
__________
(1) أكنّت فيهم: أي استترت العداوة بهم. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1584 (كنن) بتصرف.
(2) في الأصل وأ، ب: العداوة، والمثبت من: ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبقاك.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: لو سألوا.
(5) هذا الخبر ورد في كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 1/ 165، 166 ورواه باختصار الزبير بن بكار: الأخبار الموفقيات ص 154، 155، وابن عبد ربه:
العقد الفريد 4/ 30، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 25، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1697وذكر مثله المنقري: وقعة صفين ص 554، والأصبهاني: الأغاني 15/ 5450.
(6) انظر خليفة: الطبقات ص 30، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 799و 4/ 1696، 1697.
(7) عنوان جانبي من المحقق.(1/656)
وفي سنة خمسين (1) كتب زياد (2) من البصرة: أنّ حجر (3) بن عدي ابن الأدبر الكندي يجتمع إليه نفر بالكوفة يظهرون الطّعن عليك. فراجعه معاوية أن صفّدهم (4) في الحديد، وأبعث بهم إلينا (5)، فبعث بهم إليه في ثلاثة (6) عشر رجلا (7).
وكان / وفد [إلى] (8) رسول (9) الله صلى الله عليه وسلم، وشهد الجمل (10)، [51/ ب]
__________
(1) في الأصل: وفي تلك السنة: أي سنة ثلاث وأربعين، والتصويب من أ، ب، ج.
وانظر: المسعودي: مروج الذهب 3/ 13.
(2) هو زياد بن أبيه، الأمير، له إدراك، كان من نبلاء الرجال رأيا، وعقلا، وحزما ودهاء. استعمله علي رضي الله عنه على فارس، وجمع له معاوية العراقين، ومات سنة ثلاث وخمسين. ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 530523، والذهبي: سير 3/ 496494.
(3) حجر بن عدي الكندي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد بعد ذلك الجمل وصفين، وصحب عليا، وقتل بمرج عذراء سنة إحدى وخمسين، وقيل: ثلاث وخمسين. ابن سعد: الطبقات 6/ 217، 220، وابن حجر: الإصابة 1/ 329، 330.
(4) صفّدهم: أي شدّهم وأوثقهم. الجوهري: الصحاح 2/ 498 (صفد).
(5) الطبري: تاريخ 5/ 256بإسناده إلى محمد بن سيرين. وانظر ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 2/ 3755.
(6) في أ: ثلاث.
(7) انظر المسعودي: مروج الذهب 3/ 12.
(8) التكملة من: ج.
(9) في ج: النبي.
(10) كانت وقعة الجمل في شهر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين للهجرة. الطبري:
تاريخ 4/ 506، عن سيف بن عمر.(1/657)
وصفين (1) مع علي رضي الله عنه (2)، فلما ساروا على أميال من الكوفة، أنشأت بنت (3) حجر تقول:
ترفّع أيها القمر المنير ... لعلك أن ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله، كذا زعم الأمير
ويصلبه على بابي (4) دمشق ... وتأكل من محاسنه النّسور
تجبّرت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق (5) والسّدير (6)
ألا يا حجر حجر بني عدي (7) ... تلقتك السّلامة والسّرور
__________
(1) كانت وقعة صفين في شهر صفر سنة سبع وثلاثين للهجرة. خليفة تاريخ ص 191.
(2) الحاكم: المستدرك مع التلخيص مع التلخيص 3/ 468. انظر ابن قتيبة: المعارف ص 334، وابن سعد: الطبقات 6/ 217، 218.
(3) لم أقف على ترجمتها.
(4) في الأصل وأ: باب، والمثبت من: ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 12.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الخوارق. الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة.
ياقوت: معجم البلدان 2/ 401.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الصدور. السّدير: قصر قريب من الخورنق كان النعمان الأكبر اتخذه لبعض ملوك العجم، ياقوت: معجم البلدان 3/ 201.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بانو عد.(1/658)
أخاف عليك ما أردى عديا ... وشيخا في دمشق له زئير (1)
ألا يا ليت حجرا مات موتا ... ولم ينحر كما نحر البعير
فإن تهلك فكل عميد قوم ... إلى هلك (2) من الدّنيا يسير (3)
فلما وصل إلى مرج عذراء (4) على اثنى عشر ميلا من دمشق، تقدم البريد بأخبارهم إلى معاوية، فوجّه رجلا (5) أعور (6)، فلما أشرف على حجر وأصحابه، قال رجل منهم: إن صدق الزّجر (7) فإنه سيقتل منّا (8)
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وشيخ في دمشق زائر.
(2) في ج: هليك.
(3) انظر الأبيات عند المسعودي: مروج الذهب 3/ 12، ونسبها البعض لهند بنت زيد ابن مخرمة الأنصارية. انظر الطبري: تأريخ 5/ 280، وابن سعد: الطبقات 6/ 220، والبلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 268، وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 4/ 89، والذهبي: سير 3/ 466، وابن كثير:
البداية والنهاية 8/ 59.
(4) مرج عذراء: قرية بغوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريبا. ياقوت: معجم البلدان 4/ 91.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: رجل.
(6) هدية بن فيّاض، (الأعور)، القضاعي. الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 469، والطبري: تاريخ 5/ 274، والبلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 259، وابن سعد: الطبقات 6/ 220.
(7) في الأصل وأ، ب: الرّجل، والمثبت من: ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 12.
(8) في ب: منها.(1/659)
النّصف، ويسلم النّصف. فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: ألا ترى الرّجل المقبل مصيبا بإحدى عينيه، فلما وصل إليهم قال لحجر: إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك، يا رأس الضلال، ومعدن الكفر والطغيان، والمتولّي لأبي تراب، وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا صاحبكم، وتتبرؤن منه.
فقال حجر وبعض من كان معه: إنّ الصّبر على حد السيوف لأيسر (1) علينا مما تدعونا (2) إليه، ثم القدوم (3) على الله تعالى وعلى نبيه عليه السلام أحبّ إلينا من دخول النار (4).
وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي (5).
فلما قدّم حجر (6) للقتل قال: دعوني أصلّي ركعتين، فتوضّأ، وصلّى. ثم قال: (7) والله ما صليت [قطّ] (8) صلاة أقصر من هذه ولولا أن
__________
(1) في الأصل: أيسر، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 13.
(2) في أ: تدعوننا.
(3) في الأصل: القدم، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 13.
(4) (من دخول النار) سقطت من: ب.
(5) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 13، 12وورد بعضه عند الذهبي: سير 3/ 465.
(6) (حجر) ليس في: ب.
(7) في أ، ب: وقال.
(8) التكملة من: أ، ب.(1/660)
تظنّوا بي [أنّي] (1) أجزع من الموت لأحببت أن أصلّى غيرها. فلما سلّ عليه السيف ارتعدت فرائصه (2)، فقالوا له: أتفزع (3) من الموت؟ فقال:
وكيف لا أفزع (4) وأنا (5) أرى سيفا مشهورا، وكفنا منشورا، وقبرا محفورا (6).
ولست أدري إلى الجنّة يودّيني ذلك أم إلى النار، فقتل. وألحق به من وافقه من أصحابه.
فقالت عائشة رضي الله عنها / لمعاوية: أين كان حلمك [52/ أ] يا معاوية عن حجر بن عدي مع زهده وعبادته، فقال: يا أمّ (7) المؤمنين! لم يحضرني رشد (8).
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) فرائصه: جمع فريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 807 (فرصه).
(3) في أ، ب، ج: أجزعا.
(4) في أ، ب، ج: أجزع.
(5) (وأنا) ليس في: أ، ب، ج.
(6) روى مثل هذا الخبر الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 469، وابن سعد: الطبقات 6/ 219والطبري: تاريخ 5/ 276، 275، والذهبي: سير 3/ 465، وابن كثير:
البداية والنهاية 8/ 57.
(7) في ج: يا أمير المؤمنين.
(8) أورد ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 57مثله.(1/661)
المجلد الثانى
تتمة خبر معاوية بن ابى سفيان
(عمرو بن الحمق رضي الله عنه) (1):
وكان [عمرو بن الحمق] (2) الخزاعي [ممن] (3) يجتمع إلى حجر ابن عدي، ويعينه، فهرب حينئذ (4) إلى الموصل (5)، ودخل غارا، ونهشته حيّة فقتلته. فبعث (6) إلى الغار في طلبه (7). فوجد ميتا، فأخذ عامل (8) الموصل رأسه، وحمله إلى زياد. فبعث به زياد إلى معاوية. وكان أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد (9).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في الأصل والنسخ الأخرى: عمر بن الحسن، والتصويب من نسب معد واليمن الكبير لابن الكلبي 2/ 451، وهو عمرو بن الحمق بن الكاهن، هاجر بعد الحديبية وصحب النبي صلى الله عليه وسلم سكن الشام ثم انتقل إلى الكوفة وشهد مع علي مشاهده كلها، ومات سنة خمسين.
ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 216، 214، وابن حجر: الإصابة 4/ 294.
(3) الزيادة من: ج.
(4) أي في زمن ولاية زياد. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1174.
(5) الموصل: مدينة عظيمة تقع على طرف نهر دجلة، وهي اليوم في العراق. ياقوت:
معجم البلدان 5/ 223، والبلاذري: فتوح البلدان 3/ 784.
(6) الذي بعث إلى الغار في طلبه هو: عبد الله بن أبي تلعة، عامل الرّستاق الذي به الغار. انظر البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 272، والطبري: تأريخ 5/ 265.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فطلبه.
(8) هو عبد الرحمن بن أم الحكم، ابن أخت معاوية. البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 272، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 715.
(9) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1174، وابن قتيبة: المعارف ص 291، 292، وانظر ابن سعد: الطبقات 6/ 25، وأبو هلال العسكري: الأوائل 2/ 23.(2/662)
وقيل: بل قتله عبد الرحمن [بن عثمان] (1) الثقفي (2)، عمّ عبد الرحمن ابن أم الحكم (3).
وعمرو هذا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أحاديث (4).
وروي: أنّه سقى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللهم متّعه بشبابه» (5)
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) عبد الرحمن بن عثمان بن الحكم، قتله أصحاب المختار سنة ست وستين للهجرة.
الطبري: تاريخ 6/ 66.
(3) هذا الخبر ذكره خليفة: تأريخ ص 212، وعبد الرحمن ابن أم الحكم تابعي، أمه بنت أبي سفيان، أخت معاوية. استعمله معاوية، على الكوفة سنة سبع وخمسين، وعلى الجزيرة، وغزا الروم، ومات في أيام عبد الملك. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 333.
(4) منها حديث: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله. قيل: وما استعمله؟ قال: يفتح له عمل صالح بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله» أخرجه أحمد في المسند (مع منتخب كنز العمال) 5/ 224، وعبد بن حميد: المنتخب 1/ 430رقم (480) بلفظ عسله بدلا من استعمله، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان في موارد الظمآن رقم (1822) والطحاوي في مشكل الآثار 3/ 261، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 1/ 340وقال: إسناده صحيح، وقال الذهبي: صحيح وله متابعة.
ومنها حديث: «من أمن رجلا على دمه، فقتله، فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة» أخرجه أحمد: المسند (مع منتخب كنز العمال) 5/ 223، 436، 437، وابن ماجه:
السنن، كتاب الديات، باب من أمن رجلا على دمه فقتله 2/ 896رقم (2688) بإسناد صحيح. الألباني: صحيح سنن ابن ماجه 2/ 107رقم (2177).
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: شبابه.(2/663)
فمرّت به ثمانون سنة لم تر شعرة بيضاء في لحيته (1). وكان موته سنة خمسين (2).
(بناء القيروان) (3):
وقيل: في هذه السنة وجّه معاوية، عقبة بن نافّع إلى إفريقية، فاختطّ القيروان، وأقام بها ثلاث سنين (4). ويروى (5) أنّه لما افتتح إفريقية انصرف إلى القيروان، فلم يعجب بالقيروان الذي كان معاوية بن حديج بناه قبله، وذلك عند جبل يقال له: القرن، فركب والنّاس معه حتى أتى موضع القيروان اليوم، ووقف عليه (6). وكان واديا كثير الأشجار، كثير القطف (7)، تأوي إليه الوحوش والسباع والهوام. ثم نادى بأعلى صوته: يا
__________
(1) روى هذا الحديث بلفظه ابن الاثير: أسد الغابة 3/ 714وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة: المصنف 11/ 494رقم (11808) وابن السّني: عمل اليوم والليلة ص 224 رقم (475) كلاهم من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك.
ابن حجر: تقريب ص 102وقال: هذا لا يصح وإسحاق بن أبي فروة واهي الحديث، ولم يعش هذا الرجل بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى نيف وأربعين سنة، إلا أن يحمل أنه استكمل ثمانين سنة. فالله أعلم. تهذيب 8/ 24.
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1174.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) خليفة: تأريخ ص 210، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1076.
(5) في ب: وروي.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: معه.
(7) القطف: اسم للثمار المقطوفة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1092 (قطف).(2/664)
أهل الوادي! ارتحلوا، فإنّا نازلون، ونادي بذلك ثلاثة أيّام، فلمّا كان في اليوم الثالث [وقف] (1) على رأس (2) الوادي حين أصبح، فجعلت الحيّات [تنساب] (3) والعقارب والسّباع والوحوش وغيرها (4)، مما لا يعرف من الدّواب، ذاهبة. وهم قيام ينظرون إليها من حين أصبحوا إلى مغرب (5)
الشمس، وحتى لم يبق (6) منها في الوادي شيئا (7). عند ذلك ركز رمحه، وقال: هذا قيروانكم (8).
فيروى: أنّ أهل القيروان أقاموا (9) بعد ذلك أربعين سنة. ولو التمست حيّة أو عقرب تشتريه (10) بألف دينار ما وجدت (11).
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) (رأس) سقطت من: ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من النسخ الأخرى، وفي الأصل: وغيرهم.
(5) في ج: مغيب.
(6) في أ، ب، ج: يرو.
(7) في أ، ب: شيئا في الوادي.
(8) ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 196.
(9) هذه العبارة سقطت من: ب.
(10) (تشتريه) ليست في: أ، ب، ج.
(11) في الأصل: فلم تجدها، والمثبت من: أ، ب، ج. والخبر رواه ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد 1/ 196.(2/665)
(خبر ماء فرس) (1):
ويروى (2): أنه أقام في وجهته (3) هذه بمكان اسمه اليوم فارس، ولم يكن به ماء. فأصابهم عطش أشفى (4) منه عقبة وأصحابه على الموت.
فصلى عقبة ركعتين، ودعا الله عز وجلّ، فجعل فرس عقبة يبحث بيديه (5) في الأرض حتى كشف عن صفاة، فانفجر منها الماء، فجعل الفرس يمصّ (6) من ذلك الماء، فأبصره عقبة. فنادى (7) في النّاس: احتفروا (8)
فاحتفروا (9) سبعين موضعا، فشربوا وسقوا، فسمّي ذلك الماء (10)
ماء فرس (11).
(استشهاد عقبة رضي الله عنه) (12):
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في أ، ب، ج: فيروى.
(3) في ب: وجهه.
(4) أشفى: أي أشرف على الهلاك. ابن منظور: لسان العرب 14/ 436 (شفي).
(5) في الأصل: بيده، والمثبت من أ، ب، ج، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 195.
(6) هذه العبارة سقطت من: أ.
(7) في الأصل: ونادى، والمثبت: أ، ب، ج، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 195.
(8) (احتفروا) سقطت من: أ.
(9) التصويب من ج، وفي الأصل وأ، ب: فاحفروا.
(10) (الماء) سقطت من: أ، ب، ج. هذا الخبر ذكره ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 195، والبكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص 14، والحميري:
الروض المعطار ص 295.
(11) هذا الخبر ذكره ابن عبد الحكم: فتوح مصر 1/ 195، والبكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص 14، والحميري: الروض المعطار ص 295.
(12) عنوان جانبي من المحقق.(2/666)
وقتل عقبة رحمه الله تعالى سنة ثلاث وستين، بعد أن غزا / [52/ ب] سوس الأقصى (1) [قتله كسيلة بن لمزم الأودي (2)، وكان كسيلة نصرانيا. ثم قتل كسيلة في ذلك العام] (3) أو في العام الذي يليه.
قتله زهير بن قيس البلوي (4). ولد (5) عقبة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).
(غزو الهند) (7):
وفيها أعني سنة خمسين كتب معاوية إلى زياد: انظر رجلا يصلح لثغر (8) الهند، فوجّهه وذلك بعد قتل عبد الله بن سوار (9) فوجّه
__________
(1) السوس الأقصى: منطقة في جنوب المغرب، يقع فيها وادي السوس الذي ينتهي بمدينة أغادير على المحيط الأطلسي. عبد السلام الترمانيني: أحداث التاريخ الإسلامي 2/ 1471.
(2) لم أقف على ترجمته.
(3) التكملة من: ج.
(4) زهير بن قيس البلوي، يكنى أبا شدّاد، شهد فتح مصر وسكنها واستشهد ببرقة سنة ست وسبعين. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 5/ 396، والإصابة 3/ 17البلوي:
نسبة إلى بلي بن عمرو، من قضاعة. ابن الأثير: اللباب 1/ 177وانظر: الخبر عند ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1076، 1077.
(5) في أ، ب، ج: وولد.
(6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1075.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) في ب: شهر.
(9) عبد الله بن سوار العبدي، من عمّال النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين. ابن حجر: الإصابة 5/ 93.(2/667)
زياد [سنان] (1) بن [سلمة بن المحبّق] (2) الهذلي (3). وكان من الشجعان وأبطال الفرسان (4)، فغزا الهند.
(سنان بن سلمة رضي الله عنه) (5):
وكان ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (6). فحنّكه، وتفل في فيه، ودعا له، وسمّاه سنانا لأنه ولد يوم حرب (7) النبي صلى الله عليه وسلم (8).
__________
(1) التكملة من: ج.
(2) في الأصل والنسخ الأخرى: مسلمة بن الحنق. والتصويب من فتوح البلدان للبلاذري 3/ 531، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 657، وانظر الأنساب للسمعاني 5/ 631.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 658، وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 308كلاهما عن أبي اليقظان. وانظر البلاذري: فتوح البلدان 3/ 531، وخليفة: تاريخ ص 209إلا أنه يذكر ذلك في أحداث سنة ثمان وأربعين. وذكر ابن حجر عن خليفة ذلك سنة خمسين. الإصابة 3/ 160.
(4) في ب: العربان.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في ب: عليه الصلاة والسلام.
(7) عند ابن حبان: ولد يوم حنين. الثقات 3/ 178وكذا عند ابن حجر: الإصابة 3/ 160، وعند ابن الأثير: يوم الفتح. أسد الغابة 2/ 308ولعل المقصود بكلمة حرب: الغزوة.
(8) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 657، وابن الأثير: أسد الغابة 3/ 307، وابن حجر:
الإصابة 3/ 160عن وكيع عن أبيه عن سنان بن سلمة.(2/668)
وقال خليفة بن خيّاط (1): ولّى زياد سنان بن سلمة غزو (2) الهند بعد قتل راشد بن عمرو الجديدي (3).
(غزو القسطنطينية واستشهاد أبي أيوب) (4):
وفي سنة ثنتين وخمسين (5) بعث معاوية ابنه يزيد إلى القسطنطينية.
فغزاها يزيد، وكان معه أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، فتوفي بها، وقبر في أصل [سور] (6) المدينة (7).
قال مجاهد (8): حضرت موته، فدخل عليه يزيد بن معاوية فقال:
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: حذيفة بن حناط، وهو تصحيف. والصحيح ما أثبته من الاستيعاب 2/ 658، وانظر تاريخ خليفة ص 212، وابن الأثير: أسد الغابة 2/ 358.
(2) في تاريخ خليفة ص 212: ثغر.
(3) راشد بن عمرو، قتل بالهند سنة خمسين. خليفة: تاريخ ص 211.
الجديدي: نسبة إلى جديد بن حاضر بن أسد بن عائذ بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس. ابن الأثير: اللباب 1/ 264.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) ابن سعد: الطبقات 3/ 485عن الواقدي، وقال ابن عبد البر: وهو الأكثر في غزوة يزيد القسطنطينية. الاستيعاب 2/ 425.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 457، وابن سعد: الطبقات 3/ 485كلاهما عن الواقدي. وانظر الخطيب البغدادي: تاريخ 1/ 153.
(8) مجاهد بن جبر، شيخ القراء والمفسّرين، ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون سنة. الذهبي: سير 4/ 457449، وابن حجر: تقريب ص 520.(2/669)
غموّا قبري. ففعل يزيد. فقبرناه ليلا في أصل حصن القسطنطينية (1). ثم أمر يزيد بالخيل تغبّر عليه حتى أغمي (2) قبره. فأشرف (3) أهل القسطنطينية حتى أصبحوا. فقالوا: لقد كان لكم الليلة شأن، لقد مات فيكم عظيم. فقال يزيد: أجيبوهم. فقلنا (4): هذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقدمهم إسلاما، وقد دفنّاه (5). وأنتم والله لئن نبش (6) لا يضرب ناقوس بأرض العرب ما كانت لنا مملكة (7). وقال مجاهد: فكانوا إذا أمحلوا (8) كشفوا عن قبره فترل المطر [بإذن الله] (9).
__________
(1) أصل حصن القسطنطينية: أي أسفله. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 242 (أصل) بتصرف.
(2) في الأصل: عمى، والمثبت من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فصرف.
(4) في أ، ب، ج: فقالوا.
(5) في أ، ب: وقد قبرناه.
(6) في أ، ب: مسّ.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ليضربن الناقوس بأرض العرب ما دامت المملكة. وانظر الخبر عند ابن قتيبة: المعارف ص 274، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1606وبعضه عند ابن الأثير: أسد الغابة 5/ 25.
(8) التصويب من: ج، وفي الأصل: رحلوا، وفي ب: محلوا. أمحلوا: المحل: الجدب، وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء. الجوهري: الصحاح 5/ 1817 (محل).
(9) الزيادة من: أ، ب. وانظر الخبر عند ابن قتيبة: المعارف ص 275وابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1606وابن الأثير: أسد الغابة 5/ 26.(2/670)
وبنى الروم على قبره بناء وعلّقوا عليه أربعة قناديل (1).
ويقال: إنّ عقبة (2) كان مستجاب (3) الدعوة (4).
(خبر معاوية مع الشيخ الحضرمي) (5):
وقال سلمة بن سعيد (6): كنا عند معاوية، فقال: وددت أنّ عندنا من يحدّثنا على ما مضى من [الزمان] (7) هل يشبه زماننا هذا أم لا؟! قيل له:
بحضرموت رجل قد أتت عليه ثلاثمائة سنة، فأرسل إليه معاوية، وأوتي (8) به، فلما دخل عليه (9)، أجلّه. ثم قال له: ما أسمك؟ قال: أمد [بن أبد] (10) قال:
__________
(1) انظر ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 5/ 46لكنه يذكر: قنديلا من: أربعة قناديل. والقنديل: بالكسر هو مصباح من زجاج. الزبيدي: تاج العروس 8/ 88 (قندل).
(2) عقبة بن نافع الفهري.
(3) في ب: مستحب.
(4) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1077، والذهبي: سير 3/ 533.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) لم أقف على ترجمته.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) في أ، ب، ج: وأتي به.
(9) في ب، ج: على معاوية.
(10) الزيادة من: ج، وفي أ، ب: ابن أمد.(2/671)
يا (1) أمد! كم أتي عليك من السنين؟ قال: ثلاث مائة سنة، فقال له معاوية:
كذبت، ثم أقبل على جلسائه يحدّثهم ساعة. ثم أقبل عليه، فقال: له حدثني أيها الشيخ. فقال له: وما تصنع بحديث الكذّاب؟! فقال: إنّي والله ما حدثتك (2) وأنا أعرفك / بالكذاب، ولكني [أردت] (3) أن [53/ أ] اختبر عقلك. فأراك عاقلا. حدثنا (4) عما (5) مضى من الزمان (6)، هل يشبه ما نحن فيه اليوم؟ فقال: نعم. كأنه ما ترى ليل يجيء من هاهنا، ويذهب من هاهنا. قال: فأخبرني بأعجب (7) ما رأيت؟ قال: رأيت الظّعينة (8) تخرج من بلاد (9) الشام حتى تأتي مكة لا تحتاج إلى طعام ولا شراب، تأكل من الثمرات وتشرب من العيون، ثم هي الآن فقر كما ترى. قال: وما
__________
(1) في أ، ب، ج: فقال له.
(2) التصويب من ب، ج، وفي الأصل: ما جددتك، وفي أ: إني والله حدثتك.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في ب: حدثنى.
(5) في أ، ب، ج: عن ما.
(6) في ج: الزمن.
(7) في أ، ب، ج: عن أعجب.
(8) الظّعينة: المرأة ما دامت في الهودج، فإن لم تكن فيه فليست بظعينة. وتطلق على الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن. الجوهري: الصحاح 6/ 2159 (ظعن).
(9) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: باب.(2/672)
آية (1) ذلك؟ قال: دول الله في البقاع. قال: فأخبرني، هل رأيت عبد المطلب؟ قال: نعم، قال: صفه لي. قال: رأيت شيخا طوالا (2) حسن الوجه، يقدمه ابن له بركة، وإن فيه لبركة. قال: (3) فهل رأيت أمية بن عبد شمس؟ قال: نعم. قال: صفه لي. قال: رأيت شيخا قصيرا يقوده غلام له يقال له: ذكوان (4)، يقال: إنه أنكد، وإن فيه لنكرة (5). قال:
فهل رأيت محمدا؟ قال: ومن محمد؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سبحان الله!، إلا أعظمته (6) كما عظّمه الله، إلّا قلت رسول الله. قال: نعم رأيته بأبي هو وأمي ما رأيت قبله ولا بعده خيرا (7) منه ولا مثله.
قال: أخبرني (8) عن خير المال. قال: عين خرّارة في تربة غوّاره (9)، قال: ثم
__________
(1) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: رأيت.
(2) في الأصل: طويلا، والمثبت من: أ، ب، ج. طوال: بالضم: الطّويل. يقال: طويل وطوال، فإذا أفرط في الطّول قيل: طوّال بالتشديد. الجوهري: الصحاح 5/ 1754 أطول.
(3) في أ، ب، ج: فقال.
(4) لم أقف على ترجمته.
(5) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(6) في أ، ب، ج: عظّمته.
(7) (خيرا) سقطت من: أ، ب، ج.
(8) في أ، ب، ج: فأخبرني
(9) في أ، ب، ج: خوّاره(2/673)
ماذا؟ قال: فرس في بطنها فرس تتبعها فرس.
قال: فأين أنت من الدّنانير والدراهم؟ قال: حجران إن أخذت منهما نقصا وإن تركتهما لم يزيدا. قال: فأين أنت من الأبل والغنم؟ قال:
ليس مال مثلك، وإنما هما مال من شهدها بنفسه، قال: فأين أنت عن الرّقيق؟ (1) قال: [عز] (2) مستفاد، وغيظ في الأكباد [قال: ألك حاجة] (3)
قال: نعم تردّ عليّ شبابي، قال: لا أقدر. قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة. قال: لا أقدر.
قال: فلا أرى عندك دنيا ولا آخرة ردّني إلى بلادي (4)، فأمر به فردّ إلى بلده (5).
(أخذ البيعة ليزيد بن معاوية) (6):
وفي سنة تسع وخمسين وفد على معاوية وفد (7) الأمصار، فكان ممن وفد من أهل العراق الأحنف بن قيس مع جملة من أهل العراق. فقال:
__________
(1) في ج: الطريق.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في ب، ج: بلدي.
(5) في أ، ب، ج: فرده. لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف، ويظهر في بعض نصوصة غرابة.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) كذا في الأصل، وعند المسعودي: مروج الذهب 3/ 36وفي أ، ب، ج: وفود.(2/674)
معاوية للضحاك بن قيس الفهري وكانت له صحبة (1): إني جالس من الغد للناس فأتكلم (2) بما شاء الله، فإذا فرغت، فقل في يزيد ما يحقّ عليك، وادع إلى بيعته. وقد أمرت عبد الرحمن (3) بن عثمان الثقفي، وعبد الرحمن بن عاصم (4) الأشعري، وثور بن معن (5) أن يوافقوك (6). فلما أصبح وجلس معاوية للناس تكلم الضحاك بن قيس وأطرى يزيد، وذكر فضائله، وحضّ معاوية على البيعة، فوثب (7) الذين أوصاهم معاوية فصدّقوا (8) قوله.
__________
(1) انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 744.
(2) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فتكلم ما شاء الله.
(3) في ب: عبد الله وقد سبقت ترجمته ص 435.
(4) هكذا في الأصل وأ، ب، وفي ج: عبد الرحمن بن عصام. وفي مروج الذهب 3/ 36 عبد الله بن عضاة. وفي نسب معد 1/ 341عبد الله بن عبد الرحمن بن عامر ابن عصناة، كان من أشراف أهل الشام مع معاوية.
(5) التصويب من: ب، وفي الأصل: معزم. وفي أ، ج: معزو. ثور بن معن بن يزيد السلمي من أصحاب الضحاك بن قيس، وممن دعا إلى بيعة ابن الزبير، قتل مع الضحاك بمرج راهط سنة أربع وستين. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 386 وانظر الطبري: تأريخ 5/ 538.
(6) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: يوافقك.
(7) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فوثبوا.
(8) في الأصل: وصدّقوا. والمثبت من أ، ب، ج والمسعودي: مروج الذهب ص 37.(2/675)
فقال: معاوية للأحنف بن قيس: قل (1). [فقام الأحنف] (2)، فقال:
إنّ الناس أمسوا في منكر زمان سلف، ومعروف زمان يتلف (3)، ويزيد قريب حبيب، / فإن توله (4) عهدك فعن غير [كبر] (5) مفن أو مرض مضن، وقد [53/ ب] حلبت الدهور، وجرّبت الأمور، فأعرف (6) من تسند إليه عهدك، وتوليه الأمر بعدك، وأعص رأي من يأمرك، ولا يقدر عليك، ولا ينظر لك وأنت ناظر للجماعة، واعلم باستقامة الطّاعة، مع أنّ أهل العراق وأهل الحجاز لا تهدأ أبدا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسين حيا.
فقام الضحّاك مغضبا فقال: يا أهل العراقّ! يا أهل النّفاق والشقاق، اردد رأيهم يا أمير المؤمنين في نحورهم. وقام عبد الرحمن بن عمر الثقفي فتكلم مثل (7) كلام الضحاك.
ثم قام رجل (8) من الأزد، وأشار إلى معاوية، وقال: (أنت أمير المؤمنين، فإذا متّ فأمير المؤمنين يزيد، فمن أبى فهذا) وأخذ بقائم سيفه، فقال له معاوية: اقعد فأنت من أخطب الناس. فبايع معاوية لإبنه يزيد.
__________
(1) في أ: قم.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) في أ، ب، ج: يؤتنف.
(4) في الأصل وأ، ب: توليه، والمثبت من: ج، والمسعودي: مروج الذهب ص 37.
(5) التكملة من: ج.
(6) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فانظر.
(7) في أ، ب: نحو، وفي ج: بنحو.
(8) (رجل) سقط من: أ.(2/676)
وأنشئت (1) الكتب ببيعته إلى الأمصار (2). وهو أول من بايع لإبنه بولاية العهد.
وكتب معاوية إلى مروان بن الحكم وكان عامله على المدينة يعلمه بمبايعته (3) ليزيد بولاية العهد ويأمر بمبايعته، وأخذ البيعة له على من قبله، فلمّا قرأه مروان خرج مغضبا في أهل بيته، وأخواله من كنانة (4) حتى أتى دمشق فنزلها (5)، ودخل على معاوية ماشيا بين السّماطين (6). حتى إذا كان منه بقدر ما يسمعه صوته سلّم، وتكلّم بكلام كثير يوبّخ به معاوية، [منه] (7): أقم الأمور يا بن أبي سفيان، وأعدل عن تأميرك الصّبيان، واعلم أنّ لك من قومك نظراء، ولك على مناوأتهم (8) وزراء. فقال له معاوية:
__________
(1) أنشئت: كتبت.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إلى بيعة الأنصار.
(3) في الأصل: بذلك، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 37.
(4) لأن أم مروان من بني كنانة، وهي آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أميّة بن محرث بن خمل بن شقّ بن رقبة بن مخرج بن الحارث بن ثعلبة بن مالك بن كنانة. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 159.
(5) في ب: فترل لها.
(6) السمّاطين: السماطان من الناس: الجانبان، يقال: مشى بين السماطين. الجوهري:
الصحاح 3/ 1134 (سمط).
(7) الزيادة من: ب.
(8) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: مناولتهم.(2/677)
أنت نظير أمير المؤمنين وعدّته (1) في كل شدّة، ويده وعضده، والثاني بعد وليّ عهده. ثم ردّه إلى المدينة. فعزله عنها وولّاها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ولم يف لمروان بما جعله له من ولاية العهد بعد يزيد (2).
(آخر خطبة لمعاوية) (3):
وكان آخر خطبة [خطبها معاوية] (4) أن صعد المنبر فحمد الله (5)، وأثنى عليه، ثم قبض على لحيته، وقال: [أيها الناس: إنه] (6) من زرع قد استحصد (7)، وقد طالت عليكم إمرتي (8) حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيّت فراقكم وتمنيتم فراقي، والله لا يأتيكم بعدي إلا من هو شر مني، كما أنه لم يأتيكم قبلي إلا من هو خير مني، وإنّه من أحب لقاء الله أحب الله
__________
(1) في ب: وعدّه.
(2) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 3836، وطرف منه في كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 1/ 143.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في ب: الله العلي.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: احتصد، والمثبت من: أ، ب، ج، والقالي: الأمالي 2/ 315.
(8) في الأصل: إمارتي، والمثبت من: أ، ب، ج، والقالي: الأمالي 2/ 315.(2/678)
لقاءه. اللهم إنّي قد أحببت لقاءك فأحبب (1) لقائي. ثم نزل، فما صعد المنبر حتى مات (2).
(مرض معاوية، ووفاته) (3):
ومرض معاوية، فاستأذن عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليعيده، فدخل [الآذن] (4) فأعلمه (5)، فقال معاوية: أجلسوني [أجلسوني] (6)، فلم يقدر على الجلوس، / وبدره ابن عباس بالدخول، فقال معاوية [54/ أ]:
وتجلّدي للشّامتين أريهم ... أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع (7)
فأجابه ابن العباس رضي الله عنه:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع (8)
__________
(1) في أ، ب، ج: فأحب.
(2) هذه الخطبة ذكرها المبرد: الكامل 2/ 394باختصار، ووردت كاملة عند البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 44، والقالي: الأمالي 2/ 311، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 750.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: وأجابه بن عباس رضي الله عنه، والتصويب من: أ، ب، ج.
(6) الزيادة من: أ، ب.
(7) هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليّين 1/ 3، والضبي: المفضليات ص 857.
(8) هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي أيضا. ديوان الهذليّين 1/ 3.(2/679)
فقال معاوية: إلى هنا [فقال له: إلى هنا، قال] (1): فتعال نستغفر الله، ونتوب (2) إليه، فتصافحا وتعانقا. وخرج من عنده. فلم يجيء اليوم الثالث حتى مات (3).
ولمّا اشتد ألم معاوية، وطال سقمه، ويئس (4) من الحياة، وأيقن بانتقاله إلى محلّة الأموات تمثّل:
هو الموت لا منجى (5) من الموت والذي ... يحاذر بعد الموت أدهى وأفظع (6)
اللهم أقل العثرة، وأعف عن الزلة، وجد (7) بحلمك على (8) جهل من لم يرج غيرك، [ولم] (9) يثق إلا بك فإنّك واسع المغفرة، وليس لذي ذنب منك مهرب (10).
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) في أ، ب، ج: نتب.
(3) ورد هذا الخبر بصيغة أخرى عند ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 753 والذهبي: سير 3/ 160، 161دون ذكر عبد الله بن عباس.
(4) في أ: أيس.
(5) في ب، ج: ملجا.
(6) لم أقف على قائله.
(7) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: وعد
(8) في ب: عن.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 58، وأبو حيّان: البصائر ص 232، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 755، والذهبي: تاريخ (عهد معاوية) ص 317، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 154مختصرا.(2/680)
وأحدق به بناته يقلّبنه، فقال: تقلّبن حوّلا قلّبا. جمع (1) المال من شبّ إلى دبّ (2)، وهو الرّجل كل الرّجل إن نجا غدا من النار. ثم قال متمثلا:
لا يبعدنّ ربيعة بن مكدّم (3) ... وسقى الغوادي قبره بذنوب (4)
[وقال أيضا يتمثل] (5):
لقد سعيت لكم من سعي ذي نصب ... وقد كفيتكم (6) التّطواف (7) والرّحلا (8)
__________
(1) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: جميع.
(2) من شبّ إلى دبّ: أي جمعت المال من لدن شببت إلى أن دببت هرما. وأصل المثل:
أعييتني من شبّ إلى دبّ. العسكري: جمهرة الأمثال 1/ 48، وابن منظور: لسان العرب 1/ 480 (شبب).
(3) وربيعة بن مكدّم، من بني كنانة، أحد فرسان مضر المعدودين في الجاهلية. انظر أخباره عند الأصبهاني: الأغاني 16/ 58475821، وابن عبد ربه: العقد الفريد 1/ 116.
(4) اختلف في قائل هذا البيت: فقيل لضرار بن الخطاب بن مرداس. وقيل: لحسّان بن ثابت، وقيل: لمكرّز بن حفص بن الأحنف، وقيل: لرجل من بني حارث بن فهر، مرّ بقبر ربيعة.
انظر الأصبهاني: الأغاني 16/ 58255824، والمبرد: الكامل 2/ 377.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: شفيتكم.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: التصارف.
(8) روى الخبر البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 151عن أبي عوانة، والمدائني. والطبري: تاريخ 5/ 326دون البيت الأوّل.(2/681)
وقال: [لابنة] (1) قرظة: أبكيني، فقالت:
ألا أبكيه [ألا أبكيه] (2) ... ألا كلّ الفتى (3) فيه (4)
قوله: حوّلا: معناه ذو الحيلة. (5) وقلّبا: الذي يقلب الأمور ظهر بطن (6).
(وصيّته) (7):
ثم جمع أهل بيته وولده. [ثم] (8) قال لأم ولده: أريني الوديعة التي استودعتكيها، فجاءت بسفط (9) مختوم، فظنّوا أن فيه جوهرا. فقال: إنّما
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: لامرأته، وهو خطأ ظاهر، والصواب ما أثبته من الكامل للمبرد 2/ 395.
وهي فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل القرشية، إحدى زوجات معاوية، وقد ولدت له عبد الله وهند، مصعب الزبيري: نسب قريش ص 128، 204، وابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 116.
(2) التكملة من: ج.
(3) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: لكل فتى.
(4) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 395، والتعازي والمراثي ص 130.
(5) في الأصل وأ، ب: لحية، وفي ج: الحلية. وهو تحريف. والتصويب من الكامل للمبرد 2/ 395.
(6) المبرد: الكامل 2/ 395، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 754.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) السّفط: ما يخبأ فيه الطيب ونحوه. الفيومي: المصباح المنير ص 279.(2/682)
كنت أدّخر هذا لهذا اليوم. ثم قال لها: افتحيه. ففتحته، فإذا فيه منديل فيه ثلاثة أثواب. فقال: هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم كسانيه. وهذا رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم كسانيه لما قدم من حجّة الوداع. ثم مكثت (1) بعد ذلك ثلاثة أيام، ثم قلت: يا رسول الله اكسني هذا الإزار الّذي عليك، فقال: «إذا ذهبت (2) إلى البيت أرسلت به إليك، يا معاوية». فأرسل به إليّ. وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الحجّام، وأخذ من شعره ولحيته، فقلت: يا رسول الله! هب لي هذا الشّعر فقال: «خذه، يا معاوية» فهو مصرور في طرف الرداء، فإذا أنا (3) متّ فكفنوني في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم، [وأدرجوني في ردائه، وأزروني بإزاره، وخذو شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم] (4) فاحشوا به (5) شدقي ومنخريّ، وذرّوا سائره على صدري، وخلّوا بيني وبين رحمة الله، فهو أرحم الرّاحمين (6). / [54/ ب]
(مدّة خلافته، وتاريخ وفاته، وعمره، ومكان دفنه) (7):
وكانت خلافته تسع عشرة سنة، وثلاثة أشهر، رحمه الله (8). وتوفي
__________
(1) في ب، ج: مكث.
(2) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: اذهب.
(3) (أنا) ليس في: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في ب: في.
(6) هذا الخبر رواه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 756.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) الطبري: تاريخ 5/ 324عن أبي معشر.(2/683)
في نصف رجب سنة ستين (2).
وقيل: سنة إحدى وستين، وله ثمانون سنة، ودفن بدمشق بباب الصّغير (3). وقدم خبره المدينة في أول شعبان (4).
وكان معاوية واليا على الشّام وخليفة أربعين سنة (5) أربع سنين في خلافة عمر، واثنتي عشرة في خلافة عثمان رضي الله عنهما. وقاتل عليا رضي الله عنه خمس سنين إلا ثلاثة [أشهر] (6). وأقام خليفة تسع عشرة [سنة] (7)
وثلاثة أشهر (8).
(1) الطبري: تاريخ 5/ 324عن أبي معشر.
__________
(2) ابن سعد: الطبقات 7/ 407، والطبري: تأريخ 5/ 324عن الواقدي، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1418.
(3) المسعودي: مروج الذهب 3/ 11، الباب الصغير: كان أحد أبواب دمشق من وجهتها الجنوبية، وقد نزل عنده يزيد بن أبي سفيان يوم فتحها. البلاذري: فتوح البلدان 1/ 144.
(4) البيهقي: المحاسن والمساوي 1/ 90.
(5) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: وأربع.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) التكملة من: أ، ب.
(8) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1418.(2/684)
خبر يزيد بن معاوية [رحمه الله] (1).
(كنيته وذكر أمه) (2):
يكنى: أبا خالد (3)، أمه: ميسون (4) بنت بحدل الكلبي (5)، كان تزوجها معاوية، فسئمته (6)، واشتاقت إلى وطنها (7)، فسمعها [وهي] (8)
تقول:
لبيت تخفق (9) الأرياح فيه (10) ... أحب إليّ من قصر منيف
وكلب ينبح الطّراق عندي ... أحب إلي من قط ألوف
__________
(1) الزيادة من: ج.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) الذهبي: المقتني في سرد الكنى 1/ 209.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ميسرة. ميسون بنت بحدل بن أنيف، كانت شاعرة، وامرأة لبيبة. انظر ابن عساكر: تاريخ دمشق (تراجم النساء) ص 400، والمعافري: الحدائق الغناء ص 4035، والبغدادي: خزانة الأدب 8/ 505.
(5) الكلبي: نسبة إلى قبيلة كلب، من قضاعة، من القحطانية. ابن الأثير: اللباب 3/ 105.
(6) في ج: فاسمعته.
(7) في الأصل: أوطانها، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عساكر: تاريخ دمشق (تراجم النساء) ص 400.
(8) الزيادة من: أ.
(9) في ب: تحفني.
(10) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: فيها.(2/685)
وبكر (1) يتبع الأظعان (2) صعب ... أحب إلي من بغل زيوف
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
وخرق (3) من بني عمي نجيب ... أحب إلي من علج (4) عنيف
فقال لها معاوية: جعلتني علجا، فطلقها وألحقها بأهلها (5).
ولدته بدمشق، وقيل: بالماطرون (6).
(صفاته) (7):
بويع في رجب عند وفاة أبيه معاوية (8). وكان جميلا، عظيم الهامة، آدم شديد الأدمة، بوجهه جدري، مجدّر (9) الأصابع غليظها (10).
__________
(1) البكر: الفتيّ من الإبل. الجوهري: الصحاح 2/ 595 (بكر).
(2) الأظعان: جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج. البغدادي: خزانة الأدب 8/ 504.
(3) الخرق: السّخي الكريم. الجوهري: الصحاح 4/ 1467 (خرق).
(4) في ب: عجل. والعلج: الصّلب الشديد. البغدادي: خزانة الأدب 8/ 505.
(5) هذا الخبر رواه ابن عساكر: تاريخ دمشق (تراجم النساء) ص 400، والمعافري:
الحدائق الغنّاء ص 35.
(6) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: المطرون، وفي ب: الملطرون. الماطرون، بكسر الطاء، موضع بالشام قرب دمشق. ياقوت: معجم البلدان 5/ 43.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) الطبري: تأريخ 5/ 338، واليعقوبي: تاريخ 2/ 241.
(9) عند ابن عساكر: محدد. تاريخ دمشق (مخطوط) 18/ 391، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 245.
(10) ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 18/ 391، وانظر البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 3، وابن عبد ربّه: العقد الفريد 4/ 375.(2/686)
كاتبه:
عتبة بن أبي أويس الغساني (1).
حاجبه:
صفوان (2).
صاحب شرطته:
حميد بن حريث بن بحدل (3)، ثم عبد الله (4) بن عامر الهمداني.
نقش خاتمه:
ربّنا الله (5).
بنوه (6):
__________
(1) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى. وعند الجهشياري: عبيد الله بن أوس الغساني الوزراء والكتّاب ص 31، وعند المسعودي: عبيد بن أوس الغساني. التنبيه والإشراف ص 306.
(2) ابن حبيب: المحبّر ص 259وهو صفوان مولى يزيد، ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 8/ 360.
(3) ابن حبيب: المحبّر ص 373وهو حميد بن حريث بن بحدل الكلبي من وجوه أهل دمشق وفرسان قحطان. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 4/ 463.
(4) هكذا في الأصل وأ، ج، وفي ب: عبد بن عامر. وعند البلاذري: عامر بن عبد الله الهمداني. أنساب الأشراف 4/ 6026.
(5) المسعودي: التنبيه والإشراف ص 306.
(6) في أ، ب، ج: ولده.(2/687)
معاوية (1)، وخالد (2)، وعبد الله الأكبر (3)، وأبو سفيان (4)، وعبد الله الأصغر (5)، وعثمان، وعتبة الأعور، ويزيد، ومحمد، وأبو بكر (6)، وأم يزيد (7)، [وأم] (8) عبد الرحمن (9)، ورملة (10).
__________
(1) معاوية بن يزيد، يكنى: أبا ليلى، وهو وليّ عهد أبيه. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 128.
(2) خالد بن يزيد، يوصف بالعلم ويقول الشّعر، وكان يكنّى أبا هاشم. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 129، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 255.
(3) عبد الله الأكبر بن يزيد: ذكره ابن قتيبة: المعارف ص 351، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 61.
(4) أبو سفيان بن يزيد: ذكره ابن قتيبة: المعارف ص 351، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 61.
(5) عبد الله (الأصغر) بن يزيد: الذي يقال له الأسوار. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 62، ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 129.
(6) عثمان، وعتبة ويزيد ومحمد، وأبو بكر: ذكرهم ابن قتيبة: المعارف ص 351، ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 130، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 62.
(7) أم يزيد بنت يزيد: تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فولدت له دحية.
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 130، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 62.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) أم عبد الرحمن بنت يزيد، تزوجها عباد بن زياد بن أبي سفيان، فولدت له. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 130.
(10) رملة بنت يزيد: تزوجها عتبة بن عتبة بن أبي سفيان. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 130.(2/688)
(وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق) (1):
قال حميد بن عبد الرحمن (2): دخلنا على يسير (3) رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية، فقال: (4) [إنهم يقولون] (5): إن يزيد ليس بخير أمة محمد، وأنا أقول ذلك (6)، ولكن لأن (7)
يجمع الله أمر أمة محمد [عليه السلام] (8) أحب إليّ من أن يفترق. قال النبي: «لا يأتيك (9) في الجماعة إلا خير» (10).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، ثقة، عالم، كان من أفقه أهل البصرة، مات سنة إحدى وثمانين. الذهبي: سير 4/ 293، وتاريخ (حوادث 10081) ص 53، 338.
(3) يسير بن عمرو الأنصاري، وقيل: أسير. ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 744، وابن قدامة: الاستبصار ص 353.
(4) في ب: قال.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) في ب: بذلك.
(7) في أ، ب: لا يجمع
(8) الزيادة من: أ، ب
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: يأتيكم
(10) هذا الحديث أخرجه ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1584، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 744وقال أخرجه ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم. ولم يتيسر لي الرجوع إلى كتاب ابن منده، ولم أقف على الخبر في كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم.(2/689)
خروج يزيد لوفود العرب (1):
ولما تمت البيعة ليزيد دخل منزله، فلم يظهر للناس ثلاثا، فاجتمع بالباب أشراف الناس، / ووفود البلدان (2)، وأمراء الأجناد، ليعزوه [55/ أ] بأبيه، ويهنئوه بالخلافة، فلما كان اليوم الرابع خرج شعثا أغبر، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن معاوية [كان] (3) حبلا من حبال الله، مدّه ما شاء الله أن يمده، ثم قطعه متى شاء أن يقطعه، وكان دون من قبله، وخير (4) من بعده. فإن يغفر الله له فهو أهله، وإن يعذبه فبذنبه. وقد وليت الأمر بعده (5)، ولست أعتذر من جهل، فعلى رسلكم، فإن الله إذا أراد شيئا كان. اذكروا (6) الله واستغفروه (7). ثم نزل، ودخل منزله، وأذن للنّاس، فدخلوا عليه، وما منهم من يستطيع (8) أن يجمع بين تهنئة وتعزية.
__________
(1) العنوان من مروج الذهب 3/ 75.
(2) في ب: البلاد.
(3) التكملة من: ج.
(4) في ب: وخيرا.
(5) (فإن يغفر الله له فهو أهله، وإن يعذبه فبذنبه، وقد ولّيت الأمر بعده) سقطت من:
ب.
(6) في ب: اذكر.
(7) هذه الخطبة ذكرها المسعودي: مروج الذهب 3/ 75، وانظرها عند ابن قيتبة: عيون الأخبار 2/ 260، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 89.
(8) في ج: من استطاع.(2/690)
فقام عبد الله بن همّام السّلولي (1)، فقال: يا أمير المؤمنين! آجرك الله [على] (2) الرّزيئة (3)، وبارك لك في العطية، وأعانك على رعاية الرعية، فقد رزئت عظيما، وأعطيت جسيما، فاشكر الله على ما أعطيت، واصبر له على (4) ما رزئت، فقد أفقدت (5) خليفة الله، وأعطيت (6) خلافة الله، ففارقت جليلا، ووهبت (7) جزيلا (8). إذ قضى معاوية، ووليت الرئاسة، وأعطيت السياسة، فأوردك الله موارد السرور (9)، ووفّقك لصالح الأمور، وأنشد:
__________
(1) عبد الله بن همّام السّلولي، من شعراء الدّولة الأموية، سكن الكوفة، وكان يسمى العطّار لحسن شعره. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 439، وابن عساكر: تاريخ دمشق 39/ 304 (تحقيق: سكينة الشهابي). السّلولي: نسبة إلى سلول بنت ذهل بن شيبان، وبنو سلول: بطن من هوزان. القلقشندي: نهاية الأرب ص 294.
(2) في الأصل: في، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 76.
(3) الرّزيئة: المصيبة. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 52 (رزأ).
(4) في ج: له.
(5) في أ، ب، ج: فقدت
(6) في ب، ج: منحت
(7) هذه العبارة سقطت من: أ.
(8) في ج: جليلا.
(9) في الأصل: الصّدور، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 76.(2/691)
فاصبر يزيد فقد فارقت (1) ذا مقة (2) ... واشكر حباء الذي بالملك أصفاكا (3)
أصبحت لارزء في الأقوام تعلمه ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا
أعطيت طاعة خلق الله كلهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا
ففي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت ولم نسمع بمنعاكا (4)
فقال له يزيد: أدن منّي يابن همّام! فدنا فجلس قريبا منه (5).
ثم قام [عطاء (6) بن أبي صيفي، فقال] (7): سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، أصبحت [يا أمير المؤمنين قد] (8) رزئت
__________
(1) في أ، ب: فرقت.
(2) في البيان والتبين: ذا ثقة 2/ 132.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: اصطفاك.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: بمنعاك.
(5) ذكر مثله المسعودي: مروج الذهب 3/ 76، وذكره باختصار ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 439والجاحظ: البيان والتبين 2/ 132وابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 308و 4/ 88، 374.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: عطا والتصحيح من ابن قتيبة: عيون الأخبار 3/ 78، والبلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 156وابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 309والعسكري: الأوائل 1/ 221وابن كثير: البداية والنهاية 2/ 238.
ولم أعثر على ترجمة عطاء.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.(2/692)
خليفة الله، وأعطيت خلافة، ومنحت هبة (1) الله. قضى معاوية نحبه، فغفر الله [له] (2) ذنبه، وأعطيت بعد الرئاسة، فاحتسب عند الله أجر المصيبة في عظم الرزيئة، وأحمده على أفضل العطية. فقال يزيد: أدن منّي يا بن صيفي! فدنا حتى جلس بقربه (3).
ثم قام عبد الله بن مازن (4)، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! رزئت خير الآباء، وتسميت خير الأسماء، ومنحت أفضل الأشياء، فهنّأك الله العطيّة، وأعانك على الرعية. فقد (5) أصبحت قريش (6) مفجوعة بعد (7)
سائسها (8)، مسرورة بما (9) أحسن الله إليها من الخلافة بك، ثم قال:
الله أعطاك التي لا فوقها ... وقد أراد الملحدون (10) عوقها / [55/ ب]
__________
(1) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: هيبة.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) المسعودي: مروج الذهب 3/ 75وانظر البلاذري: أنساب الأشراف (بنو عبد شمس) ص 156، 291، ابن قتيبة: عيون الأخبار 3/ 78والمبرد: التعازي والمراثي ص 140، 141.
(4) لم أقف على ترجمته.
(5) (فقد) ليست في: أ.
(6) (قريش) تكررت في: ب.
(7) المثبت من: أ، وفي الأصل وب، ج: بعدم.
(8) في ب: سايلها.
(9) في ب: كما.
(10) في أ، ب: الملحادون.(2/693)
عنك فيأبى الله إلا سوقها ... إليك حتّى قلّدوك طوقها
فقال له يزيد: أدن مني يا بن مازن! فدنا حتى جلس بالقرب منه. ثم قام الناس يعزونه، ويهنئونه. فلما ارتفع (1) عن مجلسه أمر لكل منهم بمال على مقداره (2) في نفسه، ومحله في قومه وزادهم في أعطياتهم، ورفع مراتبهم (3).
وقعد يزيد (4) على منبر دمشق عند مقامه إياه بعد وفاة أبيه معاوية، فمكث ساعة كئيبا حزينا، قد خنقته العبرة، فما يتسّرح (5) للخطبة (6)، فقام الضحّاك بن قيس الفهري، فقال: قد (7) أصبحت بين رزيئة كبيرة، وعطيّة خطيرة. [مضمض] (8) بلا وجع، وعرض قد (9) أبشع، فعلى الله
__________
(1) في ج: اجتمع.
(2) في الأصل: قدره، والمثبت من أ، ب، ج والمسعودي: مروج الذهب 3/ 76.
(3) هذا الخبر ذكره بتمامه المسعودي: مروج الذهب 3/ 75، 76.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اليزيد.
(5) يتسرّح: التسريح: التسهيل. وشيء سريح: سهل. ابن منظور: لسان العرب 2/ 479 (سرح).
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يستريح الخطبة.
(7) (قد) ليس في: أ، ب، ج.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ومضد.
(9) في ب: قال.(2/694)
ثواب [مصيبتك] (1) ومن الله تمام نعمتك، هؤلاء أهل طاعتك، جمعهم السرور بأوبتك (2)، والرضى ببيعتك، فأوّلهم أحمد شكرك (3)، ومنهم أجزل تفضلك. قال (4): فكأنما نشط يزيد من عقال فنهض، قائما.
فقال (5): الحمد لله على السرّاء شكر العطاية، وعلى الضراء صبر البلاية، وأشهد أن لا إله إلا الله لا ريب فيه، وصدقا لا كذب [يعتريه] (6)، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم بشير رحمته، ونذير سطوته. إن هذا الموت مورد لا ينعدل عنه، وطالب لاموئل منه، فسبحان الله ما أعظم فجعتنا بموت الخليفة، [ومثوبتنا بنيل الخلافة] (7)، فنستوزع (8)
الله شكر ما ندب (9)، ونستودع الله (10) أجر ما سلب، ونسأله بأن يلهمنا لكم العدل والإحسان، ويلهمكم الطاعة والإذعان، فإنها
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خطيئتك.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بابوتك.
(3) في أ، ب: أحد بشرك، وفي ج: أجمل بطرك.
(4) لم أقف على اسم القائل.
(5) في الأصل وأ، ب: قال. والمثبت من: ج.
(6) في الأصل: يعترف. والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) التكملة من أ، ب، ج.
(8) فنستوزع: أي فنستلهم. الجوهري: الصحاح 3/ 1297 (وزع).
(9) في أ: ما قد وجب.
(10) في أ، ب، ج: ونستودعه.(2/695)
حبال (1) متواصلة بيننا وبينكم، بها يجمع الله شملكم، ويعز دينكم، ادنوا إلى بيعة (2) إمامكم. ثم قعد وبسط يده فدنا مسلم بن عقبة (3)، فقال:
بايعناك وأنت غلام، وشهدنا أنّك إمام، لم ننتظر بيعتك موت خليفة، ولا اجتماع جماعة، ولا اتباع مشورة، ولكن (4) أعطيناكها اليوم بمدته (5)، وأعدناها لك مؤكدة، فما الأخرى بأوكد من الأولى، هات يدك.
ودنا الحارث بن عبد (6) فقال: جعلك الله أسعد خلف من أحمد سلف، وبارك لنا فيها ولك (7)، ومتّعنا بما آتاك. أنت من قد عرفنا (8)
حكمه ويمنه، ونحن من قد (9) عرفت طاعته وجدّه، هات يدك. [ودنا
__________
(1) في أ، ب: حبل.
(2) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: البيعة.
(3) مسلم بن عقبة المرّي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وشهد صفين مع علي وكان على الرجالة وقائد أهل الشام إلى موقعة الحرة بالمدينة سنة 63هـ، ومات في نفس السنة. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 475، وابن حجر: الاصابة 6/ 174.
(4) في الأصل وأ، ب: ولئن، والمثبت من: ج.
(5) هكذا وردت في الأصل والنسخ الأخرى.
(6) لم أقف على ترجمته.
(7) في أ، ب: فيما أولاك، وفي ج: فيما ولآك.
(8) (عرفنا) ساقطة من: أ.
(9) (من قد) سقطت من: أ، ب.(2/696)
النعمان بن بشير (1)، فقال: كفاك الله وصفاك (2) ورعاك ما استرعاك، نحن شيعة أبيك في الفرقة، وخاصته في الجماعة، وقد رجونا أن تكون خير عوض منه، وأكرم خلف، هات يدك] (3). ثم تتابع النّاس، وانتصف النّهار، ودخل يزيد القصر. وأقعد الضحّاك ليبايع النّاس، فلما بلغ باب المقصورة، تمثل بأبيات [له] (4) من قصيدة أوّلها:
أمست فو الله الخيام خيامها ... هيفاء يختبل الحليم كلامها
ألقت أزمّتها إلى متورّع (5) ... حذر الدنيّة إن يلمّ لمامها / [56/ أ]
لحظت المعالي لحظة فتعلقت ... منه عزائم ما يطيش سهامها (6)
حتى تبدى رأسها ومقامها (7) ... وأطلت ساس القياد زمامها
واليوم يحتلب الوليّ (8) حلوبه ... عسلا ويحلب العدوّ سهامها (9)
__________
(1) النعمان بن البشير الأنصاري الخزرجي، له صحبة. سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمصسنة خمس وستين وله أربع وستون سنة. ابن حجر: تقريب ص 563.
(2) في ب: وصفاك.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: متروع.
(6) في الأصل وب: لمامها، والمثبت من: أ. وفي ج: وسهامها.
(7) في ج: واطلعت رأس القياد.
(8) في الأصل: الوليد، والمثبت من: أ، ب، ج.
(9) لم أقف على هذه القصيدة عند غير المؤلف.(2/697)
(عطاء يزيد لعبد الملك بن مروان) (2):
ودخل عليه عبد الملك بن مروان، فقال له: أريضة إلى جانب أرضي (3)، ولي فيها منفعة، فأقطعنيها (4) فقال: يا عبد الملك! إنه لا يتعاظمني كبير، ولا أجزع من صغير، فأخبرني (5) عنها، وإلا سألت غيرك، فقال ما بالحجاز أعظم منها قدرا، قال: قد أعطيتكها. فشكره، ودعا له.
ثم خرج، فلما ولّى قال يزيد (6): إن النّاس يزعمون أنّ هذا يصير خليفة، فإن صدقوا فقد صانعناه، وإن كذبوا فقد وصلناه (7).
(موقف الحسين وعبد الله بن الزبير من بيعة يزيد) (8):
ولم يتخلّف (9) عن مبايعة يزيد [أحد] (10) إلا الحسين بن علي بن (1) لم أقف على هذه القصيدة عند غير المؤلف.
__________
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أرضا، وفي ج: أرض.
(4) في ب: فاقطعها لي.
(5) في ب: خبرني.
(6) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: اليزيد.
(7) في ب، ج: واصلناه. والخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 76، 77.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) المثبت من: ج، وفي الأصل وأ، ب: يختلف.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.(2/698)
أبي طالب [رضي الله عنه] (1)، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فكتب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة (2) بن أبي سفيان عامله على المدينة [يعلمه بموت معاوية، مع زريق (3) الخصي مولى آل معاوية بن أبي سفيان] (4)، ويأمره أن يأخذ له البيعة على الحسين بن علي [بن أبي طالب، وعلى] (5) عبد الله بن الزبير. فوجّه إليهما، فوجدا في المسجد. فقال لهما الرّسول (6): الأمير يستدعيكما، فقالا له: نحن على أثرك (7) فانصرف. ثم قال الحسين لعبد الله: ما أظنّ إرسال الوليد (8) إلينا إلّا لأن طاغيتهم قد هلك،
__________
(1) الزيادة من: ب.
(2) في أوب: عقبة. الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، رجل بني عتبة، ولّاه معاوية المدينة، وكان حليما كريما، مات بعد موت معاوية بن يزيد. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 133، والذهبي: سير 3/ 534.
(3) هو زريق مولى يزيد. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 6/ 411وانظر تفاصيل خبر بعثه إلى الوليد عند البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 22وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 6/ 411، 412، وتاريخ خليفة ص 232وفيه: رزيق.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) التكملة من: ب.
(6) الرّسول هو عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو إذ ذاك غلام حدث. الطبري: تاريخ 5/ 339عن أبي مخنف.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أثركما.
(8) هو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أمير المدينة.(2/699)
فبعث إلينا (1) لنبايع ليزيد قبل أن يشيع الخبر في النّاس، فقال عبد الله: هذا الذي أظنّه، فما أنت صانع؟ فقال الحسين [رضي الله عنه] (2): أجمع فتياني، وأمشي إليه وأجلسهم عند بابه، وأنا قادر بحول الله [تعالى] (3) على الامتناع منه. وقام (4) ففعل ذلك، وقال لفتيانه ومن حوله (5): إن أنتم سمعتم صوتي قد علا فافتحوا الباب وادخلوا عليّ (6)، وإلّا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم (7). فدخل الحسين رضي الله عنه على الوليد بن عتبة. فسلّم عليه بالإمرة وعنده مروان بن الحكم، فقال الحسين وكأنه لا يظن بموت (8) معاوية: الصلة خير من القطيعة، فأصلح الله ذات بينكما (9)! فنعى إليه الوليد بموت معاوية، ودعاه إلى بيعة يزيد، فقال الحسين:
ليس مثلي يبايع سرّا، وما أضنّك تقبلها إلا على رؤوس الناس، فقال
__________
(1) في أ، ب: إليهما.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) الزيادة من: أ، ب.
(4) في ب: وأقام إلى.
(5) العبارة في الأصل: وقام وجمع فتيانه وأخواله وقال. والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) (عليّ) سقطت من: أ، ب.
(7) في أ: لكم.
(8) في أ: موت.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بينهما.(2/700)
له الوليد: انصرف على اسم الله، فقال له مروان (1): والله لئن فارقك [السّاعة] (2) لا يبايعك [بعدها] (3) حتى يكثر القتل بينك وبينه، فلا يخرج حتى (4) يبايع أو تضرب عنقه، فوثب عند ذلك الحسين وقال (5):
يابن الزّرقاء (6)، أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله. ثم نهض وخرج (7) مع أصحابه وهو يقول:
لا ذعرت (8) السّوام في فلق الصب ... ح مغيرا ولا دعوت (9) يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا (10) / [56/ ب]
__________
(1) هو مروان بن الحكم.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في أ، ب، ج: أو.
(5) في الأصل: فقال له الحسين رضي الله عنه، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 5/ 340 عن أبي مخنف.
(6) هي الزّرقاء بنت علقمة بن صفوان الكنانية أم مروان بن الحكم، واسمها: أرنب، وهي من بني مالك بن كنانة، وهي الزّرقاء التي كان يعيّر بها عبد الملك وغيره من بني مروان. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 87.
(7) في أ، ب، ج: ثم خرج ونهض.
(8) في الأصل: لدعوت، والتصويب من: أ، ب، ج.
(9) هكذا وردت في الأصل والنسخ الأخري، وفي تاريخ الطبري 5/ 342دعيت، وانظر المسعودي: مروج الذهب 3/ 64، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 16.
(10) البيتان ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري، الشاعر، حليف قريش. ابن قتيبة:(2/701)
فقال الوليد لمروان: والله ما أحبّ أن لي ما طلعت عليه الشّمس، وأني قتلت الحسين بن علي.
وأمّا ابن الزّبير فقد (1) كمن في داره، ورسل الوليد يلحّون (2) عليه، فيقول: لا تعجلوا عليّ، فإنّي آتيكم. ثم بعث أخاه جعفر (3) إلى الوليد، فقال له: يرحمك الله! كفّ (4) عن عبد الله، فإنّك قد روّعته بكثرة رسلك وهو يأتيك غدا، فكفّ عنه. فلما جنّ الليل خرج إلى مكة، ومعه أخوه (5).
فلما أصبح بعث الوليد إليه، فأعلم بانفصاله، فقال له مروان: ليس يخطيء مكة، فسرّح (6) في طلبه (7).
__________
الشعر والشعراء ص 231، 233، وانظر الطبري: تاريخ 5/ 342عن أبي مخنف.
وديوان يزيد بن مفرغ ص 103، 104.
(1) (فقد) سقطت من: أ.
(2) في الأصل: يلحقونه، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 5/ 340.
(3) جعفر بن الزبير بن العوام، كان من فتيان قريش، مات في آخر خلافة سليمان ابن عبد الملك، وله عقب بالمدينة. ابن سعد: الطبقات 5/ 184وابن قتيبة: المعارف ص 221.
(4) في الأصل: كفوا، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 5/ 340.
(5) أخوه جعفر. الطبري: تاريخ 5/ 341.
(6) في الأصل: فخرج، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 5/ 341.
(7) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 341338عن أبي مخنف، بتفصيل أوسع مما ورد هنا.(2/702)
(خروج الحسين إلى مكة) (1):
وخرج الحسين رضي الله عنه بجميع ولده وأهل بيته إلى مكة، فكتب يزيد ابن معاوية إلى عبد الله بن عبّاس عند خروج الحسين إلى مكة كتابا يسأله فيه كفّ الحسين عمّا عزم عليه، وكتب في آخره شعرا (2):
يا أيها الرّاكب (3) الغادي لطيّته ... على عذا فرة (4) في سيرها قحم
أبلغ قريشا على نأي (5) المزار بها ... بيني وبينكم الرحمن والرّحم
وموقف بفناء البيت ننشده (6) ... عهد (7) الإله وما توفي به الذمم
غنيتم (8) قومكم فخرا بأمّكم ... أمّ لعمري حصان عفة كرم
هي الّتي لا يداني فضلها أحد ... بنت الرّسول وخير الناس قد علم (9)
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (شعرا) ليست في: أ، ب، ج.
(3) في ب: الرّاغب.
(4) هكذا رسمها في الأصل والنسخ الأخرى، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 333، ولم أتوصل إلى معرفة معناها.
(5) نأي: بعد. الفيروزأبادي: القاموس المحيط ص 1722 (نأى).
(6) في الأصل وأ، ب: أشهده، والمثبت من: ج وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 5/ 66.
(7) (عهد) سقطت من: ب.
(8) في أ: غنمتم.
(9) هذا البيت لم يرد في: ب.(2/703)
وفضلها لكم فضل وغيركم ... من قومكم لهم في فضلها قسم
إني لأعلم أو ظنا كعالمه (1) ... والظّن يصدق أحيانا فينتظم
إن سوف نترككم ما تدعون بها ... قتلى [تهاداكم] (2) الغربان والرّخم (3)
يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ (4) سكنت ... تمسّكوا بحبال السلم واعتصم (5)
قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم ... من القرون وقد بادت (6) بها الأمم
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا ... فربّ ذي بذخ زلّت به القدم (7)
(مراسلة الكوفيين الحسين، وقتل مسلم بن عقيل) (8):
ولمّا وصل الحسين رضي الله عنه إلى مكة، كتب إليه أهل الكوفة: أن أقدم علينا، فإنّا قد حبسنا أنفسنا عليك. فبعث إليهم ابن عمه مسلم ابن عقيل (9) بن أبي
__________
(1) في أب، ج: لعامله.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: لها حوم.
(3) هذا البيت لم يرد في: ج.
(4) في ج: إذا.
(5) في ب: من القرون وقد بادت بها الأمم. وهو عجز البيت الذي يليه.
(6) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ: بدت. ولم يرد هذا البيت من نسخة: ب.
(7) هذا الخبر ذكره ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 5/ 66.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) مسلم بن عقيل بن أبي طالب، تابعي، كنيته أبو داود، قتل بالكوفة، ابن قتيبة:
المعارف ص 204، وابن حبان: الثقات 5/ 391.(2/704)
طالب. فبايع منهم سرا نحو اثنا (1) عشر ألفا. فكتب بذلك مسلم إلى الحسين، وأكّد عليه في المسير إلى الكوفة، وواليها يومئذ النّعمان بن بشير الأنصاري. فعزله يزيد، وولّى مكانه عبيد الله بن زياد (2) لعنه الله (3)
__________
(1) في أ، ب: اثنى.
(2) عبيد الله بن زياد: أبو حفص، أمير العراق، ولي خراسان لمعاوية فقطع نهر جيحون إلى بخارى فافتتح رامين وبيكند ونسف من عمل بخارى، قتل يوم عاشوراء سنة سبع وستين. خليفة: تاريخ ص 222، 219والذهبي: سير 3/ 545وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 305.
(3) لا يجوز لعن أحد من المسلمين بعينه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن المؤمن المعيّن، فقال:
«لعن المؤمن كقتله» متفق عليه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن لعن المسلم الفاسق بعينه، فقد كان على عهده صلى الله عليه وسلم رجل اسمه عبد الله ويلقب (حمار) وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشّراب، فأتى به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فو الله ما علمت، إنه يحب الله ورسوله. رواه البخاري: (الصحيح مع الفتح) 12/ 75، 77 رقم (678) وليس ذلك من أعمال المؤمنين الصالحين لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعانا» أخرجه مسلم: الصحيح بشرح النووي، كتاب البرّ والصلة، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها 16/ 148وكقوله: «ليس المؤمن بالطّعان، ولا اللّعان، ولا الفاحش، ولا البذيّ» رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح 4/ 350رقم (1977) وصححه الحاكم: المستدرك مع التلخيص مع التلخيص 1/ 12ووافقه الذّهبي. وهذا هو الحقّ الذي عليه أهل السنة والجماعة، فقد ذكر عن ابن سيرين والحسن البصري وغيرهما أنهم كانوا يقولون: {أَلََا لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (18) سورة هود: الآية (18) إذا ذكر لهم مثل الحجاج وضربه.(2/705)
[فأقبل إليها] (1) في وجوه (2) أهل البصرة، ودخل الكوفة متلثما، فلم يمّر بمجلس [من مجالس] (3) القائمين بدعوة الحسين رضي الله عنه ويسلّم، / [57/ أ] إلا قالوا [له] (4): وعليك السلام يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! يظنّون أنّه الحسين، حتى نزل القصر (5).
__________
الخلّال: السنة 1/ 522قال ابن تيمية: ونحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج ابن يوسف وأمثاله نقول: {أَلََا لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} (18) ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه.
مجموع الفتاوى 4/ 487. وعبيد الله بن زياد له سيئات، وله حسنات منها فتح بيكند وغيرها وإن كان صدر منه ما هو ظلم فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه أو ندعوا عليه بدخول النار، بل نبرأ مما اقترفه ونبغضه ونبرأ منه وأمره إلى الله فيثيبه على حسناته ويعاقبه على سيئاته إن شاء أو يغفر له. ثم إنه لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته، فكيف من تاب عن قتل؟ وبما يعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة؟ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده. فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 4/ 487474والذهبي: سير 3/ 549545وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 288، 389عن أبي حامد الغزالي، بتصرّف.
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وجه.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 347، 348من رواية عمّار الدّهني.(2/706)
فدعا بمولى له يسمى معقلا (1)، فأعطاه مالا، فقال [له] (2): اذهب وسل (3) عن هذا الرّجل الذي يبايعه (4) أهل الكوفة، فقل (5) له: إني رجل من حمص، جئت إليك بمال لتتقوىّ (6) به. فتلطف معقل حتى وصل إلى مسلم في دار هانيء بن عروة (7)، فدفع إليه المال، وبايعه.
وانصرف (8) إلى عبيد الله، وعنده شريح (9) القاضي، فقال له: أتتك [بحائن رجلاه] (10)، وأنشد:
__________
(1) الطبري: تاريخ 5/ 362من رواية أبي مخنف. ولم أقف على ترجمته.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) في أ، ب: واسأل.
(4) في أ، ب: يبايعوه.
(5) التصويب من: أ. وفي الأصل و، ب، ج: فقال.
(6) في ب: لتقوى.
(7) هو هانيء بن عروة بن نمران الماردي، كان من أشراف أهل الكوفة، قتله عبيد الله ابن زياد في أمر مسلم بن عقيل. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 329وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 406.
(8) أي هانيء بن عروة دخل على عبيد الله وعنده شريح القاضي، فقال عبيد الله لهانيء:
أتتك بحائن رجلاه. الطبري: تاريخ 5/ 365عن أبي مخنف.
(9) شريح بن الحارث بن قيس النخعي الكوفي، القاضي. مات قبل الثمانين أو بعدها، وله مئة وثمان سنين أو أكثر. ابن حجر: تقريب ص 265.
(10) في الأصل: يخابل ورجال. والمثبت من: أ، ب، ج. وهو مثل للحارث بن جبلة الغّساني، ويضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه. الميداني: مجمع الأمثال 1/ 33والعسكري: جمهرة الأمثال 1/ 199.(2/707)
أريد حياته (1) ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد (2)
وكان عبيد الله بن زياد لعنه الله لهانيء مكرما، فوجّه إليه (3)، وقال له: يا هانيء! أين مسلم بن عقيل؟ فقال: لا أدري. فأمر عبيد الله بإحضار معقل (4) مولاه، [فلما رآه] (5) هانيء، بهت. فقال: ما دعوته إلى قصري، ولكنّه ألقى بنفسه عليّ. فقال عبيد الله: جئني به، فقال: لا والله، ولو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه، فقال عبيد الله: قرّبوه مني، فأخذ محجنا (6) كان يتوكأ عليه هانيء، فضربه به على حاجبه، فشجّه، وضرب وجهه حتى هشم أنفه، فمدّ يده [هانيء] (7) إلى قائم سيف كان في يد شرطيّ، فمنع من أخذه، فقال عبيد الله: أحروريّ (8) أنت؟ فأمر به، فحبس. وانتقل الخبر بمذحج [قبيل] (9) هانيء. فتجمعوا إلى باب
__________
(1) في تاريخ الطبري: حباءه.
(2) البيت لعمرو بن معدي كرب في قيس بن مكشوح المرادي. المبرد: الكامل 2/ 166.
(3) في أ، ب، ج: عنه.
(4) التصويب من: أ، ب، ج: وفي الأصل: فأمر عبد الله بن معقل مولاه.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) المحجن: العصا المعطوف رأسها. ابن دريد: الاشتقاق ص 207، 491.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) حروري: نسبة إلى حروراء، وهو موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به فنسبوا إليه. ابن الأثير: اللباب 1/ 359.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قتل.(2/708)
القصر. وبلغ الخبر أيضا إلى مسلم بن عقيل، فنادى بشعاره (1) فاجتمع إليه عشرة الآف. وقيل: ثمانية عشر ألفا (2)، فقصد بهم القصر، فجعل أصحابه يتسلّلون عنه حتى لم يبق معه إلّا نحو مائة رجل، فسار نحو أحد الأبواب، وما معه سوى ثلاثة رجال، فلما خرج من الباب لم يتبعه منهم أحد، فولّى حائرا (3)، فاستخفى عند امرأة (4)، وكان (5) لها ابن (6) مولى لمحمد بن الأشعث (7)، فأخبر مولاه بأمر مسلم، فرفع محمد الأمر إلى عبيد الله، فقال له: ائتني به. ووجّه معه سبعين رجلا، فاقتحموا عليه الدار، فأشار (8) إليهم بسيفه، فأخرجهم من الدّار، ثم حملوا عليه ثانية (9) فشد عليهم وأخرجهم، فلمّا رأوا صرامته وشجاعته علوا البيوت، فرموه بالحجارة وأوقدوا النيران
__________
(1) كان شعاره: يا منصور أمت. الطبري: تاريخ 5/ 367عن أبي محنف.
(2) الطبري: تاريخ 5/ 375والمسعودي: مروج الذهب 3/ 67.
(3) المسعودي: مروج الذهب 3/ 67.
(4) يقال لها: طوعة، أم ولد كانت للأشعث بن قيس، فاعتقها، فتزوجها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا. الطبري: تاريخ 5/ 371عن أبي محنف.
(5) في أ، ب: وكانت.
(6) هو بلال بن أسد الحضرمي. الطبري: تاريخ 5/ 373عن أبي مخنف.
(7) محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، يكنى أبا القاسم، مولده في حدود سنة ثلاث عشرة، كان شريفا مطاعا في قومه، قتل مع مصعب بن الزبير سنة سبع وستين. ابن سعد: الطبقات 5/ 65والذهبي: تاريخ (حوادث سنة 8061) ص 221، 222.
(8) في أ، ب: فشار.
(9) في الأصل وأ، ب: ثانيا، والمثبت من: ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 68.(2/709)
في السّقوف وألقوها عليه، فلمّا رأى ذلك، قال: [كلّ ما أرى لقتل مسلم؟] (1) يا نفسي اخرجي إلى الموت الذي ليس عنه محيص، فخرج عليهم، فقاتلهم، فاختلف هو وبكير (2) ابن حمران ضربتين، فضربه بكير، فقطع شفته العليا، وأشرع (3) في السّفلى، وضربه مسلم في رأسه (4)، وأخرى على عاتقه كادت (5) تبلغ جوفه، وهو يقول:
أقسّمت لا أقتل إلّا حرّا ... وإن رأيت الموت شيئا مرّا
كلّ امريء يوما ملاق شرّا ... أخاف أن أكذب أو أغرّا (6)
فتقدم إليه محمد بن الأشعث / فقال (7) له: إنك لا تكذب ولا
__________
(1) التكملة: من أ، ب، ج.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: أبو بكر. ولم أقف على ترجمة بكير.
(3) في الأصل: وأشرم. والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 68.
(4) في أ: رأس.
(5) في أ، ب، ج: وكادت.
(6) هكذا ورد عجز البيت في الأصل والنسخ الأخرى وكذا عند المسعودي: مروج الذهب 3/ 86. وعند الطبري: تاريخ 5/ 374من رواية أبي مخنف:
كل امريء يوما ملاق شرّا ... ويخلط البار سخنا مرّا
(7) في أ، ب، ج: وقال.(2/710)
[57/ ب] تغرّ. وأعطاه الأمان، فأمكنهم (1) من نفسه، فحملوه على بغلة، وأتوا به نحو ابن زياد، وقد سلبه ابن الأشعث سلاحه، فلما بلغ باب القصر نظر إلى قلّة (2) مبردة، فاستسقاهم ماءا، فمنعه مسلم بن عمرو (3)
الباهلي (4) أبو قتيبة بن مسلم من أن [يسقى] (5) فتوجه عمرو ابن حريث (6)، فأتاه بقدح فيه ماء، فلما رفعه إلى فيه امتلأ دما، فصبّه، وملأه الأخرى، فلمّا رفعه إلى فيه سقطت ثناياه فيه، وامتلأ دما، فقال: الحمد لله، لو كان من الرّزق المقسوم لشربته. فأدخل (7) على ابن زياد، فأمر أن
__________
(1) المثبت من: أ، ب، ج والمسعودي: مروج الذهب 3/ 68وفي الأصل: وكّنه.
(2) قلّة: القلّة، بضم القاف، إناء للعرب، كالجرّة الكبيرة، الجوهري: الصحاح 5/ 1804 (قلل).
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عامر.
(4) مسلم بن عمرو الباهلي، كان عظيم القدر عند يزيد بن معاوية، ويكنّى: أبا صالح، قتل مع مصعب بن الزبير. ابن قتيبة: المعارف ص 406، والذهبي: تاريخ (أحداث 10081) ص 455.
الباهلي: هذه النسبة إلى باهلة، وهو باهلة بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر. ابن الأثير: اللباب 1/ 116.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) هو عمرو بن حريث المدني المخزومي، له صحبة، نزل الكوفة، وكان له فيها قدر وشرف، ولي إمرتها نيابة لزياد ولابنه عبيد الله، ومات بها سنة خمس وثمانين. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1172، وابن حجر: الإصابة 4/ 292.
(7) في الأصل: فدخل، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 69.(2/711)
يصعد به إلى أعلى القصر، وأمر بكير بن حمران أن (1) يضرب عنقه، كي يأخذ بثأره من الضرّبة التي ضربه. فأصعد (2) به إلى أعلى القصر، فضرب (3) بكير عنقه، ثم دعا ابن زياد بكير بن حمران فقال: ما كان يقول حين (4) صعدتم به لتقتلوه؟ قال: كان يكبّر (5)، ويهلل، ويسبح، ويستغفر الله. فلمّا قدّمناه للقتل (6) قال: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا، وظلمونا، وكذبونا، وبدّلونا، وقتلونا. وقال أحد الشعراء (7) يهجوا محمد بن الأشعث في أبيات:
وتركت عمّك أن تقاتل دونه ... فشلا ولولا ذاك كان منيعا
وقتلت وافد (8) أهل بيت محمد ... وسلبت أسيافا له ودروعا (9)
وكان ظهور مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمانية أيام مضت من ذي
__________
(1) (أن) سقط من: أ.
(2) في أ، ب: فأصعدوه.
(3) في ب: فاضرب.
(4) في أ، ب: إذا.
(5) (يكبّر) سقطت من: أ.
(6) في أ، ب: لضرب عنقه.
(7) هو عبيدة بن عمرو البدّي الكندي. الطبري: تاريخ 5/ 285.
(8) في ب: وفد.
(9) المسعودي: مروج الذهب 3/ 68، والطبري: تاريخ 5/ 285ويذكر أنّ عبيدة قال هذا الشعر لمحمد بن الأشعث يعيّره بخذلانه حجر بن عدي الكندي.(2/712)
الحجة سنة ستين. وفي ذلك اليوم خرج الحسين بن علي رضي الله عنه من مكة يريد الكوفة. فأمر ابن زياد بصلب جثة مسلم رحمه الله تعالى، وحمل رأسه إلى دمشق، وهو أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم، وأول رأس حمل من رؤوسهم إلى دمشق (1).
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت من بني عبد المطلب أشبه بالنّبي صلى الله عليه وسلم من مسلم بن عقيل بن أبي طالب (2).
(مسير الحسين إلى الكوفة، ونصيحة ابن عباس له بعدم الخروج إلى الكوفة) (3):
ولما عزم (4) الحسين رضي الله عنه على المسير إلى الكوفة، قال له ابن عباس رضي الله عنه: إنّ الناس قد أرجفوا [بمسيرك] (5) إلى العراق وإني أعيذك بالله من ذلك، فقال له: إنّي قد استخرت الله تعالى، فقال له: إذ [ولا بد] (6) فاترك العيال وسر بنفسك، فقال قد كتب إليّ من بها من
__________
(1) في هذا الجزء من الخبر جمع المؤلف بين رواية عمّار الدهني ورواية أبي مخنف التي تميزت بالشمول والتفصيل. انظر الطبري: تاريخ 5/ 381347، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 7067.
(2) البخاري: التاريخ الكبير 7/ 66، وابن حبّان: الثّقات 5/ 391مثله.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في أ، ب: أزمع.
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: الناس.
(6) التكملة من: أ، ب.(2/713)
الشيعة، فقال له: إن القوم (1) غدر، وما يدعونك إلا للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلّا محاربة هذا الجبّار، وكرهت المقام بمكة، فاشخص إلى اليمن، فإنّها في عزلة، ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبث دعاتك إلى أهل الكوفة، وأنصارك بالعراق فيخرجون [أميرهم] (2)، فإن فعلوا أتيتهم (3) وما أنا من غدرهم بآمن، وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك (4) حتى يأتي الله بأمره (5). فقال له الحسين: يا ابن عمي! إني لأعلم أنك لي ناصح وعليّ مشفق، ولكن مسلم بن عقيل كتب / إليّ باجتماع أهل الكوفة على بيعتي ونصرتي، [58/ أ] وقد عزمت على المسير إليه، فقال له: هم من قد خبرت وجرّبت، وهم أصحاب أبيك وأخيك، وقتلتك (6) غدا مع أميرهم، وإنّك لو قد خرجت فبلغ خروجك [ابن زياد] (7) لاستنفرهم إليك، فكان الذين كتبوا إليك، أشد عليك من عدوك، وإن عصيتني وأبيت إلا (8) الخروج
__________
(1) في أ، ب: إنّهم قوم.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) في أ: أتيهم.
(4) (بمكانك) سقطت من: ب.
(5) في الأصل: بأمر من عنده، والمثبت من: أ، ب، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 65.
(6) في الأصل: قتلك، وفي ب: قتلت، والمثبت من: أ، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 65.
(7) التكملة للتوضيح من: مروج الذهب 3/ 65.
(8) في ب: إلى.(2/714)
فلا تخرج نساءك وولدك معك، فو الله (1) إنّي لخائف أن تقتل كما قتل عثمان رضي الله عنه، ونساؤه وولده ينظرون إليه. فقال (2): والله لئن أقتل بمكان (3)
كذا أحبّ إليّ من أحلّ (4) بمكة. فيئس منه ابن عباس، وخرج من فوره، ومرّ (5) ابن عباس بعبد الله بن الزبير، فقال: قرت (6) عيناك يابن الزبير! هذا حسين يخرج إلى العراق ويخلّيك والحجاز، وأنشد:
يا لك من قبّرة (7) بمعمر ... خلا لك الجو فبيضى واصفري (8)
ونقّري ما شئت أن تنقّري (9)
(نصيحة عبد الله بن الزبير للحسين بعدم الخروج إلى الكوفة) (10):
__________
(1) في ب: فهو.
(2) (فقال) تكررت في: الأصل.
(3) في ب: بما كان.
(4) في أ، ب: أهل.
(5) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: وامر.
(6) في ب: قرات.
(7) القبّرة: ضرب من الطّير. الجوهري: الصحاح 2/ 784 (قبر).
(8) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: واصفار.
(9) هذا الخبر ذكر المسعودي: مروج الذهب 3/ 65، ورواه الطبري: تاريخ 5/ 383، 384عن أبي مخنف. والرّجز ينسب إلى طرفة بن العبد. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 110، والهاشمي: طرفة بن العبد ص 192.
(10) عنوان جانبي من المحقق.(2/715)
وكان ابن الزبير مغتما بكون الحسين بمكة، إذ كان للنّاس ميل إلى الحسين (1)، مما إليه، لأنهم لم يكونوا يعدلونه به. فلمّا [أعلمه بما] (2) أزمع عليه الحسين سرّ سرورا عظيما، فجاءه، فقال (3) له: يا أبا عبد الله! إنّي قد خفت الله تعالى في ترك جهاد هذه الجبابرة، وهم على ما هم عليه من الظلم، والفسوق، واستذلال الصالحين من عباد الله. فقال له الحسين: قد عزمت على المسير إلى الكوفة، فقال وفقك الله [تعالى] (4)، أما لو أن لي أنصارا مثل أنصارك ما عدلت بها. ثم خشى أن يتّهم (5)، فقال: ولو أقمت بمكانك فدعوتنا وأهل الحجاز إلى بيعتك أجبناك، فأنت بهذا الأمر أولى من يزيد والله (6).
(نصيحة أبو بكر بن الحارث للحسين) (7):
ثم دخل عليه أبو بكر ابن الحارث (8)، فقال يا بن عم! [إنّ الرّحم
__________
(1) في أ، ب: الناس أميل للحسين.
(2) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: أعد له بهما.
(3) في أ، ب: وقال.
(4) الزيادة من: ب.
(5) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل: يتاهمه.
(6) الطبري: تاريخ 5/ 383، 384، عن أبي مخنف. والمسعودي: مروج الذهب 3/ 65.
وأبو مخنف: أخباري تالف، لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/ 419والمسعودي:
أخباري معتزلي. سير أعلام النبلاء 15/ 569.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، تابعي ثقة عابد، أحد فقهاء المدينة، وكان ذا منزلة من عبد الملك بن مروان، مات سنة أربع وتسعين.(2/716)
تظائرني عليك] (1) ولست أدري كيف يقع نصحي منك، فقال: لست ممن يستغشّ، ولا يتهم، [فقل] (2). فقال: إن عليا أباك كان أقدم سابقة (3)، وأحسن في الإسلام أثرا، وأشد بأسا، والنّاس له أرجى، ومنه أسمع وعليه أجمع، فسار إلى معاوية والناس مجتمعون (4) عليه إلا أهل الشام، وهو أعز منهم. فخذلوه، وتثاقلوا حرصا على الدنيا ومحبة في حطامها، وخالفوه حتى قبضه إليه. ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا، وقد شاهدت ذلك، ولم يغب عنك. وأنت تريد أن تسير إليهم، وتقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق، وهم أقوى منك على الدنيا، والنّاس أخوف لهم وأرجى. ومتى وصلهم مسيرك [إليهم] (5) بذلوا لهم أموالهم، وقاتلك من تثق بهم (6)، وخذلك من تعتقدهم أنصارك. فابق على نفسك، وأقم بمكانك. فقال له
__________
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 303، وابن حجر: تقريب ص 623والذي ورد في الطبري من رواية أبي مخنف: عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. تأريخ 5/ 382، وانظر ابن أعثم:
الفتوح 32/ 71.
(1) في الأصل والنسخ الأخرى، إن الرّجل يطريك. والتصويب من: مروج الذهب 3/ 66وتهذيب الكمال 6/ 418، تظائرني عليك: أي تعطفني عليك. الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 555 (ظأر) بتصرف.
(2) التكملة من: أ، ب.
(3) في ج: سالفة.
(4) في أ: يجتمعون.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: ج، وفي الأصل والنسخ الأخرى: وقاتلوك ممن تثق منهم.(2/717)
الحسين رضي الله عنه: جزاك الله خيرا يا بن عمي! فلقد بالغت في النصيحة، / وأجهدت في الإعذار، وقد فرغ الله تعالى مما عسى أن يصيبني، [58/ ب] وأما قدره فلا محيد عنه. فقال أبو بكر: إنا لله، عند الله نحتسب أبا عبد الله (1).
وخرج من عنده، وقد يئس منه. فخرج الحسين رضي الله عنه وطاف بالبيت، وقصر من شعره، وحلّ من عمرته، وخرج مع أصحابه، وتمثل عند خروجه بقول زمل بن قيس الفزاري (2)، ويعرف: بابن أم دينار:
فما عن [قلى] (3) فارقت دار ... معاشرهم المانعون ساحتي وذماري
__________
(1) هذا الجزء من الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 66والمزّي: تهذيب الكمال 6/ 418، ورواه الطبري: تاريخ عن أبي مخنف 5/ 382لكنه يذكر (عمر بن عبد الرحمن) بدلا من (أبي بكر بن عبد الرحمن).
(2) في أ، ج: زميل بن أنس الفزاري، وفي ب: زميل بن أنس العذري. قلت: اختلف في اسمه، فقيل: زميل ابن أم دينار، شاعر من بني فزارة. الدارقطني: المؤتلف والمختلف 2/ 1126، وفي الإكمال لابن ماكولا: زميل بن زبير 4/ 93وكذا عند ابن ناصر الدين: توضيح المشتبه 4/ 304، قال ابن حجر: زميل ابن أبير، ويقال دبير بن عبد مناف بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة الفزاري. يقال له ابن أم دينار.
ذكره المرزباني في معجم الشعراء وقال إنّه هو الذي قتل ابن دارة في خلافة عثمان.
الإصابة 3/ 41الفزاري: نسبة إلى فزارة بن ذبيان بن بغض بن ريث بن غطفان، وهذه قبيلة كبيرة من قيس عيلان. ابن الأثير: اللباب 2/ 429.
(3) في الأصل: قيل: والمثبت من: أ، ب، ج.(2/718)
ولكنه [ماتم] (1) لا بد واقع وليس ... ينجى إن [حذرت] (2) حذاري (3)
وسار إلى الكوفة، واتصل قدومه بعبيد الله بن زياد لعنه الله وخرج حتى نزل القادسية (4).
(خطبة قيس بن مسهر الصيداوي في بيان فضل الحسين) (5):
وأقبل قيس بن [مسهر] (6) بكتاب الحسين رضي الله عنه إلى أهل الكوفة، فسيق إلى [عبيد الله بن زياد] (7) فقال له: أصعد المنبر، فسبّ الحسين ابن
__________
(1) في الأصل: مؤتم، والمثبت من: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: حضرت، والمثبت من: أ، ب، ج.
(3) لم أقف على هذا الشعر عند غير المؤلف.
(4) في الطبري من رواية أبي مخنف: أن الحسين أقبل حتى نزل الحاجر من بطن وادي الرّمة بعث قيس بن مسهر إلى أهل الكوفة فأقبل قيس حتى إذا انتهى إلى القادسية، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى عبيد الله. تاريخ 5/ 394، 395.
القادسية: تقع بين النّجف والحيرة، إلى الشمال الغربي من الكوفة، وإلى الجنوب من كربلاء، وبهذا الموضع كانت وقعة القادسية بين المسلمين والفرس في عهد عمر رضي الله عنه.
ياقوت: معجم البلدان 4/ 291، ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 221بتصرف.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل: مصعر، وفي أ: سعد.
قيس بن مسهر بن خليد ابن جندب الصيداوي كان أحد الذين حملوا كتب أهل الكوفة إلى الحسين وهو بمكة، ثم خرج معه فقتل. الطبري: تاريخ 5/ 352، 395 والدارقطني: المؤتلف والمختلف 1/ 262، وابن ماكولا: الإكمال 1/ 349.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عبد الله بن الزّبير.(2/719)
علي رضي الله عنه. فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس! إنّي (1)
رسول الحسين بن علي رضي الله عنه إليكم، ابن خير خلق الله، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجيبوه. وقد (2) أمرني عبيد الله بن زياد أن أسبّه، فلعن الله عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر الله لعلي بن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم (3). فرمي به من أعلى القصر ومات (4) رحمه الله [تعالى] (5) وبرّد ضريحه (6)، ولا رحم عبيد الله، وجعل النار (7) مثواه، آمين (8).
(استشهاد الحسين رضي الله عنه) (9):
ولما قرب الحسين رضي الله عنه، أشرفت (10) عليه طلائع خيل عبيد الله أوّل الظّهر، فأمر المؤذّن (11) أن يؤذّن، فأذّن، وخرج هو من
__________
(1) في أ، ب، ج: أنا.
(2) في الأصل وأ، ب: فقد، والمثبت من: ج.
(3) (رضي الله عنهم) سقطت من: أ، ب، ج.
(4) هذا الخبر عند الطبري: تأريخ 5/ 394، 395من رواية أبي مخنف. والبلاذري:
أنساب الأشراف 3/ 167.
(5) الزيادة من: ب.
(6) في أ، ب: ثراه.
(7) في ج: الجنّة.
(8) (آمين) ليست في: أ، ب، ج.
(9) عنوان جانبي من المحقق.
(10) في أ، ب: استوفت، وفي ج: استوفيت.
(11) هو الحجّاج بن مسروق الجعفي. الطبري: تأريخ 5/ 401من رواية هشام بن الكلبي.(2/720)
حجره (1) في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها النّاس [إني] (2) لم آتيكم حتى أتتني (3) كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم، فإن وفّيتم وإلا انصرفت عنكم. فسكتوا عنه، فقال (4) للمؤذن: أقم الصّلاة فصلى بالناس، وهمّ بالانصراف، فقال له الحرّ (5) [بن يزيد] (6)
التميمي: أين تريد يابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أريد هذا المصر.
فعرّفه بقتل مسلم بن عقيل، [وقال له] (7): ارجع فإنّي لم أدع خلفي خيرا أرجوه لك، فهمّ بالرجوع، فقال له إخوة (8) مسلم: والله لا
__________
(1) في أ، ب، ج: مضربه.
(2) التكملة من: أ، ج.
(3) في الأصل: أتاني، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 5/ 401.
(4) في ج: ثم قال.
(5) في الأصل والنسخ الأخرى: الحسين. وهو تحريف. والصّواب: الحرّ. انظر الطبري:
تاريخ 5/ 389من رواية عمّار الدهني، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 70. وهو الحرّ بن يزيد التميمي الرّياحي، كان من رجال عبيد الله بن زياد، فانحرف إلى الحسين وثبت معه يوم كربلاء حتى قتل. الدارقطني: المؤتلف والمختلف 1/ 505، والطبري: تاريخ 5/ 422، 428، 441، وأبو أحمد العسكري: تصحيفات المحدّثين 2/ 739.
(6) الزيادة من ب، وفي أ، ج: زيد.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) ورد في أ: أخ. قلت: كان مع الحسين من أبناء عقيل: جعفر، وعبد الرحمن، وعبد الله، كلهم قتلوا. الطبري: تاريخ 5/ 469، وقال ابن قتيبة بعد أن عدّ تسعة عشر من أبناء عقيل: وخرج ولد عقيل مع الحسين بن علي، فقتل منهم تسعة نفر.(2/721)
نرجع (1) حتى (2) نأخذ بثأرنا أو نقتل كلّنا، فقال الحسين: لا خير في الحياة بعدكم! فسار حتى لقيه جيش ابن زياد، فقال له زعيمهم (3): إنّا أمرنا إذا نحن لقيناك [أن نقدمك] (4) إلى الكوفة على ابن زياد، فقال له الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. وأمر بالركوب، فلما ذهبوا لينصرفوا حيل بينهم وبين ذلك، فقال له الحسين رضي الله عنه: ثكلتك أمّك! ما تريد؟ قال:
انطلق بك إلى ابن زياد، فقال: ما / إلى ذلك من سبيل (5). [59/ أ] فنهض الحسين [رضي الله عنه] (6) إلى قصر بني مقاتل (7) [بكربلاء] (8) وبات فيه،
__________
المعارف ص 204، وانظر مصعب الزبيري: نسب قريش ص 84.
(1) في الأصل: ترجعوا، والمثبت من: أ، ب، ج، وتاريخ الطبري 5/ 389.
(2) في أ، ب، ج: أو.
(3) هو الحر بن يزيد التميمي أحد قواد عبيد الله بن زياد، وذلك قبل أن ينضمّ إلى الحسين.
الطبري: تاريخ 5/ 402من رواية ابن الكلبي. والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 170.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 402، 401، 389من روايتي عمار الدهني، وهشام ابن الكلبي.
(6) زيادة من: أ، ب، ج.
(7) قصر مقاتل قال ياقوت: قصر مقاتل: كان بين عين التمر والشام، وقال السّكوني:
هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريّات، وهو منسوب إلى مقاتل بن حسّام بن ثعلبة بن أوس. معجم البلدان 4/ 364.
(8) التكملة من: أ، ب، ج. بكربلاء: موضع في طرف البريّة عند الكوفة. ياقوت:
معجم البلدان 4/ 445.(2/722)
وخفق برأسه خفقة انتبه وهو يقول: إنّا لله، فقال له ابنه علي الأكبر (1): يا أبت، جعلت فداك! لم قلت إنا لله؟ (2) فقال: يا بنيّ إني (3) رأيت فارسا (4)
يقول: [القوم] (5) يسيرون، والمنايا تسري إليهم (6)، فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا على الحق؟ قال: بلى، فقال: [إذا] (7) لا نبالي كيف نموت، فقال [له] (8): جزاك الله من ولد خيرا. فبينما هما (9) في ذلك وإذا براكب قد أقبل للجيش بكتاب عبيد الله بن زياد وفيه: أما بعد فجعجع (10) بالحسين حين يبلغك كتابي (11).
__________
(1) علي (الأكبر) بن الحسين بن علي، قتل مع أبيه، طعنه مرّة بن منقذ العبدي، فضمّه أبوه الحسين إليه حتى مات، وهو أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 57، والطبراني: تاريخ 5/ 446.
(2) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(3) (إنّي) سقطت من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل و، ب: فرسا، وسقطت من: أ.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إليه.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) الزيادة من: أ، ب، ج.
(9) في ب: هم.
(10) في أ، ب: فهجع. فجعجع بالحسين: أي أزعجه وأخرجه، وقال الأصمعي: يعني أحبسه، وقال ابن الأعرابي: يعني ضيق عليه. الجوهري: الصحاح 3/ 1196 (جعجع) وابن منظور: لسان العرب 8/ 51 (جعجع).
(11) هذا الجزء رواه الطبري: تاريخ 5/ 407من رواية أبي مخنف. والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 176174.(2/723)
ونهض عمر بن [سعد] (1) بن أبي وقاص إلى الحسين وهو أمام بيته وقد خفق برأسه. فسمعت أخته زينب (2) الضجّة، فدنت منه، وقالت: يا أخي ألا تسمع الأصوات قد قربت منا! فرفع رأسه وقال: إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خفقتي هذه، فقال لي: إنك تروح علينا، فلطمت أخته وجهها، وقالت: يا ويلتاه! فقال لها: ليس لك الويل يا أختي، أسكتي، ثم قال لأخيه العبّاس (3): إركب إليهم يا أخي فقل لهم: ما بدا لكم؟ ففعل (4). فقالوا له:
أمر عبيد الله أن تنزلوا على حكمه (5)، فقال لهم: لا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله. فرجع إلى الحسين وأخبره، ثم انصرف إليهم، وقال: إنه يسألكم الانصراف حتى ينظر في الأمر وإنّما أراد التأخر حتى يوصي بما
__________
(1) التصويب من: ب، وفي الأصل و، أ: سعيد.
عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري، سكن الكوفة، واستعمله عبيد الله بن زياد على الرّي وهمذان، وقطع معه بعثا، وقتل لما غلب المختار على الكوفة. ابن سعد: الطبقات 5/ 168 والمزّي: تهذيب الكمال 2/ 360356.
(2) هي زينب (الكبرى) بنت علي بن أبي طالب، ولدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ذا عقل وقوّة جنان، حملت إلى دمشق لما قتل أخوها وحضرت عند يزيد. ابن الأثير:
أسد الغابة: 6/ 132وابن حجر: الإصابة 8/ 100.
(3) العّباس بن علي بن أبي طالب، يكنّى: أبا قربة، الطبري: تأريخ 5/ 468ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 43.
(4) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: فافعلوا.
(5) هذه العبارة سقطت من: ج.(2/724)
له [أن يوصي] (1) فقال له عمر [بن سعد] (2): قد أجّلناكم إلى الغد.
فلما كان عند المساء جمع الحسين رضي الله عنه أصحابه، وقال لهم: [إنّي] (3) لا أعلم أصحابا أوفى ولا أبرّ منكم، فجزاكم الله خيرا، فقد أذنت لكم فانطلقوا حيث شئتم، وهذا [الليل] (4) قد غشيكم (5)، فاتّخذوه (6) سترا، فإنّ القوم إنما يطلبون لي، فقال (7) له إخوته وأبناؤه وقرابته: إنما نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا، فيقول الناس: تركوا شيخهم (8)
وسيّدهم لم يرموا دونه بسهم، ولا ضربوا أمامه بسيف، فقبّح الله العيش بعدك ما أسوأه عندنا! (9).
وروي عن علي بن الحسين (10) وهو الأصغر المعروف بزين
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) الزيادة من: ج، وفي ب: عمرو بن سعد، وفي أ: سعيد.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الخيل.
(5) في ب: غشيتم.
(6) في الأصل وب: فاتخذوا، والمثبت من: أ، ج.
(7) في أ، ب: فقالوا.
(8) في الأصل: شيوخهم، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 5/ 419من رواية أبي مخنف.
(9) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 419، 418، 417، 416من رواية أبي مخنف.
(10) هو علي (الأصغر) بن الحسين، ولد سنة ثمان وثلاثين تقريبا، كان عابدا فقيها،(2/725)
العابدين، وهو أبو الحسنين أنه قال: إني (1) جالس العشية التي قتل في صبيحتها أبي، وأنا مريض، وعمّتي زينب تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه وهو ينشد مرتجزا:
يا دهر أفّ لك من خليل ... كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل ... والدّهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل (2) ... وكلّ حيّ (3) سالك السبيل
وأعادها مرات (4)، حتى فهمتها عنه، وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة، فرددت دمعتي، ولزمت / السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل.
وأما [59/ ب] عمتي زينب فسمعت ما سمعت. وفي النساء الرقة والجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها، وهي حاسرة حتى انتهت إليه، فقالت: [وآثكلاه]! (5) وآيتم عيالاه! (6) ليت أعدمني الحياة يوم ماتت أمي
__________
فاضلا مشهورا، شهد يوم كربلاء مع أبيه وله ثلاث وعشرون سنة، ومات سنة ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك. الذهبي: سير 4/ 386وابن حجر: تقريب ص 400.
(1) في الأصل وأ، ب: إنّه، والمثبت من: ج، والطبري: تاريخ 5/ 420.
(2) في ب: للجليل.
(3) في ب: حب.
(4) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: مرة.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: عياله.(2/726)
فاطمة وأبي علي! إني خليفة الماضي وثمال (1) الباقي. فنظر إليها الحسين رضي الله عنه، فقال لها: يا أخّية لا يذهبنّ حلمك الشيطان، وإنّي أقسم (2) عليك ألّا تخمشي عليّ وجها إذا أنا هلكت (3).
ثم قام هو وأصحابه اللّيل كلّه يصلون، وحبسهم عند الصباح وهم اثنان (4) وثلاثون فارسا وأربعون راجلا (5)، ودفع رايته إلى أخيه العبّاس، وجعل البيوت في ظهورهم، وأقبل عمر بن سعد، فلما دنا من الحسين، ركب الحسين راحلته، ثم نادى بأعلى صوته: أيها النّاس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا عليّ حتى أعظكم واعتذر إليكم من مقدمي، فإن قبلتم عذري لم يكن لكم علي سبيل، وإلا فاجمعوا (6) أمركم ثم اقضوا إليّ ولا (7) تنظرون {إِنَّ وَلِيِّيَ اللََّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتََابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصََّالِحِينَ} (196) (8) فلما سمع (9)
__________
(1) ثمال الباقي: يعني غياث ما بقي من أبناء علي، تقوم بأمرهم. الجوهري: الصحاح 4/ 1649 (ثمل) بتصرف.
(2) في الأصل: أقسمت، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تأريخ 5/ 421.
(3) رواه الطبري: تأريخ 5/ 420، 421من طريق أبي مخنف عن علي بن الحسين.
(4) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل وب: اثنين.
(5) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: رجلا.
(6) في ب: فادفعوا.
(7) في أ، ب: فلا.
(8) سورة الأعراف: الآية (196).
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سمعوا.(2/727)
إخوته كلامه صحن وبكين وارتفعت أصواتهن، فأمرهم بالسّكوت، فسكتوا. ثم قال (1): أما بعد أيها الناس (2)! فانظروا من أنا، وعاتبوا أنفسكم في قتلي، هل يصلح لكم انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه، ووصيّه، وأول المؤمنين بالله؟! أوليس حمزة عم أبي سيّد [الشهداء] (3)؟! ألم تعلموا (4) أنّ رسول الله قال لي ولأخي: «هذان سيّدا شباب أهل (5) الجنّة» فإن صدّقتموني فيما قلت فهو الحق، وإن (6)
كذبتموني فإنّ فيكم من يعلم (7) ذلك، اسألوا (8) جابر (9) بن عبد الله الأنصاري وغيره (10)، هل تطلبوني بقتيل قتلته فيكم (11) أو بمال استهلكته؟
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قالوا.
(2) في ج: أيها الناس أما بعد فانظروا.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) في أ، ب: تعلمون.
(5) (أهل) سقطت من: أ.
(6) في ب: فإن.
(7) (يعلم) سقطت من: ج.
(8) في أ، ب: سلوا.
(9) جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين. ابن حجر: تقريب ص 136وقد سبقت ترجمته.
(10) كأبي سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك. الطبري: تأريخ 5/ 425من طريق أبي مخنف.
(11) في أ، ب: فيكم قتلته.(2/728)
فلم يراجعه أحد (1)، فنادى: يا قيس بن الأشعث (2)، ويا جابر [بن الحسين] (3)، ويا فلانا، [ويا فلانا] (4)! ألم تكتبوا إليّ: أن (5) قد [أينعت] (6)
الثمار، واخضرّت الجنات، [فاقبل إلينا؟ قالوا: ما فعلنا. قال الحسين، سبحان الله! ثم قال: فإذا كرهتموني] (7) فدعوني انصرف عنكم، فقال له ابن الأشعث: انزل على حكم بني عمك، فلست ترى إلا ما تحب، فقال له الحسين: أتريد أن يطالبك (8) بنو (9) هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل. ونزل عن راحلته فأقبلوا
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أحدا
(2) تكرر الاسم في الأصل. وقيس بن الأشعث بن قيس الكندي، كان من أشراف الكوفة، وأعيان كندة، فكان على ربع ربيعة وكندة في جيش عمر بن سعد الذي واجه الحسين. الطبري: تاريخ 5/ 422وابن الأثير: الكامل 3/ 286.
(3) التكملة من: ج، وفي أ، ب: الحسن. ولم أقف على ترجمة جابر بن الحسين هذا.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج. جاء في رواية أبي مخنف، أنه نادي: يا شبث بن ربعي، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث الطبري: تاريخ 5/ 425.
(5) في ب، ج: أني.
(6) في الأصل: أجنيت، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 5/ 425.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل: يطالب، والمثبت من: أ، ب، ج، وفي تأريخ الطبري 5/ 425: يطلبك.
(9) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: بنى.(2/729)
يزحفون (1) إليه (2). وحملوا على أصحابه، فجثوا لهم على الركب صبرا، والخيل تشدّ عليهم وتصرعهم، إلى أن عقروا دوابهم، وصاروا كلّهم رجّالة، وقاتلوهم (3) حتى انتصب النّهار فلا يقدروا (4) أن يأتوهم (5) إلّا من وجه واحد.
__________
(1) في أ: يرجفون.
(2) هذا الخبر ورد مطوّلا عند الطبري: تاريخ 5/ 426، 425، 424، 421عن أبي مخنف، وهو أخباري تالف لا يوثق به. الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 419لكن حديث «هذان سيّدا شباب أهل الجنة» له شواهد كثيرة منها حديث حذيفة بن اليمان، وفيه: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» أخرجه الترمذي: السنن 5/ 660 رقم (3781) وأحمد: المسند (مع المنتخب) 5/ 391والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 372وإسناده صحيح، وصححه الحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 151، ووافقه الذهبي. ومنها حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة» رواه الترمذي: السنن 5/ 656رقم (3768) وأحمد: المسند (مع المنتخب) 3/ 3، 62، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 207، 11/ 90، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 3/ 166كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن أبي سعيد، وهو صحيح.
(3) في الأصل: وقتلوهم، والمثبت من: أ، ب، ج.
(4) في ب: يقدرون.
(5) في ج: يقاتلونهم.(2/730)
وحمل شمّر بن ذي الجوشن (1) حتى طعن في فسطاط الحسين (2) رضي الله عنه برمحه، وقال: علي بالنار (3) لأحرق من في هذا البيت، فصاح النساء (4)، / وخرجن، وصاح به الحسين: يابن ذي الجوشن! أنتّ [60/ أ] تحرّق بيتي على من فيه، أحرقك الله [بالنار] (5).
فلمّا [حان] (6) وقت الصلاة (7)، صلى الحسين بمن بقي من أصحابه الظهر صلاة الخوف، واشتدّ القتال، ورموه بالنبل، وزهير بن [القين] (8)
يقاتل بين يديه، ويقول:
__________
(1) شمر بن ذي الجوشن العامري، كان مصابا بالبرص، قتل على يد رجال المختار بن أبي عبيد. ابن قتيبة: المعارف ص 401، 582، وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 340.
(2) حتى طعن في فسطاط الحسين برمحه: أي ضربه ووخزه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1565 (طعن) بتصرف.
(3) (بالنار) سقطت من: أ، ب.
(4) (النساء) سقطت: من أ.
(5) الزيادة من أ، ب، ج، وانظر تفاصيل الخبر عند الطبري: تاريخ 5/ 438من طريق أبي مخنف، والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 194.
(6) في الأصل: جنّ، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) صلاة الظّهر. الطبري: تاريخ 5/ 441عن أبي مخنف.
(8) التصويب من: ج، وفي الأصل: عيينه، وفي أ، ب: اليقين.
زهير بن القين بن الحارث البجلي، كان على ميمنة جيش الحسين، وقتل معه.
الطبري: تاريخ 5/ 422وابن الكلبي: نسب معد 1/ 346.(2/731)
أنا زهير (1) وأنا ابن القين ... أذودهم بالسيف عن (2) حسين
ثم ضرب على منكب الحسين، وقال (3):
أقدم هديت هاديا مهديا ... فاليوم تلقى جدّك النّبيا
وحسنا والمرتضى عليّا ... وذو الجناحين الفتى الكميّا (4)
فشدّ عليه فارسان فقتلاه (5).
وكان نافع بن هلال (6) من أصحاب الحسين قد كتب على أفواق (7)
سهمه [اسمه] (8) فجعل يرمي بها مسموما، وهو يقول (9):
__________
(1) في ب: قيس.
(2) في ج: على.
(3) (وقال) ليست في: ج.
(4) الكميّ: الشجاع المتكمّي في سلاحه، لأنه كمىّ نفسه، أي سترها بالدرع والبيضة، والجمع الكماة. الجوهري: الصحاح 6/ 3477 (كمى).
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فرسان فقاتل. والفارسان هما: كثير بن عبد الله الشعبّي، ومهاجر بن أوس. ورد ذلك من رواية أبي مخنف عند الطبري: تاريخ 5/ 441.
(6) نافع بن هلال المرادي، يقال له: الكامل، قاتل مع الحسين ودافع عنه حتى قتل.
الطبري: تاريخ 5/ 434، وابن الأثير: الكامل 3/ 281.
(7) أفواق: جمع فوق، وهو موضع الوتر من السّهم. الجوهري: الصحاح 4/ 1546 (فوق).
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) (وهو يقول) ليست في: ج.(2/732)
أرمي (1) بها معلمات أفواقها ... والنفس لا ينفعها إشفاقها
فقتل اثنى عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد، سوى من جرح منهم. ثم (2) أخذ أسيرا، وجيء به إلى عمر بن سعد فقال له: ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت؟ فقال ربي يعلم ما أردت. والدّماء تسيل على لحيته فأمر بقتله، فقتل رحمه الله (3).
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما وهو الأكبر [يشدّ] (4)
على الناس ويقول:
__________
(1) في الأصل: ارم، والمثبت من: أ، ب، ج، والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 197، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 200.
(2) (ثم) سقط من: ب.
(3) انظر الخبر عند الطبري: تاريخ 5/ 441، 442عن أبي مخنف، دون ذكر البيت.
وذكر الخبر بتمامه ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 199، 200من رواية أبي مخنف.
وقد اعتذر ابن كثير عن نقله من هذا الطريق بقوله: «وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة، وفيما ذكرنا كفاية، وفي بعض ما أوردناه نظر، ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ والأئمة ذكروه ما سقته، وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحي وقد كان شيعيا، وهو ضعيف الحديث عند الأئمة». البداية والنهاية 8/ 218ونور ولي: أثر التشيع على الروايات التاريخية ص 375.
(4) التصويب من: أ، ب، وفي الأصل وج: ينشد.(2/733)
أنا عليّ بن الحسين بن عليّ ... نحن ورب البيت (1) أولى بالنّبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدّعي
فخرج، فطعن، فمات رحمه الله (2).
فوقف عليه أبوه الحسين رضي الله عنه، فقال له: يا بنيّ! قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم على الله تعالى، فعلى الدنيا بعدك العفاء.
وخرجت إمرأة مسرعة كأنها الشمس الطّالعة تنادي: يا أخيّاه (3)! فقيل: هذه زينب بنت فاطمة بنت نبي (4) الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت حتى أكبّت على وجهه (5)، وأقبل إليها الحسين رضي الله عنه فردها إلى الفسطاط (6).
ثم [قتل] (7) يزيد بن الحسين (8)، رحمه الله.
__________
(1) في الأصل: الكعبة، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 5/ 446برواية أبي مخنف.
(2) الطبري: تاريخ 5/ 446عن أبي مخنف.
(3) في الأصل: يا إخواننا، وفي ب: يا أخاه، والمثبت من: أ، ج ومن رواية أبي مخنف عند الطبري: تاريخ 5/ 446.
(4) في أ، ب، ج: رسول.
(5) في أ، ب، ج: عليه.
(6) الطبري: تاريخ 5/ 446، 447عن أبي مخنف.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قال.
(8) الطبري: تاريخ 5/ 446، 447عن أبي مخنف(2/734)
ورمي [ابن] (1) لمسلم بن عقيل بسهم، فقتل (2)، رحمه الله، وحمل فارس (3) على عون بن عبد الله بن جعفر (4)، فقتله، رحمه الله.
ورمي عبد الله بن عروة (5) جعفر بن عقيل بن أبي طالب بسهم (6)
فقتل (7) رحمه الله. وشدّ عثمان بن خالد (8) على عبد الرحمن بن عقيل بن
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج. وهو عبد الله بن مسلم. الطبري: تاريخ 5/ 447من رواية أبي مخنف، والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 200.
(2) في ب: فقال.
(3) هو عبد الله بن قطبة الطائيّ ثم النّبهانيّ. الطبري: تاريخ 5/ 447، 469، من رواية أبي مخنف. والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 200.
(4) هو عون (الأصغر) بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أمّه جمانة بنت المسيّب الفزاريّة. ابن قتيبة: المعارف ص 207، والطبري: تاريخ 5/ 469، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 68.
(5) ورد عند الطبري في موضع: عبد الله بن عزرة، وفي موضع آخر: عبد الله بن عروة الخثمعي، قتل على يد رجال المختار الثقفي سنة ست وستين. انظر تاريخه 5/ 447، 6/ 65.
(6) (بسهم) سقطت من: ب.
(7) في ب: فقتله.
(8) هو عثمان بن خالد بن أسير الجهني الدّهماني، قتله عبد الله بن كامل الشّاكري بأمر من المختار سنة ست وستين للهجرة. الطبري: تاريخ 6/ 59، وابن الأثير: الكامل 3/ 370.(2/735)
أبي طالب، فقتله رحمه الله (1).
قال حميد بن مسلم (2): خرج غلام (3) كأن وجهه شقّة قمر، وفي يده سيف، وعليه قميص وإزار ونعلان، فشدّ عليه عمرو بن [سعد] (4) بن نفيل، فضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، وقال: يا أخياه (5)! فحمل الحسين رضي الله عنه حملة الصّقر، وشدّ شدّة الليث، فضرب [عمرا] (6)
ضربة، فاتّقاه (7) بساعده، فأطنّه (8) من المرفق. وحملت خيل الكوفة [60/ ب] ليستنقذوا عمرا، فاستقبلته (9) بصدورها، فوطئته، فمات، فأخذ
__________
(1) هذه الفقرة سقطت من: أ، ب، ج. وانظر الخبر بتمامه عند الطبري: تاريخ 5/ 446، 447عن أبي مخنف، وابن الأثير: الكامل 3/ 293، والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 200مختصرا.
(2) هو حميد بن مسلم الأزدي، أحد أصحاب شمر بن ذي الجوشن، وشاهد عيان لاستشهاد الحسين، روى عنه أبو مخنف في مقتل الحسين، الطبري: تاريخ 5/ 412، 414، 429، 438، 446، 447، 453451، 458455.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: غلاما.
(4) في الأصل وأ، ب: سعيد، والمثبت من: ج، والطبري: تاريخ 5/ 447، ولم أقف على ترجمة عمرو.
(5) عند الطبري من رواية أبي مخنف: يا عمّاه. الطبري: تاريخ 5/ 447.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عمر.
(7) في الأصل: فالتقاه، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 5/ 447.
(8) فأطنّه: يعني قطعه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1566 (طنن).
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فاستقبلوه.(2/736)
الحسين رضي الله عنه (1) الغلام وهو يفحص برجليه (2)، والحسين يقول:
عزّ والله على أخيك (3) أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك! صوت كثر واتروه (4)، وقلّ ناصروه، فاحتمله. وكأني أنظر إلى رجل الغلام، وهو يفحص بها (5)، فوضع الحسين رضي الله عنه صدره على صدره حتّى ألقاه مع ابنه (6)، ومن قتل معه (7) من أهل بيته. قال حميد (8): فسألت عن الغلام؟
فقيل: هو القاسم (9) بن علي بن أبي طالب، أخو الحسين رضي الله عنهم أجمعين (10).
ومكث الحسين [رضي الله عنه] (11) طويلا كلّما انتهى [إليه] (12)
__________
(1) في أ، ب، ج: الحسين الغلام رضي الله عنهما.
(2) في أ، ب: برجله.
(3) عند الطبري من رواية أبي مخنف: عمّك، تاريخ 5/ 447.
(4) واتروه: الموتور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، الجوهري: الصحاح 2/ 843 (وتر).
(5) في أ، ب، ج: به.
(6) في أ، ب، ج: ابنيه. والمقصود بابنه: علي (الأكبر) بن الحسين. الطبري: تاريخ 5/ 448برواية أبي مخنف.
(7) في أ، ب، ج: معهما.
(8) (حميد) سقط من: ج.
(9) لم أقف على ترجمته.
(10) الطبري: تاريخ 5/ 448من رواية أبي مخنف.
(11) الزيادة من: أ، ب، ج.
(12) في الأصل: أتاه، والمثبت من أ، ب، ج، وتاريخ الطبري 5/ 448.(2/737)
رجل من الناس انصرف عنه، وكره أن يتولى قتله، حتى أتاه رجل من كندة (1)، يقال له مالك (2) لعنه الله فضربه بالسيف على رأسه، وعليه برنس (3) خزّ، فقطع البرنس، وامتلأ دما، فقال الحسين: لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين، فألقى البرنس ودعى بقلنسوة (4)، فلبسها واغتمّ، وقد أعيا، فجلس، فجيء بصبي (5) لّه، فأجلسه في حجره (6). فرماه أحد بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى [الحسين] (7) دمه بيده حتى امتلأت منه كفّه. [ثم] (8) قال: اللهم إن كنت حبست عنّا النّصر من السماء فاجعل ذلك لما [هو] (9) خير لنا. ورمي ابن له (10) بسهم، فقتل
__________
(1) كندة: قبيلة من كهلان، تنسب إلى كندة، واسمه ثور، وبلادهم باليمن، وكان لهم ملك بالحجاز واليمن. القلقشندي: نهاية الأرب ص 409.
(2) هو مالك بن النسير الكندي، من بني بدّاء، قتله المختار سنة ست وستين للهجرة.
الطبري: تاريخ 6/ 57، 58، وابن الأثير: الكامل 3/ 293.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: برنوس.
(4) في الأصل: بالقلنسوة، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 5/ 448.
(5) قيل: هو عبد الله بن الحسين. الطبري: تاريخ 5/ 448.
(6) هذا الخبر رواه مطولا الطبري: تاريخ 5/ 448عن أبي مخنف قال: حدثني سليمان ابن راشد، عن حميد بن مسلم. والبلاذري: أنساب الأشراف 3/ 203.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) هو أبو بكر بن الحسين، رماه عبد الله بن عقبة الغنوي. الطبري: تاريخ 5/ 448 من طريق أبي مخنف.(2/738)
رحمه الله ورضي عنه، واشتد العطش بالحسين رضي الله عنه فدنى ليشرب، فرمي بسهم في فيه (1)، فجعل يلقى الدم من فمه ويحمد الله، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا (2) ولا تغادر منهم أحدا (3).
قال [عبد الله بن عمّار بن] (4) عبد يغوث: رأيت الحسين رضي الله عنه واقفا، عليه قميص من خزّ وهو معتم، ثم (5) يخضّب بالوسمة (6)، فما رأيت
__________
(1) في أ، ب، ج: فوقع في فمه.
(2) (بددا) سقطت من ب. بددا: متفرّقين. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 340 (بدد).
(3) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 449برواية هشام ابن الكلبي، والبلاذري:
أنساب الأشراف 3/ 201مختصرا. قال الإمام أحمد في هشام: إنما كان صاحب سمر وشرب، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. انظر الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 304.
(4) هذه الزيادة للإيضاع، من تاريخ الطبري: تاريخ 5/ 451ولم أعثر لعبد الله بن عمّار على ترجمة.
(5) (ثم) ليس في: أ، ب، ج.
(6) الوسمة: بفتح الواو نبت، وقيل: شجر باليمن يخضّب بورقه الشعر، أسود. ابن الأثير: النهاية 5/ 18 (وسم) روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال في وصف الحسين: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبا بالوسمة، الجامع الصحيح فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين (فتح الباري) 7/ 94رقم (3748).(2/739)
رجلا أربط منه جأشا. والله إن كانت الرّجال لتنكشف عن يمينه، وعن (1)
شماله انكشاف الغنم إذا شدّ (2) فيها الذّئب. فإنّه لكذلك إذ خرجت أخته زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكأني أنظر إليها، وقرطاها (3)
يجولان في أذنيها وعنقها، وهي تقول: ليت السماء انطبقت على الأرض.
وكان عمر بن سعيد بن أبي وقاص قد دنى من الحسين، فقالت: يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر؟! فكأنّي لأنظر إلى دموع عمر تسيل على خديه (4) ولحيته، وقد صرف وجهه عنها (5).
ثم حمل على الحسين رضي الله عنه من كلّ جانب (6). فضرب كفّه: زرعة بن فلان (7) لعنه الله ثم ضربه على عاتقه، فجعل الحسين رضي الله عنه ينوء (8)
__________
(1) في أ، ب، ج: وكان.
(2) في ج: اشتد.
(3) في الأصل: وقرطيها، والمثبت من: أ، ب، ج.
(4) في الأصل: خدّه، والمثبت من: أ، ب، ج، وتاريخ الطبري 5/ 452.
(5) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 452، 451من طريق أبي مخنف عن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث البارقي.
(6) في أ: جهة، وفي ب: وجهة.
(7) هو زرعة بن شريك التميمي. الطبري: تاريخ 5/ 453من رواية أبي مخنف.
(8) في الأصل والنسخ الأخرى: ينبو أو يكبو أ. والمثبت من تاريخ الطبري 5/ 453.
ينوء: تباعد. ويكبوا: سقط على وجهه. انظر الجوهري: الصحاح 6/ 2471، 2500 (كبا، نبا).(2/740)
ويكبو على وجهه، وحمل عليه سنان ابن [عمرو] (1) النّخعي لعنه الله تعالى فطعنه فوقع، فقال لرجل (2) إلى جانبه: / [61/ أ] احتزّ رأسه. فأراد أن يفعل، ثم ضعف وأرعد فقال سنان لعنه الله تعالى فتّ الله عضدك، وقطع يدك، ونزل إليه فذبحه، وجاء برأسه إلى [عبيد الله] (3) بن زياد لعنه الله (4).
ووجد في الحسين رضي الله عنه ثلاثة وثلاثون ضربة برمح، وأربعة وثلاثون [ضربة] (5) بسيف، وسلب ما كان عليه، ومال الناس على (6) ما كان في فسطاط من الحلل والثياب، وعلى الإبل والدّواب، فانتهبوا جميع ذلك، حتى إنّه لينزع عن المرأة ثوبها، ويغلب عليه، فقال عمر بن سعد: لا يدخل أحد بيت هؤلاء النّسوة، ولا يعرض أحد لهذا الغلام المريض، وهو علي
__________
(1) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل وأ: عمر. نسبه المؤلف إلى جده عمرو. وهو سنان بن أنس بن عمرو النّخعي. الطبري: تاريخ 5/ 453، 468، والدارقطني:
المؤتلف والمختلف 3/ 1204، وابن ماكولا: الإكمال 4/ 440، 441.
(2) هو خوليّ بن يزيد الأصبحي، قتله المختار سنة ست وستين للهجرة. الطبري: تاريخ 5/ 453و 6/ 59، وابن الأثير: الكامل 3/ 370.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 452، 453من طريق أبي مخنف.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) المثبت من: ج، وفي الأصل: وما، وفي أ، ب: لما كان.(2/741)
ابن الحسين الأصغر رضي الله عنه وعنهم (1). [وقد كان همّ شمر بن ذي الجوشن بقتله. ودفن أصحاب الحسين رضي الله عنه وعنهم] (2) وهم اثنان (3) وسبعون رجلا (4). وقتل يومئذ من إخوته (5): العباس، والقاسم وعثمان وأبو بكر، وجعفر، وإبراهيم (6). وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا (7).
(عمر الحسين عند استشهاده) (8):
قتل الحسين رضي الله عنه ورحمه، وهو ابن خمس وخمسين سنة (9). وقيل: ابن ست وخمسين (10). وقيل: ابن ثمان وخمسين (11). يوم عاشوراء سنة إحدى
__________
(1) (وعنهم) ليست في: ج.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اثنين.
(4) هذا الخبر رواه مطوّلا الطبري: تاريخ 5/ 454، 455من طريق أبي مخنف. وانظر البلاذري: أنساب الأشراف 3/ 203، 204.
(5) في ب: من إخوته يومئذ.
(6) هذا الخبر رواه أبو العرب التميمي: المحن ص 148عن أبي معشر.
(7) الطبري: تاريخ 5/ 455.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) الطبري: تاريخ 5/ 394عن الواقدي. والمسعودي: مروج الذهب 3/ 71.
(10) أبو العرب التميمي: المحن ص 150عن أبي معشر.
(11) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 397، عن سفيان بن عيينة، والهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 198وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. واختاره ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 215.(2/742)
وستين (1)، وكان يخضّب بالسوداء.
(كلام زينب بنت علي في أهل الكوفة بعد استشهاد أخيها) (2):
ثم ارتحل عمر إلى الكوفة، وحمل عيال الحسين ومن كان معهن من الأطفال، حتى قدم بهم على عبيد الله بن زياد. وإذا نساء الكوفة (3)
متهتكات (4) للمصيبة، [فأومأت] (5) زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الناس بالسّكوت! فسكنت الأنفاس، وهدأت الأجراس (6)، ثم قالت:
يا أهل الكوفة يا أهل الخبل (7) والخذل! لا رقت (8) العبرة، [ولا هدأت الرنّة] (9) إنما مثلكم كمثل التي (10) نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا،
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 234، 235، والطبري: تاريخ 5/ 400عن أبي معشر والواقدي وابن الكلبي. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 393.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) في ب: النساء الكف.
(4) في ب: متصهكات. متهتّكات: الهتك: خرق السّتر عما وراءه. الجوهري: الصحاح 4/ 1616 (هتك).
(5) التصويب من أ، ب، ج، وفي الأصل: فاملأت.
(6) الأجراس: جمع جرس وهو الصوت. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 689 (جرس).
(7) الخبل: بتسكين الباء: الفساد. الجوهري: الصحاح 4/ 1682 (خبل).
(8) في أ، ب، ج: لا رقات.
(9) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: ولهدت العزلة.
(10) في ب: فانما مثلكم كالتي.(2/743)
تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، هل فيكم إلا ملق الإماء، وغمر الأعداء، وكم عين على دمنة، أو قصة على مجلوده، ألا ساء ما قدّمت أنفسكم (1)
أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. ابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فقد بؤّتم بعارها وشنارها. قتيل سليل الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنة، وأمارة الحجّة، تعسا (2) لكم ونكسا، فقد خاب السّعي، وتبّت الأيدي. وبؤّتم بغضب من الله وضربت عليكم الذّلة والمسكنة، أتدرون؟
ويحكم! أيّ كبد رسول الله صلى الله عليه وسلم فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكََادُ السَّمََاوََاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبََالُ هَدًّا} (90) (3).
(حمل رأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد) (4):
قال [ابن] (5) لمسلم بن عقيل (6): دخلت على عبيد الله بن زياد، فوجدته قد جلس للنّاس، ورأس الحسين رضي الله عنه بين يديه وهو ينكث ثنيّته
__________
(1) في ب: ألا ما قلّ مثلكم.
(2) في ب، ج: تسعا.
(3) سورة مريم: الآية (89، 90)، والخبر أورده ابن أعثم: الفتوح 3/ 141139 بنحوه. والشّبلنجي: نور الأبصار ص 223، وزينب العاملي: الدّر المنثور ص 233.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى، وعند الطبري من رواية أبي مخنف: حميد بن مسلم الأزدي 5/ 456ولعل هذا هو الأصوب.(2/744)
بقضيب بيده، ويقول:
نفلّق هاما من رجال (1) أحبّة ... إلينا، وهم كانوا أعقّ (2) وأظلما (3)
فلما رآه زيد بن أرقم (4)، وكان من جلسائه، فقال (5) له / [61/ ب]:
ارفع القضيب عن هاتين الثنيتين، فو الّذي نفسي بيده لقد رأيت شفتي النبي (6) صلى الله عليه وسلم تقبلها، ثم بكى (7) وانتحب. فقال له عبيد الله: والله لولا أنّك شيخ قد كبرت وخرفت، وذهب عقلك، لضربت عنقك.
ودخل نساء الحسين على عبيد الله بن زياد، وقد لبست زينب بنت
__________
(1) في ب: رجل.
(2) في أ، ب: أحق، وفي ج: أعزّ.
(3) هذا البيت أورده الطبري: تاريخ 5/ 460من قول يزيد بن معاوية متمثلا به، وهو على نحو:
يفلّقن هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
والبيت للحصين بن الحمام المرّي. الضّبي: المفضليات ص 105وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 382.
(4) هو زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي، ومات بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين، وقيل سنة ثمان وستين.
ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 535وابن حجر: الاصابة 3/ 21وخبر زيد رضي الله عنه مع عبيد الله بن زياد أخرجه ابن كثير وعزاه للطبراني. أنظر البداية والنهاية 8/ 26.
(5) في أ: قال.
(6) في أ، ب، ج: رسول الله.
(7) في أ، ب، ج: تبكىّ.(2/745)
فاطمة رضي الله عنها الله عنها لباس (1) حزنها، وتنكّرت، وحفّ بها إماؤها (2)، فقال عبيد الله: من هذه؟ فلم تكلّمه. فقال له بعض إمائه: هذه زينب بنت فاطمة، فقال الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم (3). فقالت:
الحمد لله الّذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وطهرّنا تطهيرا، [لا كما] (4) تقول أنت. إنّما يفتضح الفاسق، فقال (5) لها: فكيف (6) رأيت صنع الله بأهل بيتك؟! قالت: كتب الله عليهم القتل (7)، فبرزوا إلى مضاجعهم، وغدا يجمع الله بينك وبينهم، فتختصمون عنده. فغضب عبيد الله بن زياد (8)، فقال له عمرو بن حريث (9): أصلح الله الأمير! إنّما هي امرأة، ولا تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها! فقال عبيد الله: قد شفى الله نفسي من طاغيتك،
__________
(1) في ب: ثياب.
(2) (وحفّ بها إماؤها) سقطت من نسخة: أ.
(3) في أ، ب: واقتلكم.
(4) التكملة من أ، ب، ج.
(5) في أ، ب: قال.
(6) في الأصل: كيف، والمثبت من: أ، ب، ج، وتاريخ الطبري 5/ 457.
(7) (كتب الله عليهم القتل) سقطت من: أ.
(8) (بن زياد) سقط من: ب.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عمر بن الحارث.
عمرو بن حريث القرشي المخزومي، صحابي صغير، مات سنة خمس وثمانين. ابن حجر تقريب ص 420.(2/746)
فكيف رأيت؟ قالت: [لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي، وقطّعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك هذا] (1) [فقد] (2) اشتفيت (3).
ولما نظر عبيد الله إلى علي بن الحسين، وكان مريضا، قال لشرطي (4) كان على رأسه: انظر هذا، إن كان أدرك ما يدركه الرّجال؟
فكشف [عنه] (5) إزاره، فقال: نعم، فقال عبيد الله: اقتلوه، فقال علي:
[ومن يوكل] (6) بهؤلاء النّسوة.
إن كان بينك وبينهنّ قرابة فابعث معهنّ رجلا يحفظهّن. فتعلّقت به زينب عمّته، وقالت: يا ابن زياد حسبك منا ما بلغته، أما رويت من دمائنا! أسألك بالله إن كنت مؤمنا إلا قتلتني معه! فنظر عبيد الله إليهما ساعة، وقال: عجبا للرحم! إني والله لأظّنها ودّت أنّي (7) قتلتها معه أو
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل: فكيف، وفي ب: فقال.
(3) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 456، 457من رواية أبي مخنف عن حميد بن مسلم دون ذكر البيت. وابن أعثم: الفتوح م 3/ 142، وانظر البلاذري: أنساب الأشراف 3/ 207مختصرا.
(4) هو مريّ بن معاذ الأحمري. الطبري: تاريخ 5/ 458من رواية أبي مخنف عن حميد بن مسلم.
(5) الزيادة من: أ، ب، ج.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) (ودّت أنّي) سقطت من: أ.(2/747)
قتلته. دعوا الغلام، فخلّوا عنه (1).
(عدم رضى يزيد عن استشهاد الحسين) (2):
وبعث عبيد الله برأس الحسين (3) رضي الله عنه إلى يزيد بن معاوية، فأحضر بين يديه، فدمعت عيناه، وقال لعن الله ابن مرجانة أما والله لو أنّي صاحب الحسين لعفوت عنه، وخليت سبيله، رحمه الله (4).
(موقف يزيد من أبناء وذرّية الحسين) (5):
وجهز عبيد الله بن زياد لعنه الله (6) نساء الحسين رضي الله عنهم إلى يزيد، ومعهنّ علي بن الحسين. فقال يزيد لعلي: أبوك الّذي قطع رحمي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت. فقال علي: {مََا أَصََابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلََّا بِإِذْنِ اللََّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللََّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ، وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11)
__________
(1) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 5/ 457، 458من رواية أبي مخنف عن المجالد بن سعيد، وحميد بن مسلم؟.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) لم يثبت بإسناد صحيح أن رأس الحسين حمل إلى الشام، وإنما الذي صحّ هو حمله من كربلاء إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة. صحيح البخاري (مع الفتح): كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين 7/ 94رقم (3748) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 507.
(4) الطبري: تاريخ 5/ 462من رواية أبي مخنف.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) (لعنه الله) ليست من: أ، ب، ج.(2/748)
(1) فقال [له] (2) يزيد: {وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} (30) (3) يا أهل الشام! ما ترون في هؤلاء؟ فقال رجل من أهل الشام: لا يؤخذ من كلب سوء جروا. فقال له النعمان بن بشير: اصنع بهم ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع لو رآهم على هذا (4)
الحال (5).
ورأى النساء والعيال في هيئة رثّة قبيحة، فبكى يزيد حتّى كادت روحه (6) تخرج، / وبكى أهل الدّار حتى علت أصواتهم، فقال: لعن الله [62/ أ] الله ابن مرجانة! لو كانت بينكم وبينه قرابة ما فعل هذا بكم (7).
فقالت له فاطمة (8) بنت الحسين كانت أكبر من زينب:
__________
(1) سورة التغابن: الآية (11).
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) سورة الشورى: الآية (30).
(4) في الأصل: هذه، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 382.
(5) هذا الجزء من الخبر رواه أبو العرب التميمي: المحن ص 148، 149عن أبي معشر.
وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 382والطبري: تاريخ 5/ 461عن أبي مخنف مثله.
(6) في أ، ب، ج: نفسه.
(7) إلى هنا من الخبر رواه بمثله الطبري: تاريخ 5/ 460، 461من رواية أبي مخنف.
(8) فاطمة بنت الحسين بن علي المدنية، تزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي، وأقامت عنده إلى أن توفي، ثم تزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان، وتوفيت سنة عشر ومئة، وقد أسنّت. ابن سعد: الطبقات 8/ 473والعمري: مهذب الروضة(2/749)
أبنات (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا يا زيد؟! فقال لها: يا بنت أخي! والله لقد كنت لهذا كارها. ثم أمر بهنّ فأدخلهن إلى حرمه، فأقمن مناحة على الحسين رضي الله عنه. وأمر يزيد بصرف جميع ما أخذ لهن (2) ثم جهّزهنّ إلى المدينة، وأعطى علي بن الحسين مالا كثيرا، وشيّعهم أميالا (3).
(رؤيا أم سلمة للرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم استشهاد الحسين) (4):
وروي عن ابن العباس رضي الله عنه قال: سمعت صراخا من بيت أم سلمة (5)
رضي الله عنها، فخرجت أريد منزلها، وأقبل أهل المدينة، وبنات عبد المطلب، فلمّا انتهيت إليها، قلت لها: يا أمّ المؤمنين! مالك تصرخين؟
فسمعتها وهي تقول: يا بنات عبد المطلب! أسعدنني، فقد والله قتل
__________
الفيحاء ص 198، 199، وابن حجر: تقريب ص 751.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أبنت.
(2) في ب: لهم.
(3) الطبري: تاريخ 4/ 464من طريق عوانة بن الحكم مثله.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) هند بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزومية، أم سلمة، أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع، وقيل: ثلاث. ماتت سنة اثنتين وستين، وقيل: سنة إحدى، وقيل: قبل ذلك، والأول أصح. فقد روى مسلم في صحيحه: أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في خلافة يزيد. صحيح مسلم بشرح النووي: كتاب الفتن 18/ 4، انظر ترجمة أم سلمة عند ابن حجر: الإصابة 8/ 241، وتقريب ص 754، والذهبي: سير 2/ 210201.(2/750)
الحسين بن علي، فقيل لها: يا أم المؤمنين! ومن أين علمت؟ قالت (1):
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة أتاني وهو شعث (2)، أغبر، فقال: قتل الحسين وأهل بيته، فدفنتهم، والسّاعة فرغت [من] (3) دفنهم. فدخلت البيت، فإذا أنا بتربة الحسين (4) التي أتى بها جبريل من كربلاء، فقال: يا محمد! إذا صارت هذه التّربة دما، فقد قتل ابنك! فأعطانيها (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: يا أم سلمة! اجعلي هذه التربة في قارورة، فإذا صارت دما فقد قتل الحسين رضي الله عنه] (6) فدخلت الساعة، فرأيت القارورة قد صارت دما.
وانكسرت. فأخذت أم سلمة رضي الله عنها من ذلك الدم، ولطّخت به وجهها، فقلت لها: يا أم المؤمنين ما هذا الدّم (7)؟ فقالت: دم ابني الحسين. فأقاموا عليه المأتم ذلك اليوم. وجاء قتله لذلك (8) اليوم (9).
__________
(1) في ج: فقالت.
(2) في الأصل وأ: أشعث، والمثبت من: ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: منهم.
(4) (الحسين) سقط من: ب.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: فاعطنيها.
(6) التكملة من: ج.
(7) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(8) في ب: ذلك.
(9) لم أقف على هذا الخبر إلا عند المجلسي: بحار الأنوار 45/ 231230وهو من أعلام الشيعة الإمامية. أنظر الزركلي: الأعلام 6/ 48أما رؤيا أم سلمة لرسول الله(2/751)
(نوح الجّن على الحسين رضي الله عنه) (1):
وري عن عبد الله بن عمرو (2) الخزاعي عن هند بنت [الجون] (3)، قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيمة (4) أم معبد (5)، ومعه أصحاب له، فكان
__________
صلّى الله عليه وسلم يوم قتل الحسين فقد أخرجها الطبراني في المعجم الكبير 3/ 114رقم (2817) من طريق عمرو بن ثابت عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أم سلمة.
وقال الهيثمي: فيه عمرو بن ثابت النكري، وهو متروك. مجمع الزوائد 9/ 189، والترمذي: سنن 5/ 657، والحاكم: المستدرك مع التلخيص 4/ 19كلاهما من طريق سلمى البكرية عن أم سلمة. وهو ضعيف لجهالة سلمى. المبار كفوري: تحفة الأحوذي 10/ 276.
(1) أخرج الطبراني من طريق عمّار بن أبي عمار، قال سمعت أم سلمة تقول: سمعت الجنّ يبكين وتنوح عليه. المعجم الكبير 3/ 130 (2862) ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 199.
(2) في أ، ب: عمر. قال ابن حجر: عبد الله بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي، مجهول، من الثالثة، تقريب ص 315.
(3) في الأصل: الجوزي. وفي ب: الجزر، والمثبت من: أ، ج.
(4) مكان يعرف اليوم بأرض أم معبد بأسفل وادي قديد، جنوب قرية صعبر على 11كيلا، وشمال مكة على 27كيلا يمين الأسفلت. الأنصاري: طريق الهجرة ص 49 والبلاذري: معجم المعالم الجغرافية ص 119.
(5) هي عاتكة بنت خالد بن منقذ الخزاعيّة، صحابية، مشهورة بكنيتها، كانت امرأة برزة جلدة تسقى وتطعم بفناء الكعبة، وذكر الواقدي أنها عاشت إلى عام الرمادة زمان عمر بن الخطاب. ابن سعد: الطبقات 8/ 288، 289وابن حجر: الإصابة 8/ 281.(2/752)
من أمره في الشّاة ما قد عرفه النّاس. فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى أبرد (1)، وكان يوم قائظ، شديد الحرّ. فلمّا قام من رقدته، دعا بماء فغسل يديه، فأنقاهما (2)، ثم مضمض فاه، ومجّه إلى عوسجة (3) كانت إلى جانب الخيمة ثلاث مرّات. واستنشق ثلاثا، ثم غسّل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا (4)، ثم مسح برأسه ما أقبل منه وما أدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما والله ما عانيت (5) أحدا فعل ذلك قبله، فقال: «إنّ لهذه العوسجة شأنا» ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام يصلي ركعتين. فعحبت فتيات الحي من ذلك، وما كان عهدنا بالصّلاة ولا رأينا مصلّيا قبل.
فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية، / وخضد (6) الله شوكها،
__________
(1) في ب: أمرك، أبرد: نام وقت القيلولة حتى دخل وقت البراد. الفيروزآبادي:
القاموس المحيط ص 341 (برد) بتصرف.
(2) في أ، ب، ج: وأنقاهما.
(3) العوسج: شجر من شجر الشّوك، وله ثمر أحمر مدوّر كأنه خرز العقيق. ابن منظور:
لسان العرب 2/ 324 (عسج).
(4) (ثلاثا) سقطت من: ب.
(5) في الأصل: عايدة، والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في أ: وخضل. حضد: قطع، يقال: خضدت الشجر: قطعت شوكه، الجوهري:
الصحاح 2/ 468، 469.(2/753)
وساخت (1) عروقها، [62/ ب] وكثر أفنانها، واخضرّ ساقها وورقها، ثم أثمرت بعد ذلك، وأينعت بثمر (2) كأعظم ما يكون من كمأة في لون الورس المسحوق (3)، ورائحة العنبر، وطعم (4) الشّهد (5)، والله ما أكل منها جائع إلا شبع! ولا ظمآن إلى روي! ولا سقيم إلّا برأ! ولا ذو حاجة وفاقة إلّا استغنى، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا سمنت ودرّ لبنها، ورأينا النّماء والبركة في أموالنا منذ [يوم] (6) نزل بنا، وأخضبت بلادنا. فكنّا نسمّي تلك الشجرة: المباركة (7)، وكان من (8)
حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، ويتزوّدون من ورقها في الأسفار
__________
(1) ساخت: أي دخلت عروقها في الأرض وغابت. الجوهري: الصحاح 1/ 424 (سوخ) بتصرّف.
(2) في ب: بثمير.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: المحروف، والورس: نبت أصفر كالسّمسم يكون باليمن. الجوهري: الصحاح 3/ 988 (ورس) والفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 747 (ورس).
(4) في ب: وعظم.
(5) الشّهد: العسل. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 272 (هد).
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) في الأصل: فكنا نسميها شجرة البركة، والمثبت من: أ، ب، ج.
(8) (من) ليس في: أ.(2/754)
ويحملون (1) معهم في القفار (2)، فيقوم لهم مقام الطّعام والشّراب. فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها، واصفّر ورقها، فأحزننا ذلك، وفزعنا [له] (3)، فما كان الأمر (4) إلا قليلا حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قد قبض بذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في الطّعم والعظم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين سنة.
فلما كان ذات يوم (5) أصبحنا، وإذا بها (6) قد أشوكت من أوّلها إلى آخرها، وذهب [نضارة] (7) عيدانها، وتساقط جميع ثمارها (8)، فما كان إلا يسيرا حتى [وافى] (9) مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا (10) وانقطع ثمرها، ولم نزل (11) ومن حولنا
__________
(1) في أ، ب: ويحملونه.
(2) القفار، بكسر القاف، جمع قفر: وهي المفازة التي لا ماء فيها ولا نبات. الجوهري:
الصحاح 2/ 797 (قفر).
(3) الزيادة: من أ، ب، ج.
(4) سقطت هذه اللفظة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: بعد ذلك، والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في الأصل: هي، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: نزارة.
(8) في أ، ب، ج: ثمرها.
(9) التكملة من: أ، ب، ج.
(10) في أ، ب: كثيرا ولا قليلا.
(11) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: نزالو.(2/755)
نأخذ (1) من ورقها، ونداوي به مرضانا، ونستشفي (2) به من أسقامنا (3)، فأقامت على ذلك برهة طويلة.
ثم أصبحنا يوما فإذا بها قد أنبعت من ساقها دم عظيم جار، وورقها ذابلة، تقطر ماء [كماء] (4) اللّحم فعلمنا، أن (5) قد حدثت حديثة (6)
عظيمة، فبتنا ليلتنا فزعين (7) مهمومين، نتوقع الدّاهية. فلمّا أظلم اللّيل علينا سمعنا بكاء وعويلا من تحتها، وجلبة شديدة، ورجّة، وسمعنا صوت باكية تقول (8):
أيا ابن النبي ويا بن الرّضى ... ويا بقيّة (9) السّادة الأكرمينا
ثم كثرت الأصوات، ولم نفهم كثيرا مما يقولون، فأتان بعد ذلك قتل الحسين رضي الله عنه ويبست الشّجرة وجفّت، [فكسرتها] (10) الرياح
__________
(1) التصويب: أ، ب، ج، وفي الأصل: فأخذو.
(2) في الأصل: ونستشفي، وفي ب: ونشفي، والمثبت من: أ، ج.
(3) في ج: أمراضنا.
(4) في الأصل: كدم، والمثبت من: أ، ب، ج.
(5) في ب، ج: أنّه.
(6) (حديثه) سقطت من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ج: فازعين.
(8) في الأصل: باكي يقول: والمثبت من: أ، ب، ج.
(9) في ب: باقية.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بكثرة.(2/756)
والأمطار (1) بعد ذلك، فذهبت (2) واندرس أثرها.
قال دعبل (3) بن علي الخزاعي، حدثني أبي عن جدي عن بنت سعيد (4) بن مالك الخزاعية أنّها أدركت تلك الشجرة، وأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالت أيضا (5): سمعت تلك الليلة نوح (6) الجن، فحفظت من جنّية (7) منهنّ شعرا وهو / [هذا] (8): [63/ أ]
يا بن الشهيد ويا شهيد عمه ... خير العمومة جعفر الطيّار
عجبا لمصقول أصابك حده ... في الوجه منك وقد علاك (9) غبار (10)
__________
(1) في ب: الأنهار.
(2) في ج: فانذهبت.
(3) دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المفلق، رافضي بغيض سبّاب، كذاب، عاش نحوا من تسعين سنة، وله عن مالك بن أنس وغيره أحاديث كلها باطلة، ومات سنة ست وأربعين ومائتين. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 385382والذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 27وابن حجر: لسان الميزان 2/ 430.
(4) في بحار الأنوار 45/ 234: عن أمّه سعيدة بنت مالك الخزاعيّة.
(5) في أ، ب، ج: أنها سمعت.
(6) في ب: نحو.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: جانية.
(8) الزيادة من: ب.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وقد علي.
(10) وقع في هامش النسخة أ: وفي مثل هذا يقول القائد:
أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جدّه يوم الحساب
قلت: هذا البيت الذي ورد في هامش النسخة أ، ورد في خبر رواه الطبراني: المعجم(2/757)
[قال دعبل: فقلت قصيدتي:
زر خير قبر بالعراق يزار ... واعص الحمار فمن نهاك حمار] (1)
لم لا أزورك يا حسين لك الفدا ... قومي، ومن عطفت عليه نزار
ولك (2) المودّة في قلوب ذوي (3) النّهى (4) ... خير العمومة جعفر الطيّار (5)
(التّهم التي ألصقت بيزيد) (6):
كان (7) يزيد لعنه الله (8) مولعا بالصيد، واقتناء الجوارح (9)
والكلاب، والقرود والفهود، [ومعاقرة الشّراب] (10).
__________
الكبير 3/ 133 (2784) وقال الهيثمي: رواة الطبراني، وفيه من لم أعرفه مجمع الزوائد 9/ 199، وورد أيضا عند الشجري: الأمالي 1/ 185والمحبّ الطبري: ذخائر العقبى ص 145.
(1) التكملة من النسخ الأخرى.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: لاكن.
(3) في ب: ذي.
(4) النّهي: جمع نهية، وهو العقل. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1728 (نهى).
(5) هذا الخبر ورد بتمامه عند المجلسي في بحار الأنوار 45/ 235233. وهو من غلوّ وأكاذيب الشيعة في الحسين. والأبيات بتمامها في شعر دعبل ص 337، 338.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في أ، ب، ج: وكان.
(8) (لعنه الله) ليست في: أ، ب، ج.
(9) الجوارح من السباع والطّير: ذوات الصيد. الجوهري: الصحاح 1/ 358 (جرح).
(10) الزيادة من أ، ب، ج. ولم يثبت في رواية صحيحة شرب يزيد للخمر، وإنما(2/758)
وفي أيّامه ظهر الغناء بمكة والمدينة (1)، واستعملت الملاهي، واشتهر النّاس بشرب الشّراب والغناء، واقتدى بفعله وفسوقه وظلمه وجوره جميع عمّاله (2).
__________
وردت هذه التهمة من طرق ضعيفة منها: روايتين عن أبي مخنف عند الطبري: تاريخ 5/ 475، 480وعند ابن سعد: الطبقات 5/ 66والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 21، 30عن الواقدي. وهناك رواية مسندة عند البيهقي: دلائل النبوة 6/ 474 من طريق الفسوي عن شرب يزيد للخمر. وهي رواية ضعيفة فيها انقطاع.
وانظر رسالة الزميل عبد العزيز نورولي: أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري (رسالة دكتوراه) بالجامعة الإسلامية، ص 433.
ثم إن محمد بن الحنفية قد نفى هذه التهمة عن يزيد، وشهد بعدالته، وذلك في مناقشته لعبد الله بن مطيع عند قيام أهل المدينة على يزيد. قال ابن مطيع: إنّ يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدّى حكم الله. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده، فرأيته مواظبا على الصلاة، متحرّيا للخير، يسأل عن الفقه، ملازما للسنة. انظر الخبر عند الذهبي: تاريخ (8061هـ) ص 284وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 233وقد ذكر الزميل محمد الشيباني جملة من القرائن المؤكدة، التي تدل أنّ اتهام يزيد بشرب الخمر غير صحيح. مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية ص 422418.
(1) في أ، ب، ج: وبالمدينة، وسقطت من: ج.
(2) المسعودي: مروج الذهب 3/ 77، واتهام يزيد بالغناء ورد عند الطبري: تاريخ 5/ 475، 480من طريق أبي مخنف والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 1عن أبي مخنف، وعن الواقدي في موضع آخر 4/ 31، وأبو مخنف والواقدي لا يعتدّ بهما.(2/759)
(وقعة الحرّة) (1):
ولما شمل الناس جور يزيد، وعمّاله، وعمّهم جوره وظلمه، وتحقق عندهم فسقه وشربه، وقتله الحسين بن علي رضي الله عنه (2)، وصار فرعون زمانه.
أخرج أهل المدينة عامله الوليد بن عتبة (3) بن أبي سفيان، ومروان ابن الحكم، وسائر بني أمّية، وأمّروا عليهم عبد الله بن مطيع (4) بن الأسود القريشي (5) العدوي، وذلك [برأي] (6) عبد الله بن الزبير. إذ (7) كان ابن الزبير قد أظهر النّسك والزّهاد والخشوع والعبادة (8).
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) في ب: عنهما.
(3) عند المسعودي: أخرج أهل المدينة عامله عليهم. وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وانظر الطبري: تاريخ 5/ 482. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 32وأبو العرب التميمي: المحن ص 159، 162وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 388.
(4) عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي: المدني، له رؤية، وكان على رأس قريش يوم الحرة، وأمّره ابن الزبير على الكوفة، ثم قتل سنة ثلاث وسبعين. ابن عبد البر:
الاستيعاب: 3/ 994وابن حجر: تقريب ص 324.
(5) في أ: القرشي.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بن.
(7) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل و، ب: إذا.
(8) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 78.(2/760)
فلما بلغ [الخبر] (1) إلى يزيد جهز إليهم الجيوش، وأمرّ عليهم مسلم ابن عقبة المري (2)، وأنشأ يزيد يقول:
أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... وأشرف القوم على وادي القرى (3)
أجمع سكران من القوم ترى (4)
عني بأبي بكر: عبد الله (5) بن الزبير، وكان يكنى بأبي بكر (6).
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سير.
(2) في الأصل والنسخ الأخرى: الصّولي. وهو تحريف والتصويب من تاريخ خليفة ص 237، وتاريخ الطبري 5/ 473وابن قتيبة: المعارف ص 351.
(3) وادي القرى: سمي بذلك لكثرة قراه، وهو بين المدينة وتبوك، وأعظم مدنه اليوم:
مدينة العلا، شمال المدينة على مسافة 322كيلا. ياقوت: معجم البلدان 5/ 345 ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 224.
(4) المسعودي: مروج الذهب 3/ 79وخليفة: تاريخ ص 238والمنجد: شعر يزيد ص 39، ولشطر البيت الثّاني عجز، ذكره ابن عساكر على نحو:
أجمع سكران من القوم ترى ... أم جمع يقظان نفى عنه الكرى
تهذيب تاريخ دمشق 7/ 283ويزيد بهذا البيت ينفي تهمة شرب المسكر عنه، فكأنه يقول: إن الذي يشرب الخمر ويسكر لا يجهز جيشا ويبعثه. انظر مواقف المعارضة في خلافة يزيد لمحمد الشيباني (رسالة ماجستير) بالجامعة الإسلامية ص 430.
(5) في ج: عبيد الله.
(6) الدولابي: الكني ص 64، 65أبو بكر بن عبد الله بن الزبير أمه ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كان مستورا، ومات شابا. ابن سعد: الطبقات (الجزء المتمم) ص 109وابن حجر: تقريب ص 623.(2/761)
وكان يزيد يسمى: السّكران الخمّير (1).
وكتب إلى ابن الزّبير:
أدعو إلهك (2) في السماء فإنني ... أدعوا عليك رجال عكّ (3) وأشعر (4)
كيف النجاة أبا خبيب (5) [منهم] (6) ... فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر
فلما انتهى مسلم بن عقبة وكان يلقّب: بمسرف (7)، وبمجرم إلى
__________
(1) في مروج الذهب 3/ 79وكان ابن الزبير يسمي يزيد: السّكران الخمّير. البلاذري:
أنساب الأشراف 4/ 30عن الواقدي.
(2) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: الا هلك.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عنك. عك: بطن من الأزد، من القحطانية، وهم: بنو عك بن عدنان بن الأزد. القلقشندي: نهاية الأرب ص 366، 367.
(4) أشعر: بطن من كهلان، من القحطانية، وهم، بنو الأشعر بن أد. القلقشندي: نهاية الأرب ص 168.
(5) كنية أخرى لعبد الله بن الزبير. الدولابي: الكنى ص 63. خبيب بن عبد الله كان علما عابدا ثقة، ولد سنة ست وعشرين وهو أكبر ولد عبد الله، ومات سنة ثلاث وتسعين. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 239وابن حجر: تقريب ص 192.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) مسرف، وقيل: مسرف، بتشديد الراء، لقب لمسلم بن عقبة المرّي. ابن سعد:
الطبقات (الجزء المتمم) ص 105، ومصعب الزبيري: نسب قريش 373. والسرف:
بفتح الراء هو الإغفال والخطأ والضراوة. الجوهري: الصحاح 4/ 1373 (سرف).(2/762)
الحرّة (1)، خرج إلى حربه أهلها وعليهم (2) عبد الله بن مطيع العدوي، وعبد الله بن حنظلة (3) الغسيل (4)، فأوقع بهم مسلم بن عقبة.
(تسمية بعض من قتل يوم الحرة) (5):
وقتل من قريش سبعين (6) رجلا، منهم من آل [أبي] (7) طالب: ابنان لعبد الله ابن أبي طالب (8)، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب (9).
__________
(1) الحرّة: هي حرّة واقم الشرقية في المدينة، على يمينك وأنت ذاهب إلى المطار بعد أن تقطع شارع أبي ذر. محمد شرّاب: المعالم الأثيرة ص 295.
(2) (وعليهم) سقطت من أ.
(3) عبد الله بن حنظلة الأنصاري الأوسي، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه غسيل الملائكة، قتل يوم أحد، كان عبد الله فاضلا صالحا، عظيم الشأن كبير المحلّ، شريف النسب والبيت، قتل يوم الحرّة. ابن الأثير: أسد الغابة 3/ 115، 114، والذهبي: سير 3/ 321.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الغسيلي.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) عند المسعودي: بضع وتسعون. مروج الذهب 3/ 79.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى، وقد نسبه المؤلف إلى جده أبي طالب. وهو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، من أبنائه أبو بكر بن عبد الله، قتل يوم الحرة. ابن حزم:
جمهرة أنساب العرب ص 68، والذهبي: تاريخ (8061) ص 29، وعند خليفة:
أبو بكر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: تاريخ ص 240.
(9) المسعودي: مروج الذّهب 3/ 79، والإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 2/ 8،(2/763)
ومن بني هاشم: [الفضل] (1) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والعبّاس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب (2).
ومن الأنصار مثلهم، ومن سائر الناس نحو أربعة آلاف (3).
ودخل / [المدينة وانتهبها] (4) ثلاثة أيام (5) [63/ ب]
__________
ولم أعثر على ترجمته.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل. الفاضل. الفضل بن العباس بن ربيعة، كان يستحث عبد الله بن حنظلة على القتال يوم الحرة، وقاتل قتالا حسنا في ذلك اليوم حتى قتل وما بينه وبين فسطاط مسلم بن عقبة إلا نحو من عشرة أذرع. الطبري:
تاريخ 5/ 488، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 36، 42.
(2) خليفة: تاريخ ص 240، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 79، وأبو العرب التميمي:
المحن ص 173. العباس بن عتبة بن أبي لهب، كان من الذين دافعوا عن عثمان رضي الله عنه يوم الدار. الطبري: تاريخ 5/ 346، وتاريخ خليفة ص 240.
(3) المسعودي: مروج الذهب 3/ 79، ولعل المؤلف أخذ هذا من المسعودي الذي بالغ في العدد (والله أعلم).
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) مسألة إباحة المدينة ثلاثة أيام، وما ترتب على ذلك من قتل ونهب، لم يثبت بإسناد صحيح. وإنما ورد في روايات ضعيفة. عند الطبري: تاريخ 5/ 491عن أبي مخنف.
وابن سعد: الطبقات (الجزء المتمم) ص 104، وأبو العرب التميمي: المحن ص 171، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 38كلهم من طريق الواقدي. والبيهقي: دلائل النبوة 6/ 475من طريق عبد الله بن جعفر بن درستويه، وهو ضعيف.
انظر نور ولي: أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري ص 434.(2/764)
وبايع (1) أهلها [على] (2) أنّهم عبيد ليزيد، فمن أبى ذلك قتله (3).
(خبر علي الأصغر بن الحسين مع مسلم بن عقبة) (4):
ولم يتحاشى من القوم سوى علي بن الحسين [بن علي] (5) رضي الله عنهم وهو زين العابدين المعروف بالسّجاد (6) لأنه كان أولى من مروان بن الحكم برا، وجميلا. فأكبّ علي بن الحسين على قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا فعلم (7) بذلك مسلم، فأمر أن يؤتى به، وهو مغتاظ عليه متبريء منه ومن آبائه، فلمّا رآه حين أشرف عليه، ارتعد وقام (8) له، وأقعده (9)
إلى جانبه، وقال له: سلني حوائجك؟ فلم [يسأله] (10) في أحد قدّم إلى السّيف إلا شفّعه فيه، ثم انصرف عنه. فقيل له: رأيناك (11) تحرّك شفتيك
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وبايعوا.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) المسعودي: مروج الذهب 3/ 79.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) الزيادة: من: ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بالسجود.
(7) في أ، ب: فأعلم.
(8) في أ، ب، ج: فقام.
(9) في الأصل: وقعد، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 80.
(10) في الأصل: يشفعه، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 80.
(11) في ب: رأيتك.(2/765)
فما الذي قلت؟ (1) قال: قلت اللهم ربّ السموات السّبع وما أظللن، وربّ الأرضين السّبع وما أقللن، ربّ العرش العظيم، رب محمد وآله الطّاهرين، أعوذ بك من شرّه، وأدرأ بك في نحره، وأسألك أن تؤتيني خيره، وتكفيني شرّه (2).
وقيل لمسلم: رأيناك تسبّ هذا الغلام، فلما أن أتي به إليك رفعت منزلته؟
فقال: ما كان ذلك لرأي منّي، لقد مليء [قلبي] (3) منه رعبا (4).
(خبر علي بن عبد الله بن عباس مع مسلم بن عقبة) (5):
وأما علي (6) بن عبد الله بن العباس، فذكر أنه أجراه في البيعة مجرى علي بن الحسين، وذلك أنّ أخواله من كندة (7). وأناس من
__________
(1) في الأصل: وما قلت، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 80.
(2) هذه الفقرة سقطت من: أ.
(3) التكملة من: أ، ب، ج.
(4) المسعودي: مروج الذهب 3/ 80.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) علي بن عبد الله بن عباس، ولد عام قتل علي رضي الله عنه، لقب بالسجاد لكثرة صلاته وفضله، كان عالما عاملا، مات سنة ثمان عشرة ومئة. ابن سعد: الطبقات 5/ 313، والذهبي: سير 5/ 252، 285.
(7) لأن أمه من بني وليعة من كندة، وهي زرعة بنت مشرح بن معدي كرب بن وليعة.
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 28، وابن سعد: الطبقات 5/ 312(2/766)
ربيعة كانوا (1) معه، وفي جيشه، كلّموه فيه، ومنعه منه (2). وقال له حصين بن نمير السّكوني (3) من كندة: والله ما يبايع ابن اختنا علي بن عبد الله إلا على ما يبايع عليه علي بن الحسين، على أنّه ابن عم أمير المؤمنين، وإلا فالحرب بيننا. فأعفى [علي] (4) بن عبد الله، وقبل منه ما أراد، فقال علي بن عبد الله:
[أبي العباس قرم] (5) بني لؤي (6) ... وأخوالي الملوك بني وليعه (7)
__________
(1) في ب: كأنها.
(2) في ب: ومنعه منهم.
(3) الحصين بن نمير السكوني، أحد أمراء الشّام، كان بدمشق حين عزم معاوية على الخروج إلى صفين فخرج معه، وولي الصائفة ليزيد، قتل يوم الخازر مع عبيد الله بن زياد سنة ست وستين. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 4/ 376374والذهبي:
تاريخ (8061هـ) ص 109
السّكوني: بفتح السين المهملة، نسبة إلى السّكون وهو بطن من كندة، وهو السكون بن أشرس بن ثور. ابن الأثير: اللباب 2/ 125.
(4) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: عليه.
(5) الزيادة من أ، ب، ج.
والقرم أو القرم: هو السيد. انظر الجوهري: الصحاح 5/ 20090 (قرم) وابن دريد:
الاشتقاق ص 199.
(6) بنو لؤيّ: بطن من قريش، وهو لؤي بن غالب بن فهر، كان التقدم في قريش لبنيه وبني بنيه. القلقشندي: نهاية الأرب ص 412.
(7) بنو وليعة: بطن من كندة. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 149.(2/767)
هم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرف وبني اللّكيعة (1)
أرادني التي لا عزّ فيها ... فحالت دونه أيد منيعة (2)
ويروى: أيدي ربيعة.
قوله: بنو وليعة هم أخواله من كندة (3).
(خبر يزيد بن عبد الله بن زمعة مع مسلم بن عقبة) (4):
وأوتي (5) يومئذ بيزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن [المطّلب] (6) ابن أسد بن عبد العزّى (7) بن قصي، أسيرا جدّته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مسرف: بايع على أنّك خول (8) لأمير المؤمنين يزيد يحكم في مالك ودمك (9)، فقال: أبايعك على الكتاب
__________
(1) اللكيعة: الأمة اللئيمة، وبنو اللكيعة قوم. الجوهري: الصحاح 3/ 1280 (لكع).
(2) في الأصل: أيدي المنيعة، والمثبت من: ب، ج، والأبيات ساقطة من: أ.
(3) الخبر بتمامه عند المبرد: الكامل 1/ 214، 215، وذكره مختصرا المسعودي: مروج الذهب 3/ 80، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 39، 40عن الهيثم بن عدي، مثله.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) في أ، ب، ج: وأتى.
(6) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: عبد المطلب.
(7) في ب: عبد العزيز.
(8) خول: اسم يقع على العبد والأمة. ابن منظور: لسان العرب 11/ 224 (خول).
(9) في أ، ب، ج: في دمك ومالك.(2/768)
والسنة، وأنّي (1) ابن عم أمير المؤمنين يحكم في دمي وأهلي وكان صديقا ليزيد وصفيّا له فلما قال ذلك، قال مسرف: اضربوا عنقه. فوثب مروان، فضمّه إليه لما كان يعرف بينه وبين يزيد [من الصداقة] (2)، وقال له: نعم! يبايع على ما أحببت (3) فقال مسرف: والله لا أقيله أبدا، [وقال] (4): إن تنحى عنه مروان، وإلا فاقتلوهما معا، فتركه مروان وضربت عنقه (5) صبرا (6).
(خبر أبي سعيد الخدري مع مسلم بن عقبة) (7):
وأخذ رجل (8) من أهل الشّام أبا سعيد / الخدري رضي الله عنه، [64/ ا] فمرّ
__________
(1) في ب، ج: وأنا ابن أمير المؤمنين.
(2) التكملة من: ج.
(3) في ب: أحببته.
(4) التكملة من: ج.
(5) في ج: عنق يزيد.
(6) هذا الخبر رواه خليفة: تاريخ 239لكنه يذكر: عبد الله بن زمعة. وفي رواية أخرى: يزيد بن عبد الله بن زمعة. والزبير بن بكار: جمهرة نسب قريش ص 474.
ورواه باختصار ابن سعد: الطبقات (القسم المتمم) ص 104، والطبري: تاريخ 5/ 492، 491، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 38، ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 222، وعند الذهبي: تاريخ (8061هـ) ص 29مثله.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) قال البلاذري في أنساب الأشراف 4/ 45: إنه يزيد بن شجرة الرهاوي. قلت:
وهذا خطأ لأن يزيد بن شجرة رضي الله عنه استشهد سنة ثمان وخمسين في غزوة(2/769)
به على أحد ليقتله، فقال أبو سعيد: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في (1) هذا الجبل، قال: ومن أنت رحمك (2) الله؟ قال أبو سعيد الخدري، قال: اذهب رحمك الله، فما أغناني عن قتلك (3).
وذكر ابن قتيبة: أنّه قتل (4) ثمانون رجلا، ولم يبق بعد ذلك اليوم بدري (5).
(مسير جيش الشّام إلى ابن الزبير بمكة) (6):
ثم رحل [مسرف] (7) عن المدينة، وقد سماها: [نتنة] (8). ورسول الله صلى الله عليه وسلم سمّاها (9): طيبة، وقال: «من أخاف المدينة أخافه الله» (10). وقصد
__________
غزاها. انظر ابن سعد: الطبقات 7/ 446وخليفة: الطبقات ص 75.
(1) في ج: على.
(2) في ج: يرحمك.
(3) روى مثله خليفة: تاريخ ص 239، والذهبي: سير 3/ 170، وتاريخ (8061هـ) ص 553، وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 114.
(4) (قتل) سقطت من: ب.
(5) الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة 1/ 185.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) في الأصل: الفتنة، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب. 3/ 78.
(9) (سمّاها) سقطت من: أ.
(10) هذا الحديث أخرجه أحمد: المسند مع (منتخب كنز العمال) 4/ 56عن السائب ابن خلاد. وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله»(2/770)
مكة ليوقع بابن الزبير وأهل مكّة، بأمر يزيد، وذلك في محرم سنة أربع وستين (1).
فلما انتهى إلى قديد، مات لعنه الله ودفن في ثنية المشلّل (2). فلما تفرق القوم عنه أتته أمّ ولد (3) ليزيد بن عبد الله بن زمعة، وكانت من وراء العسكر تترقّب موته، فنبشت عنه، فلما انتهت إلى لحده وجدت أسود من الأساودة منطويا على (4) رقبته، فاتحا فاه فتهيبته، ولم تزل حتى تنحىّ لها عنه، فصلبته على المشلّل. قال الضحّاك (5): فحدثني من رآه مصلوبا، يرمى كما يرمى قبر أبي رغال (6). وكان استخلف على جيشه
__________
أخرجه أحمد: المسند 4/ 55والبخاري: التاريخ الكبير 1/ 4، 53/ 404والدولابي:
الكنى 1/ 132وابن بلبان: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6/ 15رقم (3730) وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/ 372وصححه الألباني: السلسلة الصحيحة 5/ 384، 385.
(1) الطبري: تاريخ 5/ 496عن أبي مخنف. والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 41عن الواقدي.
(2) ثنية المشلّل: تقع في شمال قدير، وتبعد عن مكة خمسة وثمانين ميلا. محمد شرّاب:
المعالم الأثيرة ص 275.
(3) اسمها: ليلى. صرّح بذلك البكري: معجم ما استعجم 3/ 723، وزاد ابن حزم على ذلك فقال: أمّه أمّ ولد صغديّة. جمهرة أنساب العرب ص 119.
(4) في أ، ب، ج: في.
(5) لم أتوصل إلى معرفته.
(6) هذا الخبر بتمامه في الإمامة والسياسة، المنسوب إلى ابن قتيبة 1/ 187ورواه ابن(2/771)
الحصين بن نمير، فسار الحصين حتى مكة لأربع (1) بقين من المحرّم، فحاصر مكة من جميع نواحيها. وقد (2) كان ابن الزبير حجّ بالنّاس، [وعاذ] (3)
بالبيت وسمّى نفسه: العائذ بالبيت (4).
(حصار ابن الزبير وحرق الكعبة) (5):
فنصب الحصين المجانيق والعرّادات (6) على مكة وابن الزبير في المسجد، ومعه المختار بن أبي عبيد لأنه كان بايعه على أنّه لا يخالف رأيه، ولا يعصى (7) أمره. فلحقت أحجار المجانيق والعرّادت
__________
سعد: الطبقات (الجزء المتمم) ص 105عن الواقدي مختصرا، والزبير بن بكار:
جمهرة نسب قريش ص 474بألفاظ متقاربة. والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 41، 45مثله. والذهبي: تاريخ (8061هـ) ص 235.
أبو رغال: جاهلي، كان بالطائف، وكان دليل أبرهة الأشرم حين توجه إلى مكة، خرج أبرهة معه حتى أنزله المغمّس شرق مكة على مسافة عشرين كيلا، فمات أبو رغال هناك. ابن هشام: السيرة 1/ 47، 48ومحمد شرابّ: المعالم الأثيرة ص 277.
(1) في أ: لأربع ليال.
(2) (وقد) ليس في: ب.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وطاف.
(4) المسعودي: مروج الذهب 3/ 80.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) العرّادات: بالتشديد: شيء أصغر من المنجنيق. الجوهري: الصحاح 2/ 508 (عرد).
(7) (ولا يعصى) سقطت من: أ.(2/772)
البيت (1)، وكان الزبير قد جعل عليه الخشب، والطّنافس (2)، واللّبود (3)، فرماه بالنّار والنّفط فأحرق جميع ذلك وتهدم من الكعبة جدارا من السقف، فأرسل الله [تعالى] (4) على منجنيقه صاعقة (5) أحرقته، وأحرقت من كان فيه أحد عشر رجلا. وقيل: أكثر من ذلك، [وذلك] (6) لستّ خلون من شهر ربيع الأوّل (7). فاشتد الحصار. والبلاء على أهل مكةّ، وقتل المنذر بن الزبير (8).
__________
(1) لا ريب أن أحدا منهم لم يقصد إهانة الكعبة: لا نائب يزيد الحصين بن نمير السكوني، ولا نائب عبد الملك الحجاج بن يوسف ولا غيرهما. بل كل المسلمين كانوا معظمين للكعبة، وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير. والضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة، ويزيد لم يهدم الكعبة، ولم يقصد إحراقها: لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين. ابن تيمية: منهاج السنة (تحقيق محمد رشاد سالم) 4/ 577.
(2) الطنافس: جمع طنفسة، وطنفسة: النّمرقة فوق الرحل، وقيل: هي البساط الذي له حمل رقيق. ابن منظور: لسان العرب 6/ 127 (طنفس).
(3) اللّبود: جمع لبد، وهو البساط. الزبيري: تاج العروس 2/ 490 (لبد).
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: صعقة.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) هذا الجزء من الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 81مع اختلاف يسير.
وانظر أبو العرب التميمي: المحن ص 185، 186وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 392كلاهما عن أبي معشر.
(8) البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 50عن المدائني، و 4/ 57عن الواقدي. أبو(2/773)
(اجتماع الحصين بابن الزبير) (1):
فبلغ الحصين موت يزيد بن معاوية لعنه الله (2) فوجه ليلا إلى ابن الزبير وسأله الاجتماع (3) معه (4). وقد كان أحد رجال (5) الحصين كتب على سهمه: توفي يزيد بن معاوية في يوم كذا، ورمى به إلى الكعبة، فأخذه ابن الزبير، وقرأه.
فلما وجّه إليه الحصين ليجتمع به، خرج، فلقيه، فقال له الحصين:
إنّ يزيد بن معاوية توفّي، فأمّني ومن معي، وأبا يعك، وعلى أن أطوّع لك أهل الشّام ويبايعونك، فأنت أولى بهذا / الأمر من غيرك، فقال له:
[64/ ب] [أبعد] (6) أن رميت البيت بالحجارة وهدّمته، وأحرقته
__________
العرب التميمي: المحن ص 185وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 392كلاهما عن أبي معشر. المنذر بن الزبير، ولد زمن عمر بن الخطاب، وكان ممن غزا القسطنطينية مع يزيد، وكان سيّدا حليما، عاش أربعين سنة، الذهبي: سير 3/ 381وابن قتيبة:
المعارف ص 223.
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (لعنه الله) ليست في: أ، ب، ج.
(3) في ج: الاجتهاد.
(4) في أ: به، وفي ب: منه.
(5) لم أقف على تعيينه.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.(2/774)
أؤأمنك؟! والله لا أفعل (1). فقال له الحصين إنّ من زعم أنّك من دهات العرب لمخطيء وأحمق غير مصيب. أكلّمك سرّا وتكلمني علانية، أدعوك إلى الخلافة ورفع الحرب، وتزعم أنك قاتلنا، ستعلم أيّنا المقتول! فانصرف عنه، وانصرف إلى الشام (2).
(مدة خلافته، وتاريخ وفاته، وعمره) (3):
وكانت خلافة يزيد ثلاث سنين، وثمانية أشهر (4). [وقيل: سنتين وثمانية أشهر] (5). وتوفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة أربع وستين (6)
[وله نيف وثلاثين] (7) وكان بايع لإبنه معاوية بولاية العهد.
__________
(1) هذه الفقرة سقطت من: أ.
(2) ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 392، 393والإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة 2/ 12قريبا منه. وانظر نص الحوار بين الحصين وابن الزبير عند الطبري: تاريخ 5/ 502عن ابن الكلبي، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 52، 55عن الواقدي.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 60عن ابن الكلبي، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 63.
(5) التكملة من: أ، ب، ج، والخبر عند الطبري: تاريخ 5/ 499عن ابن الكلبي.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وثلاثين. والخبر عند خليفة: تاريخ ص 253، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 375، 391وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 791والذهبي: سير 4/ 40.
(7) التكملة من: أ، ب، ج واختلف في سنّه يوم وفاته، والقول المشهور في ذلك أنه مات وهو ابن ثمان وثلاثين سنة: تاريخ 5/ 499والبلاذري: أنساب الأشراف(2/775)
خبر معاوية بن يزيد:
(كنيته، ونسب أمه، وانعقاد البيعة له) (1):
يكنى: أبا ليلى (2).
أمه أمّ خالد بنت أبي هاشم (3) بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
بويع بعد وفاة والده، وهو ابن سبع عشرة سنة (4)، وهو مريض.
(صفاته) (5):
كان أبيض شديد البياض، مشربا بالحمرة (6)، كبير العنين أدعج،
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) معاوية بن يزيد لا عقب له. ابن قتيبة: المعارف ص 352، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 112ولكنه كنّي بذلك لضعفه في أمر دنياه، حيث كانت العرب تكنى كل ضعيف: أبا ليلى. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 6462 والمسعودي: مروج الذهب 3/ 82والتنبيه والإشراف ص 307.
(3) في ب: بنت أبي هشام، أم خالد بنت أبي هاشم، وتكنى بأم هاشم أيضا، وكان اسمها فاختة، وتلقب حبّة تزوجها مروان بن الحكم بعد وفاة يزيد.
مصعب الزبيري: نسب قريش ص 130، 131والبلاذري: أنساب الأشراف:
4/ 61، 65.
(4) ابن قتيبة: المعارف ص 352.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في أ، ب: بحمرة.(2/776)
أجعد، أقنى، ربعة، مدوّر الرأس، جميل الوجه، حسن الجسم (1).
كاتبه:
[الّريان] (2) بن مسلم.
حاجبه:
مسلم بن عتاب (3).
نقش خاتمه:
الدّنيا غرور (4).
وكان ورعا (5) فاضلا، لم يكن يشبه أباه، ولا أحد من أهله. قام
__________
(1) في الأصل: مدور الوجه، حسنة، حسون الجسم. والمثبت من أ، ب، ج وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 788والذهبي: تاريخ (8061هـ) ص 251 وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 256.
(2) في الأصل: الزبير، وفي ب: الرين. والمثبت من أ، ج والطبري: تاريخ 6/ 180 والجهشياري: الوزراء والكتاب ص 32، والريان بن مسلم، الكاتب، الشامي، كان سيّدا في قومه، روى عن عمر بن عبد العزيز. ابن ماكولا: الاكمال 4/ 110وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 6/ 315وابن ناصر الدين: توضيح المشتبه 4/ 243.
(3) عند ابن دقماق: مسلم بن غياث. الجوهر الثمين ص 62.
(4) أحال الزركلي في الأعلام 7/ 263إلى المسعودي في مروج الذهب. ولم أقف عليه في مروج الذهب، لكنه ذكر في التنبيه والإشراف ص 307: نقش خاتمة: بالله ثقة معاوية. انظر الأعلام للزركلي 7/ 263وكذا عند ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 790.
(5) في أ، ب: وريعا.(2/777)
خليفة اثنين وخمسين يوما. وقيل: ثلاثة أشهر ونصف (1).
ولما حضرته الوفاة رحمه الله تعالى اجتمع إليه بنو أميّة، وقالوا له: اعهد إلى من رأيته أهلا لذلك (2) من أهل بيتك. فقال: لم أكن لأتحملها حيّا ولا ميّتا! ما ذقت حلاوتها فكيف أتقلّد وزرها؟ وتتعجلون أنتم حلاوتها (3)، أتعجّل أنا مرارتها. فلما سمعت أمّه قوله هذا رغبت إليه أن يعهد (4) إلى [خالد] (5) أخيه. فأبى فسألته بثدييها (6)، وكشفتها له، فقال:
يا أمّه! (7) لا تكلّفيني بما يضرّني عند ربي، ولا ينفعني. ثم قال: اللهم إنّي بريء منها [متخلّ] (8) عنها، اللهم إني لا أجد نفرا كأهل الشورى (9)،
__________
(1) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(2) (لذلك) ليست في: أ، ب، ج.
(3) (حلاوتها) ليست في: أ.
(4) في ب: يعجل.
(5) التكملة من: أ، ب، ج. خالد بن يزيد، ويكنى: أبا هاشم، يوصف بالعلم، ويقول الشّعر، مات سنة تسعين. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 129وابن حجر:
تقريب ص 191.
(6) في، ب: بثديها.
(7) في ب: يا أم.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ما تحمل.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الشرّ.(2/778)
فاجعلها إليهم ينصبون لها من يرونه [لها أهلا] (1). فقالت له أمّه: ليت أنّي خرقه حيض، ولم أسمع منك هذا الكلام. فقال لها: ويا ليتني (2) يا أمّة (3)
خرقة حيض، ولم أتقلّد هذا الأمر، يفوز بنو (4) أميّة بحلاوتها، وأبوء بوزرها! [إنّي بريء منها] (5) فمنعها أهله كلّهم (6).
وفيه يقول الشاعر:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا (7)
(وفاته والصلاة عليه) (8):
__________
(1) الزيادة من: ج.
(2) في أ: وليتني.
(3) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(4) في أ: بني.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) هذا الخبر ذكره باختصار المسعودي: مروج الذهب 3/ 82، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 790.
(7) هذا البيت منسوب لعبد الله بن همام السلولي. ابن منظور: لسان العرب 14/ 131 ونسبه البعض إلى أزنم الفزاري. ابن سعد: الطبقات 5/ 39وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 790وورد ذكره دون نسبة عند ابن قتيبة: المعارف ص 352 ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 128.
(8) عنوان جانبي من المحقق.(2/779)
وتوفي رحمه الله يوم الثلّثاء (1) لسبع خلون من جمادى الأوّل (2).
وقيل: في رجب سنة أربع وستين (3). وبوفاته خرجت الخلافة من بني [أبيه] (4).
وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان / ليكون الأمر إليه [65/ أ] من بعده، فلما كبّر طعن (5) فسقط ميتا قبل تمام الصلاة (6).
(عبيد الله بن زياد والخلافة) (7):
وكان واليه على البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد، فلما بلغه موت معاوية بن يزيد، خطب الناس وأعلمهم بوفاته، وأنه ترك الأمر شورى، ولم يبايع لأحد. وقال لهم: لا أرض أوسع من أرضكم ولا عدد أكثر من عددكم، ولا مال أكثر من مالكم. في بيت مالكم مائة ألف ألف درهم،
__________
(1) في أ، ب، ج: الثلاثاء.
(2) في أ، ب، ج: الأولى.
(3) لم أقف على هذا الخبر في المصادر التي تيسر لي الرجوع إليها.
(4) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: أمية.
(5) طعن: أصابه مرض الطاعون.
(6) المسعودي: مروج الذهب 3/ 82، وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 16/ 790 والذهبي: سير 3/ 534وقال: قال بعض العلماء: لم يصح أنه قدمّ للصلاة على معاوية فأصابه الطاعون في صلاته، فلم يرفع إلا وهو ميت. تاريخ (8061هـ) ص 267.
(7) عنوان جانبي من المحقق.(2/780)
فانظروا رجلا ترضونه يقوم بأمركم، ويجاهد عدوّكم، وينصف مظلومكم، ويوزّع عليكم أموالكم. فقال [له] (1) الأحنف بن قيس، وقيس بن الهيثم السّلمي (2)، ومسمع بن مالك (3)، وجماعة من أشرافها: ما نعلم ذلك الرّجل غيرك أيها الأمير، فأنت أحقّ من قام (4) بأمرنا، حتى يجتمع النّاس [على خليفة] (5)، فقال: أما لو استعملتم غيري، لسمعت وأطعت (6).
وكان على الكوفة عمرو بن [حريث] (7) الخزاعي عاملا لابن زياد،
__________
(1) الزيادة من: أ، ب، ج.
(2) قيس بن الهيثم بن قيس السّلمي، كان عاملا لعثمان رضي الله عنه على نيسابور، ولمعاوية على خرسان، ثم كان قائما بدعوة ابن الزبير في البصرة. الطبري: تاريخ 4/ 366، 5/ 172، 6/ 67، 95، 100، 153وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 262.
(3) مسمع بن مالك العبدي. المسعودي: مروج الذهب 3/ 93وعند الطبري: مالك ابن مسمع البكري الجحدري. تاريخ 5/ 505.
(4) في الأصل: يقوم، والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 93.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: مالكم استعملت غير. لا سمعت ولا أطعت.
والخبر عند المسعودي: مروج الذهب 3/ 93وروى الطبري: تاريخ 5/ 504، 505 مثله.
(7) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: الحارث.(2/781)
فكتب إليه ابن زياد يعلمه بما دخل فيه (1) أهل البصرة. فصعد ابن حريث المنبر، وذكر ما دخل فيه (2) أهل البصرة. فقام [يزيد بن رويم الشيباني] (3)، فقال: الحمد لله الذي أطلق أيماننا، لا حاجة لنا في بني أمية، وأمارة ابن (4)
زياد.
وأرادوا أن ينصبوا أميرا إلى أن ينظر في أمرهم، فقال جماعة: يكون [عمر بن سعد بن أبي وقاص] (5). فلما هموّا بتأميره (6) أقبل نساء همدان وكهلان وربيعة والنّخع وغيرهم، ودخلن المسجد صارخات معولات يندبن الحسين بن علي رضي الله عنه ويقلن: أما رضي عمر بن سعد بقتل الحسين حتى يكون أميرا على الكوفة؟ فبكى النّاس (7)، وأعرضوا [عن عمر] (8).
وكان نساء همدان أشدّهن في البكاء والصّياح والإنكار، لأن علي
__________
(1) في ب: في.
(2) في أ: عليه.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: رويل السياني. وورد عند الطبري والبلاذري: يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني. تاريخ الطبري 5/ 524وأنساب الأشراف 4/ 97.
(4) في الأصل: بني، والمثبت من: أ، ب، ج والمسعودي: مروج الذهب 3/ 93.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عمرو بن سعيد بن العاص.
(6) في ج: بتأمره.
(7) (فبكى الناس) تكررت في: الأصل.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.(2/782)
ابن أبي طالب رضي الله عنه كان مائلا إلى همدان، ومحبا فيهم، وهو القائل:
فلو كنت بوّابا على باب جنّة (1) ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام (2)
خبر بيعة عبد الله بن الزّبير رضي الله تعالى عنه:
ولما اتصل [موت] (3) معاوية بن يزيد لعبد الله بن الزبير، دعا النّاس إلى مبايعته، فبايعه أهل مكة والمدينة في سنة خمس وستين، وتسمّى أمير (4)
المؤمنين، وسلّم عليه بالخلافة، وجلس على [سرير الملك] (5)، وخطب لنفسه وبنى الكعبة، وبايعه أهل الكوفة والبصرة. فاستكتب الكتّاب، وجبى الخراج (6)، وعمل بيت المال، [وصلّى بالنّاس] (7)، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان.
(خروج المختار بن أبي عبيد الثقفي على ابن الزبير) (8):
__________
(1) في الأصل وب، ج: الجنة، والمثبت من: أ، وابن تيمية: منهاج السنة (تحقيق محمد رشاد سالم) 6/ 137مع اختلاف يسير.
(2) هذا الخبر بتمامه ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 93، 94، ورواه الطبري:
تاريخ 5/ 524عن الهيثم بن عدي، مختصرا.
(3) التكملة من: ب، ج، وفي أ: خبر.
(4) في ج: بأمير.
(5) في الأصل: على بيت المال. والمثبت من: أ، ب، ج.
(6) في ب: وجيء بالخراج.
(7) الزيادة من: أ، ب، ج.
(8) عنوان جانبي من المحقق.(2/783)
ووجه إلى الكوفة عبد الله بن مطيع واليا / عليهم، [فتولّى [65/ ب] أمرهم] (1) حتى وجّه المختار (2) بن أبي عبيد الثقفي في أثره.
وذلك أن المختار بن أبي عبيد (3) قال [لابن الزبير] (4): إنّي لأعرف (5) قوما، لو أنّ رجلا له علم ورفق (6) بما يأتي لاستخراج (7) لك منهم جندا تغلب بهم أهل الشام. فقال: من هم؟ (8) قال [شيعة بني هاشم] (9) بالكوفة، قال: كن أنت (10) ذلك الرّجل. فنهض نحوها، ونزل
__________
(1) التكملة من: أ، ج.
(2) المختار بن أبي عبيد الثقفي، الكذّاب، ولد عام الهجرة، وليس له صحبة ولا رواية، حضر إلى ابن الزبير بعد وفاة يزيد فعاضده وناصحه ثم استأذنه في التوجه إلى الكوفة ليعضد ابن مطيع، ثم خرج يطلب بثأر الحسين، فتعقب قتلة الحسين، ولذلك طاوعه كثير من الناس، ولما تبين لهم خطأه رجعوا عنه وخذلوه. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1465، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 346.
(3) (ابن أبي عبيد) ليست في: أ، ب، ج.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) في ب: لا أعرف.
(6) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: علما ورفقا.
(7) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: لاستخرجوا.
(8) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: منهم.
(9) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: الأشعث بن هاشم.
(10) في الأصل: كنت ذلك. والمثبت من: أ، ب، ج، والمسعودي: مروج الذهب 3/ 83.(2/784)
ناحية منها، وجعل يبكي على الطّالبييّن وشيعتهم ويظهر الحنين، والجزع، ويذكر مقتل الحسين وأصحابه، ويحثّ على الأخذ بثأرهم، والمطالبة بدمائهم. فمالت الشّيعة إليه وصاروا طوع (1) يديه (2).
فجرت بينه وبين [ابن] (3) مطيع حروب مشهورة (4)، ظهر عليه فيها، ودعا النّاس إليه، ودخل قصر الكوفة، فبات فيه، وأصبح أشراف النّاس في المسجد، وعلى باب القصر. فخرج المختار، وصعد (5) المنبر:
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الذي وعد وليّه النصر [وعدوّه الخسر] (6)، وجعله فيه إلى آخر الدّهر، وعدا مفعولا، وقضاء مقضيا، وقد خاب من افترى.
أيها الناس، إنّه رفعت لنا راية، ومدّت لنا غاية. فقيل لنا في الرّاية:
ارفعوها، ولا تضعوها. وفي الغاية: اجروا إليها، ولا تتعدّوها، فسمعنا دعوة الدّاعي، ومقالة الواعي، فكم من ناع وناعية لقتلى (7) في الواعية!
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: وساروا وطوعت.
(2) المسعودي: مروج الذهب 3/ 83.
(3) التكملة من: ج.
(4) انظر تفاصيل تلك الحروب عند الطبري: تاريخ 6/ 3222.
(5) في ب: فصعد.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ووعده النّصر.
(7) في الأصل: قتلا، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 32.(2/785)
وبعدا لمن طغى وأدبر، وعصى واستكبر (1). ألا فادخلوا أيّها النّاس فبايعوا بيعة هدى، فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا، والأرض فجاجا سبلا، ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أهدى منها، ثم نزل.
ودخل أشراف الناس، فبسط يده، وابتدره النّاس فبايعوه، وهو يقول:
تبايعون على كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والطّلب بدماء أهل البيت المحلّين (2) والدّفع عن الضّعفاء، وقتال من قاتلنا (3)، وسلم من سالمنا، والوفاء ببيعتهما (4)، لا نقيلكم (5) ولا نستلقيكم فإذا قال الرّجل نعم بايع (6).
وجعل يمنّي الناس، ويستجرّ (7) مودتهم، ومودّة الأشراف، ويحسن السّيرة جهده (8).
__________
(1) في ج: فاستكبر.
(2) في ج: المحلّين دمائهم.
(3) في أ، ب: قتلنا.
(4) في ب: بيعته.
(5) في أ: نقليكم.
(6) هذه الخطبة رواها الطبري: تاريخ 6/ 32من طريق أبي مخنف. وعند ابن أعثم:
الفتوح 3/ 65مثلها.
(7) في ج: ويستجير. يستجرّ: يستجذب. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 463 (جرر) بتصرف.
(8) الطبري: تاريخ 6/ 32من طريق أبي مخنف.(2/786)
ووجد في بيت مال الكوفة تسعة آلاف ألف، فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم ابن مطيع، وهم ثلاثة آلاف وثمان مائة رجل خمس مائة درهم لكل واحد منهم، وأعطى لستة آلاف (1) ممن انتظم (2) إليه بعدما أحاط بالقصر إلى أن دخله، مائتين مائتين.
واستعمل على شرطته: عبد الله بن كامل. وعلى حرسه: كيسان (3)
أبا عمرة، مولى [عرينة] (4).
ثم عقد أوّل راية لعبد الله بن الحارث (5) أخو الأشتر على أرمينية، وولّى محمد بن عمير بن عطارد (6) / على أذربيجان، وولّى
__________
(1) هذه الفقرة سقطت من: ب.
(2) في ج: انتظر.
(3) كيسان، أبا عمرة ومولى لبني عرينة، كان على الموالي في جيش أحمر بن شميط الذي أخرجه المختار من الكوفة لقتال مصعب بن الزبير، فانهزم أصحاب المختار، وقتل كيسان في تلك الوقعة بالمذار. الطّبري: تاريخ 5/ 59، 96، والذهبي: تاريخ (8061هـ) ص 57.
(4) في ج: قمونية. عرينة: بطن من أنمار بن أرش، من كهلان، من القحطانية. وهم بنو عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار. القلقشندي: نهاية الأرب ص 361وانظر الخبر بتمامه عند الطبري: تاريخ 6/ 33.
(5) عبد الله بن الحارث (أخو الأشتر) النخعي، كان من أعيان الكوفة، لجأ إليه حجر ابن عدي قبل مقتله. الطبري: تاريخ 5/ 262، 263، وابن الأثير: الكامل 3/ 235، 364.
(6) محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي، شهد مع علي صفين، وكان من(2/787)
[66/ أ] سعد (1) بن حذيفة بن اليمان على حلوان، ومعه ألف فارس، ورزقه ألف درهم في كل شهر، وأمره بقتل الأكراد، وبإقامة الطّريق، وفرّق العمال في النّواحي، وكتب إلى عماله على الجبال أن يحملوا أموال دورهم إليه (2).
واستقضى المختار شريحا، ثم تمارض شريح، فولّى مكانه [عبد الله (3)
بن عتبة بن مسعود، ثم تمارض (4) عبد الله، فولّى مكانه] (5) عبد الله بن
__________
أشراف الكوفة، وأجواد مضر، وفد على عبد الملك، ثم سار إلى عبد العزيز بن مروان بمصر، ثم رجع إلى دمشق وأقام بالشام إلى أن مات. ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 15/ 828، وابن حجر: الاصابة 6/ 196.
(1) سعد بن حذيفة بن اليمان، ولي قضاء المدائن، وكان على الشيعة من أهل المدائن في جيش سليمان بن صرد الخزاعي بعد استشهاد الحسين، ثم استعمله المختار على حلوان. الطبري: تاريخ 5/ 555، 600، 557، 6، 605/ 8، 34والخطيب البغدادي:
تاريخ بغداد 9/ 123.
(2) يعني إلى سعد بن حذيفة بن اليمان. والخبر بتمامه عند الطبري: تاريخ 6/ 33، 34 عن أبي مخنف.
(3) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، كان ثقة، رفيع القدر، كثير الحديث والفتيا فقيها، كان يؤمّ الناس بالكوفة، مات سنة أربع وسبعين. ابن سعد: الطبقات 6/ 120، والمزّي: تهذيب الكمال 15/ 272269، وابن حجر:
الاصابة 4/ 100.
(4) عند الطبري: مرض. تاريخ 6/ 35.
(5) التكملة من: أ، ب، ج.(2/788)
مالك.
وجاء ابن كامل (1) للمختار، فقال له أعلمت أنّ ابن مطيع في دار أبي موسى؟ (2) فلم يجبه بشيء فأعاد ذلك [عليه] (3) ثلاث مرات، فلم يجبه. فظنّ [ابن كامل] (4) أن ذلك لا يوافقه. وكان ابن مطيع قبل ذلك صديقا للمختار، فلما أمسى (5) بعث إلى ابن مطيع مائة ألف درهم، وقال له رسوله: يقول لك: تجهّز بهذه، واخرج، فإنّي قد شعرت بمكانك، وقد ظننت أنّه لا يمنعك من الخروج إلّا أنّه (6) ليس في يدك [ما يقوّيك] (7)
على الخروج.
ولمّا استولى المختار على الكوفة، كتب إلى ابن الزبير يعلمه أنّه إنّما أخرج (8) ابن مطيع لعّجزه عن القيام بالأمر وقلّة سياسته. وسأله أن
__________
(1) في الأصل: ابن مالك، والصواب ما أثبته من: أ، ب، ج، وهو عبد الله بن كامل الشاكري.
(2) هو أبو موسى الأشعري: عبد الله بن قيس رضي الله عنه.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) في الأصل: مشى، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 33.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: أنك.
(7) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: يقوم بك. والخبر عند الطبري: تاريخ 6/ 33من طريق أبي مخنف.
(8) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يخرج.(2/789)
يحتسب له بما أنفق من بيت المال، فأبى ابن الزبير أن يحتسب له، فخلعه المختار (1)، وأنكر مبايعته إيّاه، وكتب إلى علي بن الحسين السجّاد يقول له: أنت أحق بالخلافة (2) من جميع الناس، وأنا أبايعك وأنفّذ دعوتك، وأقول بأمرك (3) وبأمانتك. وأنفذ له (4) مع كتابه مالا كثيرا، فأبى أن يقبل (5) ذلك منه، وأن يجيبه (6) عن كتابه، وسبّه على رؤوس النّاس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر كذبه وفجوره. فلمّا يئس (7) المختار منه كتب إلى عمّه محمد بن الحنفية رضي الله عنه يدعوه إلى مثل ذلك. فأشار إليه علي بن الحسين [رضي الله عنه] (8) ألّا يجيبه لشيء (9) من ذلك، فإنّه ما يحمله على هذا إلّا ليجتذب به قلوب النّاس، ويتقرب (10) إليهم بذلك كلّه، وباطنه مخالف
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فخلع له.
(2) في ب: بخلافة.
(3) (بأمرك) سقطت من: ب.
(4) في أ، ب، ج: إليه
(5) في ج: يفعل.
(6) في ج: يجيب.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فلم ييئس.
(8) الزيادة من: أ، ب.
(9) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: بشيء.
(10) في أ، ج: وليتقرب.(2/790)
لظاهره، فأشهر [أمره] (1) وأظهر كذبه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى ابن عباس إلى ابن الحنفية، فأخبره بما كتب به إلى المختار، [فقال له: لا تفعل، فلست تدري ما أنت عليه من ابن الزبير. فأطاعه ولم يراجع المختار] (2) فاشتد أمره بالكوفة، وكثر جيشه، ومال الناس إليه، وجعل يدعوهم على طبقاتهم ومقاديرهم في أنفسهم وعقولهم، فمنهم من يخاطب بإمامة ابن الحنفية. ومنهم من يقول له: إنّ الملك يأتيه في النوم (3) ويخبره بالغيب (4).
(سجع المختار) (5):
وكان على مذهب الخوارج (6) [ثم صار زبيريا] (7) ثم صار رافضيا في ظاهره، وكان يدّعي أنّه يلهم ضربا من الشجاعة لأمور تكون، ثم
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) الزيادة من: ج.
(3) في أ، ب، ج: يأتيه بالوحي.
(4) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 84قلت: أقوى ما ورد في ذم المختار ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«يكون في ثقيف كذاب ومبير» فشهدت أسماء أنّ الكذاب هو المختار. صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 10098باب كذاب ثقيف ومبيرها.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) في أ، ب، ج: وكان لا على مذهب، كان خارجيا.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.(2/791)
يحتال فيوقعها (1) فيقول للناس: هذا من عند الله (2).
فمن ذلك قوله ذات يوم: لتنزلنّ من السماء، نار دهماء، فلتحرقنّ دار أسماء (3) فذكر ذلك لأسماء بن [خارجة] (4)، فقال: إنّه قد سجع فيّ (5)
أبو إسحاق! هو والله محرّق (6) داري، فتركه والدّار، / [66/ ب] وهرب من الكوفة (7).
وقال في بعض سجعه: أما والّذي شرّع الأديان، وجنّب (8) الأوثان، وكرّه العصيان، لأقتلن أزد (9) عمان، وجلّ قيس عيلان، وتميما أولياء
__________
(1) في الأصل: فيوقعه، والمثبت من: أ، ب، ج، والثعالبي: ثمار القلوب ص 91.
(2) هذا الخبر عند المبرد: الكامل 2/ 212، والثعالبي: ثمار القلوب ص 90، 91، والشهرستاني: الملل والنحل 1/ 147مختصرا.
(3) يقصد أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري، من أشراف الكوفة، كان جوادا كريما لبيبا، مات سنة ست وستين. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 4946وابن حجر: الإصابة 1/ 107.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خالد.
(5) في ب: فيه.
(6) في الأصل وأ، ب: محروق، والمثبت من ج: والثعالبي: ثمار القلوب ص 91.
(7) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 212والثعالبي: ثمار القلوب ص 91.
(8) في الأصل: وخيّب، والمثبت من: أ، ب، ج، والكامل للمبرد 2/ 212.
(9) في ج: ابن.
أزد عمان: فرقة من قبيلة الأزد من كهلان، نزلت عمان، فعرفوا بها. القلقشندي:
نهاية الأرب ص 91.(2/792)
الشيطان حاشا النّجيب ظبيان (1).
خبر مروان بن الحكم:
ولما رأى مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أبي أميّة بن عبد شمس ابن عبد مناف اتفاق (2) النّاس على مبايعة عبد الله بن الزبير، أراد أن يلحق به ويبايعه، فمنعه عبيد الله (3) بن زياد، وقال له: أنت شيخ بني عبد مناف ولا بدّ أن يظهر النّاس إليك (4).
(أمر الحكم بن أبي العاص) (5):
والحكم هذا هو الذّي طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يوم فتحها،
__________
(1) هو ظبيان بن عمارة التّميمي، كان من شيعة علي رضي الله عنه بالكوفة، ثم ممن خرج للطلب بثأر الحسين، ثم كان من رجال المختار. انظر الطبري: تاريخ 5/ 112، 558، 6/ 76، 62، 77، وابن الأثير: الكامل 3/ 374، والخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 212، والثعالبي: ثمار القلوب ص 91، والبغدادي: الفرق بين الفرق ص 46، 47 مثله.
(2) في ب: اصفاق.
(3) في الأصل: عبد الله، والتصويب من النسخ الأخرى.
(4) المسعودي: مروج الذهب 3/ 94، والطبري: تاريخ 5/ 530، 534عن الواقدي و 5/ 540، 541عن أبي مخنف.
(5) عنوان جانبي من المحقق.(2/793)
لأنه كان يفشي سرّه (1)، فلعنه (2) وصيّره إلى بطن [وجّ] (3)، فلم يزل طريدا طول حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطول حياة (4) أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ولما ولّي عثمان رضي الله عنه صرفه، وأعطاه مائة ألف درهم (5).
وذلك من جملة ما (6) انتقم على (7) عثمان رضي الله تعالى عنه (8).
ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم أبي مروان بن الحكم، قال (9): فجعل يغمزه،
__________
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 359بدون إسناد.
(2) قال الذهبي: رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الاحتجاج بها. تاريخ (عهد الخلفاء الراشدين) ص 366، وقال في السّير 2/ 108يروى في سبّه أحاديث لم تصحّ.
(3) التصويب من: ج، وفي الأصل: كذوح، وفي أ، ب: وكزح. وجّ: بالفتح ثم التشديد هو وادي الطائف، يمرّ في طرف الطائف من الجنوب الغربي، ثم الجنوب، ثم الشرق، ياقوت: معجم البلدان 5/ 361، محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 295.
(4) في أ، ب، ج: خلافة.
(5) في ب: درهما. والخبر عند ابن قتيبة: المعارف ص 353، 194بدون إسناد.
(6) في أ: من.
(7) (على) سقط من: أ.
(8) قال ابن تيمية رحمه الله: طعن كثير من أهل العلم في نفي النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، وقالوا هو ذهب باختياره. وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها. انظر منهاج السنة (وبهامشه بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) 3/ 196.
(9) القائل كما ورد في إسناد الخبر هو هند بن أبي هالة.(2/794)
فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللهمّ اجعل به وزغا» (1) فرجف مكانه.
والوزغ: الإرتعاش (2).
(بيعة أهل الأردن لمروان بن الحكم) (3):
[فسار] (4) مروان ونزل الجابية من دمشق، فاجتمع (5) إليه عدد كثير، فبايعوا مروان. فوصل ذلك الضّحاك بن قيس، فدعا الناس إلى مبايعة
__________
(1) في الأصل والنسخ الأخرى: وزعا والتصحيح من الخطابي: غريب الحديث 1/ 542، وابن حجر: الإصابة 6/ 294وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 643كلهم من طريق مالك بن دينار حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن أبي حاتم الرازي: أن رواية هند بن هند بن أبي هالة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسله. الجرح والتعديل 9/ 117.
وقال ابن حجر: مالك بن دينار لم يدرك هند بن أبي هالة، وإنما أدرك ابنه فكأنه نسب لجده. الاصابة 6/ 294وقال في موضع آخر: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الحكم بن أبي العاص. الإصابة 2/ 28بتصرف.
(2) الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1020 (وزغ) بفتح الزاي والعين المعجمة، وعند ابن الأثير: النهاية 5/ 181، بتسكين الزّاي.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) في الأصل: فنزل، والمثبت من: أ، ب، وفي ج: فأتي.
(5) في أ: فاحتمل.(2/795)
ابن الزبير، فاجتمعت (1) القيسيّة (2) [إليه] (3) وجماعة من القبائل، وخرج (4)
بهم إلى حرب مروان، وأراد دخول دمشق، فسبقه إليها عمرو بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي (5)، المعروف بالأشدق (6) أخو عنبسة بن سعيد (7) ويكنّى: أبا أميّة (8)، فدخلها،
__________
(1) في الأصل وأ، ب: فاجتمعوا، والمثبت من: ج.
(2) القيسيّة: شعب عظيم ينسب إلى قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وتشعبت قيس إلى أربعة بطون: من كعب، وعمرو، وخصفة، وسعد بنو قيس عيلان.
وقد غلب اسم قيس على سائر العدنانية. انظر ابن دريد: الاشتقاق ص 265، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 243، 244، 259.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) في أ، ب، ج: فخرج.
(5) في أ: الأموي.
(6) عرف بالأشدق: للقوة داء في الوجه عرضت له فمالت شدقه. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 136بتصرف. وقيل سمي بذلك لأنه كان أفقم مائلا إلى الذّقن، ولهذا سمي لطيم الشيطان. ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيّات 2/ 233.
(7) عنبسة بن سعيد، كان أثيرا عند الحجاج بالكوفة، ثقة، مات على رأس المئة تقريبا، وولده بالمدينة والكوفة. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 147، وابن حجر: تقريب ص 432.
(8) مصعب الزبيري: نسب قريش ص 182، والبلاذري: أنساب الأشراف 4/ 136، وأميّة بن عمرو، كان أنبل أبناء أبيه وأعقلهم، وكان صدوقا. الطبري: تاريخ 6/ 148، وابن حجر: تقريب ص 115.(2/796)
[فصار] (1) الضحّاك إلى حوران (2) مظهرا لدعوة (3) ابن الزّبير.
ثم التقى الأشدق ومروان، فقال له الأشدق: هل لك فيما أقوله وهو خير لي ولك؟! فقال له مروان: وما ذلك؟ (4) فقال ادع النّاس إليك، وآخذ البيعة لك بعد ذلك على أن يكون الأمر لي بعدك. قال مروان: لا، ولكن بعد خالد بن يزيد بن معاوية. فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان، فأجابوه، وبايعوه (5).
(لقب مروان بن الحكم) (6):
وكان مروان يلقّب: خيط الباطل، لطوله. (7) فقال عبد الرحمن بن الحكم، أخوه:
لحا (8) الله قوما أمّروا (9) خيط باطل ... على الناس يعطي ما يشاء ويمنع (10)
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) في ب، ج: مروان.
(3) في أ، ب، ج: الدعوة.
(4) في ج: ما هو، وسقطت من: أ.
(5) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 94.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) الثعالبي: ثمار القلوب ص 76ولطائف المعارف ص 35، 36وانظر ابن حجر: نزهة الألباب 1/ 249.
(8) في الأصل وأ، ج: لحى، والتصويب من: ب.
(9) في أ، ب: امر.
(10) المسعودي: مروج الذهب 3/ 95وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1388.
(وقعة مرج راهط) (3):(2/797)
(وقعة مرج راهط) (3):
وسار نحو الضحّاك بن قيس، وقد انحازت قريش ومضر (4) ونزار (5)
إلى الضحّاك. فأرسل (6) عمرو (7) العدوي / مع ناس من قضاعة [67/ أ] ومعه راية، كان (8) قد عقدها (9) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيه (10). فالتقى مروان والضحّاك بمرج راهط على أميال من دمشق، فكانت الحرب بينهم سجالا، وأكثر اليمانية وبواديها مع مروان (11).
__________
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) مضر: قبيلة من العدنانية: وهم بنو مضر بن عدنان. القلقشندية: نهاية الأرب ص 422.
(5) نزار: بطن من عدنان، وهم بنوا نزار بن معد بن عدنان. القلقشندي: نهاية الأرب ص 430.
(6) في أ، ب: ورسل، وفي ج: وارسل.
(7) عند المسعودي: وائل بن عمرو العدوي. مروج الذهب 3/ 95ولم أتوصل إلى معرفة وائل، ولا معرفة أبيه.
(8) في ب: وكان.
(9) في ب: عقد بها.
(10) هذه الفقرة ليست في أ، ب.
(11) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذّهب 3/ 95.(2/798)
وكان على ميمنته عمرو بن [سعيد] (1) الأشدق، وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد، لعنه الله (2).
وكان الضحاك في ستين الفا (3).
فقال اللّعين عبيد الله بن زياد لمروان: إنّ الضحّاك في عدد كثير، والحرب خدعة فادعه (4) إلى الموادعة (5) حتى يقع النّظر في الصّلح، ففعل ذلك. فما هو إلّا أن أمسك الضحّاك عن القتال شدّت عليه الكتائب شدّت رجل واحد، ففزعوا إلى راياتهم، فانهزموا وقتل الضحّاك أمير ابن الزبير (6)، قتله رجل (7) من تيم الّلات. وقتل معه نزار، وعدد كثير من [قيس] (8).
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق من المحقق.
(2) (لعنه الله) ليست في: أ، ب، ج. وانظر الخبر عند الطبري: تاريخ 5/ 537.
(3) خليفة: تاريخ ص 259وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 396.
(4) في أ، ب: فادعوه.
(5) في ج: الموعده.
(6) هذه المكيدة ذكرها خليفة: تاريخ ص 260وابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 745عن المدائني من كتابه المكايد. وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 396.
(7) لم أتوصل إلى معرفته.
(8) في الأصل: قريش، والمثبت من: أ، ب، ج، وانظر الخبر عند المسعودي: مروج الذهب 3/ 96، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 397مثله.(2/799)
(مقتل النعمان بن بشير) (1):
وكان النعمان بن بشير الأنصاري واليا لابن الزبير على حمص، فلما بلغه قتل الضحّاك خرج هاربا عنها، فسار ليلته (2) متحيرا (3) لا يدري أين يسير. فاتبعه خالد بن جبل الكلاعي (4) بمن خفّ معه من أهل حمص، فلحقه وقتله (5)، وبعث برأسه إلى مروان (6).
وقيل إن [النعمان] (7) بن البشير لما خرج من حمص نزل بقرية يقال لها: حربنفسا (8)، فقال: أيّ قرية هذه؟ قالوا: حرب نفسا، قال: حربنا
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (ليلته) ليست في: ب.
(3) في أ: مسيرا.
(4) لم أقف على ترجمته.
(5) في أ، ب: فقتله.
(6) هذا الخبر ذكره المسعودي: مروج الذهب 3/ 97وفيه: قتله خالد بن عدي. ونقله ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1500، 1499، والطبري: تاريخ 5/ 539وفيه: قتله خالد ابن الخلّي. وعند ابن عساكر: قتله خليّ بن داود جد خالد بن خليّ. تاريخ دمشق (مخطوط) 17/ 587.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) حربنفسا: بالفتح ثم السكون، قرية من قرى حمص. ذكرها في مقتل النعمان بن بشير. ياقوت: معجم البلدان 2/ 236.(2/800)
أنفسنا. ثم أتى بيرين (1). فقال: أيّ قرية؟ قالوا: بيرين. قال: فيها برنا (2).
فقتله خالد بن جبل غيلة (3).
وذلك سنة أربع وستين (4)، وقيل: في أول خمس [وستين] (5).
ورثته ابنته حميدة (6)، فقالت شعرا (7):
يا ليت مزنة وابنها ... كانوا لقتلك واقيه
وبنو أميّة كلهم ... لم تبق منهم باقيه
جاء البريد بقتله ... يا للكلاب العاوية
يستفتحون برأسه ... دارت عليه الناعية
فلأبكينّ سرّة ... ولأبكين علانية
__________
(1) بيرين: من قرى حمص، ياقوت: معجم البلدان 1/ 526.
(2) برنا: أي هلكنا. الجوهري: الصحاح 2/ 597 (بور) بتصرّف.
(3) هذا الخبر رواه ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 17/ 587وياقوت: معجم البلدان 1/ 526وذكره باختصار ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1500.
(4) خليفة: الطبقات ص 94، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1500.
(5) خليفة: الطبقات ص 94وابن حجر: الإصابة 6/ 240.
(6) حميدة بنت النّعمان بن بشير، كانت شاعرة مجيدة مكثرة، تزوجها روح بن زنباع، ثم الفيض بن أبي عقيل الثقفي، توفيت بالشام في أواخر ولاية عبد الملك بن مروان.
ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 364وزينب العاملي: الدّر المنثور ص 171.
(7) (فقالت شعرا) ليست في: أ، ب، ج.(2/801)
ولأبكينّ ما حييت (1) ... مع السّباع العاوية (2)
(النعمان بن بشير رضي الله عنه) (3):
وهو النعمان بن بشير بن [سعد] (4) بن ثعلبة بن [جلاس بن زيد بن مالك (5) بن ثعلبة بن] (6) كعب ابن الخزرج، الأنصاري (7).
يكنى: أبا عبد الله (8).
ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنين (9). وهو أول مولود ولد للأنصار لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة (10).
(بيعة مروان لابن الزبير) (11):
وروي أنّ مروان بايع عبد الله بن الزبير، وبعثه عبد الله رسولا إلى
__________
(1) في ب: ما حببته.
(2) هذا الخبر ذكره ابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 17/ 587.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سعيد
(5) في ج: ملك.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) ابن الكلبي: نسب معد 1/ 406وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 364.
(8) مسلم: الكنى والأسماء 1/ 467.
(9) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1496وقال: هو الأصح.
(10) ابن سعد: الطبقات 6/ 53عن الواقدي. والبخاري: التاريخ الكبير 8/ 75.
(11) عنوان جانبي من المحقق.(2/802)
شرذمة من الأعراب (1) بالأردن، ليأخذ له (2) بيعتهم. / إذ (3) كان [67/ ب] عبد الله اجتمع عليه المسلمون كلهم من إفريقيّة إلى خراسان، حاشا (4) تلك الشرذمة، فمضى إليهم مروان، فلما [ورد عليهم] (5) خلع [الطاعة] (6) وبايعه أهل الأردن. وخرج إلى ابن الزبير، وقتل النعمان بن بشير الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص. وهو أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة ولا تأويل، وتغلّب على أهل الشّام ومصر (7).
(مروان يسعى لبسط نفوذه على الحجاز والعراق) (8):
ولمّا استقام الشام لمروان، وجّه جيشا إلى الحجاز عليه حبيش (9) ابن دلجة (10)، وجيشا إلى العراق عليه عبيد الله بن زياد، وأمره إن ظهر (11)
__________
(1) في الأصل: الأحزاب، والمثبت من: أ، ب، ج.
(2) في ب: ليأخذهم.
(3) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: إذا.
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: خشى.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بعث إليهم.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) في أ، ب، ج: حنش.
(10) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: دجلة. حبيش بن دلجة القيني، من وجوه أهل الشام، من الأردن، شهد صفين مع معاوية، وقتل بالربذة أيام ابن الزبير سنة خمس وستين.
الطبري: تاريخ 5/ 611، 612وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 4/ 43.
(11) في ب: يظهر.(2/803)
بالكوفة أن ينتهبها. وجعل له ولاية كلّ من غلب عليه. فمرّ حتى وصل إلى الموصل، وعامله من قبل المختار: عبد الرحمن (1) بن سعيد بن قيس، فكتب (2) عبد الرحمن إلى المختار، أما بعد فإنّي أخبرك أيّها الأمير أنّعبيد الله بن زياد قد دخل أرض الموصل، وتوجّه نحوي بخيله ورجله، وإنّي انحزت إلى [تكريت] (3) حتّى يأتيني رأيك وأمرك، والسلام.
فراجعه: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت كل ما ذكرت، فقد أصبت بانحيازك إلى تكريت، فلا تبرح من مكانك حتى يأتي إليك (4)
أمري، والسلام (5).
وكانت (6) بين عساكر المختار وعبيد الله وقائع مشهورة وحروب
__________
(1) عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، كان من شيعة المختار، ولما تبين له كذبه خرج عليه في همدان مع أشراف الكوفة، وقتل يوم جبانة السبيع. الطبري: تاريخ 6/ 31، 34، 44، 45، 51، 56، وابن الأثير: الكامل 3/ 360، 363، 365، 369.
(2) في ب: وكتب.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: تزكيه. تكريت بلدة في غرب دجله بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب. ياقوت: معجم البلدان 2/ 38.
(4) (إليك) سقطت من أ، ب.
(5) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 38، 49عن عوانة بن الحكم.
(6) في ب: وكان.(2/804)
مذكورة، أضربنا عنها صفحا (1) خوف التّطويل (2).
(شخوص إبراهيم بن الأشتر لحرب عبيد الله بن زياد) (3):
وفي سنة ست وستين (4) أمر المختار بن أبي [عبيد] (5) إبراهيم بن الأشتر بالخروج إلى قتال أهل الشّام، فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة، وأخرج معه وجوه رجاله ممن شهد الحرب (6) وجرّبها (7).
وخرج المختار مشيّعا له، ماشيا، فقال له إبراهيم: اركب يا أبا إسحاق! فقال: إنّي أريد أن تغبّر قدماي في نصرة آل محمد صلى الله عليه وسلم، فشيّعه فرسخين (8)، ودفع إلى قوم من خاصّته حماما بيضا ضخاما، وقال: إن رأيتم الأمر لنا فدعوها، وإن رأيتم الأمر علينا فارسلوها. وقال لسائر الناس: إن استقمتم (9) [فينصركم الله، وإن] (10) حصتم حيصة (11)، فإنّي
__________
(1) (صفحا) ليست في: أ، ب.
(2) انظر تفاصيل تلك الوقائع. الطبري: تاريخ 6/ 4339.
(3) عنوان جانبي من تاريخ الطبري 6/ 81.
(4) التصويب من: أ، وفي الأصل: خمس وستين، وفي ب، ج: ست وخمسين.
(5) التصويب من: ج، وفي الأصل: وأ، ب: عبيد الله بن إبراهيم.
(6) في أ، ج: الحروب.
(7) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 81عن أبي مخنف.
(8) الفرسخ: يساوي 12000ذراع، أو ما يساوي ثمانية أكيال. محمد شراب: المعالم الأثيرة ص 11.
(9) في أ: استقيتم.
(10) التكملة من: أ، ب، ج.
(11) حصتم حيصة: جلتم جولة تطلبون الفرار والهرب. الجوهري: الصحاح 3/ 1033 (حصص) بتصرف.(2/805)
أجد في محكم (1) الكتاب، [وفي] (2) اليقين والصّواب، أنّ الله يؤيّدكم بملائكة غضاب، [تأتي] (3) في (4) صور الحمام (5).
فلما بلغ (6) [دير] (7) عبد الرحمن بن أم الحكم، إذا برجال المختار قد استقبلوهم (8)، ومعهم الكرسي على بغل أشهب، فوقفوا به على القنطرة (9)، وصاحب الكرسّي: حوشب (10)، وهو يقول يا ربّ عمّرنا في طاعتك، وانصرنا على الأعداء، واذكرنا ولا تنسانا (11)، واسترنا.
وأصحابه يؤّمنون. فقال المختار:
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: صحفكم.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) (في) سقطت من: أ، ب، ج.
(5) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 214والثعالبي: ثمار القلوب ص 92.
(6) أي: إبراهيم بن الأشتر. الطبري: تاريخ 6/ 81.
(7) التكملة من ج، ولم أقف على تعيين دير عبد الرحمن بن أم الحكم.
(8) في أ، ب، ج: استقبلوه.
(9) القنطرة: قنطرة دير عبد الرحمن بن أم الحكم. الطبري: تاريخ 6/ 82.
(10) حوشب البرسميّ: سادن كرسي المختار إلى أن هلك المختار. الطبري: تاريخ 6/ 66، 85وابن الأثير: الكامل 3/ 378.
(11) في ب: تنسنا.(2/806)
أما وربّ المرسلات عرفا ... لنتقتلنّ (1) [بعد] (2) صف صفّا
وبعد / ألف قاسطين ألفا [68/ أ]
فلما وصلوا إلى القنطرة، ازدحموا ازدحاما شديدا، فمضى المختار مع إبراهيم بن الأشتر إلى قناطر (3) رأس الجالوت، فإذا أصحاب الكرسي (4) قد وقفوا عليها، فلمّا صار (5) المختار بين قنطرة دير [عبد الرحمن] (6) وقناطر رأس الجالوت وقف، وأراد الانصراف. فقال المختار لابن الأشتر: إن عامّة جندك، هؤلاء [الحمراء] (7) يعني: العجم وإنّ الحرب إن ضرّستهم هربوا، فاحمل العرب على متون (8) الخيل، وأرجل
__________
(1) في الأصل: فلا تقتلنّ، والمثبت من أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 81.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قناطير. القنطرة: الجسر. الجوهري:
الصحاح 2/ 796 (قطر).
وقناطر رأس الجالوت: تقع إلى جنب دير عبد الرحمن بن أم الحكم. الطبري: تاريخ 6/ 82.
(4) هذه الجملة تكررت في: ب.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سار.
(6) التصويب من: أ، ب، ج وفي الأصل: عبد الله.
(7) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: الأنصار.
(8) في الأصل: مواتن، والمثبت من: أ، ب، ج.(2/807)
الحمراء أمامهم (1). وقال له أيضا: خذ عني ثلاثا خف (2) الله عز وجلّ في سرّ أمرك وعلانيتك، وعجّل السّير، وإذا لقيت عدوّك (3)، فانجزهم ساعة تلقاهم، فإن لقيتهم (4) ليلا واستطعت أن لا تصبح حتى تناجزهم فافعل، وإن (5) لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم اللّيل حتى تحاكمهم إلى الله تعالى. ثم قال: حفظت وصيّتي؟ قال: نعم، قال: صحبك الله، [وانصرف] (6).
ولم يلبث أن قيل: هذا عبيد الله [بن زياد] (7) قد نزل [باحصيدا] (8)، فخرج بالكرسي مغشّى على بغل (9)، تمسكه عن يمينه سبعة، وعن شماله سبعة (10).
__________
(1) التصويب من: ج، وفي الأصل وأ، ب: مامهم.
(2) في ب: اخف عز وجلّ.
(3) (عدوك) سقطت من: ب.
(4) في الأصل: لقيتموهم، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 6/ 83.
(5) في أ، ب: فإن.
(6) الزيادة من: أ.
(7) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 82عن أبي مخنف.
(8) في الأصل: يا حامد، والمثبت من: أ، ب، ج، قال ياقوت: الحصيد: بالفتح ثم الكسر، موضع في أطراف العراق من جهة الجزيرة. معجم البلدان 2/ 266، ووقع عند الطبري: باجميرا. تاريخ 6/ 83.
(9) في ج: بغلة.
(10) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 83عن أبي مخنف، لكنه ذكر:
باجميرا، بدلا من: باحصيدا.(2/808)
(ذكر حال الكرسي الذي كان المختار يستنصر به) (1):
وكان من قصة الكرسي فيما ذكر طفيل (2) بن جعدة (3) بن هبيرة، قال: عدمت الورق يوما (4)، فخرجت فإذا زيّات جار لي له كرسيّ، قد ركبه وسخ (5) كثير، فخطر ببالي أن أتسبب به إلى المختار! فرجعت وأرسلت إلى الزّيّات فيه فأرسل به إليّ، فأتيت المختار، فقلت له: إنّي [كنت] (6) كتمت شيئا، ثم لم استحلّ ذلك، فرأيت أن أذكره، قال:
وما هو؟ قلت: كرسي كان جعدة بن هبيرة (7) يجلس عليه، كان يرى أنّ فيه أثارة من علم (8). فقال [لي] (9): سبحان الله! فأخّرت هذا إلى اليوم!
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) لم أعثر له على ترجمه.
(3) في ب: جعفر.
(4) في أ، ب، ج: عدمت مرّة الورقة. الورق: الدراهم المضروبة. الجوهري: الصحاح 4/ 1564 (ورق).
(5) (وسخ) سقطت من: ج.
(6) الزيادة من: أ، ب، ج.
(7) جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي، له صحبة، ولّاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على خرسان، قدم الري وكان له دار، ومات في زمن معاوية. البخاري: التاريخ الكبير 2/ 239ومصعب الزبيري: نسب قريش ص 344. وابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 240.
(8) عند الطبري: كأن فيه أثرة من علم. تاريخ 6/ 83.
(9) الزيادة من: أ، ج وفي ب: له.(2/809)
ابعث (1) إليه.
وقد كنت أمرت بغسله، فخرج عود نضار (2) قد شرب الزّيت، ورجع أجلّ شيء، فجيء به وقد كنت غشّيته، فأمر لي باثني عشر ألفا، ثم دعا (3): الصلاة جامعة (4).
فأقبل الناس من كل مكان، وقام المختار وقال: إنّه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلّا وهو كائن في هذه الأمّة، وإنّه قد كان في بني إسرائيل التابوت، فيه سكينة من ربكم (5)، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وإنّ هذا فينا مثل التّابوت. اكشفوا عنه، فكشفوا عنه، وقامت الخاصّة والعامّة، فرفعوا أيديهم، وكبّروا ثلاثا (6).
__________
(1) في أ: الذي بعث.
(2) التصويب من: أ، ب وفي الأصل: نزار، وفي ج: فضار. النّضار: بالضم، الخالص من الخشب والأثل، أو الطويل منه المستقيم الغصون. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 622 (نضر) بتصرف.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عاد.
(4) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 82بإسناده إلى طفيل بن جعدة، وانظر الذهبي:
تاريخ (8061هـ) ص 5251
(5) هذه الجملة ليست في النسخ الأخرى.
(6) هذا الجزء من الخبر رواه الطبري 6/ 73من طريق إسحاق بن يحي بن طلحة عن معبد بن خالد الجدلي. وإسحاق بن يحي: ضعيف. ابن حجر: تقريب ص 103.(2/810)
وأوصاهم أن يضعوه [في] (1) بركاء الحرب: وهو موضع اصطدام القوم (2)، ويقاتلوا عليه (3).
(وقعة الخازر، ومقتل عبيد الله بن زياد) (4):
فالتقى إبراهيم بن الأشتر وعبيد الله بن زياد لعنه الله (5) بخازر (6)، فكانت / [على أصحاب إبراهيم في] (7) أوّل النّهار. وأرسل أصحاب [68/ ب] المختار تلك [الحمام] (8) البيض، فتصايح النّاس: الملائكة الملائكة! فتراجع النّاس، واقتتلوا حتى اختلط الظّلام، فانهزم أهل الشام، فقتلوا قتلا (9) عظيما، وقتل عبيد الله بن زياد وأصحابه، وذلك في سنة
__________
(1) التكملة من: ج.
(2) المبرد: الكامل 2/ 216.
(3) هذا الجزء من الخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 216.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) (لعنه الله) ليست في: أ، ب، ج.
(6) خازر: نهر بين أربل والموصل ثم بين الزاب الأعلى والموصل، وهو موضع كانت عنده وقعة بين عبيد الله بن زياد وإبراهيم بن مالك بن الأشتر سنة 66هجرية.
ياقوت: معجم البلدان 2/ 337.
(7) التكملة من: أ، ب، ج.
(8) التكملة من: أ، ب، ج.
(9) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: فقاتلوا قتالا عظيما.(2/811)
سبع وستين (1) من الهجرة (2).
قال إبراهيم بن الأشتر: ضربت رجلا عليه رائحة المسك، ورأيت منه إقداما وجرءة فصرعته، فشرّقت يداه (3)، وغرّبت رجلاه، تحت راية منفردة على شاطيء نهر خازر، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد لعنه الله (4) ضربه فقده بنصفين (5).
وتكلم الناس في أمر الكرسي، وزادهم ذلك طغيانا وعلوّا حتى آل بهم إلى الكفر.
قال طفيل: حتى ندمت على ما فعلت، وغيّب، فلم ير بعد ذلك (6).
وقال المختار يوما لأصحابه: قد هزم أصحابنا ابن مرجانة وذلك قبل أن يجيء الخبر بانهزامهم بأيام فلمّا (7) جاءته البشرى جعل يقول: ألم
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: ست وسبعين.
(2) (من الهجرة) ليست في: أ، ب، ج، وانظر الخبر عند المبرد: الكامل 2/ 215 والثعالبي: ثمار القلوب ص 92وانظر التفاصيل عند الطبري: تاريخ 6/ 9276.
(3) في ج: عيناه.
(4) (لعنه الله) ليست في: أ، ب، ج.
(5) روى قريبا منه الطبري: تاريخ 6/ 90والمبرد: الكامل 2/ 215والثعالبي: ثمار القلوب ص 92.
(6) (فلم يرى بعد ذلك) سقطت من: أ، ب، ج. الخبر عند الطبري: تاريخ 6/ 83من طريق إسحاق بن يحي بن طلحة عن معبد بن خالد الجدلي.
(7) في أ، ب، ج: ثم لما.(2/812)
أعلمكم بهذا قبل أن يكون؟ قالوا: بلى والله لقد قلته (1).
(عزل القباع عن البصرة، وولاية مصعب) (2):
وفي هذه السنة (3) عزل عبد الله بن الزبير عن البصرة أميرها:
الحارث ابن عبد الله بن ربيعة، الملقب: بالقباع (4)، وولّى عليها أخاه مصعبا. فدخل مصعب البصرة متلثما حتى أناخ على باب المسجد، ثم دخل فصعد المنبر، فقال الناس: أمير، أمير! وجاء القباع، فسفر المصعب عن وجهه فعرفوه، فقال للحارث: اظهر [اظهر] (5) فصعد حتى جلس تحته (6) بدرج، [ثم] (7) قام مصعب، فحمد الله، وأثنى عليه. ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم {طسم (1) تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى ََ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلََا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهََا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طََائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنََاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسََاءَهُمْ إِنَّهُ كََانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4) (8) وأشار بيده نحو الشام {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى}
__________
(1) الطبري: تاريخ 6/ 91، 92عن أبي مخنف بنحوه.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) أي سنة سبع وستين للهجرة.
(4) الثعالبي: لطائف المعارف ص 38.
(5) الزيادة من: أ، ب.
(6) (تحته) سقطت من: ج.
(7) الزيادة من: ج.
(8) سورة القصص، الآية (1، 4) والآية الأخيرة وردت ناقصة في الأصل وتمامها من(2/813)
{الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوََارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (1) وأشار بيده نحو الحجاز، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهََامََانَ وَجُنُودَهُمََا مِنْهُمْ مََا كََانُوا يَحْذَرُونَ} (6) وأشار بيده نحو الشام، ونزل (2).
(الحارث بن عبد الله) (3):
والحارث وعمر (4) ابنا عبد الله بن أبي ربيعة، هما أخوان لأب (5).
فعمر أمه [أم] (6) ولد يمانية [اسمها: مجد (7).
والحارث، أمه: زينب (8) بنت أبرهة الحبشيّة، نصرانية.
__________
النسخ الأخرى.
(1) سورة القصص، الآية (5، 6).
(2) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 93من طريق عمر بن شبة عن المدائني.
(3) عنوان جانبي من المحقق.
(4) عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، ولد ليلة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شاعرا، مات في حدود سنة ثلاث وتسعين. ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص 371والذهبي:
سير 4/ 379.
(5) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: اخواه لأبيه.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) مصعب الزبيري: نسب قريش ص 319وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 147.
(8) عند خليفة: أمّه: الفراسيّة. الطبقات ص 234، وعند ابن حزم: أمّه: سجا الحبشية.
جمهرة أنساب العرب ص 147.(2/814)
ولم يكن الحارث علم أنّ أمّه نصرانية] (1) حتى ماتت، وحضر لها النّاس، فخرجت إليه مولاة، فسارّته، وقالت له: اعلم أنّا وجدنا الصّليب في رقبة أمّك [حين] (2) جرّدناها لنغسلها، فقال للنّاس: انصرفوا [أدّى] (3)
الله الحق عنكم، فإن لها أهل ملة هم أولى بها منكم. [فانصرف النّاس] (4)، وكبر الحارث بن عبد الله بما فعل من ذلك عند النّاس (5).
(سبب تسمية الحارث بالقباع) (6):
وسمّي الحارث: القباع، / وذلك أنه لما ولّي البصرة، وغيّر على [69/ أ] الناس بها مكايلهم (7)، فنظر إلى مكيال صغير في (8) مرأى العين (9)
__________
(1) التكملة من: أ، ب، ج.
(2) في الأصل: حتى، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 451.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: إذا.
(4) التكملة من: أ، ب، ج.
(5) هذا الخبر أخرجه ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 451، وذكره مصعب الزبيري: نسب قريش ص 318وابن سعد: الطبقات 5/ 29مثله.
(6) عنوان جانبي من المحقق.
(7) في ج: مكيائلهم.
(8) (في) سقطت من: ب.
(9) (العين) سقطت من: ج.(2/815)
أحاط بدقيق، استكثره. فقال: إن مكيالكم هذا قباع (1)، فسمّي القباع (2).
والقباع: الذي يخفي ما فيه، يقال: انقبع الرّجل، إذا استتر، ويقال للقنفد: القبع، وذلك أنّه يخلس (3) رأسه (4).
(خبر قتل مصعب المختار بن أبي عبيد) (5):
وفي هذه السنة (6) سار (7) مصعب لحرب المختار. وذلك أنّ شبث بن ربعي (8) قدم عليه على بغلة [له] (9) قد قطع ذنبها وطرف أذنها، وشق
__________
(1) في أ، ب، ج: القباع. والقباع: مكيال ضخم. الجوهري: الصحاح 3/ 1260 (قبع).
(2) هذا الخبر ذكره المبرد: الكامل 2/ 263، والثعالبي: لطائف المعارف ص 38.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: يخلص.
(4) المبرد: الكامل 2/ 263.
(5) عنوان جانبي من تاريخ الطبري 6/ 93.
(6) أي سنة سبع وستين للهجرة.
(7) في أ، ب: صار.
(8) التصويب من: أ، ج، وفي الأصل وب: شبيب بن ربيعة. شبث بن ربعي التميمي اليربوعي، أسلم، وله إدراك، كان ممن صحب عليا ثم صار من الخوارج عليه، ثم تاب وأناب، فحضر قتل الحسين، ثم كان ممن طلب يوم الحسين، ثم ولي شرطة الكوفة، ثم حضر قتل المختار، ومات بالكوفة في حدود الثمانين. الذهبي: سير 4/ 150وابن حجر: الإصابة 3/ 220وتقريب ص 263.
(9) الزيادة من: أ، ب، ج.(2/816)
[قباءه] (1)، وهو ينادي: [واغوثاه] (2) يا غوثاه، فقيل لمصعب: إنّ بالباب رجلا ينادي: يا غوثاه، وهو على صفة كذا. فقال لهم: هذا شبث بن ربعي، لم يكن يفعل هذا غيره، فادخلوه، فأدخل (3).
(شبث بن ربعي) (4):
وشبث، من بني تميم، وهو أول من أعان على قتل عثمان رضي الله عنه (5).
وهو أول من حرّر (6) الحرورية (7).
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: قفله.
(2) الزيادة من: ب، ج.
(3) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 94عن أبي مخنف.
(4) عنوان جانبي من المحقق.
(5) العجلي: معرفة الثقات 1/ 448وزاد ابن حجر: بئس الرجل هو. تهذيب 4/ 303 والإصابة 3/ 220.
(6) في ب: راى.
(7) الحرورية: من أسماء الخوارج، سمّو بذلك لأنهم لما رجعوا مع علي من صفّين إلى الكوفة انحازوا إلى قرية حروراء بظاهر الكوفة على ميلين منها. البغدادي: الفرق بن الفرق ص 75وياقوت: معجم البلدان 2/ 245بتصرف. وانظر قول المؤلف عن شبت: هو أول من حرّر الحرورية. البخاري: التاريخ الكبير 4/ 266، 267، وقال الذهبي: لكنّه فارق الخوارج وتاب وأناب. ميزان الاعتدال 2/ 261وسير 4/ 150 والكاشف 2/ 3ونقل الذهبي عن الأزدي قوله: هو أول من حرّر الحرورية فيه نظر.
انظر ميزان الاعتدال: 2/ 261، وقال ابن حجر: قال ابن الكلبي كان من أصحاب علي ثم صار مع الخوارج ثم تاب. الإصابة 3/ 220.(2/817)
وأعان على قتل الحسين بن علي رضي الله عنه (1).
وجاءه أشراف أهل الكوفة، وشكو إليه، وسألوه (2) النّصر لهم، والمسير إلى المختار معهم، وأخبروه (3) بما اجتمعوا له، وبما أصيبوا به من وقوف عبيدهم ومواليهم عليهم (4).
(قدوم محمد بن الأشعث على مصعب يستحثه للخروج إلى المختار) (5):
وقدم عليه محمد بن الأشعث ولم يكن شهد وقعة (6) الكوفة فاستحث مصعب للخروج إلى المختار، فقرّبه مصعب وأكرمه لشرفه (7).
فلمّا أكثروا على مصعب الرّغبة في الخروج، قال: إنّي لا أخرج
__________
(1) العجلي: معرفة الثقات 1/ 448وابن حجر: الإصابة 3/ 220وتهذيب التهذيب 4/ 303عن ابن الكلبي.
(2) في ب: وسلوه.
(3) في ب: واخبرهم.
(4) الطبري: تاريخ 6/ 43، 44عن أبي مخنف بتفصيل أوسع.
(5) عنوان جانبي من المحقق.
(6) هذه الوقعة كانت بجبّانة السبيع بالكوفة بين أهل الكوفة ورجال المختار بعد أن سار إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد. وكانت هذه الوقعة في شهر ذي الحجة سنة ست وستين، ولم يشهدها محمد بن الأشعث، كان في قصر له مما يلي القادسية بطيزناباذ. انظر التفاصيل عند الطبري: تاريخ 6/ 5743، 94.
(7) الطبري: تاريخ 6/ 94عن أبي مخنف.(2/818)
حتّى يأتي المهلّب (1) بن أبي صفرة واسم أبي (2) صفرة: سارق بن ظالم (3). يقال: [إن] (4) له صحبة (5) فكتب إليه ليصل، وكان عامله على فارس، فأبطأ عنه المهلّب، واعتلّ ببقية من الخوارج، لكراهيته في الخروج، فقلق بن الأشعث وأصحابه، فقال له مصعب: إن أمكنك أن تسير إليه بكتابي، فافعل فاستهل ذلك، وخرج نحوه بكتابه. فلما قرأه المهلّب قال: مثلك يأتي بريدا! أما وجد بريدا غيرك؟! قال له: ما أنا بريد أحد، غير أنّ نساءنا وأبناءنا وحرمنا غلب عليهم عبداننا وموالينا، فجئنا مستنصرين بمصعب، فأبى أن يخرج إلّا معك، فلما توقف رأيت أن آتيك، واستعجلك. فخرج معه المهلب بجموع كثيرة، وأموال خطيرة، فلمّا
__________
(1) المهلب بن أبي صفرة الأزدي، أدرك عمر، من ثقات الأمراء، كان عارفا بالحرب، ولي خراسان، ومات بمرو، سنة اثنتين وثمانين على الصحيح. ابن سعد: الطبقات 7/ 129، 130وابن حجر: تقريب ص 549.
(2) في أ: أبو.
(3) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى وكذا عند الطبراني: المعجم الكبير 8/ 407، والمشهور: ظالم بن سرّاق، ويقال: ابن سارق، من أزدعمان، كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره ولم يفد عليه، وكان ممن نزل البصرة. انظر ابن الكلبي: نسب معد 2/ 466وابن سعد: الطبقات 7/ 101، 102وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1692، 1693.
(4) الزيادة من: ج.
(5) ابن حجر: الإصابة 7/ 105.(2/819)
وصل إلى البصرة، أتى باب مصعب ليدخل عليه، وقد أذن للنّاس، فحجبه الحاجب، وهو لا يعرفه، فرفع المهلّب يده فضربه فكسر أنفه، فدخل الحاجب إلى مصعب، وأنفه يسيل دما، فقال له: ضربني رجل لا أعرفه، فدخل المهلب (1)، فقال الحاجب: هذا هو، فقال له مصعب: عد إلى مكانك.
وأمر النّاس بالمعسكر [عند الجسر] (2) الأكبر. فخرج مصعب، فكانت (3) بينه / وبين المختار (4) حروب مشهورة (5). [69/ ب]
وقاتل (6) المختار في بعض تلك الوقائع (7) على فم سكّة شبث (8)
__________
(1) هذه الفقرة سقطت من: أ.
(2) في الأصل: إلى الحصن، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 95.
(3) في ج: وكانت.
(4) (المختار) سقطت من: ب.
(5) من تلك الوقائع المشهورة: وقعة المذار بين جيش مصعب وجيش المختار بقيادة أحمر بن شميط الذي قتل في هذه الوقعة وهزم جيشه. انظر التفاصيل عند الطبري: تاريخ 6/ 9795.
(6) في الأصل والنسخ الأخرى: وقال، وما أثبته هو الصواب. انظر: الطبري: تاريخ 6/ 101.
(7) هي الوقعة الثانية بين مصعب والمختار، وكانت بقرية حروراء بظاهر الكوفة. انظر الطبري: تاريخ 6/ 10199.
(8) سكّة شبث بن ربعي التميمي بالكوفة، والسّكّة: الطريقة المستوية المصطفة من النخل، وبذلك سمية الأزقة سككا لاصطفاف الدور فيها كطريق النخل. انظر(2/820)
نهاره أجمع، ونزل فقاتل عامّة ليله حتّى انصرف عنه أصحابه (1).
فقال له من بقي منهم: أيها الأمير، قد (2) فرّ النّاس عنك، فارجع إلى قصرك، فقال: أما والله ما نزلت وأنا أريد أن أرجع إليه (3)، فإذا انصرفوا، فقوموا بنا على بركة الله، فسار حتى دخل القصر (4).
فلمّا أصبح سار مصعب بمن معه من أهل البصرة، وبمن خرج إليه من أهل الكوفة، فأخذ بهم نحو السّبخة (5)، ومعه المهلّب، فنزل [بها] (6)
فقطع عن المختار الماء والمادّة، حتى بيع عنده قدح ماء بدينارين، فجعل المختار وأصحابه يخرجون، فيقاتلون ساعة قتالا ضعيفا، وكانوا يرمون من السّطوح بالحجارة، فإذا اشتدّ عليهم العطش، شربوا من ماء بئر عنده (7)
__________
ياقوت: معجم البلدان 3/ 231والطبري: تاريخ 6/ 29، 101.
(1) في أ، ب، ج: أصحابه عنه. وانظر الخبر عند الطبري: تاريخ 6/ 101عن أبي مخنف.
(2) في ب: فقد.
(3) (إليه) ليست في: أ.
(4) الخبر عند الطبري: تاريخ 6/ 101عن أبي مخنف.
(5) السّبخة: مفرد سباخ، وهي الأرض الملحة النّازة، وهي موضع بالكوفة. انظر الطبري: تاريخ 6/ 104، وابن الأثير: الكامل 3/ 384.
(6) التكملة من: أ، ب، ج.
(7) في أ، ب، ج: عندهم.(2/821)
وهو زعاق (1). فأمر المختار أن يصبّ فيه العسل ليغيّر طعمه، فأمر مصعب أصحابه أن يقربوا من القصر (2). ليضيّقوا عليهم بالحصار مدة من أربعة أشهر (3). فقال لهم المختار: إن الحصار لا يزيدكم (4) إلّا ضعفا، انزلوا بنا نقاتل (5) حتى نموت كراما إن نحن قتلنا، والله ما أنا بآيس إن أنتم [صدقتم] (6) أن ينصركم الله تعالى، فعجزوا، فقال لهم: أمّا أنا فو الله لا أعطي بيدي أبدا، ولا أحكّمهم في نفسي. ولما رأى ما بأصحابه من الضعف والفشل أرسل إلى امرأته: لبابة (7) أم ثابت بنت (8) سمرة بن جندب الفزاري، فأرسلت إليه طيبا كثيرا، فاغتسل، وتحنّط، ووضع ذلك
__________
(1) زعاق: الزّعاق: الماء المرّ الغليظ، لا يطاق شربه. الفيروزآبادي: القاموس المحيط ص 1149 (زعق).
(2) في الأصل: للقصر، والمثبت من: أ، ب، ج. وانظر الخبر عند الطبري: تاريخ 6/ 105، والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 261.
(3) الطبري: تاريخ 6/ 115عن الواقدي.
(4) في الأصل: لا يزيد لنا، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 106.
(5) في الأصل: تقاتلوا، والمثبت من: أ، ب، ج والطبري: تاريخ 6/ 106.
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سبقتم.
(7) لبابة بنت سمرة بن جندب، زوج المختار، بعث إليها مصعب بن الزبير بعد قتل زوجها فقال لها: ما تقولين في المختار؟ قالت ما عسينا أن نقول! ما نقول فيه إلا ما تقولون فيه أنتم، فقال لها: اذهبي. الطبري: تاريخ 6/ 112، وانظر ابن الأثير: الكامل 3/ 386.
(8) في أ، ب: ابنت.(2/822)
الطّيب على رأسه، ولحيته، ثم خرج في تسعة عشر رجلا، فقال لهم:
أتؤمّنوني وأخرج إليكم؟ فقالوا: لا، إلا على الحكم، فقال لهم: لا أحكّمكم في نفسي أبدا، فضارب (1) بسيفه حتى قتل (2).
ثم إنّ من كان من أصحابه في القصر، نزلوا على حكمه، فقتلوا.
وكانوا ستة آلاف (3). وقيل: سبعة آلاف (4).
ثم أمر مصعب بقطع يد المختار، فقطعت (5)، وسمّرت إلى [جانب] (6) المسجد. فقامت هنا لك حتّى وصل الحجّاج (7)، فأمر بنزعها (8).
__________
(1) في الأصل: فضرب، والمثبت من: أ، ب، ج، والطبري: تاريخ 6/ 107.
(2) هذا الخبر رواه الطبري: تاريخ 6/ 110104، والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 264كلاهما من طريق أبي مخنف بتفاصيل أكثر مما هنا.
(3) الطبري: تاريخ 6/ 116من طريق عمر بن شيبة عن المدائني.
(4) المسعودي: مروج الذهب 3/ 107.
(5) (فقطعت) سقطت من: ب.
(6) في الأصل وج: باب، والمثبت من أ، ب، والطبري: تاريخ 6/ 110.
(7) الحجاج بن يوسف الثقفي، كان ظالما مهلكا، وقع ذكره وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فيه في صحيح مسلم وغيره. كان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة وتعظيم القرآن. ولي العراق والمشرق كلّه عشرين سنة ومات سنة خمس وتسعين. الذهبي:
سير 4/ 343وابن حجر: تقريب ص 153.
(8) الطبري: تاريخ 6/ 110، والبلاذري: أنساب الأشراف 5/ 264.(2/823)
فأمر مصعب بقطع رأس المختار، وحمله (1) هو ورؤوس أصحابه إلى مكة، لأخيه عبد الله بن الزبير، [وحمل معه وجوه أهل العراق، فحجّ بهم عبد الله بن الزبير] (2) وأشار إليه أخوه مصعب (3) أن يحسن إليهم بشيء.
فقال: ما كنت لأخرج مال الله إلا في حقه (4). فانصرفوا ونفوسهم متغيّرة عليه (5). وكان عبد الله بن الزبير بخيلا (6).
__________
(1) في أ، ب، ج: وحمل مصعب رأس المختار. وانظر ابن سعد: الطبقات 5/ 183عن الواقدي.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: ب، ج، وفي الأصل: عبد الله، وسقط من: أ.
(4) في ج: بحقّه
(5) ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 406مثله و 2/ 98.
(6) هذا الخبر أورده ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 906عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. ابن حجر: تقريب ص 401، وذكره ابن قتيبة: المعارف 225بدون إسناد.
وله شاهد من حديث عبد الله بن المساور قال: سمعت ابن عباس بخّل عبد الله بن الزبير، وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المؤمن الذي يأكل وجاره جائع». أخرجه البخاري: التاريخ الكبير 5/ 195، وفي الأدب المفرد ص 39رقم (112) ووقع فيه:
يخبر، بدلا من بخّل. وأخرجه الطحاوي: شرح معاني الآثار 1/ 28من طريق عبد الله بن المساور أيضا قال: سمعت ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل ثم ذكر الحديث. والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 392وأخرجه أيضا ابن عساكر:
تهذيب تاريخ دمشق 7/ 417من الطريق نفسه. وكذا المنذري: الترغيب والترهيب 3/ 334رقم (3773) مختصرا. والهيثمي: مجمع الزوائد 8/ 168وقال رواه(2/824)
ولقي مصعب عبد الله بن عمر (1) رضي الله عنه، [فسلّم عليه] (2) وقال له أنا ابن أخيك مصعب: فقال له: أنت القاتل سبعة آلاف (3) من أهل القبلة (4)
في غداة واحدة! عش ما استطعت! فقال مصعب: كانوا كفرة سحرة،
__________
الطبراني، وأبو يعلى: المسند 5/ 92رقم (2699) قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
وصححه الألباني: صحيح الأدب المفرد ص 67.
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: عبد الله بن الزبير.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) روي عن الواقدي أنّ ذلك كان بعد قتل مصعب المختار، حيث طلب أصحاب المختار الذين كانوا محاصرين بقصر الإمارة بالكوفة طلبوا من مصعب الأمان، فأمّنهم ورقّ لهم وأراد أن يخلي سبيلهم لولا معارضة أعيان جنده فأمر مصعب بقتلهم جميعا، وكانوا سبعة آلاف، ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 342، واليعقوبي:
تاريخ 2/ 264وقال: فكانت إحدى الغدرات المذكورة المشهورة في الإسلام.
والمسعودي: مروج الذهب 3/ 107، وفي رواية المدائني: ستة آلاف. الطبري 6/ 116قلت: وهذا العدد مبالغ فيه. والراجح خمس مئة أسير. ابن كثير البداية والنهاية 8/ 311قتلهم مصعب بمشورة من بعض قوّاده كعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشباههم ممن وترهم المختار، حيث قالوا لمصعب: قد قتلوا أولادنا وعشائرنا وجرحوا منّا خلقا فاخترنا أو اخترهم، فأمر حينئذ بقتلهم. الطبري: تاريخ 6/ 116، وابن كثير: البداية والنهاية 8/ 342بتصرف.
(4) أهل القبلة: الذين يصلّون نحو البيت. وقال المسعودي: الذين طالبوا بدم الحسين، وقاتلوا أعداءه، قتلهم مصعب، وسماهم الخشبية. مروج الذهب 3/ 107بتصرف.(2/825)
فقال له ابن عمر: لو قتلت عدّتهم غنما من تراث (1) أبيك لكان [إسرافا] (2). / [70/ أ]
وتولى مصعب الكوفة، وحمزة (3) بن عبد الله [بن الزبير] (4)
البصرة (5).
ثم عزله أبوه وولّاها (6) مصعب، وكان ذلك في سنة ثمان وستين (7)
من الهجرة (8).
__________
(1) في ب، ج: تراب.
(2) التصويب من أ، وفي الأصل وب: شرف، وفي ج: سرفا. والخبر رواه الطبري:
تاريخ 6/ 113عن أبي مخنف.
(3) حمزة بن عبد الله بن الزبير، أمّه بنت منظور بن زبّان الفزاري، وله عقب بالمدينة، أثنى عليه الزبير بن بكار ووصفه بالشهامة والجود. ابن سعد: الطبقات (القسم المتمّم) ص 107وابن قتيبة: المعارف ص 226، وابن بكار: جمهرة نسب قريش ص 4839
(4) الزيادة من: أ، ب، ج.
(5) كان ذلك في سنة سبع وستين للهجرة. انظر الطبري: تاريخ 6/ 116، 117، 118
(6) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: وولّاهم.
(7) الطبري: تاريخ 6/ 118117
(8) (من الهجرة) ليست في: أ، ب، ج.(2/826)
خبر عبد الملك بن مروان:
(نسبه، وكنيته، ولقبه) (1):
هو عبد الملك بن مروان (2) بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف.
يكنى: أبا الوليد (3)، باسم ابنه الأكبر.
ويلقّب: [رشح] (4) الحجر، لبخله. وكان يكنى آخرأ: أبا الأملاك (5)، لأنه بايع (6) لأربعة من بنيه (7).
(نسب أمه) (8):
أمّه: عائشة (9) بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أميّة.
__________
(1) عنوان جانبي من المحقق.
(2) (مروان) ليس في: أ، ب، ج.
(3) مسلم: الكنى 2/ 856.
(4) التصويب: أ، ج وفي الأصل: شرف، وفي ب: الشمع. ورشح الحجر: مثل يضرب للبخيل يجود بالشيء القليل على عسرة ونكد. والرشح: أدنى ما يكون من السيال.
الثعالبي: ثمار القلوب ص 558، ولطائف المعارف ص 36.
(5) في ب: إلا مالك.
(6) في الأصل: بويع، والمثبت من: أ، ب، ج.
(7) وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام. ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399، وابن دقماق: الجوهر الثمين ص 64.
(8) عنوان جانبي من المحقق.
(9) عائشة بنت معاوية بن المغيرة، ليس لأبيها عقب سواها. البلاذري: أنساب الأشراف 4/ 169، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 83.(2/827)
وأمّ (1) عائشة: بسرة (2) بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزي (3) بن قصي، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وروت عنه حديث (4) الوضوء من مسّ الذّكر.
وهي أخت عقبة بن أبي معيط لأمّه (5).
(تاريخ ميلاده، وبيعته) (6):
__________
(1) هكذا ورد في الأصل والنسخ الأخرى، وابن الأثير: أسد الغابة 6/ 40والصواب ما قاله أهل العلم بالنسب: أن بسرة بنت صفوان هي أم معاوية بن المغيرة، وجدة عائشة بنت معاوية أم عبد الملك. مصعب الزبيري: نسب قريش ص 173، وابن سعد: الطبقات 8/ 245، وابن حزم: جمهرة ص 120، وقد ردّ ابن حجر على ابن الأثير زعمه أن بسرة ولدت عائشة أم عبد الملك. الإصابة 8/ 30.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: بصرة. بسرة بنت صفوان القرشية الأسدية، صحابية، وبايعت ولها سابقة وهجرة، عاشت إلى خلافة معاوية. ابن عبد البر:
الاستيعاب 4/ 1796، وابن حجر: تقريب ص 744.
(3) في ب: عبد العزيز.
(4) الحديث أخرجه أحمد: المسند مع (منتخب كنز العمال) 6/ 406، وأبو داود السنن، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر 1/ 126رقم (181) والترمذي:
السنن، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر 1/ 126رقم (82) وقال حديث حسن صحيح. ولفظه «من مسّ ذكره فليتوضّأ» وصححه الألباني: صحيح سنن أبي داود 1/ 37رقم (166) وصحيح سنن الترمذي 1/ 25رقم (71).
(5) ابن سعد: الطبقات 8/ 245، وابن عبد البر: الاستيعاب 4/ 1796.
(6) عنوان جانبي من المحقق.(2/828)
ولد عبد الملك في المدينة سنة ثلاث وعشرين (1). وحملت به أمّه سبعة أشهر (2).
بويع في اليوم الذي مات فيه أبوه، في [شهر] (3) ربيع الآخر (4).
وقيل: في شهر رمضان سنة خمس وستين (5)، وهو ابن اثنتين وأربعين سنة.
وأقام أبوه واليا عشرة أشهر (6).
(صفاته) (7):
وكان عبد الملك طويلا، ممتلأ الجسم، أفوه، آدم اللون [وقيل] (8):
أبيض. مقرون الحاجبين، كبير العينين، مشرف الأنف، أبيض الرأس واللحية، واسع الوجه (9)، وكانت لثّته تدمي، وربما نزل عليها الذّباب
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 292، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 421.
(2) ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399.
(3) الزيادة من: أ، ب، ج.
(4) لم أقف على هذا الخبر عند غير مؤلف.
(5) ابن سعد: الطبقات 5/ 43والطبري: تاريخ 6/ 610والمسعودي: مروج الذهب 3/ 99والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 390.
(6) ابن قتيبة: المعارف ص 354وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1389.
(7) عنوان جانبي من المحقق.
(8) الزيادة من: ج.
(9) الخطيب البغدادي 10/ 391وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 10/ 506 وانظر المزي: تهذيب الكمال 18/ 410وابن دقماق: الجوهر الثمين ص 64.(2/829)
حتى كان (1) [يسمى] (2) أبو ذبّان لبخره (3)، وكان يجلس على سرير الملك وهو مذهب (4). وكان أبوه ولّاه هجر (5) ثم جعله الخليفة (6) من بعده.
أستوزر:
روح بن زنباع الجذامي (7)، وهو أوّل خليفة اتخذ وزيرا.
واستقضى:
__________
(1) في الأصل: صار، والمثبت من: أ، ب، ج.
(2) التكملة من: أ، ب، ج.
(3) هذا الخبر ذكره ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399وانظر ابن الجوزي: كشف النقاب 2/ 24وابن حجر: نزهة الألباب 2/ 260والبخر: الرائحة المتغيرة من الفم.
ابن منظور: لسان العرب 4/ 47 (بخر).
(4) مذهب: بتسكين الدال المعجمة وتخفيف الهاء، مموّه بالذهب. الجوهري: الصحاح 1/ 129 (ذهب) بتصرف.
(5) هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين قديما، وتعرف اليوم بالأحساء. ياقوت: معجم البلدان 5/ 393ومحمد شراب: المعالم الأثيرة ص 293.
(6) وفي الأصل: خليفة، والمثبت من: أ، ب، ج وابن قتيبة: المعارف ص 355.
(7) روح بن زنباع الجذامي، الأمير الشريف، ولي فلسطين ليزيد بن معاوية، وسكن دمشق وله دار بها، مات سنة أربع وثمانين. الذهبي: سير 4/ 251، 252، وابن حجر:
الإصابة 2/ 216، 217. الجذامي: بضم الجيم وفتح الذال المعجمة، نسبة إلى جذام، قبيلة من اليمن. ابن الأثير: اللّباب 1/ 215.(2/830)
أبا إدريس: عائذ الله (1) [بن عبد الله] (2) الخولاني.
واستكتب:
أبا زرعة، سالما (3) مولاه للرسائل.
واستكتب للخراج والجند والدّواوين: سرجون بن منصور الرومي (4) ثم كتب له عبد الحميد الأكبر بن يحي (5).
__________
(1) عائذ الله بن عبد الله الخولاني الشامي، ولد عام حنين، كان من عباد أهل الشام وقرائهم، مات سنة ثمانين. ابن سعد: الطبقات 7/ 448والمزي: تهذيب الكمال 14/ 9288.
(2) الزيادة من: أ، ب، ج.
(3) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: سلاما. وانظر الخبر عند ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 164، 399وقال ابن عساكر: سالم أبو الزّعيزعة، مولى مروان بن الحكم كان على الرسائل لعبد الملك، وولاه الحرس. تهذيب تاريخ دمشق 6/ 59وانظر المسعودي: التنبيه والإشراف ص 316، والطبري: تاريخ 6/ 180، وخليفة: تاريخ ص 9، 29
(4) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: المروي. انظر الخبر عند ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399، 169والمسعودي: التنبيه والاشراف ص 316وسرجون بن منصور الرومي، كان نصرانيا، كتب لمعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد، وعبد الملك، ثم عزله لما رأى منه بعض التفريط. ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 73وابن عبد ربه:
العقد الفريد 4/ 170والجهشياري: الوزراء والكتاب ص 40.
(5) انظر الخبر عند ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 164ولم أتوصل إلى معرفة عبد الحميد الأكبر.(2/831)
وولي على الشرطة:
رباح بن عباد [الغساني] (1). ثم عزله ووليّ يزيد بن بشر [السكسكي] (2) وهو ابن أبي كبشة (3). وعلى حرسه: [ريّان] (4) بن خالد الحكمي (5)، وهو مولى بني أميّة.
__________
(1) التصويب من: أ، ب، ج، وفي: الأصل العصاني، ووقع عند خليفة: أبو ناتل رياح بن عبدة الغساني. تاريخ ص 299، وعند ابن عبد ربه: رياح بن عبيدة الغساني.
العقد الفريد 4/ 399.
(2) التصويب من: أ، ب، ج، وفي الأصل: السكساكي. وانظر الخبر عند خليفة: تاريخ ص 299وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399وابن دقماق: الجوهر الثمين ص 64، وفرّق ابن حبيب بين يزيد بن بشر وبين يزيد بن أبي كبشه. المحبر ص 373.
(3) هكذا وقع في الأصل والنسخ الأخرى، قلت: وهو بخلاف ما وقع عند علماء النسب: أن اسم أبي كبشة جبريل بن يسار. ابن الكلبي: نسب معد 1/ 196وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 432.
يزيد بن أبي كبشة: من كبار الأمراء، كان مقدّم السكاسك، ولّاه عبد الملك على الغزاة. ولما استخلف سليمان، ولاه خراج السّند، ومات هناك قبل سنة مئة.
البخاري: التاريخ الكبير 8/ 354والذهبي: سير 4/ 443.
(4) في الأصل: زياد، وفي: أ، ب: زيان، والمثبت من: ج، وابن عبد ربّه: العقد الفريد 4/ 399وعند خليفة: الرّيّان بن خالد بن الرّيّان، مولى بني محارب. تاريخ ص 299 وقال ابن عساكر: ريان مولى بني الحارث والد خالد بن الريان، ولي الحرس لعبد الملك بن مروان.
(5) الحكمي: هذه النسبة إلى قبيلتين: فالأولى إلى الحكم بن سعد العشيرة من مذحج.(2/832)
والخازن على بيوت الأموال:
رجاء بن [حيوة] (1).
حاجبه:
أبو يوسف، مولاه (2).
نقش خاتمه:
الله الملك (3).
نقش طابعه:
أمنت بالله مخلصا (4).
__________
والثانية إلى الحكم بن بهراء. ابن الأثير: اللباب 1/ 378.
(1) في الأصل: رجاء بن حيات، والمثبت من: أ، ب، ج، وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399، رجاء بن حيوة الكندي الفقيه، من جلّه التابعين، كان ثقة، عالما، فاضلا، كثير العلم، مات سنة اثنتي عشرة ومئة. ابن سعد: الطبقات 7/ 454والذهبي: سير 4/ 544.
(2) خليفة: تاريخ ص 299وابن حبيب: المحبر ص 259وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399، أبو زرعة: تاريخ 1/ 237وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 19/ 261.
(3) لم أقف على هذا الخبر عند غير المؤلف.
(4) وقع عند المسعودي وغيره: كان نقش خاتمه: آمنت بالله مخلصا. التنبيه والإشراف ص 316وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 10/ 527وابن دقماق: الجوهر الثمين ص 64.(2/833)
وعلى خاتمه:
قبيصة بن ذؤيب الخزاعي (1).
(قبيصة بن ذؤيب رضي الله عنه) (2):
وقبيصة هذا يكنىّ: أبا إسحاق. وقيل: أبا سعيد (3).
روى عن أبي هريرة، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وجماعة من الصحابة (4).
ويروي عنه الزهري (5)، ورجاء بن حيوة، ومكحول (6).
__________
(1) خليفة: تاريخ ص 299وابن سعد: الطبقات 5/ 176وابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 399.
(2) عنوان جانبي من المحقق.
(3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1273، والذهبي: المقتني في سرد الكنى ص 63، 266.
(4) زيادة على ما ذكره المؤلف: روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وبلال ابن رباح، وعبد الرحمن بن عوف، وتميم الدّاري، وعبادة بن الصامت. الذهبي سير 4/ 282وابن حجر: الإصابة 5/ 271.
(5) محمد بن مسلم بن شهاب، أبو بكر، ثقة كثير الحديث والعلم والرواية، فقيها جامعا، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. ابن سعد:
الطبقات (القسم المتمم) ص 186157وابن حجر: تقريب ص 506.
والزهري: نسبة إلى زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. ابن الأثير: اللباب 2/ 82.
(6) مكحول الدمشقي، عالم أهل الشام، فقيه ثقة، عداده في أوساط التابعين، مات سنة بضع عشرة ومئة. الذهبي: سير 5/ 160155وابن حجر: تقريب ص 545.(2/834)